يذكر كتاب أسس الفلسفة الماركسية أن الفلسفة الماركسية تمثل نظاما متناسقا من وجهات النظر عن العالم كلل عن قوانين تطوره وعن طرق معرفته , ولذلك فهم يرون أن دراسة الفلسفة الماركسية تجعل الدارس يحصل على تصور متكامل لماهية العالم وكيفية تطوره ومكانة الإنسان في هذا العالم وهل بامكانه معرفة الواقع ولماذا تتبدل الحياة الاجتماعية وكيف يكمن أن تنظم بشكل أفضل ويقول نفس الكتاب أن من يبني الشيوعية وسيعيش في ظلها ويحب الحقيقة ويسعى نحوها ويريد أن يتغلغل في أسرار الكون والحياة البشرية يتوجب عليه أن يستوعب التعاليم الماركسية التي لا تغلب وفلسفتها القهارة التي أثبتت الحياة صحتها , ولذلك فان الفلسفة الماركسية بأفكارها القهارة والتي لا تغلب قررت حقائق معينة فقالت بان المادية عدو لا يعرف المهادنة للأفكار الغيبية ففي العالم الذي لا وجود فيه لغير المادة المتحركة لا مكان لأي روح غيبية , وتقول إن الأفكار الغيبية إذ تبشر بالخضوع والاستسلام وتبشر الناس بالجنة في العالم الآخر فإنها تحرف الشغيّلة ( طبقة العمال) عن حل أهم المسائل الاجتماعية وعن النضال ضد الاستغلال ومن اجل السلم والديمقراطية , وبالتالي فان الفلسفة الماركسية قدمت فكرة كلية عن الإنسان والكون والحياة وقامت بحل العقدة الكبرى حسب وجهة نظرها والعقدة الكبرى هي من أين أتيت والى أين سأذهب أي من خلقني ولماذا وكيف سأعيش وأين مصيري بعد الموت تلك كانت هي العقدة الكبرى فالماركسية حلت هذه العقدة عن طريق أن الحياة كلها مادة ولا وجود للغيبيات والرأسمالية حلتها حلا وسطا بحيث اعترفوا بالخالق ولكن فصلوا الدين عن الحياة فقالوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله أم الإسلام فقام بالحل بطريقة مختلفة تماما أم شروط حل العقدة الكبرى فشرطان
الاتفاق مع العقل
الموافقة للفطرة
وحل العقدة الكبرى عند الرأسماليين أو الشيوعيين قد تم ولكن بطرق مختلفة والحل عند الرأسماليين أو الشيوعيين لا يعني انه حل صحيح ولا يعني صحة العقيدة بل هو حل مجرد الحل وما لم يكن الحل موافقا للفطرة ومتفقا مع العقل فلا قيمة له .
وحتى نحل العقدة الكبرى لا بد أن نحل أساس هذه العقدة وهو من أين أتينا وبعد أن نعرف من أين أتينا نعرف إلى أين نذهب .
أما وجود الخالق فحقيقة ملموسة محسوسة , فالوجود للخالق يوضع الإصبع عليه بالحس وإدراكه إدراك حسي مباشر وليس إدراكا من قضايا منطقية بل الحس بهذا الوجود للخالق هو الذي يعطي هذا الإدراك كادراك أي شيء محسوس . وليس معنى هذا أن الخالق محسوس ملموس بل وجود الخالق هو المحسوس الملموس . والبرهان عليه في منتهى البساطة وان كان أيضا في منتهى التعقيد , وسنتكلم اليوم عن البساطة في البرهان على وجود الخالق فان الإنسان يحيا في الكون فهو يشاهد في نفسه وفي الحياة التي يحباها الأحياء وفي كل شيء في الكون تغيرا دائما وانتقالا من حال إلى حال ويشاهد وجود أشياء وانعدام أشياء أخرى ويشاهد دقة وتنظيما في كل ما يرى ويسمع فيصل من هذا الإدراك الحسي إلى أن هناك موجد لهذا الوجود المدرك المحسوس وهذا أمر طبيعي جدا فان الإنسان يسمع دويا فيظن انه دوي طائرة أو سيارة أو أي شيء ولكن يوقن انه دوي ناتج عن شيء فيوقن بوجود شيء خرج منه هذا الدوى , فكان وجود الشيء الذي نتج عنه الدوى أمرا قطعيا عند من سمعه , فقد قام البرهان الحسي على وجوده وهو برهان في منتهى البساطة فيكون الاعتقاد بوجود شيء نتج عنه الدوى اعتقادا جازما قام البرهان القطعي عليه ويكون هذا الاعتقاد أمرا طبيعيا ما دام البرهان الحسي قد قام عليه , وكذلك فان الإنسان يشاهد التغير في الأشياء ويشاهد انعدام بعضها ووجود غيرها ويشاهد الدقة والتنظيم فيها ويشاهد أن كل ذلك ليس منها وأنها عاجزة عن دفعه فيوقن أن هذا كله صادر عن غير هذه الأشياء وهو الذي يغيرها ويعدمها وينظمها فكان وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود الأشياء وتغيرها وتنظيمها أمرا قطعيا عند من شاهد تغيرها ووجودها وانعدامها ودقة تنظيمها فقد قام البرهان الحسي المباشر على وجوده وهو برهان في منتهى البساطة فيكون الاعتقاد بوجود خالق لهذه الأشياء المخلوقة والتي تعدم وتتغير ولا تملك إيجاد 1لك لها ولا دفعه عنها اعتقادا جازما قام البرهان القطي عليه , ولذلك كان من الطبيعي أن من يشاهد الأشياء المدركة المحسوسة وما يحصل فيها مما لا تستطيع دفعه عنها ولا إيجاده لها أن يصل عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجدا لهذا الوجود المدرك المحسوس وهذا أمر عام يشمل جميع البشر ولا يستثنى منه احد مطلقا , ولذلك كان الإقرار بوجود الخالق عاما عند جميع بني الإنسان وفي جميع العصور والخلاف بينهم إنما كان بتعدد الآلهة أو توحيدها ولكنهم مجمعون على وجود الخالق لأن أدنى أعمال للعقل فيما يحسه من الموجودات يرى أنها مخلوقة لخالق وان هناك خالقا .ولذلك جاءت آيات النظر في القرآن تلفت النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق " أفلا ينظرون..." " فرأيتم ما تمنون..." " إن في خلق السموات ..." وغيرها كثير(42/133)
غدا ان شاء الله متى يكون البرهان على وجود الله في منتهى التعقيد؟
قلنا إن البرهان على وجود الله في منتهى البساطة , وذكرنا أن آيات القرآن أو آيات النظر في القرآن تلفت النظر إلى بداية الوجود وكيفية الخلق حتى لو كان الشخص غير مسلم فهناك آيات النظر في كتاب الله تلفت نظر الإنسان إلى أمور يجب أن يلتفت إليها كل مخلوق عاقل ولكن الشيوعيون يعتبرون أن الفلسفة المثالية هي التي محورها الاعتقاد بوجود خالق يعتبر مصدر الوجود ومصيره وهذه الفلسفة تستند إلى القوى الغيبية في تفسير الظواهر المادية أو ترى وجود الفكر متقدما على وجود المادة وهي في إيغالها في التصورات الخيالية قد بعدت عن الواقع حتى أفسدته , أما الفلسفة المادية فهي التي تبدأ من المادة بدراستها ومعرفة قوانينها معتمدة في ذلك على المنهج التجريبي فكانت وحدها القادرة على تفسير جميع ظواهر الوجود تفسيرا علميا صحيحا وبالتالي فهي بحق الجديرة بوصف الفلسفة العلمية , والفلاسفة الماديون يذهبون إلى أن المادة وجدت أولا وان الفكر وجد تاليا وأنها أزلية لم يخلقها احد وأنها أبدية ولا توجد أي قوة فوق الطبيعة أو خارج العالم , وهناك فلسفات ثنائية لا تقول بأولية المادة أو أولية الفكر وإنما تثبت للعالم أساسين منفصلين ومختلفين في طبيعتهما المادة والروح والطبيعة والفكر الجسم والعقل وتلك كانت نظرية ديكارت وهناك الفلسفة الوضعية التي تكتفي ببحث الحقائق التي تصلح أن تكزون موضوعا للملاحظة دون البحث فيما وراءها سواء كان ماديا أو روحيا , أما فيورباخ والذي استفاد منه ماركس وانجلز فقد رفض المثالية والدين واشار إلى أن الفلسفة يجب أن لا تظل رهينة الفكر المجرد وان مهمتها دراسة الطبيعة والإنسان , وان الطبيعة توجد خارج الإنسان وأنها أولى أولية وجوهر لم يخلق أما الإنسان فانه جزء من الطبيعة ونتاج تطورها الطويل .
تلك ترهات الفكر المادي أحببت الإشارة إليه , لألفت النظر إلى أن البرهان على وجود الخالق يمكن أن يكون بسيطا ويمكن أن يكون في منتهى التعقيد , فذلك أن هناك أناسا من البشر يأبون البساطة ويعقدون على أنفسهم الأمور فيبحثون في هذا الأمر البسيط بشكل معقد فيصلون إلى أشياء جديدة تعقد عليهم الأمور , ولذلك صار لا بد لهم من براهين على هذه الأمور الجديدة التي وصلوا إليها .
وبالنسبة للشيوعيين فإننا نجد أن موضع إنكارهم للخالق هو أنهم يقولون إن العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعض بصورة متقابلة هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة , وان العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة . هذا هو موضع الإنكار عندهم, فالتعقيد جاء إليهم من تفسير ما في العالم من تغير وانتقال من حال إلى حال, وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تكن وانعدام بعض الأشياء بعد أن كانت أو على حد تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة , من تفسير ذلك بأنه يحدث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها فقوانين حركة المادة هي التي تؤثر في العالم .
فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة ولا هي خاصة من خواصها , وإنما هي مفروضة عليها فرضا من غيرها ومن خارجها فانه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة الكبرى , لأنه يكون العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة , بل سائرا بتسيير من أوجد له هذه القوانين وفرضها عليه فرضا واجبره على أن يسير بحسبها فتنتقض النظرية وتحل العقدة
أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة فلان القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد إنما يتحول حسب قوانين معينة أي حسب نسبة معينة من الحرارة , فان حرارة الماء ليس لها في بادىء الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل , لكن إذا زيدت أو أنقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار والى جليد في الحالة الأخرى , فهذه النسبة المعينة من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار والى جليد , وهذه النسبة أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين لم تأت من الماء لأنه لو كانت منه لكان بامكانه أن يغيرها لكن الواقع انه لا يستطيع تغييرها , ولا الخروج عنها وإنما هي مفروضة عليه فرضا , فدل ذلك على أنها ليست منه قطعا , وكذلك لم تأت من الحرارة , بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها , وأنها مفروضة عليها فرضا , فهي ليست منها قطعا , فتكون هذه القوانين ليست من المادة , وقد يقول شخص إن المادة لا تريد أن تغير النسبة , فنقول حتى الماركسيين قد قالوا إن الوعي نتاج التطور التاريخي للمادة وخاصية جسم مادي معقد غير عادي هو دماغ الإنسان , وبالتالي اعتبروا الوعي خاصية للدماغ وليس للحرارة .(42/134)
أما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة فلأن القوانين ليست أثرا من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال أنها خاصية من خواصها وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها ففي الماء تحول الماء ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة , لان القانون ليس تحول الماء إلى بخار والى جليد بل القانون تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء فالموضوع ليس التحول وإنما التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء , فهو ليس كالرؤية في العين من خواصها , بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع مخصوص , هذا هو القانون فكون العين ترى خاصية من خواصها , ولكن كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها وإنما هو أمر خارج عنها , وكالنار من خواصها الإحراق , ولكن كونها لا تحرق إلا بأحوال مخصوصة ليس خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها .
وبهذا يثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواصها وإنما هي أمر خارج عنها , وبما انه ثبت أن هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة وليست من المادة , فتكون آتية من غيرها ومفروضة عليها فرضا من غيرها ومن خارجها , وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها , وبذلك يثبت بطلان نظرية الشيوعيين ,لأنه ثبت أن العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضا .
هذه هي البراهين على وجود الخالق لإثبات وجوده لاؤلئك الذين عقّدوا على أنفسهم فتعقدت نظرتهم للعالم , وهي براهين مسكتة كافية لنقض نظريتهم .فالمادة لا تملك إلا أن تسير بهذه القوانين , وبالتالي فان المادة محتاجة , فهي مخلوقة وليست أزلية , وبذلك يبطل أساس المادية الديلكتيكية وهو العقيدة الأساسية .
اما الطريقة الديلكتيكية فاننا سننظر اليها ابتداءا كما يراها اصحابها , فالماركسيون يرون ان الفلسفة الماركسية مادية ديالكتيكية , فهي مادية لانها تنطلق عند حل المسألة الاساسية في الفلسفة من نقطة انطلاق تقول ان المادة - الوجود- هي الاولى وان الوعي ثانوي , كما تؤكد ايضا ان العالم مادي ويمكن معرفته , وتنظر اليه كما هو في الواقع , والفلسفة الماركسية ديالكتيكية لانها تنظر الى العالم المادي باعتباره في حركة دائمة وتطور وتجدد مستمرين , وانطلاقا من الحل الصحيح للمسألة الاساسية في الفلسفة تكشف المادية الديالكتيكية اعم قوانين تطور العالم المادي التي هي موضوعها ايضا , وخلافا للعلوم الخاصة فان المادية الديلكتيكية تدرس القوانين العامة التي تخضع لها جميع ميادين الواقع : مثلا: ان جميع الاشياء في الطبيعة الحية وغير الحية وجميع الظواهر في الحياة الاجتماعية والفكر تتطور وفقا لقانون وحدة وصراع الاضداد , ووفقا لقانون تحول التغيرات الكمية الى تغيرات كيفية , هذا وان موضوع المادية الديالكتيكية يشمل ايضا قوانين عملية المعرفة التي تمثل انعكاس الواقع الموضوعي .
بشكل مبسط ما سبق خطوط عريضة للمادية الديالكتيكية
وهذه المادية الديالكتيكية من حيث هي تأخذ ناحيتين في البحث
احداهما من ناحية البحث في الفكر
والثانية من ناحية البحث في الطبيعة
المعذرة تأخرت عن موعدي يوما
قلت بان الطريقة الديالكتيكية تأخذ ناحيتين في البحث
البحث في الفكر
البحث في الطبيعة
اما البحث في الفكر فالديالكتيكية ترى ان الفكر انعكاس الواقع على الدماغ , اي ان القضية هي قضية واقع فاذا وجد الواقع(المادة) وجد الفكر اي ان وجود الواقع هو الذي اوجد الفكر , ونرى ان ماركس يصرح عن ذلك فيقول " ان طريقتي لا تختلف تماما عن طريقة هيجل بل ضدها تماما , وهيجل يرى ان الفكرة هي التي خلقت الواقع , ولكن ماركس يرى ان الواقع هو الذي اوجد الفكرة , اذن هيجل يرى الفكرة قبل الواقع ولكن ماركس يرى الواقع قبل الفكرة , , ويرى مفكروا الشيوعية ان المادة والطبيعة والكائن الحي هي حقيقة موضوعية موجودة خارج الوعي , وان المادة منبع الاحساسات والتصورات والادراك , ويرى انجلز ان مسألة علاقة الفكر بالكائن وعلاقة العقل بالطبيعة هي المسألة العليا في كل فلسفة , , وبالتالي فان العقل ليس سوى نتاج المادة ولكنه النتاج الارقى والاعلى , , ويؤكد لينين ان المادية تقبل ان الكائن الموضوعي (المادة) هو مستقل عن الادراك , عن الاحساس , عن التجربة , فالادراك ليس الا انعكاس الكائن , اي ان المادة والطبيعة والكائن هو الموجود الفيزيائي الاول بينما العقل والاحساس هي العنصر الثاني ,
ولكن هذا التعريف للعقل باطل وذلك لسببين(42/135)
اول : انه لا يوجد انعكاس بين الواقع وبين الدماغ فلا الواقع ينعكس على الدماغ ولا الدماغ ينكس على الواقع , فالانعكاس هو ارتداد المادة المنعكسة عما انعكست عليه , فاذا جاءت اشعة الشمس على الجدار ارتطمت به وانعكست عنه , هذا هو الانعكاس فكيف ينعكس الدماغ على الواقع او الواقع على الدماغ فلو احضرنا كتابا باللغة الصينية او صفحة من عشر كلمات وثبتناها مكان كلمة منتدى التوحيد , فبمجرد ان يفتح الشخص المنتدى يلاحظها امامه , اذن هي واقع وبمجرد ملاحظتها يجب ان تنعكس على الدماغ وبالتالي يتولد الفكر بمعنى ان كل من يراها يتولد عنده الفكر اي يفهمها فهل يحصل ذلك , طبعا لا يحصل ذلك قطعا , عند شخص مثلي برغم اني امتلك دماع ولا تحصل عند اي شخص لا يعرف اللغة الصينية , اذن المسألة ان عملية الفكر لم تحصل لماذا لان الواقع لا ينعكس على الدماغ ولا الدماغ ينعكس على الواقع , اي ان هناك شروط حتى تتم العملية الفكرية , العملية الفكرية في المثال اعلاه لم تتم عند شخص مثلي ولكنها تتم عند شخص يفهم اللغة الصينية , كيف ذلك , ثم ما نقول في الشخص الاعمى كيف تتم عنده العملية الفكرية , وكيف تتم العملية الفكرية في الظلام .
قلت بان الطريقة الديلكتيكية كما هي تبحث في ناجيتين ناحية البحث في الفكر وناحية البحث في الطبيعة , وبدأت الحديث عن ناحية البحث في الفكر وقلنا ان مفكري الماركسية ماركس وانجلز قد قالوا ان الفكر نتاج المادة وان العملية الفكرية تحصل نتيجة انعكاس الواقع على الدماغ , وضربت لذلك مثالا عن اللغة الصينية , وعرفت الانعكاس انه هو ارتداد المنعكس عما انعكس عنه , وهذا غير موجود لا في الواقع ولا في الدماغ , وقبل ان اتكلم عن كيفية القيام بالعملية الفكرية , اتكلم عن ما يحصل في العين من الابصار , فالابصار ليس انعكاسا وانما هو انكسار , فان الضوء ينكسر في العين وتستقر صورة المادة على الشبكية ولا ترتد الى الخارج فالذي يحصل هو انكسار وليس انعكاس , وفرق بينهما , فالانعكاس ارتداد الصورة الى الخارج والانكسار استقرار الصورة في الداخل , فالصورة التي تظهر في المرآة هي عملية انعكاس وهي انما تظهر حين ينعكس عليها الضوء , فتستقر الصورة وحين لا يكون ضوء لا تظهر الصورة , فالانعكاس في هذه العملية هو للضوء على جسم غير قابل لاختراق الضوء اليه , ولذلك لا تظهر الصورة اذا لم ينعكس الضوء , فالوضع في هذه الحالة انعكاس للضوء وليس للصورة اما الصورة فتستقر , ولذلك حين تظهر صورة الشخص او المادة في عين آخر تظهر من انعكاس الضوء ولذلك لا تظهر في الظلام وهذا ليس انعكاسا للشخص او المادة وانما هو انعكاس للضوء ولذلك لا تظهر في الظلام
اما وقد رفضنا تعريف العملية الفكرية اي كيف يتم التفكير كما يراه الماركسيون , فاننا سنطرح الان كيف تتم العملية الفكرية
نجيب بطرح سؤال
قلنا في المثال اننا لووضعنا كلام باللغة الصينية مكان كلمة منتدى التوحيد , فمن سيعرف معنى هذه الكلمات , ولكن لو وضعنا صورة تفاحة , وعرضناها امام كل من سيدخل المنتدى فمن سيعرفها , الكل سيقول انا سأعرفها , ولكن السؤال لماذا لم نعرف معنى الكلام الصيني وعرفنا صورة التفاحة ؟
وارجو من الاخوة ان يسألوا انفسهم لماذا نلتقي بشخص فنعرفة وشخص آخر لا نعرفه
ان اجبنا على هذا السؤال عرفنا كيف تتم العملية الفكرية ,
حتى تتم العملية الفكرية لا بد من توفر شروط مجتمعة والا لا يتم اي فكر او عقل او ادراك وهذه الشروط هي :
1 - دماغ صالح
2 - واقع
3 - حواس
4 - معلومات سابقة
فالعملية الفكرية هي نقل الواقع الى الدماغ عن طريق الحواس مع وجود معلومات سابقة , فمثال اللغة الصينية الذي ذكرت لا يمكن ان يفهمه الا شخص لديه معلومات عن اللغة الصينية , والطفل ان وضعت له قطعة حجر وقطعة ذهب لا يمكن ان يميز بينهما , وسيدنا آدم عليه السلام عندما خلقه سبحانه قال عز وجل " وعلّم آدم الاسماء كلها " اذن الحق سبحانه اعطى آدم المعلومات السابقة , التي استطاع ان ان يتعامل بها مع سؤال الله سبحانه " يا آدم انبئهم باسمائهم , وبغم ان هذه الايات قطعية الدلالة , الا اننا في الفكر لا نقيس الحاضر على الغائب بل نقيس الغائب على الحاضر اي ندرس واقع الفكر في زماننا هذا فلا يصح ان نقيس الانسان الذي امامنا والمعلوم لدينا على الانسان الاول الغائب والمجهول , وبامعان النظر في كيفية اتمام العملية الفكرية , نجد ان الشروط التي ذكرناها لا تخرج عن شروطها اية عملية فكرية ابدا , فهذا التعريف للفكر لا بد وان يكون قطعيا , والعملية الفكرية لا علاقة لها بدين ولا بمذهب بل هي تعريف للفكر عند كل البشر , وهي خاصة بالبشر اما الحيوانات فيتم عندها ما يسمى بالرجع للغرائز والحاجات العضوية, وبالتالي يكون تعريف الماركسيين قد سقط , ولا قيمة لأي انعكاس للواقع على الدماغ ولا للدماغ على الواقع , اضافة الى ان الفكر لا يمكن ان يتم بمجرد الاحساس , فلا بد من المعلومات السابقة ,(42/136)
وقد يقال ان الانسان قد يرى شخصا ولا يكلمه وليس لديه اية معلومات عنه ثم يغيب سنوات فيراه فيعرفه حالا , فهنا استعاد الانسان الاحساس وباستعادته للاحساس اصدر حكما بان هذا الشخص هو عينه الذي رآه قبل سنوات , والجواب على ذلك هو ان الاحساس بالشيء يحصل في الدماغ ويحدث انطباعا فيه فاذا عرض الشيء مرة اخرى بواسطة نفس الاحساس يسترجع الانسان احساسه الاول فيعرف انه هو عينه ويحدث تصرفا بناءا على هذا الاسترجاع
فمثلا الطفل ضع امامه مصباحا زجاجته ساخنة سخونة شديدة واجعل الطفل يلمسه فيحرق يده ثم بعد مدة ادن زجاجة المصباح من الطفل واطلب منه ان يلمسها فانه يرفض . لأنه يسترجع احساسه للزجاجة فيجد انها تحرق فيرفض ان يلمسها , وكذلك الشخص الذي رأيته تسترجع احساسك الاول فتعرفه وهذه المعرفة ليست فكرا وانما هي استرجاع للاحساس فقط , فحسب الحاسة التي احست به يحصل الاسترجاع
ولا يرد هنا الحديث الفكر قبل المادة او بعد المادة اي ليس فيمن يسبق الآخر , وانما البحث في تعريف الفكر ما هو واذا قيل ان الفكر موجود قبل الواقع وان الفكر هو خالق الواقع وصانعه كما يقول هيجل فان ذلك خطأ من حيث ان الفكر هو الحكم على الواقع فلا بد ان يكون الواقع موجودا حين التفكير فيه , واذا قيل ان الواقع قبل الفكر وان العقل ليس سوى نتاج المادة الاعلى كما يقول انجلز فان ذلك خطأ من حيث ان الفكر هو الحكم على الواقع ولا يتأتى الحكم الابوجود معلومات سابقة عن الواقع , وهذه المعلومات هي جزء جوهري في الفكر حتى يوجد فيكون وجوده متوقفا على وجود المعلومات كان حديثنا السابق عن المعلومات السابقة , وقلنا بان المعلومات السابقة ركن اساسي لاتمام العملية الفكرية , اذ لا يمكن للعملية الفكرية ان تتم الا بوجود المعلومات السابقة , واقول بان المعلومات السابقة ليس حتما ان تكون بعد وجود الواقع فقد تكون قبل وجوده , لأنه اذا ثبت ان المادة ازلية فيجب ان تكون المعلومات قد وجدت بعدها حتما , فتكون حينئذ المعلومات وجدت بعد المادة وبالتالي يكون الفكر او العقل من حيث هو قد وجد بعد المادة , اما اذا ثبت ان المادة ليست ازلية وانها مخلوقة لخالق فانه حينئذ يجب ان تكون اول معلومات سابقة عن اول فكر موجودة قبل المادة , فيجب ان تكون ممن خلق المادة , فالله الخالق هو الذي انزل اول معلومات وهي سابقة اول فكر حصل في الوجود , والفكر حتى يحصل لا بد له من معلومات , فاول فكر حصل لا بد له من معلومات قبله , ولم يحصل قبله فكر حتى توجد معلومات عن الواقع , فيتحتم ان تكون اول معلومات عن اول فكر موجودة قبل الواقع , اذ لو وجدت بعده لحصل فكر فلا يكون اول فكر قد حصل بمعلومات بل حصل من الواقع وحده , وبالتالي لا يكون يكون الفكر محتاجا لمعلومات حتى يحصل وهذا باطل اذ لا يمكن ان يوجد فكر الا بمعلومات سابقة , ولذلك كان لا بد ان تكون اول معلومات لأول فكر موجودة قبل المادة , لان القول بوجود اول معلومات لاول فكر بعد المادة نفي الحاجة لسبق الفكر لاول فكرة حصلت , وعليه فان ثبوت ان المادة مخلوقة لخالق يوجب ان تكون اول معلومات لاول فكر قد حصلت قبل المادة وثبوت ان الفكر لا يوجد الا بمعلومات سابقة يوجب كذلك ان تكون اول معلومات لاول فكر قد حصلت قبل المادة قلنا فيما سبق ان الماركسية تأخذ ناحيتين في البحث
قلنا ان الماركسية تبحث في ناحيتين
الاولى دراسة الفكر
والثانية دراسة الطبيعة
وقد تحدثنا فيما سبق عن دراسة الفكر ونبدأ اليوم بدراسة الجزء الثاني وهو درس الطبيعة , فنجد ان الماركسيين يطبقون دراستهم في الفكر على دراسة الطبيعة , ويقولون اذا ثبت ان الطبيعة هي العنصر الاول والفكر هو العنصر الثاني , واذا ثبت ان العالم المادي واقع موضوعي مستقل عن الادراك , بينما الادراك او الفكر هو انعكاس الواقع الموضوعي على الذهن اذا ثبت ذلك نتج عنه : ان حياة المجتمع المادية او كيان المجتمع هو العنصر الاول , وبالتالي فان حياة المجتمع العقلية تكون عنصر ثاني مشتق , وان حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي موجود موجود بصورة مستقلة عن ارادة الانسان , اما حياة المجتمع العقلية فهي انعكاس هذا الواقع الموضوعي , او انعكاس الموجود , وبالتالي يجب البحث عن منشأ حياة المجتمع , وعن اصل الافكار التي تبحث في تنظيم المجتمع , وعن النظريات التي تبحث في تنظيم المجتمع وعن الاراء السياسية والاوضاع السياسية لا في الافكار والنظريات , بل في شروط الحياة المادية للمجتمع
نبدأ الحديث عن درس المجتمع ورد في اسس الفلسفة الماركسية " ان الديالكتيك المادي الماركسي هو تعاليم عامة عن التطور والرابطة الشاملة , وانه اذ يعطي صورة عن العمليات المادية فانه يمثل اسلوبا علميا لمعرفة العالم , ... ان الديالكتيك الماركسي هو في اساسه انتقادي ثوري , فهو لا يعترف بشيء غير قابل للتبدل , خالد , خلق ليبقى الى الابد على ما هو عليه , ولا يوجد ما هو خالد في الديالكتيك الماركسي عدا التقدمالذي لا نهاية له والحركة الخالدة المتواصلة الى امام "
موضوع المادية التاريخية(42/137)
ترى الماركسية ان موضوع المادية التاريخية هو دراسة المجتمع وقوانين تطوره , وهذه القوانين موضوعية كقوانين تطور الطبيعة , كما ان المادية التاريخية تعطينا تفسيرا علميا ماديا ديالكتيكيا لظواهر الحياة الاجتماعية , وانها تحل قضايا التطور التاريخي العامة الهامة من مثل قضايا العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي واهمية الانتاج المادي في حياة الناس , ان المادية التاريخية تعطي الامكانية لفهم دور الشعب والافراد في التاريخ وكيف ظهرت الطبقات والصراع الطبقي وكيف ظهرت الدولة ولماذا تحدث الثورات الاجتماعية , ثم تقول الماركسية .... ان المادية التاريخية هي التظرية العلمية الوحيدة عن التطور الاجتماعي
فلنا ان حديثنا سيكون عن المادية التاريخية - اسلوب الانتاج او اساليب الانتاج
يقول الماركسيون ان ماركس وانجلز هما اللذان تمكنا من ان يكشفا كل تعقيد وتناقض في تطور المجتمع , وان يتغلغلا عميقا في جوهره , واوجدا نظرية جديدة من التطور الاجتماعي هي المادية التاريخية , ماذا عملا - لقد طرد ماركس وانجلز المثالية من علم الاجتماع وصاغ الموضوعة الرئيسية للمادية التاريخية : الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي
فما هو الوجود الاجتماعي وما هو الوعي الاجتماعي
الوجود الاجتماعي : هو الحياة المادية للمجتمع وقبل كل شيء نشاط الناس الانتاجي والعلاقات الاقتصادية التي تنشأ بين الناس في عملية الانتاج
اما الوعي الاجتماعي : فهو حياة الناس الفكرية والافكار والنظريات والآراء التي يسترشدون بها في نشاطهم العملي , وقد اكد الاثنين اولوية الوجود الاجتماعي وثانوية الوعي الاجتماعي
تاريخ المجتمع كتاريخ للتطور والتبدل القانوني لاساليب الانتاج
ما دام اسلوب الانتاج هو الاساس المادي للحياة الاجتماعية الذي يقرر جميع جوانبها الاخرى , فان تاريخ المجتمع يجب ان يبحث قبل كل شيء كتاريخ للتبدل القانوني لاساليب الانتاج
ويعرف التاريخ خمسة اساليب انتاج متتابعة هي
1 - اسلوب الانتاج المشاعي البدائي
2 - اسلوب الانتاج القائم على الرق
3 - الاقطاعي
4 - الراسمالي
5 - الاشتراكي
وهذه الاساليب كما ترى الفلسفة الماركسية , ليست مراحل اختيارية للامم والشعوب شعب يختار الاقطاع وشخص يختار الرأسمالية انما هي مراحل مرتبة بنفس التسلسل , والانتقال من مرحلة الى مرحلة اخرى هو انتقال حتمي وليس اختياري زيتم الانتقال نتيجة تطور قوى الانتاج ,
ليلاحظ الاخوة انني في هذا اللقاء والذي سبقه ما زلت اعرض الفكرة الماركسية عن المادية التاريخية كما هي ولم ارد عليها
لقد بنى كارل ماركس مذهبه على اساس مبدأ فلسفي يعرف بالمادية التاريخية اي ما يسمى بالنظرية الديالكتيكية , وراى ان قيام النظام الجديد سيتم بمجرد عمل القوانين الاقتصادية وبمقتضى قوانين التطور , من غير تدخّل ادارة متشرّع او مصلح وقد اطلق على نظرية كارل ماركس اسم الاشتراكية العلمية تمييزا لها عن الطرق الاشتراكية التي تقدمتها وتتلخص نظرية كارل ماركس في المادية التاريخية بما يلي :
ان نظام المجتمع الذي يقوم في عصر ما هو نتيجة للحالة الاقتصادية وان التقلبات التي تصيب هذا النظام انما ترجع كلها الى سبب واحد هو كفاح الطبقات من اجل تحسين حالتها المادية كما ان التاريخ يحدثنا بان هذا الكفاح انما ينتهي على صورة واحدة هي انتصار الطبقة الاوفر عددا والاسوأ حالا وهذا ما يسميه بقانون التطور الاجتماعي وهو ينطبق على المستقبل كما ينطبق على الماضي , ففي العصور الماضية كان الكفاح موجودا بين الاحرار والارقاء ثم بين الاشراف والعامة ثم بين الاشراف والفلاحين , وكذلك بين لرؤوساء والعرفاء في نظام الطوائف وقد كان ينتهي دائما بانتصار الطبقة المظلومة الكثيرة العدد على الطبقة الظالمة القليلة العدد ولكن بعد انتصارها تنقلب الطبقة المظلومة الى طبقة ظالمة محافظة . ومنذ الثورة الفرنسية اصبح هذا الكفاح قائما بين الطبقة المتوسطة (البرجوازية) زطبقة العمال فقد صارت الاولى سيدة المشروعات الاقتصادية ومالكة رؤوس الاموال كما صارت طبقة محافظة , وفي وجهها تقوم طبقة العمال , وهي لا تملك شيئا من رأس المال ولكنها الاوفرعددا فهناك تناقض بين مصالح هاتين الطبقتين وهو يرجع الى اسباب اقتصادية
وتعتبر نظريات كارل ماركس اشهر النظريات الاشتراكية واكثرها تاثيرا فقد سادت هذه النظريات العالم الاشتراكي وقام على اساسها الحزب الشيوعي السوفييتي والتي عمرت نحو سبعين سنة قبل ان تزول منذ عقدين من السنين
ومن نظريات كارل ماركس
نظرية القيمة
قانون التركز
المنافسة الحرة
الازمات الاقتصادية(42/138)
ويرى كارل ماركس ان نظام الانتاج اليوم (في عهده) اصبح لا يتمشى مع نظام الملكية فالانتاج لم يعد فرديا اي يقوم به الشخص بمفرده كما كان في الازمنة الماضية , بل اصبح اشتراكيا اي يشترك فيه الافراد , بينما نظام الملكيةلم يتغير تبعا لذلك فظلت الملكية قائمة ولا تزال هي اساس النظام في المجتمع الحالي فكان من نتيجة ذلك ان طبقة العمال وهي تشترك في الانتاج لا تشترك في ملكية راس المال واصبحت تحت رحمة اصحاب راس المال الذين لا يشتركون في الانتاج , في حين انهم يستغلون العمال اذ لا يدفعون اليهم من الاجر الا ما يعادل الكفاف والعامل مضطر لقبوله اذ لا يملك غير عمله , فالفرق بين قيمة الناتج واجر العامل - وهو ما يسميه ماركس بالقيمة الفائضة - يتكون منه الربح الذي يستإثر به الراسمالي , مع ان العدل يقضي ان يكون من نصيب العامل , فالحرب ستظل معلنه بين هاتين الطبقتين حتى يتلاءم نظام الملكية مع نظام الانتاج اي حتى تصير الملكية اشتراكية , وسنتهي هذا النضال بانتصار طبقة العمال تبعا لقانون التطور في المجتمع , لأنها هي الطبقة الاسوأ حالا والاوفر عددا , اما كيف تنتصر طبقة العمال واسباب انتصارها فذلك ما ينبىء به قانون التطور للمجتمع , فنظام الحياة الاقتصادية الحاضرة يحمل في نفسه بذور الجماعة المستقبلة وهو مقضيّ عليه بالزوال بفعل القوانين الاقتصادية التي يخضع لها , فقد جاء وقت انتصرت فيه الطبقة المتوسطة على طبقة الاشراف فلعبت دورا مهما في الحياة الاقتصادية اذ كانت هي مالكة رؤوس الاموال ولكنها اليوم انتهت مهمتها , وحان الوقت الذي تتخلى فيه عن مكانتها لطبقة العمال ,
ويحتّم عليها ذلك قانون التركّز وفعل المنافسة الحرّة , فبفعل قانون التركز اخذ يتناقص عدد اصحاب رأس المال ويتزايد عدد العمال الاجراء , كما انه بفعل المنافسة الحرة تجاوز الانتاج كل حد فاصبحت كمية الانتاج تزيد عما يستطيع المستهلكون من طبقة العمال شراءه منها وهو يتناولون اجورا غير كافية , فادى ذلك الى وقوع الازمات التي من نتائجها ان يفقد بعض الناس رؤوس اموالهم فيدخلون طبقة العمال , وكلما تقدّم النظام الحاضر كلما اشتدت وطأة الازمات وتقاربت اوقات وقوعها وكلما تناقص اصحاب رأس المال تزايد العمال , ثمّ لا يلبث ان ياتي يوم تقع فيه ازمة اكبر من كل ما تقدمها فتكون هي النكبة الكبرى , اذ تقوّض اركان النظام الراسمالي فيقوم على انقاضه نظام الاشتراكية . ويرى ماركس في قيام الاشتراكية آخر دور للتطور التاريخي , لانها تهدم الملكية الخاصة فلا يكون هناك ما يدعو الى تطاحن الطبقات في المجتمع , وذلك لاختفاء ما بينها من فروق
يتبع قانون التركز
المنافسة الحرة
الازمات الاقتصادية
اما قانون التركز الذي تكلم عنه ماركس فهو من النظام الرأسمالي , وخلاصته ان هناك حركة تنقل في العمل وراس المال من بعض المشروعات نحو بعضها , اذ يكبر بعضها في حين يصغر بعضها الاخر , فهذه كلها حالات تدل على حدوث تركز في الانتاج , فاذا بحثت في عدد من المشروعات في فرع واحد تجد ان عدد المشروعات قد صار الى التناقص في حين زاد متوسط ما يستخدم في كل مشروع من قوى الانتاج وفي هذا دليل على انه قد حدث تركّز في هذا الفرع من الانتاج , اذ اخذ الانتاج الكبير يحل فيه محل الصغير فلو كان عدد المصانع 10 فانها تصبع اربعة كبيرة وتنقرض باقي المصانع , واما المنافسة الحرة فهي تعني قاعدة حرية العمل وهي ان يكون لكل شخص في ان ينتج ما يشاء كما يشاء.
واما الازمات الاقتصادية فهي تطلق على كل اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي , والازمة الخاصة تشمل كل انواع الازمات التي تحل بفرع من فروع الانتاج بسبب ما يحدث من فقدان التوازن بين الانتاج والاستهلاك , وهذا الحادث ينجم اما عن افراط في الانتاج او قلة فيه او افراط في الاستهلاك او قلة فيه
واما الازمة الدورية فهي تطرأ على شكل هزّة عنيفة تزعزع اركان النظام الاقتصادي كله وتكون هي النقطة التي تفصل بين عهد النشاط وعهد الكساد , وعهد النشاط يتراوح بين ثلاث وخمس سنين وعهد الكساد يتراوح بين تلك المدة , والازمة الدورية العامة لها صفات خاصة تتميز بها : هي صفة العموم , فهي تصيب في البلد الواحد كل نواحي النشاط الاقتصادي او على الاقل اكثرها , ثم هي تظهر اولا في احد البلاد وتعم فيه ثم تسري منه الى البلاد الاخرى , التي احرزت نصيبا من التقدم الاقتصادي وكان يربط بعضها ببعض علاقات مستمرة , والصفة الثانية صفة الدورية وهي انها تحدث كل مدة بصفة دورية والدورة التي تفصل بين ازمة واخرى تتراوح بين 7 - 11 سنة , الا ان حدوثها ليس في مواعيد ثابتة ولكنها تحث دوريا , اما الصفة الثالثة فهي افراط الانتاج اذ يصادف اصحاب المشروعات صعوبة كبيرة في تصريف منتجاتهم فيزيد العرض على الطلب في كثير من المنتجات فتحصل الازمة , فكارل ماركس يرى ان هذه الازمات تؤدي الى ان يفقد بعض الناس رؤوس اموالهم فيتناقص عدد اصحاب رؤوس الاموال ويتزايد عدد العمال وهذا يؤدي الى حصول ازمة كبرى في المجتمع تقوّض النظام القديم(42/139)
كما ترون ايها الاخوة سيناريو فيلم هندي
تلك بعض النقاط عن تطبيق التطور في الحياة الاقتصادية للمجتمع ونبدأ اليوم في البحث في الطبيعة من النظرية الديالكتيكية واقول ان اراء الماركسيين تتلخص في اربع نقاط :
1_ الطبيعة كل واحد متماسك ترتبط فيه الاشياء والحوادث فيما بينها
2 - الطبيعة ليست في حالة سكون بل هي في تطور وتغير دائمين
3 - ان حركة التطور هي تطور ينتقل من تغيرات كمية الى تغيرات كيفية بشكل سريع وفجائي
4 - ان كل الاشياء وحوادثها تحوي تناقضات داخلية
اما النقطة الاولى وهي ان الطبيعة كل واحد متماسك ترتبط فيها الاشياء والحوادث فيما بينها ارتباطا تاما , فهم يقولون ان الديلكتيك لا يعتبر الطبيعة تراكما عرضيا للاشياء , او حوادث بعضها منفصل عن بعض او احدها منعزل مستقل عن الاخر بل يعتبر الطبيعة كلا واحدا متماسكا ترتبط فيه الاشياء والحوادث ارتباطا عضويا ويتعلق احدها بالاخر ويكون بعضها شرطا للبعض الاخر بصورة متقابلة , ولذلك يعتبرون ان اي حادث من حوادث الطبيعة لا يمكن فهمه اذا نظر اليه منفردا بمعزل عن الحوادث المحيطة به. اذ ان اي حادث في اي ميدان من ميادين الطبيعة يمكن ان ينقلب الى عبث فارغ لا معنى له اذا نظر اليه بمعزل عن الشروط التي تكتنفه واذا فصل عن هذه الشروط , وعلى العكس يمكن فهم اي حادث من الحوادث وتبريره اذا نظر اليه من حيث ارتباطه ارتباطا لا ينفصم بالحوادث المحيطة , اي اذا نظر اليه كما تحدده وتكيّفه الحوادث التي تحيط به , وهذا يعني ان الشمس مرتبطة ارتباطا لا ينفصم بحركتها وبحركة الكواكب المحيطة بها , ويعني ان الانسان مرتبط بالبلد الذي يعيش فيه ارتباطا لا ينفصم ويعني ان الحياة الموجودة في الكائن الحي مرتبطة بحلولها في الكائن الحي ان انسانا او حيوانا او شجرة ارتباطا لا ينفصم وانه لا يمكن فهم الشيء الا بالحادثة التي تكتنفه كما لا يمكن فهم الحادثة الا بالشيء والاشياء التي تكتنفها فيكون الشيء او الحادثة كما تحدده الحوادث او الاشياء التي تحيط به وليس كما تحدده ماهيته .
يتبع النقطة الثانية " الطبيعة ليست في حالة سكون
قبل ان ننتقل الى النقطة الثانية من ان الطبيعة في حالة سكون , وحتى لا ينسي الكلام بعضه بعضا نرد على النقطة الاولى , وهي ان الطبيعة كل واحد متماسك , فهذه النقطة ان هي الا مجرد فروض فالطبيعة هي مجموع الاجرام ومجموع النظام الذي تسير عليه , وبالنسبة لكوكب الارض التي نعيش عليها هي عبارة عن القوانين التي تسير الارض وما فيها من قابليات الحياة مع الارض والاشياء التي عليها , فهذه الطبيعة اي الاشياء وقوانينها كل متماسك الاجزاء من حيث الكون كله ومن حيث الارض كلها ومن حيث كل كوكب بوصفه كلا اما من كل كوكب ومن حيث الارض بالذات فانها في اشيائها الخاصة بها وقوانينها الخاصة غير مرتبطة بغيرها بل هي من هذه الجهة منعزلة عن غيرها وتعيش في وسط يتعلق بها وحدها من اشياء وقوانين وان كان ذلك يجري ضمن الاطار العام الجامع للكون , وكذلك الاشياء التي على الارض مع قوانينها فانها من حيث كل شيء فيما يتعلق به منفردة عن غيرها ولكل شيء قوانينه الخاصة به وغير مرتبط بغيره , وان كان ذلك يجري ضمن قوانين الكون , وهذا فيما يتعلق بالكوكب وبالارض بالذات قد ظهر جليا بشكل ملموس بعد رحلات الفضاء , حيث ثبت انقطاع الوزن عند وصول الشخص الى مكان تعادل الجاذبيات فلم تعد جاذبية الارض تؤثر عليه , اذ في النقاط التي تتعادل فيها جاذبية كوكبين او اكثر تنعدم الجاذبية فيكون الشخص كأنه خرج من جاذبية الارض فلم تعد قوانينها تؤثر عليه , وهذا يعني ان للارض قوانين خاصة بها غير مرتبطة بغيرها من الكواكب وتجري بشكل منفرد , وان كان لها قوانين اخرى مرتبطة بغيرها من الكواكب , فالزلازل في ايران لا تؤثر على العراق , وزلزال الجزائر لم يؤثر على ليبيا , والراكين في جهة لا تؤثر على الجهة الاخرى , وما يجري على الانسان لا يجري على الحيوان , فالحيوان يمشي على اربع , ويفقد الادراك العقلي , ويعيش حسب الطاقة الحيوية من غرائز وحاجات عضوية والانسان يمشي على رجلين ويستعمل يديه على خلاف استعماله لرجليه ويملك الادراك العقلي وسلوكه في الحياه حسب مفاهيمه وليس حسب غرائزه وحاجاته العضوية , وما عليه الجمادات غير ما عليه الكائن الحي فالجمادات لا تحتاج الى غذاء والكائن الحي يحتاج الى غذاء
وعلى هذا يكون من الخطأ القول بان الشيء او الحادثة انما يكون كما تحدده الحوادث والاشياء التي تحيط به , لان الواقع ان الاشياء والحوادث انما تحدد ماهيتها وليس الاشياء المحيطة بها
=================(42/140)
(42/141)
فساد مقولة ( إرادة الشعب من إرادة الله )
سؤال:
قرأت في بعض كتب المفكرين عبارة ( إرادة الشعب من إرادة الله ) أرجو الإفادة عن صحة هذه العبارة ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله عن هذا الإطلاق فأجاب قائلاً :
( هذا افتراء عظيم تجرأ به على الله بعض فلاسفة المذاهب ومنفذيها جرأة لم يسبق لها مثيل في أي محيط كافر في غابر القرون ، إذا غاية ما قص الله عنهم التعلق بالمشيئة بقولهم : ( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ) الأنعام /148 .
فكذبهم الله ، وهؤلاء جعلوا للشعب الموهوم - إرادة الأمر - لتبرير خططهم التي ينفذونها ، ويلزم هذا الإفك إفساد اللوازم المبطلة له ، الدافعة لمن قاله ، إذ على قولهم الفاسد يكون للشعب أن يفعل ما شاء ويتصرف في حياته تصرف من ليس مقيداً بشريعة وكتاب ، بل على وفق هواه ، وعلى أساس المادة والشهوة ، والقوة ، كالشعوب الكافرة التي لا تدين بدين يقبله الله ، ولا ترعى خُلقاً ولا فضيلة .
فهذا الإفك العظيم لم يجرؤ عليه أبو جهل ومن على شاكلته مع خبثه وعناده ، لأن قبحه معروف ببداهة العقول ، حيث إن أذواق الشعوب ونزعتها تختلف ، فإذا جعلت إرادة الشعب من إرادة الله صارت نزعات الوجودية ، والشيوعية ، والنازية ، والصهونية ، ووحشية الغاب وغيرها من إرادة الله التي أمر بها ، وصار كل ما تهواه النفوس الشريرة ، ويعشقه مرضى القلوب من التهتك ، والإنحلال ، ومعاقرة الخمر ، ودغدغة الغرائز ، وإشباع الشهوات على حساب الغير من أمر الله .
فعلام ينتقدون غيرهم ، ويصيحون عليه إذا كانت إرادة الشعوب ورغباتها من إرادة الله في حكمه الذي يرتضيه ؟ ولأي شيء يرسل الله الرسل ، وينزل الكتب ، ويشرع الجهاد ، والأمر والنهي على الناس إذا كانت إرادتهم من إرادته التي يرتضيها ؟.
هذا هو عين المحال ، ومنتهى الفجور والضلال ، والذين تزعموا هذا الإفك لا يطبقونه على أنفسهم ، بل يسمحون لها بغزو الشعب الذي لا يخضع لسلطانهم ، ولا يسير وفق أهدافهم .
فكأن الشعب الذي يحكمونه هم بقوة الحديد والنار هو الشعب الذي إرادته ألوهيةً من إرادة الله .
والباطل لابد أن يتناقض ، وينادي على نفسه بالبطلان ، فقد أشركوا بالله شركاً عظيماً ، إذ جعلوا الشعب نداً من دون الله ، وأهواءه أنداداً لشريعته وحكمته ، بدلاً من أن يكون محتكماًُ إلى الله ، ملتزماً لحدوده ، متكيفاً بشريعته ، منفذاً لها ) .
الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة ص 77-78
===============(42/142)
(42/143)
الإسلام في بريطانيا..
انتشر اعتناق الدين الإسلامي في صفوة المجتمع البريطاني، وفقاً لما ذكرته صحيفة(صنداي تايمز) التي أشارت إلى أن أكثر من 14 ألفاً اعتنقوا الدين الإسلامي بعدما خيبت القيم الغربية آمالهم، وأن أغلب هؤلاء تأثروا بكتاب الدبلوماسي البريطاني المسلم تشارلز ايتون (الإسلام وقدر الإنسان).
وقالت الصحيفة اللندنية الأسبوعية: إنه وفقاً لدراسة موثقة لظاهرة تحول البريطانيين إلى الإسلام فإن العديد من كبار ملاك الأراضي ومشاهير المجتمع وشخصيات بريطانية بارزة قد اعتنقوا الدين الإسلامي.
وأضافت أن مثل هذه الخطوة لاقت تشجيعاً من قبل القيادات الإسلامية في بريطانيا الذين أكدوا أن من شأن إسلام الشخصيات البارزة في المجتمع البريطاني أن يساعد في حماية المجتمع. ونقلت الصحيفة عن مؤلف الدراسة الموثقة يحيى بيرت (جوناثان بيرت سابقاً) نجل اللورد بيرت مدير هيئة الإذاعة البريطانية السابق قوله: إن هناك أكثر من 14200 بريطاني أبيض قد اعتنقوا الإسلام مؤخراً من بينهم عدد من المشاهير، مشيراً إلى أن الكثير من البريطانيين سوف يعتنقون هذا الدين لاحقاً.
جريدة الجزيرة عدد (11471).
دعوة إلى تنصير المسلمين؟!
دعا وزير السياحة الاسرائيلي الحاخام بيني أيلون (من وزراء اليمين المتطرف) المجموعات الأصولية المسيحية إلى تنصير المسلمين لمكافحة الإرهاب وتعزيز دولة إسرائيل.
وكشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية، النقاب عن أن أيلون نعت (الأمة الإسلامية برمتها بأمة قتلة وسفاحين)، وطلب من المبشرين الذين يجولون ويصولون في بقاع العالم التنقل من مسجد إلى آخر وحمل النور إلى المسلمين القتلة، على حد تعبيره.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية: إن وزير السياحة الإسرائيلي تفوه بهذه الكلمات العنصرية خلال لقاء عقده مع مبشرين مسيحيين من الولايات المتحدة الأمريكية قاموا بزيارة إلى الدولة العبرية مؤخراً. يشار إلى أن الوزير أيلون من حزب الاتحاد الوطني، هو زعيم حركة موليدت العنصرية، التي تنادي بترحيل جميع العرب الفلسطينيين من فلسطين ونقلهم إلى الدول العربية؛ لكي تبقي إسرائيل دولة للشعب اليهودي فقط.
وقالت المراسلة السياسية للصحيفة، ايلييل شاحر: إن الوزير العنصري قال للمبشرين المسيحيين: اذهبوا إلى المسلمين القتلة، الذين نسوا أنه يمنع القتل، اجعلوا المسلمين نصارى مؤمنين ورجالاً طيبين. وأضاف: في الماضي كنت أعتقد أن الإسلام أقرب إلى اليهودية من المسيحية لكن تغير رأيي؛ مناقضاً في ذلك الموقف اليهودي الرسمي الذي يسمح بالدخول إلى المساجد وليس إلى الكنائس. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن الوزير أيلون حذر المبشرين المسيحيين من مغبة القيام بأعمال تبشيرية في صفوف اليهود، وقال لهم: إن عملهم يجب أن يقتصر على المسلمين القتلة.
العالم الإسلامي العدد 1828 .
من الحجاب إلى اللحية ؟!
أقر البرلمان الفرنسي قانون منع الحجاب، على أن يبدأ العمل به في مطلع السنة الدراسية الجديدة. وصوت لصالح القانون الجديد 494 نائباً، واعترض عليه 36، وامتنع 31 عن التصويت. وصرح جان بيير رافاران رئيس الحكومة الفرنسية إثر المصادقة على القانون، بأن الجمهورية والعلمانية خرجتا معززتين بهذا العمل.
وقد وصف فؤاد العلوي، الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، إقرار القانون، بأنه يوم مظلم في تاريخ الجمهورية الفرنسية. وأضاف العلوي بأن إرادة الإلغاء قد تجسدت في هذا التصويت الذي التقت فيه أصوات اليمين واليسار، وهو ما يجعل الحديث عن جمهورية مفتوحة ومتسامحة أمراً بالغ الصعوبة.
ومن جهة أخرى قال وزير التعليم الفرنسي لوك فيري: إن القانون الذي تعتزم الحكومة إصداره لحظر ما سمي ب: (العلامات الدينية) في المدارس والمؤسسات العامة قد يشمل منع اللحى أيضاً. جاء ذلك خلال مناقشة حول القانون باللجنة القانونية التابعة للجمعية الوطنية (البرلمان) ركزت على الحجاب الإسلامي، عندما سأل نائب شيوعي فيري هل سيطبق الحظر أيضاً على طلبة المدارس الثانوية الذين يطلقون لحاهم ورد فيري قائلاً: "فور أن تصبح اللحى رمزاً دينياً ستخضع لهذا القانون"، وكانت معظم عواصم العالم قد شهدت مؤخراً مظاهرات حاشدة أمام السفارات الفرنسية للاحتجاج على هذا القانون.
جريدة العالم الإسلامي العدد 1828 .
من علقم حرب الحرية!!
نشرت صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية تقريراً عن نشاطات جماعات أصولية مسيحية تعمل سراً في العراق وهي المعروفة بجماعات التنصير الأميركية التي أعلنت ما أسمته حرباً روحية محاولة الاستفادة من الوضع الحالي الذي لا تزال فيه أميركا تسيطر على مقاليد الأمور.(42/144)
ويقول قادتها: إنه بحلول شهر يونيو المقبل ستخسر هذه الجماعات نافذة تاريخية مهمة للتنصير. وكشفت الصحيفة كذلك عن تدفق أتباع الحركات التنصيرية على العراق حاملين معهم نسخ الإنجيل بالعربية وأشرطة سمعية ومرئية مصممة لإقناع المسلمين بالارتداد عن دينهم، وأن مجلس (التبشير) العالي الذي يعتبر واحداً من فروع الكنيسة المعمدانية الجنوبية يقود عمليات التنصير في العراق، حيث يتم إدخال المنصرين تحت ذريعة العمل في مؤسسات الإغاثة الدولية.
وقد قام مدير المجلس بتوجيه نداء حار لأتباع الكنيسة البالغ عددهم 16 مليون شخص للسفر إلى العراق أو دعم جهود التنصير فيه، مؤكداً على أن المعمدانية الجنوبية واعضاءها يجب أن يعلموا أن هناك حرباً على الروح في العراق، وتنافساً مسيحياً - إسلامياً على عقول العراقيين!
وتقول الصحيفة كذلك: إن المبشرين يمثلون أزمة ومعضلة لبوش الذي حاول ظاهرياً عدم الدخول في مواجهة مع المسلمين، وهو يعلم أن المسيحيين المتعصبين يمثلون قاعدة انتخابية كبيرة له. ويقول المبشرون: إن كل ما يحتاجه أي مبشر هو جواز سفر سياحي أميركي، حتى يتم نقل السلطة للعراقيين، وقد وصف المبشر جون حنا الإسلام بالدين الضال، وأنه دين المسيح الدجال، رافضاً وصف عمله بالإغاثة كغطاء لعمله في التنصير، مؤكداً أنه وسيلة لإشراك العراقيين في رسالة الإنجيل والمسيح. كما ذكرت الصحيفة كذلك أن المنصرين يركزون في الظاهر على توزيع الهدايا والمواد الإغاثية، ولكنهم يحاولون في السر نقل وتوزيع مواد دينية. وقالت نشرة دينية بخصوص هذا الموضوع: إن العراقيين يدركون أن المسيحيين الأمريكيين هم الذين يوزعون المواد الغذائية، ومع ذلك يعترف العديد من المبشرين بصعوبة التنصير بين المسلمين وإقناعهم بالمسيحية.
الكوثر ص:34 .
رقيق الحضارة المعاصرة؟!
أكد خبير في منظمة العمل الدولية أن تهريب البشر، خاصة الأطفال، أصبح (صناعة) ضخمة في أوروبا الشرقية.
وأضاف في لقائه مع وكالة الأنباء النمساوية أن تشغيل الأطفال وتهريبهم من أوروبا الشرقية لم يعرف إلا بعد عام 1989م عقب انهيار أنظمة الحكم الشيوعية في هذه الدول.
وذكر أن عصابات الجريمة المنظمة المماثلة للمافيا تمكنت من العثور على ثغرات في القوانين بسرعة واكتشفت أن تهريب البشر، خاصة الأطفال (نشاط مربح).
وقال جونتر: إن عصابات الجريمة المنظمة (كثفت بصورة لا تصدق) عمليات تهريب البشر خلال السنوات الماضية بما في ذلك الأطفال، وهو ما يحقق لها أرباحاً تفوق أرباح تجارة المخدرات.
يأتي معظم الأطفال المهربين من مولدوفا وألبانيا ورومانيا وبلغاريا، ويسلك المهربون طرقاً ملتوية عبر الحدود بفضل السيطرة المتراخية على هذه الحدود وتقديم الرشى.
وأوضح جونتر الذي يزور فيينا لحضور مؤتمر عن حقوق الأطفال في العالم أن هناك 250 مليون طفل يعملون في مختلف أنحاء العالم.
واتهم جونتر دول أوروبا الغربية بالفشل في التعامل بصورة مناسبة مع هذه المشكلة عندما كانت في بدايتها مما حولها إلى مشكلة كبيرة. وقال: إن مشكلات الأطفال تظهر بوضوح في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بوجود أطفال الشوارع وعمليات تهريب وتشغيل الأطفال في مجال الزراعة.
المستقبل العدد 152 ذو الحجة 1424ه.
==============(42/145)
(42/146)
الأدلة الواقعية على بطلان مذهب الشيوعية
سبب الخلل أن كارل ماركس وهيجل توقعا أن الشيوعية تنجح، وأول ما تنجح في بريطانيا لأنها أكبر دولة صناعية رأسمالية في القرن التاسع عشر، لأنهما كما تعلمون كانا في القرن التاسع عشر، أي قبل مائة سنة أو أكثر فكانت هذه النظريات، وكانت أحوال العمال في بريطانيا تدعوا إلى الرثاء فعلاً، كان النساء والرجال يعملون لمدة ثمانية عشر ساعة تحت الأرض في أنفاق مظلمة ويجرون عربات معبأة بالفحم، من أجل استخراج الفحم لأنه كان الوقود الرئيسي في ذلك الزمن، وكثير منهم يموتون ويدفنون في هذه الأنفاق ليس لهم أي حقوق ولا يؤبه لهم، فقال ماركس : لابد أن العمال سيثورون، فتكون الشيوعية في بريطانيا ، لأن حتمية التاريخ هكذا.
فأول ما أكذبه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأبطل قوله للعالم كله، أن الدولة البريطانية حتى اليوم لم تصبح دولة شيوعية ، وإنما نجحت الشيوعية وقامت في دولة زراعية وهي روسيا القيصرية وكانت دولة زراعية، فانتقلت من مرحلة الزراعة إلى مرحلة الشيوعية دون أن تمر حقيقة بمرحلة الرأسمالية .
فهذا أول تكذيب للنظرية، نحن نعلم كذبها من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يحتاج هذا عند المسلمين إلى نقاش، لكن نتكلم من خلال منطقهم ومنظورهم هم، لأننا وللأسف الشديد ابتلينا بهذه النظريات في بلاد المسلمين، وسوف نعرض له -إن شاء الله- ولا يزال كثير من المسلمين أو من أدعياء الإسلام المعتنقين لهذه النظرية في عمىً وغفلة عن هذه الحقائق الواضحة، إذاً كان هذا أول ما أفسد الحتمية.
الأمر الثاني: أن في عام (1917م) قامت الثورة الشيوعية وحكمت روسيا ، فجاء التكذيب الثاني من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما قرره هذا اليهودي وأتباعه، وهو أن المفروض أن تكون الحكومة حكومة عُمالية، فالذي يحكمها المفروض أن يكون العمال، ومع الزمن تتلاشى الدولة نهائياً.
والمفروض في الشيوعية الأخيرة ألا يكون هناك دولة على الإطلاق إنما الناس هكذا يعيشون، وكل يعمل حسب طاقته وله حسب حاجته فقط، وليس هناك دولة ولا ضابط ولا نظام، والذي حصل أنه لما حكم لينين ثم استالين شهدت روسيا دكتاتورية فظيعة تسلطية، لم يكن لها نظير إلا ما يذكره الغرب عن هتلر وعن موسليني وعن أشباههما، واستالين أشد منهما ومن غيرهما، فلم تكن هناك أي حكومة للطبقة الكادحة -كما تسمى- بل كانت الحكومة للحزب الشيوعي ، بل كان الثراء الفاحش والاستبداد الفظيع والاستئثار الكامل للسلطة وللثروة؛ وكل شيء لأعضاء الحزب، وأما البقية فبقوا في حالة يرثى لهم.
ثم جاء الانهيار وجاء التكذيب الثالث من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في واقع الشيوعية ، عندما كان من المفروض أن تشمل الشيوعية العالم كله، كان التخطيط أن الشيوعية هي دين المستقبل وهي عقيدة المستقبل، وأنه لن يبقى على وجه الأرض أي دولة إلا وتكون فيها الشيوعية .
فمن النكت الظريفة التي في هذا الباب -والتي تعد من نكت التاريخ وهي حقيقة- أنه لما قامت دعوة الإخوة في الهجر التي انطلقت أساساً في هذه البلاد، ثم كانوا هم الجيش الذي كان هو جيش التوحيد؛ وفتح الله على أيديهم هذه البلاد، فلما قامت هذه الحركة تجمع الناس حولها وفي الهجر كانوا يعلمون الناس الأصول الثلاثة والتوحيد والعقيدة ثم ينطلقون للدعوة، ثم كان الجهاد كما تعلمون جميعاً، وقد علقت جريدة البرافدا في روسيا بأن تأثير الثورة الشيوعية وصل إلى وسط صحراء الجزيرة العربية ، وها نحن نجد الهجر ونجد الدعاة فيها يترسمون خطى الثورة الشيوعية البلشفية، ولا يمكن للعقل أن يصدقه! ولكن هكذا كل شيء في التاريخ أن الأصل والقاعدة والقانون فيه: هو القانون الذي وضعه ماركس وإنجلز .
=============(42/147)
(42/148)
حرب العقائد والدرس المستفاد
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، له العزة والكبرياء، يحكم مايشاء ويختار، والذين يمارون في عزته أو يتشككون في قدرته أولئك هم الحاسرون.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يديل أمما من الناس على أمم تارة، وقد تكون هذه الإدالة بداية النهاية.ويمتحن آخرين فيسلط عليهم أعداءهم، وقد يجعل الله في ثنايا المحن منحا إلهية، وقد يكون بداية النصير المؤزر على إثر الهزيمة الساحقة.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاهد في الله حق جهاده وناله وأصحابه من ألوان الأذى من أعدائه مالم يستكينوا معه أو ييأسوا ومازالوا يتضرعون حتى كان النصر والفتح المبين... اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطاهرين وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.اتقوا الله معاشر المسلمين، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } .إخوة الإسلام : المتتبع لتاريخ العلاقات مابين الغرب وشعوب الإسلام يلاحظ حقدا مريرا يملأ صدور الغرب حتى درجة الجنون، يصاحب هذا الحقد خوف رهيب من الإسلام والمسلمين. وهذا الحقد وذلك الخوف! ليس مجرد إحساس نفسي لا ظل له ولا أثر في الوجود، وإنما من أهم العوامل التي تبني وتبلور عليها مواقف الحضارة الغربية من الشعوب المسلمة سياسيا واقتصاديا وإعلاميا وسائر جوانب الحياة ا لأخرى.(42/149)
ولم تعد هذه المقولة مجازفة يطلقها المسلمون... 4، كلا والواقع ينطق والحقائق تشهد، والستار الوهمي يزاح، وكما شهدت أرض البوسنة والهرسك اليوم أبشع جريمة، وأسوأ كارثة في التاريخ المعاصر.. سفكت فيها دماء الأبرياء، أغتصبت النساء، وفصل بين الأبناء والآباء، مات الألأف من الأطفال وحيل بينهم وبين الرضاع.. ولم تنتهي الكارثة رغم سوئها عند هذا الحد فالهوية المسلمة يراد طمسها.. والأرض الخاصة لابد من تقسيمها والملأ يأتمرون ويخططون والسادة يباركون، والمنظمات والهيئات الدولية تحمي وتشرف على المخطط الآثم وتضطلع بمسؤوليتها في الجريمة النكراء، ويلف الصمت أمما أو دولا أخرى لها نصيبها في المغنم أو يكفيها أن يوأد الإسلام المتململ، وتنهى- ولو إلى حين- هذه الصحوة الإسلامية المتجددة.ودونك مذابح المسلمين في الشيشان والطاجيك، وبورما، وتايلند، وكشمير، والفلبين، وفلسطين والعراق وغيرها. وكأن من بنود النظام العالمي الجديد السماح لأي دولة تريد الاستقلال وتقرير حق المصير، أما الإسلام وأما المسلمون فيستثنون من هذه القاعدة ولابد من اضطهادهم والتضييق عليهم وعدم تمكينهم.إنها حرب العقائد بكل ما تحمله الكلمة من معاني ومضامين، وممارسة الاستعمار، ولكن بثوب جديد، وميدان المعركة خير دليل على كشف المؤامرة، وبيان هوية المقاتلين، والتصريحات بعدم السماح لدولة ترفع شعار الإسلام في أوربا لم تعد خافية، والجهود لمحاصر؟ هذه النبتة الإسلامية مسؤولية مشتركة حتى ولو كانوا من بني جلدتهم.أيها المؤمنون وإن من السذاجة والتغفيل أن نتصور حرب العقائد وليدة اليوم، وأن عدواة الغرب لنا معاشر المسلمين نبتت هذه الأيام. كلا.. فالتخطيط قديم، والنية للعداء مبيتة، والتصريحات قديمة وإن رغمت أنوف المخدوعين، وهاكم البينة وإليكم الدليل، يقول (أيو جين روستو) رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية... ومستشار الرئيس جونسن لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967 م: (يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافاث بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع محتدما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة.. إلى أن يقول: إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي ولاتستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها). فهل بعد هذا من صراحة؟ .إذا كانت هذه سياسة أمريكا فقبلها أوربا وقد قال مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952 م- وليت المسلمين يعون ما يقوله الآخرون عنهتم. يقول هذا المسؤول: ليست الشيوعية خطرا على أوربا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديدا مباشرا وعنيفا هو الخطر الإسلامي. فالمسلمون عالم مستقل كل الإستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع- هكذا يقول الكاتب من وجهة نظره المادية، وإلا فهناك أسباب أخرى لانطلاقة المسلمين الكبرى- انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ... إلى أن يقول الكاتب: إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافا تاما، فهو حائر، وهو قلق، وهو كارة لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر... إلى آخر ماقال .إخوة الإسلام هذه التصريحات الجلية بالعداوة من جانب، وبالتخوف من الإسلام القادم من جانب آخر إذا انضم إليها الواقع المشهود بتآمر الغرب ووحشيته وتآمره على الإسلام والمسلمين في أرض البوسنة والهرسك مثلا باتت سهاما موجعة وضربة قاصمة للعلمانيين في ديار المسلمين أولئك الذين ما فتأوا ينافحون عن الغرب ومؤسساته ويوهمون أمتهم أن الدول المتحضرة لم تغد تقيم للدين وزنا في سياستها وبرامج تخطيطها، وينبغي- حسب نظرتهم الهزيلة- أن يبقى الدين علاقة شخصية بين الفرد وخالقه، لاعلاقة له بتنظيم أمور الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية وا لاعلامية وسواها. أجل لقد واتت الفرصة لكل مخدوع بشعار العلمنة والتغريب أن يكشف القناع عن عينيه، وأن يسمح لأذنيه بسماع مالم يكن يسمح به من قبل، وستتكشف له الحقائق دون غموض، وهذه راعية العلمنة ومصدرة أفكارها تؤوب إلى ديانتها وإن كانت محرفة، وتتخذ من الدين والمعتقد منطلقا أساسيا لسياستها، وتبقي العلمنة شعارا أجوف تخدع به المساكين، وتصدره بضاعة مزجاة لمن لازال في قلبه مرض من(42/150)
أبناء المسلمين، وإذا سقطت العلمانية وأفلس العلمانيون في ديار الغرب، فلا تسأل عن مصيرها في ديار المسلمين، وربك يحكم مايشاء ويختار، فبالأمس سقطت الشيوعية الشرقية وأذنابها داخل يحميها، واليوم تتهاوى العلمانية الغربية ومؤلسساتها وغدا وبعد غد ستتهاوى بإذن الله كل نحلة ضالة، وسينفضح كل نظام مزور مهما خدع الأبصار برهة من الزمن. ويبقى دين الإسلام دين الله في الأرض منسجما مع نظام الكون كله، ويبقى المسلمون يسبحون بحمد ربهم، ويشاركون غيرهم من مخلوقات الله تسبيحهم. ووعد الله حق، ولكن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وانصتوا لعلكم ترحمون لقوله تعالى {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله... ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} .نفعني الله وإياكم بهدي القرآن، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين أحمده تعالى وأشكره ولايحمد على مكروه سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون فطالما تحدث الغرب ومؤسساته وأذنابه عن الأصولية الإسلامية وعن تطرف المسلمين وتعصبهم وخطرهم، وهاهي الأحداث تكشف بجلاء أين مكمن التطرف وأين يكون العداء، فالغرب لايكتفي برفع شعار الدين راية لحروبهم ومساعداتهم، ولا ينتهي عند حد الدفاع عن الصليب مقابل الهلال، بل- ولفرط تطرفهم- يصرون على الدفاع عن مذاهب النصرانية المتنافرة، ويتفقون على اقتسام الغنيمة بين فصائل الكاثوليك والبروتستانت، والأرثوذكس، ففي الوقت ا لذي تساند (المانيا) وأوربا ا لكاثوليكية (الكروات) يبقى (الصرب) في حماية من روسيا واليابان وبقية الدول التي لاتدين بالكاثوليكية. فهل بعد هذا التطرف من تطرف، وحروب اليوم تذكرنا بالحروب الصليبية السابقة فأين المعجبون بالغرب والمروجون لشعاراته الوهمية من الديمقراطية والحرية والعدالة. وحقوق الإنسان أتراهم اليوم يعيدون حساباتهم، ويعلنون انخداعهم فيما مضى، فينصحون لأنفسهم، ويصدقون مع أمتهم، أم تراهم يراوغون ويخادعون ولاتزال عقدة الشعور بالنقص تصاحبهم، والفتنة بالفكر المستورد تطاردهم.(42/151)
أيها الإخوة المؤمنون وبرغم فداحة ماتسمعون من جرائم تقشعر لهولها الأبدان من أمم الكفر على شعوب الإسلام فالحقيقة الغائبة أكبر، والمخطط أعتى وأقسى، وكل يوم تكشف لنا حقائق وإحصاءات لم تتكشف بالأمس، لن يكون آخرها اكتشاف قبور جماعية لمايقرب من ثلاثة آلاف مسلم ومسلمة من شعب البوسنة ردموا فيها بالجرافات في الأحداث المؤلمة الأخيرة، وأمثال هذه الأحداث تؤكد لنا استمرار العداوة بين المسلمين وأهل الكتاب التي أخبرنا عنها ربنا بقوله {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم... }، وتذكرنا بعدم اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، كما قالى تعالى {يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق }.. إلى قوله تعالى {وودوا لو تكفرون }.أمة الإسلام.. ومع الصمت والتخاذل والقعود عن نصرة المسلمين المستضعفين فلن تقف العداوة عند هذا الحد. فالهدف اقتلاع الإسلام من جذوره، والمخطط يشمل المسلمين كلهم، وما أجمل ماقيل (فبعد أن ينجز الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس مهمتهم في أوربا لابد وأن يتطلعوا عبر البحر الأبيض المتوسط صوب أراضي المسلمين ليكملوا مايقوم به اليهود) .فهل نعي حقيقة المؤامرة وحجمها، وهل نتخذ من أساليب الوقاية وأسبابها مانحفظ به على أنفسنا وعقيدتنا ولكن هل نتجاوز مجرد الحديث إلى ما بعده من دروس وعبر، وهل نتجاوز مرحلة البكاء والعويل إلى مرحلة الجد والاستعداد للمستقبل القريب، فنتعاون جميعا وبكل ما أوتينا من قوة للوقوف صفا واحدا في وجه العدو الحقيقي لنا، هل نتجاوز الخلافات الوهمية التي يصنعها المغرضون، هل نتجاوز الحدود المرسومة من قبل المستعمرين لتقطيع أوصال الأمة وإشغالها عن قضاياها المهمة والمصيرية، هل نعود عودة صادقة لكتاب ربنا وسنة نبينامحمد صلى الله عليه وسلم ، وكتابنا أصدق الكتب المنزلة، ونبينا خاتم المرسلين، في وقت عاد فيه الآخرون إلى كتبهم المحرفة ودياناتهم المنسوخة؟ هل نحافط على طاقاتنا؟. إن عالم اليوم لامكان فيه لمن يعيش بدون هوية، وإذ تشبث اليهودي والنصراني والبوذي وسواهم بعقائدهم أفيليق بنا معاشر المسلمين أن نعيش هملا نقتات على موائد الآخرين، ونستطعم منهم وكأننا حفنة من المساكين... أين العزة بالإسلام..، أين الغيرة للقرآن وأين نضع خيريتنا وشهادتنا على الأمم بنص القرآن{كنتم خير أمة أخرجت للناس} {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس..} .أن من واجبنا أن ندعم كل مبادرة خيرة صادقة للتضامن مع شعب البوسنة والهرسك، على أن لايتوقف هذا الدعم، وذلك التضامن حتى ينتصر المضطهدون، ويفضح المعتدون، وأن يشمل هذا الدعم والمساندة بقية المسلمين المضطهدين في أنحاء الأرض. إن على وسائل الإعلام بقنواتها المختلفة وفي عالمنا الإسلامي كله، مسؤولية توعية الشعوب بحقيقة المؤامرة، وشراسة الهجمة، والهدف من وراء اللعبة، ولاينبغي أن نقل مصداقية إعلام عن إعلام الغرب حين يشوهون صورتنا ونحن المسلمون المضطهدون ويلهبون مشاعر شعوبهم ضدنا وهم الكفرة المعتدون؟. ومع ذلك كله فينبغي أن لانقف عن حدود التوعية المبرمجة لقضايانا مع أهميتها، ولانكتفي بمجرد المساندة المالية للمضطهدين مع مسيس الحاجة إليها، بل لابد من التفكير بربط علاقات ثقافية مع الشعوب المسلمة يحكمها الإسلام، ولابد من إقامة علاقات اقتصادية مع الشعوب المسلمة لايكون الربح المادي هدفها، بل تهدف إلى إيجاد فرص اقتصادية يستغني بها المسلمون عن استجداء الآخرين. ولابد من تعاون عسكري جاد في محيط الأمة المسلمة، تتقلل منه في البداية عن معونات الأمم الأخرى وتستغني به مستقبلا عن أي صفقة أخرى لاتعطى حتى تؤخذ تنازلاث تقايضها، أو تعطى صراحة لفتة وتحرم أخرى كما يجري اليوم مع المسلمين البوسنة و الصرب النصارى.وحين نصدق مع ربنا، ونتمثل إسلامنا فلن يضرنا كيد الكائدين {إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } ولن يستطيعوا إطفاء نور الإسلام {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} . والله غالب على أمره.
=============(42/152)
(42/153)
الشيوعية وموقفها المعادي للإسلام
بقلم؛ توفيق علي وهبة
تطالعنا بين الحين والآخر بعض الكتب التي تهاجم الإسلام صادرة عن دور نشر شيوعية، ثم تصدر المصادر الرسمية الشيوعية بيانات تدعي فيها تزوير هذه الكتب تنفي نسبتها إليها… ودون الدخول في تفاصيل نود أن نوضح أن هذه الأجهزة تقصد من وراء نفي صدور الكتب عنها رواج هذه الكتب وتهافت الناس عليها لمعرفة ما تتضمنه.
وسواء أكان هذا النفي صحيحاً أم كاذباً؛ فإن لدائرة المعارف السوفيتية موقفاً معادياً للإسلام لا يقل عن موقف الكتب التي تنفيها المصادر الشيوعية، بل هي أخطر وأكثر عداء للإسلام والمسلمين، بل الأهم من ذلك أنها أكثر صراحة من أي كتب تظهر عداءها للإسلام.
ترى ما هو موقف الأزهر وعلماء الدين في العالم العربي والإسلامي من هذا العداء الصريح للإسلام؟ ولماذا لا تتدخل الهيئات الإسلامية لدى الحكومة السوفيتية لتوضيح رأيها فيما تقوله دائرة المعارف الروسية عن الإسلام والنبيمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
رأي دائرة المعارف السوفيتية عن القرآن:
جاء بالمجلد رقم [12 صفحة 564]: (القرآن.. الكتاب المقدس الأساسي للمسلمين، مجموعة من المواد الدينية المذهبية والأسطورية والقانونية وقد وضع القرآن وشرع خلال حكم ثالث الخلفاء العرب عثمان [644 - 656 م] ثم أدخلت عليه فيما بعد حتى بداية القرن الثامن - وفق ما وصلنا من المعلومات - بعض التغييرات، ووفقاً للتقليد الإسلامي التاريخي الديني يعتبر محمد هو مشرع القرآن كما يعتبر مؤسس الإسلام، على أنه وفقاً للتحليل الموضوعي للقرآن هناك نظرية تقول إن جزءاً
معيناً منه فقط ينتمي إلى عصر محمد، أما الأجزاء الأخرى من هذه المجموعة فلا بد أنها تنتمي لعصور متقدمة عليه أو
متأخرة عنه. ويمكن أن نتبين هذا من وجود عدد من الأساليب المختلفة في القرآن يمكن أن تعزى لتطور اللغة العربية، ولزمن ظهور السور ومكانها. وتستخدم الطبقات الاستغلالية القرآن ورجال الدين الإسلامي الرجعيين كسلاح لخداع الجماهير الكادحة وكبحها).
النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أما سيدنا رسول الله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام فقد وردت سيرته بالمجلد [28 صفحة 599] كما يلي: (محمد مبشر ديني يعتبر مؤسس الإسلام، ويصور في العقيدة الإسلامية على أنه "أعظم المرسلين وخاتمهم"، وهو عربي نشأ في مكة، وأبعد ما أمكن الوصول إليه فيما كتب عن سيرة محمد كتب في النصف الثاني من القرن الثاني، كتبه جامع للأساطير نشأ في
المدينة يُدعى "ابن إسحاق"، وعنوان كتابه هو "سيرة رسول الله"، وقد ألف هذا الكتاب بناء على أمر من الخليفة في بغداد. وإلى جانب الحقائق الواقعية عن حياة محمد يشمل الكتاب عدداً من الأساطير والخرافات، وفي كتب السيرة الأكثر حداثة طمست هذه الأساطير تماماً صُوَر محمد التاريخية، وحتى يومنا هذا مازالت سيرة محمد تُشيد على المعلومات شبه الأسطورية الواردة في القرآن والتي يتقبلها علماء الإسلام البرجوازيون بغير مناقشة. وتقول إحدى الأساطير إن محمداً ينحدر من أسرة هاشم؛ إحدى أسر قبيلة قريش التي كانت تعيش في مكة، وقد هذب محمد تعاليم الموحدين قبل الإسلام - الحنفاء - وراح يبشر بالإسلام في مكة، وقد مكن ظهور الإسلام ظهور مجتمع طبقي بين العرب تكون تدريجياً … وقد تحول محمد في نظر الأجيال التالية من المسلمين إلى "قديس" وصانع "المعجزات" و "شفيع" للمؤمنين. ويحاول المدافعون عن الإسلام والطبقات لاستغلالية استخدام صورة محمد لإضعاف الكفاح الطبقي).
هذا قليل من كثير ورد في دائرة المعارف الروسية التي تتبع هيئة تحريرها لرئاسة مجلس الوزراء السوفيتي مباشرة.
وتتلخص الافتراءات على القرآن والرسولل الأعظم r فيما يلي:
1) القرآن ألف في عهد عثمان ابن عفان، وبعضه من تآليف محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما يخالف ما أجمع عليه ثقات المؤرخين؛ من أن القرآن وحي من الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم متضمناً رسالة الإسلام خاتمة الديانات، وأن ما حدث في عهد ثالث الخلفاء عثمان بن عفان رضي الله عنه هو تدوين القرآن وجمعه وليس تأليفه.
2) تتعد أساليب القرآن تبعاً لتطور اللغة العربية: وهذا جهل فاضح وافتراء من جاهل، لأن اختلاف الأساليب راجع إلى ما يعالجه القرآن من موضوعات، فالحديث عن الاعتقاد يختلف عن الحديث عن الحياة الاجتماعية… وهكذا، ثم اختلاف العهد المكي عن العهد المدني؛ ففي مكة كان المقصود هو بناء العقيدة، أما في المدينة فكان الاهتمام ببناء المجتمع بالإضافة إلى بناء العقيدة.
3) يستخدم رجال الدين الرجعيون القرآن لخداع الجماهير: وهذا هجوم على علماء المسلمين بدون مبرر، ووصفهم بالرجعية
لا يستقيم مع كونهم رجال دين يجب احترامهم وتوقيرهم، إن رجال الدين يستخدمون القرآن لإبلاغ رسالة الإسلام إلى الناس وبيان العقيدة الحقة لهم ولبناء المجتمع الصالح الفاضل.(42/154)
4) ترى دائرة المعارف الروسية أنمحمدا صلى الله عليه وسلم مبشر ديني أخذ تعاليم الحنفاء الذين وجدوا على أيامه وطورها وأقام على أساسها الإسلام، وأنه ألف بعضاً من القرآن الذي أكمل فيما بعد.
إن الحقد الذي أعمى قلوبهم وأفكارهم دفعهم إلى الافتراء على سيد خلق الله أجمعين والتطاول على مقامه السامي، إن رسول ا صلى الله عليه وسلم أعظم وأكبر من أن تتناول سيرته الطاهرة دائرة معارف الملحدين الكفرة الذين لا يرون في الدين إلا مخدراً للشعوب.
إن ما ذكرته من مقتطفات أردت به إيقاظ الوعي لدى المسلمين لما يقال عن دينهم ونبيهم وكتابهم وما يدبر لهم بمعرفة أعداء الإسلام.
وإنني من على صفحات هذه المجلة أدعو الهيئات الرسمية الإسلامية وغير الرسمية - وعلى رأسها الأزهر الشريف - إلى الوقوف في وجه هذه الحركات المعادية للإسلام، وأن يبعثوا إلى هيئة تحرير دائرة المعارف السوفيتية بالحقائق التي يتجاهلونها عن الإسلام وطلب إثبات هذه الحقائق بها بدلاً من الخرافات التي تملأ كتبهم عن ديننا الحنيف.
وأتوجه إلى هؤلاء الذين أعمت الأحقاد قلوبهم وصدورهم عن ذكر الله؛ أدعوهم إلى الإسلام وإلى اعتناق دين الله الحق وشهادة "ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".
============(42/155)
(42/156)
حل القضية الفلسطينية
سؤال:
كيف السبيل وما هو المصير في القضية الفلسطينية التي تزداد مع الأيام تعقيداً وضراوة ؟.
الجواب:
الحمد لله
إن المسلم ليألم كثيراً ، ويأسف جداً من تدهور القضية الفلسطينية من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه ، وتزداد تعقيداً مع الأيام ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة ، بسبب اختلاف الدول المجاورة ، وعدم صمودها صفاً واحداً ضد عدوها ، وعدم التزامها بحكم الإسلام الذي علق الله عليه النصر ، ووعد أهله بالاستخلاف والتمكين في الأرض ، وذلك ينذر بالخطر العظيم ، والعاقبة الوخيمة ، إذا لم تسارع الدول المجاورة إلى توحيد صفوفها من جديد ، والتزام حكم الإسلام تجاه هذه القضية ، التي تهمهم وتهم العالم الإسلامي كله .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً ، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهوداً جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي ، وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية ، لا شأن لغير العرب بها ، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك .
ولذا فإنني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حلٍ لتلك القضية ، إلا باعتبار القضية إسلامية ، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها ، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً ، حتى تعود الأرض إلى أهلها ، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاءوا منها ، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم تحت حكم الإسلام ، لا حكم الشيوعية ولا العلمانية ، وبذلك ينتصر الحق ، ويخذل الباطل ، ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام ، لا على حكم غيره ، والله الموفق .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/1 ص 1259
============(42/157)
(42/158)
الشيوعية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
الشيوعية مذهب(*) فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي. ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وإنجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية(*) التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار. وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب محيت بسببها من التاريخ، ولكن الشيوعية أصبحت الآن في ذمة التاريخ، بعد أن تخلى عنها الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك بدوره إلى دول مستقلة، تخلت كلها عن الماركسية، واعتبرتها نظرية غير قابلة للتطبيق.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* وضعت أسسها الفكرية النظرية على يد كارل ماركس اليهودي الألماني 1818 1883م وهو حفيد الحاخام اليهودي المعروف مردخاي ماركس، وكارل ماركس شخص قصير النظر متقلب المزاج، حاقد على المجتمع، مادي النزعة، ومن مؤلفاته:
- البيان الشيوعي الذي صدر سنة 1848م.
- رأس المال ظهر سنة 1867م.
* ساعده في التنظير للمذهب فردريك إنجلز 1820 1895م وهو صديق كارل ماركس الحميم وقد ساعده في نشر المذهب كما أنه ظل ينفق على ماركس وعائلته حتى مات، ومن مؤلفاته:
- أصل الأسرة.
- الثنائية في الطبيعة.
- الاشتراكية الخرافية والاشتراكية العلمية(*).
* لينين: واسمه الحقيقي: فلاديمير أليتش بوليانوف، وهو قائد الثورة البلشفية الدامية في روسيا 1917م ودكتاتورها المرهوب، وهو قاسي القلب، مستبد برأيه، حاقد على البشرية. ولد سنة 1870م، ومات سنة 1924م، وهناك دراسات تقول بأن لينين يهودي الأصل، وكان يحمل اسماً يهوديًّا، ثم تسمى باسمه الروسي الذي عرف به مثله مثل تروتسكي في ذلك.
- ولينين هو الذي وضع الشيوعية موضع التنفيذ وله كتب كثيرة وخطب ونشرات أهمها ما جمع في ما يسمى مجموعة المؤلفات الكبرى.
* ستالين: واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفتش زوجا شفلي 1879-1954م وهو سكرتير الحزب الشيوعي ورئيسه بعد لينين، اشتهر بالقسوة والجبروت والطغيان والدكتاتورية وشدة الإصرار على رأيه، يعتمد في تصفية خصومه على القتل والنفي كما أثبتت تصرفاته أنه مستعد للتضحية بالشعب كله في سبيل شخصه. وقد ناقشته زوجته مرة فقتلها.
* تروتسكي: ولد سنة 1879م واغتيل سنة 1940م بتدبير من ستالين، وهو يهودي واسمه الحقيقي بروشتاين. له مكانة هامة في الحزب وقد تولى الشؤون الخارجية بعد الثورة(*) ثم أسندت إليه شؤون الحزب..ثم فصل من الحزب بتهمة العمل ضد مصلحة الحزب ليخلو الجو لستالين الذي دبر اغتياله للخلاص منه نهائياً.
الأفكار والمعتقدات:
* إنكار وجود الله - تعالى -وكل الغيبيات والقول بأن المادة هي أساس كل شيء وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكفر بثلاثة: الله، الدين(*)، الملكية الخاصة، عليهم من الله ما يستحقون.
* فسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية(*) والبروليتاريا(*) (الرأسماليين والفقراء) وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا.
* يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب وخادماً للرأسمالية والإمبريالية(*) والاستغلال مستثنين من ذلك اليهودية لأن اليهود شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة!!
* يحاربون الملكية الفردية ويقولون بشيوعية الأموال وإلغاء الوراثة.
* تتركز اهتماماتهم بكل ما يتعلق بالمادة وأساليب الإنتاج.
* إن كل تغيير في العالم في نظرهم إنما هو نتيجة حتمية(*) لتغيّر وسائل الإنتاج وإن الفكر والحضارة والثقافة هي وليدة التطور الاقتصادي.
* يقولون بأن الأخلاق(*) نسبية وهي انعكاس لآله الإنتاج.
* يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفِكر، والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
* يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير هذه الحياة الدنيا.
* يؤمنون بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات.
* يقولون بدكتاتورية الطبقة العاملة ويبشرون بالحكومة العالمية
* تؤمن الشيوعية بالصراع والعنف وتسعى لإثارة الحقد والضغينة بين العمال وأصحاب الأعمال.
* الدولة هي الحزب(*) والحزب هو الدولة.
* تكون المكتب السياسي الأول للثورة(*) البلشفية(*) من سبعة أشخاص كلهم يهود إلا واحداً وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية.
* تنكر الماركسية الروابط الأسرية وترى فيها دعامة للمجتمع البرجوازي وبالتالي لا بد من أن تحل محلها الفوضى الجنسية.
* لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. قال لينين: »إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا«. وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم لأفغانستان بعد أن اكتسحوا الجمهوريات الإسلامية الأخرى كبُخاري وسمرقند وبلاد الشيشان والشركس، إنما ينضوي تحت تلك القاعدة الإجرامية.(42/159)
* يهدمون المساجد ويحولونها إلى دور ترفيه ومراكز للحزب، ويمنعون المسلم إظهار شعائر دينية، أما اقتناء المصحف فهو جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة كاملة.
* لقد كان توسعهم على حساب المسلمين فكان أن احتلوا بلادهم وأفنوا شعوبهم وسرقوا ثرواتهم واعتدوا على حرمة دينهم ومقدساتهم.
* يعتمدون على الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من أعضاء الحزب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
* لم تستطع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود وعملها لتحقيق أهدافهم فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود:
- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
- الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين.
* يصرح ماركس بأنه اتصل بفيلسوف الصهيونية وواضع أساسها النظري هو موشيه هيس أستاذ هرتزل الزعيم الصهيوني الشهير.
- جدُّ ماركس هو الحاخام اليهودي المشهور في الأوساط اليهودية مردخاي ماركس.
* تأثرت الماركسية إضافة إلى الفكر اليهودي بجملة من الأفكار والنظرات الإلحادية منها:
- مدرسة هيجل العقلية المثالية.
- مدرس كونت الحسية الوضعية.
- مدرسة فيورباخ في الفلسفة(*) الإنسانية الطبيعية.
- مدرسة باكونين صاحب المذهب(*) الفوضوي المتخبط.
الانتشار ومواقع النفوذ:
* حكمت الشيوعية عدة دول منها:
- الاتحاد السوفيتي، الصين، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بلغاريا، بولندا، ألمانيا الشرقية، رومانيا، يوغسلافيا، ألبانيا، كوبا.
ومعلوم أن دخول الشيوعية إلى هذه الدول كان بالقوة والنار والتسلط الاستعماري. ولذلك فإن جل شعوب هذه الدول أصبحت تتململ بعد أن عرفت الشيوعية على حقيقتها وأنها ليست الفردوس الذي صور لهم وبالتالي بدأت الانتفاضات والثورات تظهر هنا وهناك، كما حدث في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كما أنك لا تكاد تجد دولتين شيوعيتين في وئام دائم.
* أما في العالم الإسلامي فقد استفاد الشيوعيون من جهل بعض الحكام وحرصهم على تدعيم كراسيهم ولو على حساب الدين(*)، إذ اكتسحت الشيوعية أفغانستان وشردت شعبها المسلم كما تحكمت في بعض الدول الإسلامية الأخرى بواسطة عملائها.
* تقوم الدول الشيوعية بتوزيع ملايين الكتيّبات والنشرات مجاناً في كافة أنحاء العالم داعية إلى مذهبها.
* أسست الشيوعية أحزاباً لها في كل الدول العربية والإسلامية تقريباً فنجد لها أحزاباً في مصر، سورية، لبنان، فلسطين، والأردن، تونس وغيرها.
* إنهم يؤمنون بالأممية ويسعون لتحقيق حلمهم بالحكومة العالمية التي يبشرون بها.
انهيار الماركسية:
- انهارت الشيوعية في معاقلها بعد قرابة السبعين عاماً من قيام الحكم الشيوعي وبعد أربعين عاماً من تطبيق أفكارها في أوروبا الشرقية وأعلن كبار المسؤولين في الاتحاد السوفيتي قبل تفككه أن الكثير من المبادىء الماركسية لم تعد صالحة للبقاء وليس بمقدورها أن تواجه مشاكل ومتطلبات العصر الأمر الذي تسبب في تخلف البلدان التي تطبق هذا النظام عن مثيلاتها الرأسمالية. وهكذا يتراجع دعاة الفكر المادي الشيوعي عن تطبيقه لعدم واقعيته وتخلفه عن متابعة التطور الصناعي والعلمي وتسببه في تدهور الوضع الاقتصادي وهدم العلاقات الاجتماعية وإشاعة البؤس والحرمان والظلم والفساد ومصادمة الفطرة ومصادرة الحريات ومحاربة الأديان(*). وقد تأكد بوضوح بعد التطبيق لهذه الفترة الطويلة أن من عيوب الماركسية أنها تمنع الملكية الفردية وتحاربها وتلغي الإرث الشرعي وهذا مخالف للفطرة وطبائع الأشياء ولا تعطي الحرية للفرد في العمل وناتج العمل ولا تقيم العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وأن الشيوعي يعمل لتحقيق مصلحته ولو هدم مصالح الآخرين وينحصر خوفه في حدود رقابة السلطة وسوط القانون وأن الماركسية تهدم أساس المجتمع وهو الأسرة فتقضي بذلك على العلاقات الاجتماعية.
- اقتنع الجميع بأنها نظرية فاسدة يستحيل تطبيقها حيث تحمل في ذاتها بذور فنائها وقد ظهر لمن مارسوها عدم واقعيتها وعدم إمكانية تطبيقها ومن أكبر ناقدي الماركسية من الماركسيين أنفسهم الفيلسوف الأمريكي أريخ مزوم في كتابه المجتمع السليم، ومن غير الماركسيين كارل بوبر صاحب كتاب المجتمع المفتوح، وغيرهما، ويجيء جورباتشوف كتابه البيروسريكا أو إعادة البناء ليفضح عيوب تطبيق الشيوعية في الاتحاد السوفيتي.
وتبين بعد انهيارها أنها لم تفلح في القضاء على القوميات المتنافرة بل زادتها اشتعالاً ولم تسمح بقدر ولو ضئيل من الحرية بل عمدت دائماً إلى سياسة الظلم والقمع والنفي والقتل وحولت أتباعها إلى قطيع من البشر. وهكذا باءت جميع نبوءات كارل ماركس بالفشل وأصبح مصير النظرية إلى مزبلة التاريخ، ثم انتهى الأمر بتفكك الاتحاد السوفيتي ذاته، وأصبح اسمه مجرد أثر في تاريخ المذاهب الهدامة.
ويتضح مما سبق:(42/160)
أن الشيوعية مذهب(*) إلحادي يعتبر أن الإنسان جاء إلى هذه الحياة بمحض المصادفة وليس لوجوده غاية وبذلك تصبح الحياة عبثاً لا طائل تحته ويحرم معتنقها من سكينة النفس ونعيم الروح ومن ثم فلا يمكن أن يجتمع الإسلام والماركسية في قلب رجل واحد لأنهما متناقضان كل التناقض في العقيدة والفكر والمنهج(*) والسلوك.
----------------------------------------
مراجع للتوسع:
- السرطان الأحمر، د. عبد الله عزام.
- بلشفة الإسلام، د. صلاح الدين.
- حقائق الشيوعية، نهاد الغادري.
- الشيوعية والشيوعيون في ميزان الإسلام، د. عبد الجليل شلبي.
- السراب الأكبر، أسامة عبد الله الخياط.
- المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة.
- حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون، عبد الحليم خفاجي.
- لهذا نرفض الماركسية، د. عبد الرحمن البيضاني.
- الشيوعية وليدة الصهيونية، أحمد عبد الغفور عطار.
http://saaid.net المصدر:
===============(42/161)
(42/162)
نقض الاشتراكية الماركسية
بقلم : غَانم عبْده
بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ
نقض
الاشتراكية الماركسية
1
الاشتراكية الماركسية كانت في أول النصف الثاني من القرن التاسع عشر أيام حياة ماركس الذي توفي سنة 1883 مجرد فكرة فلسفية عن الحياة، ولكنها اليوم في أول النصف الثاني من القرن العشرين تحتل وجوداً ضخماً في العالم، إذ تقوم على أساسها دولة كبرى هي روسيا وإلى جانبها عدة دول تعد مئات الملايين من البشر تحاول السير في تطبيق هذه الاشتراكية الماركسية، ثم لها دعاوة عالمية واسعة، واتباع منتشرون، حتى أنه لا تكاد تجد دولة تخلوا من اشتراكيين ماركسيين. وفي البلاد الإسلامية كلها ولا سيما سورية والعراق ومصر وإندونيسيا والهند استهوت الاشتراكية فكرياً، ولدى النزر القليل عقائدياً، الكثير من أبناء المسلمين، فكان لا بد من الوقوف معها ساعة من نقاش يكشف فيها عن وجه الحق، ويعرض فيها صواب الرأي، بعمق واستنارة حتى تنجلي الحقائق، ويبرز زيف الباطل، فلعل معتنقي هذه الفكرة البالغة الخطر على الإنسان يبصرون النور، فيثوبوا إلى الحق، ويسيروا في طريق الهدى، ويدركوا مدى ما كانوا فيه من ضلال ما بعده ضلال، ويروا أن واجبهم حرب هذا الكفر والإلحاد.
إن الاشتراكية الماركسية منبثقة عن فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، فهي منبثقة عن عقيدة فيها قابلية الاعتقاد، لأنها فكرة أساسية، وفيها قابلية التطبيق، لأنها تنبثق عنها أحكام لمعالجة مشاكل الحياة، ويمكن أن تنبني عليها أفكار عن الحياة. ثم أنها فكرة وطريقة، أي عقيدة عقلية وأحكام لمعالجة مشاكل الحياة، مصحوبة بأحكام تبين كيفية تنفيذ العقيدة وتنفيذ معالجات الحياة، ويوجد للفظها مدلول يمكن أن توضع الإصبع عليه. ولذلك فإن فيها قابلية لأن يوجد لها رأي عام، ومن هنا كان خطرها أفظع. غير أن كونها يمكن أن يوجد لها رأي عام، وكونها يمكن تطبيقها لا يعني أنها صحيحة، بل يعني أنها اشتراكية حقيقية لا اشتراكية إسمية كما هي الحال فيما يسمى باشتراكية الدولة. وأنها مبدأ كفر كما أن الرأسمالية مبدأ كفر. فكما أن النصرانية دين كفر تماماً كاليهودية والوثنية فكذلك الاشتراكية مبدأ كفر تماماً كالرأسمالية. فهي مبدأ ولا ريب، ولكنه مبدأ باطل في فكرته وطريقته.
ولأجل إدراك ذلك إدراكاً كامل الوضوح لا بد من إعطاء صورة واضحة عن واقع هذه الاشتراكية الماركسية أولاً كما وردت في الكتب الاشتراكية والشيوعية ثم نقضها من أساسها.
تقوم الفكرة الاشتراكية الماركسية على ما يسمى بالمادية الديالكتيكية، والمادية التاريخية. أما المادية الديالكتيكية فهي النظرية العامة للاشتراكية ومنها الشيوعية، وقد سميت بالمادية الديالكتيكية لأن أسلوبها في النظر إلى حوادث الطبيعة جدلي، أي أن طريقتها في البحث والمعرفة هي اكتشاف تناقضات الفكر والمصادمة بين الآراء بالنقاش أي هي جدلية. ولأن تعليلها حوادث الطبيعة وتصورها لهذه الحوادث مادي، أي نظرتها مادية. وأما المادية التاريخية فهي توسع نطاق أفكار المادية الديالكتيكية حتى تشمل دراسة الحياة في المجتمع، وتطبق هذه الأفكار على حوادث الحياة في المجتمع، أي تطبق أفكار المادية الديالكتيكية على درس المجتمع ودرس تاريخ المجتمع.(42/163)
والمادية الديالكتيكية تعني النظرية المادية، وهي أن الحياة والإنسان والكون مادة تتطور من نفسها تطوراً ذاتياً، فلا يوجد خالق ولا مخلوق وإنما تطور ذاتي في المادة. وتسير هذه المادية أي مادية ماركس من الفكرة القائلة بأن العالم بطبيعته مادي، وأن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة، وأن العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة كما تقررها الطريقة الديالكتيكية هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة، وهو ليس بحاجة لأي عقل كلي. يقول انجلس: "أن الفهم المادي يعني بكل بساطة فهم الطبيعة كما هي دون أية إضافة غربية". ولقد كتب لينين بصدد المفهوم المادي عند فيلسوف العهد القديم هيراقليط الذي جاء فيه أن "العالم هو واحد، لم يخلقه أي إله أو إنسان، وقد كان ولا يزال وسيكون شعلة حية إلى الأبد، تشتعل وتنطفيء تبعاً لقوانين معينة" فقال: "يا له من شرح رائع لمبادئ المادية الديالكتيكية". فهذه هي النظرية المادية أي مادية ماركس. ولكنها أي النظرية تفصل هذا بشكل جدلي ولذلك سميت ديالكتيكية، وهي كلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية "دياليغو" ومعناها المحادثة والمجادلة. وكان الديالكتيك يعني في عهد الأولين فن الوصول إلى الحقيقة باكتشاف المتناقضات التي يتضمنها استدلال الخصم، وبالتغلب عليها. وكان بعض الفلاسفة الأولين يعتبرون أن اكتشاف تناقضات الفكر والمصادمة بين الآراء هما خير وسيلة لاكتشاف الحقيقة. فهذا الأسلوب الديالكتيكي في التفكير الذي طبق فيما بعد على حوادث الطبيعة أصبح الطريقة الديالكتيكية لمعرفة الطبيعة. إن حوادث الطبيعة بموجب هذه الطريقة هي متحركة متغيرة دائماً وأبداً، وتطور الطبيعة هو نتيجة تطور تناقضات الطبيعة، نتيجة الفعل المتبادل بين القوى المتضادة في الطبيعة فالمادية الديالكتيكية تقول أن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة، وأنه ليس بحاجة لأي عقل كلي، وأنه واحد لم يخلقه إله. وهذا باطل قطعاً. فكون الأشياء المدركة المحسوسة موجودة أمر قطعي، لأنها مشاهدة بالحس، وكون هذه الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها، أي لها وصف الاحتياج أمر قطعي أيضاً، لأنها بالمشاهدة لا تستطيع التصرف والانتقال من حال إلى حال إلا بغيرها. فالنار تحرق إذا كانت المادة الأخرى فيها قابلية الاحتراق، وإذا لم تكن فيها قابلية الاحتراق لا تحرقها. وبعض الأحماض تذيب بعض العناصر ولا تذيب غيرها. وبعض العناصر تتحد مع عناصر أخرى وتتفاعل معها ولا تتفاعل مع غيرها، وذرتان من الأيدروجين مع ذرة من الأكسجين تنتج ماءاً، ولكن حتى نحصل على الماء الثقيل لا بد من اتحاد ذرتين من الأيدروجين الثقيل مع ذرة من الأكسجين. فهذه الأشياء لم تستطع أن تتصرف في كل شيء ولا أن تنتقل من حالة إلى أية حالة أخرى إلا ضمن وضع قاصر على حالات معينة، ولا تستطيع سواها إلا بإحداث تغيير فيها أو في سواها، أو بعامل آخر، فهي إذن محتاجة، حتى لو فرض أنها محتاجة إلى هذه العوامل وهذه الحالات. فالنار لم تستطع أن تحرق إلا بوجود مادة قابلة للاحتراق، فهي حتى تحرق محتاجة إلى المادة القابلة للاحتراق. والأحماض لم تستطع أن تذيب إلا عناصر معينة فيها قابلية الذوبان فهي محتاجة إلى العناصر التي فيها قابلية الذوبان حتى تستطيع أن تحدث الإذابة. والعناصر لا تستطيع الاتحاد والتفاعل إلا بوجود عناصر فيها قابلية التفاعل والاتحاد، فهي محتاجة إلى العناصر التي فها قابلية التفاعل والاتحاد حتى تستطيع التفاعل والاتحاد. وحتى نحصل على الماء الثقيل لا بد من اتحاد ذرتين من الأيدروجين الثقيل المسمى بالدويثريوم مع ذرة من الأكسجين، أي هو محتاج إلى اتحاد الذرتين من الأيدروجين الثقيل مع ذرة من الأكسجين حتى نحصل على الماء الثقيل. ولا يقال احتاج إلى ما هو فيه، بل احتاج إلى زيادة كمية إلى ما هو فيه، واحتاج إلى من يوجد له هذه الكمية فهو محتاج. فهذا دليل قطعي على أن الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها أي لها وصف الاحتياج.(42/164)
ولا يقال إن الأشياء المدركة المحسوسة احتاجت لبعضها، ولكنها في مجموعها مستغنية عن غيرها، لا يقال ذلك لأن الحاجة إنما تبين وتوضح للشيء الواحد، وتلمس لمساً ولا تفرض فرضاً نظرياً لشيء غير موجود فيفرض وجوده، فلا يقال إن النار احتاجت لجسم فيه قابلية الاحتراق، فلو اجتمعا معاً لاستغنيا ولم يحتاجا إلى غيرهما، لأن هذا فرض نظري. فالحاجة للنار وللجسم القابل للاحتراق هي حاجة لشيء موجود حساً، محسوس بإحدى الحواس، أو مدرك عقلاً، وهو بالطبع مما يقع الحس على مدلوله حتى يتأتى إدراكه عقلاً، فالحاجة لشيء موجود. والنار والجسم لا يوجد من اجتماعهما شيء يحصل فيه الاستغناء أو الحاجة. وكذلك الأشياء التي في الكون لا يحصل من اجتماعها شيء يحصل فيه الاستغناء أو الحاجة. فالحاجة والاستغناء متمثلة في الجسم الواحد، ولا يوجد شيء يتكون من مجموع ما في الكون حتى يوصف بأنه مستغن أو محتاج. فإذا قيل أن مجموع الأشياء التي في الكون مستغن أو محتاج، فإنه يكون وصفاً لشيء متخيل الوجود، لا لشيء موجود. والبرهان يقوم على حاجة شيء معين موجود في الكون، لا مجموعة أشياء يتخيل لها اجتماع يتكوَّن منه شيء ويعطى له وصف الحاجة أو الاستغناء. ولذلك لا يرد هذا السؤال لأنه سؤال فرضي تخيلي، وليس هو واقعياً، حتى ولا فرضاً نظرياً.
ولا يقال أن الأشياء احتاجت لبعضها، فلا يكون دليلاً على أنها محتاجة لخالق، فإن البرهان على إثبات مجرد الاحتياج، لا الاحتياج إلى خالق. فمجرد وجود الاحتياج في كل شيء يثبت الاحتياج في كل شيء.
ولا يقال أن كل جزء محتاج إلى جزء آخر، فالأجزاء جميعها محتاج بعضها لبعض، فالثابت هو أن كل شيء محتاج إلى شيء آخر وهذا لا يثبت أن الأشياء محتاجة مطلقاً. لا يقال ذلك لأن احتياج الشيء، ولو إلى شيء واحد في الدنيا، يثبت أنه لا يوجد في الكون شيء يستغني الاستغناء المطلق. يعني أنه محتاج ولو لشيء واحد في الوجود، أي يثبت له وصف الاحتياج. كمن يمشي خطوة واحدة، فقد ثبت له وصف المشي، وكمن يتكلم كلمة واحدة ثبت له وصف التكلم. فالاحتياج والمشي والتكلم، وغير ذلك مما يدل على الجنس، أي مما يدل على الماهية، فإن ثبوت المرة الواحدة فيه يثبت الوصف لماهيته. فمجرد ثبوت الاحتياج إلى شيء واحد، والاحتياج مما يدل على الجنس، أي على الماهية، يثبت وصف الاحتياج لكل شيء في الكون، ولذلك فإن احتياج كل جزء إلى جزء آخر يثبت له قطعاً وصف الاحتياج.
وهذا كله ملموس محسوس بالنسبة إلى جميع الأشياء الموجودة على سطح الأرض، أما بالنسبة للكون والإنسان والحياة فإن الكون مجموعة أجرام، وكل جرم منها يسير بنظام مخصوص لا يملك أن يغيره. وهذا النظام إما أن يكون جزءاً منه، أو خاصة من خواصه، أو شيئاً آخر غيره، ولا يمكن أن يكون غير واحد من هذه الثلاثة مطلقاً. أما كونه جزءاً منه فباطل، لأن سير الكواكب يكون في مدار معين لا يتعداه، والمدار كالطريق هو غير السائر. والنظام الذي يسير به ليس مجرد سيره فقط، بل تقييده بالسير في هذا المدار. ولذلك لا يمكن أن يكون هذا النظام جزءاً منه. وأيضاً فإن السير نفسه ليس جزءاً من ماهية الكوكب، بل هو عمل له، ولذلك لا يمكن أن يكون جزءاً منه. وأما كونه خاصية من خواصه فباطل، لأن النظام ليس هو سير الكوكب فحسب، بل سيره في مدار معين. فالموضوع ليس السير وحده، بل السير في وضع معين. فهو ليس كالرؤية في العين من خواصها، بل هو كون الرؤية في العين لا تكون إلا بوضع مخصوص. ومثل كون تحول الماء من ماء إلى بخار لا يتأتى إلا بنسبة معينة. فالموضوع ليس سير الكوكب، أو رؤية العين، أو تحول الماء، بل الموضوع هو سير الكوكب في مدار مخصوص، ورؤية العين في أحوال مخصوصة، وتحول الماء بنسبة معينة. هذا الوضع المفروض على الكوكب، وعلى العين، وعلى الماء، هو النظام. وهو، وإن كان السير من خواصه، فإن كون السير لا يكون إلا بوضع معين ليس من خواصه، وإلا لكان من خواصه أن ينظم سير نفسه، وحينئذ يستطيع أن ينظم نظاماً آخر ما دام من خواصه التنظيم، والواقع أنه لا يستطيع ذلك، ولهذا لا يمكن أن يكون من خواصه. وما دام ليس جزءاً منه، وليس من خواصه، فهو غيره قطعاً. فيكون قد احتاج إلى غيره، أي احتاج الكون إلى النظام.(42/165)
ولا يقال أن كون الكوكب مسيراً في مدار معين هو خاصية ناتجة عن اجتماع الكواكب مع بعضها في جسم واحد وهو جزء لا يتجزأ من هذا الجسم، فنتج عن اجتماعها خاصية كون السير في مدار معين، كالأيدروجين وحده له خاصية، والأكسجين وحده له خاصية، فإذا اجتمعا معاً صارت لهما خاصية أخرى، وكذلك الكواكب. لا يقال ذلك لأن الأيدروجين والأكسجين حين اجتمعا كونا جسماً آخر فصارت له خاصية أخرى، فهي خاصية جسم لا خصية وجودهما في الكون، بخلاف الكواكب. فإن الكوكبين أو الكواكب لم تكن لكل منهما خاصية وهو منفرد، ثم صارت له خاصية بالاجتماع في جسم واحد، بل ظلت هذه الخاصة خاصية لكل كوكب بمفرده خاصية له وحده، ولم يجتمعا ويكونا جسماً واحداً قط. ولذلك تكون الخاصية للكوكب ولا تكون لاجتماع كوكبين أو لاجتماع الكواكب في جسم واحد، لان الاجتماع الذي يشكل جسماً آخر لم يحصل.
وأما الحياة فإن احتياجها إلى الماء وإلى الهواء ملموس ومحسوس. وأما الإنسان فإن احتياجه إلى الحياة، ثم إلى الطعام وغير ذلك ملموس محسوس. وعليه فإن الكون والحياة والإنسان محتاجة قطعاً.
ولا يقال إن ما في الكون من أشياء احتاجت لبعضها هي أشكال لشيء واحد فهي كلها مادة تشكلت بأشكال مختلفة، ولكنها في الحقيقة شيء واحد هو المادة. فالمادة احتاجت لنفسها ولم تحتج إلى غيرها فهي غير محتاجة. لا يقال ذلك لأن المادة حتى تتشكل بأشكال مختلفة لا تستطيع أن تتشكل إلا بنسبة معينة مفروضة عليها فرضاً من غيرها. فالماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى نسبة معينة حتى يتحول، والبيضة حتى تتحول إلى كتكوت تحتاج إلى نسبة معينة من الحرارة، وهكذا. فتشكل المادة لا يمكن إلا بنسبة معينة ووضع معين. وهذه النسبة أو هذا الوضع ليس من المادة وإلا لاستطاعت أن توجدها كما تشاء ولما فرضت عليها. فكونها مفروضة عليها فرضاً معناه أنها جاءت من غيرها فهي محتاجة إلى هذه النسبة أو هذا الوضع حتى يتم التشكل، ومحتاجة إلى من يوجد لها هذه النسبة حتى يتم التشكل. وعليه فهي محتاجة إلى غيرها، أي ثبت لها وصف الاحتياج لغيرها.
ومدلول كلمة محتاج يعني أنه مخلوق، لأن مجرد حاجته تعني أنه عاجز عن إيجاد شيء ما من العدم، أي عاجز عن إيجاد ما احتاج إليه فهو ليس خالقاً، وما دام ليس خالقاً فهو مخلوق. لأن الوجود كله لا يخرج عن خالق ومخلوق، ولا ثالث لهما. وأيضاً فإن المحتاج لا يمكن أن يكون أزلياً، لأن مدلول كلمة أزلي تعني أن لا يستند إلى شيء، لأنه إذا كان في تصرفه وتحوله يحتاج إلى غيره يكون احتياجه لغيره في وجوده من باب أولى. ولأنه لو احتاج في وجوده إلى غيره لكان ذلك الغير موجوداً قبله فلا يكون أزلياً. فمدلول الأزلي أنه لا يستند إلى شيء، ولا يحتاج إلى شيء. وما دام المحتاج ليس أزلياً فهو مخلوق قطعاً. وعلى هذا فكون الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة أمر قطعي، وهذا يعني أن كونها مخلوقة لخالق أمر قطعي أيضاً. وعلى هذا فإن العالم محتاج، وهو مخلوق لخالق.
وهذا الخالق لا بد أن يكون غير مخلوق، ولا بد أن يكون أزلياً. أما كونه غير مخلوق فلأنه لو كان مخلوقاً لما كان خالقاً، لأنه لا يوجد إلا خالق ومخلوق، وهما شيئان متباينان، فأحدهما غير الآخر قطعاً، ولذلك فإن من صفات الخالق كونه غير مخلوق، فما ليس بمخلوق هو الخالق. ولا يقال أنه خالق لشيء ومخلوق لشيء آخر، لأنه ليس البحث عن شيء معين كالإنسان أو الآلة، بل البحث عن المخلوق من حيث هو مخلوق لا عن مخلوق معين، وعن الخالق من حيث وصفه بالإيجاد من عدم، فلا يكون الشيء خالقاً ومخلوقاً في وقت واحد. فالخالق هو ما سوى المخلوقات.
وأما كونه أزلياً أي لا أول له فلأنه إذا كان له أول كان مخلوقاً، إذ قد بديء وجوده من حد معين، فكونه خالقاً يقضي بأن يكون أزلياً. إذ الأزلي تستند إليه الأشياء ولا يستند إلى شيء. وهذا الأزلي الخالق هو مدلول كلمة الله، أي هو الله تعالى.(42/166)
وأيضاً فإن الأشياء التي يدركها العقل هي الإنسان والحياة والكون، وهذه الأشياء محدودة، فهي مخلوقة. فالإنسان محدود، لأنه ينمو في كل شيء إلى حد ما لا يتجاوزه فهو محدود، ولأن الإنسان جنس متمثل في كل فرد من أفراده. فكل فرد إنسان، ولا يوجد أي فرق بين فرد وفرد في الخواص الإنسانية، فما يصدق على فرد من الإنسان يصدق على الآخر، كأي جنس من الأجناس كالذهب في قطعه الصافية، وكالأسد في الحيوان، وكحبة التفاح في جنسها من الفواكه.. وهكذا. فالجنس أي جنس ينطبق عليه كله ما ينطبق على كل فرد من أفراده، وأبسط ما يشاهد أن الفرد يموت، وأن الإنسان يموت، فجنس الإنسان قطعاً يموت. وهذا يعني أن هذا الجنس محدود قطعاً. ومجرد التسليم بأن الإنسان يموت معناه التسليم بأن الإنسان محدود. ولا يقال إن الإنسان الفرد هو الذي يموت ولكن جنس الإنسان لا يموت بدليل أنه في كل عصر يموت الملايين ومع ذلك فإن في العصر الذي بعده بدل أن يفنى الإنسان مع الزمن نراه بالمشاهدة يكثر، فهو إذن لا يموت كجنس بل يموت كفرد. لا يقال ذلك لأن جنس الإنسان ليس مركباً من مجموع أفراد حتى يقال أن الفرد يموت والمجموع لا يموت، فيوصل من ذلك إلى أن الجنس لا يموت. بل الإنسان هو ماهية معينة تتمثل في أفراد تمثلاً كلياً دون فرق بين فرد وفرد، وذلك كالماء وكالبترول وكالقمح وككل جنس. ولذلك فإن الحكم عليه لا يجوز أن ينصب على مجموعة، لأن جنسه ليس مركباً من مجموعة، وإنما الحكم عليه ينصب على ماهيته، أي على جنسه، فما يصدق على الماهية في فرد يصدق على الجنس كله مهما تعددت أفراده. وبما أن الماهية متحققة كلها في الفرد الواحد وفي كل فرد، والفرد الواحد يموت، معناه جنس الإنسان يموت. أما المشاهدة فإنه لا يجوز أن تحكم لأنها مشاهدة لغير المطلوب البرهان عليه، فهي مشاهدة للمجموع وهو غير الجنس، فهي فوق كونها مشاهدة ناقصة لا تحكم لأنها ليست الجنس. ألا ترى أن المياه في البحار لا تنفذ مهما أخذت منها، وهذا يعني أنها ليست محدودة، وأن البترول لا ينفذ مهما أخذت منه، وهذا يعني أنه ليس محدوداً وألا ترى أن القمح يتزايد مع الاستهلاك الكثير منه. فإذا نظرنا إلى مجموعه معناه لا ينفذ، مع أن الواقع أن جنسه ينفذ، ومعناه أنه ينفذ. وجنس الإنسان المتمثل في الفرد الواحد يموت، معناه أن جنس الإنسان من حيث هو يموت، وعليه فإن الإنسان محدود.
والحياة محدودة لأن مظهرها فردي فقط، والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد فهي محدودة. إذ الحياة في الإنسان هي عين الحياة في الحيوان، وهي ليست خارج هذا الفرد بل فيه، وهي شيء يحس وإن كان لا يلمس، ويفرق بالحس بين الحي والميت. فهذا الشيء المحسوس، والذي هو موجود في الكائن الحي، والذي من مظاهره النمو والحركة، هو ممثل كلياً وجزئياً في الفرد الواحد لا يرتبط بأي شيء غيره مطلقاً. وهو في كل فرد من أفراد الأحياء كالفرد الآخر سواء بسواء. فهو جنس متمثل بأفراد كالإنسان، وما دامت تنتهي هذه الحياة في الفرد الواحد فمعناه أن جنس الحياة ينتهي، فهي محدودة.
والكون محدود، لأنه مجموع أجرام، وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة. وذلك لأن كل جرم منها له أول وله آخر، فمهما تعددت هذه الأجرام فإنها تظل تنتهي بمحدود. فالمحدودية ليست بعدد الأجرام، بل هي بكون لها أول ولها آخر، بل تثبت بمجرد وجود الأول. ومجرد أن قيل أكثر من واحد يحتم حينئذ المحدودية، لأن الذي يزيد شيء محدود فتظل الزيادة حاصلة بمحدود لمحدود، فيظل الجميع محدوداً. وعليه فالكون محدود. وعلى ذلك فالإنسان والحياة والكون محدودة قطعاً.
وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزلياً، وإلا لما كان محدوداً، لأن هذا المدرك المحسوس إما أن يكون له أول فيكون ليس أزلياً وإما أن يكون لا أول له فيكون أزلياً. وثبت أن المحدود له أول فلا يكون أزلياً، لأن مدلول الأزلي أن لا أول له. وما لا أول له لا آخر له قطعاً، لأن وجود آخر يقتضي وجود أول، لأن مجرد البدء لا يكون إلا من نقطة، وهذا يعني أن النهاية لا بد منها ما دام قد حصل البدء من نقطة، سواء أكان ذلك في الزمان أم المكان أم الأشياء أم غير ذلك. وهذا حتمي في الحسيات، وكذلك حتمي في المعقولات، لأن المعقولات هي حسيات في الأصل، وما لم تكن حسيات لا تكون معقولات. وعليه فكل ما له أول له آخر. فمدلول الأزلي أنه لا أول له ولا آخر له، فهو غير محدود. فالمحدود ليس أزلياً. فكون الكون والحياة والإنسان محدودة معناه ليست أزلية وإلا لما كانت محدودة. وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لغيرها. فالكون والإنسان والحياة لا بد أن تكون مخلوقة لغيرها. وهذا الغير هو خالقها، أي هو خالق الكون والحياة والإنسان. وعليه فإن العالم مخلوق لخالق، مخلوق للأزلي، مخلوق لله تعالى. فالعالم لا يتطور من ذاته تبعاً لقوانين حركة المادة بل هو محتاج قطعاً، وهو محدود قطعاً، وهو ليس بأزلي قطعاً، فهو إذن مخلوق للأزلي. وهذا الأزلي هو مدلول كلمة الله، أي هو الله تعالى.
(ولا بد أن يلفت النظر إلى ثلاثة أمور((42/167)
أحدها: أن القول بأن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية وإنما هو حقيقة قطعية. لأن الكلام ليس متناولاً لهذا القول باعتباره فرضاً، وجرى ترتيب البرهان على هذا الفرض، وإنما تناول الكلام الأشياء المدركة المحسوسة، وأقام البرهان الحسي على أنها مخلوقة لخالق، فأدرك إدراكاً حسياً وجود مخلوقات لخالق، فتوصل بالبرهان الحسي إلى هذا القول فكان القول نتيجة البرهان وليس فرضاً. أي أننا لم نقل بما أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق، وبما أنه ثبت أن المدرك المحسوس مخلوق فيكون غير المدرك المحسوس هو الخالق. أي لم نقم الفرضية أولاً ورتبنا عليها البرهان حتى يحتاج إلى إثبات الفرضية ليصح البرهان، وإنما وضعنا الأشياء المدركة المحسوسة موضع البحث، فلفتنا النظر إلى أنها موجودة قطعاً وهو أمر مشاهد ملموس، وأقمنا البرهان على أنها محتاجة قطعاً، وهذا يعني أنها محتاجة إلى من يوجدها فهي مخلوقة. فالبرهان قام على أن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة. أي ترتب على حقيقة قطعية لا على فرضية. وبذلك ثبت بشكل قطعي وجود المخلوق، وهذا يثبت وجود الخالق. لأن هذا المخلوق إما أن يكون مخلوقاً لنفسه أو مخلوقاً لغيره ولا وثالث لهما قطعاً وهذا ليس فرضاً وإنما الواقع المحسوس للمخلوق يدل عليه. أما كونه مخلوقاً لنفسه فباطل، لأنه يكون مخلوقاً لنفسه وخالقاً لنفسه في آن واحد وهذا باطل، فلا بد أن يكون مخلوقاً لغيره، وهذا الغير هو الخالق. وبهذا ثبت وجود خالق، أي أن إثبات كون الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق وأن هذا الخالق هو غيرها يثبت وجود الخالق. وبناء على هذا الإثبات بالبرهان الحسي لوجود المخلوق ولوجود الخالق وأنه غير المخلوق أدركت الحقيقة القطعية وهي أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق. ولذلك لم يكن هذا القول فرضاً وإنما هو حقيقة قطعية ثبتت بالبرهان الحسي القاطع.
ثانيها: أن مفهوم الاحتياج في الأشياء المدركة المحسوسة هو غير مفهوم الشرطية الماركسية، لأن الشرطية الماركسية تعني أن كل شيء تكتنفه شروط من حوادث وأشياء تحيط به، ولا يمكن فصل الشيء عما يحيط به. فأي حادث من حوادث الطبيعة لا يمكن فهمه إذا نظر إليه منفرداً أي بمعزل عن الحوادث المحيطة به إذ أن أي حادث في أي ميدان من ميادين الطبيعة يمكن أن ينقلب إلى عبث فارغ لا معنى له إذا نظر إليه بمعزل عن الشروط التي تكتنفه، وإذا فصل عن هذه الشروط. فأي حادث من حوادث الطبيعة يجب أن ينظر إليه كما تحدده وتكيفه الحوادث المحيطة به. فالشرطية عندهم ارتباط الأشياء بعضها ببعض ارتباطاً لا ينفصم بحيث تكون جميعها وكل واحد منها شرطاً في وجود ما تكتنفه وفي إنتاجه وفي إدراك حقيقته. أي أن كل حوادث الطبيعة يكيف بعضها البعض الآخر بصورة متبادلة وهذا معنى كونها شروطاً، أي هذا هو معنى الشرطية. فهي شرح لارتباط الأشياء بعضها ببعض بحيث يتأثر أحدها بالآخر ويؤثر فيه وليس شرحاً لمعنى الاحتياج، وما يترتب عليه ليس هو ما يترتب على الاحتياج، فإن ما يترتب عليه هو أنه إذا كانت الأشياء في الطبيعة مرتبطاً بعضها ببعض بصورة متقابلة وأحدها شرط للآخر فإنه لا يحكم على النظام إلا ببناء هذا الحكم على أساس الظروف التي ولدت هذا النظام، ولا يمكن الحكم على شيء إلا على أساس ما يحيط بذلك الشيء، ولكن إذا كانت الأشياء في الطبيعة منفصل بعضها عن بعض فإنه يمكن فهم النظام دون أي نظر للظروف أي دون أي نظر للمكان والزمان. فمفهوم الاشتراط أو الشرطية الماركسية مفهوم يتعلق بارتباط الأشياء بعضها ببعض وليس باحتياج الأشياء. ولذلك كان مفهوم الاحتياج غير مفهوم الشرطية الماركسية لأن مفهوم الاحتياج متعلق بعدم الاستغناء، ومفهوم الاشتراط متعلق بعدم فصل الأشياء بعضها عن بعض.(42/168)
قد يقال إن معنى الشيء مرتبطاً بالآخر بصورة متقابلة وأحدهما شرط للآخر معناه أنه محتاج إليه، فهذه الأشياء التي تكتنف الحادث أو الشيء لا يستغني عنها الشيء فهو محتاج إليها، وهذا يعني أن الاحتياج هو نفس الاشتراط أي هو نفس مفهوم الشرطية الماركسية. والجواب على ذلك هو أن هذا ليس المراد من الشرطية وإن كان يترتب على القول بالشرطية القول بالاحتياج. أي أن الشيوعيين لم يقولوا بأن كل شيء محتاج للآخر بل قالوا أن كل شيء مرتبط بالآخر بصورة متقابلة فهو شرط له وأرادوا إثبات تأثير الأشياء ببعضها ولم يريدوا احتياج الأشياء لبعضها ولكن يترتب على قولهم هذا القول بالاحتياج وليس قولهم هذا هو الاحتياج. أي أن الاحتياج يترتب على هذا القول فهو ينتج عنه وليس هو نفس القول. وهذا يمكن أن يتخذ دليلاً على الشيوعيين بأن الحوادث والأشياء في الطبيعة ليست أزلية لأن ارتباطها ببعضها بصورة متقابلة بحيث يكون أحدها شرطاً للآخر يعني أن كل واحد منها محتاج فكل واحد منها ليس أزلياً لأنه محتاج، لأن الأزلي مستغن عن غيره إذ لا أول له، فإذا احتاج كان له أول أي يوجد غيره قبله فلا يكون أزلياً فتكون الشرطية الماركسية دليلاً على أن الحوادث والأشياء في الطبيعة ليست أزلية لأنها محتاجة باعترافهم والمحتاج لا يمكن أن يكون أزلياً. وبهذا يظهر أن مفهوم الشرطية الماركسية غير مفهوم الاحتياج، ولكن يترتب على القول بالاشتراط أي بالشرطية الماركسية أن كل شيء في العالم محتاج وهذا يعني أنه ليس أزلياً قطعاً.
وما دامت الماركسية تسلّم بأن كل شيء في الطبيعة محتاج وذلك بقولها بالشرطية، فإنه لا يبقى لإثبات كون الأشياء مخلوقة لخالق سوى إثبات أن احتياجها إنما هو لغيرها وليس لنفسها فحسب. فالاعتراف بكونها محتاجة اعتراف بأنها ليست أزلية فهو اعتراف بأنها مخلوقة ولا يبقى إلا إثبات أنها محتاجة لغيرها فيثبت أنها مخلوقة لخالق غيرها. واثبات ذلك في منتهى البساطة، فإن الأشياء حين احتاجت لبعضها أو على حد تعبيرهم حين كان الشيء مرتبطاً بغيره بصورة متقابلة وكان أحدهما شرطاً للآخر إنما كان ذلك وفق قوانين معينة ونسب معينة بحيث لا يؤثر أحدهما في الآخر إلا وفق هذه القوانين أو هذه النسب، ولا يمكن أن يخرج أي منهما عن هذه القوانين أو النسب فهي مفروضة عليهما فرضاً. وهذه القوانين ليست منهما ولا من أحدهما، إذ لو كانت من أحدهما لاستطاع أن يخرج عنها وان يغيرها، ولو كانت منهما لكانا قادرين باجتماعهما أن يخرجا عنها ويغيراها. ولكن الواقع أنهما خاضعان لها ومجبوران على السير بحسبها ويستحيل عليهما الخروج عنها أو تغييرها، فدل على أن غيرهما قد فرض عليهما هذه النسبة وفرض عليهما أن يسيرا بحسبها، فهما إذن محتاجان إلى غيرهما، أي أن الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها. فالماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى نسبة معينة من الحرارة، وهذه النسبة ليست من الماء ولا من الحرارة، وإلا استطاع كل مهما أن يوجدها كما يشاء أو استطاعا معاً أن يوجداها كما يشاءان، ولما فرضت عليهما فرضاً. لكن الواقع أنه يستحيل عليهما الخروج على هذه النسبة فهي مفروضة عليهما فرضاً. فكونها مفروضة عليهما فرضاً معناه أنها جاءت من غيرهما. فيكون الماء والحرارة احتاج كل منهما واحتاجا معاً إلى هذه النسبة حتى يوجد منهما بخار، واحتاجا لمن يوجد لهما هذه النسبة حتى يتأتى توليد البخار، وهكذا جميع الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها، وهذا يعني أنها مخلوقة لخالق غيرها. وهذا برهان مسكت، فإن كون الأشياء في مجموعها وكل شيء بمفرده محتاجاً إلى نسبة معينة أو وضع معين حتى يتشكل أو يحدث أي شيء أو يحدث فيه أي تغيير، أمر قطعي بالحس والمشاهدة ويسلم فيه جميع الناس. وكون هذه النسبة المعينة أو الوضع المعين لم يأت من الأشياء نفسها وإنما أتى من غيرها كذلك أمر قطعي بالحس والمشاهدة. وهذا يعني أن الأشياء في مجموعها وكل شيء بمفرده قد ثبت لها وصف الاحتياج لغيرها ثبوتاً قطعياً بالبرهان الحسي، وبذلك يكون قد ثبت أن الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة لغيرها قطعاً. وما دام قد ثبت أنها محتاجة لغيرها فإنه بذلك يكون قد ثبت أنها مخلوقة لخالق. لأن كونها محتاجة معناه أنها ليست أزلية، لأن الأزلي يستحيل أن يكون محتاجاً، إذ مجرد الاحتياج ينفي عنه الأزلية، وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لخالق، فيكون قد ترتب على قول الماركسية بالشرطية في الطبيعة القول بأن الطبيعة محتاجة إلى غيرها، وهذا يعني أنها مخلوقة لخالق، وهو يعني أن القول بالشرطية يترتب عليه حتماً الاعتراف بوجود الخالق. وأنه وإن كان القول بأن جميع ما في العالم من أشياء وحوادث مرتبط بعضها ببعض ارتباطاً لا ينفصم قول خاطيء لأن هناك أشياء في الطبيعة مرتبطة بأشياء وغير مرتبطة بغيرها وهنا حوادث مرتبطة بحوادث وأشياء وغير مرتبطة بحوادث وأشياء غيرها، ولكن كون كل شيء محتاجاً هو أمر قطعي، واثبات صفة الاحتياج إليه كاف لإثبات أنه ليس أزلياً فهو مخلوق لخالق.(42/169)
ثالثها: أن ما قيل عن محدودية الكون وأزليته، أي ما قيل عن كون الكون محدوداً وليس أزلياً، ليس مبنياً على التعاريف وليس بحثاً لغوياً ولا هو بيان لقاموسية الكلمة. وإنما هو شرح لواقع محسوس. فليست المحدودية والأزلية اصطلاحاً وضع له تعريف اصطلاحي، ولا مدلولاً لكلمة وضع لها من اللغة لفظ يدل عليها، وإنما واقع معين كالبحث في الفكر سواء بسواء. فنحن حين نقول إن الكون محدود إنما نشير إلى واقع معين وهو كونه له بداية وله نهاية، فالبحث في هذا الواقع وليس في كلمة محدود. وكونه له بداية وله نهاية قد قام البرهان الحسي عليها، فيكون البرهان على واقع معين لا على معنى الكلمة لغوياً. أي أنه حين يقال أن الكون مجموع أجرام مهما تعددت، فالكون يتكون من هذه الأجرام، وكل جرم منها مهما بلغ عددها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة فالكون محدود، حين يقال ذلك لا يقام البرهان على كلمة محدود، وإنما يقام البرهان على أن الكون له أول وله آخر، فيبتديء من نقطة وينتهي إلى نقطة. هذا الواقع هو الذي قام البرهان عليه، هذا الواقع سواء قيل عنه كلمة محدود في العربية أو قيل غيرها في الإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية أو الألمانية هو الذي قام البرهان عليه، ولذلك كان القول بالمحدودية للكون وإقامة البرهان عليه ليس مبنياً على تعاريف ولا بحثاً لغوياً، ولا بياناً لقاموسية الكلمة، وإنما هو بيان لواقع وإقامة البرهان على واقع. وكذلك القول بأن الكون ليس أزلياً، وأن الأشياء المدركة المحسوسة ليست أزلية، ليس مبنياً على تعاريف، وليس بحثاً لغوياً ولا هو بيان لقاموسية الكلمة بل هو بيان لواقع، وإقامة البرهان على واقع. وكذلك القول بأن هذا أزلي ليس بياناً لكلمة الأزلي بوصفها لفظة، بل هو بيان لواقع، وإقامة البرهان على واقع، فهو بيان لما لا أول له، أي لما ليس له نقطة ابتدأ منها. هذا الواقع هو الأزلي. فالبحث إنما هو في هذا الواقع والبرهان إنما هو على أساس هذا الواقع، سواء قيل عنه كلمة أزلي بالعربية، أو قيل عنه غيرها بالإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية، فالكلام ليس في مدلول الكلمة اللغوي وإنما هو في واقع معين لا يختلف باختلاف التعابير التي تطلق عليه في اللغات. فإذا قيل أن المحدود ليس أزلياً لأن له أولاً والأزلي لا أول له لأن مدلول الأزلي أن لا أول له، إذا قيل ذلك لا يقال لشرح المدلول اللغوي للكلمة حتى يكون تعريفاً أو بحثاً لغوياً أو بياناً لقاموسية الكلمة، وإنما يقال ذلك لبيان واقع معين وهو الشيء الذي لا أول له. فواقع المحدود هو أن له أولاً وأن له آخراً، وواقع الأزلي هو ما ليس له أول، فيكون واقع المحدود غير واقع الأزلي. وهذا هو معنى قولنا أن المحدود ليس أزلياً، فيكون الكلام عن واقع معين لا عن مدلول الكلمة لغوياً.(42/170)
هذه هي الأمور الثلاثة التي لا بد من لفت النظر إليها عند دراسة البرهان على وجود الخالق أي على وجود الله، وإنما يلفت النظر إلى هذه الأمور الثلاثة لأن كون الكون والإنسان والحياة محدودة وليست أزلية أمر قطعي، والبرهان عليه برهان مسكت لا يترك جواباً عند أحد، فقد يلجأ بعضهم إلى القول بأن هذا بحث لغوي لمدلول الكلمات فلا يصح أن يكون برهاناً على وجود الخالق. فلا بد من بيان أنه بحث لواقع يثبت أن الكون والإنسان والحياة لها هذا الواقع وهو أن لها أولاً وأن لها آخراً، وأنها ليست مما لا أول له، فهي إذن مخلوقة لخالق. ولأن كون الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة كذلك أمر قطعي، والبرهان عليه برهان مسكت لا يترك جواباً عند أحد، فقد يلجأ بعضهم إلى القول أن احتياجها أمر صحيح والشيوعيون يسلمون به حين يقولون بالشرطية، ولكنها محتاجة لبعضها فلا يصح أن يكون احتياجها لبعضها برهاناً على وجود الخالق. فلا بد من بيان أن الشرطية التي يقول بها الشيوعيون غير الاحتياج بدليل قولهم أن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة وهو ليس بحاجة لأي عقل كلي فهم مع قولهم بالاشتراط ينفون عن العالم أنه محتاج، فالشرطية التي يقولون بها هي غير الاحتياج ولكن يترتب على القول بها القول بالاحتياج، ومجرد القول بالاحتياج معناه اعتراف بأنه مخلوق، لأن كونه محتاجاً معناه أنه ليس أزلياً فهو مخلوق، وفوق ذلك فإن قوله أن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة معناه أنه محتاج لهذه القوانين، وهذه القوانين لم تأت من المادة نفسها لأن المادة خاضعة لهذه القوانين ولا تستطيع الخروج عنها ويستحيل عليها تغييرها فهي مفروضة عليها فرضاً لا تملك الخروج عنه أو تغييره فهو مفروض من غيرها فتكون المادة قد احتاجت من يضع لها هذه القوانين فاحتاجت إلى غيرها، فهي محتاجة، ومحتاجة إلى غيرها فهي مخلوقة، وهذا معناه اعتراف بأن العالم مخلوق، أي أن القول بالشرطية يترتب عليه الاعتراف بأن العالم مخلوق لخالق. وأيضاً لما كان كون العالم محتاجاً وعاجزاً عن إيجاد ما احتاج إليه أمراً قطعياً وكان البرهان عليه مسكتاً لا يترك جواباً عند أحد فقد يلجأ بعضهم إلى القول أن كون العالم مخلوقاً لا يعني أن هناك خالقاً فإن كون الوجود كله لا يخرج عن خالق ومخلوق فرض نظري، فلا يصح أن يكون برهاناً على وجود الخالق. لذلك كان لا بد من بيان أن كون الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية وإنما هي حقيقة قطعية، لأن البرهان قام على أن العالم مخلوق لخالق، فيكون قد قام على وجود خالق لهذه المخلوقات، وبذلك كان البرهان برهاناً على أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق. ولذلك كله لا بد من لفت النظر إلى هذه الأمور الثلاثة.(42/171)
على أن وجود الخالق حقيقة ملموسة محسوسة يوضع الإصبع عليها، فالوجود للخالق يوضع الإصبع عليه بالحس وإدراكه إدراك حسي مباشر وليس إدراكاً من قضايا منطقية، بل الحس بهذا الوجود للخالق هو الذي يعطي هذا الإدراك كإدراك أي شيء محسوس. وليس معنى هذا أن الخالق محسوس ملموس بل وجود هذا الخالق هو المحسوس الملموس. والبرهان عليه في منتهى البساطة وإن كان أيضاً في منتهى التعقيد. أما كونه في منتهى البساطة فإن الإنسان يحيا في الكون فهو يشاهد في نفسه، وفي الحياة التي يحياها الأحياء، وفي كل شيء في الكون تغيراً دائماً وانتقالاً من حال إلى حال، ويشاهد وجود أشياء وانعدام أشياء، ويشاهد دقة وتنظيماً في كل ما يرى ويلمس فيصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجداً لهذا الوجود المدرك المحسوس. وهذا أمر طبيعي جداً، فإن الإنسان يسمع دوياً، فيظن أنه دوي طائرة أو سيارة أو مطحنة أو أي شيء ولكن يوقن أنه دوي ناتج عن شيء فيوقن بوجود شيء خرج منه هذا الدوي، فكان وجود الشيء الذي نتج عنه الدوي أمراً قطعياً عند من سمعه. فقد قام البرهان الحسي على وجوده وهو برهان في منتهى البساطة، فيكون الاعتقاد بوجود شيء نتج عنه الدوي اعتقاداً جازماً قام البرهان القطعي عليه، ويكون هذا الاعتقاد أمراً طبيعياً ما دام البرهان الحسي قد قام عليه، وكذلك فإن الإنسان يشاهد التغير في الأشياء ويشاهد انعدام بعضها ووجود غيرها، ويشاهد الدقة والتنظيم فيها، ويشاهد أن كل ذلك ليس منها، وأنها عاجزة عن إيجاده وعاجزة عن دفعه، فيوقن أن هذا كله صادر عن غير هذه الأشياء، ويوقن بوجود خالق خلق هذه الأشياء وهو الذي يغيرها ويعدمها وينظمها، فكان وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود الأشياء وتغيرها وتنظيمها أمراً قطعياً عند من شاهد تغيرها ووجودها وانعدامها ودقة تنظيمها. فقد قام البرهان الحسي بالحس المباشر على وجوده وهو برهان في منتهى البساطة، فيكون الاعتقاد بوجود خالق لهذه الأشياء المخلوقة والتي تعدم وتتغير ولا تملك إيجاد ذلك لها ولا دفعه عنها اعتقاداً جازماً قام البرهان القطعي عليه. ولذلك كان من الطبيعي جداً أن من يشاهد الأشياء المدركة المحسوسة وما يحصل لها وفيها مما لا تستطيع إيجاده لها ولا دفعه عنها أن يصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجداً لهذا الوجود المدرك المحسوس. وهذا أمر عام يشمل جميع البشر ولا يستثنى منه أحد مطلقاً. ولذلك كان الإقرار بوجود الخالق عاماً عند جميع بني الإنسان في جميع العصور، والخلاف بينهم إنما كان بتعدد الآلهة أو توحيدها، ولكنهم مجمعون على وجود الخالق، لأن أدنى إعمال للعقل فيما يحسه من الموجودات يري أنها مخلوقة لخالق وأن هناك خالقاً، لهذا كان البرهان بسيطاً في منتهى البساطة، لأنه لا يعدو لفت النظر إلى ما يقع عليه الحس من الموجودات. فإن مجرد النظر فيها مما لا تستطيع إيجاده لنفسها ولا دفعه عنها يوصل إلى أنها مخلوقة لخالق وإلى أن هناك خالقاً خلقها. ولذلك جاءت أكثر براهين القرآن لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق: (أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ( وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ( وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(، (فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(، (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(، (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(، (أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ( أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ(، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ(، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( فهذه براهين قاطعة على وجود الخالق، فلينظر الإنسان إلى كيفية خلق الإبل، ورفع السماء، ونصب الجبال يدرك وجود الله، ولذلك فإن تيتوف رائد الفضاء الروسي حين قام برحلته الفضائية حول الأرض قال أنه رأى الأرض معلقة في الفضاء لا يمسكها شيء أبداً لا من فوقها ولا من تحتها ولا عن جوانبها فهي معلقة من نفسها هكذا في الفضاء دون أن يمسكها شيء وأنه تذكر ما تقوله الديانات. أي أنه استدل من هذه المشاهدة أنه لا يمكن للأرض أن تعلق هكذا في الفضاء لا يمسكها شيء وهو يدور حولها ولا يجد شيئاً يمسكها ومع ذلك هي معلقة ولا تسقط استدل من ذلك على أنه لا بد من شيء يمسكها ويمنعها من السقوط. فهذا برهان حسي(42/172)
شاهده تيتوف في الأرض، وهو أصدق البراهين مع كونه في منتهى البساطة. ومنه كذلك سؤال الإنسان عن خلقه من الماء الدافق، ومنه سؤال الناس عما يمنون وعما يحرثون وعما يوقدون، هل خلقوا الأولاد من هذا الذي يمنون، والزرع من هذا الذي يزرعون، والشجر الذي يوقدون. فجوابهم القطعي وهم يقطعون بأنهم ليسوا هم الموجدين هو أن هناك خالقاً خلقها غيرهم. ومنه أي من البرهان الحسي لفت نظر العقول إلى خلق السموات والأرض، وإلى اختلاف الليل والنهار، وإلى الفلك التي تجري في البحر، وإلى المطر، وإلى ما بث في الأرض من كل دابة، وإلى تصريف الرياح، وإلى السحاب، لتدرك هذه العقول من هذه المحسوسات أن هناك خالقاً. فكل هذه براهين قاطعة على وجود الخالق، وهي براهين مسكتة، وهي في منتهى البساطة يدركها جميع الناس ويسلم بها جميع الناس، ولا يجد أحد جواباً عليها. فوجود الخالق بهذه البراهين محسوس ملموس يوضع الإصبع عليه، وهي براهين في منتهى البساطة.
وأما كون البرهان على وجود الخالق في منتهى التعقيد فذلك أن هناك أناساً من البشر يأبون البساطة ويعقدون على أنفسهم الأمور فيبحثون في هذا الأمر البسيط بشكل معقد، فيصلون إلى أشياء جديدة تعقد عليهم الأمور، ولذلك صار لا بد لهم من براهين على هذه الأمور الجديدة التي وصلوا إليها. فمن ذلك أن بعض الناس في العصر القديم رأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس، وهذا أمر لا يستطيع أحد إنكاره، وهذا يعني أن العالم حادث لأن كل متغير حادث، وما دام حادثاً فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره إنما هو في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير والإنسان لا يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثاً وإنما هو قديم أزلي لا أول له فهو إذن ليس مخلوقاً لخالق. ومن ذلك أن بعض الناس في العصر الحديث رأوا أن حوادث العالم متعددة كما يشاهد ذلك بالحس فهي تنتقل من حال إلى حال، ونقلها هذا من حال إلى حال وجعلها في حركة دائمة ليس ناتجاً منها، فإنها بذاتها ومفردها لا تستطيع ذلك ولا تملك دفعه عنها. فكان الأمر الطبيعي أن يتوصلوا بذلك إلى وجود قوة تنقلها من حال إلى حال وتحركها، أي أن يتوصلوا إلى وجود خالق للعالم، ولكنهم توصلوا إلى عكس ذلك تماماً، إذ قالوا أن العالم بطبيعته مادي، وأن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة، وأن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة، وتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس بحاجة إلى عقل كلي، فليس بحاجة إلى خالق يخلقه، لأنه مستغن بنفسه. ومن هذا يتبين أنه في القديم والحديث لم يأت إنكار وجود الخالق طبيعياً وإنما جاء على مخالفة للأمر الطبيعي بتفسير ما يلزم بالاعتراف بوجود الخالق تفسيراً مغلوطاً يؤدي إلى إنكار وجوده. فبالنسبة للقديم نجد أن تغير العالم أمر لا يمكن إنكاره، والتغير ليس في أجزائه فحسب بل فيه أيضاً ككل غير أن التغير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالبرتقالة ونبتة الزرع والحجر والحديد والإنسان والحيوان وغير ذلك تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها لا يعني أن البرتقالة تصبح حجراً والحجر يصبح حديداً والحديد يصبح نبتة زرع.. وهكذا.. وإنما التغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان وإنما البرهان هو وجود التغير، وبناء على هذا ليس صحيحاً أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحاً أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير وليس صحيحاً أن الإنسان كما هو لم يتغير، وليس صحيحاً أن الحياة كما هي لم تتغير. فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير، فالكواكب متغيرة بالمشاهدة ومجرد حركتها هو تغير، والإنسان متغير بالمشاهدة وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغير، والحياة متغيرة بالمشاهدة وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود التغير فيها فهي متغيرة حتماً، وبذلك ينقض ما ذهبوا إليه بأن العالم ليس حادثاً لأنه متغير ككل وكأجزاء بل هو دام التغير. وكل متغير حادث، فالعالم حادث وإذن هو ليس أزلياً، وما دام ليس أزلياً فهو مخلوق لخالق لأن غير الأزلي مخلوق.(42/173)
على أن كون العالم ليس أزلياً يكفي لإثباته ما يشاهد فيه من ربيع وصيف وشتاء وخريف، ومن تلبد غيوم وصفاء أجواء، ومن برق ورعود وريح عاصف ونسيم عليل، ومن موت وحياة، ومن انتقال الحبة إلى زرع وإلى هشيم، والغرسة إلى شجرة وإلى خشب وأحطاب، والماء إلى بخار أو جليد، ومن انتقال النطفة إلى جنين إلى طفل إلى شاب إلى شيخ هرم، والبيضة إلى كتكوت إلى دجاج إلى طعام يأكله الناس، وإلى غير ذلك مما يحدث في العالم ككل وما يحدث في كل جزء من أجزائه. فإن هذا كاف للبرهان على أن العالم حادث بوصفه كلاً، وأنه حادث بكل جزء من أجزائه، وكونه حادثاً يعني أنه ليس أزلياً، أي أن له أولاً قد ابتدأ منه، وهذا يعني أنه مخلوق لخالق. فكونه له ابتداء معناه أنه كان معدوماً ووجد، وكونه قد وجد من عدم يحتم أن له موجداً أوجده. وهذا كاف لإثبات وجود الخالق، لأن وجود مخلوق لخالق يعني حتماً وجود الخالق، وبذلك ينقض ما ذهب إليه بعض الناس في العصر القديم من أن العالم أزلي قديم، ويثبت أن العالم مخلوق لخالق، وبذلك يثبت وجود الخالق.
وأما بالنسبة لما قال به بعضهم في العصر الحديث، أي بالنسبة لما قال به الشيوعيون، فإننا نجد أن موضع الإنكار عندهم هو أنهم يقولون إن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضاً بصورة متقابلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع إنكار وجود الخالق عندهم. فالتعقيد جاء إليهم من تفسير ما في العالم من تغير وانتقال من حال إلى حال، وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تكن وانعدام بعض الأشياء بعد أن كانت، أو على حد تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة، من تفسير ذلك بأنه إنما يحدث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها، فقوانين حركة المادة هي التي تؤثر في العالم، وهو يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع الإنكار، ولذلك كان المطلوب هو حل هذه العقدة عندهم، أي كان محل البحث هو قوانين المادة وليس تغير العالم. فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة، ولا هي خاصة من خواصها، وإنما هي مفروضة على المادة فرضاً من غيرها ومن خارجها، فإنه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة عندهم، لأنه يكون العالم ليس سائراً تبعاً لقوانين حركة المادة، بل سائراً بتسيير من أوجد له هذه القوانين وفرضها عليه فرضاً، وأجبره على أن يسير بحسبها، فتنقض النظرية وتحل العقدة.
أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة فلأن القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين، فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد إنما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة فإن حرارة الماء ليس لها في باديء الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل، لكن إذا زيدت أو أنقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار في إحدى الحالات وإلى جليد في الحالة الأخرى، فهذه النسبة المعينة من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، وهذه النسبة، أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لم تأت من الماء، لأنه لو كانت منه لكان بإمكانه أن يغيرها وأن يخرج عنها، لكن الواقع أنه لا يستطيع تغييرها ولا الخروج عنها وإنما هي مفروضة عليه فرضاً فدل ذلك على أنها ليست منه قطعاً، وكذلك لم تأت من الحرارة، بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفروضة عليها فرضاً، فهي ليست منها قطعاً، فتكون هذه القوانين ليست من المادة.
وأما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة، فلأن القوانين ليست أثراً من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال أنها من خواصها وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها. ففي تحول الماء ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة، لأن القانون ليس تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، بل القانون تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء. فالموضوع ليس التحول، وإنما هو التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين من خواصها، بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع مخصوص. هذا هو القانون، فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكن كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها وإنما هو أمر خارج عنها، وكالنار من خواصها الإحراق، ولكن كونها لا تحرق إلا بأحوال مخصوصة ليس خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها، فخاصية الشيء هي غير القوانين التي تسيره، إذ الخاصية هي ما يعطيه الشيء نفسه وينتج عنه كالرؤية في العين وكالإحراق في النار وما شاكل ذلك، ولكن القوانين التي تسيّر الأشياء هي كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال مخصوصة وكون الإحراق لا يحصل من النار إلا بأحوال مخصوصة وكون الماء لا يتحول إلى بخار أو جليد إلا بأحوال مخصوصة.. وهكذا وبهذا ثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواص المادة وإنما هي أمر خارج عنها.(42/174)
وبما أنه ثبت أن هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها فتكون آتية من غيرها، ومفروضة عليها فرضاً من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان نظرية الشيوعيين، لأنه ثبت أن العالم ليس سائراً تبعاً لقوانين حركة المادة بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضاً، فيكون العالم بحاجة لمن وضع له هذه القوانين وفرضها عليه. وما دام بحاجة إلى من فرض عليه هذه القوانين فهو أي العالم ليس أزلياً، وما دام ليس أزلياً فهو مخلوق. لأن كونه ليس أزلياً يعني أنه وجد بعد أن لم يكن فهو مخلوق لخالق، ومجرد ثبوت وجود المخلوقات لخالق يثبت وجود الخالق.
هذه هي البراهين على وجود الخالق لإثبات وجوده لأولئك الذين عقدوا أنفسهم فتعقدت نظرتهم إلى العالم، وهي براهين مسكتة كافية لنقض نظريتهم. فإن إثبات أن المادة لا تملك السير إلا بحسب هذه القوانين، ولا تملك أن تغيرها أو تخرج عنها دليل ملزم بأن هناك غير المادة فرض عليها هذه القوانين فرضاً، فكانت المادة محتاجة إلى غيرها، فهي مخلوقة وليست أزلية، وبذلك يبطل أساس المادة الديالكتيكية وهو العقيدة الأساسية، ويبقى الكلام عن الطريقة الديالكتيكية من حيث النواحي التي تأخذها.
والطريقة الديالكتيكية الماركسية من حيث هي تأخذ ناحيتين في البحث:
إحداهما ناحية البحث في الفكر، والثانية ناحية البحث في الطبيعة. فمن ناحية الفكر ترى أن الفكر هو انعكاس الواقع على الدماغ، أي أن القضية هي قضية واقع وليست قضية فكر. فالواقع موجود أولاً، ووجوده هو الذي أوجد الفكر، فالواقع ينعكس على الدماغ، وانعكاسه هذا هو الفكر.
يقول ماركس: "إن طريقتي لا تختلف عن الطريقة الهيغلية من حيث الأساس فحسب، بل ضدها تماماً. فحركة الفكر، هذا الفكر الذي يشخصه هيغل ويطلق عليه اسم "الفكرة" هي في نظره خالق الواقع وصانعه، فما الواقع إلا الشكل الحادثي للفكرة. أما في نظري فعلى العكس، ليست حركة الفكر سوى انعكاس الحركة الواقعية منقولة إلى دماغ الإنسان ومستقرة فيه".
وعلى هذا فإن هيغل يرى أن الفكرة قبل الواقع. ولكن ماركس يرى أن الواقع قبل الفكرة، وأن الفكرة هو انعكاس الواقع على الدماغ.
وتقول كتب الشيوعيين: تقوم المادية الفلسفية الماركسية على مبدأ آخر وهو أن المادة، والطبيعة، والكائن، هي حقيقة موضوعية موجودة خارج الإدراك وبصورة مستقلة عنه، وأن المادة هي عنصر أولي لأنها منبع الاحساسات، والتصورات، والإدراك. بينما الإدراك هو عنصر ثان مشتق، لأنه انعكاس المادة، انعكاس الكائن، وأن الفكر هو نتاج المادة لما بلغت في تطورها درجة عالية من الكمال، أو بتغيير أدق أن الفكر هو نتاج الدماغ، والدماغ هو عضو التفكير، فلا يمكن بالتالي فصل الفكر عن المادة دون الوقوع في خطأ كبير، فعند الشيوعيين المادة هي الأصل للإحساس، وهي الأصل للتصورات، وهي الأصل للفكر، فهي منبع هذه الأمور الثلاثة، وأن الفكر هو انعكاس المادة على الدماغ. وهم يصرحون بأن الفكر هو نتاج المادة ولكنهم يبينون كيف كان نتاجها بأنه انعكاس المادة.
ويقول انجلس: "إن مسألة علاقة الفكر بالكائن، وعلاقة العقل بالطبيعة، هي المسألة العليا في كل فلسفة. وكان الفلاسفة تبعاً لإجابتهم على هذه المسألة ينقسمون إلى معسكرين كبيرين. فأولئك الذين كانوا يؤكدون تقدم العقل على الطبيعة يؤلفون معسكر المثالية، والآخرون الذين كانوا يقررون تقدم الطبيعة ينتمون إلى مختلف المدارس المادية" ويقول فيما بعد: "إن العالم المادي الذي تدركه حواسنا، والذي ننتمي إليه نحن أنفسنا هو الواقع الوحيد، أما إدراكنا وفكرنا فهما، مهما ظهرا رفيعين ساميين، ليسا سوى نتاج عضوي مادي جسدي هو الدماغ. إن المادة ليست من نتاج العقل، بل أن العقل ليس سوى نتاج المادة الأعلى".
وهذا الكلام يدل كذلك على أن المادة هي الأصل وأن الفكر هو نتاجها.(42/175)
ويقول لينين: "تقبل المادية بصورة عامة أن الكائن الواقعي الموضوعي (المادة) هو مستقل عن الإدراك، عن الاحساسات، عن التجربة. فالإدراك ليس إلا انعكاس الكائن، وهو في أحسن الحالات انعكاس صحيح تقريباً" أي انعكاس تام بالغ أعلى درجات الدقة. ويقول فيما بعد: "المادة هي ما ينتج الاحساسات بالتأثير في أعضاء حواسنا. المادة واقع موضوعي تعطينا إياه الاحساسات. المادة، والطبيعة، والكائن، والموجود الفيزيائي هي العنصر الأول، بينما العقل، والإدراك، والاحساسات، والموجود النفسي هي العنصر الثاني" ثم يقول: "الدماغ هو عضو التفكير". وهذا الكلام كله يعطي أن الواقع من مادة وطبيعة وكائن وموجود فيزيائي هو الأصل، وأنه نتج عن هذا الواقع العقل والإدراك، ونتج عنه الاحساسات، ونتج عنه الموجود النفسي. وهو وإن كان لم يبين كيف نتج عنه ولكن سياق الكلام يفهم منه أن انعكاس الواقع على الدماغ هو الذي أنتجها، وأن الدماغ إنما هو العضو الذي يجرى عليه الانعكاس، فيحصل من هذا الانعكاس العقل والفكر والإحساس والموجود النفسي. ويفهم من هذا الكلام أن الاحساسات نتيجة انعكاس المادة وليست جزءاً من تكوين الإنسان. فالواقع إذن هو الأصل، والإدراك والاحساسات تنتج عنه.
هذه هي الناحية الأولى في الطريقة الديالكتيكية، وهي البحث في الفكر. فهي تقول: "ليست حركة الفكر سوى انعكاس الحركة الواقعية منقولة إلى دماغ الإنسان مستقرة فيه" "فالإدراك ليس إلا انعكاس الكائن". فالفكر في نظر المادية الديالكتيكية هو انعكاس الواقع على الدماغ، فالمادة تسبق الفكر. ولذلك فإن المادة حين تنعكس على الدماغ يوجد بهذا الانعكاس الفكر، فيفكر في المادة التي انعكست عليه، أما قبل انعكاس المادة على الدماغ فلا يوجد فكر. وعليه فكل شيء مبني على المادة. "المادة والطبيعة والكائن والموجود الفيزيائي هي العنصر الأول، بينما العقل والإدراك والاحساسات والموجود النفسي هي العنصر الثاني". وهذا التعريف للعقل بأنه انعكاس المادة على الدماغ خطأ من وجهين:
الأول: إنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ، فلا الدماغ ينعكس على المادة، ولا المادة تنعكس على الدماغ. لأن الانعكاس هو ارتداد المادة المنعكسة عما انعكست عليه، فالانعكاس في الضوء مثلاً هو ارتداد الضوء إلى الخلف. فإذا جاءت أشعة الشمس على الجدار اصطدمت به وارتدت عنه، فهذا الارتداد هو الانعكاس. وإذا جاء الضوء إلى المرآة وارتد عنها، فهذا الارتداد هو الانعكاس، فالانعكاس هو ارتداد المادة أو الطاقة عن الجسم. وهذا غير موجود لا في الدماغ ولا في الواقع المادي. فالدماغ لا يصطدم بالواقع ويرتد عنه، وكذلك الواقع لا يصطدم بالدماغ ويرتد عنه فلا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً. وعليه فإن الفكر ليس انعكاس المادة على الدماغ لأن الانعكاس بينهما ليس موجوداً، ولا يوجد، بل لا يتأتى وجوده. فلا يتأتى أن يحصل انعكاس من الواقع المادي على الدماغ ولا بحال من الأحوال. والمادة حين تنتقل إلى الدماغ لا تنعكس عليه انعكاساً وإنما تنتقل إليه بواسطة الحواس، فينتقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس فيحصل حينئذ إحساس بها، ونقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاساً بالمادة على الدماغ، ولا انعكاساً للدماغ على المادة، وإنما هو حس بالمادة. ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس. فيحصل من اللمس والشم والذوق والسمع إحساس كما يحصل من الإبصار. إذن فالذي يقع إنما هو إحساس بالأشياء وليس انعكاس الأشياء على الدماغ وإنما هو حس بالأشياء. فالإنسان يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تنعكس على دماغه الأشياء.(42/176)
وأما ما يحصل في العين من الإبصار فإنه كذلك ليس انعكاساً وإنما هو انكسار، فإن الضوء ينكسر في العين، وتستقر صورة المادة على الشبكية ولا ترتد إلى الخارج، فالذي حصل انكسار وليس انعكاساً، وفرق بين الانعكاس والانكسار. فالانعكاس ارتداد الصورة إلى الخارج، والانكسار استقرار الصورة في الداخل. فالصورة التي تظهر في المرآة هي عملية انعكاس، وهي إنما تظهر حين ينعكس عليها الضوء، فتستقر الصورة، وحين لا يكون ضوء لا تظهر، فالانعكاس في هذه العملية هو للضوء على جسم غير قابل لاختراق الضوء إليه، ولذلك لا تظهر الصورة إذا لم ينعكس الضوء. فالوضع في هذه الحالة انعكاس للضوء وليس للصورة، أما الصورة فتستقر، ولذلك حين تظهر صورة الشخص أو المادة في عين آخر تظهر من انعكاس الضوء ولذلك لا تظهر في الظلام، وهذا أيضاً ليس انعكاساً للشخص أو المادة وإنما هو انعكاس للضوء. وفوق ذلك فإنه لا يحصل منه إبصار. ومن ذلك يتبين أن الصورة التي تظهر في المرآة، والصورة التي تظهر في عين شخص آخر هي عملية انعكاس وليست عملية انكسار، والانعكاس في هذه العملية هو للضوء على جسم غير قابل لاختراق الضوء له، وليس للصورة. وأما الإبصار فإنه ليس من هذا القبيل، فليس هو انعكاساً، وإنما ينكسر الضوء الآتي من المادة في العين، فيوجد صورتها على الشبكية فيحصل حينئذ من هذا الانكسار إبصار. فيكون أيضاً ما يحصل من نقل الواقع بواسطة حسن الإبصار إلى الدماغ ليس انعكاساً وإنما هو انكسار، ولهذا كله فإن موضوع الانعكاس من حيث هو غير موجود في عملية الفكر، ولا يتأتى وجوده، فيكون تعريف الفكر في الديالكتيكية خطأ مخالفاً للواقع.
الثاني: إن الحس وحده لا يحصل منه فكر، بل الذي يحصل هو الحس فقط، أي الإحساس بالواقع ليس غير، وإحساس زائد إحساس زائد مليون إحساس، مهما تعدد نوع الإحساس إنما يحصل منه إحساس فقط ولا يحصل فكر مطلقاً، بل لا بد من وجود معلومات سابقة عند الإنسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر. ولنأخذ الإنسان الحالي، أي إنسان، ونعطيه كتاباً سريانياً ولا توجد لديه أية معلومات تتصل بالسريانية، ونجعل حسه يقع على الكتابة بالرؤية واللمس، ونكرر هذا الحس مليون مرة، فإنه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة حتى يعطى معلومات عن السريانية وعما يتصل بالسريانية، فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها. وكذلك لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الإحساس ولم توجد عنده أية معلومات، ولنضع أمامه قطعة ذهب وقطعة نحاس وحجراً ونجعل جميع احساساته تشترك في حس هذه الأشياء فإنه لا يمكنه أن يدركها مهما تكررت هذه الاحساسات وتنوعت. ولكن إذا أعطي معلومات عنها وأحسّها فإنه يستعمل المعلومات ويدركها. وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنة ولم يأخذ أية معلومات فإنه يبقى كأول يوم يحس بالأشياء فقط ولا يدركها مهما كبر دماغه، لأن الذي يدرك ليس الدماغ وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ ومع الواقع الذي يحسه. والتلاميذ في المختبر لا يمكنهم إيجاد فكر عما بين أيديهم ولو أحسّوه بجميع أنواع الإحساس ملايين المرات ما لم تعط لهم معلومات عنه.. وهكذا. فإنه لا يمكن أن يوجد فكر مطلقاً بمجرد الإحساس بالواقع بل لا بد من معلومات عنه يفسر بواسطتها فيوجد الفكر. فالمعلومات السابقة أمر لا بد منه لإيجاد فكر أو إدراك إلى جانب الإحساس بالواقع وبدونه لا يوجد فكر على الإطلاق.
هذا من ناحية الإدراك العقلي، أما من ناحية الإدراك الشعوري فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية. وما يحصل عند الحيوان من إدراك شعوري أو تمييز غريزي يحصل عند الإنسان كذلك. فيعرف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر لا يؤكل كما يعرف الحمار أن الشعير يؤكل وأن التراب لا يؤكل. ولكن هذا التمييز ليس فكراً ولا إدراكاً وإنما هو رجع للغرائز وللحاجات العضوية، وهو موجود عند الحيوان كما هو موجود عند الإنسان. ولذلك لا يمكن أن يحصل فكر إلا إذا وجدت المعلومات السابقة مع نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس. وعليه فالعقل أو الفكر أو الإدراك هو نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع.(42/177)
يقولون أن الإنسان الأول قد اصطدم بالأشياء فانعكست عليه فصار بالحس يعرف أن هذه الثمرة تؤكل وهذه لا تؤكل، وصار يعرف أن هذا الوحش يؤذيه فيتجنبه وهذا الحيوان لا يؤذيه فيستخدمه ويركبه، وصار يعرف من الحس والتجربة أن الخشب يطفو على الماء فصار يستعمله لقطع الأنهار، وصار يعرف أن النوم في الكهف يقيه المطر والبرد فاتخذ المأوى، وهكذا توصل الإنسان الأول بالحس إلى إصدار حكمه على الأشياء والتصرف تجاهها حسب هذا الحكم أي حسب هذا الفكر وهذا يدل على أن الفكر هو نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحس دون الحاجة إلى وجود معلومات سابقة. والجواب على هذا القول هو أن ما كان عليه الإنسان الأول مجهول وغائب وما نريده هو الفكر والتفكير الذي يحصل عند الإنسان الحالي فلا يقاس المعلوم على المجهول ولا الحاضر على الغائب، وإنما العكس هو الصحيح فيقاس المجهول على المعلوم والغائب على الحاضر، فلا يصح أن نقيس الإنسان الذي أمامنا والمعلوم لدينا على الإنسان الأول الغائب والمجهول لدينا لنعرف من ذلك معنى الفكر عند الإنسان الحالي، وإنما نقيس الإنسان الأول على الإنسان الحالي فنعرف من معرفة الفكر والإدراك عند الإنسان الحالي، الفكر والإدراك عند الإنسان الأول. ولهذا كان من الخطأ إيراد هذا القول. ثم أن ما يرويه التاريخ عن الإنسان الأول أو كما يقولون الإنسان في العصر الحجري إنما كان يبحث عن طعامه فيستعمل الأدوات الحجرية لقطف الثمار في الغابات وصيد الأسماك وبناء المساكن ودفع أذى الحيوانات المفترسة. وهذا إذا صح فإنه شيء يتعلق بإشباع الغرائز ولا يتعلق بالفكر، أي يتعلق بالإدراك الشعوري ولا يتعلق بالإدراك العقلي. وما يتعلق بالغرائز يحصل فيه إدراك شعوري من مجرد الإحساس ومن تكرار هذا الإحساس وتنوعه. فيعرف من تكرار الإحساس وتنوعه الثمار التي تؤكل والكيفية التي يحصل عليها، ويعرف الحيوان الذي يؤذي والكيفية التي يدفعه بها، ويعرف أذى المطر والبرد والكيفية التي يتقيه بها من الكهف وبناء المسكن. فهذا كله يحصل بالإحساس وبتكرار الإحساس، وهو يحصل عند الحيوان كما يحصل عند الإنسان. وقصة القرد وقطف الموز مشهورة، فقد علقوا قطف موز في سقف غرفة ووضعوا في الغرفة كرسياً ووضعوا عصا وادخلوا القرد إليها، فنظر إلى قطف الموز وحاول الحصول على شيء منه فلم يستطع فصار يدور في الغرفة واصطدم بالكرسي فأحضره وصعد عليه وصار يحاول الوصول إلى الموز فلم يستطع ثم صار يدور في الغرفة فحصل على العصا وصار يحاول أن يأخذ الموز بها فلم يستطع وأخيراً صعد على الكرسي والعصا بيده فحاول الحصول على الموز بالعصا فاسقط من الموز على الأرض قطعاً فنزل وأكلها وهكذا صار يستعمل الكرسي والعصا فيحصل بذلك على الموز. فهذا العمل من القرد ليس فكراً وإنما هو إدراك شعوري يتعلق بالغرائز وإشباعها وهو يكفي فيه الإحساس بالواقع وتكرر هذا الإحساس وتنوعه. ومثل هذه الحادثة حادثة سرقة الفئران للبيض وهي كذلك واقعة ومشهورة. فإن الفئران حين تحاول سرقة البيض من المكان الذي هو فيه إذا كان في متناول الفأر، فينام الفأر على ظهره ويحاول الفأر الآخر دحرجة البيضة حتى يضعها على بطن الفأر النائم فيقبض عليها هذا برجليه ويديه، ثم يأخذ الفأر الآخر بذنب الفأر النائم ويجره حتى يصل وكره فيضع البيضة ثم يرجعان معاً لأخذ غيرها.. وهكذا. فهذا أيضاً وإن كان عملية معقدة وليست بسيطة ولكنه يحصل بالفعل وهو ليس فكراً وإنما هو إدراك شعوري يتعلق بالغرائز. وعلى هذا الوجه ورد وصف الإنسان الأول فيكون ما ورد عنه هو من قبيل الإدراك الشعوري وليس من قبيل الفكر. على أن تعريف الفكر يجب أن يكون يقينياً لا ظنياً، لأنه يتخذ أساساً لكل شيء وعليه يبنى التصرف تجاه الحوادث والأشياء فلا بد أن يكون دليله يقينياً لا ظنياً ولا تخمينياً، وما ورد عن الإنسان الأول إنما ورد في التاريخ وهو ظني وليس بيقيني فلا يصح أن يتخذ دليلاً على تعريف شيء يقيني، فيؤخذ أعظم شيء على الإطلاق لدى الإنسان وهو معنى العقل والفكر والإدراك من روايات تاريخية. والكل يعرف مدى الثقة بالتاريخ، أو من أدوات وأشياء وجدت آثاراً فيؤخذ منها الفكر عند الإنسان الأول ويبني على ذلك تعريف الفكر عند الإنسان الحالي. إن هذا لا يقبله عاقل، فلا يصح أن يجعل مستند شيء هو أعظم الأشياء على الإطلاق عند الإنسان رواية تاريخ أو آثار إنسان، بل يجب أن يوضع الإنسان الحالي، هذا الإنسان الذي نحسه ونشاهده، محل البحث، ومن البحث فيه نأخذ معنى الفكر. فنلاحظ ونشاهد ما يظهر عليه من علامات وآثار نتيجة لوضعه ضمن ظروف وشروط مختلفة، ونأخذ النتائج الدائمية التي لا تتخلف مطلقاً بعد أن تصبح يقينية ثم نضع تعريف العقل أو الفكر أو الإدراك. وبذلك نكون توصلنا إلى الحقيقة القطعية.(42/178)
وقد يقال إن الإنسان قد يرى شخصاً ولا يكلمه وليس لديه أية معلومات عنه ثم يغيب عنه سنوات فيراه فيعرفه حالاً. فهنا استعاد الإنسان الإحساس وباستعادته أصدر حكماً بأن هذا الشخص هو عينه الذي رآه قبل سنوات. والجواب على ذلك هو أن الإحساس بالشيء يحصل في الدماغ ويحدث انطباعاً فيه، فإذا عرض الشيء مرة أخرى بواسطة نفس الإحساس يسترجع الإنسان إحساسه الأول فيعرف أنه هو عينه ويحدث تصرفاً بناء على هذا الاسترجاع. فمثلاً الطفل، ضع أمامه مصباحاً زجاجته ساخنة سخونة شديدة واجعل الطفل يلمسه فيحرق يده ثم بعد مدة أدن زجاجة المصباح من الطفل واطلب منه أن يلمسها فإنه يرفض، لأنه يسترجع إحساسه للزجاجة فيجد أنها تحرق فيرفض أن يلمسها، وكذلك الشخص الذي رأيته تسترجع إحساسك الأول فتعرفه، وهذه المعرفة ليست فكراً وإنما هي استرجاع الإحساس فقط، ولهذا فإنك إذا رأيته بالمشاهدة ولم تسمع صوته فإنك لا تعرفه إذا تكلم، ولا تعرفه إذا لمسته ولم تره، ولا تعرفه إلا إذا شاهدته، لأن الاسترجاع لا يكون للرجل وإنما يكون للإحساس الذي حصل بالنسبة له، فحسب الحاسة التي أحست به يحصل الاسترجاع. أما تصرفاتك تجاهه، إن كانت مما يتعلق بالغرائز كالخوف والأكل والدفاع أو ما شاكل ذلك فإنها تحصل بناء على استرجاع هذا الإحساس كما حصل للطفل حين لمس زجاجة المصباح الساخنة، وأما غير ما يتعلق بالغرائز فلا يحصل شيء لأنه بالنسبة لما يتعلق بالغرائز لم يحصل فكر وإنما حصل استرجاع للإحساس فقط. فهذا الإحساس وتكراره واسترجاعه لا يشكل فكراً وإنما يشكل إحساساً ليس غير، والمعرفة التي تحصل هي عبارة عن التعرف بواسطة الإحساس فقط، والتصرف الذي يحصل إنما هو تصرف يتعلق بالغرائز وهذا كله ليس فكراً وإنما هو حس، أو إدراك شعوري.
وقد يقال أنه قد يحصل أن يعطى شخص آلة معقدة وليست لديه معلومات سابقة عنها ويطلب منه حلها وتركيبها، فيأخذها الشخص ويحاول إجراء تجارب متعددة عليها فيصل من هذه التجارب إلى حلها ثم إلى تركيبها. فهذا وصل إلى فكر دون حاجة إلى معلومات سابقة. والجواب على ذلك هو أن هذا الشخص لديه معلومات متعددة. فأخذ بتجاربه المتعددة يربط المعلومات التي لديه بالواقع الذي بين يديه وبالمعلومات مع بعضها حتى توصل إلى إيجاد معلومات يفسر بواسطتها حل الآلة وتركيبها، وبهذه المعلومات التي توصل إليها وصل إلى الفكر. فهذا لا يؤتى به مثالاً لأنه توجد لدى الشخص معلومات، وإنما المثال الذي يؤتى به هو الطفل الذي لا توجد لديه معلومات إطلاقاً، أو الرجل الذي ليس لديه معلومات يمكن أن يستعين بها على إيجاد معلومات يفسر بها الواقع كأن تأتي بأعرابي وتدخله مختبراً وتتركه يجرب، أو أن تأتي بعالم من علماء اللغة وتضعه في مختبر الذرة وتطلب منه الوصول إلى سر القنبلة الهيدروجينية، فهذا ليس لديه معلومات ولذلك لا يصل إلى الفكر وهو الذي يؤتى به مثالاً وليس الشخص الذي لديه معلومات يمكن أن يستعملها.
وعلى هذا فإن من المقطوع به أنه لا يمكن أن يحصل فكر إلا بوجود معلومات سابقة يمكن بواسطتها تفسير الواقع. أما الواقع وحده فلا يمكن أن يحصل من الإحساس به فقط أي فكر وإن كان يمكن أن يحصل به إدراك شعوري يتعلق بالغرائز ويمكن أن يحصل به استرجاع للحس، ويمكن أن تحصل به معرفة بما أحس به، أما أن يحصل حكم عليه، أي أن يحصل فكر فلا يمكن مطلقاً. فيكون التعريف الصحيح للفكر هو نقل الواقع بواسطة الإحساس إلى الدماغ ومعلومات سابقة تفسر هذا الواقع.
ولا يرد هنا أن الواقع قبل الفكر أو الفكر قبل الواقع، لأن البحث ليس فيمن يسبق الآخر الفكر أم الواقع، وإنما البحث محصور في تعريف الفكر ما هو، فلا دخل للقبلية والبعدية فيه. وإذ قيل أن الفكر موجود قبل الواقع، وأن الفكر هو خالق الواقع وصانعه كما يقول هيغل فإن ذلك خطأ، من حيث أن الفكر هو الحكم على الواقع، ولا يتأتى إصدار الحكم إلا على موجود حين الإصدار. فلا بد أن يكون الواقع موجوداً حين التفكير فيه. فالواقع إذن ليس من خلق الفكر ولا من صنعه، بل كان موجوداً عندما وجد الفكر، أي عند وجود التفكير به. ولا يتأتى وجود فكر إلا إذا كان واقعه موجوداً حين وجوده. فلا يوجد فكر إلا وله واقع موجود. وما لا واقع له موجود، ليس فكراً مطلقاً، وإنما هو تخيلات وتخريف. أما إن قصد هيغل أن الخالق للواقع الموجد له من العدم موجود قبل الواقع فصحيح، لأن الواقع حادث والخالق أزلي، فالخالق قبل الواقع حتماً. والظاهر أنه أي هيغل لم يقصد ذلك وإنما قصد من الفكر التفكير ولذلك كان خطأ.(42/179)
وإذا قيل إن الواقع قبل الفكر، وأن العقل ليس سوى نتاج المادة الأعلى كما يقول انجلس فإن ذلك خطأ، من حيث أن الفكر هو الحكم على الواقع، ولا يتأتى الحكم إلا بوجود معلومات سابقة عن الواقع. وهذه المعلومات جزء جوهري في الفكر حتى يوجد، فيكون وجوده متوقفاً على وجود المعلومات. فالبحث من حيث وجود الفكر قبل الواقع أو بعد الواقع لا بد أن يذهب إلى المعلومات السابقة التي بها أمكن أن يوجد فكر: هل هي قبل الواقع أو بعد الواقع؟ لأن هذه المعلومات نفسها هي فكر. فالبحث يجب أن ينصرف إليها أولاً ما دام قد ثبت بأنه لا يوجد فكر إلا بمعلومات سابقة.
وهذه المعلومات ليس حتماً أن تكون بعد وجود الواقع، فقد تكون قبل وجوده وقد تكون بعد وجوده. لأنه إذا ثبت أن المادة أزلية فيجب أن تكون المعلومات قد وجدت بعدها حتماً، فتكون حينئذ المعلومات وجدت بعد المادة، وبالتالي يكون الفكر أو العقل من حيث هو وجد بعد المادة. أما إن ثبت أن المادة ليست أزلية، وأنها مخلوقة لخالق فإنه حينئذ يجب أن تكون أول معلومات عن أول فكر موجود قبل المادة، فيجب أن تكون ممن خلق المادة، فالله الخالق هو الذي أنزل أول معلومات وهي سابقة أول فكر حصل في الوجود، ثم أن الفكر هو معنى الواقع والحكم، والفكر حتى يحصل لا بد له من معلومات، فأول فكر قد حصل لا بد له من معلومات قبله ولم يحصل قبله فكر حتى توجد معلومات عن الواقع فيتحتم أن تكون أول معلومات عن أول فكر موجودة قبل الواقع، إذ لو وجدت بعده لحصل الفكر بدونها فلا يكون أول فكر قد حصل بمعلومات بل حصل من الواقع وحده، وبالتالي لا يكون الفكر حتى يحصل محتاجاً لمعلومات، وهذا باطل، إذ لا يمكن أن يوجد فكر إلا بمعلومات سابقة، ولذلك كان لا بد أن تكون أول معلومات لأول فكر موجودة قبل المادة، لأن القول بوجود أول معلومات لأول فكر بعد المادة نفي الحاجة لسبق الفكر لأول فكرة حصلت. وعليه فإن ثبوت أن المادة مخلوقة لخالق يوجب أن تكون أول معلومات لأول فكر قد حصلت قبل المادة، وثبوت أن الفكر لا يوجد إلا بوجود معلومات سابقة يوجب كذلك أن تكون أول معلومات لأول فكر قد حصلت قبل المادة.
وأما الأفكار التي وجدت فيما بعد، أي التي توجد معلومات سابقة لها ووجدت بالمعلومات السابقة، فإن هذه الأفكار التي جاءت بعد الفكر الأول يجوز أن تكون المعلومات التي وجد الفكر بها قد وجدت قبل المادة ويجوز أن تكون قد وجدت بعدها، ولا يصح الجزم في مثل هذه الحالة بأن المعلومات وجدت بعد المادة، بدليل أن الفروض التي تسبق النظرية وتسبق العملية تحوي معلومات عن الشيء قبل اختراعه، وبعد اختراعه يحكم عليه بواسطة المعلومات السابقة. ولهذا لا يجزم بأن الفكر وجد بعد المادة، وعلى أي حال فإن هذا ليس بحثه هنا في تعريف الكفر، وإنما بحثه في المادة هل هي أزلية أم مخلوقة، أو بعبارة أخرى هل الكون والإنسان والحياة أزلية أم مخلوقة لخالق وليس بحثه في تعريف الفكر، ولذلك ليس وارداً ولا محل بحث.
هذه هي ناحية البحث في الفكر أو الأساس الذي يقوم عليه الفكر، وهذا هو نقضها. وهم يطبقون بحثهم في الفكر على درس الحياة في المجتمع، وعلى درس تاريخ المجتمع، ويقولون إنه إذا صح أن الطبيعة أو الكائن أو العالم المادي هو العنصر الأول، بينما الإدراك أو الفكر هو العنصر الثاني المشتق، وإذا صح أن العالم المادي هو واقع موضوعي موجود بصورة مستقلة عن إدراك الناس بينما الإدراك هو انعكاس هذا الواقع الموضوعي، نتج عن ذلك: أن حياة المجتمع المادية أو كيان المجتمع، هو أيضاً العنصر الأول. أما حياة المجتمع العقلية فهي عنصر ثان مشتق، وأن حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي موجود بصورة مستقلة عن إرادة الإنسان، أما حياة المجتمع العقلية فهي انعكاس هذا الواقع الموضوعي أو انعكاس الموجود. وبالتالي يجب البحث عن منشأ حياة المجتمع، وعن أصل الأفكار التي تبحث في تنظيم المجتمع، وعن النظريات التي تبحث في تنظيم المجتمع، وعن الآراء السياسية، والأوضاع السياسية، لا في الأفكار والنظريات، ولا في الآراء والأوضاع السياسية نفسها، بل في شروط الحياة المادية للمجتمع، في الموجود من وضع المجتمع التي تكون هذه الأفكار والنظريات والآراء وما إليها انعكاساً له.(42/180)
وبالتالي إذا كنا نشاهد في مختلف أدوار تاريخ المجتمع أفكاراً ونظريات عن تنظيم المجتمع مختلفة، وآراء وأوضاعاً سياسية متباينة، إذا كنا نجد تحت نظام الرق هذه الأفكار والنظريات عن تنظيم المجتمع، وتلك الآراء والأوضاع السياسية، بينما نجد غيرها في ظل الإقطاعية، وغيرها أيضاً في ظل الرأسمالية، فتفسير ذلك ليس في طبيعة أو في خصائص الأفكار والنظريات والآراء والأوضاع السياسية نفسها، بل في شروط الحياة المادية للمجتمع في مختلف أدوار التطور في المجتمع. فالموجود الاجتماعي على حد تعبيرهم وشروط الحياة المادية للمجتمع هي التي تعين أفكار المجتمع ونظرياته وآراءه السياسية وأوضاعه السياسية. وقد كتب ماركس في هذا الموضوع يقول: "ليس إدراك الناس هو الذي يحدد معيشتهم، بل على العكس من ذلك، إن معيشتهم الاجتماعية هي التي تحدد إدراكهم". ومعنى ذلك أن مفاهيم الإنسان عن الحياة ليست هي التي تسيره في الحياة، بل الواقع الذي عليه المجتمع هو الذي يسيره، لأن مفاهيمه إنما هي انعكاس لهذا الواقع. ومعنى هذا أن المفكرين ليسوا هم الذين ينهضون الأمة وإنما الواقع الذي عليه المجتمع هو الذي ينهضها لأن أفكار المفكرين انعكاس لهذا الواقع، ومعنى ذلك أيضاً أن التشريع لا يضعه الفقهاء والمشرعون لمعالجة الوقائع التي تحصل وإنما الواقع الذي عليه المجتمع هو الذي يوجد التشريع، لأنه ينعكس على أدمغة المشرعين فيشرعون التشريع، وأن العلوم والمعارف إنما هي انعكاسات لواقع المجتمع. هذا هو ما تعنيه النظرية الديالكتيكية من ناحية فكرية ومن ناحية تطبيق نظرياتها في هذه الناحية على درس الحياة في المجتمع وعلى درس تاريخ المجتمع.
غير أن الشيوعيين لما رأوا أن أثر الأفكار والمفكرين في المجتمع لا يمكن إنكاره فإنهم اعترفوا بذلك ولكنهم أولوه على شكل ينسجم مع نظريتهم في تطبيق الفكر على المجتمع، ولذلك قالوا: أنه لا ينتج من أقوال ماركس "أن معيشة الناس الاجتماعية هي التي تحدد إدراكهم"، أي أن الأفكار والنظريات الاجتماعية والآراء والأوضاع السياسية، ليس لها شأنها وأهميتها في الحياة الاجتماعية، أو أنها لا تؤثر تأثيراً مقابلاً في المعيشة الاجتماعية، وفي تطور الشروط المادية للحياة الاجتماعية. فنحن لم نتكلم حتى الآن إلا عن أصل الأفكار والنظريات الاجتماعية والآراء والأوضاع السياسية، وعن نشوئها وظهورها، فقلنا أن حياة المجتمع الروحية هي انعكاس لظروف حياته المادية. أما من حيث أهمية هذه الأفكار والنظريات الاجتماعية، وهذه الآراء والأوضاع السياسية، ومن حيث دورها في التاريخ، فالمادية التاريخية لا تنكر ذلك، بل إنها على العكس تشير إشارة خاصة إلى دورها وأهميتها العظيمين في الحياة الاجتماعية وفي تاريخ المجتمع. وهذا يعني أنهم يسلمون بأهمية الفكر ولكنهم بعد أن يسلموا بذلك تراهم يرجعون إلى كونه نتيجة للحياة المادية وليس هو الذي أثر في الحياة المادية، ولذلك يقولون: "إن الأفكار والنظريات الاجتماعية والأوضاع السياسية تتولد من المهمات العاجلة التي يضعها تطور الحياة المادية للمجتمع، ثم تؤثر هي نفسها فيما بعد في المعيشة الاجتماعية، وفي حياة المجتمع المادية بخلقها الشروط اللازمة لحل المسائل العاجلة الملحة في حياة المجتمع المادية، وجعل تطور المجتمع إلى الأمام ممكناً". أي أن الحياة المادية هي التي تعطي الأفكار، ثم تصبح لهذه الأفكار أهميتها. فأهمية الفكر ليست آتية من أن الفكر من حيث هو فكر يؤثر في المجتمع، بل آتية من حيث أن المجتمع هو الذي أعطى الفكر ثم صارت لهذا الفكر الذي أعطاه المجتمع أهمية في المجتمع، فيقولون: "إن الأفكار والنظريات الاجتماعية الجديدة لا تبرز إلا عندما يضع تطور الحياة المادية للمجتمع مهمات جديدة أمام المجتمع، لكنها إذا ما برزت أصبحت قوة ذات أهمية من الدرجة العليا، تسهل إنجاز المهمات الجديدة التي يضعها تطور الحياة المادية للمجتمع، وتسهل رقي المجتمع، وتبدو إذ ذاك خطورة الدور الذي تقوم به الأفكار والنظريات الجديدة، والآراء والأوضاع السياسية الجديدة، من حيث هي قوة تنظيم وتعبئة وتحويل. وفي الحقيقة أن الأفكار والنظريات الاجتماعية الجديدة إنما تظهر لأنها ضرورية للمجتمع، فبدون عملها المنظم والمعبيء والمحول يستحيل حل المسائل العاجلة الملحة التي يقتضيها تطور الحياة المادية للمجتمع". وبهذا يتبين أن اعترافهم بأهمية الفكر ليس اعترافاً بأهميته في إيجاد المجتمع وتكوينه وجعله طرازاً خاصاً، وإنما هو اعتراف بأن المجتمع هو الذي انشأ الأفكار ثم صارت لهذه الأفكار أهمية من حيث تبني الناس لها واتخاذها وسيلة للتنظيم والتعبئة، فتكون أهميتها عندهم ليس بالنسبة للمجتمع بل بالنسبة لإعطائها للناس. أما بالنسبة للمجتمع فهي ناتجة عنه وليست موجودة له أو مؤثرة فيه.(42/181)
هذه خلاصة رأي الشيوعيين بالنسبة لتطبيق نظريتهم في الفكر على درس الحياة للمجتمع فإنهم يقولون ما دام الفكر هو انعكاس الواقع على الدماغ فإنه يجب البحث عن منشأ حياة المجتمع العقلية في شروط الحياة المادية للمجتمع، أي في الطبيعة ونمو السكان وأسلوب الإنتاج الذي هو عندهم أدوات الإنتاج والناس ومعرفة الإنتاج وعلاقات الإنتاج. وهذا خطأ من وجهين:
الوجه الأول: هو ما ثبت من أن الفكر ليس انعكاس لواقع على الدماغ فما ترتب عليه من جعل الحياة العقلية انعكاساً للواقع خطأ، لأن الأصل ثبت خطؤه.
الوجه الثاني: أن سلوك الإنسان في الحياة مربوط بمفاهيمه عنها، والإنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها، فمفاهيم الإنسان عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه على النقيض من سلوكه مع شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه، وعلى خلاف سلوكه مع شخص لا يعرفه ولا يوجد لديه أي مفهوم عنه، فالسلوك الإنساني مربوط بمفاهيم الإنسان. وعند إرادتنا أن نغير سلوك الإنسان المنخفض ونجعله سلوكاً راقياً لا بد أن نغير مفهومه. وذلك أن الإنسان فيه طاقة حيوية تدفعه
===============(42/182)
(42/183)
العصابة الشيوعية تواصل جرائمها ضد الشعب التركماني
عبد الرحمن أبو عوف/ القاهرة
في تكرار ممل لمفاجآته غير السارة لشعب تركمانستان المبتلى برئاسته أعلن الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف أن أي شخص يقرأ كتابه -الروحنامة- الذي ألفه في الفلسفة يضمن له مكاناً في الجنة حيث ستمنحه القراءات الثلاث للكتاب غذاء روحيا للتعرف على الذات الإلهية على حد زعمه ويتوجه رأسا إلى الله!! وواصل نيازوف ترهاته بالزعم أنه طلب من الله بينما كان يكتب الجزء الثاني من كتابه أن يضمن للقراء المتحمسين عبورا سريعا إلى الجنة، مشيرا إلى أنه أراد خلق دستور جديد لسلوكيات مواطنيه بهدف تزويدهم بمجموعة من الأفكار عن كيفية تحولهم إلى مواطنين تركمانيين متميزين، وتعد ترهات نيازوف أحدث حلقة في المأساة التي يعيشها شعب تركمانستان الذي استمرت معاناته مع أذناب الشيوعية رغم انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسقوطه.
وقبل أن نتحدث عن مأساة هذا الشعب المسلم يجب أن نعرف أن هذه الجمهورية السوفيتية هي واحدة من جمهوريات آسيا الوسطي الإسلامية تحدها من الشمال الشرقي أوزبكستان وكازاخستان من الغرب وبحر قزوين من الجنوب ومن الجنوب الشرقي أفغانستان، ويشكل المسلمون 95 % من سكان البلاد التي يبلغ تعدادهم 5 ملايين تركماني بينهم 5 % من الروس الأرثوذكس الذين وضعتهم عصابات الشيوعية في البلاد لإيجاد توازن سكاني بعد نقل غالبية السكان التركمان وترحيلهم إلى مناطق أخرى من الاتحاد السوفيتي المقبور.
وتعد العاصمة -عشق أباد- مركزا للسلطة وأهم مراكز المال والاقتصاد في البلاد ومعها عديد من المدن أهمها -سارد ودهور وياسوزا مادري-.
ورغم أن تركمانستان تعد أقل دول آسيا الوسطي تعدادا للسكان إلا أنها تعد من الدول الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، كما أنها تنتظر تقاسم ثروة بحر قزوين مع أربعة من الدول المجاورة لتصير من كبار الدول المنتجة للنفط في العالم، ويحكم أوزبكستان نظام جمهوري غير تعددي حيث يسيطر الرئيس نيازوف على السلطات كافة هو وحزبه الديمقراطي التركماني "وريث الحزب الشيوعي السوفيتي".
عودة للجذور:
تركمانستان شأنها شأن العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة حصلت على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، وحاول شعبها الرجوع إلى الإسلام والعودة إلى جذوره بعد سبعين عاما من الشيوعية وهو ما أيده في البداية الرئيس نيازوف حيث خرجت أعداد كبيرة تصل إلى 15 ألفا لأداء فريضة الحج في المملكة العربية السعودية، وشهدت البلاد ازدهارا في إنشاء المساجد وعودة جمعيات الإغاثة والدعوة الإسلامية إلى العاصمة -عشق أباد- وهو الأمر الذي لم يدم طويلا حيث لم يكن الأمر إلا خطوة تكتيكية من الرئيس نيازوف لاجتذاب الدعم العربي وهو الأمر الذي تحقق في بداية الاستقلال.
وما إن وصل الدعم إلى خزائن نيازوف حتى بدأ الانقلاب على المظاهر الإسلامية في تركمانستان من قواته التي بدأت تشن حملات على المساجد والمدارس الإسلامية وتعتقل المعلمين فيها ووجهت الآلة الأمنية للرئيس نيازوف ضربات قاصمة لكافة التيارات الإسلامية الوليدة في البلاد فأجهضتها وأغلقت العشرات من المساجد وقام باعتقال كل من يطالب بالعودة إلى الإسلام والحكم بالشريعة الإسلامية.
لم يكتف الرئيس نيازوف بذلك حيث فرض عزلة شديدة على بلاده، وانسحب من منظمة الدول المستقلة الكومنولث، ولم يحبذ التعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي بزعم أنه يفضل إقامة العلاقات الثنائية بديلا عن الدخول في تجمعات كبيرة.
تذويب هوية:
ومارس نيازوف حرب تذويب هوية على الشعب التركماني المسلم حيث لم يقتصر ذلك على إلغاء المواد الشرعية من مناهج التعليم وإعطائها بعدا علمانيا دائما، بل تجاوز ذلك إلى فرض كتابه -الروحنامة- على كافة مناهج التعليم في البلاد حيث لا يحصل أي طالب على شهادته إلا إذ خضع لاختبار حول الروحنامة.
كما أن موظفي القطاع العام واسع الانتشار في البلاد لا يحصلون على ترقياتهم إلا إذا أجادوا قراءة وفهم ما يقدمه كتاب نيازوف الذي لا يزيد بحسب مجموعة من المراقبين عن مجموعة متلوية من التفاهات التقليدية المحرفة.
لقد بلغ سخف نيازوف أن حاول استبدال -الروحنامة- بالقرآن الكريم وفرضه على معتنقي الأرثوذكسية في الكنائس بديلا عن الإنجيل، وهو ما خلق حالة من الهلع والفزع في أوساط التركمان المسلمين أو الأقلية المسيحية الروسية.
خيانة عظمى:
ويا ليت الأمر قد توقف عند هذا الأمر، بل إن نيازوف أمر السلطات الحكومية بزخرفة قباب الجوامع بمقتطفات من الروحنامة بشكل يجعلها تطغى على آيات القرآن الكريم، مما حدا بمفتي البلاد السابق نصر الله بن عبد الله إلى الاعتراض على هذا الأمر وتقديم استقالته، بل ورفض المفتي عدّ تركمان باشا وهو اللقب الذي يحب نيازوف أن ينادى به أي أبو التركمان رسولا أمينا وهو اللقب الذي يطلق على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد تعامل الرئيس نيازوف مع اعتراضات المفتي بتعسف إذ قرر إقالته من منصبه وتم تقديمه لمحاكمة سجنته 23 عاما بتهمة الخيانة العظمى.(42/184)
وواصل نيازوف سخافاته إذ أصدر أوامر بترجمة كتاب -الروحنامة- إلى مختلف لغات العالم راصدا ملايين الدولارات من أموال الشعب التركماني الفقير لإنفاقها في هذا الغرض، كما أنه اشترط على الشركات الأجنبية العاملة في البلاد ترجمة آلاف النسخ من الروحنامة إلى لغات الأمة شرطاً لدخول المناقصات في قطاعي النفط والغاز.
يعاني التركمان على يد نيازوف صنوفا من الفقر والاستبداد والديكتاتورية والفساد الذي استغل حادثا بسيطا وهو اعتراض موكبه لتحويل تركمانستان إلى سجن كبير بعد قيامه باعتقال أكثر من 17 ألف مواطن، علاوة على قيامه بتخريب قطاع التعليم المتميز الذي ورثته تركمانستان عن الاتحاد السوفيتي السابق وفرض -الروحنامة- على مختلف المؤسسات التعليمية فيما ساهم في انهيار المنظومة التعليمية وتنامي المخاوف على مستقبل الأجيال القادمة التي يفرض عليها نيازوف الجهل والخرافات.
رغبة نيازوف في الاستمرار في السلطة جعله يجبر البرلمان على مبايعته رئيسا لمدى الحياة ويشن حملة على كافة الكفاءات في البلاد مما يجعلها تهرب خارج تركمانستان التي تعد أكبر دول منظمة الكومنولث التي تعاني استنزاف كوادرها.
وقد استفاد نيازوف من العزلة التي فرضها على تركمانستان في تثبيت أركان حكمه فقطع الصلات بين بلاده والعالم لدرجة أنه لم يعد يعترف بالشهادات الجامعية التي منحت من الخارج حتى إذا كانت من أعرق جامعات موسكو أو واشنطن إدراكا منه أن هذه الكوادر يمكن أن تشكل نواة لمعارضته في يوم من الأيام.
http://www.al-fo r qan.net المصدر:
==============(42/185)
(42/186)
مؤتمر المسلمين والعودة لرب العالمين
بقلم : رئيس التحرير
الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدّر فهدى، والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى. وبعد:
بالأمس القريب رحل عنا رمضان... وها نحن ننتقل من طاعة إلى طاعة، ومن ركن إلى ركن... وتتوالى مواسم الخيرات محفوفة بفضل الزمان وشرف المكان، أفئدة المسلمين تهفو لبيت معمور، يتجهون إليه كل يوم في صلاتهم فول وجهك شطر المسجد الحرام وأنظارهم تتطلع لبقاع مباركة تتجدد فيها العبر والعظات... ومع اقتراب عقد مؤتمر المسلمين السنوي الذي يأتي هذا العام وحال المسلمين أكثر سوءًا من سابقه.
بالأمس القريب تحدثنا على صفحات مجلة التوحيد عن المؤامرة الأمريكية وضرب ثوابت الدين وإصدار كتاب يسمى بالفرقان بديلا للقرآن. يومها سارع مجمع البحوث الإسلامية بإصدار بيانه للمسلمين يحذر فيه من طباعة كتاب الفرقان الحق على أرض مصر بناءً على طلب الإدارة الأمريكية والله حافظ دينه وحافظ قرآنه.
نستقبل مؤتمر المسلمين السنوي والمسلمون قد أصابهم الهوان، وخيم عليهم الصمت القاتل والخنوع الذي يغري الأعداء بارتكاب كل الجرائم والموبقات، بعد أن أصبح المسلمون هدفَهم الوحيدَ، فقد اعتدوا على أوطاننا ومقدساتنا وأعراضنا وأهلينا وتاريخنا وأخيرًا على عقيدتنا وقرآننا مستهدفين زعزعة الإيمان في صدورنا وإثارة الفتن فينا، وإنا لله وإنا إليه راجعون!!
الإصلاح الممقوت والحرب على الثوابت!!
ينتظر المسلمون في كل بقاع المعمورة حلول شهر ذي الحجة وعقد مؤتمر المسلمين السنوي، وأفئدتهم تشرئبُّ إلى انبثاق هلاله، وأسراب الحجيج بدأت تستعد إلى البيت العتيق لأداء مناسك الركن الركين الركن الخامس من أركان الإسلام، يغدون إليه بخطى الطاعة والاستجابة لأمر الله جل وعلا لخليله إبراهيم عليه السلام بقوله: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق {الحج:37} إنهم يغدون إليه ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله جل شأنه ونفوسهم في الوقت ذاته مليئة بحب الاستطلاع لمعاني الحج وحكمه وأسراره من خلال أجواء النسك في أرجاء المشاعر المقدسة.
ولو تأملنا ما يجري على الساحة تحت زعم تجديد الخطاب الديني، لو راجعنا مناهج الأزهر، وتقليص بناء المعاهد الأزهرية، لو تأملنا الهجمة الشرسة على الدين وعلى الرسول والصحابة، والتي بلغت ذروتها بالهجوم على السيدة عائشة أم المؤمنين وزوجة الرسو صلى الله عليه وسلم ، وما يكتب في صحفنا العربية والإسلامية من هجوم رخيص على كل ما هو إسلامي، تشكيك متعمد ضد ثوابت الدين والعقيدة.
أصبح الإصلاح كلمة مقيتة تعني في حقيقتها القضاء على عقيدة الإسلام، واختراق سيادة الأوطان وإعادة كتابة التاريخ بقلم وفكر أمريكي وصهيوني، يهدف إلى تهيئة العقول لإلحاق أمة العرب والمسلمين يركب التبعية لأمريكا وإسرائيل.
ومنذ سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والحرب على الإسلام أضحت سريعة وصريحة وواضحة، مع أنها ليست جديدة فنحن لم ننس مقولة رئيس وزراء بريطانيا السابق "جلادستون" أنه ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق الأوسط ولا أن تكون هي نفسها في أمان وأن هناك أربع عقبات أمامنا للقضاء على الإسلام، وهي المصحف والكعبة والأزهر وصلاة الجمعة.
وقد بدأت الحرب الشرسة على الأزهر لإفراغه من مضمون رسالته العَقَدية التعليمية فقد حاصروه وسعوا إلى تقزيم دوره وتوظيفه لمصلحة أهدافهم ثم بدأ والحرب على المساجد وراحوا يضغطون من أجل توحيد الأذان، وتقصير مدة الخطبة في الجمع ووضع المعوقات أمام بناء المساجد، وحاليًا يجري بحث توحيد خطبة الجمعة بعد أن صدرت التعليمات في كثير من بلداننا العربية والإسلامية بقصرها على الحديث عن بعض أمور العبادة دون التطرق إلى ما يجري للمسلمين على يد التتار الجدد في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان وغيرها في شتى أنحاء العالم الإسلامي.. وليست مجازر الفلوجة وإبادة الأخضر واليابس ببعيدة وتدمير دور العبادة وانتهاك حرمات المساجد بعد أن اقتحموا المساجد وقتلوا من فيها من المصلِّين وهدموها فوق رؤوس المسلمين فقد دمروا في الفلوجة وحدها ثلاثة وثلاثين مسجدًا سوَّاها المجرمون بالأرض وقتلوا الأبرياء العزَّل بدم بارد، وضربوا بمشاعر المسلمين عرض الحائط، وبالأمس قام العالم كله ولم يقعد من أجل تماثيل بوذا ولم يهمس الآن من أجل المساجد التي دمرت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المؤتمر الإسلامي وتهديد قبلة المسلمين
ننتظر عقد المؤتمر الإسلامي السنوي والتهديدات الغربية والصهيونية بضرورة ضرب تجمع المسلمين السنوي في مقتل وأن ذلك لن يتم إلا بضرب الكعبة بصاروخ من طائرة، وإذا لم يتم ذلك في الوقت الحاضر فيجب محاصرة المسلمين في موسم الحج، وإثارة الإرهاب والعنف في المناطق المقدسة في مكة والمدينة ثم ممارسة الضغوط للتقليل من أعداد الحجاج تحت زعم أن الحج مؤتمر سنوي يجرى خلاله التدبير لأحداث العنف والإرهاب ضد دول العالم.(42/187)
إن المؤامرة كبيرة تأخذ أبعادًا خطيرة، وهي ماضية بكل ثقة لتنفيذ أهدافها ما دمنا صامتين خائفين، لقد أعلنوها حربًا سافرة بعد أحداث سبتمبر تعرض فيها الإسلام ورسولنا الأمين لكل أنواع الحرب المعبرة عن الحقد الدفين للإسلام والمسلمين.
استلهام الأمة لرشدها
ننتظر مؤتمر المسلمين ونتطلع إلى الأمة أن تستلهم من هذا المؤتمر سلوكًا عمليًا ومثالا واقعيًا، فيوم تكون الأمة مستلهمة رشدها على نحو تلك الأهداف والمقاصد، فستنال عزًا وشرفًا وخيرًا ومجدًا، وسيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها سفن التبشير ما دام للإسلام هذه الدعائم: القرآن؛ واجتماع الجمعة ومؤتمر الحج". فما أحوج الأمة اليوم وهم يعانون فتنًا متلاطمة وشرورًا متنوعة، وبلايا متعددة، ما أحوجهم أن يستلهموا من فرائض الإسلام العبر والعظات، والدروس الموجّهات لحياتهم وسلوكهم ونشاطهم وتوجُّهاتهم، ما أجدر المسلمين أن يوجهوا حياتهم من منطلقات دينهم وأن يديروا شئونهم من حقائق قرآنهم، وأن يعالجوا مشكلاتهم وآدواءهم على ضوء ما يوجَّههم إليه خالقهم ويرشدهم إليه نبيهم صلى الله عليه وسلم
إن مؤتمر المسلمين السنوي لهو تذكير للأمة بأن أعظم ما يجب أن تهتم به وأن تحافظ عليه، وأن تغرسه في النفوس وتبثه في المناشط كلها والأعمال جميعها تحقيق التوحيد لله سبحانه، تحقيق الغاية القصوى في الخضوع والتذلل لله جل شأنه توجهًا وإرادة، وقصدًا وعملا، فهذه التلبية رمز الحج ومفتاحه التي أهَّل بها سيد الخلق وإمام الأنبياء حين افتتح حجته بالتوحيد كما يقول جابر: فأهَّلَ بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" {أخرجه مسلم في الحج 1218}.
إهلال يتضمن كلمات التلبية؛ ذاك المعنى العظيم والمدلول الدقيق ألا وهو روح الدين وأساسُه وأصله، وهو توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك بكل صوره وشتى أشكاله.
ننتظر مؤتمر المسلمين ليجتمع أفراد الأمة جمعاء ليستحضروا ما دلت عليه هذه الكلمة من معنى، وأن يعرفوا ما تضمنته من دلالة وأن يكون المسلم على دراية عظيمة بهذا المعنى في حياته كلها محافظًا عليه في كل حين وآن، مراعيًا له في كل جانب، لا يسأل إلا الله، لا يستغيث بغير الله، لا يتوكل إلا على الله، لا يطلب المدد والعون والنصر إلا من الله، مستيقنًا أن الخير كله بيد الله، وأَزِمَّة الأمور بيده، ومرجعها إليه، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
مؤتمر المسلمين وصبغ الأمة بالعقيدة الصحيحة
يعقد مؤتمر المسلمين لتصبغ الأمة حياتها كلها وأنشطتها جميعها بقاعدة العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص، فلا تخطو خطوة، ولا تتحرك حركة إلا وهي تنظر من منظار القرآن الكريم ومن مرآة السنَّة ورضا الربِّ جل وعلا، فالله جل وعلا يقول: الذي آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {الأنعام:82}.
حريُّ بالأمة أن تتذكر وتعلم وتستشعر وتستيقن أنه لا سعادة ولا نجاح في الحياة الدنيا والآخرة ولا توفيق ولا سداد إلا باتباع صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه والمسيرة الجادة على هديه في الاعتقاد والأعمال، في الحكم والتحاكم، في الأخلاق والسلوك وفي هذا يقول نبينا صلى الله عليه وسلمعند كل منسك من مناسك الحج: "خذوا عني مناسكم" ولتنظر كيف حقق الصحابة هذا المقصد حينما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "حجوا كما حجَّ صلى الله عليه وسلم ، ولا تقولوا: هذا سنَّة وهذا فرض". فأعظم أهداف الحج تذكر هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولزوم طريقه في هذه الحياة دون إفراط ولا تفريط ولا غلوّ أو جفاء، "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" {أخرجه مسلم}.
فلتكن مثل هذه المناسبة العظيمة التي يجتمع فيها المسلمون على آداء عبادة عظيمة من معالم الدين، لتكن درسًا يراجع فيه المسلمون أنفسهم ويتبصرون فيه في أحوالهم ليقيموها على المنهج الحق والصراط المستقيم من منبعه الصافي ومورده العزب الزلال، كتاب الله جل وعلا وسنَّة سيد الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
ينعقد مؤتمر المسلمين وتتقاذفهم أمواجُ الفتن، وتتحداهم قوى الطغيان والعدوان فواجب عليهم أن يتخذوا من مثل هذا المؤتمر السنوي مؤتمرًا للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى وتبادل المنافع والمعارف والتجارب، فيعجز العالم كله مهما اتحدت جهوده وتنسَّقت ومهما بلغت خططهُ وتنوعت أن يجد موسمًا كالحج منظمًا لعالم إسلامي واحد كامل متكامل مرّة في كل عام في بلد الله بالقرب من بيت الله وفي ظلال الطاعات القريبة والبعيدة، والذكريات الغائبة والحاضرة.(42/188)
ولتدرك الأمة على مختلف مستوياتها أنهم على مختلف مشاربهم وتنوع أشكالهم لا رابطة تربطهم إلا رابطة التوحيد، ولا نسب ثابت إلا نسب الدين، فيجب أن تكون صبغته هي الصبغة السائدة التي يجب معها النبذ الصارخ لحميَّة الجاهلية وفخارها، ولهذا يقول الله عز وجل في سياق آيات الحج: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس {البقرة:199}. فحرى بالأمة أن تستثمر مثل هذا الموسم العظيم، فالحج مؤتمر ذو مقاصد سياسية للبشرية كلها مؤتمر يربي البشرية على أسس السلام والأمن والحياة الطيبة ويدعوهم لتحريم الحرمات والممتلكات والنفوس والمقدرات، وهو القائل: ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه {الحج:30}.
تلبية دعوة إبراهيم الخليل
ينعقد مؤتمر المسلمين وتخرج الجموع في موسم الحج تلبية لدعوة إبراهيم عليه السلام منذ آلاف السنين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ملبين ضارعين مكبرين مهللين.
تخرج الجموع المؤمنة والحجيج الخشَّع المتجمعون من كل حدب وصوب تتجلى حقيقةُ أنَّ هذه الأمة مهما بلغ الكيد لها والمكر بها فإنها أمة خالدة بخلود رسالتها وكتابها باقية ما بقى الليل والنهار.
والوافد إلى بيت الله قد تكفل الله بحفظه وسلامته قا صلى الله عليه وسلم : "ثلاث في ضمان الله: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله ورجل خرج حاجًا". {أخرجه الحميدي في مسنده وصححه الألباني}.
وليعلم الحاج أن له في كل خطوة يخطوها أجرًا يجلِّيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "ما ترفعُ إبلُ الحاجِّ رجلا ولا تضع يدًا إلا كتب الله تعالى بها حسنة أو محا عنه سيئة أو رفعه بها درجة" {أخرجه البيهقي وصححه بن حبان} وإذا سمع الحاج حديث رسولنا الأمين r والذي أخرجه البخاري ومسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". تشتاق نفسه لهذا الأجر العظيم والفضل الجزيل، فيتساءل، كيف يحقق الحج المبرور؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد حين قال: ما أكثر الحاج قال: "ما أقلهم ولكن قل: ما أكثر الركب" {أخرج نحوه عبد الرزاق في المصنف}.
ومن رام حجًا مبرورًا امتثل لقول صلى الله عليه وسلم والذي رواه البخاري: "من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" حج مبرور يوقّر فيه الكبير، ويُرحم الصغير، ويواسي الضعيف، ويحافظ فيه على نظافة البدن والثوب والمكان قال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {البقرة:122}.
اللهم إنا نسألك البصيرة في الأمور كلها، اللهم وفق الحجيج ويسر لهم أمورهم اللهم اجعل سعيهم مشكورًا وحجهم مبرورًا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
============(42/189)
(42/190)
طاجستان (1-2) بين مطرقة الاحتلال الروسي وسندان الاحتواء الغربي
تعتبر طاجكستان أصغر دول تركستان الإسلامية من حيث المساحة وعدد السكان، وقد دخلها الإسلام على يد القائد المسلم البطل قتيبة بن مسلم الباهلي رحمه الله تعالى في الفترة 94-96ه، في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وكانت تُسمى آنذاك بلاد الشاش وفرغانة.
وقد شهدت هذه المنطقة فترة استقرار خلال الحكم الإسلامي، وعانت أكثر ما عانت زمن المغول والتتار، وزمن الاحتلال الروسي على يد القياصرة ثم الشيوعيين الذين ارتكبوا ضد أهلها مجازر مروعة، وعمليات إبادة، ومحاولات تذويب في المجتمع الشيوعي القائم على عقيدة الإلحاد.
وقد بلغت نسبة المسلمين قبيل الاحتلال الشيوعي 98% من مجموع السكان، ثم تناقصت نتيجة الغزو الروسي وعمليات التهجير والتذويب إلى 82%، ثم عادت بعد الاستقلال لتصبح 87% نتيجة عودة كثير من الروس إلى بلادهم.
كانت طاجكستان جزءاً من الأراضي الإيرانية، ويعود الشعب الطاجيكي في أصوله إلى الشعب الإيراني الفارسي.
وعلى طول التاريخ لم تعرف طاجكستان كياناً سياسياً خاصاً بها، بل خضعت لمختلف الأقوام التي احتلتها.
بعد أربع سنوات من الثورة البلشفية في روسيا احتل الجيش الأحمر العاصمة دوشنبه في عام 1921، وفي إطار تحديد الهوية القومية لشعوب آسيا الوسطى قامت جمهورية طاجكستان تحت عنوان " جمهورية ستالين آباد الاشتراكية " كجمهورية اتحادية ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي. إلاّ أنها استعادت اسمها الحقيقي في عام 1961م.
جغرافية طاجكستان:
تقع طاجكستان في الجنوب الشرقي من آسيا الوسطى، وعاصمتها دوشنبه، تحدها شمالاً أوزبكستان، وقرغيزيا، وجنوباً أفغانستان وباكستان، وشرقاً الصين، وغرباً أوزبكستان، وتتخلل المنطقة أعداد هائلة من الجبال الثلجية، التي تُعدّ منابع للعديد من الأنهار السريعة والأودية العميقة.
تبلغ مساحة البلاد 143.100 كلم، وعدد السكان قدر سنة 1995م ب 6.101.000نسمة، وحسب معدل الازدياد السكاني فإن العدد اليوم ربما تجاوز 7.500.000 نسمة، معظمهم مسلمون، ويوجد فيها نسبة قليلة من الإسماعيليين، ويقدّر عددهم ب 100 ألف من الفرقة النزارية في إقليم باداخشان، إضافة إلى قلة من النصارى أغلبهم من بقايا الروس، وحوالي 15 ألفاً من اليهود.
أما التوزيع العرقي بعد الاستقلال فكما يلي: (70 %) طاجيك، (23 %) أوزبك، (4 %) روس (1).
والطاجيك يعودون إلى أصل فارسي، ويتجمع أغلبهم في طاجكستان، وقلة في أفغانستان، وأوزبكستان، ويوجد في الصين ما يقارب 33 ألف طاجيكي يسكنون محافظة
والطاجيك يعودون إلى أصل فارسي، ويتجمع أغلبهم في طاجكستان، وقلة في أفغانستان، وأوزبكستان، ويوجد في الصين ما يقارب 33 ألف طاجيكي يسكنون محافظة تاشكور قند شرق البامير والحكم في هذه البلاد جمهوري برلماني.
السطح: يتألف معظم سطح طاجكستان من كتلة جبلية مرتفعة، حيث تشغل عقدة بامير أكثر من نصف مساحة البلاد. وهو الجزء الجنوبي الشرقي، أما القسم الشمالي فتشغله سلسلة جبال آلاي، كما تدخل أراضيها في أوزبكستان لتحتل جزءاً من وادي سيمون غربي مدينة خوجند.
ومن هضبة بامير وجبال آلاي تمتد أودية عديدة تتجه كلها نحو نهر جيحون الذي يشكل حدودها الجنوبية مع أفغانستان.
المناخ: تتنوع الظروف المناخية لتنوع مظاهر السطح، فالمناطق المرتفعة تكون شديدة البرودة، وتكسوها الثلوج معظم أيام السنة، والمناطق المتوسطة الارتفاع تكون معتدلة في الصيف، باردة في الشتاء، وتتعرض للصقيع فترات طويلة من العام، وأمطارها وفيرة تسقط معظمها في الشتاء، أما المناطق المنخفضة والأودية فإنها قارصة البرودة في الشتاء، مرتفعة الحرارة في الصيف.
يتحدث الناس اللغة الطاجكية، وهي اللغة الرسمية في البلاد، إضافة إلى اللغة الفارسية.
أهم المدن في طاجكستان (دوشنبه)، وهي أكبر المدن - العاصمة - ويبلغ عدد سكانها 642.000 نسمة، وتأتي بعدها في الأهمية مدينة (خوجند) وعدد سكانها 182.000 نسمة، ثم (ميرجاب)، و(كولياب).
تشتهر طاجكستان بالزراعة، وأهم المحاصيل: الحبوب مثل: القمح والأرز والشعير والذرة، والخضروات والبطاطا والقطن والفواكه. كما يهتم السكان بتربية الحيوانات مثل: الأبقار، والأغنام، والخيول.
وعملة البلاد الرئيسية هي الروبل، وصادراتها منتجات صناعية وبترولية، ومواد كيماوية، ومواد البناء، وأدوات الإنارة، والمنتجات الزراعية والحيوانية.
أما الواردات فتتمثل في الغاز، والحديد، والصلب، والأخشاب، والورق، ومنتجات صناعية أخرى.
أما التعليم، فتشرف عليه وزارة التعليم، ويتلقى الطلاب تعليمهم باللغة الطاجكية، وقد تم في عام 1991م افتتاح جامعة خودزنت في العاصمة (2).
تاريخ طاجكستان:
سكن الناس هذه المنطقة منذ آلاف السنين، واستوطن فرس الإمبراطورية الأخمينية المنطقة منذ القرن السادس ق.م.، بعدها غزت المنطقة قبائل بدوية قدمت من غرب الصين، إلى أن أطاح بهم الكوشان خلال القرن الثاني الميلادي.(42/191)
بدأت قبائل تركية تزحف إلى أواسط آسيا في القرن السادس الميلادي، ثم فتحت الجيوش الإسلامية المنطقة في منتصف القرن السادس الميلادي وأواخر القرن الأول الهجري؛ لتنشر الإسلام في ربوع تركستان كلها (3).
تعدّ طاجكستان جزءاً من تركستان الإسلامية الغربية، وهي منطقة واسعة في وسط آسيا تضم خمس جمهوريات، دخلها الإسلام في القرن الهجري الأول؛ حيث فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي، وكانت تُعرف آنذاك بوادي فرغانة، وقد غزاها قتيبة بأمر من الحجاج في عشرين ألف من المجاهدين، وذلك سنة 94ه، وأتى خوجند فجمع له أهلها فلقوه واقتتلوا مراراً، كل ذلك يكون الظفر للمسلمين، ثم أتى مدينة فرغانة، وأتاه الجنود الذين وجههم إلى الشاش، وقد فتحوها وأحرقوا أكثرها، وفي هذه الفتوح قال الشاعر العربي المجاهد سحبان يذكر قتال المسلمين في خوجند:
آسيا تضم خمس جمهوريات، دخلها الإسلام في القرن الهجري الأول؛ حيث فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي، وكانت تُعرف آنذاك بوادي فرغانة، وقد غزاها قتيبة بأمر من الحجاج في عشرين ألف من المجاهدين، وذلك سنة 94ه، وأتى خوجند فجمع له أهلها فلقوه واقتتلوا مراراً، كل ذلك يكون الظفر للمسلمين، ثم أتى مدينة فرغانة، وأتاه الجنود الذين وجههم إلى الشاش، وقد فتحوها وأحرقوا أكثرها، وفي هذه الفتوح قال الشاعر العربي المجاهد سحبان يذكر قتال المسلمين في خوجند:
فسلِ الفَوارسَ في خوجندة
تحتَ مرْهفَة العَوالي
هلْ كنتُ أجمعهم إذا
هُزموا وأُقدمُ في القِتالِ
أم كنتُ أضربُ هامَةَ
العاتي وأصبرُ للعَوالي
هذا وأنتَ قريعُ قيْسٍ
كلّها ضخمُ النَّوالِ
وفضَلتَ قيساً في النَّدى
وأبوكَ في الحِججِ الخَوَالي
ولقد تبيَّنَ عدلُ حُكمكَ
فيهمُ في كلّ حالِ
تمَّتْ مروءتكُمْ وناغَى
عزّكُم غُلبَ الجِبَالِ(4)
وأتم فتح بلاد طاجكستان صالح بن مسلم - شقيق قتيبة - الذي غزا كاسان وأوشت في وادي فرغانة، واستمر انتشار الدعوة فيها طيلة العصر الأموي، وفي العصر العباسي وثق المأمون الصلة بتلك المنطقة، ولما ضعفت سلطة العباسيين فيها ظهر السامانيون الذين حرصوا على نشر وازدهار الدعوة إلى الإسلام بين شعوب تركستان كلها، وكذلك كان الأمر في عهد الغزنويين، لا سيما في عهد محمود الغزنوي الذي مدّ حدود الدولة إلى الهند، ثم جاء الأتراك السلاجقة فضموها إلى دولتهم المترامية الأطراف، ثم اجتاح المغول منطقة وسط آسيا فسقطت البلاد في أيديهم، فحكمتها أسرة جغطاي، ووقع الخلاف بين أبناء المغول، واعتنق الإسلام خان أسرة جغطاي " طرماشيرين" (722-735ه) وأسلم معه أكثر أفراد أسرته، ثم سيطر تيمور لنك على تركستان بأسرها، وقام بحروبه المشهورة في غربي آسيا وشرق أوروبا، ثم حكمها الشيبانيون الذين يعود أصلهم إلى الأوزبك، ثم الجانيون أنسباء الشيبانيين الذين يعودون في أصلهم إلى خانات أستراخان، ثم انقسمت البلاد بعدهم لتستقل طاجكستان فيما يسمى بخانية خوجند أو فرغانة، وذلك عام 1112ه، ووقعت الحروب بينها وبين خانية بخارى، واستمرت حتى عام 1293ه، عندما جاءها الاستعمار الروسي، وكان آخر خاناتها ناصر الدين خان (5).
ولعل أحلك الحقب التاريخية لطاجكستان كانت عام 1293ه وما بعده، حيث زحف الروس القياصرة نحو ما يُعرف اليوم بشمال طاجكستان - خانية خوجند - وفرضوا سيطرتهم عليها بعد عزلها عن خانية بخارى، وخانية خوارزم، وظل القسم الشرقي من البلاد متصلاً بإمارة بخارى، أي ما يُعرف اليوم بجمهورية أوزبكستان. وفي عام 1306ه أكمل الروس زحفهم نحو بقية بلاد الطاجيك وسيطروا عليها عام 1311ه، بسبب ضعف مقاومتها؛ لقلة أبنائها، وعزلها عن بقية بلاد تركستان (6).
وفي عام1347ه منح القياصرة الروس حكماً ذاتياً للمناطق الطاجكية كمرحلة أولى، وفي 1353ه - المرحلة الثانية - عملوا على فصل الأراضي الطاجكية عن أوزبكستان، وأقاموا دولة مستقلة تُعرف الآن باسم طاجكستان.
وفي سنة 1348ه أصبحت طاجكستان إحدى الجمهوريات الاتحادية الإسلامية داخل الاتحاد السوفيتي السابق، رغم سياساته المناوئة لهذا التوجه الإسلامي.
وأصاب طاجكستان ما أصاب غيرها من الجمهوريات الإسلامية من تناقص في أعداد المساجد، وانعدام التعليم الديني، وذلك نتيجة الهجمة الشرسة من قبل الشيوعيين على الإسلام وأهله (7).
وبالرغم من ذلك فقد ظلت طاجكستان محتفظة بهويتها الإسلامية طوال عهد الحكم الشيوعي لها إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي السابق؛ لذا لم يكن مستغرباًً تحطيم تمثال لينين الموجود في الساحة الرئيسية للعاصمة دوشنبه، حيث كان أول نصب شيوعي في آسيا الوسطى.
وبسقوط تمثال الطاغية فريدريك لينين، وتعاظم دور قاضي الإسلام توراجاند زاده، وخروج المظاهرات الضخمة المطالبة بعودة الإسلام، تبين بوضوح مدى تغلغل العقيدة الإسلامية في النفوس، وتمسك الشعب الطاجيكي بهويته الإسلامية.
وفي سبتمبر عام 1991م تم الإعلان عن استقلال طاجكستان عن الاتحاد السوفيتي المنهار، ثم انضمت إلى مجموعة الكومنولث المستقلة في ديسمبر 1991م، وأصر الحزب الشيوعي على الاحتفاظ بالسلطة، وواصل ادعاء تمثيله للشعب الطاجيكي.(42/192)
سيطر رحمون نبييف المنتمي للحزب الشيوعي على رئاسة الجمهورية في أكتوبر 1991م، ومثّل مجيئه إلى السلطة تحدياً كبيراً للتيارات الإسلامية المعارضة هناك؛ لأن هذا الرئيس ينتمي إلى تيار الزعيم الروسي الدكتاتوري بريجينيف.
وفي مطلع عام 1992م اندلعت المواجهة في
طاجكستان بين أنصار النظام الحاكم، والجماعات التي تدعو إلى العودة إلى الإسلام، وانتهت برضوخ الرئيس نبييف لمطالب المعارضة، فشكل حكومة ائتلافية حصل فيها المعارضون لنظامه على 8 حقائب وزارية.
لم يرق هذا التغيير لبقايا الشيوعية في البلاد، فعادت المواجهة المسلحة بين الشيوعيين والمعارضة الإسلامية مرةً أخرى، مما اضطر الرئيس نبييف إلى إعلان استقالته، واللجوء إلى موسكو، مما أتاح الفرصة للمعارضة لتشكيل حكومة مؤقتة.
لم تُترك المعارضة لتهنأ بهذا التغيير، حيث تدخلت القوات الروسية بكثافة لتعيد الحكم لأنصار الشيوعية، ونجح هؤلاء في العودة إلى حكم البلاد على ظهور الدبابات الروسية بزعامة علي رحمانوف أحد أبرز مساعدي نبييف، والذي ارتكب مجازر مروعة استطاع من خلالها الاستيلاء على البلاد، وذلك بمساعدة الروس، بعد معارك أدت إلى تدمير العاصمة وآثارها التاريخية ومكتباتها، وتشريد أكثر من مليون مسلم، وقتل أكثر من 100 ألف، وجرح أكثر من 300 ألف (8).
وبعد انتهاء هذه المعارك اعتلى علي رحمنوف سدة الحكم، وأصدر دستوراً جديداً أقر النظام الرئاسي، وأجرى تعديلات كثيرة على قوانين الحكم السابقة (9).
من آثار الفكر الشيوعي:
قضت هذه الدولة سبعة عقود تحت نير الاحتلال الشيوعي، الذي عمل ليل نهار على طمس العقيدة، ومحو آثارها في النفوس، وغرس مبادئ الشيوعية مكانها، ونشر الإباحية والتحلل، وتذويب الشعب في المجتمع الروسي.
لم تكن نتائج تلك الحملة الشيوعية لتتلاشى بمجرد إعلان الاستقلال، والانسلاخ عن الدولة الكبرى - الاتحاد السوفيتي - والخروج من دائرة الحكم الشيوعي، ولم تكن العادات المكتسبة، والأفكار المزروعة في نفوس الشعب الطاجيكي وشعوب الجمهوريات الإسلامية كافة لتزول بسهولة بعد تلك العقود التي تعرض المسلمون خلالها لأبشع محاولات طمس الهوية، وإزالة كل ما يتعلق بالدين والمعتقد من النفوس، بكل أساليب القهر والطغيان.
لقد تركت الشيوعية آثاراً فكرية واجتماعية وثقافية أثّرت على التوجه الديني لدى الشعب الطاجيكي، خاصة في المدن، حيث تركت أغلب سكانها لا يعرفون عن الإسلام شيئاً سوى اسمه، ويجهلون جُلّ أحكامه، وكيفية تطبيقها، بل ويعتبرون كثيراً من المخالفات الشرعية أمراً عادياً لا حرج فيه، كشرب الخمر - الفودكا الروسية - والاختلاط، وأكل لحم الخنزير، بل إنهم يستغربون ممن يدعو النساء إلى ارتداء الحجاب، أو عدم مخالطة الرجال بلباس فاضح!!
ففي استطلاع نشرته مجلة الإصلاح الإماراتية، وأجراه الكاتب رأفت يحيى، حول قوة الصحوة الإسلامية في آسيا الوسطى، قابل خلاله عدداً من أساتذة الجامعات والطلبة الطاجيك وغيرهم، تبين مدى تأثر هؤلاء بالثقافة الشيوعية، حيث جاء في الاستطلاع ما يلي:
" في طاجكستان التقيت نائب رئيس الجامعة لشؤون الدارسين الأجانب، ومعه عدد كبير من أساتذة الجامعة أثناء مناقشة إحدى رسائل الدكتوراه. وخلال اللقاء دعوني لأشرب الفودكا - خمر - معهم. قلت لهم: إنني لا أشرب؛ لأن هذا الخمر يحرم شربه الإسلام، فأخذوا يضحكون ويتندرون فيما بينهم، وقال أحدهم: إنها المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها شخصاً لا يشرب الخمر ".
وفي مقابلة أخرى يقول الكاتب: " (أوميد) صحفي بطاجكستان، التقيته في أحد المؤتمرات التي نظمها حزب النهضة الإسلامي، قال لي: إنه لم يعد يؤمن بالفكر الشيوعي، لكنه في الوقت نفسه لا يؤمن بشيء اسمه إله. سألته: هل يوجد مثلك كثيرون في مجال الصحافة يؤمنون بفكرك ؟ أجابني بهدوء شديد: نعم".
ويقول في موضع آخر: " خلال رحلتي من مدينة بخارى بجمهورية أوزبكستان إلى مدينة دوشانبه عاصمة طاجكستان التقيت شاباً مهندساً من مدينة ترمذ مسقط رأس الإمام الترمذي، وقد رحب بي عندما عرف أنني عربي. سألته عن أحوال المسلمين في بلده، وعن عدد المساجد بها، ونسبة الذين يترددون عليها، وهل هو يصلي ؟ فإذا به يفتح إحدى حقائبه، ويخرج منها كتيباً صغيراُ لتعليم الصلاة، أخذ يقرأ فيه بصعوبة شديدة سورة الفاتحة، وبعد حديث طويل دعاني لأتناول معه طعام العشاء في القطار، وإذا به يحضر عدداً من زجاجات الفودكا.
هذا النموذج يُعد من الصور اللافتة للنظر في المجتمع الإسلامي في آسيا الوسطى عموماً، حتى بين كثير ممن يصلون أيضاً " (10).
ومن آثار الفكر الشيوعي: تخوف كثير من أبناء الشعب الطاجيكي من العودة إلى الإسلام؛ وذلك لما تعرض له هؤلاء من خلال برامج التربية والتعليم حول الإسلام، حيث تلقوا خلال سنوات تعليمهم معلومات مشوهة عن الإسلام، تصفه بالخرافة، والظلامية، والتخلف، والشعوذة، والإرهاب، وغير ذلك.
ولهذا يطالب هؤلاء اليوم باللحاق بركب العلمانية، والحضارة الغربية، وعدم التفكير
بالانتساب إلى الإسلام وأهله.(42/193)
ومثل هذه المظاهر تنتشر أكثر ما تنتشر في المدن، بخلاف القرى التي ظلت محافظة على عقيدتها وهويتها.
وبالرغم من ذلك فقد شهدت السنوات الأخيرة تغيراً، وإقبالاً على تعاليم الإسلام، وتمسكاً بأهدابه في عموم البلاد - مدنها وقراها -.
الصحوة الإسلامية في طاجكستان:
إن أبرز ما تتميز به طاجكستان عن غيرها من الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، هو انتشار الصحوة الإسلامية بين أبناء شعبها بشكل ملفت للنظر، وتمسك غالب أهلها بعقيدتهم بالرغم من كل المحاولات والضغوط لطمس الهوية الدينية من قبل المحتلين الروس، وبرزت مظاهر العودة للدين بشكل كبير في القرى المنتشرة في الجبال؛ ولذلك كانت المطالبة الشعبية بتغيير نظام الحكم، والعودة به إلى الإسلام تفوق كل التوقعات، ولعل المظاهرات الضخمة، ورفع المصاحف علناً، وتحطيم تماثيل الشيوعية بمجرد إعلان الاستقلال مما يدل دلالةً واضحة على قوة تمسك الشعب بدينه وعقيدته.
وتتمثل الصحوة الإسلامية في انتشار حركة النهضة الإسلامية التي تأسست عام 1978م بمبادرة من عبد الله نوري، وتتعاون مع هذا الحزب إدارة القضاء في طاجكستان التي تهتم بشؤون التربية الإسلامية وبناء المساجد.
ومن مظاهر الصحوة الإسلامية في طاجكستان: إعادة يوم الجمعة ليصبح هو العطلة الأسبوعية بدلاً من يوم الأحد، وافتتاح كثير من المساجد بعد الاستقلال، وإعادة تعميرها، وكذلك المدارس القرآنية، فقد تم افتتاح أكثر من 200 مسجد في العاصمة دوشنبية وحدها.
وتعتبر الحركة الإسلامية في طاجكستان أنشط وأقوى الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى، وقد عبرت الحركة عن هذه القوة من خلال تفعيل الساحة السياسية وإثارتها ضد السلطات الشيوعية. وقد أجمعت مختلف المصادر أن قيادة الساحة كانت بيد العلماء الملتحين ، الذين يؤمون الجماهير في الشوارع لأداء الصلاة التي تعقبها هتافات المصلين : الموت للشيوعية.
ويشرح " دولت عثمان " أحد كبار قادة حركة النهضة الإسلامية أهداف حركته في استلام الحكم قائلاً: يجب أن تلعب القوانين الإسلامية والأخلاقية دورها في طاجكستان، نحن نسعى إلى تحسين الوضع المادي والمعنوي للشعب، وسندرس بدقة طبيعة الحكومة الإسلامية والحكومة العلمانية؛ لنختار طريقنا بعد ذلك (11).
وتعود أسباب انتشار ظاهرة المد الإسلامي في طاجكستان بسرعة، وقبل غيرها من الجمهوريات المسلمة، إلى عوامل عدة، من أبرزها: الشعور الإسلامي الذاتي لدى الشعب الطاجيكي، وهو أقوى بكثير مما هو موجود لدى بقية شعوب آسيا الوسطى، وتأثر طاجكستان بما يدور حولها في الجمهوريات والدول المجاورة من صحوة إسلامية، ومطالبة بالعودة إلى الحكم الإسلامي.
كما أن لحركة الجهاد في أفغانستان والشيشان ضد الشيوعية تأثيراً كبيراً في تعاظم هذه الصحوة. فعلاقة الطاجيك وثيقة بالشعب الأفغاني الذي يشكل الطاجيك من مجموعه 30 بالمائة.
هذا بالإضافة إلى الظروف التي استجدت داخل الاتحاد السوفيتي في أعقاب تسلم ميخائيل غورباتشوف الحكم هناك، ومناخات البيروسترويكا والانفتاح التي بدأت في عام 1986.
أبرز الأحزاب والقوى السياسية في طاجكستان:
تنقسم الأحزاب والقوى السياسية في طاجكستان إلى ثلاثة اتجاهات، تتمثل فيما يلي:
أولاً: القوى الإسلامية:
ويمثلها حزب النهضة الإسلامي الذي تأسس عام 1993 برئاسة " محمد شريف همت " كجناح سياسي للحركة الإسلامية الطاجكية التي تأسست عام 1978 بمبادرة من عبد الله نوري.
وقد بدأ ظهور هذه الحركة في الجمهوريات الإسلامية سنة 1978م، وانتشر فكرها وسط الشباب المثقف؛ وذلك بسبب الاحتكاك بالطلاب العرب الذين وفدوا إلى الاتحاد السوفيتي بهدف الدراسة، حيث جلبوا معهم بعض الكتب والرسائل الإسلامية.
وتنامت الحركة: لتنتشر فيما بعد في كافة الجمهوريات الإسلامية الخمس.
ومن أبرز علماء الحركة المفتي" قاضي تورجان زاده" الذي يعدّ من خيرة علماء البلاد.
شكلت الحركة بداية التسعينات مليشيات مسلحة يقدر عددها بثمانية آلاف مقاتل، ووصل عدد أفرادها إلى أكثر من ثلاثين ألف عضو.
يروي شريف همت زاده ظروف نشأة الحزب فيقول: " كانت البداية في وادي فرغانة الذي يقع في كل من أوزبكستان وطاجكستان، عام 1978م، وتنامت الحركة وسط الطلاب نظراً إلى الاحتكاك بينهم وبين الطلاب العرب الوافدين من مصر والأردن والجزائر وليبيا؛ إذ كان هؤلاء يجلبون معهم الكتب الإسلامية، وبهذا انتقل الإسلام في منطقتنا من إسلام الفقه والتفسير إلى الإسلام الحركي... ".
ويوضح تورجان زاده مدى قوة الحركة،
فيقول: " إن ظروف طاجكستان تختلف عن غيرها في الجمهوريات الأخرى، ف 93% من أراضيها جبلية، ومن هنا بعدت عن التأثيرات الإلحادية الشيوعية، والروس سكنوا المدن فقط، وهذا ما جعل طاجكستان ملجأ للعلماء الهاربين، ثم إن قربنا من أفغانستان وإيران، وتشاطرنا اللغوي، أدى إلى تأثرنا بالأحداث الجارية " (12).
ثانياً: القوى الديمقراطية والقومية ويمثلها:(42/194)
1 الحزب الديمقراطي الطاجيكي الذي أسسه " شاه مان يوسف " ويمثل الاتجاه العلماني الديمقراطي، وقد تأسس في أغسطس عام 1990م، وشارك في حكومة الائتلاف الوطني، وهو حزب يعادي روسيا عداءً شديداً، وقاتلت ميليشياته التي يبلغ عددها أربعة آلاف مقاتل إلى جانب حركة النهضة الإسلامية في مواجهة الشيوعيين.
2 جمعية رستاخيز: وتمثل الاتجاه القومي الداعي لإحياء التراث اللغوي والقومي للبلاد؛ لمحو آثار سياسة الطمس التي مارسها الاتحاد السوفيتي سابقاً، وتمارسها روسيا اليوم، وقد أسست الجمعية عام 1989 بمبادرة من طاهر عبد الجبار.
3 جمعية بدخشان: وهي تنشط فقط في مقاطعة بدخشان، وتدعو لإقامة حكم ذاتي فيها.
ثالثاً: القوى الشيوعية:
ويمثلها الحزب الشيوعي الذي كان قائماً أيام الحكم السوفيتي، وتم تسجيله كحزب سياسي بعد الاستقلال عام 1992، برئاسة " شادي شاهدولوف " ويتركز نشاطه في المناطق الأوزبكية في كولاب جنوباً، وخشقند شمالاً (13).
الحكومة الائتلافية:
بدأت المواجهات فيما بين الحزب الشيوعي والمعارضة الإسلامية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في أغسطس 1991م، وعندما فشلت المحاولة وهبت رياح التغيير، حاول الشيوعيون التمسك بالسلطة، إلا أن النزاع فيما بينهم أنفسهم انتهى بإزاحة قهار محكاموف عن السلطة، واستبداله بأصلانوف الذي سارع بحل الحزب الشيوعي، ولأن الشيوعيين يشكلون أغلبية في مجلس النواب - 95% من الأعضاء - فلم يصادق المجلس على القرار، بل أصدر قراراً بإقالة أصلانوف، وأعاد تعيين رحمون نبييف رئيساً للحزب الشيوعي، ثم رئيساً لمجلس النواب.
بعد سيطرة نبييف على الحكم، تم تعيين " سفر علي كنجاييف " رئيساً لمجلس النواب، وهو من أعتى عتاة الشيوعية، الذين أحكموا سيطرتهم على البلاد، والتي كانت أول جرائمه اعتقال رئيس بلدية دوشانبه، وذلك لأنه أيد ودعم إزالة تمثال لينين الضخم، الذي استغرق 16 ساعة متواصلة في إسقاطه من مكانه.
جرت بعد ذلك مظاهرات ضخمة، تحولت إلى اعتصام شارك فيه مليون نسمة.
قامت السلطة بمواجهة المعتصمين في ساحة الشهداء، وزودت أتباعها ب 2300 قطعة سلاح، وأسفرت المواجهات عن 32 قتيلاً ومئات الجرحى.
نتيجة لذلك ثارت ثائرة المعارضين، وحصلت اشتباكات مع أتباع الحكومة، انتهت برضوخ الحكومة لإجراء مفاوضات مع المعارضين أدت إلى تشكيل حكومة ائتلافية شغلت المعارضة فيها أهم ثمانية مناصب وزارية.
تمرد الشيوعيين على الحكومة الائتلافية:
رفض حاكم ولاية" كولاب " تسليم أسلحته للحكومة بناءً على اتفاق تم مع المعارضة، وأعلن عن تمرده، وبدأت قواته بتطهير الإقليم ممن وصفهم بأنهم وهابيون.
بعد ذلك زحفت قوات حاكم" كولاب " إلى المناطق المجاورة، إلا أن قوات حزب النهضة الإسلامي أوقفت زحفهم واضطرتهم للتراجع.
تدخلت القوات الروسية بحجة فصل القوات المتحاربة، وأعادت قوات حزب النهضة إلى الوراء، وكانت تقوم بتسليح الكولابيين بالأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى تعاظم نفوذهم، وتلقيهم دعماً من عدة جهات معادية للمسلمين، مثل: الهند وأوزبكستان والصين.
زحفت قوات التمرد نحو العاصمة، وارتكبت خلال زحفها مجازر مروعة، ودخلت العاصمة بعد مقاومة عنيفة، واحتلت المباني الحكومية، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، وأعلنت عن تشكيل حكومة جديدة، وما أن سمع أهالي دوشنبه ذلك حتى هبوا لمواجهة الشيوعيين، وجرت معارك عنيفة، قتل خلالها أكثر من 500 من المتمردين، مما اضطرهم لسحب أسلحتهم الثقيلة، واضطراب تحركاتهم، واشتباكهم مع قوات حليفة، وتكبدهم خسائر لا تحصى.
بعد ذلك دعا رئيس الجمهورية بالنيابة" أكبر شاه اسكندروف " لعقد دورة طارئة لمجلس النواب في مدينة خوجند، وقد أسفرت الجلسة عن عزل شاه اسكندروف نفسه، وتعيين إمام علي رحمانوف رئيساً لمجلس النواب، وتشكيل حكومة جديدة تميزت بعودة كثيفة للشيوعيين.
بعد ذلك بأيام بدأت معركة دخول دوشنبه، من قبل قوات التمرد، وبعد معارك استمرت لمدة أسبوعين دخلت قوات التمرد العاصمة، واستباحتها بأمر من علي رحمانوف لمدة أسبوع، كانت خلاله الجثث ملقاة على قارعة الطريق، وانتشرت حالات السرقة والاغتصاب، ثم انتقلت المعارك إلى منطقة كفرنهات القريبة من العاصمة، وبعد ثلاثة أيام مني المهاجمون بخسائر كبيرة في الأرواح، والعتاد، ولكنهم دخلوا المدينة
بعد ذلك بأيام بدأت معركة دخول دوشنبه، من قبل قوات التمرد، وبعد معارك استمرت لمدة أسبوعين دخلت قوات التمرد العاصمة، واستباحتها بأمر من علي رحمانوف لمدة أسبوع، كانت خلاله الجثث ملقاة على قارعة الطريق، وانتشرت حالات السرقة والاغتصاب، ثم انتقلت المعارك إلى منطقة كفرنهات القريبة من العاصمة، وبعد ثلاثة أيام مني المهاجمون بخسائر كبيرة في الأرواح، والعتاد، ولكنهم دخلوا المدينة وعاثوا فيها فساداً.
رافق هذه العمليات جرائم مروعة، منها قتل كل من ينتمي إلى حزب النهضة، وكل من عثر معه على مصحف أو كتابات باللغة العربية، والاستهزاء بشعائر الإسلام ومقدساته، ورسم الخنزير والنساء العاريات على المصاحف، وغير ذلك مما يندى له الجبين.(42/195)
وعلى إثر هذه المعارك وقف المجرم سنجاق سفاروق ملوحاً بالسكين الذي ذبح به الخراف فرحاً بنصره، قائلاً: هذا هو الحد بيننا وبينهم، سنذبحهم ذبح الخراف (14).
لم يخضع المسلمون لهذا التحول، بل عمدوا إلى الجبال، وحصنوا أنفسهم فيها، وبدأوا يشنون هجماتهم على قوات الشيوعيين، مما أذهل زعيمهم علي رحمانوف الذي لجأ إلى موسكو وطلب من قواتها البقاء لحمايته، ولكن القوات الروسية رفضت ذلك، مكتفية بما قدمته له من معونة لتثبيت حكمه.
ومع تصاعد هجمات المعارضة اضطرت حكومة رحمانوف للتفاوض، والتنازل للمعارضة الإسلامية، والرضوخ لكثير من مطالبها، وذلك عام 1997م.
محاولات تنصير المسلمين في طاجكستان:
تشهد طاجكستان عملية تنصير مكثفة، يقف المطلع عليها مذهولاً أمام نشاطها، وجهودها الحثيثة لإخراج الشعب الطاجيكي من دائرة الإسلام، ولعل في هذه الترجمة التي نشرت في موقع الخيمة ما يدل على حرص الغرب الصليبي على تحويل أبناء الجمهوريات الإسلامية عن دينهم، وتذويبهم في الديانة النصرانية.
فبعد أن أفلت مسلمو آسيا الوسطى من جحيم الشيوعية، تعرضوا لهجمة تنصيرية منظمة، تنفذها في صمت كل الكنائس الغربية تقريباً مستغلة حالة الفقر الشديد؛ التي تعيشها الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.
والشواهد على ذلك كثيرة ومتنوعة، منها شهادة للكاتب الطاجيكي عزيز بك ده بيدي في مقال نشره في صحيفة " جوانات طاجكستان " أي " شباب طاجكستان " يسجل فيه شهاداته وانطباعاته ومعلوماته عما يجري من تنصير في طاجكستان.. إحدى الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وهذه مقتطفات من المقال:
امرأة مسنة بزيّ طاجيكي.. دخلت المعبد، وتوجهت مباشرة إلى تمثال لعيسى المسيح المصلوب، ومسحت وجهه بيديها، وقبّلته، ومسحت بيديها على وجهها تبركاً، ثم صلَّبت مثل النصارى، سألت نفسي: أي شيء أجبر هذه العجوز المسلمة على اعتناق النصرانية؟.. الفقر؟ أم المطالب المعنوية؟ أم انعدام رفق المسلمين وانحطاط أخلاقهم؟ نظرتُ إلى القاعة فوجدتُ أن الطاجيك يشكلون نصف الحاضرين الذين كان عددهم أكثر من 500 شخص، وأغلبهم من النساء.
في عهد الاتحاد السوفييتي السابق كانت الأجهزة الحكومية تقاوم جميع الأديان، ولاسيما دين الإسلام بكل قوة واستبداد وتفرض العقائد الإلحادية على الناس رغم أنفهم، ولعل تعليمات " الإلحادي المحارب " كانت سبباً في تمزق هذه الدولة القوية.. ومن جهة أخرى لم تكن تسمح للمبلغين - من مختلف الأديان والأفكار من الشرق والغرب - أن يمارسوا نشاطاتهم في المنطقة.
وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وظهور الجمهوريات المستقلة، توجهت حركات التنصير وممثلي الأديان الأخرى إلى المنطقة، وبسبب الحرب التي استمرت عدة سنوات انحطت الأخلاق الحميدة، بعد أن تشرد كثير من العلماء والمفكرين إلى الخارج، وقتل بعضهم، مما هيّأ لهؤلاء المنصِّرين دعماً معنوياً في مجتمعنا، وقد انتهزت المراكز الخارجية هذه الفرصة لسد الفراغ، فوسَّعت دائرة نشاطاتها في بلدنا، والآن وللسنة السابعة تعمل مراكز ممثلي الديانات المختلفة مثل: البهائية، والنصرانية، والزرادشتية، وتعاليم " كرشنة " وغيرها في طاجكستان للوصول إلى أهدافها.
ويجري دعم هذه المراكز بالأموال، والتراث الديني، والوسائل التعليمية الحديثة، والحاجات الضرورية الأخرى من قِبل كنائس الفاتيكان، وأمريكا، وكندا، وسويسرا، وفنلندا، وتعد المغريات المادية إحدى أساليبهم المثمرة المؤثرة، فمن المعروف أن مواطني طاجكستان يواجهون أزمة اقتصادية حادة، إذ يعيش أغلبهم تحت خط الفقر بسبب الحرب الدامية - كان ذلك قبل توقف الحرب مؤخراً-. واغتناماً للفرصة يقدم هؤلاء المنصّرون المساعدات المالية والغذائية للناس، وبهذه الطريقة يرتد آلاف من المسلمين عن دينهم ويعتنقون النصرانية.
ويقوم أتباع مذهب البابستية بنشاطات أوسع في طاجكستان، حيث أُسست بزعامة منصِّر كندي يدعى " ديريك " حلقة باللغة الطاجكية في إحدى الكنائس البابستية بالعاصمة دوشنبه، ويتراوح أفراد الطائفة بين 25 30 شخصاً، وتشكل الفتيات والشباب الذين لا تزيد أعمارهم على ثلاثين عاماً أغلبية المتنصرين الجدد.
ويقوم أتباع مذهب البابستية بنشاطات أوسع في طاجكستان، حيث أُسست بزعامة منصِّر كندي يدعى " ديريك " حلقة باللغة الطاجكية في إحدى الكنائس البابستية بالعاصمة دوشنبه، ويتراوح أفراد الطائفة بين 25 30 شخصاً، وتشكل الفتيات والشباب الذين لا تزيد أعمارهم على ثلاثين عاماً أغلبية المتنصرين الجدد.(42/196)
ويقول عالم الاجتماع والأستاذ في علم الفلسفة " زيجينكا " في مقاله" الطاجيك في معابد غير إسلامية " المنشور في المجلة الأسبوعية " الاستقلال " 7 13- 5- 1997م ما نصه:" العبادات تمارس بالطريقة التالية: يلقي السيد ديريك أو مسؤول الحلقة الذي هو طاجيكي الأصل كلمة افتتاحية، ثم يوزع نسخاً للإنجيل مطبوعة في غاية الجاذبية ومترجمة بالطاجكية، كما يقدم أناشيد دينية بالطاجكية أيضاً للحاضرين، ويستفيد بعض المتنصرين من الأناجيل المترجمة بالروسية أو الإنجليزية، ثم يبدأ ديريك بالقراءة بلهجة طاجكية فيقوم الناس، ويركع البعض.. ولحن الأناشيد يشبه اللحن الموسيقي القومي الطاجيكي "، مما يجعل الأناشيد أوقع على القلوب". ويلقي الضيوف الوافدون من استراليا، وكندا، وأمريكا أثناء أداء الشعائر كلماتهم للحاضرين، ثم ينتقلون من القاعة الكبرى ليمارسوا العبادة بصورة جماعية".
وكذلك قامت كنيسة أودينتين بتنصير عدد من الشباب الطاجيك والأوزبك، وقال كيندي نظروف الروسي أحد قادة هذا المذهب أثناء حوار معه: "إن كنيستنا التي أسَّست مراكز في مختلف المدن والمديريات تشتغل بتنصير المسلمين، وبيتي هو معبد المنطقة رقم 83 في دوشنبية "، وأضاف: " أن 18 شخصاً يجتمعون هنا مشيراً إلى بيته " مرتين في الأسبوع من أجل العبادة، وتعلم أحكام مذهبنا وأركانه، وتوجد بينهم أيضاً امرأتان طاجكيتان.
ووفقاً للمعلومات التي اطلعت عليها فإن سبعين شخصاً من الطاجيك المسلمين اعتنقوا مذهبنا، وأكثرهم من الشباب، ولكن الرجال المسنين نادرون بينهم؛ لصعوبة تغيير ثقافتهم وعقائدهم".
وكذلك الكنيسة البروتستانتية " سانمين " وتعني " البركة " التي يقع مركزها الرئيس في شارع " نعمت قرة بايوف " بالعاصمة، تعمل بنشاط وجد.. وعندما زرنا هذه الكنيسة كان عدد المشاركين كثيراً جداً، وكان طنين الموسيقى يرتفع منها، وجاء شاب طاجيكي طلق الوجه لاستقبالنا فأرشدنا إلى " حجرة الهداية "، ووقع نظري قبل كل شيء على كتب الإنجيل الموضوعة بشكل الصليب على الطاولة، وكان جالساً فيها 35 شخصاً من مختلف الأعمار، وأغلبهم من الطاجيك والأوزبك، وكذلك ثلاث نساء طاجيكيات أحضرن أولادهن الصغار إلى الكنيسة. وبعد لحظة دخل علينا الشاب مع منصّر كوري الجنسية، ووزَّع على كل واحد منا نسخة من الإنجيل بالروسية وعندما ابتدأت العبادة تحدث منصِّر شاب عرَّف نفسه ب" سيف الدين عبدالله يوف " عن تعريف المذهب وعن كنيسة " سانمين " بالتفصيل، ثم أعطى الكلمة للمنصر الكوري الذي طلب من الحاضرين قبل بدء موعظته أن يغلقوا أعينهم، ويكرروا أقواله من أعماق قلوبهم، ثم أدوا العبادة، وبعد ذلك وزّع أوراقاً مخصوصة للذين هم في حاجة لفحص طبي؛ لتشخيص أمراضهم مجاناً من قِبَل أطباء المركز.
وبعد انتهاء الاجتماع دار حوار بيني وبين المنصّر سيف الله عبدالله يوف قال فيه: " اعتنقت المسيحية عام 1997م، والآن لكنيستنا عشرون مبلِّغاً في دوشنبه، ثمانية منهم من أصل طاجيكي، وعدد أتباع مذهبنا في طاجكستان، ما عدا مقاطعة " لينين آباد " يصل إلى ثلاثة آلاف شخص، وقد بنينا ثلاثة معابد في دوشنبه وكنيسة في كل من " راغون " و" ترسونزادة "، و" قرغان تيبه "، وهناك فروع لمركزنا تعمل في " لينين آباد " كما تقام الصلاة في المدينة بصورة جماعية مرة في سينما " كوزوموس " في مديرية " شكلاوسك " وقد فتحت مدرسة دينية للمتنصرين بإجازة والي المدينة في مدينة " خوجند " وأغلب طلابها من الطاجيك، وتقام الشعائر الدينية في هذه المعابد بلغات القوم..
وفي الواقع يظهر من أقوال أتباع المذهب البروتستانتي وأعمالهم أن دائرة نشاطاتهم واسعة للغاية، إذ يستخدمون جميع الأساليب لتحويل الشعب الطاجيكي إلى دينهم، وعلى سبيل المثال فإن مطعم المركز المذكور يقدم الطعام مجاناً للفقراء والمساكين، ويتردد عليه في بعض الأحيان مائتا شخص، كما يقدمون خدمات طبية وافرة للمرضى، وتوجد بجانب مراكزهم نوادٍ رياضية للتايكوندو والكاراتيه، وهؤلاء لا يعلمون الأطفال والشباب المتحمسين قواعد رياضية فقط، بل يدرسونهم النصرانية وأصولها.
وهناك فرقة أخرى تعمل في روسيا وأوكرانيا وكازاخستان وقرغستان تعبد الشيطان، ويقوم أتباع هذه الفرقة بخطف الأطفال، ويضحون بهم من أجل تأدية شعائر دينهم المنحرفة، وكذلك يشتغلون بالسحر، وهناك فرقة تأكل لحوم الإنسان، وتشرب دماءه، ولعل هذه الفرقة تقيم حفلاتها خفية في طاجكستان.
إن حوادث خطف الأطفال، وأكل لحوم الإنسان وشرب دمائه منتشرة في مديرية " كولخاز آباد " و" قوباديان " ومدينة " خوجند " و" دوشنبية " ولاشك أن لهذه الحوادث علاقة بنشاطات هذه الفرق الجديدة (14).
الإسماعيلية الأغاخانية في طاجكستان:
يبذل " أغاخان الرابع " الزعيم الروحي للإسماعيلية الأغاخانية، الذي يعد أحد أغنياء العالم، الأموال من صندوقه لنشر عقيدة الإسماعيلية الأغاخانية في منطقة آسيا الوسطى. وبالتحديد في طاجكستان التي يوجد فيها أكثر من مائة ألف إسماعيلي في إقليم بدخشان، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.(42/197)
وقد قام أغاخان بتشييد جسر على حسابه الخاص بالقرب من مدينة حَارَجْ، على نهر بَانْجْ الحدودي المفرِّق بين طاجكستان وأفغانستان، ويبلغ طوله 135 متراً وعرضه 3، 5 أمتار، وحمولته 25 طناً، وتكلفته الإجمالية 385 ألف دولار أمريكي، مما يدل على اهتمام الإسماعيليين المتزايد بهذه المحافظة، وإلى جانب ذلك خصص الصندوق المبالغ لتشييد أربعة جسور مماثلة على ذلك النهر الحدودي، ويخطط في المستقبل لصرف الأموال لتحقيق مشاريع أخرى في تلك المنطقة. علماً أن المحافظة قد انقسمت إلى قسمين بعد أن اتفقت روسيا وإنجلترا عام 1895 على تحديد الحدود على نهر بانْجْ، وآنذاك أصبح الشاطئ الأيسر منها ملكا لأفغانستان، والآخر لإمارة البخارى، أما في عهد الاتحاد السوفيتي السابق فدخلت المحافظة ضمن طاجكستان كولاية ذاتية. وتشكل مساحة بدخشان الطاجكية التي تسمى " بَامِيرْ " 64 ألف كيلومتر مربع تقريباً، مما يشكل ثلث طاجكستان تقريباً، ويسكن فيها نحو 130 ألف نسمة تتكلم ب9 لغات، وهذا يعتبر أهم شيء للأغاخانية
=============(42/198)
(42/199)
تاريخ العلاقات الشيوعية الصهيونية
محمد آمحزون
في غياب المفاهيم الإسلامية الصحيحة، ولأن الرأي العام في العالم الإسلامي هو فريسة خداع منظم متصل، يحاول إغراق المنتسبين إلى الإسلام في الجهل والتبعية باسم الشعارات المضللة، وحيث إنه ليس في العالم الإسلامي من يجهل دور الغرب الصليبي في المؤامرة ولم يتحدث فيه ويكتب عنه؛ ولكن الكثير هم الذين يجهلون صلة البلشفية والشيوعية باليهودية والصهيونية فكراً ونظاماً، ودورها في خلق ما يسمى إسرائيل، فإني سأكشف النقاب في هذا المقال عن أبعاد هذه الصلة وحقيقتها وأهدافها لخدمة اليهودية الصهيونية أولاً وأخيراً.
أثر اليهود في الثورة البلشفية وفي الفكر الشيوعي:
قامت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م لإسقاط القيصرية وإقامة دولة شيوعية.
ومما يلاحظ أن اليهود كانت لهم سيطرة شبه مطلقة على هذه الثورة وقيادتها حتى وفاة لينين.
ففي دراسة حديثة صدرت عام 1965م لكاتب يهودي أمريكي عاصر لينين ورافقه وهو (لويز فيشر) ورد أن لينين يهودي الأصل.
وذهبت إلى نفس القول مجلة (فرنسا القديمة) عام 1918م، وصحيفة (الساعة الباريسية) ذات الاتجاه الاشتراكي الراديكالي عام 1917م، وقالت: إن اسم لينين اليهودي هو (زيدر بلوم).
ومما يؤكد دور اليهود في هذه الثورة البلشفية أنه في شهر مايو عام 1907م انعقد في لندن مؤتمر الحزب الشيوعي الخامس والأخير قبل الثورة، حضره (105) مندوبين عن البلشفيك بزعامة لينين، و (97) من المنشفيك بزعامة مارتوف و (44) من الديموقراطيين الاشتراكيين تتزعمهم روزا لوكسمبورغ، و(55) من الاتحاد اليهودي يتزعمهم رفائيل ابراموفيتش وليبرغولدمان، و (35) من الديموقراطيين الاشتراكيين الليتوانيين يتزعمهم دانيشفسكي، وكانت قيادات هذه المنظمات جميعاً لليهود: لينين، مارتوف، روزا لوكسمبورغ، ابرا موفيتش، ليبر غولدمان، دانيشفسكي.
وضم المؤتمر من أصل (336) مندوبٍ (220) مندوب يهودي و (116) من أصل غير يهودي.
وأعقب هذا المؤتمر إصدار صحيفتين: صحيفة (بروليتاريا)، وتمثل البلشفيك ويحررها لينين وبروفنسكي وزينوفييف وكامينييف وكلهم من اليهود ماعدا بروفنسكي.
وصحيفة (غولوس سوسيال ديموكرات) أي الصوت الاشتراكي الديموقراطي، ويحررها مارتوف وبليخانوف وإكسلرود ومارتينوف - بيكل - وكلهم يهود ماعدا بليخانوف.
ثم أصدر تورتسكي اليهودي أيضاً في نفس العام 1908 صحيفة (فيينا برافدا).
وهكذا كانت مصادر الفكر الشيوعي جميعاً تسيطر عليها عناصر يهودية، كما كانت المنظمات الماركسية كلها من صنع أيديها وتنظيمها وبقيادتها.
وقد لقيت الحركة البلشفية دعماً مالياً مكشوفاً من البيوتات اليهودية الكبيرة: فقد صرح جاكوب شيف المليونير اليهودي بأن الثورة الروسية نجحت بفضل دعمه المالي، وقال إنه عمل على تحضير ذلك مع تروتسكي.
وفي ستوكهولم كان اليهودي (ماكس واربورك) ينفق بسخاء على هدم النظام القيصري بسبب عدائه لليهود.
ثم انضم إلى هؤلاء يهود آخرون من أصحاب الملايين: والف شبورك، وجيفو لوفسكي الذي تزوج تروتسكي ابنته.
وبعد موت هرتزل تولى زعامة الحركة الصهيونية حاييم وايزمن الذي التقى مع لينين في 8 مايو 1916 بحضور الكاتب الصهيوني جاك ليفي في بيت الصناعي اليهودي دانيال شورين في زيورخ بسويسرا لبحث المخطط الثوري الاشتراكي لتقويض القيصرية التي كانت تقف في وجه إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين.
ومما قاله لينين لوايزمن: (على نجاح الثورة في روسيا يتوقف تحرير اليهود من كابوس ملوك أوربا وحكامها ورفعهم إلى أعلى المراتب في الدولة، وفرض احترامهم وشخصيتهم، وسوف تحقق الثورة (في روسيا) للشعب اليهودي المشتت ما عجزت عن تحقيقه لهم الثورة الفرنسية عام 1787).
واقتنع وايزمن بالفكرة وقال للينين: (إن فتح أبواب الشرق واستقرار اليهود في فلسطين يتوقف في الدرجة الأولى على تدمير الامبراطورية العثمانية، وبتدميرها تزول الحواجز والعقبات التي تعترض المسيرة إلى أرض الميعاد...
عمرها أصبح محدوداً، وانهيارها وشيكاً.
لابد من إنشاء دولة يهودية في فلسطين بعد أن تحقق الثورة الروسية أهدافها).
وفي أعقاب نجاح الثورة واستيلاء الشيوعيين على السلطة قام لينين: أولاً: بإصدار قرار بتحريم العداء لليهود، أي أنه اعتبر العداء لليهود جريمة معاقباً عليها.
وكان قراره تعبيراً عن عرفان الثورة بالجميل ليهود روسيا في دورهم الأساسي بتقويض النظام القيصري.
ونجد هنا أن لينين ألغى الموقف الرسمي والمجتمعي من اليهود دون أن يلغي في المقابل موقف اليهودية من الدولة والمجتمع، وهو موقف يقوم على التغلغل في المرافق والمراكز الحساسة واستغلال النفوذ.
ثانياً: أصدر إعلاناً يعد فيه بتأييد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وكان ذلك في نفس المرحلة الزمنية التي أصدر فيها بلفور - وزير خارجية بريطانيا - وعده المشهور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
ولم يكن هذا التوافق فلتة أو مصادفة وإنما حدث وفق مخطط مدروس.
وبذلك حققت اليهودية انتصارين في اتجاهين مختلفين وبقوتين متناقضتين.(42/200)
فقد كانت هذه المسألة - إقامة كيان صهيوني في فلسطين- نقطة الالتقاء الوحيدة عام 1917م بين الشيوعية والرأسمالية.
وعلاوة على ذلك فإن لينين - قائد الثورة - بنى فكره وإيديولوجيته انطلاقاً من الفكر الماركسي، وماركس كما هو معروف كان يهودياً، ويجهل كثير ممن وقعوا في شباك الماركسية أن ماركس الذي اشتهر بالدفاع عن الحرية وحرية المستضعفين بصورة خاصة كان يؤيد الامبراطورية البريطانية -وهي إمبراطورية إمبريالية توسعية - بل وقد جعل مصالح الديموقراطية الثورية ومصالح إنجلترا مترابطة وفي كفة واحدة، وعبر عن ذلك في إحدى المقالات التي كتبها في صحيفة (نيويورك تربيون ) الأمريكية التي كان مراسلاً لها في أوربا قال: (ففي هذه المسألة -أي المسألة الشرقية- نرى أن مصالح الديموقراطية الثورية مترابطة مع مصالح إنجلترا بشكل وثيق.
فلا الديموقراطية ولا إنجلترا تستطيع أن تدع القيصر يجعل من القسطنطينية إحدى عواصمه، وإذا سارت الأمور نحو الأسوأ فإننا سنرى الواحدة أو الأخرى تتصدى له بنفس الزخم والمقاومة) [نيويورك تربيون T r ibune New Yo r k 7 إبريل 1853م].
كيف ذلك ونحن نعلم أن بريطانيا ذات اتجاه ليبرالي إمبريالي يتناقض قلباً وقالباً مع ما يسمى الديموقراطية الثورية أو الاشتراكية الثورية التي يزعم ماركس أنه يتبناها! إن في ذلك تناقضاً واضحاً يكشف النقاب عنه أن ماركس رغم تظاهره بالإلحاد لإضلال وغواية البشر كان يهودياً في الصميم؛ إذ كانت بريطانيا وقتئذ موئل اليهود وسندهم أكبر إلى جانب هولندا، وذلك قبل أن ينتقل مركز الثقل اليهودي بصورة نهائية إلى الولايات المتحدة.
بل كان ماركس صهيونياً، وله كتاب اسمه: (المسألة اليهودية)؛ فقد اتصل عام 1862م بفيلسوف الصهيونية الأول وواضع أساسها النظري (موشي هيس) صاحب كتاب (الدولة اليهودية)، وعن هذا أيضاً تلقى (تيودور هرتزل) الذي لم يزد على أفكار (موشي هيس) سوى أن بسَّطها وأقام لها تنظيمها السياسي فيما يعرف بالحركة الصهيونية.
وقد بلغ من إعجاب ماركس وتأثره بـ (موشي هيس) أن قال عنه في كتابه (المسألة اليهودية): (لقد اتخذت هذا العبقري لي مثالاً وقدوة، لما يتحلى به من دقة في التفكير واتفاق آرائه مع عقيدتي وما أومن به)، وكذلك فإنه مما يلفت النظر إلى أن ماركس قد عبر بالشيوعية عن يهوديته ما كتبه فيما بعد (الحاخام لويز بورنس)، وهو أحد أقطاب الصهيونية الحديثة قال: (إن كارل مار كس حفيد الحاخام مردخاي ماركس كان في روحه واجتهاده وعمله ونشاطه وكل ما قام به وأعدَّ له أشد إخلاصاً لإسرائيل من الكثير ممن يتشدقون اليوم بدورهم في مولد الدولة اليهودية).
ومما يثبت أيضاً أن لليهود دوراً هاماً في ترويج الفكر الشيوعي ما ورد في البروتوكولات الصهيونية؛ فقد جاء في البروتوكول الثاني: (لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء.
ولاحظوا أن نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل، والأثر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الشعب الأممي (غير اليهودي) سيكون واضحاً لنا على التأكيد).
هذا بالإضافة إلى شواهد أخرى لا يتسع المجال لذكرها كلها؛ فقد نشرت مجلة (فريكان هيبرو) في عددها الصادر يوم 10/ 3 / 1920م وهي من كبرى المجلات اليهودية: (إن الثورة الشيوعية في روسيا كانت من تصميم اليهود..
وإن ما تحقق في روسيا كان بفضل العقلية اليهودية التي خلقت الشيوعية في العالم).
وبتاريخ الخامس عشر من شباط عام 1968 ألقى ألكسي كوسيغين خطاباً في مدينة (مدينسك) السوفيتية جاء فيه: (نحن لسنا أنصار حرب جديدة في الشرق الأوسط، بل على العكس نريد سلاماً مستقراً في المنطقة، وهناك بعض الدول العربية تؤيد هذا الموقف.
إننا نرفض تصفية إسرائيل، بل نؤيد استمرار إسرائيل كدولة).
ومما يلاحظ أن الاتحاد السوفييتي منذ بداية الثورة البلشفية لم يتحرج في اتخاذ موقف التأييد المطلق والتنسيق المتكامل بينه وبين الحركة الصهيونية قبل قيام إسرائيل وبعد قيامها.
ومن مطالعة النصوص والوثائق التي تغص بها سجلات الأمم المتحدة - ويستطيع كل إنسان الحصول عليها بأي لغة شاء- يتضح عدد من الحقائق والمواقف التي تدين الاتحاد السوفياتي في تأييد قيام إسرائيل وفي التمهيد لها، ثم في توفير ظروف استمرارها وبقائها وقوتها.
الشيوعية في بلدان أوربا وأثر اليهود فيها: لو دققنا في قيادات الحركات الشيوعية الأخرى خارج روسيا لوجدناها غاصة باليهود على مستوى القيادة والتنظيم أو على مستوى الفكر والمحتوى.
ففي ألمانيا بعد نجاح الثورة الشيوعية الأولى عام 1917م، قامت ثورة شيوعية مماثلة قادتها روزا لوكسمبورغ، وهي يهودية بولونية شاركت وأسهمت في النشاط الشيوعي مع التنظيمات الماركسية الأولى خارج الاتحاد السوفياتي لكن هذه الثورة قمعت ثم أعدمت روزا لوكسمبورغ.
وقد أوفدت الأممية الشيوعية (كارل رادك) لقيادة الحزب الشيوعي الألماني في أعقاب فشل روزا لوكسمبورغ، ثم تبعته (روت فيشر ) وكلاهما يهودي.
وفي نفس هذه الفترة تقريباً قام يهودي شيوعي آخر وهو (بيلاكون) بثورة في هنغاريا وكان هذا عام 1919م.(42/201)
وقد أعقب هذه الثورة مجازر ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين.
وكان الحصاد مجاعة عامة انتهت بإسقاط (بيلاكون)؛ الذي فر وعاد إلى روسيا ليتسلم فيها إدارة منظمة الإرهاب في الجنوب منها.
وفي بلدان أوروبا الشرقية الأخرى لم يكن اليهود أقل نفوذاً وارتباطاً بالحركة الشيوعية.
ففي رومانيا كانت سكرتيرة الحزب (أنَّا باوكر) التي ولدت في بوخارست لأبوين يهوديين ثم هاجر والداها وكان جزاراً - مع أحد اخوتها إلى إسرائيل واستوطنها.
عاشت فترة من الزمن في أمريكا، ثم استطاعت أن تبلغ ذروة السلطة في الحزب الشيوعي الذي تسلَّم الحكم في أعقاب الحرب العالمية الثانية من الجيش الأحمر.
وفي بولونيا ظل يحكمها إلى فترة غير بعيدة أربعة يهود هم: مينك وسكريينر فسكي، ومودز يلفسكي، وبرمان، وهذا الأخير كان يعيش في روسيا، ثم اختارته موسكو ليكون حاكم بولونيا الخفّي بعد الحرب.
وفي تشيكوسلوفاكيا استطاع اليهودي سلانسكي أن يفرض ديكتاتورية حمراء أخرى، ثم شملته حملة التطهير، لكن الذين حاكموه كانوا أيضاً من اليهود: سيفان رايتز وغيره، وظلت تشيكوسلوفاكيا تحت حكم اليهود الشيوعيين، وقد تمكن هؤلاء من تنظيم مساعدة إسرائيل عام 1948 م عسكرياً وبشرياً وأمدوها بالكثير من أسباب القوة، ثم صاروا يمدونها بعد ذلك بكل أخبار صفقات التسلح الشيوعي إلى البلدان العربية، ومواقع جيوشها وكفاءتها وتنظيماتها، وكل ما اتصل بأسرارها العسكرية، وإلى جهود هؤلاء وإلى عوامل أخرى يرجع الفضل فيما حققت إسرائيل من نصر خاطف عام 1167 م.
وفي هذا الصدد نذكر قول الشاعر: ونشحد من يهود الشرق عدلاً كمن تخذ الغراب له دليلا وحين نبحث عن أصول وزراء التعليم والتربية في جميع بلدان أوربا لشرقية في الستينات نجدهم يهوداً وبغير استثناء.
ويرجع حرص اليهود على هذه الوزارة بالذات إلى حرصهم؛ على توجيه النشء وصياغة أفكاره وفق المخطط الذي أعدّوه.
قائمة لبعض القيادات اليهودية العليا في الحركة الشيوعية والتي كان لها دور في الثورة البلشفية.
لينين: اسمه الأصلي: زيدر بلوم.
قائد الثورة البلشفية عام 1917 الأمين العام للحزب حتى وفاته.
كروبسكايا: زوجة لينين، شغلت أمانة سّر لجنة تحرير (الأيسكرا)، أول صحيفة شيوعية.
تروتسكي: اسمه الأصلي (برونشتاين)، عاش فترة من حياته في نيويورك، رئيس سوفيات بطرسبورغ عام 1905 م، أسهم في ثورة 1917م.
روزا لوكسمبورغ: يهودية بولونية، أسهمت في جميع النشاط الشيوعي الذي سبق ثورة روسيا، وكانت مع أعضاء حزبها شريكة في التخطيط للحركة الشيوعية في أوربا.
بارفوس: رئيس سوفيات بطرسبورغ بعد تروتسكي، أسهم في ثورة 1905 و1917م مارتون: عضو تحرير صحيفة أيسكرا (الصحيفة الشيوعية الأولى.
قاد الانشقاق ضد لينين وسمى أنصاره المنشفيك، اسمه الأصلي: رباوم.
زينوفييف: كان يعرف مع لينين وكامينيف بالثلاثي، وهو صديق لينين الشخصي وأحد أبرز العناصر الشيوعية، ترأس الأممية الشيوعية من عام 1919م حتى 1926م.
إكسلورد: عضو تحرير صحيفة (أيسكرا) ومن القادة الأوائل للحركة الشيوعية مع بليخانوف في جنيف.
ليبر غولدمان: من رواد الحركة الشيوعية الأوائل، أسهم في مؤتمر لندن عام 1907 م.
لتفينوف: واسمه الأصلي مايروالاش.
وزير خارجية روسيا بين 1930- 1939، أسهم في سرقة بنك تغليس قبل الثورة للحصول على المال وتمويل الحركة الشيوعية.
سفردلوف: أحد قادة الثورة البلشفية ومن العناصر البارزة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتى، ورئيس لجنة الدستور وثانى رئيس للجمهوريات السوفياتية بعد الثورة.
كامينيف: أول رئيس للجمهوريات السوفياتية بعد الثورة البلشفية.
يوريتزكي: رئيس مفوضية الجمعية التأسيسية التي قامت في أعقاب الثورة.
رادك: قاد الحزب الشيوعي الألماني موفداً من الأممية الشيوعية بعد إعدام روزا لوكسمبورغ، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بعد وفاة لينين.
وارون أيزفوفتش كرمر: عضو اللجنة المركزية للمؤتمر الأول للحزب الذي وحد المنظمات الماركسية في روسيا القيصرية.
روز شتاين: المشرف على جميع الشؤون الشرقية وما يتصل بالعلاقات الروسية - الإسلامية في الدولة الشيوعية بعد الثورة.
وقد أشرف على تأسيس أول حزب شيوعي في فلسطين عام1919م، وكان حزباً يهودي القيادة.
وإلى العناصر اليهودية في هذا الحزب أوكل أمر إنشاء الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية.
ولمن يريد التوسع في موضوع العلاقات الشيوعية الصهيونية فليرجع لكتاب (التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية) لنهاد الغادري، من منشورات دار الكتاب العربي؛ وهو كتاب يكشف عن الصلات بين الحركتين الشيوعية والصهيونية وعلاقتهما الواحدة وفكرهما الواحد وعناصر تكوينها المشتركة.
ويقدم مجموعة من الوثائق تدين الحركة الشيوعية بالعمل بالتوافق مع الحركة الصهيونية ولمصلحة اليهودية، كما يقدّم مجموعة من الوثائق لتاريخ الأحزاب الشيوعية العربية ودور اليهود في إنشاءها وتمويلها.(42/202)
أثر اليهود في نشر الفكر الشيوعي في البلاد العربية الإسلامية: إن اليهود بدأوا منذ القرن التاسع عشر - على الخصوص - في التطلع والتخطيط لإقامة كيان صهيوني في فلسطين.
وقد كانوا يعلمون جيداً أن ليس بإمكانهم أن يطأوا أرض فلسطين بأقدامهم وأن يقر لهم فيها قرار إلا في حالة ضعف المسلمين وتخلفهم، كما كانوا يدركون أن الإسلام هو السر الحقيقي لقوة المسلمين ونهوضهم.
ولذلك أقدموا بما لديهم من هيمنة على وسائل الإعلام المختلفة على نشر الفكر الشيوعي وتمويل وتأسيس الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية، ونشر الإلحاد وغير ذلك من المفاهيم العلمانية المادية التي تدعو المسلمين إلى فصل الدين على الدولة، وعن الحياة والتحلل من الأخلاق والقيم الإنسانية.
وكان ذلك تحت ستار الشعارات الخادعة المضللة، فتغلغلت تلك الأفكار في عقول كثير من الشباب الذين فقدوا التوجيه الصحيح والفهم العميق المستنير للإسلام لأسباب داخلية أهمها غياب الإسلام عن الساحة كنظام حضاري ومنهج حياة شامل، ولأسباب خارجية أهمها الغزو الشيوعي الصهيوني والصليبي للعالم الإسلامي، واستيراد أساليب وأنظمة ظاهرها التقدمية والتحرر، وباطنها الاستلاب والاحتواء والجمود.
فقد جرب المنتسبون إلى الإسلام مختلف الأنظمة الوضعية من ليبرالية واشتراكية فلم تزدهم إلا بلة وجموداً وتأخراً وتبعية للغير.
علماً بأن الظروف التي مرت بها أوربا وجعلتها تكره الدين - بمفهومه الكنسي المحرّف الضيق الانتهازي - هي ظروف ليست موجودة في الإسلام، ولله الحمد.
وقد استغل الشيوعيون اليهود وعلى رأسهم ماركس معركة الدين والعلم، والدين والدولة في أوربا للتمويه والمغالطة وتعميم الأحكام بالقول أن الدين أفيون الشعوب -أي الدين عامة - وأنه يتعارض مع النظر العقلي، وهي شبهة لها مجالها الحقيقي في واقع الكنيسة والفكر الغربي، بينما لا نجد لها أي أثر في الإسلام والفكر الإسلامي.
إن الكنيسة في غرب أوربا حرّفت الدين المنزل من عند الله، ونشرت الأوهام والخرافات بين الناس، وابتزت الأموال بغير حق، ووقفت في وجه الحركة العلمية وحجّرت الفكر.
ولاشك أن هذه المواقف الكنسية السلبية باسم الدين أعطت له مفهوماً مظلماً قاتماً ظل يعيش في أعماق الفكر الأوربي في العصر الحديث.
هذا علاوة على أن التحريف الذي وضعه الفكر الغربي للدين لا يمكن أن ينطبق على الإسلام؛ فرجل الدين في الغرب يوصف بأنه لا يصلح لفهم أمور الحياة والتدخل في شؤون الدولة بسبب انقطاعه عن صحبة الناس في الأديرة والكنائس، إذ أن الكنيسة في الأصل تركت القوانين والأوضاع التي كانت تسود الإمبراطورية الرومانية تتحكم في شؤون الناس.
أما الإسلام بمفهومه الصحيح المستمد من الكتاب والسنة - لا بمفهوم المنافقين الذين يرفعون شعار الإسلام، لكن في آن واحد يجزئونه ويشوهونه تبعاً لأهوائهم ومصالحهم الخاصة - فقد أقام العدل والمساواة بين الناس؛ لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم في الحقوق والواجبات، وأمر بالشورى وحرية التعبير في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشجع العلم، وحرر الإنسان من رق التقليد الأعمى وربّاه على حرية الفكر والاستقلال في الإرادة مع التقيد بالدليل؛ فهي حرية فكرية تقوم على قواعد النظر والاستدلال بعيداً عن الأهواء والأوهام.
ولم يقف أمام الحضارة والعلم والمدنية معارضاً أو مناهضاً كما فعلت الكنيسة في العصور الوسطى، بل كان باعثاً للانطلاقة العلمية التي أدت إلى ابتكار المسلمين للمنهج العلمي التجريبي.
وهذا المنهج التجريبي هو الذي تسلمته أوربا من المسلمين عن طريق الأندلس وصقلية والشام وأقامت عليه مدنيتها الحديثة وعلاوة على هذا فإن الإسلام لا يقتصر على الشعائر التعبدية -كما هو الأمر عند الكنيسة- بل هو منهج كامل للحياة الإنسانية؛ إذ إن معنى الإسلام: الاستسلام والانقياد والخضوع لله والتزام حكمه في كل شؤون الحياة، أي بمعنى إسلام النفس كلها لله حيث تكون أفكار الإنسان ومشاعره وسلوكه العملي كلها محكومة بالدستور الذي أقره الله.
فالسلطة التشريعية حق لله - سبحانه وتعالى - لا يجوز أن يشاركه فيها أحد، ومدار الإسلام على ذلك كله، قال - تعالى -: (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 55]، وقال - تعالى -: (ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ) [المائدة: 44].
وقال - جل وعلا -: (إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ) [يوسف: 40] إلى غير ذلك من التقريرات الكثيرة الواردة في القرآن الكريم.(42/203)
ويبدو شمول التشريع الإسلامي أيضاً في بعدٍ آخر وهو النفاذ إلى أعماق المشكلات الإنسانية المختلفة، ما يؤثر فيها وما يتأثر بها، والنظر إليها ومعالجتها معالجة محيطة مستوعبة مبنية على معرفة النفس الإنسانية وحقيقة دوافعها وتطلعاتها وضرورياتها، ومعرفة الحياة البشرية وتنوع احتياجاتها وتقلباتها وربط التشريع بالقيم الإنسانية على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، فجاء هذا التشريع لخدمة الإنسانية ولمصلحة الجميع، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك: 14].
ومما يلاحظ أن الحملات التي تُوجَّه ضد الدين الحق -وهو الإسلام- إنما توجه من قبل دعاة المذاهب المادية وعلى رأسهم اليهود ضمن مخطط رهيب يتبلور من خلال الغزو الفكري الذي حاول بمختلف الأساليب القضاء على أثر الإسلام في عقر داره، وإيهام المخدوعين من أبناء هذه الأمة أن لا سبيل للتقدم إلا بإبعاد الإسلام عن مجالات الحياة المختلفة؛ هذا كسلاح لتركيز السيطرة اليهودية والتمكين لها في البلاد الإسلامية، إذ يدرك اليهود جيداً أن الإسلام يقف سداً منيعاً في وجه أي احتواء أو تبعية أو تنازلات لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بأرض إسلامية كفلسطين وتهجير وتشريد شعب مسلم بأكمله.
وهذه قائمة لبعض اليهود ممن كان له أثر كبير في تمويل وتأسيس الأحزاب الشيوعية العربية: ليون سلطان: يهودي مغربي، مؤسس الحزب الشيوعي بالمغرب عام 1943 م.
أبراهام السرفاتي: شمعون ليفي: يهوديان مغربيان أسهما أيضاً في إنشاء الحزب الشيوعي بالمغرب تحت رئاسة (ليون سلطان) السابق الذكر، وهما عضوان في حزب التقدم والاشتراكية.
يعقوب كوجمان: يهودي عراقي، من مؤسسي الحزب الشيوعي في العراق.
أميل، أوسكا، مولر: ثلاثة شيوعيين يهود حملوا الأموال والتوجيهات الأجنبية للحزب الشيوعي السوري اللبناني.
وقد وردت أسماؤهم في اعترافات وفيق رضا القائد الشيوعي القديم، وجميعهم من موفدي الكومنترون.
ساسون دلال: يهودي عراقي، من مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، تولى مناصب قيادية فيه.
برنمو: يهودي شيوعي من فلسطين.
كان مستشاراً لقيادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني.
هلل شفارتس: مؤسس منظمة (الأيسكرا) في مصر.
مرسيل إسرائيل: مؤسس منظمة الشعب الماركسي في مصر.
جاك تيبر شامي: رئيس الحزب الشيوعي في سورية ولبنان، وهو يهودي روسي الأصل من فلسطين.
كورييل: يهودي مصري إيطالي الأصل، مليونير، أسس الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني في مصر، وهي حركة شيوعية انضم إليها فترة من الزمن بعض عناصر القيادة الحاكمة في مصر.
أبو زيام: شارك جاك تيبر -السابق الذكر- في توجيه الأحزاب الشيوعية في سوريا ولبنان وفلسطين، ويعتبر من أبرز خبراء الكومنترون في شؤون الشرق العربي.
وقد تزعم الحزب الشيوعي في فلسطين بين عامي 1924-1929م.
أفيجور: يهودي روسي، انتدبه الكومنترون لتأسيس الحلقات الماركسية الأولى في مصر.
إن خطط اليهود المتآمرين على الأمة الإسلامية لا تقف عند حد، وتكاد تكون هي ذاتها منذ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: تغذية الأحقاد وإذكاء النفاق وإشعال نار الفتن لتدمير المجتمع الإسلامي بنشر الإلحاد والفساد والانحلال بين أفراده باسم الليبرالية تارة وباسم الشيوعية تارة أخرى.
ألم يأن للمسلمين أن يتصدوا للمتآمرين على وجودهم وكيانهم وعقيدتهم ويقفوا صفاً متراصاً لإحباط خطط اليهود.
ولعل فيما قاله أحد مشاهير الفلاسفة - إدمون يوركه - ما يشير إلى الطريق الذي يجب على قوى الخير المتمثلة في المسلمين سلوكه لإنقاذ أنفسهم بل وإنقاذ البشرية من المخططات الإجرامية لقوى الشر المتمثلة في اليهود وغيرهم: (إن كل ما تحتاج إليه قوى الشر لكي تنتصر هو أن يظل أنصار الحق مكتوفي الأيدي دون القيام بعمل ما).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(42/204)
(42/205)
صاحب الـ(15) مؤلفاً عن الإسلام:
عندما سقطت الشيوعية دخل العديد من المجريين في الإسلام
أگثر من مؤلف في مجالات شرعية مختلفة باللغة المجرية.
هناك اهتمام گبير من المفگرين المجريين بالإسلام.
باحثون يهود أصدروا ترجمات محرفة ومشوّهة للقرآن الگريم باللغة المجرية بغرض الإساءة للإسلام والمسلمين فقط!
المجريون استقوا گل معلوماتهم عن الإسلام من معهد الاستشراق السوفيتي.
گتب گثيرة في المجر مليئة بالأخطاء والمغالطات عن الإسلام.
كيف هو وضع المسلمين في المجر اليوم؟ وكيف دخل الإسلام هذه البلاد التي تقع في شرق أوروبا؟ وإلى أي مدى تأثر المفكرون المجريون بالدين الإسلامي، وساهموا في صياغة إطارهم الثقافي؟
(الدعوة) التقت المفكر الإسلامي جيرمي بونكاش الذى صار اسمه (أحمد بونكاش)، وأصدر حوالي 15 كتاباً عن تاريخ الإسلام في شرق أوروبا ومنطقة البلقان، وقدم مئات المحاضرات - بالإنجليزية - عن تأثير الإسلام في الفكر الغربي، وتأثير الحضارة الإسلامية على الحضارات الأخرى.
* سألناه في البداية عن التأثير الفكري الإسلامي في الثقافة الأوروبية وبخاصة في المجر؟
يرجع تأثر المثقفين المسلمين في المجر لحركة التأثير الثقافي لفرنسا وألمانيا، مع أن المجر في شرق أوروبا وهاتان الدولتان في غربها؛ فقد بحث المثقفون المجريون القضايا العربية والإسلامية انطلاقاً من هذا التأثر، وخضوع المجر للحكم العثماني لفترة طويلة تقترب من ثلاثمائة عام انتهت عام 1686م.
وكانت هولندا مركزاً مهماً للبحوث والدراسات المتعلقة بالإسلام في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلا أن المفكرين المجريين لم يتأثروا بهولندا في هذا المجال.
ولكن فرنسا ظهرت واضحة على الساحة الفكرية بموقفها المعادي للإسلام - آنذاك - والذي بدأته وكرسته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في العصور الوسطى، فبدأت مراكز البحوث والدراسات المعنية بالإسلام تتكرس في فرنسا، كرد فعل طبيعي معاكس للاتجاه السائد من فرنسا تجاه الإسلام والمسلمين، ولحقت المجر بهذه الموجات التي تحاول دراسة الإسلام.
ولم تكن المجر تدرك أهمية العالم الإسلامي إلا من خلال الأهمية التي توليها دول أوروبا الغربية لمنطقة الشرق الأوسط، على الرغم من خضوع المجر للحكم العثماني - كما أشرنا - والذي ترك بصماته على الأسماء والحياة العامة المجرية، ولا تزال بالمجر بقايا منارتين، إحداهما في مدينة (أكر) - شمال المجر -، والأخرى في مدينة (بيج) في الجنوب الشرقي للمجر، ولا تزال بقايا أبنية عثمانية محتفظة بطرزها وقبابها، وبعض الأهلة عليها في (بودابست) - العاصمة -، وعدة مدن أخرى.
* المفكرون المجريون كيف يرون الإسلام والمسلمين؟
- يدين المفكرون المجريون بالفضل للعالمين العربي والإسلامي لرحالة وجغرافيين ومؤرخين عرب ومسلمين كتبوا عن المجريين، منهم: ابن فضلان، والبكري، والمسعودي وغيرهم، وقد زار الرحالة الأندلسي (أبو حامد) المجر في منتصف القرن الثاني عشر، وكتب عن أسرة (أرباد) التي تعتبر مؤسسة لدولة المجر.
ووصف أبو حامد ما تعانيه المجر من عزلة لغوية وقومية بينها وبين جيرانها من القوميات السلافية أو الرومانية، لكنهم كانوا يعولون على المسلمين خيراً لما كان للمسلمين من دور قوي في صد الحملات الصليبية التي كانت تنطلق في موجات بشرية ضخمة متلاحقة، وتمر بالأراضي المجرية.
ورحل المستشرقون المجريون إلى هولندا لتعلم اللغة العربية في جامعاتها، وكان على رأسهم (يانوش أوري)، ولكن قاد الفكر المجري الجالية اليهودية في المجر، وقام مفكر يهودى يدعى (سيد لماير) بترجمة معانى القرآن ترجمة محرفة ومزيفة بهدف تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتشهير بهم، فلم يلتزم بالأمانة العلمية للترجمة.
* هل هناك ترجمات باللغة المجرية لمعاني القرآن الكريم؟
- نعم في عام 1956 ظهرت ترجمة أخرى لمعاني القرآن إلى المجرية، ولكنها كانت كسابقتها.
وبظهور المفكر المجري (هويانوش يريني) ازدهر التعمق في الفقه الإسلامي، فقد ألفَّ (يريني) كتباً عن الفرق الإسلامية، ثم جاء (ارمين فامبيري) الذي ألفَّ عدة كتب عن الإسلام والشرق، ثم لمع المفكر المجري (اجناطيوس جولدزيهر) الذي يعد أشهر مفكري أوروبا، فقد ألفّ كتباً عن الإسلام والمسلمين باللغة الألمانية التي تم ترجمتها لكل اللغات الأوروبية.
ثم جاء (بيتر هاتالا) الذي كتب دراسة بعنوان (سيرة النبي)، ثم كتاباً عن قواعد اللغة العربية، والتحق بالأزهر والتقى جمال الدين الأفغاني، وكتب كثيراً عن الشريعة الإسلامية وتأثيرها في أوروبا.
ومن أشهر مؤلفات (اجناطيوس): (أهل السنَّة والسلفية في الإسلام)، (الغزالي ومحاوراته ضد الباطنية)، و(تفسير القرآن الكريم)، وقد كانت مؤلفاته تتسم بالعمق والجدية.
ومن المستشرقين المجريين (جرمانوس) الذي تعرف على الإسلام في الهند، وعمل أستاذاً للدين الإسلامي، ومن أشهر مؤلفاته كتاب (الله أكبر)، ووصف فيه كيف اعتنق الإسلام، ووصف رحلته للحج، وتضمن كتابه شرحاً لأصول الإسلام.(42/206)
* لكن هل تأثر الاهتمام بالفكر الإسلامي خلال فترة الحكم الشيوعي للمجر؟
- الواقع أنه في الحقبة الاشتراكية تراجع الاهتمام بالفكر الإسلامي وضعف، ولم يظهر باحثون مجريون جادون في تلك الحقبة، فقد اعتمدوا على المفكرين السوفييت، واستقى المجريون علومهم الدينية من معهد الاستشراق السوفييتي، واستمر هذا الوضع إلى عام 1983 حيث ظهرت ترجمة لكتاب (النفزاوي) المعروف باسم (الروض العاطر)، أما في نهاية الثمانينيات فظهر كتاب (الإسلام)، وصدرت ترجمة كاملة لمعاني القرآن الكريم للمستشرق المجرى (روبرت شيمون).
* وأنت كيف جاء اهتمامك بالفكر الإسلامي، والحضارة الإسلامية، وهل اعتنقت الإسلام؟
- دعني أبدأ بنهاية السؤال، نعم لقد اعتنقت الإسلام واسمى حالياً ليس (جيرمي) وإنما (أحمد)، وأنا أحمد الله على نعمة الإسلام، وقد جاء ذلك مصادفة حينما كنت في حوار مع أحد المفكرين المسلمين في موسكو، وتحدث معي هذا الأخ عن عظمة الإسلام، فلم أصدقه لأنني في ذلك الوقت (1985) كنت شيوعياً، ولم أكن اهتم بالأديان على الإطلاق، وقد وجدت في داخلي دافعاً لكي أعرف الإسلام، فاتجهت إلى المكتبات في المجر ومدن أخرى، ووجدت بعض الكتب المهمة، لكنني اكتشفت وبعد ذلك بسنوات أن هذه الكتب مليئة بالأخطاء والمغالطات سواء في تفسير القرآن الكريم أو في تحليل التاريخ الإسلامي، فجاء اهتمامي بالبحث العلمي في إطار القرآن والسنَّة وتاريخ الصحابة، وذهبت إلى مكة المكرمة، وأديت فريضة الحج، وزرت مصر واطلعت على معالمها الإسلامية، ومنذ ذلك الحين أعددت أكثر من 15 كتاباً لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإسلام.
* وكيف ترى واقع الإسلام اليوم في المجر؟
- واقع الإسلام في بلادنا جيد، لأن كل فترة يعتنق مجريون الإسلام، وعندما سقطت الشيوعية توزع الناس بين النصرانية والإسلام واليهودية، وكان للإسلام نصيب وافر بين المجريين، وإن كنا نحتاج إلى مواصلة شرح الدين الاسلامي - ببساطة ويسر - لأهل المجر، إلا أنني أعتقد أن الدين الإسلامي يحميهم من وباء الشيوعية والإلحاد، أو من تطرف أنصار ديانات أخرى.
المصدر : http://www.aldaawah.com/1962/index_LkaAkhe صلى الله عليه وسلم html
=============(42/207)
(42/208)
مسلمو الصين ..بين اضطهاد الشيوعية ومخططات التنصير
أحمد عبد الرحمن
متاعب ومضايقات كثيرة يواجهها مسلموا بالصين وذلك من أجل الاحتفاظ بعقيدتهم.. ورغم أن مسلمي الصين يمثلون رابع قوة إسلامية في العالم من حيث التعداد إلا أنهم يعانون الاضطهاد ـ ليس بسبب وطأة النظام الشيوعي الغاشم فحسب ـ ولكن بسبب الحملات التنصيرية الخبيثة والتي تستخدم كافة الوسائل لصرف المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، وكانت أشد حملات التنصير تلك التي واجهوها في مطلع القرن الجاري؛ وذلك لأن الصين لما تشكله من كثافة سكانية كانت محط أنظار المنصرين الغربيين وخصوصاً بعد أن رضخت للسيطرة الأوروبية؛ إذ كان المنصرون يلقون كل الدعم في نشاطاتهم ضمن مخطط استهدف التغريب الثقافي الروحي المترافق مع التغريب السياسي الاقتصادي، غير أن المساعي التنصيرية تلك وإن كانت وجدت لها أرض خصبة بين الكونغوشيوسيين والبوذيين الصينيين، إلا أنها اصطدمت بوجود إسلامي قوي يغطي مساحات واسعة من أراضي الصين وتبين أن للمسلمين ثقافة دينية راسخة لم تستطع البعثات التنصيرية التأثير فيها بالسهولة التي كانوا يتوقعونها، لذلك كان من الضروري من وجهة نظرهم دراسة واقع المسلمين بدقة من أجل وضع المخططات اللازمة لإنجاح حملات التنصير.
وفي مطلع القرن الجاري انعقد في (أدنبرة) (اسكوتلندا) المؤتمر التبشيري العالمي، ونص أحد القرارات التي اتخذت في المؤتمر على تشكيل لجنة مهمتها دراسة سبل إقامة بعثة تنصيرية دائمة في الصين في صفوف المسلمين، وتشكلت اللجنة من ثلاثة أشخاص: (جونموت) رئيسا، و(هارولان بيتش) و (صموئيل زويمر) عضوان. وعهدت اللجنة إلى (مارشال برومهول) بإعداد تقرير شامل عن أوضاع المسلمين في الصين يكون أساساً تبنى عليه خطة التنصير المسيحي لاحقا، وفي ضوء دراسة (برومهول) عادت حملات التبشير المدعومة استعماريا لتركز نشاطاتها مجددا في أقاليم (سيكيانغ) و(قانصو) و (شانسي) ذات الكثافة السكانية المسلمة، التي كانت تعرف تاريخياً باسم (شرق تركستان) ونتج عن الحملات هجرة الآلاف من المسلمين إلى بلدان شرق آسيا والشرق الأوسط، وأحفاد هؤلاء كانوا يعرفون في الغالب بـ (البخاريين) نسبة إلى بخارى التي كانت عاصمة إقليم في أواسط آسيا أطلق عليه الاسم ذاته وهو اليوم الدولة المعروفة باسم (أوزبكستان).
وكانت مدينتا بخارى وسمرقند في آسيا الوسطى تجمعين مزدهرين للحضارة الإسلامية خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
وكانت تركستان القديمة تضم أراضي من الصين وجمهوريات آسيا الوسطى وصولا إلى أفغانستان ويقع هذا الإقليم المترامي الأطراف الذي كان يقطنه الناطقون بالتركية على الطريق الذهبي الذي اتبعه الرحالة الإيطالي (ماركو وثقافته، وكان المسلمون التركستانيون يعرفون عام 1760 بـ (الإيغوريين) الذين فقدوا دولتهم أمام جحافل القوات الصينية التي أطلقت على هذا الإقليم بعد استيلائها عليه اسم (سيكيانغ) (أو الحدود الجديدة) وهرب الكثير من القبائل التركستانية هناك إلى أماكن أخرى من آسيا الوسطى، التي أصبحت في ما بعد جزءا من القيصرية الروسية.
وهب الإيغوريون في وجه الاحتلال الصيني مئات المرات وحققوا في بعضها استقلالا مؤقتا، وخلال الأربعينات من القرن الجاري أعيدت السيطرة الاستعمارية على الدوام بعلاقات أوثق وأمتن مع الاتحاد السوفياتي السابق منذ مطلع الثلاثينات، وفي عام 1944 اندلع تمرد جديد في مناطق الأقاليم الشمالية المحاذية للاتحاد السوفيتي بحدود طولها 3 آلاف كيلو مترا وفي يوم (12 نوفمبر) من ذلك العام أعلن قيام جمهورية تركستان في مدينة (كولجي) إلا أن الأمر لم يصل إلى الاستقلال واقتصر على الحكم الذاتي، وقدم (جوزيف ستالين) الزعيم السوفياتي آنذاك المساعدات للحكومة المؤقتة التي كان يعتبرها عنصر توازن في وجه قوة الصين المتعاظمة، وفي الوقت ذاته أرسل (ستالين) خبراء في علم الأعراق البشرية ليقسموا الأجزاء الجنوبية المضطربة عن الاتحاد السوفياتي إلى عدد من الجمهوريات الصغرى مما سمح لموسكو بممارسة سلطة أوسع في تلك البلاد.
وقبل العهد الشيوعي كان المسلمون في الصين يواجهون الاضطهاد الديني لكن بشكل عشوائي وغير منظم وبالتالي لم يهدد ثقافتهم بالذوبان، أما في مرحلة الشيوعية فراحوا يواجهون آلة ضخمة من التشويه والطمس الإيديولجي المنظم المدعوم بالسلطة والمال على مستوى الترقيات الوظيفية أو العلاوات في الرواتب والأجور وكذلك أحقية التوظيف.
مسلمو الصين هدف الهيئات التنصيرية في آسيا:(42/209)
المركسة التي أعدتها السلطات الشيوعية كانت شاملة حيث تحولت المدارس والمعاهد والجامعات والنقابات ومختلف القطاعات المهنية في المجتمع إلى حلقات التثقيف الشيوعي أشرف عليها جيش منظم من الإيدلوجيين العتاة، وأصدرت السلطات الشيوعية مراسيم قررت فيها منع الأطفال من التعليم الديني قبل أن يبلغوا ثمانية أعوام من العمر، وأن يكون التعليم الديني بعد هذه السن في معاهد تشرف عليها السلطات الشيوعية وتواصلت الحملات الإيدلوجية على هذا المنوال. ويقول الباحث التركستاني توفني (أفون أركين) أن الغاية من ذلك هو تأهيل الموظفين الذين يستطيعون تطبيق سياسة تسخير الدين لأهداف الحزب الشيوعي، وهذا ما شرحه بالتفصيل كتاب (التوجيه في تفعيل الاشتراكية بالدين) الذي وضعه قسم الجبهة المتحدة في الحزب الشيوعي الصيفي لولاية (كاشفر) بالاتفاق مع الإدارة الدينية للأقليات في محافظة كشفر ويضم الكتاب دروسا ومحاضرات ألقيت في ندوة ضمت 48 من رجال الدين و 24 من رؤساء الإدارات الدينية الشيوعي الصيني و 43 من مدرسي الدين وعقدت هذه الندوة في كاشفر بين 5 ـ 9 سبتمبر عام 1994وصدرعن هذه الندوة قرارات عدة تحارب جميع الأديان وخاصة الدين الإسلامي مثل:
1 ـ يمنع تنظيم حلقات حفظ القرآن الكريم وتعليم أحكام الدين في المساجد والمنازل وأن يتم ذلك فقط في المعاهد الإسلامية التي تفتح في المدن الرئيسية تحت إشراف السلطات الرسمية.
2 ـ أن يكون التعليم الإسلامي مقتصراً على الراشدين الذين تجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم.
3 ـ يمنع ترميم المساجد وإصلاحها أو بناء الجديد منها إلا بإذن رسمي من السلطات الرسمية.
4 ـ يمنع تدخل علماء الإسلام في الأحوال الشخصية الإسلامية مثل عقود الزواج والطلاق والميراث وتحديد النسل والتعليم وجمع الزكاة أو صرفها.
5 ـ تسخير المفاهيم الإسلامية في ترويج النظام الشيوعي وتأييد ممارسة السلطات الصينية لأعمالها ويمنع الإشارة إلى أي مفهوم ديني ينتقد الفكر الماركسي الماوي الشيوعي الصيني.
لكن أخطر ما يواجه المسلمون في الصين ليست سياسة التجهيل الديني والثقافي المتبعة ضدهم من قبل السلطات للرسمية، وإنما يواجهون أخطار أخرى تهدد وجودهم على أرض أجدادهم ويتمثل ذلك في إجراء التجارب النووية الصينية على أرضهم منذ الستينيات؛ إذ يقع أكبر موقع في العالم اليوم لتجارب الصواريخ والقنابل النووية قرب بحيرة (لوب نور) في صحراء (تاكل ماكر) في إقليم سيكيانغ في هذا الموقع فجرت الصين أولى قنابلها الذرية في الجو خلال نوفمبر1946. وواصلت الحكومة الصينية إجراء تجاربها في هذا الموقع منذ ذلك التاريخ، وكان آخرها التفجير الذي نفذته في أكتوبر عام 1993. وتقول تقارير الأمم المتحدة أن حوالي مليون شخص على طرق الحدود الصينية الروسية كانوا ضحايا هذه التجارب، لقد سقط المئات من الأطفال في تركستان الشرقية ضحية مرض غريب من أعراضه آلام الأذنين وآلام في الرأس، وتعتقد بعض الجهات الطبية في الأمم المتحدة أن هؤلاء الأطفال تأثروا بالتجارب النووية.
http://www.almuhayed.com المصدر:
=============(42/210)
(42/211)
ما هي العولمة ، الرأسمالية ، الاشتراكية ، الشيوعية ، حزب البعث ؟
لدي مجموعة من المصطلحات و التي أتمنى أن ألاقي لها تعريفا مبسطا و مفصلا في نفس الوقت ، بحيث تستطيع جميع المستويات الفكرية فهمها؟
و هذه المصطلحات هي:
1- العولمة.
2- الرأسمالية.
3- الاشتراكية.
4- الشيوعية.
5- حزب البعث؟
أما بعد..
الجواب:
(1) العولمة:
العولمة، أو الكوننة مع أنها أصبحت اليوم الشغل الشاغل للعالم الغربي تصديراً
والعالم الشرقي استقبالاً، فقد برزت فكرتها للوجود منذ قرابة أربعين سنة، يوم أن تكلم عنها العالم الكندي ((مارشال ماك لوهان)) وأشار بها ((بريجنسكي)) مستشار الرئيس الأمريكي ((جيمي كارتر)) لأن أمريكا تملك 65% من الإعلام العالمي، فلماذا لا تستغل أمريكا هذا الإعلام للترويج للأمركة ((القيم الأمريكية)) في جميع أنحاء العالم، وبها تستطيع إزاحة جميع الأديان والأيديولوجيات التي لا تنخرط في طاحونتها، ومنذ ذلك الوقت وأمريكا تروج للأمركة عبر شبكاتها العنكبوتية وقنواتها الفضائية ومراسليها في جميع أنحاء الأرض.
والعولمة: عملية غزو أمريكي يصعب تحديدها ولكن يمكن وصف معالمها ومظاهرها، وهذا يجعل تعريفها يخضع للمنطلق الذي ينطلق منه الواصف لها، ومن أي أوصافها نظر إليها؛
العولمة الاقتصادية، أو الثقافية، أو التقنية، أو التنموية، ولو أخذنا مظاهر العولمة الاقتصادية، لوجدناها تقوم على تعويم أسعار الصرف، وفك العوائق أمام حرية دخول وخروج رؤوس الأموال، واعتماد العرض والطلب في السوق وإلغاء كل ضابط سواه حتى تنعدم جميع ضوابط وأخلاقيات التجارة، وإضعاف الدول والدعوة إلى خصخصة مشروعات القطاع العام، وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية وخصخصتها، وكل من يرفض ذلك يوصم بالتخلف، ويحاصر اقتصادياً، وتتفاقم ديونه مع عدم قدرته على السداد، مما يؤدي إلى انتشار البطالة والجريمة والطبقية ذات البون الشاسع بين فئاتها، وأهم متحكم في كل هذه الكوارث الاقتصادية باسم العولمة: صندوق النقد الولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والشركات متعددة الجنسيات.
(2) الرأسمالية:
مذهب فلسفي علماني غربي مادي جشع، قام يناهض الكهنوت والإقطاع اللذان كانا سائدين في أوربا، حيث كان الإقطاعيون يتمتعون بملك الأراضي والتجارة، أما بقية الناس فليس أمامهم حتى يعيشوا إلا أن يكدحوا ويجهدوا تحت ظل الإقطاعيين ويكونون تبعاً لهم، فقام الفكر الرأسمالي مضاداً للإقطاع ولكنه ظل قروناً حتى خرج في صورته النهائية التي نراها اليوم، فقد حارب الرأسماليون الإقطاع شره وخيره، واندفعوا في تضخيم ما يناقضه كردة فعل للظلم الذي عانوا منه تحت وطأة ظلم الإقطاع، فقام الرأسماليون في غلو ظاهر بإشباع حاجات النفس الضرورية والحاجية والكمالية إلى أن بلغوا درجة الترف المسرف المبذر، وَبالغوا في تنمية الملكية الفردية، وتوسعوا في مفهوم الحرية الشخصية توسعاً انحطت به إنسانيتهم إلى دركات الحيوانات العجماوات، وحرصوا حتى يضمنوا أن لا يأتي من يعكر عليهم حرصهم
على مبادئهم- على فصل الدين عن الحياة العامة نهائياً، وجعل الرأسماليون أعظم هدف يسعون إليه هو نيل أكبر قدر ممكن من المنفعة واللذة إذ هما السعادة في فلسفتهم.
وللرأسمالية أشكال متعددة؛ منها: نظام ((الكارتل)) وهو تكوين الشركات العملاقة المحتكرة، ونظام ((الرأسمالية الصناعية)) وهو الفصل بين رأس المال وبين العامل، ونظام ((الرأسمالية التجارية)) وهو الوساطة بين المنتج والمستهلك، ونظام ((الترست)) وهو العمل على السيطرة على السوق من خلال إقامة الشركات العملاقة التي لا تنافس، ونظام ((الاستعمار، ومناطق النفوذ)) وهو في حقيقته التخريب والسلب والنهب حيث تستولي الدول الرأسمالية على الدول الغنية بثرواتها الفقيرة بقوتها وتبتز تلك الخيرات لصالحها وترى ذلك حقاً من حقوقها. وهكذا.
والنظام الرأسمالي نظام بشري لا يحكم شرع الله - تعالى -، ومن الأمور الظاهرة فيه أنه لا يرى مهمة للدولة سوى حماية أصحاب رؤوس الأموال والدفاع عن البلد التي هم فيها، ولأصحاب رؤوس الأموال تنميتها بكل طريقة يريدون وإن خالفت جميع الشرائع والحريات، ولا تمانع الرأسمالية من وقوع الفوضى الاعتقادية والفكرية والسلوكية والاجتماعية ما دامت لا تضر بأموالهم مباشرة، وهذه الفلسفة ولدت أنانية غالية يعيشها أربابها، وقيام أسواقها على السيطرة والاحتكار وابتزاز الأيدي العاملة، وإشاعة البطالة التي تحدثها تصرفات صاحب رأس المال الأنانية، وظهور الطبقية القاسية بين أصحاب رؤوس أموال هائلة يعملون بكل ما أوتوا من قدرات وإمكانات تشريعية ونفسية وابتزازية، وطبقة عاملة كادحة تسعى للبحث عن لذتها تحت وطأة دفع وابتزاز أصحاب رؤوس الأموال الذي يمصون دماءهم بترويج وبيع سلعهم بكل طريقة ممكنة، وللرأسمالي أن ينمي أمواله بكل طريقة يريد؛ ومنها: صناعة الخمور والدعارة والربا والتدليس والغرر والإغراء.
(3) الاشتراكية:(42/212)
مذهب فكري اجتماعي ملحد خرج من أوربا في القرن التاسع عشر النصراني وامتد إلى روسيا، ولكنه في أوربا وقف عند حدود معينة خيالية على يد مبتدعيه؛ وهم: سان سيمون ولويس بلان وروبرت أدين وغيرهم، وفي روسيا التي تبنت الاشتراكية العلمية التي قال بها كارل ماركس وانتهت إلى الثورة البلشفية الدموية.
(4)الشيوعية أو الماركسية:
مذهب فكري اجتماعي ملحد يقوم على تقديس المادة وجعلها أساس كل شيء، ويفسر جميع الصراعات التأريخية بصراعات الطبقات والاقتصاد، وهذا المذهب الإلحادي خرج في ألمانيا على يد كارل ماركس اليهودي وفردرك إنجلز، قبل أكثر من مائة وأربعين سنة، وبعد ستين سنة تقريباً أصبح فكر الثورة البلشفية اليهودية في روسيا على يد لينين، وجعل فكرته الشيوعية مطبقة على أرض الواقع، ثم فرض هذا المذهب بالنار والحديد في الاتحاد السوفيتي وغيره من الدول، وقتل بسببه الملايين، بل محيت بسببه دول رفضت الإيمان به لمناقضته للفطرة، ثم جاء بعد لينين ستالين، ثم تروتسكي اليهودي، وظل هذا المذهب يحكم عدداً من الدول إلى أن اكتشف أربابه عدم قدرتهم على تطبيقه وإنجاح مشروعه في عالم الواقع فكفوا عنه في الاتحاد السوفيتي وغيره من الدول، وتمسكت به بعض الدول على استحياء، أو لعناد، أو بعد إدخال نوع من التعديل عليه.
ومن أهم مبادىء هذا المذهب: إنكار وجود الله - تعالى -، وبالتالي إنكار كل الغيبيات، وجعل المادة أساس الحياة، وتفسيرهم لأحداث التاريخ تفسيراً اقتصادياً طبقياً، ويرون ضرورة محاربة الأديان لأنها خادمة الرأسمالية وأفيون الشعوب، ويستثنون اليهودية، ويرون اليهود شعب مظلوم لا بد من مساعدته، ويرون محاربة الملكية الفردية، وشيوعية الأموال، ويرون أن الأخلاق نسبية وأنها تغيرها انعكاس لآلة الإنتاج، ولا مجال عندهم لإبداء الرأي ضد أي مبدأ من مبادئهم، وأن ديكتاتورية الطبقة الكادحة لا بد أن تسود، ويرون ضرورة إشاعة الفوضى الجنسية لتحل محل الحياة الأسرية؛ لأن الأسرة عندهم تدعو إلى البرجوازية، ويرون الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت الوسيلة بشعة قذرة. وقد انهارت الشيوعية وانهار فكرها وظهر فساده لذلك تركها أربابها.
(5)حزب البعث:
حركة قومية علمانية قامت على يد النصراني السوري ميشيل عفلق وهو رجل ينتمي إلى أسرة نصرانية متعصبة عريقة تنتمي إلى الكنيسة الشرقية، ذهب إلى فرنسا للدراسة في السربون وتأثر بأفكار الفلاسفة الأوربيين؛ ومنهم: ماركس ونيتشه، وبعد عودته من جامعة السربون في فرنسا دعا إلى فكره الذي أسسه على مبادىء ثلاثة؛ وهي: الوحدة والحرية والاشتراكية، مناهضاً بذلك الوحدة الإسلامية امتداداً للحركة القومية العربية التي قامت لتمزيق الوحدة الإسلامية، وجعل شعار حزبه: ((أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)).
وقد ظهر صوت حزب البعث وبدأ أربابه وأتباعهم في كسب بعض المقاعد في سورية في أيام الوحدة المصرية السورية، ولكنهم سرعان ما تهارشوا وتنازعوا وتقاتلوا، وبدأت تصفيات دموية بينهم، وامتد الفكر وتبناه كثير من الشباب في سورية أولاً، ثم العراق.
ومن أهم مبادىء الحزب: أن الأخوة عربية فقط، لا فرق في ذلك بين يهودي ونصراني وملحد ومسلم، كلهم في عقيدتهم سواء، أما غير العربي فليس أخاً لنا وإن كان مسلماً من أتقى عباد الله،
ومنها: أن الوحدة عندهم تقوم على الفكر الاشتراكي العلماني لا على العقيدة الإسلامية، ومنها: أن
الوحدة ينبغي أن تكون عنصرية للعرب فقط، وأن هذه الوحدة لا تقوم إلا على الانقلابات العسكرية والتصفيات الجسدية والحكم الديكتاتوري، لذلك يربون شبابهم على الثورة والخروج والإقصاء لمن لا يؤمن بفكرهم، وهذا يفسر لنا التصفيات الجسدية لكل من عارض حكامهم وإن كان من أعضاء الحزب، والهجمات الشرسة التي مني بها الأكراد وغيرهم ممن حكمهم البعث الاشتراكي القومي.
وللعلم، فإن حزب البعث الآن في آخر شيخوخته، وفي زمان احتضاره.
والله - تعالى - أعلم.
http: //www. dawahwin. com المصدر:
=============(42/213)
(42/214)
التاريخ الدموي للشيوعية
للهارون يحي جعلني أخاف على البشرية من داروين
بعدما حملت الأفلام التاريخ الدموي للشيوعية للهارون يحي بارك الله فيه
و هي :
1-التاريخ الدموي للشيوعية
و كذالك :
2-التاريخ الدموي للشيوعية
و كذالك :
3- التاريخ الدموي للشيوعية
وجدت هذا الفيلم رائع رائع جد جد و ممتع
يبين كل الحقائق من ماركس و داروين إلى لينين و ستالين و ماءو يعرض الحقائق بصورة واضحة بالأدلة القاطعة و هي أن الشيوعية خطر على البشرية جميع و نضرية داروين تعتبر البشرية حيونات أليفة تقام عليها جميع التجارب الدموية و قد قام بها لينين و ستالين و ثوار التاميل
و أكبر شيء حيرني هي الحقول الموت التي قام بها الثوار الشيوعية في تاميل بالصورة و الصوة
إن اكبر إرهاب عرفته الإنسانية في العالم طبقا في القرن العشرين و نحن لن نسمع به إلا في أفلام مستمدة من مؤلفات هارون يحي
ألا اللعنة الله على الادينيين و ما يدعون للأبواب الجهنم و اللعنة الله على الملحدين و الشيوعيين
اللهم يا رب إنقذنا من من هذه الفتن و الشرائع الإبادية و الدموية و المادية
وجدت هذا الفيلم رائع رائع جد جد و ممتع
ما شاء الله أخي salamoni
نفس الشعور والله ..... الفيلم بأجزائه الثلاثة رهيب
ولا يسع مُحاور في المذاهب الإلحادية أن يترك هذا الفيلم ....
فهو يُوضح الواقع العملي لتطبيق النظريات الإلحادية وما مصير الأرض معها
هل تعلم أني سمعت هذا الفيلم من أيام قليلة فقط .... ولا تعرف مدى اشمئزازي الآن عندما أرى أي علامة من علامات الشيوعية فهو بحق فيلم رائع ... وحقق هدفه بنجاح مبهر ويا حبذا لو قمنا بتفريغه !!!!
وما اجمل هذه الفقرات من الفيلم ...انظر لكلام ماو تسي تونج رئيس الصين الملحد الذي كفر بالأديان بعد قرائته لكتاب أصل الأنواع لدارون قال باللفظ ((( جميع الحيونات السُفلية سوف تُعدم وكل من وقف ضد الثورة فهو خطا تطوري نتج عن خطأ في الصدفة التي أنشأت العالم )))
وما قاله لينين بعد مقتل 2 مليون في مجاعات رهيبة بسبب النظرية الداروينية المخيفة التي تقول بتكيف الأنواع فأمر بملايين الحبوب من الذرة أن تُلقى في البيئة المتجمدة للتكيف فما هي النتيجة .؟؟؟ ( البذور كلها فسدت ) ثم أمر بافلوف بأن يُطبق نظريات ا صلى الله عليه وسلم eflexes التي كان يُطبقها على الكلاب أمره أن يُطبقها على الإنسان ورفض بافلوف لكفره بنظرية دارون فما النتيجة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يُقتل بافلوف بإسم الإلحاد ......
250 مليون قتيل بسبب نظرية دارون حصاد قرن واحد من الزمان ........ وصدق الله إذ يقول {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى .. {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (7) سورة العلق ..... فما أن يتصور الإنسان أنه لا رقيب عليه إلا ويطغى على البشر {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة
=============(42/215)
(42/216)
هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة
سؤال:
هل هناك ذكر لمساواة المرأة بالرجل في القرآن الكريم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
مصطلح - المساواة - الذي ينادي به كثير من المفكرين في الشرق والغرب في مجالات الحياة المتعددة مصطلح يقوم على اعوجاج وقلة إدراك لا سيما إن تحدث المتحدث ونسب المساواة للقرآن الكريم أو للدين الحنيف .
ومما يخطئ الناس في فهمه قولهم : الإسلام دين المساواة ، والصحيح أن يقولوا : الإسلام دين العدل .
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - :
وهنا يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ ، لا يقال : مساواة ؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما ، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون : أي فرق بين الذكر والأنثى ؟ سووا بين الذكور والإناث ، حتى إن الشيوعية قالت : أي فرق بين الحاكم والمحكوم ؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد ليس للوالد سلطة على الولد ، وهلمَّ جرّاً .
لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه : زال هذا المحذور ، وصارت العبارة سليمة ، ولهذا لم يأت في القران أبداً : " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء : { إن الله يأمر بالعدل } النحل/90 ، { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } النساء/58 ، وكذب على الإسلام مَن قال : إن دين الإسلام دين المساواة ، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين .
أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام ، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الزمر/9 ، { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور } الرعد/16 ، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا } الحديد/10 ، { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } النساء/95 ، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل ، وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم ، أو بالمال ، أو بالورع ، أو ببذل المعروف ، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبداً .
كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى .
" شرح العقيدة الواسطية " ( 1 / 180-181 ) .
وعليه : فالإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما ؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم شديد .
فالقرآن أمر المرأة أن تلبس غير الذي أمر به الرجل ، للفارق في فتنة كل من الجنسين بالآخر فالفتنة بالرجل أقل من الفتنة بالمرأة فكان لباسها غير لباسه ، إذ ليس من الحكمة أن يأمر المرأة أن تكشف من بدنها ما يكشف الرجل لاختلاف الفتنة في بدنها وبدنه - كما سنبينه - .
ثانياً :
هناك أمورٌ تختلف فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلامية ومنها :
1- القوامة :
قال الله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } النساء/34 .
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - :
يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي : الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت .
{ بما فضل الله بعضهم على بعض } أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك المُلك الأعظم ، لقول صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاء ، وغير ذلك .
{ وبما أنفقوا من أموالهم } أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبي صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها كما قال الله تعالى { وللرجال عليهن درجة } الآية .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { الرجال قوامون على النساء } يعنى أمراء عليهن أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 490 ) .
2- الشهادة : إذ جعل القرءان شهادة الرجل بشهادة امرأتين .
قال الله تعالى :{ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } البقرة/282 .
قال ابن كثير :(42/217)
وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه ….عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا معشر النساء تصدقن ، وأكثِرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار ، فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ، قالت يا رسول الله : ما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين " .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 336 ) .
وقد يوجد بعض النساء أعقل من بعض الرجال ولكن ليس هذا هو الأصل ولا الأكثر والشريعة مبناها على الأعم الأغلب .
وليس نقص عقل المرأة يعني أنها مجنونة ولكن تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان ، وتحدث لها هذه الحالة أكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر .
3- المرأة ترث نصف الرجل :
قال الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } النساء/11 .
قال القرطبي :
ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم .
" تفسير القرطبي " ( 5 / 164 ) .
ومن ذلك أن الرجل عليه نفقات أكثر مما على المرأة فيناسب أن يكون له من الميراث أكثر مما للمرأة .
4- اللباس :
فعورة المرأة تكون في بدنها كله وأقل ما قيل في عورتها أنها لا تكشف إلا الكفين والوجه . وقيل لا تكشف شيئا من ذلك .
قال تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيماً } الأحزاب/59 .
والرجل عورته من السرة إلى الركبة
قيل لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول ا صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه ولا تحدثنا عن غيره وإن كان ثقة ، قال : سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين السرة إلى الركبة عورة " .
رواه الحاكم في المستدرك ( 6418 ) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5583 ) .
والأمثلة على سبيل التوضيح لا الحصر ,
وهناك فوارق أخرى بين الجنسين منها :
أن الرجل يتزوج أربع نسوة ، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد .
ومن ذلك : أن الرجل يملك الطلاق ويصح منه ، ولا يصح منها الطلاق ولا تملكه .
ومن ذلك : أن الرجل يتزوج من الكتابية ، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً .
ومن ذلك : أن الرجل يسافر بلا زوجة أو أحد من محارمه ، ، والمرأة لا تسافر إلا مع محرم .
ومن ذلك : أن الصلاة في المسجد حتم على الرجال ، وهي على النساء على خلاف ذلك ، وصلاتها في بيتها أحب إلى الله .
وهي تلبس الحرير والذهب ، ولا يلبسه الرجل .
وكل ما ذُكر قائمٌ على اختلاف الرجل عن المرأة ؛ لأن الذكر ليس كالأنثى ، فقد قال الله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } آل عمران/36 ، فالذكر يفارق الأنثى في أمور كثيرة في قوته ، وفي بدنه ، وصلابته ، وخشونته ، والمرأة ناعمة لينة رقيقة .
ويختلف عنها في العقل إذ عُرف الرجل بقوة إدراكه ، وذاكرته بالنسبة إليها ، وهي أضعف منه ذاكرة وتنسى أكثر منه ،وهذا مشاهد في أغلب العلماء والمخترعين في العالم هم من الرجال ، ويوجد بعض النساء أذكى من بعض الرجال وأقوى منهم ذاكرة ولكن هذا لا يُلغي الأصل والأكثر كما تقدم .
وفي العواطف فهو يتملكها عند غضبه وفرحه ، وهي تتأثر بأقل المؤثرات العاطفية ، فدموعها لا تلبث أن تستجيب لأقل حادثة عاطفية .
ومن ذلك أن الجهاد على الرجال ، والنساء ليس عليهن جهاد القتال ، وهذا من رحمة الله بهن ومن المراعاة لحالهن .
فحتم أن نقول : وليست أحكام الرجل كأحكام الأنثى .
ثالثاً :
سوّى الشرع بين المرأة والرجل في كثير من العبادات والمعاملات : فمن ذلك أنها تتوضأ كوضوء الرجل ، وتغتسل كغسله ، وتصلي كصلاته ، وتصوم كصيامه إلا أن تكون في حال حيض أو نفاس ، وتزكي كما أنه يزكي ، وتحج كحجه - وتخالفه في يسير من الأحكام - ويجوز البيع منها ويقبل ، وكذا لو تصدقت جاز منها ، ويجوز لها أن تعتق من عبيدها ما ملكت يمينها ، وغير ذلك كثير لأن النساء شقائق الرجال كما في الحديث :
عن عائشة قالت : سئل رسول ا صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً ، قال: لا غسل عليه ، قالت أم سلمة : يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل ؟ قال : نعم ، إن النساء شقائق الرجال .
رواه الترمذي ( 113 ) وأحمد (25663) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " ( 98 ) .
فالخلاصة :(42/218)
أن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء ، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه ، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم ، ويركب رأسه ليزعم المساواة بين الجنسين فليخبرنا كيف يحمل الرجل جنيناً ويرضعه ويركب رأسه وهو يرى ضعف المرأة وما ينزل عليها من الدم حال الدورة الشهرية ، وهكذا يظل راكباً رأسه حتى يتحطم على صخرة الواقع ، ويظلّ المسلم مطمئناً بالإيمان مستسلماً لأمر الله ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) الملك/14
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
==============(42/219)
(42/220)
حكم زواج المسلم من غير المسلمة والعكس
سؤال:
لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي ؟ هل يجوز لمن يدين بالإسلام أن يتزوج ممن لا يدين بالإسلام دون أن يتحول للإسلام حتى بعد الزواج ؟.
الجواب:
الحمد لله
يحل للمسلم أن ينكح غير المسلمة إن كانت نصرانية أو يهودية ، ولا يحل له أن ينكح امرأة من غير المسلمين تدين بغير هاتين الديانتين والدليل على ذلك قوله تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان .. ) المائدة/4 .
قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية : " ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن تنكحوهن أيضاً ، ( إذا آتيتموهن أجورهن ) يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن " ( تفسير الطبري 6/104 ) .
ولكن لا يحل له أن ينكح المجوسية ولا الشيوعية ولا الوثنية أو ما يشبههم .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم .. ) البقرة/221 .
والمشركة هي الوثنية التي تعبد الأحجار من العرب أو غيرهم .
ولا يحل للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم من الديانات الأخرى لا من اليهود والنصارى ولا من غيرهم من الكفار ، فلا يحل لها أن ينكحها اليهودي أو النصراني ولا المجوسي ولا الشيوعي والوثني أو غير ذلك .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ... ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه وبيين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) البقرة/221 .
قال الإمام الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان ، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله وإن أعجبكم حسبه ونسبه ..
عن قتادة والزهري في قوله : ( ولا تنكحوا المشركين ) قال : لا يحل لك أن تنكح يهودياً أو نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك . ( تفسير الطبري 2/379 ) .
الإسلام سؤال وجواب
==============(42/221)
(42/222)
مسلم أحب فتاة هندوكية ويريد الزواج بها
سؤال:
لي صديق مسلم يحب فتاة هندوكية ولأن أهله ارثوذكس ( أو متمسكين ) يعارضون فهل علي إثم إن ساعدته في الزواج من هذه الفتاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يحل للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة إلا أن تكون من أهل الكتاب يهودية أو نصرانية وإن فعل فنكاحه باطل بل ذلك من السفاح وليس من النكاح وهو آثم مرتكب لكبيرة من الكبائر.
والدليل على ذلك قوله تعالى : { اليوم أحل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان } المائدة / 4 .
فأحل الله تعالى للمؤمنين المحصنات من المؤمنات والمحصنات من أهل الكتاب .
قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية :
{ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل { من قبلكم } أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن تنكحوهن أيضا { إذا آتيتموهن أجورهن } يعني إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن .
" تفسير الطبري " ( 6 / 104 ) .
ولا يحل له أن ينكح المجوسية ولا الهندوكية ولا الشيوعية ولا الوثنية ومن يشبههم . والدليل على ذلك قوله تعالى : { ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ولأمَة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ..} البقرة / 221 .
وعلى هذا فلا يجوز لك أن تساعده على معصية الله ، قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة / 2 ، وعليك أن تنصحه بأن يدعوها إلى الإسلام ويبين لها أن الله تعالى حرم عليه نكاحها ما لم تسلم ، فإن أسلمت تزوجها ، وإن أصرت على البقاء على دينها فليتق الله تعالى ولا يتزوجها ، وليصبر على ذلك فإن الله تعالى سيعوضه ما هو خير له ، فإنه ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه )
نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم ، ويعصمنا من الزلل .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============(42/223)
(42/224)
هل ينضم لحزب إسلامي في بلد علماني ؟
سؤال:
لدينا حزب سياسي إسلامي في بلادنا ، شعاره هو إقامة الإسلام في البلاد ، من خلال الحصول على الحقوق القانونية لممارسة السلطة في البلاد ، وكوني من أبناء هذا البلد الذي لا يكاد يوجد فيه شخص يتبع الإسلام ، والمحرمات تنتشر بسبب نقص الإيمان لدى الأحزاب السياسية الأخرى ولدى معظم الناس ، فهل في هذا الوضع يكون فرضا أن ننضم إلى هذا الحزب السياسي الإسلامي الذي يعطي الأمل بأنه إذا أيدناه وانضممنا إليه فإنه بذلك يمكن إقامة الإسلام ، هذا مع العلم بأن أسرتي تمنعني من الانضمام إلى هذا الحزب ، ولكن فلسفة الحزب تشدني إليه ، أرجو النصيحة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أوجب الإسلام على أتباعه أن يكونوا مجتمعين على الحق ، وحذَّرهم من الفرقة ، وأخبرهم التنازع والتفرق بعد العلم بالحق هو سبيل غير المسلمين ، وهو كفيل بإحداث الفشل وذهاب القوة ، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة المنال من المتربصين بالإسلام .
قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) آل عمران/103 .
وقال ابن كثير - رحمه الله - :
وقوله: ( وَلا تَفَرَّقُوا ) : أمَرَهُم بالجماعة ، ونهاهم عن التفرقة ، وقد وردت الأحاديثُ المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف ، كما في صحيح مسلم من حديث سُهَيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : ( إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا ، يَرْضى لَكُمْ : أنْ تَعْبدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، وأنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاهُ اللهُ أمْرَكُمْ ؛ وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا : قيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وإِضَاعَةَ الْمَالِ ) ، وقد ضُمِنتْ لهم العِصْمةُ عند اتفاقهم من الخطأ ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضًا ، وخِيفَ عليهم الافتراق ، والاختلاف ، وقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومُسَلمة من عذاب النار ، وهم الذين على ما كان عليه رسولُ ا صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 89 ، 90 ) .
وقال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) آل عمران /104،105 .
ثانياً :
لا يجوز للمسلم الانضمام إلى الأحزاب المخالفة للدين أو المحاربة له ، كالأحزاب العلمانية أو القومية أو الشيوعية ؛ لأن في الانضمام إليهم إقراراً بضلالهم وكفرهم ، وتكثيراً لسوادهم .
قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام/153.
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) الأنعام/159 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - :
يتوعد تعالى الذين فرقوا دينهم ، أي : شتتوه وتفرقوا فيه ، وكلٌّ أخذ لنفسه نصيباً من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئاً ، كاليهودية ، والنصرانية ، والمجوسية ، أو لا يكمل بها إيمانه ، بأن يأخذ من الشريعة شيئاً ويجعله دينه ، ويدع مثله ، أو ما هو أولى منه ، كما هو حال أهل الفرقة من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة .
ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف ، وينهى عن التفرق والاختلاف في أهل الدين ، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية .
وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال : ( لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) أي : لست منهم ، وليسوا منك ؛ لأنهم خالفوك وعاندوك .
( إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) يرِدون إليه ، فيجازيهم بأعمالهم ، ( ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) .
" تفسير السعدي " ( ص 282 ) .
ثالثاً :
لا مانع للمسلمين من إقامة جمعيات خيرية وإصلاحية لتقوم بالدعوة إلى الله من خلالها ، أو بأعمال الخير عموماً ، على أن لا يكون تعصب للاسم أو للآراء بما يحدث فرقة في صف المسلمين .
رابعاً :
لا يجوز للمسلمين تكوين أحزاب وجماعات تقوم على التعصب لآرائها ، والتحزب لقياداتها ؛ لما في ذلك من الوقوع في التفرق الذي نهينا عنه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وليس للمعلِّمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء ، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .(42/225)
وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريده ، وموالاة مَن يواليه ، ومعاداة مَن يعاديه ، بل من فعل هذا : كان من جنس " جنكيزخان " وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا والي ، ومن خالفهم عدوّاً باغي ، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ، ويحرموا ما حرم الله ورسوله ، ويرْعَوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 15 ، 16 ) .
وقال - رحمه الله - :
ومن حالف شخصاً على أن يوالي مَن والاه ، ويعادي من عاداه : كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان ! ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى ، ولا من جند المسلمين ، ولا يجوز أن يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين ، بل هؤلاء من عسكر الشيطان ، ولكن يحسن أن يقول لتلميذه : عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله ، وتعاون على البر والتقوى ، ولا تعاون على الإثم والعدوان ، وإذا كان الحق معي نصرتَ الحق ، وإن كنتُ على الباطل : لم تنصر الباطل ، فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 20 ، 21 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
أما الانتماءات إلى الأحزاب المحدثة : فالواجب تركها , وأن ينتمي الجميع إلى كتاب الله وسنَّة رسوله , وأن يتعاونوا في ذلك بصدق وإخلاص , وبذلك يكونون من حزب الله الذي قال الله فيه سبحانه في آخر سورة المجادلة ( أََلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) بعدما ذكر صفاتهم العظيمة في قوله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) الآية .
ومن صفاتهم العظيمة : ما ذكره الله عز وجل في سورة الذاريات في قول الله عز وجل : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) فهذه صفات حزب الله لا يتحيزون إلى غير كتاب الله والسنَّة ، والدعوة إليها ، والسير على منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان .
فهم ينصحون جميع الأحزاب وجميع الجمعيات ويدعونهم إلى التمسك بالكتاب والسنة , وعرْض ما اختلفوا فيه عليهما فما وافقهما أو أحدهما فهو المقبول وهو الحق , وما خالفهما وجب تركه .
ولا فرق في ذلك بين جماعة الإخوان المسلمين , أو أنصار السنة والجمعية الشرعية , أو جماعة التبليغ أو غيرهم من الجمعيات والأحزاب المنتسبة للإسلام ، وبذلك تجتمع الكلمة ويتحد الهدف ويكون الجميع حزباً واحداً يترسم خُطا أهل السنة والجماعة الذين هم حزب الله وأنصار دينه والدعاة إليه .
ولا يجوز التعصب لأي جمعية أو أي حزب فيما يخالف الشرع المطهر .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 177 ، 178 ) .
خامساً :
إذا كان المسلم في بلد علماني كافر ، ووُجِد حزب يدعو إلى الإسلام ، أو يساهم في تثبيت الدين عند المسلمين ، ويسعى للحفاظ على هويتهم واعتقادهم : فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يخذله ، بل يُنصر ويُعان بالمستطاع ، فإن لم يستطع المسلم مساندته إلا بالانتساب إليه : فلا مانع من ذلك ، مع ضرورة التنبه لما قلناه من عدم التعصب والتحزب .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ، في كلامه على فوائد قصة شعيب ، في سورة هود ، عليهما السلام :
" ومنها أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة ، قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها ، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار ، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه ، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان .
فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار ، وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية ، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية ، وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم ؛ نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة ، والله أعلم "
تفسير ابن سعدي (388) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يجوز إقامة أحزاب إسلامية في دولة علمانية ، وتكون الأحزاب رسمية ضمن القانون ، ولكن غايتها غير ذلك ، وعملها الدعوي سري ؟ .
فأجابوا :
يشرع للمسلمين المبتلين بالإقامة في دولة كافرة أن يتجمعوا ويترابطوا ويتعاونوا فيما بينهم ، سواء كان ذلك باسم أحزاب إسلامية أو جمعيات إسلامية ؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى .(42/226)
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 23 / 407 ، 408 ) .
سادساً :
نرى لك ولغيرك أن تنصر الحزب الإسلامي دون الانتساب إليه ؛ لما بيَّناه سابقاً من وجود محاذير في التحزب ؛ ويمكنك أن تنصر الحق الذي عندهم من غير انتساب ، فتكون حققت الأمرين معاً : عدم التحزب ، والاستجابة لمطلب أهلك ، فإن كان يمنع بالقانون نصرتهم إلا بالانتساب لهم : فنرى أن تحاول إقناع أهلك بأن انتسابك هو لمصلحة الإسلام والمسلمين ، فإن أبوا ، ولم يمكنك أن تخفي انتسابك لهذا الحزب عنهم ، وكنت في بيتهم وتحت طاعتهم : فالذي نراه لك عدم الانتساب لذلك الحزب ، وأما إن كنت منفصلاً عنهم : فلا تأثم إن لم تستجب لمطلبهم ، إن شاء الله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============(42/227)
(42/228)
الحكومة الأوزبكية تغلق أكثر من 3000 مسجد خلال سنتين!
نور الإسلام_ 13/1/2006_ تعتبر أوزبكستان إحدى دول آسيا الوسطى؛ وتحدها خمسة دول من دول الجوار : أفغانستان وطاجيكستان من الجهة الجنوبية الشرقية، وتركمنستان من الجهة الغربية الجنوبية، وكازاخستان من الجهة الشمالية، وقرغيزستان من الجهة الشرقية. وأما روسيا ففي شمال أوزبكستان وليس لها حدود معها، والصين في شرق أوزبكستان وليس لها حدود معها أيضاً، وإيران في الجنوب الغربي من أوزبكستان وليس لها حدود معها أيضاً.
يبلغ عدد سكان أوزبكستان إلى (25.000.000) خمسة وعشرين مليون نسمة. يشكل المسلمون فيها 90% (تسعين في المائة) من السكان. وغالبيتهم العظمى من أهل السنة والجماعة كانت أوزبكستان من البلاد الشهيرة بكثرة مساجدها ومدارسها عبر العصور. وبعد انفصال أوزبكستان من الاتحاد السوفيتي بلغ عدد المساجد إلى أكثر من 5000 (خمسة آلاف) مسجد في سائر أنحاء البلد. إلا أن المسلمين لم يلبثوا كثيراً إلا وفوجئوا بحملات الحكومة على الإسلام وأهله. فتناقص العدد إلى ما لا يزيد على ألفي مسجد فقط في بلد سكانه المسلمون يقتربون من العشرين مليون مسلم. وقد أغلقت الحكومة أكثر من 3000 (ثلاثة آلاف مسجد) خلال سنتين أو ثلاث وحولت كثيراً منها إلى مستودعات وو"كازينو" واستراحات ومصانع تابعة للحكومة -تماماً كما كانت في عهد الشيوعية بالأمس القريب. والمساجد التي سلمت من الإغلاق العلني لم تسلم من سلب روحانيتها الحقيقية باعتقال ومطاردة الأئمة الصادقين والعلماء الربانيين فخلف من بعدهم خلوف من الأئمة الحكوميين الذين يذكرون "كريموف" من على المنابر .
يذكر بأن المسلمون في أوزبيكستان، شأنهم شأن المسلمين في آسيا الوسطى، عاشوا تحت ظلّ الحكم الشيوعي الوحشي لمدة ثلاثة أرباع القرن. فقد حظر الرّوس على المسلمين تلاوة القرآن ومنعوهم من استخدام الأسماء الإسلامية، لكنّ قلةً من الكبار وبعض الشباب من أهل اوزبيكستان ، بخاصّةً في وادي فرغانة، تمسّكوا بدينهم وعقيدتهم مثل ما صنع غيرهم من ابناء الأمة. لكنّ الجهل فُرِض عليهم، فاستمروا كذلك حتى انقشع ظلام وبؤس الاتحاد السوفييتي في أواخر القرن الماضي.
وحالما انهارت الشيوعية واستقلت جمهوريات آسيا الوسطى، شعر سكانها أنهم أصبحوا أحراراً من عبودية الشيوعية وجبروت الرّوس. لذلك بدأوا العودة إلى حظيرة الإسلام الذي حُرِّم عليهم. فعادوا لتنظيف مساجدهم التي كان الرّوس قد حوّلوا معظمها إلى حانات لشرب الخمر وحظائر للخنازير. وأخذوا يجمعون الأموال ويتلقون المساعدات من إخوانهم المسلمين في الخارج من أجل إعادة إعمار المساجد القديمة وبناء مساجد جديدة. وكانت أوزبيكستان أكثر جمهوريات آسيا الوسطى حماساً للإسلام، فقد عُرِف أهلها منذ القِدم بحبهم للإسلام وللإمة الإسلامية، وأنجبت بعض علماء الإسلام العظام أمثال البخاري والترمذي والنّسفي والزمخشري.
لكنّ هذا الانبعاث واليقظة الإسلامية لم تعجب أولئك الذين حكموا أوزبيكستان بعد انهيار الشيوعية. فولاء المسلمين للإسلام، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثا، لم يرُقْ للحزب الحاكم، الذين خدم كثير منهم في الحزب الشيوعي سابقاً واعتنقوا كثيراً من معتقداته. لذلك بدأوا في منع قبول أي مساعدات لبناء المساجد والمدارس الإسلامية أو أي نشاطات إسلامية. وقاموا بمنع استخدام مكبرات الصوت للأذان في المساجد وبدأوا بقمع الرجال الملتحين والنساء المحجبات. ثم بدأوا من جديد بإغلاق المساجد وسجن ائمتها والخطباء فيها الذين لا يمتدحون الحزب الحاكم. فقد كان يوجد في مدينة نامانجان وحدها 98 مسجداً جامعاً، ولكن السلطات أغلقتها جميعها ولم تترك منها الاّ تسعة مساجدٍ فقط. واستخدموا، كأدوات للقمع، قوى الشرطة وأجهزة الأمن الذين اشتغل كثيرٌ منهم عملاء في جهاز ال " كي جي بي" السابق.
لم يردع شيءٌ من ذلك مسلمي أوزبيكستان، بل زادهم ذلك إيماناً وحفزهم للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. وما هي إلا أيامٌ حتى بدأ الإسلام ينمو ويتركّز، مالئاً البيوت والمجتمعات بالنور بعد أن بدأت الأفكار والمفاهيم الإسلامية تنير عقول المسلمين في آسيا الوسطى. أخذوا يدعون للإسلام بشكلٍ مركّزٍ أكثر من أيّ وقت مضى، وصاروا يطالبون بإعادة نظام الحكم الإسلامي، نظام الخلافة. وهكذا أصبح مسلمو أوزبيكستان أكثر الناس قاطبة حيويةً في دعوتهم لعودة الإسلام للدولة والمجتمع.(42/229)
لقد أغاظ هذا الأمر الطاغية كاريموف، رئيس جمهورية أوزبيكستان. فبعد أن صحا من سكرته عمد إلى استخدام برنامج من التعذيب والقتل والوحشية والإذلال، ليس له مثيل. كاعتقالهم بشكل غير قانونيّ، وعُذِّب الآلاف وقُتِل العشرات دون محاكمة. وجرى تهديد أخواتنا المسلمات في أوزبيكستان من قبل عصابات الاغتصاب أثناء التحقيق معهن، بل إنّ كثيراً منهنّ جرى إذلالهن أمام أزواجهنّ وابنائهنّ لانتزاع اعترافات منهنّ. وقد أخبر المسلمون الموجودون في السجون أنهم أُخضِعوا بشكل مستمر لضربٍ وحشيٍّ وأعمال إجرامية شائنة وعزلٍ انفرادي في زنازن تحت الأرض في ظروفٍ لا يطيقها البشر، إضافة الى حقنهم بدمٍ ملوثٍ بمرض الإيدز بسسب التزامهم بأداء الصلاة ورفضهم طلب العفو من الرئيس كاريموف.
=============(42/230)
(42/231)
المادية الجدلية
من كتاب الاسلام فى مواجهة الايديولجيات المعاصرة للدكتور عبد العظيم المطعنى ص 199
نقف وقفة قصيرة حول معنى : المادة . ومعنى الجدلية لنكون على بينة من الموضوع الذى نحن بصدده
ومعنى المادة فى ابسط صورة انها ما يدرك عن طريق الحواس : لمس او ذوق او نظر او شم او سمع . وقد يعبر عنها بانها ماله وجود خارج الذهن فانت مثلا تمسك الكتاب : فيدك تلمسه وعينك تبصره فهو اذن مادة مدركة بحاستى اللمس والنظر .
وفى نفس الوقت لهذا الكتاب وجود خارج الذهن اى ذهنك وذهنى وذهن كل من يبصر كتابا بدليل انه يشغل حيز من الفراغ .
اما معنى جدل او جدلية . فاصل الجدل هو فتل الحبل باليد ليقوى ويمتد ثم توسع فى هذا المدلول فصار الجدل يطلق على المناظرات والبحث والاستدلال بابداء كل خصم ما عنده من ادلة وبراهين والاحتجاج بها على الخصم الاخر ثم يبدا الخصم الاخر بمناقشة ادلة خصمه ويكشف عما فيها من تناقضات وبهذه العملية الجدلية او المناظرة ينكشف الحق ويندحض الباطل . هذا هو معنى الجدل (1)
ويرادف كلمة الجدل مصطلح : الديالكتيك وهو كما يقول ستالين الزعيم الشيوعى المعروف : (اخذت كلمة ديالكتيك من الكلمة اليونانية : دياليغو ومعناها المحادثة والمجادلة وكان الديالكتيك يعنى فى عهد الاولين : من الوصول الى الحقيقة باكتشاف التناقضات التى يتضمنها استدلال الخصم والتغلب عليها)
وسميت المادية الجدلية -يعنى الشيوعية- لان الديالكتيك او الجدل هما خير وسيلة لاكتشاف الحقيقة .. وقد استخدم الجدل او الديالكتيك(2) عند ماركس واشياعه كمنهج فكرى طبق على حوادث الطبيعة فصار الطريقة المالوفة عندهم لمعرفة الطبيعة .
-------------------
(1) انظر اللسان ج11 ص 103
(2) المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية بتصرف (14-15)
الجزء الذى نقلته للدكتور المطعنى اكتفى فيه بعرض التعريف اللغوى للفظ ولم يدخل فى معناه الاصطلاحى الماركسى وقد رجعت الى موقع ماركسى فوجدت فى قسم المصطلحات والتعريفات ان لفظ الجدل = Dialectics / Dialectique وهو نفس ما ذكره الدكتور المطعنى استطيع ان ارسل لك رابط الموقع على الخاص ان احببت .هذا بجانب ان التعريف الذى وضعه الدكتور المطعنى هو نقلا عن كتاب المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية نقلا عن ستالين وهو من اقطاب الماركسية ولولا عدم وجود المصدر الاصلى تحت يدى لرجعت اليه وبحثت عن هذه المقولة . سؤال اخير يا زميل هل انت شيوعى ؟
=================(42/232)
(42/233)
الشيوعية بين النظرية والتطبيق
دعانى لكتابة هذا الموضوع
شيوع الحديث عن سقوط الشيوعية و فشل مشروعها و التدليل على ذلك بانهيار الاتحاد السوفيتى
فاصبحت الدعاية الراسمالية و الاسلامية تعتمد هذا السقوط لمهاجمة الشيوعية باعتبارها مشروع فاشل بل و الاخطر بانها نظام بوليسى قاهر ينفى الحرية
فدعونى اطرح هنا تاريخا سريعا للتجربة السوفيتية وللاطلاع على تفصيل اكبر ادعوكم للاطلاع على كتاب تروتسكى الثورة المغدورة والذى الفه فى الثلاثينات من القرن الماضى
ولمن يريد الاطلاع على الكتاب يراسلنى على الخاص لازوده برابط له كاملا باللغة العربية
المشكلة فى الشيوعية اعزائى
هى انهانظرية متطورة اكثر من وعى الجانب الاكبر من اليشر الان وبالتاكيد فيما سبق
فالوعى الانسانى العام لم يتطور بعد بما فيه الكفاية لفهمها و تطبيقها
مازال قانون التنافس القوى جدا متغلغل داخل الوعى الانسانى
(راجع هذا الموضوع للتعرف على تكون قانون التنافس )تجاوز التنافس
و لذلك فشلت محاولات نخبة قليلة من الشيوعيين فى تحفيذ المجتمع على التطور للوصول للمستوى المطلوب من الوعى لتطبيق الشيوعية
ولا اعرف هل تعلم ام لا ان ماركس قال بان الشيوعية ستطبق فى اعلى الدول الراسمالية تطورا لان فى تلك الدول سيكون الوعى الانسانى فى اعلى مراحل تطوره
والدول التىكانت مرشحة بالتالى كانت انجلترا او المانيا
ولكن ليس روسيا التى لم تعرف نظام راسمالى متقدم ....
ولكن لينين لم يصبر عن التطبيق فى روسيا عندما وجد الارض ممهدة للثورة و اعتبر ان الانتظار و عدم التقدم لانتزاع السلطة سيكون خيانة للثورة الشعبية
ولكنه لم يقل ابدا انه يطبق الشيوعية بل طور استراتيجية تعمل على تسريع التطور من اجل تهيأة المجال للتطبيق الاحق للشيوعية
فابتكر موضوع التدرج فى التطبيق
واعتقد بان تدمير سيطرة الراسماليين النفعييت على المجتمع سيسرع بتطوره فى اتجاه التطبيق النهائى للشيوعية كاملة
فهو لم يقل ابدا انه طبق الشيوعية او ان الاتحاد السوفيتى كان شيوعيا
هذا عند حدود لينين
ولكنه لم يستمر فى القيادة سريعا نحاه الموت
فجائت القيادة الدجما التى لا تعرف عن الشيوعية الا تبسيطات و دوجما ولا تفهم او تستوعب الخطة التى حاولها لينين
وعندما تعرضت للنقد من جانب القلة مثل تروتسكى ...لم تتحمل النقد بحكم سطحيتها و ضعفها فاتجهت فورا الى الاسلوب البوليسى الاقصائى فكانت النهاية للمحاولة اللينينية
هذا هو تلخيص لتاريخ المحاولة التطبيقية
التى درسناها للتعلم من اخطائها
كل هذا لايجعل السادة الكماهيين
من البقاء كما هو عليه
يتشدقون بتوقف التاريخ او سكون حركة التطور
فحركة التطور لن تقف
و فى يوم من الايام ستكون الشيوعية
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البليغ
دعانى لكتابة هذا الموضوع شيوع الحديث عن سقوط الشيوعية و فشل مشروعها و التدليل على ذلك بانهيار الاتحاد السوفيتى فاصبحت الدعاية الراسمالية و الاسلامية تعتمد هذا السقوط لمهاجمة الشيوعية باعتبارها مشروع فاشل بل و الاخطر بانها نظام بوليسى قاهر ينفى الحرية
لا , ليس فقط بعد سقوط الشيوعية و فشل مشروعها وانهيار الاتحاد السوفيتى
بل ان الفكر الاسلامي فند ونقض الشيوعية وافكارها قبل هذه الاحداث المتوقعة اساسا , لان الشيوعية لا تتفق مع عقل وطبيعة وفكر الانسان اينما ومهما كان ..
لهذا اسقطها نفس حزبها الشيوعي الذي فرضها بالثورة والارهاب والقتل - 20 مليون مسلم قتلت -
اقتباس:
ولمن يريد الاطلاع على الكتاب يراسلنى على الخاص لازوده برابط له كاملا باللغة العربية
شكرا , لا داعي لذلك ..
شو يعني تروتسكي نبي الشيوعية الملهم !!!!
ومن يريد ان يبحث في مثل الاشياء الميتة فسهل له الوصول الى مواقعها .. فلا يزال هناك بقايا من اتباعها , ولهم بعض المواقع على الانترنت .
اقتباس:
المشكلة فى الشيوعية هى انها نظرية متطورة اكثر من وعى الجانب الاكبر من اليشر الان وبالتاكيد فيما سبق فالوعى الانسانى العام لم يتطور بعد بما فيه الكفاية لفهمها و تطبيقها
يا سلام , بالله صحيح !!!!!!
وهل كان من انشاها ممن سبقوا عصرهم !!!!!!!!!
ام مجرد حثالة من اصحاب الفكر اللا مسؤول !!
اقتباس:
ماركس قال بان الشيوعية ستطبق فى اعلى الدول الراسمالية تطورا لان فى تلك الدول سيكون الوعى الانسانى فى اعلى مراحل تطوره والدول التىكانت مرشحة بالتالى كانت انجلترا او المانيا
ولم تصدق نبوءته ..
ولن تصدق ..
لان اعلى الدول الراسمالية تطورا وفى اعلى مراحل تطورها - حسب ماركس - تقول بان الراسمالية هي نهاية الكون .. هل سمعت بتنظير فوكوياما عن ذلك !!
وطبعا , كلا الطرحين غلط ..
اقتباس:
فهو لم يقل ابدا انه طبق الشيوعية او ان الاتحاد السوفيتى كان شيوعيا
لا , لم يكون اسمه رسميا الاتحاد السوفيتى الشيوعي , كان اسمه الاتحاد السوفيتى الذي سيعمل راسمالية ليصير بعدها شيوعي _ , ولم يضع على علمه رسمة شاكوش ومنجل بل وضع على علمه جملة - حسب نظرية مراحل التطور الماركسية - صح !!!!!!!!
اقتباس:
فحركة التطور لن تقف
و فى يوم من الايام ستكون الشيوعية(42/234)
لن تكون , فقد انتهت كلية , مع انها كانت ساقطة كمذهب عقلاني ومادي واقتصادي منذ بدايتها ..
التطور فيها يعني الغاء اهم اسسها الفكرية والاقتصادية , لذلك نرى اليوم ان من لا يزال يتمسك باسمها اقر بلزوم وحق الملكية الفردية , فهي اكبر حافز للعمل المثمر .. كما ان الصراع انتهى ةصار التعاون هو الاساس بين الجميع ..
انتهت الشيوعية تماما , وسقطت , ومن لا يزال يحلم بها فهو غارق في بحر الاوهام
شكلة الشيوعية أنّها فلسفة خيالية غير قابلة للتطبيق
لأنها تخالف فطرة الانسان وتتصادم معها
الشيوعية تعتمد على صراع الطبقاتوعلى ايجاد التناقضات في المجتمع حتى يتم التحول من طور لطور وإن لم يتم هذا التناقض وذاك الصراع فلم يتم التطور من طور إلى طور
نعم الاشتراكية طور من الأطوار تم الوصول اليه وتم النكوص عنه لأنه ثبت عدم صلاجحيته للتطبيق
وتبقى الشيوعية خرافة في عقول السذج وفي معدة الجائع
ولن تصل لأبعد من هذا
لأنّ في تطبيقها فساد المجتمع وانهياره وحكم القرود والمجانين
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البليغ
دعانى لكتابة هذا الموضوع
شيوع الحديث عن سقوط الشيوعية و فشل مشروعها و التدليل على ذلك بانهيار الاتحاد السوفيتى
فاصبحت الدعاية الراسمالية و الاسلامية تعتمد هذا السقوط لمهاجمة الشيوعية باعتبارها مشروع فاشل بل و الاخطر بانها نظام بوليسى قاهر ينفى الحرية
ربط الشيوعية بالاتحاد السوفيتي أمرٌ مفروغٌ منه.. فمنه خرجت وإليه عادت... وهو أكبر الدول المؤمنة بها والمطبقة لها.. وجرائمه القائمة على فكرة الشيوعية لن تنسى سواء في أفغانستان أو في الشيشان أو غيرهما.. خاصة جرائم طمس الهوية والتطهير العرقي.. هذه هي الشيوعية.
وحتى لا أطيل عليك يمكنك الآن أن تطرح لي مبادئ الشيوعية لإسعاد البشرية.. وأكرر : مبادئ الشيوعية لإسعاد البشرية.. وانتبه زميلي فأنا أرجو أن تطرح لي مبدأ واحدًا نتحاور حوله باختصار وحينما نتفق على رأي فيه نبدأ في غيره... ولكن بشرط:
أن تكون المبادئ المطروحة خاصة بالشيوعية ولا توجد في الأديان.. يعني كل ما يوجد في الأديان فلا ميزة فيه للشيوعية.. ولكن هات لنا يا زميلي ما يميز الشيوعية مما يحقق السعادة للبشرية ولا يوجد في الأديان.
اقتباس:
المشكلة فى الشيوعية اعزائى
هى انهانظرية متطورة اكثر من وعى الجانب الاكبر من اليشر الان وبالتاكيد فيما سبق
فالوعى الانسانى العام لم يتطور بعد بما فيه الكفاية لفهمها و تطبيقها
ما دامت أكبر من الوعي الإنساني .. فهي غير قابلة للتطبيق بشكل أو بآخر.. ولدى كل الناس.. إذن نستطيع من خلال كلامك الآن أن نقول إن الشيوعية الآن صالحة لبعض الناس وليست صالحة لآخرين.. لأنها أكبر من الوعي الإنساني لكثيرين.. كما تفضلت أنت نفسك وصرحت بذلك.
وهذا منتهى الظلم والتمييز العنصري .. أن تكون هناك نظرية تصلح للبعض ولا تصلح للكل.. هذه واحدة.
وأيضًا فهذا عجز في أصل فكرة الشيوعية .. لأنها عجزت عن احتواء جميع العقول وجميع الناس تحت فكرتها.. وهذه الثانية.
وأما ثالثة الأثافي التي تُفهم وتُبْنَى على كلامك يا زميلي فهي أن الشيوعية لم تصلح للتطبيق في الماضي والحاضر نظرًا لقولك إنها فوق الوعي الإنساني العام.. ويا زميلي ما لم يصلح للتطبيق في الماضي والحاضر فمن أين نتيقن بصلاحيته للتطبيق في المستقبل؟ هذا سيكون رجمًا بالغيب بل وضربًا من الخيال والأحلام يا زميلي.
لأن التجربة أثبتت في الماضي والحاضر كما يُستفاد من كلامك أنت بأنها لم تطبق نظرًا لكونها أعلى من الوعي العام للإنسان في الماضي والحاضر.. وما ثبت فشله في الماضي والحاضر يا زميلي فلا مجال للكلام عن صلاحيته للمستقبل.. لأنه قد ثبت فشله وانقضى الحال.. والمستقبل بعد ذلك لدى علام الغيوب وحده.. فلا تخدع نفسك وغيرك بالإيمان بشيءٍ أنت نفسك تقر بفشله في الماضي والحاضر.
ولن أطيل في الكلام على باقي مشاركتك ولنتكلم على ما مضى أولا
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرصة الأخيرة
ما دامت أكبر من الوعي الإنساني .. فهي غير قابلة للتطبيق بشكل أو بآخر.. ولدى كل الناس.. إذن نستطيع من خلال كلامك الآن أن نقول إن الشيوعية الآن صالحة لبعض الناس وليست صالحة لآخرين.. لأنها أكبر من الوعي الإنساني لكثيرين.. كما تفضلت أنت نفسك وصرحت بذلك.
وهذا منتهى الظلم والتمييز العنصري .. أن تكون هناك نظرية تصلح للبعض ولا تصلح للكل.. هذه واحدة. وأيضًا فهذا عجز في أصل فكرة الشيوعية .. لأنها عجزت عن احتواء جميع العقول وجميع الناس تحت فكرتها.. وهذه الثانية.
من أهم خصائص الفكر الراقي انه فكر الجميع , ليس فكر الخواص فقط , وايضا , انه يرتقي بالجميع .. سواء الخواص او العوام ..
فاذا كانت الشيوعية مجرد فكر لبعض الخواص , فلتعمل نقابة خاصة بهم .. وليس لها ولهم اكثر من ذلك , طالما انها لا تستطيع ان ترتقي بفكر الناس.(42/235)
وهذا ما نراه ايضا في الرأسمالية , فهي نقابة خاصة لاصحاب الثروة المستغلين للناس , وليس لاصحابها ان يفرضوها على كل الناس طالما انها لا تستطيع ان ترتقي بحياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ..
وحين ننظر الى الاسلام , وهو الفكر الشمولي والقابل للتطبيق لكل الناس والاجناس , نرى قدرته على تحقيق النقلة النوعية والكيفية الشاملة , فمن كان ليصدق ان من كان في الجاهلية قاسيا ومنغلق الفكر , ويئد طفلته الصغيرة , يصير بعد ان اسلم من اكثر الناس انطلاقا فكريا ومن اكثر الناس رحمة واحساس بالناس ليكون مثالا حقيقيا للعدالة البشرية ... انه الفاروق عمر , وهكذا نرى - بمثال بسيط - كيف يرتقي الفكر الصحيح بالناس , بكل الناس , على جميع مستوياتهم , وهذا هو الفكر الاسلامي .. الذي لا مثيل له في الشمولية والعمومية والصلاحية للتطبيق .
==============(42/236)
(42/237)
تحريم الشيوعية
جريدة الميثاق الإسلامي
العدد 16، صفحة 12
الجمعة 19 شوال 1387 هـ الموافق 19 يناير 1968
بقلم الأستاذ جعفر شيخ إدريس
النص على تحريم الشيوعية أصبح قضية سياسية وملحة وفيما يلي يبلور الأستاذ جعفر شيخ إدريس القضية والحجج المتعلقة بها.
بدأ قبل بضعة أسابيع بعض الناس يهمسون بأنه لاداعي للنص بتحريم الشيوعية في الدستور الدائم وأنه يكفي النص على تحريم الإلحاد، والآن والمناقشات الجادة للدستور توشك أن تبتدي تحول ذلك الهمس إلى تصريح وإعلان وبدأت تُساق لحذف كلمة "الشيوعية" الحجج والمبررات. وأنا وإن كنت أعلم علم اليقين أن بعض الذين يقودون لواء هذه الحملة لا يفعلون ذلك لحجج ولا لبراهين ولا لمبادئ أو نظريات وإنما نتيجة تآمر وتبرير تم بليل بينهم وبين الشيوعيين إلا أنني سآخذ حججهم على ظاهرها وأحاول تفنيدها.
• قالوا إن الشيء الذي يأخذونه على الشيوعية هو الإلحاد ولا شيء غيره. ونقول
1- وهل ثارت ثورة الناس على الشيوعية إلا لدعوتها الإلحادية؟ ولكن الإلحاد بالنسبة للمسلمين مسألة جوهرية لا تقبل المساومة، فكل دعوة تنطوي على الإلحاد فهي مرفوضة منذ البداية مهما كانت موافقتنا أو مسامحتنا لها في بعض تفاصيلها، فالوضع الصحيح أن نقول إننا نرفض الشيوعية لإنها ملحدة ولكننا نتسامح ونعطي الحرية لكل من يدعو لشيء آخر (لا يصطدم مع مسألة جوهرية) أتى به من الشيوعية أو من غيرها. أما أن نقول إن الشيوعية ملحدة، ونحن نحرم الإلحاد، ولكننا نحل الشيوعية فهذا منطق لا أكاد أفهمه.
2- إن الحركة الشعبية التي جاء تعديل الدستور المؤقت نتيجة لها لم تثر على الإلحاد كمعنىً ذهني مجرد ولكنها ثارت عليه ورفضته في صورته المشخصة الحية الماثلة أمامنا وهي الحزب الشيوعي السوداني. فتحويل هذا المطلب الشعبي المحدد إلى معنى ذهني معروف من الدين بالضرورة، تفريغ له من محتواه الواقعي الإيجابي ولعب على عقول الجماهير المؤمنة. تصور لو أن أحداً من الزعماء وقف ليقول للجماهير المحيطة بالبرلمان أيام شعبان، مبروك! لقد استجاب البرلمان لمطلبكم فحرم الإلحاد لكن الحزب الشيوعي سيظل باقياً مشروعاً.
3- ما أظن أن أحداً ذاق حلاوة الإيمان وكره الإلحاد يسمح برؤية شيء اسمه الشيوعية أمام ناظريه ذلك لإن تاريخ العالم لم يَعرف -فما أظن- حركة كالشيوعية في مثل عدائها لله وسخريتها منه ومن المؤمنين وملاحقتهم ومطاردتهم ومحاولة القضاء عليهم بكل وسيلة سواءً كانوا يهوداً أو نصارى أو مسلمين. ومن شك في هذ فليقرأ تاريخ الحكم الشيوعي بروسيا ليعلم عن عدد الجبهات الإلحادية والجماعات الإلحادية التي كونتها وأعانتها الدولة لتنشر الإلحاد وتقضي على بذور الإيمان.
4- يقول البعض إن الشيوعيين أنفسهم لم يعودُوا متحمسين للإلحاد وأنهم بدؤوا يهتمون بالجوانب الأخرى في الشيوعية أكثر من اهتمامهم بالإلحاد. وهذا خبر يسرنا ويثلج صدورنا وسنعمل جهد طاقتنا لتحقيقه، ولكن إذا كان بعض الماركسيين خارج البلاد العربية والبلاد الشيوعية قد بدؤوا يصرحون بشكهم في ضرورة الربط بين الإلحاد والماركسية وإذا كانت هذه الدعوة قد أثرت في بعض أفراد الشيوعيين ممن اطلعوا عليها أو فكروا فيها فإن الموقف الرسمي للأحزاب الشيوعية كلها ومن بينها الحزب الشيوعي السوداني ما زال هو الاستمساك بالماركسية الينينية التقليدية، ولم تثمر المحاورات التي أجراها بعض الناس معهم إلا في قولهم إنهم يحترمون الأديان، وحتى هذه لم تأت في ظني نتيجة اقتناع وإنما تراجع أمام الضغط الشعبي المؤمن. إنه لا اعتراض لديَّ على استمرار الحوار والجدل مع الشيوعيين ولا مانع لديَّ من الاشتراك فيه، ولكن هذا شيء ومساومة الشيوعية على حساب مبادئنا شيء آخر. فما دام الموقف الرسمي للشيوعية لم يتغير فإن موقفنا منها ينبغي أن لا يتغير.
وإذا كان الشيوعيون ليسوا حريصين على الإلحاد فلم الحرص إذن والاصرار على كلمة الشيوعية، التي أصبحت رمزاً لهذا المعنى البغيض؟ لماذا لا يتسمون باسم آخر كالاشتراكية لا إلحاد في مضمونه أو في ظلاله؟
5- ماذا يعني التعديل المقترح بحذف كلمة "الشيوعية"؟ لو أن هذه المادة جاءت منذ البداية خلواً من كلمة "الشيوعية" ربما استطاع المشرع فيما بعد أن يصدر قوانين تحظر الأحزاب الشيوعية باعتبار أن الدعوة إلى الشيوعية هي بالضرورة دعوة إلى الإلحاد لكن التعديل الجديد قد يؤكد أن روح الدستور تمنع مثل هذا التفسير وقد يؤكد أن الدعوة للشيوعية ليست -عند واضعي الدستور- محرمة وأنها لا تعني بالضرورة الدعوة إلى الإلحاد.
• الحجة الثانية الأساسية التي يرددها بعض أنصار التعديل المقترح هي أن النص على كلمة الشيوعية قد يثير علينا ثائرة الدول الشيوعية وقد تعتبره موقفاً عدائياً وقد يوهن علاقاتنا معها. إلخ
ولكن هذه أيضاً حجة واهية
فنحن لا نريد أن ننص على محاربة الدول الشيوعية،
ولا على محاربة الشيوعية أينما حلت وحيثما حلت،
وإنما على الدعوة إلى الشيوعية في بلادنا.(42/238)
وهذا ليس اعتداء منا على الدول الشيوعية ولكنه تأكيد لخلافنا الأيدُلُجي معها وصد لعدوانها علينا باتخاذ عملاء في بلادنا يروجون لمذهبها وسياستها، ومعاملة لها بأقل من المثل في محاربتها للإسلام والمسلمين.
وهذا كله لا يعني ولم يفهم منه أحد عدم التعامل مع الدول الشيوعية في كل مجال آخر فيه مصلحة لنا ولهم وشاهدنا على ذلك أن تحريم الشيوعية بتعديل الدستور المؤقت لم يدفعنا إلى قطع العلاقات مع الدول الاشتراكية ولا أوهى من صلتنا بها بل إن هذه الصلة كما ذكر لنا أحد السياسيين قويت وزادت في غيبة الحزب الشيوعي.
============(42/239)
(42/240)
القلم الطيب والقلم الخبيث
الحمد لله ((الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)) أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ تفرد بالخلق والملك والشرع ، فلا يقع شيء إلا بأمره ، ولا شرع يوصل إلى رضاه إلا شرعه (( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) (الأعراف : 54) . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله؛ أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل ، ففتح به أعينا عميا ، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، من أطاعه نجي من النار ، وأدخل الجنة برحمة الله تعالى له، ومن عصاه فإنه يضر نفسه ولا يضر الله تعالى شيئا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد : فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإنكم في زمن كثرت فيه فتن السراء والضراء ، وغرق في لججها من غرق ، وعصم الله تعالى من عصم ، ولا نجاة إلا بلزوم التقوى ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) (الزمر: 61) .
أيها الناس: كانت البعثة النبوية ميلادا جديدا لأمة جديدة أراد الله تعالى لها الخيرية على كل الأمم التي قبلها ، واختصها بأحسن كتبه ، وامتن عليها بخاتم رسله ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ )) ( آل عمران : 164) .
نعم والله كانوا قبل بعثت صلى الله عليه وسلم في ضلال الشرك والجهل الذي أورثهم الذل والضعف والتفرق، وسوغ لهم أنواعا من الإثم والظلم والفساد.
إنها أمة أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة ولا الحساب إلا نُزَّاع منهم كانوا يقرأون لهم ويكتبون ويحسبون ، قال النبي عليه الصلاة والسلام:((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب))[1].
وأول ما نزل على رسولها صلى الله عليه وسلم الأمر بالقراءة، و جاء ذكر القلم في أول الآيات المنزلة ؛ مما يشي بأهمية القلم وشرفه ومكانته (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )) (العلق : 1-5) .
إن الله تعالى قادر على أن يعلم البشر دون الحاجة إلى القلم ، ولكنه سبحانه أراد أن يكون القلم وسيلة التعليم ((الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)) وزاد من شرفه وعلوه إقسام الله تعالى به على الوحي المكتوب (( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ )) (القلم : 1-2) .
والقلم أول مخلوق ليكتب به القدر ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة )) [2] .
وكما بين صلى الله عليه وسلم أن القلم خلق أولا لكتابة المقادير فقد بين عليه الصلاة والسلام تاريخ القلم في البشر ، وذكر أول من كتب به من الناس فقال عليه الصلاة والسلام عن إدريس عليه السلام (وهو أول من خط بالقلم ).
وبالقلم تكتب مقادير العام في ليلة القدر ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) (الدخان : 4) .
وبالقلم يكتب مصير الأجنة في بطون أمهاتهم ؛ كما روى مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه يبلغ به صلى الله عليه وسلم قال:(( يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد ؟ فَيُكْتبان، فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص)) .
وبالقلم يكتب الملائكة أقوال المكلفين وأفعالهم : ((مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )) ( ق : 18) .
أي بكتابة ما يصدر عنه كما في قوله سبحانه : (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )) ( الانفطار : 1.-12) .
وبالقلم يكتب الناس ما يحتاجون إلى كتابته مما تنتظم به مصالح دينهم ودنياهم ، وأعلى ذلك وأشرفه كلام الله تعالى ، وقد اتخذ صلى الله عليه وسلم كتابا يكتبون الوحي ، وقصرهم على ذلك في أول الإسلام فقال عليه الصلاة والسلام :(( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)) [3].
ثم رخص لهم في كتابة كل ما يصدر عنه من قول أو فعل ، كما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: ((كنت أكتب كل شيء اسمعه من رسول ا صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك ، وقالوا: تكتب ورسول ا صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا ؟ فأمسكت حتى ذكرت ذلك لرسول ا صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق))[4].(42/241)
وربما قدم عليه وفد من الوفود فعلمهم سنة من السنن ، وبلغهم شيئا من العلم فيطلب بعضهم أن يكتب له ذلك فيقول عليه الصلاة والسلام : ((اكتبوا لأبي فلان) .
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مما يجري أجره للمسلم بعد موته علما ينتفع به ، وأعظم وسيلة لحفظ هذا العلم المنتفع به : كتابته ، وانظروا إلى كثرة ما خطته أقلام أسلافكم من أنواع العلوم والمعارف حتى وصل إليكم تدركوا قيمة القلم والكتابة.
وبالقلم تكتب تواريخ الأمم وأيامهم ، وتدون أقوال العلماء والحكماء وأخبارهم ، وتحفظ تجاربهم وأعمالهم ، وما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه في هذا العصر من تنوع العلوم والمعارف ، وتقدم العمران والصناعات إلا بما دون من تجارب السابقين وأبحاثهم وخبراتهم ، ولا يمكن أن يتخيل حال البشر في هذا العصر بلا قلم وعلم وكتابة إلا كحال الحيوان الذي لا يعقل شيئا.
وبالقلم تكتب عقود الناس وشروطهم في السلم والحرب ، وفي التجارة والبيع ، وفي القرض والرهن والدين وغير ذلك (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ )) (البقرة : 282) .
وفي صلح الحديبية قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : ((اكتب الشرط بيننا)) ((هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا)) ، ودعا عليه الصلاة والسلام ملوك العالم إلى الإسلام بكتب كتبها وأرسلها إليهم.
وبلغ من عنايت صلى الله عليه وسلم بالقلم أنه جعل فداء من لم يستطع فداء نفسه بالمال من أسرى المشركين في بدر أن يعلم الواحد منهم عشرة من غلمان المدينة الكتابة ، فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك. وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن)) [5].
ورخص عليه الصلاة والسلام للنساء في تعلم الكتابة ؛ كما في حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت:(( دخل علي رسول ا صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)) [6].
والكلمة المنطوقة والمكتوبة إما أن تكون مما ينفع الناس في معاشهم أو معادهم ، وتلك هي الكلمة الطيبة ، وإما أن تكون مما يضر الناس وهي الكلمة الخبيثة.
والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة ، كما أن الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة ، وهذا التقسيم ضربه الله تعالى مثلا في القرآن ؛ ليسارع الناس إلى طيب الكلم ، ويجانبوا خبيثه : ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ )) ( إبراهيم : 24-26 .
وإنما يعرف الكلام الطيب من الخبيث منطوقا كان أم مكتوبا بعرضه على الكتاب والسنة دون اعتبار لقائله ومصدره ، فما كان موافقا للكتاب والسنة فهو الكلام الطيب الذي يرفع إلى الله تعالى : ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ))( فاطر : 1.) .
وما كان معارضا لهما فهو الكلام الخبيث ، ولا يصدر الكلام الطيب إلا من طيب وطيبة ، كما أن مصدر الكلام الخبيث كل خبيث وخبيثة : (( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )) ( النور : 26) .
قال جمهور السلف: الكلمات الخبيثة للخبيثين ، ومن كلام بعضهم: الأقوال والأفعال الخبيثة للخبيثين.
والكذب من أخبث الكلام ؛ لما فيه من تزوير الحقائق ، وترويج الباطل ، وغش الناس ، فإذا كان هذا الكذب يبلغ الآفاق عبر صحيفة مكتوبة ، أو قناة معروضة ، أو إذاعة مسموعة ازداد خبثا إلى خبثه ، ولما كان كثير من القائمين على وسائل الإعلام في هذا العصر من أصناف الخبيثين والخبيثات فإنهم يروجون لكل فكر ومنهج وسلوك خبيث ، ويمتهنون الكذب المفضوح في ذلك ، ولا يحترمون عقول المتلقين عنهم ، ولا يخجلون من كذبهم ، وقد دأب عوام الناس على وصف ما يشككون في صحته بأنه كلام جرائد ، أو كلام إعلام .
وقد حذر صلى الله عليه وسلم من خطورة هذا المسلك الخبيث ، وبين (( أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزلّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) [7] .
ورأى عليه الصلاة والسلام من أصناف المعذبين كذابا يبلغ كذبه الآفاق فسأل جبريل عنه فقال عليه السلام (( أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة )) [8].
والمسلم كما هو مأمور بمجانبة كل خبيث وخبيثة من الناس، فهو كذلك مأمور بمجانبة الخبيث من الكلام سماعا من قناة أو إذاعة، أو قراءة من صحيفة أو مجلة أو رواية أو كتاب أو غير ذلك ؛ لأن الكلام الخبيث يفسد قلبه، ويصرفه عن طيب الكلام.(42/242)
وإذا كان المسلم مأمورا باجتناب اللغو منطوقا كان أم مكتوبا وهو في الشر والإفساد أخف من الخبيث ، فكيف إذا بخبيث المنطوق والمكتوب.ومن صفات عباد الرحمن: ((وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً )) ( الفرقان : 72) .
((وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ )) (القصص : 55) .
والإعراض عن اللغو يكون بالإعراض عن مصادره ووسائله التي ابتلي الناس بها في هذا الزمان أشد ابتلاء.
وجاء النهي عن حضور المجالس التي يخاض فيها بدين الله تعالى جهلا أو استكبارا ، وجعل الله تعالى أهلها ظالمين : ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )) ( الأنعام : 68) .
بل جاء أن من جالس المستهزئين بآيات الله تعالى فهو منهم ولو لم يكتب أو يقل شيئا: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً )) (النساء : 14.) .
فكم من المسلمين من يقتني من وسائل الإعلام من صحف ومجلات وفضائيات قد كرست مهمتها للاستهزاء بدين الله تعالى، والتلاعب بشريعته ، وإخضاعها لإراء البشر وتخبطاتهم، ولا يحرك ذلك ساكنا عند من يقتنيها، بل يضحك ملء فيه، وينام ملء جفنه ، وكأن دين الله تعالى لا يعنيه ، ولسان حاله أن للبيت ربا يحميه ، وقد أسلم نفسه وأهله وولده لما يكتب وينطق من خبيث الكلام ورديئه ،وهو يعلم أنه سيحاسب عن ذلك كله، فنعوذ بالله تعالى من استحكام الغفلة، وتمكن الهوى ، وذهاب الغيرة على حرمات الله تعالى ، ونسأل الله تعالى أن يخفف عنا وعن المسلمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ أنار الطريق للسائرين ، وجعل من عباده هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين، أحمده حمد الشاكرين ، وأستغفره استغفار المذنبين، وأشهد ألا إله ألا الله وحده لا شريك له، رب العالمين، وإله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، إمام المرسلين ، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا الذنوب فإنها رافعة النعم ، جالبة النقم : ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) ( إبراهيم : 7) .
أيها الناس: الكتابة نعمة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده ، ولا خير في قلم لا ينفع صاحبه عند الله تعالى ، فإذا كان قلمه مصدر ضرر عليه في دينه فبئس القلم وبئس صاحبه ، وكسره خير من بقائه.
إن الكتابة أضحت حرفة في هذا الزمن ، وكل صاحب فكر ومبدأ ينافح عن فكره ومبدئه بقلمه.ومن الكتاب من يتأكل بكتابته فينتقل من أقصى الشمال إلى أقصى اليمين، ويثني اليوم على ما كان يشتم بالأمس ؛ لأنه يكتب لمن يدفع أكثر، أو يدور مع القوي حيث كان، وكثير من كتاب الصحف والمجلات كانوا أيام الماركسية من أشد أعداء الليبرالية الإمبريالية ، وبعد أفول الشيوعية انتقلوا بكل صفاقة ووضاعة إلى الليبرالية يتسولون على أبوابها ، ويخطبون ودَّ أصحابها ، حتى صاروا أشد إمبريالية من أهلها.
ومن أصحاب الأقلام من يتأكل بالشهوات والغرائز ، فيتقيأ انحرافاته وشذوذاته الجنسية على أوراقه ؛ ليشكل منها رواية تغوي القارئين والقارئات ، وتستهوي المراهقين والمراهقات ، وإذا ما أراد شهرة واسعة ، ورواجا لروايته ، وحماية له ولها في الدوائر الصهيونية والصليبية والعلمانية فما عليه إلا أن يضمن روايته سخرية بالله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر ؛ وعلى قدر سخريته بمقدسات المسلمين ينال نصيبه من الحماية والرعاية ، ويحصد الجوائز والهبات والأوسمة، ولربما بلغ بذلك جائزة نوبل للأدب ، كما حازها الكاتب الهالك نجيب محفوظ على روايته التي سخر فيها بكل مقدسات المسلمين ، وأعلن في نهايتها موت الإله لصالح المادية ، في رمزية جبانة ، وإلحاد صارخ ، وزندقة ظاهرة ، تعالى الله عن إلحاده علوا ظاهرا.(42/243)
إن هذا الكاتب الهالك الذي امتلأت الصحف بالكتابة عنه ، وأفردت لسيرته وغوايته صفحات كاملة لا تفرد لموت العلماء بل ولا للزعماء ما هو في واقع الأمر إلا خبيث يحمل قلما خبيثا ، سطر به فكره الخبيث.فهو حامل همِّ إحياء الفكر الفرعوني ، وهو الداعي إلى الفكر الاشتراكي، ويكفيه سبقا في الإلحاد والزندقة أنه التلميذ الوفي للنصراني القبطي سلامة موسى الحاقد على كل شعيرة من شعائر المسلمين ، الذي كان يتطلع إلى نقل مصر من إسلامها إلى الفرعونية.
إن هذا الروائي الهالك لم يخرج في جل رواياته عن أصلين عاش حياته من أجلهما ، وسخر قلمه في خدمتهما : وهما الدعوة إلى الإلحاد باسم العلم في مقابل الدين ، ونشر الإباحية والشذوذ في أوساط المسلمين، قابله أحد المعجبين به فقال له ( من الواضح أنك أصبحت تميل إلى الفكر الماركسي، فالماركسيون في رواياتك هم الأبطال الشهداء ، وحاملوا الزهور الحمراء ، وهم الذين يضيئون الحياة بنور الأمل في الظلمات... فرد عليه الروائي الهالك : لقد شخصتني فأجدت التشخيص ) وقام أحد مريديه والمعجبين به وبرواياته بقرأتها وسبر موادها، فعرف القاسم المشترك بينها ، وأعلن نتيجة ذلك فقال: حفلت رواياته بحشد هائل من البغايا والراقصات والقوادين والديوثيين واللصوص والنشالين والفتوات وصانعي العاهات والمرتشين والملحدين.
وفي مقام آخر يزعم أن الغربيين حلوا المشكلة الجنسية بنشر الإباحية ، وأن هذا الحل في نظره ناجع في بلاد المسلمين، فيقول: أما عن حل المشكلة الجنسية في مجتمعنا فأنا لا أستطيع أن أقوله ، ولا أنت تكتبه ! ولكنني أستطيع أن أقول: ( أوروبا تمكنت من حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة، تجد أن البنت عمرها خمسة عشر عاما تلتقي في حرية تامة مع أي شاب ، لا مشكلة جنسية، ولا مشكلة عفاف ولا بكارة، وحتى إذا أثمرت العلاقة طفلاً ، فالطفل يذهب إلى الدولة كي تربيه إذا كانت أمه لا تريد ) هكذا يريد لبنات المسلمين أن يكن بغايا وفاسقات كما كان نساء الغرب.
لقد مضى هذا الهالك إلى رب عدل سيحاسبه على ما خط بقلمه ولا يظلمه شيئا ، ولكن الجريمة كل الجريمة، والتزوير كل التزوير ما يمارسه كثير من الإعلاميين والصحفيين من تضليل العقول ، وممارسة الكذب على المكشوف بالإشادة بهذا الهالك مع إخفاء حقيقة فكره وانحرافه عن الناس، بل والاستماتة في الدفاع عنه، والنيل ممن يفضحونه ، وسيلتهم في ذلك :الكذب والتزوير.فأين احترام العقول ؟! بل أين احترام زبائنهم من قراء صحفهم ؟! أفلا كان عندهم من الشجاعة أن يظهروا حقيقة فكره لقرائهم ، ثم يختار القراء بين دينهم وبين روائيهم الهالك ؟!
لقد كذبوا ثم كذبوا ، ودافعوا عن إلحاده وزندقته ، ووصفوه بالراحل الكبير ، وبالقامة الشامخة في بلاد المسلمين ، ونقلوا كما كبيرا من أقوال زملائه وتلامذته ومريديه ، ولم ينقلوا شيئا من أقوال من أبانوا حقيقة فكره، بل هاجموهم ووصفوهم بأبشع الأوصاف ، فأين هي الموضوعية التي يتشدقون بها، وأين هي دعوتهم إلى قبول الآخر واحترام الآراء الأخرى ؟ وإن تعجب فعجب من وصف بعض الصحف لروائيهم بأنه متدين ، فيا لضحالة عقولهم ، ويا لسخافة أقلامهم ، ولو خرج صاحبهم من قبره لوبخهم أشد التوبيخ ؛ لأنه كان يفاخر بحربه للدين ، فكيف يصفونه بالمتدين، نعوذ بالله من الهوى والردى ، ونسأله الهدى والتقى اللهم يا حي يا قيوم إن هذا الروائي قد تطاول على ربوبيتك وعلى ملائكتك وكتبك ورسلك ، وسخر بشعائر دينك ، اللهم فعامله بما يستحق فأنت الحكم العدل، اللهم من أثنى عليه وهو يعلم حاله فاحشره معه ، ومن أثنى عليه وهو لا يعلم حاله فتب عليه من زلته ، وأنر بصيرته ، وخذ بيده للبر والتقوى.اللهم واهد ضال المسلمين ، وأصلح أحوالهم، وأمنهم في أوطانهم ، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار، والحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد..
[1] متفق عليه0
[2] رواه أبو داود0
[3] رواه مسلم .
[4] رواه أحمد0
[5] رواه أبو داود0
[6] رواه أحمد0
[7] متفق عليه0
[8] رواه البخاري
============(42/244)
(42/245)
حقائق الشيوعية وعقائدها البالية
( الحلقة الأولى)
نحاول في هذه الحلقات إن نقدم أهم النقاط التي توجز الفكر الشيوعي الماركسي الهدام وأهدافه الخبيثة التي خسر أصحابها وانهزموا شر هزيمة على جميع الأصعدة العقائدية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولكن على ما يبدوا إن هناك بعض الجهلاء لم تصلهم بعد أخبار هزيمة الفكر الشيوعي واندحاره في مزبلة التاريخ وهم مازالوا متشبثين به دون معرفة منهم لهذه الحقائق فأردنا إن نبين حقيقة هذا الذي يسمونه فكرا ونذكرهم انه أصبح في خبر كان علهم يصحون من غفلتهم ويهتدون إلى العقل والصواب انشالله.
التعريف:
الشيوعية مذهب فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي. ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وإنجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار. وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب محيت من التاريخ بسببها ولكن الشيوعية أصبحت الآن في ذمة التاريخ، بعد أن تخلى عنها الإتحاد السوفيتي، الذي تفكك بدوره إلى دول مستقلة تخلت كلها عن الماركسية، واعتبرتها نظرية غير قابلة للتطبيق.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
وضعت أسسها الفكرية النظرية على يد كار ل ماركس اليهودي الألماني 1818-1883م وهو حفيد الحاخام المعروف مردخاي ماركس، وكار ل ماركس شخص قصير النظر متقلب المزاج حاقد على المجتمع، مادي النزعة، ومن مؤلفاته:
- البيان الشيوعي الذي صدر سنة 1848م.
- رأس المال ظهر سنة 1868م.
ساعده في التنظير للمذهب فرد ريك إنجلز 1820-1895م وهو صديق كارل ماركس الحميم وقد ساعده في نشره المذهب كما أنه ظل ينفق على ماركس وعائلته حتى مات, ومن مؤلفاته:
- أصل الأسرة.
- الثنائية في الطبيعة.
- الاشتراكية الخرافية والاشتراكية العلمية.
• لينين:
واسمه الحقيقي: فلاديمير أليتش بوليا نوف، وهو قائد الثورة البلشفية الدامية في روسيا 1917م ودكتاتورها المرهوب، وهو قاسي القلب، مستبد برأيه، حاقد على البشرية. ولد سنة 1870م، ومات سنة 1924م، وهناك دراسات تقول بأن لينين يهودي الأصل، وكان يحمل اسماً يهودياً، ثم تسمى باسمه الروسي الذي عرف به مثل ترو تسكي في ذلك.
- ولينين هو الذي وضع التنفيذ وله كتب كثيرة وخطب ونشرات أهمها ما جمع في ما يسمى مجموعة المؤلفات الكبرى.
• ستالين:
واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفتش زوجا شفلي 1879-1954م وهو سكرتير الحزب الشيوعي ورئيسه بعد لينين، اشتهر بالقسوة والجبروت والطغيان والدكتاتورية وشدة الإصرار على رأيه في تصفية خصومه على القتل والنفي كما أثبتت تصرفاته أنه مستعد للتضحية بالشعب كله في سبيل شخصه. وقد ناقشته زوجته مرة فقتلها.
ترو تسكي:
ولد سنة 1879م واغتيل سنة 1940م بتدبير من ستالين، وهو يهودي واسمه الحقيقي بروشتاين. له مكانة هامة في الحزب وقد تولى الشؤون الخارجية بعد الثورة ثم أسندت إليه شؤون الحزب.. ثم فصل من الحزب بتهمة العمل ضد مصلحة الحزب ليخلو الجو للذي دبر اغتياله للخلاص منه نهائياً.
( ترقبوا الحلقة القادمة بعنوان: أفكار وعقائد الشيوعية البالية)
المصدر: http://www.al-moham r a.nu/shiuaia3.html
الشيوعية وعقائدها البالية
( الحلقة الثانية )
---------------------------------------------------------------------
الأفكار والمعتقدات:
. إنكار وجود الله تعالى وكل الغيبيات والقول بأن المادة هي أساس كل شيء وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكفر بثلاثة: الله والدين، والملكية الخاصة،. (تصور هؤلاء السخفاء يرتضون بعبادة المخلوق ولا يقبلون بعبادة الله الخالق المتعال).
. فسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية والبروليتاريا ( الرأسماليين والفقراء ) وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا.
. يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب وخادماً للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال مستثنين من ذلك اليهودية لأن اليهود حسب زعمهم شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة !!
. يحاربون الملكية الفردية ويقولون بشيوعية الأموال وإلغاء الوارثة.
. تتركز اهتماماتهم بكل ما يتعلق بالمادة وأساليب الإنتاج.
. إن كل تغيير في العالم في نظرهم إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل الإنتاج وإن الفكر والحضارة والثقافة هي وليدة التطور الاقتصادي.
. يقولون بأن الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآلة الإنتاج.
. يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفكر ، والغاية عندهم تبرر الوسيلة .
. يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير الحياة الدنيا.
. يؤمنون بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات.
• يقولون بدكتاتورية الطبقة العاملة ويبشرون بالحكومة العالمية.
• تؤمن الشيوعية بالصراع والعنف وتسعى لإثارة الحقد والضغينة بين العمال وأصحاب الأعمال.
• الدولة هي الحزب والحزب هو الدولة.(42/246)
• تكّون المكتب السياسي الأول للثورة البلشفية من سبعة أشخاص كلهم يهود إلا واحداً وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية.
• تنكر الماركسية الروابط الأسرية وترى فيها دعامة للمجتمع البرجوازي وبالتالي لا بد من أن تحل محلها الفوضى الجنسية.
لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. قال لينين: " إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً ". وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن احتلالهم لأفغانستان بعد أن اكتسحوا الجمهوريات الإسلامية الأخرى كبخارى وسمرقند وبلادالشيشان والشركس، إنما ينضوي تحت تلك القاعدة الإجرامية.
• لقد هدموا المساجد وحولوها إلى دور ترفيه ومراكز للحزب، ومنعوا المسلم إظهار شعائر دينه، أما المصحف فهو جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة كاملة.
• لقد كان توسعهم عل حساب المسلمين فكان أن احتلوا بلادهم وأفنوا شعوبهم وسرقوا ثرواتهم واعتدوا على حرمة دينهم ومقدساتهم.
• يعتمدون على الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من أعضاء الحزب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• لم تستطع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود وعملها لتحقيق أهدافهم فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود:
- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
- الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين.
• يصرح ماركس بأنه اتصل بفيلسوف الصهيونية وواضع أساسها النظري وهو موشيه هيس أستاذ هر تزل الزعيم الصهيوني الشهير.
- جد ماركس هو الحاخام اليهودي المشهور في الأوساط اليهودية مردخاي ماركس.
• تأثرت الماركسية إضافة إلى الفكر اليهودي بجملة من الأفكار والنظرات الإلحادية منها:
- مدرسة هيجل العقلية المثالية.
- مدرس كونت الحسية الوضعية.
- مدرسة فيور باخ في الفلسفة الإنسانية الطبيعية.
- مدرسة باكو نين صاحب المذهب الفوضوي المتخبط.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• حكمت الشيوعية عدة دول منها:
- الاتحاد السوفياتي، الصين، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بلغاريا، بولندا، ألمانيا الشرقية، رومانيا، يوغسلافيا، ألبانيا، كوبا.
ومعلوم أن دخول الشيوعية إلى هذه الدول كان بالقوة والنار والتسلط الاستعماري.
ولذلك فإن جل شعوب هذه الدول أصبحت تتململ بعد أن عرفت الشيوعية على حقيقتها وأنها ليست الفردوس الذي صور لهم وبالتالي بدأت الانتفاضات والثورات تظهر هنا وهناك، كما حدث في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كما أنك لا تكاد تجد دولتين شيوعيتين في وئام دائم.
• أما في العالم الإسلامي فقد استفاد الشيوعيون من جهل الحكام وحرصهم على تدعيم كراسيهم ولو على حساب الدين، إذا اكتسحت الشيوعية أفغانستان وشردت شعبها المسلم كما تحكمت في بعض الدول الإسلامية الأخرى بواسطة عملائها.
• تقوم الدول الشيوعية بتوزيع ملايين الكتيبات والنشرات مجاناً في كافة أنحاء العالم داعية إلى مذهبها.
• أسست الشيوعية أحزاباً لها في كل الدول العربية والإسلامية تقريباً فنجد لها أحزاباً في مصر، سوريا، لبنان، فلسطين، والأردن، تونس وغيرها.
• إنهم يؤمنون بالأممية ويسعون لتحقيق حلمهم بالحكومة العالمية التي يبشرون بها.
( الحقلة القادمة بعنوان: أنهار الماركسية )
المصدر: http://www.al-moham r a.nu/shiuaia4.html
===============(42/247)
(42/248)
الشيوعية بين الماضي والمستقبل ...بين النظرية والتطبيق
هذا هو عنوان الحوار الذي سيجري بمشيئة الله تعالى بيني وبين الزميل كومينيست في هذا الشريط
سأقوم أنا أولا بتقديم أول مداخلة يعقبها الرد من الزميل ثم التعقيب وهكذا إلى أن يُحسم الحوار ويعرض كل منَّا حُجته ...!!
لست بصدد سرد تعريفات أو بسط مصطلحات للشيوعية في هذه المُداخلة الإفتتاحية فأنا فقط سأُركز هنا على نقاط الحوار لكن مَن يُريد أن يعرف مُقدمة سريعة عن الشيوعية فيمكنه مراجعة شريط حقائق الشيوعية وعقائدها البالية أو شريط الشيوعية الماركسية وأهم رموزها .....!!!!!
نظرة عامة ....
(( إن الصراع شرط لكل حركة تقدمية ويجب أ لا نخنق التناقضات الإجتماعية بحجة الإصلاح ، بل يجب على العكس من ذلك ، أن نستثمرها ، فلكي لا تُخطيء في السياسة يجب أن تكون ثائرا لا مُصلحا.))* هذه الفقرة من كلام لينين هي مُلخص الشيوعية بكل أبعادها .. فالشيوعية قامت على المادية الجدلية وعلى الصراع فالأفكار تتطور على مبدأ الصراع وكذلك الكائنات الحية تتطور على مبدأ الصراع ولذلك ارتبطت الداروينية بالشيوعية وترعرعا سويا فالداروينية تنظر للكائنات الحية على أساس أنها تتطور على مبدأ الصراع والشيوعية تنظر للأفكار على أنها تتظور على مبدأ الصراع ولذلك يقول كليكانوف أن الماركسية هي تطبيق للداروينية على العلوم الإجتماعية ** ... وعندما قرأ كارل ماركس كتاب أصل الأنواع لتشارلز دارون أرسل لصديقه أنجلز يقول :-(( أنا أقرأ كتاب دارون هذا هو الكتاب الذي يحتوي على رأينا في أصل الطبيعة وتاريخها )) ..
هذه النظرة الساذجة السطحية كانت بداية التأسيس للإلحاد الشيوعي ..
كان دارون في القرن الماضي ينظر إلى الخلية تحت الميكروسكوب على أنها لطخة من البروتوبلازم .. وبنفس السطحية والسذاجة كان ينظر كارل ماركس لتطور الأفكار .. اعتقد الأول أن الكائنات تتطور على مبدأ الصراع مع أنه مازالت الكائنات الضعيفة تحيا جنبا إلى جنب مع الكائنات القوية بل ولا تستغني إحداهما عن الأُخرى واعتقد الثاني أن الأفكار تتطور على مبدأ الصراع والثورية وهكذا ولأول مرة في تاريخ الفكر البشري يصير للهمجية مدرستان فلسفيتان الأولى تُطبق على التاريخ الطبيعي والثانية تُطبق على الوضع الإجتماعي وهكذا يترعرع الإلحاد في هذه التربة الفاسدة وتنمو شجرته الخبيثه مع الوقت وكما علمتنا البداهة البشرية فإن الشجرة الطيبة تطرح ثمارا طيبة والشجرة الخبيثة تطرح ثمارا خبيثة ففي قرن واحد من الزمان يهلك بسبب هذه الفلسفة 250 مليون نسمة في أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية ..!!
____________________
* الدولة والنُظم السياسية أنور الخطيب وزير 2/387
**da r winian evolution 1980
صورة مِن التطبيق العملي للفلسفة المادية الهمجية أقصد الجدلية
((تطور النوع البشري مرهون بشدة الصراع بين الطبقات )) ...(( يجب أ لا نخنق التناقضات الإجتماعية بحجة الإصلاح ، بل يجب على العكس من ذلك ، أن نستثمرها )).. هكذا كانت تصدُر العبارات من أكبر المُنَّظرين للفكر الشيوعي في العالم أمثال ماركس ولينين وتروتسكي ... في 12 مارس 1922 بينما كانت المجاعة تعصر روسيا عصرا كَتَب لينين رسالة إلى أعضاء المكتب السياسي يقول فيها :- (( إن الموقف لصالحنا ففي حال وجود مئات الجُثث على الطرقات سيمكننا الإستيلاء على مُمتلكات الكنيسة وأموال رجال الدين بقوة دون شفقة أو رحمة ولهذا ينبغي ان نضع أيدينا على أملاكها وإن اليأس الناتج عن الجوع هو الأمل الذي سيجعل المُجتمع يقابلنا بابتهاج )) * ..فقد قصد لينين عمدا إنهاء حياة خمسة مليون نسمة بالجوع وهذا ما ذكر صلى الله عليه وسلم icha r d pipes في كتابه the unknown lenin يقول :- (( لم يكن لينين يحمل أي شعور أو إحساس طيب للإنسانية إلا إحساس الإذلال والتحقير وليس للإنسانية عنده أي معنى فقد عامل الشعوب كما يُعامل الحداد الحديد )) ** ..
يقول :- (( لم يكن لينين يحمل أي شعور أو إحساس طيب للإنسانية إلا إحساس الإذلال والتحقير وليس للإنسانية عنده أي معنى فقد عامل الشعوب كما يُعامل الحداد الحديد )) ** ..
فلم يكن لينين يتورع عن ذِكر الجانب الإيجابي للجوع قائلا :- (( إن الجوع سيقربنا إلى أهدافنا ويوصلنا إلى الإشتراكية التي هي عهد ما بعد الرأسمالية فالجوع لا يُنهي اعتقاد الناس في القيصر فحسب بل سيُنهي الإعتقاد بالله أيضا )) *** ... وهكذا كان التطبيق العملي للمادية الهمجية ( الجدلية ) وهكذا يتم استثمار المجاعة لصالح تلك الفلسفة المُخيفة ..!!
صورة مِن صور المجاعة التي سببها لينين وأحسن استثمارها
هذه صورة لمزراعين وصل بهم الجوع إلى حد خطف الأطفال وسلقهم ثُم أكلهم وفي الصورة المزارعين وأمامهم الأطفال
[g r ade="8B0000 FF0000 FF7F50"]السؤال :- ما هو اللغز الخفي وراء ارتباط الشيوعية دائما بأبشع المجاعات في التاريخ البشري ؟؟ كمجاعة لينين والمجاعة التي أعقبت الثورة الكبرى لماو ..[/g r ade]
__________________
* black book of communism p.167
** r icha r d pipes the unknown lenin p.10(42/249)
***black book of communism p.165
هل فعلا أفلتوا مِن قيود الكنيسة ؟؟
يقول عالم الفلك (فريد هويل ) في كتابه mathematics of evolution p.130 :-(( في الحقيقة كيف لنظرية علمية واضحة جداً تقول أن الحياة جمعها عقل ذكي ومع ذلك فإن الشخص يتعجب ويتساءل، لماذا لا يقبلها بشكل واسع باعتبارها بديهية …لكن أغلب الظن أن الأسباب نفسية أكثر منها علمية .)) .. والشاهد مِن الفقرة السابقة هو قوله أن أسباب الإلحاد نفسية أكثر مِنها علمية .. وعندما ننظر إلى البلاد التي تم تطبيق الشيوعية فيها نجدها هي نفسها البلاد التي لم تستطع أن تتحرر من الكنيسة الكاثوليكية ولم تستطع أن تتمرد عليها بإسم البروتستانتية فتمردت عليها بإسم الشيوعية ولكن المُحزن أن الشيوعية صارت أيديولوجية أشد فتكاً وتعصبا بل لقد جمعت الدعاية الماركسية تعاليم ماركس وأنجلز وأضفت عليهما ما يُضفيه رجال الدين على الأديان ، جتى ليقول أحد المُفكرين :- (( لعل ماركس أصغر أنبياء بني اسرائيل وكتاب رأس المال التوراة الجديدة .))* .. وإذا كانت الكنيسة قد قتلت جاليليو فإن الشيوعية الإلحادية قد قتلت بافلوف ** بل وقد أجبر ستالين كل رجال العلم في الدولة على قسَم اتباع الديالكتيكية المادية وبذلك حُرِّفت كل البُحوث العلمية الجارية على حسب النظرية المادية وإذا كانت الكنيسة قد قتلت الآلاف في محاكم التفتيش المرعبة فقد قتلت الشيوعية الملايين في معسكرات العمل الستالينينة وكانت عبارة عن معامل موت لكُل مَن يُبدي هرطقة أقصد معارضة للنظام ففي عام 1937 وحده تم إعدام حوالي مليون شخص من المعارضين للنظام وإذا كان ماركس بمنتهى الخجل والحياء يقول في نهاية كتابه رأس المال :- (( وإذا أفرز الواقع نظرية تتجاوز ما جاء في رأس المال فمزقوا رأس المال فإنه سيُصبح صالحا للمتاحف فقط )) فإن أتباعه اعتبروا أن منهجه هو الخاتم مع أنه أخبرهم بمنتهى الحياء أن ينتظروا المُعَّزي لكن أصروا على اعتبار أن الشوعية هي المرحلة الأخيرة في تاريخ الحياة الإجتماعية للبشرية ... وهكذا أفلت هؤلاء مِن قيود الكنيسة الكاثوليكية ليقعوا في أُبرشية الشيوعية
[g r ade="8B0000 FF0000 FF7F50"]السؤال :- لو أفرز الواقع نظرية تتجاوز ما في رأس المال هل ستُمزقون رأس المال أم فعلا كما قال أحد أكبر المُنظرين الشيوعيين المعاصرين أن الشيوعيين تحولوا إلى كائنات جيولوجية مُتحجرة يدافعون عن الباطل أكثر من دفاع الباطل عن نفسه ؟؟ وكيف أصلا تكون الشيوعية هى المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الفكر البشري مع أن أصل الصراع عندكم هو الإستمرارية وليس الثبات ؟؟[/g r ade]
_________________
* الدولة والنظم السياسية أنور الخطيب 2/385
** أنكر بافلوف نظرية داروين فتم إراساله مع علماء الوراثة الآخرين إلى معكسرات العمل الستالينية المرعبة حيث مات هناك .
إزالة الفوارق بين الطبقات لوضع متاريس وحواجز
الصراع بين البرجوازية ( أصحاب رؤوس المال ) والبروليتاريا ( العُمَّال ) سيعقبه سيطرة البروليتاريا ...
وستزول الفروق بين الطبقات لكن عند التطبيق سنجد أن سيطرة الحزب الإشتراكي تنتهي بالتحكم في رقاب الناس وتقسمهم إلى طبقات بحسب ولائهم وانتمائهم وتعلقهم بالحزب ، فأفراد الحزب وأعضاؤه البارزن لهم أوضاعهم المميزة ، والمُتهمون بمعاداة الحزب مضطهدون يُعتبرون أهداف يجب قتلها وبين الفريقين عامة الشعب يتفاوتون في القدرة على العمل وبالتالي سينشأ أرستقراطيين وفقراء وهكذا زالت الفوارق الطبيعية التي لا تكاد تُدرك لتأتي فوارق حادة تقسم المجتمع تقسيما بلا هوادة ...
[g r ade="8B0000 FF0000 FF7F50"]السؤال :- أيهما أكثر برجوازية هل طبقية رأس المال أم طبقية الشيوعية ؟؟[/g r ade]
سرقة (إلغاء) الملكية الخاصة
لو سألنا أي شيوعي ما هو مصير بيل جيتس في الدولة الشيوعية ... فيقول فورا يجب أن ننزع كل وسائل الإنتاج التي يملكها بالقوة لأنه في الدولة الشيوعية يجب أن تُنزع جميع وسائل الإنتاج من مُلاكها فإذا قلنا إذن أين يذهب بيل جيتس سيأتي الرد سريعا عليه أن يعمل كأي عامل مِن العُمال في المصنع .. تصوروا بيل جيتس يقود أكبر مؤسسة تُجارية في العالم يتحول في الدولة الشيوعية إلى ماسح أحذية في الشركة التي بناها بمجهوده وعرقه هكذا تحت مُسمى إلغاء الملكية الخاصة تُسرق أملاك أُناس قضوا أعمارهم في جمعها ....
تعتمد الشيوعية في أهم بنودها على إلغاء الملكية الخاصة للأفراد وجعل كل وسائل الإنتاج بيد الدولة وبعدها يتم إعطاء البشر حاجياتهم مِن مأكل وملبس ومشرب بالتساوي هذا عين ما تقوم عليه الشيوعية وهذا يُمكنني أن أُسميه نظام الحرامية والنصابين فأن تأخذ مِن المتمير لتُعطي الفاشل .. أن تأخذ من المُجتهد والمكافح لتُعطي الكسول فهذا هو عين المُخالفة للبداهة وعين المُخالفة لطبائع الأشياء ولذلك يُمكنني أن أقول أن الملكية الخاصة هي مُكافأة المكافحين والأكثر موهبة والإشتراكية هي مُكافأة الكسالى والأكثر اتكالية فإلغاء الملكية الخاصة نظام لا يقبله العقلاء .(42/250)
فصاحب رأس المال هو مالكه لأنه من عرق جبيه وعرق جبين أبيه وليس ذنبه ان هناك مَن يمتلك أقل منه ، ليس ذنبه حتى يقع فريسة حسد وحقد هؤلاء الذين لا يملكون ما يملكه وعندما يستغل وسائل الإنتاج التي يملكها فإنه يستفيد مِن العامل والعامل يستفيد منه أيضا ومن حق العامل عليه أن يأمن له أجر يكفيه مقابل مجهوده لكن عندما يصدر قانون يُجبر صاحب المال أن يتنازل عن وسائل الإنتاج لهذا العامل فهذا عين البلاهة وحماقة التصرف بأي حق تُنتزع ملكية هذا الرجل هل لأنه ظلم العامل ولم يُعطه حقه كاملا ؟؟ إذن هل المُتوقع مِن القانون أن يُؤمن العُمال ويعطيهم حقوقهم أم يتجاوز كل هذا ويسلب فجأة كل وسائل الإنتاج من يد صاحب الراس المال ليعطيها للعمال ؟؟ إنها همجية جاهلية ... إنها عين الجاهلية المُعاصرة
لقد علمتنا الحياة أن القوانين تُوضع لكي تنظم غرائز البشر وتتوافق معها لا لكي تحرقها أو تُضاعفها .. وبالتالي فوضع قوانين تُغير طبائع البشر وتعلمهم ما يجب أن تكون عليه غرائزهم هذا نوع من السخافة العقلية واستهلاك الحياة فيما لا يُفيد ....
هل رأيتم يا سادة إلى أي حد تقتل القوانين الوضعية غرائز البشر .. هل رأيتم انتكاسا في السلوك أخزى من ذلك ..!!!
لكن المثير للدهشة في الدولة الشيوعية أن الدولة الشيوعية لا تسرق وسائل الإنتاج من صاحب رأس المال لتعطيها للعمال بل تتسلط الدولة وتُسيطر سيطرة كاملة على وسائل الإنتاج وتصير الصورة النهائية أن الدولة تطرد الرأسمالي لتلعب هي دوره بأبشع ما تتهمه به ..!!!
فأين تلك الحُرية التي وعدت بها الشيوعية في حين يُسلب الإنسان حُريته وتصبح الثروة والسُلطة بيد الدولة ويصبح المواطن أجيرا لديها بشكل أو بآخر
السؤال :- أيهما أشد فتكا بك هل برجوازية وتسلُط صاحب العمل فقط أم برجوازية وتسلُط دولة بأكملها بأنظمة مُخابراتها وأساليب التجسس والصاق التُهم بالأشخاص بمُجرد الظنون ؟؟
[g r ade="8B0000 FF0000 FF7F50"]السؤال :- أيهما أشد فتكا بك هل برجوازية وتسلُط صاحب العمل فقط أم برجوازية وتسلُط دولة بأكملها بأنظمة مُخابراتها وأساليب التجسس والصاق التُهم بالأشخاص بمُجرد الظنون ؟؟[/g r ade]
التأميم
تأميم وسائل الإنتاج وانتزاع ها من يد خمسة أو ستة رأسماليين مُستغلين ليتسلمها مائة ألف لص في المؤسسات والجمعيات التعاونية ينهبونها هو الواقع المُشاهَد .. فالمُنتِج الرأسمالي كان على الأقل أُستاذا في مهنته وكان بدافع مصلحته يتفنن ويبتكر ويُبدع ويُعطي المستهلك أقصى إجادة ليحصُل على أقصى ربح ..أما المائة ألف لص في المؤسسات والجمعيات التعاونية فلا علم لهم بالحرفة ولا هم يبتكرون ولا يبدعون فهذا النظام الإقتصادي يقتل الإبداع ويروج للتكاسل ويكون أكبر هَم هؤلاء العُمال هو التسابق على النهب والسلب .
ونظام التأميم يسد كل أبواب الرزق هذا لو طبقنا التأميم الكامل الذي تعرفه الشيوعية ولا يبقى للناس إلا باب الوظيفة في الحكومة ، وبهذا لا تعود هناك وسيلة لضمان اللقمة إلا النفاق للحاكم والتملق للرؤساء والإنتهازية والشللية والتبليغ والتخابر والتجسس والعِمالة بصورة مُضخمة مريعة وبذلك يتحول المُجتمع إلى غابة من الناس يأكل بعضهم بعضا ..
ويقول خرتشوف كلمته الشهيرة :- (( إن البقرة التي يملكها صاحبها تُدر مِن اللبن أكثر مِن البقرة التي تملكها الدولة .)) ورأينا روسيا التي تمتلك أكبر حقول القمح في أوكرانيا تطلب القمح مِن أمريكا وتفتح بلادها للمصانع الأمريكية .
وهكذا بطء العمل وقلة الإنتاج ونقص الجودة والتضخم واللامبالاة والإتكالية كلها صفات لصيقة بالشيوعية أينما حلت وحيثما ارتحلت ..!!
[g r ade="8B0000 FF0000 FF7F50"]السؤال :- هل التأميم قتل روح الإبداع في الصناعة كما يقول المُنظرين الإقتصاديين ؟؟[/g r ade]
ذاتية الهدم في المذهب الشيوعي
هذه النقطة التي سأطرحها هنا من أهم النقاط تقريبا فهي لا تُسقط الشيوعية فحسب بس تُسقط الإلحاد والمادية أيضا ... تؤمن الشيوعية بالمادية الصرفة بلا هوادة ولا ترضى بغير ذلك بديلا لكن عندما ننظر إلى الأصل الذي تأسست عليه الشيوعية فإن هذا الأصل غير مادي بالمرة فقد قامت الشيوعية على مُصطلح الإستغلال مقصورا على معناه الأخلاقي والإنساني ومُصطلح الإستغلال وأن أصحاب وسائل الإنتاج يستغلون العمال هذا المُصطلح يدور في إطار فكرة الخير والشر . وأصبح المستغِل شرا مُشخصا والضحية المستغَلة خيرا مُشخصا فأن تدين الأعمال الشريرة معناه أنك تعترف بأنها نتيجة الإختيار الحُر للإنسان ، وإلا فإن إدانة الشر تكون بلا معنى فإدانة الإستغلال وأن الشر يمكن إزالته والإختيار الحُر كلها مفاهيم تؤكد أن مُجرد اختزال الحياة والعلاقات بين البشر في مصطلحات مادية مستحيل إطلاقا ... لقد كان ماركس على حق في إدانة الإستغلال* ولكن هذا لا يُمكن أن يتسق مع فكره المادي خاصة عند مَن يُنادون بنسبية الأخلاق مِن الملاحدة النصابين
وهكذا لايمكن أن يصير الإنسان ملحدا أو ماديا خالصا حتى ولو أراد ذلك مِن كل قلبه **..(42/251)
السؤال :- هل فعلا كُل ما صحَّ من الماركسية فهو ليس بماركسي ؟؟
_________________
* ولا ننسى اتحاد الصالحين الذي سبق اتحاد الشيوعيين عند ماركس وهو اثر بقي في كتابات ماركس حتى بالإسم ...
** استخدم كانط المفهوم الأخلاقي والإختيار الحُر كدليل راقي على عدم عبثية الحياة وأننا في هذه الحياة لقيمة راقية ولسنا هنا بصدد التفصيل في هذا الأمر .
برجوازية الزوج
أحد صور الخيال العلمي هي اعتبار أن السُلطة الزوجية هي إحدى صور البرجوازية أو التحكم التي ينبغي إلغاؤها في الدولة الشيوعية ولذلك يقول فردريك أنجلز في مباديء الشيوعية السؤال 21 يقول :- (( سيتمكن المُجتمع الشيوعي من التخلص من النظام الأُسري القائم )) فهو أحد صور البرجوازية فإلغاء العائلة .. إلغاء سُلطة الزوج على زوجته .. إلغاء سُلطة الأب على أبناؤه .. القضاء على أكثر العلاقات حميمية في تاريخ الفكر البشري بدعاوى تافهه يجعلنا أمام أساطير وأفلام خيال علمي .. إن محاولة تبديل الجينات البشرية والإنتقاص من قيمة الأُمومة والأُبوة والحُضن الأُسري بدعاوى تافهة فمصير هذه المُحاولة إلى الجحيم لا مُحالة ...
بل وقد أرسل أنجلز خطابا إلى كونراد سميت في 8 مايو 1890 يقول له :- (( إذا طُبقت الماركسية تطبيقا حرفيا فإن هُراء لا يُصدق سينتج عنها .)) فمن الذين يوافق على تطبيق هذه الآراء المخبولة إلا مُنتكس أو مخبول مثلها ..!!
فمصادمة البديهيات البشرية هو الإفراز العقلي للمادية والإلحاد ولا ننتظرمِن الأفكار الأرضية السافلة أكثر من ذلك ..
ولا عزاء للعُقلاء ..
السؤال :- لماذا إلغاء العائلة يهمكم كثيرا ؟؟ لماذا تُكررون هذا على أسماعنا كثيرا ؟؟ ما الغرض المستتر من ذلك ؟؟ ما الهدف الراقي العائد عليكم من التفسخ الأُسري ؟؟
ماركسيات بالآلاف
كما كُل المناهج الوضعية الأرضية فالماركسية ليست اتجاه واحد او منهج واحد بل تيارات ينهش كل تيار في التيار الذي يليه وتتلاعن التيارات فيما بينها وكما قال مكسيم رودسون الكاتب الماركسي الشهير عندما قال :- (( الحقيقة أن هناك ماركسيات كثيرة بالعشرات والمئات ولقد قال ماركس أشياء كثيرة حتى الشيطان يستطيع أن يجد فيه نصوصا تؤيد ضلالته .))
فأي ماركسية تلك التي يُطالبون بتطبيقها ؟؟ بل وكما يقول الأستاذ ثاوني:- (( إن الاشتراكية، كغيرها من التعبيرات المختلفة للقوى السياسية المركبة، كلمة لا تختلف في مدلولها من جيل إلى جيل فحسب، بل من حقبة إلى حقبة.))
وييقول مكسيم لوروا في كتابه "رادة الاشتراكية الفرنسية" يقول:-(( لاشك في أن هناك اشتراكيات متعددة، فاشتراكية بابون، تختلف أكبر الاختلاف عن اشتراكية برودون، واشتراكيتا سان سيمون وبرودون، تتميزان عن اشتراكية بلانكي، وهذه كلها لا تتمشى مع أفكار لويس بلان، وكابيه وفورييه، وبيكور ، وإنك لا تجد داخل كل فرقة أو شعبة إلا خصومات عنيفة، تحفل بالأسى والمرارة.))
وهكذا كُل مذهب شيوعي عبارة عن كنيسة مُستقلة
فقد انتهت الإشتراكية إلى مُجرد كلمة مُفرغة من المحتوى يستعملها جميع الفُرقاء لجميع المعاني المُتناقضة واصبحت تدل على الشيء كما تدل على نقيضه وأينما دخلت في أي بلد دخل وراءها الدم والرصاص ..
إنها جاهلية وقَبلية مادية مُعاصرة ذات أنياب ذَرية ومخالب إلكترونية ..
السؤال :- هل في الإشتراكية قسم يمثل الثبات والخلود وقسم يمثل المرونة والتطور ، أم فعلا كما قال مكسيم رودسون أن الشيطان يستطيع أن يجد في الماركسية نصوصا تؤيد ضلالته ؟؟
الإرهاب الشيوعي
كُل مَن لا يؤمن بالشيوعية فهو هدف يجب قتله وتصفيته جسديا ... ويقول لينين بالحرف :- (( إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً )) .. ويقول مكسيم جوركيالمؤرخ الروسي الشهير
(( أنه في أثناء فترة حكم لينين كانوا يقومون بسلخ جلود كل من يُبدي مُعارضة للشيوعية ويقومون ببقر البطون وتفكيك الأمعاء .))*
وهكذا يتردى الإنسان ويُعامَل كالدواب وفي تشرين الأول 1919 قابل لينين إيفان بافلوف وأُعجب بنظريته في الفعل اللاإرادي الشرطي لدى الحيوان وأراد منه أن يُطبقها على الإنسان يقول بافلوف :- (( قال لي لينين أُريد أن أجعل المُجتمعات الرُوسية تُفكر كليا بالنظام الشيوعي وأن تتحرك به لقد اندهشت . لقد أراد مني أن أفعل بالإنسان ما فعلته بالكلاب قال ينبغي أن يتحرك الناس كما نُريد .)) **
- وهل ننسي الثورة البلشفية وليون تروتسكي ثاني أقوى شخصية في تاريخ الشيوعية بعد لينين الذي أدخل روسيا بأفكاره في حرب دموية راح ضحيتها آلاف الأبرياء ..
ليون تروتسكي وضحاياه(42/252)
-وحسب تقرير KGB الذي أُعد سنة 1991 فإن 42 مليون إنسان قد قُتلوا في أثناء حُكم ستالين ..وفي ليلة واحدة في 18 آيار 1944 أصدر ستالين قرار بطرد 400 ألف مسلم من بلادهم إلى مجاهل سيبريا تمت تصفية نصفهم جسديا في الطريق ..
ستالين أكبر مجرم في التاريخ الحديث
-وما بين عامي 1949- 1975 تم قتل 26 مليون مسلم صيني ( الأتراك الأيغور ) في ظل حكومة ماو تسي تونغ الشيوعية .. وفي عام 1964 نشر ماو تهديداته قائلا :- (( جميع الحيوانات السُفلية سوف تُعدم وبهذا كان يُخرج معارضيه مِن الإنسانية وكان يعتبر كُل من وقف ضد الثورة خطأ تطوري .))*** ولذلك يقول :- (( بالنسبة لماو فإن أعداء الشعب ليسوا بشرا وليس لهم أدنى حق بالمعاملة الإنسانية .)) **** وقد مات ماو سنة 1976 بعد أن قُتل 50 مليون صيني بإسم الشيوعية والمادية الجدلية ( الهمجية ) الإلحادية .
السؤال :- أنا أُريد كسب المال بالطُرق الشريفة وأُريد القيام بمشروع استثماري صغير فهل بهذا أكون هدف يجب تصفيته جسديا في المجتمع الشيوعي ؟؟
_______________________
** نفس المصدر السابق
**** نفس المصدر السابق
وهكذا تبقى الشيوعية خُرافة ولن تصل لأبعد من هذا لأنه في تطبيقها فساد المُجتمع وانهياره ...!!!
ما الاعتراض على الأذان في مالطة؟
في مداخلة حوار علمي ثنائي بمنتدى إسلامي، يدعو للتمسك بمكارم الأخلاق، كنا نتوقع توفر النزاهة العلمية على اعتبار أن الحوار علمي. يهاجم الزميل السرداب الماركسية بمداخلة عنوانها (الشيوعية بين الماضي و المستقبل بين النظرية و التطبيق) و لكننا إن كنا نفتقد شيئاً في هذه المداخلة، فهو مكرمة الأخلاق الأولى : الصدق. كيف؟
المسألة الأولى: إن الزميل السرداب في غالبية الآراء التي يهاجم بها الماركسية، يسطو على آراء ماركسية، ينسبها لنفسه، ثم يهاجم بها الماركسية، ناسباً لها آراء و اقتباسات من محض خياله. من هذه الاقتباسات المختلقة : (كُل مَن لا يؤمن بالشيوعية فهو هدف يجب قتله وتصفيته جسديا ... ويقول لينين بالحرف :- (( إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً ))) و أنا هنا أتحدّى السرداب أن يأتيني بمصدر هذه العبارة، و أنتظر منه كتاب أو مقال من أعمال لينين نفسه.و أتحدّاه أن يثبت أن صور الضحايا التي وضعها في مداخلته هم ضحايا لينين و تروتسكي. هل أصبحت أساليب الاستعمار الأمريكي الذي يصور مشاهد القتل و يلصقها بالمقاومة العراقية تروق لك يا زميل؟
المسألة الثانية: اعتماده مقياس مزدوج للحقيقة، يمدح الشيء إذا توافق مع مزاجه، و يذم الشيء ذاته حين لا يتفق. فهو يستميت، كأي إسلامي بطبيعة الحال، دفاعاً عن ملكية وسائل الإنتاج، و يعتبرها الخير المطلق، و ثم يحدثنا عن شر ملكية الدولة لهذه الوسائل و يعتبرها استغلالاً. لا بل لا يتردد بأن يقول (لقد كان ماركس على حق في إدانة الإستغلال* ولكن هذا لا يُمكن أن يتسق مع فكره المادي).
يفاجئنا الزميل السرداب منذ بداية مداخلته بعبارة مريبة و غريبة جداً، فهو يقول : " لست بصدد سرد تعريفات أو بسط مصطلحات للشيوعية في هذه المُداخلة الإفتتاحية فأنا فقط سأُركز هنا على نقاط الحوار لكن مَن يُريد أن يعرف مُقدمة سريعة عن الشيوعية فيمكنه مراجعة شريط حقائق الشيوعية وعقائدها البالية أو شريط الشيوعية الماركسية وأهم رموزها". فهو يعلن و من دون تواضع، و الحق يقال، عن تلخيصه للفكر الماركسي بمداخلتين، بمنتدى إسلامي، و هو بهذا يعطي الحق للادينيين في منتدياتهم بتلخيص الإسلام بمداخلتين عن هذا الدين بمنتدى ملاحدة. لكن النيّات الطيبة التي عودنا عليها زملاءنا الإسلاميين، لا تقود دائماً إلى جنة الفلسفة. لقد تعثر طموح السرداب، و جاء فشله من حيث لا نتوقع، إنه لا يعرف ما هي الماركسية. لذلك أدعو من يريد أن يعرف شيئاً عن الشيوعية أن يقرأ كتاب كارل ماركس و فريديريك أنجلز ( البيان الشيوعي)، كبداية، و هو كتاب سهل متوفر بكل اللغات تقريباً.
يقيم السرداب علاقة بين الداروينية و الماركسية، و هو كونه إسلامي و لا أقول مؤمن بدين الإسلام (فليس كل مؤمن بدين الإسلام إسلامي)، يعادي النظريتين.
لماذا يعادي الإسلاميون الداروينية و الماركسية؟(42/253)
حسب الأصولية الإسلامية فإن الليبيرالية و الماركسية هما الشر المطلق، لماذا لأن الأولى إيديولوجية الدفاع عن الشخصية الفردية للإنسان، و الثانية عن الطبقة العاملة.،فالإسلامي على العكس يطالب بملكيته، و الحماية ضد العامل. يكره الإسلامي كل شكل من أشكال المساواة، مساواة المرأة بالرجل، التي يسميها السرداب، لسبب أجهله، تفكك أسري، العلمانية لأنه تلغي تفرقة المسلم مع باقي الأقليات الدينية، و طبعاً و الأهم المساواة الحقيقة، إلغاء الطبقات في المجتمع، و هذا ما يكرهه الإسلامي. فهو يقول (.. تصوروا بيل جيتس يقود أكبر مؤسسة تُجارية في العالم يتحول في الدولة الشيوعية إلى ماسح أحذية في الشركة التي بناها بمجهوده وعرقه هكذا تحت مُسمى إلغاء الملكية الخاصة تُسرق أملاك أُناس قضوا أعمارهم في جمعها ) أنظروا كيف يحتقر الإسلامي العامل، و الطبقة العاملة.
هم يكرهوا كل تطور، فيكيلون كل حقدهم على الداروينية. يستعينون بأعقد وسائل الاتصال (الساتلايت الرقمي، الانترنت) ليحدثونا عن أسد نطق الشهادتين، و ساحرة طارت بالهواء عارية، و عفاريت تحيط بنا. هذه الأفكار الآتية من العصور الوسطى نجدها الآن في القرن الواحد و العشرون، ليس في بيت فلاح جاهل بسيط، بل في ناطحات السحاب بدبي و أبوظبي.
سأبدأ مداخلتي هذه بشرح مبسط لبعض المفاهيم عن الماركسية. و لذلك سأبدأ بالمادية، و طبعاً مداخلتي هذه لا يمكن لها أبداً اختزال الفكر الماركسي.
تسمى الماركسية، المادية التاريخية، لكن ماذا نعني عندما نقول فيورباخ فيلسوف مادي؟ هل هذا يعني أنه يحب المال؟ طبعاً لا.
ما هي إذاً الفلسفة المادية؟
الفلسفة المادية هي تلك التي تجيب على سؤال نظرية المعرفة. إنه الجدل القديم جداً بين الماديين، والمثاليين . إن نظرية المعرفة هي المسألة الأساسية بالفلسفة، و موضوعها هو البحث بين التفكير و الوجود. أي أنها تجيب على أسئلة من النمط التالي : هل بإمكان الإنسان أن يعرف العالم؟ و كيف يتم ذلك؟ كيف نعرف الحقيقة؟ هل تكفي الحواس لمعرفة العالم أم لا؟ و هل للعالم وجود خارجنا؟ كيف تجيب المادية الجدلية ( الماركسية) على هذه الأسئلة؟ لو أننا حاولنا أن نلقن طفلاً ضرورة أن يغسل يديه قبل تناول الطعام فإننا نقول له ذلك، و قد نشير إلى طفل مريض، و نقول له : " أنظر إنه مريض لأنه لم يغسل يديه قبل الطعام". هنا نرى أن التلقين قد تم عبر حاستين، هما حاستي السمع، و حاسة البصر. و هكذا كل تلقين أو معرفة يجب أن يمر عبر حواس. و هذا ما تقوله المادية الجدلية بالضبط: معرفة العالم الخارجي تتم من خلال الحواس. فمثلاً كان يرى الفيلسوف كانت أن المعرفة المتحصلة من خلال الحواس هي معرفة خاطئة و مضللة. أما المعرفة الحقيقية فبرأيه، هي المعرفة القبلية لا نحصل عليها بواسطة التجربة بل من الله الذي منحنا إياها قبل التجربة و الممارسة. هذا النوع من المعرفة السابقة على التجربة ينفيه ماركس.
هل تعتقد بالمادية التلقائية؟ تلك المادية التي يجب أن نعتنقها جميعاً، مؤمنين و ملحدين. تلك المادية التي لا يمكن إنكارها، لوضوحها، وحضورها في حياتنا اليومية. عما أتحدّث؟ تلك المادية التي تدعو إلى الثقة بحواسنا التي تقول لنا بوجود العالم المحسوس، المادي الخارج عن ذاتنا.
أنا أعتقد( ولا أقول أنني مؤمن) بأن ذاتي غير منفصلة عن جسدي، أزول بزوال جسدي، بدأت بجسدي، وما كنت قبله، سأنتهي بموتي، ولن أكون بعده.
هذه النقطة مرفوض دينياً، كل الديانات ترفضها. هناك وجود غير مادي منفصل عن الجسد المادي، لا بل يسبقه، فيقول كن فيكن. فكانت المادة من هذه الكينونة الغير مادية المنفصلة عن المادة.
هناك نقطتين جوهريتين في الطرح المادي لا يمكننا فصلهما:
1. التأكيد على أن العالم المادي موجود مستقل عن ذاتي و عن الفكر الذي تحمله ذاتي. أي الموضوعية الذاتية ، التي تعرّف الذات كمادة.
2.التأكيد على أن ذاتي ، بكينونتي و أفكاري تعتمد على هذا العالم المادي الموجود و ذاتي و أفكاري ليست إلا شكل من أشكال هذا العالم المادي، فهي إن كانت من الذات فذاتي مادية كما قلت في نقطتي الأولى. لا يمكن لأفكاري إذاً أن تسبق ذاتي.
يقول ماركس أن الإنسان كائن طبيعي (من الطبيعة)، فهو من طبيعة مادية في تغيير مستمر. الإنسان غير مستقل عن الطبيعة، حيث أنه بيولوجياً يتطور باحتكاكه معها، و كذلك فهو يعتمد على الطبيعة لبقائه. و من هنا كانت الداروينية و الماركسية مرتبطتان، فكلتا النظريتين ماديتين. و على هذا الأساس تفسر الماركسية التاريخ.
فالصراع حسب الماركسية، صراع طبقي مادي. و هو مايرفضه كل من بوش و الإسلاميين. فكلاهما يعتبران أن الصراع صراع حضارات، لماذا؟(42/254)
لا يريد بوش أن يعترف أمام شعبه أنه احتل العراق لنهب خيراته، بل لمحاربة المسلمين الإرهابيين الأشرار، فكان هو كذلك يرفض الداروينية، مثله مثل الإسلاميين. لكن مهلاً ما شأن الزميل السرداب ببوش؟ يستعين الزميل السرداب بمراجع أمريكية صرفة للهجوم على الماركسية، و كذلك بمراجع للداعية هارون يحي وهو تركي الأصل، له 150 كتاب (على فكرة الرجل من مواليد 1956) كلها موجهة ضد الداروينية، والمادية)، بين يدي كتاب له، عنوانه ( كذب نظرية التطور،الانهيار العلمي للداروينية وخلفيته الأيديولوجية). كتاب مجلّد تجليد فاخر، بورق غالي الثمن، لكن المحتوى أسوء من سيء. المراجع التي يعتمد عليها عددها حوالي 220 مرجع، جميعها بلا استثناء أمريكية، واضح جداً أن المؤلف لم يجد مصادر أخرى إلا لدى أصحاب التيار المحافظ الأمريكي من دعاة نظرية التصميم الذكي، نجد كتب مثل (Da r win's black box) وكذلك (Why much of what we teach about evolution is w r ong)، يتحدّث المؤلف عن الخلفيات الأيديولوجية للداروينية، فنراه تارة يربطها بالفاشية، وتارة بالرأسمالية، والشيوعية، وينسى أن من يعتمد هو عليهم في هجومه على الإلحاد والداروينية هم التيار الأمريكي المحافظ، أكبر المدافعين عن حق إسرائيل في الوجود، وأصحاب نظرية صراع الحضارات. فإن لم يكن الصراع الطبقي (أي المادية التاريخية) هو الصراع الحقيقي في العالم و المجتمع، إذاً فالصراع حضاري، و هو خطاب يلائم كل من الإسلاميين و تيار بوش اليميني. و حيث أنهم يدعون أن الداروينية باطلة ذلك لأن التصميمي الذكي صحيح، معنى هذا أن المناداة بحقوق المرأة و المناداة بمساواتها مع الرجل هو ضد ما صممه الله.
و لهذا فعندما يقول السرداب : " ولأول مرة في تاريخ الفكر البشري يصير للهمجية مدرستان فلسفيتان الأولى تُطبق على التاريخ الطبيعي والثانية تُطبق على الوضع الإجتماعي وهكذا يترعرع الإلحاد في هذه التربة الفاسدة وتنمو شجرته الخبيثه مع الوقت وكما علمتنا البداهة البشرية فإن الشجرة الطيبة تطرح ثمارا طيبة والشجرة الخبيثة تطرح ثمارا خبيثة"
فعندما تكون مصادر فكرك و فكر هارون يحي مصادر امبريالية أمريكية دنيئة، أي ثمار من هجومك على الماركسية نتوقع؟ أترك الإجابة للقارئ.
علم الأخلاق الماركسي:
يقول السرداب:
(قامت الشيوعية على مُصطلح الإستغلال مقصورا على معناه الأخلاقي والإنساني ومُصطلح الإستغلال وأن أصحاب وسائل الإنتاج يستغلون العمال هذا المُصطلح يدور في إطار فكرة الخير والشر . وأصبح المستغِل شرا مُشخصا والضحية المستغَلة خيرا مُشخصا فأن تدين الأعمال الشريرة معناه أنك تعترف بأنها نتيجة الإختيار الحُر للإنسان ، وإلا فإن إدانة الشر تكون بلا معنى فإدانة الإستغلال وأن الشر يمكن إزالته والإختيار الحُر كلها مفاهيم تؤكد أن مُجرد اختزال الحياة والعلاقات بين البشر في مصطلحات مادية مستحيل إطلاقا ... لقد كان ماركس على حق في إدانة الإستغلال* ولكن هذا لا يُمكن أن يتسق مع فكره المادي خاصة عند مَن يُنادون بنسبية الأخلاق مِن الملاحدة النصابين)
هنا يبدو السرداب في أسوء حالاته، فهو لا يعرف عما يتحدث. يقول السرداب أن إدانة الاستغلال هي تدور في إطار الخير و الشر، و أن هذا الشر يمكن إزالته نتيجة الاختيار الحر للإنسان. و يقفز مباشرة إلى نتيجة مفادها الماركسية قائمة على مفاهيم مثالية!!!
هل حرية الاختيار نابعة من فكر مثالي؟ على العكس.
في القرآن نجد آيات تؤكد أن الإنسان مسير و غير مخير مثلاً:
(يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء)
(قل لا أملك لنفسي نفعاً و لا ضرراً)
إن معنى هذه الآيات أن هنالك قدراً مسبقاً يلاحق الإنسان، ليس له فيه خيار، و أن هذا القدر يأخذ صورة القرار النهائي، فهو (مكتوب)، الذي يحدد الأفعال و نتائجها، و العواقب المترتبة عليها.
لكن ما الذي يحدد خيار أي إنسان منا؟ إنها أفكارنا و انفعالاتنا و تجاربنا، و هذا يعني أن هذه الأفكار كانت قبلي أنا، لأنها (مكتوبة) سلفاً، و لكنني شرحت في بداية مداخلتي ماهية الفلسفة المادية، و القائلة بأسبقية المادة على الفكرة.
هل لفكرة ما أن توجد خارج المادة (دماغي) لتسبقني؟ إن كان الجواب نعم فمن أين أتت؟
الله؟ و لماذا أعاقب أنا على أفكاره؟
لا منطق في الطرح المثالي ، اللامادي القائل بأسبقية الفكرة على المادة (في البدء كان الكلمة، و الكلمة صار جسداً).
و الآن يا سرداب، ألا تعتقد أن هنالك حدوداً تتوقف عندها؟ ألا يصح أن تتحدث عما تعرف، و لو مرة واحدة؟ أما الحديث عما تجهل فهو يسيء لك من جانبين:
الأول أن تظهر بمظهر مدعي المعرفة، و تقول ما لا تعرف.
الثاني: الاستخفاف الذي تعامل به القراء، فتلقي إليهم بمعلومات خاطئة، و أنت متأكد أنهم لن يكتشفوا حقيقة الأمر. المسألة تحتاج إلى ضمير علمي.(42/255)
لكننا لم ننتهي من مسألة علم الأخلاق الماركسي. إن الفكر الماركسي هو أعمق و أكثف من ناقش مسألة الاغتراب (Alienation) و حدد قيام المجتمع الشيوعي بكونه هو الوسيلة الوحيدة الممكنة لتجاوز هذا الاغتراب، لكن السرداب يوجه هذا السلاح بالذات ضد الماركسية، كيف؟ من خلال اعتبار الفكر الماركسي يرى في الإنسان وسيلة لغاية معادية للإنسان. فهو يقول: (فأين تلك الحُرية التي وعدت بها الشيوعية في حين يُسلب الإنسان حُريته وتصبح الثروة والسُلطة بيد الدولة ويصبح المواطن أجيرا لديها بشكل أو بآخر) ثم يضيف: (لكن المثير للدهشة في الدولة الشيوعية أن الدولة الشيوعية لا تسرق وسائل الإنتاج من صاحب رأس المال لتعطيها للعمال بل تتسلط الدولة وتُسيطر سيطرة كاملة على وسائل الإنتاج وتصير الصورة النهائية أن الدولة تطرد الرأسمالي لتلعب هي دوره بأبشع ما تتهمه به ..!!! )
لن أناقش في مقارنة السرداب المريبة بين النظام الرأسمالي ( الذي يسعى إليه كل إسلامي) و الاشتراكية. فلا صلة لهذه المسألة بعلم الأخلاق، لكن سوف أناقش مسألة تسلط الدولة الشيوعية على الفرد.
طبعاً مهما يكون زميلنا جاهل بالماركسية، فلا أعتقد أنه نسي طروحات ماركس الشهيرة عن موت الدولة، و موت الحزب في المجتمع الشيوعي. فما دام ماركس يعلن موتهما، فأين هو تسلط الدولة الذي يكون ضحيته الإنسان؟
الأغلب أن السرداب يتحدث عن مرحلة سابقة حيث يكون الإنسان جزءاً من الحزب الذي يناضل من أجل استلام البروليتاريا (الطبقة العاملة) للسلطة. و إن حزباً كهذا لم ينجح ماركس في بناءه، بل إن لينين هو الذي بناه. و هو قد حدد الحزب في كتابه (ما العمل) قيادة التغيير لصالح الطبقة العاملة، من خلال الوعي. و الوعي هنا يعني الوعي بالضرورة الاجتماعية و السيطرة عليها. إن المفارقة الغريبة أن السرداب نسي أنه يتحدث باسم العقيدة الإسلامية، و المسلم هو من سلم أمره لله، و لن يصيبه إلا ما كتب الله له، فهل هذا الفكر الإسلامي يصلح منطلق لليبيرالية تدعو إلى إنسان لذاته و من أجل مصالحه الخاصة، لا من أجل الآخرين؟
إن علم الأخلاق يعالج علاقة الإنسان بالمجتمع، فلنر كيف يحدد ماركس علاقة الإنسان بالمجتمع الشيوعي، حيث يرى ماركس أن تقسيم العمل في المجتمعات الطبقية، (يعني الرأسمالية كذلك) يجعل للإنسان عمل واحد: ( فهو صياد أو سماك أو راع أو ناقد، و عليه أن يبقى هكذا، إذا أراد أن لا يفقد وسائل العيش. في حين أنه في المجتمع الشيوعي،، حيث لا يكون لكل إنسان مجال خاص من النشاط، بل يمكن لأي كان أن يتقن التخصص الذي يرغب فيه، فيتولى المجتمع تنظيم الانتاج العام، و هكذا يصبح من الممكن لي أن أفعل شيئاً هذا اليوم، و أن أفعل شيئاً في اليوم التالي، فقد أصطاد في الصباح، و أصيد السمك بعد الظهر، و أربي الماشية في المساء، و أمارس النقد بعد العشاء كما يحلو لي، من غير أن أكون صياد أو راعي أو ناقد).
لا شك أن القارئ كان يتوقع حواراً بين مفهومين لعلم الأخلاق، و تحديد مسائل مثل الاغتراب، العلاقة بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة، الغاية و الوسيلة، إلخ... لكن كيف يكون باستطاعتنا أن نفعل هذا مع رجل، لا يعرف أي شيء عن هذه المفاهيم، وظيفته الشتم لا العلم، و الاختلاق، و ليس الدقة العلمية؟؟
الماركسية و اليهودية:
يقول السرداب: ( بل لقد جمعت الدعاية الماركسية تعاليم ماركس وأنجلز وأضفت عليهما ما يُضفيه رجال الدين على الأديان ، جتى ليقول أحد المُفكرين :- (( لعل ماركس أصغر أنبياء بني اسرائيل وكتاب رأس المال التوراة الجديدة .))* .. )
لنقرأ ماذا يقول ماركس عن اليهودية، في كتاب ماركس الشهير (طبعاً الذي لم يسمع عنه السرداب) المسألة اليهودية:
(و لأن الجوهر الحقيقي لليهودي قد تحقق بشكل عام في المجتمع البورجوازي، و أصبح دنيويا، لم يستطع المجتمع البورجوازي إقناع اليهودي بوهمية جوهره الديني الذي هو ليس سوى المفهوم المثالي للحاجة العملية. و هكذا فإِننا لا نعثر على جوهر يهودي اليوم في الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم وفي التلمود وحسب، وإنما نجده في المجتمع الراهن، ليس كتجريد وإنما ككائن على أعلى درجة من العملية، ليس فقط كضيق أفق يهودي وإنما كيهودية مجتمع ضيق الأفق.
حالما ينجح المجتمع في التغلب على الجوهر العملي لليهودي، أي على السمسار، يصبح وجود اليهودي مستحيلا، لأن وعيه لا يعود يملك موضوعا، و لأن القاعدة الذاتية لليهودية، وهي الحاجة العملية قد اتخذت طابعا إنسانيا، لأن النزاع بين الوجود الفردي المحسوس وبين وجود النوع البشري قد ألغي. إن التحرر الاجتماعي لليهودي هو تحرر المجتمع من اليهودية)
ماذا عن الماركسية و الصهيونية:(42/256)
تمثل الأيديولوجية الصهيونية، البرجوازية اليهودية و ممارساتها السياسية. أما ظهورها على المسرح التاريخي يتطابق من حيث الزمن مع تحول رأسمالية المزاحمة الحرة إلى إمبريالية ( راجع كتاب لينين "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"). أي أن الصهيونية، تلك الظاهرة التي ولدتها الإمبريالية قد كانت عدواً من أشد أعداء الماركسية، حيث كتب ونستون تشرشل سنة 1920 معرباً عن رأي الأوساط الحاكمة الانجليزية، أنه يعتبر الصهيونية " رداً على الشيوعية العالمية" و لهذا السبب ينبغي أن تظفر الصهيونية بروح الشعب اليهودي". في المقابل نتذكر شيخ الأزهر السابق، عبد الحليم محمود، قبل أن يستقبل رئيس دولة العدو الصهيوني، بيغين، و في مقابلة مع إحدى المجلات المصرية و هو يبتسم : " همي الآن هو محاربة الشيوعية و اعتبر هذا تخصصي".
هل رأيتم كيف أن كتاب رأس المال هو التوراة الجديدة؟
عن (سرقة (إلغاء) الملكية الخاصة ) :
كما قلت في بداية مداخلتي فإن الإسلاميين يستميتون دفاعاً عن الاستغلال، و أقصد به ملكية وسائل الإنتاج. و كحال كل المدافعين عن الاستغلال، تجدهم يكيلون الشتائم على الفقراء و الكادحين، و ما أن يطالبوا بحقهم بالمساواة حتى تسمع الشتائم و الصفات. لقد أطلق السادات على من ثاروا عليه في انتفاضة يناير عام 1977 صفة (حرامية). تذكرت هذه الحادثة لأن السرداب لم يتردد أكثر من مرة باستعماله ذات الوصف فهو يقول بالحرف: (.أما المائة ألف لص في المؤسسات والجمعيات التعاونية).
نجد ذات الشيء بالتاريخ الإسلامي. فالثورات العامة في بغداد لها تاريخان: واحد كتبه الكتاب الرسميون، فأطلقوا الصفات التالية على من قاموا بهذه الثورات (اللصوص و الشطار و العيارون و الفتيان و الزعار و العياق و الحرافيش و الفساق). أما التراث الشعبي فقد جعل منهم أبطالاً يجترحون الأفعال الخارقة دفاعاً عن الحق و الخير كما في حكايات علي الزيبق و الشاطر حسن. (راجع كتاب محمد رجب النجار " حكايات الشطار و العيارين").
لكن يا كميونيست، الزميل السرداب يقول، هو و باقي الرأسماليين بأن (الملكية الخاصة هي مُكافأة المكافحين والأكثر موهبة والإشتراكية هي مُكافأة الكسالى والأكثر اتكالية فإلغاء الملكية الخاصة نظام لا يقبله العقلاء .
فصاحب رأس المال هو مالكه لأنه من عرق جبيه وعرق جبين أبيه وليس ذنبه ان هناك مَن يمتلك أقل منه ، ليس ذنبه حتى يقع فريسة حسد وحقد هؤلاء الذين لا يملكون ما يملكه وعندما يستغل وسائل الإنتاج التي يملكها فإنه يستفيد مِن العامل والعامل يستفيد منه أيضا ومن حق العامل عليه أن يأمن له أجر يكفيه مقابل مجهوده لكن عندما يصدر قانون يُجبر صاحب المال أن يتنازل عن وسائل الإنتاج لهذا العامل فهذا عين البلاهة وحماقة التصرف بأي حق تُنتزع ملكية هذا الرجل هل لأنه ظلم العامل ولم يُعطه حقه كاملا ؟؟ إذن هل المُتوقع مِن القانون أن يُؤمن العُمال ويعطيهم حقوقهم أم يتجاوز كل هذا ويسلب فجأة كل وسائل الإنتاج من يد صاحب الراس المال ليعطيها للعمال ؟؟ إنها همجية جاهلية ... إنها عين الجاهلية المُعاصرة )
إذاً لماذا يا كميونيست تكره الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج؟
هناك نظرية بالماركسية تفسر لنا سبب الصراع بين العمال و أصحاب رأس المال، طبعاً السرداب لم يحاول حتى أن يفندها، و كيف له و هو أصلاً لا يعرفها؟
لنفترض أن عاملاً يعمل لدى خراط مفاتيح، لنفترض أن العامل إنما يترتب عليه أن يصنع مفتاح واحد وينتهي منه في يوم واحد. ولنفترض أن المادة الأولية - الحديد والنحاس بشكلهما الضروري المحضر سلف - تكلف 20 قرش؛ وأن استهلاك الكهرباء في الآلة واستهلاك هذه الآلة نفسه، والمخرطة وسائر الأدوات التي يشتغل بها العامل، يبلغ، في يوم واحد، وبالنسبة لما يصرفه العامل، ما قيمته قرش واحد. و إذا افترضنا أن أجرة العامل 3 قروش في اليوم. وهكذا تبلغ تكاليف قطعة الآلة 24 ماركا بالإجمال. ولكن الرأسمالي (صاحب المخرطة) يحسب أن يحصل من زبائنه على ثمن وسطي قدره 27 ماركا أي بزيادة 3 ماركات عن النفقات التي قدمها.
فما هي قيمة عمل هذا العامل؟ في مثالنا هذا هي 27 قرش - 21 قرش (تكلفة المواد الأولية) فتكون قيمة العمل 6 قروش.(42/257)
قف!- يصيح بنا العامل - "6 قروش؟" ولكني لم أقبض إلا 3 قروش! إن الرأسمالي يحلف الأيمان المغلَّظة أن قيمة عملي مدة 12 ساعة لا تساوي إلا 3 ماركات وإذا طالبته بـ6، فإنه سوف يسخر مني. فما معنى هذا؟" لقد بحثنا عن قيمة العمل ووجدنا أنها أكثر مما كان ينبغي أن تكون. فإن قيمة 12 ساعة عمل هي 3 قروش بالنسبة للعامل، و6 قروش بالنسبة للرأسمالي الذي يدفع منها للعامل أجرة 3 قروش ويضع في جيبه القروش الثلاث الباقية. وهكذا يكون للعمل بالتالي لا قيمة واحدة، بل قيمتان اثنان ومتباينتان كل التباين أيضا! هناك قيمتان، القيمة الأولى هي قيمة (قوة العمل) التي يؤجرها العامل للرأسمالي، و قيمة أخرى هي (قيمة العمل) و هي قيمة لا تنتج إلا بتدخل العامل في عملية الإنتاج، أي أن قيمة العمل مصدرها من قوة عمل العامل، و الفرق بين القيمتين هو ربح الرأسمالي، و هو فائض القيمة.
معنى هذا أن رأس المال يفترض وجود عمل مأجور، و العمل المأجور كذلك يفترض وجود رأس المال. كلا المفهومين هما شرط للآخر.
لكن هل عاملنا في مثالنا هذا ينتج فقط مفاتيح؟ لا، بل ينتج رأس المال المتكدس في جيب الرأسمالي. فحتى يكدس الرأسمالي أموالاً إضافية عليه أن يخفض من أجور عماله، يربح الرأسمالي عندما ينخفض الأجر. العلاقة عكسية. هذا يعني أن العلاقة الثنائية بين العامل و الرأسمالية علاقة أضداد، مصالح كل منهما تعارض مصالح الآخر.
وهكذا فإن ربح الرأسمالي لا يكون إلا من عرق العمال، ففي مثالنا السابق، افترضنا أن أجر العامل 3قروش، و أن عمله قد خلق ما قيمته 6 قروش، فإذا كانت مدة العمل باليوم 12 ساعة، فإن قيمة 6 ساعات عمل هي 3 قروش. وإذا الرأسمالي يصرخ الآن: "رويدك! لقد استأجرت العامل ليوم كامل، لـ 12 ساعة. و6 ساعات ليست سوى نصف يوم. إذن، فعليك يا عامل أن تعمل و تكدح حتى تنتهي أيضا الساعات الست الباقية - وحينذاك فقط، يبرئ كل منّا ذمته تجاه الآخر!". وجب على العامل إذاً أن يخضع بالفعل للعقد الذي قبِل به "بملء إرادته"، ليعمل (بالمجان) باقي مدة الست ساعات، و هو ما يربحه الرأسمالي. لهذا فملكية وسائل الانتاج هي السرقة. (راجع كتاب العمل المأجور ورأس المال، لكارل ماركس و مقدمته بقلم فريديرك أنجلز).
لا يسعى الفكر الماركسي إلى إلغاء الملكية، عامة، بل الملكية البرجوازية، أي ملكية وسائل النتاج. فكما ألغت الثورة البرجوازية بفرنسا ملكية الاقطاع لتحل محلها الملكية البرجوازية، هذه الملكية القائمة على استغلال الطبقة العاملة. لهذا يريد الشيوعيون إلغاء هذه الملكية.
يسأل السرداب في هذا الخصوص: (السؤال :- أنا أُريد كسب المال بالطُرق الشريفة وأُريد القيام بمشروع استثماري صغير فهل بهذا أكون هدف يجب تصفيته جسديا في المجتمع الشيوعي ؟؟)
(يجيب كارل ماركس و فريديريك أنجلز بالبيان الشيوعي: (وإنّ ما يميّز الشيوعية، ليس القضاء على الملكية بشكل عام، بل إلغاء الملكية البرجوازية. غير أن الملكية الخاصة للبرجوازية االعصرية هي آخر تعبير وأكمله عن الإنتاج وتملّك المنتجات القائم على التناحرات الطبقية، وعلى استغلال البعض للبعض الآخر.
وهكذا يستطيع الشيوعيون أن يلخّصوا نظريتهم بعبارة وحيدة: إلغاء الملكية الخاصة. لوسائل الإنتاج. ونحن الشيوعيون، يؤخذ علينا أنّنا نريد إلغاء الملكية المكتسبة شخصيا بجهد فردي، هذه الملكية التي تشكّل، كما يُزعم، أساس كل حرية شخصية وكل فعالية وكل استقلال فردي. ملكية مكتسبة بالجهد والإستحقاق الشخصيين! فهل تتحدثون عن الملكية البرجوازية الصغيرة، والفلاحية الصغيرة، التي سبقت الملكية البرجوازية؟ لا تخشوا على هذه الملكية منا فليس نحن من سيلغيها، و لسنا بحجة لأن نلغيها. فإنّ تطور المجتمع الرأسمالي قضى ويقضي عليها يوميا.
أم أنّكم تتحدثون عن الملكية الخاصة للبرجوازية الحديثة؟ ولكن، هل يخلق العمل المأجور، أيْ عمل البروليتاري، ملكية له؟ قطعا لا. إنه يخلق رأس المال أي الملكية التي تَستَغل العمل المأجور، والتي لا يسعها أن تنمو إلاّ شرط أن تنتج عملا مأجورا جديدا، لتستغلّه مرة ثانية.
فالملكية، في شكلها الحاليّ، تتحرك في التناقض بين رأس المال والعمل المأجور. فلنمعن النظر في طرفي هذا التناقض. إنّ كون المرء رأسماليا لا يعني أنه يشغل مركزا شخصيا فحسب. بل يشغل أيضا مركزا اجتماعياً في الإنتاج. فرأس المال هو إنتاج جماعي، لا يمكن تحريكه إلا بنشاط مشترك لأعضاء كثيرين، بل إنه، في التحليل الأخير، لا يحرَّك إلاّ بالنشاط المشترك لجميع أعضاء المجتمع. فرأس المال إذن ليس فاعليّة شخصية، بل فاعليّة اجتماعية.. و من ثم، إذا تحوّل رأس المال إلى ملكية مشتركة تخص جميع أعضاء المجتمع، فهذا يعني أنّ الملكية تفقد طابعها الطبقي.
ولننتقل إلى العمل المأجور: فإن الثمن الوسط للعمل المأجور هو الحدّ الأدنى لأجر العمل، أي جملة وسائل العيش الضرورية لبقاء العامل كعامل على قيد الحياة. ومن ثم، فإنّ ما يتملّكه العامل المأجور بجهده يكفي فقط لإعادة إنتاج حياته.(42/258)
ونحن لا نريد، على الإطلاق، إلغاء هذا التملك الشخصي لمنتجات العمل من أجل إعادة إنتاج الحياة الشخصية، فهذا التملّك لا يترك (ربحا) صافيا سببه و نتيجته السيطرة على عمل الغير. نحن نريد فقط إلغاء الطابع المقيت لهذا التملك، الذي لا يحيا فيه العامل إلاّ لتنمية رأس المال، ولا يحيا إلاّ بالقدر الذي تتطلبه مصلحة الطبقة السائدة.
فالعمل الحرّ، في المجتمع البرجوازي، ليس سوى وسيلة لزيادة العمل المتراكم، والعمل المتراكم، في المجتمع الشيوعي، ليس سوى وسيلة لتوسيع السيرورة الحياتية للعمال، ولإغنائها وترقيتها. ففي المجتمع البرجوازي إذن يتسلط الماضي على الحاضر، وفي المجتمع الشيوعي يتسلط الحاضر على الماضي. وفي المجتمع البرجوازي رأس المال مستقل وله ذاتية مميزة، في حين أن الفرد الفاعل لا استقلال له، ولا ذاتيتة متميزة. وإلغاء هذا الوضع تسمّيه البرجوازية إلغاء الشخصية الفردية والحرية! وهي على حق. فإنّ الأمر يتعلق فعلا بإلغاء فردية البرجوازي واستقلاله وحريته.)
أما عن التأميم يا عزيزي، فلست وحدك من يكرهه أنت و المستعمر الأمريكي و الانجليزي و الفرنسي، و اليوم يقف مع هؤلاء الإسلامي. أذكر الجميع عندما صوت الإخوان المسلمون في مصر تلك الحركة البرجوازية المتعفنة لصالح القانون الذي يسرق من الفلاحين المساكين أراضيهم لصالح الإقطاعيين. تلك الأراضي التي أعطاها لهم عبد الناصر، بعد أن سرق لمصر قناة السويس من الاستعمار. من هم اللصوص يا سرداب؟
و من سبعين مليون إنسان في مصر كم منهم يملك يا سرداب؟ هل رأى القارئ معي كيف يدافع الإسلاميون عن مصالح الأثرياء؟
يسأل السرداب السؤال التالي:
"السؤال :- ما هو اللغز الخفي وراء ارتباط الشيوعية دائما بأبشع المجاعات في التاريخ البشري ؟؟ كمجاعة لينين والمجاعة التي أعقبت الثورة الكبرى لماو .."
إن الثورة العمالية الوحيدة في القرن العشرين هي الثورة البولشوفية، في روسيا. أما الثورة الصينية فقد قادتها البرجوازية الصينية الوطنية لتتخلص من أغلال الاستعمار و الإمبريالية و الأفيون. لذلك لن أدافع عن هذه الثورة، و إن كانت لها إنجازات لا يمكن إنكارها. أما عن الثورة البولشوفي في الاتحاد السوفيتي، و التي كانت عام 1917 بعد حرب عالمية ضروس بدأت عام 1914، جرجرت أوروبا في ويلات و مجاعات كانت روسيا تعاني منها قبل الثورة. طبعاً استمرّ هذا البلد الكبير في حالة حرب حتى عام 1926، فبعد الحرب العالمية، دخلت الجيوش الأوروبية، و عددها 17 عشر جيشاً تريد قهر الدولة العمالية و تجويع شعبها، فكيف يكون البولشوفيون هم السبب بالمجاعة يا سرداب؟ طبعاً التنمية الحقيقية بدأت بالاتحاد السوفيتي عام 1930 حين كان دخل الاتحاد السوفيتي في المرتبة 26 عالمياً و جيشه أضعف جيش بالعالم. كل هذا و على الرغم من جدة التجربة و الأخطاء العديدة التي ارتكبها الطاغية ستالين، استطاع الاتحاد السوفيتي أن يبني جيش من أقوى جيوش العالم، و أن يصل الفضاء. ماذا عن الدول الإسلامية البترولية؟ مازالت دول متخلفة تقيم الشريعة الإسلامية، و ملياراتها في بنوك الصهاينة و الأمريكان.
حقوق المرأة:
يتهم السرداب الماركسية بأنها تريد التخلص من العائلة. فهو يقول (القضاء على أكثر العلاقات حميمية في تاريخ الفكر البشري بدعاوى تافهه يجعلنا أمام أساطير وأفلام خيال علمي .. إن محاولة تبديل الجينات البشرية والإنتقاص من قيمة الأُمومة والأُبوة والحُضن الأُسري بدعاوى تافهة فمصير هذه المُحاولة إلى الجحيم لا مُحالة ...) .
فهل فعلاً أن الماركسية تريد القضاء على هذه العلاقات الحميمة؟
من الأدبيات الماركسية الهامة جداً التي عالجت هذه المسألة هو كتاب أنجلز (أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة). قلت في بداية مداخلتي أن الإنسان كائن طبيعي، أي من الطبيعة، و لكنه أيضاً كائن اجتماعي. فلذلك ترى الماركسية أن المجتمعات الإنسانية مكونة من أفراد و علاقات بين هؤلاء الأفراد. فليس للأفراد أن ينفصلوا عن الطبيعة، أو باقي أفراد المجتمع. يبدأ الإنسان باطبيعة، فيتنزع منها وقود عيشه، و ذلك بالعمل، فيتطور بهذا العمل، و بعد ذلك يأتي التعاون مع باقي أفراد المجتمع، فتكون هناك علاقات الانتاج و تقسيم العمل. و يبيّن لنا أنجلز كيف تطورت العلاقات بين الرجل و المرأة، و الأبناء. و كيف كانت المجتمعات البدائية مجتمعات أمومية، المرأة فيها كائن مقدس، حيث كانت الآلهة مؤنثة (عشتار و أفروديت،...) سبب ذلك يعود أن المجتمعات الإنسانية البدائية كان الزواج فيها جماعي، فكان ينسب الأبناء للنساء و ليس للرجال، لاستحالة النسب للرجل (الزوج الجماعي). فالانتقال من مجتمع الشيوعية البدائية إلى مجتمع ملكية وسائل الانتاج يصاحبه تحولات رهيبة، فعشتار تحولت إلى بعل (الدين يتغير) و في البنية الاجتماعية للإنسان (العائلة، و العلاقات بين الرجل و المرأة). و كيف يفسر السرداب أن ملك اليمين كان مقبول اجتماعياً و إسلامياً، و اليوم هو مرفوض كلياً؟(42/259)
يتتبع أنجلز تطور العائلة و ظهور و تطور أشكال الملكية، و كيف أن الحرية الجنسية للمرأة كانت تتقلص لصالح الرجل، فمن تعدد الأزواج للمرأة (الزوج الجماعي)، إلى تعدد زوجات الرجل، حيث ليس للمرأة إلا رجل واحد. إن ظهور هذا النوع من العائلات، حيث للمرأة رجل واحد، و للرجل التعدد، عندما بدأ الثراء يتجمع بيد رجل واحد، و رغبة هذا الرجل بتوريث ملكه لأبناء يكون متأكد من نسبهم، فكان من الضروري أن يكون للمرأة رجل واحد ليضمن هذا الرجل نسبه، و لا مانع من تعدد زوجات الرجل. فعندما سمح القانون الروماني للرجل بملك اليمين، أعطاه الحق بنفس الوقت بقتل زوجته، أو ابنته، إذا ضبط إحداهن مع رجل و قتلهما. و هو ذات القانون الذي ورثه التشريع النابليوني، و تشريعاتنا العربية من بعده. فكلمة Family المشتقة من الأصل اللاتيني Famulus لا تعني المعنى المتعارف عليه من قبل العوام (رجل و امرأة و مجموعة أولاد) بل Famulus تعني العبد المنزلي و كلمة Famillia مجموع العبيد التابعين لرجل واحد. طبعاً هذا التعدد الزوجي لم يختفي بالمجتمعات البرجوازية.
فنجد مثلاً في المجتمعات الرأسمالية، الغربية، و إن حرمت شكلاً تعدد الزوجات، تجد بجانب هذا النظام، الخيانات الزوجية، و الدعارة. لهذا فإن أول صراع طبقي ظهر كان بين الرجل و المرأة، و أوّل قهر ظهر كان قهر الرجل للمرأة. المرأة بالمجتمع البرجوازية (الزوجة أو الابنة) تعد جزء من ملك الرجل، حيث (يبيع) الرجل الابنة عند قدوم العريس مقابل مهر يدفع للأب. و حيث أن الثورة الاجتماعية الآتية، لا محالة، و التي يساندها الشيوعيون تريد إلغاء ملكية وسائل الانتاج و إقامة المجتمع الشيوعي، فهل هذا يعني العودة إلى النظام البدائي حيث كان الزواج جماعي؟ يجيب أنجلز بالنفي حيث يقول :( ستغيير وضع الرجل في المجتمع الشيوعي تغيير جذري، و كذلك وضع المرأة. ستكون وسائل الانتاج شائعة. سيصبح تعليم الأطفال و تربيتهم مسألة يتكفل بها المجتمع، و سيأخذ المجتمع على عاتقه جميع هؤلاء الأطفال لقطاء و شرعيين. و سيصبح بمقدور الفتاة أن تعطي حبها من دون عائق و إدانة، للرجل الذي تحب. لقد رأينا كيف أنه في الوقت الحالي تتعايش الدعارة و نظام تحريم تعدد الأزواج، و إن كانا ضدّين، فهما متلازمين. ستختفي الدعارة التي هي شكل من أشكال خضوع المرأة للرجل، و تعدد الزوجات، لأن المجتمع سيلغي كل أنواع الاستغلال بين البشر، و سيكرّس المجتمع الشيوعي أحادية الزواج بين الجل و المرأة، حيث كل منهما يملك الآخر، و ليس لأحد أن يقيد زواجهما، أو انفصالهما، اللذان سيتحولان لمسائل شخصية بحتة). و هذا رد كارل ماركس و فريدريك أنجلز على هذه التهم في البيان الشيوعي: (إلغاء العائلة! حتى أكثر الراديكاليين تطرفا تثور ثائرتهم على هذا القصد الدنيء للشيوعيين.
فَعلامَ ترتكز العائلة الراهنة، العائلة البرجوازية؟ على رأس المال والتملك الخاص. وهي لا توجد بتمام تطورها إلاّ بالنسبة إلى البرجوازية، لكنّها تَجد تكملتها في الحرمان القسري من العائلة، بالنسبة إلى البروليتاري، وفي البغاء العلني. والعائلة البرجوازية تضمحلّ طبعا باضمِحلال تكملتها، فكلتاهما تزولان بزوال رأس المال.
أتأخذون علينا أنّنا نريد إلغاء استغلال الآباء لأبنائهم؟ هذه الجريمة نعترف بها، لكن تقولون إننا، بإحلال االتعليم الاجتماعي محلّ التعليم البيتي، نقضي على أكثر العلاقات حميمية. أليس المجتمع هو الذي يحدد تربيتكم أنتم، أيضا؟ ألا تحددها العلاقات المجتمعية التي تربون في إطارها؟ ألا يحددها تدخل المجتمع المباشر وغير المباشر بواسطة المدرسة، إلخ..؟ فالشيوعيون لا يبتدعون فعل المجتمع في التربية. إنهم فقط يغيّرون خاصيّته وينتزعون التعليم من تأثير الطبقة السائدة.
فكلما تمزقت، نتيجة للصناعة الكبيرة، كلّ روابط البروليتاري العائلية، وتحوّل الأولاد إلى مجرّد سلع تجارية ومجرّد أدوات عمل، تصبح التشدقات البرجوازية بالعائلة والتربية وبعلاقات الألفة بين الآباء والأبناء، أكثر إثارة للتقزز.
و"لكنكم، أيها الشيوعيون، تريدون إدخال إشاعة النساء". كذا تزعق بنا بصوت واحد البرجوازية كلها.
فالبرجوازي يرى في امرأته مجرَّد أداة إنتاج. وهو يسمع أن أدوات الإنتاج يجب أن تكون جماعية. وطبعا، لا يسعه إلاّ أن يعتقد بأنّ قدَر الإشتراكية سيصيب النساء أيضا. ولا يدور في خلده أنّ الأمر يتعلق، حقيقةً، بإلغاء وضع النساء كمجرّد أدوات إنتاج. وللمناسبة، لا شيء أكثر إثارة للسخرية من ذعر برجوازيتنا الأخلاقي
المسرف في أخلاقيته، من إشاعة النساء الرسمية، المدَّعَى بها على الشيوعيين. فالشيوعيون ليسوا بحاجة إلى إدخال إشاعة النساء، فقد وُجدت على الدوام تقريبا.
فبرجوازيّونا، غير القنوعين بأن تكون تحت تصرّفهم، نساء بروليتاريتهم وبناتهم، ناهيك عن البغاء الرسمي، يجدون متعة خاصة في أن يتبادلوا الزوجات. وللمناسبة، من البديهي أنه بإلغاء علاقات الإنتاج الراهنة تزول أيضا إشاعة النساء الناجمة عنها، أي (يزول) البغاء الرسمي وغير الرسمي.).(42/260)
و هكذا نرى كيف أن الاتهام البرجوازي لا يتغيير مع الزمن، قبل 150 سنة كان البرجوازيون الألمان و الفرنسيون يكيلون ذات الاتهامات و الأكاذيب التي يكيلها لنا البرجوازيون اليوم، و على رأسهم في عالمنا العربي القوى الإسلامية، و التي هي ليست سوى قوى برجوازية رجعية، متخفية وراء قناع الإسلام.
واضح جداً أن السرداب الجاهل كثيراً بالماركسية و تاريخ الثورة البولشوفية، يفترض أن قارئه جاهل مثله. و أنا أتفق معه في هذا، أي معلومات عن الماركسية تتوقعها في منتدى إسلامي سلفي؟ ربما علي أن أدعو الناس إلى تصفح منتديات اللادينيين ليتعرفوا على الإسلام. طبعاً لعل السبب الذي جعل السرداب يكتب دون حس أو رقابة ذاتية على ما يكتب، أو بالنزاهة و الضمير العلميين، لأنه يعلم أنه في الشبكة العنكبوتية العالمية، المكتظة حتى الاختناق بالنتديات التكفيرية و السلفية و الشيعية الطائفية، لا أحد يقرأ لأحد، و لا أحد يستمع لأحد، أو على الأصح حيث تتجمع حلقات صغيرة منعزلة تقرأ لبعضها البعض و تتبادل الإعجاب و الجهل، و العداء لكل الحلقات. أعتقد أن هذا هو السبب الذي جعل تمرير هذا المزيج من الجهل و سوء النية، و افتقاد النزاهة و الضمير العلميين، ممكناً بكل هذه الخفة. ما الاعتراض على الأذان في مالطة؟
إن البَون بعيد بين شطحات الخيال وبين الحق الثابت المُستقر .. بين ردود هشة لا تقوى على مُواجهة الحق بل ولا حتى على الإدبار إلا لحقها وحطمها وبين حق طاهر بسيط يرقى له الخسيس ويفخر به المُحترم ..!!
وبضدها تتبين الأشياء ..!!
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :- (( والرجل الذي يدخل ميدان البحث الحُر ثم يخرج منه وهو يرى أن النصرانية أو اليهودية دين وأن الإسلام تلفيق هو أكذب خلق الله فيما يدعيه مِن حُرية عقلية وحياد فكري . )) ولو كان لي حق الإضافة لقلت :-(( والرجل الذي يدخل ميدان البحث الحُر ثم يخرج منه وهو يرى أن الإلحاد أو الشيوعية اللتان سهر على تأصليهما والتنظير لهما مئات الآلاف مِن المُفكرين والباحثين والناقدين أن تطبيقهما عمليا أفضل من تطبيق الإسلام الذي قام بالتأصيل له شخص واحد فقط منذ قرون عديدة فهذا من الخيانة العلمية والخبل الفكري والحيدة عن الإنصاف . ))
فإن النقد والبحث العلمي المُنصف يُظهر لمن له أدنى بصيرة مَن الذي معه النور ..
وفي مداخلة واحدة للزميل كومينيست يرميني بما يزيد على أربعين فقرة من التهجم والشتم والإتهام بالجهل والسذاجة وكما يقولون فإن الإنسان إذا كانت حجته غير كافية في الرد فإنه يكمل النقص والقصور باستخدام هذه الأساليب ..
فالشتم والتهجم أساليب اعتدنا عليها ولا أدري كيف يجهل هؤلاء أن الشتم والتهجم خندق ضيق جدا لا يدخله إلا المفاليس مكتوب على مدخل هذا الخندق هنا يرقد مَن لا حُجة لهم .. فارقد بسلام يا عزيزي
وهكذا يتضح أن الباطل لا يرفع به صاحبه رأسا وتتأبى عليه كُل الطرق وتتأبى عليه كُل الحُجج فيركب طريق الشتم والتهجم ويكفينا أن هذا الطريق يزيد الحق وضوحا ويزيد الباطل سخافة وازدراءا فلا عدمناكم رُكابا لهذا الطريق لا تشدون الرِحال إلا عليه
[g r ade="8B0000 FF0000 FF7F50"]السؤال :- هل تستقيم لأصحاب الأفكار الباطلة حُجة على المسلم دون أن يلجئوا للشتم ..؟؟[/g r ade]
مصادري ..!!
انتاب الزميل نوع من الفزع عندما وجد أنه ما من فقرة إلا وذكرت مصدرها بالجزء والصفحة وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب يُشعر القاريء بالملل إلا أنني أصررت عليه حتى يلتزم الزميل بالرد على كل فقرة لكن كانت المفاجأة فالزميل يتجاهل القضية بالكلية ويتجاهل كل أسئلتي والنقاط الحساسة جدا التي قمت بطرحها .. وتكون كل مُشكلته أن احد الفقرات لم أذكر مصدرها
وعلى العموم فأنا اعتمدت في هذا الحوار على كُتب ومراجع المُنظرين الشيوعيين أنفسهم مثل كتاب مباديء الشيوعية والبيان الشيوعي الذي طالبني الزميل بقرائته مع انه من ضمن مصادري
أيضا اعتمدت في التأصيل الإقتصادي والسياسي على المجموعة الدستورية والتي قدَّم لها فخامة الاستاذ شارل حلو رئيس جمهورية لبنان وخاصة القسم الأول من المجموعة (( الدولة والنُظم السياسية )) للأستاذ أنور الخطيب وزير الموارد المائية والكهربائية والمحاضر بكلية الحقوق ببيروت الطبعة الأولى - كانون أول بيروت 1971
أيضا اعتمدت في الناحية التاريخية على اعترافات الK G B والبوليس السري وأقوال العلماء الذين أُجبروا على الإعتراف بالداروينية في زمن لينين وستالين
هذا من ناحية التأصيل والإقتباسات أما مِن ناحية النقد العقلي فللإنسان أن ينتقد كما يحلو له أما أن تضعنا في صف الرأسماليين لأننا نشترك معهم في نقدكم فعليك أن تعتبر أن الملاحدة مسلمين عندما ينتقدون المسيحية ... أرجو أن تكون منصفا ولو في نقطة واحدة ولا تردد كلام الشيوعيين إلا بعد أن تمرره على عقلك(42/261)
وعندما سألتني في الخاص عن مصدر كلمة لينين قلت لك أن مصدري المجموعة الدستورية وبحث موسوعة الفرق والمذاهب أما عندما تُلزمني وبالبنط العريض أن أذكر لك من كلام لينين نفسه جرائمه وأقواله فهذا لا يُعقل فاللص لا يكتب في مذكراته أنه لص أو أنه سفاح لكن تجد في مصلحة السجون ملفه كاملا .!!
اقتباس:
اعتماده مقياس مزدوج للحقيقة، يمدح الشيء إذا توافق مع مزاجه، و يذم الشيء ذاته حين لا يتفق. فهو يستميت، كأي إسلامي بطبيعة الحال، دفاعاً عن ملكية وسائل الإنتاج، و يعتبرها الخير المطلق، و ثم يحدثنا عن شر ملكية الدولة لهذه الوسائل و يعتبرها استغلالاً. لا بل لا يتردد بأن يقول (لقد كان ماركس على حق في إدانة الإستغلال* ولكن هذا لا يُمكن أن يتسق مع فكره المادي).
هذه ازدواجية في الفهم لا ازدواجية في الطرح .. فمَن مِنا لا يدين الإستغلال .. إنما الذي نَدينه هو شطحه الشديد الذي أدى به إلى إدانة حتى الملكية الخاصة كالذي يدين الربا فيصل به الحال إلى إدانة البيع .. أيضا ندين البديل الذي قدمه ماركس فعندما رأى مجموعة مِن مُلاك رأس المال تستغل الُعمال فألغى الملكية جُملة وتفصيلا كالذي وجد طائفة مِن الناس تكذب فحكم على المجتمع كله بقطع الألسنه وإذا كانت إدانة الكذب هي عين العدل والتعقل فإن معالجة ذلك بقطع ألسنة البشر جميعا فهو عين الخبل والجنون ..!!
فنحن منصفون يا عزيزي نقرأ التاريخ كما هو ..
هل علمت الآن أن المُشكلة هي ازدواجية في الفهم لا في عرض الحقائق ؟؟
اقتباس:
طبعاً و الأهم المساواة الحقيقة، إلغاء الطبقات في المجتمع
إلغاء الطبقات هو ببساطة مساواة المكافح والمجتهد بالكسول والغير منضبط .. عندما تُعطي الجميع نفس القيمة الإنتاجية ونفس المُعطيات فهذا نوع من العبط .. الإنسان العاقل يقول أن كل إنسان يُعطى حسب إنتاجه أما أن تُسلب أموال المُجتمع بإسم الشيوعية ثم يتساوى المجتهد والمكافح والمُفكر بالكسول والتافه فهذا عبط رسمي تقوده مؤسسة كاملة وكما يقول الحُكماء :- (( فإن الجنون نادر على مستوى الأفراد لكنه القاعدة في الدول والعهود والمواثيق . )) وربما كان هذا الحكيم يتكلم عن العهود والمواثيق الشيوعية التي تظلم بمنتهى العبط ..!!
اقتباس:
هم يكرهوا كل تطور، فيكيلون كل حقدهم على الداروينية.يستعينون بأعقد وسائل الاتصال (الساتلايت الرقمي، الانترنت) ليحدثونا عن أسد نطق الشهادتين، و ساحرة طارت بالهواء عارية.
لا أدري ما علاقة هذا بموضوع الحوار أصلا
لكن ما بالك بمن يستخدم أعقد وسائل العلم ليُحدثنا أن الدُب تطور إلى حوت وأن الطيور تطورت إلى زواحف ( تصور يمامة جميلة وضعت بيضة وتنتظر صغيرها الجميل وتنكسر البيضة ليخرج ثعبان ) وأن العَرَق تطور إلى لبن ( يعععع ) وأن الدب حين نزل إلى الماء التصقت أرجله الخلفية وتكون منها ذيل الحوت وصعدت أنفه لأعلى الرأس وتحور فروه إلى دهن وجلد ( ههههههههههههههه ) هؤلاء مخابيل أم شواذ ؟؟ على العموم لو أردت الإستزادة فاطلع على هذا المقال لتعرف الشعوذة والسِحر بإسم الإلحاد
اقتباس:
يفاجئنا الزميل السرداب منذ بداية مداخلته بعبارة مريبة و غريبة جداً، فهو يقول : " لست بصدد سرد تعريفات أو بسط مصطلحات للشيوعية في هذه المُداخلة الإفتتاحية فأنا فقط سأُركز هنا على نقاط الحوار لكن مَن يُريد أن يعرف مُقدمة سريعة عن الشيوعية فيمكنه مراجعة شريط حقائق الشيوعية وعقائدها البالية أو شريط الشيوعية الماركسية وأهم رموزها".
ما المريب هنا
ماذا يحدث يا كومينيست ؟؟
ما بال تعليقاتك تملأها الدهشة ؟؟ هل صُدمت من هذا البحث الذي يفضح اللشيوعية ويلزمك بالكفر بها ؟؟
اقتباس:
هل تعتقد بالمادية التلقائية؟ تلك المادية التي يجب أن نعتنقها جميعاً، مؤمنين و ملحدين. تلك المادية التي لا يمكن إنكارها، لوضوحها، وحضورها في حياتنا اليومية. عما أتحدّث؟ تلك المادية التي تدعو إلى الثقة بحواسنا التي تقول لنا بوجود العالم المحسوس، المادي الخارج عن ذاتنا.
هل يُنكر عاقل على وجه الأرض قيمة الحواس؟؟
هل يُنكر عاقل على وجه الأرض القوانين البسيطة ؟؟
لكن هل معنى أن الحواس هي مصدر المعلومات فيكون معنى ذلك أن الإنسان حواس فقط .. مادة فقط ؟؟
هل إقراري بوجود المادة يجعلني انكر ما عداها ؟؟؟
هل هذا استنتاج العقلاء أم استنتاج المخابيل ؟؟؟؟
هل الإنسان هو مُجرد الصورة التي تراها لنفسك حينما تنظر في المرآة
هل الإنسان هو مجموع ما فيك من شحم ولحم وعظم وأحشاء ومجموع ما تتألف منه من عناصر ومركبات وما ينظوي فيك من غرائز ورغبات وما يعشش في عقلك من هواجس وخيالات ؟؟
هل هو مجموع المنظور والمحسوس والملموس فيك ؟؟
لا أظنك تتصور أن هذا هو أنت ..
هذا هو مجرد الجانب الشهودي منك
أما حقيقتك فهي في العمق .. في الجانب الذي يخفى عنا وعنك وعن جميع أجهزة الاستشعار هو في الجانب الغيبي فيك .. يا عزيزي يقول هيوم إن العقل قد بولغ جدا في تقديره .. يقول باسكال إن للقلب حججه التي لا يعرفها العقل(42/262)
إن نظريتك المادية وفلسفتك الهمجية التي سجلتها في مداخلتك السابقة سببها هو تصورك أن الإنسان مادة فحسب وطبعا النتيجة هي كلامك هذا الذي جعلنا نشفق على العالم من أمثالكم !!
اقتباس:
في القرآن نجد آيات تؤكد أن الإنسان مسير و غير مخير
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (3) سورة الإنسان
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (10) سورة البلد
خلفيتك المسيحية تجعلك تنظر للإسلام بمنظور ساذج للغاية ... فعندنا في الإسلام الله يعلم الغيب هل تعلم ذلك ؟؟ إذن ليس معنى أن الله يعلم الغيب ويعلم ما سنفعل ليس معناه أننا مسيرون .. هذا التصور لا يوجد إلا في ذهنك أنت
اقتباس:
الأغلب أن السرداب يتحدث عن مرحلة سابقة حيث يكون الإنسان جزءاً من الحزب الذي يناضل من أجل استلام البروليتاريا (الطبقة العاملة) للسلطة.
طبعا الزميل هنا يحاول التبرير للسفاحين الشيوعيين على اعتبار أن هذه مرحلة مؤقتة أما المرحلة الراقية للشيوعية فنحن لم نصل إليها بعد أو كما قال زميل آخر أن الشيوعية أكبر من الوعي الإنساني وبما أن الشيوعية هكذا عزيزي فهي غير قابلة للتطبيق بشكل أو بآخر فهي لم تصلح للتطبيق في الماضي أو الحاضر فمن أين لك أن تتيقن أنها صالحة للتطبيق في المستقبل هل نحن نحتاج لنظريات أكبر من وعينا وإداركنا .. ثم إن من خصائص الفكر الراقي أنه فكر للجميع يرتقي بالجميع .. ثم إن الفكرة تظل لها قيمة المُطلق ورونقه حتى يتم تطبيقها فإذا ما طُبقت ظهرت على حقيقتها بإيجابياتها وسلبياتها .. فهل جنينا من تطبيق الشيوعية الإلحادية إلا الدمار والخراب والمجاعات و 250 مليون قتيل ضريبة تطبيق هذه النظرية المادية الحقيرة في قرن واحد فقط من الزمان .. يا عزيزي إن الدفاع المستميت عن نظريات بليدة هو نوع من البلادة والبرود والتحجر الفكري لقد صدق من اعتبركم كائنات جيولوجية متحجرة
اقتباس:
يقول السرداب: ( بل لقد جمعت الدعاية الماركسية تعاليم ماركس وأنجلز وأضفت عليهما ما يُضفيه رجال الدين على الأديان ، جتى ليقول أحد المُفكرين :- (( لعل ماركس أصغر أنبياء بني اسرائيل وكتاب رأس المال التوراة الجديدة .))* .. )
لنقرأ ماذا يقول ماركس عن اليهودية، في كتاب ماركس الشهير
هل فهمت ماذا أقول أنا ؟؟
هل أنا قلت أنكم عُملاء للصهوينية ؟؟ أم قمت أنكم تضفون على الماركسية ما يضفيه رجال الدين على أديانهم؟؟
يبدو أن عِندك عقدة مِن الإتهام المُتكرر لكم بانكم عُملاء لليهود وخونة
لكن أنا الآن أُريدك أن تُزيل هذا اللبس وأدعوك أن تجيب عن هذا السؤال ...
هل أنت تعتبر الإسرائيلي الشيوعي رفيق لك في الكفاح ؟؟
أم تقول كما يقول كل المُنصفون أن كل يهودي مستوطن شيوعيا كان أو ليبراليا فهو جندي نظامي وهدف مشروع للمقاومة ... أرجو أن تكون إجابة بلا تقية ..!!
اقتباس:
فبعد الحرب العالمية، دخلت الجيوش الأوروبية، و عددها 17 عشر جيشاً تريد قهر الدولة العمالية و تجويع شعبها،
يا حرام
اقتباس:
فكيف يكون البولشوفيون هم السبب بالمجاعة يا سرداب؟
أقول لك أنا كيف ....
هل تنكر أن لينين في 12 مارس 1922 بينما كانت المجاعة تعصر روسيا عصرا كَتَب رسالة إلى أعضاء المكتب السياسي يقول فيها :- (( إن الموقف لصالحنا ففي حال وجود مئات الجُثث على الطرقات سيمكننا الإستيلاء على مُمتلكات الكنيسة وأموال رجال الدين بقوة دون شفقة أو رحمة ولهذا ينبغي ان نضع أيدينا على أملاكها وإن اليأس الناتج عن الجوع هو الأمل الذي سيجعل المُجتمع يقابلنا بابتهاج )) * ..
هل تنكر أن لينين قصد عمدا إنهاء حياة خمسة مليون نسمة بالجوع وهذا ما ذكر صلى الله عليه وسلم icha r d pipes في كتابه the unknown lenin يقول :- (( لم يكن لينين يحمل أي شعور أو إحساس طيب للإنسانية إلا إحساس الإذلال والتحقير وليس للإنسانية عنده أي معنى فقد عامل الشعوب كما يُعامل الحداد الحديد )) ** ..
هل تنكر أن لينين لم يكن يتورع عن ذِكر الجانب الإيجابي للجوع قائلا :- (( إن الجوع سيقربنا إلى أهدافنا ويوصلنا إلى الإشتراكية التي هي عهد ما بعد الرأسمالية فالجوع لا يُنهي اعتقاد الناس في القيصر فحسب بل سيُنهي الإعتقاد بالله أيضا )) ***
هل تنكر أن ستالين تطبيقا للنظرية الداروينية الهبلة ألقى آلاف الأطنان من البذور في جليد سيبيريا ظنا منه أن البذور ستتكيف وتحتمل البرد ؟؟
هل علمت الآن أن المجاعة كانت عن قصد ؟؟
__________________
* black book of communism p.167
** r icha r d pipes the unknown lenin p.10
***black book of communism p.165
اقتباس:
و كيف كانت المجتمعات البدائية مجتمعات أمومية، المرأة فيها كائن مقدس
هذا الكلام بنفس هذه الصياغة قرأته لأحد الملاحدة المخابيل ذات مرة وكم أضحكني هذا الأسلوب العبيط في الضحك على الشباب ... فمَن هذا الجاهل الذي يقول أن المجتمعات قديما كانت مجتمعات أمومية وأنا أدعوك أن تذهب لهم وتتحداهم أن ياتوك بمصدر واحد لذلك الكلام ولو حتى من بردية تالفة أو تشريع قديم ....
هل يُعقل أن ينطلي عليك هذا الكلام بهذه السذاجة ؟؟؟(42/263)
هل لم تسمع في حياتك أنه في المجتمعات البدائية في الهند كانت المرأة إذا مات زوجها فإنها تقتل نفسها ولا حق لها في الحياة بعده ... وفي التوراة الرجل يسود على المرأة بل ولم يكن يحق للمُطلقة أن تعود لزجها الأول إذا تزوجت لأنها فعلت الرجس في عيني الرب ولهذا يقرر ريفيو أحد أساتذة اللوفر مدى احتقار المرأة في المجتمعات القديمة ( والأمر فيه تفصيل واسع جدا لا مجال لبسطه هنا ) ... هل علمت الآن أن المجتمعات الأمومية القديمة خرافة هبلة من ملحد أهبل !!
اقتباس:
و كيف كانت المجتمعات البدائية مجتمعات أمومية، المرأة فيها كائن مقدس، حيث كانت الآلهة مؤنثة (عشتار و أفروديت،...)
بما أنه توجد آلهة مؤنثة إذن كانت المجتمعات أمومية ...!!!
استنتاج عسل
هل تعلم أن بلالاما كان قبل عشتار ؟؟
إذن كانت المجتمعات ذكورية ثم أمومية ثم عادت ذكورية ..!!
أظن استنتاج أحلى
هل تعلم أن الهنود الآن يعبدون طنط البقرة ؟؟
إذن مِن مجتمعات ذكورية إلى مجتمعات بقرية
استنتاج أحلى وأحلى
يا عزيزي لا فرق بين عشتار وبلالاما ويسوع الناصري ومثرا .. كلها آلهة بشرية عُبدت من دون الله العظيم وكما يقول ول ديورانت صاحب قصة الحضارة يقول :- (( لقد قتلت البشرية ستة عشر إلها تكفيرا عن خطاياها أولهم كرشنا وآخرهم يسوع الناصري . )) كل هذا من باب تحريفات السحرة والكهان على الدين الحق دين الأنبياء دين التوحيد الطاهر .. ما علاقة هذا بالأمومة والذكورية والأبوية ؟؟
عشتار ويسوع وبوذا وملكي صادق منهم عباد لله صالحين ومنهم مَن لا نعرفهم ... لا تُحاول أن تُحتمل التاريخ ما لا يحتمل .. حاول أن تقرأ التاريخ كما هو .. أما أفتراضاتك المُضحكة وتحوير التاريخ فهو مِن لعب الشيطان برأسك وأنت نائم ..!!
اقتباس:
الحرية الجنسية للمرأة كانت تتقلص لصالح الرجل
مرة أُخرى تُصدق كلام الملاحدة المخابيل ؟؟
هل هؤلاء الحمقى نُصدق كلامهم بلا مراجعة ؟؟
يا عزيزي نصيحة في أذنك .... هؤلاء المخابيل الأصل فيهم الكذب .. فلا تُصدق لهم قولا إلا بدليل ؟؟
ففي تشريع حمورابي إذا زنت المرأة وطبقا للمادة 129 فإنه يتم إغراقها في النهر وفي التوراة منذ ستة آلاف سنة إذا زنت المرأة تُرجم فمن أين لك أن المرأة كان لها حرية جنسية في الزمن القديمة تحاولون بمنتهى البلاهة أن تردونا إليها .. إن هذه الحرية لا توجد إلا في أذهان هؤلاء المخابيل الذين يحاولون بأي طريقة أن يمسخوا التاريخ ويُطبقوا أُمنياتهم المريضة على الماضي والمستقبل ...!!!
يا عزيزي المراة هي المرأة من مائة قرن خلت إلى مائة قرن يلدها المستقبل المنظور .. لو امتد أجل الحياة لن تتغير طبيعتها ولن يتبدل جوهرها .. إلى رجلها يكون اشتياقها تحتقر نفسها كلما زاد عدد الرجال الداخلين عليها .. ولو كان عندها من وسائل الحياة ما يحميها ويدفع جوعها لما تزوجت بعد موت زوجها ... ولم تُعدد الأزواج قديما إلا بسبب نفس الدوافع التي تُعدد بها الأزواج الآن .. أما أن تعتبر أن تركيبة المرأة تغيرت أو ما إلى ذلك فهذا كلام بلا دليل أشبه ما يكون بكلام المُشعوذ الكبير دارون ..!!
اقتباس:
فكلمة Family المشتقة من الأصل اللاتيني Famulus لا تعني المعنى المتعارف عليه من قبل العوام (رجل و امرأة و مجموعة أولاد) بل Famulus تعني العبد المنزلي
ربما تقصد الأسرة البطريكية حاول أن تحدد ولا تخون الترجمه
ثم هل معنى أن الجبر قديما كان مخالف في تفريعاته وقوانينه الجبر المُتعارف عليه الآن فهل معنى ذلك أن الجبر الذي ندرسه في مدارسنا ليس جبرا ؟؟؟
ما هذا التلفيق والمكر ...!!
هل هذه الأساليب الساذجة التي تبررون بها مصائبكم لها قيمة عند التمحيص والنقد المتأني ؟؟
اقتباس:
فنجد مثلاً في المجتمعات الرأسمالية، الغربية، و إن حرمت شكلاً تعدد الزوجات، تجد بجانب هذا النظام، الخيانات الزوجية، و الدعارة.
وطبعا البديل ليس إعادة تعدد الزوجات وحفظ البيوت من التفكك ( فهناك ثلاثة بدائل لا رابع لهما إما السماح بتعدد الزوجات أو إلاكتفاء بزوجة واحدة وتعديد العشيقات أو الإفتراض الثالث وهي المصيبة التي اختارها الزميل ألا وهي إلغاء الزواج بالكلية وإقرار الدعارة مكان الزواج ) هذا ما سيقرره الزميل الآن لكن ستكون دعارة بإسم جديد انظروا هذه المصيبة التي سيقررها الزميل الآن ....
اقتباس:
ستختفي الدعارة التي هي شكل من أشكال خضوع المرأة للرجل،
انظروا لهذا المسخ العجيب في الطبيعة الإنسانية ..
هل الدعارة تُسمى دعارة لأن المرأة تخضع للرجل ؟؟ أم لطبيعة العلاقة الشاذة نفسها ؟؟
هل نحن نحتقر الدعارة لأن المرأة تخضع فيها للرجل ؟؟ أم لأنها علاقة دنيئة وخسيسة تخون فيها المرأة نفسها وتحتقر أنوثتها وتنبتذل جسدها ؟؟
ما هذا التلاعب بالألفاظ الذي يستخدمه هؤلاء الملاحدة ؟؟
هل الدعارة تُسمى دعارة لأن المرأة فيها خاضعة للرجل ؟؟؟
وبالتالي طبعا إذا كان الأمر برضا المرأة فلن تكون دعارة ....
وهذا فعلا ما يقرره الزميل بلا أدنى حياء أو احترام قائلا
اقتباس:
لأن المجتمع سيلغي كل أنواع الاستغلال بين البشر(42/264)
هكذا تتحول الدعارة إلى علاقة شريفة عفيفة طاهرة فالمرأة هنا تبيع جسدها في الأسواق لكن برضاها .... ما هذه البدائل الحقيرة التي يُقدمها هؤلاء ... ما الذي جرى في الدنيا .. أقسم بالله إن انتكاس فطرة هؤلاء ستقود إلى أسوأ من هذه المصائب التي يكتبها هذا الرجل ... أقسم بالله لو حكم هؤلاء فعلى الدنيا السلام ... {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف ..... لم أجد تعبيرا أدق ولا أحكم من هذا التعبير القرآني الذي يكشف خبايا النفس الإنسانية ويظهرها أمام الجميع وصدق الله العظيم
اقتباس:
فَعلامَ ترتكز العائلة الراهنة، العائلة البرجوازية؟ على رأس المال والتملك الخاص.
وعلى حب الإستقرار وعلى البحث عن الراحة النفسية والوجدانية وعلى إشباع عاطفة الأمومة وعلى الدفء الأُسري وقبل هذا وذاك ترتكز العائلة على الروابط الإجتماعية التي تُشعر الإنسان أن هُناك من يحبه ويسأل عنه أعرف أن هذه القِيم الراقية لم تسمعوا عنها مِن قبل .....
المفاجأة :- ألا ترون هذا الشيوعي يحتقر البرجوازية ( أصحاب رأس المال ) لأنهم ينظرون للإنسان كآلة تعمل يستغلونها أسوأ استغلال وبينما نحن نتوقع منه أن يُقدم بديلا راقيا يرقى بالإنسان ويحترم وجدانياته إذا به يُقدم بديلا أشد حقارة فبينما البرجوازي يتعامل مع الإنسان كآلة في المصنع نجد هذا الشيوعي يتعامل مع الإنسان كآلة في المصنع وفي المنزل فبينما تعامل البرجوازي مع العامل على أنه مجموعة من التروس في مصنعه يديرها كيفما أحب اعتبر الشيوعي هذا العامل مجموعة من التروس أيضا في بيته فعائلة العامل تعتمد فقط على رأس المال والتملك الخاص إذن نلغي العائلة وتكون العلاقات الجنسية كأنها تأدية مهمة تنتهي بعد دقائق قليلة كأي مرحلة من مراحل التصنيع .. فإذا كان البرجوازي يحتقر الإنسان ساعات قليلة من اليوم فإن هذا الشيوعي يحتقر الإنسان اليوم كله وبمعنى أدق العمر كله ويموت الإنسان كموت أي ترس في المصنع وتنتهى الحياة البهيمية بلا قيمة ولا معنى عبث في عبث .. ولا عزاء للبهائم
اقتباس:
أليس المجتمع هو الذي يحدد تربيتكم أنتم، أيضا؟ ألا تحددها العلاقات المجتمعية التي تربون في إطارها؟ ألا يحددها تدخل المجتمع المباشر وغير المباشر بواسطة المدرسة، إلخ..؟
إن الإنسان هو الإنسان من مائة قرن خلت إلى مائة قرن يلدها المستقبل المنظور .. لو امتد أجل الحياة لن تتغير طبيعته ولن يتبدل جوهره ... كُل مَن يقترب من علاقاته الحميمية والأُسرية بنظريات عرجاء فهو ونظرياته إلى الجحيم .. بالله عليكم هل استشعر أحد الأبناء أنه مُستغل من آبائه ؟؟ إنها تصورات مريضة في عقول مريضة تؤدي إلى إفرازات مقززه فاذهبوا بإفرازاتكم الشيوعية بعيدا عن بلادنا
إن محاولاتكم في تغيير الجينات البشرية وتحويرها لتتوافق مع أهوائكم المريضة هو نوع من استهلاك الوقت وحرق الأعصاب ونسف الدفاتر والأوراق في كتابة هذا الكلام العبيط
اقتباس:
فالشيوعيون لا يبتدعون فعل المجتمع في التربية. إنهم فقط يغيّرون خاصيّته
تقصد يؤدون إلى انتكاس الطبيعة البشرية
اقتباس:
فكلما تمزقت، نتيجة للصناعة الكبيرة، كلّ روابط البروليتاري العائلية، وتحوّل الأولاد إلى مجرّد سلع تجارية ومجرّد أدوات عمل، تصبح التشدقات البرجوازية بالعائلة والتربية وبعلاقات الألفة بين الآباء والأبناء، أكثر إثارة للتقزز.
بما أن روح الألفة والعلاقات الحميمية في الأسرة قد افتقدناها في المجتمع الصناعي إذن علينا أن نلغي الأسرة ما هذه الحلول الحمقاء .. بالله عليكم احترموا عقولنا قليلا ..
اقتباس:
من البديهي أنه بإلغاء علاقات الإنتاج الراهنة تزول أيضا إشاعة النساء الناجمة عنها، أي (يزول) البغاء الرسمي وغير الرسمي.).
هذا طبيعي لأن البغاء سيكون في المجتمع الشيوعي كله رسميا ... ولا عزاء للثكالى
نقد الرأسمالية الليبرالية
إن علاج مُشكلة الفقر كان هو الدافع الأكبر لوضع كل النظريات الإقتصادية التي عرفتها البشرية ... وإذا كانت الشيوعية تُقدم علاجا مخبولا لهذه المُشكلة فعندما يكون البديل لإستغلال أصحاب رأس المال للعمال هو أن نلغي امتلاك رأس المال بالكُلية ونقتل كل رأسمالي فهذا هو عين الخبل والجنون كالذي يحاول أن يعالج مُشكلة الشهوانية الزائدة لمجموعة من الرجال بقطع الأعضاء التناسلية للرجال جميعا ..(42/265)
ولكننا في المقابل لا نُعفي الرأسمالية الغربية الليبرالية في البديل الذي قامت بتقديمه على أثر عُقم الدولة الشيوعية وزوالها فالرأسمالية الغربية تعتمد على اقتصاديات السوق ووقوع رؤوس الأموال في أيدي قليلة مما ينجم عنه تحريك دفة سياسة البلد وكل توجهاتها على حسب رغبة هذه الفئة القليلة ممن يملكون رأس المال فنجد مثلا الولايات المُتحدة تضرب باتفاقيات التجارة العالمية عرض الحائط لصالح شركات تصنيع الصلب والفولاذ بل وترفض توقيع معاهدة حظر صناعة الألغام المضادة للأفراد .. ولا مانع من القاء آلاف الأطنان من القمح في المحيط حتى لا تنخفض أسعار القمح العالمية بينما الملايين من البشر يموتون جوعا كل عام ..ولذلك دائما ما نجد أن الديموقراطية التي تُقدمها تلك الدول هي ديموقراطية نسبية فعندما تتعارض تلك الديموقراطية مع مصلحة حركة رأس المال فمصير تلك الديموقراطية إلى الجحيم .. فعندما تقوم شركة فورد مثلا بتمويل انقلاب شيلي علي سلفادور الليندي رئيسها المنتخب فقط لمصلحة مجموعة قليلة من أصحاب رأس المال .. ومؤسسة جورج سورس تقيم الانقلابات في جورجيا وأوكرانيا .. وهل نتجاهل ما يتم الآن على الساحة الإعلامية من ترويج لأفكار ومسخ لأخلاق وتخريب لذمم البشر إن هذا التمويل الذي يتم على مرأى ومسمع من الجميع من شركات معينة لأغراض معينة ينسف النوايا الحسنة التي تنادي بها هذه الدول التى تطبق الرأسمالية الغربية .. هل ننسى قبائل الهوتو الذين كانت تمولهم شركة بترول أمريكية وقبائل التوتسي الذين كانت تمولهم شركة بترول هولندية من أجل المنافسة على حقول البترول في رواندا وما يجري الآن في دارفور الغنية باليورانيوم الذي يسيل له لعاب الغرب خير دليل على حقارة وخسة الرأسمالية الغربية
وهكذا نرى كيف تتحكم الشركات العملاقة في سير العمليات الإنتخابية وفي تسيير المظاهرات المؤيدة للحروب وفي غسل أدمغة البشر بالأفكار المنحرفة والأخلاق الخسيسة ويصير الإنسان عبدا للرأسمالية الغربية كما كان منذ سنوات عبدا للشيوعية
البديل الإسلامي
الدولة الإسلامية دولة لها مباديء وقوانين وتشريع ثابت راقٍ لا مجال فيها لهذه الصورة الماكرة من الخيانة الغربية بإسم الديموقراطية وكما رأينا كيف سببت الرأسمالية الغربية الموت البطيء بينما سببت الإشتراكية الموت السريع وكما ماتت الإشتراكية فإن الرأسمالية الغربية الآن في مرحلة الشيخوخة وكما يرى المُنظرون الإقتصاديون فإن الرأسمالية الغربية لم تعد تستطيع تكملة المسرحية فقد انكشفت كل أوراق اللعبة ..!!
إن الإمتلاك حق للإنسان لا يستطيع أحد أن ينزعه منه .. إن تكوين أسرة وإشباع عاطفة الأمومة غرائز أساسية لا مجال للاستعباط ومحاولة إتلافها ..
يبقى أن نقوم بضبط أي شطط أو شذوذ يحدث على مستوى هذه الغرائز فإن القوانين والتشريعات هدفها تهذيب الغرائز لا نسفها
ونظرة سريعة للعلاج الإسلامي لمشكلة الفقر ومشكلة استغلال صاحب رأس المال للعمال نجد تشريعا راقيا ومنهاجا سديدا هدفه التقويم لا النسف الرقي بالإنسان واحترام غرائزه لا حرقه وحرقها ..!!
وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - يقول رسول ا صلى الله عليه وسلم :- " إِخوانكم خَوَلُكم, جعلهم الله قنيةً تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه, وليلبسه من لباسه, ولا يكلفه ما يغلبه, فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه" رواه البخاري
وفي الحديث الحسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنهة يقول رسول ا صلى الله عليه وسلم :- " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " رواه ابن ماجة
وفي صحيح الجامع الصغير من حديث المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :- " من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة, فإن لم يكن خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً, من اتخذ غير ذلك فهو غالٌ أو سارق " رواه أبو داود
بل لقد توعّد الله تعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه توعّد ذلك الذي يبخس العمال أو الأجير حقه, فقال :-" ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته .. ورجل استأجر أجيراً فاستوفي منه ولم يعطه أجره " رواه البخاري
وقد أشار أبو يوسف - رحمه الله - إلى جواز إقراض المحتاج من بيت المال:- "يدفع للعاجز - أي العاجز عن زراعة أرضه الخراجيه لفقره - كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه " .(42/266)
وبينما يؤخذ من صاحب رأس المال زكاة وصدقات وكفارات وفي حالة عدم تحقيق الكفاية من الموارد السابقة الذكر فيؤخذ من ماله حتى يشبع الفقير وقد ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي :- " إن في المال حقاً سوى الزكاة " وهو ما يدل على إعطاء صلاحيات واسعة في جباية الأموال اللازمة من الموسرين في الحدود اللازمة للإصلاح ولتحقيق الكفاف لأصحاب الحاجات أو لمتطلبات البلاد الضرورية مثل الدفاع عن أهلها وردّ العدوان وفداء الأسرى وغيرها. وقد نقل الدكتور عبد الكريم زيدان عن (المحلّى) ما قاله الفقهية المعروف ابن حزم :- " وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم, فيقام لهم مما يأكلون من القوت الذي لابد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة "
وكما قال القرطبي في تفسيره : " واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها
وحينما تم تطبيق ذلك سَعِد الناس وأمِنوا وهنأوا حتى قالوا :- " كان منادي عمر ينادي كل يوم : أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلاً من هؤلاء" .
وفي تاريخ الخلفاء يذكر السيوطي : " قال عمر بن أسيد : والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون, فما يبرح حتى يرجع بماله كله, وقد أغنى عمر الناس".
وفي الختام أرجو أن تخبرنا هل سمعت نظاما في الأولين والآخرين أولى بالناس جميعا غنيهم وفقيرهم هذا القدر من العناية وضبط المعايير وإعطاء كل ذي حق حقه ....؟؟؟
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام
بالمناسبة :- كنت قد نويت تأجيل التعرض للرأسمالية الغربية للمداخلة القادمة لكن وجدت الزميل يتهمنا بها مرارا وتكرارا فقلت لا مانع من غربلة الرأسمالية الغربية وتوضيح موقفنا منها خاصة بعد أن تمت غربلة الشيوعية وكشف سوءاتها وفضائحها الرهيبة أمام الجميع
وهكذا فإن البدائل الحيوانية المسعورة التي تتبناها العقول الإلحادية من ليبرالية وشيوعية لا مكان لها بين الأيدي المتوضئة والأنفس الطاهرة
================(42/267)
(42/268)
احذروا : كتاب يُكفِّرُ ويَشتمُ الله ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد : فقد اشتريتُ كتاب ديوان سميح القاسم الأعمال الشعرية الكاملة , أربعة أجزاء من إصدار دار العودة ببيروت الطبعة الأولى 12004م من مكتبة ... بالرياض كما في الفاتورة رقم 106382 في 18/6/1427هـ .
فوجدتُّ فيه ما يَشيبُ له رأسُ الوليد من تسميته لله تعالي : بالإله الكافر - تعالى الله - الإله الفالس - تعالى الله - الإله القاسي - تعالى الله - الإله المنقطع البيروقراطي - تعالى الله - الرَّب الترابي - تعالى الله - الرَّب الجريح - تعالى الله - الرَّب براع - تعالى الله - الله لات ترنو - تعالى الله - وأنَّ لله تعالى والدة اسمها مريم - تعالى الله - وأنَّ ذلك مذكورٌ في القرآن , وأنَّ الله يخشى عبيده - تعالى الله - وأنَّ الله له شارب وأنه تحت النعال - تعالى الله - وأنَّ الله قُتل في كمين خُبز - تعالى الله - ويُطالبُ الله بأن يُقدِّم اللهُ استقالته - تعالى الله - ويجحدُ وجود الله - تعالى الله - وأنه سبحانه جبانٌ مُعفَّر بالغبار والشرور - تعالى الله - وأنَّ الله غَبَنَه - تعالى الله - وأنَّ عدلَ الله قسمةٌ ضيزى - تعالى الله - ويتسائل : متى يُفيق الله - تعالى الله - وأنه تعالى يكتم - تعالى الله - وأنَّ عبادة الله ضَيَاع - تعالى الله - ويصف الله بأنه ينام - تعالى الله - وينهى في ديوانه عن عبادة الله .
ويُسمِّي وجود الله بالأسطورة وأنها تدمَّرت - تعالى الله - وأنَّ مشيئة الله من نفايات القرون - تعالى الله - ويستخف بلفظ الألوهية , ويُؤلِّه غير الله , ويصف أفعال الله بالتعسُّف - تعالى الله - وأنَّ الحروف التي تخرج من حبيبته يخضع لها كلام الله ويسجد لها - تعالى الله - وأنَّ حبيبته تخلقُ وتهدي - تعالى الله - وأنه لن يُصلِّيَ لله ولن يأخذ بدينه لأنه دين خرافات , ولن يتَّبع النبيّ r لأنَّ الشيوعية أنجبت له كبار الأنبياء , وأوجَدَت له ربَّاً يخضع له من دون الله - تعالى الله - وأنه هو الذي يشاء الله - تعالى الله - وأنه يرسم الله بأنانيته - تعالى الله - وأنَّ الله له قَسَمَاتٌ شوهاء - تعالى الله - ويفتخرُ بأنه لم يحفظ شيئاً من القرآن , ولم يُصلِّي ولم يصوم ولا يخاف عقاب الله في الآخرة , وأنه يعبدُ جواده الجامح , ويعبدُ اليَمَن ومدينة برلين ورموز الشيوعية , ويطلبُ من الله بأن يأتِ سبحانه يستأجر معه غرفة - تعالى الله - ويطلبُ من الله أن يكفَّ سبحانه عنه يده - تعالى الله - ويقول بصلب عيسى عليه السلام , وبنبوة أحد الشيوعيين بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وسؤاله له باسم من أسماء الله تعالى , وأنَّ الله تعالى يقود مركبة وانفلتت إحدى عجلاتها - تعالى الله - .
إلى غير ذلك مِمَّا لا تستطيع سماعه الجبال الراسيات {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} .
وإلى تفصيل بعض ما ذكره هذا الضَّال في كتابه المذكور , والذي يُباع في كُبرى مكتباتنا ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله :
( 1 ) تسميته لله تعالى بالإله الكافر : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( حطِّم أيها الإله الكافر زجاج العالم , وستحظى بسكرة الموسيقى العظمى ) ج4/51 .
( 2 ) تسميته لله بالفالس : قال : ( والموسيقى أسراب من كل طيور الله الفالس , رفوف سنونو ) ج1/339 .
( 3 ) وصفه لله تعالى بالإله القاسي : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( اسمع يا إلهي : أيها الإله القاسي المنتقم , يا من يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء , في الجيل الثالث والرابع , اسمعني جيِّداً , فما أقوله لك لا يستطيعه الآخرون , أولئك المقعدون ) ج4/43 .
( 4 ) دعوته لله تعالى بأن يُقدِّم الله استقالته : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : قال مخاطباً الله تعالى : ( اسمعني لتُبعد عنِّي أفاعيك المجنحة , بنواقيسها المثيرة للغضب , اسمعني لتُقدِّم استقالتك ) ج4/44 .
( 5 ) قوله بأنَّ لله تعالى والدة اسمها مريم وأنَّ ذلك مذكورٌ في القرآن : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : قال : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , بسم الله الرحمن الرحيم , السلام عليك يا مريم يا والدة الله , يا ممتلئة نعمة , صلِّي لأجلنا ) ج4/44 .
( 6 ) تساؤله : متى يُفيق الله تعالى الله : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( إلهي لماذا زنحتني , حوَّلت خدِّي دائماً لصفعة العدو والصديق , يا ربَّنا وربَّهم متى تُفيق ) ج4/45 .
( 7 ) نهيه عن عبادة الله , وتسميته لوجود الله بالأسطورة وأنها تدمَّرت تعالى الله : قال في مقطوعة بعنوان : يوشع مات : ( لا تركعوا , لا ترفعوا أيديكم إلى السماء تدمَّرت واندثرت أُسطورة السماء ) ج1/91 .
( 8 ) قوله بأنَّ مشيئة الله من نفايات القرون : قال في مقطوعة بعنوان : أبطال الراية : ( ومشيئة الرحمن والأقدار بعض من نفايات القرون ) ج1/208 .(42/269)
( 9 ) استخفافه بلفظ الألوهية , وتأليهه لغير الله : قال في مقطوعة بعنوان : أنتيجونا : ( أَقدم أَقدم يا قربان الآلهة العمياء , يا كبش فداء ) ج1/81 .
( 10 ) تسميته الله تعالى بالإله المنقطع البيروقراطي : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( فانظرني أيها الإله المنقطع البيروقراطي أفترس نفسي كحريق معزول ) ج4/66 .
( 11 ) وصفه لأفعال الله بالتعسُّف : قال في مقطوعة بعنوان : سيرة بنيون : ( سألت هاجر وهي ترنو إلى ربها ؟ غير أنَّ سعاة البريد وبأمر الوليد لا يُؤدُّون خدماتهم بين عسف الإله وضعف البشر ) ج4/94-95 .
( 12 ) مخاطبته لله تعالى بعبارة النصارى ( أبانا الذي في السماء ) وأنه لن يُصلِّيَ لله ولن يأخذ بدينه لأنه دين خرافات , ولن يتَّبع النبيَّ r لأنَّ الشيوعية أنجبت له كبار الأنبياء وأوجدت له ربَّاً يخضع له من دون الله : قال تحت عنوان : رسالة إلى الله : ( سيد الكون أبانا , ألف آمنَّا , وبعد , من حقول البؤس هذي الكلمات ... يا أبانا , يا أباً أيتامهُ مَلُّوا الصلاة , يا أبانا , نحن ما زلنا نُصلِّي من سنين , يا أبانا , نحن ما زلنا جياعاً وعراة , يا أبانا , نحن ما زلنا بقايا لاجئين ... يا أبانا , نحن بعد اليوم لسنا بسطاء , لا نُصلِّي لك كي تُمطر قمحاً , لا نُداوي بالحِجابات وبالرُّقية جرحاً , نحن أنجبنا على الحزن كبار الأنبياء , وخلقنا من أمانينا التي تكبرُ ربَّاً , شقَّ من مأساتنا للفجر درباً ) ج1/26-27 .
( 13 ) قوله بأنه هو الذي يشاء الله , وأنه يرسم الله بأنانيته , وأنَّ الله له قسمات شوهاء تعالى الله : قال : ( واللهُ نحن نشاؤه بغرورنا , شيئاً له قسماتنا الشوهاء ترسمه أنانياتنا ) ج1/205-206 .
( 14 ) وصفه لله تعالى بالجبن وأنه مُعفَّر بالغبار والشرور تعالى الله : قال في مقطوعة بعنوان : هيروشيما : ( من أي أعماق البشر , ينفجر الموت الزؤام على البشر ؟ ولأي كهف ينزوي الله المعفِّر بالغبار , وبالدخان وبالشرر ؟ وبأي معراج يلوذ الأنبياء الصالحون ) ج1/209 .
( 15 ) تحريفه واستهزاؤه بالقرآن الكريم : قال في مقطوعة أغاني الدروب : ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد , وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد , لقد كان في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) ج1/63.
( 16 ) افتخاره بأنه لم يحفظ شيئاً من القرآن , ولم يُصلِّي ولم يصوم ولا يخاف عقاب الله في الآخرة : قال في مقطوعة بعنوان : بابل : ( أنا لم أحفظ عن الله كتاباً , أنا لم أبنِ لقديس قبابا , أنا ما صلَّيتُ وما صمت وما , رهبت نفسي لدى الحشر عقاباً , والدم المسفوك من قافيتي , لم يراود من يدي عدْنٍ ثوابا ) ج1/29 .
( 17 ) قوله بأنَّ الحروف التي تخرج من داعرته يخضع لها كلام الله ويسجد لها : قال في مقطوعة بعنوان : يوم الأحد : ( وحروفٌ يسجدُ الوحيُ لها , لسوى عاطفتي لم تسجد ) ج1/107 .
( 18 ) عبوديته لجواده الجامح : قال في مقطوعة بعنوان : الجواد الجامح : ( فكيف أعودُ ؟ كيف أعودُ ؟ يا معبوديَ الجارح ... لن نهدأ وملء عيوننا المرفأ , ونار حبيبنا المشجوج لن تطفأ بغير ضمادك الرحمن يا إيقاع أحرفنا , ويا رؤيا تلهفنا .. فحتى الموت حتى الموت , يبقى فارسُ الأحزان , عبد جوادك الجامح ) ج1/287-288 .
( 19 ) عبوديته لليمن : قال في مقطوعة بعنوان : أختي صنعاء : ( يمني المعبود , سيعود سعيد , فكهوف الشاي الأسود والقهوة والقات صارت ثكنات ) ج1/308 .
( 20 ) عبوديته لمدينة برلين : قال في مقطوعة بعنوان : برلين تستعيد شعرها : ( بالصمت يا برلين أُعلن حُبَّنا , أم بالبكاء ! وأنا أُقبِّلُ كفك التعبى , وأركعُ في خشوع لجلال تمثال , تكاد تسح من شطآن عينهم الدموع ... ربَّى الشيوعيون شَعرك , طيَّبوه ودلَّلوه , ربَّوه بالفرح المقدَّس والمرارة , والصمود ) ج1/249-251 .
( 21 ) عبوديته لحبيبته : قال في مقطوعة بعنوان : تعالي لنرسم معاً قوس قزح : ( بين عينيَّ وعينيكِ , على جدران سجني , يتراءى وجهكِ المعبود في وهمي ) ج1/255 .
( 22 ) قوله بأنَّ حبيبته تخلق وتهدي : قال في مقطوعة باسمكِ أنتِ : ( بيديكِ الرحيمتينِ صيَّرتني وُجوداً , بيديكِ هاتين الناطقتين بكلمة السر .. جعلتِ الوجود طرفاً من أطرافي .. باسمكِ أنتِ قبَّلتُ أعناق الأطفال جميعاً ... فليشملني الحبُّ برحمته , قبلكِ أنتِ كنتُ في البدءِ .. بدونكِ أنتِ تعودُ الأرض خربةً وخاليةً وعلى وجه الغمر ظلمةٌ , وروح الله يرفُّ على وجه الماء , ماذا أفعل بهذا الألم كله ؟ قولي : ليكن نورٌ فيكون نور ) ج2/282-283 .
( 23 ) عبوديته لرموز الشيوعية : قال في مقطوعة بعنوان : المطر والفولاذ : ( وينتصب المصنع الماردُ إلهاً كِلانا له عابد ) ج1/46 .
( 24 ) قوله بأنَّ الله تعالى غَبَنَه : قال : ( إلهي لماذا غَبنْتَني ) ج4/70 .
( 25 ) دعوته لله تعالى بأنَّ يأتِ الله يستأجر معه غرفة : قال : ( تعالَ معي أيها الإله الطيِّب نستأجرُ غرفة متواضعة في ملكوتك الفخم الشامل الشرق والغرب وما بينهما ) ج4/74 .(42/270)
( 26 ) وصفه لعدل الله بالقسمة الضيزى , ويطلبُ من الله أن يكفَّ سبحانه عنه يده : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( إلهي إلهي لماذا قتلتني , اللهم لا أطلبُ قلبك , كفَّ عني يدك , لا ثوابك ولا عقابك , لا يُسرُك ولا عُسرُك , أرتجت عدلك لغزاً , وجعلتَ القسمة ضيزى , سيمَ سقراً , فانبرى ما عليه إذا كفرا , أفتماريه في ما يرى , صدق الله العظيم ) ج4/78 .
( 27 ) مدحه لصحوته التي جاءته بعد اعتناقه للشيوعية : قال في مقطوعة بعنوان : عزيزي إيفان ألكسييفتش أكتوبر : ( صحوتُ على يدٍ مسَّت جبيني الجهم , في رفق وصوت معلم جوال أتى من قمة الشرق يقول : تعال يا ولدي الشقي تعال ... أتضيع بين مآدب الأنذال , وحدَّثني طويلاً عن بلاد الثلج .. ونوتيين تهدر في أغانيهم خطى الزحف العظيم ... رفيقي آه يا آيفان , عميقاً كان صوت معلمي الجوال وعذباً كان همى مطراً على صحراء , تشربه إلى الأعماق قلبي الأسود الصلصال , فأصبح وردة حمراء , وأصبح بعد عقم طال جوهرة وكمثراة , وعصفوراً ومصباحاً على الطرقات , رفيقي آه يا إيفان ) ج1/187-188 .
وبعد انطراحه التعبُّدي للشيوعية يُصوِّر تركه للدين ومعاداته لله تعالى فيقول : ( تلوتُ قصائدي الأولى على جثث الحساسين ودقت قبضتي باب السماء ولذتُ بالدين ... دعوتُ الأولياء والصالحين فردَّت الوديان : إلهك كان يا هذا إلهك كان , وقهقت السفوح السود والقمم النحاسية إلهك كان يا طرح الأناشيد الحماسية ) ج1/188-189 .
( 28 ) إعلان الإلحاد والافتخار بذلك : قال في مقطوعة بعنوان : في القرن العشرين : ( أنا قبل قرون لم أتعوَّد أن أُلحد , لكني أجلدُ آلهةً كانت في قلبي , آلهةً باعت شعبي في القرن العشرين ) ج1/69 .
( 29 ) استشهاده بنصوص التوراة المحرَّفة على الاستخفاف بالأنبياء عليهم السلام : ومن ذلك قوله في مقطوعة بعنوان : طفل يعقوب : قال : ( إلى فمك بالبوق , كالنسر على بيت الرب , لأنهم قد تجاوزوا عهدي , وتعدُّوا شريعتي , التوراة ) ثم قال : ( يا طفلاً يقتلُ يعقوبه .. يا خائناً عهد الرَّب ) ج1/104 .
( 30 ) قوله بصلب عيسى عليه السلام : قال في مقطوعة بعنوان : كرمئيل : ( ونبسمُ , لا بسمةَ الأغبياء , ولكنها بسمةُ الأنبياء , تحدَّاهم صالبٌ تافه ) ج1/90 .
وقوله : ( آن للحنطة أن تنضج , في مرج ابتهالاتي الفسيح , آن أن ينزل عن صلبانهم حبي وشعبي والمسيح ) ج3/212 .
( 31 ) تعظيمه لعيد النصارى الأسبوعي يوم الأحد : قال في مقطوعة بعنوان : يوم الأحد : ( والتقينا صدفةً قدسيةً , جمعت قلبين يومَ الأحد , فغدا يوم المسيح الْمُفتدى , بدء تاريخي , وذكرى مولدي ) ج1/107 .
( 32 ) جحده لوجود الله , وجحده لأنبياء الله موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم مع ذكره لبعض علاماتهم وأعمالهم ومعجزاتهم في سياق جحد وإنكار : قال في مقطوعة بعنوان : أبطال الراية : ( والله نحن نشاؤه بغرورنا , شيئاً له قسماتنا الشوهاء ترسمه أنانياتنا , فاهبط من الأبراج من شم القباب , وإذا استشير لهيبك القديس من صوت الضمير , وشقيت في ما يحمل الإنسان عن عبء العذاب , فالمس جراح الأرض في رفق , ودثِّر عريها الدامي بأسمال التراب , حطم وصاياك الشقية , واسجد مع الكفار للعجل الغبي , فللسدى تعطوا أمانيك الغبية , ألواحك الآجُرّ تغري النمل والديدان , والإبريز في العجل المدلل يخطف الأبصار ) ج1/205-206 .
ثمَّ يتحدَّث عن عيسى عليه السلام بعقيدة نصرانية إلحادية فيقول : ( شرف الأقاليم الثلاثة والصليب , شرف الدماء الزاكيات النازفات من الجراح , جراح هيكلك الخضيب , شرف الأحبوا بعضكم بعضاً , وهذا خبزكم جسدي وخمركمو دمي الجاري , وفي الناس المسرة ... فارحم جراحك يا مسيح , ما عدت في الإنسان غير حكاية تُحكى عن الرَّب الجريح ) ج1/206-207 .
ثمَّ يتحدَّث عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فيقول : ( حراء هل هجرت حمامتك الوديعة , هل جفتك العنكبوت ... عادت مِنى وأبو لهب , عادا فما تبَّت وتب , والكعبة استخذت منابرها للغو خوارج , لا الله يكبح من جماح ضلالهم , لا الأنبياء ولا الكتب , واستشهد الأنصار وانهارت مدينتهم , وشرَّعت المساجد للصوص المارقين , والله أكبر لكنه جوفاء , تطلقها نفايات المسوخ التافهين , فاركب بعيرك يا محمد , وتعال لي في الشمس معبد ) ج1/207-208 .(42/271)
( 33 ) قوله بنبوة أحد الشيوعيين بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وسؤاله له باسم من أسماء الله تعالى : قال في مقطوعة بعنوان أبطال الراية : ( ما جئت بالتنزيل لم يفاجئك جبرائيل في رهط الملائك بالنبوة , لم تلقَ وجه الله , لم تسمع من النيران دعوة , لم تُحي أمواتاً ولم تنهض كسيحاً , لم تُزل برصاً ولم تخلق نبيذاً من مياه , لم تجيء بالمعجزات الخارقات , لكن وجهك يا رسول العصر أشرق في ظلام العصر , أحلاماً , وإيماناً وقوة , وهدير صوتك هزَّ أعماق الخليقة , فاستفاقت جذوة سجنت بأعماق الحياة , فإذا الظلام يسيح في ذعر , ونور الفجر يولد في العيون المطفآت , وإذا أنا الإنسان أجهرُ بالصلاة , وإذا صغاري يشبعون , ويدرسون ويلعبون , ومشيئة الرحمن والأقدار بعض من نفايات القرون , والأرض بعد العقم أثمار وأزهار وخضرة , فاسمع أغاني الثائرين , واشهد نهايات السجون , واهنأ فإنا باسمك الجبار نجتاز المجرة , واهنأ فإن الشمس تشرق كل يوم ألف مرة ) ج1/208 .
( 34 ) سخريته بالإيمان بالله تعالى وقدرته , وأنه تعالى يكتم , ويُسمِّي الله براع , ولات ترنو تعالى الله , وأن المؤمنون الخاشعون لله بُلَهاء , وأنَّ عبادة الله ضَيَاع : قال في مقطوعة الخطيئة والوثن : ( الرَّب راع , ما زال يرمقه الملايين الرعاع , يتعبدون ويرفعون له الذبائح والقرابين البريئة , يسجدون الليل حتى منتهاه , ماذا وراء الصمت تكتم يا إله ؟ ويضج إعصار الحقيقة بين أغلال تصفده بها الأوهام .. لا سرَّ في صمت الإله , لا شيءَ غير الجوع والحرمان والطوفان ... والرب راع , ما زال يعبده الملايين الرعاع , والمؤمنون الآبقون , وجوههم للات ترنو , في خنوع أبله , قطعانهم في الرمل تزحف , هاربين من الضياع إلى الضياع .. إن الله يرزقكم غداً من عنده الخير الكثير ... وعزّموا تحمل نساؤكم توائم , إن ربكمو على كلٍ قدير ) ج1/203-204 .
( 35 ) وصفه لله تعالى بأنه ينام : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( تصبحون على خير أيها الأحبة , تُصبح على خير يا إلهي ) ج4/59 .
( 36 ) افتراؤه على الله تعالى : قال في مقطوعة بعنوان : إلهي إلهي لماذا قتلتني : ( يا طالع الشجرة , هات لي معك بقرة , هات لي معك بكره , شكره بكره , قال لي ربِّي : عدّ العشرة 1,2,3,4,5,6,7,8,9 كوليرا ) ج4/67 .
( 37 ) قوله بأنَّ الله تعالى يقود مركبة وانفلتت إحدى عجلاتها : قال في مقطوعة بعنوان : سيرة بريطافور : ( كان الله يقود مركبته الملكية في جولة تفقدية , ليُعِدَّ لنفسه تقريراً عن مدى فعالية الغارات الجوية , وحيثُ انحنى فوق فلسطين , انفلتت إحدى عجلات مركبته , وانطلقت تتدحرج وحيدة نحو شفير الأرض , هاربة من سيِّدها إلى الأقمار البعيدة ) ج4/90 .
ومن تَهكُّمه قوله : ( بناتك يا أبي مشجب لجبّة الله , بل هي مشجب الشيطان , وأنت عليم بذلك , بل هي مشجب الله والشيطان ) ج4/91 .
( 38 ) إظهاره لعقيدته الدرزية : قال في مقطوعة بعنوان : كتاب القرمطي الأخير إلى مولاه الحاكم بأمره : ( مولاي الحاكم … ألست الناطق في كلِّ جهات الكون بأسرار القائم , منذ تقمَّصني روحُ الله أبو ذر .. ) ج2/376 .
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} .
وما أصدق ما قاله الإمام ابن حبيب رحمه الله : ( أيشتمُ ربَّاً عبدناه ولا ننتصرُ له , إنَّا إذاً لعبيدُ سوءٍ وما نحنُ له بعابدين ) الشفا ج2/299 .
لذا آملُ من علماء وولاة أمر بلادنا - وفقهم الله - بذل جُهودهم لِحماية حِمَى التوحيد , وذلك بالآتي :
أولاً : منع بيع هذا الكتاب وغيره من الكتب التي يُسبُّ فيها الله سبحانه - إن وُجدت - وإتلاف الموجود منها .
ثانياً : التحقيق العاجل من كِبار الموثوق بهم علماً ودينا مع مكتبة لبيعها هذا الكتاب .
ثالثاً : التحقيق العاجل من كبار الموثوق بهم علماً وديناً مع قسم المطبوعات والنشر بوزارة الثقافة والإعلام , لأنَّ فسح مثل هذا الكتاب وبيعه في بلادنا مُخالفٌ للقرآن ومُخالفٌ للسنة , وللمواد التالية من السياسة الإعلامية الصادرة بقرار مجس الوزراء رقم 169 في 20/10/1402هـ كالمادة الأولى : ( ويُحافظ على عقيدة سلف هذه الأمة ) , وللمادة الثانية : ( يعمل الإعلام السعودي على مناهضة التيَّارات الهدَّامة , والاتجاهات الإلحادية , والفلسفات المعادية , ومحاولة صرف المسلمين عن عقيدتهم , ويكشف زيفها , ويُبرز خطرها على الأفراد والمجتمعات ) , وللمادة السادسة والعشرين : ( حريَّة التعبير في وسائل الإعلام السعودي مكفولة ضمن الأهداف والقيم الإسلامية ) , وللمادة التاسعة والثلاثون : ( تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة ، وبأنظمة الدولة ، وتُسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتِها ، ويُحظر ما يؤدي إلى الفتنة ، أو الانقسام ، أو يَمسُّ بأمن الدولة وعلاقاتها العامة ، أو يُسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه ) .(42/272)
رابعاً : إيجاد لجنة من كبار الموثوق بهم علماً وديناً لِمُتابعة ما يُباع في المكتبات , وما يُكتب في الصحف والمجلاَّت على مَدار العام .
خامساً : العقاب الشديد للصحف والمجلاَّت التي تمتدح الشاتمين لله تعالى , وإحالة المادحين ورؤساء تحرير تلك الصحف والمجلاَّت لمحاكمنا الشرعية , انتصاراً لله تعالى ومحبةً له عزَّ وجل { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } .
ومن ذلك قول جريدة الجزيرة - عن مُكفِّر الله - في عددها الصادر بتاريخ 22/6/1998م : ( سميح القاسم كأحد أبرز رموز الشعر العربي المعاصر ) وأعلنت فوزه بجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري .
وقالت - عن مُكفِّر الله - في عددها الصادر في 27/3/1420هـ : ( فسميح القاسم شاعر حقيقي , وسميح القاسم شاعر حرب ) .
وسَمَّت جريدة الجزيرة - مُكفِّر الله - في مجلتها القافية في عددها رقم 30 في 3/8/1424هـ : ( الشاعر العربي الكبير ) .
وجريدة الجزيرة حريصة على نشر مختارات - لِمُكفِّر الله - ومن أوائل ما نشَرَت له , في عددها رقم 416 في 20/8/1392هـ , وأطلقت عليه اسم : ( شاعر الأرض المحتلة ) .
وتنشر جريدة اليوم - عن مُكفِّر الله - في عددها رقم 11981 في 6/3/1427هـ : تسميته للعرش والجنة بكوكب الحسرات القديمة ؟ فقال رامزاً لأبينا آدم عليه السلام : ( لأنَّ الفتى أول القادمين إلى الأرض , من كوكب الحسرات القديمة ) .
وقالت أيضاً - عن مُكفِّر الله - في عددها رقم 11575 في 13/1/1426هـ : ( سميح القاسم ابن فلسطين وحامل همومها ) , واعترفت بأنه : ( ولد لعائلة فلسطينية درزية عام 1939 ، وتعلَّم في مدارس الرامة والناصرة , علَّم في إحدى المدارس قبل أن ينصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي ) .
ووصفت - مُكفِّر الله - في عددها رقم 11255 في 18/2/1425هـ : ( الشاعر العربي الكبير .. شاعرنا الكبير .. الشاعر العملاق .. فها هو سميح القاسم يُقيم ميزان العدل ويُعيد للصحراء العربية قيمتها في الثقافة العربية , ويُشعل قناديل الأمل بعودة المثقف العربي إلى أرضه ) .
سادساً : إصدار بيان من قبل أصحاب السماحة مفتي وأعضاء اللجنة الدائمة في التحذير من ضلالات هذا الكتاب , حيثُ أنه انتشر انتشاراً كبيراً , ونفَذَت نُسخه في مكتبة ... بالرياض , ولم يبق في فرع المكتبة بالمدينة المنورة إلاَّ نسخة واحدة .
ومن المعلون أنَّ واجب حُكَّامنا وعلماءنا - وفقهم الله - أكبرُ من واجب غيرهم في التصدِّي للمُكفِّر لله الشاتم له جلَّ جلاله , ومُعاقبة المكتبة التي تبيع وتُروِّج لكتابه , وللجهة المسئولة بوزارة الإعلام التي فسَحت كتابه , لقدرتهم على ذلك ، فالحُكَّامُ بسلطانهم ، والعلماء بعلمهم , فإذا اجتمعَ السُّلطانُ والعلمُ كان الجُهد أكبر ، والفائدةُ أكثر , والشواهدُ على ذلك من التاريخ كثيرةٌ , وقد رُويَ عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا : ( إنَّ اللهَ يَزَعُ بالسُّلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن ) .
ورحم الله الملك عبد العزيز القائل : ( كلمةُ التوحيد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله , إنِّي والله , وبالله , وتالله , أُقدِّمُ دمي ودم أولادي وكل آل سعود , فداءً لهذه الكلمة لا أَضنُّ بها ) .
{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } ( أيشتمُ ربَّاً عبدناه ولا ننتصرُ له , إنَّا إذاً لعبيدُ سوءٍ وما نحنُ له بعابدين ) .
والقائل : ( وأُحذِّركم من أمرين : الأول : الإلحادُ في الدين , والخروج عن الإسلام في هذه البلاد المقدسة , فوالله لا أتساهلُ في هذا الأمر أبداً , ومَنْ رأيتُ منه زيفاً عن العقيدة الإسلامية فليس له من الجزاءِ إلا أشدَّهُ , ومن العقوبة إلا أعظمها , الثاني : السفهاءُ الذين يُسوِّل لهم الشيطان بعض الأمور الْمُخلَّة بأمن البلاد وراحتها , فهؤلاء شأني معهم شأن الديناميت مع النار ) .
{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } { وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} ( أيشتمُ ربَّاً عبدناه ولا ننتصرُ له , إنَّا إذاً لعبيدُ سوءٍ وما نحنُ له بعابدين ) .
وأختمُ بقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء } قال ابن جرير الطبري رحمه الله : ( إن الله يفعل في خلقه ما يشاء من إهانة مَن أراد إهانته , وإكرام مَن أرادَ كرامته , لأنَّ الخلق خلقه , والأمر أمره , لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ) ج17/131 .
فكيفَ تقوم هذه المكتبة بإكرام هذا الضال ببيع كتابه الذي يَشتمُ فيه ربّنا وخالقنا جلَّ جلاله ؟ .(42/273)
نسألُ الله تعالى أن يحفظنا وإياكم بالإسلام قائمينَ وقاعدينَ وراقدينَ , وألاَّ يُشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين إنه سميعٌ مجيب { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} .
شكرَ الله للمدافعين عن دين الله وقفاتهم السنية المباركة , وجعلَهم الله مِن خير عباده وأوليائه , ورضي عنهم ووالديهم , وألبسهم لباس العفو والعافية , آمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
==============(42/274)
(42/275)
حين يشدو الشعراء للشهداء!
محمد شلال الحناحنة 19/8/1424
15/10/2003
أقام المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الأردن من خلال دورته الصيفية لهذا العام الكثير عن النشاطات والمحاضرات ، غطتها الصحافة المحلية وتنوعت بين الفعاليات الفكرية والأدبية والثقافية ، وتميّزت بحضور واسع من جماهير الأدب الإسلامي ومحبيه ، ومنها:
الأحادية القطبية وسنن الله في التاريخ :
بداية جاءت محاضرة الأديب الإسلامي الكبير د. عماد الدين خليل "الأحادية القطبية وسنن الله في التاريخ " لتنهل من معين القرآن الكريم ومرجعيته ، وتزيل روح التشاؤم واليأس التي تسود قطاعات واسعة من أمتنا الإسلامية عقب النكبات المتكررة ، وتؤكد أن تدّبر القرآن الكريم ، والسنة الطاهرة يمنحنا الحصانة ضد الاختراق النفسي والإحباط الفكري الذي يحاول بثه أعداء الإسلام في صفوف الأمة.
واستندت المحاضرة في منطلقها الفكري إلى الآية القرآنية الكريمة { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ، والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب } . وعرّفتنا بسنن الله العامة في الطبيعة والتاريخ ، ورأى الدكتور عماد الدين خليل أن الخطاب القرآني عامة يتحرك من خلال بوابات ثلاث :
- بوابة المستقبل : مثل الحديث عن البعث ويوم القيامة ومصير الإنسان .
- بوابة الرجوع إلى الوراء مثل ( الخبرات البشرية . الصراع بين الحق والباطل . الصراع بين جميع الاستلاب والسيطرة والقهر بين الانعتاق منها).
- وبوابة الواقع الكوني والإنساني : فهناك أسئلة عديدة عن آيات الإبداع الإلهي في الكون والإنسان مما لا يملك معه الإنسان إلا الإيمان بوجود الخالق العظيم. وتناولت المحاضرة البوابة الثانية ؛ إذ يظل التاريخ معلماً واسعاً يمنح الأجيال ما يشبه الإشارات الضوئية التي تحدد له الوقوف والمضي والانتظار . وأكد " د.عماد الدين خليل " أن استدعاء التاريخ ليس تغنياً بأمجاد الماضي أو الاتكاء عليه وعلى معطيات الآباء والأجداد فقط بل ينبغي أن نراه حافزاً لوضعنا في قلب العصر الذي نعيش فيه . ويستدل من القرآن الكريم على أنه يعيدنا إلى التاريخ لنمر منه إلى عصر جديد ، فيقول الله تعالى { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}.
وفي المنظور القرآني هناك مثلثان من القوانين والسنن للحركة التاريخية :
المنظورالأول يضم :
- سنّة التداول ، أي تغير دائم ، ولا ثبات لصالح طرف : { وتلك الأيام نداولها بين الناس }.
- وسنّة التدافع ، أي أن الحركة تخلص التاريخ من فساد الجمود وسيطرة قوة واحدة : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }
- وسنّة التغاير: يختلف الناس والشعوب ويتعددون { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة }. وهذا المثلث أكثر انطباقاً على التاريخ .
وفي المثلث الثاني يندرج تحته وجود أجل محتوم لكل أمة من الأمم أو قوة أو إمبراطورية ظالمة : { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا } . ولا يقف أمام قوة الله أي قوة مهما كان حجمها أو نوعها أو عددها ، { وكانوا أشد منكم قوة وأكثر مالاً وأولاداً } .
وأعطى "د. عماد الدين خليل " أسئلة على الهلاك المؤكد والأجل المحتوم في العصر الحديث مما حصل لكل من بريطانيا العظمي - فرنسا- ألمانيا- رومانيا - إيطاليا - الاتحاد السوفيتي.
بخلاف المنظور القرآني في تفسير التاريخ هناك ادعاءان كبيران :
- المنظور الماركسي صوّر حركة التاريخ على أنها محكومة بصراع الطبقات الذي يتمخض عن تغيّر في وسائل الإنتاج التي يتوقف عليها التغير في البنى الراقية للمجتمع ، وتتعاقب الطبقات إلى أن تحكم " البروليتاريا " حيث توقف جدلية الصراع الطبقي التي هي المحرك للتاريخ حسب ما تدّعيه هذه النظرية المتهالكة .
- أما المنظور الثاني فهو نظرية " نهاية التاريخ " لفرانسيس فوكوياما الأمريكي الذي عدل نظريته بعد عشر سنوات تقريباً ، ورأى أن التاريخ ألقى عصا الترحال وتوقف في الخبرة الغربية الديمقراطية الليبرالية ، وأن البشرية تمضي تحت مظلة هذه الخبرة الغربية ، وقد أعطت هذه النظرية تبريراً فلسفياً لأمريكا لأنْ تخوض الحروب المتتالية باسم الحرية والديمقراطية تماماً كما كانت هناك فلسفات تبرر للنازية والشيوعية والقومية المذابح والقمع على مر التاريخ .
ومن الجدير بالذكر أن رابطة الأدب الإسلامي نظمت حفلاً تكريمياً " لعماد الدين خليل " اشتمل على دراسات أدبية لأدبه وفكره المتميز ونقده وكتاباته في عمومها ، كما اشتمل الحفل على قراءات قصصية مهداة للأديب عماد الدين خليل ، من أهمها قصة ( سحابتان لسماء الموصل ) للقاص نعيم الغول.
الروح المكللة بالحنين .(42/276)
واستضافت الرابطة ضمن نشاطاتها الأسبوعية الشاعرة الإسلامية " نبيلة الخطيب " التي أحيت أمسية شدت من خلالها بعض قصائدها مثل (رؤيا ) ، ( وأصابع الورد ) ، ( مَهْر الخلود ) ، ( ترنيمة للإياب ) ، و ( انكسر السلام ) وغيرها. وانتقلت في قصائدها من الخاص إلى العام بلغة سلسة عذبة ، وإيقاع شفيف يتناغم مع عطر الشهادة في وطنها الفلسطيني المكلل بورد السماء ، وتشدو لنا في قصيدة ( صباح الورد ) ماضية إلى وهج الروح المتوقدة :
مزهوة بالورد كلله الندى
رفت على جفني أسراب المدى
للورد دمع برد لكنه قد مَسّه
وهج الحشا فتوقدا
جنائن العنّاب أينع فيؤها
والوعد في عسل القطوف تحدّدا .
ورغم الأشجان الممتدة فينا ، رغم الانكسارات الموجعة إلا أن الشاعرة توقظ الروح وتنشد قصائدها لأعراس الشهداء . مع قصيدة ( ترنيمة للإياب) يتوهّج نبضها:
يحاصر نبضي الحنين
فتنشق عن دمعتي بؤرة العين
عن لهفتي جمرة الصبر
عن خطوتي ألف قافلة للغياب
وفي كُل هدهدة حيث تغدو عرائس روحي
مضمخة بالحضور الذي يشبه المستحيل
حميمون جداً
يقيمون أعراسهم في ضجيج الوجيب
وحين ينامون ينسون ذاكرة الوقت
تبعث بالذكريات .
ذاكرة الجرح والأقصى الحزين .
كما أقامت الرابطة أمسية للشاعرين " مصطفى أبو الرز " و " علي فهيم الكيلاني " أدارها " محمد شلال الحناحنة " ، وألقى الشاعران عدداً من قصائدهما النازفة جرح الأرض ، الشادية للأقصى الحزين . نقرأ للشاعر علي الكيلاني ( ملحمة الشهيد ) ويصغي الحضور لانتفاضة الأقصى :
وإذا داست حمى الأقصى علوج … …
تداعت لانتفاضتها أسودُ
لا يفتدى الأقصى جبان … …
وما يبدي الجبان وما يعيدُ
ومن هانت كرمته عليه … …
فمختصر وممتهن بليدُ
ومن لا يبذل الأغلى بخيل … …
وهل من بعد بذل النفس جودُ
وللحرية الحمراء بابُ … …
مُغلقة ويفتحها الشهيدُ
أما شاعرنا " مصطفى أبو الرز " فكان الأقدر على الغوص إلى جزئيات الحدث وإلى عبق الدم الفلسطيني ، حالماً بالفجر رغم الظلام الدامس ، رغم السكون الذي يفجعنا في أقطار متعددة ، ورغم التخاذل المحيط سياج الوطن:
نائمة في حضن الزيتون
كانت تحلم بالفجر
ليشق الليل
ويحمل في كفيه شعاع ضياء
والكون سكون
نائمة كانت
تتلفع صوتاً
الزعتر يسكن حجرتها
وحمام يؤنس وحدتها
والشرفة يسكنها الليمون .
هذا الشعر يقطف إيحاءه من أحاسيس مرهفة تزهر مع الفجر حكايا ومواعيد للشهادة ، تزهر من تراب فلسطين ليموناً وزيتوناً وزعتراً ، لتمنح الحياة معنى جديداً ، وتعطي للمقاومة شرعيتها خارج إطار المساومات وبعيداً عن خرائط الاستسلام للعدو المحتل وأعوانه.
هموم الأمة في الشعر الإسلامي المعاصر
كما ألقى النائب الإسلامي " د. عدنان حسونة " محاضرة قيّمة في مكتب الرابطة بعنوان ( هموم الشعر الإسلامي في الأردن منذ سنة 1948م إلى نهاية القرن العشرين ) وقد قدمه " د. مأمون جرّار " رئيس المكتب الإقليمي للرابطة في الأردن .
بداية ذكر د.عدنان حسونة عدة خصائص للشعر الإسلامي في تلك الفترة ورصد مسيرة بعض الشعراء الإسلاميين في الأردن وتجاربهم ، وأثبت أن هذا الشعر حلقة من حلقات الشعر الإسلامي المعاصر ، وأنه يعدّ منبراً من منابر العمل الإسلامي الداعي للحق بالحسنى والفنّ الملتزم الجميل ، ويُعبّر عن التفاعل الحميم مع المجتمع ، ومع الأحداث والمتغيرات في العالمين العربي والإسلامي . وبيّن المحاضر أن الشعر الإسلامي لم يعد مُقتصراً على أغراض شعرية محددة ، بل تعدّاها إلى الشعر الوطني والاجتماعي وكل ما يهم الأمة ، وقد نأى عن المباشرة والتقريرية ، مركزاً على الصورة الشعرية ، مورداً بعض الأمثلة من خلال نماذج شعرية راقية في مستواها الفني .
وقد ختمت المحاضرة بحوارات ثرية اشترك فيها عدد من الأدباء والكتّاب وجمهور الحضور.
حين تبكي " جنين " وتقاوم
وجاءت أمسية الشاعرين " بسام زكارنة " و" جميل الكنعاني " لتؤرّخ لجنين الصمود ، جنين المقاومة العنيدة لغطرسة العدو اليهودي الغاصب ، وقدّم الشاعرين الأديب " صالح البوريني " من خلال دفقات شعرية ونقدية مرهفة ، إذ شدا بداية الشاعر بسام زكارنة لفلسطين من البحر إلى النهر في قصيدة ( النكسة ) وكانت مترعة بالألم ، حالمة بالغد رغم المواجع ، ثم أنشد جميل الكنعاني قصائد وطنية ذات إيقاع جهير لاقت استحساناً من الجمهور ، ثم أعقبها الشاعر بسام زكارنة بقصائد قصيرة بعنوان (حنين إلى الوطن ) وكانت متوهجة توهج الحدث ، مشرعة للحلم .
وقد ختمت الأمسية بأسئلة متعددة عن جنين والشعر والوطن .
قصص تجدّف في فضاء الأرض(42/277)
أما الأمسية القصصية فلم تغادر هموم الإنسان المسلم ، وقد أحيتها القاصتان " هيام ضمرة " الإدارية المعروفة في جمعية العفاف ، والقاصة " نردين أبو نبعة " ، وقدمتهما القاصة الإسلامية " جهاد الرّجبي " ، وفي قصص هيام ضمرة إلحاح على المفارقات الاجتماعية من خلال صور موحية ، وهي أقدر على كتابة الرواية الناضجة فنياً من خلال الغوص في أعماق التاريخ ، أما القاصة نردين أبو نبعة فتعبق قصصها بأريج الأرض وشهدائها الأبرار من خلال لغة شعرية راقية في امتلاك الإبداع ، وقد حظيت بنهايات موغلة بالدهشة.
قطوف الحكمة اليانعة
أما شاعرنا " د. عبد الغني التميمي " - والذي ختم هذه الدورة في النشاطات الثقافية - فقد أفرحنا وأوجعنا معاً ، أفرحنا بقصائده الجهادية التي تنبض بآمال مطرّزة بعزة هذه الأمة ، وتشدو بعنفوانها ونصرها القادم بإذن الله ، وأوجعنا بالانكسارات المتتالية والتخاذل في وقت أحوج ما تكون فيه إلى الإقدام والاتحاد ورص الصفوف ، وقد حملت قصائده قبسات يانعة من قطوف الحكمة . وحضرها جمهور غفير ، صفق له كثيراً وعاش مع صوره الشعرية الساخرة ، وإيقاع قوافيه النازفة الحزينة ، وقد لاقت أمسيته ثراءً في المداخلات والحوار
==============(42/278)
(42/279)
بيجوفيتش..وحكاية(المنفستوالإسلامي)
عبد الحي شاهين 23/8/1424
19/10/2003
غيب الموت اليوم الرئيس البوسني المسلم علي عزت بيجوفيتش بعد حياة طويلة قضاها في خدمة قضايا أمته من أجل تحريرها وتعميق هويتها الإسلامية.
ويعتبر بيجوفيتش من المفكرين الإسلاميين البارزين؛ لإسهامه في دعم الفكر الإسلامي بعدة مؤلفات منها: "الإعلان الإسلامي"، و"عوائق النهضة الإسلامية" ؛ و" الإسلام بين الشرق والغرب" ؛ و"هروبي إلى الحرية" وغيرها.
وعلي عزت بيجوفتيش ولد سنة 1925م في أسرة بوسنية مسلمة بمدينة (كروبا) في جمهورية "البوسنة والهرسك"، التي كانت جزءاً من الاتحاد اليوغسلافي، وتعلم في مدارس مدينة سراييفو، والتحق بجامعتها وحصل على درجات في القانون والآداب والعلوم، ثم أكمل دراساته العليا حتى نال شهادة الدكتوراه عام 1962، ثم عمل مستشاراً قانونياً لمدة 25 سنة اعتزل بعدها العمل وتفرغ للكتابة والبحث، وكان علي عزت خلال حياته كلها نشطاً في مجالات العمل الإسلامي كتابة ومحاضرة، حكم عليه سنة 1949م في عهد جوزيف تيتو بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، وكانت تهمته أن له علاقة بمنظمة (الشبان المسلمين) في حين لم يكن لهذه المنظمة أي نشاطات سياسية، وإنما اقتصر نشاطها على التعليم الإسلامي وأعمال الخير.
عُني علي عزت منذ وقت مبكر بأن يوفر للشباب المسلم أدوات لفهم الإسلام بأسلوب عصري مناسب، فخصص لذلك مؤلفاً صغيراً تحت عنوان "الإعلان الإسلامي" وفور صدور المؤلف التقطه الصرب والكروات، وأشاعوا حوله ضجة ووصفوه بأنه (المنفستو الإسلامي) الذي يدعو إلى الجهاد لإقامة دولة إسلامية في قلب أوروبا؛ فقدم صاحبه مع أحد عشر من زملائه المثقفين الإسلاميين إلى المحاكم ، وحكم عليهم بالسجن أربعة عشر عاماً بتهمة العمل ضد نظام الدولة وأمن شعبها، مع أن المؤلَّف لم يكن فيه ما يمس أمن الدولة، إنما كان محاولة لترجمة الإسلام إلى اللغة التي يتحدث بها الجيل الجديد ويفهمها.
ولكن كان هدف المحاكمة هو قمع أي فكر إسلامي والقضاء على أصحابه، ولذلك تمت محاكمة علي عزت وصحبه محاكمة سريعة وشبه سرية، حتى لا تلفت الأنظار، وأصبح بعدها "الإعلان الإسلامي" وثيقة اتهام لعلي عزت وللإسلام بصفة عامة، وأحيط بمبالغات ومخالطات كثيرة ليس في وسائل الإعلام الصربية والكرواتية فحسب؛ وإنما في الدوائر الغربية التي تصنع القرار كذلك.
وقد خاض بيجوفيتش كفاحاً مريراً ليحصل المسلمون في بلاده على حريتهم ومكانتهم، وتعرَّض في سبيل ذلك للسجن والاضطهاد إبّان الحكم الشيوعي اليوغوسلافي، وأسس إبان سقوط النظام الشيوعي عام 1989 حزب العمل الديموقراطي ممثلاً للمسلمين وغير المسلمين من شعب البوسنة والهرسك، ونادى من خلاله بالاستقلال، وقيام دولة مستقلة في البوسنة والهرسك، ورُشِّح عام 1990 كأول رئيس لهذه الدولة التي شهدت صراعاً مريراً من أجل الاستقلال.
وقد سبق أن حصل بيجوفيتش على جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام عام 1993، كما حاز على لقب "مفكر العام" من مؤسسة علي وعثمان حافظ عام 1996، وجائزة الدفاع عن الديمقراطية الدولية من المركز الأمريكي للدفاع عن الديموقراطيات والحريات، وجائزة مولانا جلال الدين الرومي لخدمة الإسلام بتركيا.
(الإعلان الإسلامي) .. الكتاب الزوبعة!
كتاب (الإعلان الإسلامي) من أول مؤلفات علي بيجوفتيش، وقد قدم فيه علي خلاصة فكره ونظرته لقضايا العالم من خلال فهمه للإسلام، ويتضمن هذا المؤلف آراءه و رؤاه للعديد من القضايا الإسلامية وعلاقة المسلمين بالعالم.
حيث يقول: "إن العالم الإسلامي يمر بمرحلة مخاض، ومهما تكن النتيجة؛ فإن أمتنا لن تكون كما كانت عليه في الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين، وتحاول القوى الدولية استغلال الوضع السائد في العالم الإسلامي لتحقيق أهدافها بوسائل مختلفة لتأمين هيمنتها على المسلمين، وإبقائهم في قاع التخلف والتبعية للغرب، إن ما نناضل من أجله هو إخراج المسلمين من دائرة التخلف والفقر، والاعتماد على الآخرين، وإن جذور الجهاد لاتزال حية، لقد مضت قوافل الشهداء وهي تقاتل الجاهلية، نريد بخطوات واثقة أن نقف على بداية طريق العودة إلى سيادة أنفسنا ومستقبلنا، وإقامة مجتمع إسلامي موحد من طنجة إلى جاكرتا".
ويرد بيجوفيتش على المشككين والرافضين بقوله: "قد يبدو الهدف الذي نصبو إليه بعيد المنال، لكنه واقعي وحقيقي على عكس الأفكار اللامعقولة التي عمل ويعمل الآخرون على تحقيقها. وينتقد مصطفى كمال: إن الذي جناه مصطفى كمال على تركيا كان غريباً عن التراث والحضارة التي وفرت ما شهده الأتراك من قوة وعظمة طيلة قرون مديدة.
وينقسم "الإعلان الإسلامي" إلى ثلاثة أبواب، تحدث في الباب الأول عن تخلف الشعوب الإسلامية، ويؤكد فيه أن تقدم المسلمين لا يمكن أن يتحقق خارج المنظومة الإسلامية، مستشهداً بأمجاد الماضي وإخفاقات الحاضر، ويدعو جميع المفكرين في العالم الإسلامي إلى الالتقاء حول المرجعية الإسلامية، وبعد ذلك يمكن للخلاف أن يسع الجميع.(42/280)
وعن أسباب الهزائم يبرز علي عزت إحداها وهي التي حدثت في العالم الإسلامي، ويضرب مثلاً كذلك بما حدث في العراق بعد عام 1958، حيث أدت إلى تخلف المسلمين، وكانت وراء الخسائر الاقتصادية وخاصة في القطاع الزراعي.
وينتقد الأوضاع في باكستان والجزائر ونيجيريا بسبب هدر الطاقات، ومحاولة القفز على حقائق التاريخ والحضارة، كما ينتقد "بو رقيبة" الذي عمل على فرنسة تونس سياسياً واجتماعياً وفكرياً.
ويؤكد علي عزت أن المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي ركيزتان أساسيتان لا يمكن تحقيق نظام إسلامي دونهما، ويضع معالم على طريق البديل الإسلامي.
الفرد والمجتمع
المجتمع الإسلامي لا يمكن أن يقوم على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية فقط، إذ إن الفرد عنصر في الجماعة والجماعة تقوم على أساس انتمائها الروحي.
المساواة
الإسلام يرفض التقسيم والتفريق بين المسلمين، فالفارق الوحيد هو العمل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات: 13].
الأخوّة
(إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات: 10].
لذلك فإن المسلم يجد نفسه ملتزماً بمصالح إخوانه المسلمين في أصقاع الأرض، رابط معنوي من يفرط فيه يكون بعيداً عن الدائرة الإسلامية.
وحدة المسلمين
الإسلام يحتوي على كل المبادئ التي تتضمن وحدة المسلمين: الإيمان، الثقافة السياسية، والإسلام ليس قومية، ولكنه فوق القوميات لأنه يوحدها، إن الإسلام رؤية شاملة، والجامعة الإسلامية اتجاهه السياسي.
حقوق الملكيةالإسلام يبيح الملكية الخاصة، وهو لا يمنع الغنى مادام الإنسان صالحاً، ويكسب ماله من حلال، أما الموارد الطبيعية؛ فهي ملكية عامة لكل أفراد المجتمع.
الزكاة
من أركان الإسلام وهي توزيع الأموال بين الناس بالعدل، في حين أن الإسلام حرّم الفائدة على الأموال لأنها تدخل في نطاق الربا.
الشورى
مبادئ الحكم الإسلامي ثلاثة: اختيار أولي الأمر، وواجباتهم تجاه الناس، وطاعة المجتمع لهم.
الحريات
التربية الصحيحة للشعب تتطلب أن تكون وسائل الاتصال الجماهيري؛ خاصة الصحافة، والإذاعة، والتلفاز، والأفلام، بيد أشخاص يحسنون تقديمها بسجايا إسلامية، وهذا لا يعني أن الفكر في النظام الإسلامي يخضع للدكتاتورية، وإنما يعني الحفاظ على نسق الأخلاق وصلاح تربية النشء، وتطور المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن يتم بمعزل عن الدين، وطريقنا يقوم على كسب الإنسان وليس الاستيلاء على السلطة.
الحريات
التربية الصحيحة للشعب تتطلب أن تكون وسائل الاتصال الجماهيري؛ خاصة الصحافة، والإذاعة، والتلفاز، والأفلام، بيد أشخاص يحسنون تقديمها بسجايا إسلامية، وهذا لا يعني أن الفكر في النظام الإسلامي يخضع للدكتاتورية، وإنما يعني الحفاظ على نسق الأخلاق وصلاح تربية النشء، وتطور المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن يتم بمعزل عن الدين، وطريقنا يقوم على كسب الإنسان وليس الاستيلاء على السلطة.
المرأة والعائلة
لابد من تعليم المرأة ورفع مستواها التثقيفي والتعليمي لكي تقوم بدور المربية للأجيال، وجميع أنواع الاستغلال والاحتكار يجب أن تنتهي.
وحول الإسلام والقومية يقول علي عزت: "الإسلام أمام مهمة طبيعية، وهي تحقيق مآرب المسلمين بإقامة أمتهم الواحدة من المغرب حتى إندونيسيا، ومن أواسط أفريقيا الحارة إلى أواسط آسيا الباردة. إن إقامة المجتمع الإسلامي الموحد ليست فكرة أحد، وليست رغبة جامحة لأي كائن، وإنما تقوم على ما ورد في القرآن من أن المسلمين إخوة، وأن الإسلام يوحد المسلمين في صيامهم وحجهم إلى مكة، وبالنسبة لنا -مثلاً- فإننا شعب كامل، ولكنه اليوم مجزأ، شعب واحد - كالعرب- من الضروري أن يكون موحداً، هذه مسألة إسلامية مهمة. إن المسلمين في مصر لا يشعرون بمعاناة المسلمين في إثيوبيا أو كشمير، في الوقت الذي لا تستطيع فيه البلدان العربية الحد من قساوة إسرائيل، هذا يعني أن هناك شيئاً غير عادي في وحدة الشعب العربي، ويجب أن يكون الصحيح الوحدة الإسلامية.
إن فكرة القومية في الدول العربية فكرة دخيلة أجنبية، وفكرة القومية الدخيلة هذه نجدها خلال ما تزرعه الجامعات الأجنبية في بيروت، وما زرعه سوكارنو في إندونيسيا، وحزب البعث في بعض البلدان العربية، وأما فلسطين فكانت دائماً بالنسبة للمسلمين في موضع القلب، والقدس ليست مسألة الفلسطينيين أو العرب؛ وإنما قضية الإسلام والمسلمين.
"الإسلام بين الشرق والغرب"(42/281)
أما كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب"، وهو الكتاب الثاني لبيجوفيتش؛ فقد أُلف في ظروف بالغة الصعوبة، وهُرّب من السجن لتتم طباعته في بريطانيا من قبل أصدقاء لعزت، والكتاب يملك الكثير من العمق والوضوح والمنطق والقدرة على التحليل والاستخلاص، مما يجعل القارئ متيقظاً، مستمتعاً، مبهوراً بالنور المتدفق وضاءً فاتناً من بين سطور الكتاب وصفحاته، والتي تقلبها وكأنك تطوف في سفر الكون والحياة العظيمين متنقلاً، مسافراً في فضاء واسع عبر تاريخ الفكر الإنساني والعلوم والأديان والرسالات السماوية والفنون والفلسفات والآداب على نحو فذ يكشف عبقرية المؤلف وقدراته الخارقة، ومن هنا ينبع الذهول والرغبة الدائمة في قراءة الكتاب وإعادة قراءته باستمرار، وهو خطير لأنه بإمكانه أن يحدث انعطافات؛ بل تغييرات حاسمة في فكر القارئ ورؤيته ووجهة نظره حيال أشياء كثيرة، ومسلمات عديدة، ويضعه في حالة جديدة من التثبت بقناعات جديدة راسخة، لا يمكن نفيها أو دحضها. ولعل أكبر دليل على خطورة الكتاب هو منعه ومصادرته من فرنسا بلد الحريات والأنوار بحجة تقويضه لأسس المجتمع المسيحي العلماني، وتناوله الإسلام بشكل مغرٍ وجذاب؛ فكتاب واحد بإمكانه تقويض أسس المجتمع المسيحي العلماني، هذا الذي تكون عبر قرون طويلة!. هو كتاب في منتهى الخطورة بما يملكه من نور وحقائق منطقية دامغة وقدرة مدهشة على الإقناع، فكتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" يتناول الإسلام تناولاً جديداً شاملاً، عميقاً، غير مسبوق من قبل، ويفتح أفقاً واسعاً للنظر للإسلام كدين وحياة تضعه في قلب الحضارة الإنسانية المعاصرة، ولم يسبق لأحد من المفكرين المسلمين أن تناول الإسلام بمثل هذه الرؤية الشمولية والرؤية العميقة في حوارها الخلاق مع الفكر والعلم والفن المعاصر والحضارة والثقافة الإنسانية إجمالا مؤكداً ومرسخاً، الإسلام كدين يحتفي بالحياة وبالفن والإبداع والإنجاز في هذه الدنيا؛ لأنه دين الدنيا والآخرة وليس الآخرة فقط كما يفهمه بعض القاصرين في الرؤية، ومن هنا مفهوم الوسطية العظيم بين المادة والروح والدنيا والآخرة الذي تميز به الإسلام دون غيره من الأديان.
ولعل المفارقة تكمن في أن كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" رغم كل هذه الأهمية الكبيرة التي له غير معروف بشكل كافٍ في العالم العربي والإسلامي، ولم ينل الأهمية والاهتمام الذي يستحقه!؛ فكتاب مثل هذا كان الأولى أن يدرس في المدارس والجامعات، وأن يقرأ بشكل واسع من قبل المثقفين والمفكرين العرب، وأن يدور حوله نقاش طويل وعميق، خاصة وأن الكثير من المثقفين والمفكرين العرب يعاني من اضطراب في الرؤية وضبابية في الموقف حيال الإسلام، وتناقض عميق في البنية الفكرية نتيجة الانجراف لأنماط غربية في الفلسفة والفكر ومناهج الرؤية والتفكير.
"هروبي إلى الحرية"
وهذا الكتاب هو ترجمة حية لأربعة عشر عاماً قضاها (بيجوفيتش) في السجن بين 1983 و 1988م، دوّن خلالها أفكاره وتأملاته السياسية والثقافية والعقائدية، التي يقول عنها: "إن قيمة هذه الأفكار لا تكمن فيها ذاتها، وإنما في الظروف التي كتبت فيها، ففي داخل السجن كان هناك هدوء جدران السجن، وفي الخارج نُذُر الإعصار الذي سيتحول في عام 1988م إلى عاصفة تدمر حائط برلين، وتزيح عن المسرح (هوينكر وشاوشيسكو) وتبعثر حلف وارسو، وتزلزل الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، وشعرت جسدياً كيف يمضي الزمن وكيف تتغير محطاته أمام ناظري". ويتناول في كتابه زمن المراجعات الراديكالية للأفكار والقناعات في خضم التجربة الفاشلة للحكومات الشيوعية في شرق أوربا "وشهد العالم تحولاً فريداً سيغير حياة مئات الملايين من البشر، ويحرف مجرى التاريخ باتجاه آخر، العالم الذي كان ثنائي القطب لفترة طويلة أصبح أحادي القطب، ولا أعرف إن كان ذلك خيراً، لكن ذلك ما حدث..".
وقد ضم الكتاب عدة موضوعات قسمها مؤلفها إلى: عامة؛ وتتحدث عن الحياة والحرية والناس، والأخرى تناولت عدداً من الأفكار الدينية والأخلاقية، وبعض الملاحظات السياسية على مجريات الأحداث التي كان المؤلف يراقبها ويعيشها، وجاءت بعض أوراق المذكرات على هامش كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب"، كما ضمت حديثاً عن الشيوعية والنازية وبعض الحقائق حولها، والتي يرى المؤلف أنه لا يجوز نسيانها، ثم ختم مذكراته بعرض رسائل من وإلى أولاده وهو في السجن
==============(42/282)
(42/283)
حكم الإسلام فى مبادىء الشيوعية
فتاوى الأزهر - (ج 6 / ص 70)
المفتي
حسنين محمد مخلوف .
ذو الحجة 1372 هجرية 31 أغسطس 1953 م
المبادئ
1 - الملكية الفردية محترمة فى الإسلام وتحميها أحكامه .
2 - الشيوعية إلحاد وإشاعة للفاحشة فى المجتمع، وتقويض لنظام الأسرة، وقضاء على الحريات وعلى الملكية الفردية .
3 - الإسلام وسط بين الشيوعية والرأسمالية فوق أنه دين الله .
4 - معتنق الشيوعية كافر لتكذيبه ما أجمعت عليه الرسالات السماوية
السؤال
من السيد رئيس نيابة أمن الدولة
الجواب
ورد إلينا كتاب النيابة رقم 49/917 المؤرخ 11/8/1953 المتضمن أن محامى المتهم الحادى عشر فى قضية الجناية العسكرية رقم 490 عليا سنة 1952 شيوعية طلب من المحكمة ضم الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء بشأن ( تحديد الملكية ) من سنة 1944 فطلبت منا المحكمة موافاتها بها قبل جلسة 5/9/1953 ونفيد : أولا - بأنا قد بينا فيما أدلينا به أمام المحكمة العسكرية العليا - بجلسة 9/8/1953 أن من أخطر المبادئ التى قامت عليها الشيوعية إحلال الإلحاد واللادينية محل الأديان السماوية - وإشاعة الإباحية الفاحشة فى المجتمع وتقويض نظام الأسرة وفصم روابطها والقضاء على الحريات الإنسانية فى كل مظاهرها - وإلغاء الملكيات الفردية للعقار إلغاء تاما - وانتزاع جميع الأرض من ملاكها وجعلها ملكا للدولة وإلجاء الشعوب إلى نوع من الحياة لا يمتاز عن حياة سوائم الأنعام - وتطبيق كل ذلك بالقهر والجبروت - فكانت الشيوعية هادمة لا بانية - باغية لا عادلة - عذابا لا رحمة - نقمة لا نعمة - ثم هى بعد ذلك كذب ومخادعة واستغلال وإذلال .
والشريعة الحنيفية السمحة التى من أصولها وجوب المحافظة على الدين والعقل والنفس والمال والعرض - ومن مبادئها احترام الحقوق وتقرير الحريات العامة للانسان تنكر كل ذلك أشد الإنكار - وترى اعتناقه كفرا بواحا لتكذيبه ما أجمعت عليه الرسالات السماوية وأخصها الرسالة المحمدية الجامعة بين خيرى الدين والدنيا، ولأفضل منهاج للاجتماع والعمران، وهى أعم رسالة وأشملها وأوفاها وأكملها .
ثانيا - إن الشيوعية وقد ألغت الملكية الفردية وحرمتها على الشعوب فى بلادها وفيما اجتاحته من البلاد ظلما وعدوانا لا يمكن بداهة أن تقر مبدأ تحديد الملكية الفردية على أية صورة وفى أى نطاق، إذ فيه إثبات ووجود للملكية أما الإلغاء فهو نفى ومحولها .
ثالثا - ونحن من وضوح ما شرحناه أمام المحكمة من أنه لا شأن لنا بوقائع القضية ولا بأشخاص المتهمين ولا بالشهادة لهم أو عليهم وأن مهمتنا بيان حكم الإسلام فى مبادىء الشيوعية - لا نرى بدا من الإشارة إلى التباين الظاهر بين إلغاء الملكية وتحديد الملكية ولا يسوغ إقحام موضوع تحديد الملكية فى هذه القضية لبعده عنها كل البعد .
رابعا - فى أوائل سنة 1948 وزعت منشورات فى طول البلاد وعرضها جاء بها أن الرسو صلى الله عليه وسلم قد وضع العلاج لما تعانيه مصر من التباين الشاسع فى توزيع الملكيات، فأوجب تحديد الملكية الفردية بطاقة الإنسان على زرع أرضه بحيث لا يجوز له أن يتملك سوى القدر الذى يكفيه ليعيش الكفاف وما زاد عن ذلك يجب أن يعطيه مجانا للمعدمين، ويحرم عليه استغلاله بالإيجار أو المزارعة وجاء فيها أن الإسلام يحارب الشيوعية اللادينية والرأسمالية الإقطاعية، وأن ما وضعه الرسول هو العلاج الوسط لهذه المشكلة .
وقد طلبت وزارة الداخلية فى 9 مارس سنة 1948 منا بيان حكم الشريعة الإسلامية فى ذلك فأفتينا فى 3 أبريل سنة 1948 بما خلاصته : 1 - إن المبادئ الشيوعية المعروفة لا شك أن الإسلام ينكرها كل الإنكار وأن الرأسمالية إذا احتكرت الملكية بطبقة معينة وحصرتها فيها مع تحريمها على سائر أفراد الأمة فالإسلام لا يقرها - وأما إذا لم تحتكر الملكية وأبيح التملك لكل فرد فى الأمة فمن المجازفة القول بأن الإسلام يحاربها .
2 - إن الإسلام وقد أباح الملكية الفردية واحترمها مسايرة لسنن الوجود ومقتضيات العمران أوجب بجانب ذلك على الأغنياء فى أموالهم ومنها ما تثمره أراضيهم حقوقا معلومة للفقراء والمساكين وذوى الحاجة لينعم الكل فى ظل هذا النظام بطيب العيش والهناء، وحث على المزيد من ذلك فى القرآن والسنة - وبدهى أن هذا ضد ما قامت عليه الشيوعية من إلغاء الملكية الفردية إلغاء تاما، وانتزاع الأراضى من أهلها بالقوة وجعلها ملكا للدولة، وهو فى الوقت نفسه ضد الرأسمالية التى تحتكر الملكية .
3 - إن الإسلام قد ترك الناس أحرار فى البيع والشراء والتأجير والمزارعة وسائر التصرفات الناشئة عن الملكية بصورها المختلفة ، ولم يقيدهم فى ذلك إلا بما يكفل صحة العقود ويدفع التنازع والتخاصم وأكل الأموال بالباطل مع وجوب أداء حقوق المال لمستحقيها أخذا بالسنن الاجتماعية والنواميس الطبيعية، وعملا بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين .(42/284)
4 - فمن الكذب على الإسلام وعلى الرسو صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه أنه أوجب تحديد الملكية الفردية بطاقة الإنسان الزراعية بحيث لا يجوز له أن يملك إلا ما يزرعه بنفسه بقدر عيش الكفاف - وأنه يوجب عليه أن يمنح ما زاد عن طاقته للمعدمين مجانا - ومن الكذب على الإسلام ورسوله أن ينسب إليه أن الإسلام يحجر على الإنسان أن يستغل أرضه بالتأجير أو المزارعة - وقد بينا الأسانيد فى ذلك والخطأ الواضح فى تفسير بعض الأحاديث الواردة فى هذه الشأن وحملها على غير ما أريد منها .
5 - وأشرنا فى ثنايا الفتوى غلى أن وجود طبقة غنية وطبقة فقيرة فى كل أمة أمر طبيعى لا مندوحة عنه قضى به تفاوت الناس فى القوى والمدارك والآمال والعمل والإنتاج والنشاط والخمول .
وقد قال تعالى { والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق } النحل 71 ، وقال { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } الرعد 26 ، وقال { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } التوبة 60 ، وقال { إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } البقرة 271 ، ففى إيجاب الزكاة على الأغنياء للفقراء وفى الحث على التصدق والإنفاق والبر والإحسان والمعونة والمواساة فى القرآن والسنة دليل واضح على تفاوت الناس بالغنى والفقر - وتلك سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا - والتفكير فى تسوية الناس فى المال ضرب من والهم والخيال، بل نوع من الخداع والتضليل ينادى به دعاة الشيوعية لاجتذاب الدهماء والتأثير فى عقول البلهاء .
6 - وخلاصة الفتوى أن النظام المالى فى الإسلام يحترم حق الملكية الفردية ويبيح للمالك حق التصرف فى ملكه بما يشاء من أنواع التصرف ولا يوجب عليه أن يمنح ما زاد عن ذلك مجانا للناس .
وأن ما نسب فى هذه المنشورات للإسلام ورسوله كذلك صراح وهو ليس بعلاج كما ظنوا وإنما علاج مشاكلنا كلها فى اتباع صريح القرآن والسنة وتعاليم الإسلام الحنيف، لا بمبادىء الشيوعية الهادمة ولا بالتمكين للرأسمالية الظالمة، ولا بما جاء بمثل هذه المنشورات الكاذبة .
وفى التشريع الإسلامى من الوسائل لسعادة الفرد والأمة اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وسياسيا ما يغنى المسلمين إذا أخذوا به جملة وتفصيلا عن مذاهب وآراء استحدثها الغرباء عنه، وأولع بها الجهلاء به وهى بعيدة كل البعد عن عقائدنا وتقاليدنا وتراثنا الإسلامى الخالد والإسلام يمتاز بأنه دين فطرى، ونظام اجتماعى، وتشريع مدنى صنع الله الذى أتقن كل شىء، يهدف إلى بناء دولة وإقامة أمة لها من مقومات الحياة القوية ما يكفل البقاء أمد الدهر - ويقر كل نظام صالح ولا ينكر إلا ما فيه مفسدة ظاهرة للفرد أو الجماعة - وقد وضع الحدود وأقام المعالم للمصالح والمفاسد بما أمر به ونهى عنه قطعا لعذر الجاهل أو المتجاهل، قال جل شأنه { وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } الأنعام 153 ، وقال تعالى { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } البقرة 229 .
7 - هذه خلاصة الفتوى التى طبعت ونشرت فى أواخر أبريل سنة 1948 فى موضوع هذا الاستفتاء .
ومنها يتبين أنها لم تتعرض إلا ( 1 ) لمبدأ إلغاء الملكية رأسا وهو المبدأ الشيوعى - ( 2 ) ولتحديد الملكية بحيث لا يملك الإنسان إلا ما يفى بعيش الكفاف فقط - مع وجوب تنازله بالمجان عما زاد عن ذلك للمعدمين، وهو ما ألصق بالإسلام كذبا فى هذه المنشورات وبينت الفتوى أن كليهما ليس من الإسلام فى شىء - ومرفق بهذا البيان سبع نسخ مطبوعة من هذه الفتوى الصادرة من دار الإفتاء فى 23 جمادى الأولى سنة 1367 هجرية الموافق 3 أبريل سنة 1948 م برقم 109 سجل 59 لسنة 1948 .
وفيما ذكرنا خلاصة وافية لها .
والسلام عليكم ورحمة الله
=============(42/285)
(42/286)
الشيوعية
فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 383)
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى المبادئ والأصول التى قامت عليها الشيوعية ، ومل هو موقف الإسلام منها ؟
الجواب
الشيوعية لون من ألوان الاشتراكية ، التى هى نظام تعاونى قائم على جعل الوسائل الرئيسية للانتاج والتوزيع ملكا للمجتمع ، وموجهة بطريقة ديموقراطية نحو الصالح العام ، بإيجاد فرص عمل لجميع الأفراد ، ورفع مستوى الإنتاج ومستوى المعيشة مع الضمان الاجتماعى وعدالة التوزيع .
وهذا المعنى يفكر فيه الناس من قديم الزمان وإن كانت وسائلهم إلى تحقيقه مختلفة ، فكان قدماء اليونان يدعون إلى المساواة ، والراهب "ميزليه " نادى بنزع الملكية الخاصة ، وأتباع " توما الأكوينى" المتوفى سنة 1272 م . كانوا يدعون إلى ذلك ، لكن هذا المعنى ظهر بوضوح فى القرون الأخيرة بعد النهضة الصناعية فى أوربا فى نهاية القرن الثامن عشر ، ويعزى إلى " لوى بلان " هذا المبدأ : من كل حسب مقدرته ، ولكل حسب حاجته .
كان من أعظم الاشتراكيين المحدثين "كارل ماركس " المتوفى سنة 1883م .
وجاء عنه فى موسوعة المعرفة "ص 608" أنه من أسرة يهودية متوسطة ، تحول أبوه المحامى إلى المسيحية سنة 1824 م وعمدت أسرته كلها طبقا للبروتستانتية . درس القانون والتاريخ والفلسفة فى جامعات بون وبرلين ، ونال الدكتوراه سنة 1841 م فى الفلسفة . ولما ذهب إلى فرنسا طرد منها لآرائه السياسية ، فذهب إلى بروكسل ، ولحق به "أنجلز" وكتبا البيان الشيوعى ، فقامت الثورات فى أوروبا فهربا إلى ألمانيا ، ثم انتهى ماركس إلى لندن وتوفى بها ، ودفن في مقبرة " هاى جيت " .
أصدر ماركس وفريدريك أنجلز المتوفى سنة1895 م هذا البيان سنة 1848 م ، الذى يحث جميع العمال على الاتحاد والاستيلاء بالقوة على جميع الأجهزة السياسية والاقتصادية .
وكان ماركس قد أصدر الجزء الأول من كتابه " رأس المال " سنة 1867 م وهو أعظم وثيقة فى تاريخ الاشتراكية قامت على آثره ثورات كثيرة فى أنحاء أوروبا ، ويعتبر إنجيل الثورة الشيوعية فى روسيا ، التى كانت تعرف أولا باسم " البلشفية " وكان " لينين " و "تروتسكى" زعيما ثورة 1917 م من تلاميذه ، والجزءان الآخران أتمهما "انجلز" ونشرا بعد موت ماركس 1883 م .
تقوم الشيوعية على مبادئ تتصل بالدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع ، من أهمها :
1 - الكفر بالأديان ومكافحة سلطان الكنيسة بالذات ، حيث كان هو السائد عند قيام الثورة ، لقد قال ماركس ، وهو فى سن الخامسة والعشرين كما يقول روجيه جارودى ( مجلة الطليعة عدد أذار 1970 ) إن الدين أفيون الشعب ، فهو يزهد فى الدنيا ويزرع فى النفوس الخضوع للقضاء والقدر والرضا بالواقع وعدم الكفاح لتغييره مهما كانت قسوته ، لقد كفر بالله على الرغم من أن أصله يهودى انتقلت أسرته إلى المسيحية ، وقال " لينين "فى مؤتمر الشباب الشيوعى المنعقد فى 2 من أكتوبر سنة 1930 م : إننا معشر الشيوعيين لا نستمد قوانين الأخلاق والسلوك الاجتماعى من أوامر الدين ، لأننا نخرج على جميع الأخلاق والآداب التى تنفصل عن المجتمع البشرى ونرى أنها خداع وتضليل . وجاء فى الموسوعة السوفياتية " الطبعة الثانية سنة 1964 م مجلد 22" أن القرآن من عند محمد ومن بعده ، ويقول " أ .
سميرنواف " عضو المجمع العلمى وزعيم الدراسات الإسلامية فى الاتحاد السوفياتى فى كتابه " تاريخ الإسلام فى روسيا " : إن وجود محمد خرافة وكذلك هجرته " ( الإسلام أقوى ، تأليف جهاد قالعجى ) .
وطالب الزعيم السوفياتى " ميخائيل جوربا تشوف " بشن حملة لا هوادة فيها ضد الدين فى الجمهوريات الإسلامية السوفيتية بوسط اَسيا، وقالت جريدة " برافدا فوستوكا " الناطقة باسم الحزب السوفيتى فى جمهورية " أوزباكستان " : إن تعليمات جوربا تشوف صدرت خلال اجتماع مع قادة الحزب فى طشقند وهو فى طريقه إلى الهند- موسكو-روتر- الأهرام فى 29/ 11 / 1986 م .
2- ديكتاتورية عامة الشعب " البروليتاريا " من أجل إيجاد مجتمع شيوعى ، وعند عدم تهيؤ الشعب للسلطة ينوب عنه الحزب الشيوعى .
3- ملكية وسائل الإنتاج : الأرض ورأس المال والعمل ، لتكون للشعب عامة ، والقضاء على الملكية الخاصة . ومناهضة الإقطاعيبن من النبلاء ورجال الكنيسة الذين يملكون الأرض بعبيدها ، وكذلك مناهضة البورجوازيين الحائزين للأموال فى الثورات الصناعية والمتحكمين فى العمال . ويلزم ذلك إهدار كرامة الفرد والقضاء على حرية النقد .
4 -تفسير التاريخ تفسيرا ماديا ، بمعنى حتمية الصراع بين الطبقات ليقوم المجتمع الشيوعى ، وإنكار أن تكون هناك سنن موضوعة من الدين للوجود ، فلابد من أخذ الفقراء حقوقهم من الأغنياء بالصراع إنها حرب على الغنى ودعوة إلى الفقر باسم المساواة .
هذه هى أهم الأسس التى تقوم عليها الشيوعية . والأديان بوجه عام والإسلام بوجه خاص لا يقرها ، وليس هو فى حاجة إليها ، لما يوجد فيه من مبادئ تحقق الرخاء والتقدم للمجتمع فى ظل استقرار روحى ومودة وتكافل ، ينبع من إحساس داخلى يغرسه الإيمان فى النفوس .(42/287)
ولا يصح أن يقال عن الإسلام : إنه دين اشتراكى بالمعنى الموجود عند الغرب ، فهو نظام متميز عن كل هذه الألوان المتعددة للاشتراكية ، والحكم على دين أو مذهب يكون بالحكم على جميع أصوله ككل ، فالمسلم الذى ينكر مبدأ واحدا من المبادئ الأساسية فى الدين لا يعد مسلما ، وكذلك الشيوعى بالذات لا يعد شيوعيا إذا انكر مبدأ من مبادئها . ومن هنا لا يمكن أن يقال عن المسلم إنه شيوعى ، لأنه إن أنكر دينه لا يكون مسلما بل كافرا ، وإن أخذ ببعض مبادئ الشيوعية لا يكون شيوعيا حتى يأخذ بها جميعا .
ولسنا فى حاجة إلى مناقشة مبادئ الشيوعية ، فالإسلام يرفضها جملة وتفصيلا ، ذلك لأنه قائم على الإيمان باللّه ، ويكل ما جاء به الدين من الحيلة الآخرة والأمور المغيبة ، ومن قضاء الله وقدره وتدبير خلقه على سنن حكيمة ، ومن احترام الحقوق لجميع الناس من أغنياء وفقراء ، ومن حل المنازعات عن طريق الصلح والقضاء ، ومن الإسهام بقوة فى النهوض بالمجتمع من كل نواحيه الاقتصادية والسياسية والثقافية لتحقيق خيرية هذه الأمة وإسعادها فى الدنيا والآخرة على السواء ، مع ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس الشورى والتناصح والتعاون ، والاحتفاظ بكرامة الإنسان وصيانة حريته فى حدود المصلحة العامة ، والأدلة على ذلك كثيرة فى القراَن والسنة وغيرهما من مصادر التشريع .
هذا ، وقد جاء فى جريدة " الفاينا نشيال تايمز " (الأهرام 31\ 8\ 1985 ) أن القضاء على الملكية الخاصة لما كان مثبطا للهمم مساعدا على عدم المبالاة ، قاضيا على روح التنافس لجأ الروس إلى العودة إلى احترام هذه الملكية بعد أن رأت العواقب الوخيمة من جراء القضاء عليها ، فقد أفردت جريدة " إزفستيا " مساحة كبيرة لتجربة فسح المجال لقدر أكبر من الحافز الفردى فى مجال مشاريع الخدمات ، وأشارت إلى تجربة تمت فى" استونيا " حيث سمح لرجال الصيانة بالاحتفاظ بمكاسب من عملهم فى أحد محلات إصلاح أجهزة التليفزيون ، ليمولوا المشروع بأنفسهم ، وظهر أن الجهاز الذى كان يستغرق إصلاحه قبل ذلك حوالى أسبوعين أصبح الآن يتم إصلاحه فى ثلاثة أيام على الأكثر ، كما قام العمال بإصلاح إدارى لجذب الزبائن إلى المحل ، وقد ارتفعت أرباح المشروع بنسبة من 10 - 15% عن ذى قبل وجاء فى أهرام 4/ 1\ 1987 نقلا عن "النيو يورك تايمز"وفى أهرام 17 / 3 /1987م نقلا عن " الهيرالد تريبيون " بعنوان كارل ماركس .
يقول ماركس : إن الدين هو آفة الإنسان المقهور ، وأن الدين أيضا هو أفيون الشعوب ، وكان الأفيون معروفا فى المانيا حينذاك بأنه قاتل الألم .
وفيه : ومن أجل الإعداد للثورة يجب إزاحة التأثير المخدر للدين وترك الطبقة العاملة تعانى حتى يصل الألم إلى درجة لا يمكن احتمالها ، وحينئذ سيأتى الشفاء على يد الشيوعية . فالقضاء على الدين هو الشرط الأول لسعادة الشعب وعلى نهجه سار لينين . لكن بدأ تغيير فى تعليم الملحدين فى عهد جورباتشوف ، فظهر فى الصحف رسائل تقول :إن لم تكف السلطات السوفيتية عن محاربة الدين فإن إدمان الخمور لن يتوقف ، أصبحت الفودكا هى المهرب من المعاناة ، وذلك يهدد الإنتاج ويهدد الأسر بالانهيار ، لقد أصبحت الشيوعية هى الإله الذى فشل فى توفير الخبز لعباده .
راجع :
1-الشيوعية والإنسانية فى الإسلام ، لعباس العقاد .
2 - نظرات إسلامية فى الاشتراكية الثورية ، للدكتور معروف الدواليبى .
3-طبقية المجتمع الأوروبى وانعكاس آثارها على المجتمع الإسلامى المعاصر ، للدكتور محمد البهى .
4 -الاشتراكية العربية ، للعميد سيد عبد الحميد مرسى ، وعبد الرحمن عبد المتعال .
5 -الإسلام أقوى ، لجهاد قلعجى .
6 -المحاضرات الثقافية بقاعة محمد عبده بجامعة الأزهر سنة 1959 م .
7-موسوعة المعرفة .
8 - الفتاوى الإسلامية . المجلد 4 ص 1367 ، المجلد 7 ص 2655 .
9- آخر ساعة فى 20/8/ 1975 م .
10 - الماركسية بين النظرية والتطبيق ، للدكتور عبد المنعم النمر
=============(42/288)
(42/289)
الماسونية - الشيوعية - العلمانية.
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 2516)
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
تشيع في المجتمعات المعاصرة مذاهب وضعية . متعددة يدعي أنصارها أنها عقائد ، ومنها الماسونية والشيوعية والعلمانية ، أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا الاعتقادات الخاطئة التي تحتويها هذه العقائد . وجزاكم الله خيرا و السلام عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى حفظ الدين قال تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )[ الحجر:9]. ولا توجد العقيدة الصحيحة إلا في الإسلام. والعقائد في غير الإسلام إما محرفة وإما من صنع البشر، وكلاهما لا يوازن بين متطلبات الروح والجسد، ولا يجيب عما يشغل الفكر إلا العقيدة الصحيحة المتمثلة في هذا الدين: من أين جئت؟ ومن أين جاء هذا الكون؟ ما هي علاقتنا بالخالق الذي خلقنا؟ ما هي علاقتنا بالخلق من حولنا؟ هل هناك عوالم غير منظورة وراء هذا العالم المشهود؟ هل هناك مخلوقات عاقلة غير الإنسان؟ ما ذا بعد هذه الحياة وهل هناك حياة أخرى نصير إليها؟ كيف تكون تلك الحياة؟ لا يجيب عن ذلك إلا العقيدة الإسلامية الصافية الصحيحة، وشقي الإنسان فظن أنه يستطيع أن يستقل بالتدبير فوضع مذاهب باطلة ونحلاً مضلة من ذلك العلمانية والماسونية والشيوعية وغيرها .
والماسونية: هي منظمة يهودية سرية غامضة محكمة التنظيم هدفها ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتتبنى الدعوة إلى الإلحاد والانحلال والفساد. وتختار أعضاء من الشخصيات المرموقة المؤثرة .
وكما جاء في الموسوعة الميسرة أن مؤسسها هو هيرودس أكريبا (ت44م) ملك الرمان بمساعدة مستشاريه اليهوديين. فقامت أول ما قامت على المكر والخديعة والتمويه. حيث اختارت رموزاً وأسماء وإشارات للإيهام والتخويف.
قال الحاخام لا كويز: الماسونية يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وفي إيضاحاتها… يهودية من البداية إلى النهاية.
وكانت تسمى في عهد التأسيس: ( القوة الخفية)، وكان هدفها التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم ومنع دينهم من الانتشار، ثم تسمت منذ بضعة قرون بالماسونية. ومعنى الماسونية في اللغة: البناؤون الأحرار لتتخذ من نقابة البنائين الأحرار لافتة تعمل من خلالها ثم التصق بهم الاسم مفرغاً من حقيقته.
هذه البدايات الأولى للماسونية ثم تطور الأمر سنة 177م عن طريق آدم وابزهاويت المسيحي الذي ألحد واستقطبته الماسونية بهدف السيطرة على العالم، وانتهى المشروع سنة 1776م ووضع أول محفل في هذه الفترة ( المحفل التوراني ) نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه.
وكان وابز هاويت هو الذي وضع الخطة الحديثة للماسونية.
ومن أهم معتقداتهم وأهدافهم ما يأتي:
1- يعتبرون الإيمان بالله والرسل والكتب من الخزعبلات والخرافات ويكفرون بكل الغيبيات.
2- يجهدون على إسقاط الحكومات وتهيئة حكومات موالية لهم لتحقق أغراضهم.
3- إباحة الجنس واستعمال المرأة وسيلة وسيطرة.
4- العمل على تقسيم غير اليهود إلى أمم متصارعة متنافرة بشكل دائم.
5- تسليح أطراف الصراع وتغذية الخلافات بينهم .
6- السعي على إحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية.
7- هدم مبادئ الأخلاق. واستعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع، وخاصة ذوي المناصب الرفيعة ليسهل ضمهم وتنفيذ أهدافهم.
8- السعي الدائم إلى تحجيم عدد المسلمين عن طريق تحديد النسل وتشجيع المؤتمرات المشبوهة التي تتولى تهيئة المناخ لذلك، كمؤتمرات السكان وغيرها.
وأما الشيوعية فجاء في الموسوعة الميسرة أنها:
مذهب فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي، ظهرت في المانيا على يد ماركس وانجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود، واتسعت على حساب غيرها بالحديد والنار، وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب محيت بسببها من التاريخ.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
وضعت أسسها الفكرية النظرية على يد كارل ماركس اليهودي الألماني (1818-1883) وهو حفيد الحاخام اليهودي المعروف ( مردخاي ماركس)، وكارل ماركس شخص أناني متقلب المزاج، حاقد مادي، من مؤلفاته:
1- البيان الشيوعي الذي كان ظهوره سنة 1848م.
2- رأس المال ( ظهر سنة1867م).
ساعده في التنظير للمذهب فريدريك انجلز ( 1820-1895) وهو صديق كارل ماركس الحميم، وقد ساعده في نشر المذهب، كما أنه ظل ينفق على ماركس وعائلته حتى مات، من مؤلفاته:
1- أصل الأسرة.
2- الخاصة والدولة.
3- الثنائية في الطبيعة.
- لينين: واسمه الحقيقي: فلاديمير أليتش بوليانوف، وهو قائد الثورة البلشفية الدامية في روسيا ( 1917) ودكتاتورها المرهوب، وهو قاسي القلب، مستبد برأيه، حاقد على البشرية ، ولد سنة 1870م، ومات سنة 1924م، وهناك دراسات تقول بأن لينين يهودي الأصل، وكان يحمل اسماً يهودياً، ثم تسمى باسمه الروسي الذي عرف به، مثله مثل تروتكسي في ذلك.(42/290)
ولينين هو الذي وضع الشيوعية موضع التنفيذ، وله كتب كثيرة وخطب ونشرات أهمها ما جمع في ما يسمى ( مجموعة المؤلفات الكبرى ).
- ستالين: واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفتش زوجاشفلى ( 1879- 1954م) وهو سكرتير الحزب الشيوعي ورئيسه بعد لينين، اشتهر بالقسوة والجبروت والطغيان والدكتاتورية وشدة الإصرار على رأيه، يعتمد في تصفية خصومه على القتل والنفي، كما أثبتت تصرفاته أنه مستعد للتضحية بالشعب كله في سبيل شخصه، وقد ناقشته زوجته مرة فقتلها.
- تورتسكي : ولد سنة 1879 واغتيل سنة 1940م بتدبير من ستالين، وهو يهودي واسمه الحقيقي بروشتاين. وله مكانته هامة في الحزب وقد تولى الشؤون الخارجية بعد الثورة ثم أسندت إليه شؤون الحرب…ثم فصل من الحزب بتهمة العمل ضد مصلحة الحزب، ليخلو الجو لستالين الذي دبر له عملية اغتيال للخلاص منه نهائياً.
الأفكار و المعتقدات:
1- إنكار وجود الله تعالى وكل الغيبيات، والقول بأن المادة هي أساس كل شيء وشعارهم: نؤمن بثلاثة : ماركس ولينين وستالين، ونكفر بثلاثة: الله، الدين، الملكية الخاصة. عليهم من الله ما يستحقون .
2- فسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البورجوازية والبروليتاريا وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا.
3- يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب وخادماً للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال مستثنين من ذلك اليهودية، لأن اليهود شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعد حقوقه المغتصبة!!.
4- يحاربون الملكية الفردية ويقولون بشيوعية الأموال وإلغاء الوارثة.
5- لا قيمة عندهم للعمل أمام أهمية المادة وأساليب الإنتاج.
6- إن كل تغير في العالم في نظهرهم إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل الإنتاج، وإن الفكر والحضارة والثقافة هي وليدة التطور الاقتصادي.
7- يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفكر، والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
8- يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير الحياة الدنيا، ويقولون أن الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآلة الإنتاج،
9- يحكمون الشعوب بالحديد والنار، ولا مجال لإهمال الفكر، والغاية عندهم تبرر الوسئلة.
10- يؤمنون بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات
11- يقولون بدكتاتورية الطبقة العاملة ويبشرون بالحكومة العالمية.
12- تؤمن الشيوعية بالصراع والعنف وتسعى لإثارة الحقد والضغينة بين العمال وغيرهم
13- الدولة هي الحزب والحزب هو الدولة.
14- المكتب السياسي الأول للثورة البلشفية يتكون من سبعة أشخاص كلهم يهود إلا واحداً وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية.
15- يزعمون بأن القرآن الكريم وضع خلال حكم عثمان رضي الله عنه ثم طرأت عليه عدة تغيرات حتى القرن الثامن ويصفونه بأنه سلاح لتخدير الشعوب.
16- تنكر الماركسية الروابط الأسرية وترى فيها دعامة للمجتمع البرجوازي، وبالتالي لا بد من أن تحل محلها الفوضى الجنسية.
17- لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم . قال لينين: ( إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً) وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم لأفغانستان بعد أن اكتسحوا الجمهوريات الإسلامية الأخرى كبخارى وسمرقند وبلاد الشيشان والشركس. إنما ينضوي تحت تلك القاعدة الإجرامية.
18- يهدمون المساجد ويحولونها إلى دور ترفيه ومراكز للحزب، ويمنعون المسلم من إظهار شعائر دينه، أما اقتناء المصحف فهو جريمة كبرى يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة كاملة.
19- لقد كان توسعهم على حساب المسلمين فكان أن احتلوا بلادهم وأفنوا شعوبهم وسرقوا ثرواتهم واعتدوا على حرمة دينهم ومقدساتهم.
20- يعتمدون على الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من أعضاء الحزب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- لم تستطيع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود وعملها لتحقيق أهدافهم، فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهودي:
1- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
2- الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين.
- يصرح ما ركس بأنه اتصل بفيلسوف الصهيونية وواضع أساسها النظري وهو ( موشيه هيس ) أستاذ هرتزل الزعيم الصهيوني الشهير.
- جد ماركس هو الحاخم اليهودي المشهور في الأوساط اليهودية (مردخاي ماركس ).
- تأثرت الماركسية إضافة إلى الفكر اليهودي بجملة من الأفكار والنظريات الالحادية منها:
1- مدرسة هيجل العقلية المثالية.
2- مدرسة كومت الحسية الوضعية.
3- مدرسة فيورباخ في الفلسفة الإنسانية الطبيعة.
4- مدرسة باكونين صاحب المذهب الفوضوي المتخبطر
الانتشار ومواقع النفوذ:
تحكم الشيوعية اليوم عدة دول منها:
1-الاتحاد السوفياتي 6بولندا
2الصين 7 رومانيا
3 تشيكوسلوفاكيا 8 يوغسلافيا
4 المجر 9 البانيا
5 بلغاريا 10 كوبا.(42/291)
- ومعلوم أن دخول الشيوعية لهذه الدول كان بالقوة والنار والتسلط الاستعماري، ولذلك فإن جل شعوب هذه الدول أصبحت تتململ بعد أن عرفت الشيوعية على حقيقتها وأنها ليست الفردوس الذي صور لهم، وبالتالي بدأت الانتفاضات والثورات تظهر هنا وهناك كما حدث في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كما أنك لا تكاد تجد دولتين شيوعيتين في وئام دائم.
- أما في العالم الإسلامي فقد استفادوا من جهل بعض الحكام وحرصهم على تدعيم كراسيهم ولو على حساب الدين، فالشيوعية اكتسحت أفغانستان وشردت شعبها المسلم كما أنها تحكم بعض الدول الإسلامية الأخرى بواسطة عملائها
- تقوم الدول الشيوعية بتوزيع ملايين الكتيبات والنشرات مجاناً في كافة أنحاء العالم داعية إلى مذهبها.
- أسست الشيوعية أحزاباً لها في كل الدول العربية والإسلامية تقريباً فنجد لها أحزاباً في مصر، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، والأردن، وتونس وغيرها.
- إنهم يؤمنون بالأممية ويسعون لتحقيق حلمهم بالحكومة العالمية التي يبشرون بها.
والله أعلم.
=============(42/292)
(42/293)
حكم التحاكم إلى المحاكم الشيوعية
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 2754)
تاريخ الفتوى : 23 ربيع الأول 1424
السؤال
السلام عليكم فضيلة الشيخ هل يجوز أن يتحاكم المسلم المقرض إلى المحاكم الشيوعية كي يأخذ أمواله المقترضة من الغني المماطل المقترض؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يحل لمسلم أن يتحاكم إلى المحاكم الشيوعية والقوانين الوضعية لاستخراج مالٍ له عند شخص مماطل، لأن التحاكم إلى هذه المحاكم معناه الاستسلام لحكمها والرضا به، وهذا كفر والعياذ بالله، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:60]. ولذا على الشخص أن يبتعد عن التحاكم إليهم ما لم يُلجأ إلى ذلك، وينبغي أن يستعين بأهل الخير والوجهاء في استخراج حقه من هذا الظالم، فإن لم يتمكن فليصبر وليحتسب، ويبشر بالعوض من الله جل وعلا. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============(42/294)
(42/295)
حكم الشيوعية والانتماء إليها
فتاوى إسلامية - (ج 1 / ص 190)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعد
فإن مجلس المجمع الفقهي درس فيما دَرَسه من أمور خطيرة ( موضوع الشيوعية والاشتراكية ) وما يتعرض له العالم الإسلامي من مشكلات الغزو الفكري على صعيد كيان الدول ، وعلى صعيد نشأة الأفراد وعقائدهم ، وما تتعرض له تلك الدول والشعوب معًا من أخطاء تترتب على عدم التنبه إلى مخاطر هذا الغزو الخطير . ولقد رأى المجمع الفقهي أن كثيرًا من الدول في العالم الإسلامي تعاني فراغًا فكريًّا وعقائديًّا . خاصة أن هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أعدت بطريقة نَفَذت إلى المجتمعات الإسلامية وأحدثت فيها خللاً في العقائد وانحلالاً في التفكير والسلوك وتحطيمًا للقيم الإنسانية وزعزعة لكل مقومات الخير في المجتمع ، وإنه ليبدو واضحًا جليًّا أن الدول الكبرى على اختلاف نظمها واتجاهها قد حاولت جاهدة تمزيق شمل كل دولة تنتسب للإسلام عداوة له وخوفًا من امتداده ويقظة أهله . لذا ركّزت جميع الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمين هما العقائد والأخلاق . ففي ميدان العقائد شجعت كل من يعتنق المبدأ الشيوعي المعبّر عنه مبدئيا عند كثيرين بالاشتراكية ، فجندت له الإذاعات والصحف والدعايات البراقة والكُتاب المأجورين ، وسمَّته حينًا بالحرية وحينا بالتقدمية وحينا بالديمقراطية ، وغير ذلك من الألفاظ ، وسمّت كل ما يضاد ذلك من اصلاحات ومحافظة على القيم والمثل السامية والتعاليم الإسلامية رجعية وتأخرًا وانتهازية ونحو ذلك وفي ميدان الأخلاق دعت إلى الإباحية واختلاط الجنسين ، وسمت ذلك أيضًا تقدماً وحرية فهي تعرف تمام المعرفة أنها متى قضت على الدين والأخلاق فقد تمكمت من السيطرة الفكرية والمادية والسياسية ، وإذا تم ذلك لها تمكنت من السيطرة التامة على جميع مقومات الخير والإصلاح وصرفتها كما تشاء ، فانبثق عن ذلك الصراع الفكري والعقائدي والسياسي ، وقامت بتقوية الجانب الموالي لها وأمدته بالمال والسلاح والدعاية حتى يتمركز في مجتمعه ويسيطر على الحكم ، ثم لا تسأل عما يحدث بعد ذلك من تقتيل وتشريد وكبت للحريات وسجن لكل ذي دين أو خلق قويم . ولهذا لما كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولاً إسلامية لم تتحصن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تجاهه ، وكان على المجمع الفقهي في حدود اختصاصه العلمي والديني ، أن ينبه إلى المخاطر التي تترتب على هذا الغزو الفكري والعقائدي والسياسي الخطير ، الذي يتم بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية وغيرها ، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة يقرر ما يلي
إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع برامج ومناهج التعليم المطبقة حالياً فيها ، بعد أن ثبت أنه قد تسرب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكار إلحادية وشيوعية مسمومة مدسوسة تحارب الدول الإسلامية في عقر دارها ، وعلى يد نفر من أبنائها من معلمين ومؤلفين وغيرهم .
إعادة النظر وبأقصى السرعة في جميع الأجهزة في الدول الإسلامية ، وبخاصة في دوائر الإعلام والاقتصاد والتجارة الداخلية والخارجية وأجهزة الإدارات المحلية ، من أجل تنقيتها وتقويمها ووضع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة ، التي تعمل على حفظ كيان الدول والشعوب وإنقاذ المجتمعات من الحقد والبغضاء ، وتنشر بينهم روح الأخوة والتعاون والصفاء .
جـ - الإهابة بالدول والشعوب الإسلامية أن تعمل على إعداد مدارس متخصصة وتكوين دعاة أمناء من أجل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتى صوره ، ومقابلته بدراسات عميقة ميسرة لكل راغب بالاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطره من جهة ، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه من جهة ثانية ، ومن ثَم فإن هذه المدارس وأولئك الدعاة كلما تكاثروا في أي بلد إسلامي ، يُرجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرفة الغربية ، وبذلك يقوم صف علمي عملي منظم واقعي من أجل التحصن ضد جميع التيارات التي تستهدف هذه البقية الباقية من مقومات الإسلام في نفوس الناس .
كما يهيب المجلس بعلماء المسلمين في كل مكان والمنظمات الإسلامية في العالم أن يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلحادية الخطيرة التي تستهدف دينهم وعقائدهم وشريعتهم ، وتريد القضاء عليهم وعلى أوطانهم . وأن يوضحوا للناس حقيقة الاشتراكية والشيوعية ، وأنهما حرب على الإسلام . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين .
=============(42/296)
(42/297)
معتنق الشيوعية مرتد
فتاوى إسلامية - (ج 1 / ص 196)
س الفكرة الشيوعية تقوم على إنكار وجود الخالق عز وجل ، وتقول بمادية الحيا وأن أصل المخلوقات هي الطبيعة . فهل معتنق المبادئ والأفكار الشيوعية من الشباب وغيرهم في عالمنا الإسلامي مرتدون ، وخاصة من يعتقدون بأفكار الشيوعية ؟
ج الظاهر لي أن هذا السؤال كمن يسأل هل الشمس شمس ؟ وهل الليل ليل ؟ وهل النهار نهار ؟ فمن الذي يشكل عليه أن منكر الخالق لا يكون كافراً ، مع أن هذا ، أعني إنكار الخالق ما وُجد فيما سلف من الإلحاد ، وإنما وجد أخيراً ، وكيف يمكن إنكار الخالق والأدلة على وجوده - جل وعلا - أجلى من الشمس . وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ؟ وأدلة وجود الخالق والحمد لله موجودة في الفِطَر والعقول ، والشاهد والمحسوس ، ولا ينكره إلا مكابر بل حتى الذين أنكروه قلوبهم مطمئنة بوجوده ، كما قال الله - تعالى - عن فرعون الذي أنكرالخالق وادّضعى الربوبية لنفسه قال { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } . وقال - جل ذكره- عن موسى وهو يناظر فرعون { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر } . ثم إن هؤلاء الذين ينكرون الخالق هم في الحقيقة منكرون لأنفسهم ، لأنهم هم الآن يعتقدون أنهم ما أوجدوا أنفسهم ويعلمون ذلك ، و يعتقدون أنه ما أوجدتهم أمهاتهم ، ولا أوجدهم آباؤهم ، ولا أوجدهم أحد رابع إلا رب العالمين - سبحانه وتعالى - كما قال تعالى { أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } وتعجب جبير بن مطعم على أنه لم يؤمن بعد أن سمع هذه الآية يقرؤها النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال "كدت أطير" من كونها دليلاً قاطعاً ظاهراً على وجود الخالق - سبحانه وتعالى -، وهؤلاء المنكرون للخالق إذا قيل لهم مَن خلق السماوات والأرض ؟ ما استطاعوا سبيلاً إلا أن يقولوا الذي خلقها الله ، لأنها قطعاً لم تَخلق نفسها ، وكل موجود لا بد له من موجِد واجب الوجود وهو الله . لو أن أحداً من الناس قال إن هذا القصر المشيد المزين بأنواع الثريات الكهربائية وغيرها إنه بنى نفسه ، لقال الناس إن هذا أمر جنوني . ولا يمكن أن يكون ، فكيف بهذه السموات والأرض ، والأفلاك والنجوم السائرة على هذا النظام البديع الذي لا يختلف منذ أن خلقه الله عز وجل إلى أن يأذن الله بفناء هذا العالم ، وأعتقد أن الأمر أوضح من أن يقام عليه الدليل . وبناء على ذلك فإنه لا شك أن من أنكر الخالق فإنه مختل العقل كما أنه لا دين عنده وأنه كافر لا يرتاب أحد في كفره . وهذا الحكم ينطبق على المقلدين لهذا المذهب الذين عاشوا في الإسلام ، لأن الإسلام ينكر هذا إنكاراً عظيماً ، ولا يخفى على أحد من المسلمين بطلان هذا الفكر وهذا المذهب ، وليسوا معذورين لأن لديهم مَن يعلمهم ، بل هم لو رجعوا إلى فطرهم ما وجدوا لهذا أصلاً .
===============(42/298)
(42/299)
9 - حكم اللحوم المستوردة من البلاد الشيوعية والمجوسية والوثنية
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 20 / ص 6)
س : ما حكم الشرع في اللحوم المجففة والدجاج الدانمركي المجفف ؟ سؤال أجاب عنه سماحته بتاريخ 5 / 8 / 1418 هـ .
ج : اللحوم التي ترد من بلاد أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى حلال إذا لم يعلم أنها ذبحت بطريقة غير شرعية كالخنق والضرب وما إلى ذلك ، ولأن طعام أهل الكتاب حل لنا ، لقول الله تعالى في سورة المائدة : سورة المائدة الآية 5 الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أما اللحوم التي ترد من
(الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 20)
البلاد الشيوعية أو الاشتراكية أو المجوسية أو الوثنية فهي محرمة ؛ لأنهم ليسوا أهل الكتاب وليس لهم حكم المسلمين .
===============(42/300)
(42/301)
الفرع الثاني - مقارنة الدولة الإسلامية بالدولة الشيوعية :
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 8 / ص 464)
39 - تلتقي الدولة الإسلامية والدولة الاشتراكية ـ الشيوعية في طبيعة واحدة هي أنهما تقومان على أساس فكرة ودعوة، لا على أساس مصالح مادية أو الارتباط بحدود جغرافية إقليمية، أورابطة قومية عنصرية. فكل من الدولتين تتوخى نشر فكرتها في أرجاء العالم، ولا مانع بالنسبة لمن يؤمن بتلك الفكرة أن يكون موالياً لدولة أخرى، أي أن هناك بالنسبة للشخص صاحب الفكرة ازدواجاً في الولاء.
المبحث الثالث ـ وظيفة دولة الإسلام(1)
تمهيد: في تعريف وظيفة الدولة الإسلامية :
40 - امتاز الإسلام عما كان سائداً في الجاهلية العربية بحمايته نوعين من المصالح اللذين بهما انتظام الملة والمدن، وقد بعث صلى الله عليه وسلم لأجلهما، والإمام نائبه، فهو مسؤول عنهما (2) .
لذلك تختلف وظيفة الدولة الإسلامية عن سائر الدول الدستورية البرلمانية في أن مهمتها الحفاظ على أمور الدنيا والدين، وأنه لا فصل بين الدين والدولة كما فعل أتباع الدين المسيحي (3) ، وأن الخليفة أو الإمام كما أنه يلي سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ وسائر الشؤون الدنيوية، فإن له أيضاً إمامة الصلاة وإمامة الحج والإذن بإقامة الشعائر في المساجد، والخطبة في الجمع والأعياد وغير هذا من الشؤون الدينية، باعتبار أن الغاية من إقامته أن يقوم بحراسة الدين وسياسة الدنيا (4) .
__________
(1) أكتفي هنا بذكر المبادئ العامة، وأحيل بالنسبة للتفاصيل على موضوعات في الموسوعة الفقهية: إمامة، حقوق الإنسان، الذميون، المستأمنون، ونحو ذلك من البحوث الدستورية والقضائية والاجتماعية.
(2) حجة الله البالغة للدهلوي: 112/2، ط أولى.
(3) قال السيد المسيح عليه السلام: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ).
(4) الماوردي وابن خلدون، المرجعان الآتيان، السياسة الشرعية للأستاذ خلاف: ص 58 ومابعدها.
==============(42/302)
(42/303)
مسمار جديد في نعش الشيوعية
مجلة البيان - (ج 3 / ص 102)
جاء في تقرير قدمه "اليكسي شكولنيكوف" رئيس لجنة الرقابة الشعبية أنه بعد 20 شهراً من تولي "ميخائيل جورباتشوف" سلطات الحكم لا يزال الاقتصاد المحلي عرضة لانعدام الانضباط ، وأنه تم طرد «13» ألف مسؤول اقتصادي في غضون عام واحد بتهمة استغلال النفوذ .
وقال "شكولينكوف" في كلمة أمام مجلس السوفييت الأعلى أنه تمت إدانة «100» ألف مسؤول آخر خلال الفترة نفسها بتهمة عدم الانضباط وتزوير الأوراق الرسمية والاختلاس.
وتضم لجنة الرقابة (4600) خلية تضم بدورها مليونين من العاملين . وأنشئ هذا الجهاز في إبريل عام 1984 .
وقال شكولينكوف : إنه تفقد في العام الماضي نشاط 7 محطات إقليمية للسكك الحديدية حيث اكتشف تزويراً في الأوراق الرسمية تتعلق بحوالي 7 ملايين طن من البضائع . وأضاف : إن عدداً كبيراً من موظفي هذا الفرع قد عزلوا من مناصبهم .
وأنتجت المصانع 350 ألف طن من المعادن من بينها (38) ألف كيلومتر من الكابلات بيد أنها لم تسجلها في الدفاتر مما شجع على حدوث سرقات على نطاق واسع .
وندد واضع التقرير باستغلال النفوذ في توزيع المساكن ونوعية البناء التي تدعو إلى الأسف فقال : إنه في مدينة الماتا [ كازاخستان ] استغلت إحدى لجان البلدية 26 عمارة سكنية، بينما كانت تنقصها تركيبات الغاز والكهرباء .
وأشار شكولينكوف الى أن إنتاج ملابس الأطفال انخفض خلال الخطة الثانية عشرة [1981 - 1985] بعد أن رأى الصناع أن هذا النشاط لا يدر أربحاً وفيرة ، وفيما يتعلق بأدوات المنزل فإن انتاجها انخفض في العام الماضي بنسبة 37 مليون وحدة عنه منذ عشرة أعوام .
نشرت الصحف هذا التقرير في 20/11/1986 نقلاً عن وكالة الأنباء : ا . ف . ب .
ونشرت الصحف [عن وكالات الأنباء] في 23/11/1986 الخبر التالي :
أعلن مسؤولون سوفييت أن ما يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين عامل سيفتتحون مشروعات عمل خاصة بهم العام القادم بعد الموافقة على قانون جديد يسمح للعامل السوفييتي بالعمل لحسابه الخاص .. وختم المسؤولون السوفييت حديثهم بقولهم :
ليست هناك قيود على العمل الخاص في وقت الفراغ .
تعليق :
المسؤول الذي لا يؤمن بالله ولا يخشاه سوف يسرق، ويغش، وينهب، ولن يخشى صرامة القانون لأن الذين يشرفون على تنفيذ هذا القانون مثله ، لصوص ، وقطاع طرق ، والأرقام التي ذكرها "اليكسي شكولينكوف" متواضعة وغير صحيحة ومع ذلك فإنها تدل على أن النظام السوفييتي يعاني مشكلات مزمنة ، وتتفاقم هذه المشكلات يوماً بعد آخر ، ورغم السرية والكبت والإرهاب فقد اضطر المسؤول السوفيتي إلى الاعتراف بتراجع الإنتاج وكثرة الاختلاس .
والسماح لملايين العمال بالعمل في القطاع الخاص فيه دليل آخر على هزيمة النظام السوفييتي أمام الفطرة التي فطر الله الناس عليها .. ولا نقول : إن النظام الشيوعي قد فشل ، لا نقول هذا لأن الشيوعية التي تحدث عنها كارل ماركس لم تطبق في الاتحاد السوفييتي ، رغم الأخاديد التي حفرت والمجازر التي ارتكبت ، وملايين الأرواح التي أزهقت .
فالملكية الخاصة والبنوك والادخار وما إلى ذلك موجود في السوفييت منذ القديم ، وهذا الذي ذكرناه دليل جديد نتمسك به ونواجه به الشيوعيين الملاحدة في عالمنا الإسلامي ، الذين لا يفكرون إلا بعقول قادة الكرملين ... ومثل هذه الهزائم تأتي بعد تراجع الصين عن النظام الشيوعي ، وبعد فشل نبؤات ماركس وتروتسكي ولينين ويضاف إلى هذا كله ازدياد نشاط المسلمين في الاتحاد السوفييتي رغم سياسة الكبت والاضطهاد التي تمارس ضدهم .
===============(42/304)
(42/305)
من تاريخ الأحزاب الشيوعية العربية
وموقفها من قضية فلسطين
مجلة البيان - (ج 89 / ص 92)
بقلم: د. محمد آمحزون
إن تاريخ الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية يشير إلى ظاهرة مهمة جدّاً في نشأة هذه الأحزاب، وفي مواقفها من النزاع العربي الإسرائيلي، وفي تأثرها بالعناصر اليهودية التي حرّكتها الصهيونية العالمية لإقامة دولة إسرائيل.
ويمكن القول بكل يقين: بأن الحركة الشيوعية في العالم العربي إنما أنشأها اليهود الذين كانوا أنشط العناصر داخل هذه الحركة، وفي تلك الفترة بالذات من تاريخ قيام الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، أخذت بعض الدعاوى تنتشر في الأجواء السياسية حول شرعية حق اليهود القومي في فلسطين، لتلتقي هذه النظرة التي عمل الشيوعيون على ترويجها مع النظرة الصهيونية والأهداف التي تعمل لها.
إن تأثر الماركسيين العرب بالعناصر اليهودية على مستوى القيادة والتنظيم السياسي، كان له بالغ الأثر في جعل الماركسيين يعمون عن واقع وطنهم، ويتغاضون عن تمزيق بلادهم، إذ كانوا لا يفكرون من خلال عقولهم، وإنما من خلال المخططات التي تضعها الشيوعية الدولية والصهيونية العالمية، ويعملون هم على تنفيذها بشكل تلقائي دون أن يجهدوا أنفسهم في تحري المواقف، ليروا ما إذا كانت تلك المخططات الموضوعة تصلح للعالم العربي الإسلامي وتتفق مع حقه في الوجود أم لا.
كان الحزب الشيوعي الفلسطيني أول حزب شيوعي تأسس في المنطقة عام (1919م)، وكان جميع عناصره من اليهود الروس الذين حملوا بذور الفكرة الأولى إلى فلسطين. وفي عام 1924م تأسس الحزب الشيوعي في لبنان، حيث ساهم بعض العناصر اليهودية الوافدة من فلسطين في إنشائه، وهي التي أوكلت إليها مهمة نشر الفكرة الشيوعية والإشراف على تنظيم خلاياها في منطقة الشرق الأوسط (1).
وفي نهاية عام 1925م كانون الأول (ديسمبر) انعقد المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي، وانتخب لجنته المركزية من سبعة أعضاء، وظل تيبر اليهودي الروسي محتفظاً بأمانة الحزب العامة، وكان يعرف عادة باسم شامي، حيث درج معظم الأعضاء القياديين في الحركات الشيوعية على استعارة أسماء أخرى، وهو تقليد يهودي(2).
وقد ظل الصراع محتدماً في الحزب منذ عام 1928م حتى عام 1932م، حين تمكن خالد بكداش من أن يبلغ مركز زعامة الحزب بترشيح جاكوب تيبر ـ المبعد إلى فلسطين ـ وتزكيته، وتقدم معه وجوه ثلاثة جديدة هم: نقولا شاوي و فرج الله الحلو و رفيق رضا الذي قدر له أن يلعب ـ بعد ثلاثين عاماً ـ دوراً كبيراً في فضح أسرار الحزب واتصالاته(3).
ففي عام 1959م خرج رفيق رضا على الحزب ـ وكان عضواً في قيادته المركزية ـ ليروي بعض تاريخه، ويسلط الضوء على الجوانب المظلمة فيه، وقد كتب في ذلك الحين بياناً نشرته جريدة (الجماهير) السورية، جاء فيه: في عام 1932م وفد إلى بيروت عدة مندوبين شيوعيين يهود حملوا مبالغ وافرة من المال إلى قيادة الحزب الشيوعي في سورية ولبنان، وأذكر منهم أميل و أوسكا و مولر، وقد أبدلت لهم شخصياً قسماً من الأموال التي حملوها بالعملة المحلية آنذاك، وفي عام 1938م حملت إلى الحزب مبلغ خمسة وعشرين ألف فرنك، كان الحزب الشيوعي الفرنسي قد قرر آنذاك وضعها تحت تصرف الحزب الشيوعي السوري؛ لتوسيع حملته من أجل إقرار المعاهدة الفرنسية البغيضة، ومحاربة الاتجاه الوطني في ذلك التاريخ، هذا مع العلم أن خالد بكداش قد نقل بنفسه مبلغاً آخر حين كان في باريس مشتركاً في مؤتمر (آرل) الشيوعي الفرنسي(4).
ولم يكتف (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) بذلك، ولم يقف ارتباطه الفكري والمالي بالعناصر اليهودية عند هذا الحد، فقد استعار أسماء صحفه التي أصدرها من أسماء الصحف التي أصدرتها الحركة الشيوعية اليهودية في فلسطين؛ فاسم (صوت الشعب) وهي الصحيفة السرية للحزب الشيوعي في سورية ولبنان ترجمة حرفية لاسم الجريدة العبرية للحزب الشيوعي اليهودي (كول عاهام)، واسم (النور) وهي الصحيفة العلنية للحزب التي أصدرها في دمشق عام 1956م منقول حرفياً عن اسم صحيفة (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) التي أصدرها في فلسطين عام 1934م (5).
وقد سار (الحزب الشيوعي العراقي) في الخطة نفسها في تعريب الأسماء اليهودية في الصحف التي أصدرها، إذ حملت صحيفته السرية أيضاً عام 1959م اسم (صوت الشعب) أسوة بالصحيفة اليهودية (كول عاهام)(6).
ولذلك: لم يكن غريباً ـ حين جاءت القضية الفلسطينية ـ أن نجد (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) وبقية الأحزاب الشيوعية في العالم العربي تتخذ موقفاً معادياً للحق الفلسطيني المغتصب؛ مرتبطة في ذلك وملتقية بالاتحاد السوفييتي، ومع الصهيونية العالمية، ولا غرابة في ذلك؛ إذ أحسنت العناصر اليهودية تنشئتها وتوجيهها واصطفاء قياداتها.(42/306)
فبشأن حقيقة موقف (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) من قضية فلسطين يقول رفيق رضا عضو اللجنة المركزية المنشق: ... وكانت قيادة الحزب الشيوعي بمثل حماس ابن جوريون على بعث الدولة اليهودية في فلسطين؛ فإسرائيل في نظرها واحة من واحات الديموقراطية في الشرق الأدنى، والشعب الإسرائيلي المشرد لابد وأن يلتقي في أرض الميعاد، وأن واجب التضامن الأممي في عرف القيادة المذكورة هو من صلب المبادئ الماركسية، ولذا: فوجود إسرائيل له ـ في عرفها ـ مبرراته الإنسانية التي تتخطى المبررات والوقائع القومية، ومنذ اليوم الأول لكارثة فلسطين أو منذ اليوم الأول لإعلان التقسيم ووقوف الدول الكبرى إلى جانب الصهيونية بما فيها الاتحاد السوفييتي، منذ ذلك اليوم المشؤوم: انحازت قيادة الحزب الشيوعي إلى جانب الرأي الاستعماري الصهيوني، ونادت بعدالة التقسيم، ودعت إليه؛ كما لو كانت قيادة تجري في عروقها دماء إسرائيل، وهي قد التزمت جانب الاستعمار والصهيونية علناً وصراحة على لسان دعاتها وفي بياناتها وصحفها، وقد قوبلت خيانتها هذه بسخط عربي عارم زلزل الأرض تحت أقدامها، وانهالت لعنات العرب عليها حتى لم يعد بوسع شيوعي في سورية ولبنان أن يعلن شيوعيته(7).
وقد تبنى الحزب ـ فيما بعد ـ دعوة الصلح مع إسرائيل صراحة، وكان يوزعُ في سورية سرّاً مقالات صموئيل ميكونيس أمين عام (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) المنشورة في جريدة (الكومنجورم): في سبيل سلم دائم، الداعية إلى الصلح حلاً وحيداً لمشكلة الخلاف، ولقيت مقالات ميكونيس تأييد قيادات الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية جميعاً، تلك التي ظلت تنظر إلى النزاع العربي الإسرائيلي من زاوية الحكام في إسرائيل، لا من مبدأ وجودها(8).
لقد ظلت الأحزاب الشيوعية العربية تتهم حكام إسرائيل اليمينيين بأنهم عملاء للاستعمار دون المساس بكيان إسرائيل أصل المشكلة، ولا بموضوع الدولة اليهودية في فلسطين، وهو أصل الخلاف.
ويعد هذا الموقف في حد ذاته تحريفاً للنظرة إلى القضية الفلسطينية، وإغراقها في المفهوم الشيوعي الجديد الذي يهاجم حكام تل أبيب ويسكت عن دولة إسرائيل، وذلك يعني: أن ارتباط إسرائيل بالغرب هو ما يغيظ الشيوعيين ولا يرضيهم، فإذا ارتبطت إسرائيل بموسكو غدت شيئاً آخر: (دولة صديقة محبة للسلام)، يدعو لها الشيوعيون العرب بالسلامة وطول البقاء!!
أين إذن جوهر المشكلة؟ أليس هو إسرائيل ذاتها، الكيان الذي اغتصب حق الفلسطينيين وأرضهم ووجودهم، واضطهد شعباً بأكمله بين أسير وقتيل وشريد؟!
أين حمامات الدماء التي اقترفتها أيدي الإرهابيين الصهاينة في فلسطين، وراح ضحيتها آلاف النساء والشيوخ والأطفال والشباب؟!
أين مذابح قطاع غزة والضفة الغربية، وصبرا وشاتيلا، ودير ياسين.. التي كان على رأسها مثل السفاح بيجن الحائز على جائزة نوبل للسلام؟!!
فليست فلسطين، ولا القضية الفلسطينية، ولا الحق العربي الإسلامي هو المهم بالنسبة للأحزاب الشيوعية العربية، بل كان المهم لديهم أن تتعاظم القوة السوفييتية الأم في المنطقة، وينمو نفوذها ويبسط سلطانها، مادامت هذه القوة تجسد أحلامهم في الحكم، وتطلعهم يوماً ما إلى ذروة السلطة، ومادامت هي التي ترفدهم بالمال، وتوفر لهم في بلادها وفي البلاد الأخرى لذائذ الحياة في فنادقها ونواديها تحت غطاء عقد المؤتمرات والمهرجانات.
وعلى الرغم من أن قضية فلسطين كانت تطرحها الأحداث كل يوم، وبشكل أحدّ وأعنف مع تعاظم الخطر الإسرائيلي، فقد ظل الشيوعيون على موقفهم الأول منها، وظلت سياستهم ومواقفهم تدفع بالقضية الفلسطينية إلى الجوانب والهوامش، بالاعتراض على اتجاه الحكم الإسرائيلي دون المساس بالجوهر الأصل ـ وهو أصلاً اغتصاب أرض فلسطين ـ .
فدعوتهم كان هدفها ربط إسرائيل بالمعسكر الشيوعي كما هو هدفها ربط العرب إلى هذا المعسكر، وفي إطار التبعية هذه تجد المشكلة الفلسطينية حلها في الإخاء اليهودي العربي.
ومن الملاحظ أن (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) لم يكن وحده الحزب الذي أسسه اليهود ثم اختاروا لقيادته عناصر معادية لكل اتجاه عربي فضلاً عن الاتجاه الإسلامي؛ فالحزب الشيوعي المغربي: قد أسسه اليهود أيضاً تحت قيادة ليون سلطان في عام 1943م، وهو يهودي مغربي كان يعمل في سلك المحاماة(9).
وقد ظل الحزب الشيوعي المغربي (حزب التقدم والاشتراكية حالياً) ذيلاً للحزب الشيوعي الفرنسي، واستمر ذلك بعد الاستقلال مع التبعية المطلقة للاتحاد السوفييتي(10).
ومن الملاحظ أن علي يعتة (زعيم الحزب حالياً) قد تسلم مهام الأمين العام للحزب المذكور ـ بعد وفاة ليون سلطان ـ وهو من أصل جزائري، وقبل مجيئه إلى المغرب واتصاله بليون سلطان في الدار البيضاء كان عاملاً في فرنسا، وهناك حصل على الجنسية الفرنسية(11).
ولا يخفى الاتصال الوثيق بين علي يعتة والجالية اليهودية في المغرب؛ فقد ظهر بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية لعام 1994م في معبد يهودي مرتدياً طاقية اليهود التقليدية، وهو يستمع إلى الحَبر الكبير الحزّان داخل السنياغوغ(12).(42/307)
ونسبة المنخرطين اليهود في الحزب الشيوعي المغربي لم تبلغها أي نسبة أخرى من انخراطاتهم في التكتلات اليسارية والتجمعات النقابية الأخرى كالاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد المغربي للشغل رغم أنها كانت فيها نسبة غير قليلة من المسؤولين اليهود(13).
كما أن الذين كانوا يشرفون على تعذيب المقاومين المغاربة في السجون في عهد الحماية كان من بينهم اليهود، وكانوا أكثر نشاطاً في التعذيب، وأشد حقداً عليهم من غيرهم(14). بل إن من اليهود المغاربة من يعترف بذلك الموقف المشين؛ يقول إسحاق ليفي في مقال له في صحيفة (العلم) المغربية: إن الحقيقة التي لا تخفى على أحد هي أن الأقلية اليهودية بالمغرب عُزلت واعتزلت كثيراً عن الروح الوطنية، وذلك بفضل جهود الاستعمار من جهة، ومن جهة أخرى بواسطة التعاليم المعطاة لهم من طرف (الميثاق الإسرائيلي العالمي)(15) ومن بين الشيوعيين المغاربة اليهود البارزين: إبراهام السرفاتي أبرز قيادات منظمة (إلى الأمام) الماركسية، والكاتب في مجلة (أنفاس) سابقاً.
وكذلك نبتت الأحزاب الشيوعية العربية الأخرى بغرس ورعاية اليهود في مصر والعراق غير أن المهم في هذا المجال بالذات مواقف الشيوعيين العرب من القضية الفلسطينية، أي: موقفهم من قضية الأمة الإسلامية في معركتها المصيرية، وإذا كان يحق للاتحاد السوفييتي أن يتصرف كدولة، وأن يعمل وفق مصالحه ـ وإن خالفت مصالح الآخرين ـ فكيف يحق لمواطنين عرب أن يصروا على التعامل معه والتبعية له باعتبار أنه عقيدة لا دولة، وأنه يعمل وفق المبادئ لا المصالح، وأن يتبنوا بالتالي مواقف تلك الدولة التي لا تأبه إلا لمصالحها، ولا تعمل إلا لتنفيذ مخططاتها القريبة والبعيدة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الشيوعية العربية اشتركت في تأييد تقسيم فلسطين، وفي الدفاع عن مبدأ دولة إسرائتيل، وفي الهجوم على الرجعية العربية بوصفها مسعرة نار الخصام بين الشعبين العربي واليهودي!، وعدوة الحق! اليهودي في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وبلغ بالشيوعيين العرب التحدي لمشاعر الأمة العربية الإسلامية أن يطالبوا الحكومات في البلاد العربية بالاعتراف بدولة إسرائيل، وأن ينظموا في كل من سورية والعراق وفلسطين ومصر مظاهرات شيوعية هزيلة تؤيد حق الشعب اليهودي في إقامة دولة إسرائيل بعد أن أقرت هيئة الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1947م مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية(16).
فهذا (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) يعتبر حرب 1948 ضد إسرائيل: مؤامرة رجعية دنيئة استعمارية، هدفها بذر الخصومة والعداء بين الشعبين العربي واليهودي، ورفع شعار (إلى الاتحاد في سبيل سحب الجيوش من فلسطين) (17).
ودعا (الحزب الشيوعي العراقي) الحكومات العربية الخائنة ـ على حد قوله ـ إلى الاعتراف بإسرائيل منادياً: فلتسقط الحرب بين الوطنيين والديموقراطيين العرب واليهود لإحباط خطط الاستعمار والرجعية، ولتحيى الصداقة العربية اليهودية!(18).
وكتب في صحيفته السرية (القاعدة): إن الشعب العراقي يرفض بإباء أن يحارب الشعب الإسرائيلي الشقيق(19).
أما الشيوعيون العرب في فلسطين: فقد وقفوا منذ اللحظة الأولى إلى جانب إخوانهم الشيوعيين اليهود مطالبين بحق اليهود في إقامة دولة إسرائيل واستقلالها عن العرب، وطالبوا بإجراء مفاوضات مباشرة ما بين إسرائيل والحكومات العربية، وشددوا على ضرورة سحب القوات العربية المعتدية من إسرائيل(20).
على أن الحزب الشيوعي المصري قد بلغ نهاية المطاف انغماساً في حمأة التآمر والخيانة الصريحة؛ فجاء في بيان له: لقد عانى الشعب اليهودي في فلسطين اضطهاداً لمدة طويلة، إن الشعب اليهودي يريد أن يحصل على استقلاله الذاتي، وإن فرض الوحدة مع العرب ـ تلك الوحدة التي يرفضها الشعب اليهودي ـ معناه أولاً: أننا نناقض مبدأ حق تقرير المصير(21).
وعاد الحزب نفسه ليكتب في بيان آخر له: إن اليهود يكوّنون اليوم شعباً ديموقراطيّاً! وتزداد سيطرتهم على حكومتهم يوماً بعد يوم، في حين أن الحكومة العربية في فلسطين حكومة فاشية!!... وإن القضاء على الدولة اليهودية وإخضاع اليهود لهذه الحكومة العربية معناه القضاء على واحة الديموقراطية التي يمكن أن تكون ذات تأثير حسن على الجزء العربي في فلسطين، وتلعب دوراً إيجابيّاً في الشرق الأوسط(22).(42/308)
أما (المنظمة الشيوعية) فقد عالجت في أواخر عام 1948م النزاع العربي الإسرائيلي في مقال افتتاحي نشرته صحيفة (صوت البروليتاريا) في عددها الثالث، فقالت: في 15 مايو (أيار) 1948م غزت! جيوش البلاد العربية فلسطين، هناك حرب قائمة في الشرق الأوسط منذ ستبعة شهور، ولكننا إذا درسنا هذه الحرب بتعمق لوجدنا أنها ليست سوى حرب عنصرية، لقد أملى الاستعمار البريطاني هذه الحرب وأعد لها منذ سنين طويلة ليدافع عن مركزه في الشرق الأوسط، إن هذه الحرب هي واحدة من مصادر الحرائق الكثيرة التي تشعلها الرجعية العالمية، وذلك بهدف خلق ترسانات من بعض المناطق التي يريدون استخدامها كنقط للهجوم ضد الاتحاد السوفييتي، وأخيراً فإن هذه الحرب موجهة اليوم ضد الخطر الذي تمثله البروليتاريا الثورية في فلسطين (تعني إسرائيل)(23).
إن في هذه العبارات من التمويه والمغالطة ما لا تخفى؛ فالاستعمار البريطاني لم يتدخل في الشرق الأوسط إلا لمصلحة إسرائيل، فهو الذي أصدر وعد بلفور، وفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وخطط بكل ما يملك من وسائل بتنسيق مع الصهيونية العالمية لإقامة الكيان اليهودي في فلسطين المحتلة، ولسنا ندري أي رجعية عالمية يعني هؤلاء، وقوى الغرب والشرق، اليمين واليسار، أمريكا والاتحاد السوفييتي وأوروبا جمعاء كانت في صف إسرائيل في مؤامرة عالمية استهدفت الوجود العربي الإسلامي في فلسطين.
ذلك كان مجمل مواقف الأحزاب الشيوعية العربية من موضوع فلسطين وإسرائيل، وقد حرصت هذه الأحزاب أن تظل منسجمة مع مواقف الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة وموافقته على قرار التقسيم.
فكيف يرجى أن تحرر هذه الأحزاب المجتمعات العربية الإسلامية من تركة الجهل والذلة اللذين ورثتهما من الاستعمار الصليبي، وكرسهما شرذمة من الحكام المستبدين الذين بذلوا ولاءهم ومنحوا تأييدهم للغرب؟!.
وكيف يؤمل أن تنهض هذه الأحزاب بالأمة، وهي التي ارتمت في أحضان يهود الشرق، وسلمت لهم مقاليد أمورها بتنفيذ تعليماتهم وخططهم الموجهة لمناصرة إسرائيل؟!، وصدق الشاعر العربي في هذا الصنف من الناس:
ونشحذ من يهود الشرق عدلاً...كمن تَخِذَ الغراب له دليلا
أليس من المخجل زرع استعمار جديد في قلب العالم الإسلامي، وهو الاستعمار الصهيوني ـ العدو اللدود للمسلمين ـ الذي ما فتئ يضع ـ بتنسيق مع الصليبيين ـ كل العراقيل والعقبات التي تحول دون تقدم البلاد الإسلامية ونهضتها.
إن السياسة الشيوعية والسياسة الصهيونية في الساحة العربية، وما يحدث من تنسيق بينهما: تعتبران من أشد أنواع السياسات مكراً وتآمراً، وإن الاتحاد السوفييتي بمنظومته الحزبية العربية كان طرفاً في تلك المؤامرة الدنيئة التي أتاحت للمتاجرين بالقضية الفلسطينية أن يتقدموا للزعامة والقيادة، وفي الثورة الفلسطينية أوضح مثال على هذا؛ فعندما تراجع المسلمون وتخاذلوا دُفعت بعض القيادات العلمانية إلى السطح، وانضوى تحت ألويتهم أبناء المسلمين المخدوعين، وتاجر عرفات و جورج حبش و نايف حواتمه... وغيرهم بدمائهم وبنوا على جماجمهم مجداً أثيلاً.
إن اليهود بدؤوا منذ القرن التاسع عشر ـ على الخصوص ـ في التطلع والتخطيط لإقامة كيان صهيوني في فلسطين، وقد كانوا يعلمون جيداً أن ليس بإمكانهم أن يطؤوا أرض فلسطين بأقدامهم وأن يقر لهم قرار فيها إلا في حالة ضعف المسلمين وتخلفهم، كما كانوا يدركون أن الإسلام هو السر الحقيقي لقوة المسلمين ونهوضهم؛ ولذلك أقدموا بما لديهم من مكر وخداع وهيمنة على وسائل الإعلام المختلفة على نشر الفكر الشيوعي، وتمويل الأحزاب الشيوعية وتأسيسها في البلاد العربية، ونشر الإلحاد.. وغير ذلك من المفاهيم العلمانية المادية التي تدعو المسلمين إلى فصل الدين عن الدولة وعن الحياة، والتحلل من الأخلاق والقيم الإنسانية.
وقد كان ذلك تحت ستار الشعارات الخادعة المضللة؛ فتغلغلت تلك الأفكار في عقول كثير من الشباب المضللين الذين فقدوا التوجيه الصحيح والفهم العميق للإسلام لأسباب داخلية أهمها: غياب الإسلام عن الساحة كنظام حضاري ومنهج حياة شامل، ولأسباب خارجية أهمها: الغزو الشيوعي الصهيوني والصليبي للعالم الإسلامي، واستيراد أساليب وأنظمة ظاهرها التقدم والتحرر، وباطنها الاستلاب والاحتواء والجمود، فقد جرب المنتسبون إلى الإسلام مختلف الأنظمة الوضعية ـ من ليبرالية واشتراكية ـ فلم تزدهم إلا ذلة وجموداً وتأخراً وتبعية للغير، علماً بأن الظروف التي مرّت بها أوروبا وجعلتها تكره الدين ـ بمفهومه الكنسي المحرف الضيق ـ هي ظروف ليست موجودة في الإسلام (ولله الحمد).(42/309)
وقد استغل الشيوعيون اليهودُ ـ وعلى رأسهم ماركس ـ معركةَ الدين والعلم، والدين والدولة في أوروبا للتمويه والمغالطة وتعميم الأحكام بالقول: إن الدين أفيون الشعوب ـ أي: الدين عامةّ ـ وأنه يتعارض مع النظر العقلي، وهي شبهة لها مجالها الحقيقي في واقع الكنيسة والفكر الغربي، بينما لا نجد لها أي أثر في الإسلام والفكر الإسلامي، ومن الملاحظ إذن: أن الحملات التي توجه ضد الدين الحق ـ وهو الإسلام ـ إنما توجه من قِبَل دعاة المذاهب المادية ـ وعلى رأسهم اليهود ـ ضمن مخطط رهيب يتبلور من خلال الغزو الفكري الذي حاول بمختلف الأساليب تهميش أثر الإسلام في عقر داره، وإيهام المخدوعين من أبناء هذه الأمة أن لا سبيل للتقدم إلا بإبعاد الإسلام عن مجالات الحياة المختلفة، هذا كسلاح لتركيز السيطرة اليهودية والتمكين لها في البلاد العربية الإسلامية، إذ يدرك اليهود جيداً أن الإسلام يقف سدّاً منيعاً في وجه أي احتواء أو تبعية أو تنازلات، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بأرض إسلامية كفلسطين، وتهجير شعب مسلم بأكمله وتشريده.
__________
1- قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، ص49.
2- الغادري: التاريخ السري للعلاقات الشيوعية - الصهيونية، ص159.
3- قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، ص58.
4- صحيفة الجماهير السورية، 13 تموز (يوليو) 1959.
5- الغادري: التاريخ السري للعلاقات الشيوعية - الصهيونية، ص162.
6- المرجع نفسه، ص162.
7- المرجع نفسه، ص171.
8- المرجع نفسه، ص172.
9- 162. r abe r t r ezette les politipues ma r ocains. P.
10- العربي الناصري: الاندحار الماركسي في العالم الإسلامي، ص6.
11 صلى الله عليه وسلمabe r t r ezette; loc-Qp-cit. P165 - 166
12- المشهد المذكور موثق بصورتين لعلي يعتة، وهو داخل المعبد اليهودي، التقطهما مصور الأسبوع السياسي.
انظر: الأسبوع الصحافي السياسي، 7 يناير 1994، ص1، 7.
13- مجموعة من المؤلفين: التاريخ الحديث والمعاصر ليهود المغرب، ص54.
14- صحيفة العلم المغربية، 28 كانون الأول (ديسمبر) 1955م.
15- قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، ص144.
16- المرجع السابق، ص156.
17- أضواء على القضية الفلسطينية، من منشورات الحزب الشيوعي العراقي، أب 1948.
18- صحيفة القاعدة عدد رقم 11، عام 1963م.
19- قدري قلعجي: المرجع السابق، ص156.
20- صحيفة صوت البروليتاريا 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948م.
21- المرجع نفسه، 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948.
22- صحيفة صوت البروليتاريا، 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948.
* أنظر: نهاد الغادري: التاريخ السري للعلاقات الشيوعية ـ الصهيونية، قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، أنور الجندي: هزيمة الشيوعية في عالم الإسلام.
==============(42/310)
(42/311)
المسلمون البلغاريون بين ناري الشيوعية والصليبية
مجلة البيان - (ج 104 / ص 76)
بقلم: عبد الله بن إبراهيم المسفر
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى عانى المسلمون البلغار من الاضطهاد، وزاد الطين بلة وصول الشيوعيين إلى الحكم بعد الحرب العالمية الثانية عام 1944م.
والمسلمون في بلغاريا: من الترك، ومن البلغار الذين أسلموا ـ ويعرفون بـ (البوماك) ـ، ومن الغجر (البدو الرحل).
ويغلب على المسلمين الفقر والتخلف والحرمان، ويمنعون من الهجرة إلى الخارج، مضايقة واضطهاداً لهم.
وقد حاولت بلغاريا ـ قبل أن تصبح شيوعية ـ تنصير المسلمين، إلا أن مقاومة هؤلاء أفشلت مخططاتهم، وقد سقط تحت سياط هؤلاء البلغار النصارى الألوف.
ثم زاد الاضطهاد والتضييق عند اجتياح الشيوعية البلاد، حتى منعت السلطات الشيوعية الحاكمة المسلمين من تأدية الحج. والمسلمون ليس لهم مدارس خاصة بهم، كما كانت بلغاريا تضم أكثر من 1200 مسجد، وقد أجبرت السلطات المسلمين على الدفن بمقابر واحدة مع سائر السكان، وحظرت النحر يوم عيد الأضحى، وأجبرت النساء على السفور، وفي الآونة الأخيرة: أجبرت السلطات الحاكمة المسلمين على إسقاط التمايز القومي والديني، وألزمتهم بتغيير أسمائهم بالقوة إلى أسماء نصرانية أو بلغارية، وقد أثار هذا الأمر المسلمين البلغار، فعارضوا؛ فوقعت مجازر، وهرب بعضهم إلى تركيا التي احتجت رسميّاً، ووجه رئيسها خطاب تذمر إلى رئيس بلغاريا، وقال رئيس حكومة تركيا على منبر الأمم المتحدة في 1985م: (إن حقوق هذه الأقلية المسلمة تنتهك، فأين هي حرية الفكر والدين وحقها في الحفاظ على شخصيتها؟)، وقد تجاوز عدد المهاجرين إلى تركيا أكثر من ثلاثمئة ألف، نزحوا عن بلغاريا في عام 1989م، ومتحف صوفيا في العاصمة أصله مسجد هدمت مئذنته، ولا يوجد فيها اليوم إلا مسجد واحد!!.
ولعل أبرز أحداث بلغاريا: التطورات التي جرت أواخر عام 1989م وبداية عام 1990م، حيث جرت تغييرات مهمة على صعيد الحزب والحكومة، وأُبعد المسؤولون القدامى، وأُتيحت حريات التعبير والحريات الشخصية الأخرى، ووقع في 12/1/1990م اتفاق بين الحكومة والمعارضة وممثلين عن المسلمين، جرى فيه إقرار حريات المسلمين الدينية والثقافية، وأعيدت إليهم حرية اختيار الأسماء الإسلامية شريطة ألا يقيموا أو يطالبوا بحكم ذاتي!!، الأمر الذي يعتبر تقدماً في الواقع المرير الذي فرضه الحزب الشيوعي السابق(1).
إلا أن المسلمين هناك ما زالوا يعانون الأمرين في واقعهم وفي الضغط على رموزهم (العلماء المختارين بترشيح منهم) ومن ذلك: الحكم مؤخراً على أحد العلماء بالسجن لعدة سنوات لمجرد أنه رشح خلافاً لما تراه الحكومة، التي تريد شخصاً مشبوهاً بعينه، كما سنرى.
واقع المسلمين الآن:
بعض المغرضين لخص الوضع الذي تمر به الدولة الآن وما حل بقطاعاتها نتيجة إخفاقات الحكومة الاشتراكية بأنه (ذنب المسلمين)، فما المقصود من هذا؟.
في الواقع: فإن الحكومة الاشتراكية ـ بذكاء أو غباء، وهذا ما ستسفر عنه الأيام ـ بدأت حياتها الدستورية أو الحكمية بالاصطدام مع المسلمين في أعز وأهم المواقع، وهو دار الإفتاء العام...
إذ بتصرف مبيّت قام نائب رئيس الوزراء (شيفاروف) ـ وبمخالفة صريحة للدستور ـ بالتصديق على إعادة تعيين (نديم غينتشيف) المفتي السابق، وعلى هذا الأساس: صادق أيضاً عليه (خ.منتانوف) رئيس دائرة الأديان، ليجد بذلك (نديم غينتشيف) فرصة سانحة ليداهم دار الإفتاء ويطرد منها المفتي المرشح من المسلمين (فكري صالح حسن) والعاملين معه، فيما لم يلق المفتي (فكري صالح) أي اهتمام من قبل رئيس دائرة الأديان، على الرغم من مصادقته السابقة من جانب ثلاث حكومات متعاقبة على اعتباره مفتياً عامّاً رسميّاً للمسلمين، هذه كانت البداية غير الموفقة ـ على حد قول بعض المراقبين ـ للحكومة الاشتراكية.
لكنّ آخرين يرون أنها حركة ذكية تحقق من ورائها عدة أهداف:
1- إشغال المسلمين فيما بينهم، وتحويل أنظارهم عما يعد لهم خلف الكواليس.
2- شل حركة دار الإفتاء عن القيام بأي عمل فعال لصالح المسلمين خلال فترة حكمها.
3- عزل دار الإفتاء عن المعركة السياسية، وخطف ورقة قوية من يد حركة الحقوق والحريات كانت تعتمد عليها بين وقت آخر.
4- استغلال دار الإفتاء في تنفيذ ما لا تستطيع تنفيذه أو تحقيقه، بحجة قانونيتها، وابتعاداً عن الواجهة.
حال المسلمين في ظل المفتي المعين:
وكان من نتيجة ذلك: أن باب الفتنة أعيد كسره وأصبح مفتوحاً على مصراعيه؛ فلا (غينتشيف) يستطيع تثبيت أركانه بين المسلمين، لعدم الرغبة فيه، رغم مساعدة الشرطة ومدعي عموم المناطق في تثبيت أعوانه في دور الإفتاء هناك، ولا (فكري صالح) ومن معه يستطيعون عمل شيء.(42/312)
وقد وجد (نديم غينتشيف) ضالته في هذه الفرصة، حيث بدأها بالهجوم على الجمعيات الإسلامية وبعض العاملين فيها، وتناول الجميع بالدس والتحريض والتهم الرخيصة وإثارة مشاعر الحكومة ضدهم، بل طالبها مباشرة بطردهم من البلاد كما هو نهج الحكومة المقدونية على حد تعبيره... كما باشر بتحريض مفتيي المناطق في التصدي لكل ما هو عربي ـ داعية كان أو موظفاً ـ في جمعية؛ لمنعه من الاختلاط بالمسلمين، أو أخذ حريته في العمل أو الحركة.. وبذلك: أخذ (غينتشيف) حريته، وتصرف بما هو مملى عليه في كل ما هو واقع تحت يده، وأكثر ما يخيف المطلعين والعارفين بطبيعة الرجل: وجود مادة في الدستور المُقَر والمرخص من الدولة ودائرة الأديان، تخوله بالتصرف في أوقاف المسلمين الغنية، وهو يردد الآن: أنه قد خطى خطوات في هذا الاتجاه، لكنها لم تتأكد بعد، رغم تواتر الخبر بشكل مؤكد، وهذا إن ثبت فستكون طامة كبرى.. والله المستعان..
مختصر القول: إن الوضع الدعوي والتربوي وعموم العمل الإسلامي تضرر من ذلك المشبوه، أضف إلى ذلك: أن كثيراً من الجمعيات الخيرية التي كانت تعد على الأصابع أصلاً، إما أنها أغلقت مكاتبها، أو قلصت من حجمها المتواضع، أما ما بقي منها فيعيش في الظل، فلا خطة معدة، ولا رؤية مستقبلية واضحة؛ مما ترتب على هذا: توقف الدعم عن الحلقات والأئمة المميزين أو تقلص أعمالهم، فضلاً عن دخول بعض الشباب المتحمس دائرة الإحباط.
إننا ـ موضوعيّاً ـ لا نستطيع القول: إن هذا كله نتيجة عودة (نديم غينتشيف) لدار الإفتاء فقط، بل هناك عوامل خارجية وأخرى داخلية من داخل الجمعيات القائمة أدت لهذه النتيجة... لكن على كل حال: مهما كان السبب، فإن المحصلة النهائية تشير إلى أن (2.5) مليون مسلم ما زالوا لا يلقون ذلك الاهتمام اللازم واللائق من المسلمين الذي يلقاه إخوانهم المسلمون في ألبانيا على سبيل المثال لا الحصر؛ رغم أن المسلمين البلغار يتقدمون خطوات واسعة على إخوانهم الألبان في معرفتهم للإسلام وتقبل قطاع كبير منهم له.
المسلمون البلغار والوضع السياسي:
ومن الناحية السياسية: فالأوضاع الداخلية البلغارية التي يحكمها تصارع كافة الفئات على منصب الرئاسة الآن، وخارجيّاً: اهتمام الدول الأوروبية بمن يفوز، قد دفع من جديد (الورقة المسلمة) إلى دائرة الاهتمام، حيث يؤكد الجميع قاطبة أن المرشح ـ مهما كانت انتماءاته ـ عليه أن يحصل على أصوات المسلمين (المرجِّحة) حتى يصل إلى سدة الحكم، وذلك كما حصل عام 1992م عندما فاز بفضل تلك الأصوات الرئيس الحالي على منافسه الاشتراكي، بل حتى المعارضة الديمقراطية تعرف أن كلا مرشحيها (ستويانوف أو جيلف) في حاجة ماسة لأصوات المسلمين في الانتخابات الأولية.. مما أعطى قيمة للصوت المسلم وقدم ورقة تفاوضية قوية لـ (حركة الحقوق والحريات) التي عاد إليها بريقها ولمعانها السياسي في هذه الأجواء.
محصلة القول: إن المسلمين إن أحسنوا التصرف في توجيه الأصوات لمن يقدم لهم الضمانات الأكثر والأكبر لنيل كافة حقوقهم: فإنهم ـ بلا شك ـ سيفتحون باباً جديداً ـ والله أعلم ـ على مستقبل أفضل وحقوق وحريات أكبر؛ لأنهم سيقصون الشريط في بدء إقصاء الحزب الاشتراكي عن الحكم أو السلطة بمعنى أصح.. ولكن إن تقاذفتهم الأهواء، وشغلتهم المصالح، وتناوشتهم السلبية وعدم المبالاة: فإنهم سيفتحون على أنفسهم باباً من الشر عظيم، حيث لن ينسى لهم الحزب الاشتراكي موقفهم ومحاولتهم القضاء عليه وإقصاءه عن الحلبة...
المسلمون والموقف الصعب:
إذن: المسلمون في موقف صعب وحرج، لا تراجعهم أو سلبيتهم ستحميهم، أو تعفيهم، أو حتى ستعزلهم عن نتائج المعركة.. ولا مشاركتهم ستكون بلا نتائج أو أثمان تدفع، وأغرب ما في الأمر: أن التهديد قد طال الحركة المذكورة حتى من جهة المعارضة، وبالتحديد: من طرف اتحاد القوى الديمقراطية، الذي أعلن أنه لن يغفر للحركة أبداً إذا ما خسر مرشحه (ستويانوف) الانتخابات الأولية؛ لوقوف المسلمين خلف الرئيس الحالي... إذن: المسلمون كمن يسير على الحبال لن يسلم إذا وقف، ولن يسلم إذا وقع.. لكن أخف الضررين ـ إن لم يكن الرأي الأصوب ـ: يكمن في اتخاذ الرأي المناسب والموقف الحكيم الذي يحقق المصلحة الراجحة والواضحة والغالبة والعامة، وبعض الشر أهون من بعض، والله (تعالى) أعلم.(42/313)
ووضع المسلمين باعتبارهم ورقة مهمة اليوم، وغداً ستصبح أهم مع النتائج المذكورة سابقاً من تراجع العنصر البلغاري، لن يروق للكائدين لهذا الدين وأعدائه المتربصين، فقوة المسلمين قوة لتركيا، وعلى الأقل شوكة في خاصرة البلقان المتأزم أصلاً، والكل يحسب للخط المخيف الذي يربط تركيا بمسلمي بلغاريا ومسلمي اليونان فمقدونيا فألبانيا فالبوسنة والهرسك..كضلعي مثلث، ضلعه الآخر في الجمهوريات الإسلامية؛ مما يجب أن يحسب له ألف حساب.. فالمتابع للأحداث يتأكد لديه أن الحكومة الاشتراكية ليست في غفلة عن هذا، وما سعيها الحثيث لتقليم أظافر الحركة (رغم علمانيتها)، والتضييق على المسلمين في كافة المجالات بدءاً من دار الإفتاء وانتهاءً بالبلديات، وغضها الطرف عن التنصير الجاري على قدم وساق بين المسلمين... إلا شواهد على ما نقول.. والمسلمون بالأمس وقبل هذه الاحتكاكات المتتالية كانوا ـ كما يبدو ـ قد نسوا الحقبة الشيوعية، فعادوا لسباتهم من جديد، لكن هذه الضربات أيقظت من أيقظت منهم، ولفتت انتباههم إلى ما يدبر ويعد لهم، ولعل (حركة الحقوق والحريات) قد فهمت مغزى هذه التحرشات وما يرمى من ورائها، فسارعت لاتخاذ مواقف وإجراءات مضادة، لوحت من خلالها للعدو والصديق بالإمكانات التي تملكها، والقاعدة العريضة التي تقف من ورائها، وقدرتها على استخدامها عند الضرورة..
تحرك السلطة البلغارية على هذا المحور، ليس في معزل عن التوجه العام في منطقة البلقان لإضعاف الأقليات المسلمة، وفرض السيطرة عليها، والمخيف هنا: أن أمريكا تتخذ هذه الأقليات ذريعة في مماحكاتها السياسية ضد الدول المستعصية والرافضة للانصياع للعصا أو الجزرة الأمريكية، لكن طبيعة تقلب الأوضاع وتغير الحكومات يبقي كافة أبواب الاحتمالات خيرها وشرها مفتوحة.. لكن رغم هذا: فإنه يحدونا في الله أمل كبير أن العاقبة للإسلام وللمسلمين... وما ذلك على الله بعزيز.
إخفاقات الحكومة تفضحها:
العجيب المضحك في الأمر: أن الإخفاق لازم الحكومة، حتى فيما يخص المسلمين (ولله الفضل والمنة)؛ فهذا (راسم موسى) رئيس بلدية (كرجلي) المنتخب، أعادته المحكمة العليا إلى منصبه، لاغية قرار المحكمة المحلية بفصله، وذلك بعد شهور خلت من الشد والجذب بين الحركة والحكومة، ومن ورائها الحزب الاشتراكي، وبعد أن رمى الحزب ومعه (29) حزباً آخرين ثقلهم أول مرة في الانتخابات البلدية في هذه المدينة، لكنهم لم ينجحوا مرة ثانية في رفع القضية للمحكمة المحلية التي قضت حينها ببطلان الانتخابات، ووجوب إعادتها، فقد جاء قرار المحكمة العليا صفعة مؤلمة للحزب الاشتراكي وحكومته، واعتبرها المحللون رسالة توددية من قبل الرئيس (جيليف) للحركة والأتراك وتركيا، لكون رئيس المحكمة يعين مباشرة من قبل رئيس الدولة، كما رأت فيها بعض التحليلات خطوة ذكية من (جيليف) في كسر القيد والشرط الذي طوق به اتحاد القوى الديمقراطية عنق الحركة، حيث تعهد للحركة بالتصويت لـ (راسم موسى) في الانتخابات البلدية عند إعادتها، إذا ما دعت الحركة أنصارها ومؤيديها للتصويت لـ (ستويانوف) في الانتخابات الأولية، ثم الرئاسية.. وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من اقتناع جميع القوى بأهمية الورقة المسلمة.
وتلى هذا الإخفاق إخفاقٌ لم تتضح معالمه بعد، أو بمعنى أصح: لم تكتمل بواعثه، إذ انقلب عدة أفراد من داخل مجلس الشورى، على (نديم غينتشيف) ساعين للإطاحة به، مستندين في ذلك إلى بعض مواد دستوره الذي أشرف بنفسه على إعداده، وقد أفلحوا في عزل مفتي منطقة (بلوفديف)، ويتحركون الآن بهمة ونشاط في باقي المدن، وقيل: إنهم سيرفعون قضية ضده بتهمة الاختلاس واستغلال أموال الأوقاف..
عن ماذا ستسفر الأحداث؟، وماذا ستلد أيامنا الحبلى؟، وكيف ستجري الوقائع؟،.. هذا ما سنتناوله في حديث لاحق.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الهوامش :
1) الأقليات الإسلامية في العالم، د. محمد علي قناوي.
=============(42/314)
(42/315)
من أسس الشيوعية؟
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 7 / ص 311)
بقلم: عبد الفتاح علي عبد الله
الطالب بدار الحديث التابعة للجامعة
منذ قيام المجتمعات الإنسانية على وجه الأرض والعالم مبتلى بدعوة هدامة ما خلت من أباع بالرغم من ثبوت بطلانها وفسادها قبل تجربتها وبعدها وإذا نظرنا إلى أتباعها لم نجد إلا أهل النفوس المريضة والأرواح الهزيلة والأمزجة الملوثة، وأما أصحاب الفطر السليمة فلم يؤثر عنهم قط أنهم استجابوا لدعوة تقوم على الشر والفساد فمن المؤسس لهذه الدعوة؟
إن مؤسس الدعوة ومنشئها وهي الدعوة الإلحادية هو كارل ماركس المولود سنة 1818م والهالك سنة 1883م كان أبوه يهوديا واسمه هرشل ولما ارتد عن دينه إلى المسيحية سمى نفسه (هتريج) وذكر محبوه عدة أسباب لترك دينه ومما زعموا أن أسباب ترك هرشل لليهودية أن اليهود كانوا مضطهدين يقاسون أسوأ المعاملات من المسيحيين وسواء كان هذا السبب صحيحا أم مجرد اعتذار وكذب من جملة الاعتذارات فإنه لا يكفي أن يتخلى المرء عن دينه بهذه السهولة وإن كل الأعذار لهرشل تدل على أن المصلحة هي الدافع الأول، هذا هو والد ماركس . وهو وحده يكفي للدلالة على عنصره ومعدنه من ناحية العقيدة والأخلاق وكان ماركس يقول في شبابه: إن خير الناس وأجدرهم بالتكريم من يعمل لخير الناس والدين أساس الحياة. وهو الذي يقول أيضا: إن المثل الأعلى الذي يجب أن يسعى إليه كل فاضل في الوجود هو أن نضحي بأنفسنا في سبيل خير الإنسانية والسعادة. هذا هو ماركس في شبابه وتلك عقيدته برغم صبوء والده وبرغم ما تحدث الناس عن دوافع هذا الصبوء. إلا أن الولد سر أبيه فكما ترك أبوه عقيدته فقد ترك الابن عقيدته . وما الأسباب؟
الأسباب كثيرة أقربها أنه من نسل يهودي عيء من أجل المادة. كارل ماركس هو يريد مالا يعيش منه وينفق على أولاده وأسرته ومن ذا الذي يلقى عليه المال دون أن يقدم عملا يستحق عليه أجرا. فهو كافر بالسماء وبالإنسانية لأن الناس لم يعطوه شيئا وبهذا قد كتبت زوجته إلى بعض أصدقائها أنهما في شدة من الجوع وقد أتت إليهم مالكة المنزل الذي هما فيه تطلب الإيجار ولم يجدوا شيئا فأخذت الأثاث بالأجور وطردتهما من المنزل وخرجوا مع أطفالهم وكان عند خروجهم من المنزل قد هطلت عليهم الأمطار وماتت إحدى بناتهما ولم يجدوا كفنا فأقرضهم أحد الفرنسيين المهاجرين هناك جنيهين. هذه حالة كارل ماركس لأنه عاش عالة على أبيه فلما توفي أبوه كانت تنفق عليه أمه وأخته حتى نفذ ما بأيديهما من المال. هذا هو مؤسس الشيوعية الذي يهتفون باسمه ويمجدونه. إن سبب إنكاره وجود الله هو أن السماء لا تمطر ذهبا والعجب كل العجب من هؤلاء العبيد المسخرين لخدمة الشيوعية من غير الروس وعلى الأخص في بعض بلدان العالم العربي أولئك الذين يتشدّقون بالماركسية وما أعدت لأهلها من نعيم، وحسبها أنها سلبت نعم أقوام وأمم وشعوب بحجة إعطائها للآخرين المستحقين وهي لا تعطيهم إلا الجوع والاستعباد والتعذيب وما استجابت إلا شرذمة من ضعفاء النفوس على وعد من عملاء الشيوعية أنهم سيعطونهم أموال الأغنياء ويسلبون القادر قدرته ليعدموها للعاجز المحروم ولذلك لبوا دعوتهم الكاذبة وزعم آخر، إن الشيوعية تعتني بالطبقة العاملة وتؤمنها من الخوف والجوع وترفع مستواها بالسادة الحاكمين ولكن وبرغم هذه المزاعم لم يستجيبوا في روسيا عن رضا واقتناع ولكن استعان البلاشفة في روسيا بقوة الحديد والنار وثبتوا قواعد هذه الدعوة ودعائمها. ونستدل الآن على هذه الدعاية الكاذبة أنهم يرفعون مستوى الطبقة العاملة . إن العمال في أمريكا وبريطانيا أرفع مستوى من العمال في الاتحاد السوفييتي وقد قال أحد مدعمي حزب ماركس وأحد أقطاب الدعوة الهدامة في إيطاليا (اجنازيو مسيلوني) يقول أنه زار موسكو واتفق ببعض العمال هناك وأنهم يشكون من الأحوال المهنية التي تحيط بحياة العمال بالمصانع ولكن أنه لا يفهم لماذا يعيش العامل تحت رحمة إدارة المصنع ولما وقف السيلوني على حقائق الشيوعية وعلى ما تلقى الطبقة العاملة من الذل والهوان والتعذيب والسلب للحرية كفر بها وحذر الطبقة العاملة في جميع الأرض أن تنخدع بأكاذيب الشيوعية ومفترياتها ويقول أيضا أن العمال كانوا يعيشون في أبشع صنوف الفاقة والذلة وإنما الذين خانوا زملائهم في السجن والعمل الشاق هم أصحاب الحظوة والامتياز في المستعمرات النموذجية وغيرها وأن الشيوعية قضت على حياة الطبقة العاملة بالتعب والشقاء وسلبت كل حقوقها وكالشيوعية تعرف أن الإسلام الدين الوحيد الذي أتى بقواعد محكمة للحكم والنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمالي والتجاري ولم يترك أي مشكلة يمكن أن تحل بفرد أو بجماعة أو أمة إلا قال حكمه الواضح الصواب فيها ومنح الإنسان الحرية ووضع قواعد المجتمع الفاضل والذي أريد أن أقوله للقارئ الكريم إن الأحزاب غير الإسلامية شديدة التخاصم فيما بينها ولكنها تنظر نظرة الشخص الواحد لتحطيم الإسلام.(42/316)
إنّ كل حزب شاذ يعرف قدر نفسه ويعرف قدر الإسلام وأن الإسلام هو دين الله المنزل من السماء. وإنني إذ أذكر قصة حدثت في مدينة جبلة التابعة للواء إب في الجمهورية العربية اليمنية : كنت طالبا في أحد المعاهد هناك فإذا برجل ظهر أنه من الجمعية التبشيرية وهو يقوم بحركة نشيطة في دعوته الكذابة ويوزع كتبا صغيرة تابعة للجمعية التبشيرية فبلغت مدير المنطقة فاحتجز الرجل وأبلغنا التربية العلمية بصنعاء ومديرها القاضي عبد المجيد عزيز الزنداني وعلى أثرها وصل المدير بنفسه وقرر ترحيل ذلك الرجل المخرب وإعادته إلى بلاده وكان هذا الرجل يحمل بطاقة سياحية . وهكذا الأحزاب حريصة كل الحرص على التشكيك في الإسلام ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والله نسأل أن يبقى على الأمة الإسلامية عقيدتها بقيادة رائد التضامن الإسلامي جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز وجميع المخلصين لدينهم ورفع مستوى أمتهم من رؤساء وأفراد الأمة العربية والإسلامية إنه سميع الدعوات.
============(42/317)
(42/318)
الشيوعية.. وموقفها المعادي للإسلام
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 9 / ص 168)
بقلم : الأستاذ توفيق علي وهبه
مدير الشئون القانونية
في بريد الدواوين - القاهرة
تطالعنا بين الحين والآخر بعض الكتب التي تهاجم الإسلام صادرة عن دور نشر شيوعية ثم تصدر المصادر الرسمية الشيوعية بيانات تدعي فيها تزوير هذه الكتب وتنفي نسبتها إليها … ودون الدخول في تفاصيل نود أن نوضح أن هذه الأجهزة تقصد من وراء نفي صدور الكتب عنها رواج هذه الكتب وتهافت الناس عليها لمعرفة ما تتضمنه.
وسواء أكان هذا النفي صحيحاً أم كاذباً فإن لدائرة المعارف السوفيتية موقفاً معادياً للإسلام لا يقل عن موقف الكتب التي تنفيها المصادر الشيوعية بل هي أخطر وأكثر عداء للإسلام والمسلمين بل الأهم من ذلك أنها أكثر صراحة من أي كتب تظهر عداءها للإسلام.
ترى ما هو موقف الأزهر وعلماء الدين في العالم العربي والإسلامي من هذا العداء الصريح للإسلام ولماذا لا تتدخل الهيئات الإسلامية لدى الحكومة السوفيتية لتوضيح رأيها فيما تقوله دائرة المعارف الروسية عن الإسلام والنبيمحمد صلى الله عليه وسلم .
رأي دائرة المعارف السوفيتية عن القرآن:
جاء بالمجلد رقم 12 صفحة 564:
"القرآن .. الكتاب المقدس الأساسي للمسلمين ، مجموعة من المواد الدينية المذهبية والأسطورية والقانونية وقد وضع القرآن وشرع خلال حكم ثالث الخلفاء العرب عثمان (644 - 656م) ثم أدخلت عليه فيما بعد حتى بداية القرن الثامن - وفق ما وصلنا من المعلومات - بعض التغييرات ووفقاً للتقليد الإسلامي التاريخي الديني يعتبر محمد هو مشرع القرآن كما يعتبر مؤسس الإسلام، على أنه وفقاً للتحليل الموضوعي للقرآن هناك نظرية تقول إن جزءاً معيناً منه فقط ينتمي إلى عصر محمد، أما الأجزاء الأخرى من هذه المجموعة فلا بد أنها تنتمي لعصور متقدمة عليه أو متأخرة عنه. ويمكن أن نتبين هذا من وجود عدد من الأساليب المختلفة في القرآن يمكن أن تعزى لتطور اللغة العربية، ولزمن ظهور السور ومكانها. وتستخدم الطبقات الاستغلالية القرآن ورجال الدين الإسلامي الرجعيين كسلاح لخداع الجماهير الكادحة وكبحها".
النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أما سيدنا رسول الله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام فقد وردت سيرته بالمجلد 28 صفحة 599 كما يلي : "محمد مبشر ديني يعتبر مؤسس الإسلام، ويصور في العقيدة الإسلامية على أنه "أعظم المرسلين وخاتمهم، وهو عربي نشأ في مكة، وأبعد ما أمكن الوصول إليه فيما كتب عن سيرة محمد كتب في النصف الثاني من القرن الثاني كتبه جامع للأساطير نشأ في المدينة يُدعى ( ابن إسحاق) وعنوان كتابه هو ( سيرة رسول الله ) وقد ألف هذا الكتاب بناء على أمر من الخليفة في بغداد.
وإلى جانب الحقائق الواقعية عن حياة محمد يشمل الكتاب عدداً من الأساطير والخرافات وفي كتب السيرة الأكثر حداثة طمست هذه الأساطير تماماً صُوَر محمد التاريخية، وحتى يومنا هذا مازالت سيرة محمد تُشيد على المعلومات شبه الأسطورية الواردة في القرآن والتي يتقبلها علماء الإسلام البرجوازيون بغير مناقشة.
وتقول إحدى الأساطير إن محمداً ينحدر من أسرة هاشم إحدى أسر قبيلة قريش التي كانت تعيش في مكة وقد هذب محمد تعاليم الموحدين قبل الإسلام - الحنفاء - وراح يبشر بالإسلام في مكة وقد مكن ظهور الإسلام ظهور مجتمع طبقي بين العرب تكون تدريجياً … وقد تحول محمد في نظر الأجيال التالية من المسلمين إلى (قديس) وصانع (المعجزات) (وشفيع) للمؤمنين. ويحاول المدافعون عن الإسلام والطبقات الاستغلالية استخدام صورة محمد لإضعاف الكفاح الطبقي".
هذا قليل من كثير ورد في دائرة المعارف الروسية التي تتبع هيئة تحريرها لرئاسة مجلس الوزراء السوفيتي مباشرة، وتتلخص الافتراءات على القرآن والرسولل الأعظم r فيما يلي:
1- القرآن ألف في عهد عثمان ابن عفان وبعض من تآليف صلى الله عليه وسلم وهذا ما يخالف ما أجمع عليه ثقات المؤرخين من أن القرآن وحي من الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم متضمناً رسالة الإسلام خاتمة الديانات وأن ما حدث في عهد ثالث الخلفاء عثمان بن عفان رضي الله عنه هو تدوين القرآن وجمعه وليس تأليفه.
2- تتعد أساليب القرآن تبعاً لتطور اللغة العربية، وهذا جهل فاضح وافتراء من جاهل لأن اختلاف الأساليب راجع إلى ما يعالجه القرآن من موضوعات فالحديث عن الاعتقاد يختلف عن الحديث عن الحياة الاجتماعية … وهكذا، ثم اختلاف العهد المكي عن العهد المدني ففي مكة كان المقصود هو بناء العقيدة، أما في المدينة فكان الاهتمام ببناء المجتمع بالإضافة إلى بناء العقيدة.
3- يستخدم رجال الدين الرجعيون القرآن لخداع الجماهير، وهذا هجوم على علماء المسلمين بدون مبرر ووصفهم بالرجعية لا يستقيم مع كونهم رجال دين يجب احترامهم وتوقيرهم، إن رجال الدين يستخدمون القرآن لإبلاغ رسالة الإسلام إلى الناس وبيان العقيدة الحقة لهم ولبناء المجتمع الصالح الفاضل.(42/319)
4- ترى دائرة المعارف الروسية أنمحمدا صلى الله عليه وسلم مبشر ديني أخذ تعاليم الحنفاء الذين وجدوا على أيامه وطورها وأقام على أساسها الإسلام وأنه ألف بعضاً من القرآن الذي أكمل فيما بعد.
إن الحقد الذي أعمى قلوبهم وأفكارهم دفعهم إلى الافتراء على سيد خلق الله أجمعين والتطاول على مقامه السامي ، إن رسول ا صلى الله عليه وسلم أعظم وأكبر من أن تتناول سيرته الطاهرة دائرة معارف الملحدين الكفرة الذين لا يرون في الدين إلا مخدراً للشعوب.
إن ما ذكرته من مقتطفات أردت به إيقاظ الوعي لدى المسلمين لما يقال عن دينهم ونبيهم وكتابهم وما يدبر لهم بمعرفة أعداء الإسلام.
وإنني من على صفحات هذه المجلة أدعو الهيئات الرسمية الإسلامية وغير الرسمية وعلى رأسها الأزهر الشريف إلى الوقوف في وجه هذه الحركات المعادية للإسلام وأن يبعثوا إلى هيئة تحرير دائرة المعارف السوفيتية بالحقائق التي يتجاهلونها عن الإسلام وطلب إثبات هذه الحقائق بها بدلاً من الخرافات التي تملأ كتبهم عن ديننا الحنيف.
وأتوجه إلى هؤلاء الذين أعمت الأحقاد قلوبهم وصدورهم عن ذكر الله أدعوهم إلى الإسلام وإلى اعتناق دين الله الحق وشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
==============(42/320)
(42/321)
الشيوعية في الميزان
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 14 / ص 271)
لفضيلة الشيخ محمد علي عبد السميع - كلية الدعوة وأصول الدين
الإنسان متدين بطبعه:
لقد خلق الله هذا الكون لغاية فاضلة وحكمة سامية؛ فلم يخلقه لهوا ولا عبثا، وإنما خلقه للدلالة على ذاته وعنوانا على قدرته وإحكامه، ثم اقتضت حكمته تعالى أن أرسل من لدنه رسلا لينقلوا الناس من دياجير الجهل والظلام ومهانة الإفك والضلال إلى نور العلم والعرفان؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} .
وإن الناظر في هذا الكون العجيب ليرى الأدلة ناطقة على حكمة خالقه، والبراهين ساطعة على قدرة موجده، ولقد درج الإنسان من مبدأ الخليقة على التديّن والإقرار بأن للوجود إلها هو مسيّر أمره ومدبّر شأنه، والجماعات الإنسانية على مدى العصور والدهور وإن لم تتفق على من هو ذلك الإله، إلا أن الشعور من قرارة نفس كل فرد يناديه بأن قوة قاهرة هي المسيطرة على الوجود، وبالتالي يسميها الإنسان بالإله.
ومردّ ذلك الاختلاف بين الجماعة الإنسانية هو أن الديانات السماوية وإن أجمعت على أن إله الكون هو الله تعالى الذي لا إله إلا هو، إلا أن كثيرا ما كان ينحرف الناس عن تعاليم تلك الديانات؛ فيرمزون إليه بكوكب تارة، أو بحيوان تارة أخرى، أو غير ذلك من الأشياء التي يرون فيها القوة الخارقة والقدرة الفائقة؛ لاستشعارهم أن الإله لا بدّ أن يكون ذا جبروت لا يبارى واقتدار لا يجارى، وفي بعض الأوقات يرمزون إليه بشيء يجدون احتياجهم إليه شديدا، وأن حياتهم متوقفة عليه، وليس بلازم أن يكون ذا بأس وقوة.
كل هذه المعاني وتلك الاتجاهات من الإنسان تدل على اقتناعه في قرارة نفسه على أن للوجود إلها هو الذي إليه يرجع الوجود في كل أمر من أموره.
استمر الأمر على ذلك قرونا وقرونا وأجيالا وأجيالا يسطع نور الحق، حاملا مشعله رسول يرسل أو نبي يبشر، ويخبو نوره تارة أخرى عندما تمتدّ الفترة بين الرسل؛ فتنتكس عقائد الناس ويركسون في الضلالة من جديد، حتى أرسل الله محمدا r بشيرا ونذيرا، ورسولا إلى الخلق كافة؛ فملأ هداه الخافقين وانتشر نبأ رسالته في المشرقين، وهناك في أوربا وآسيا كانت المسيحية ضارية شرسة في القرون الوسطى، وكان لرجالها سلطان قوي، وكان للقياصرة في روسيا بأس شديد؛ فتسلل أحد قساوسة اليهود إلى صفوف هؤلاء القياصرة، وكان داعرا منحلا؛ فأشاع الدّعر والعهر بين صفوف هؤلاء القياصرة من حكام روسيا، فشوّه بذلك صورتهم ولطّخ بهذا الصنيع سمعتهم، فظهروا في أعين الناس بمظهر منبوذ كريه كما ظهر بهذا المظهر ذلك القسيس، وهنا أصبح رجال الدين والحكم في نظر العامة عنوانا على الفساد الخلقي والانحلال السلوكي؛ فتبرّم الناس بالقياصرة رجال الحكم وبالقساوسة رجال الدين، وقد كان الناس يئنون من بشاعة حكم هؤلاء وتسلّط أولئك؛ فوجدوا الفرصة سانحة لأن ينفضوا عن أنفسهم غبارا طال ما تراكم عليهم، وكتم أنفاس التخلص تغلي في صدورهم؛ فقرّروا أنه لا بد من التخلص منهما معا؛ لأن كلا منهما ظهر بصورة حطّت من شأنه وهوّنت من احترامه في نفوس الناس.
تبديل وتغيير:
فقام يتزعم الناس رجل يقال له ماركس، مناديا بسقوط القياصرة؛ فتهلل الناس لندائه واستجابوا له مندفعين ثائرين غير عابئين بما يترتب على ذلك من نتائج، وحتى لا يقوم معارض لتلك الجماعات الثائرة يقف في سبيلهم باسم الدين نادى ماركس وأتباعه بأن الدين خرافة، وأن كلّ منتم إليه مفتر كذّاب، ولكي يذيعوا الرعب في نفوس الناس أعملوا المناصل في رقاب رجال الدين؛ إسكاتا للمعارضين ودحرا للمحتجين على قتل من قتل من الحاكمين، وحتى لا يوجد بعد ذلك من يناصر هؤلاء أو هؤلاء غيّروا نظام البلاد السياسي إلى نظم أخرى سمّوها بأسماء خلابة، ووضعوا عليها لافتات براقة لتستهوي الناس وتستميل البائسين والمحرومين. والحديث عنها يطول وليس هذا مجاله.
أما الدين فلم يغيروه، بل أنكروه مدّعين أن الدين لن يصلح نفوسا ولن يربي أرواحا؛ إذ لو كان كذلك لظهر أثره في رجاله الآثمين الذين تحالفوا مع القياصرة وأباحوا لهم ولأنفسهم ضروبا من الفساد تقشعّر لذكرها الجلود وتتقزز لسماعها النفوس.
إنكار وافتراء:
وحتى لا يحاول بعد ذلك إنسان ما أن يردّد صوت الدين أو نغمة التدين أنكروا وجود الله، وبفريتهم هذه اضطروا إلى القول بأن العالم الذي هو صنعة الله موجود بالصدفة تلقائيا أي: بدون حكمة أو تدبير، أو بالتفاعل أي: بتأثير جزئياته بعضها في البعض بمعنى أن الشيء مؤثر ومتأثر.
وبذلك نخلص إلى أن مبادئ الشيوعية من حيث العقيدة تتلخص في شيئين اثنين:
(1) إنكار وجود الله. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
(2) أن وجود العالم بطريق الصدفة أو التفاعل.(42/322)
تدليل باطل: ولقد سلك ماركس - عليه اللعنة - في التدليل على دعواه الباطلة مسلكا عجيبا، وتبعه في ذلك لينين ومن نحا نحوه؛ فيرى ماركس أن كل موجود لا بد وأن يُرى، وحيث إن الله لا تراه عيوننا في دار الدنيا فاستنتج من ذلك أنه غير موجود، وكأنه جعل الإقرار بوجود الله كالتسليم بنتيجة نظرية من النظريات الطبيعية المادية؛ لأن المادة عنده مكونه من عناصر، وكل عنصر مغاير للآخر فله خصائصه ومميزاته، وكل عنصر مركب من جزئيات، وكل جزئية لها خصائصها ومميزاتها، إذن كل هذه الأشياء متمايزة متغايرة ولا يمكن معرفة تمايزها وتغايرها إلا برؤيتها بالعين أو إحساسها بإحدى الحواس الأخرى التي بها تميّز الأشياء ويفرّق بينها عند الإدراك، وكأنه يريد بذلك أن يقول - لا بل قال -: إن الله فرد من أفراد المادة يخضع لقوانينها، ويقاس بمقاييسها ويوزن بموازينها، (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا).
ولو أنه لو تريّث هنيهة أو تعقل قليلا لوجد الفطرة من أعماقه تناديه إن للعالم إلها إليه تهرع في الملمات وتلجأ إلى رحمته عند النكبات، وهو مغاير لذلك العالم في ذاته وصفاته، وإلا ما كان للجوء إليه دون غيره معنى أو مدلول، وما صرخة ذلك المهندس الشيوعي مستغيثا بالله عندما هوى ابنه من جانبه من أعلى الصرح إلا تعبيرا صادقا ودليلا قاطعا على أن الفطرة مهما طمسها الضلال وطغى عليها الكذب والبهتان لا بد وأن يشعّ وميضها بين تلك الجحافل الآثمة، ويلمع بريقها من خبايا تلك الافتراءات الملحدة معلنا أن للوجود إلها خلقه بقدرته وسيّر أمره بإرادته، ولو أن الملحدَيْن الخبيثين (ماركس ولينين) استجابا لنداء الفطرة لأيقنا بأن للعالم إلها، ولكن كيف يكون منهما ذلك وقد أغرقا في الكذب والافتراء والإلحاد والكفران. ولندع اعتقادهما؛ فذلك لا يعنينا، ونناقش الفكرة والدليل فهي التي في الأمر تهمنا وتعنينا.
ففكرتهم أو مبدؤهم هو أنه لا وجود لله، ودليلهم أن الله لم تره أعيننا، وحيث إن الأمر كذلك فهو غير موجود.
نقاش وإبطال:
إننا إذ نناقش هذا الدليل نجد أن بطلانه أهون من أن يوجه إليه طعن، وأن انهياره ليس بمحتاج لعناء.
فنقول: إذا كان لا بدّ من رؤية كل موجود، وأن الشيء الذي لا يُرى لا يكون موجودا فماذا تقولون في الروح التي بها حياة الفرد هل هي موجودة مع كونها لم تُر، أم أنها ليست موجودة؟ إن قلتم بالأول فقد غايرتم بين الموجودات في صفة هي مردّ الحكم، وإن قلتم بالثاني فقد ادّعيتم إفكا وزورا؛ لأنها موجودة بالضرورة؛ إذ بها تكون حياة الفرد. والعقل الذي به نفكر وندرك هل موجود أو معدوم؟ إن قلتم إنه معدوم فقد افتريتم كذبا وقلتم بهتانا وإدا، وإن قلتم إنه موجود - ولا مناص لعاقل أن يقول غير ذلك - فهل ثبتت لديكم رؤيته، أم أنكم تقولون بوجوده والحال أنكم لم تروه؟ فإن قلتم بالأول فالواقع يصفع عقولكم ويبطل دليلكم، وإن قلتم بالثاني فقد أقررتم بوجود شيء لا نستطيع رؤيته، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تعترفون بحكم بالنسبة لأمر وتنكرونه بالنسبة لآخر؟ وهو أن بعض الموجودات لا يمكن رؤيتها، وبذلك يكون الله تعالى موجودا ومع ذلك لا تراه الأبصار {لا تُدْرِكُهُ الأََبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأََبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .
تعصب ممقوت :
إن ماركس وأتباعه الذين اتخذوا الشيوعية لهم عقيدة ومبدءا لا يواكبون مسار العلم والعقل، بل يشايعون التعصّب للباطل ومظاهرة الضلال والجهل؛ إذ من القواعد العامة والأمور الثابتة التي لا تقبل نقاشا ولا جدلا أن الأشياء إذا كانت لها صفة توفرت فيها جميعها يكون الحكم عليها باعتبار تلك الصفة واحدا، وتخصيص فرد منها بحكم دون الآخر تعصّب ممقوت وتحيّز مردود.
من هذا ننتهي إلى أن العقل والروح كل منهما موجود، ولم يثبت أن إنسانا ما في الوجود رآهما أو رأى واحدا منهما، ولا يوجد إنسان ما ينكر وجودهما، وحيث إن الأمر كذلك فإذاً تقرِّر البديهة أن الشيء يكون موجودا ومع ذلك لا يرى؛ إذ ان عدم رؤيته لا تطعن في وجوده، وقد ثبت ذلك بالنسبة للروح والعقل، إذاً عدم رؤية الله تعالى لا تطعن في وجوده، إذاً فالله موجود وإن لم تره العيون، وإن العقول السليمة تقرر في جلاء ووضوح ودون شك أو ريب أن الله تعالى موجود؛ لأنها تدرك البرهان على ذلك في كل شيء دالا على قدرته، شاهدا بعلمه وحكمته، ناطقا في كل وقت وحين، تبارك الله أحسن الخالقين، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} .
زيادة إيضاح:
إن الأدلة كثيرة ناطقة وعديدة واضحة، وجميعها تدل على وجود الله تعالى؛ فهذا النظام البديع الذي يسير عليه الكون، وهذا الإبداع المعجز الذي وجد عليه العالم يدل على أن للكون إلها، بقدرته خلق الوجود، وبحكمته أبدع كل مخلوق، ووجود تلك الأنواع المتعددة، وكثرة تلك الخصائص المتباينة أصدق دليل على وجوده تعالى.(42/323)
وقولهم إن العالم وجد بطريق الصدفة فهذا أمر لا يسلم به عاقل؛ إذ كيف تنتج الصدفة هذا النظام البديع، والمعلوم أن السمع لا يهبه لفرد إلا عالم بقانون السمع، وكذلك كل صفة من الصفات التي يسعد بها الإنسان والتي لا بدّ لوجودها من تدخل وقدرة عالمة حكيمة مدبّرة، ولا يمكن القول بأن تلك القدرة من جنس تلك الموجودات، وإلا لأمكن غيرها أن ينازعها أو يبطل عملها؛ إذ المفروض أن الجميع متساوون في كل شيء، وإن قانون التأثير والتأثر يحتم تقدم المؤثر على المتأثر، والمفروض أن كلا منهما يساوي الآخر تماما؛ فإذاً يكون الشيء على هذا موجودا ليوجد ومعدوما ليوجد، وهذا باطل، كما وأنه لا بدّ من كون تلك القوة المؤثرة مغايرة لما عداها في كل شيء في ذاتها وفي صفاتها حتى تكون قادرة على الخلق والإيجاد، ولا يصح أن تأخذ تلك الصفات عن غيرها وإلا لكان غيرها مؤثرا فيها، وبذلك يكون شأنها شأن غيرها من المخلوقات، ومعنى هذا أنه لا بدّ وأن يكون وجودها من ذاتها حتى تتمّ المغايرة بينها وبين ما توجد وتخلق.
أما قولهم (إن العالم وجد بطريق التفاعل) فنقول لهم مبطلين ما يدّعون: إن المادة التي سيتم التفاعل بين جزئياتها مَنْ الذي أوجدها؟ مَن الذي جعلها قابلة للتفاعل؟ ومَن الذي غاير بينها في الصفات والخصائص؟ لا بدّ من قوة مدبرة حكيمة عالمة بقوانين التفاعل والتغاير، حتى يمكنها أن تعطي ذلك العنصر من الصفات ما يجعله يتفاعل مع ذلك العنصر خاصة بكيفية خاصة؛ لينتج عن تفاعلها شيء خاص، وإلا لو كان التفاعل راجعا إلى عنصرية محضة دون تغاير أو تمايز بين العناصر لكانت نتيجة التفاعل واحدة، ولجاء العالم صورة واحدة متماثلة، كما ينادي بذلك قانون التفاعل في علم الكيمياء؛ لأننا لو وضعنا في مخبر مادتين فتفاعلتا، ثم أحضرنا بعد ذلك آلاف المخابر ووضعنا في كل منها مقدارا من المادتين اللتين وضعتا في المخبار الأول لكانت النتيجة واحدة، ونحن إذا نظرنا إلى العالم وجدنا التغاير بين أفراده وعناصره واضحا ملموسا؛ فلو كان موجودا بالتفاعل بين جزئياته لما وجد ذلك التغاير بين أفراده في خصائصه ومميزاته؛ فهذا معتم وهذا مضيء، وهذا حسّاس نام وذاك جامد لا ينمو، وهذا يعيش في الماء ويموت في اليابس وهذا على العكس من ذلك، إلى غير هذا مما تراه العين، ولا ينكر التغاير بينه وبين غيره إلا مكابر أفّاك ومدّع كذّاب، ولله درّ القائل ردا على منكري وجوده تعالى:
فهرعت ربي أحتمي بحماك
رباه مالي في الكروب سواك
فوجدتها مقرونة بتقاك
رباه إني قد نشدت سعادتي
ينكر وجودك يصبح الأفاك
يا رب أنت الخالق الباري ومـ
موجدا من ذا الذي سوّاك
يا مؤمنا قل للذي زعم الطبيعة
من أبدع الإيجاد في دنياك
يا من تخبط في الضلالة سادرا
متطلعا للخير في أخراك
إن كنت تسعى للحقيقة صادقا
متدبرا ثم احتكم لنهاك
فدع التعصب جانبا وانظر معي
ومن الذي بالنطق قد حلاك
من ذا الذي قد شق سمعك محكما
ومن الذي بالحسن قد أولاك
والعين من أعطاك فيها مقلة
وأقام في شتى السهول رباك
ومن الذي يعل الجبال رواسيا
من غير أعمدة ترى عيناك
ومن الذي رفع السموات العلا
طول المدى لا تخطئ الأفلاك
مزدانة بكواكب تجري على
بالخير والإنعام قد ربّاك
هو خالق الأكوان جل جلاله
في الإفك بل والله ما أشقاك
يا منكر الله إنك مغرق
وإلى المهيمن ترشد الإدراك
إن العجائب في الوجود كثيرة
وإذا أصابك بعضه أرداك
فالسم في الأفعى يصون حياتها
والشهد من عاني السقام شفاك
والنحل في زهر الرياض غذاؤه
وإذا طغى يوما يصير هلاكا
بالماء نحيا والحياة رغيدة
واليبس يفني الحوت والأسماك
والحوت يسبح في الخضم موحدا
والطير في كبد السما أشجاك
في الصخر يحيا الدود غير منغص
ينمي الزروع ويقتل الفتاك
والشمس ترسل في النهار شعاعها
وبدونه لن نستطيع حراكا
والليل يمسح بالنعاس عناءنا
والبدر يؤنس في الدجى مسراك
والنجم للسفن المواخر مرشد
وبدونه لن تستبين خطاك
والعقل ينتج للأنام حضارة
عند الذي من فضله أحياك
والروح سرّ في الجسوم وعلمه
للحق والإيمان قد ناداك
والقلب ينبض في المنام ونبضه
لكنها صنع الذي يرعاك
تلك العجائب لا تنظم صدفة
قولي فماذا يا عنيد دهاك
وجميعها فيها الدليل مؤيّدا
وعن الغواية يا شقي نهاك
والعقل يدمغ ما تقول بداهة
لله تقديسا وما جاراك
والكون يلهج بالثناء جميعه
نبذ الورود وفضّل الأشواك
لكنك الغاوي الأثيم ومن غوى
وتجنّبت صوت الهدى أذناك
عطلت عقلك يا غوي حماقة
وتسابقت نحو الردى قدماك
وركبت من بحر الضلالة لجة
أو مبدع شيئا فما أغواك
أما التفاعل إن نقل هو موجد
والكون فاض تغاير أخزاك
إن التفاعل في النتائج واحد
فعل الإله ومبطل دعواك
هذا التغاير في الخصائص مثبت
والجهل بالبهتان قد أغراك
فارجع عن الإنكار إنك مفتر
سبحانك اللهم جل علاك
وانهض لربك بالقداسة هاتفا
لا يشبه القدوس ذا أو ذاك
ذات الإله عن المثيل تقدست
فالله في جنح الظلام يراك
ودع المآتم تائبا مستغفرا
ليست بخافية على مولاك
خطرات نفسك في الظلام أو الضحى
عما يفيد النقص والإشراك
لك خالقي كل الكمال منزها
والكون يا رحمان في يمناك(42/324)
تعطي وتمنع من تشاء بحكمة
وجعله ربي مشرقا بسناك
فاحفظ إلهي القلب من زلاته
هذا بيان مجمل عن الشيوعية وما تنادي به، والمؤسف المؤلم أن بعض دول العالم العربي - وهم يدينون بدين الإسلام - ينادون بالاشتراكية، بل اتخذوها لهم شعارا ومبدأ، ونحن نتساءل من أي لون هذه الاشتراكية؟ هل هي اشتراكية علمية أم اشتراكية ديمقراطية؟ بمعنى هل هي عقيدة أم مذهب؟ إن كانت عقيدة فهي تساوي الماركسية تماما في أهدافها وغاياتها، ولا تختلف عنها إلا في الاسم فقط، وهذا الذي نقوله بناء على تعريفها وبيان كنهها عند الماركسيين أنفسهم حتى ولو سموا الماركسية بالاشتراكية؛ لأنهم جعلوا من ضمن مبادئهم الشيوعية أنه لا مانع من التضليل والكذب والبهتان ووضع أسماء على غير مسمياتها ما دام يؤدي ذلك الخداع والكذب إلى الهدف المنشود، أما إن كانت اشتراكية ديمقراطية - أي أنها مذهب اقتصادي فقط لا شأن له بالعقيدة والخلق - فما أغنانا عنه بما عندنا من تراث إسلامي عريق نهض بالعرب من الحضيض إلى أوج السعادة والرقي البشري، يوم أن قاد جماعة المسلمين رسول اللهمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا التراث الإسلامي العظيم ممثل في الفقه الإسلامي، وإن أولئك الذين ينادون بالاشتراكية مذهبا اقتصاديا، ويرهقون أنفسهم في الدعوة له والدعاية إليه لو أنهم اطلعوا على الفقه الإسلامي لأغناهم ذلك عن كل هذا العناء، يا قومنا أجيبوا داعي الله واحكموا بما أنزل على نبيه، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
إن الإسلام دستور كامل أسعد البشرية يوم أن استظلت بظلاله، ويسعدها اليوم إن هي التزمت أحكامه وارتضت قضاءه؛ ففيه السياسة والاقتصاد والحرب والسِّلم والسلوك والاجتماع والروح والمادة وجميع ما يحتاج إليه بنو الإنسان في حياتهم، إن الإسلام من وضع خالق البشر، العليم بما يصلح شأنهم ويقوّم معوجهم ويسعد جماعتهم، وينهض بهم إلى أسمى درجات السعادة والرقي؛ لذلك أودعه كل ما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} . ولله درّ القائل:
وتبددت بجيوشها الظلماء
بالمصطفى الهادي تألق صبحنا
وعلى الأمور يسيطر الجهلاء
قد جاء والإلحاد في طغيانه
فيها لمن يبغي العلاج شفاء
فأقام بالتوحيد أعظم ملة
هي للوجود الكوكب الوضاء
وهي للحياة سدادا ورشادها
هي في الهجير الروضة الغناء
هي للشعوب بلا سم لجراحها
وبغيثه جدب الحياة رخاء
دستورها القرآن فاض هداية
للمسلمين العزة الشماء
في هرم الزمان ولم يزل في هديه
يا قومنا اضربوا على أيدي المتطرفين الملحدين الذين يدينون بالشيوعية؛ فإنهم في جسم الأمة الإسلامية كالسرطان، يهدمون كيانها ويقوضون كل مقوماتها، ولا تربطهم بفرد فيها رابطة من خلق أو دين؛ إذ الرابطة بينهم هي مبادئ الشيوعية فقط دون غيرها من روابط اجتماعية أو أسرية أو روحية أو قومية أو وطنية، بمعنى أن الشيوعي في مشرق الأرض أولى بالشيوعي في مغربها من أمه وأبيه أو ابنه وأخيه؛ فكل القيم منهارة في نظر الشيوعي أمام عقيدته التي يبذل في سبيلها كل شيء، فهل يصح ونحن نؤمن بالله وبرسوله أن ندع الخطر يستشري ونحن سكوت زاعمين أننا لن نمكنهم من الوصول إلى مركز القيادة والسلطة، فهذا لا يعفينا من المسئولية، وإلا كان مثلُنا كمثل من أرادوا خرق السفينة ليصلوا إلى الماء دون عناء فإن تركهم من هم في أعلاها غرقوا جميعا وإن منعوهم سلموا جميعا، فنحن إن وقفنا عند هذا الوضع السلبي كان ذلك أخذا للأمور الخطرة بسهولة لا توائم بعض ما يجب أن تؤخذ به من الاهتمام والجدّ.
يا قومنا إن الأمر جدّ خطير؛ فالشيوعية بلاء ومحنة، وهي - كما سبق أن قلت -كالسرطان يعايش الإنسان زمنا طويلا، ولا يظهر له خطر ولا يبدو منه أذى، حتى إذا ما اكتملت قدرته على الهجوم وشرست استطاعته على الفتك انقضّ عاتيا لا يرحم، جبارا لا يتفاهم، كل همه الوصول إلى غايته والحصول على مأربه مهما شرّد أو قتل أو هدم أو دمّر؛ لأن الغاية عنده تبرر الوسيلة، وهل يوجد أحطّ مستوى ممن يبيح لنفسه الخداع والكذب والتضليل والتمويه، بل يجعلها من مبادئه وأخلاقه ما دامت تصل به إلى مقاصده وأهدافه.
يا قوم إن الشيوعية في تقديرها لبعض الأمور وخاصة المعنوية منها أخطر من بعض فصائل الحيوان، وإن ادّعى معتنقوها سموّ إحساسهم ورِقَّة وجدانهم، وإن تباكوا على الإنسانية المعذّبة التي يدعون أنهم يريدون إسعادها، وتخليصها من نير الذل والاستعباد، وتحكم الإقطاع والاستغلال، وجموح رأس المال المستبد الذي لا يعرف رحمة ولا شفقة في نظرهم، إلى غير ذلك من العبارات الخادعة الخلابة التي يخدعون بها الشعوب، ويغشون بها الجماعات، حتى إذا ما وقعت في الفخ الذي نصبوه واحتواها الشرك الذي حاكوه ذاقت من الذل ألوانا يشيب لها الولدان وتضطرب لذكرها الأبدان.(42/325)
أي سعادة في نظام يجعل إنكار الإله عقيدة، والتناحر بين الطبقات مبدأ، وإشاعة الهلع بين الأفراد طابعا، وخيانة الابن لأبيه والزوجة لزوجها بالتلصص عليهما سلوكا ومنهجا، ثم أي سعادة في هذا النظام الذي يسلب الفرد قسرا ما امتلك بحجة التأميم لصالح الدولة؛ لأنها هي التي يجب أن تملك وسائل الإنتاج ورأس المال، أليس ذلك قتلا لغريزة حب الاقتناء التي هي جزء من مقومات الإنسان التي تدفعه إلى العمل راضيا بما يجد من مشقة وعناء؟ ثم هذا الإنتاج الذي هو ثمار شقاء الطبقات الكادحة المحرومة إلى أين يذهب؟ ومن الذي في خيره ونعيمه يتقلب؟ أليست تلك الفئة الباغية الحاكمة التي تقبض على نواصي الأمور بقبضة من حديد، ولا ترى الشعوب إلا سوط الإرهاب تلوح به في الفضاء بدا ليفي والاستعباد لابسة قفازا من الحرير تخدع الشعوب بملمسه، وهي لا تعرف ما بداخله من ظلم وفساد وعتو واستبداد.
لا تصح المقارنة:
إنه لا تصح المقارنة بين نظام هذا طابعه وتلك المذكورة آنفا أهدافه وغاياته، وبين الإسلام الذي هو في أسمى درجات الرقي بين النظم الاجتماعية التي سعد بها بنو الإنسان؛ فلا استغلال فيه ولا عسر في العمل والإنتاج، إنما عن اقتناع وإيمان يعمل الإنسان في الإسلام؛ لأن له ثمرة ما يعمل، وهو مع ذلك يؤدي ما عليه من واجبات يسهم بها في بناء المجتمع الإسلامي السعيد الذي هو حلية نافعة في جسمه الكبير، وبهذا يعلن الإسلام بين بنيه ما استحق الحياة من عاش لنفسه فقط؛ فهو بذلك يحقق الخير لنفسه ولغيره، فالإسلام بذلك نظام محكم؛ فليس أنانية محضة كما هي الرأسمالية المستقلة، وليس حرمانا محضا كما هي الشيوعية الملحدة، بل هو وسط بين نقيضين؛ فحرّم الرّبا وحثّ على الإنفاق والصدقة بعد تأدية فرض الزكاة "لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع"، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .
فهل يداني هذا النظام قانون ما من القوانين التي تستنها الدول تخفيفا لآلام الفقراء والعاجزين؟ ثم هو لا يجرد الإنسان من الامتلاك بل جعل له ذلك الحق بشرط ألا يعتدي على حق غيره أو يسلبه ماله؛ فإن فعل ذلك فله في الدنيا خزي وعار وفضيحة ونكال، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ } .
إن الإسلام عالج مسألة الاقتصاد علاجا لم يسبق إليه، ولن تستطيع دولة ما أن تصل إلى ما وصل إليه من علاج يحقق الرفاهية لأهله والمساواة الصحيحة بين ذويه؛ فنظام الزكاة والكفارات والمغانم وغير ذلك من وجوه البذل يجعل من المسلمين أمة متكافلة بالمعنى الصحيح، وفي الوقت نفسه لا يعوق الإنسان عن الكسب الكريم الشريف، بل يشجعه ويحث عليه، "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
فلا تواكل في الإسلام ولا تعطيل للطاقات ولا مصادرة للأموال والممتلكات؛ لأن كل نظام فيه أقيم على أساس سليم، فكل فرد في الدولة الإسلامية عضو من أعضائها تحسّ به ويحسّ بها وترعاه ويعمل من أجلها، بل يتفانى بحق في سبيلها مدفوعا لذلك بشعور صادق وإيمان عميق؛ لأنه يراها الأم الحانية والراعي الذي لا يدّخر وسعا في سبيل سعادته، بخلاف الشيوعي؛ فهو يعمل ولكن على مضض يعمل، وهو ينتج ولكنه من وجل ينتج، بل في وسط اللهيب وعلى القنا يسير؛ لأنه يرى أن يد البطش القاسية مسلطة عليه، والجاسوسية القذرة متربصة به؛ فهو لا يأمن على نفسه، وليس بمستريح ضميره طول حياته؛ لأنه خدع بألفاظ لم يجد لها مدلولات، وبعبارات لم يلمس لها مفهوما، فهو على يأس يعيش متمنيا ساعة الخلاص، ولكن هيهات هيهات أن تمكنه مما يريد، تلك الشرذمة الطاغية المتسلطة عليه فهي لن تدع له فرصة يتمكن فيها من الفرار من ميدان الذل والاستعباد والتسخير والاستقلال؛ لأنهم يرون ذله عزا لهم، واستعباده سيادة لجماعتهم، ولذلك كثيرا ما نسمع أن أفرادا غافلوا الحراس وفرّوا من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي؛ لأن الحرمان استبدّ بهم واليأس قد سدّ كل طريق أمامهم؛ فوجدوا ألا خلاص إلا بركوب المخاطر والتعرض للهلاك باقتحامهم الأسوار.
هذا من الناحية الاقتصادية التي هي الشغل الشاغل للعالم أجمع، أما ما عدا الناحية الاقتصادية فإن نظاما يقوم على مبدأ الروح والمادة اللذين هما العنصر المكوّن للإنسان لا شكّ أنه يسعد المرء في دنياه وفي أخراه، وهذا ما حقّقه الإسلام لمعتنقيه، بخلاف نظام يقوم على نكران الروح ويجعل الحياة مادة صرفة، وان الشيوعي ما هو إلا قطعة من آلة ما دام تسير فيها الوقود فهي تعمل ولا تفكر وتسير، وحذار أن تلتفت حولها أو تسأل عن شيء بدا لها.(42/326)
فنظام هذا طابعه لا شكّ يشقى معتنقيه ويجعلهم يرزحون طول حياتهم تحت عبء الهمجية الداعرة والفوضوية التي لا تقرّ نظاما مهذّبا أو دستورا كريما ساميا يرتقي ببني الإنسان عن مستوى الهوام والحيوان، وبذلك اتضح الأمر لذي عينين، وأميط اللثام عن نظامين ومنهجين، أحدهما في أسمى درجات الرفعة والعلو وهو الإسلام، والثاني من أحطّ دركات الحضيض والامتهان، وهو الشيوعية، وتلكم ما هي إلا نظام الإلحاد والكفران.
===============(42/327)
(42/328)
كيف دخلت الشيوعية في أفغانستان؟
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 20 / ص 313)
نشرت مجلة المدينة مقالا للأستاذ جلال الدين أحمد النوري تحت عنوان:
كيف دخلت الشيوعية في أفغانستان؟
قال ما يأتي:
ظهرت آثار السياسة الشيوعية أولا في أفغانستان، إذ هزت الدعاية الشيوعية موقف الأمير حبيب الله في عام 1919 م عندما أشاعت بأنه آلة في يد الساسة البريطانيين، اشتروه بثمن بخس ثم أمدت روسيا عملاءها الشيوعيين بالمساعدات المادية فأسسوا حركة الاستقلال الوطني الأفغانية وظهر على رأسها أخو الأمير، ولم يمض وقت طويل حتى اغتيل الأمير فملك أصدقاء الروس زمام الأمور، وتدفقت الأسلحة إلى داخل البلاد، وبعد أن أعلن استقلال أفغانستان، وقيام المملكة الأفغانية، وتوقيع المعاهدة الأفغانية الإنجليزية في نوفمبر سنة 1920م تلك المعاهدة التي نصت على إنهاء الوصاية الإنجليزية على أفغانستان، سارعت روسيا بإصدار بيان تقول فيه:
"إن مجلس الوزراء السوفييتي يعلن: أن حكومة العمال والفلاحين بكل هيئاتها تعترف باستقلال أفغانستان، وأن على أفغانستان المستقلة ابتداء من الآن: واجب التحالف مع روسيا لمساعدة شعوب الشرق الإسلامي التي لا زالت ترزح تحت نير العبودية، لتنال حريتها الوطنية والاجتماعية"... وتبدو في البيان نغمة الثورة الاشتراكية التي تحاول موسكو أن تلزم الحكومات الجديدة في المناطق المستقلة حديثا باتباع النموذج المطبق في موسكو. وأن تحذو حذو البلشفية في روسيا أي اتخاذ موسكو كعبة لها في الإصلاح السياسي والاجتماعي.
نجحت هذه السياسة إلى حد ما في أفغانستان فتحقق هذا التحالف الذي نادت به موسكو وذلك بإبرام معاهدة الصداقة الروسية الأفغانية التي وقعت في فبراير سنة 1920م ومما يلفت النظر أنه نص في هذه المعاهدة على قيام خمس قنصليات لروسيا في أفغانستان بجانب سفارتها في كابول، ولا شك أن المقصود من وراء إنشاء هذا العدد من القنصليات هو تطوير وتركيز النفوذ السوفييتي الذي يسهل عملية نشر العقائد الماركسية ولكن لم تصل روسيا إلى هذا الهدف كما لم تحقق هدفها الحقيقي وهو قيام الثورة السوفييتية الاشتراكية وذلك بسبب معارضة الحكومة التي كانت عاملا هاما في سد الطريق أمام الدعاية الشيوعية حتى لا تنفذ إلى الأقاليم الأفغانية فانحصر نشاط البلشفيين في العاصمة كابول، حيث إنها استخدمت كمركز للدعاية الشيوعية خارج حدود أفغانستان، إذ وصل حملة العقائد الماركسية إلى الهند وكانوا يتلقون أوامرهم من كابول لا يتحركون إلا بتوجيههم وإرشاداتهما والحق أنهم كانوا في الهند (دمى) يحركهم البلشفيون من داخل أفغانستان، وهكذا تمكن الماركسيون من إقامة مركز لهم في هذا البلد تنطلق منه سموم الدعاية الإلحادية التي لن تهدأ إلا بتحويل هذا البلد الإسلامي المتاخم للإتحاد السوفييتي إلى بلد شيوعي وقد ظهرت معالم هذا التحويل بقيام ثورة في هذا البلد في الفترة الأخيرة، وإن لم يدرك العالم الإسلامي ذلك فيهب للحيلولة دون هذا التحويل الإلحادي فستظهر ندامة المسلمين فيما بعد حيث لا ينفع الندم ولا يفيد.
تعليق المجلة:
إن القارئ الكريم عندما يقرأ هذا الخبر المنشور بجريدة (المدينة) - وينعم النظر فيه- وكان ملما بالأسلوب السياسي- يدرك كيف تخطط الشيوعية لمحاربة المسلمين في عقر دارهم على المدى البعيد بدأت الخطة بتظاهر السوفييت وجعجعتهم بالدعوة إلى الحرية، والانتصار لها، والدفاع عنها، تلك الحرية التي يزعمون أنهم حماتها لشعوب شرق آسيا ومسلمي الخليج، ثم بانفعالها، ذلك الانفعال المصطنع ضد الاستعمار والإمبريالية لتكون عقبة كؤودا أمام قافلة الحرية إلى آخر المحاضرة السوفييتية المضللة، وبهذه الجعجعة المضللة خدعت كثيرا من الشعوب الإسلامية التي طالما رزحت تحت نير الاستعمار الغربي فيما مضى من حياتها، وبهذا الأسلوب استولت السوفييت على عقولهم، بل استعمرت عقولهم قبل أن تستعمر أراضيهم، وتخرب ديارهم وتفسد عليهم دينهم، ثم التخطيط السوفييتي بالمطالبة البطيئة والملحة بالتخلي عن الدين لأنه يتعارض والتقدم في زعمهم- لأن التقدمية لا تساير إلا الانطلاق المطلق دون تقيد بأي قيد، ويكون ذلك لقاء المساعدة العسكرية السخية من الأسلحة الحديثة الدفاعية أو الهجومية حسب الظروف- هكذا يفعل الاستعمار الشرقي بالشعوب حتى يخربوا ديارهم بأيديهم وأيدي أعدائهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والله المستعان.(42/329)
و بهذا الأسلوب تمكن السوفييت من غزو أفغانستان، وقد رأى المجاهدون أن يعلنوا جهادا إسلاميا مقدسا ضد الغزاة الشيوعي، وخاضوا معارك دامية، فقاتلوا، وقتَّلوا، وقُتِّلوا في سبيل الله لإعلاء كلمته، والانتصار لدينه وقد حمي الوطيس، فماذا ينتظر المسلمون !! ليهم إلا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
================(42/330)
(42/331)
تعاون الصهيونية مع الشيوعية والمأسونية
جاء في بروتوكولات حكماء صهيون:(3)ط4, بيروت ص116 النص الآتي:
( إننا نقصد أن نظهر كما لو كنا المحررين للعمال، جئنا لنحررهم من هذا الظلم، حينما ننصحهم بأن يلتحقوا بطبقات جيوشنا من الاشتراكيين، والفوضويين والشيوعيين ونحن على الدوام نتبنى الشيوعية ونحتضنها، متظاهرين بأننا نساعد العمال طبقاً لمبدأ الأخوة والمصلحة العامة للإنسانية وهذا ما تبشر به الماسونية الاجتماعية).
الخلافات السائدة بين المسلمين والتي يستغلها اليهود:
جاء في البروتوكول (5) ص122:
( لقد بذرنا الخلاف بين كل واحد وغيره في جميع أغراض الأميين الشخصية والقومية، بنشر التعصبات الدينية والقبلية خلال عشرين قرناً.
ومن هذا كله تتقرر حقيقة هي أن كل حكومة منفردة لن تجد لها سنداً من جاراتها حين تدعوها إلى مساعدتها ضدنا لأن كل واحد منها ستظن أن أي عمل ضدنا هو نكبة على كيانها الذاتي).
التحدي الحضاري الغربي والشرقي
شخصية الإسلام المتميزة
لابد من التفريق بين العلوم الذاتية ( وهي التي تنبع من ذات الأمة وخصائصها وعقيدتها..) والعلوم الإنسانية ( وهي التي تعطي ثمرة، ونتيجة لكل قائم بها دون تفريق بين مسلم وكافر..) مثل الطب.
لابد من التفريق بين ما هو نافع من العلوم الإنسانية والمخترعات والصناعات وبين ما هو مرض نتج عن انحراف، ووباء، وتفسخ وامتزاج بالحضارة المادية حتى ظنه الأغبياء لأول وهلة أنه حضارة وهو في الحقيقة احتضار.
ـ الحصانة بالإيمان القوى، والمعرفة المستوعبة الواعية، والفكر الناصع: ذلك هو الضمان القوي لإبعاد الشباب عن الانجراف وراء الانحراف في حضارة الغرب والشرق.
فالغرب الذي يسبح في غمرة من التمدن والترف يعاني من القلق والضيعة والتمزق النفسي بسبب الحرمان من العقيدة السليمة، وفقدان الثقة بالكنيسة والصراع في سبيل المساواة بين الجنسين، وانعدام روابط المجتمع والأسرة الواحدة، والانطلاق في الشهوة بدون حدود، فالمجتمع الغربي ملك وسيلة اللذة الجسمية، وفقد مقومات الإنسان الروحية في الدنيا والآخرة.
ـ إن الإسلام وحده، بشخصيته المتميزة هو الذي حفظ المسلمين الهنود أن ينصهروا أو يذوبوا في المجتمع الهندي الذي يختلف معه في عقيدته بالرغم من أن عدده أضعاف أضعاف المسلمين.
ـ والإسلام وحده بشخصيته المتميزة هو الذي حمل المسلمين على مقاومة الاستعمار في الجزائر وليبيا وسوريا والمغرب والعراق وغيرها، فقد كان يحس أبناء هذه الأقطار بخطورة الاستعمار على دينه وعقيدته وحضارته، ووجدت الأمة حينها دعاة إصلاح أيقظوا فيها جذوة الإيمان.
ـ إن الإسلام اليوم كذلك -وهو دين الله الخالد- ما تزال جذوره مكينة، وما تزال شجرة الإيمان به تؤتي ثمرتها، وسيظل العامل الوحيد في حماية هذه الأمة، من الضعف والخور والذوبان، والقعود عن حماية الحق والدعوة إلى الخير، وسيظل شباب هذه الأمة درعها الواقي ما داموا متمسكين بالعقدية الصحيحة، متزودين بالعلم النافع، مستنيرين بالبصيرة النيرة، مدركين لكيد الأعداء ومكرهم وما يراد بهم، وما داموا معتزين بدينهم معتصمين به.
ـ إن من أعظم الأساليب التي اتخذها أعداء الإسلام لمواجهة المسلمين وهزيمتهم ومسخ شخصيتهم وإضعافهم، وجعل عقيدتهم هشة هزيلة، وتفكك روابطهم:
هو ما قاموا به من تخطيط ماكر لغزو المسلمين فكرياً حيث يتحقق لهم بذلك ما يريدون، فقد كفوا أيديهم عن قتال المسلمين واتجهوا إلى هذه الأساليب البالغة الخطورة وهي التي نشاهدها اليوم في سوق الأمة المسلمة إلى حيث لا تدري، فقد استطاع العدو أن ينفذ بنفسه أو بمن يسير في ركابه من المخدوعين والمستغربين والمتنكرين لدينهم وعقيدتهم، استطاعوا أن ينفذوا بذلك إلى مصادر التوجيه والتعليم، حتى يتم لهم غرس ما يريدونه من أفكار دخيلة، ومبادئ مستوردة وإبعاد عن الدين، وعن فضيلة الخلق الإسلامي، وأن يشغلوه في حيرة الشك والشبهة، وهذه الأمور نرجوا أن يكون الشباب في غاية الوعي والإدراك لها وأن يحصن نفسه وعقيدته من السقوط في هذه الحمأة، حتى يكون أهلاً لتحقيق ما يراد منه، ولا داء رسالته كمسلم واع قوي الإيمان، وحتى لا يصبح لعبة في أيدي الأعداء الذين خدعوا كثيراً من الشباب واستهووهم بزيف شعاراتهم المضللة.
إن الشباب المسلم حينما يسأل عن الطريق الصحيح الذي يوصل إلى مرضاة الله سبحانه، فإنما ذلك دليل على الرغبة الصادقة في سلوك طريق الخير والسعادة عندما يرى كثرة الطرق القائمة اليوم، وتشعب الدعوات المتباينة .
ولا ريب في أن طريق الحق واحدة، وأن ما عداها طرق ضلال على رأس كل منها شيطان كما جاء في الحديث الشريف على صاحبه وآله الصلاة والسلام، وطريق السعادة هي الطريق التي تنير بهديها السالك حتى يصل إلى شاطئ الأمان.
ـ ومفتاح الخير أمام شبابنا أن يعرف ما هي مهمته في هذه الحياة؟ ولماذا خلق؟ وما هي الأمانة والمسئولية التي أنيطت به، وما الذي يترتب على القيام بالمسئولية أو إهمالها من جزاء في الدنيا والآخرة.(42/332)
ـ إن على شبابنا أن يؤمن بأن دين الله عز وجل هو الدين الحق، وأنه طريق الهداية للإنسان وأن ينطلق في حياته مهتدياً بهذا الدين، لا بحكم هوى، ولا يسير وراء دعوة تتناقض في قليل أو كثير مع مبادئ هذا الدين وأن يكون في مجتمعه الإسلامي عضواً نافعاً يشع بالخير لأمته، ويسعى جاهداً لتحقيق كل مصلحة يقدر عليها من أجل إسعاد المسلمين وهدايتهم ودعوتهم إلى الخير، وأن يقيم شخصيته على التوازن الكامل فلا يطغى فيه جانب على جانب، أن يسعى إلى بناء شخصيته الإسلامية جسماً وعلماً وفكراً وعقيدةً وخلقاً، وأن يقف عند حدود الله عز وجل ويقيم دينه وشرعه.
وأن يحكم شريعة الله في كل قضاياه مع كمال الخضوع والاستسلام والرضا، وأن يكون شديد العزوف عن كل ما فيه سخط الله سبحانه وإن كان فيه تفويت مصلحة على نفسه وأن يسارع إلى مرضاة الله عز وجل مهما كانت مشقة الأمر وكلفته ففي ذلك سعادة كبيرة في الدنيا والآخرة.
ـ وعلى الشباب أن يكون شديد اليقظة لكل ما هو وافد غريب على عقيدتهم ومجتمعهم وتاريخهم وقيمهم وفكرهم، فالأمة الإسلامية لها خصائصها التي تتميز بها في دينها وتاريخها وحضارتها وأسلوب حياتها، ولها أسلوبها الخاص في معالجة مشكلاتها ومن الغباء المنتهي أن نستجلب أساليب أعدائنا في حل المشكلات، وقد فشلت في إيجاد الطمأنينة والسكينة في مجتمعاتهم لأنها من صنع أيديهم القاصرة، ومن تفكير عقولهم التي لا تثبت على رأي؛ فكيف يمكن أن تكون حلاً لنا نحن المسلمين؟ إن أساليب الغرب وأنماط حياته إذا ما نقلت إلى بيئتنا فإنما يراد تقويض بنيانها، وتدمير أمتنا التي تتمثل في شبابها، ثم تصبح الأمة بعد ذلك في حالة خنوع واستسلام لعدوها.
إن على الشباب أن يكونوا على معرفة تامة لكل أساليب الأعداء سواء ما كتب منها في:
(بروتوكولات حكما صهيون)، أو (الغارة على العالم الإسلامي) أو (الاستشراق والمستشرقون) أو (التبشير والاستعمار) أو نحوها من أساليب الكيد المكثفة، برجالها ومالها، وتفكيرها، وتسخيرها بعض أبناء المسلمين ومؤتمراتها وهيئاتها، ومؤسساتها ونواديها، ومناهجها وإعلامها وشعاراتها.
ـ أما الفتاة المسلمة فإن عليها مسئولية، فهي تحمل رسالة عظيمة، فالمرأة مصدر خير عظيم، أو خطر جسيم، فهي إن أدركت واجبها ومهمتها في هذه الحياة المهمة التي تتفق مع بنيتها وطبيعتها وفطرتها، وما أعدت له، وقامت بهذا الواجب الذي رسمه لها دينها العظيم، ساهمت مساهمة كبيرة في إسعاد المجتمع، والمحافظة على توازنه وترابطه والحفاظ عليه من التمزق والانهيار، والتدمير، وإذا ما تعلمت الفتاة المسلمة فإن الفرض في حقها أن يزيدها العلم تواضعاً وحشمة واستقامة، ومعرفة لواجبها الذي لا يمكن أن يقوم به غيرها من بناء الأسرة المسلمة داخل بيتها وإيجاد البيت المسلم المثالي، وتربية الرجال بالإيمان القوي والخلق المتين وذلك أعظم خدمة تقدمها المرأة لمجتمعها ودينها وأمتها.
أما إذا انحرفت المرأة عن هذا الواجب وتنكبت الطريق، وتنكرت لهدى الله عز وجل، وأصبحت لعبة في أيدي السفهاء وكرة في أقدام الشهوانيين، يتخذون منها وسيلة للفتنة، وتعطيل المجتمع من منابع الخير، ويسعون - بتضليلهم لها- إلى إشقائها وضياعها، وإلى انفراط حبل الأسرة بتعطيل البيت والفرار من القيام بالواجب فيه، فإن المرأة بذلك تصبح أداة هدم وشقاء، ومصدر خطير جسيم على نفسها وعلى الشباب وعلى المجتمع، وعلى مستقبل الأمة من حيث لا تدري.
إن على الفتاة المسلمة الحريصة على نفسها وعقيدتها وأمتها أن تختار الزوج الصالح وأن تحسن الاختيار، وأن لا يكون اختيارها على أساس نزوة الشهوة، أو العاطفة، أو النظرة العابرة، بل على الدقة والتمحيص والمشورة لأهل الخير والصالحين من أهلها، حتى تضمن لنفسها عيشاً كريماً في ظل رجل صالح يقودها إلى الخير ويحميها من الشرور العادية عليها.
مبررات البعث الإسلامي من جديد:
1- الإلحاد المنظم.
2- الأحزاب الكافرة المنتشرة والبارزة في المجتمعات تحت رعاية الحكومات.
3- التضليل للشعوب من قبل الحكام، ومحاولة طمس الحقائق، وتغيير وجه الحق ومحاولة الإقناع بما هو باطل أنه حق.
4- الكبت على الشعوب وإبعادها عن ممارسة حقها في الكلمة الصادقة والوقوف في وجه الباطل، وإحياء الفضائل.
5- تعذيب المؤمنين الصادقين من الدعاة إلى الله والمصلحين الذين يحاولون أن يأخذوا بأيدي الحاكم والمحكوم إلى الجادة، والذين يحاربون الغزو الإلحادي والفكري والعسكري والاقتصادي.
6- رفع الشعارات البراقة لمخادعة الأمة، ووضع بدائل من الوسائل التي تغرق الأمة في اللهو واللعب: الكرة، الأغنية، التمثيلية الساقطة، ومحاولة نشر وسائل الفساد وتسخير بعض إمكانيات الأمة في خدمة الحكام عن طريق طمس معالم العقيدة والأخلاق ودعوة المرأة إلى التبرج والخروج من منزلها بدون مبرر والاختلاط المزري، والدعوة كذلك إلى الاستغراب بالتنكر لتقاليد البيئة الإسلامية عن طريق الرمي بالرجعية والتخلف والكهنوت وغير ذلك.
===============(42/333)
(42/334)
القرار الثالث -حكم الشيوعية والانتماء إليها
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي درس فيما درسه من أمور خطيرة (موضوع الشيوعية والاشتراكية) وما يتعرض له العالم الإسلامي من مشكلات الغزو الفكري على صعيد كيان الدول ، وعلى صعيد نشأة الأفراد وعقائدهم ، وما تتعرض له تلك الدول والشعوب معا من أخطار تترتب على عدم التنبه إلى مخاطر هذا الغزو الخطير .
ولقد رأى المجمع الفقهي أن كثيرا من الدول في العالم الإسلامي تعاني فراغا فكريا وعقائديا ، خاصة أن هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أعدت بطريقة نفذت إلى المجتمعات الإسلامية وأحدثت فيها خللا في العقائد وانحلالا في التفكير والسلوك ؛ وتحطيما للقيم الإنسانية وزعزعة لكل مقومات الخير في المجتمع ، وإنه ليبدو واضحا جليا أن الدول الكبرى على اختلاف نظمها واتجاهها قد حاولت جاهدة تمزيق شمل كل دولة تنتسب للإسلام ؛ عداوة له وخوفا من امتداده ويقظة أهله؛ لذا ركزت جميع الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمين ، هما العقائد والأخلاق .
ففي ميدان العقائد شجعت كل من يعتنق المبدأ الشيوعي المعبر عنه مبدئيا عند كثيرين بالاشتراكية ، فجندت له الإذاعات والصحف والدعايات البراقة والكتاب المأجورين ، وسمته حينا بالحرية وحينا بالتقدمية وحينا بالديمقراطية ، وغير ذلك من الألفاظ ، وسمت كل ما يضاد ذلك من إصلاحات ومحافظة على القيم والمثل السامية والتعاليم الإسلامية رجعية وتأخرا وانتهازية ونحو ذلك .
وفي ميدان الأخلاق دعت إلى الإباحية واختلاط الجنسين ، وسمت ذلك أيضا تقدما وحرية ، فهي تعرف تمام المعرفة أنها متى قضت على الدين والأخلاق فقد تمكنت من السيطرة الفكرية والمادية والسياسية ، وإذا تم ذلك لها تمكنت من السيطرة التامة على جميع مقومات الخير والإصلاح ، وصرفتها كما تشاء ، فانبثق عن ذلك الصراع الفكري والعقائدي والسياسي ، وقامت بتقوية الجانب الموالي لها وأمدته بالمال والسلاح والدعاية ، حتى يتمركز في مجتمعه ويسيطر على الحكم ، ثم لا تسأل عما يحدث بعد ذلك من تقتيل وتشريد وكبت للحريات وسجن لكل ذي دين أو خلق قويم .
ولهذا لما كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولا إسلامية لم تتحصن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تجاهه . وكان على المجمع الفقهي في حدود اختصاصه العلمي والديني أن ينبه إلى المخاطر التي تترتب على هذا الغزو الفكري والعقائدي والسياسي الخطير الذي يتم بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية وغيرها ، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة يقرر ما يلي:
يرى مجلس المجمع لفت نظر دول وشعوب العالم الإسلامي إلى أنه من المسلم به يقينا أن الشيوعية منافية للإسلام ، وأن اعتناقها كفر بالدين الذي ارتضاه الله لعباده ، وهي هدم للمثل الإنسانية والقيم الأخلاقية وانحلال للمجتمعات البشرية والشريعة الإسلامية المحمدية هي خاتمة الأديان السماوية ، وقد أنزلت من لدن حكيم حميد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وهي نظام كامل للدولة سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ، وستظل هي المعول عليها بإذن الله للتخلص من جميع الشرور التي مزقت المسلمين وفتت وحدتهم وفرقت شملهم ، سيما في المجتمعات التي عرفت الإسلام ثم جعلته وراءها ظهريا .
لهذا وغيره كان الإسلام بالذات هو محل هجوم عنيف من الغزو الشيوعي الاشتراكي الخطير ؛ بقصد القضاء على مبادئه ومثله ودوله .
لذا فإن المجلس يوصي الدول والشعوب الإسلامية أن تتنبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر الداهم بالوسائل المختلفة ، ومنها الأمور الآتية:
( أ ) إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع برامج ومناهج التعليم المطبقة حاليا فيها بعد أن ثبت أنه قد تسرب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكار إلحادية وشيوعية مسمومة مدسوسة ، تحارب الدول الإسلامية في عقر دارها ، وعلى يد نفر من أبنائها من معلمين ومؤلفين وغيرهم .
( ب ) إعادة النظر وبأقصى سرعة في جميع الأجهزة في الدول الإسلامية ، وبخاصة في دوائر الإعلام والاقتصاد والتجارة الداخلية والخارجية وأجهزة الإدارات المحلية ؛ من أجل تنقيتها وتقويمها ووضع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة التي تعمل على حفظ كيان الدول والشعوب وإنقاذ المجتمعات من الحقد والبغضاء ، وتنشر بينهم روح الأخوة والتعاون والصفاء .
( جـ ) الإهابة بالدول والشعوب الإسلامية أن تعمل على إعداد مدارس متخصصة ، وتكوين دعاة أمناء ؛ من أجل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتى صوره ، ومقابلته بدراسات عميقة ميسرة لكل راغب بالاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطره من جهة ، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه من جهة ثانية ، ومن ثم فإن هذه المدارس وأولئك الدعاة كلما تكاثروا في أي بلد إسلامي يرجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرفة الغريبة ، وبذلك يقوم صف علمي عملي منظم واقعي من أجل التحصن ضد جميع التيارات التي تستهدف هذه البقية الباقية من مقومات الإسلام في نفوس الناس .(42/335)
كما يهيب المجلس بعلماء المسلمين في كل مكان ، وبالمنظمات والهيئات الإسلامية في العالم أن يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلحادية الخطيرة التي تستهدف دينهم وعقائدهم وشريعتهم ، وتريد القضاء عليهم وعلى أوطانهم ، وأن يوضحوا للناس حقيقة الاشتراكية والشيوعية وأنهما حرب على الإسلام .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
نائب الرئيس ... الرئيس
محمد علي الحركان
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ... عبد الله بن حميد
رئيس مجلس القضاء الأعلى
في المملكة العربية السعودية
الأعضاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
في المملكة العربية السعودية ... محمد محمود الصواف ... محمد بن صالح بن عثيمين
محمد بن عبد الله السبيل ... محمد رشيد قباني ... مصطفى الزرقاء
محمد رشيدي ... عبد القدوس الهاشمي الندوي ... أبو بكر جومي
==============(42/336)
(42/337)
حكم من يطالب بتحكيم المبادئ الاشتراكية والشيوعية
مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 1 / ص 275)
(والخلاصة: أن المقصود من كتابة المقال السابق: بيان الحق وإزالة الشبهة، والترغيب في التثبت في الأمور، وعدم العجلة بتصديق أو تكذيب أو تكفير، إلا بعد وجود أدلة واضحة صحيحة ترشد إلى ذلك، فإن كان ما كتبته مصيبا للحق فالحمد لله والفضل له وحده، وإن كان خطأ فذلك مني ومن الشيطان، والله سبحانه ورسول صلى الله عليه وسلم براء من ذلك، وإذا رأيتم إتمام الرأي، وإعادة قراءة المقال لقصد مزيد التثبت، في معرفة الحق بأدلته الواضحة، في هذه المسألة فهو مناسب، والحق ضالة المؤمن - كما ذكر فضيلتكم - متى وجدها أخذها)، وأسأل الله عز وجل أن يزيدني وإياكم من العلم والهدى، وأن يوفقنا جميعا لإصابة الحق في القول والعمل، وأن يكتب لمصيبنا في هذه المسألة وغيرها أجرين، ولمخطئنا أجر اجتهاده، وأن يعامل الجميع بعفوه، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكم من يطالب بتحكيم المبادئ الاشتراكية والشيوعية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه،
أما بعد:
فقد ورد إلي سؤال من بعض الإخوة الباكستانيين هذا ملخصه:
ما حكم الذين يطالبون بتحكيم المبادئ الاشتراكية والشيوعية، ويحاربون حكم الإسلام، وما حكم الذين يساعدونهم في هذا المطلب، ويذمون من يطالب بحكم الإسلام، ويلمزونهم ويفترون عليهم، وهل يجوز اتخاذ هؤلاء أئمة وخطباء في مساجد المسلمين؟
والجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، لا ريب أن الواجب على أئمة المسلمين وقادتهم: أن يحكموا الشريعة الإسلامية في جميع شئونهم، وأن يحاربوا ما خالفها، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء الإسلام، ليس فيه نزاع بحمد الله، والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة معلومة عند أهل العلم، منها قوله سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وقوله سبحانه وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وقوله سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وقوله سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله، أو أن هدي غير رسول ا صلى الله عليه وسلم أحسن من هدي الرسو صلى الله عليه وسلم فهو كافر، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج عن شريعة صلى الله عليه وسلم أو تحكيم غيرها فهو كافر ضال، وبما ذكرناه من الأدلة القرآنية، وإجماع أهل العلم يعلم السائل وغيره، أن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة المناقضة لحكم الإسلام، كفار ضلال، أكفر من اليهود والنصارى لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يجوز أن يجعل أحد منهم خطيبا وإماما في مسجد من مساجد المسلمين، ولا تصح الصلاة خلفهم، وكل من ساعدهم على ضلالهم، وحسن ما يدعون إليه، وذم دعاة الإسلام ولمزهم، فهو كافر ضال، حكمه حكم الطائفة الملحدة، التي سار في ركابها وأيدها في طلبها، وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويجمع كلمتهم على الحق، وأن يكبت أعداء الإسلام، ويفرق جمعهم، ويشتت شملهم، ويكفي المسلمين شرهم، إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه
============(42/338)
(42/339)
الاشتراكية مذهب كفري يحرم اعتناقه والدعوة إليه
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 500)
رقم الفتوى 40628 الاشتراكية مذهب كفري يحرم اعتناقه والدعوة إليه
تاريخ الفتوى : 06 شوال 1424
السؤال
ما هو التعريف العلمي للاشتراكية، وما حكم الإسلام فيها ولماذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالاشتراكية مذهب سياسي واقتصادي ينكر وجود الله -تعالى-، ويرى أن البشر شركاء في الأموال والنساء، ولا يعترف بالملكية الفردية إلا في نطاق ضيق. وحكم الإسلام في الاشتراكية أنها مذهب كفري يحرم اعتناقه أو الدعوة إليه، لما ينطوي عليه من الكفر الصراح، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 18674 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============(42/340)
(42/341)
الإسلام والمذاهب الاشتراكية
بقلم فضيلة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي
الإسلام هو الدين الرباني الذي ختم الله به دعوات الرسل وهدايتهم للبشر وهو دين خالد باق إلى قيام الساعة، له كتاب ضمن الله حفظه من التبديل والتغير والزيادة والنقص، وله سنة محمدية تفسر هذا الكتاب وتوضح معانيه وتبسط أحكامه، وتبين قواعده وتشرح فروعه، ولم يحصل مثل ذلك لأي كتاب من الكتب السماوية السابقة؛ لأنها كانت موقوتة بوقت محدود ينتهي العمل بها بانتهائه، أما القرآن والهداية المحمدية فهما باقيان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، لا ينسخهما ناسخ ولا يحدهما حد ولا يقف في طريقهما شيء، وإن بلغ أعداؤهما في الكيد والمكر كل مبلغ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} - سورة الصف - وقال تعالى في سورة آل عمران: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} وقال تعالى فيها أيضاً: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
فعلى كل من بلغه الإسلام بوجه تقوم به الحجة عليه أن يدخل فيه ويتبعه ويتمسك به وهو دين صالح لكل الشعوب في كل زمان ومكان، ومعناه التسليم والانقياد لأمر الله تعالى باللسان والقلب والجوارح، والإسلام في عقيدته وأحكامه وآدابه وهي الأخلاق وسط بين طرفين لا إفراط فيه ولا تفريط فهو يثبت في عقيدته توحيد الله تعالى في ربوبيته وعبادته وأسمائه وصفاته، لا يعطي منها غير الله سبحانه مثقال ذرة ولو كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو صديقا صالحاً.
فأما توحيد الله في ربوبيته فيتبين في نحو قوله تعالى في سورة المؤمنين: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ, سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ, قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ, سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ, قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ, سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ, بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
هذه محاجة أمر الله رسولهمحمدا صلى الله عليه وسلم أن يحاج المشركين بها فقال له: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعترفون بأن الله رب كل شيء وخالق كل شيء وهو المدبر لشئون الخلق كلهم ومع ذلك يعبدون معه غيره، قل لهم لمن الأرض ومن فيها من حيوان عاقل وغير عاقل ونبات بسائر أنواعه وجماد من خلق ذلكم ومن يملكه ومن يسيره فسيعترفون بأن الله وحده هو الذي يملك الأرض ومن فيها فقل لهم أفلا تذكرون، فلماذا تعبدون معه غيره بالخوف والرجاء والذبح والنذر والدعاء والطلب والالتجاء عند الشدائد والملمات مع أن أولئك الذين تعبدونهم فقراء عاجزون لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً فكيف بغيرهم؟ ثم قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} قل لهم يا محمد قل للمشركين من رب السموات وما فيها من الكواكب السيارة والنجوم وغير ذلك من الآيات من خلقها؟ ومن يدبر شؤونها؟ ومن رب العرش العظيم؟ الذي هو سقف المخلوقات ولا يعرف قدره إلا الله فإنهم سيعترفون ويقولون الله هو رب ذلك كله قل أفلا تتقون الله وتتركون ما أنتم عليه من عبادة غيره، ثم قال: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} أي من يملك كل شيء وغيره لا يملك شيئاً بل هو نفسه مملوك ومن السيد العظيم الذي يجير أي يحمي من شاء فلا يستطيع أحد أن يناله بأذى ولا يجار عليه ولا يستطيع أحد أن يحمي ويؤمن من أراد الله عذابه أو إهلاكه فسيعترفون ويقولون: الله وحده هو الذي يستطع ذلك ، فقل لهم:كيف تذهب عقولكم فتشركون مع الله غيره في عبادته، قال تعالى في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ, ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ, وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
قال في اللسان: "الرب في اللغة يطلق على المالك والسيد المدبر والمربي والقيم والمنعم ولا يطلق على غير مضاف إلا على الله عز وجل".ا هـ.(42/342)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "يخبر تعالى أنه خالق العالم سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، واختلفوا في هذه الأيام هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الذهن أو كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس. الشهادة.
وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قال فيه الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة، وهذا أحسن ما قيل في تفسيره فإن الاستواء في لغة العرب معلوم معناه وكيفية ذلك لا يعلمها إلا الله واعتقاد السلف الصالح إمراراً آيات الصفات كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل، ثم قال ابن كثير وقوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} أي يذهب ظلام هذا بضياء هذا وضياء هذا بظلام هذا وكل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً أي سريعاً لا يتأخر عنه بل إذا ذهب هذا جاء هذا وعكسه {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} منهم من نصب ومنهم من رفع وكلاهما قريب المعنى أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال منبهاً: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} أي له الملك والتصرف {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} كقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} الآية. قال صاحب اللسان: "وتبارك الله تقدس وتنزه وتعالى وتعاظم لا تكون هذه الصفة لغيره".ا هـ. والعالمون أجناس الخلق فهو ربهم ومالكهم والمتصرف فيهم وحده لا شريك له. وقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} قال ابن كثير: "أرشد تبارك وتعالى عباده إلى دعائه الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم قيل معناه: تذللاً واستكانة وخيفة كقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ}الآية. وفي الصحيحين عن أبى موسى الأشعري قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنّ الذي تدعون سميع قريب" الحديث. وعن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: "اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها, فقال: يا بني سل الله الجنة وعذ به من النار، فإني سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول: "يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور" ا هـ.
فرفع الصوت في الدعاء والابتداع فيه من الاعتداء الذي نهى الله عنه.
وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما بعد الإصلاح فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الفساد بعد
ذلك كان أضر ما يكون على العباد فنهى تعالى عن ذلك وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه فقال: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} أي خوفاً مما عنده من وبيل العقاب وطمعاً فيما عنده من جزيل الثواب ثم قال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي إن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}" قاله ابن كثير في تفسيره. ا هـ.
وأما توحيد العبادة فمعناه توحيد التوجه والطلب فإذا تقرر أن الله رب العالمين هو خالقهم ومالكهم ورازقهم ومدبر شؤونهم كلها وهو بكل شيء عليم وهو على كل شيء قدير وجب أن لا يتوجهوا في طلب جلب النفع ودفع الضر إلا إليه ولا يتخذوا من دونه ولياً ولا نصيراً واقتصر في الاستدلال على ذلك بآيتين في سورة فاطر وآيتين في سورة الأحقاف، ففي سورة فاطر قال تعالى بعد ذكر دلائل ربوبيته: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ, إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فأخبر سبحانه أن كل من يدعى من دونه كيف ما كانت مرتبته لا يملك للداعي شيئاً من نفع أو ضر وأن غيره لا يسمع دعاء الداعين ولو سمع لم يقدر على إجابتهم ولا إسعافهم بشيء مما طلبوا وإن المدعوين من دونه سواء أكانوا ملائكة أم رسلاً أم صالحين أم غيرهم سيكفرون يوم القيامة بدعاء من دعاهم في الدنيا وسمى دعاءهم شركاً ومعنى يكفرون يتبرأون.(42/343)
وفي سورة الأحقاف: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} فأخبر سبحانه أنه لا أضل ولا أبعد عن الحق ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب لهم إلى يوم القيامة وهو أي المدعو غافل عن دعاء الداعي إن كان من الأنبياء والصالحين فهو مشغول بما أعد الله له من الكرامة والنعيم، وإن كان من الطالحين فهو مشغول بما أعد الله له من العذاب الأليم وإذا حشر الناس يوم القيامة وعلم المدعوون بدعاء الداعين لهم كانوا لهم أعداء وكفروا بدعائهم وسماه الله عبادة وكذلك سماه رسول ا صلى الله عليه وسلم عبادة في الحديث الصحيح: "الدعاء هو العبادة"، وفي حديث آخر: "الدعاء من العبادة". رواهما الترمذي. وأما الأحكام فقد أحل الإسلام جميع الطيبات ولم يحرم منها شيئاً قال تعالى في سورة الأعراف: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وحرم الخبائث كلها ولم يبح منها شيئاً ومنها الخنزير والميتة والدم والخمر وكل مفسد للعقل الذي هو أعظم نعمة أنعم الله بها على البشر وأكل الربا والغصب والسرقة والغش والنجش وهو الاحتيال في البيع والقذف وهو اتهام المحصنات والمحصنين بالزنا، والزنا والسرقة وقطع الطريق وأكل أموال الناس بالباطل كالقمار وبيع الغرر وسائر أنواع الاحتيال.
وأما الآداب فقد جاء الإسلام بأكمل الآداب وأكرم الأخلاق، فمنها بر الوالدين وصلة الرحام بالإحسان إلىى الأقارب وإكرام الجار كيف ما كان جنسه أو لونه أو دينه وإطعام الطعام وإفشاء السلام وإكرام اليتامى والرفق بالضعفاء وإقامة العدل بين الناس، قال تعالى في سورة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ, وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} الآية. وأمر بإيفاء الكيل والوزن وأوعد على نقصهما بالويل قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ, الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ, وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}. وأمر بكظم الغيظ والعفو عن الناس، ومدح الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وذم التبذير والإسراف، وحث على الصدقة وذم الكبر والعجب والحسد والبخل والرياء والغيبة والنميمة والتجسس وقبول أخبار الفساق بدون تثبت وأمر بالصبر والتواضع والتواصي بالحق والتعاون على البر التقوى ووضع صلى الله عليه وسلم ميزاناً دقيقاً يميز المسلم الصادق من المنافق المدعي الكاذب، فقال فيما رواه البخاري ومسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". وفي رواية انفرد بها مسلم: "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم" . وقال النبي صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". رواه البخاري .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة". يعني من قتل شخصاً من غير المسلمين بينه وبين المسلمين عهد لا يشم رائحة الجنة، وسوى الإسلام بين جميع البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق التي لا تجدها في غيره أبداً ولو ذهبنا نعدده لطال بنا القول.
المذاهب الحديثة
(الاشتراكية الشيوعية)(42/344)
اعلم أيها القارئ الكريم أن للإسلام نظاماً اقتصادياً مستقلاً مخالفاً لنظام رأس المال والاشتراكيات بأنواعها والشيوعية كل ما يدعى في هذه المذاهب من خير فقد سبق إليه الإسلام قبل التفكير فيها بقرون كثيرة، وكل ما فيها من شر فقد ابتعد عنه وحذر أهله منه، فهو يخالف نظام رأس المال بفرض الزكاة في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم وما يخرج من الأرض من حبوب وثمرات والحق في المعدن والركاز وهو ما وجد مدفوناً في الأرض من الأزمنة السابقة وكذلك فرض كفارات، ككفارة الأيمان وكفارة الظهار وكفارة قتل النفس خطأ وكفارة الإفطار في نهار رمضان بلا عذر، وحرم الربا وبيع الغرر والبيوع الفاسدة، وبذلك ضمن التوازن النسبي في الممتلكات الثابتة والمنقولة، وحفظ الفقراء من استبداد الأغنياء واحتكارهم للثروة، ولم يحجر على أصحاب الكفاءات بل تركهم أحراراً في استخدام مواهبهم واكتساب الأموال بطرق مشروعة إذا أدوا حقهما، ومن أراد أن يجعل الناس سواء، فليس لجهله دواء، قال تعالى في سورة النحل: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} وسبب التفاضل في الرزق التفاضل في المواهب التي بها يكتسب الرزق، ولن يستطيع أحد من الأفراد والجماعات لا بسيف ولا مطرقة ولا محراث ولا بأي نوع من أنواع الإرهاب أن يجعل الناس في المواهب سواء، وإذا اختلفوا في المواهب فلا بد أن يختلفوا في الرزق سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، نزل المطر في أرض تثمر الكمأة بالعامية المغربية (الترفاس) فانطلق جماعة من الناس يبحثون عن الكمأة ثم رجعوا بعضهم حصل عشرين رطلاً، وبعضهم حصل رطلين، وبين هذين درجات كثيرة متفاوتة، فهل يجب على صاحب العشرين أن يقتسم مع صاحب الرطلين ؟ هذا جور وظلم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون، خرج ثلاثة صيادين إلى البحر فوضعوا شباكهم أو ألقوا سناراتهم فرجع كل واحد بما قسم له فهل يجب أن يخلطوا ويقتسموا ؟ لا، لا هذا ظلم وجور، خرج ثلاثة صيادين لصيد الحجل في الهضاب والغابات وآخرون لصيد الغزلان في الصحراء، فهل يجب أن يجمعوا ما حصلوا عليه ويقتسموا بالسوية ؟ لا، لا، هذا ظلم وجور، التفاوت في المواهب يستلزم التفاوت في الأرزاق لا محالة، ودواؤه فرض الزكاة والقرض بلا منفعة، وفرض الكفارات والحث على الصدقات.
(الاشتراكية الشيوعية)
الاشتراكية ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
الاشتراكية القومية وهي التي دعا إليها موسوليني وهلتر، وحاصلها أن يعتبر الشعب كله عمالاً والحكومة هي التي تتصرف في جميع الأموال فتعين لكل عامل عمله وأجره ولا يجوز لأحد أن يرفض ما عينته له الحكومة وليس إلا حزب واحد وعلى الشعب أن ينتخب حكومته من ذلك الحزب، فهو الوصي على الشعب الذي ينظر في مصالحه في سلمه وحربه، وغاية الحزب والحكومة أن يكون شعبه فوق جميع الشعوب غنى وقوة وسعادة ولكل فرد من أفراد الشعب الحق في الحصول على عمل وأجر يكفل معيشته وله الحق أن يدخر ويملك ما قدر عليه من الممتلكات المنقولة وغيرها بشرط أن يؤدي الضرائب المفروضة، والملاك يقولون إن تلك الضرائب ثقيلة وكثيرة حتى إنه لا يبقى لهم بعد أخذها إلا قليل يعيشون به ويدعون إن حال العامل أفضل من حالهم وأن الحكومة تحصى عليهم كل شيء. هذا مبلغ علمي فيما رأيته وسمعته ولكني لم أسمع قط بوجود رشوة.
أما المناصب العالية فهي خاصة للمنتسبين إلى الحزب، وهذا النظام لم يعمر طويلاً حتى يعلم صلاحه أو فساده ولما جر على أهله حرباً طاحنة أحرقت الأخضر واليابس فإن جمهور الشعب الألماني مقت هذا النظام ورفضه ولا يريد العودة إليه، ومن المؤسف أن بعض البلدان العربية اختارته وتمسكت به وعضت عليه بالنواجذ ودانت به مع أن أهله تبرأوا منه. هذا مع ما لهم من العلم والخبرة والتعاون والنجدة وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.
النوع الثاني:
الاشتراكية الديمقراطية، كالتي عليها حزب العمال البريطاني الحاكم وأحزاب أخرى في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها، وهذا النوع من الاشتراكية ليس فيه استبداد ولا خنق لحريات الشعوب وإنما يبنى على الدعاية ولا يمنع الملك الفردي لكنه يوجب أن تكون المصالح العامة كالمعادن والمناجم وسكك الحديد وما أشبه ذلك ملكاً للحكومة التي تمثل الشعب، فهذه الموارد يجب أن تكون ملكاً لعموم الشعب لا يستبد باستغلالها فرد ولا جماعة؛ لأن ذلك يفضي إلى احتكار بعض الأفراد أو الجماعات مقداراً كبيراً من الأموال والممتلكات على حساب أبناء جنسهم، وبذلك تنقسم الأمة إلى أغنياء طاغين قد تفاحش غناهم وتجاوز الحدود، وفقراء مدقعين قد تفاحش فقرهم فهم في غاية الذلة والاستكانة لا رأي لهم ولا كرامة موطوئين بالأقدام عبيداً أرقاء ليس لهم إلا السمع والطاعة وذلك ظلم وحيف في نظر الاشتراكية الديمقراطية، ولا تمنع هذه الاشتراكية وجود أحزاب مخالفة لها؛ لأنها كما قلنا لا تنشر مبادئها بالقهر والجبر بل بالدعاية والإقناع وتقدس حرية الرأي والكلام والعقيدة والعمل والتنقل.(42/345)
ولما كان هذا النوع من الاشتراكية يبيح الملك إلا ما تقدم استثناؤه خاف من تفاحش الغنى وتعاظم الثروة ففرض ضرائب تصاعدية على قدر الدخل والمحاصيل حتى لا تتسع المسافة بين الأغنياء والفقراء وهذه الاشتراكية لا تتعرض للدين ولا تتدخل في عقائد الناس وأقطابها متدينون معظمون لرجال الكنائس متفقون معهم وهم حاربون نظام رأس المال ويتهمون المتبعين له بأنهم كاذبون في ما يزعمونه من الدعوة إلى الحرية والديمقراطية لأنه متى لم تقيد الثروة بالقيود التي تقدم ذكرها طغى الأغنياء على الفقراء {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى, أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} فالرجل الذي يملك معامل أو مزارع أو متاجر تحتاج إلى آلاف العمال لا بد أن يفرض إرادته على أولئك العمال فلا يستطيعوا أن ينتخبوا غيره إذا رشح نفسه ليكون نائباً في مجلس النواب أو يكون عيناً في مجلس الأعيان، وهذا يتنافى مع تحقيق الحرية وإقامة العدل والمساواة التي يزعم أصحاب رؤوس الأموال أنهم أنصارها، أما أنصار عقيدة رأس المال فلهم حجج يدفعون بها عن أنفسهم منها الحكومة تستنكر الاحتكار على أفراد الشعب وجماعاته وتحرمه عليهم وتحله لنفسها، ومنها أن الاستيلاء على المصالح العامة يعطل حركة التنافس بين الأفراد والجماعات فيضعف النشاط ويقل الحماس ونتيجة ذلك قلة المحاصيل وفرق كبير بين من يشتغل لنفسه ويشتغل في ما يعود عليه بالنفع والخير العميم وبين عامل يعمل في مصلحة حكومية لا يهمه ربحها أو خسارتها وإنما يهمه الراتب الذي يحصله في نهاية الأسبوع أو في نهاية الشهر، هذا مع اتفاق الفريقين على حرية الرأي والعقيدة وسائر الحريات ولذلك نراهم متعايشين في شعب واحد متعاونين على ما يرون فيه الخير لأمتهم وإن اختلفت وسائلهم، وقد مضى على هذا النوع من الاشتراكية زمان طويل في بلدان مختلفة وظهر أنه صالح للبقاء عندهم.
النوع الثالث من الاشتراكية:
النوع الثالث من الاشتراكية التي يزعم أهلها أنها مقدمة للشيوعية، وتسمى (البولشفية) وهذا النوع يبنى على سلب جميع الممتلكات وجميع الحريات والمعتقدات ويجعل الإنسان آلة صماء يحركها الرؤساء فتتحرك ويقفونها فتقف، ويأمرونها أن تنطق فتنطق بما يشتهون وأن تسكت فتسكت، وأن تمدح فلانا فتقدسه في أول النهار، ثم يأمرونها أن تلعنه في آخر النهار ، فتأتمر ولا تفكر فالاشتراكي المخلص عندهم هو الذي يكون كالعقل الالكتروني وليس مقصودي بهذا الكلام أن أشتمهم، ولكني أريد بيان الحقيقة كما هي في نظري، وقد دخلت برلين الشرقية وبقيت فيها أياماً وأنا أذكر ما شاهدته وخبرته وتحققته.
فأما سلب الأموال والممتلكات فإنه لا يجوز لأحد أن يملك أرضاً ولا داراً ولا سيارة ولا متجراً ولا يملك إلا ثيابه التي على ظهره وإلا أجرة عمله بشرط أن لا يدخرها لو كان فيها متسع للادخار.
ودونك مثلا يعينك على تصور هذه الحقيقة، رأيت في برلين الغربية سنة 1954م بتاريخ النصارى قبل بناء سور برلين عجوزاً تسكن في غريفة حقيرة من الفندق الذي كنت فيه نازلاً فأخبرتني صاحبة الفندق أن تلك العجوز قبل الحرب كانت لها ثروة طائلة فلما انتهت الحرب بخسران ألمانيا أراضيها الشرقية استولى الشيوعيون على أملاكها كلها، ولم يبقوا لها منها شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً، وبقي لها جزء قليل من بيت في برلين الغربية وقد أعطاها الشيوعيون غرفة في بيت من برلين الشرقية وجعلوا لها أجرة لسد الرمق وفرضوا عليها أن تشتغل في كنس الشوارع فهي تشتغل مدة طويلة إلى أن يجتمع لها من كراء ذلك الجزء الضئيل الذي تملكه من ذلك البيت في برلين الغربية مقدار من المال فتنتقل إلى برلين الغربية وتستأجر غريفة رخيصة الثمن وتنفق مما اجتمع لها حتى ينقضي ثم ترجع إلى الجحيم.
أما بعد بناء السور الذي هو عكس ما قال الله تعالى: {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} فلا أدري ما فعل الله بتلك المسكينة وأمثالها من الأغنياء الذين قلب لهم الزمان ظهر المجن فأصبحوا بؤساء بين عشية وضحاها بسبب الاحتلال الروسي وفرض الحكم الشيوعي على ذلك الشعب المنكوب، ودونك مثلا آخر حدثنا شهود عيان أن أهل بيت من الأغنياء (ولا أقول أسرة ولا عائلة) من ألمانيا الشرقية لما دهمهم الاحتلال الروسي أمروا بإحضار طعام الضيافة للفاتحين الغزاة فأمروا خدمهم بذبح المواشي وطهي الطعام وتوجهوا إلى الغابة وعلقوا فيها حبالاً وقتلوا أنفسهم خنقاً لأنهم يعلمون أن الضيوف الثقلاء بعد أكلهم وشربهم الخمور يسلبونهم كل شيء حتى الخواتم التي في أصابعهم ويطردونهم من ديارهم ومزارعهم ويفرضون على كل من سلبوا أرضه أو داره أن يكون بعيداً من الأرض المسلوبة أو الدار المغصوبة والمعمل مسافة لا تقل عن ثلاثين كيلو مترا، ومتى وجد في مكان يقرب من ممتلكاته السابقة أقل من ثلاثين كيلو متراً يعاقب عقاباً شديداً.(42/346)
ودونك مثالا ثالثاً، من المعلوم أن الشعب الجرماني الذي يسمونه بالألماني من أرقى شعوب أوربة مدنية وحضارة لا يمتري في ذلك اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، وقد انقسمت هذه البلاد الجرمانية وهذا هو الاسم الذي سمتها به العرب في عام تخطيط البلدان بعد الحرب العالمية الأخيرة قسمين: غربي وشرقي، فالقسم الغربي مع ما أصابه من النكبات في زمان الحرب الطحون رجع أحسن مما كان يشهد بذلك كل مسافر وسائح رأى تلك البلاد فالمباني التي تهدم ثمانون منها في المائة بفعل قنابل الأعداء أعيدت أحسن مما كانت عليه، وكذلك المعامل والمزارع والطرق، هذا في القسم الغرب .
أما القسم الشرقي فإنه خراب كأنه انتقل من يد دولة متمدنة إلى دولة همجية، سافرنا بالسيارة من المغرب فعبرنا المضيق من سبتة إلى الجزيرة، وعبرنا أسبانيا ففرنسة فالقسم الغربي من ألمانيا وكان الطريق من كلونيا إلى هنوفر التي هي على حدود ألمانيا الشرقية من أحسن طرق أوربا مقسوماً قسمين بينهما حاجز وكل منهما تسير فيه أربع سيارات ولا تحتاج السيارة إلى توقف لأن السيارات التي تعبر الطريق عرضاً لها ممرات إما تحت الأرض وإما فوق الجسور وقد تعجب في ذلك سائق سيارتي تبرعا وهو الأخ الحاج أحمد هارون، فقال لي: أريد أن أجرب هل اضطر إلى نقص سرعة السيارة أم لا أضطر فبقي ساعتين بمقياس واحد لم يضطر إلى أن ينقص شيئاً منه وأسماء الأماكن وعلامات الطرق المختلفة والأضواء التي تقوم مقام شرطة المرور كل ذلك في غاية الإتقان بحيث قلما يحتاج المسافر إلى أن يسأل عن شيء أو يضل طريقه هذا في القسم الغربي.
أما في القسم الشرقي فالأمر بعكس ذلك الطريق مهمل لم يصلح منذ سنين كأنه صحراء وليس فيه علامات ولا أضواء فتجد السائحين ضائعين يسأل بعضهم بعضاً ولا هادي ولا مرشد.
والشعب الذي يسكن القسمين شعب واحد لا يختلف إلا في نظام الحكم، وهناك مثل آخر وهو برلين الغربية، وبرلين الشرقية، من المعلوم أن مدينة برلين مدينة واحدة كانت عاصمة جرمانية كلها قبل الحرب، وبعد هزيمة الجرمانيين في الحرب العالمية الأخيرة أصبحت برلين جزيرة في بحر ألمانيا الشرقية تحيط بها أراضي ألمانيا الشرقية من جانب، فاقتسمه الغالبون فأخذ الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون القسم الغربي منها وحكموه مدة ثم سلموه إلى حكومة ألمانيا الاتحادية، أما القسم الشرقي فبقي تابعاً لحكومة ألمانيا الشرقية تحت نفوذ الروسيين، وكل من زار قسمي برلين الشرقي والغربي لا يكاد ينقضي عجبه، يرى القسم الغربي وسكانه ثلاثة ملايين يعيشون في أرغد عيش في غاية الرفاهية والازدهار فترى المخازن والمتاجر ملأى بأنواع التحف والبضائع والمطاعم والمشارب والحدائق والملاعب والشوارع غاصة بأجمل السيارات والمباني التي تهدمت كلها في زمان الحرب قد أعيد بناؤها حتى صارت أجمل مما كانت وترى السكان يرفلون في أفخر الثياب والزي، أما إذا أردت أن تدخل إلى برلين الشرقية فإنك تجيء إلى مدخل السور وتسلم جواز سفرك وتعطي بطاقة صغيرة وتقف مع صفوف الواقفين حتى يجيء دورك فتنزل إلى سرداب تحت الأرض وتنتظر حتى تمتحن في أربعة مكاتب بأسئلة وأجوبة والمكتب الرابع بعد ما يعرف مقدار ما عندك من النقود ويسجلها يرد لك الجواز، فتدخل في القسم الشرقي وتجده يبابا خراباً كأن خيلا أغارت عليه ونهبته، وأبدلت سعده نحساً ونضرته كآبة وسعادته شقاء، فلا مباني تعجبك ولا أسواق ولا مطاعم ولا سيارات جميلة ولالا بضائع في المخازن والناس في ثياب حقيرة والنساء لابسات ثياباً خسيسة، فكأنك خرجت من عالم إلىعالم ، فإن قلت: وما الموجب لبناء السور؟ فالجواب أن الشيوعيين أو الاشتراكيين كما يجبون أن يدعوا يزعمون أنهم وحدهم يعيشون في النعيم في الحرية والديمقراطية والعالم كله يعيش في شقاء(42/347)
العبودية تحت نظام رأس المال الطاغي أو الاستبداد الظالم ولكن رعاياهم لا تصدق هذا الزعم، ولذلك لم يزالوا يفرون من ذلك الفردوس المزعوم إلى برلين الغربية فتنقلهم الطائرات إلى برلين الغربية حيث يستنشقون نسيم الحرية ويشعرون بأنهم أحرار يسيرون في أرض الله الواسعة حيث يشاءون فلما عجزت حكومة ألمانيا الشرقية تحت المراقبة الروسية أن تقنعهم بما تزعم من الدعاوى أرادت أن تضرب سوراً على ذلك الفردوس وتنصب عليه الأسلاك الشائكة والرشاشات والحرس المسلح ليلا ونهاراً حتى لا يفر واحد من فردوس الشيوعية ونعيمها إلى عذاب نظام رأس المال وجحيمه، ومع ذلك كله لم تنقطع الهجرة والفرار وقد هرب من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية بواسطة برلين الغربية منذ نهاية الحرب أكثر من أربعة ملايين وحتى بعد بناء السور لا يزال الناس يهربون ويتركون بيوتهم وأمتعتهم ويفرون بأنفسهم مؤثرين الحرية على كل شيء سواها من متاع الدنيا، وحوادث هذا الفرار لا تزال تتلى صباح مساء في الإذاعات على مسامع القراء وما أحسن المثل العامي الذي يقول: (حتى كلب ما هرب من دار العرس) معناه بالفصحى: (لا كلب يفر من الدار التي تصنع فيها وليمة العرس بل بالعكس كل كلب يحب أن يأتيها لينال من فضلات الطعام) ومن أغرب ما سمعته من إذاعة لندن في هذا الصدد أن خمسة وعشرين شخصاً اتفقوا على أن يحفروا نفقاً يبتدئون من دار أحدهم وكانت داره بقرب السور فقضوا مدة في الحفر كل ليلة يحفرون ساعات ويقومون بأعمالهم المفروضة عيهم في النهار حتى وصلوا النفق إلى مبنى في القسم الغربي ولما انتهى النفق خرجوا كلهم ذات ليلة وتركوا الدار تنعي من بناها، وهناك حوادث كثيرة طريفة وعجيبة يعرفها من يتتبع مثل هذه الأخبار.
وأما سلب الحريات فيجب على كل عضو في الحزب أن يكفر بجميع الأديان وأن يؤمن بعصمة شارل ماركس في كل ما شرعه واعتقده ولينين، وكان ستالين ثالث ثلاثة إلى أن خلعه نائبه وشريكه في كل ما ارتكبه خروتشوف بعد وفاته فبطلت قدسيته عند بعض الشيوعيين وبقيت ثابتة عند بعضهم، أما من لم يكن من المشتركين في الحزب فيجوز له أن يقول إنه مسلم أو نصراني بشرط أن لا يرد شيئاً ولا ينتقد شيئاً من نظام شارل ماركس ولا من الأنظمة التي يضعها الحزب الشيوعي ومع ذلك يكون محتقراً موضع سخرية واستهزاء.
أما في السياسة فلا يجوز له أن يعتقد إلا سياسة الحزب وإن تناقضت يتناقض معها فكل الزعماء الذين رفضهم الحزب يجب على جميع الناس أن يقلبوا لهم ظهر المجن ويذموهم بعدما مدحوهم أعظم المدح كتروتسكي ومالينوف ومولوتوف وخروشوف. وأما ستالين فقد تقدم خبر رفعهم له إلى درجة التقديس ثم خفضهم له إلى درجة الإجرام.
وأما حرية العمل فهي معدومة، فيجب على كل إنسان ذكراً كان أو أنثى أن يقبل العمل الذي تفرضه عليه الحكومة في المكان الذي تعينه له بالأجر الذي تعينه له والساعات التي تعينها له ولا يجوز له أن ينتقد شيئاً من ذلك، وإلا صار متهماً بالخيانة واستحق العقاب الشديد على قدر انتقاده وكذلك حرية التنقل والسفر إلى الخارج لا يجوز لأحد أن يفكر فيه وقد شاهدت في برلين الشرقية الصبيان في سن أربع عشرة سنة يوبخون والديهم ويتهمونهم بالرجعية وعدم الإخلاص للحزب والجمود على الأفكار السخيفة والآباء والأمهات يخافونهم، والواجب على كل ملك ورئيس من رؤساء المسلمين أن يحفظ شعبه من هذه المذاهب التي تجلب الشقاء والشر ويجب أن تسمىسل بحق الشعوب إذا كان غلاة الشيوعيين وكلهم غلاة يسمون الدين أفيون الشعوب فنحن نسمي نحلتهم سل الشعوب ولسنا من المؤثرين المحتكرين حتى نتهم بأننا نعارضهم محافظة على أموالنا ولكن النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أوجب علينا أن ننصح لجميع الشعوب وخصوصاً المسلمين أن يبتعدوا من جميع أنواع الاشتراكية اسماً وعقيدة وعملاً، ففي ما جاء به كتاب الله وسنة رسول ا صلى الله عليه وسلم غنية لهم وكفاية، ومن لم يسعه ما وسع السلف الصالح فلا وسع الله عليه:
ومن لم يسعه ما أتى عن محمد
فلا وسع الرحمن يوماً على الغر
أما التسمية فقد قال الله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} آخر سورة المؤمنين.(42/348)
وأما العقيدة والعمل فقد تقدم أن الإسلام سبق إلى كل خير وتجنب عن كل شر وكل ما يدعونه من المواساة وابتغاء العدالة بين أفراد الشعب ظهر أنه غير صحيح، فقد أخبرني السيد أحمد موسلر المسلم الألماني في بيته ببرلين الغربية، قال: كنا نعيب على حكومة هلتر أنها تدعي الاشتراكية لتحقيق المساواة بين أفراد الشعب ومع ذلك كان طعام الضباط يختلف عن طعام الجنود فكان للضباط مطبخ فيه ألوان من الطعام ولعامة الجنود مطبخ آخر فيه ألوان دونها في الجودة فلما انهزم الجيش الألماني وقعت في أسر الروسيين فأخذوني إلى موسكو وبقيت هنالك سنتين فرأيت للجيش الروسي خمسة مطابخ بعضها أعلى من بعض يعني أن الطعام عندهم خمس درجات الدرجة العليا لكبار الضباط والثانية للمتوسطين والثالثة للصغار والرابعة للعرفاء والخامسة لعامة الجند، قال: فعلمت أن كلا الفريقين في دعواه الاشتراكيون القوميون والاشتراكيون الشيوعيون كلهم مخادعون، وصدق الله العظيم إذ يقول في سورة البقرة: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ, إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ, وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
…
من صفات المؤمن
قال الحسن البصري:
"من أخلاق المؤمن: قوة في دين، وحزم في لي ، وحرص على العلم، وقناعة في فقر، وعطاء في حق، وبر في استقامة، وفقه في يقين، وكسب في حلال".
=============(42/349)
(42/350)
الجزائر .. سقوط الاشتراكية
مجلة البيان - (ج 17 / ص 99)
صوّت الشعب الجزائرى يوم 23/2/1989 على دستور جديد للبلاد ، وكان أهم ما في هذا الدستور إسقاط لفظة "الاشتراكية" التي كانت مفروضة فرضاً ، كما كفل الدستور الجديد -في ما كفل - حرية الرأي وحرية المراسلات والاتصالات الخاصة بكل أشكالها ، وكذلك كفل حرمة المساكن وعدم انتهاكها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مكتوب .
ولاشك أن ذلك مما يفرح به المسلمون في كل مكان ، ولكن العبرة ليست في النصوص المكتوبة ؛ وإنما العبرة في التطبيق العملي لهذه النصوص ، فكم من الدساتير من يشيد بالحرية ويعتبرها أساس حق المواطن ، ولكن ذلك لا يعدو أن يكون حبراً على ورق .
ومن أجل انتهاك الحريات ، والتسلط على رقاب الناس لا يعدم المتسلطون وسيلة ينفذون بها ذلك تحت أنواع كثرة من التسويفات والذرائع ، ويضربون بالدساتير وموادها عرض الحائط .
والمشكلة مشكلة أخلاقية في الأساس ، بل مشكلة خراب عقائدي وفراغ مبدئي . وما لم يصلح هذا الخراب ، ويسد هذا الفراغ بعقيدة صالحة فإنه لا الدساتير المكتوبة ولا الإجماع عليها يحل المشكلة .
فمن الذي يضمن أن لا يتحول الفساد الذي كان يقترف في ظل النظام الاشتراكي إلى فساد يمارس في ظل نظام يتجه إلى الرأسمالية ؟ فالفساد هو الفساد مهما تستر ، وبأي لون ظهر ، ومشكلة المفسدين أنهم أينما تميلهم الريح يميلوا ، وبما أن هذه الفترة فترة إفلاس للاشتراكية : الحقيقة والمستوردة المزورة ؛ فإنه من المرجح أن ينقلب هؤلاء الذين كانوا بالأمس يسبحون بها بكرة وعشياً إلى لعانين لها كاشفين لسوءاتها . وإذا أردنا دليلاً على ذلك فما حدث في مصر في عهديها الاشتراكي والانفتاحي يشكل النموذج .
إن المخرج الحقيقي من هذا العناء المتعدد الجوانب الذي تعانيه هذه الشعوب هو أن تستمد حكوماتها شرعيتها من عقيدتها ودينها ، وتقتبس ضمانات العدالة فيها من مبادئها وتراثها ، فإن المنطق الصحيح ، والتجربة العملية أثبتت أن هذه الشعوب لن تحترم شيئاً يأتيها من شرق أو غرب ، ولن تدين بالولاء لأساليب مستوردة يفرضها عليها أذناب الاستعمار وخدم أعداء الإسلام . والولاء الذي نقصد ليس الخضوع الذليل لجبروت التسلط ، فهذا ولاء كاذب غير مضمون العواقب ، ولكن الولاء النابع من القلب الذي ينتج عنه التوافق المنتج ، والتطور المبدع بين الشعب والسلطة .
===========(42/351)
(42/352)
دور الدول الاشتراكية في تكوين إسرائيل
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 24 / ص 177)
المؤلف:الدكتور إبراهيم الشرقي
هذا الكتاب خطير ومهم لأنه أحد الكتابات النادرة في موضوعه ولأنه يضم وثائق وحقائق عن الدور الكبير الذي قامت به الدول الاشتراكية في سبيل إقامة دولة إسرائيل وتدعيمها وهو الدور الذي تسكت عنه جميع أجهزة الإعلام في البلاد العربية ويتناساه دعاة الشيوعية عندما يتبجحون بالإمدادات العسكرية السوفيتية لبعض الدول العربية الموالية لها.
يعرض الكتاب دور الاتحاد السوفيتي بخاصة وبعض الدول الاشتراكية بعامة في خمسة مجالات تخدم إسرائيل ويخص كل مجال بفصل مستقل.
ففي مجال تأسيس دولة إسرائيل: يورد المؤلف الوثائق التي تبين اهتمام السوفيت بإقامة إسرائيل والوفود التي أرسلتها منذ عام 1919 إلى يهود فلسطين لإقامة الحزب الشيوعي اليهودي وتشكيل فرقة منهم لحماية اليهود والمبالغ التي خصصتها لشراء أراضٍ لليهود الروس في فلسطين ويظهر حقيقة تذكرها جميع مصادر اليهود في ذلك الوقت وهي أن الأموال الواردة من الاتحاد السوفيتي لشراء الأراضي تشكل 40% من صندوق الأموال اليهودية العامة وهذه أعلى نسبة واردة من دولة واحدة.
وفي المجالس السياسية: يبين الدور السياسي الكبير الذي لعبه السوفيت في فرض التعويضات الألمانية لليهود وفي حملتهم الشديدة التي شنوها- هم وبقية دول الكتلة الشرقية- في الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بشرعية الكيان اليهودي في فلسطين ودعمهم لمشروع التقسيم وإصرارهم عليه ومواقفهم الكثيرة المؤيدة لتأسيس دولة إسرائيل والمحفوظة في وثائق الأمم المتحدة. ويقدم المؤلف صورا لبعض هذه الوثائق.
وفي مجال الهجرة اليهودية يبين إسهام الاتحاد السوفيتي في تدعيم الوجود الصهيوني بشريا حيث بلغ عدد اليهود الوافدين إلى فلسطين من روسيا خلال الأعوام 1921- 1939 نحو 165 ألف يهودي بينهم مجموعة من الضباط وصف الضباط ويضاف إلى هذا العدد الضخم 285 ألفا من أوروبا الشرقية.
وفي مجال التسليح العسكري يبين أن الأسلحة التي حصل عليها اليهود وحاربوا بها عام 47- 48 كانت من دولة أوروبا الشرقية وقد استولى عليها الشيوعيون في أعقاب الحرب الثانية, وبأمر من موسكو سمح للبعثة اليهودية أن تشحن ما يلزمها من معدات حربية على بواخر يوغسلافية ورومانية إلى ميناء حيفا، ولولا هذه الأسلحة وأسلحة ثقيلة أخرى، وطائرات زودتها بها روسيا ودول الكتلة الشرقية، لما استطاعت إسرائيل أن تثبت إقدامها بعد يوليو 1948 م.
وفي المجال الاقتصادي: يتحدث عن علاقات روسيا وبقية دول الكتلة الشرقية بإسرائيل اقتصاديا، ويبين أن أول اتفاق وقعته إسرائيل كان مع روسيا في عهد ستالين، تلته عدة اتفاقات في عهد خروتشوف، إضافة إلى الاتفاقيات الثقافية والسياحية والملاحة التجارية.
ومازالت هذه الاتفاقيات متوالية ويعرض المؤلف مقتطفات منها تبين دعم دول هذه الكتلة الكبيرة لاقتصاد إسرائيل.
وبعد: فالكتاب وثيقة مهمة يتضمن مستندات من محاضر جلسات هيئة الأمم المتحدة وسجلاتها و بعض التقارير السرية الدولية ووثائق الاتفاقيات بين إسرائيل والدول الاشتراكية، وبعض الرسائل السرية بين رؤساء الدول الغربية، والنشرات التي أصدرها اليهود في أوروبا وأمريكا بالإضافة إلى مذكرات أقطاب الصهيونية وكتبهم أمثال وايزمن وزاندا وأراماند شنتر وجون سوريل وغيرهم. والكتاب يضيء جانبا يحرص المضللون والعملاء والشيوعيون على أن يبقى مظلما، ومن الضروري أن ينتشر ويميز الحق من الباطل وهو مناسب فكرةً وأسلوباً لجميع المستويات.
عرض وتحليل: د. عبد الباسط بدر
================(42/353)
(42/354)
السنن الاجتماعية الإلهية في تغيير المجتمعات الإنسانية
د. حاكم المطيري* 4/3/1424
05/05/2003
لله عز وجل سننه الاجتماعية في نشأة المجتمعات الإنسانية وقوتها وضعفها، التي لا تتخلف نتائجها عن مقدماتها، ولا تنفك أسبابها عن مسبباتها، كما قال سبحانه:(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62) ، وقد جعل الله سبحانه الظلم سبباً لخراب العمران، ومفضياً إلى ضعف الأمم وسقوط المجتمعات
الإنسانية كما قال تعالى :(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود:117) ، أي - كما قال المفسرون -: ما كان الله ليهلك أهل القرى بسبب الظلم، أي: الشرك به، ما داموا مصلحين بإقامة العدل والحقوق فيما بينهم، والإصلاح في شؤون حياتهم، ولهذا لم يهلك الله سبحانه كل من أشرك به حتى يزيد على ذلك الفساد في الأرض بالظلم والطغيان، كما أهلك فرعون وثمود وعاد بطغيانهم وعتوهم، وقوم شعيب بتظالمهم في الميزان فيما بينهم، وقوم لوط بفسادهم و انحلالهم ...إلخ.
وهذا معنى قول شيخ الإسلام :"إن الله يقيم الدولة العادلة؛ وإن كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة؛ وإن كانت مسلمة"، وتاريخ الأمم والشعوب وحاضرها أصدق شاهد على صحة هذه السنة الاجتماعية واطرادها، والقياس الصحيح قاض باعتبار هذه القاعدة واشتراطها، فحيثما وجد العدل والإصلاح وجد الاستقرار والازدهار، وحيثما وجد الظلم والفساد وجد التخلف والدمار .
ومن السنن الإلهية الاجتماعية أن جعل الله مناط ذلك كله بمن يملك القدرة على تحقيق الإصلاح و إقامة العدل، أو عكسهما من الإفساد والظلم، وهم الملأ و أهل الحل والعقد؛ أي: من بيده السلطة والدولة، لا عامة الناس ،كما قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء:16) ، وفي قراءة " أمّرّنا " أي: جعلناهم أمراء فيها، فأفسدوا فيها .
ولم يقم دين سماوي شرعي، ولا مذهب أرضي وضعي إلا بقيام سلطة ودولة تتجلى فيها مبادئهما، وتنفذ على أرضها شرائعهما، ولا يتنكب عن ذلك أهل ملة، و لا يتجنبه أهل نحلة؛ فتقوم لمذهبهم دولة، فما كان ذلك قط، ولن يكون أبدا؛ بل تظل الأديان والفلسفات نظريات ذات أثر فردي محدود، قد يتحقق باعتناقها صلاح دنيوي أو أخروي لا يتجاوز نطاق الأفراد أبداً، ولا يصل إلى دائرة المجتمع ومجالات حياته ليصوغها وفق قيمه وتشريعاته، كما قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) .
ومن ينظر في تاريخ الأمم والشعوب يرى ذلك جلياً واضحاً، فلم يصبح الإسلام واقعاً يعيش المسلمون تحت عدل تشريعاته ورحمة أحكامه إلا بعد قيام دولته في المدينة، وكذا استطاع الشيخ المجدد (محمد بن عبد الوهاب) تحقيق مشروعه الإصلاحي بعد إقامة الدولة في الدرعية، وهو ما لم يستطع تحقيقه المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية الذي سبق إلى الدعوة إلى السلفية التي ظلت مضطهدة؛ حتى استطاع الشيخ محمد إقامة دولة تؤمن، بها وتذود عنها، وتدعو لها، ولم يعرف الغرب النظم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما كانت حلما يراود المفكرين، وفكرة تطوف بخيال المصلحين فلم تصبح واقعا يعيشه الغرب إلا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789م، بعد أربعة قرون من التضحيات ذهب فيها آلاف من المفكرين ورجال الدين والأدباء والعلماء حتى تحقق حلمهم، وقامت دولتهم وكذلك كان حال الاشتراكية قبل الثورة البلشفية سنة 1917م ، فقد ظلت نظرية منذ أن فلسفها وقعد لها (ماركس) في كتابه (رأس المال)، وظن أنها ستقوم في ألمانيا، حتى نجح (لينين) في تحويلها إلى مشروع ثورة ونظام دولة، وقد استطاع الاشتراكيون والشيوعيون في كل دولة قاموا فيها من خلال الوصول إلى السلطة بتطبيق نظرياتهم لتصبح أكبر دول العالم وأعرقها في النظم الإقطاعية، كروسيا والصين دولاً ومجتمعات شيوعية اشتراكية.(42/355)
وما كان مثل ذلك التحول الخطير والعميق ليحدث في تلك المجتمعات ولو دعا الاشتراكيون إلى هذه النظرية وبشروا بها ألف سنة؛ لولا وصولهم إلى السلطة وقيادتهم للدولة، وكذلك كان حال الثورة الأمريكية التي لم تر مبادئها النور ، ولم تصبح واقعاً يعيشه الشعب الأمريكي إلا بعد الثورة وقيام الدولة ، وهذا ما حصل لنظرية الفقيه (الولي) التي لم تصبح واقعاً يعيشه الشيعة (الجعفرية) في إيران إلا بعد الثورة الشعبية الإيرانية سنة 1979م ، لتقوم لهم أول دولة بعد قرون من انتظار (المهدي) وليبدأ الفقيه (الجعفري) بتنظيم شؤون المجتمع، وصياغة حياته، وحل مشكلاته ونوازله التي لا عهد له بها وفق أحكامه وتصوراته، وما كان ذلك ليتحقق لقادة تلك الثورة وأصحاب تلك النظرية الحديثة لولا إدراكهم للسنن الإلهية الاجتماعية في تغيير واقع المجتمعات، وهذه قاعدة لا تتخلف أبداً ولا تحابي أحداً، فلم يعرف تاريخ الأمم في ماضيها وحاضرها حركة اجتماعية سياسية استطاعت الوصول إلى تحقيق حلمها وإقامة مشروعها بغير هذا الطريق، ومن هنا ندرك جانباً من جوانب المشكلة التي يعيشها المسلمون منذ سقوط الخلافة ودخول الاستعمار.
لقد ضل أكثر علمائهم ودعاة الإصلاح فيهم عن هذه السنن الإلهية الاجتماعية التي جاءت بها الهدايات القرآنية وأكدتها التجارب الإنسانية وظل أكثرهم بعيداً عن واقع الأمم المعاصرة ومعرفة أسباب نهضتها وقوتها وتطورها، بينما يعيش العالم الإسلامي -والعربي على وجه الخصوص- تخلفاً خطيراً، حتى جاءت مجتمعاته ودوله في أدنى مستويات التنمية والحرية وحقوق الإنسان؛ بل و في جميع مجالات الحياة، كما جاء في آخر تقارير الأمم المتحدة عن التنمية في دول العالم العربي، ومع ذلك لا يزال المصلحون يظنون أن بصلاح الأفراد يتحقق الإصلاح العام، وأنه كما تكونون يولى عليكم، وأن المستقبل لهذا الدين، وما على الدعاة إلا الاستمرار بالدعوة إلى الله وتربية الأجيال، ونشر العلم وإقامة المشاريع الخيرية، وترقب النصر!
ولا شك في أهمية كل ذلك، وأنه طريق إلى مرضاة الله وجنته؛ إلا أنه لا يكون عادة، و لن يكون أبداً طريقا إلى تحقق نصرته، و إقامة دولته لمخالفة ذلك لسننه الاجتماعية، وهدايته القرآنية في أسباب قيام الدول، وأسباب سقوطها .
إن الدعوة الإسلامية المعاصرة بجماعاتها وتجمعاتها وعلمائها ودعاتها تملك من الطاقات والإمكانات ما لم يتوفر للحركات الإنسانية الإصلاحية الأخرى كالثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، والثورة الروسية ...الخ، كما أنها بذلت من الجهد وقدمت من التضحيات منذ سبعين سنة إلى يومنا هذا ما لم تبذل مثله الحركات
الأخرى، ومع ذلك نجحت هذه في الوصول إلى تحقيق أهدافها، وإقامة مشروعها، بينما أخفقت الدعوة الإسلامية في الوصول إلى هدفها؟!
لقد تنكبت الدعوة الإسلامية المعاصرة عن السنن الإلهية الاجتماعية المؤدية إلى الهدف، ولم تكتف بذلك؛ بل دعت إلى مفاهيم وعقائد تحمل في طياتها بذور فنائها كحركة إصلاحية من حيث تظن أنها بذور حياتها ونمائها، وفشلت حتى في معرفة أسباب إخفاقها فلجأت إلى تبريره تارة بدعوى أن هذا من الابتلاء الذي لا بد منه لكل دعوة، وأنه لا بد من الاستمرار في الدعوة إلى الله والصبر على الأذى وترقب النصر؟! وتارة بتعليق النصر على شروط يستحيل عادة تحققها كضرورة عودة الأمة كلها إلى دينها، وأنه كما تكون الأمة يولى عليها، وهو ما يصادم حقائق التاريخ وشهادة الواقع؛ بل و يصادم سنة الله في ظهور الإسلام نفسه الذي بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ، فلم ينتظر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل إقامة دينه ودولته إيمان أهل مكة كلهم به، ولا اتباع العرب قاطبة له؛ بل سعى إلى تحقيق هدفه وهو في مكة فكان يعرض نفسه على من ينصره، كما في قصته مع بني شيبان الذين أدركوا هدفه، وعرفوا مقصده فقالوا له:"إن هذا الذي تدعونا إليه مما تكرهه الملوك، وإن
كسرى قد أخذ علينا عهداً أن لا نؤوي محدثا، فإن أردت أن نمنعك مما يلي العرب فعلنا، فقال لهم :"ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق إلا أن هذا الدين لا يصلح إلا من أحاطه من جميع جوانبه " فقد أدرك بنو شيبان أنه يريد إقامة دولة تذود عن هذا الدين وتقاتل دونه، فلما جاء الأنصار بايعهم البيعة الأولى على الإيمان بالدين، وبايعهم الثانية على إقامة الدولة بالسمع والطاعة له، والذود عنه، و قاتل بمن أطاعه -وهم عصابة قليلون، ومن عصاه هم عامة العرب- أخذاً منه صلى الله عليه وسلم بالسنن الإلهية الاجتماعية في أسباب ظهور الأديان وقيام الدول.(42/356)
لقد غابت كل هذه الحقائق عن عامة رجال الدعوة المعاصرة، وما زال أكثرهم يظن أنه بالإمكان العيش في مثل هذا الزمان مع صحة الإيمان واستقامة الأديان دون حاجة إلى دولة، أو أن هذا الواقع الذي نعيشه لم يبلغ في انحرافه حد اعتقاد جاهليته، وأنه بالإمكان إصلاح الخلل وتدارك العطل بالدعوة والدعاء والموعظة الحسنة دون إدراك لما آلت إليه أمور العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، منذ دخول الاستعمار الغربي الذي ما زال المؤثر الرئيس في مجريات شؤونه إلى يومنا هذا ؟!
إن من الأسباب التي تحول دون الوصول إلى تحقيق الهدف ما له ارتباط بعقائد ومفاهيم استقرت منذ القرن الثاني، كالموقف من السلطة وما لها وما عليها، كما قال سفيان الثوري: " تركوا لكم دينكم فاتركوا لهم دنياهم " ! وهذه المفاهيم على فرض صحتها ومشروعيتها قد تكون مقبولة بعد قيام الدولة واستقرارها، كما في صدر الإسلام لا بعد سقوطه، أوحال غيابها كما في العصر الحديث بعد زوال الخلافة ،وسقوط الأمة تحت الاستعمار ونفوذه ومخططاته.
ومن الأسباب التي تعيق الدعوة عن تحقيق هدفها فهم الدين ذاته، ومعرفة أبعاده في الحياة السياسية والاجتماعية، فما زال أكثر علماء الدعوة ودعاتها يخلطون بين مفهوم الدين ومفهوم التدين، فهم يدعون في الواقع إلى التدين لا إلى الدين بشموليته، ولهذا صاروا يولون كل اهتمامهم بتربية الأجيال، وتعليمهم أمور دينهم دون وجود هدف أبعد من ذلك يسعون إلى تحقيقه . كما صار أكثرهم يدعو إلى العودة إلى الدين وتنفيذ أحكامه وإقامة شرائعه؛ فلا يجد لدعوته صدى اجتماعياً كبيراً، بعد أن أسقطوا الإنسان وحقوقه وحريته من خطابهم ، أو همشوا دوره، إذ لم يعد الإنسان في خطابهم هو الهدف والغاية؛ بل الهدف عندهم هو الدين ذاته، بينما الهدايات القرآنية و التجارب الإنسانية تؤكد أن نجاح أية حركة اجتماعية إصلاحية مرتبط أشد الارتباط بمدى عنايتها بالإنسان نفسه، واهتمامها به وهذا السبب ذاته الذي أدى إلى دخول الناس في دين الله أفواجا، فقد كان النبي رحمة للعالمين كافة، مسلمهم وكافرهم ، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، فقد دعاهم وهو في مكة بعد توحيد الله إلى المساواة بين الأغنياء والفقراء، والشرفاء والضعفاء، والسادة والعبيد، وأنهم جميعا في الإنسانية سواء كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وهذا ما كان الإنسان في حاجته في مجتمع جاهلي قائم على الطبقية والعصبية، وهذا ما أنف منه كبراء مكة، حتى طلبوا منه - صلى الله عليه وسلم - مجلساً خاصاً بهم يحدثهم فيه، كما دعاهم إلى العدل والقسط، وهو الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال تعالى: )لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(الحديد: من الآية25)، كما دعاهم إلى تحرير العبيد ومؤاخاتهم ...إلخوكل أحكام الشريعة إنما جاءت من أجل هذا الإنسان، وبما فيه صلاح دنياه وأخراه، غير أن هذه المعاني التي أدت إلى سرعة ظهور الإسلام، وسرعة قبول الأمم له لم تعد من أولويات الدعوة المعاصرة، ولهذا غلب على خطابها الوعظ والإرشاد والتعليم والتثقيف، مما لا يستثير اهتمام العامة، ولا يخاطب نفوسهم البشرية التي تتوّق إلى العيش الكريم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة، ولهذا كان النبي يعد أصحابه ويبشرهم بالنصر والظهور والحياة العزيزة وهو في مكة، ولم تنجح الحركات الاجتماعية الإنسانية في الوصول إلى أهدافها إلا بعد أن جعلت الإنسان وتطلعاته محور اهتمامها. فقد كانت حقوق الإنسان وحكم الشعب الأساس الذي قامت من أجله الثورة الفرنسية الديمقراطية ، وكان الاستقلال والحرية الهدف الذي من أجله قامت الثورة الأمريكية الليبرالية، وكانت الاشتراكية والعدالة الاجتماعية شعار الثورة الروسية الشيوعية، وكان رفع الظلم ونصرة المستضعفين وإنهاء عهد الاستبداد شعار الثورة الإيرانية، ولهذا نجحت كل هذه الثورات الإنسانية في تحريك الشعوب، والوصول إلى إقامة دولها وفق تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها؛ بل تجاوزت في أثرها حدودها الإقليمية إلى الدائرة العالمية، حيث صارت نماذج تتطلع شعوب كثيرة إلى تحقيقها، كما في الثورات الاشتراكية التي اكتسحت العالم بعد الثورة الروسية، وحركات التحرر والاستقلال بعد الثورة الأمريكية، والثورات الديمقراطية بعد الثورة الفرنسية...إلخ، بينما لم يحدث شيء من ذلك في العالم الإسلامي، خصوصا بين أهل السنة الذين يمثلون أكثر الأمة مع كثرة جماعاتهم وحركاتهم ودعاتهم ؟!
إن الأسباب التي تعوق الدعوة الإسلامية المعاصرة عن الوصول إلى مرحلة التمكين كثيرة غير أنه يمكن حصرها في :(42/357)
1-العقائد والمفاهيم التي تحول دون العمل من أجل تغيير الواقع كالخشية من المستقبل استدلالاً بأحاديث " لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه " دون فهمها على الوجه الصحيح مما يدفع إلى المحافظة على الواقع؛ بل وترسيخه والدفاع عنه خشية من المستقبل، حتى صار الشعار هو ما يعبر عنه العامة، وكثير من أهل العلم بقولهم " الله لا يغير علينا "، ومن تلك المفاهيم ربط تحقيق الإصلاح بظهور (المهدي) وانتظار خلافة على منهاج النبوة، استدلالاً بأحاديث المهدي والفتن التي حددت سلفا ما الذي سيحصل مستقبلاً ، وما علينا إلا الانتظار، بينما استطاع الشيعة (الجعفرية) -الذي يقوم مذهبهم أصلا على هذه النظرية- أن يتجاوزوا هذه الإشكالية بعد أن انتظروا (المهدي) ألف سنة، وطال عليهم الأمد وأن يقيموا دولتهم ومشروعهم الإصلاحي ليصبح يوم الشعب الإيراني خيراً من أمسه، ومازال يتطلع إلى مستقبل أفضل من يومه، بينما ابتلي أهل السنة بآثار هذه المفاهيم، والعقائد التي تحمل في طياتها بذور فناء أي حضارة إنسانية تؤمن بها، وتحول دون تقدم أي أمة ومجتمع يتقبلها. ومن تلك العقائد التي تحول دون حدوث الإصلاح الموقف من السلطة وما لها وما عليها، هذا الموقف الذي لم يعرفه الصحابة -رضي الله عنهم- في صدر الإسلام، كما تؤكده مواقف طلحة ، والزبير، وعائشة، وابن الزبير، والحسين ...إلخ، وقد أدى استقرار مثل هذه العقائد عند أهل السنة جميعا -أهل الحديث ومتكلميهم من الأشعرية على حد سواء- إلى شيوع ورسوخ ظاهرة الاستبداد السياسي في العالم الإسلامي ثلاثة عشر قرنا من تاريخ الإسلام ؟! بل لقد تم استصحاب هذه العقيدة حتى في ظل سيطرة الاستعمار الأجنبي و في عصر دويلات الطوائف التي صنعها العدو الصليبي على عينه، لتصبح هذه العقيدة حجر عثرة، وعقبة كؤود تحول دون تغيير الواقع وإصلاحه، حيث تم توظيف الدين ذاته في خدمة الاستعمار من جهة، والاستبداد من جهة أخرى .
2- العقلية السطحية الاختزالية التي ابتلي بها أكثر العلماء والدعاة، كتصورهم إمكانية تحقق الإصلاح دون السعي إلى تغيير هذا الواقع وفق سنن المدافعة والمغالبة التي لا يحصل التمكين إلا بها ومن خلالها، كما هي السنن الإلهية الاجتماعية في حصول التغيير ، ولهذا لم يّمكن الله -عز وجل- لنبي ولا لغيره إلا وفق هذه السنن ،وهو معنى حديث القوم الذين استهموا على السفينة، فأراد من بأسفلها خرقها ليشربوا، فإن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا؛ ولهذا أمر النبي بالأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطرا، لما قد يجره ظلمه من هلاك الجميع ، وكتصور أن الصبر على الظلم خير من مقاومته، استشهاداً بحوادث تاريخية جزئية دون إدراك خطورة الظلم ذاته، وأن ما يترتب عليه من نتائج أشد على المدى البعيد من الآثار السلبية التي تنتج عن مقاومته. ومن ينظر في تاريخ الأمم يجد ذلك جلياً واضحاً، وكل الأمم اليوم التي تنعم بالحرية والعدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان ؛ لم يتحقق لها ذلك إلا بعد الثورة على الظلم ومقاومته، ورفضها له. وعلى العكس من ذلك حال الشعوب التي لم تتصد له، إذ ما تزال ترسف في أغلال العبودية للأنظمة الاستبدادية، ولا يمكن للشعوب المستعبدة أن تحقق نهضة أو تحمل رسالة، ولهذا أنزل الله هذا الدين على بني إسماعيل خاصة؛ لكونهم لم يعرفوا الخضوع للملوك من قبل، بل ظلت مكة -أم القرى- مدة ألف عام قبل الإسلام تدار شؤونها دون وجود سلطة، ولهذا أقام أهلها دار الندوة للشورى وإدارة شؤونها بصورة جماعية، وكذا كان حال الطائف ،وحال المدينة والحجاز عامة، فكانوا أقدر الأمم على حمل رسالة الإسلام للناس جميعا، وهو ما عبر عنه (ربعي بن عامر) بقوله :" إن الله أخرجنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" ، وهذا ما يستفاد من قصة موسى مع فرعون وإصراره على تحرير بني إسرائيل من العبودية، كما في قوله تعالى على لسانه : )وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء:22)، فلا يمكن تحقيق نهضة إصلاحية قبل تحرير الشعوب من الظلم والاستبداد.
3- الخشية من تغيير الواقع بالمدافعة والمغالبة بدعوى الخشية من وقوع الفتن، والاستدلال بفشل بعض الحركات الثورية على عدم صحة هذا الأسلوب في تغيير الواقع ، دون إدراك السنة الاجتماعية التي تؤكد أنه لم تنجح حركة تغييريه إصلاحية بغير هذا الطريق، وليس كل حركة تغييريه نجحت به، بل إن الثورة الفرنسية سبقتها عدة ثورات كلها فشلت، غير أنها أخيراً نجحت وكذا الثورة الأمريكية، والثورة الروسية...إلخ، وقد نجح العباسيون بعد أن فشل العلويون في ثوراتهم ضد بني أمية .(42/358)
ومن الخطأ الاقتصار على التجارب الفاشلة، والوقوف عندها والاستدلال بها، ولو فعلت شعوب العالم الغربي ذلك ما استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه من حرية سياسية، وعدالة اجتماعية تفقدها شعوب العالم العربي والإسلامي اليوم؛ بسبب هذه التصورات التي تفتقد للعلمية والموضوعية.
لقد استطاعت شعوب كثيرة تحقيق الإصلاح عن طريق الضغط السياسي السلمي ، والمطالبة بحقها في المشاركة في الحكم لتدير شؤونها بنفسها، وهذا ما حصل في إنجلترا، كما استطاع بعض الملوك المبادرة إلى الإصلاح السياسي، وإشراك الشعب في الحكم، كما حصل في اليابان، غير أن ذلك كله إنما تحقق بعد المدافعة والمغالبة والمطالبة السلمية من تلك الشعوب؛ فتحقق لها ما تريد قبل أن تضطر إلى الثورة الشعبية.
4- الفوضوية والفردية في العمل، وهي ظاهرة تتميز بها الشعوب العربية والخليجية على وجه الخصوص التي مازالت تعاني من العقلية القبلية، ومن ينظر في تاريخ الحركات التغييرية يجد أنها -وبلا استثناء- لم تقم بها إلا مجموعات وأحزاب منظمة تسعى إلى تحقيق أهداف واضحة، وشيوع الروح الجماعية هي السبب في تطور المجتمعات الغربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية عن طريق الأحزاب السياسية، والشركات الصناعية والتجارية، والجمعيات الخيرية، والنقابات المهنية، والتي يزيد عمر بعضها على قرن، بينما لا تزال الروح الفردية تسيطر على الشعوب العربية، وما زالت ظاهرة الذرية والفوضوية والتشرذم تحول دون تطورها، وبينما نجد القوى الدولية تتظافر من أجل تنفيذ مخططاتها في العالم العربي والإسلامي بشكل دولي جماعي منظم (كالمنظمات الصهيونية العالمية والمنظمات التبشيرية والماسونية، ومثلها الشيوعية والاشتراكية التي لها منظماتها الدولية التي تربط بين جميع أحزابها على اختلاف بلدانها وشعوبها وقومياتها، و لها اجتماعاتها الدورية للتباحث في شؤونها والتنسيق فيما بينها) نجد الحركات الإسلامية على النقيض من ذلك تماما، ومع أن اجتماعها ووحدتها من أصول دينها؛ إلا أنها لا تزل تعمل بشكل فردي فوضوي، قائم على ردود الأفعال دون أهداف واضحة وبرامج عمل مشتركة، ودون منظمات عالمية تكون لفصائلها عمقاً استراتيجيا يجعلها قوة مؤثرة على الساحة السياسية في بلدانها ، ولو لم تصل إلى السلطة.
* الأمين العام للحركة السلفية ـ الكوي
=============(42/359)
(42/360)
جراءة المنصرين على المسلمين ..!!
1- بعث أساقفة باكستان الكاثوليك إلى الرئيس الباكستاني برفيز مشرف برسالة يشكرونه فيها على إلغاء بعض القوانين الإسلامية.
وأعرب رئيس الأساقفة "لورانس جون سالدانها" عن سعادته من انتهاج حكومة إسلام أباد سياسة تهدف في مجملها إلى جعل باكستان بلداً ليبرالياً - على حد قوله - وحسب شبكة إذاعة الفاتيكان، طالب الأساقفة الكاثوليك بإلغاء المواد القانونية التي تعاقب من يتلفظ بإهانة النبيمحمد صلى الله عليه وسلم .
ومن جهة أخرى، أثنى الكاثوليك الباكستانيون في رسالتهم إلى مشرف على إلغاء القوانين التي تفرق بين المسلمين وغيرهم في اختيار ممثلي الشعب في الانتخابات، مطالبين الحكومة بتعميم ذلك على جميع الأقاليم.
وفي السياق ذاته، طالب الأساقفة بالاستجابة لمطالب الهيئات الحقوقية النصرانية بتعديل قانون "جرائم الشرف" الخاص بمعاقبة المرأة في حالة الجرائم الخلقية، ويشار إلى أن لهجة النصارى الباكستانيين علت مؤخراً بالمطالبات بإلغاء القوانين الإسلامية منذ عودة الرئيس مشرف من زيارة يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في أكتوبر من العام الماضي.
2- تواصل قناة "المهد" التنصيرية بفلسطين محاولاتها لجذب قطاعات واسعة من المشاهدين، من خلال بث برامج تربوية واجتماعية وترفيهية بجانب برامجها الدينية التنصيرية.
فقد أفادت صحيفة "كريستيان بوست" نقلاً عن القس "ميخائيل صباح أسيانيوس" أن القناة التنصيرية تقدم خدمة جليلة إلى الكنيسة، وذلك ببرامجها الجيدة - على حد وصفه - وتبنيها وجهة نظر الكنيسة في مختلف الأمور.
ومن جهته، قال صاحب القناة الأرثوذكسي "سمير كومسيه": إنه يتلقى مكالمات من المشاهدين بشكل مستمر تعبر عن تقديرهم للدور الذي تقوم به.
وأضاف أن القناة تنقل الفعاليات الروحية من داخل الكنيسة إلى المرضى والمعوقين وكبار السن الذين يجدون صعوبات في الحضور إلى الكنيسة.
وتعد هذه القناة التي تتخذ من بيت لحم مقراً لها المحطة النصرانية الخاصة الوحيدة في فلسطين والعالم العربي. الكوثر - العدد (65).
ولكنهم أيضاً يخسرون ...!؟
خسرت الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانية ما يزيد على 6 ملايين عضو من المنتسبين إليها بعد رفض ملايين الألمان استقطاع الضريبة الخاصة من رواتبهم لصالح الكنيسة وهي 1%.
وقد تقدم ملايين الأشخاص بطلبات لشطب أسمائهم من سجلات الكنيسة، وأشارت صحيفة "دير شبيجل" التي أوردت النبأ في إحدى مقالاتها مؤخراً إلى أن "الكنيسة الكاثوليكية خسرت منذ التسعينيات أكثر من مليوني عضو بينما خسرت الكنيسة البروتستانتينية أكثر من 4 ملايين عضو". ويعزو البعض ذلك لأسباب اقتصادية، إضافة لسريان روح عدم الثقة في الكنيسة التي تستغل أموال الأعضاء في الحملات التنصيرية على دول العالم الثالث ومن ذلك استغلال النساء والأطفال في أماكن الحروب والكوارث الطبيعية سواء في إفريقيا وآسيا أو طالبي اللجوء في أوروبا ذاتها، فتقدم لهم الخدمات مقابل تخليهم عن معتقداتهم وثقافاتهم.
وقد دفع انخفاص ميزانيات الكنائس في ألمانيا إلى تخلي عدد من الكهنة عن وظائفهم، وهو ما يكشف عن الخلل الكبير في بنية الكنيسة، بل إن الكنائس تحولت إلى مكاتب ومصارف وصالات لعروض الأزياء ومطاعم، وبالطبع من يقبض الثمن هم الكهنة، وفي هامبورج تحولت كنيسة القديس ستفابوس التي اشتراها أحد الطهاة المشهورين في المدينة - رغم معارضة عدد من الكنسيين - إلى مطعم، وهناك كنائس يتم تأجيرها لإقامة الحفلات الموسيقية والمعارض والإعلانات الهابطة كما حدث في برلين حيث علقت صور نساء شبه عاريات على إحدى قباب الكنائس لمدة أسبوع كامل.
المجتمع - العدد (1647).
قمع المسلمين في الصين؟؟
استغلت الحكومة الصينية الحملة الأمريكية المزعومة "الحرب على الإرهاب" كذريعة لاضطهاد الأقلية المسلمة وشن حملات الاعتقال والتعذيب...، وفي هذا الإطار صعّدت جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية تحذيراتها بشأن معاناة المسلمين بإقليم "شينجيانج" الصيني في منطقة "اليوجور" الغنية بالنفط والمعادن.
وذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية في تقرير أن بكين استغلت ما تسميه واشنطن "الحرب على الإرهاب" كغطاء لتشديد السيطرة على مسلمي اليوجور بإقليم "شينجيانج"، وشن حملات اعتقال وتعذيب، وأحياناً الإعدام بين صفوف هؤلاء المسلمين. مشيرة إلى أن الحكومة الصينية تستخدم أوصافاً مثل: "انفصالي" و "إرهابي" لتبرير قمعها الديني لمسلمي اليوجور (تركستان الشرقية). البلادغ - العدد (1644).
يريدون أن يطفئوا نور الله ..!!
1- دخلت العلاقات التركية الأوربية منعطفاً جديداً بإصدار المجلس الأوروبي تقريراً غير مسبوق يطالب السلطات التركية بالتوقف عن تدريس الدين الإسلامي في المدارس بشكل إلزامي، والمطالبة بحذف خانة الديانة من بطاقات الهوية الشخصية للمواطنين، وقد ردت تركيا على المستوى الرسمي حكومياً وبرلمانياً بقوة وحسم على هذه المطالب التي وردت في تقرير صادر عن المجلس الأوروبي.(42/361)
فيما أبدى الرأي العام التركي حالة من الغضب الشديد إزاء التدخل الأوروبي السافر في خصوصيات تركيا وهويتها الدينية، وتساءل وزير الشؤون الدينية محمد أيدن في أول تعقيب رسمي على ما ورد في التقرير.. ألا يريدون أن ندرس الدين الإسلامي لأبنائنا في المدارس؟! وأكد أن الدين يتعين النظر إليه على أنه واقع اجتماعي في تركيا، وقال في رده على أسئلة الصحفيين بشأن تقرير المجلس الأوروبي إن مناهج الدين الإسلامي يتم تقديمها في المدارس التركية كمناهج ثقافية، وأوضح أن 99% من سكان تركيا هم من المسلمين، مشيراً إلى أن هؤلاء الأشخاص من دون تعريفهم بدينهم لن يمكنهم اتخاذ أي قرارات ذات معنى مؤكداً أن الدين واقع اجتماعي في تركيا..
2- يتجه الحزب الاشتراكي الحاكم في ألمانيا إلى تأييد حظر ارتداء الحجاب في المدارس والمصالح الحكومية وغيرها في كافة الولايات، في إطار ما وصفه بفرض القيود على الرموز الدينية في الحياة العامة، وخطا الحزب خطوة مهمة في هذا الاتجاه مطلع شهر فبراير 2005 عندما أوصى بهذا الحظر مجلس الحزب وهو أعلى هيئة بالحزب تضم 110 أعضاء، وبات من المقرر إعلان الحزب رسمياً عن قرار الحظر بحلول شهر مارس 2005 على أقصى تقدير، وفقاً لعدد من الصحف الألمانية، فقد صرح روديجر فيكنتشر رئيس مجلس الحزب الاشتراكي أن إزاحة جميع الرموز الدينية من الحياة العامة في المجتمع الألماني وجدت تأييداً واضحاً داخل مجلس الحزب، وفي حال إصدار البرلمان الفيدرالي قانوناً يؤيد توجه الحزب الحاكم، سوف تصبح ألمانيا أول دولة أوربية غربية تقدم على حظر الحجاب بعد فرنسا التي بدأت تنفيذ هذه السياسة في سبتمبر 2004، وقد بدأ الحزب الاشتراكي في طرح قضية الحجاب على مستوى ألمانيا بأسرها في نوفمبر 2003 عندما تقدمت (مجموعة عمل المرأة) التابعة للحزب باقتراح بسن قانون يحظر بمقتضاه ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية والمنشآت الشبابية في جميع الولايات الألمانية.
الإصلاح - العدد (480).
==============(42/362)
(42/363)
التنصير في الجمهوريات الإسلامية!!
1- قالت صحيفة روسية: إن نسبة مسلمي جمهورية قيرغيزستان، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، انخفضت خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 5% ارتدت واعتنقت المسيحية، ونقلاً عن أمورزاك ماميسيبوف مدير اللجنة العامة للشئون الدينية بقيرغيزستان، أوضحت صحيفة (روسيا): أن نسبة المسلمين انخفضت من 84% في نهاية 2001 إلى 3،79% في مطلع 2004، وأضاف ماميسبوف: أن بعثات المنظمات التنصيرية تقوم بنشر المسيحية في محافظات (نارين وطالاس وإسيك - كول) شمال البلاد. وقال: إن نشاط البعثات التنصيرية أدى إلى ارتداد عشرات الآلاف عن الإسلام من سكان الجمهورية خلال السنوات الثلاث الماضية، وحسب معلومات اللجنة يوجد نحو 40 منظمة تنصيرية كاثوليكية وبروتستانتية تقوم بدعوة المسلمين إلى الديانة المسيحية مقابل المال وحوافز أخرى مثل: السفر إلى الخارج والعمل في شركات مرموقة، ومن تلك المنظمات شهداء اليوم السابع، ويقوم نشاط البعثات التنصيرية على توزيع آلاف الكتب والشرائط والمنشورات والأموال على المواطنين، فضلاً عن قيامها ببناء عدد من الكنائس شمال البلاد بحسب ماميسيبوف، وأوضح أن (المنظمات التنصيرية تقوم بنشر الأفكار المسيحية وتدعو إلى التصادم مع معتنقي الأديان الأخرى)، معرباً عن تخوف الحكومة من اندلاع صراعات بين المواطنين بسبب هذا الأمر، وقال ماميسيبوف: (منذ سنوات طويلة يعيش معتنقو الدين المسيحي "الأرثوذكس" والمسلمون في سلام، إلا أن دعوة المنظمات التنصيرية إلى اعتناق البروتستانتية والكاثوليكية قد تثير حرباً دينية).
2- احتفل مركز التنصير والدمج الاجتماعي البروتستانتي بالعاصمة الأوزبكية طشقند بتنصير عشرة آلاف مسلم زاعماً أن الكنيسة البروتستانتية بأوزبكستان قد استطاعت تنصيرهم على مدى السنوات الماضية.
وكان المركز التنصيري قد شرع في تنفيذ برنامج أعده للسجناء السابقين الذين أفرج عنهم مؤخراً يهدف إلى ربطهم بالنصرانية بعد أن اعتنقوها داخل السجون أثناء تأديتهم أحكاماً بالسجن.
واقترح مدير المركز التنصيري "سيرجي مانوف" الذي كان شماساً بالكنيسة البروتستانتية الأوزبكية عقد حوارات ولقاءات لربط المتنصرين ب (كلمة الله).
وكانت الكنيسة البروتستانتية الأوزبكية قد أنشأت المركز التنصيري المذكور عام 2001 بهدف تنصير السجناء ومتابعتهم بعد الخروج من السجون.
ويشار إلى أن الحكومة الأوزبكية تركت العنان للمنصرين لينصروا من شاؤوا من المسلمين، في الوقت الذي تضيق فيه الخناق على الدعاة المسلمين وتعتقل العشرات منهم، الأمر الذي أدى إلى توسع نفوذ ونشاط المنصرين في جميع أنحاء البلاد.
حول الحجاب في أوربا..
1- أقر البرلمان المحلي في ولاية "هيسن" الألمانية قانوناً جديداً تقدم به الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في الولاية؛ يقضي بحظر ارتداء الحجاب للموظفات المسلمات في جميع الوظائف الرسمية بالولاية أثناء العمل، والسماح بارتداء الموظفات المسيحيات في الدوائر الحكومية الرمرز المسيحية. وزعم مشرعو القانون الجديد، أن الحجاب الإسلامي يمكن فهمه كرمز للأصولية الإسلامية، لا يتفق مع مبادئ الديمقراطية والحرية المنصوص عليها في الدستور الألماني، وكعلامة على انعزال المرأة التي ترتديه، وعدم تمتعها بحقوق الاستقلالية والمساواة المكفولة لها في المجتمع الغربي، الذي تعيش فيه. قال "فرانز جوزيف يونغ" رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المسيحي الديمقراطي في برلمان هيسن: إن هناك حاجة ماسة عجلت بإصدار القانون "بعد تحول الحجاب إلى رمز للكفاح السياسي للأصوليين المسلمين" - على حد زعمه -. وشدد يونغ على أن بنود القانون الجديد، تنص على أهمية إظهار الموظفات المسلمات لولائهن تجاه الدولة، معتبراً أن الموظفة المصرة على ارتداء الحجاب تجاهر - حسب رأيه - بعدم الالتزام بمبادئ الدستور الألماني. من جهته وصف "يورغن فالتر" رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلمان "هيسن" القانون الجديد، بأنه مخالف للدستور الألماني، واعتبر تعميم حظر ارتداء الحجاب ليمتد من المعلمات إلى الموظفات، في الوقت الذي يتم فيه السماح بارتداء الرموز المسيحية مخالفة واضحة لمبدأ المساواة في الحرية الدينية لجميع الأديان المنصوص عليها في الدستور الألماني.
يشار إلى أن ولايات "بادن فورتمبرغ" و "سكسونيا السفلى" و "السار" سبقت ولاية "هيسن" وأصدرت هذا العام قوانين مشابهة حظرت بمقتضاها عمل المعلمات المسلمات بالحجاب في مدارسها الرسمية.
2- تحدت شرطية فرنسية رؤساءها، وخالفت القانون الفرنسي الجديد بشأن الحجاب، بعد رفضها خلع حجابها معللة موقفها، بأنه شعيرة دينية خاصة ليس لأي إنسان التدخل فيها - حسبما قال رئيس الشرطة بالمدينة واتحاد الشرطة - .
وقال ضابط كبير باتحاد الشرطة: إن امرأة مسلمة تعمل كشرطية مرور في ضاحية باريس، كانت قد رفضت خلع الحجاب الذي ترتديه تحت حجة زيها الموحد ثم عادت وكررت رفضها والثبات على قرارها أمام رؤسائها.(42/364)
وقال "سينيرجي" رئيس اتحاد الشرطة: إن هذه المرأة مطلقة ولديها طفلان وهي موقوفة عن العمل، وقد حاول رئيسها "جين بول بروست" أثناء مقابلته لها - إقناعها بتغيير موقفها - حيث إن تعليمات الشرطة تحظر بصرامة على موظفيها لبس شارات متميزة على أزيائهم الموحدة، وهذه التعليمات لا تحتمل أية استثناءات.
وصرح "سينيرجي": أن فعل هذه المرأة مرفوض من حيث المبدأ، وانتقد ما أسماه بحيادية الدولة في تحقيقاتها مع مثل هذه الحالات، منبهاً على أن هذه الطريقة هي التي سمحت بالجدل الدائر، بشأن منع الحجاب الإسلامي وأية شارات دينية أخرى في المدارس الحكومية.
اعترافات غربية بأضرار الاختلاط..
تتزايد الأصوات التي تنادي هذه الأيام في العديد من الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضرورة تبني فكرة الفصل بين الجنسين في المقاعد الدراسية.
وتستند هذه الأصوات إلى الواقع المشاهد، وإلى نتائج دراسات بعض الباحثين ورجال التربية الذين لاحظوا أن قدرة البنين في المدارس تتدنى بصورة ملحوظة في حال وجود البنات مع الأولاد في الفصل الدراسي، وأن مشاركة الطالبات في العملية التربوية تتأثر سلباً بوجود الطلبة.
وقد لاحظوا كذلك أن الاختلاط بين الجنسين لا تتوقف آثاره عند حدود العملية التربوية فحسب، بل تتجاوزها إلى الآثار الأخلاقية الناتجة عن التحرشات الجنسية أو استخدام العنف الجنسي أحياناً.
والمعروف أن قضية الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية على اختلاف مراحلها التي تطبق في الكثير من البلدان الإسلامية، والتي تنسجم مع مبادئ التربية السليمة، كان يشار إليها بالأمس على أنها فكرة رجعية، أو صورة من صور الكبت وتقييد حرية الإنسان.
إلا أن هذه القضية قد حظيت اليوم باهتمام بعض العلماء ورجال التربية في الغرب من خلال الدراسات التي أجروها في هذا المجال واستقراء التجارب الميدانية التي أثبتت صلاحيتها، وفائدتها في كسر الحواجز النفسية والاجتماعية التي تعيق العملية التربوية، وفي الحد من تطور العلاقات السلبية بين الجنسين في هذه المراحل العمرية، الأمر الذي يوجه اهتمامهم إلى الانشغال بطلب العلم وتحقيق التفوق الدراسي كوسيلة من وسائل إعلاء دوافعهم الفطرية، ويتبنى الأخصائي الفرنسي المشهور: ميشيل فاز هذا المبدأ التربوي الذي يدعو إلى ضرورة إلغاء الاختلاط في المدارس الفرنسية.
ورغم أن التعليمات الرسمية لا تسمح بالفصل بين الجنسين لهذا الاعتبار، إلا أن عدداً متزايداً من المعلمين والأساتذة لا يترددون في خرق هذه التعليمات الصماء وفصل البنين عن البنات في كثير من المواد الدراسية، ومنهم المعلم نيكولا في مدرسة إيغلين الفرنسية الذي خلص إلى حقيقة تربوية وهي أن التلميذات لا يجرؤن على التعبير بطلاقة عن أنفسهن في الفصول الدراسية المختلطة.
ومن الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد مدير إحدى مدارس مدينة "سياتل" التابعة لولاية "واشنطن" أن التجربة الميدانية التي طبقها حتى في مدرسته الابتدائية أثبتت له أن ثمة فوائد كبيرة يمكن أن نجنيها من تطبيق نظام الفصل بين الجنسين، حيث لاحظ تحسناً ملحوظاً في نتائج التلاميذ خاصة في مدرسة البنات، وانخفاضاً ملموساً في إجراءات العقوبات التأديبية.
وأخيراً يدافع بعض كبار المسؤولين وأعضاء في الكونجرس الأمريكي ومنهم هيلاري كلينتون عن مبدأ فصل البنين عن البنات في المدارس، بعد أن أجريت تجارب عديدة في هذا المجال أثبتت جميعها أن تطبيق هذه الفكرة فيه فوائد عظيمة للتلاميذ والتلميذات، فهل يوصف دعاة هذه الفكرة السديدة من العلماء والباحثين والمفكرين والتربويين وحتى السياسيين بأنهم أصحاب أفكار رجعية، وأنهم يسعون إلى تقويض حرية الإنسان والاعتداء على حقوقه؟ يقول الحق سبحانه وتعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى" يتبين لهم أنه الحق( 53 ) {فصلت: 53}.
-==============(42/365)
(42/366)
الحرب النفسية دفاعاً وهجوماً
أ. د. عبدالرحمن محمد العيسوي
الحرب النفسية هي الحرب التي تستخدم فيها أساليب الدعاية والوسائل السيكولوجية والمعنوية الأخرى للتأثير في معنويات العدو واتجاهاته، لخلق حالة من الانشقاق والتذمر بين صفوفه (بدوي، أحمد زكي، 1986:445). ويقصد بها المساعدة في كسب المعارك الحربية وإلحاق الهزيمة بالخصم، وتوجه للعدو كما توجه للحلفاء والموالين والمحايدين والجنود والمدنيين، لرفع الحالة المعنوية للمقاتلين الوطنيين، وخفض الحالة المعنوية للأعداء. ويستخدم في ذلك الدعاية، وبث حالة الحماس لدى أبناء المجتمع العسكريين والمدنيين للتمسك بقضيتهم وبحقوقهم التي يحاربون من أجلها، وبيان ضرورة كسب الحرب مع الاستعانة بإثارة المشاعر الوطنية والقيم الدينية والأخلاقية، وفكرة الشهادة في سبيل الله، والعودة للمفاخر التاريخية التي تزكي قيمة الدفاع وعن العقيدة، والمقدسات، والعمل على حمايتها.
ويستخدم في الحرب النفسية العديد من الوسائل كالخطب والأناشيد والأغاني والموسيقى الحماسية، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الحرب النفسية الحديثة. والوسائل النفسية أو الحربية هذه تستخدم في العصر الحديث في كثير من المجالات خلافاً للمجال الحربي أو العسكري منها الانتخابات، وكسب المبارايات الرياضية، وفي مجال الصناعة والتجارة والسياحة والاقتصاد عموماً وفي المجالات التربوية والتنموية (طه، فرج عبدالقادر وآخرون، 1993: 300).
تنوع الأساليب المستخدمة في الحرب النفسية:
تستخدم الحرب النفسية أساليب الدعاية، P r opaganda بقصد نشر بعض الأفكار أو الآراء أو المعتقدات، ولتغيير اتجاهات الناس والتأثير في مشاعرهم وميولهم وأفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم، وتوجه للفرد أو للجماعة على حد سواء. (سالمي، عبدالمجيد، وآخرون، (1998): 106 .
وتستهدف الحرب النفسية إضعاف القدرة القتالية للخصم، وخفض معنوياته وتشكيكه في عدالة قضيته، وفي نفس الوقت العمل على رفع الحالة المعنوية Mo r ale للطرف الذي يشن الحرب النفسية، وكذلك رفع قدرته القتالية، وزيادة قدرته على النضال والصمود والتضحية والبذل والعطاء. وينجم عن تغيير المشاعر والميول والاتجاهات والآراء والمعتقدات والأفكار، تغيير السلوك وهو الهدف الرئيس من هذه العملية حتى يقتنع الخصم بالهزيمة وبأنه لا جدوى من الاستمرار في الحرب، وأن الاستسلام هو الحل الوحيد.
وللحرب النفسية تاريخ طويل، فلقد كان أول من استخدم هذا المصطلح المحلل العسكري البريطاني ج.ف. س. فوللر في عام (1920م) ولم ينتشر استعمال هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية إلا في العام (1940م). وفي أثناء الحرب الكورية أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قسماً خاصاً بالحرب النفسية أطلقت عليه اسم مكتب رئيس الحرب النفسية The office of the chief of psychological wa r fa r e، كما أنشأت مدرسة لتدريب العسكريين في فنونها ومناهجها دفاعاً وهجوماً (الحفنى، عبدالمنعم، 1994: 676).
وتعتمد الحرب النفسية على التأثير في اتجاهات الآخرين وآرائهم، ويتوقف تأثيرها أو نجاحها على العديد من العوامل، من بينها أن يكون مصدرها محل ثقة المجتمع المستهدف، كما تتوقف على مقدار الحرب المضادة أو الدعاية المضادة وقوتها التي تقابلها وتعارضها وتفندها وتدحضها وتوضح عدالة القضية ومشروعيتها. (الحفنى، عبدالمنعم، 1994، 660).
وتستخدم المؤثرات النفسية في تقوية قدرة وعزيمة مجتمع ما على شن الحرب والانتصار فيها، وتؤثر أكثر ما تؤثر في الحالة المعنوية (دسوقي، كمال، 1990، 1171). وتستهدف نمو الشعور بالثقة في الذات، وزيادة قوة الحماس والدافعية والاستمرار في العمل نحو تحقيق الأهداف والشعور بالسعادة والفرح والمرح والثقة في الجماعة، وبالذات، وتدعيم دور الفرد في الجماعة، وتنمي روح الولاء للجماعة والإخلاص لها والاستعداد للمجاهدة في سبيل الأهداف الجماعية. وتساعد في زيادة تماسك الجماعة G r oup cohesiveness ووحدتها وتساندها وتضامنها والإقبال على الحياة. وتمتع الجماعة بالصحة النفسية والعقلية يساعد في ارتفاع الروح المعنوية، وزيادة العزم والتصميم والصمود وبقاء التساند والتلاحم والاتحاد والتماسك في مواجهة الصعوبات والشدائد والمحن التي يقابلها المجتمع. (دسوقي، كمال، 1990، 894).
وتسير عمليات الحرب النفسية في اتجاهين:
1- رفع الحالة المعنوية للمجتمع المحارب وحلفائه Booste r صs fo r oneصs allies
2- خفض حالة العدو المعنوية Dep r esso r s ومن يسانده .
ولكن في الوقت الراهن، اتسعت آفاق استخدام الحرب النفسية لتطبق في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، ولم يعد استخدامها قاصراً على الحقل العسكري Milita r y field وذلك بقصد الإقناع، والتأثير في الحالة المعنوية، وفي المجالات الفنية والرياضية ( r ebe r , A. S., 1995 616) .(42/367)
وتستهدف هذه العملية تعديل آراء الناس بإرسال رسائل لهم Messages، وتقتصر الحرب الدعائية على إبراز وجهة نظر واحدة من الموضوع أو من القضية المطروحة دون عرض وجهة النظر المعارضة. وتمارس الحرب النفسية تأثيرها وهي مختفية أو بصورة مقنعة ومستترة وغامضة فلا تظهر سافرة أو علنية. فقد تتستر وراء شائعة أو قصة أو حادثة أو خبر أو رواية أو مسرحية أو حتى موقعة "عسكرية مسرحية" يراد بها الحرب النفسية والتأثير على أعصاب الخصم ( r ebe r , 1995 606). كاحتلال موقع صغير للعدو لا توجد به قوات عسكرية كبيرة، أو احتلال جزيرة صغيرة واستخدام هذا الاحتلال كنوع من إظهار القوة والبأس.
ويدخل ضمن المناهج التي تستخدمها الحرب النفسية عملية غسيل الدماغ B r ainwashing وغير ذلك من وسائل الإقناع Techniques of pe r suasion لتعديل محتويات عقل الفرد أو مفاهيمه وتصوراته وأفكاره ومعتقداته.
مبادئ الحرب النفسية الناجحة:
ومن مبادئ الحرب النفسية الناجحة اعتمادها على مايلي:
1- تقديم أفكار أو حقائق جديدة بالنسبة للمستمع أو المستهدف، أو استغلال وتوظيف هذه الحقائق لخدمة أغراض مصدر الحرب النفسية مع انتقاء الأفكار التي يحتمل أن يقبلها الخصم، وعدم استعمال الأفكار التي من المتوقع أن يرفضها الأعداء.
ولذلك لابد لمن يشن حرباً نفسية ناجحة من دراسة اتجاهات المجتمع المستهدف ومعرفة ميوله وحاجاته وعقائده وكافة عناصر ثقافته.
2- الاعتماد على التكرار مع التنوع حتى لايؤدي التكرار إلى الشعور بالملل ومن ثم رفض الرسالة. التكرار مع التشويق واستخدام وسائل الجذب.
3- تقديم المكافآت أو التعزيزات للجمهور المتلقي.
4- خلق حالة من الغموض وحب الاستطلاع لدى الخصم، بحيث تأتي الرسالة كإشباع أو إجابة عن هذه الحاجة، وخفض حالة التوتر التي تنجم عن الحرمان من المعرفة بالحقيقة. ذلك لأنه في جو الغموض وحده تنتشر الشائعات ويقبلها المجتمع لإشباع الحاجة إلى المعرفة.
5- ضرورة توفر المصداقية في مصدر الرسالة حتى يصدقه ويثق فيه الجمهور المستهدف C r edibility، فإذا عرف المجتمع المستهدف أن إذاعة معينة كاذبة وتروج الشائعات انصرفوا عنها.
6- يفضل أن يتمتع مصدر الرسالة بالجاذبية والقبول Att r activeness لدى الجمهور المستهدف، فالشخص المكروه لا يقبل الناس على الاستماع إليه وإن استمعوا إليه لا يصدقونه، ولذلك تستخدم الشخصيات المحبوبة أو المقبولة أو المرموقة.
7- البعد عن الرسائل أو الأفكار التي تتعارض مع عموميات ثقافة المجتمع، كالدين أو المساس بالمقدسات أو العادات الراسخة حتى لا يرفضها الخصوم.
8- تستهدف الدعاية زعزعة قضية الخصم وتشكيكه في عدالتها وصحتها.
9- إبراز نواحي الفقر والحرمان والعوز والجوع والإشارة إلى معاناة الخصم من مشاكل مثل: البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة، وقلة المساكن، وصعوبة الزواج، وصعوبات التعليم.
10- خلق صورة براقة ومشرقة عن حالة المجتمع المعادي في حالة استسلامه وتوقفه عن الحرب وقبوله الهزيمة.
11- مخاطبة عواطف الناس ووجدانهم وانفعالاتهم أكثر من مخاطبة العقل والمنطق (Bi r ch, A.P. 1998 86) .
12- إثارة الخوف والفزع والرعب في نفوس الخصوم بالمبالغة والتضخيم في القوات المسلحة، وتوجه المدمرات والبوارج وحاملات الطائرات والمدرعات وأسراب الطائرات المقاتلة والقاذفة، والإشارة إلى أعداد ضخمة من القوات المسلحة، وتدريبهم على كافة الحروب الحديثة، والتهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل أو الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية أو البيولوجية واستخدام الغازات السامة والقنابل الضخمة والعنقودية والهيدوروجينية وما إلى ذلك مما شاهدناه في الحملة الحربية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد شعب أفغانستان الأعزل.
استخدام هتلر للحرب النفسية:
نظراً لأهمية الحرب الألمانية أو الحرب النفسية، فلقد أنشأ لها هتلر وزارة خاصة بالدعاية والتنوير أو الإرشاد The Minist r y of Popula r Enlightement and P r opaganda، وعين وزيراً لها هو جوزيف جوبيل Joseph Goebbels واستخدما ما نطلق عليه اليوم الطريق السطحي في الإقناع Pe r iphe r al r oute من أجل إقناع الجمهور المستهدف من دعايتها. وفي بعض الأحيان كانا يخاطبان عواطف الناس Emotions، كما اعتمدا على تكرار إطلاق بعض الشعارات Slogans، ولم تكن هذه الدعاية تهتم كثيراً بالمبادئ الأخلاقية Ethics محتجاً في ذلك بأن النصر هو أهم الأهداف وهو الانتصار "الكاسح" Swift victo r y، كما كانت تذهب إليه دعاية النازية. ولكن في واقع الحال، انتهت بهزيمة منكرة لألمانيا ومن معها من دول المحور "إيطاليا واليابان".
ومن هذه المبادئ المستخدمة في الدعاية الألمانية ما يلي:
1- الاعتماد على غربلة أو تصفية المادة المراد إرسالها، بحيث تحقق الهدف النفسي منها، ومؤدى ذلك أنه لا يلزم بالضرورة سرد الحقائق كلها أو كما هي في الواقع Selective filte r ing of mate r ials بل إن الواقعة الواحدة يمكن تجزئتها واستقطاع جزء واحد منها واستعماله.(42/368)
ولقد تمكنت النازية من تحقيق ذلك بعد سيطرتها على أجهزة الإعلام الجماهيرية أو وسائل الاتصال الجماهيرية Mass media، وتشمل الآن الإذاعة والتلفاز والصحف والمجلات والدوريات والسينما والمسرح والمعارض والمهرجانات، بحيث لا يصل إلى الناس سواء في الداخل أو في الخارج إلا المعلومات "المفلترة" أو المنقاة أو المصفاة والمختارة خصيصاً لتحقيق الأثر النفسي.
وسيراً في طريق السيطرة على الصحافة كان الصحافيون يتم اختيارهم بدقة شديدة من أصحاب الولاء للفكر النازي، وكانوا يخضعون للعقاب أو نيل الثواب والجزاء بصورة منتظمة بناء على جهودهم في خدمة النازية أو السماح لبعضهم بالاطلاع على بعض الحقائق أو القصص. وكانت صورة شائعة عن الشخصية النازية تصفها بالجسارة والشجاعة والإقدام عن طريق عرض الشعارات والملصقات ذات القدرة العالية على جذب الانتباه، وكانت الرسائل الموالية للنازية تمتزج مع برامج التسلية الشيقة والمشهورة.
2- تعمد إقناع الناس بأن انجلترا تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، ومن القلاقل السياسية، أو عدم الاستقرار السياسي.
3- عرض الأفلام التي توضح اتفاق الشعب مع هتلر وسياسته.
4- خلق صورة من مشاعر العظمة والسمو لدى الشعب الألماني C r eation of g r andeu r ، ومن أجل تحقيق هذا الغرض تم بناء استديوهات كبيرة، واستخدمت لعقد اللقاءات والمقابلات بين الناس لإقناع الناس بأن للنازيين أصولاً ثقافية عريقة وقوية في الماضي وذلك لإقناع الناس بقوة النازية.
5- تكوين جماعات من الشبيبة موالية لهتلر، يدينون بالولاء للنازية، وكانوا يتميزون بارتداء القمصان البنية اللون كشعار لهم.
6- الاستفادة من حالة الخوف والإحباط التي ترتبت عن خوض ألمانيا الحرب العالمية الأولى، والتي تركتها تعاني أشد المعاناة من الصعوبات الاقتصادية، وشعور الناس بعدم الأمان حول المستقبل؛ ولذلك ابتكر هتلر فكرة أن اليهود هم الذين تسببوا في امتصاص الاقتصاد الألماني ومصادره أو منابعه، وبذلك لفظ المجتمع الألماني اليهود بينما توحد الشعب الألماني معاً.
7- استخدام الراديو أثناء الحرب العالمية الثانية، من طرفي النزاع على حد سواء، بقصد إضعاف معنويات العدو. واستخدم النازي بعض الخونة من الإنجليز في الإذاعة، كما استخدمتهم اليابان لهذا الغرض. تم استخدام هذه الإذاعات والبرامج الإذاعية إلى جانب إسقاط المنشورات والكتيبات والأوراق والصور من الطيران.
8- إثارة حرب الأعصاب التي كان النازي يشنها قبيل توجيه عدوانه نحو الشعوب الأوروبية بالادعاء بأن الأقلية الألمانية في البلد المستهدف تم القبض عليهم وتوجيه الاتهامات، وأن الجيش الألماني يقف على أهبة الاستعداد للرد الصارم على ذلك. مثل هذه الدعاية أو حرب الأعصاب هذه كانت تستهدف إضعاف العدو، وجعله في حالة من الحيرة والتردد والانقسام على نفسه.
9- تصوير هتلر في صورة الأب العطوف والقائد الكفء والمحارب الفذ، وأن كل مشاكل الأمة تجد حلها في الالتفاف حول هذا القائد العسكري الخبير. فكانت صورته كالأب المتواضع، وأن الشعب كله يقف من ورائه. كما يقال الآن في بعض المجتمعات "زعيم الأمة" أو "حبيب الشعب" "راعي الشباب" "نصير الحق".
واستخدم الحلفاء مناهجهم في الحرب النفسية والدعائية ضد دول المحور والتي ركزت جهودها لمقاومة أو مكافحة دعاية الأعداء، ولخفض معنويات القوات المسلحة الألمانية والإيطالية واليابانية، والنيل من معلومات المدنيين، وفي نفس الوقت كانت تعمل هذه الدعاية لتقوية الروح المعنوية في الداخل، وتقوية الدوافع نحو الحرب.
ولذلك فإن الحرب النفسية أصبحت سمة أساسية من سمات كل الحروب الحديثة. ولقد استخدمت بتوسع في الحروب الحديثة الآتية:
1- حرب فيتنام Vietnam .
2- الحرب الكورية Ko r ea .
3- حرب جزيرة الفوكلاند Falklands .
4- في حرب الخليج Gulf wa صلى الله عليه وسلم
5- الحرب في يوغسلافيا Yugoslavia .
6- وأخيراً حرب أفغانستان، ضد حركة طالبان الحاكمة والحرب ضد العراق.
هل تسهم الدعاية في حماية أرواح الناس أم في زيادة أعداد القتلى؟
المعروف أن للحروب نتائج مأسوية كثيرة في سفك الدماء، وقتل الأبرياء، وحصد الأرواح، وتدمير الممتلكات، وهدم ما بناه الإنسان من معالم حضارية، والعودة إلى مراحل بدائية ولذلك توصف الحرب بأنها سلوك انتكاصي أو نكوصي يرتد فيه الإنسان إلى الوراء في مدارج الحضارة، ولكن لا نعرف على وجه التحديد كم تسهم الدعاية في إنقاذ حياة الناس أم في قتلهم. هناك حاجة لإجراء الدراسات الإحصائية والميدانية العلمية والدقيقة للتعرف على عدد الأشخاص الذين يتم إنقاذ حياتهم أو وفاتهم بسبب الحرب النفسية وحدها وهل هي خير أم شر؟(42/369)
أحياناً يتم التغرير بسكان مدينة معينة بأنها سوف تهاجم من ناحية الشرق مثلاً فتتجه أعداد غفيرة منهم هرباً في اتجاه الغرب، وهناك يكمن لهم العدو ويقضي عليهم. فالدعاية قد تكون خادعة ومضللة وتؤدي إلى الفتك بمزيد من الأرواح. وبعد انتهاء الحروب فإن الدعايات التي تتضمن في الغالب، أكاذيب ومعلومات مغلوطة لا يتم تصويبها، ولكن لا يعرف كم من الآثار تبقى من هذه الدعاية في أذهان الناس وفي مشاعرهم، ربما تبقى بعض الرسائل مترسبة في نفوس هؤلاء، تبقى لكي تظهر إذا ما بدأ صراع جديد بين نفس الأطراف.
ويذهب بعض علماء النفس إلى القول: إن أساليب الإقناع قد تكررت وكثر استعمالها لدرجة أن الناس أصبحوا لا يتأثرون بها، ولم تعد ذات فاعلية لديهم، من ذلك عدم اهتمام الناس بالذهاب إلى صناديق الانتخاب مهما سمعوا من دعاية عن أهمية الانتخابات ونزاهة المرشحين، أو التبرع لبعض جمعيات الإحسان أو جودة سلعة معينة أو الإعلان عن شقق بعمارات فاخرة. كثرة الإعلانات الكاذبة أكسبت الناس حصانة ومناعة ضد قبول الدعايات المتكررة. ولذلك لابد من انتهاج مناهج جديدة في إقناع الناس وإخضاع هذه الأساليب للقانون وللقيم الأخلاقية لحماية الناس من النصب والاحتيال. ربما لأن الواقع الفعلي أكثر قوة وصدقاً من كل أساليب الدعاية.
والحقيقة أن أجهزة الإعلام كثيراً ما تعطي صورة خاطئة عن العالم كله أو على القليل عن بعض القضايا، ومن أمثلة ذلك القضية العربية كما تظهر في الإعلام الغربي، وبالمثل صورة الإسلام والجمعيات الإسلامية الخيرية أيضاً في الإعلام الغربي وصورة الشخصية العربية والإسلامية.
وللتلفاز تأثير كبير في هذا الصدد، فقد يظهر المجتمع على أنه عنيف بصورة أكثر مما هو عليه في الواقع وقد يصور مجتمعاً ما على أنه غارق في الترف والرخاء. الأمر الذي يتطلب من متلقي الرسالة الفحص والتمحيص والدقة في قبولها أو رفضها باستخدام العقل والمنطق وليس العاطفة أو الانفعال والوجدان
ويميل الناس إلى قبول الدعاية التي تسبب لهم الشعور بالسعادة أكثر من تلك التي تسبب لهم الشعور بالقلق، أو الضيق، أو الحزن، أو اليأس. فالدعاية الوردية التي تبعث على الأمل يقبلها الناس كتلك الدعاية التي تشير إلى قرب انتهاء الحرب أو قرب موعد النصر النهائي. أما الدعاية التي تثير الخوف، والرعب، والهلع، والفزع، والقلق، والضيق، والتشاؤم، فتسمى بالدعاية السوداء، وينفر منها الجمهور المستهدف كالقول: بأن الأعداء أسروا شاباً مقاتلاً وقتلوه ومزقوا جسده إرباً وبعثوا برأسه كهدية إلى زوجته. مثل هذه الشائعات يفضل عدم استعمالها لأنها منفرة وتبعث على التقزز.
استخدام المنهج العلمي في الحرب الدعائية:
على الرغم من وجود محاولات قليلة في استخدام الحرب النفسية والدعاية قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أن الدعاية أصبحت عنصراً رئيساً من عناصر الحرب في أواخر الحرب العالمية الأولى، مستخدمة المنهج العلمي وتقنيات العلم الحديث. ولكن هذا الاتجاه لم يصل إلى إنجلترا إلا في صيف عام (1918) حيث تم إنشاء قسم خاص للرد على دعاية العدو، كما تكونت لجنة قومية لهذا الغرض، وتشكلت من أعضاء من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا. وفي الولايات المتحدة الأمريكية أنشأ الرئيس الأمريكي ودرو ولسون لجنة للمعلومات العامة في عام (1917م) تلك اللجنة التي استطاعت الاستفادة من المعلومات والخبرات المطبقة في الدعاية التجارية، ومن فنون الإعلان المختلفة المعروفة في ذلك الوقت كي تشن دعايتها إلى كل من المجتمع الأمريكي في الداخل وللأجانب المشاهدين والمستمعين في الخارج.
فالدعاية توجه إلى:
خارج البلاد لبث روح الهزيمة في الخصم.
داخل البلاد لتدعيم الروح المعنوية ومساندة الجيش والدولة في قضيتها.
ولم يكن الراديو قد استعمل في الاتصالات الجمعية، ولذلك الاعتماد كان على الصحف والمجلات والنشرات والملصقات والأفلام والخطباء العامين والكتيبات والمقالات والكراسات الصغيرة.
وكان الهدف من شن هذه الدعاية تحقيق الأهداف الآتية ومازالت هذه الأهداف قائمة حتى الآن في كل الحروب:
1- لتعبئة وإثارة الشعور بالكراهية والحقد والسخط وتوجيه هذه المشاعر نحو العدو، وخفض حالة العدو المعنوية وتثبيط همته.
2- لإقناع أبناء المجتمع الداخلي بأحقية قضيتهم ومشروعيتها وعدالتها، وكذلك الحلفاء المشتركين في الحرب. ولتنمية الروح القتالية والاحتفاظ بهذه الروح
3- لتنمية مشاعر الصداقة والود مع المجتمعات أو الدول المحايدة، ولغرس الاعتقاد في أذهانهم بأن الحلفاء على حق، بل إنهم في النهاية سوف يحققون النصر، وإذا أمكن حثهم على تقديم المساعدة والتأييد والتعضيد وتعاونهم الفاعل والإيجابي والمثمر مع الحلفاء.
4- لتنمية حالة الصداقة والود مع الأمم أو الدول التي تحارب معنا وتقوية هذه الروح(42/370)
وأياً كانت المناهج المستخدمة في هذه الحرب الدعائية سواء ما كان منها في جانب الحلفاء أو دول المحور، فإن الفكرة الأساسية من الحرب النفسية كانت تنمية اتجاهات مؤيدة وقوية داخل المجتمع وكذلك تنمية المشاعر والآراء والمعتقدات الموالية للحلفاء مع تكوين اتجاهات معادية ومعارضة نحو العدو باعتباره كياناً خطراً علينا وباعتباره خارجاً عن أمتنا. أي صب المشاعر العدوانية على عدو خارج عن المجتمع والإنسان بطبعه يميل إلى الالتحام والالتصاق بجماعته عندما يواجه الإحباط أو الفشل أو الخطر أو القلق. والمجتمع يتوحد ويتماسك ويأتلف عندما تواجهه الأخطار الخارجية. ومؤدى ذلك أن الدعاية تستهدف تنمية مشاعر الحب ومشاعر الكره. ولا يوجد شيء أقوى من الحرب في كسر الحواجز الطبقية أو الطائفية والدينية وتنمية مشاعر الوحدة A sense of unity، ويؤدي ذلك إلى تنمية مشاعر الود والصداقة والتعاون داخل المجتمع الواحد والكيان الواحد، ذلك لأن مشاعر العدوان السابقة التي كانت توجه نحو الداخل، وكذلك مشاعر السخط أو الحنق أو النقد تخرج وتنطلق لتوجه إلى عدو خارجي أو خارج عن الذات. ولذلك يلاحظ بوادر الانقسام بعد انتهاء الحرب، كما حدث في اتحاد الأمة الجزائرية والأمة الأفغانية ضد عدو خارجي ثم سرعان ما دب الخلاف بين رفقاء السلاح بعد انتهاء معركتهم من العدو الخارجي
والإنسان يتألم إذا عرف أن عدوه يكمن في داخل ذاته، ويعجز عن مقاومته ويصاب بالحزن، ولذلك يتجسد عداء الإنسان في الإسلام لعدو خارجي عنه هو الشيطان أو إبليس اللعين باعتباره عدواً خارجياً تسهل محاربته. وبالمثل تفعل الدول عندما تريد أن تصرف أنظار أبناء المجتمع عن أخطائها، فإنها تخلق له عدواً خارجياً تصب عليه جام غضبها وتنسب إليه مشاكل المجتمع.
وفي زمن الحرب تقوى مشاعر حب الوطن أو الوطنيةوتعلو فوق كافة المذاهب السياسية أو الاقتصادية كالشيوعية أو الاشتراكية أو الماركسية
وقصارى القول: إن الحرب النفسية لا تعرف حدود الزمان والمكان، فهي تمارس قبل الحرب لإعداد عقول الناس لها، وأثناء الحرب لرفع الحالة القتالية وزيادة الاعتقاد في عدالة القضية التي نحارب من أجلها، وبعد الحرب لتدعيم مكاسبها وترسيخها. كذلك فإن الحرب النفسية ذات طبيعة مستترة فهي تعمل في الخفاء ومن وراء ستار ولا تظهر بصورة علنية سافرة وقد تمارس في شكل خبر، أو قصة، أو واقعة، أو رواية، أو مسرحية، أو شائعة. ولا تعرف الحدود الجغرافية؛ لأنها تمارس عبر الأثير، وتنطلق لتجوب العالم كله. وهي وإن كانت لا تستخدم الأساليب العسكرية إلا أن تأثيرها قويا في النيل من معنويات الخصم وعزيمته وإضعاف إرادته. ومن خصائص الحرب الدعائية الحديثة أنها لا تمارس فقط في المجال العسكري وإنما في كافة مجالات الحياة العصرية السياسية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والثقافية، أو الفكرية، أو العقائدية، أو الإيدولوجية. ولنجاحها لابد من اعتمادها على العلم والمنهج العلمي، ومن ذلك دراسة اتجاهات وظروف المجتمع الذي توجه إليه، ومعرفة التربية التي يحتمل أن تنمو فيها وتنتشر وتزدهر الشائعات، وتلقى الشائعات قبولاً إذا كانت تشبع حاجات الناس مع المعرفة بحقائق الأمور وأسباب الأحداث والوقائع، ولذلك تنتشر في جو الغموض وحيث يحدث التعتيم الإعلامي عن تفسير الأحداث الجارية. وهي أكثر نجاحاً إذا راعت المستوى العقلي، والثقافي، والتعليمي لمن توجه إليه وإذا استخدمت وسائل جذب الانتباه، واعتمدت على التكرار غير الممل وعلى التشويق، وإذا كان مصدرها جذاباً أو مقبولاً من قبل الجمهور المستهدف، وإذا كان مصدر ثقتهم. وتنطبق عليها شروط التعليم الجيد وشروط الإعلام الجيد وشروط الإقناع الجيد.
وكما تشن للهجوم فإنها أيضاً تتصدى للدعاية المعادية بالرد عليها وبيان زيفها وبطلانها.
الهوامش:
1- هتلر هو زعيم الحزب الوطني الاشتراكي النازي مستشار ألمانيا 1933 ورئيس أعلى للدولة الألمانية 1934، أشعل نيران الحرب العالمية الثانية وانتحر في أثناء حصار برلين.
@ المراجع العربية والإنجليزية:
1- بدوي، أحمد زكي، 1986م، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان.
2- دسوقي، كمال، 1990، ذخيرة علوم النفس، توزيع مؤسسة الأهرام، القاهرة، مصر.
3- الحفني، عبدالمنعم، 1994م، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، مكتبة مدبولي، القاهرة، مصر.
4- سالمي، عبدالمجيد، وآخرون، 1998م، معجم مصطلحات علم النفس، دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري، مصر ولبنان.
5- طه، فرج عبدالقادر وآخرون، 1993م، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، دار سعاد الصباح، الكويت والقاهرة..
@ أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية.
==============(42/371)
(42/372)
(42/373)
فاعتبروا يا أُولي الأبصار
اللواء الدكتور - فيصل بن جعفر بالي
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من نعمة الله تعالى على البشر أن جعل في الأرض مستقراً ومتاعاً إلى حين؛ كما قال سبحانه : وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى" حين ( 36 ) {البقرة: 36} .
والأرض لا تكون مستقراً إلا بتوافر الأمن في ربوعها، ولا تكون متاعاً إلا بتوافر الأرزاق والخيرات فيها. وبفقدان أحدهما يفقد الآخر؛ فالجوع يسبب الاضطراب وعدم الاستقرار، وزوال الأمن يسبب تعطل التجارات والمنافع مما يكون سبباً للجوع؛ ولذا قال القائل: "إذا أمن الناس شبعوا" .
ولو نظرنا في واقع الأرض ومن عليها فإننا نجد أن الله تعالى سخر لبني آدم جميع ما فيها من الأحياء والمخلوقات في برها وبحرها وجوها؛ للانتفاع به غذاءً، وكساءً، وركوباً، وغير ذلك، وجعل لهم فيها أمناً إلا من اعتداء البشر بعضهم على بعض.
ولأن اختلال الأمن وقلة الرزق في الأرض لا تكون إلا نتيجة لتصرفات البشر الخاطئة، وبما كسبت أيديهم فإن الله تعالى أنعم على البشرية بالشرائع التي تضبط تصرفات هؤلاء البشر؛ حتى لا يبغي بعضهم على بعض، ولا يظلم بعضهم بعضاً.
ومن هنا كان العدل هو قوام الدنيا، والظلم هو سبب خراب العالم، كما قال الماوردي رحمه الله تعالى: "إن مما تصلح به حال الدنيا: قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النسل، ويأمن به السلطان، وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور؛ لأنه ليس يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل" (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام" (2).
ويقول أيضاً: "العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة" (3).
ولما كتب بعض عمال أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى إليه يقول: "أما بعد فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالاً يَرمُها به فعل" ردّ عليه عمر رحمه الله تعالى بقوله: "أما بعد: فقد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا، فحصنَّها بالعدل، ونق طرقها من الظلم، فإنه مرَمَّتُها والسلام" (4) .
إذا تقرر ذلك فإن أي ظالم يسوم الناس لابد أن تكون نهايته أليمة، وعاقبته وخيمة، وإن تأخرت عقوبته وبدا للناس أنه نجا فما ذاك إلا إمهال من الله تعالى وإملاء لعله أن يتوب من ذنبه، ويقلع عن ظلمه؛ حتى إذا دنت ساعة أخذه كانت أليمة شديدة؛ كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى" وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد 102 {هود: 102} (5).
وسنة الله تعالى في الظالمين أن يهلكهم بقارعة من السماء كما أهلك قوم نوح وعاداً وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين، كما قال سبحانه: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 40 {العنكبوت: 40}.
أو يسلط عليهم ظالمين مثلهم يبغون عليهم ويظلمونهم؛ كما فعل الرومان باليونان، والفرس بالرومان، والبابليون باليهود، وغيرهم كثير. قال الله سبحانه في خبر ظلم بني إسرائيل وتسليط البابليين الظلمة عليهم وقضينا إلى" بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 {الإسراء: 4، 5}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : "وقد أخبره الله عنهم - يعني أخبر النبي { عن بني إسرائيل - أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد؛ فإنهم كانوا قد تمردوا، وقتلوا خلقاً من الأنبياء والعلماء" (6).
أو يرسل عباده المؤمنين على الظالمين ليجتثوا ظلمهم، ويرفعوا بغيهم عن رقاب الناس؛ كما فعل المسلمون بالروم وفارس وسائر الممالك التي كانت ظالمة فأخضعها المسلمون لسلطانهم.
وما حصل في العراق هو من النوع الثاني؛ إذ سلط الله الظالمين من أهل الكتاب على الظالمين من أهل البعث بعد مدة طويلة امتدت لعقود من الإملاء لهم والإمهال.
وبنظرة سريعة على أعمال البعثيين نجد أنهم قد أفسدوا في الأرض، وحاربوا شريعة الله تعالى، وبغوا على الناس حتى كانت نهايتهم أليمة نسأل الله العافية والسلامة.(42/374)
لقد استبدل البعثيون شريعة الله تعالى بأفكار حزب البعث القومي العلماني الذي أسسه، ونظّر لأفكاره نصراني شرقي يدعي: ميشيل عفلق؛ حتى قال شاعرهم عليه من الله ما يستحق:
آمنت بالبعث رباً لا شريك لهوبالعروبة ديناً ماله ثان
ولما حكم البعثيون الناس انقلبوا على دينهم، وثقافتهم، وأخلاقهم، حتى قال أحد منظريهم: "والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب، وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله، والأديان، والإقطاع، ورأس المال، وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ".
ولما حكم صدام حسين العراق عام 1399ه بعد سلسلة من الانقلابات الدموية، وتجريد حاكم العراق أحمد حسن البكر من صلاحياته، ووضعه قيد الإقامة الجبرية؛ قام طاغية العراق بسلسلة من الإعدامات الظالمة طالت ثلث رفاقه من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأكثر من خمسمئة عضو بارز من أعضاء حزب البعث؛ وذلك لتثبيت حكمه الاستبدادي، والقضاء على أي منافس متوقع.
وفي إطار محاربته لكل ما يتصل بالشريعة قام بإعدام سبعة وأربعين عالماً وداعية على الفور، وأغلق الكثير من المساجد، وحارب الكتب الإسلامية، والحجاب الشرعي للمرأة، وجفف منابع الدعوة إلى الله تعالى، ومارس أبشع صور الإرهاب والإذلال لكل من كان في رأسه بقية من إسلام، وألزم الناس بشريعة البعث الكافر، وقهرهم عليها أشد القهر. ثم توج ذلك كله بغزوه السافر للكويت، وظلم أهلها، وجعل جنوده يعيثون فيها فساداً، وكان هذا هو السبب الرئيس في تواجد القوات الأجنبية في المنطقة، كما أدت مغامرته الحمقاء إلى شق الصف العربي والإسلامي، وعدم ثقة الأشقاء بعضهم في بعض، مما أضعف الأمتين العربية والإسلامية على المستوى الإقليمي والدولي، وقوّى إسرائيل في المنطقة، وأوجد المسوغات والأعذار لقوى الظلم والطغيان للتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية.
وبعد هذا الإمهال والإملاء سلط الله عليه وعلى زمرته وحزبه الظالم ظلمة أهل الكتاب؛ فأذلوهم أمام العالم كله بتفتيش قصورهم ومرافقهم، وتدمير أسلحتهم، ثم ضربهم وتمزيقهم شر ممزق فمن مقتول إلى أسير إلى مختبئ إلى هارب لا يدري ما مصيره، وهكذا كانت نهاية الظالمين أليمة شديدة.
إننا لسنا بهذا الكلام نؤيد غزو العراق، وما حصل فيها من دمار وحصار وفساد، وموقفنا هو موقف كل مسلم لا يرضى أن يُمَس إخوانه المسلمون بسوء، وهو عين موقف قادتنا الذين رفضوا هذه الحرب الظالمة - التي قتلت الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ - وسعوا إلى آخر لحظة لمنع اشتعالها، ثم لما اشتعلت حاولوا إطفاءها بشتى الطرق والوسائل؛ ولكن الله تعالى بحكمته أراد أن تمضي كما مضت وكما شاهد العالم، ولما انتهت الحرب أُعلن عن تبرع عاجل بمئة مليون ريال من خادم الحرمين الشريفين لشعب العراق، وأقامت المملكة مركز الخدمات الإنسانية بالعراق وهو عبارة عن مستشفى ميداني متكامل.
ولسنا كذلك نتشفى في النظام البعثي العراقي، وفي أزلامه الظالمين - نعوذ بالله أن نكون كذلك - ولكننا يجب أن نأخذ العبرة والعظة، ونعلم علم يقين أن أي ظالم مهما علت منزلته، أو بلغت قوته، أو كثرت جيوشه وأسلحته المتطورة؛ فإن له يوماً من أيام الله تعالى يؤخذ فيه أخذاً أليماً بعذاب يرسله الله من السماء، أو بتسليط ظلمة يظلمونه كما ظلم غيره؛ ليذوق مرارة الظلم التي كان يُجرِّعها الناس، ثم يسلط الله تعالى على الظلمة ظلمة آخرين يستبيحونهم.. وهكذا؛ كما قال سبحانه: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون 129 {الأنعام: 129}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "ومعنى الآية الكريمة: كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن، كذلك نفعل بالظالمين، نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض؛ جزاء على ظلمهم وبغيهم" (7).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : "ومن ذلك أن العباد إذ كثر ظلمهم وفسادهم، ومنعهم الحقوق الواجبة، ولّى عليهم ظلمة يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف مامنعوا من حقوق الله وحقوق عباده على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين" (8).
فالواجب على المسلم حاكماً كان أم محكوماً وهو يبصر هذه الأحداث العظيمة أن يأخذ منها العبرة والعظة، ويحذر من أن يسلك مسلك الظالمين؛ لئلا يصيبه ما أصابهم من النهايات الأليمة الشديدة.
ومن كان مظلوماً فعليه بالصبر والاحتساب، والعلم بأن للظلم نهاية وإن طال الزمن، وأن الله تعالى بحكمته ورحمته لن يترك الظالمين بلا عقوبة إنْ عاجلاً يراها الناس في الدنيا، وإن آجلاً في الآخرة، وعقوبة الآخرة أشد، فكيف إذا جمع الله تعالى للظالم بين عقوبة الدنيا والآخرة بأن جمع بين الكفر وظلم الناس وعسفهم على الكفر والإلحاد؛ كما كان حال حزب البعث الظالم، وحال كثير من الأحزاب الضالة التي قهرت الناس على مناهجها المنحرفة، المعارضة لشرع الله تبارك وتعالى.(42/375)
أسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا بحفظه، وأن يجنبنا سبيل الظالمين، وأن يمّن علينا بالتبصر والاعتبار. كما أسأله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الحاقدين والظالمين، وأن يسدد قادتنا وولاة أمرنا في أقوالهم وأفعالهم، وأن يدلهم على مافيه خير وصلاح للبلاد والعباد، وللإسلام والمسلمين. إنه بالإجابة جدير، وهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير، والحمدلله رب العالمين.
الهوامش: 1- أدب الدنيا والدين (209) . 2- الحسبة (147) . 3- الحسبة (148) . 4- الحلية (305/5) . 5- رواه البخاري (267/8) ومسلم (2583) . 6- تفسير ابن كثير: (38/3). 7- تفسير ابن كثير: (238/2) . 8- تيسير الكريم الرحمن: (70/2).
==============(42/376)
(42/377)
الصهيونية.. قائدة التوجهات المعادية للإسلام
الواقع يقول: إن كل المراكز والقوى النشيطة ضد الإسلام في كل أنحاء العالم مربوطة بعضها ببعض، وكلها منوطة بمركز واحد يدعمها بنواح عسكرية وسياسية، ويوجهها توجيهاً فعلياً أحياناً. وبتعبير آخر نشاهد أمامنا نشاطات "الجبهة الدولية المضادة للإسلام" كما كانت من قبل الجبهة الدولية الشيوعية ضد الرأسمالية على سبيل المثال . ولهذه الجبهة "موسكوها" الخاصة هي تل أبيب عاصمة "اسرائيل"، وامتدادتها في كل الأنحاء، وبخاصة في أمريكا وأوروبا. من أين وصلنا إلى هذه النتيجة؟! الجواب بسيط، عندما ننظر إلى جغرافيا العالم الإسلامي نشاهد بعض ماظهر من العلاقات الطيبة الوثيقة بين إسرائيل وامتداداتها وأعوانها، وسنتبين أن إسرائيل هي الداعمة والمحركة لتلك القوى المضادة للإسلام والمسلمين.
وقد أشار روشن جاكير الباحث التركي إلى نزعات الأوساط المختلفة في أمريكا في قضية الإسلام الجذري، وأكد الباحث في السلسلة البحثية المنشورة في جريدة "مليت" والمسماة ب "ملف امريكا عن حزب الرفاه" على أن الذين طالبوا في كونجرس أمريكا بسياسة شديدة ضد الأحزاب، والجماعات الإسلامية هم المقربون من لوبي "اسرائيل" الامريكي. قال الباحث بأن السياسيين يهوديي الأصل في امريكا هم النافذون في تحديد السياسة الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط، والذين هيمنوا على المؤسسات المنتجة للفكر الاستراتيجي.
وقد شاهدنا في الولايات المتحدة ثلاثة آراء مختلفة في المسلمين، وأصحاب هذه الآراء يعرفون بالصقور والحمامات والوسطيين. وبالطبع كان الصقور هم المنحازون إلى اسرائيل قال روشن جاكير في تلك السلسلة البحثية: "كان الجناح المنتمي إلى الصقور يتكون من الباحثين يهوديي الأصل أو من المرتبطين بدولة إسرائيل ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر، ويدافع الصقور برئاسة برنارد لويس عن فكرة عدم موافقة الدين الإسلامي مع النظام الديمقراطي، ولهذا لايمكن المشاركة أو التعاون مع الحركات السياسية الإسلامية بشكل مستمر.." هذا أمر واضح.. الكل يعرف بأن الدعاية الموجودة في قضية الإسلام الجذري تنبع من لوبي إسرائيل في أمريكا، وأن اليهود يحاولون إصدار قرارات شديدة من الكونجرس في قضية الجماعات الإسلامية السياسية على العالم. وقد لفتت الأنظار مجلة "واشنطن ريبورت" إلى هذا الموضوع وقالت بأن مصدر القلق مما يسمى ب "الخطر الاخضر" هو إسرائيل ولوبيه في الولايات المتحدة.
وفي الحقيقة هناك معركة عالمية أجرتها اسرائيل منذ عام 1950م اجراء سرياً وصرح بهذه المعركة استاذ علم النفس في جامعة حيفا بنيامين بيت هالهمي في كتابه (The Is r aeli connection whe Is r ael A r my and why)وقال فيه: بأن دولة اليهود تقاتل ضد العالم الثالث منذ سنوات طويلة وقد أثبتت الوثائق والملفات الرسمية التي كشفها الاستاذ هالهمي بأن إسرائيل هي الدولة الرئيسية في بيع الأسلحة إلى الأنظمة الفاشية في العالم الثالث، ودعمها بعون تقني. والعون التقني يقدمه خبراء الإرهاب والضباط الاسرائيليون وموظفو الموساد.. والهدف إقامة كيانات مجهزة تقنياً ضد العصابات وإخماد الثورات الشعبية واستجواب رواد الحركة الشعبية بأشنع الطرق أي بالتعذيب..كلها عمليات دنسة وخبيثة تليق بشخصية إسرائيل.
ومن الأنظمة والحكومات والمنظمات التي دعمتها إسرائيل دعماً استراتيجياً ومالياً، السلطات الديكتاتورية اليمينية في جواتيمالا وهندوراس، وسلطة سوموزا في نيكاراجوا، والعصابات الضدية اليمينية، ومراكز بيع الكوكايين في كولومبيا، وسلطة بينوشت في تشيلي وديكتاتورية ستروكسز في باراجواي، والقطعات الموتية التي أقامتها السلطة اليمينية في السلفادور، وديكتاتورية دوايلر في هاييتي والمجالس العسكرية الهمجية في الارجنتين، والديكتاتور باناما مانوئيل نوريجا، والعصابات التاميلية في سريلانكا، وأيضاً القوى العسكرية الرسمية في سريلانكا وديكتاتورية موبوتو في الزائير، والزعيم الاوغندي عيدي أمين وبوكاسا امبراطور افريقيا الوسطى، ونظام ابارتهايد في افريقيا الجنوبية، وحزب انكاشا المنتمي إلى قبيلة زولو، وعصابات Fnla, unita اليمينيتين في انجولا، وحركة انيانيا الانفصالية في السودان الجنوبي، والنظام العنصري السابق في رود يسيا، وكل العلاقات القائمة بين هذه الدول والأنظمة والجماعات والعصابات وبين دولة اليهود مدلل ومبرهن عليها ومشروحة بتفاصيلها في الكتب التالية:
1(Is r ael and latin Ame r ica the milita r y connection)
لمؤلفه بشارة بهبا.
2 (Dango r ous hiason the inside sto r y of the US- is r aeli couent r edationship cohlu r n)
لمؤلفه أندرو ولسلي كوكبورن.
3 (The passionate Attachment Anesicomصs hnuoluement with issael, 1947 to the p r esent)
لمؤلفه جورج ودوجلاس بول.
4 (By way of Deception)
5 (the othe r side of Deceotion)
لمؤلفه فيكتور ستردوسكي الجاسوس السابق في الموساد.(42/378)
ولايعرف مدى تأثير وشرور هذه العلاقات، لكنها واقعة لاسبيل لنكرانها. وقد أوضح بنيامين بيت هالهمي أسباب هذا الصراع الاسرائيلي الواسع. وعلى هذا دخلت اسرائيل في معركة شمولية طوال الحرب الباردة ضد أعدائها أي العرب. وصراعها هذا يستمر أحياناً مع الدعم الأمريكي وأحياناً وحدها، وهي تدعم كل القوى والأنظمة الفاشية في العالم الثالث. وسبب ذلك أن اسرائيل تتخوف وتقلق من أية جذرية تتطور في العالم الثالث وتؤدي إلى ازدياد الدعم العام للعرب المعادي "لاسرائيل"، وقد شرح بنيامين بيت هالهمي وجهة نظر الزعماء الاسرائيليين في العالم الثالث بقوله: إن الزعماء اليهود ينظرون إلى الحركات الجذرية في العالم الثالث عامة، والحركات الإسلامية خاصة بأنها كلها خطر لكيان دولة إسرائيل؛ لأن هذه الحركات تضر بالمصالح الأمريكية وأمريكا هي الحارسة العظمى لدولة اسرائيل وتقوي الجذرية الموجودة في العالم الثالث التي تتخذ موقفاً مؤيداً للعرب ومعادياً لليهود. إن المجتمع الاسرائيلي يحب الغالبين وينحاز إليهم ولايلتفت إلى المغلوبين والمستضعفين ولايرحمهم.
"لاترحم الضعفاء إن لم ترد أن تكون في موقعهم". هذه الكلمة هي الموجهة لشخصية دولة اسرائيل وروحها الحقيقي، وتعتمد النظرة الاسرائيلية للعالم على الداروينية الاجتماعية أي ينقسم الناس إلى الحاكمين والمحكومين أو إلى الغالبين والمغلوبين وكن من الغالبين ولاترحم من ضعف أو سقط من مكانه.
الجبهة الدولية ضد الإسلام من كشمير إلى السودان:
ومن أهم المناطق القلقة في العالم الإسلامي اليوم جامو كشمير التي صارت مصدر اختلاف، وصراع بين باكستان والهند منذ عقود من السنوات. وقد بقيت كشمير تحت سلطة الهند منذ الانقسام الواقع في عام 1947 بالرغم من كون الأغلبية السكانية هناك من المسلمين، وقد أخذ المسلمون يثورون تحت قيادة منظمات وجمعيات، وخاضوا تحركات فدائية ضد النظام القائم الهندي هناك وتمثلت الردود الهندية نحو هذه التحركات بأشنع المجازر في العالم، واستشهد أكثر من 200 ألف مسلم، وذكرت اللجنة الكشميرية في الولايات المتحدة عدد الضحايا بكشمير كالتالي:
قتلُ 15105 مسلمين منذ 1995 واستشهد 97 منهم اثناء التعذيب، وايضاً اصيب بجراح أكثر من 7690 مسلماً.
تعوق 1247 مسلماً، وتعوق عدد من الأولاد المسلمين يبلغ 2030 وهم الذين انقذوا تحت العلاج في المستشفيات.
إحراق 14265 بيتاً للمسلمين بأيدي الإرهابيين الهنود الرسميين أو غير الرسميين.
وأغلقت 490 مدرسة إسلامية، و3 جرائد يومية للمسلمين.
والآن يستمر تعذيب 11600 مسلم في سجون الحكومة، ويختفي 95000 مسلم في مختلف المناطق هرباً من حكومة جاموكشمير الهندية.
هنا نشاهد أن كشمير تمثل "الحدود الدموية للمسلمين" التي سماها كذلك صاموئيل هانتينجتون في مقالته المشهورة معركة الحضارات.
وإذا كانت كشمير جبهة من الجبهات الإسلامية فطبيعي أن تقوم بإزائها الجبهة الدولية المضادة للإسلام (تدعم اسرائيل القوات الهندية، وتوقع سلسلة من الاتفاقات الاستراتيجية مع الهند ضد المعارضة الإسلامية هناك).
وقد نشرت مجلة "واشنطن ريبورت" بعدد يناير 1994 دراسة طويلة عن التعاون بين الجماعات الهندية الجذرية، وبين اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة. كانت المقالة تشير إلى التحالف الكامل بين المنظمات المسلحة الهندية في كشمير وبين اليهود الامريكيين.
وكان من أهم النقاط في تلك الدراسة تطور الحركة المسماة ب "هندوتوا" التي تعتمد على التعصب الديني والعدوان على المسلمين، وهي المنظمة التي تمتد شُعبها إلى الولايات المتحدة ممثلة بأسماء المنظمات المعتدلة مثل:
r SS, BJP, Fisi, wo r ld, hidu colnail, VHP وكانت هذه المنظمات قد ازدادت نفوذاًً في السنوات الأخيرة؛ لأنها كلها أخذت تتعاون مع اللوبي اليهودي أكبر اللوبيات في واشنطن ومن المهم أن VHP, r SS, BJP أي المنظمات المعتدلة كانت في طريق التحالف الصهيوني الهندي!
وكلها مسئولة عن التعديات والهجمات الواقعة على المسلمين في القارة الهندية لارتباطها مع منظمة "جيس شيوا"، وشيوا هو إله الهلاك في العقيدة الهندية التي تقوم بجميع الحركات العدوانية على المسلمين مثل: قذف المساجد، وإطلاق الرصاص على الطلاب المسلمين في بومباي، وفي جميع مناطق الهند. وقد قال جوروم. س جولواكر وهو من الزعماء لمنظمة( r SS): "علينا أن نجري عملية ادولف هتلر أي عملية التطهير العرقي على المسلمين خاصة وعلى النصارى والبوذيين وجماعة السيخ"، ومن الغريب أن هذا الزعيم المحب لهتلر كان صديقاً حميماً للرجال الإداريين في اسرائيل، وقد أشارت مجلة واشنطن ريبورت إلى أن تلك المنظمات الهندية الأصل كانت تقيم علاقات طيبة مع شيمون بيريز عندما زار شيمون الهند في 17 مايو 1993م، ومن الجرائد المهتمة بالارتباط بين اسرائيل والجماعات الهندية الجذرية جريدة The Time المنتشرة في واشنطن.(42/379)
واكدت مجلة واشنطن ريبورت على أن زعماء المنظمات مثل VHP, r SS, BJP من محبي اللوبي اليهودي فمثلاً قال يتوارى زعيم منظمة معتدلة: "إن اللوبي اليهودي قوي وخبير في أعماله، ويعرف أعضاؤه كيفية جريان الأعمال في الجهاز الإداري والبرلمان. إنهم فعلوا كثيراً من الأمور المهمة لمصلحة الهند. نعم، نشاطنا المتعلق بإقامة لوبي هندي هنا ضعيف جداً؛ لكننا نطلب عون إخواننا اليهود إذا احتجنا إلى شيء إنهم لم يردوا أية حاجة لنا حتى الآن".
وتشير مجلة واشنطن ريبورت إلى أن اللوبي اليهودي أدخل في الأوساط الدولية نشاط بعض المؤسسات الاستراتيجية المنتجة لسياسات دعم الهند، ومن المؤسسات المستخدمة في هذا العمل كارنجى اندومنت التي يرأسها مورتون ابرامويتس.
وأكدت المجلة أن شيمون بيريز قال في زيارته للهند: "إننا ندعمكم في الدعاية المعنية بإعلان كون باكستان دولة إرهابية"، ولم يحدد نوع العلاقة بين اسرائيل والهند بدعم لوبيها فقط، بل كانت دولة اليهود هي التي تدعم الهند منذ سنوات طويلة في قضية كشمير وتزود حكومتها بكل مستلزمات مواجهة مسلمي كشمير، وقد انعكست الأحداث المتعلقة بدعم اليهود للهند أول مرة في أواخر الستينات على وسائل الإعلام.. وأوضح الصحفي ترنس سميث في جريدة "قدس" كل تفاصيل العلاقة بين الطرفين في مقالته المنشورة بتاريخ 28 أغسطس عام 1968، وعلى هذا كانت إسرائيل تبيع السلاح إلى الهند بنسب واسعة الحدود. ومن أهم الأسلحة المبيعة مدفعيات الهاون عيار 120مم التي يسهل تعليم استخدامها بين الجنود ويشتد أذاها في صفوف الأعداء.
واستمرت الاتفاقات والتعاونات بين الجانبين الهندي والإسرائيلي طوال الحرب الباردة لاسيما في مجالات المخابرات والدفاع والبحوث النووية، واستمر تقليد بعثة الوفود بينهما، كانت الدولتان تستوردان وتصدران البضاعة بينهما، وقد زار العقيد المجتمع . م سندي اسرائيل في 1963م؛ لتحديد الأسلحة التي تحتاجها دولة الهند، وأقام في مدينة حيفا طوال شهرين. كانت هذه الزيارة إثر الاحتلال الصيني لولايات شمالي شرقي الهند، واستعان الجيش الهندي في أثناء الحرب الصينية الهندية في عام 1963 بالخبرات والجواسيس الاسرائيليين؛ ليعينوه ويعملوا معه في قضية الأسلحة السوفيتية القديمة العاطلة.
وفي عام 1965 زار الخبراء العسكريون الاسرائيليون برئاسة المخابرات العسكرية الهند عندما اندلعت الحرب بين الهند وباكستان، وقد زودوا دولة الهند بأهم المعلومات المتعلقة بالأسلحة الأمريكية الإنتاج لدى باكستان، وفي حرب 1967 المندلعة بين العرب واليهود بعثت دولة الهند وفوداً عسكرية إلى اسرائيل للتحريات التكتيكية والنتائج الحربية، وقد دعمت اسرائيل الهند بالسلاح اثناء الحرب الهندية الباكستانية التي انتهت بانفصال بنجلاديش عن باكستان.
وكان التحالف السري بين الهند واسرائيل يشمل التعاون في مجال الأسلحة النووية وقد تعرض الكتّاب اليهود مثل دان رافيف إلى تعاون الجانبين في المجال النووي خوفاً من إنتاج باكستان قنبلة نووية، وكان رد اليهود إيجابياً، وأبرمت بين الهند واسرائيل اتفاقية سرية ثم ذهبت بعثة هندية إلى اسرائيل من ضمنها خبيران فيزيائيان نوويان لتعلم دقائق مجال رؤوس الصواريخ النووية، وفي 8 فبراير عام 1986 صرحت جريدة انديان اكسبريس: بأن "اسرائيل" نقلت معلومات عسكرية إلى الهند تتعلق بنيتها الإغارة على المركز النووي في باكستان كما فعلت في اغارتها على المفاعل النووي في بغداد عام 1981.
الجبهة الأثيوبية:
وفي منطقة بعيدة عن كشمير نشاهد الجبهة الدولية الأخرى ضد الإسلام من اثيوبيا، وقد استمر التعاون بين النظامين اثيوبيا واسرائيل ضد المسلمين الثوار الأرتيريين في شمال اثيوبيا الذين قاتلوا طوال نصف قرن؛ ليحصلوا على استقلالهم، وفي 1952 صارت اريتريا دولة فيدرالية مع اثيوبيا بقرار الأمم المتحدة. لكن هذا القرار لم يقبله الشعب الاريتري وتفجرت ثورات واسعة الحدود، وفي 14 نوفمبر 1962 أعلنت اثيوبيا إلحاق أراضي ارتيريا إلى داخل حدودها، وإلغاء الحكم الفيدرالي، ووقعت اريتريا تحت حكم اثيوبيا المباشر. ومارس امبراطور اثيوبيا هيلاسي لاسي ضغوطاً شديدة على المسلمين الاريتريين، وقتل كثيراً من معارضي النظام القائم، ونفى أكثرهم وحرمهم من الحرية الدينية. وقد انهار نظام هيلاسي لاسي في 1974 بثورة عسكرية ماركسية وأصبح العقيد منجستوهيلا مريام زعيم النظام الجديد الاشتراكي لكن السياسة الاستبدادية والقهرية ضد اريتريا لم تتغير، واستمرت القوات الأمنية الاثيوبية بالظلم والقتل في اريتريا. وكان صديق النظام الاثيوبي وفي كلا العهدين السابقين والمعادي للمسلمين اسرائيل أي زعيم الجبهة الدولية ضد الإسلام.(42/380)
وتحدث بنيامين بيت هالهمي عن نشوء العلاقات الحميمة بين اسرائيل واثيوبيا، وأنها ابتدأت بين الجانبين أول مرة في عام 1952 بعلاقات تجارية مدنية وبعد معركة السويس 1952 زار الممثل الاسرائيلي اثيوبيا، وكان التحالف بين الجانبين يقوم على أساس العداء المشترك للعرب والمسلمين، وكان هذا التعاون يحاول أن يستفيد كثيراً من الطرق اليهودية التقليدية، كأساليبهم في إخماد الثورات الشعبية أو التزود بالأسلحة الاسرائيلية، وكما قال هالهمي فقد كان الجيش الأثيوبي يتدرب على أيدي الخبراء العسكريين الاسرائيليين الذين عملوا خصوصاً في مجال الوحدات الخاصة "المغاوير" والعصابات المضادة، ومنها شرطة الطوارئ البالغ عددها 3100 متدرب على ايدي الخبراء اليهود؛ لإخماد الثورات في اريتريا.
الجبهة السودانية:
السودان منطقة من المناطق التي تلعب الجبهة الدولية المعارضة للإسلام هناك دورها التقليدي برئاسة اسرائيل ضدها؛ لأنها أعلنت التزامها بحاكمية الإسلام ومنهجه الحضاري.
والقضية المهمة طوال السنوات الأخيرة هي الصراع الشمالي الجنوبي الذي يعتمد على الدين والسياسة والقومية. يعيش في شمال السودان العرب المسلمون، وأما الجنوب فتقطنه غالبية من المسيحيين والوثنيين الزنوج. هذا الاختلاف الديني القومي توارثته المنطقة منذ حكم الانجليز والإدارة الاستعمارية، فمنذ عام 1960 ثار المسيحيون الجنوبيون ضد نظام الخرطوم القائم في يد المسلمين، واستمرت الثورات برئاسة (Anynya) طوال 12 عاماً، ثم وقفت بإبرام المصالحة بين الجانبين في 1972م، لكن الثورات بدأت جديداً مع إقامة النظام الإسلامي في الشمال.
وترأس هذه الثورات جيش التحرير الشعبي السوداني بقيادة جون قرنق.
ومن الطبيعي أن تدعم اسرائيل كل القوى والحركات المتمردة في السودان الجنوبي.
وصرح بنيامين بيت هالهمي أن اسرائيل تعين القوى الثائرة في الشمال منذ الستينات، وتدرب حركة Anynya الانفصالية تدريباً عسكرياً وايديولوجياً، وتعطيها الأسلحة . ثم ارتبطت "موساد" بالمتمردين الجنوبيين مستخدمة محطات الراديو والبث الإذاعي بالدول المجاورة للسودان، ودربت نحو 30 فدائياً من Anynya في مركزها الخاص بمدينة توريت.
وقد أبرمت اسرائيل اتفاقية مع أوغندا سنة 1970م، واستخدمت حدود هذه الدول مع السودان، ووسعت طرق الدعم لحركةAnynya ، ثم انتهت الثورات في السودان الجنوبي انتهاءً مؤقتاً بمصالحة ابرمت بين حكومة الخرطوم، وبين زعماء حركة انيانيا سنة 1972 في مدينة أديس ابابا عندما كانت السلطة في يد جعفر النميري وهو الزعيم السوداني الذي طور علاقات طيبة وحميمة وسرية مع إسرائيل وانشأت الموساد حين ذاك محطة للمخابرات في الخرطوم، وقام تعاون وتنسيق بين مركز المخابرات السرية للسودان، وبين الموساد في كثير من المجالات.
ثم انتهت سلطة النميري بحركة عسكرية، وبقيت البلاد تحت إدارة حكومات مختلفة حتى عام 1989م، وأقامت في هذا العام الحركة الإسلامية في السودان برئاسة حسن الترابي حكومة جديدة، (وقد عزل فيما بعد) ثم أقامت دولة تعتمد على الشريعة والمبادئ الإسلامية الأمر الذي دفع حركة التمرد في جنوب السودان (انيانيا) بالتحرك مرة أخرى، واقترح زعيمها جون قرنق الذي تربطه باسرائيل علاقات وثيقة شروطاً للجلوس في مذكرات الصلح مع السلطة السودانية، ومن أهم هذه الشروط إلغاء القواعد الإسلامية، ولكن البرلمان السوداني لم يقبل هذه الشروط، ورجعت الحرب بين الطرفين.
التحالف الروسي الاسرائيلي في القوقاز وآسيا الوسطى: جبهتا طاجيكستان والشيشان:
ومن الجبهات الجديدة المعادية للعالم الإسلامي تلك الموجودة في بلاد القوقاز وآسيا الوسطى فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي استقلت الجمهوريات المسلمة أي تحررت لكن الروس لم يتركوا لها الميدان، بل استولوا على أراضي بعضها، وانتهزت اسرائيل فرصاً جديدة في تلك المناطق وأجرت سياسة التقارب مع هذه الجمهوريات الجديدة، وقام وزراء من اسرائيل بزيارات رسمية إلى هذه الجمهوريات الجديدة وكانت اسرائيل تستخدم طرقها التقليدية في هذا التقارب مثل: التعاون في المجال الزراعي، وشاول ايزبزج يضع يده على تجارة المخدرات في هذه المنطقة بصفته رجلاً من رجال الأعمال، وهو جاسوس من جواسيس الموساد.
ولم يكن العامل الرئيسي لتحرك اسرائيل في التقارب هو حساباتها التجارية، بل كانت اسرائيل تهتم بالأمور الاستراتيجية، وتقلق من ازدياد الروح الإسلامية في الجمهوريات الجديدة، ونشوء حركات إسلامية جذرية أصولية هناك، وقد صرح ايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بأن هذه الجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطى تضر بمصالح اسرائيل إن ظهرت فيها حركات إسلامية.
هذا يعني أن العامل الأساسي في اهتمام اسرائيل ببلاد القوقاز وآسيا الوسطى منع نشوء حركات أو جماعات إسلامية أو أية نزعة إسلامية في تلك الجمهوريات.(42/381)
ومن ناحية السياسة الدولية، فإن الولايات المتحدة تدعم وتبارك هذه المشاركة القائمة بين الروس واسرائيل ضد الإسلام الخطير، وقد صرح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق بأن الجذرية الإسلامية معارضة للمصالح الروسية في المنطقة، ويجب على واشنطن أن تتعاون مع موسكو في هذا الموضوع، وقد ظهرت أولى الإشارات للتحالف الروسي الاسرائيلي ضد الإسلام في منطقة طاجيكستان التي تحررت بعد انهيار السوفيت، وسيطرت على السلطة حركة إسلامية جذرية قوية في الإقليم، لكن القدماء من الشيوعيين تعاونوا مع الحكومة الروسية، وأخذوا يحاربون المسلمين، وحكومتهم في أواخر 1992، وهيمنوا على الأقليم بعد مدة قصيرة، وليس من الغريب أن اسرائيل قامت بدعم الشيوعيين في طاجيكستان مع الروس! وهناك جبهة ثانية في القوقاز بعد أن أعلنت الشيشان في سنة 1994م تحررها عن دولة روسيا بالرغم من كونها لم تكسب تحررها كاملاً بعد انهيار السوفيت لبقائها في داخل حدود الروس، وصرح قادتهم الإسلاميون بأن الشعب الشيشاني يهدف إلى إقامة دولة إسلامية فازداد خوف روسيا من إقامة دولة إسلامية متحدة من شعوب انجوش وداغستان وتتار.
يقول صافيتا مراد ممثل القائد جهاد دودايث: إن يلتسين الرئيس السابق يتعاون مع اليهود في هذه الحرب الدموية، هناك زعماء ورجال أعمال يهوديو الأصل في موسكو اقنعوا يلتسين باحتلال أراضي الشيشان.
والخلاصة أن اليهود هم الزعماء في الجبهة الدولية ضد الإسلام في كل أصقاع الأرض وجهاتها، وبخاصة أينما ينبعث أو يحاول أن ينبعث وجود إسلامي جديد يعتمد الإسلام فكراً وتشريعاً وحضارة، وهم ينظمون خططاً تفصيلية، ويجرون سياسة نافذة في البلاد المسلمة أو غير المسلمة، ويجدون حلفاء لأنفسهم غير أن نجاحاتهم هذه لا من شيء! أجل لامن شيء إلا لتقهقر المسلمين واستمرار ضعفهم رغم ما يملكونه من امكانات مادية ومعنوية كبيرة وهائلة. نعم يجب على الشعوب الإسلامية أن تطور استراتيجية نافذة ضد اليهود إذا أرادت أن يكون لها مكان على الأرض.
المراجع:
1 كرين برنتين، أفكار ورجال، ترجمة محمد محمود، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1995م.
2 محمد عمارة، الجديد في المخطط الغربي تجاه المسلمين، مجلة المسلم المعاصر، القاهرة، العددان 71 72، 1994م.
3 مونتجمرى وات، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والاسلامية، الجزء الأول، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1995م.
===============(42/382)
(42/383)
الغزو الفكري المنظم
منذ بعثة صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الإسلام، وأعداء الإسلام يحاربونه بكل ما أوتوا من قوة فكرياً كاتهام الرسو صلى الله عليه وسلم بالسحر والكهانة والجنون... وعسكرياً كما في معارك المسلمين مع المشركين العرب واليهود ثم النصارى بعد ذلك.
ولما لم يستطع أعداء الإسلام القضاء عليه عسكرياً لجأوا إلى الغزو الفكري الذي كان في أول الأمر جهوداً مبعثرة حيناً ومنظمةً أحياناً أخرى مع كونها في غالبها من داخل الصف - القطر - الإسلامي ، إلى أن بدأت الحروب الصليبية الأولى في أواخر القرن الخامس الهجري بالهجوم على بلاد المسلمين ، حتى تمكنوا من الاستيلاء على بيت المقدس سنة (492ه)(1).
"لقد كانت تلك الحروب الصليبية الهمجية ذات طابع استعماري يهدف إلى سلب خيرات تلك البلاد الإسلامية المغزوة ولعل أوضح دليل على ذلك ، أن شعار الحروب الصليبية " اتجهوا إلى بلاد المسلمين حيث تتدفق الأرض عسلاً ولبناً أو لنتجه شرقاً حيث كنوز الذهب والفضة ، وخيرات القمح والفاكهة"(2) .
بيد أن هذ الهدف لم يكن الوحيد أو الأساس ، بل إن هناك هدفاً آخر قد يكون هو الأساس أو على الأقل في درجة الهدف الأساس ألا وهو ماعرف بعد ذلك بالغزو الفكري.
وقضية الصلة بين الحروب الصليبية والغزو الفكري وردت في كثير من الكتب والمراجع التي ناقشتها ، وكشفت عن معالمها. وبعض هذه الكتب أصدرها باحثون مسلمون، وبعضها أصدرها باحثون أوروبيون، وبعضها أصدرها مستشرقون ، ثم استمر الغزو الفكري وازداد بعد اندحار الصليبيين وطردهم من بلاد المسلمين (وفتح بيت المقدس عام "583ه" يوم الجمعة "27رجب" بعد احتلال دام "92" سنة ) (3)، وبعدها أصبح الغزو الفكري يوجه ويدرس وينظم بغرض تدمير الإسلام وإبادة أهله ،حتى جاء بعد ذلك استعمار البلاد الإسلامية ليحمي هذا الغزو ويدعمه ويفكك أوصال المسلمين إلى أن أسقطت الخلافة الإسلامية ليتوالى الغزو الفكري ويشتد، ولا يزال إلى يومنا هذا، لذلك سوف نقسم هذا الغزو الفكري إلى فترات زمنية تتمثل في ثلاث مراحل (مرحلة ماقبل إسقاط الخلافة الإسلامية، ثم مرحلة إسقاطها، ثم مرحلة مابعد إسقاطها).
المرحلة الأولى:مرحلة ماقبل إسقاط الخلافة الإسلامية:
بدأت هذه المرحلة بالحروب الصليبية على مامر؛ ولكن الصليبيين بحمد اللّه خرجوا من بلاد المسلمين ، بل أخرجوا على يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي بعد أن ظفر بهم في معركة حطين (25 ربيع الآخر سنة 583ه) ثم تابع حملاته التطهيرية للبلاد الإسلامية من نير الاحتلال الغاشم حتى وصل بيت المقدس فحاصره حصاراً شديداً إلى أن تم له الفتح في السابع والعشرين من شهر رجب سنة (583ه) كما أسلفنا، وبعد أن انتهت تلك الحروب الصليبية الأولى التي استمرت طيلة القرنين الخامس والسادس الهجريين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين) بهزيمة الصليبيين وعدم تحقيق شيء مما خرج الصليبيون من بلادهم لتحقيقه وبذلوا فيه الأموال والدماء والنفوس ، في تلك الحروب الأولى، وقع لويس التاسع ملك فرنسا في الأسر بعد هزيمة حملته الصليبية ، وبقي سجيناً في المنصورة فترة من الوقت حتى افتداه قومه ، وفُكَّ أسره. وفي أثناء سجنه أخذ يتفكر فيما حل به وبقومه، ثم عاد يقول لقومه : "إذا أردتم أن تهزموا المسلمين ، فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده ، فقد هُزمتم أمامهم في معركة السلاح؛ ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم"(4).
ومن هنا بدأ العمل بجد ومثابرة لغزو بلاد المسلمين فكرياً، وحربهم عقدياً، وكان لابد لذلك من معرفة دينهم وثقافتهم ومعتقداتهم ولغتهم عن كثب؛ ليتسنى بعد ذلك نسفها أو إبطال مفعولها في قلوب وسلوكيات المسلمين، فكان الاستشراق وكان التبشير بداية للتحديات الفكرية الشعواء ضد المسلمين .
المرحلة الثانية: مرحلة إسقاط الخلافة الإسلامية:
كان المكر اليهودي ولا يزال يسعى في تحقيق أهدافه والأفعى اليهودية تنفث سمومها في جميع الأقطار والأمصار ، وحيث لا يمكن لهذه الأفعى اليهودية أن تنتصر وتسيطر على العالم إلا بعد إضعاف أو إيقاف أو إلغاء أية قوة تضادها أو تبارزها ، فقد كان على اليهود - بالرغم من قلتهم ومن تشردهم في أقطار الأرض - أن يخمدوا جميع القوى التي يمكن أن تحد من نفوذهم وسيطرتهم على العالم، ومن هنا أخذ اليهود - قاتلهم اللّه - وبعد سيطرتهم على أوروبا وإقامتها على أسس علمانية - لا دينية -وحصر الدين ورجال الدين في زوايا الكنيسة ، أخذوا يدرسون ويخططون للخطر الأعظم في نظرهم وتقطيع أوصاله، ذلك هو الإسلام، وأولئك هم المسلمون. وللقيام بعمل خطير وكبير كهذا كان لابد من الدهاء والإعداد اللازم والدراسة المستفيضة والتخطيط الطويل، والبعيد المدى.(42/384)
بدأ أعداء اللّه في ذلك، وكعادتهم لابد من استخدام غيرهم لتنفيذ مآربهم - نظراً لقلتهم وتشرذمهم ونظرتهم للأمميين بأنهم عبيد لهم - فعمدوا إلى أوروبا التي أصبحت الصديق الحميم لليهود - بل العصا التي يضربون بها من شاؤوا متى شاؤوا -عمدوا إليها لتنفيذ مؤامراتهم مع مايتبع ذلك من مصالح ظاهرة لهؤلاء الصليبيين في حرب المسلمين.
بدأت المؤامرة بتقطيع أوصال الخلافة الإسلامية أولاً؛ لغرض إضعافها ثم تطويقها لإسقاطها؛ فبدأت الدول العربية بسلسلة من الحروب الاستعمارية - بل الاستدمارية - التي ( بلغت ذروتها في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين "التاسع عشر والعشرين الميلاديين " على النحو التالي اقتساماً بين الدولتين الأعظم - في ذلك الحين - فرنسا وإنجلترا)(5) .
( أ )فرنسا. قامت باحتلال الجزائر عام (1246ه - 1830م) ، ثم احتلال تونس عام (1299ه - 1881م) ، ثم احتلت مراكش عام (1330ه - 1912م) ، ثم احتلال سورية ولبنان عام (1338ه-1920م).
(ب )إنجلترا . قامت باحتلال الهند المسلمة عام (1274ه-1857م) ، ثم احتلت مصر عام (1300ه - 1882م) ، لتستولي على العراق عام (1332ه - 1914م) ، ثم فلسطين عام (1337ه - 1918م) .
(ج ).وقبلها كانت غارات الأسطول البرتغالي على السواحل الإسلامية وأعقبها في أوائل القرن السابع عشر الميلادي استيلاء هولندا على جزر الهند الشرقية .
( د ).احتلال ايطاليا للصومال وأرتريا سنة (1887م) ثم لليبيا سنة (1911م)، ولقد اشتهر الاحتلال الإيطالي بغبائه ونزقه، وشراسته وتهوره .
(ه ).وقد صحب التبشير والاستشراق ذلك الغزو الفكري وبقي مابقي من الاحتلال، بل وبعد أن رحل الاحتلال ، كذلك ظهر "الاستغلال الاقتصادي" واضحاً إبان فترات الاحتلال العسكري، بما يشير إلى بروز ذلك الهدف كأحد الأهداف الرئيسة .
هدم الخلافة الإسلامية:
(لابد من أن تسقط الخلافة الإسلامية قبل أن تقوم دولة إسرائيل ذلك ما تنبأ به "نيلوس" بعد أن اطلع على "بروتوكولات حكماء صهيون"، وذلك سنة (1319ه-1901م)، ولابد أن يقطع الشجرة أحد أعضائها كما أوصى بذلك أحد مؤتمرات التبشير(6)، ولكن كيف لذلك أن يتم؟
لقد استخدم اليهود في خططهم لهدم الخلافة القوى التالية (7) :
( أ )يهود الدونمة (المرتدون). وهم الذين تظاهروا بالإسلام بعد وصولهم من أسبانيا وتجمعهم في (سيلانيك)... وحملوا أسماء إسلامية، ووصلوا إلى أعلى مناصب الدولة؛ مما سهل عليهم مهمة التخريب والتمهيد للقضاء على الخلافة، ومن أشهر يهود الدونمة قبل مصطفى كمال، (مدحت باشا) الذي أصبح صدراً أعظم، وتنقل في حكم ولايات عثمانية عديدة منها سورية، ثم دبّر مؤامرة خلع السلطان عبدالعزيز(1861م - 1876م) ومؤامرة اغتياله بعد ستة أيام من خلعه ، وهو ابن حاخام مجري .
(ب )الصليبية الغربية الحاقدة على الإسلام والمسلمين؛ إذ تحالفت القوى الصليبية في دول عديدة هي: بلغاريا ، ورومانيا، والنمسا ، وفرنسا، وروسيا ، واليونان، وإيطاليا؛ لمحاربة الدولة العثمانية وحرمانها من الهدوء والاستقرار والتفرغ للبناء، وقد أدى الضغط الصليبي المستمر إلى تضييق رقعة الإسلام في أوروبا ، كما أدى إلى تقطيع أوصال السلطة التي كانت تمتد من تركيا شمالاً إلى حضرموت جنوباً، ومن إيران شرقاً إلى طنجة غرباً ، فضاعت الجزائر ثم مصر ومن بعدها تونس وليبيا والمغرب على ما بينا.
(ج )الدعاية الفاجرة التي صورت الحكم في عاصمة الخلافة أبشع تصوير. ودعاية اليهود ماهرة في قلب الحقائق وإبراز المساوئ وطمس المحاسن. ونجحت تلك الدعاية في أوروبا وفي العالم بأسره، حتى غدا من الأمور المسلم بها، أن المسلمين الأتراك متوحشون قساة، يرتعون في الفساد والانحلال، وحين أُبرزت قسوة الأتراك، وطمست وحشية البلغار واليونان والفرنسيين والإنجليز والروس، وصورت الدعاية اليهودية مدحت باشا اليهودي الماكر بطلاً من أبطال العالم وسمته (أبو الأحرار)، وسخرت صحف أوروبا وإذاعاتها لتمجيد مدحت باشا حامل لواء الإصلاح والحرية في السلطنة العثمانية ، وهو في حقيقة أمره يهودي متآمر على الإسلام والمسلمين .
( د )الجمعيات السرية وبخاصة الماسونية؛ التي جندت قواها لخدمة اليهود وهدم الخلافة الإسلامية، واستخدم اليهود محافل الماسون في فرنسا وإيطاليا لنشر الدعاية الكاذبة ضد الخلفاء وبخاصة عبدالحميد الثاني الذي كان عدواً للماسون، ونجح يهود الدونمة بمساعدة محافل الماسون في تكوين جمعية (تركيا الفتاة) التي كان مدحت باشا أول مؤسسيها، وتفرع عن تركيا الفتاة حزب أوجمعية أسموها "الاتحاد والترقي" حملت شعار :الحرية والإخاء والمساواة الذي نقلته عن باريس.(42/385)
(ه)الدعوة المغرضة للقومية العربية(إثارة نعرات القومية). وذلك بإشاعة القومية الطورانية داخل تركيا، وقد تولى كبرها حزب الاتحاد والترقي، وإشاعة القومية العربية في البلاد العربية، وقد تولى كبرها في أكثر الأماكن أشخاص ينتمون إلى غير عقيدة المسلمين ... ألفوا أحزاباً تحمل هذا الفكر ... أمثال :(ميشيل عفلق) زعيم حزب البعث العربي الاشتراكي و(أنطوان سعادة) زعيم القوميين السوريين و(جورج حبش) وغيرهم من نصارى العرب.
الإجهاز على الخلافة:
بهذه المخططات استطاع اليهود أن يجندوا أحد أعضاء الشجرة لقطعها، فكانت المواصفات منطبقة تماماً على ضابط شاب كان من أبرز أعضاء الجمعية الماسونية اتصف بالإقدام والشجاعة، اسمه "مصطفى كمال"، وهو من مواليد "سيلانيك" التي يزيد عدد اليهود فيها عن نصف السكان ... ويرجع كثير من المؤرخين أصل مصطفى كمال إلى يهود الدونمة ، وسواءً أكان هذا صحيحاً أم غير صحيح؛ فإن أعمال هذا الضابط فيما بعد دلت على أنه يُعد أخطر شخص في تاريخ الإسلام ، وأن على يديه تم هدم الخلافة الإسلامية) (8) قاتله اللّه .
ولم يكن تدبير مصطفى كمال أتاتورك، ولا حزب الاتحاد والترقي وما كان هؤلاء إلا "النعل" الذي تلبسه القدم الغليظة الكارهة الكريهة) (9).
ويشير الشيخ " محمد رشيد رضا " إلى أن زعماء الاتحاد والترقي الماسونية كانوا يبذلون أقصى جهدهم لنشر الماسونية بين ضباط الجيش وتدبير المؤامرات، وإحداث الانقلابات ضد الدين، ومما يقوله في هذا الصدد: "إن هؤلاء الزعماء كلهم من شيعة الماسون، يجتهدون في نشرها، وجعل رجال الحكومة من أعضائها ، كما ينشرونها في ضباط الجيش، تمهيداً للفصل بين السياسة والدين" (10).
وظلت جمعية " الاتحاد والترقي " تعمل بصمت ، وتتحرك في خفاء ، وتنشر أفكارها، وتقوم بمهمتها في صفوف الجيش وتحيك المؤامرات بسرية وحذر ... حتى استطاعت عام (1342ه - 1908م) إبعاد الخليفة عن دفة الحكم، وإعطائه - كمرحلة أولى - سلطة روحية شكلية ليس لها من الأمر شئ بعد ثورة قومية فرقت شمل البلاد والعباد. (وقد كان الذي بلغ الخليفة قرار العزل اليهودي الماسوني (قرة صو) الذي انتخب نائباً (للسيلانيك).
وكان قد قابل السلطان عبدالحميد الخليفة العثماني قبل إعلان الدستور في تركيا مندوبٌ عن اليهود ، ثالث ثلاثة من اليهود ورجاه أن يسهل لليهود الهجرة إلى فلسطين مقابل هدية للسلطان خاصة قدرها خمسون مليوناً من الجنيهات لخزينة الدولة؛ فغضب السلطان عبدالحميد رحمه اللّه غضباً شديداً على هذا العرض المشبوه الأثيم وطرده من مجلسه)(11) ، وبعد سقوط الخلافة وتولي مصطفى كمال للحكم في تركيا، قام بتنفيذ جميع ما خططه الأعداء لطمس هوية الإسلام في تركيا، وفي وقت قياسي يدعو للدهشة فكان منها: إلغاء الخلافة الإسلامية، وفصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية، وإلغاء المحاكم الشرعية، واضطهاد العلماء، وإعلان العلمانية ، وتشجيع المرأة التركية والفتيات والشباب على الدعارة والفجور ، إلى غير ذلك من الأعاجيب (12) .
المرحلة الثالثة: مرحلة مابعد إسقاط الخلافة:
بات معلوماً أن العالم الإسلامي - بعد الإجهاز على الخلافة الإسلامية وماتبعها وماسبقها من تقطيع لأوصال العالم الإسلامي الكبير ، وما صاحب ذلك من حملات تبشيرية واستشراق - صار كجسد مثخن بالجراح، استرخى حتى يمن اللّه عليه بالعافية واقترب أمل الصهيونية من التحقيق بهجرة اليهود إلى فلسطين واتخاذها وطناً في أثناء الانتداب البريطاني وفي هذه المرحلة:تخلت كل من بريطانيا وفرنسا عن مستعمراتها ، لسوء أحوالهم الاقتصادية وطلبت الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن ترث النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة) (13)، (وفي منتصف القرن العشرين "في الخمسينات على وجه التحديد"، قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن ترث النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة لتحقق الأهداف نفسها التي كان يحققها هذان النفوذان؛ ولكن الولايات المتحدة مارست في مهارة مايسمى "بلعبة الأمم" تحقيقاً لأهدافها، وكان أهم أساليبها في ذلك: الانقلابات العسكرية التي تصنع عن طريقها البطل أو الزعيم الذي تتعلق به آمال الأمة، فيمتص بذلك مايمور في باطنها ، وكان يمكن أن يؤدي إلى ثورة في غير صالحها، وينحرف بهذه القوة الواردة داخل الشعوب عن أهدافها التي تتحقق فيها مصالح الغرب)(14). وحصلت جميع البلاد الإسلامية فما عدا فلسطين - على استقلالها وتحررها من الاستعمار الغربي الذي عاد أدراجه نتيجة لظروف اقتصادية في الغالب أو لجهاد داخلي؛ ولكن بعد أن أوجد البديل، وبعد أن مزق العالم الإسلامي وجعله دولاً بعد أن كان دولة، وأمماً بعد أن كان أمة ، وهذا من أخطر وأنكى ماتوصل إليه الاستعمار الغربي وظفر به ، فاللّه المستعان .(42/386)
وقد استمر الغزو الفكري، وخاصة التنصير في هذه المرحلة؛ وذلك لضمان إماتة العالم الإسلامي أو الدين الإسلامي في قلوب أهله ، نظراً لمعرفتهم بخطورته عليهم، كما دلّ على ذلك عبارة "لورد جلادستون" - رئيس الوزراء البريطاني؛ إذ يقول: "مادام هذا القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ، ولن تكون نفسها هي في أمان" (15)، وعبارة (جورج براون ) سنة (1944م) :"لقد كنا نخاف شعوباً مختلفة ، ولكنا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لهذا الخوف ... بيد أن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام ، وفي قدرته على التوسع ، وقوته في الإخضاع ، وحيويته في الانتشار، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي"(16) . اللهم زد هذا الدين ومن تمسك به تشريفاً وتكريماً ومهابة ونصراً . والحمدللّه رب العالمين .
الهوامش:
1 لمزيد من الإيضاح انظر. الإمام ابن كثير: البداية والنهاية12-156.
2 حسان محمد حسان: وسائل مقاومة الغزو الفكري للعالم الإسلامي (مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي "دعوة الحق"، 1401ه، شعبان، العدد الخامس) ص24.
3 الإمام ابن كثير : البداية والنهاية ، مرجع سابق ، 12 -323 .
4 محمد قطب : واقعنا المعاصر ، ص 196 .
5 علي جريشة : الاتجاهات الفكرية المعاصرة ، مرجع سابق ، ص 34 .
6 علي جريشة - محمد الزيبق : أساليب الغزو الفكري ص37 .
7 عبداللّه التل : الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام ص75 (بتصرف ) .
8 المرجع السابق ، ص 85 .
9 علي جريشة - محمد الزيبق : أساليب الغزو الفكري، ص 40 .
10 عبداللّه ناصح علوان : الشباب المسلم في مواجهة التحديات ، ص37.
11 المرجع السابق ، ص 37 .
12 لمزيد من الإيضاح انظر . محمد عزة دروزة : تركيا الحديثة ص67 ومابعدها.
13 علي جريشة : الاتجاهات الفكرية المعاصرة، ص 39 .
14 علي جريشة - محمد الزيبق : أساليب الغزو الفكري، ص 48 .
15 حسان محمد حسان: وسائل مقاومة الغزو الفكري الإسلامي، ص 45.
16 المرجع السابق ص45.
==============(42/387)
(42/388)
مأساة تركستان الشرقية 1/2
محمود بيومي 10/2/1426
20/03/2005
يبدو أن الأمة الإسلامية قد أرهقتها المشكلات وتكاثرت عليها المحن.. فتناسى المسلمون العديد من القضايا المهمة.. ومن القضايا التي تناساها المسلمون .. قضية شعب تركستان الشرقية المسلمة.. التي تاهت وضاعت وسط الكيان الصيني .. حيث قامت الصين بطمس كافة المعالم التاريخية لهذه الدولة المسلمة.. واعتبرتها مقاطعة صينية أطلقت عليها اسم مقاطعة " شينكيانج " ومعناها " الأرض الجديدة " .. دون أن يعترض العالم الإسلامي أو يتنبّه إلى خطورة ما حدث وما يحدث لهذه الدولة المسلمة.
فالشعب المسلم في تركستان الشرقية .. يعاني من الاضطهاد، ويتعرّض لمؤامرة كبرى لتذويب كيانه المسلم .. فقد تعرّضت تركستان الشرقيّة المسلمة لجميع الممارسات اللاأخلاقية التي استهدفت القضاء على هويّة الشعب المسلم هناك .. فقامت الصين بإنشاء معسكرات جمعت فيها الشباب والفتيات من أبناء المسلمين.. لإشاعة الرذائل بينهم والنيل من القيم الأخلاقية التي تنادي بها تعاليم الدين الإسلامي الحنيف..وحين اعترض المسلمون على هذه الممارسات .. قامت السلطات الصينية بقتل (360) ألف مسلم من خيرة الشباب المثقف .. وقد سجل التاريخ التركستاني أسماء العديد من الشهداء أمثال: عبد الرحيم عيسى، وعبد الرحيم سيري، وعبد العزيز قاري وغيرهم .
تغيير المعالم
قامت سلطات الاحتلال الصيني بتغيير المعالم الثقافية والقومية وكافة مرتكزات البنيان الاجتماعي لتركستان الشرقية .. وعملت على تنحية العقيدة الإسلامية، ومحو الشخصية الإسلامية لشعب مسلم يضم أكثر من عشرين مليون نسمة من المسلمين.
إن قضية هذه الدولة المسلمة وهذا الشعب المسلم .. الذي يجاهد وحده للحفاظ على هويّته العقائدية وكيان دولته المسلمة .. في حاجة ماسّة إلى جهود المسلمين ومؤسّساتهم التثقيفية والإعلامية .. لتعريف كافة شعوب العالم، وشعوب الأمة الإسلامية بأبعاد قضية تركستان الشرقيّة .. وكيف آلت إلى مصيرها هذا وسط صمت إسلامي عجيب!
لقد تلاشت دولة تركستان الشرقية من الوجود السياسي .. فإذا نظرت إلى خريطة قارة آسيا.. فلن تجد دولة اسمها تركستان الشرقية .. وإنما تجد مقاطعة في النطاق الصيني اسمها " شينكيانج " وتعتبر تركستان الشرقية من أهم المواقع الاستراتيجية في قارة آسيا .. وقد ظلت تركستان المسلمة موضع نزاع بين روسيا والصين عبر المراحل التاريخية المختلفة .. حتى تم اقتسام منطقة تركستان بينهما .. فحصلت روسيا على تركستان الغربية - التي ضمت الجمهوريات الإسلامية التي حصلت على استقلالها بعد تفككك الاتحاد السوفيتي - وحصلت الصين على تركستان الشرقية.
تبلغ مساحة تركستان الشرقية( مليون و828 ألف و418) كيلومتراً مربعاً .. أي أنها أكبر مساحة من باكستان وأكبر من مساحة تركيا.. ويبلغ عدد سكانها أكثر من عشرين مليون نسمة غالبتهم العظمى من المسلمين.. وعاصمتها هي مدينة "كاشغر" التي فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي .. وكان علم هذه الدولة علماً إسلامياً لونه أزرق يتوسطه الهلال والنجمة تأكيداً على إسلامية هذه الدولة.
قامت السلطات الصينية بتقسيم تركستان الشرقية إلى عدة مناطق منذ عام 1945 ميلادية .. وقامت بتغيير اسمها وأسماء العديد من المدن والقرى إلى أسماء صينية .. كما بدأت الهجرات الصينية المنظمة إلى تركستان الشرقية .. بهدف إذابة الكيان الإسلامي داخل الكيان الصيني .. كما تم إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية.. بينما وُضعت المساجد التي سمح بافتتاحها تحت رقابة صينية مشددة.
ثورة المسلمين
لم تهدأ ثائرة الشعب المسلم في تركستان الشرقية طوال فترة الاحتلال الصيني لوطنهم .. فقد سجّل التاريخ العديد من الثورات الإسلامية التحرّرية التي قام بها أبناء تركستان الشرقية.. فبعد احتلال الصين لتركستان الشرقية في عام 1760 ميلادية .. قامت هناك ثورة إسلامية في عام 1863 ميلادية استطاعت تحرير تركستان الشرقية .. وتولى حكم هذه الدولة الإسلامية المستقلة في هذا الوقت " يعقوب خان با دولت " الذي أعلن مبايعته للخليفة العثماني " السلطان عبد العزيز خان ".
لكن السياسة الروسية والصينية .. قد اتفقتا على ضرورة القضاء على هذه الدولة المسلمة التي حصلت على استقلالها بعد جهاد مرير..وذلك لمعارضتهما وجود أي كيان إسلامي سياسي في هذه المنطقة من قارة آسيا.. فقامت الصين باحتلال تركستان الشرقية مرة أخرى بعد (13) عاماً فقط من هذا الاستقلال.
الصرح الحضاري
لقد ساهم شعب تركستان الشرقية في بناء صرح الحضارة الإنسانية العالمية منذ أقدم الفترات التاريخية .. فيرجع إلى هذا الشعب الفضل في اختراع حروف الطباعة من الخشب، وقاموا بطبع العديد من الكتب في مختلف المعارف والعلوم.. ذلك قبل أن تعرف ألمانيا هذا الاختراع..فقد أثبتت الحفريات التي قام بها المستشرق الأثري " فون لي كوك" بمدينة"طورفان " صحّة ذلك.(42/389)
كما عرف شعب تركستان الشرقية "التصوير الملون" منذ أقدم الفترات التاريخية .. في الوقت الذي عرفت فيه أوروبا هذا النوع من التصوير منذ وقت قريب.. كما أن خوف ملوك الصين من شعب تركستان الشرقية هو الذي دعاهم إلى بناء سور الصين العظيم.
تقول المصادر التاريخية لتركستان الشرقية: إنهم عرفوا الإسلام منذ عهد معاوية رضي الله عنه .. وقد أدى اعتناق حاكمها "عبد الكريم صادق بوغرا خان" للإسلام .. إلى دفع مسيرة المد الإسلامي هناك منذ عام 960 ميلادية .. حيث حملوا لواء الدعوة الإسلامية إلى الصين وإلى مناطق متعددة في قارة آسيا .. كما عرفوا اللغة العربية واستخدموا حروفها في كتابة لغتهم.
القضية الشائكة
قضية تركستان الشرقية ليست من المشكلات الداخلية في النطاق الصيني التي لا يجوز التدخل فيها .. فتركستان الشرقية دولة إسلامية خالصة وقعت تحت الاحتلال الصيني وليست مقاطعة صينية .. كما أن قضية هذا الشعب المسلم ليست قضية من قضايا الأقليات المسلمة بأي حال من الأحوال.
الشعب المسلم في تركستان الشرقية .. يسعى للتخلص والتحرّر من فك الشيوعية المفترس .. ويصرّ أبناء هذا الشعب على تقديم التضحيات وتتويج الجهاد بدماء الشهداء .. حيث قدّم أكثر من مليون شهيد في ساحة الجهاد الإسلامي .. وكما حصلت تركستان الغربية على حريتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .. فإن تركستان الشرقية توأم تركستان الغربية تتوق إلى التحرّر .. وما زالت لدى المسلمين هناك بارقة أمل وبقايا ثقة في العالم الإسلامي أن يؤيد جهاده ويبارك خطاه الساعية إلى التحرر .. لتعود تركستان الشرقية - من جديد - دولة إسلامية.
جبهات الجهاد
تأسّست في تركستان الشرقية .. جبهات لمقاومة الاحتلال .. وكان نصيب الجهاد في تركستان أوفر في تحقيق انتصارات طيبة وتخليص البلاد من الاحتلال وإعلان الاستقلال .. حيث اندلعت في تركستان الشرقية ثورة إسلامية في عام 1931 ميلادية .. حررت أغلب أراضي تركستان الشرقية .. وأعلنت الدولة الإسلامية المستقلة في عام 1933 ميلادية.. وأصبحت مدينة " كاشغر" عاصمة لهذه الدولة .. لكن التعاون الصيني الروسي قضى على هذه الثورة وعلى هذه الدولة.
كما قامت ثورة إسلامية أخرى في تركستان الشرقية في عام 1944 ميلادية استطاعت تحرير ولاية " تادبا غاتاي" وولاية "التاي"، وقد أُقيمت فيهما دولة تركستان الشرقيّة ..التي اتخذت من مدينة " إيلي " عاصمة لها .. وقد سعت هذه الدولة؟ إلى تحرير باقي أراضي تركستان الشرقية من الاحتلال الصيني .. لولا التحالف الصيني الروسي الذي قضى على هذه الدولة.
رغم ذلك فقضية الشعب المسلم في تركستان الشرقية لم تجد التأييد الإسلامي أو محاولة إثارة قضية هذا الشعب حتى في المحافل الدولية ..
ونتيجة لسلبية العالم الإسلامي، وعدم اهتمام المسلمين بدعم قضية شعب تركستان الشرقية المسلم .. ظلت هذه القضية الإسلامية المهمة .. محدودة الأفق محصورة في حيز ضيّق لا تستطيع من خلاله أن تمر من عنق الزجاجة الصيني إلى الآفاق العالمية أو الإسلامية على حدّ سواء.
التحرك الإسلامي الشعبي
والتحرك الإسلامي الشعبي تجاه قضية شعب تركستان الشرقية.. يتلخص في أن رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة تقدمت بمذكرة لمؤتمر القمة الإسلامي الذي عُقد في مكة المكرمة عام 1401 هجرية جاء بها: " أنه نتيجة تحسين نظرة حكومة الصين الشعبية للمسلمين.. تطالب رابطة العالم الإسلامي الحكومات الإسلامية بالقيام بمساع لدى الصين الشعبية لتحقيق المزيد من الحرية الدينية للمسلمين في تركستان الشرقية .. هذا بالنسبة للدول التي لها علاقات بالصين .. وإرسال الوفود الإسلامية بصورة متواصلة لتركستان ومحاولة إيجاد بعض المؤسسات الإسلامية الثقافية وتقديم المساعدات الثقافية".
وفي أبريل 1984 ميلادية .. وجّه الشيخ "طيار آلتي قولاج" رئيس الشؤون الدينية في تركيا - في هذا الوقت - الدعوة إلى أمين عام رابطة العالم الإسلامي في هذا الوقت - الدكتور عبد الله عمر نصيف - لزيارة تركيا .. وهناك التقى بالمجاهد التركستاني "عيسي آلب كين" رئيس وزراء تركستان الشرقية - السابق - والذي استطاع أن يلجأ إلى تركيا .. حيث شرح له قضية بلاده وجهود المسلمين المبذولة لمجرد استرداد اسم دولتهم "تركستان الشرقية" بدلاً من الاسم الصيني "شينكيانج" الذي أُطلق بمعرفة الصين على هذه الدولة المسلمة.
لقد عالجت الأمة الإسلامية العديد من قضاياها بالصراخ الإعلامي ! ولكن قضية تركستان الشرقية قد افتقدت مجرّد هذه المعالجات الهشّة .. وفي ظل الغياب الإسلامي استطاعت الصين أن تسلب وطناً إسلامياً وتعزل شعباً مسلماً عن أمته الإسلامية .. وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه وإنما يتطلب أن ترفع بشأنه رايات الجهاد الإسلامي في كافة المجالات .
الإخلال بالخريطة العقائدية(42/390)
مرّت بالمسلمين في تركستان الشرقية مراحل قاسية من الاضطهاد .. حيث تدفقت إلى أراضيها موجات متلاحقة من الهجرات الصينية للإخلال بالخريطة العقائدية من ناحية والإخلال بالخريطة البشرية من ناحية أخرى .. بهدف تحويل المسلمين هناك إلى أقلية واستغلال ثروات هذا الشعب المسلم .. وكما قامت روسيا القيصرية بابتلاع تركستان الغربية وامتصاص خيراتها .. فعلت الصين بتركستان الشرقية التي تعتبر كنزاً كبيراً لما يتوفر بأراضيها من ثراء معدني .
تبلغ أنواع المعادن الموجودة في تركستان الشرقية 121 نوعاً .. فهناك 56 منجماً من الذهب وهناك النفط واليورانيوم والحديد والرصاص .. أما الملح فهناك مخزن طبيعي يكفي احتياجات العالم لمدة عشرة قرون مقبلة .. علاوة على الثروات الزراعية والحيوانية والرعوية .. حيث بلغت أنواع الحيوانات 44 نوعاً.
إن أهل تركستان الشرقية ينتمون إلى أصل عرقي واحد .. ولهم تاريخ وحضارة بشرية واحدة .. فتركستان " اسم جامع لجميع بلاد الترك " - كما يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان - المجلد الثاني ص 23 - كما أن " كاشغر" هي قاعدة تركستان وأهلها مسلمون .. لذا فإن تركستان دولة إسلامية خالصة منذ أن تعرّف أهلها على الإسلام في نهاية القرن الأول الهجري .
ومنطقة تركستان الشرقية تقع في شمالي الصين الغربي .. أي تقع في أواسط آسيا الوسطى .. وهي دولة متعددة القوميات يقيم بها أبناء قوميات: " الإيغور والقازاق والهوي والقرغيز والتاجيك والتتار والأوزبك " ـ الذين يعتنقون الدين الإسلامي ـ بالإضافة إلى قوميتي " هان" و " المغول " .. وتحتل القومية " الأيغورية " المكانة الأولى .. إذ بلغ عددهم وفقاً للإحصائيات المسجلة في عام 1972 ميلادية خمسة ملايين و949 ألف و655 نسمة .
وكل المسلمين في تركستان الشرقية سنيون أحناف .. وقد عرف الإسلام هناك ـ على وجه التحديد ـ في عام 96 هجرية .. وازدادت قوته وانتشر انتشاراً واسعاً بعد اعتناق " سلطان ستوق بوغرا عبد الكريم خان " الإسلام .. حيث اعتنقه سراً في بداية الأمر ثم أعلن إسلامه .. ونشر الإسلام في ربوع تركستان الشرقية في أواسط القرن الرابع من الهجرة .. وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً يدفعهم الحماس الشديد لهذا الدين الحنيف .
إن الأراضي التي تقع في آسيا الوسطى ويقطنها الأتراك .. وتسميها كل من الصين وروسيا بأسماء مختلفة حسب أهوائهما السياسية .. هي نفس البلاد التي تسمي تركستان في المصادر الإسلامية .. وسكان تلك الأراضي هم من الأتراك المسلمين الذين كان لهم دوراً بارزا في تاريخ وحضارة الإسلام .. وهم جزء من الأمة الإسلامية .. التي اشترك التركستانيون في بناء كيانها الماضي والحاضر .. وإن حجبتهم الظروف المعاصرة عن المساهمة الفعلية في الوقت الحالي .
ونظراً لأن سياسة "الأمر الواقع" قد جعلت من تركستان الشرقية جزءاً من أراضي الصين .. فإن التناول لهذا الموضوع ـ من خلال استعراض بعض الوثائق الصينية ـ ليس إقراراً بالتبعية السياسية لتركستان الشرقية للصين ـ بالقدر الذي يسلط دوائر الضوء على دور تركستان الشرقية في نشر الإسلام في الصين .. وعلاقة المسلمين في هذه الدولة المسلمة بسكان الصين منذ أقدم الفترات التاريخية .
لقاء مع قادة العمل الإسلامي
كانت أول مرة أتعرّف فيها ـ بطريقة مباشرة ـ على أحوال المسلمين في تركستان الشرقية وسائر بلاد الصين .. عندما التقيت ـ في أواخر عام 1982 ميلادية ـ بعدد من قادة العمل الإسلامي هناك .. منهم الشيخ نعمان ماشيان نائب رئيس الجمعية الإسلامية في بكين .. والشيخ سليمان قونج نائب أمين عام هذه الجمعية والشيخ المولا حسن شرف جان إمام مسجد شينكيانج ـ تركستان الشرقية ـ و تو تيكل الأستاذ بالمعهد المركزي للقوميات في بكين والشيخ صادق ون هو دينج مدير الشئون الخارجية للجمعية الإسلامية في بكين .
أما قبل هذا التاريخ .. فكنت أكتب عن المسلمين في تركستان الشرقية وفي الصين من خلف السور العظيم .. حيث لا يستطيع أي كاتب أن يزعم أن ما كتب هو الحقيقة .. فقد كنا نتسابق للوصول إلى أقرب شيء من واقع ما يصل إلينا من معلومات تتسرب عبر سور الصين العظيم .. ذلك السور الذي وقعت خلفه أكبر الجرائم ضد المسلمين .. وبعد لقاء قادة العمل الإسلامي هناك والحوار معهم وجهاً لوجه .. ومن أهم ثماره الحصول على معلومات من مصادرها الأصلية .. وإن كانت مغلّفة بغلاف من الحذر السياسي البالغ .
تكررت لقاءاتي بكبار رجال الدعوة الإسلامية هناك .. حيث التقيت بالشيخ إلياس شن شيا شن رئيس الجمعية الإسلامية في بكين ومدير المعهد الإسلامي هناك .. والشيخ محمد حنفي مدير الشئون الإسلامية والشيخ محمد سعيد ما يون فو وهم الآن من كبار المسئولين في قطاع العمل الدعوي الذي تمارسه الجمعية الإسلامية في بكين .(42/391)
عندما سألت الشيخ إلياس شن شيا شن رئيس الجمعية الإسلامية في بكين ـ في هذا الوقت ـ عن تاريخ الإسلام في بلاده قال : " دخل الإسلام إلى الصين في أواسط القرن السابع الميلادي .. وتوجد الآن عشر أقليات قومية تعتنق الإسلام هي : هوي ـ الويغور ـ القارغيز ـ التاجيك ـ التتار ـ الأوزبك وغيرهم .. وهؤلاء موزعون في تركستان الشرقية وقانسو ونيغيشيا وتشينغهاي في شمال غربي الصين بصورة رئيسية .. بجانب عدد ليس بالقليل من المسلمين " الهويين " ينتشرون في العديد من المدن والقرى .
كان رئيس الجمعية الإسلامية في بكين يتحدث إلي بلغة صينية .. يتولى ترجمتها لي بلغة عربية ضعيفة للغاية الشيخ محمد سعيد ما يون فو .. الذي واصل الحديث عن التاريخ الإسلامي لبلاده فقال : لقد وصل الإسلام إلي الصين عن طريق الفتح الإسلامي ـ لمقاطعة ـ تركستان الشرقية ـ وعن طريق الدعوة الإسلامية في المناطق الداخلية .. وعن طريق الدعوة والتجارة ـ معاًـ في المناطق الساحلية .. حيث حمل التجار العرب أخبار الإسلام إلي المواني الصينية منذ بداية عهدها .. فتأسست في المواني جاليات مسلمة منذ وقت مبكر .
وأضاف الشيخ محمد سعيد : إن علاقة العرب بأهل الصين علاقة تاريخية معروفة من قبل ظهور الإسلام .. وقد أثبت التاريخ الإسلامي في بلادنا .. أن فتوحات المسلمين بقيادة القائد المسلم " قتيبة بن مسلم الباهلي " قد بلغت تركستان الشرقية ـ أي الحدود الغربية للصين ـ قبل أن ينتهي القرن الهجري الأول .. وكان للتجار العرب دوراً كبيراً في نشر الإسلام .. حيث عرف هؤلاء التجار " طريق الحرير " المشهور في التاريخ في منطقة آسيا الوسطى ـ حيث تولى قتيبة بن مسلم الباهلي أمر " خراسان " في عام 88 هجرية ووصلت فتوحاته إلى كاشغر في تركستان الشرقية عام 96 هجرية وطريق الحرير بوادي فرغانة ـ
وقال : كما عرف الإسلام في شرق الصين منذ عام 31 هجرية ـ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ وقد بلغ عدد البعثات الإسلامية التي جاءت إلى بلادنا منذ هذا التاريخ وحتى عام 184 هجرية 28 بعثة إسلامية .. وقد اهتمت هذه البعثات بالدعوة والتعليم الإسلامي .. كما اهتم المسلمون بإنشاء المساجد التي كانت جوامع وجامعات إسلامية مفتوحة أمام طلاب العالم الإسلامي .
لقد أسس المسلمون في تركستان الشرقية العديد من المساجد منذ عام 96 هجرية .. ولكنها اندثرت مع الأيام حيث كانت هذه المساجد مشيّدة وفقاً للعمارة الإسلامية البسيطة على النحو الذي شيّدت به مساجد المدينة المنورة في السنوات الأولى من الهجرة النبوية الشريفة .
أما المسجد الأثري الذي بُني في تركستان الشرقية وما زال قائماً حتى اليوم .. فهو مسجد "سلطان ستوق" الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الهجري بعد أن أسلم السلطان ستوق عبد الكريم .. ويتسع هذا المسجد لثلاثة آلاف مصل ـ وفقاً لتقرير الشيخ محمد صالح مدير المعهد الإسلامي في "أورومجي" بتركستان الشرقية .
إن الإسلام في تركستان الشرقية .. قد أسس حضارة إسلامية راقية .. تمثلت في بناء العديد من المساجد في العديد من المدن والقرى في تركستان الشرقية .. والتي أدت دوراً متميزاً في نشر التعليم الإسلامي ونشر المفاهيم اِلإسلامية الصحيحة بين المسلمين هناك .. إلى جانب الدور البارز في التعريف بهدايات وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف .. مما كان له أثره في جذب عدد لا بأس به من أتباع الديانات الأخرى لاعتناق الإسلام .
وبالرغم من تعدد القوميات الإسلامية هناك .. فقد انصهرت كل هذه القوميات في بوتقة واحدة هي القومية الإسلامية باعتبار أن الإسلام هو قومية جميع المسلمين .. كما تأسست في تركستان الشرقية أعرق المدارس الإسلامية التي التزمت بتدريس المناهج الدعوية والتربوية الأصيلة .. حيث عثر هناك على مدوّنات تناولت أسماء هذه المدارس وأسماء المعلمين الذين تولوا مهام الدعوة والتعليم .. وقد توافد على هذه المدارس طلاب العلم في كافة أنحاء تركستان الشرقية وبعض المناطق الصينية .
كما عرف عن المسلمين في تركستان الشرقية .. حرصهم البالغ على تأدية مناسك الحج منذ تعرفوا على الإسلام .. وقد تخصص عدد من دعاة الإسلام في نقل الحجاج إلى بيت الله الحرام .. منهم الشيخ "جهنو" الذي بدأ رحلاته لأداء شعيرة الحج مع إخوانه من مسلمي تركستان الشرقية والمناطق الصينية المجاورة لها منذ عام 837 هجرية .
وتوجد في تركستان الشرقية العديد من المساجد التي تحمل أسماء : " الحنين إلى النبي" صلى الله عليه وسلم و" ذكرى النبي" والتي تخرج منها وفود الحجيج .. كما اشتهر الشيخ "تيمور خان" بتنظيمه لرحلات الحج للمسلمين الجدد .. حيث اعتنق الإسلام على يديه 160 ألف نسمة وأدى فريضة الحج منهم عدد كبير .
==============(42/392)
(42/393)
ظاهرة الصراع في الفكر الغربي بين الفردية والجماعية
إعداد:الشيخ/أبوزيد بن محمد مكي المحاضر بجامعة أم القرى 18/4/1424
18/06/2003
المقدمة
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن من حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه للإنسان أن جعل فيه صفات تبدو في الظاهر متضادة متناقضة , مثل صفة الحب مع البغض , والخوف مع الرجاء , والاتجاه إلى الواقع مع الاتجاه إلى الخيال , والسلبية مع الإيجابية .. وهذه الصفات إذا أعملها الإنسان في مجالها الصحيح , فإنه لا يحدث بينها أي تضاد أو صراع , بل يكون بينها من التوافق ما يؤدي إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة .
وإن من أخطر الصفات التي تبدو في الظاهر متضادة متناقضة : إحساس الإنسان بفرديته , وإحساسه بالميل إلى الاجتماع بالآخرين , وقد انقسم الناس تجاهها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : من اهتم بالجانب الفردي على حساب الجانب الجماعي .
والقسم الثاني : من اهتم بالجانب الجماعي على حساب الجانب الفردي .
والقسم الثالث : من اعتقد الانفصام بينهما , فحاول التوفيق بمحاولة خاطئة .
وإن السبب الحقيقي لهذا الاختلاف يعود إلى عدم فهم حقيقة النفس البشرية , وأنها لن تسعد وتستقيم إلا بالاهتمام بالجانبين المتضادين معاً , وإعطاء كل واحد منهما غذاءه المناسب له , وهذا ما يقدمه الإسلام للإنسان , فإنه كما يغذي الجانب الروحي , يغذي الجانب المادي , وكما يغذي الحب في مجاله , هو يغذي الكره في مجاله , وكما يغذي الخوف فهو يغذي الرجاء , وهنا : كما يغذي الفردية , فهو يغذي الجماعية , ويوفق بينهما توفيقاً يؤدي لصلاح الفرد والمجتمع , بإذن الله تعالى .
وقد أحببت الكتابة في موضوع الفردية والجماعية عبر المباحث التالية :
المبحث الأول : المذهب الفردي .
المبحث الثاني : المذهب الجماعي .
المبحث الثالث : المذهب التلفيقي .
المبحث الرابع : المذهب الإسلامي .
وقد قسمت كل مبحث إلى مطالب تفصيلية , ثم ختمت المباحث بخاتمة ذكرت فيها أبرز النتائج , سائلاً الله تعالى الإعانة والإخلاص والتوفيق .
المبحث الأول : المذهب الفردي
المطلب الأول : حقيقة المذهب الفردي
يقصد بالفردية : اهتمام المرء بنفسه , ومحافظته على ذاتيته , واستقلاله وكيانه(1).
يرى أصحاب المذهب الفردي أن الإنسان فردي النزعة,وأن المجتمع مفروض عليه من خارج نفسه,متحكم فيه بغير إرادته ,ومن ثمَّ فهو مكروه ,وتفتيته وتفكيكه حلال(2).
يقوم المذهب الفردي على إبراز كيان الفرد حتى يجعله مقدساً , يحرم على المجتمع المساس بحريته , وليس له أن يحرِّج عليه , وليس له أن يقول له : هذا خطأ وهذا صواب (3).
وقد نتج المذهب الفردي في الغرب لعدة أسباب أبرزها:(4)
1-ردة فعل للطغيان الكنسي , وفرضه سلطاناً مذلاً على كاهل الناس .
2-ردة فعل لاستبداد الإقطاعيين بالأفراد , وسلبهم حقوقهم وحرياتهم .
3-الانقلاب الصناعي الذي حدث في عصر النهضة الأوروبية , والذي أحدث تغيراً كاملاً في صورة المجتمع , وقدم العمال فرادى من الريف , كل منهم يسعى لتحقيق ذاته , ونفع نفسه .
4-تشجيع الرأس مالية للمذهب الفردي , لقيامه على أساسه , ومدافعته عنه دفاعاً عنيفاً , وكان شعارهم الذي رفعوه : " دعه يعمل . دعه يمر " , أي : دع الفرد يعمل ما يشاء بلا حواجز , دعه يمر بلا عوائق . فكانت دعوة للانطلاق من القيود(5).
المطلب الثاني : أبرز روَّاد المذهب الفردي :
يعتبر , كارل روجرز , عالم النفس الأمريكي , رائد هذا المذهب , والذي وجهه إلى ميدان علم النفس والتربية . وهو ينادي بوجوب إتاحة الفرصة للأفراد للعيش في عالم متحرر من ضغوط المجتمع , وليختاروا القيم التي تنبع من داخلهم . فهو يود تحرير الأفراد من القيود المدمِّرة - كما يسميها - التي يفرضها المجتمع عليهم(6).
1-ويعتبر المذهب الفردي امتداداً لآراء فرويد وآراء مدرسة التحليل النفسي , والذين يزعمون بأن الفرد هو الضحية الدائمة للمجتمع , وأن المجتمع شيء مفروض على الإنسان من خارج كيانه , وضاغط عليه , وكابت لرغباته , ومعوِّق لنموه الأصيل(7).
2-وتعتبر الرأسمالية في الغرب قائمة على أساس فردية الإنسان , فتوسع له في حدود فرديته , وتترك له حرية التصرف في كثير من الأمر حتى يصل إلى حد إيذاء نفسه وإيذاء الآخرين , تحت ستار الحرية الشخصية(8).
3-وكذلك يتبنى هذا المذهب علماء النفس الفرديون , والذين ينظرون إلى المجتمع من وجهة نظر الفرد , فيبالغون في تقديره كشخصية مستقلة , لها كيانها المنفصل عن الآخرين , كما يبالغون في الحجر على حق المجتمع في تأديب الفرد الخارج على طاعته(9).
4-وكذلك ينادي بهذا المذهب:الوجوديون وغيرهم من المنحلين,الذين يقولون بأن المجتمع لا يضره شيء في أن يستمتع الفرد بحريته في شئونه الشخصية,لأنه الفرد هو الأصل,وهو الذي ينبغي أن يتحقق له وجوده الكامل,رضي الآخرون أو غضبوا(10).
المطلب الثالث : فلسفة التربية الحديثة في المذهب الفردي .(42/394)
يرى أصحاب المذهب الفردي أن التربية يجب أن تنطلق من الفرد وتنتهي بالمجتمع , وعليها أن تساعد الأفراد للتحرر من القيود التي فرضها عليهم المجتمع .
إنهم يرون أن الأفراد يتسترون خلف قناعات زائفة تخفي حقيقتهم الأساسية , هذه القناعات الزائفة هي القيم التي يفرضها المجتمع عليهم , وهم في الواقع يؤمنون بأشياء أخرى غيرها , فلابد إذن أن تساعدهم التربية على إخراج القيم النابعة من داخلهم , وتحطيم القيود المفروضة عليهم من خارجهم , وبذلك يتعامل الأفراد مع بعضهم طبقاً لرغباتهم الفطرية المتحررة من القيود التي نسجتها اتجاهات المجتمع وقيوده(11).
المطلب الرابع : نقد المذهب الفردي .
1-أول نقد يوجه للمذهب الفردي أنه اهتم بجانب من الإنسان - بغض النظر عن كيفية الاهتمام - وأهمل جانباً آخر , وبالتالي فلن يتوازن الإنسان , ويكتمل نموه , فهو قد أهمل الجانب الجماعي في الإنسان , وهو حاجة ورغبة ملحة فيه.ففي الإنسان هذه الطبيعة المزدوجة : الميل إلى الفردية , والميل إلى الجماعية,وكلاهما أصيل فيه,فلابد من العناية بهما معاً,وإلا حصل الاضطراب في باطن النفس,وفي واقع الحياة(12).
2-لقد وسعوا في دائرة الفردية حتى خرجوا بالإنسان إلى الأنانية المرذولة , وساهموا في تفكيك المجتمع , وتشتيت طاقات(13).
3-اعتبارهم المجتمع مفروض على الفرد خطأ , لأن المجتمع ناشئ من داخل كيان الفرد , ناشئ من رغبته في الاجتماع بالآخرين , ونقصد بالمجتمع : المجتمع الطبيعي الذي ينشأ من تلاقي الأفراد , لا نقصد به المجتمع المنحرف , وهم كذلك لا يقصدونه , وإنما يقصدون أي مجتمع هو مفروض على الفرد , معوِّق لنموه , والصحيح بأنه ما هو إلا تكملة طبيعية للفرد , وامتداد طبيعي يجد فيه الفرد وجوده المتكامل السليم(14).
4-إن خروج الأفراد على تقاليد المجتمع الصحيحة دون رادع,وتنازل المجتمع عن تقاليده تلك نتيجة الحتمية:انهيار المجتمع بكارثة تصيبه من الداخل أو الخارج,وتؤدي في النهاية إلى حرمان أولئك الأفراد أنفسهم مما كانوا غارقين فيه من المتاع المباح(15).
5-إن المذهب الفردي ينفي عن الإنسان كل هدف أبعد من هدف المصلحة المباشرة القريبة , وينفي عن الإنسان عنصر التطلع إلى ما هو أبعد من الذات(16).
المبحث الثاني : المذهب الجماعي .
المطلب الأول : حقيقة المذهب الجماعي
يقصد بالجماعية : ميل الإنسان إلى العيش في الجماعة , والتعايش معها(17).
يرى أصحاب المذهب الجماعي أن الإنسان جماعي النزعة , وأن الواجب على الفرد أن يغمس نفسه في المجتمع , ويفنى فيه من أجل صالح المجموع .
ويرون أن الوجود المستقل للأفراد عن الجماعة وهم من الأوهام(18).
ويبالغ أصحاب المذهب الجماعي في إبراز كيان المجتمع حتى يجعلون منه كياناً مقدساً , والفرد لا قداسة له ولا كيان , ولا يحق له أن يملك , ولا يحق له أن يصوغ أفكاره وعقائده وأخلاقه وتقاليده . لا يحق له أن يعترض على عمل المجتمع , أو يصفه بأنه خطأ أو صواب . إنهم في الحقيقة يؤلهون المجتمع , ومن يصنع ما يحلو له , ويجعلون الفرد عبداً خاضعاً له(19).
وقد قام المذهب الجماعي لعدة أسباب أهمها :
-1- رد فعل للمذهب الفردي الرأسمالي .
يقول سيد - رحمه الله - : "إنه جموح جديد ينشأ من رد فعل لجموح قديم , وداء جديد تعالج به البشرية من داء قديم . وتحطيم لخصائص الإنسانية في جانب لإنقاذه تحطم خصائصه الأساسية في جانب آخر"(20).
-2- ولأنهم يرون أن الذات الإنسانية محدودة بالزمان والمكان , بخلاف الجماعة , وأن الفرد إنما وجد من أجل نفع الجماعة , ولذلك فالقوى الاجتماعية هي التي تشكل الفرد من أوله لآخره , وليس لكيان الفرد الداخلي أي دور(21).
المطلب الثاني : أبرز روَّاد المذهب الجماعي .
1-يعتبر هيجل من أول من دعا للمذهب الجماعي , ونادى بأن يكون الأفراد تروساً نافعة في أجهزة المجتمع المعقد , وأن يفنوا فيه من أجل صالح المجموع .
2-وقد قام ماركس بهذا المذهب بكل قوة , ودعا المجتمع أن يكبت بوحشية الذاتية الفردية بمساعدة الذاتية الجماعية , حتى يثور الإنسان ضد ضميره الأخلاقي , وضد الحقيقة والعدل , وضد رب الوجود(22).
3-وكذلك يرى هذا المذهب عالم الاجتماع "دوركايم" , ويقول بأن المجتمع قوة قائمة بذاتها, غير نابعة من كيان الأفراد, ومؤثرة في الأفراد بإرادة مستقلة عن إرادتهم (23).
4-وقد قامت الشيوعية في الشرق على هذا الأساس , فوسعت في دائرة الجماعة ( الدولة ) , وحجرت على نشاط الأفراد إلاَّ فيما يتعلق بالنشاطات الحسية الغليظة , ومنعت مشاركتهم الفعلية في سياسة الحكم وسياسة المجتمع , وفرضت عليهم النظم بدعوى أنها أعرف منهم بمصالحهم(24).
المطلب الثالث : فلسفة التربية الحديثة في المذهب الجماعي .
يرى أصحاب المذهب الجماعي - دوركايم وأمثاله - أن وظيفة التربية هي نقل الثقافة الاجتماعية إلى الفرد الناشئ . فالتربية تبدأ بالمجتمع وتنتهي بالفرد .(42/395)
إنهم يرون أن الحياة الحقيقية النافعة تكون بقيام المجتمع وتوثيق روابطه , وبالتالي فالمجتمع يحتل عندهم المكانة الأولى ثم يأتي بعده الفرد , فوظيفة التربية يجب أن تكون منصبة في تطوير الروح الجماعية عند الأفراد . فمحور أهداف التربية في المذهب الجماعي هو المجتمع وليس الفرد .كذلك يرى أصحاب المذهب الجماعي أن مسئولية التربية تقع على الدولة , والتي عليها أن تعد المعلمين والمدارس إعداداً مناسباً للقيام بالوظيفة بالشكل الذي ترغب به الدولة (25).
يهتم أصحاب المذهب الجماعي في تربيتهم للأفراد بتقديم معلومات محددة مناسبة للعمل والوظيفة التي يقوم بها أولئك الأفراد . ويهتمون بقضية التعويد على الإذعان والخضوع للسلطة , ويرن أنها من أهم مقومات نجاح الفرد , فالتربية للعمل في المصانع , لا تتطلب عمالاً يناقشون في الصواب والخطأ والحقوق والواجبات . ولذلك فإن علاقة المعلم بتلاميذه , والمدير بمعلميه علاقة تنفيذية , قائمة على السلطة والتعليمات , وإصدار الأوامر , وتنفيذ القرارات , مثل التربية العسكرية التي تجفف إرادة الفرد , وتجعله ينفذ الأوامر دون تساؤل أو تفكير(26).
المطلب الرابع : نقد المذهب الجماعي
1-يقوم المذهب الجماعي بالاهتمام بجانب من الإنسان - بغض النظر عن كيفية - وإهمال جانب آخر فيه , وهو الجانب الفردي , وبالتالي يختل كيان الإنسان , ويفقد سعادته(27).
2-إن معاملة الفرد على أنه حركة لا إرادية في أيدي المجتمع الشديدة إنكار للعلاقة الفردية بين العبد وربه , وهي علاقة فطرية ضرورية للإنسان , لا صلاح للفرد بدونها , والعبد مسئول فرداً يوم القيامة عن أعماله , ولذلك فليس هو ملك للمجتمع يصرفه كيفما يشاء , بل له القدرة والاختيار في أعماله وأقواله(28).
3-إن اعتبار الجماعة أسمى من الأفراد خطأ, وإنما خلقت الجماعة كقوة تكميلية للأفراد(29)
4-إن المذهب الجماعي يقضي على تميز الأفراد , ولا ينشئ إلا مجتمعاً مستضعفاً خانعاً , لأن أفراده أصفاراً لا وجود واقعي لهم , ليس لديهم القدرة على رفع ظلم عن مظلوم , لا بكلمة ولا بفعل , طالما أن المجتمع أراد ذلك.أي:الحاكم والسلطان على الحقيقة(30).
5-إن الواقع المحسوس يرد على المذهب الجماعي كما يرد على المذهب الفردي وهو أن كل فرد هو في ذات الوقت كائن مستقل , وعضو في جماعة , ولا تكاد توجد لحظة واحدة ولا فكرة ولا عمل يمكن أن يزاوله الفرد بإحدى صفتيه دون الأخرى , وإن بدا في ظاهر الأمر أن هذا مستطاع(31).
المبحث الثالث : المذهب التلفيقي
المطلب الأول : حقيقة المذهب التلفيقي
يراد بالمذهب التلفيقي : المذهب القائم على وجود انفصام بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية عند الإنسان , وعلى وجود صراع بين الفرد والمجتمع , فيلفِّق مذهباً فردياً ولا جماعياً , وإنما مذهباً نفعياً قائماً على استغلال تبادل العلاقة بينهما إلى أقصى حد .
يرى أصحاب المذهب التلفيقي أن أساس الخطأ عند المذهب الفردي وعند المذهب الجماعي هو الفصل بين الفرد والمجتمع , ووضع مصلحة كل واحد منهما ضد مصلحة الآخر , وأن أياً منهما لا يحقق وجوده إلا بالتغلب على الآخر , فهم يوافقونهم على وجود الانفصام لكن يخالفونهم في طريقة العلاج , فالمعالجة عندهم تكون على وفق ما يحقق المصلحة والمنفعة للجميع(32)
المطلب الثاني : أبرز روَّاد المذهب التلفيقي :
يعتبر جون ديوي من أبرز دعاة هذا المذهب (33),فديوي يعتقد بوجود تأثير كبير للبيئة والمجتمع في أفكار الناس ومعتقداتهم وميولهم(34), ويرى في الوقت ذاته أن للفرد قدرة كبيرة في تغيير نظم المجتمع بما يوافق مصلحته . فمذهب ديوي كما هو معروف قائم على النفعية , وقد يسمى بالذرائعية , وهو محارب لكل شئ من شأنه أن يقف أمام الحرية الشخصية , أو يضع العقبات في سبيل التطور الاجتماعي , فهو يشجع كل مسعى يراد به تنظيم الهيئة الاجتماعية من جديد(35).
المطلب الثالث : فلسفة التربية الحديثة في المذهب التلفيقي :
يرى ديوي أن الفلسفة بإمكانها معالجة انفصام العلاقة بين الفرد والمجتمع . وأن وظيفة التربية تقوم على استغلال تبادل العلاقة بينهما إلى أقصى حد .
ويرى أن الوسيلة لتحقيق هذا الهدف هو الذكاء الإنساني , المتضمن لقوة الملاحظة التي تمكن الفرد من تحديد المشكلات وتحليلها وتقييمها ثم حلها .
فيرى أن بالذكاء يمكن للفرد إعادة تقييم المهارات والعادات والتقاليد الاجتماعية , وتقرير النافع منها.
ويقرر بأن العقل لا ينمو من خلال فرد يطيع المجموع طاعة عمياء , ولا من خلال مجمع يصب الأفراد في قوالب محددة من السلوك ,وإنما ينمو من خلال الحوار وحرية الرأي التي تؤدي إلى إيجاد العقل الاجتماعي.
ويريد ديوي بالعقل الاجتماعي : المؤسسات الاجتماعية التي تفكر بمصلحة الجميع , وتحسين نوعية الفرد .(42/396)
إذن فديوي يرى أن التربية واجب عليها أن لا تقيد الفرد أثناء تعليمه بقيود , بل توفر له الفرصة للتدرب على حل المشكلات , وتعطيه الفرصة ليتعلم بنفسه , ويتفهم آراء الآخرين , ومن هؤلاء الناضجين تتكون المؤسسات الاجتماعية والتي من شأنها أن تضع القرارات والقيود , وتشكل القيم التي توضع بعد ذلك ضوابط للأفراد(36).
المطلب الرابع : نقد المذهب التلفيقي(37):
1-يقوم المذهب التلفيقي على اعتقاد انفصام العلاقة بين النزعتين الفردية والجماعية عند الإنسان , وهذا خطأ أيضاً , فكما تقدم أن لكل نزعة دور مهم تقوم به في حياة الإنسان , وأن إعمال كل منهما في مجاله يؤدي لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة .
2-يعتبر هذا المذهب متناقض مع نفسه , ففي الوقت الذي ينادي بوضع أهداف تربوية متمركزة حول إعداد الفرد , وجعل التلميذ سيِّد نفسه , يضع أهدافاً متمركزة حول المصالح الاقتصادية , ويطالب بتربية الطالب على الخضوع والانقياد لمتطلبات العمل في المؤسسات الصناعية .
فهو في الوقت الذي يدعو فيه إلى توسيع المعلومات لإعداد الفرد , يطالب بإعطاء الطالب معلومات محددة تعده للوظيفة المناسبة , وفي الوقت الذي يدعو فيه تربية الطالب على التأمل والتفكر , يربيه على الخضوع والإذعان للسلطة ولأصحاب العمل . وفي الوقت الذي يدرب فيه الطالب بأن يخطط مستقبله باستقلال ووعي , يدربونه على كيفية تقبل أي وظيفة تسند إليه .
ولذلك فقد احتار المربون الأمريكيون في هذه المشكلة , فمنهم من مال إلى أسلوب النعامة أي : دفن الرؤوس في الرمال , وتجاهل هذا التناقض , ومنهم من يرى بأن الحل لذلك أن بانفصال أهداف التربية , فأهداف تربية الفرد منفصلة عن أهداف المجتمع الصناعي .
3- ينتهي مذهب جون ديوي إلى خدمة المذهب الاقتصادي الرأسمالي فهو في حقيقته تربية ترويضية للناشئة على تقبل النظام الاقتصادي القائم , وتنفيذ سياساته , والدفاع عنه , معدم الانتباه لنقائصه , لأنه صادر عن العقل الاجتماعي , فهو صادر عن حرية الفرد , ولذلك تؤخذ المناهج والنظريات التي تدرس للطلاب عن طريق أصحاب العمل .
المبحث الرابع : المذهب الإسلامي في الفردية و الجماعية .
المطلب الأول : حقيقة المذهب الإسلامي في الفردية والجماعية .
إن سبب اختلاف المذاهب السابقة في الفردية والجماعية يعود إلى اختلاف تصوراتهم عن الطبيعة البشرية(38)ولقد هدى الله أهل الإسلام إلى الحق في ذلك بما علَّمهم في القرآن , وفي السنة , من بيان لحقيقة النفس البشرية , والطبيعة الآدمية , وأنها مخلوقة من قبضة من الطين,سرت فيها نفخة من روح الله,ولذلك فطبيعتها فيها المتضادات:الطين والروح,والحب والكره , والخوف والرجاء,..,وكذلك الفردية والجماعية(39).
يرى أصحاب المذهب الإسلامي أن الفردية والجماعية من أخطر الخطوط في الطبيعة البشرية , وعليهما - في صورتهما الصحيحة أو المنحرفة - تقوم نظم الحياة كلِّها , صالحها أو فاسدها , وعلاقات الحياة كلها , سويها أو منحرفها , وسلوك الأفراد والجماعات(40).
وتقوم نظريتهم على أساس الاهتمام بالنزعتين معاً , دون إغفال لإحداهما , أو المبالغة في تقدير واحدة منهما على حساب الأخرى(41).
يقول محمد قطب : "ففي كل نفس سوية ميل للشعور بالفردية المتميزة , بالكيان الذاتي , وميل مقابل للاندماج في الجماعة والحياة معها وفي داخلها , ومن هذين الميلين معاً تتكون الحياة . ومن ثمَّ لا يكون الإنسان فرداً خالصاً , ولا يكون أيضاً جزءاً منبهماً في كيان المجموع"(42).
ويقول : "لا تمر على الإنسان لحظة واحدة يكون فيها فرداً خالص الفردية قائماً بذاته . ولا تمر عليه لحظة واحدة يكون جزءاً من القطيع غير متميز الكيان , عملية مستحيلة, غير قابلة للتحقيق .
في أشد اللحظات فردية يحمل الإنسان في قلبه مشاعر تربطه بالآخرين .
وفي أشد اللحظات جماعية يحس - بأنه على الأقل - هو الذي ينفذ رغبة الجماعة بذاته , بكيانه الفردي"(43).
المطلب الثاني : أبرز روَّاد المذهب الإسلامي .
مما لا شك فيه أن المذهب الإسلامي في الفردية والجماعية قد جاء واضحاً جلياً في القرآن والسنة , وقد تربى عليه جيل الصحابة والتابعين , ومن بعدهم . فقد جاء في القرآن بأن كل إنسان يحاسب على عمله فرداً , وجاء فيه الأمر بالتعاون مع المجتمع على البر والتقوى , وجاء فيه حث الإنسان أن لا يكون إمَّعة , فيسير مع المجتمع كيف سار , بل عليه أن يحسن إذا أحسنوا , ولا يسيء إذا أساءوا , وجاء فيه الحث على السمع والطاعة لولاة الأمر ما لم يأمروا بمعصية , فالسمع والطاعة إنما تكون في حدود الشرع , وهكذا .
وعندما ظهرت في العصور المتأخرة الرأسمالية متبنية للمذهب الفردي ,وظهرت الشيوعية متبنية المذهب الجماعي , قام مفكروا الإسلام يوضحون موقف الإسلام من الفردية والجماعية , فكان من أوائل من تصدى لهذا الموضوع : سيد قطب رحمه الله في كتابية : الإسلام ومشكلات الحضارة , والسلام العالمي والإسلام .(42/397)
ثم تناول محمد قطب-حفظه الله-هذه القضية بشيء من التفصيل في العديد من كتبه مثل:الإنسان بين المادية والإسلام,ودراسات في النفس الإنسانية,ومنهج التربية الإسلامية,وفي النفس والمجتمع,وغيرها من الكتب.ثم تتابع بعد ذلك علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد ممن يتبنى الإسلام عقيدة ومنهجاً بإيضاح هذه القضية(44).
المطلب الثالث : فلسفة التربية في المذهب الإسلامي
يمكننا أن نقول بأن فلسفة التربية في المذهب الإسلامي تقوم على الأسس التالية: الأساس الأول : تغذية الفردية في الإنسان .
الأساس الثاني : تغذية الجماعية في الإنسان .
الأساس الثالث : التوفيق بين الفردية والجماعية في الإنسان .
الأساس الأول : تغذية الفردية في الإنسان :
إنَّ الاهتمام بالجانب الفردي في الإنسان , والعناية به , يثمر ثمرات عديدة منها :
1-عدم تعلق القلب بغير الله تعالى , وإخلاص العبادة له .
فإن الفرد الذي لا يربي نفسه على الاستغناء عن المخلوقين , والزهد عما في أيديهم من أموال ومناصب ومتع الدنيا , فإن قلبه يتعلق بهم تعلقاً قد يصل به إلى الشرك بالله , وقد يصل به إلى الذلة والمهانة لهم , وقد يناله العذاب منهم من جرَّاء ذلك .
2-الثبات على دين الله تعالى , والقدرة على مواجهة المصاعب والمشاق .
إن الفرد الذي ربى جانب الفردية فيه , لديه من الاستعدادات والقدرات ما يجعله يثبت عند المحن والشدائد , بخلاف الذي أسلم قيادة نفسه للجماعة , تفكر له , وتعتني به, فإنه بمجرد انفراده عنها يضيع وينحرف .
3-مضاعفة النشاط والجهد .
لأنه يعلم أن المحاسبة على الأعمال يوم القيامة فردية , وأن جهده في الدنيا يحقق مصلحة نفسه , ويحقق ذاتيته .
4-تحرير العقل والإرادة من اعتداء الآخرين عليهما .
إن الذي ربى نفسه على أن يفكِّر لها , وينظر فيما يصلحها , ويسير وفق ذلك , بالضوابط الشرعية , فإنه يصعب على الآخرين السيطرة عليه بأهوائهم , ولذلك تجده سرعان ما ينجو من انحرافات الجماعات , ويتحرر من استبداد الطغاة , ويدافع عن نفسه, ويجهر بالحق , ويشارك بالرأي , ولا يسلم نفسه لتقاد بغير شرع الله .
ولمَّا كان لتنمية الجانب الفردي هذه الفوائد العديدة وغيرها كثير , فقد حرص الإسلام على تغذية هذا الجانب من نواحي متعددة منها :
1- ربط القلب البشري بالله تعالى(45):
ويكون ذلك بتعريف الفرد بنعم الله تعالى عليه , وتعريفه بأسماء الله وصفاته وأفعاله ومنها : سعة علم الله , وسعة قدرته , وعظيم إبداعه , وأن الخير بيده , والشر بيده , والحياة والموت بيده , وأن المخلوقين لا يملكون له نفعاً ولا ضراً , ولا موتاً ولا حياة , وأن المالك لذلك كله هو الله .
هذا التعلق القلبي بالله , يجعل الشخص يشعر بوجوده المستقل , ويشعر بالقوة النفسية , والتحرر من عبادة العباد .
2- إشعاره بالمسئولية عن أعماله(46).
كما قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة ٌ) . وقال تعالى :( لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً). (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
فإذا تربى الإنسان على هذا الشعور , فإنه ولا شك سيدفعه للعمل من أجل مصلحة نفسه ونفعها في الدنيا والآخرة , وسيقوم بمحاسبتها ومراقبتها , حتى تحقق له ما يرجو من الأهداف .
3-دعوته إلى الاعتزاز بنفسه , والبعد بها عن سفاسف الأمور(47).
قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ). وقا صلى الله عليه وسلم : "لا يحقر أحدكم نفسه" . قالوا : يا رسول الله , وكيف يحقر أحدنا نفسه , قال : يرى أمراً لله عليه فيه مقال , ثم لا يقول فيه , فيقول الله عز وجل له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول : خشية الناس , فيقول : فإياي كنت أحق أن تخشى" .
4-تحذيره من متابعة الجماعة دون فهم ووعي(48).
قال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) .
وقا صلى الله عليه وسلم : " لا تكونوا إمَّعة , تقولون : إن أحسن الناس أحسنا , وإن ظلموا ظلمنا , ولكن وطِّنوا أنفسكم , إن أحسن الناس أن تحسنوا , وإن أساءوا فلا تظلموا " .
5-حثه على أداء كثير من العبادات بمفرده , وحثه على الإسرار بها:
مثل : قيام الليل , وصيام النوافل , والصدقات , والنصيحة الفردية لآحاد الناس , وغير ذلك .
الأساس الثاني : تغذية الجماعية في الإنسان
إن اهتمام الإنسان بجانب الجماعية له ثمرات عديدة منها(49):
1-التعاون على البر والتقوى , ومقاومة الظلم والعدوان .
2-تجديد النشاط والهمة .
3-اكتشاف عيوب النفس , والقيام بإصلاحها , وخاصة العيوب التي لا تظهر إلا من خلال حياة الإنسان في الجماعة : كالأنانية والكبر , والعجلة والغضب , ..
4-أداء العبادات التي تتطلب أداؤها وجود الجماعة , كالصلوات المفروضة , والجهاد وغيرهما .(42/398)
5-تكامل الطاقات والقدرات , وتحقيق الحاجات النفسية وللمجتمع .
ولمَّا كان للتربية الجماعية هذه الثمرات , فضلاً عن كون الحاجة للجماعة نزعة فطرية في الإنسان , فقد
اهتمت التربية الإسلامية بهذا الجانب اهتماماً عظيماً,ومن ذلك(50) :
1-الربط بين صحة العقيدة وبين حسن الخلق مع المجتمع .
فجعل الدليل على صحة عقيدة الإنسان حسن الخلق مع المجتمع , وجعل سوء الخلق مع الناس دليلاً على فساد العقيدة .
قال تعالى :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّين ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ،وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ). فجعل الله من أخص صفات المكذبين بيوم القيامة , ممَّن فسدت عقائدهم : سوء أخلاقهم مع المجتمع , وخاصة ممن لا يرجون من ورائه نفعاً دنيوياً عاجلاً كاليتامى والمساكين . ومعنى ذلك أن من صحت عقيدته في الله وفي اليوم الآخر , فإنه يحسن خلقه مع المجتمع , سواء رأى مردود ثمرته في الدنيا أم لا , لأنه سيجده عند الله تعالى .
2-وضَّح الإسلام أن المقصود من تشريع العبادات إكساب الناس التقوى . ووضح أن التقوى هي حسن الخلق بقسميه : حسن الخلق مع الخالق , وحسن الخلق مع الناس .
فمن أدى العبادات , وساء خلقه مع الناس , فإن ذلك يدل على نقص تقواه , وأن عبادته ما أنتجت الثمرة المطلوبة منها .
ويدل على ذلك قصة المرأة صائمة النهار , قائمة الليل , ولكنها سليطة اللسان تؤذي جاراتها , أخبر عنها صلى الله عليه وسلم أنها في النار .
ويدل على ذلك حديث المفلس , الذي يأتي يوم القيامة بعبادات عظيمة ومتنوعة , ولكنه يأتي بسوء خلق مع المجتمع , فيتقاسم الغرماء حسناته , حتى إذا فنيت حسناته , أخذ من سيئاتهم فوضعت عليه , فطرح في النار .
3-حث الإسلام على التآخي في الله , وجعل لذلك منزلة رفيعة , وحسنات عظيمة .
4-حث الإسلام على أداء بعض الشعائر جماعة تأكيداً على الجماعة .
5-أمر الإسلام بلزوم الجماعة .
6-حض الإسلام على الشورى .
7-شرع الإسلام الزواج , ورتب على ذلك الأجور الكثيرة .
8-حث على السماحة في المعاملة من بيع وشراء ونحو ذلك .
9-نهى عن كل ما يضر بالمسلم من أقوال أو أعمال كالسخرية والاستهزاء , والكبر والخيلاء , والتناجي .
10- رتب على الأعمال الخيرية التي يقدمها الفرد للمسلمين أجوراً عظيماً , وفضلها على أداء النوافل من الصلوات .
الأساس الثالث : التوفيق بين الفردية والجماعية
هذا التوفيق بين الفردية والجماعية في الإنسان هو من أعظم مميزات التربية الإسلامية عن غيرها من مناهج التربية , ويقوم هذا التوفيق على المبادئ التالية(51):
1-تأكيد الإسلام على أن العلاقة الفردية التي بين العبد وربه , لابد أن تبرز في الخارج في نظام اجتماعي عادل متحرر من كل أشكال التسلط والقهر .
2-جعل الإسلام في شرائعه من الأوامر والنواهي ما يحقق التوازن بين الفردية والجماعية , فإذا انضبط المسلم بالشرع حقق فرديته , وخدم مجتمعه , دون تجاوز من أحدهما على الآخر .
3-بدأ الإسلام في بناء المجتمع من خلال ضمائر الأفراد ووجدانهم , فغرس فيها بذر الحب والرحمة للمؤمنين , وجعل محبتهم من حقيقة الإيمان بالله , ومن الأمور الجالبة لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة .
4-جعل الإسلام العلاقة بين أفراد المجتمع علاقة تكافلية , وأقام السلام على أساس مصلحة الفرد والمجتمع , على خلاف المذاهب الأرضية , فقد جعلت العلاقة بين أفرادها علاقة صراع وتنافس , وأقامت سلامها إما على مصلحة الفرد دون المجتمع,أو العكس .
5-جعل الإسلام قيماً منظمة لعلاقة الفرد بربه , وقيماً منظمة لعلاقة الفرد بنفسه, وقيماً منظمة لعلاقة الفرد بالآخرين , هذه القيم لو ربى المسلم نفسه عليها لأصبح نموذجاً فريداً , تشرأب الأنظار إليه , ولتكون من هؤلاء الأفراد مجتمعات سوية , ولعادت الأمة الإسلامية إلى مكانتها من القيادة والريادة , ولحلَّ السلام الحقيقي بالعالم أجمع .
الخاتمة
وفيها أبرز النتائج :
1- من أبرز الصفات في الإنسان التي تبدو في الظاهر متضادة متناقضة : إحساس الإنسان بفرديته , وإحساسه بالميل إلى الاجتماع بالآخرين .
2- انقسمت المذاهب الفلسفية تجاه الفردية والجماعية إلى ثلاثة أقسام , وكلها ترى أن العلاقة بينهما علاقة صراع وتضاد .
3- يقوم المذهب الفردي على تقديس الفرد , ويقوم المذهب الجماعي على تقديس المجتمع , ويحاول المذهب التلفيقي الجمع بينهما من ناحية المنفعة , فازداد التناقض والصراع عنده من ناحية التربية , فهو يربيه ليكون فرداً , وفي الوقت ذاته يفرض عليه آراء وقيود أرباب العمل دون قناعة منه بذلك , ويربيه على تقبلها دون تفكير.
4- يتبنى المذهب الفردي : الرأسمالية , وعلماء النفس الفردي , والوجوديون , وأصحاب المدرسة التحليلية من أتباع فرويد .
ويتبنى المذهب الجماعي : الشيوعية , ويعتبر هيجل وماركس ودوركايم من أبرز من دعا إليه .
ويتبنى المذهب التلفيقي : جون ديوي , وينتشر فكره حالياً في أمريكا .(42/399)
-5- تنطلق الرؤية الإسلامية لحقيقة الفردية والجماعية من القرآن والسنة , ولذلك ترى أهمية الفردية وأهمية الجماعية , فتربيهما جميعاً في الإنسان بتوازن وشمول وتكامل , فينتج من ذلك الوفاق في داخل الإنسان , وبين الفرد ومجتمعه , ولا يطغى أحدهما على الآخر .
وصلى الله على محمد وآله وسلَّم .
(1)- انظر : شخصية المسلم (12) .
(2)-انظر : منهج التربية الإسلامية (163) .(3)- انظر : جاهلية القرن العشرين (130) .
(4)-انظر : المصدر السابق (131 - 136) . (5)- انظر : المصدر السابق (141 - 142) .
(6)- انظر : أهداف التربية الإسلامية (468) .(7)-انظر : دراسات في النفس الإنسانية(139) . والبحث السابق "مدارس علم النفس : عرض ونقد" . (8)-انظر : منهج التربية الإسلامي(162) (9)-انظر:الإسلام بين المادية والإسلام (111) . (10)- انظر:المصدر السابق (115).
(11)-انظر:أهداف التربية الإسلامية (468 - 469) .(12)-انظر:منهج التربية الإسلامية 163) .
(13)-انظر :دراسات في النفس الإنسانية (133) .
(14)-انظر : دراسات في النفس الإنسانية (139) . والإنسان بين المادية والإسلام (112) .
(15)-انظر:الإنسان بين المادية والإسلام (120) . (16)- انظر : السلام العالمي والإسلام (104) .
(17)- انظر : شخصية المسلم (12) . وانظر:علم الأخلاق , ألكسندر تيتارينكو (150 - 152) .
(18)- انظر : مفهوم إسلامي للتاريخ (68 - 69) . ضمن كتاب " العلوم الطبيعية والاجتماعية من وجهة النظر الإسلامية ".
(19)-انظر:جاهلية القرن العشرين (131).
(20)- انظر :الإسلام ومشكلات الحضارة (104) , وانظر : في فلسفة الحضارة (234) .
(21)- انظر : مفهوم إسلامي للتاريخ (69) . (22)-انظر : مفهوم إسلامي للتاريخ (69) , وانظر : آفاق الفلسفة (387) . (23)- انظر : دراسات في النفس الإنسانية (139) .(24)- انظر :منهج التربية الإسلامية (162 - 163) . وانظر : تقاليد أول أيار , ألكسندر خرامتسوف .(25)- انظر :أهداف التربية الإسلامية (467 , 468) .(26)- انظر : المصدر السابق (471 , 472) .
(27)-انظر : الإسلام بين المادية والإسلام (111) .(28)-انظر : مفهوم إسلامي للتاريخ (71) .
(29)-انظر:مفهوم إسلامي جديد لعلم الاجتماع (50) .(30)-نظر:منهج التربية الإسلامية (164) .
(31)-انظر:الإنسان بين المادية والإسلام (112)
(32)-انظر : أهداف التربية الإسلامية (469) .(33)- انظر ترجمته في : دراسات في الفلسفة المعاصرة , د0 زكريا إبراهيم (58 - 65) .(34)- انظر : المصدر السابق (59) .(35)- انظر : فلسفة المحدثين والمعاصرين , أ0 وولف , ترجمة : أبو العلا العفيفي (110) .(36)-انظر : أهداف التربية الإسلامية (469 - 470) .
(37)- انظر : أهداف التربية الإسلامية (469 - 480) .
(38)- انظر : كلام رودمان ويب , في كتاب " أهداف التربية الإسلامية " لماجد الكيلاني (470) .
(39)-انظر : منهج التربية الإسلامية (126) .(40)- انظر : دراسات في النفس الإنسانية (130) .
(41)- انظر:الإنسان بين المادية والإسلام (128).(42)-انظر:دراسات في النفس الإنسانية (130 , 131) .
(43)-انظر : المصدر السابق (132) .
(44)- انظر : بحوث ندوة خبراء " أسس التربية الإسلامية " . مجموعة في مجلد بهذا العنوان .
(45)-انظر : منهج التربية الإسلامية (165) , وشخصية المسلم بين الفردية والجماعية (52 - 55) .
(46)-انظر : التربية الذاتية من الكتاب والسنة (56 - 60) . (47)- انظر : شخصية المسلم (60) , أسس التربية الاجتماعية في الإسلام (2 - 5) .(48)- انظر : شخصية المسلم (56) .
(49)-انظر : شخصية المسلم (25 - 37) . (50)- انظر : السلوك الاجتماعي في الإسلام , حسن أيوب (11 - 20) , ومنهج التربية الإسلامية .(51)- انظر : مفهوم إسلامي للتاريخ (71) , وأسس التربية الإسلامية (2) , والإنسان في القرآن (8 , 17) والبناء القيمي للشخصية كما ورد في القرآن الكريم (3 , 4 , 13).والنظرية التربوية في الإسلام (16 ,17) .والتربية والتجديد,وتنمية الفاعلية عند المسلم المعاصر (43 59) .
============(42/400)
(42/401)
الفكر الإسلامي على مفارق طرق
الأستاذ / جمال سلطان 22/4/1424
22/06/2003
عندما وقعت واقعة تماثيل بوذا في أفغانستان، وإعلان حركة طالبان المفاجئ عن عزمها على إزالة هذه التماثيل ، وما صاحب ذلك من حالة هوس في العالم أجمع ، بدا المشهد الإسلامي مثيرا للدهشة والحيرة ، بقدر ما هو مثير للقلق ، وبدا أن هناك بونا شاسعا بين المواقف " الإسلامية " من هذه القضية ، وكأنها مواقف تصدر من مناهج وأيديولوجيات مختلفة ، وليست من منهج واحد لدين واحد ، لقد كان هناك من دافع عن هذه التماثيل واعتبرها لونا من الجمال والإبداع الإنساني ينبغي المحافظة عليه والعناية به ، حتى أن كاتبا صحفيا مصريا " إسلاميا " وينتمي إلى جماعة إسلامية كبيرة ومشهورة ، كتب يقول أن هذه التماثيل نعمة من الله ، وأن هدمها يمثل أبلغ إساءة للإسلام وللقرآن الكريم ! ، وفريق آخر رأى أن هذه التماثيل أصنام وأنها يتوجب إزالتها وتحطيمها لأن قطب رسالة الإسلام هي إزالة الأصنام وهدمها ،وبين هذا الطرف وذاك درجات شديدة التباين في الموقف ، وألوان شتى من التمايزات ، بين من يرى جواز التماثيل ومن يرى حرمتها ، ومن يرى حرمتها ولكن المصالح الشرعية تقتضي الحفاظ عليها وحمايتها ، ومن يرى أن لا مفسدة في الدنيا أعظم من مفسدة نشر الأصنام التي تعبد والدفاع عنها وفتح الباب أمام إحياء الوثنية من جديد . ولم يكن هناك حوار فكري حقيقي ، وإنما كان هناك صراع عنيف بين هذه التوجهات والآراء والمناهج ، يتهم هذا ذاك بالإساءة للإسلام ، ومخالفه يتهمه بإهدار معالم الشريعة ، ويتهم الأول الثاني بالغباء العلمي ! ، ويتهم الثاني الأول بتمييع الدين والتساهل المسف ، وهكذا ، وكان كل فريق يصدر عن ما يمكن اعتباره منظومة فكرية ومنهجية مختلفة عن الآخر ، ولقد كان هذا الاختلاف ـ في الحقيقة ـ موجودا من قبل هذه الواقعة ، ومعالمه حاضرة في أكثر من موقف سياسي أو اجتماعي أو قيمي أو عقائدي ، كالخلاف الشهير حول بعض جوانب حجية السنة ، والموقف من الحجاب والنقاب وبعض الأحكام الفقهية للمسلمين المهاجرين في الغرب ، وغيرها ، ولكن واقعة تماثيل بوذا فجرت المسألة تفجيرا عنيفا وواسع النطاق ، ربما لأنها تتعلق هذه المرة بصلب العقيدة ذاتها وشعار الإسلام نفسه ، الأمر الذي أفاد في كشف الغطاء عن مخاطر حقيقية تتهدد الفكر الإسلامي ، مهما حاولنا إنكارها أو التقليل من مخاطرها ، وأنها تضع الفكر الإسلامي كله على مفارق طرق شديدة الحساسية والخطر .(42/402)
وقبل أن نقف أمام تفاصيل المشهد الحالي ، وتياراته ومناهجه ، يكون من الضروري رصد تطورات الحالة الفكرية الإسلامية في العصر الحديث ، منذ بدايات ما يسمى بالنهضة الحديثة وحتى اليوم ، لأن الكثير من التفاصيل إنما تعود إلى جذور بعيدة في شجرة الفكر الإسلامي المعاصر ، يصعب إدراك الصورة العامة الحالة دون العودة إليها والنظر في تياراتها . عندما انكشف العالم الإسلامي أمام التحولات الحضارية الغربية الكبيرة ، وعندما تحول التحدي الحضاري إلى تحد عسكري مباشر ، من خلال قيام الجيوش الأوربية باستباحة أراضي العالم الإسلامي ـ إلا قليلا ـ حيث ذهب كل مستعمر بجزء من " الكعكة " الإسلامية ، أكبرها لبريطانيا ، وبعدها فرنسا ثم إسبانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا ، وجد المسلمون أنفسهم أمام صدمة حضارية قاسية ومريرة ، وبدا العقل الإسلامي يطرح السؤال الذي طالما تأخر طرحه ، وهو السؤال الذي جسدته رسالة مسلمي جزيرة " جاوه " ـ إندونيسيا حاليا ـ إلى السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار : لماذا تخلف المسلمون ولماذا تقدمت أوربا ، وهو السؤال الذي عرضه رشيد رضا على الأمير شكيب أرسلان الذي أجاب عليه تفصيليا ثم نشرت الرسالة والجواب عليها في كتاب بعد ذلك يحمل نفس الاسم ، في تلك الفترة كانت الصدمة هي شعار المرحلة ، والصدمة بطبيعة الحال لا تدع مجالا للفكر أن يقيم لوحة الواقع تقييما متكاملا وعقلانيا وراشدا ، لأن الصدمة تولد حالة الذهول ، وفي هذه الحالة يكون الإنسان أكثر احتياجا إلى المحافظة على موطئ قدمه ، ومكانه ، حتى لا تزل قدمه فيما هو هلاك له ولا يدري ، أو أن تزداد خسارته إذا ترك مكانه الذي هو فيه إلى تراجع أكثر وأخطر وأفدح وهو غير مدرك لاتجاهات الفعل الحضاري وريح التقدم ، وهكذا كان العالم الإسلامي في تلك المرحلة ، مرحلة الحفاظ على الذات والهوية والدين واللغة من الاستباحة والانمحاق أمام تيارات الفكر والتحضر الغربية البالغة الحيوية والعميقة النفاذ والتأثير ، ولذلك شهدت هذه المرحلة المبكرة العديد من المعارك التي تمثل " معركة دفاعية " إن صح التعبير ، هدفها الدفاع عن الأصالة ضد موجات التغريب التي تتسلل من خلال مستشرقين أو تلاميذهم أو بعض الشباب الجديد المتهور المنبهر بأوربا وحضارتها وأخلاقها وفكرها ، فكانت هناك معركة مثل معركة العلماء والمحافظين مع قاسم أمين وكتابيه " تحرير المرأة " ثم " المرأة الجديدة " وشنوا فيها حربا شعواء عليه ، وللحقيقة أن جمهور الأمة كان مع العلماء في هذه المعركة ، والقلة المتغربة هي التي ناضلت مع قاسم ، لأن عموم الناس كانت تستشعر القلق ، وإن كانت عاجزة عن طرح بدائل أو حتى تصورها ، ثم كانت معركة على المنوال نفسه مع علي عبد الرازق وكتابه " الإسلام وأصول الحكم " حيث حاول الرجل إهدار الشريعة الإسلامية جملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون بأفرعه كافة ، بل أهدر وجود شيء اسمه الخلافة أو الدولة في الإسلام ، والحقيقة أن من يقرأ كتاب علي عبد الرازق يهاله مبلغ الضحالة الفكرية والمنهجية في هذا الكتاب ، فهو بالتعبير الدارج " تافه " ولا يتأسس على منطق سوي ولا حجة بليغة ولا عقلانية مفهومة ، ويصعب تصور أن من كتبه قد مر يوما على الدراسات الشرعية أو التاريخية في الإسلام ، ولكن القلق الذي سببه الكتاب كان كبيرا ، وذلك أن العالم الإسلام كان قلقا من حالات الانهيار المتلاحقة ، وكان آ خرها انهيار دولة الخلافة العثمانية ، التي وإن كانت طللا هشا وشكليا وقتها بفعل الدمار والتخريب الذي فعلته جماعة " الاتحاد والترقي " والمؤامرات المتعددة من الدول الأوربية ، إلا أنها كانت تمثل ـ حتى ذلك الحين ـ رمزا في الوجدان الإسلامي على عالمية الأمة المسلمة وهيبتها التاريخية ، وأيضا شاهدا حيا على تواصل حضور القوة السياسية الإسلامية ـ من خلال دولة الخلافة ـ منذ الخلافة الراشدة وحتى نهاية الدولة العثمانية بلا انقطاع ، ولم يكن العقل والضمير الإسلاميان يستوعبان كيف يمكن تصور حياة الأمة من غير سياج الخلافة ، ولعل من أبرز ما يدلنا على هذا القلق والحيرة ، أن علماء الأزهر ، وأغلبهم حنفية ، ظلوا يصلون الظهر جماعة يوم الجمعة عقب صلاة الجمعة ، عقب إعلان الكماليين إسقاط الخلافة ، وذلك لأن فقه الأحناف يربط إقامة الجمعة بنصب الإمام أو الخليفة ، وظل هذا الحال عدة سنوات في مصر قبل أن يستوعب الناس صدمة موات دولة الخلافة .(42/403)
في أعقاب هذه المرحلة ، مرحلة الصدمة ، بدأت الأمة تعاني من اختراق فكري وعقيدي وأخلاقي واسع النطاق ، من خلال ظهور تيارات سياسية وافدة مثل الحركات القومية العلمانية ، والحركات الشيوعية ،وتيارات الإلحاد الديني ، وهي تيارات كانت تستلهم مددها وحيويتها من مجمل الأوضاع المحيطة بها في العالم الإسلامي ، أكثر مما تملكه من فكر أو رأي أو مصداقية ، فقد استمدت الحركات الشيوعية قوتها من مظاهر البؤس الاجتماعي التي كانت تعيشها جماهير الأمة ، وكذلك الظلم السياسي ونحو ذلك ، في الوقت الذي لم يتقدم الفكر الإسلامي بطرح بديل يواكب هذه التحديات الجديدة ، والوعي بها في المجتمع الإسلامي ، وكان من أسوأ المواقف التي وجد الفكر الإسلامي نفسه فيها أن يكون موقفه هو الموقف الدفاعي ضد الشيوعية كعقيدة ملحدة ومخربة للقيم الاجتماعية والأخلاقية ، وهي كانت بالفعل كذلك ، ولكنها كانت أيضا مشروعا للتحرر الاجتماعي والعدالة ونحو ذلك ، وكان من المفترض أن يتقدم الفكر الإسلامي بطرح بديل يقطع الطريق على متاجرة هذا التيار الإلحادي بالقضية الاجتماعية ، وهو ما لم يحدث إلا في فترات متأخرة ، في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين ، عندما كتب سيد قطب ـ على سبيل المثال ـ العدالة الاجتماعية في الإسلام ، وكتب الغزالي ومصطفى السباعي وغيرهم ، وهو ما سوف نعود إليه . وكذلك كانت تيارات المد القومي الجديدة ، والتي نبتت أساسا بالشام ، فالتحمت ـ بحكم المولد والمخاض ـ بالخلفية الطائفية ، حيث برزت الحركة القومية على يد عناصر مسيحية ، كان لها بالضرورة حساسية خاصة مع الإسلام والفكر الإسلامي ، وبالتالي ، ولدت فكرة القومية متباعدة عن الإسلام ومفارقة له ، وبمرور الوقت والتقارب بين التيار القومي والتيارات اليسارية ، حملت الحركة القومية بأبعاد معادية للدين وكارهة لأي دور له سياسيا أو اجتماعيا أو تشريعيا ، ومرة أخرى لم يملك الفكر الإسلامي طرحا بديلا ، يملك الحيوية والجرأة وروح التقدم ، لقطع الطريق على هذا الانحراف بالوعي القومي، وقد كان الأمر ميسورا تماما ، لاحتواء الروح القومية التي تنامت في أعقاب تولي الكماليين للسلطة في تركيا ، ولكن الفكر الإسلامي كان ما زال في أجواء الصدمة ، والرغبة على الحفاظ على الأصالة والهوية ، دون بذل جهد جاد وحقيقي لدعم هذه الهوية في عالم جديد .(42/404)
والمثير للدهشة أن الجهد الحقيقي الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه في ذه المرحلة ، كطرح لبديل إسلامي يواكب التيارات الجديدة ، كان في تفسير القرآن ونصوصه في ضوء التطورات العلمية الجديدة ، فقد اجتهد عدد من العلماء والباحثين ، لكي يقربوا معاني القرآن من الجيل الجديد المهووس بالاكتشافات العلمية والتقدم المذهل الذي وصل له الغرب عن طريق البحث العلمي ، فظهرت كتابات يمكن القول بأنها محاولة لرفع معنويات الإنسان المسلم المضطرب والقلق أمام هذه التطورات العلمية المتسارعة ، فكانت جهود الشيخ طنطاوي جوهري ، وكتابه " الجواهر " وهو محاولة لتفسير النص القرآني بما يتوافق مع النظريات العلمية الجديدة ، وكذلك كتابات الأستاذ محمد فريد وجدي ، والطريف أن فريد وجدي ـ على سبيل المثال ـ حاول تفسير سورة الفيل ، في ضوء العلم الجديد ، وكان الرجل قد تخيل أن العقل البشري في ضوء العلم الجديد والنزعة العقلية لن يسعه استيعاب أن حجرا يقذفه طائر على فيل فيحوله إلى " عصف مأكول " في لحظة ، فتأول الرجل ـ دفاعا عن القرآن ـ المسألة بالقول أن الآية مجرد دلالة رمزية على مرض مثل الطاعون ، أرسله الله فأهلك الأفيال وجيش أبرهة ، وليس القصد هو أن الطير قذف حجارة فدمرت الأفيال بهذا الشكل ، ولا شك في أن فريد وجدي لو عاش إلى أيامنا هذه لأدرك أن تأويله الغريب ليس له ما يبرره على الإطلاق ، لأن العلم الحديث نفسه اكتشف الآن أن حجرا " نوويا " يحمله طير أو طائرة ، لا يبيد فيلا فقط ، بل يبيد مدينة بكاملها ، وما عليها من بشر وشجر ونفس منفوسة . وجدير بالذكر هنا ، أن هذه النزعة ، وإن كانت قد أساءت من حيث أرادت الإصلاح ، إلا أنها كشفت لنا عن اتجاه جديد ، بدأ يتنامى مع الوقت في الفكر الإسلامي ، وهو اتجاه تأويل الإسلام ومعالمه بما يتوافق مع النظريات والأفكار الغربية الجديدة ذات السحر والحضور ، وكانت هذه من أخطر نقاط التحول في الفكر الإسلامي ، وكانت هذه الظاهر قد برزت في الخمسينات والستينات بوضوح ، من خلال الكتابات التي حاولت أن تقرب الإسلام من الفكر الاشتراكي، وتجعل الإسلام دينا اشتراكيا ، ويذكر القراء كتابا لأحد نبلاء الفكر الإسلامي ورجاله الكبار ، الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله " اشتراكية الإسلام " ، وهي نزعة استغلها جيدا فريق جديد من اليسار العربي للإعلان عن توافق الاشتراكية والإسلام ، وأن الإسلام دين اشتراكي ، ويدعو إلى الاشتراكية ، وظهرت نزعة لتفسير الإسلام ونصوصه وشخصياته التاريخية وأحداثه بما يخدم الفكر الاشتراكي ، وقد تبلورت هذه النزعة في ظهور تيار " اليسار الإسلامي " في أوائل السبعينات ولكنه انزوى سريعا لأنه لم يكن يحمل أية مشروعية للحياة ، وكذلك انطفأت سريعا الكتابات التي تحدثت عن اشتراكية الإسلام للسبب نفسه .(42/405)
ومع السبعينات ، ظهرت حركة الإحياء الإسلامي الكبيرة في العالم الإسلامي ، وهي حركة مدهشة كانت لها امتدادات متوالية وعفوية في مختلف أنحاء العالم ، وكانت عفويتها هذه أهم أسباب عجز النظريات الاجتماعية المختلفة عن تفسير أسباب نشأتها ، وإذا كانت هذه الصحوة قد تفاعلت فيها أفكار متعددة ، وظهرت فيها كتابات متنوعة ، إلا أن هناك كتابات معينة هي التي طبعت هذه الصحوة بطابعها ـ النفسي على الأقل ـ وتركت بصمتها واضحة على أبناء ذلك الجيل ، وليس من شك في أن كتابات الأستاذ سيد قطب ، رحمه الله ، كانت النموذج الأوضح في ذلك المجال ، حيث تواكبت مع الروح الجديدة للصحوة الإسلامية ، وظهور انكسار واضمحلال الأفكار والإيديولوجيات التي كان لها صخب كبير على مدار نصف قرن ، وكان لها السلطة والصولجان ، فأتت كتابات سيد قطب المشبعة بروح الاستعلاء الإيماني الكبير على واقع الناس وتحولات الحياة ، بشرقيها وغربيها ، أتت لتمتزج مع روح هذه المرحلة ، وكان من نتائج هذا التحول ظهور نزعة مغايرة لتلك التي سادت في المراحل السابقة ، نزعة تحتقر الحضارة الغربية ، وتهون من أمرها ، وتطرح عوراتها ومثالبها بدلا من الانبهار بإنجازاتها ، واتجه الفكر الإسلامي ـ من ثم ـ للبحث عن معالم المفارقة مع هذه الحضارة بكل تجلياتها وإفرازاتها ، وليس عن أوجه الاتفاق معها ، وكانت هذه الروح الجديدة ضرورية للغاية لاستعادة الفكر الإسلامي لثقته في ذاته ودينه وتراثه ، ولكي ينفض عن كاهله ، بقوة ويقين وإصرار ، عوالق مراحل التيه والذهول والاضطراب التي عرفتها الأمة في عصرها الحديث ، ولكن بالمقابل كانت لهذه النزعة أخطارها وأخطاؤها ، إذ أنها، ككل موقف يقوم على رد الفعل ، غالت في الاستعلاء على الواقع ، والقطيعة معه، إلى الحد الذي حرمها من إمكانيات التواصل معه والتأسيس لمشروعها البديل الذي يحتوي هذا الواقع وينتقل به نقلة جديدة إلى الأمام ، وامتدت هذه القطيعة لتشمل كل معالم الواقع ، فلم يكن للحركة الإسلامية مشروعها السياسي أو مؤسساتها الاقتصادية ، أو نشاطها الأهلي ، أو حضورها الإعلامي ، أو غير ذلك من معاني الحضور وتجلياته ، الأمر الذي حرمها كثيرا من ريادة الفعل الاجتماعي والسياسي ، وجعل بعض فصائلها يتجه إلى ألوان من الرعونة السياسية عندما حاول أن يصرف " فائض القوة " لديه في عمل سياسي أو جماهيري .
ثم أتت المرحلة الأخيرة التي نعيشها الآن ، وهي المرحلة التي يمكن تحديد نشأتها ـ تقريبا ـ بأوائل الثمانينات ، والتي شهدت وما قبلها عددا من الأحداث الجسام ، منها قيام الثورة الإيرانية وما مثلته من عوامل جذب وتحريك لأشواق النصر عند الإسلاميين ، وكذلك حادث اغتيال الرئيس السادات في عملية مثيرة ، وكذلك في الصراع الدموي بين الحركة الإسلامية والنظام السوري ، هذه الأحداث دشنت مرحلة جديدة في العمل الإسلامي ، يمكن وصفها بمرحلة البحث عن المستقبل ، فبعد أن مر الفكر الإسلامي بمراحل الصدمة والذهول ، ثم مرحلة البحث عن مواءمة مع الفكر الغربي ، ثم مرحلة الاستعلاء وإثبات التميز ، بدأت المرحلة التي لا بد وأن كان يصلها الفكر الإسلامي ،وأن يجد نفسه في مواجهة السؤال الكبير ، وماذا بعد ..؟ ، وكيف ندخل في عالم اليوم وتحدياته ، فكانت هذه هي مرحلة التأسيس لمشروعه المستقبلي الذي يعبر عن هويته وأصالته ، في الوقت الذي يعبر فيه أيضا عن قدرته على مجابهة تحديات الواقع المعاصر ، على مختلف الأصعدة ، وأن يطرح مشروعه الذي يؤسس فيه لحضارة جديدة وعالم جديد أكثر عدلا واستنارة ورشدا . هذا التفكير الجديد ، التفكير المستقبلي ، وضع الفكر الإسلامي على مفارق طرق ، لأن الأخطر دائما ليس ما ترفضه ، وإنما ما تقوله أو تبدعه .(42/406)
وقد أفرز هذا الانفتاح التفكيري تيارات ومناهج متعددة للنظر في المستقبل الإسلامي وصياغة مشروع للنهضة ـ إن صح التعبير ـ يعبر تعبيرا راشدا وحقيقيا عن روح الإسلام ودوره في الحياة الإنسانية ، ويمكن استجماع شتات هذه التيارات في ثلاثة اتجاهات ، وإن كان كل اتجاه منها يحمل بداخله بعض التباينات في طرح منتسبيه في الدرجة والحدة ، إلا أن الوجهة العامة والخطوط الأساسية متجانسة إلى حد بعيد . الاتجاه الأول ، وهو اتجاه سلفي واضح النزعة ، يأوي إلى نصوص الوحي ، بصرامة كاملة ، ويأوي إلى السنة المشرفة فيما يعن من مسائل ، صغيرها وكبيرها سواء ، بحكم أن السنة هي الموضحة والشارحة للنص القرآني ، كما أنه تيار يصدر عن قناعة بأن انفلات الفكر من إطار الوحي ودخوله في باب الاجتهاد العقلاني الواسع يوقعه حتما في المعسكر المعادي أو المفارق للوحي ، ويتحول بمرور الوقت إلى عنصر هدم وتخريب في قواعد الإسلام حتى وإن ظن أنه يحسن صنعا ، ويهتم هذا التيار بشكل كبير بالقضايا العقدية ، وتفاصيلها ، والفروق المنهجية والعقدية بين التيارات الإسلامية المختلفة قديمها وحديثها ، وفي الوقت الراهن برز اهتمام هذا التيار بمسألة القبور والأضرحة وما يقع فيها من بدع الطواف والاستغاثة والنذر ونحو ذلك مما لا يجوز إلا لله ، وخاضوا حروبا مريرة مع هذه البدع في العالم العربي وفي أطراف العالم الإسلامي المختلفة ، وحيثما حلوا ، كما يولي هذا التيار اهتماما واضحا بالهدي الظاهر والالتزام به ، من الزي واللحية والنسك والتزام المساجد وعمارتها والآداب النبوية وإحيائها في السلوك العام ، والذي لا شك فيه أن هذا التيار يمكن القول بأنه الوجه الأكثر حضورا وبروزا في الصحوة الإسلامية الأخيرة التي عرفتها الأمة ، من حيث الجهد الضخم الذي بذله أبناؤه والروح الجديدة التي بثوها في جنبات الأمة ، والبصمة الواضحة التي وضعوها في الحياة الاجتماعية والدينية بشكل خاص ، بل إن الصدمة الكبيرة التي أحدثها الحجاب والنقاب واللحية ومعالم الهدي الظاهر ، إنما خاض معتركها هذا التيار بكل جسارة ، وهذه الجوانب كانت بمثابة الراية التي تمثل حضور الصحوة الإسلامية في بلاد المسلمين . ولكن هذا التيار كان يشوبه العديد من الأخطاء والسلبيات التي تعوق مسيرته في قيادة الأمة ، وإكمال مشروع حضاري ملائم لها ، بل إن غياب هذا المشروع عن وعي وطرح رواد هذا التيار ، كان من أبرز المعالم السلبية فيه ، إن هذا التيار عرف ما يرفض أكثر مما عرف ما يقول أو ما يطرح ، وكان من الصعب أن تصنع مستقبل أمة بمجرد الوقوف عند معاني الهدي الظاهر ، أو حتى عند التنبيه على أخطاء عقدية تقع من بعض أبناء الأمة ، الناس كانت في حاجة إلى مشروع سياسي يحتوي طموحاتها ويحقق لها الإحساس بالكرامة الإنسانية في أوطانها ، وكانت في حاجة إلى رؤى جهادية تحقق لها آمالها في صراعها مع اليهود وغيرهم ، وكانت في حاجة إلى مشروع اجتماعي يحقق لها الاطمئنان والاتزان في البناء النفسي للمجتمع واحتواء نزعات الشطط والانفلات الموارة داخله ، ومحاصرة الغزو القيمي والنفسي الخطير للغاية الذي ينفذ كل يوم إلى ساحة الدار ونحن عاجزون عن وقفه أو مدافعته ، كانت الأمة في حاجة إلى بناء ثقافي وفكري وفني وإنساني جديد يستوعب طاقات فطرية عند الإنسان المسلم ، وخاصة عند ملايين الشباب والشابات الباحثين عن المتعة الحلال وتنفيس طاقاتهم في مسالك آمنة ، وكل هذا مع الأسف لم نلحظه في أطروحات التيار السلفي ، الأمر الذي أدى إلى وجود فراغات ومساحات من الفوضى في الحالة الإسلامية تقدمت قوى وتيارات أخرى لمحاولة ملئها وقيادة الأمة من خلالها .(42/407)
التيار الثاني ، وهو التيار السياسي والحركي ، وهو ينتظم في جماعات وأحزاب سياسية متعددة ، وهو تيار يعود إليه الفضل في تسجيل الحضور السياسي الفاعل والمثير للدعوة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم ، وكان وما يزال يمثل المجال الحيوي لاستيعاب طاقات أجيال من الإسلاميين ممن يملؤهم الشوق لتسجيل حضور الشريعة الإسلامية في مؤسسات الدولة الحديثة ، والدفاع عن حق الإسلاميين في المشاركة في الحكم أو الشورى أو الهموم العامة في الدولة ، وإن كان هذا التيار يتوزع على جبهات عديدة منها من قبل العمل من خلال مؤسسات الدولة العلمانية لدفع صائلة قوانين العقوبات التي تضطهد العمل خارج القانون الرسمي للدولة ، ويحمد لهذا التيار أنه أعطى الصحوة الإسلامية نوعا من الهيبة في العمل العام والسياسات المحلية والدولية ، ولكن المشكلة الكبرى في هذا العمل هي في التبعات التي تعلق بأي نشاط سياسي ، وهي خفة الضبط العقدي والمنهجي والقيمي لخدمة ما تراه الحركة مصالح عملية أو سياسية ، كما أن التربية في صفوف أبنائها ترتكز على تنشيط الوعي العام بأحوال الأمم والواقع السياسي المحلي والدولي على حساب عمق التربية العقدية والسلوكية ، ولعله مما يلاحظ عامة على تلك التوجهات قلة الاهتمام بالسنن ومعالم الهدي الظاهر ، بل هناك نوع من الاستخفاف بها وربما التهكم على الملتزم بها ، والأمر الجدير بالملاحظة أن التيار الحركي السياسي الذي ينشط خارج المؤسسات الرسمية ، في تنظيمات لها طابع سري أو غير قانوني ، هي ـ من بين أبناء ذلك التيار ـ التي تكون أقرب إلى التربية العقدية ، وهي ملاحظة تحتاج إلى تحليل بلا شك ليس هنا مكانه .
ويبقى التيار الأخير وهو ذلك التيار الذي ينزع إلى الاجتهاد العقلاني في فهم النصوص والواقع الدعوي والعام ، وهو تيار قوي يملك أصحابه قدرا عاليا من رجاحة العقل ، ويملكون ـ عادة ـ خبرة عميقة بالحالة الثقافية والسياسية في المجتمع المحلي والدولي ، كما أنه بالنظر إلى أن كثيرا من أقطاب هذا التيار هم من المتحدرين من تجارب عقدية ومنهجية مغايرة للمنهج الإسلامي وعقيدته ، من ماركسيين وقوميين وبعثيين وليبراليين لا دينيين ، فإن في مواقفهم الفكرية قيمة كبيرة في التصدي لرموز التيارات التي كانوا ينتمون إليها ، وقدرة عالية على دحض حججهم ، وكشف عوارهم وفضح تناقضاتهم وهشاشة موقفهم الفكري ، ولا شك في أنهم أفضل من قاموا ويقومون بهذا الدور ، ولكن هذا السبب الذي منحهم هذه الإيجابية في النشاط الإسلامي العام ، هو نفسه السبب الذي مثل نقطة الضعف الواضحة في نشاطهم ، وذلك أن علاقة هذا الفريق بأصول الشريعة ليست حميمة ، وحسهم الفقهي والتراثي فيه غربة ، وبناءهم العقلي والنفسي اكتمل قبل تشربهم لروح الإسلام ، ولذلك تأتي رؤاهم في العديد من القضايا الإسلامية العامة ، وخاصة ما يتصل منها بالسنة أو شؤون العبادات أو أصول التشريع ، تأتي ناشزة ، ومفارقة لإجماع أهل العلم ، كما أن لديهم جرأة مدهشة على تجاوز النص الشرعي إذا لم يوافق تأملهم العقلي ، والخطير أن عقلهم العلمي لم يتأسس ويتبحر في غمار العلوم الشرعية ، ولم يألف وعي الفقهاء والعلماء بالمشتبهات وتخريج ما غرب على العقل العام من الأحكام والنصوص ، ولذلك يستسهلون إسقاطها أو تجاوزها ، وترى منهم جرأة عجيبة في هذا الباب ، بل هناك حالة من الاستعلاء غير الصحي في مواقفهم تجاه أبناء الدعوة الإسلامية ممن لا يوافقونهم في نزعتهم ، وأخطر ما في أمر هذا التيار أنهم اقتربوا من بعض " المشايخ " إنسانيا وفكريا ، وأثروا فيهم تأثيرا كبيرا ، وخاصة عندما دخلوا إليهم من باب نظر الغرب إلى الإسلام ، وتحسين صورة الإسلام أمام الإنسان الغربي الجديد ، وما تصوروه تيسيرا على الناس في الأحكام ونحوها ، في حين أنه ينتهي إلى إضعاف وجود الدين ودوره في حياتهم وفتح باب الاستهانة بالأحكام الشرعية ، وقد تولدت الكثير من التفريعات والتقعيدات غير الحميدة من هذا التيار أثرت سلبيا على اعتصام الأمة بالكثير من معالم الشريعة والجرأة على الاستهانة بها ، من مثل تقسيم الدين إلى لباب وقشور ، واستبدال مصطلح التجديد بمصطلح الاجتهاد ، للهرب من الواجبات العلمية التي يفرضها استحداث النظر في قضايا الشريعة ، وغير ذلك من أمور .(42/408)
هذه هي التيارات الثلاثة التي توجه الحالة الإسلامية اليوم ، في مرحلة البحث عن مستقبل للمشروع الحضاري الإسلامي ، وهي في الحقيقة تيارات على قدر ما فيها من تباين على قدر ما فيها من تكامل وتعاضد ، إذا حسن إجراء حوار علمي وحضاري وديني جاد بين رموزها ، وإذا أمكن السيطرة على نوازع الغلو في كل تيار ، وهي موجودة في الجميع ، وفي تقديري أن مستقبل المشروع الحضاري الإسلامي مرهون بمثل هذا الأمل في تكامل هذه الجهود ومن ثم امتزاجها في تيار عام يعيد بناء الشخصية المسلمة ، ويعيد بناء الأمة ، والدولة ، ثم يعيد بناء الخطاب الإسلامي العام إلى العالم كله . إن النهضة الإسلامية في تصوري لا يمكن أن تقوم إلا على بناء سلفي متين ، لأن هذه النهضة في أساسها هي نهضة دين ، فهو قطب وجوده ووجودنا ، ودين الله هو نص كتابه وسنة رسوله ، ومنهج السلف الصالح الذي تأسست عليه هذه الأمة العظيمة التي ننتسب إليها ، ومن أراد أن يجتهد أي اجتهاد ، علمي أو سياسي أو دعوي أو حضاري وينسب ذلك إلى الإسلام ، فعلى هذا النهج الواضح ، بلا التواء ولا مجاملات ، فالأصل العام في النهضة الإسلامية ، أنها نهضة أمة الكتاب والسنة، أمة الوحي ، فهو الراية وهو الدليل وهو الرائد ، وعندما نفقد التزامنا بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، فإن سفن النهضة تنفلت من مسارها خبط عشواء ، تتجاذبها الرياح رياح الفكر ورياح الفتن ورياح الشهوة ، ثم تغرق بها في قرار سحيق ، وعلى جانب آخر فإن هذه النهضة لا بد وأن يكون لها حضورها الواعي في معترك الحياة الإنسانية بكافة تشعباتها ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، لأننا نبني أمة بشرية ، وللبشر احتياجاتهم ، وللأجيال طاقاتها التي تحتاج إلى أن تفرغ في مشروعات بديلة آمنة ، وعندما تتوقف أنت عن ذلك وتنعزل فسوف يتقدم غيرك ويقود هذه الطاقات ، إنه من الميسور أن يمارس المسلم الآن دور رجل المرور في شوارع الفكر والأخلاق والاقتصاد والسياسة ، فيحذر هذا من ذاك الطريق ، وينهى الآخر عن هذه المركبة ، ولكن دون أن يكون قد خطط سبلا وطرقا وخدمات بديلة تضبط مسار الفعل في المجتمع وتستوعب توسعات النشاط وتوسعات الطموح عند الناس ، وأن يقوم بتنفيذها أو بعضها بالفعل ، وكذلك فمشروع المستقبل الحضاري لا يمكنه تجاهل عطاء الفكر الإنساني ، وخاصة المفكرين الإسلاميين ، ودورهم في تحريك الوعي الإسلامي والدفاع عن الإسلام ضد خصومه ، وحماية العقل الإسلامي من كثير من المخاطر التي تهددته من تيارات ومناهج وافدة ، كما لا يمكن أن يتجدد عطاء الإسلام في حياة الناس من غير أن تتجدد اجتهادات تتأمل في مستجدات الهموم والخطوب ، وتطرح البديل الشرعي الذي ربما لم ينتبه له القدماء ولم تصطدم به آلة الفقه في السابق ، ولا بد وأن تكون هناك رحابة صدر في احتمال ما ينجم عن مثل هذه الاجتهادات من أخطاء أو مثالب ، يمكن تداركها والإبانة عن زللها والتحذير منها ، ولكن دون أن نجرح أصحابها أو نهيل على تاريخهم التراب .
وبعد ..
فقد كانت هذه إطلالة عامة بطبيعة الحال ، على تحولات الفكر الحضاري في العالم الإسلامي في العصر الحديث ، تحتاج إلى حوار ونقد وتمحيص وإضافة وحذف ، كما تحتاج إلى كثير من إحسان الظن بصاحبها ، الذي يعترف بأن بضاعته في هذا الشأن " مزجاة " ، فإن أحسنت فمن الله وبرحمته ، وإن زللت فمن نفسي والشيطان ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الخاتم وعلى آله وصحبه أجمعين .
=============(42/409)
(42/410)
التعصب الأوربي الصليبي!!
د. محمد مورو 19/2/1426
29/03/2005
منذ أن سطع نجم الحضارة الإسلامية ـ كحضارة عظيمة تحمل قيماً كريمة وتسعى لإسعاد البشر، وتحقيق مجتمع العدل والحرية والانحياز إلى المستضعفين- وهي في حالة صراع دائم ومستمر ضد القوى الشيطانيّة المتربصة بها, وعلى رأس تلك القوى الشيطانية كانت الحضارة الأوروبية التي لم تترك جريمة إلا وارتكبتها في حق البشرية. بدءاً من قهر الإنسان وقمعه، وانتهاء بنهبه وسلب ثرواته.
الحضارة الأوروبية حضارة إغريقية وثنية ذات قشرة مسيحية(1)، وقد أنتجت هذه الخلطة العجيبة بين الوثنية الإغريقية وبين القشرة المسيحيةـ أنتجت الروح الصليبية التي تتسم بها الحضارة الأوربية في مواجهة الأمة الإسلامية.
الحضارة الإسلامية بما تتسم به من عدل وتسامح وحرية ـ هي التي أنتجت أمثال عمر بن عبد العزيز الذي أمر بهدم جزء من المسجد ورده إلى الكنيسة.
وحتى في لحظات ضعف الحضارة الإسلاميةـ نجد أن رجلاً مثل الأمير عبد القادر الجزائري، وهو الذي عانى شخصياً، وعانت معه بلاده الجزائر من المذابح والمجازر والنهب والقمع الاستعماري الصليبي الفرنسي ـ نجده هو نفسه يحمي نصارى لبنان أثناء نفيه في دمشق سنة 1860 فيما عُرف بطوشة النصارى(2).
وهي الحضارة التي أنتجت أمثال الشيخ الباجوري شيخ الأزهر في عهد عباس باشا الأول ـ ذلك الشيخ الذي رفض الإفتاء بنفي بعض النصارى في السودان عندما طلب عباس الأول ذلك، وقد قال الشيخ الشجاع.
(إنه لم يطرأ على ذمة الإسلام طارئ، ولم يستول عليها خلل، وهم في ذمته إلى اليوم الآخر) (3).
أما الحضارة الأوروبية الصليبية فهي حضارة مجرمة. أليست هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا؟ أليست هي التي مارست عمليات الخطف والاستعباد والاسترقاق لأهالي أفريقيا؟ وقتلت منهم (45) مليوناً يوم أن كان سكان إنجلترا مثلاً ثلاثة ملايين؟
أليست هي الحضارة التي ذبحت خمسة ملايين جزائري في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830 ـ 1962 (4).
أليست هي الحضارة التي زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين؟
الحضارة الأوروبية حضارة مجرمة بكل إفرازاتها السياسية والفكرية. الرأسمالية والاشتراكية. الملكية والجمهورية. الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية.
فعلى سبيل المثال عانى شعب الجزائر معاناة شديدة على يد الملكيين والجمهوريين على السواء، على يد المحافظين والليبراليين الفرنسيين على السواء.
بل كانت معاناته تصل إلى ذروتها في فترات الحكم الاشتراكي في فرنسا.
ففي سنة 1940 مثلاً نفذت السلطات الفرنسية مذبحة كبيرة في أهالي الجزائر، وقتلت منهم في يوم واحد أكثر من (45 ألفاً) ـ بل وقام الطيران الفرنسي بحرق قرى جزائرية كاملة. وكان يحكم فرنسا في ذلك الوقت الاشتراكيون الديمقراطيون، بل إن وزير الطيران الذي أمر بدكّ القرى الجزائرية وإحراقها كان وزيراً شيوعياً.
وهكذا فإن الحضارة الغربية الأوروبية الصليبية لم تفرز إلا كل ما هو حقير ومجرم. ألم تفرز الشيوعية والفاشية والنازية؟ بل إن كل هذه الإفرازات السياسية والمدارس الفكرية المختلفة تتناسى خلافاتها الأيدلوجية والسياسية والفكرية وتظهر على حقيقتهاـ تظهر روحها الصليبية عندما يكون الأمر خاصاً بالعالم الإسلامي أو أحد شعوبه.
وإذا كانت الرأسمالية والشيوعية قد أُصيبتا بالإفلاس، وأصبحت سمعتهما سيئة للغاية؛ فإن المثقفين المغتربين في بلادنا يحاولون الآن تحسين سمعة الحضارة الغربية، وترويج بضاعتها لدينا عن طريق التبشير بإحدى إفرازاتها وهي الاشتراكية الديمقراطية.
ووصل الأمر إلى عقد أحد مؤتمرات هذه الاشتراكية الديمقراطية في مصر 1990 ـ ويتناسى هؤلاء أن الأفعى لا تلد إلا ثعباناً. بل إن حقائق التاريخ القريب تؤكد أن بلادنا عانت أكثر المعاناة على يد هذه الاشتراكية الديمقراطية بالتحديد.
ألم تقم حكومة فرنسا الاشتراكية الديمقراطية بأبشع المذابح في الجزائر؟ بل ومارس هؤلاء المنتمون إلى الاشتراكية الديمقراطية الفرنسية أبشع أشكال التعذيب والاستنطاق في السجون الجزائريةـ بل وابتكروا أساليب شديدة الهمجية سجلت اختراعها باسمهم مثل الإقعاء على قارورة زجاجية مكسورة، وغيرها من وسائل التعذيب الوحشية.
ألم تتلق إسرائيل الدعم دائماً وأبداً من الاشتراكية الديمقراطية الدولية، بل إن حكومة إسرائيل في معظم الفترات تنتمي إلى حزب العمل الإسرائيلي، وهو العضو النشط في الاشتراكية الديمقراطية الدولية.
ألم تتعرض مصر سنة 1956 إلى عدوان ثلاثي شاركت فيه ثلاث حكومات اشتراكية هي حكومة العمال البريطانية، وحكومة الحزب الاشتراكي الفرنسي، وحكومة حزب العمل الإسرائيلي.
يخطئ من يظن أن الحروب الصليبية هي تلك الحروب التي شهدها الشرق العربي منذ 1098 م وحتى 1295 م، بل الحقيقة أن الصراع مع أوروبا الصليبية امتد في الزمان والمكان قبل ذلك وبعد ذلك.(42/411)
ففي بلاد المغرب العربي امتد الصراع قبل ذلك، واستمر أكثر من ألف عام، ولا يزال مستمراً، بل إن الجزائريين يُطلقون عليها حرب الألف عام. وهي حرب استمرت بين أوروبا الصليبية ـ البرتغال ـ إسبانيا ـ إنجلترا ـ فرنساـ ألمانيا وبين بلاد المغربي وخاصة الجزائر بين كر وفر إلى أن انتهت باحتلال الجزائر سنة 1830.
وفي الشرق كانت تركيا تخوض حروب الإسلام ضد أوروبا الصليبية وفي قلب أوروبا ذاتها، واستطاعت أن تخضع معظم القارة الأوروبية للنفوذ الإسلامي التركي ـ إلى أن عادت أوروبا فاستطاعت أن تحيك المؤامرات ضد الخلافة العثمانية ونجحت في إسقاطها سنة 1924.
وقد استخدمت أوروبا الصليبية في صراعها مع الحضارة الإسلامية في المرحلة الأخيرة عدداً من التكتيكات والأساليب الشيطانية في سبيل السيطرة على الأمة الإسلامية وتدمير الحضارة الإسلامية، منها التطويق البحري عن طريق الكشوف الجغرافية، ومنها إرساليات التبشير المسيحية الأوروبية.
ومنها زرع مدارس الفكر الأوروبي والغربي في بلادنا عن طريق مؤسسات وأحزاب وصحف ومراكز إعلامية، ومنها الاحتلال العسكري، وهي ذات الخطة التي رسمها لويس التاسع أثناء سجنه في المنصورة إبان الحملات الصليبية، وفي الحقيقة فإن الهدف الأوروبي الصليبي في القضاء على الحضارة الإسلامية يتضمن أيضاً على كنائس الشرق باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية، وخاصة القضاء على الكنيسة القبطية المصرية باعتبارها جزءاً أصيلاً من التراث الحضاري والثقافي الإسلامي، وباعتبارها كنيسة متميزة ومستقلة عن الكنائس الأوروبية.
إذن عندما يتحدث المفكرون الإسلاميون في الوطن العربي عن التعصب الأوروبي الصليبي. فإن هؤلاء لا يعكسون تعصباً إسلامياً ـ بل هم يقرّرون واقعاً مرئياً لكل ذي عينين؛ بل هؤلاء الذين يتجاهلون الحقائق هم الذين يخفون تعصبهم ـ ولكن هؤلاء الذين يصفون الواقع كما هو ليسوا متعصبين ـ إذ لو كانوا متعصبين لحاولوا إخفاء تعصبهم.
نعم ـ عندما يتحدث الأفغاني أو النديم أو عرابي ـ أو مصطفى كامل أو محمد فريد أو حسن البنا أو أي زعيم وطني عن التعصب الأوربي الصليبي، وعندما يدعون إلى التمسك بالثقافة والحضارة الإسلامية، وعندما يحشدون الجماهير لمواجهة الغزوة الأوربية على بلادنا ـ، فإنهم في الحقيقة يدافعون عن الكنيسة القبطية أيضاًـ وعن التراث القبطي أيضاً، لأن الكنيسة القبطية تنتمي إلى الحضارة الإسلاميةـ ولأن التراث القبطي جزء لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية. وإذا كانت إرساليات التبشير تستهدف تنصير المسلمين. أو زرع أنماط التفكير الغربي في بلادناـ أو العمل كطابور خامس لصالح الاستعمار، وإذا كانت إرساليات التبشير قد ارتبطت بالاستعمار أيّما ارتباط. فهي إما أن تكون طلائع له، أو تأتي في ركابه لتدعيم موقفه ونشر أهدافه والعمل على تهيئة الأجواء لصالح المشروع الاستعماري، فإنها أيضاً استهدفت تذويب الكنيسة القبطية في مصر وتبشير أبنائها، ومحاولة تحويلهم إلى الكنائس الأوروبية البروتستنتية والكاثوليكية، ومحاولة اختراق المجتمع عن طريق التلويح بالمشروع الحضاري الغربي للأقباط.
إلا أن تلك المحاولات وجدت من يتصدى لها من الأقباط وخاصة البابا كيرلس الخامس الذي أنشأ مطبعة خصيصاً للردّ على شبهات ومحاولات إرساليات التبشير بين الأقباط، بل دعا إلى مقاطعة المدارس التابعة لإرساليات التبشير، واعتبر كل من يدعم تلك المدارس خارجاً على الكنيسة القبطية(6).1. من الأمور المثيرة للتأمل أن مراسم تنصيب بابا روما هي نفسها مراسم تنصيب كهنة المعابد الوثنية الإغريقية القديمة.
2. بسام العسلي ـ عبد القادر الجزائري ـ دار النفائس ـ بيروت
3. ميخائيل شاروبيم ـ الكافي.
4. محمد خليفة ـ أحمد بن بيلا ـ حوار معرفي شامل.
5. أسامة حميد ـ موجز تاريخ مصر في الحقبة العلمانية.
6. طارق البشري ـ المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية
============(42/412)
(42/413)
سقوط أكاييف .. وبداية الزلزال في آسيا الوسطى
عبد الرحمن أبو عوف 20/2/1426
30/03/2005
لم يكن يدور بخلد الرئيس القرغيزي عسكر أكاييف أن تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت جولتها الأولى في السابع والعشرين من فبراير الماضي، والثاني في الـ13 من مارس سيكون بداية النهاية لنظامه .. فإصرار أكاييف على ضرورة سيطرته التامة على البرلمان، والتزوير الفاضح الذي شاب العملية الانتخابية لصالح ابنه وابنته الموالين له، أنهى إلى الأبد سطوته على الحياة السياسية في قرغيزستان، والتي بدأت عام 1990 وانتهت إلى كازاخستان المجاورة، وهو التاريخ الذي شهد اعتلاء أكاييف - وهو أكاديمي متخصص في الفيزياء- سدّة السلطة في البلاد قبل عام من تحقيقها الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق.
وقبل أن ندلف في التطورات الحالية في قرغيزستان جدير بنا أن نذكر نبذة عن هذه الدولة الفقيرة، والتي استقلت في سبتمبر عام 1991 عن الاتحاد السوفيتي ؛ فقرغيزستان أحد جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، وتبلغ مساحتها (5و 198)ألف كيلو متر ويبلغ عدد سكانها (3و5) مليون نسمة 48 % منهم قيرغيز مسلمون، وأما باقي 52 % فيتوزعون ما بين روس وصينيين وأوزبك، وعديد من الأقليات الأخرى من طاجيكستان وكازخستان، ومنذ حصلت قيرغيزستان على استقلالها اختارت أن تسير في نهج الإصلاحات الشاملة، وهو ما أدى إلى تدهور حاد في الأحوال المعيشية لدولة تُعد من أفقر الدول في منطقة آسيا الوسطى لا يزيد ناتجها القومي على (3و1) مليار دولار، ولا تتمتع بكثير من الثروات الطبيعية اللهم إلا كميات قليلة من الذهب الذي وقفت الأوضاع المضطربة دون استثماره بشكل كامل تعود آثاره على الشعب الفقير.
الأوضاع الاقتصادية المتردّية لا تقف وحدها سبباً في اضطراب الأحوال في البلاد التي تنقسم إلى جزأين شمالي وجنوبي، ويسيطر أهل الشمال ومنهم الرئيس أكاييف ورئيس الوزراء تاتاييف على معظم المناصب القيادية ومقدرات البلاد الاقتصادية
غضب جماهيري
سيطرة الشماليين على الساحة السياسية والثروة الاقتصادية كانت تشكل هماً كبيراً لنظام أكاييف، فكثيراً ما علت أصوات الجنوبيين وخرجوا في مظاهرات، وتسببوا في اضطرابات أزعجت النظام الذي كان يوصف بأنه أكثر الأنظمة ليبرالية في منطقة آسيا الوسطى.
ورغم محاولات النظام احتواء هذا الغضب إلا أن الأمور بدأت تخرج من تحت سيطرته بنهاية عام 2002 عندما شهدت العاصمة بيشكيك مظاهرات شديدة طالبت بضرورة تبني النظام لإصلاحات سياسية، ووقف الحملات الأمنية على نواب المعارضة والكفّ عن معالجة شؤون البلاد بالنهج الأمني البحت، هذه المطالب كانت أول علامات نهاية شهر العسل بين أكاييف والشعب فالمظاهرات لم تكن في المدن الجنوبية فقط بل امتدت لغيرها فقوبلت من جانب أكاييف بإجراءات رمزية تمثلت في تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث، وإلغاء قرارات زيادة أسعار المحروقات، ولكن هذه القرارات لم تفلح في إنهاء غضب الشعب؛ إذ واكبت التطورات تقديم أكاييف تنازلات للصين حول ترسيم الحدود بين البلدين، وهو الأمر الذي تنامى معه غضب الجنوبيين الذين يكنون عداءً بالغاً لنظامه وللصين، وأدى هذا التوتر بأكاييف إلى إقالة المسؤولين عن الأزمة وعلى رأسهم رئيس الوزراء.
تصاعد المعارضة
ومنذ ذلك التاريخ والمعارضة تزداد قوة وتكتسب أرضية جديدة وهو ما يعد خصماً من رصيد نظام أكاييف، ونمت حالة من الاحتقان الشعبي. الاضطرابات الشديدة في مناطق الجنوب التي تقطنها أغلبية أوزبكية قابلها أكاييف بعنف شديد وقصف جوي مكثف على مدينة أواش التي يزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة، وتُعدّ معقلاً للجماعات الإسلامية الأوزبكية التي فرت من عصف نظام كريموف المستبد، وكذلك ينشط فيها بعض الكوادر الإسلامية القرغيزية التي ما زالت في أول الطريق ويصعب وضعها في إطار تيار إسلامي حتى ولو كان معتدلاً.
المسلك العنيف لأكاييف ضد الجنوبيين فَقَد أي تعاطف شعبي، وأجبره على تقديم سلسلة من التنازلات لعديد من القوى الإقليمية والدولية عدها الكثيرون خطايا لهذا النظام البائد، ومن أوائل هذه القوى نظام كريموتف في أوزبكستان الذي كثيراً ما تحرشت قواته بحرس الحدود القرغيزي، وقصفت طائراته المدن الحدودية علاوة على قيام السلطات في طشقند بتلغيم المناطق الحدودية لمنع تسلل الإسلاميين، وإزاء هذا التحرش شنت قوات البلدين قصفاً مشتركاً للمناطق الحدودية تنفيذاً لبروتوكول وقّعه الطرفان للتصدي للإسلاميين وتصفيتهم أدّى هذا القصف إلى مصرع (2000) من نشطاء الحركة الإسلامية، ومئات من المدنيين نتيجة عشوائية القصف.
العداء السافر للإسلاميين(42/414)
وهذا القصف كما يرى المراقبون يُعد إجراء من مساعي أكاييف للجم موجات أوزبكستان والصين في أراضي قرغيزستان، حيث تمارس الدولتان ضغوطاً شديدة للعصف بالإسلاميين المتعاطفين مع المجاهدين الأيجور الصينيين الذين لهم امتداد في الأراضي القرغيزية والمعارضون لنظام كريموف، وقد حملت الضغوط المتتالية نظام أكاييف على القبض على الإسلاميين وتقديمهم لمحاكمات صورية ألقت بهم في السجون، وقوبلت بانتقادات شديدة من جماعات حقوق الإنسان، وهذه المحاكمات التي شكلت أول نواة في الجنوب لمعارضة حقيقية لحكم أكاييف.
تنازلات أكاييف المتعددة لم تقف عند هذا الحد بل إنه سمح للأمريكان بإقامة قاعدة عسكرية قرب العاصمة بتشكيك، وهي القاعدة التي تحولت إلى دولة داخل الدولة، وإضافة إلى موافقتها على حصول الرعايا الأمريكان على تسهيلات تكفل لهم حرية الدخول والخروج من البلاد دون قيود ناهيك عن حرية حمل السلاح.
قاعدة نفوذ صهيوني
يرى المراقبون أن الموافقة على إقامة هذه القاعدة كانت لخطب ود الأمريكان، وجلب حمايتهم لإنقاذ نظامه من طموحات الصين وأوزبكستان التي كثيراً ما تتحرش بقرغيزستان، وكانت آخر مظاهر هذا التحرش إحلال القوات الأمريكية لوادي سرجوب القرغيزي، والتهديد بقطع إمدادات النفط والغاز الطبيعي عن بشكيك إذا لم تسدّد ديونها بالأسعار التي حددتها طشقند.
لم يقف أكاييف في خطب ودّ الأمريكان عند هذا الحدّ لكنه حوّل بلاده إلى محطة لنفوذ الموساد الإسرائيلي الذي يتخذ من بشكيك مقراً للانطلاق إلى مناطق آسيا الوسطى للمشاركة بفعالية في الحرب المزعومة على الإرهاب لدرجة أن الوحدات الصهيونية التي لعبت دوراً مهماً في تصفية نظام طالبان والحركات الإسلامية في أوزبكستان كانت تنطلق من قرغيزستان.
فقر وفساد
تنازلات أكاييف التي قدمها بدون حساب، لم تفلح في تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد حيث يعاني أكثر من 30 % من الشعب من البطالة ويعيش أكثر من 70 % تحت خط الفقر بينما يعيش النظام وحاشيته في بحبوحة محروم منها غالبية الشعب، ويعد من الأمور العادية في البلاد بالإضافة إلى انتشار الفساد والرشوة، وكذلك لم ينجح أكاييف في إنهاء حالة الاحتقان السياسي كمدخل في مواجهة مع المعارضة بشقيها العلماني أو الإسلامي إن جاز القول بوجود تيار إسلامي، لأن هذا التيار لا يزال في أول الطريق، ولم يسبب إزعاجاً لنظام أكاييف، ولم يبدأ في لعب دور يذكر إلا بعد أحداث مارس الماضي عندما قصفت طائرات أكاييف وكريموف معسكرات لحزبي النهضة والتحرير الأوزبكيين اللذين يتخذان من منطقة الحدود القرغيزية محطة لانطلاق هجماتهم لإنهاء عصر نظام كريموف الدموي، ويكتفي النشطاء الإسلاميون حالياً بدور دعوي محض ويركزون جهودهم في إنشاء المساجد والمدارس الإسلامية لتوعية (2) مليون قرغيزي يعانون من تدني معارفهم الدينية لانقطاع صلاتهم بالعالم الإسلامي وافتقارهم للكوادر المؤهلة، وقيام السلطات بطرد منظمات الإغاثة الإسلامية المتعددة التي تعمل في البلاد في إطار الحرب الدائرة على هذه المنظمات بإيعاز من واشنطن التي تقدم معونات (800) مليون دولار سنوياً لإنعاش ميزان المدفوعات المنهار مقابل هذا التعاون في الحرب ضد الإسلام.
ويُعدّ هذا الاستعراض لخطايا نظام أكاييف والتي أدّت إلى إسقاطه بصورة لم يكن يتوقعها أحد حتى أكثر المتفائلين في صفوف المعارضة أو المراقبين الدوليين؛ فالدعم الأمريكي الصهيوني وحتى الروسي الذي كان يُقدّم لنظام أكاييف لم ينجح في لجم الغضب الشعبي العارم الذي قام بثورة قرنفلية أطاحت بالنظام في أقل من عشرة أيام وتكرارها في دول أخرى أمر مرجح جداً.
وكان غضب المعارضة العارم له ما يبرره؛ إذ إن أكاييف الذي زوّر الانتخابات كان يستعد لإحداث تعديل في الدستور يتيح له الاستمرار في السلطة لخمس سنوات قادمة رغم الوعود التي قدّمها في السابق بالتنحي نهاية هذا العام ولكن الشعب القرغيزي الذي أمضى أكثر من (70) عاماً تحت بطش العصابات الشيوعية انتفض ضد الفساد السياسي والاقتصادي الذي امتاز به حكم أكاييف الذي لم يفلح في تحقيق نهضة اقتصادية توجد لنظامه القدرة على مواجهة ثورة الشعب، وهي الثورة التي اندلعت قبلها في جورجيا وأوكرانيا، ويُنتظر لها أن تقض مضاجع نظم عديدة مجاورة مثل نظامي كريموف الدموي في أوزبكستان التي يواجه معارضة قوية، وصابر مراد نيازوف في تركمانستان الذي يعيش خارج إطار الزمن، والغضب على النظامين السابق ذكرهما يفوق بكثير ما كان يتعرض له نظام أكاييف الذي تخلّى عنه الصديق قبل العدو؛ فواشنطن التي سمح لها أكاييف بوجود عسكري لم يتعد موقفها الإعراب عن ضبط النفس للحفاظ على الاستقرار في البلاد، وكذلك موسكو التي لها قاعدة جوية بالقرب من العاصمة في التعاون مع النظام الجديد مبدية استعدادها لقبول أكاييف كلاجئ سياسي.
زلزال قوي(42/415)
ويتوقع المراقبون أن يكون سقوط أكاييف بداية لزلزال في منطقة آسيا الوسطى يطيح بالديكتاتوريات القائمة والتي لن يشفع لها موالاتها لواشنطن وموسكو اللتين لن تستطيعا التدخل لكبح جماح الشعوب التي عانت كثيراً من بطش هذه الأنظمة التي أذلت شعوبها وأقامت معسكرات تعذيب تفوق ما كان يقوم به النازي أو المجرم ستالين.. لذا فالمنطقة حبلى بالمشاكل، ولن يكون خلع أكاييف إلا بداية لسقوط مستبدين آخرين وهم كثير.
وعلى أي الأحوال فإن الأوضاع في قرغيزستان سواء الاقتصادية أو السياسية قد يحدث بها تحسن مطّرد ينهي المعالجات الأمنية للشأن السياسي ويخفف من القيود الشديدة المفروضة على المعارضة خصوصاً على الكوادر الإسلامية التي يتوقع لها أن تتنفس الصعداء، وتقطف ثمار جهودها وتنتهي للأبد مظاهر التمييز الذي عانى منها الجنوب القرغيزي ذي الهوية الإسلامية التي تظهر بجلاء في هويتهم ومساكنهم وملابسهم وهي المنطقة التي عانت من عصف نظام أكاييف طوال (15) عاماً.
================(42/416)
(42/417)
استراتيجية بوتين الروسية: من دولة عظمى إلى دولة إقليمية
طلعت رميح * 21/8/1423
27/10/2002
عندما وصل بوتين إلى الحكم ، كخليفة روسي معتمد ومعمد من قبل يلتسين -آخر القياصرة الروس-لا شك أن رفاقه القدامى ، في المخابرات الروسية (الكي جي بي) وضعوا على مكتبه أربعة ملفات أولها يلخص الوضع الاستراتيجي الدولي واحتمالات تطوره ، وثانيها يحدد تصورات الدور الروسي الجديد في عالم ما بعد انهيار الشيوعية وليس الاتحاد السوفييتي فقط ،وثالثها يوضح مقومات ومقدرات هذا الدور الروسي وحدوده…أما الرابع فيتعلق بـ"صورة الرئيس الروسي " المطلوبة في هذه المرحلة .
ومن المؤكد أيضًا أن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي وأوروبا -أيًا كانت تقسيمات هذه الدول -قد وضعت بالمقابل رؤيتها للوضع الاستراتيجي الروسي الجديد، وكيفية حصار هذا الدور المستقبلي وتطويقه، وبل وكسبه أو وضعه ضمن إطار الاستراتيجية الغربية في العالم ، كل حسب مصالحه، حيث تتباين المصالح والرؤى الأمريكية والأوروبية في هذا الشأن.
وإذا كان الحذر واجبًا عند تقديم رؤية للوضع الاستراتيجي الروسي الراهن والمستقبلي بالنظر لهول حدث تفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي ولأهمية عامل الوقت ودوره في تعيين استراتيجية جديدة مستقرة للدولة الروسية، وإذا كان بالإمكان القول -كقاعدة عامة- إن الاستراتيجية الروسية في المرحلة الراهنة وفي وصفها المستقبلي تقوم من ناحية الجوهر-على تحقيق مصالح الدولة القومية -مثلها مثل الاستراتيجية السوفيتية القديمة -فالاتحاد السوفييتي كان قائمًا من ناحية الجوهر على هيمنة الروس وسيطرتهم وتحقيق المصالح القومية للروس ..إذا كان هذا وذاك صحيحًا فإنه يمكن القول أيضًا إن الاستراتيجية الروسية في المرحلة الراهنة تقوم داخليًا على تعزيز البناء الداخلي لروسيا وتحديثها وإشاعة أجواء الاستقرار، وفي الخارج تتحدد في إقامة علاقات روسية أوروبية على حساب العلاقات الأوروبية الأمريكية وعلاقات روسية آسيوية (الصين-إيران-الهند)على حساب النفوذ الأمريكي.. وفي كل ذلك لا تغيب عينها عن محاولة استعادة شكل من أشكال السيطرة على الدول التى كانت تحت عباءة الاتحاد السوفييتى السابق أو ما يسمى بملء الفراغ الاستراتيجي حول روسيا الحالية والحد من محاولات الأمريكيين والأوروبيين لحصار روسيا في محيطها الحيوي .
الضعف الروسي واستراتيجيته الراهنة
وبالنظر إلى محيط تحرك هذه الاستراتيجية الروسية فإنه يمكن القول تلخيصًا بأن الحالة الاستراتيجية الراهنة لروسيا هي استراتيجية دولة إقليمية كبرى، بديلاً لاستراتيجية الدولة العظمى السابقة.هذا الوضع الاستراتيجي الجديد -بغض النظر عن النوايا أو الرغبات أو الطموحات-في روسيا أو في بعض مناطق العالم ، هو الوضع الحقيقي الجديد لروسيا وهو الأمر الذى يبدو أن البعض مصمم على عدم إدراكه أو الخلط بينه وبين فكرة ضعف أو انهيار الاتحاد السوفييتي ..أي الخلط بين فكرة ضعف روسيا وفكرة التحول الإستراتيجي الذي طرأ على قدراتها من دولة عظمى سابقة إلى دولة إقليمية كبرى حاليًا، ويكفي هنا الإشارة إلى أن الناتج القومي الروسي يساوي حاليًا عشر الناتج القومي الأمريكي ، ونصف الناتج القومي للهند وأقلَّ من الناتج القومي للبرازيل وربع الناتج القومي للصين كدلالة على الوضع الحقيقي الراهن لروسيا ويكفي أيضًا الإشارة إلى أن الشعب الروسي بات يتناقص عدديًا بمعدلات مقلقة( انخفض عدد السكان من 151 مليون نسمة فى عام 1990 إلى 146 مليون نسمة فى عام 1999، وتتحدث دراسة سكانية عن انخفاض هذا العدد إلى 135 مليون فى عام ( 2025 )، وكلها مؤشرات على حالة القدرة الاستراتيجية الروسية.
قضايا ثلاث
ثمة ثلاث قضايا رئيسة يجب إدراكها أولا لفهم الوضع الدولي لروسيا واستراتيجياته الراهنة والمستقبلية.(42/418)
القضية الأولى: أن الانفجار الذي حدث للاتحاد السوفييتي السابق قد خلَّف قدرًا هائلاً من المشاكل التي يصعب تجاوزها عبر مدة قصيرة من الزمن سواء لاستيعاب مشكلاتها ومتغيراتها أو تغيير السلوك القديم والمؤسسات القديمة أو الاستقرار على البديل الجديد والعودة للانطلاق مجددًا -واستعادة التوازن والحيوية-خاصة وأن هذا الانفجار قد أدى لتغيير في الجغرافيا والقوة العسكرية ومكوناتها الاستراتيجية ومؤسساتها ومصانعها، وكذلك أن هذا الانفجار قد نتج عنه تغيير في الجوانب العقيدية والمفاهيم السائدة في الدولة والمجتمع وليس في الأنظمة السياسية والاقتصادية فقط.والقضية الثانية: أن هذا الانفجار لم يكن حدثًا داخليًا فقط بل جاء محدثًا متغيرات وتغييرات دولية ليس في وضع الدولة " الروسية" فقط ، بل في الوضع العالمي بما أطلق يد الولايات المتحدة على العالم كله وعلى روسيا بشكل خاص وبما أحدثه من انهيار جميع التحالفات الدولية القديمة لروسيا فى جميع أنحاء العالم، حيث فقدت روسيا دفعة واحدة أذرعها في جميع دول العالم ممثلة في الأحزاب الشيوعية ، كما فقدت علاقاتها السياسية مع جميع الدول في قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، كما فقدت نقطة قوتها التحالفية على المستوى العسكري ممثلة في انهيار منظومة حلف وارسو بشكل خاص، وهو ما بات يفرض قيودًا مشددة على قدرة الروس على فرض أي قدر من الهيبة الخارجية -ارتكانا إلى القوة النووية-دون خطر مدمر خاصة في ظل حاجة روسيا الماسه للاستثمارات الأجنبية والقروض من الهيئات الغربية والمؤسسات "الدولية" الخاضعة لهيمنة القرار الأمريكي.
القضية الثالثة:أن الانفجار الروسي قد ولَّد عاملاً مواتيًا رغم ذلك لدور الدولة القومية الروسية بالقدر نفسه الذي قضى فيه على العوامل المواتية لدور الدولة العظمى، فقد أدى انفجار روسيا السوفيتية إلى تحرر أوروبا من سيطرة الولايات المتحدة أو على الأقل تحرر أوروبا من النقطة التي ارتكزت إليها الولايات المتحدة في السيطرة عليها وهي عقدة الخوف من الاتحاد السوفييتى كما أدى هذا الانفجار إلى تبدد جوانب من الخلاف الروسي الصيني وظهور الصين في آسيا كدولة مزاحمة لأمريكا وصاحبة مصلحه في دور روسي إقليمي لمواجهة الدور الأمريكي الساعي للهيمنة والسيطرة على آسيا وقد تزامن مع ذلك الظهور الاقتصادي والاستراتيجي للهند بما عزز طموحها الإقليمي وكذلك الظهور الاستراتيجي لإيران خاصة بعد الحرب الأمريكية والغربية ضده إلخ.
الاستراتيجية الروسية
عودًا إلى الملفات الأربعة التى قدمت إلى بوتين ، فلا شك أن ملخص الثلاثة الأولى منها هو أن الاستراتيجية الروسية ليس أمامها سوى الانتقال إلى استراتيجية إقليمية وأن البلاد-روسيا-تحتاج حاجة ماسه لتهدئة الصراعات الخارجية -إلا ما يرتبط منها بعوامل تنهك القطب الأوحد في العالم شرط عدم الانغماس الروسي فيها وأن المطلوب هو لملمة الجراح الداخلية وبناء أسس الدولة القومية وإصلاح الوضع الاقتصادي وأن الدور الروسي الجديد الذي تسمح به القدرات الاستراتيجية للبلاد هو في حدود المحيط الإقليمي الآسيوي والأوروبي وأن أهم عوامل التغير في الاستراتيجية الروسية هو في تركيزها على المحيط ونسيان الوجود والصراع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأن بناء الدولة القومية الروسية يتطلب المحافظة على قدر هامشي من أشكال الحرب الباردة -وإن اختلف شكلها وأدواتها وطرق معالجتها -بهدف تحقيق مصالح الدولة القومية الروسية وليس الصراع والطموح الدولي -وأن أحد أهم أساليب هذه الحرب الجديدة يتمثل في تعزيز النزعات الاستقلالية لأوروبا والصين وغيرها .
وأن التحرك فى الفراغ الإستراتيجي المحيط بروسيا وسط البلاد التي استقلت من تحت عباءة الاتحاد السوفييتي يتطلب درجة من التماس مع تحالف أمريكا وأوروبا ضد الإسلام والمسلمين دون إهمال الاستعداد لمرحلة ما بعد انهيار المقدرات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وقد انعكست ملامح هذا التصور في تحركات روسيا، فقد شهدنا بوتين يبدأ حياته كرئيس بتوثيق العلاقات مع الصين والهند -رغم تحالفها مع أمريكا- ويتوجه نحو أوروبا والحلف الأطلنطي كما رأيناه لا يوصل دعمه لصربيا حليف روسيا الحضاري إلى درجة الصدام مع أمريكا وأوروبا وكذلك رغم مصالحة المالية والاقتصادية مع العراق وإيران فقد شهدناه يبدي -بصفة دائمة- رغبة في المساومة كما شهدناه لا يبدي معارضة صدامية مع الوجود الأمريكي على حدوده في أفغانستان وفي الدول الإسلامية المستقلة من تحت عباءة الاتحاد السوفييتي السابق ..إلخ
رئيس روسي على النمط الأمريكي(42/419)
أما الملف الرابع حول نمط الرئيس الذي تحتاجه روسيا فهو رئيس شاب -على عكس بريجنيف ويلتسن-وربما على نمط بيل كلينتون ، ذكاؤه من نمط اندربوف -الرئيس الأسبق لبوتين في المخابرات الروسية وأحد أشد الذين أثروا في بوتن -وحذره من حذر (اندريه جريميكو) وزير الخارجية المخضرم في زمن الاتحاد السوفييتي.ويبدو أن بوتين قد بدأ بالملف الأخير -الأهون والأسهل-فقد شهدناه رئيسًا على النمط الأمريكي وأشد ، يلعب الرياضة مع الفتيان ويرتدي ملابس رياضية وهو أمر غير مسبوق لحكام روسيا -الذين قلَّدوا القياصره حتى وهم حكام شيوعيين-ورأيناه يقدم مجاملات غير معهودة حينما سلَّم الرئيس خاتمي كتابه حول حوار الحضارات مترجمًا بتقديم منه، كما رأيناه يدخل معارك داخلية ضد اللوبي الصهيوني دون حد الصدام الكبير أو الصدام العقائدي مع إمبراطوريته المالية والإعلامية ومثله فعل مع عصابات المافيا كما يبذل جهودًا مركزة على إصلاح الدولة والاقتصاد الروسي ..إلخ.
عوامل الالتقاء والخلاف مع الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية
هذه الاستراتيجية الروسية -استراتيجية الدولة القومية بديلاً لاستراتيجية الدولة العظمى-لاشك أنها وجدت مجالات متعددة للالتقاء مع الاستراتيجيتين الأمريكية والغربية بل يمكن القول: إن الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية كانت خططت من قبل إلى وصول روسيا لهذه الاستراتيجية، فالرؤية الأمريكية لروسيا هي حصرها في هذا الإطار واستخدام كل أسلحة المعونات المالية والاقتصادية والسياسية من أجل حصر روسيا في محيطها الإقليمي بل وتنمية نخب روسية -ودفعها للحكم -هذا هو فكرها الاستراتيجي فعلاً دون طموح أو رؤية للاندفاع مرة أخرى باتجاه بناء دولة عظمى، والأوروبيون بدورهم لا يختلفون مع الأمريكان في هذه الرؤية، بل هم يرونها طوق النجاة لهم من الضغوط الأمريكية والتخويف السابق لهم بالقوة السوفيتية وفرصة أوروبا لدعم نفوذ ودور وقوة الاتحاد الأوروبي فى العالم.
كما أن الأمريكيين والأوروبيين يجدون في هذه الاستراتيجية الروسية فرصة مواتية لبناء تحالف استراتيجي يحاصر العالم العربي والإسلامي لإنهاء المعركة الراهنة ضد الإسلام والمسلمين مستثمرين في ذلك الحرب في الشيشان وكذلك نمو الحركات الإسلامية في الدول الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق وهو ما يلقى قبولاً عند بعض النخب الروسية الحاكمة.
هذه العوامل فى الالتقاء هي التي تفسر موقف روسيا من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وموقفها من الحركات الإسلامية، في فلسطين وموقفها من الوجود الأمريكي في الدول الإسلامية السابق وجودها داخل الجسد السوفييتي وتحت الهيمنة الروسية .
غير أن كل ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال القول بتطابق الاستراتيجية الروسية مع الاستراتيجيتين الأمريكية والأوروبية ذلك أن روسيا وفي إطار استراتيجيتها القومية وفي مواجهتها للضغوط الاقتصادية الأمريكية والأوروبية وفي إطار سعيها لتحقيق مصالحها القومية خاصة الاقتصادية - أو حتى في سعيها لاستعادة ديونها الخارجية-لابد ستتخذ مواقف معارضة أو متعارضة مع الاستراتيجيات الغربية كما أنها لاشك تشعر بقلق كبير من التواجد الأمريكي على حدودها(أفغانستان -تركمانستان-أذر بيجان - إلخ ) ومن هيمنة أمريكا على منطقة الشرق الأوسط ومن المحاولات الأمريكية للهيمنة على العالم وهو ما سيترجم أيضًا في مواقف معارضة أخرى، هذا أمر يجب إدراكه لكن الأهم هو إدراك حدوده وعدم الوقوع في وهم جديد كما سبق للعرب أن وقعوا في وهم تبني الاتحاد السوفييتي للقضايا العربية.
لقد تحولت الاستراتيجية الروسية من استراتيجية كونية إلى استراتيجية إقليمية والفارق كبير بين الاستراتيجيتين، وهذا هو التغير الجوهري الذي أدركه بوتين والذي يقود روسيا من خلاله في المرحلة الراهنة.
* مدير تحرير صحيفة الشعب المصرية.
===============(42/420)
(42/421)
أبخازيا .... أرض الروح( 1/3)
شعبان عبد الرحمن 10/10/1423
14/12/2002
يسمّيها أهلها بـ" أباد نمل " أي " أرض الروح" لأنها تمثل قطعة منهم لا تنفك عن أرواحهم التي قدّموها دائما فداءً لها، ويسمّيها الروس " لؤلؤة البحر الأسود " لجمال طبيعتها وطيب هوائها وموقعها الفريد على البحر الأسود ، وهو ما جذب ثمانية ملايين مصطاف إليها في آخر صيف قبل اندلاع حربها الواسعة مع جورجيا في 14 أغسطس من عام 1992 ، ومنذ ذلك التاريخ لم يكتمل ذلك العدد أو حتى ربعه فقد أتت الحرب علي الكثير من الاستقرار والنماء والهدوء وهو ما جعل البلاد تكتسي بثياب قاتمة أغلب الوقت خاصة أن المعارك مازالت تتجدد حتى اليوم بين الحين والآخر . ومازال كل شيء كما هو مع تجدد الاشتباكات بين الحين والآخر مذكّرة من يخالجهم النسيان في غمرة الهدوء أن الحرب لم تضع أوزارها بعد ..
وهكذا ظلّت أبخازيا بهذه المكانة الكبيرة رغم صغر حجمها ، وظلّت تشغل حيزا كبيرا على الساحة السياسية رغم ضعفها ، فرغم مساحتها التي تتراوح بين 7آلاف كم2 و600 8آلاف كم2 ( طبقا لتقديرات متباينة ) إلا أن تلك المساحة تتبوأ موقعا استراتيجيا على الساحل الشمالي للبحر الأسود ، وتعتبر نقطة ربط بين أوروبا والصين عبر طريق الحرير الشهير تاريخيا والذي تجري محاولات لإحيائه ، وهي لذلك تعد ممرًا هاما للتبادل التجاري بين أوروبا والشرق الأوسط وقد عرفت قديما كمنطقة ازدهار تجاري عبر التاريخ .
شعب الأبخاز
هذا عن الأرض .. أما عن الشعب فإن أصالته هي الوجه الآخر لمعدن هذا الوطن .. جذوره ضاربة في أعماق تلك الأرض صانعة رباطا روحيا وتاريخيا بين الوطن وساكنيه لاغنى لأي منهما عن الآخر ..
شعبها هو " الأبخاز " أو " الأباظة " الذي ذاع صيته ، وفرقته الحروب والمحن في بلاد شتى فكوّن فيها عائلات يشار لها بالبنان ، وأبرزهم عائلة " الأباظة " في مصر تلك العائلة المشهورة بالانخراط في السياسة والتجارة والأدب معا ، مشاركة بذلك في امتلاك مفاتيح إدارة الحياة : سياسيا واقتصاديا وثقافيا ..
والعلاقة بين الأرض والشعب تضرب بجذورها إلى ما قبل التاريخ ، فقد كان الأبخاز هم أول من سكن هذه الأرض ولذلك تسمت باسمهم ، ويرجح علماء التاريخ أنهم بدءوا في الظهور كأمة في القرن الخامس قبل الميلاد .. ومنذ ذلك التاريخ تتابعت على بلادهم الغزوات .
من المسيحية إلى الإسلام
أصبحت المسيحية هي ديانة أهلها الرسمية عام 533م بعد أن غزاها الرومان ثم البيزنطيين وظلت هكذا حتى منتصف القرن السادس عشر عندما فتحتها دولة الخلافة الإسلامية ضمن فتوحاتها لمنطقة آسيا الوسطي ومنطقة البلقان ... وانتشر الإسلام فيها بين كل الطبقات حيث دخل الناس في دين الله أفواجا ،وظلّت الدولة الإسلامية قائمة فيها حتى بداية هذا القرن ، عندما أصيبت دولة الخلافة بالتفكك والضعف ، وجرى تقسيم أملاكها بين الطامعين من قوى الاستعمار .
الضم إلى جورجيا عنوة
وظلت أبخازيا دولة مستقلة حتى عام 1911م لكن جورجيا تحالفت مع روسيا لممارسة ضغوط شديدة عليها أسفرت عن اضطرارها للموافقة على تشكيل اتحاد فيدرالي مع جورجيا . وفي عام 1921م قرر الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين ( الجورجي الأصل ) بمساعدة وزير داخليته " بيريا " ضمّها إلى جورجيا عنوة علي غير رغبة من أهلها ، فقد كانت الثورة البلشفية لم يلبث على قيامها سوى أربع سنوات ، وكانت الشيوعية الصاعدة في ذلك الوقت في أوج قوتها ، وأخذ قادة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ينفذون خططهم لتذويب الجمهوريات الإسلامية ضمن أراضي الاتحاد السوفييتي ويشتتون المسلمين جماعات بين أراضيه الشاسعة بغية القضاء على قوتهم الديموجرافية وكياناتهم السياسية.. وكان نصيب أبخازيا الالتحاق بجورجيا لتضيف مساحة جديدة مع إقليمي أوسيتيا الجنوبية ووادجاريا اللذان تتكون منهما الأراضي الجورجية.
قهر الشعب
على صعيد الشعب فقد خضع الأبخاز " الأباظة " - كغيرهم من الشعوب المسلمة في ذلك الوقت لسياسات القمع الشيوعية بألوانها المتباينة مثل التهجير والنفي والتوطين القسري الذي مارسه جوزيف ستالين بقوة ووحشية في الثلاثينيات وهو ما أدى إلى هدم خريطة أبخازيا الديموجرافية - كغيرها من الجمهوريات الإسلامية الأخرى - وأعاد تشكيلها من جديد ... فقد دفعت الحكومة المركزية الشيوعية بأعداد كبيرة من الروس والأرمن والجورجيين إلى أبخازيا حيث تم غرسهم في أرض ليست أرضهم في الوقت الذي نفت فيه تلك الحكومة عائلات جمّة من الأبخاز إلى خارج أرضهم وديارهم فتقلص تعداد سكان أبخازيا الأصليين من المسلمين وتدنت نسبتهم وصاروا أقلية في بلادهم بعد أن كانوا الكثرة الغالبة ، فعلى سبيل المثال : كان الأبخاز يمثلون85% من السكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لكنهم بعد عمليات التهجير لهم مقابل عمليات الإحلال لجنسيات أخرى صاروا يشكّلون 17% فقط مقابل 43%من الجورجيين و16%من الروس وبقية النسبة من أعراق وجنسيات أخرى .(42/422)
وهكذا تقلص تعداد الأبخاز فأصبح مائة ألف فقط - وفق إحصاءات جورجيا - بين غابة من الجنسيات المتباينة ، أما بقية الأبخاز فقد شتتها النظام الشيوعي إلى سيبيريا في شمال الاتحاد السوفييتي وإلى مصر والأردن وتركيا وسوريا ، ويكفي أن نعلم أنه يعيش منهم في تركيا وحدها أكثر من 300ألف أبخازي .
وقد ركّزت حملة الإبادة بصفة خاصة على المثقفين من الأبخاز لأنهم يمثلون عقل الشعب وذاكرته التي تحمل قضيته وتعبر عنه و تشكل إرادته وتقوده إلى النضال من أجل الاستقلال .
وإمعانا في طمس الهوية واندثار التاريخ قامت جورجيا بإحراق الأرشيف الوطني ، ودار المتحف الوطني ، ومعهد الأبحاث العلمية واللغوية في محاولة لقطع جذور هذا الشعب من التاريخ .
لكن بالرغم من كل ذلك لم يستسلموا ولم يفرطوا في دولتهم ولم ييأسوا من الدفاع عن بقائها حيّة على خارطة الكون وحيّة على المسرح السياسي ،فعاشوا في حركة تدافع مع الآلة العسكرية السوفيتية بين مطالبة بالاستقلال واحتجاج على الاحتلال الجورجي ، وقد كلفهم ذلك الكثير ، ففي عهد ستالين ( صاحب الحملات الأشد قسوة ضد المسلمين في الجمهوريات الإسلامية عموما ) شنت القوات السوفيتية حملات متتالية للقضاء على قوتهم ، وفي نفس الوقت واجه قادتهم السجن والنفي والقتل في سجون سيبيريا على أيدي القوات السوفيتية .
وفي عهد خروشوف هب المسلمون مرة أخرى للمطالبة بحقهم في الاستقلال لكن السلطات السوفيتية ردت عليهم بحملة وحشية حتى قضت على حركتهم .
وهكذا قوبلت أي تحركات للأبخاز على امتداد ستة وستين عاما ( 1926- 1992م ) للمطالبة بالاستقلال بالقمع الوحشي كما قوبلت أي مطالبة بالحقوق المشروعة بالرفض التام والتهديد بالانتقام
انهيار الإمبراطورية السوفيتية
عندما انهار الاتحاد السوفيتي وتفككت دوله عام 1990م ، كانت الحياة في دوله قد أصيبت بالتفكك والتحلل والاضطراب والفراغ السياسي ، وكان نصيب جورجيا من ذلك كبيرا ، فقد شهدت فراغا سياسيا بعد أن تم عزل الرئيس جامسيا خورديا وفراره إلى غرب البلاد ، وتنصيب مجلس عسكري جديد لحكم البلاد ، لكن قوات خورديا تمكنت من السيطرة على غرب البلاد حيث خاضت حربا شديدة ضد الحكم الجديد.
خلع الرئيس وحرب الاستقلال
وظلت الحرب سجالا بين المجلس العسكري الجديد والرئيس المخلوع حتى تم التضييق عليه ففر إلى أبخازيا محتميا بأراضيها وأهلها .. وهكذا بعد أن كان جامسيا خورديا شوكة في ظهر أبخازيا ومهددا لاستقلالها وسيفا مسلطا على أمنها واستقرارها ، أصبح أمنه ومصيره بيد شعبها بعد أن فر إليهم طالبا الحماية .
وقد عاشت جورجيا بسبب هذه الأحداث فراغا سياسيا واضطرابا اقتصاديا أصابها بالعجز .. وهو ما مثّل فرصة نادرة للأبخاز لإعلان دولتهم المستقلة من جانب واحد عام 1992م، وأعلنوا في نفس الوقت العودة للعمل بدستور 1925م وهو آخر دستور للدولة الأبخازية قبل أن يعلن ستالين ضمها إلى جورجيا عام 1926م.
وقد جاء إعلان قرار استقلال أبخازيا بمثابة الصاعقة على المجلس العسكري الحاكم في جورجيا في ذلك الوقت والذي كان يسيطر عليه تيار التطرف القومي الرافض بقوة لفكرة استقلال أبخازيا من الأساس.
وكان تقدير المجلس العسكري أن القضاء على الأبخاز لن يتجاوز سوى أياما معدودة نظرا لتعدادهم المتواضع الذي لا يتجاوز المائة ألف نسمة ،فأعلن الحرب الشاملة في أغسطس 1992م ، وبالفعل حقق انتصارات كبيرة في بداية الحرب لكن المعركة لم تنته فقد واصل الأبخاز المقاومة ببسالة نادرة فاجأت جميع المراقبين ووضعت جورجيا ونظامها العسكري الجديد في مأزق لا يحسد عليه.
وبعد أن انتهت الفترة الانتقالية التي تولي فيها المجلس العسكري إدارة البلاد بانتخاب ادوارد شيفارنادزة رئيسا جديدا للبلاد لم يتريث النظام الجديد في مواصلة القتال ولم يفكر في دراسة الموقف من جديد ولكنه اختار طريق مواصلة الحرب بينما اختار الأبخاز مواصلة المقاومة حتى قلبوا الميزان العسكري لصالحهم وحققوا نصرا ساحقا.
فما الذي حدث بالضبط حتى ينقلب الميزان بهذا الشكل لصالح الأبخاز؟
هناك عوامل عديدة تضافرت لصالح الأبخاز ، يمكن إجمالها فيما يلي :
قوة شكيمتهم ومراسهم في القتال والتي أعجزت الجورجيين وآلمتهم كثيرا ، ولاشك أن ذلك عوضهم عن قلة تعدادهم أمام جحافل القوات الجورجية ، هذا إضافة إلى استنادهم إلى قوة ضخمة من أشقائهم الأبخاز الذين يبلغ تعدادهم 2 مليون أبخازي ينتشرون في دول القوقاز المجاورة لهم ( الشيشان - الشركس - تتارستان ..وغيرها )، وكذلك الدعم المتواصل من أهلهم المهاجرين - منذ حملات التهجير القسري - في تركيا والأردن وغيرها الذين لم يتوانوا عن إمدادهم بالمعونات المادية والعينية .
انحياز روسيا في بداية الحرب إلى جانب الأبخاز دون الإعلان عن ذلك صراحة
ولعل الموقف الروسي من هذه القضية برمتها يحتاج إلى شيء من التفصيل ...(42/423)
لم يكن الموقف الروسي المؤيد للأبخاز انتصارا لقضية الشعب الأبخازي بقدر ما كان انتقاما من جورجيا التي رفضت الانضمام إلى كمنولث الدول المستقلة الذي شكلته موسكو عقب انفراط عقد الاتحاد السوفييتي ، وهذا الرفض من قبل جورجيا حرم روسيا من النفاذ إلى موانئ البحر الأسود الذي تطل عليه جورجيا وأبخازيا .
وقد مثل هذا الموقف الروسي المؤيد للأبخاز مفاجأة لجورجيا جعلت الرئيس المنتخب ادوارد شيفارنادزة يتهم روسيا صراحة "بالخيانة" لوعودها بمساعدة بلاده عسكريا في حربها ضد الأبخاز .
لكن الموقف الروسي اعتدل بعد ذلك لصالح جورجيا بعد أن سارع الرئيس الجورجي بالذهاب إلى موسكو وإعلان الانضمام من هناك إلى رابطة الدول المستقلة (الكمنولث) وتوثق التعاون الجورجي الروسي بتوقيع الجانبين اتفاقية تعاون عام 1994م تؤكد على أن أبخازيا جزء لا يتجزأ من الأراضي الجورجية .
وعلى إثر ذلك أعلن الرئيس الروسي- في ذلك الوقت - بوريس يلتسين موقفا جديدا لصالح جورجيا وذلك بتوجيه تحذير شديد اللهجة إلى الأبخاز من عواقب استمرار العمليات العسكرية ، و حصلت روسيا بمقتضي اتفاقية التعاون تلك على ثلاث قواعد عسكرية في جورجيا ، كما حصلت على منفذ على البحر الأسود .
وفي عام 1997م وقع الجانبان اتفاقية تقضي بحل مشكلة أسطول البحر الأسود الذي كان يمتلكه الاتحاد السوفييتي السابق وآلت ملكيته لجورجيا بعد "الانفكاك " لكن روسيا نازعتها فيه بصفتها الوريث الأكبر للإمبراطورية السابقة ، وقد حلت اتفاقية عام 1997م المشكلة ، وحصلت جورجيا بمقتضاها على أربع قطع من الأسطول.
موقف الأبخاز من الاتفاقية
الأبخاز من جانبهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي حيال ذلك التحالف الروسي الجورجي ، بل ردوا على تلك الخطوات بتوقيع معاهدة مع جمهورية تتارستان المجاورة (جمهورية قوقازية تتمتع بالحكم الذاتي داخل روسيا ) وهو ما مثل ضربة لروسيا من الداخل جعلها تسارع بإعادة النظر في موقفها وتتحسب خطاها من الانزلاق نحو العداء الكامل لأبخازيا ، وهو ما أغضب جورجيا مرة أخرى ودفعها نحو تأييد المجاهدين الشيشان القريبين من حدودها نكاية في روسيا .
وهكذا تأرجح الموقف الروسي حيال قضية الصراع الجورجي الأبخازي ، بين تأييد للأبخاز نكاية في جورجيا المتمردة من جانب ورغبة في التواجد بقوة في المنطقة تحقيقا لمصالحها وترسيخا لهيمنتها على المنطقة من جانب آخر .
ولذا فإن روسيا تسعى منذ سقوط الاتحاد السوفييتي إلى الهيمنة على دوله وقد عللت ذلك بمجموعة من المبررات ترى أنها تؤيد موقفها ، ومن أبرزها :
الحفاظ على الأمن القومي الروسي .
الصراعات الإثنية في دول الجوار القريب وخطورة امتدادها إلى داخل روسيا .
الدفاع عن مصالح الأقليات الروسية داخل الدول .
الدور الروسي خلف الصراعات الداخلية
وفيما يتعلق بالصراعات الداخلية داخل الدول أو بين الدول بعضها مع بعض كان الدور الروسي واضحا ومؤثرا في معادلات الصراع ، بل إن روسيا قامت بدور كبير في تأجيج العديد من الصراعات بين الدول وفي داخلها حتى توجد ذريعة قوية لتدخلها سياسيا وعسكريا
، وقد كان ذلك واضحا في الصراع الجورجي الأبخازي ومع أن موسكو - فيما يبدو - أيدت استقلال أبخازيا في مرحلة من المراحل ، إلا أنها تعاملت بحذر شديد مع ذلك ، فروسيا ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي تقف سدا منيعا أمام أي نزعة استقلالية جديدة داخل الكيان السوفييتي السابق لأن ذلك يمثل نموذجا مشجعا يغري الجمهوريات والكيانات التي مازالت واقعة في القبضة الروسية ولم تستطع الفكاك منها بعد ومنها جمهوريات القوقاز ذات الحكم الذاتي( الشيشان - داغستان - الأنجوش - قيرقزيا - إديقيا ) ، وغيرها من الكيانات الأخرى مثل تتارستان وبشكيريا الموجودتان داخل الكيان الروسي وتتمتعان بحكم ذاتي .
هذه الدول إذا استقلت فسوف تشكل لا محالة كتلة إسلامية كبرى تهدد مشاريع روسيا بل ومستقبلها .
أمريكا تقفز إلى المنطقة
الموقف الروسي غير المطمئنلجورجيا دفعها لحسم أمرها واللجوء إلى الولايات المتحدة وعقد صفقة متكاملة معها ، تدعم الموقف الجورجي عسكريا واقتصاديا ودوليا وتسمح في نفس الوقت للنفوذ الأمريكي باختراق المنطقة ، وهو الأمل الذي ظل يداعب واشنطن منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وحانت بذلك فرصة تحقيقه .
وفي يوم الخميس 28فبراير 2002م فوجئت روسيا والعالم بوصول أول مجموعة من العسكريين الأمريكيين إلى العاصمة الجورجية تبليسي . وفي سجل صراع النفوذ في المنطقة أصبحت قاعدة " قارزياني " الجورجية هي الأولى التي تدخلها قوات أمريكية بعد انسحاب القوات الروسية منها مباشرة ، وهي الثالثة التي تحل فيها قوات أمريكية بعد دخول قوات أمريكية إلى قيرغيزستان وأوزبكستان على حساب القواعد السوفيتية السابقة وهو ما يعني زحزحة النفوذ الروسي خطوة أخرى لصالح النفوذ الأمريكي ..وهي الخطوة التي سيتلوها - بلا شك - خطوات أخرى أكبر وأوسع في سبيل التمكين لمزيد من النفوذ الأمريكي(42/424)
وقد صاحب وصول هذه المجموعة من العسكريين الأمريكيين ردود فعل من جميع الأطراف المعنية مازال صداها يتردد خاصة أن لها أبعادها الاستراتيجية والعسكرية المستقبلية المهمة ..
ورغم أن الولايات المتحدة أكدت مرارًا أن مجيء قواتها لجورجيا إنما هو لتدريب القوات الجورجية على مقاومة الإرهاب في إشارة منها للمقاتلين الشيشان القريبين من جورجيا وفي محاولة لتطمين روسيا، إلا أن رئيس لجنة العلاقات في مجلس الدوما الروسي قال صراحة إن أي عمل عسكري في المنطقة ( حتى ولو كان ضد مقاتلين شيشان ) سيحمل تهديدا للحدود الروسية وأن موسكو تملك الحق في اتخاذ إجراءات الدفاع عن أمنها القومي
وقد ردت موسكو على سماح جورجيا بدخول قوات أمريكية لأراضيها بعدد من الإجراءات الضاغطة ، فقد صوت مجلس الدوما الروسي ( يوم 1/3 /2002م) بغالبية كبيرة على قرار يقضي بإمكان النظر في وضع جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ( شمال جورجيا ) وهو ما يشير إلى إمكانية اعتراف موسكو باستقلال الدولتين , الأمر الذي أثار غضب وتخوف جورجيا المتشبثة ببقاء الدولتين ضمن أراضيها .
لكن الذي تكشف فيما بعد أن هناك صفقة كبيرة بين جورجيا والولايات المتحدة تفتح الأولى بمقتضاها أراضيها للقوات الأمريكية والتمكين للهيمنة الأمريكية هناك على حساب النفوذ الروسي مقابل تسهيل واشنطن انضمام تبليسي لحلف شمال الأطلنطي , وقد أكد ذلك مستشار الرئيس الجورجي للشؤون الخارجية صراحة قائلا: " إن بلاده لن تتراجع عن قرارها بتقديم طلب للانضمام للحلف عام 2005م ، وكان أكثر تحديدا عندما أوضح أن الجهود التي تقوم بها بلاده لتدريب قواتها المسلحة تتم حسب المعايير التي وضعها الحلف مشيرا إلى المساعدات التي تتلقاها بلاده في هذا الصدد من دول الحلف وعلى رأسها واشنطن ولندن وباريس .
وقد سارت جورجيا خطوة أكثر تقدما في سبيل توطيد العلاقات مع واشنطن بتعيين سفيرها السابق لدى واشنطن تيدوجاباريدزة سكرتيرا لمجلس الأمن القومي الجورجي وهو الموقع الأكثر أهمية بعد موقع الرئيس ، الأمر الذي دعا مراقبين في موسكو إلى التكهن بأن سياسة جورجيا تسير نحو ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في المنطقة ، وهو ما دعا مسؤولين روس إلى القول بأن الأسباب الحقيقية لظهور القوات الأمريكية في منطقة القوقاز ( جورجيا متاخمة لمنطقة القوقاز ) مازال خافيا .
على الطرف الآخر مثلت هذه التطورات الجدية إزعاجا شديدا لأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المتخوفتين على استقلالهما من الدعم الأمريكي لجورجيا ضدهما مما دفعهما إلى التلويح بإمكانية انضمامهما إلى الاتحاد الروسي .
صراع متواصل الحلقات
وصراع القوى المحلية والدولية في هذه المنطقة متشعب ومتعدد المراحل وهو لا ينفك عن صراع نفس القوى الدولية على مناطق النفوذ في دول الانفكاك السوفييتي بأسرها وخاصة ذلك الصراع المكتوم بين روسيا والولايات المتحدة إذ تتخوف الإدراة الروسية من إمكان وجود خطة في الإدارة الأمريكية ترمي لاحتواء روسيا عسكريا من خلال مد ولاية الناتو العسكرية ، واقتصاديا من خلال تحجيم النفوذ الاقتصادي الروسي على دول المنطقة وتجاهل المصالح الروسية في موضوع إبرام العقود والصفقات الكبرى المتعلقة بالطاقة خصوصا طاقة بحر قزوين.
مستقبل الأوضاع
يبرز بعد ذلك السؤال الطبيعي : إلى أين تتجه هذه الأزمة وكيف سيكون مستقبل الصراع في أبخازيا ؟
قبل التوقف عند ذلك السؤال تجدر الإشارة إلى أن الصراع في هذه البقعة سيطول إلى فترة ليست بالقصيرة وذلك لإصرار الطرفين كل على موقفه .. جورجيا تتمسك بأبخازيا تحت قبضتها معتبرة إياها جزءا لا يتجزأ من أراضيها ... وأبخازيا تتمسك بحقها في الاستقلال مهما كلفها ذلك من تضحيات ، ويغذي موقف كل طرف ذلك الشعور الوطني والعقائدي المتنامي عند كل طرف .
على الجانب الجورجي ... هناك تيار قومي استئصالي متزايد ويمسك بزمام الأمور في البلاد ، ويدعو بوضوح إلى إبادة الأبخاز عن بكرة أبيهم ، ومن أبرز قادة هذا التيار رئيس البرلمان السابق تامازنادير ( عام 1992م) والذي قال صراحة إثر تفجر القتال بين الطرفين عام 1992: " إن التعايش مع الأبخاز متعذر ".
كما أن وزير الدفاع في ذلك الوقت جورجي كركاراشفيلي أعلن في زهوة انتصاراته في بداية المعارك أنه مستعد للتضحية بمئة ألف جورجي مقابل مئة ألف أبخازي ( حيث هم كل تعداد الأبخاز ) ، قاصدا بذلك بالطبع ما قصده زميله رئيس البرلمان وهو إبادة الشعب الأبخازي عن بكرة أبيه !
صحيح أن هذه التصريحات الاستئصالية اختفت مع تحول النصر الجورجي إلى هزيمة ، إلا أن قوة هذا التيار مازالت موجودة ، بل وتتزايد.
على جانب الحكومة الجورجية ذاتها فإنها لم تبد أي مرونة في قبول استقلال أبخازيا على أي صورة من الصور، وربما يسندها في ذلك إصدار مجلس الأمن أكثر من ثلاث إدانات لمحاولة أبخازيا السعي للاستقلال عن جورجيا !(42/425)
لكن الموقف الجورجي المتشدد والمسنود دوليا تقيده دائما الميزانية المنهكة من الحروب والتي لا تستطيع دولة مثل روسيا مثلا دعمها لأنها مصابة بنفس داء الإنهاك الاقتصادي، لكن التحالف الأمريكي الجورجي الجديد سيحل هذه المشكلة وربما يقلب الأمور رأسا علي عقب لصالح جورجيا .
لكن خطرا لا يستهان به مازال يهدد الموقف الجورجي ويتمثل في :
1-عوامل التفجير الداخلية المتمثلة في تركيبة السكان المتعددة الأعراق .
2-إمكانية دخول أبخازيا في تحالف مع روسيا يمكن أن تنفذ خلاله تهديدها بالانضمام إلى الاتحاد الروسي .
ولا ننسي أن الأبخاز أعلنوا دولتهم منذ عام 1992م وصار لها رئيسها وبرلمانها وهياكلها وسلطاتها التي تدير دفة الحياة فيها بمعزل عن جورجيا تماما ، ولم تغير من ذلك الوضع إدانات مجلس الأمن ولا عدم الاعتراف الدولي بهم ، إذ من المستحيل أن يتنازلوا عن دولتهم المستقلة التي خاضوا في سبيلها جهادا دام أكثر من ستين عاما .
ومن هنا لانبالغ إذا قلنا بأن الصراع سيطول ، خاصة أن المساعي الدولية فشلت أكثر من مرة في التوصل إلى حل ، فقد جرت أربع جولات من المفاوضات برعاية دولية وتم توقيع اتفاقين لوقف إطلاق النار .. أحدهما في بداية عام 1993م، والأخرى في مايو من نفس العام، لكن هذه الاتفاقيات جاءت في إطار المساعي الرامية للإبقاء على أبخازيا ضمن الهيمنة الجورجية .
الموقف الدولي
الغريب في الموقف الدولي الرافض لاستقلال أبخازيا والشيشان وغيرها من الدول الإسلامية في الاتحاد السوفيتي المنفك ، والرافض كذلك لاستقلال كوسوفا ومقدونيا في البلقان بدعوى الحفاظ على وحدة الأراضي ،هو نفسه الموقف الدولي الذي لم يمانع في تفتيت دولة البوسنة المسلمة إلى ثلاثة كيانات ( مسلم - صربي - كرواتي )، وهو نفس الموقف الدولي الذي وقف بقوة وراء انسلاخ تيمور الشرقية ( المسيحية ) من إندونيسيا.
والواضح أن الموقف الدولي - في مسألة الاستقلال بالذات - يقف بكل قوة ضد مساعي من هذا النوع إذا صدرت من كيانات إسلامية ، بينما يعضد ويساعد إذا صدرت من كيانات غير مسلمة داخل دول مسلمة .. لذا لا نرى تغيرا في الموقف الدولي الرافض لاستقلال أبخازيا .. لسبب بسيط هو أنهم مسلمون.
==============(42/426)
(42/427)
معاداة النبي والصهيونية المسيحية
إدريس الكنبوري 20/10/1423
24/12/2002
اتخذت الحرب ضد الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 منعطفا جديدا لم يكن مألوفا من قبل، ولعلها أكبر هجمة بعد الحروب الصليبية التي لم يكن هناك في حينها لا إعلام ولا أقمار تنقل الصور والبشاعات، فقد أصبح الإسلام مستهدفا بشكل كبير باعتباره عدوا للحضارة الغربية تارة، وتهديدا للغرب أخرى، وإرهابا تارة ثالثة، وهمجية تارة رابعة.
ليس في الأمر مفاجأة، ففي كل مراحل التاريخ كان الإسلام في جوهر الصراع العالمي العقائدي والسياسي، تبدلت الإمبراطوريات وسادت ثم بادت ولا واحدة منها انحرفت عن طريق المواجهة مع الإسلام، ويحاول الغرب اليوم بدفع قوي من التحالف المسيحي اليهودي الناشط في أكثر من بلد أوروبي أن يبعث تركة الماضي الصليبي في الحرب على الإسلام والمسلمين، وإطفاء نور الحق الذي رأوا كيف تحدى صراعات البقاء والإمبراطوريات المتعاقبة في الزمن.
بعد 11 سبتمبر، وجد الكثيرون في الحادث فرصة للنيل من الإسلام وشن حرب إعلامية ودعائية قوية ضده، مستفيدين هذه المرة من الأجواء المشحونة ضده في أمريكا وأوروبا، لتأليب الرأي العام العالمي والغربي على المسلمين، وخلق حالة من"الفوبيا" الخطيرة التي تهدد بقطع جذور التواصل الحضاري.
ولكن الأمر لم يتوقف عند حد اتهام المسلمين والإسلام بالإرهاب والعنف والهمجية، بل تعداه إلى المس بشخص الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وإلصاق التهم الرخيصة به عليه الصلاة والسلام، وهي زيادة في الكيد تبين بأن الأمر يتجاوز كونه نتاج سوء فهم أو تقدير، بقدر ما هو حرب حقيقية فيها من الإذلال قدر كبير وفيها من الاستكبار القدر الأكبر.
الخطير في الأمر أن هذه الحملة الكيدية ضد شخص النبي صلى الله عليه وسلميشرف عليها ويقودها -وهم وقودها- رجال دين مسيحيون وراءهم أتباع وأنصار، مثل القس "جيري فلويل" و"بات روبرتسون" و"فرانكلين جراهام" و"كورت كرين"، كما أن هؤلاء لا يقتصرون على صفتهم الدينية ومواقعهم الكنسية كقساوسة فقط، بل لهم نشاطات سياسية ويتمتعون بنفوذ سياسي قوي، مثل القس "روبرتسون" الذي ترشح عام 1988 للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقود (التحالف النصراني)في الحزب الجمهوري الحاكم، وكان الرجل قد لعب دورا بارزا في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريغان" الذي شهد عهده نموا واسعا لليمين الديني المسيحي في أمريكا، ويمول عددا من المنابر الإعلامية والقنوات التي يروج من خلالها لأفكاره المتطرفة الشاذة.
زد على ذلك أن هذه الحملة لا تقتصر على بلد أوروبي بعينه، بل بدأت تنتشر في كثير من البلدان الغربية، ووصلت إلى إسرائيل حيث ألف يهود أغاني تدعو إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل محله. ما يعني أن الحملة وراءها تحالف صهيوني مسيحي نافذ يريد أن يشعل فتيل المواجهة مع الإسلام، وأن يوظف السياسة الأمريكية ما بعد 11 سبتمبر الموجهة ضد ما تسميه هذه السياسة بـ"الإرهاب" لتصفية الحساب مع الإسلام والمسلمين، ومع الفلسطينيين في فلسطين، إذ ليس يخفى ذلك التناغم بين الحملة والعدوان الصهيوني في هذا الظرف العالمي الدقيق.
إن العداوة الغربية للإسلام أمر ثابت منذ وقت طويل، وقد أفصح الغرب عن هذا التوجه العدواني في عدة محطات ومواقف ليس أولها تقسيم فلسطين نفسها والتآمر عليها، ولا آخرها احتلال البلدان العربية والإسلامية ووضع سياسات عنصرية لصرف المسلمين عن دينهم، كما أن الكيد اليهودي للإسلام في العصر الحديث مما لا يمكن أن يخفى على أحد، فكم مرة نسمع عن صناعة ألبسة أوأحذية أو عطور عليها إسم الجلالة أو اسم النبي -محمد r- سخرية واستهزاء وإذلالاً للمسلمين، ولا يتحرك الغرب ليوقف هذا العدوان، فيما هو ينهض ضد حق المسلمين في المنافحة عن دينهم وكرامتهم، وما قضية سلمان رشدي وتسليمة نسرين إلا نموذجين للازدواجية الغربية في التعاطي مع دعوى حقوق الإنسان، فلم يقتصر الغرب على الدفاع عن هؤلاء بحجة تلك الدعوى المختلة في الموازين الغربية، بل كافأهما بالجوائز والأوسمة الأدبية، وفي العام الماضي منحت جائزة نوبل للآداب لكاتب هندي مغمور يدعى" ف،س،نايبول" معروف بعدائه للإسلام والمسلمين، وكتبت الصحافية الإيطالية "أوليانا فالاشي" كتابها"الكبرياء والغضب"المليء بكل أشكال الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين، وعاد المستشرق اليهودي العجوز "ماكسيم رودنسون" بعد 11سبتمبر إلى حملاته التقليدية ضد القرآن والإسلام والحضارة الإسلامية، معطيا إياها نغمة جديدة تساير أجواء ما بعد الأحداث في الغرب، النفسية والسياسية والإيديولوجية. وفي خلال كل هذه المواقف المتتابعة، منذ ما قبل 11 سبتمبروبعدها، بدا الأمر وكأن هناك "حلفا مقدسا" في الغرب وفي أمريكا بالذات يستجمع قوته للهجوم على الإسلام.(42/428)
إن هذه الحملات كلها، ما هي إلا حلقة في سلسلة ممتدة عبر تاريخ العلاقة المهتزة بين الغرب والإسلام، كانت ترتفع أحيانا وتهدأ أخرى، لكنها لم تبرح ذاكرة الغرب ونخبه ومثقفيه، واتخذت دفعة قوية بعد انهيار الشيوعية وزوال الاتحاد السوفييتي، لتتخذ دفعة أقوى بعد أحداث سبتمبر من العام الماضي، والتي اعتبرها الأصوليون المسيحيون المتطرفون واليهود مناسبة لا يجب أن يخطئوا مواعيدهم معها، ليجعلوا منها عنوانا لصراع الحضارات الأثير لديهم.
وبنظرة للتاريخ، نجد أن صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أذهان القساوسة المسيحيين ورجال الدين منذ عدة قرون، هي صورة الرجل المعادي للمسيحية، وكانت تلك الصورة جزءاً من الصورة العامة المشوهة للإسلام في الغرب، والاعتقاد الراسخ دائما لدى المنظرين والكتاب المسيحيين هو أن تشويه صورة نبي الإسلام يؤدي إلى انهيار الإسلام في نفوس أبنائه، وقد بين "دانييل نورمان" في كتابه(الإسلام والغرب) هذه الخطة الإيديولوجية المسيحية من خلال عبارة وردت في باب النبوة المزيفة جاء فيها:"لقد بدا لأولئك الأكثر اهتماما أن الهجوم المسيحي يجب أن يوجه بمجمله إلى تعرية الرسول، فإذا أمكن إظهاره على حقيقته، أي تجريده من صفات النبوة، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار صرح الإسلام كله".
وقد كان الحقد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الطاغي على الفكر المسيحي قبل وبعد موجة الحروب الصليبية، وبلغ هذا الحقد مبلغه على يد "بطرس المبجل" الذي قال قبل سبعة قرون:"إن أوضح منهج لصدق النبوة، هو المنهج الذي يتضمن رفض دعوة محمد"، ورسخت المسيحية في أذهان أتباعها أن الإسلام ليس سوى مروق من المسيحية، وأنه دين وثني يحتل فيه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - موقع المعبود، بل أشاعت الكنيسة أن المسلمين يعبدون ثالوثا هو:ماهوميت(أي محمد) وأبوللو وتروفونيوس(الإسلام والمسيحية،جورافسكي،عالم المعرفة ،الكويت).
ولم تكن هذه الصورة المنحرفة عن الإسلام والنبوة قاصرة على الأدبيات الدينية، بل لقد لعب الأدب الغربي والأساطير الشعبية المتأثرة بتلك الصورة النمطية التي كرستها المسيحية دورا بارزا في ترويج تلك الصورة المعوجة وتكريسها في الوعي الغربي الحديث والمعاصر، وقد لا يتسع المجال للإحاطة بكل ما كتب في هذا النطاق وهو كثير، ولكن يمكن الاقتصار هنا على ما جاء عند الكاتب المسرحي الإيطالي "دانني" في كتابه المعروف"الكوميديا الإلهية"،حيث إنه جعل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - (موميتو في النص) ضمن نزلاء الجحيم رفقة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مع مثيري الفتن والانشقاقات الدينية والسياسية، وهذا أخطر تعبير عن الجهل والتعصب المسيحي ضد الإسلام في عصر ما يسمى بالنهضة الأوروبية الحديثة.
وفي "أنشودة رولان" المسيحية نقرأ مثلا أن المسلمين "رفعوا تمثال محمد فوق منارة، وكل الوثنيين كانوا يصلون له ويعبدونه" والمقصود بالوثنيين هنا المسلمون(البيتان 853-854). أما الفيلسوف الفرنسي فولتير فقد كتب في رسالة إلى ملك بروسيا يقول:"محمد عندي ليس سوى مراء في يده سلاح".
وكلمة "ماهومي" أو "مامت" التي تشير في اللغات الأوروبية إلى النبي محمد مشحونة بمعانٍ،وهي من الكلمات التي كانت رائجة في MOMET التحقير القذف،فهما مأخوذتان من كلمة في القرون الوسطى،
وتحملت معاني الألوهية المزيفة، قبل أن تستعمل منذ عام 1529م للسب والقذف، وهذا يعني أن اللغة اللاتينية نفسها في ما يخص النبي -محمد r- لغة متحيزة وعنصرية.
لقد ساعدت هذه الصور النمطية عن الإسلام في الثقافة المسيحية في بلورة موقف سياسي محدد من الإسلام والمسلمين في العصر الحديث، وعمل اليهود في فترات معينة من التاريخ على استثمار هذه الثقافة لصالح مشروعهم الاستيطاني في فلسطين، وتهويد الأماكن المقدسة بها،إذ وجدت الحركة الصهيونية في الغرب المسيحي بيئة ثقافية ودينية ملائمة مكنتها من جلب الدعم المالي والسياسي، وقدمت الأصولية المسيحية المسوغ الديني لهذا الدعم في الغرب، ولا تزال هذه الأصولية تشكل أهم مصادر التأييد الدائم لإسرائيل في الولايات المتحدة.(42/429)
ومن أبرز وجوه تيار الأصولية المسيحية البروتستانتية في الولايات المتحدة اليوم بات روبرتسون الذي أسس مشروع "القناة العائلية" التي يشاهدها أزيد من 16مليون عائلة أي أكثر من 19% من المواطنين الأمريكيين، وقد برز "بات روبرتسون" بقوة في الحياة السياسية الأمريكية أثناء عهد رونالد ريغن في ثمانينيات القرن الماضي برفقة القس جيري فلويل مؤسس تنظيم"الأغلبية الأخلاقية"، حيث رافقا حملته الانتخابية، وأقاما دعايتهما السياسية على المؤامرة الكونية المزعومة ضد أمريكا والمسيحية في العالم، وإضافة إلى هذين الاسمين، هناك أسماء أخرى مثل "جيمي سواجارت" الذي يدير حملة الترويج لإسرائيل من قناته التلفزيونية، وجيمي بيكر الذي يملك ثالث أشهر محطة تلفزيونية تبشيرية في أمريكا، وأورال روبرتس، وكينيث كوبلاند، وريتشارد ديهان الذي يقدم برنامج "يوم الكشف"، وريكس همبرد، والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو الدعاية لإسرائيل والدعوة إلى حمايتها باعتبارها تجسيدا للنبوءات المسيحية في فلسطين.
وهذا التيار المتشدد في وجهة نظره من الإسلام والمسلمين هو اليوم تيار نافذ في الإدارة الأمريكية الجمهورية، بل قيل في بعض الصحف الغربية أن "صقور" البيت الأبيض الذين يقفون مع هذا التيار في صف واحد هم الذين أشرفوا على تحرير جوانب كبيرة من خطابات جورج بوش الابن التي أبدى فيها تشددا بارزا ناحية الإسلام والمسلمين بعد 11 سبتمبر في إطار مسمى الحملة ضد الإرهاب، وجاءت ردود الفعل من هذا الجناح في الإدارة الأمريكية قوية إثر التصريحات التي أدلى بها بوش ردا على تصريحات القس بات روبرتسون، حيث اعتبر هذا الجناح أن دفاع الرئيس الأمريكي عن الإسلام والمسلمين أمر لا يتماشى والحملة ضد الإرهاب، وقال أحد رموز هذا التيار: "إن العدو له إيديولوجية، وإن قضاء ساعة أمام الإنترنيت سيقدم نوعية الرؤية التي يمكن أن تحصل عليها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية بقراءة كتاب"كفاحي" لهتلر أو كتابات ستالين وما تسي تونغ".
هكذا يظهر أن التحالف المسيحي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية يحاول جاهدا خلق المواجهة بين الغرب والإسلام باسم محاربة الإرهاب، ودفع مسار العلاقة التي خضعت لاهتزاز كبير بعد 11سبتمبر نحو صراع حضارات، وهذا أمر مفهوم، لكن غير المفهوم هو صمت المسلمين عن تدنيس مقدساتهم والتهجم على شخص الرسول -صلى الله غليه وسلم- .
=============(42/430)
(42/431)
العدو يخطط وينفذ ونحن لاهون
علي التمني 24/10/1423
28/12/2002
الأخ علي التمني يصيح بنا " العدو يخطط ونحن لاهون " ... فنلصغ له سمعاً فإن الأمر جد ...
الأمر جد وهو غير مزاح … …
فاعمل لنفسك صالحاً يا صاح !
(سلمان)
ماذا دهى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، دولا وشعوبا ومنظمات ومؤسسات و مفكرين ودعاة ؟ ماذا دهانا جميعنا ؟ هل بلغنا مرحلة العجز التام عن التفكير السليم والتأمل الواقعي الصحيح فيما يحيط بنا من أحداث ؟ أم أنه التبلد والافتقاد إلى الإحساس والشعور بالأخطار الجسيمة المحدقة ؟.
العدو في قلب الوطن الإسلامي يخطط وينفذ ويكتسح و تتمدد خطورته في كل اتجاه في صورة أخطبوطية لا تقف عند حدود ولا تعترف بالخطوط ولا تشبع ولا تروى في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلا في حياة المسلمين السياسية والعسكرية وبل والسيادية ، فهذا هو العدو يغير معالم القدس السكانية والجغرافية ويجري الحفريات تحت المسجد الأقصى تمهيدا لهدمه ، وهذا هو يقتل يوميا العشرات من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني ويهدم المنازل ويجرف المزارع التي هي مصدر قوت هذا الشعب الأعزل المعزول عن العالم المحاط بأسوار عالية لا تسمح برؤية ما يجري من حرب تقوم بها رابع قوة عسكرية في العالم في مواجهة شعب لايملك حتى حق استخدام الحجر ، فإذا شوهد فتى فلسطيني وهو يحمل حجرا في يده فهو في نظر الولايات المتحدة الأمريكية الديموقراطية الإنسانية وفي نظر الغرب إرهابي ، أما أن تفجر أجساد الصبية داخل فلسطين بالصواريخ المضادة للدروع والدبابات فذاك عمل مشروع ودفاع عن النفس في مواجهة الحجر المقلاع .
إن العدو داخل فلسطين قد وجد نفسه يعمل بكل حرية منفردا بالشعب الأعزل ليخطط وينفذ ويصل إلى آخر الشوط في التنكيل والتقتيل والتمزيق والتعذيب كل ذلك والوطن الإسلامي لا يأبه به ولا بما يعانيه ، حيث نجحت الولايات المتحدة بإلهائنا عما يجري داخل فلسطين بمسرحية بوش /صدام ، وكل عاقل في هذا العالم يعلم أن صدام العراق صنيعة أمريكية من أول يوم ، ولقد حذر العقلاء من خطورة النظام البعثي في العرق ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
والعدو الذي يقوم بكل صفاقة بتصفية الشعب الفلسطيني يوميا وأمام أنظار العالم المشغول بمنهاتن ومسرحية صدام هو نفسه العدو الذي وصلت أطرافه الأخطبوطية إلى جنوب السودان حيث يقف هذا الكيان وراء حركة جون قرنق الصليبية المدعومة من جميع الأطراف المستفيدة من شن الحرب على الشعب السوداني المسلم ، وما كان احتلال توريت قبل أسبوعين في جنوب السودان ليتحقق من قبل جيش جون قرنق الصليبي إلا بدعم عسكري وتكتيكي من قبل جيش العدو اليهودي ، هذا إلى أن هذا الدعم قديم قدم الحركة نفسها في حربها الصلبيبية المدعومة من قبل الكنيسة النصرانية والدول الصليبية الأخرى .
والمتأمل في الخريطة الجيوسياسية في القرن الأفريقي يدرك تعاظم الوجود اليهودي السياسي والعسكري في هذه المنطقة ومن أخطر مؤشرات هذا الوجود :
1- إقامة جيش العدو اليهودي قواعد عسكرية ضخمة في جزر دهلك التابعة لأريتريا وفي غيرها من موانئ البحر الحمر الأفريقية ، ولا شك أن في هذا الوجود خطورة عظمى على كل الدول المطلة على البحر الأحمر الذي هو بحر إسلامي من جميع جهاته ، فلماذا هذا الحرص من قبل العدو للوجود بقوة في هذا البحر جزرا وشواطئ ؟.
2- الدعم اليهودي اللامحدود لجميع التنظيمات والأحزاب التي تمارس إرهابا ضد المسلمين في جميع دول الجوار القرن - أفريقي ، وخاصة في أريتريا وأثيوبيا ، وجنوبا في أو غندا .
3- إن ما يحدث في الصومال من حرب أهلية طال أمدها أكثر من إثنتي عشرة سنة لا يمكن تفسيره إلا بوجود أصابع يهودية محركة لهذا الصراع ، وإن كنا كمسلين نتحمل المسؤولية كاملة عما يجري في ذلك الجزء من الوطن الإسلامي .
4- المساندة الفعالة للنظام الحاكم في أريتريا قبل سنوات لاحتلال جزر حنيش اليمنية في البحر الأحمر .
5- التغلغل في الحياة من كافة جوانبها في كافة الدول الأفريقية ، مستغلة فراغ القارة من التأثير الإسلامي .
هذا بعض ما يحدث في أفريقيا ، وأما في آسيا فتخطيط العدو اليهودي ومساعيه من أجل التغلغل في النسيج الإسلامي للجمهوريات الإسلامية في وسط أسيا يعرفه القاصي والداني ، فهل أدركنا مغازي هذا التغلغل في بلاد إسلامية معروفة بثرواته الطائلة من المواد الخام التي لم تستغل بعد في ظل ظروف سياسية طاحنة تقودها قلة قليلة من حرس الشيوعية القديم وأسرهم حيث تحولوا بعد سقوط الشيوعية إلى إقطاعيين لا هم لهم إلا استغلال خيرات تلك البلاد وترك الشعوب تعاني من الفقر المدقع ومن الظروف السيئة في جميع جوانب الحياة ، ليأتي العدو في ظل هذه الظروف مستغلا فقر تلك الشعوب وغنى تلك البلاد في الوقت نفسه ليحقق لنفسه الثروات الطائلة وليمتص خيرات تلك البلدان الإسلامية وأخطر من ذلك لينشر الكراهية والبغضاء والشقاق بين شعوب تلك البلاد المسلمة و إخوانهم في الوطن الإسلامي شرقا وغربا.(42/432)
ولا ننسى أن نشير إلى خطورة الحلف القذر بين الهند والعدو اليهودي في فلسطين والموجه ابتداء وانتهاء إلى الوطن الإسلامي القريب والبعيد جغرافيا عن بؤر الصراع ، وبالمناسبة فلم يعد ثمة ما كان يعرف قديما بالبعد عن بؤر الخطر ، فالعالم أصبح كله متقاربا بفعل التقنية الحديثة وخاصة في أوقات الأزمات والحروب.
إن على الدول الإسلامية التحرك السريع لدراسة هذا الخطر الأخطبوطي داخل فلسطين وخارجه ، وأن تعد الخطط وتقوم بالتنفيذ العاجل لمواجهة هذا الخطر الحقيقي الداهم ، وأن تدرك أن مصالحها في خطر جسيم بسبب تحركات العدو في كل اتجاه ، وهي تحركات مستمرة وستستمر وتتعاظم أخطارها كلما تقدم الزمن ولم تجد تخطيطا مضادا ومواجهة شاملة على كافة الصعد .
إن اشتغال الدول الإسلامية بآثار هجمات 23 جمادى الآخرة 1422 ( 11 سبتمبر ) يجب ألا تشغلنا عن هذا الخطر المحدق ومواجهته ، فالمؤكد أن إشغال العالم بهذا الحدث يعد أكبر غطاء لتمرير ذلك الخطر المتمثل في العدوان اليهودي العسكري وغير العسكري للسيطرة على الوطن الإسلامي قاطبة
==============(42/433)
(42/434)
مسلمو تترستان ثبات وتحدي
أعده عبد الرزاق الكندي 18/4/1423
29/06/2002
جمهورية تتاريا: إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية تقع في حوض الفولغا شرقي روسيا الأوروبية على حدود باشكيريا.
وتبلغ مساحتها 28000كم2 ، وسكانها حوالي 4 ملايين نسمة ، وتزيد نسبة المسلمين فيها على 65% على الرغم من كثرة الروس المستوطنين ، وتنتسب لشعب التتار المسلم الذين نقلوا الإسلام على شمال أوربا فوصلت الدعوة بجهودهم إلى روسيا الأوروبية وفنلندا وبولندة وشبه جزية إسكندنافيا عامة .
احتلها الروس عام 960هـ/1552م وأجلو أهلها عن قازان العاصمة ليحلوا محلهم ، ولكنهم تمسكوا بعقيدتهم وصمدوا لتحدي قياصرة روسيا طيلة أربعة قرون، فضربوا مثلا رائعا في الصمود والتحدي والاعتزاز بالإسلام ، ولا يزال هذا الشعب رغم تشتته في أنحاء مختلفة يمثل الإسلام دين الأغلبية فيه.
وقد كانت قازان العاصمة ذات جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب في مستهل القرن العشرين ، ومطابع تخصصت بطباعة المصاحف ، والكتب الدينية وكان فيها مدارس ومكتبات إسلامية ،وكان دورها الإسلامي يزيد على دور دمشق والقاهرة واستنبول ، وقد حافظت على طابعها هذا حتى بعد الثورة الشيوعية، وكانت ترسل الدعاة إلى مختلف البلاد الخاضعة لروسيا القيصرية وخاصة إلى سيبريا ، وخاصة بعد قانون حرية التدين في روسيا 1323هـ/1905م.
وبعد أن استولى السوفييت على الحكم واجه التتار حربا قاسية على معتقداتهم ، فأغلقوا المدارس الإسلامية ، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في قازان ، فواجهوا ذلك بالتحدي ، وقدموا العديد من الشهداء ، حتى أولئك الذين تعاونوا مع الشيوعيين في البداية مثل سلطان علي أو غلي(عالياف) الذي نادى بتوحيد المسلمين في روسيا في كيان دولة واحدة تتحد مع السوفيتي على مستوى واحد ، فقبض عليه سنة 1342هـ/1923م ، وأعدم في سنة 1356هـ/1927م .
ويعتبر النفط من أهم موارد جمهورية تتاريا ويستخرج من حوض كاما الذي أطلق عليه اسم: باكوا الجديدة .
من الإيمان السري إلى الصحوة العلنية
يقول غوسمان ، مفتي تتارستان "ينتشر الإيمان في دمنا وعظامنا ، يمكنك أن تخلع عن الواحد منا ثيابه وأن تلقيه في غياهب السجون ، لكنك لا تستطيع أن تنتزع منه إيمانا يمارس منذ ألف عام" ويضيف " الناس هنا ليسوا ملحدين ،على رغم أن ثلاثة أجيال نشأت تحت الحكم السوفياتي،بل هم يجهلون دينهم، واليوم يعود كثيرون منهم إلى الاهتمام بالإسلام".
يمكن بالعين المجردة رؤية صحوة الإسلام هذه في تتارستان ، الجمهورية المتمتعة بالحكم الذاتي في روسيا الاتحادية ، حيث نصف السكان من التتار ، وهم شعب مسلم منذ العام 922. ففي 1990 ، في عهد البيرويسرويكا لم يكن هناك سوى مسجد واحد في قازان: أما اليوم فهناك خمسون مسجداً ، ويتم الآن تشييد مسجد كبير باسم" قول شريف" داخل باحة الكرملين في قارزان ، على بعد خطوتين من الكاتدرائية الأرثوذوكسية الجاري ترميمها . كما يمكن إحصاء حوالي ألف مسجد في سائر الجمهورية التي لا يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة.
والظاهرة اللافتة أيضاً هي عودة السكان إلى الإسلام : فحيثما أدرت الوجه في المساجد او في المدارس الدينية التقليدية ـ تجد المئات ، بل الآلاف من التتار يتعلمون من جديد تعاليم الإسلام . وتخرّج المدرسة المحمدية، أحد مراكز التعليم الإسلامي الستة العاملة في قازان بموافقة من السلطات ،مئات الطلاب الذين ينقسمون إلى ثلاثة فصول : أول يضم مائتي شاب تقل أعمارهم عن الخمسة والعشرين عاما يدرسون نهارا، وثاني مسائي يضم نحو 300 شخص ، وثالث يشمل نحو 300 رجل وامرأة يتلقون التعليم في مساجد قراهم أو مدنهم مدة ثلاث سنوات ، يواصلون دراستهم بعدها في منازلهم، على أن يأتوا لمدة عشرة أيام ، مرتين في السنة ، لتقديم الامتحانات في المدرسة.
ويثير الاهتمام ذلك التنوع الاجتماعي للذين يعيدون اكتشاف الإسلام في المدرسة المحمدية . ففايز المولود في 1947 اختصاصي في التدفئة ، ودامير المولود في 1952 والمتحدر من كازاخستان موظف في وزارة الشؤون الدينية ، أما عزت البالغ من العمر حوالي 70عاما ، فمدرس لمادة العلوم الطبيعة ، ونادر المولود في 1956 مهندس نفطي ، . ففايز يدرّس الإسلام لسبعين طفلا في مدرسة مسجد الحي الذي يقيم فيه، ودامير مساعد لإمام المسجد وينوب عنه في غيابه
دور المرأة في الدعوة(42/435)
ياسمين المولودة في 1961 رئيسة عمال في قطاع البناء ، وأليفة ذات الاثنين والستين عاما متخصصة في علم المكتبات، وغلناز المولودة في 1981 مصممة أزياء ، وزاليا المولودة في 1954 تعمل في قطاع الطاقة : وجميع هؤلاء في السنة الثانية أو الثالثة من الدراسة الدينية، ولديهن نشاط ديني مواز لحياتهن العملية ، وياسمينية تدرّس القرآن لثمانية عشر ولدا في منزلها ، ولعدد من البالغين في المسجد . أما غلناز فقد فتحت مشغلا للزي الإسلامي في قريتها ، وهي تصمم مع شابات القرية ملابس مستوحاة من مجلة للأزياء الإسلامية تصدر في تركيا . وتقام في العديد من المساجد فصول تدريس غير تقليدية ، مثلما هو الحال في مسجد نور الله في قازان ، حيث تعطي رشيدة خانم ، والدة المفتي ، دروساً صباحية لنساء تحول سنهن المتقدمة دون ذهابهن إلى المدرسة أو الجامعة -معظمهن تخطى الستين - فيذهبن يوما في الأسبوع إلى المسجد ليدرسن مع رشيدة خانم القرآن ، مترجما إلى التترية، ويتعلمن أداء الصلاة . وتظهر رشيدة خانم (77عاما) طاقة غير عادية ، وهي تختزن في ذاكرتها تاريخ المقاومة الإسلامية للإلحاد في عهد ستلين : ولدت في العام 1924 م بعيد وفاة لينين ، في عائلة من اثني عشر طفلا لفلاح متدين ، فتعلمت الصلاة وهي في الرابعة ، وبدأت صيام رمضان في الثامنة . وكان القمع يومها في أشده : فحكم على والدها بالسجن عشر سنوات لأنه من الكولاك (أغنياء الفلاحين )وأحرقت الكتب العربية التي كانت بحوزتهم ، ودمرت المآذن وحولت المساجد نوادي ... لكن رشيدة كانت قد تعلمت العربية ولن تنساها مطلقاً . وفي سن التاسعة عشرة تزوجت موظفا في مصرف حكم عليه بدوره بالسجن مدة 16 عاما ثم أطلق في إطار عفو صدر في أعقاب وفاة ستالين في 1953 ، لكنه مات بعد شهرين . وتزوجت رشيدة ثانية ،واستفادت الليبرالية النسبية التي تلت وصول خروتشوف إلى السلطة فبدأت في تعليم العربية ومبادئ الإسلام ، سراً في منزلها ومنازل الخاصة.
تقول عن تلك الفترة: " كنت استخدم كتبا قديمة خبأناها في السقيفة ، لم أكن محترفة ، لكني كنت أنقل ما علمتني إياه والدتي ،فأعلم الأحرف العربية على لوح وأبين كيف يجب أن نصلي".
وتروى رقية ، إحدى " تلميذاتها " في مسجد نور الله ، إن أهلها " كانوا مؤمنين يؤدون الصلاة ، لكنهم لم يعلّموني ديني بسبب خوفهم ... كنت جاهلة لا أعرف شيئا عن الإسلام وقبل 26 عاما كنت أشتغل في مصنع وكانت هناك أنباء تسري بأن امرأة تعلم الدين . التقيت رشيدة خانم صدفة في الشارع ، وخلال حديثنا قالت لي أنها هي المقصودة. كنت أذهب مرة في الأسبوع لتلقي دروسها وكنا نتعلم القرآن والصلاة وقراءة العربية : كان الأمر صعبا، لكن مدرستنا كانت صبورة جداً ".
معظم التتار الذين يستعيدون اليوم طريق الإسلام يروون القصة ذاتها تقريبا: أجدادهم ، وخصوصا جداتهم ، لم يتوقفوا يوما عن الإيمان والصلاة . وهم لا يفعلون سوى إعادة الوصل مع دين لم يتخلوا عن إيمانهم به . تقول مدرسة في إحدى المدارس التترية في قازان "لقد آمنت دوما بالله ، بالتأكيد كنت إبنة للنظام ، صُنعت في قالب المدرسة وذهبت إلى نوادي الشبيبة الشيوعية ، لكني لم أصبح عضوا في الحزب الشيوعي . وفي القرية لم يكن هناك سوى النساء ، فوالدي وكثيرون آخرون أرسلوا إلى سيبيريا فور عودتهم من الحرب ، ووالدتي وخالتي وجدتي كن يؤدين صلواتهن ، ولذا بقيت جذوة الإيمان مشتعلة في صدري ، كنت أؤمن بالله سراً " . لكنها لم تبدأ بالصلاة سوى في العام 1994 بعد ما قرأت كتابا يشرح كيفية الوضوء والصلاة. ا-هـ •
مواقف مشرفة
رغم العزلة التي فرضها النظام الروسي-حالياً- على المسمين في تترستان ومنع المدرسين العرب من التدريس في المدارس والكليات الإسلامية في تترستان بحجة محاربة المد الأصولي فان مسلمي تترستان ظلوا على ارتباط بقضايا أمتهم الإسلامية فقد أثارهم ما يحدث للمسلمين في كوسوفا فطالبوا الحكومة فتح الطريق أمامهم لمناصرة إخوانهم الألبان , كما كانت لهم مواقف مشرفة إزاء ما يجري للقدس والفلسطينيين من اضطهاد فخرجوا في مظاهرات تظامنية مع الشعب الفلسطيني كماتظاهرو ا أمام الفرقة الفنية التي استدعاها المركز الصهيوني الاجتماعي بموسكو ورفعوا لافتات كتب عليها:
( يا خنازير أخرجوا من أرض تترستان المسلمة )و(بالروح بالدم نفديك يا فلسطين)
احتياجات المسلمين في تترستان
يعيش المسلمون في تترستان حالة شبه مستقرة إلا من محاولة الحكومة الروسية عزلهم عن العالم الإسلامي وعن الفكر الإسلامي الصحيح, ولذا قامت بإنشاء جامعة إسلامية في قازان لسد الطريق أمام الراغبين في دراسة العلم الشرعية من السفر إلى الخارج كما منعت العرب من التدريس في المدارس والمعاهد الشرعية ومنهم الذين رشحهم الأزهر للتدريس في جامعة قازان حيث رفضت الحكومة إعطاءهم تأشيرات دخول (بحجة الحد من انتشار التيار الاصولي) ولذا فأن إيصال الصوت الإسلامي الصحيح من أهم احتياجاتهم لئلا تصنعهم روسيا على عينها وينشأ جيل مدجن لا هو إسلامي ولا هو علماني(42/436)
ومن هنا نناشد الهيئات والموسسات الدعوية الناشطة في الخارج كـ( الندوة العالمية للشباب الاسلامي) وغيرها القيام بهذا الدور
==============(42/437)
(42/438)
قضية كوسوفا في سطور
22/2/1423
05/05/2002
اعتناق الكوسوفيين الإسلام
اتفق المؤرخون على أن الإسلام دخل إلى البلاد البلقانية قبل الفتح العثماني، و ذلك عن طريق التجار و الدبلوماسيين و الدعاة إلا أن ذلك كان على نطاق ضيق و محدود أما انتشار الإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيء العثمانيين حيث دخل الشعب الألباني في الإسلام أفواجا و حسن إسلامهم و كان منهم في الدولة العثمانية القواد العظام مثل بالابان باشا ( قائد من قواد فتح القسطنطينية ) و كبار الكتاب و الشعراء كانوا يؤلفون بلغات خمس :(الألبانية و البوسنية و العربية و التركية و الفارسية ) مثل محمد عاكف أرسوى رحمهم الله جميعا.
وقد تمكن الحكم العثماني فى جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد المعركة الشهيرة "معركة كوسوفا" التي قاد فيها السلطان العثماني مراد الأول الجيش الإسلامي بنفسه ، و قبيل انتصار الجيش الإسلامي استشهد السلطان مراد و تسلم القيادة السلطان بايازيد الذى انتصر على الجيوش المتحالفة ( الأوروبية )و قتل الملك لازار (الصربي) و ذلك سنة 1389 م. - 938 هـ. فبعد هذه المعركة الحاسمة خضعت كوسوفا و صربيا للحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد ، فإنها فتحت فى عهد السلطان السليمان القانوني و ذلك فى 26 من شهر رمضان المبارك سنة 1521 م. - 938 هـ.
وكانت ولاية كوسوفا أكبر الولايات العثمانية في رومليا ( أوروبا )، و كانت أول عاصمة لها مدينة بريزرن (P r iz r eni ) ثم مدينة بريشتينا (P r ishtina) و فى الأخير مدينة أشكوب (Shkupi) عاصمة ماكدونيا اليوم، و ما زال فيها إلى يومنا هذا عدد الألبان أكبر من عددهم فى تيرانا عاصمة ألبانيا.
بعد اضطهاد بشع فى الفترة الشيوعية الأولى ( بعد الحرب العالمية الثانية ) نجح المسلمون الألبان فى كوسوفا فى الحصول على الحكم الذاتي و ذلك فى أواخر عهد الهالك تيتو. فى مستهل الثمانينات عاد الصرب من جديد بعد تعديل الدستور و ابتلعوا كوسوفا مرة أخرى، الأمر الذى رفضه المسلمون و قاموا سنة 1981 م. بثورة شعبية على مستوى كوسوفا كلها يطالبون فيها باستقلال كوسوفا من صربيا و منحها حكم الجمهورية داخل يوغسلافيا الفدرالية،الأمر الذى جعل السلطات الصربية تأمر القيادات العسكرية بقمع المظاهرات السلمية حيث نزل الجيش الصربي المدجج بالدبابات و الأسلحة الحديثة و قتلوا من المسلمين فى يوم واحد أكثر من 300 شخص.
استمر المسلمون يطالبون بحقوقهم إلى بداية انهيار الشيوعية حيث بدأت كل جمهورية تأخذ مسيرتها نحو استقلالها التام عن يوغسلافيا الفيدرالية فتوقع المسلمون الألبان فى كوسوفا كإخوانهم فى البوسنة والهرسك مع ظهور الديموقراطية و الحرية فى أوروبا الشرقية و فى الجمهوريات اليوغسلافية نفسها أن تمنح لهم حقوقهم أيضا، فأعلنت البوسنة استقلالها (بعد سلوفينيا و كرواتيا) إلا أن أعداء الإسلام لم يسمحوا بقيام دولة مسلمة وسط تلك المنطقة الأوروبية بل سعوا فى قتلهم و تهجيرهم و تشريدهم فحدث ما حدث من الجرائم الوحشية و المذابح الجماعية التي شهدها العالم بأجمعه و لم يحرك ساكنا .
وكذلك المسلمون الألبان فى كوسوفا أجروا فيما بينهم استفتاء فى طور تفكيك الاتحاد اليوغسلافي فى سبتمبر "أيلول" 1991 م. أسفر عن انحياز الأغلبية المطلقة للاستقلال و تطور الأمر إلى انتخاب مجلس نيابي و تشكيل حكومة و تنصيب رئيس لجمهوريتهم المستقلة، هو الدكتور إبراهيم روغوفا. و لكن الحكومة الصربية تجاهلت كل هذه الإجراءات و اعتبرتها كأن لم تكن. بل بدأت بمرحلة جديدة من الاعتقالات و التعذيب و الاضطهاد فاقت سابقاتها حيث سحبوا أدنى الحقوق الإنسانية من هذا الشعب الأعزل.
مخطط تدمير الاقتصاد الكوسوفى
إن حكومة بلغراد لم تتورع عن استخدام أية وسيلة فى سبيل إرغام المسلمين الألبان على الهجرة من كوسوفا .
ففي المجال الاقتصادي على سبيل المثال، ذكرت جريدة "بويكو" Bujku الألبانية أن حكومة صربيا ماضية فى إخضاع اقتصاد كوسوفا لسلطة بلغراد المباشرة. و ذكرت أن 296 شركة عامة فى كوسوفا تم دمجها بـ 183 شركة مماثلة فى صربيا ، من بينها جميع منشآت الطاقة الكهربائية و شبكة السكك الحديدية و شركات النقل و الطيران المدني، و استخراج المعادن، و صناعات المطاط و النسيج و الجلود و المواد الكيماوية و الإنتاج الزراعي و الغذائي، و مجالات السياحة. و هذا يعبى أن صربيا تسرق من كوسوفا بلايين الدولارات. إضافة إلى سيطرة بلغراد التامة على جميع معادن كوسوفا و تعطيلها و تفريغها من العمالة المسلمة و من الخبراء المسلمين، الأمر الذى جعل منجم "تربجا" T r epça ( أكبر المناجم فى يوغسلافيا السابقة و المشهور بالرصاص و الذهب و الفضة و المواد الكيماوية الأخرى ) فى مدينة ميتروفيتسا يخسر سنويا 57 مليون دولار، كل هذا بسبب عدم وجود عدد كاف من العمال و بسبب عمل غير المتخصصين من الصربيين.
ومن ناحية أخرى أخذت الحكومة الصربية منذ شهور بقطع الأشجار فى الغابات الكوسوفية و شحنها إلى صربيا و الجبل الأسود للاستفادة منها هناك، و يتجاوز هذا حجم القطع 500.000 متر مكعب.(42/439)
و من إجراءاتها التعسفية الاستيلاء على الأراضي الزراعية التابعة للمسلمين و بناء مستوطنات صربية عليها و خاصة فى الأماكن التي فيها كثافة المسلمين الألبان كبيرة.
من ناحية أخرى تستمر السلطات الصربية فى فصل المسلمين من العمل بشكل كبير جدا مع أن نسبتهم فى الماضى كانت ضئيلة جدا، ففي سنة 1981 م. كانت نسبة العمل من جميع الشعب الألباني 11 % فقط..
أما فى السنوات الأخيرة هذه ففصل من العمل حتى هذه البقية الباقية من المسلمين و طردت 520 عائلة مسلمة من منازلهم و هناك 500.000 شخص تحت خطر المجاعة.
مجزرة المسلمين فى كوسوفا
إن كوسوفا منذ سنة 1981م و إلى يومنا هذا تعيش حالة الطوارئ و قد بلغ عدد الجنود الصربيين أكثر من 85 ألف جندي وظيفتهم القهر و البطش بالمسلمين، و قد قاموا في الأيام الأخيرة بتمشيط المدن و القرى المسلمة لمصادرة الأسلحة التي لم توجد أساسا لدى الأهالي المسلمين بخلاف البيوت الصربية الممتلئة بأنواع من الأسلحة المختلفة. و قد إعترف بذلك رئيس وفد البرلمان الأوروبي جون ديو الذي زار كوسوفا قبل بداية الحرب و قال: "إن الصرب شددوا من إجراءاتهم لطرد الألبان من كوسوفا و ذلك بالضرب و القتل و السجن و التهديد و السرقة و سحب الأسلحة.
و بتاريخ 24/3/1999 في الساعة 19.45 دقيقة قامت قوات الناتوا بالضربات ضد القوات الصربية في يوغوسلافيا عامة و كوسوفا خاصة. كان أهداف الضربات، الدفاع الجوي الصربي و أهداف أخرى مهمة للقوات الصربية. هذا أعطى الفرصة لجيش تحرير كوسوفا أن يتقدم في عملياته العسكرية و الإنسانية لحماية الأبرياء في كوسوفا.و تدخل الحلف الأطلسي في قضية كوسوفا في هذه الظروف التي تمر به المسلمين الألبان لا شك أنها تعتبر خطوة إيجابية و مهمة. و لكن ذلك أدى إلى تطور القتال بين الصرب و المسلمين الألبان حيث بعد كل ضربة كان الناتوا يضرب صربيا كان الرد مباشرة من الصرب الإنتقام من الشعب الكسوفي المسلم. لقد حدث أن دخلوا بالليل في كثير من بيوت المسلمين الألبان و قتلوا عددا من النساء و الأطفال و الشيوخ. بل الصرب في كوسوفا عملوا على تحريق كل شئ يجدونه أمامهم مما جعل كثيراً من القرى و المدن الألبانية في داخل كوسوفا الآن فارغة و الذين لا زالوا هناك يعانون من قلة الطعام و الأدوية..
حتى أحوال الألبان في دولة ألبانيا حاليا في أمس الحاجة لمساعادات في مجالات شتى، لا سيما السكن، و الأكل و الفرش و الأدوية..
المجازر الصربية بدأت بقتل 20 من الأساتذة أمام طلابهم في قرية دوبرون(Dob r un) الحدودية ليواصلوا جرائمهم بعد ذلك في محافظة Suha r eka حيث تم إعدام 30 من المسلمين الألبان بصورة بشعة.. كذلك تم قتل و ذبح أكثرمن 20 رجل و وامرأة في قرى Bela C r kva dhe Celina التابعة لمحافظة r ahovec.. في الضربات التي أجريت فوق مدن Peja و Gjakova تم قتل عدد غير معروف حتى الآن من المسلمين الألبان.. الشهود العيان ذكروا بأن الجثث منتشرة في جميع ضواحي المدينتين..في مدينة r ahovec و ضواحي مدينة P r iz r en تم إعدام 500 مسلم ألباني. أما في إحدى مساجد مدينة Gjakova تم إعدام 60 مسلما ألبانيا.. و في نفس المنطقة تم قبض على 50 مسلمة من الشابات و لا يعرف حتى الآن أين ذهبت بهن القوات الصربية..
بل التطهير العرقي و الجرائم التي يمارسها الصرب في قرى و مدن Kosova وصل إلى مرحلة لم يكن أحد يتصورها. في أغلب القرى التي دخل فيها الصرب تم تحريق جميع بيوتها بالنار. هناك من دفن أمه أو والده أو إبنه في داخل البيت أو أحرقه بالنار لكي لا تأكله الكلاب و القطط..
كما قررت القوات الصربية تهجير أكبر عدد ممكن من المسلمين الألبان. لهذا الغرض وأعدوا حملة شاملة بالشاحنات العسكرية و الباصات حيث كانوا يرسلون الكل إلى 20 كم من الحدود الألبانية ثم يضعونهم في معسكرات ليوم أو يومين و بعد أن كانوا يأخذون الذهب من النساء و الأموال الموجودة معهم ثم يضعونهم في معسكر لمدة يومين بدون أكل و لا شرب ثم يتركونهم للتوجه لألبانيا.
لم يفلت من أيدي أعداء الإنسانية الصرب المجرمين حتى المعابد حيث تم القذف بالمدافع ودمرت ثلاثة مساجد أثرية في مدينة Peja كما دُمر أجمل مساجد قرية K r usha و حتى الآن لا توجد معلومات كافية عن المساجد الكثيرة التي تم تدميرها هناك. نفس المجرمين من الجنرالات الصرب الذين قتلوا المسلمين في بوسنا هم الذين يقودون المجموعات المسلحة الصربية لقتل المسلمين الألبان في كوسوفا..
قادة جيش تحرير كوسوفا أصدروا قرارا بأنه يجب على جميع الألبانيين الكوسوفيين من سن 18 إلى سن 52 أن يلتحقوا بالجيش لتحرير كوسوفا و أنه من لا يتجاوب مع هذا النداء سوف تتخذ ضده إجراءات قانونية حربية,و حسب المعلومات الموجودة حاليا حتى الآن وصل عدد الذين استجابوا لهذه الدعوة 10 آلاف شاب..
بعض جرائم النظام الصربي ضد المسلمين في كوسوفا من 1981م إلى يومنا هذا
- قتلت السلطات الصربية خلال هذه السنوات مئات المسلمين الألبان و ذلك في حالة السلم من غير إعلان حرب في كوسوفا.(42/440)
- قتل أكثر من 100 جندي ألباني خلال خدمتهم العسكرية في الجيش اليوغسلافي (الصربي) و جرح أكثر من 600.
- وضعت السلطات الصربية سنة 1990م سما في خزانات مياه المدارس في مدن كوسوفا و تسمم منها أكثر من (7000) آلاف طفل.
- فصل من العمل أكثر من 150 ألف عامل مسلم و كان عددهم الإجمالي قبل ذلك 200 ألف عامل مسلم فقط.
- احتلت صربيا جميع مستشفيات كوسوفا و طردت جميع الأطباء و الممرضين الألبان فليس اليوم للمسلم في كوسوفا مستشفى يتجه إليه للعلاج و ليس للمرأة الألبانية مستشفى ولادة تلد فيها.
- أغلقت تقريبا جميع المدارس الإبتدائية و الثانوية الألبانية.
- أغلقت المكتبة المركزية الجامعية و جميع مكتبات المدارس الأخرى و أخذت السلطات الصربية كثيرا من الكتب العلمية النادرة و نقلتها بواسطة الشاحنات العسكرية إلى مصانع الورق لتصنيعها ورقا عاديا!!!
- أغلق معهد التاريخ.
- أغلق التلفزيون و الإذاعة (باللغة الألبانية) و صودرت الجريدة الوحيدة اليومية باللغة الألبانية ( r ilindja).
- فصل من وظائفهم جميع الشرطة الألبانيين.
- بدلت لغة الإدارة الألبانية بالصربية و ذلك في جمهورية يبلغ فيها عدد المسلمين الألبان 93% و يبلغ عدد الصرب فيها 7% فقط!!!
- مدينة Gjakova تم تحريقها تقريبا بالكامل و الجثث منتشرة على الضواحي، هذه المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها أكثر من 60.000 ينتظر قريبا تطهيرها من جميع سكانها..
- حسب تصريحات شاهد أعيان من قرية Dushanov القوات الصربية أحرقت مدرسة القرية و جميع الناس الذين كانوا في داخلها..
- في قرية Pastasel تم الكشف عن مقبرة جماعية فيها جثث 70 مسلم ألباني قتلوا قريباً..أعمارهم تتراوح من 14-50 سنة..
- في إحدى البيوت لمدينة Gjakova قامت الشرطة الصربية قتل 12 شخصاً من عائلة واحدة, الاطفال الذين لم يصابوا بالرصاص داسوهم بأرجلهم حتى الموت..
- طالبة من نفس المدينة تقول أن أغلب أفراد أسرتها الذين كانوا في ملجأ أحرق الصرب بيتهم وتم تحريق الناس في البدروم كذلك..
- في قرية Te r nje أمام أعين الناس أُعدم 40 شخص.. في هذه المذبحة قُتلت أم مع ثلاثة أطفال 4-13 سنة، كما قتلت أم أخرى مع أربعة من بناتها. أغلب الجثث تم تحريقها بالنار..
- حسب شهود عيان من قرية K r usha e Madhe أكثر من 200 رجل تم عزلهم عن أُسرهم و أطفالهم ولا أحد يعرف عن مصيرهم.
- أما في قرية K r usha e Vogel فهناك تم إعدام 112 شخص و الجثث بعد ذلك جمعوها في مكان ثم صبوا عليها بنزين و أحرقوها بالنار..
- في قرية Samad r axh محافظة Suha r eka شاهد عيان يقول بأنه رأى 30 من القتلى منهم رجال و نساء و أطفال جميعهم لم يدفنوا بعد..
- حسب شهود عيان في قرية P r onoc تم الذبح و التمثيل بـ 40 رجلاً، 8 منهم أُحرقوا بالنار و هم أحياء و ثلاثة منهم أسروا..
- أكثر من 10 آلاف شخص من قرى محافظة r ahovec جمعتهم القوات الصربية في قرية Nagas ثم قذفوهم بالقنابل من الطائرات و ذلك في الساعة 1.30 بعد منتصف الليل..هناك آلاف الجثث لم تدفن..
- حسب شهادة إحدى البنات من قرية Gu r aba r dh تقوم الشرطة الصربية باختيارمجموعة من البنات و النساء المسلمات ثم يحتجزونهن بالقوة لمدة ساعة. كثير من هؤلاء البنات بعد اغتصابهن لا يرجعن أبدا إلى المجموعة التي أخذن منها..
- في قرية B r ostovc قريب من K r usha ذبحوا بالسكاكين 35 شخصا..
- الشهود العيان الذين يأتون من كوسوفا يتكلمون عن تحريق الناس بالبنزين و النار، و وضع الرصاص في أفواه الأطفال، عن العجائز الذين لا يتحركون كيف يُقتلون بصور بشعة..
- البربرية الصربية تصل إلى حد قذف مقابر المسلمين الألبان بالطائرات..
- يقول شهود عيان من كوسوفا أن الناس هناك يُربطون بالسلاسل حول بيوتهم و في داخلها ثم يشعلون النار بالبيت كله.. هكذا أعدم 8 أفراد من قبيلة Shala و 19 أخرين من قبيلة Hoti ..
- أسرة من قرية Ob r ijë من 22 فرد اختفت عن الجيش الصربى و قبض الجيش الصربي عليها و من ثم قطعوا أيديهم و أرجلهم، وبينهم طفل عمره ستة أشهر..
ما ذا بعد الحقائق الثابتة التي اعترف بها حتى ممثلو السياسة الغربية؟ هل سيبقى المسلمون مكتوفي الأيدي دون اتخاذ أية اجراءات تساعد على ايقاف هذه المجزرة وهذه المعاناة و منع وقوع كارثة بشرية ؟
أم هل سيبقى المسلمون متفرجون على الدماء البريئة و الأعراض المنتهكة مع شعب ليس له بعد الله أحد يقف معه.
لذا نرفع صوتنا إلى جميع المسلمين في العالم و نخص منهم حكومات البلدان الإسلامية و منظمة المؤتمر الإسلامي و رابطة العالم الإسلامي أن تستخدم جميع الوسائل الممكنة لمنع حدوث مذبحة أخرى للمسلمين في كوسوفا.
راجين من الله سبحانه و تعالى أن يوفق الجميع لنصرة هذا الدين وأتباعه في أي أرض كانوا.
اللهم بلغنا اللهم فاشهد. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لجنة مسلمي كوسوفا
المكتب الإعلامي
المركز الألباني للفكر و الحضارة الإسلامية
TI r ANA - ALBANIA, P.O.Box: 2905
==============(42/441)
(42/442)
ينقصنا تطبيق النظرية الشورية في واقعنا
في حوار مع الإسلام اليوم
الاسلام اليوم - القاهرة 16/1/1423
30/03/2002
د. عدنان النحوي.. أديب وشاعر ومفكر إسلامي كبير رغم أن تخصصه ليس في الأدب ولا في الثقافة ولا في الشريعة.. ولد في مدينة "صفد" الفلسطينية وأنهى تعليمه في دار المعلمين، ثم حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة، وبعد ذلك حصل على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية. وعمل مدرساً في حمص بسوريا لمدة ثمانية أعوام، ثم مدير إذاعة بحمص أيضاً لمدة ثلاثة أعوام، ثم مديراً للمشروعات الإذاعية في الرياض لمدة خمسة عشر عاماً.. رغم كل ذلك إلا أن مؤلفاته تنوعت بين الدعوة والفكر والأدب وله فيها اثنا عشر كتاباً...
التقينا به في القاهرة وحاورناه عن هموم المسلمين والصحوة الإسلامية ومشاكل الأدب الإسلامي.
سؤال:لاحظت اهتمامكم بقضية "الشورى" ولكم فيها كتابان.. فهل حسمتم السؤال التقليدي عن الشورى وهل هي ملزمة أم معلمة؟ وما هي علاقة الشورى بالديمقراطية؟
جواب:أنا رفضت ذلك وقلت هذا الطرح خاطئ وتحدثت عن الشورى وممارساتها الإيمانية. فالشورى نظام رباني متكامل، والله أنزلها وحياً على رسوله في القرآن والسنة. الذي ينقصنا نحن النظرية الشورية، فهي موجودة في كتاب الله، ولكن حتى نطبقها في واقعنا لا نستطيع أن نطبقها إلا إذا طبقنا الإسلام كله؛ لأن الشورى جزء من الإسلام ولا يمكن تطبيق جزء من الإسلام وترك جزء آخر والله يقول (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض). ثم إن الطرح الذي يقول: هل الشورى معلمة أم ملزمة لم يسبق أن حدث في التاريخ الإسلامي أيام صلى الله عليه وسلم والصحابة ولكن القضية طرحت حديثًا عندما غزتنا الديمقراطية الغربية.
وهناك نقطة أخرى تنطوي على شيء كبير من الوهم وهي أن المسؤول الأول في النظام الديمقراطي ملزم بما يجمع عليه الأكثرية. ولو طبقنا ذلك على الغرب لوجدنا أن رئيس الدولة عندهم أو رئيس الوزراء له صلاحية كبرى لا يرجع فيها للشعب بحيث تتوازن المسؤوليات والصلاحيات، أما عندنا فالشورى واجبة في الحياة الإسلامية والقرار تصدره الجهة المختصة التي تحاسب في الدنيا وتحاسب بين يدي الله في الآخرة. وهذا التصور الكامل للشورى لا يصح إلا إذا طبقنا الإسلام كاملاً.. وثمة بعد آخر في القضية هو أن الديمقراطية لها منحى بعيد عن الشورى؛ فالديمقراطية يتوهم البعض أنها تعني "الحرية" و"الأمن" و"المساواة".. غير أننا لم نجد إلا الحرية الجنسية وبعض الحماية للفرد.. ولكن حقوق الإنسان الإنسانية مفقودة في الحياة الديمقراطية وتحت مسمى "الديمقراطية" انتشرت الشهوات والإباحية فقتلت إنسانية الإنسان.. فيكيف نتصور حرية الإنسان في هذا الجو وقد تحول إلى إنسان آلي مندفع وراء شهواته؟!
" سقطت الشيوعية ..ولم يسقط الإلحاد "
سؤال:سقطت الشيوعية في الغرب بسقوط دولتها غير أن الشيوعيين العرب مازالوا يتبجحون ويتحدثون عن الخطأ في التطبيق.. كيف تفسرون ذلك؟
جواب:الذي سقط هو السلطة الزمنية ومظهر الدولة المجسدة للفكرة الشيوعية أما الفكرة كفلسفة مادية ملحدة، لا تؤمن بوجود الله فهي موجودة سواء في الاتحاد السوفيتي أو في البلاد العربية أو غيرها.. ولكن كيف تعمل هذه الفلسفة فذلك تحكمه الظروف.
وتعجب هنا من أن الذي يرعى الفكر الشيوعي في العالم الإسلامي ليس الاتحاد السوفيتي أو الدول الشيوعية ولكن العالم الغربي.. انجلترا في مستعمراتها وكذلك فرنسا.. كلهم يرعى ويغذي الشيوعية والعلمانية والإقليمية وكل العصبيات الجاهلية التي ينكرها الإسلام.. وإن كانت تتظاهر بمعاداتها في العالم الإسلامي، غير أنها تحفظ لها وجودها وكيانها وتساعدها حتى تظل قادرة على ضرب الإسلام.
سؤال:هناك بعض الشيوعيين يقولون: إن سقوط الشيوعية ما هو إلا فترة شرنقة وتكوّن ولكنها ستعود مرة أخرى.. مثلما تقولون أنتم: إن الإسلام غائب سيعود؟
جواب:نحن إذا قلنا الإسلام غائب وسيعود لا نخترع شيئا من عند أنفسنا، ولكنه أمر من علم الغيب علمناه من كتاب الله ومن سنة رسوله، ولكن متى سيحدث لا ندري. لكن نعلم أن الله فرض على المسلمين أن يسعوا ويبذلوا جهودهم حتى يتحقق هذا الأمر. أما الشيوعية فلا يستبعد أن تظهر في فترة لاحقة دولة شيوعية يتجمع فيها الشيوعيون إذا كان الله قد أراد ذلك.. فإراداتهم لا ترسم الغيب وإنما الغيب هو الذي يقرر ما الذي سيحدث في المستقبل.
سؤال:بعد انهيار الشيوعية أصبح البعض يردد: إن الجراثيم التي حللت الاتحاد السوفيتي تعمل عملها الآن في جسد المجتمع الغربي الرأسمالي.. هل تستند هذه المقولة على وهم؟(42/443)
جواب:جذور الانهيار موجودة منذ سنوات في المجتمع الأمريكي.. فأمريكا تحمل في داخلها جذور هلاكها.. ومن ناحية أخرى فهناك قانون غيبي قرره الله تعالى في كتابه العزيز (لكل أمة أجل) فكما أن للإنسان أَجلا؛ فالأمم ستبلغ آجالها وستسقط. والله سبحانه أباد أقواماً مثل عاد وثمود وقوم لوط وحدثنا سبحانه عن الجرائم التي ارتكبوها.. فقوم لوط اقترفوا اللواط فأهلكهم الله.. أما الحضارة الغربية اليوم فلم تترك نوعاً من الآثام في التاريخ البشري كله إلا وفعلته.. وأعتقد أن سنة الله ستمضي عليهم.
سؤال:الخطاب الذي يخرج من الغرب الآن يصف الإسلام بأنه العدو الوحيد بعد سقوط الشيوعية.. وهناك مؤتمرات ومنتديات يتم فيها الحوار بين بعض الإسلاميين وبعض مفكري الغرب.. فهل يجدي مثل هذا الحوار؟
جواب:العالم المسيحي لا يعادي الإسلام والعالم الإسلامي؛ لأن كتبهم المنزلة والتي أحرقوها تأمرهم بذلك. والأنبياء كلهم جاؤوا بالإسلام. أما ما هو مصدر الخلاف والصراع الذي يكشفه لنا التاريخ في الحروب الصليبية أو معركة الأحزاب أو تآمر اليهود في المدينة أو العداء الحالي للإسلام؟. للإجابة عن ذلك فإني أقسم العالم المسيحي إلى فئتين.. الفئة الأولى: هي الفئة القائدة والتي يسميها القرآن المستكبرين - المجرمين - الظالمين - المفسدين .. وفي هذا الصدد أذكر آية قرآنية تقول (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم"[ هود: 116]
فالآية الكريمة تحدثنا عن ظلمهم (الذين ظلموا) وتحدثت عن الترف ( ما أترفوا فيه) وتحدثت عن إجرامهم (وكانوا مجرمين) وهذه الفئة موجودة عند المسيحيين وعند اليهود وهي ظاهرة لا تنتسب إلى دين سماوي؛ فالدين كله تبرأ منهم وقد تبرؤوا هم عملياً من الدين؛ لأنهم هم الذين جعلوا بلادهم معزولة عن الدين بما يسمونه خطأ "العلمانية" ولكن أسميها "الدنيوية" أو "اللادينية" حتى لا تنتسب إلى العلم فالعلم منها بريء.. وهذه الفئة ليست مشكلتها الدين مهما تظاهروا أو ذهبوا إلى الكنائس فحقيقة ميزانهم هو المادية ونهب الشعوب هو قضيتهم الأولى.
والفئة الثانية هي عامة الشعوب النصرانية وهي لا تعرف حقيقة دينها، فلو سألت أي نصراني عن الأقانيم الثلاثة سيضطرب، فهذا لا ينسجم مع نفسه وغير منطقي. ولو سألته: لماذا تكره المسلمين؟ ماذا فعلوا لك؟ وهم المجموعة البشرية الوحيدة التي عاملتك أكرم معاملة في التاريخ.. لن يستطيع الإجابة.
فهذه الفئة تكره المسلمين لسببين: الأول: لأن كراهية المسلمين زرعتها الفئة الأولى داخل نفوسهم وجعلت كراهية الإسلام جزءاً من الفكر والتربية والإعلام، والسبب الثاني: أنهم يجهلون دينهم.. وعلاقتهم بالدين هي كما يقول القرآن (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).
" التحالف النصراني الصهيوني"
سؤال:كثر الحديث هذه الأيام عن "الأصولية الصهيونية" المتحالفة مع "الأصولية النصرانية" لدرجة أن الأصولية النصرانية أصبحت صهيونية أكثر من الصهاينة.. ما هي أبعاد هذه القضية؟
جواب:لو رجعت للتاريخ لوجدت أن النصارى هم أكثر شعوب الأرض قتلاً لليهود فمنذ أيام الرومان هدموا عليهم ما يسمونه "بالهيكل".. وفي روسيا وإيطاليا وإنجلترا وإسبانيا وألمانيا كانت مجازر اليهود على مدى التاريخ.
غير أنه حدث تحول تاريخي منذ أيام (لوثر) و(كلفن) إذ ظهرت الدعوة إلى العودة إلى الأصول.. ويُقال: إن (لوثر) كان يهودياً.. وفي هذه الفترة ارتبطت مصالح الحركة الصهيونية بالنصرانية الأصولية وتشابكت المصالح.. وإلا لا يمكن أن نجد مبرراً في أن جميع رؤساء الولايات المتحدة يؤكدون أن إسرائيل وجدت لتبقى.
وهنا نذكر كلمة الرئيس الأمريكي (فرانكلين) الذي قال أثناء وضع الدستور الأمريكي في كلمة سجلها له التاريخ "ان أمريكا إذا لم تنتبه من الآن إلى الخطر اليهودي سيصبح أبناؤنا في المستقبل تحت رحمة اليهود".
إن الأمور تغيرت عن ذي قبل.. في عام 1982 سمعت (ريجان) يقول أثناء زيارة لألمانيا "إنني أعتز بهذا المكان.. فمن هنا انطلقت الحروب الصليبية" وبدأوا يستغلون كل المعاني الفكرية والدينية والاقليمية لمحاربة الإسلام ويكشف هذا القصور التناقض بين كلام نيكسون في كتابيه.
ففي كتاب "نصر بلا حرب " يقول: إننا نجابه خطرين هما: الشيوعية والإسلام؛ لأن كلاً منهما يسعى لتسلم الحكم ويحكم بالأصولية التي لا تحتمل ولا تطاق ". ويغير رأيه في كتابه "الفرصة السانحة" ويقول: " يمكن أن نتعاون مع الإسلام المعتدل الذي لا يعطل مصالح أمريكا".. ومصالح أمريكا ظالمة.
" الحل الذهبي "
سؤال:الحركات الإسلامية بدأت تدخل معركة الانتخابات البرلمانية بكثير من فصائلها.. وبعض الفصائل الأخرى لا تزال تعارض.. هل الانتخابات هي الحل الذهبي؟(42/444)
نحن المسلمين لا يجوز لنا أن نتحول إلى دعاة لمبادئ ليست من مبادئنا.. سواء كانت إلى الديمقراطية أم الاشتراكية.. لقد تورطنا ومدحنا الاشتراكية من قبل وتحولنا إلى دعاة لها.. ثم إنه ربما يفرض علينا واقع فيه الديكتاتورية أو الاشتراكية فيجب أن نحدد موقفنا من هذا الواقع على ثلاثة أسس.
أولا: القرآن والسنة. ثانيا: أن نفهم واقعنا.. ثالثا: أن يكون لنا منهج حركي عملي يحقق لنا التعامل مع المشاكل وتقويمها.. أي أننا لا بد أن نتصور المشكلة قبل أن تقع وهذا القصور يتلخص في أربع عناصر.. العنصر الأول: صدق النية والتوكل على الله يبينه سلامة التصور الإيماني والتوحيد.. العنصر الثاني: يجب أن نحدد أهدافنا تحديداً واقعياً وعملياً نتفق كلنا عليه.. العنصر الثالث: أن نرسم الطريق بين نقطة الانطلاق والأهداف.. العنصر الرابع أن نحدد الوسائل والأساليب .. (فَهرتزل) الزعيم اليهودي الصهيوني حينما قال: " ستقوم إسرائيل بعد خمسين عاماً " لم يكن يهزل وإنما بناءً على تقديرات بشرية ومنهج وتخطيط وعمل.
وأنا لا ألوم أي حركة إسلامية على أي موقف تتخذه فهي أدرى بما تفعل.
سؤال:البعض يرون أن المشروع الإسلامي يجب أن يتسع للعلمانية وأن يعترف بهم رغم أنهم لا يعترفون بالإسلام كمنهج.. هل توافق على ذلك؟
جواب:المسؤولية التي أمرنا الله بها هي أن نبلغ كلمة الله إلى كل الناس.. لم يأمرني الله أن أتفق مع العلمانيين أو أخاصمهم.. بل هو أمرني أن أدعو الناس للإسلام حتى يكون ذلك حجة لي وحجة عليهم يوم القيامة، وأن أتمثل الإسلام في قولي وفعلي.
فالمسلم يحاور الجميع ويدعوهم بشرط ألا يتنازل عن ثوابته، ولا يشتري رضاء الناس بغضب الله.. وفي المشروع الإسلامي فإن بيننا وبين كل أهل الأرض نوعاً من التعامل يقرره الواقع حسب الظروف.
سؤال:هل كانت الصحوة الإسلامية إضافة إلى حياتنا السياسية والاجتماعية والفكرية أم عبئاً على مجتمعاتنا؟
جواب:لا شك أن صورة الصحوة تظهر بشكل أوضح عندما تقارن مرحلة سابقة بأخرى لاحقة؛ فالآن بالرغم من جميع المآسي في العالم الإسلامي هناك حركة بين الشباب المسلم تبشر بالخير. قد لا نجد قاعدة واحدة تنسحب على جميع أقطار العالم الإسلامي..وإذا أردت أن تجد أدلة على الصحوة فستجد وإذا أردت أن تجد أدلة على عدم الصحوة فستجد أيضاً. فإذا نظرنا إلى مأساة البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان .. العالم كله يتفرج والعالم الإسلامي يبذل حفنه من المال.. هل هذا صحوة؟ أن يذبح المسلمون في كشمير وبورما وافغانستان، يموتون جوعاً في الصومال والمسلمون يتفرجون !!
قبل عام 1948.. كان اليهود يتمنون أن نفاوضهم.. الآن نحن الذين نتمنى أن يفاوضونا هل هذا صحوة؟.. وهناك أجزاء جديدة في العالم الإسلامي تتساقط في يد أعداء الله وظروفنا وأحوالنا تخالف شرع الله والانحرافات شديدة.. هل هذا صحوة؟.
أما في بعض الجوانب الايجابية فنرصد هذه القلوب المؤمنة التي لا تستطيع جميع قوى الأرض أن تقضي عليها، وهم الفئة المنصورة بنص الحديث الشريف.
وهذه الفئة هي محور الصحوة التي لن تختفي من الأرض ولو اجتمعت كل قوى المجرمين. ويجب على كل مسلم أن يسرع لتحقيق نصر هذه الفئة ليكون أحد أبنائها؛ فهي ليست شعباً ولا إقليماً ولا حرباً وإنما هي خصائص محددة.
سؤال:كثير من الشامتين يقولون: إن الحركة الإسلامية لا يمكن أن تتوحد.. لأنهم يحبون الزعامة والانفراد بالسلطة ويضربون المثل بما حدث ويحدث في أفغانستان ؟
جواب:فصائل الجهاد الأفغاني بينها خلافات من الأصل كما هي بيننا جميعاً وكما هي في الجسد الإسلامي عامة كمرض من أمراضه التي لم يتخلص منها بعد.
كثير من فصائل الجهاد كان التوجه الإسلامي فيها ضعيفاً.. ولكن المجاهدين نجحوا في أنهم رفعوا راية الإسلام وخاضوا حربهم تحت هذه الراية فكتب لهم النصر. ولو رفعوا أي شعارات أخرى ما انتصروا.
ولو كنا مكانهم لحدث بيننا ما يحدث بينهم الآن ولكن القتال تحت راية الإسلام والجهاد هو الذي عالج الجروح.
والحركة الإسلامية هي مجموعة من البشر ونتيجة لمنهجها المتميز يظهر خطؤها الصغير وكأنه كبير ولا بد من هذه المرحلة ولا بد من ظهور العيوب ثم تلافيها وتصحيحه
===========(42/445)
(42/446)
الدولة والثورة
عرض : محمد سليمان أبو رمان 29/12/1423
13/03/2002
الكتاب : الدولة والثورة (رد على ماركس، انجلز، لينين)
ومقاربات مع الرؤية الإسلامية
المؤلف : منير شفيق
الناشر : المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء/المغرب ط1(2001)
عرض : محمد سليمان أبو رمان
يعتبر هذا الكتاب من الإصدارات الأخيرة للمفكر الكبير "منير شفيق"، وتزخر المكتبة العربية بالعديد من مؤلفاته ومنها: الإسلام في معركة الحضارة ، النظام الدولي الجديد وخيار المواجهة ، ردود على اطروحات علمانية. أما هذا الكتاب فيتطرق فيه المؤلف إلى الفكر الماركسي من خلال أحد الكتب الرئيسة التي تعد مؤسسة لهذا الفكر، ويتميز نقد منير شفيق أنه يأتي ممن درسوا هذا الفكر دراسة مستفيضة وكانوا في فترة سابقة أحد دعاته قبل أن ينتقل إلى صفوف الفكر الإسلامي، بعد أن تحول قبل ذلك من النصرانية إلى الإسلام.
ينقد منير شفيق الفكر الماركسي من خلال الرد على كتاب لينين "الدولة والثورة"؛ والذي يبين شفيق أن لينين كان فيه شارحا لنصوص محورية لكل من ماركس وانجلز ومفسرا لها، واختيار هذا الكتاب للرد من خلاله على الماركسية يأتي لأهمية الكتاب ذاته داخل الفكر الماركسي؛ فهو من النصوص المهيمنة على الفكر الماركسي وأدواته التحليلية ومقولاته النظرية، كما أنه يعود لعمالقة الفكر الماركسي ومؤسسيه، أضف إلى ذلك أن الكتاب ظل طيلة التجربة الشيوعية الموجه الأساسي لها.
ويبين منير شفيق أن الهدف من تأليفه الكتاب هو لغايات نظرية تتصل بنقد النظرية الماركسية في أهم المجالات الفكرية والسياسية، وإلقاء الضوء على إشكالية الدولة والثورة والتغيير وهو من الموضوعات المهمة اليوم التي يحتاج الإسلاميون إلى دراستها دراسة متعمقة وتجنب العثرات التي وقعت بها التجربة الاشتراكية، ودراسة الدولة الحديثة الرأسمالية، وهذا كله يساعد الشعوب على تحطيم نير الاستعمار والقوى الطفيلية والاحتكارية.
ويقوم شفيق بنقد كتاب لينين السابق من خلال استخدام منهجية "تحليل النص" تعتمد على ثلاث قراءات أساسية يجريها شفيق على النص السابق وهي:
1- قراءة النص ذاته وإدراكه وفهم مراميه وأبعاده.
2- بيان الثغرات داخل النص وكشف التناقضات التي وقع فيها مما يسقط أهميته من الناحية النظرية والعملية.
3- بناء مقاربات بينه وبين الرؤية الإسلامية مع بيان كيفية الاستفادة منه من خلال تجنب أخطائه والإفادة من الموضوعات الصحيحة فيه.
يستفيد شفيق كذلك في كتابه من المقولات المنهاجية لـ:
المنهج التاريخي: حيث نقد التحليل الماركسي للتاريخ، وبين الأخطاء التي وقع فيها من خلال طريقته الانتقائية في التعامل مع التاريخ وبالتالي تفسيره، ونقد كذلك التجربة التاريخية الماركسية ذاتها وبين التناقضات الخطيرة التي وقعت فيها وانعكاس ذلك على تقييم كتاب لينين السابق الذي كان له دور كبير في توجيه هذه التجربة.
2- المنهج المقارن: حيث قارن في صفحات الكتاب بين الفكر الماركسي والرؤية الإسلامية (من خلال مصادر التنظير الإسلامي) وأبرز إيناع المفاهيم الإسلامية التي تؤسس الرؤية الإسلامية مقارنة بالفكر الماركسي.
ولفت شفيق الانتباه في ثنايا الكتاب إلى "التخبط" و"اللفلفة" التي يلجأ إليها الماركسيون اليوم للتغطية على الأخطاء والانحرافات التي هيمنت على مقولاتهم المعرفية وأسسهم الفكرية وتجربتهم الحركية، دون أن يقوموا بالعودة الحقيقية والجريئة للأصول الفكرية، والنصوص النظرية، التي انطلقوا منها لنقدها و تجاوز أخطائها.
كما تناول شفيق في كتابه مفاهيم ماركسية بنيوية داخل الفكر الماركسي مثل: الدولة، التغيير السياسي، الطبقة، وقام بتشريحها ونقدها وبيان الثغرات في بنائها، والتناقضات الصارخة في اسقاطاتها الحركية.
على العموم؛ كتاب منير شفيق هذا يضيف إلى المكتبة العربية مجهودا علميا طيبا، يستحق القراءة والاهتمام
=============(42/447)
(42/448)
المسلمون في الصين
27/11/1423
10/02/2002
لمحة موجزة :
الموقع:تقع الصين في الطرف الشرقي في قارة أسيا ويحدها من الشمال الاتحاد السوفيتي ومنغوليا ومن الجنوب بحر الصين الجنوبي وفيتنام ولاووس وبورما والهند
المساحة:تبلغ مساحة الصين 9,596,000كم وهي ثاني دوله في العالم من حيث المساحة.
عدد السكان:يبلغ عدد سكان الصين حسب إحصائية 1408 هـ 1988 مليار ومائة مليون نسمةوسكان الصين من قوميات مختلفة كالمنغولية والروسية والكورية وتشكل قومية (الهان) أكبر تجمع بشري وتقدر نسبة المسلمين مابين 10-10,7 % فيكون عددهم (110) مليون حسب تقدير1408هـ 1988م
دخول الإسلام ا لى الصين
بعد اندحار الروم والفرس أمام جحافل المسلمين أ وفد عثمان بن عفان سفارة إلى إمبراطور الصين لتبليغ الدعوة الإسلامية . ووصلت العاصمة ( تشانغان) حينذاك . وبالمقابل أوفد إمبراطور الصين سنة 30هـ / 651م سفارة إلى المدينة المنورة . ولما رفع قتيبة بن مسلم الباهلي راية الإسلام في أواسط آسيا ( بخارى وسمرقند ) ووصلت جحافل الفتح إلى حدود الصين عام 96هـ / 714م . أرسل قتيبة من مدينة كاشغر وفداً برئاسة هبيرة بن الشمرج الكلابي إلى إمبراطور الصين الذي اقتنع بضرورة المسالمة ودفع الجزية مما حال دون دخول الفاتحين أراضي الصين . وفي عام 139 هـ طلب إمبراطور الصين ( هاسو تسينغ ) معونة من الخلافة العباسية لمواجهة ثورة عارمة كادت تعصف بالصين . فأرسل أبو جعفر المنصور جيشا ًمن خراسان تمكن من إعادة الأمن والاستقرا ر إ لى ربوع الصين . وثبتوا حكم الإمبراطور الذي رحب بإقامتهم في وسط وجنوبي الصين وتزوجوا من الصينيات . وإليهم تنتمي قومية ( الهوى ) . كما أن المسلمين استفادوا من الخبرات الصينية في مجالات الهندسة والصناعة والري وبناء السدود والقنوات كما كان للنشاط التجاري بين الصين وبلاد المسلمين دور كبير في نشر الإسلام هناك . وبخاصة عبر طريق الحرير الموصل إلى أوربا وقد لعب المغول دوراً بارزاً في نشر الإسلام في الصين . بعد أن دانوا به وحملوه وقدموا أكثر من مليوني رجل من ا لمسلمين للسيطرة على الصين . وبلغ عدد المجاهدين الذين أصبحوا فيما بعد جزءاً من الشعب الصيني أكثر من أربعة ملايين نسمة وبعضهم تسلم مناصب عليا في الدولة وبذلك تمكن المسلمون من خرق سور العزلة الصيني ، وهذا ما جعل الوجود الإسلامي مقبولاً ,وظلت العلاقات بين العالم الإسلامي والصين مقتصرة على الوافدين إلى مينائي كانتون ، وتسي تون ويقدر عددهم بعشرة آلاف في كل ميناء خلال القرن العاشر الميلادي وكان ذلك سبباً في إنشاء مسجد ( تسي تون ) الكبير .
وقد برز المسلمون الصينيون في ساحات العلوم والآداب فاشتهر من بينهم جمال الدين الفلكي الذي اخترع سبعة أجهزة فلكية لا تزال تحمل أسماء عربية كما عرف عمر شمس الدين بحسن الإدارة والسياسة ، ولذا عينه الإمبراطور حاكماً عاماً على مقاطعة يونان .. وخلدت أعماله الجليلة وسيرته في كتاب تعليمي نشر في بلاد الصين ، وكان مادة تعليمية مهمة تدرس للطلاب وذلك في عهد حكم أسرة ( مينج ) وقد لعب أولاده وأحفاده أدوا راً مهمة في إرساء دعائم الوجود الإسلامي في الصين . وتمكن أحد أحفاده أن يحصل سنة1335م على اعتراف من الإمبراطور الصيني ( بأن الإسلام هو الدين الحق النقي الخالص ) . كما تولى المسلمون خلال هذه الفترة حكم ثماني ولايات من أصل ثلاث وعشرين ولاية في الصين . وأصبح للمسلمين هناك مؤسساتهم وكيانهم. فقد انتشرت المدارس والمساجد التي نشط فيها التعليم .
أوضاع المسلمين في الصين
أوضاع المسلمين في العهد الشيوعي ( النصف الثاني من القرن العشرين )
استولى الشيوعيون على حكم الصين في سنة 1369هـ -1949م . ولقد هادن الشيوعيون المسلمين أول الأمر وذلك كجزاء لمساعداتهم ومعاناتهم أثناء الحرب الأهلية ونص الدستور الصيني الجديد في عهد الشيوعيين على حرية العبادة شأنه في ذلك شأن الدستور السوفيتي ولكن هذه النصوص مجرد شعارات جوفاء ذراً للرماد في العيون تتلاشى عند التطبيق وشكلت السلطات الجمعية الشيوعية الصينية الشعبية الإسلامية وكان الهدف من هذا وقوف المسلمين وراء التنظيم الجديد وإيهام زوًّار الصين من الدول الإسلامية بحرية ممارسة المسلمين لعقيدتهم من خلال المعلومات المعدة مسبقاً من قبل الجمعية وذلك لخدمة النظام الحاكم ولقد وزعت هذه الجمعية نشرات مطوَّلة عن منح الحكم الذاتي للمسلمين في الصين ضمن 34 مقاطعة وكلها معلومات مزيفة فمجريات الأحداث أثبتت عكس ما ادعته هذه النشرات فلقد فرض على المسلمين نظام الزواج المختلط ونظام " الكميونات " ونظام المعيشة المشتركة وصادرت السلطات أملاك الأوقاف الإسلامية وقضى هذا على مرتبات الوعاظ والمدرسين فاضطروا للعمل داخل " الكميونات " وقاوم المسلمون هذا التسلط في ولايات قانصو وتسنغاي والتركستان الشرقية والتبت فقبض الشيوعيون على زعماء المسلمين وأودعوا السجن وأحرقت الكتب الإسلامية وأغلقت المساجد وهدم الكثير منها ، كما أغلقت المدارس وشرد علماء الدين وفر العديد منهم إلى الخارج .(42/449)
اوضاع المسمين في الثلاثة العقود الاخيرة
من سنة( 1396هـ- الآن) (1976م - الآن)
في سنة 1976م توفي( ماو تسي تونغ ) زعيم الحزب الشيوعي ورئيس البلاد وانتهت الثورة الثقافية وقدم اتباع ماو وبطانته ( الذين كانوا يعرفون بعصابة الأربعة ) إلى المحاكمة وانتهجت الصين سياسة الإنفتاح لتحسين صورتها في العالم وبدأت بمحاولات لإقامة علاقات مع العالمين العربي والإسلامي حرصاّ على مصالحها الإقتصادية والسياسية فأظهرت نوعا من الليونة والمهادنة تجاه المسلمين. ولكن تحت رقابة صارمة لأي نشاط إسلامي فالنظام الشيوعي عمل على تفريغ المساجد من العلماء حيث جرى توزيعهم ضمن الطبقة العاملة على الحقول والمصانع كما أنه عمد على قطع الصلة بين المسلمين وبين مساجدهم لأنها المصدر الوحيد الذي يتلقون فيه المعارف والعلوم الإسلامية وحرمانهم منها يهيئهم لتلقي الفكر الإلحادي, كما شكلت مجموعة عمل رسمية وغرضها مقاومة الإسلام وآثاره الثقافية تولت ترتيب إصدار جميع الإجراءات المضادة للإسلام , كما أنها جمعت وأحرقت مجموعات كبيرة من المصاحف والكتب والمخطوطات الإسلامية النادرة وذاق العلماء الويلات من القتل والإعتقال حولت المساجد إلى مستودعات تخزين أو مدارس علمانية و ألغي استعمال الحروف العربية في الكتابة وبخاصة في تركستان الشرقية لقطع الشباب عن تراثهم الفكري ولذا نشأ جيل لا يعرف عن الإسلام سوى مشاعر الاعتزاز بالانتماء إليه وحاولت أن تصرف المثقفين المسلمين عن قيادة إخوانهم بتسليمهم مناصب قيادية في بعض المؤسسات وقابل المسلمون هذه المحاصرة بنقل بعض الأنشطة الإسلامية إلى المنازل وإن كان ذلك على نطاق محدود . كما تعاني ثقافة المسلمين في الصين من الخلط بين الإنتماء المذهبي وبين تأثيرات الفكر الشيعي إذ تظهر في ممارساتهم وكتبهم . كما نلمس أثر العادات والتقاليد الصينية . ولعل إهمال المسلمين في العالم الإسلامي لإخوانهم في الصين يزيد من هذه التوجهات ويكفي أن نشير إلى أن المسلمين في مدينة( لا نزهو ) من محافظة قانصو قد توزعوا بين 24 فرقة مختلفة كل منها يزعم أنها على حق ويعلن شجبه لتوجهات الفرق الأخرى مما يولد الخلاف والنزاع وتشتيت الجهود .
ويجدر بنا أن نشير إلى النشاط الشيعي بين صفوف المسلمين حيث يُجند له مجموعات من الطلاب الايرنيين الدارسين في جامعات الصين وبخاصة بكين فيدعون معظم الطلبة المسلمين في بكين وبعض المسلمين الصينيين لمشاركتهم في إحياء بعض المناسبات الدينية البدعية . وتعرض فيها الصور وبعض الملصقات والكتب المنتقاة من الفكر الشيعي والأشرطة المسموعة والمرئية وتوزع المجلات الإيرانية .. كما يختارون عشرة من الطلاب المسلمين للقيام برحلة مبرمجة يرافقهم فيها أحد علماء الشيعة إلى جانب المحاضرات واللقاءات وليس بمستبعد بروز النشاط الشيعي في المجال الثقافي بعد تطبيق حكومة الصين لسياسة الانفتاح وهذا الجانب يحتاج إلى دراسة أوفى . أما عن الوضع الإقتصادي لمسلمي الصين فهو في غاية السوء إذ يعيش أغلبهم في أكواخ صغيرة يضم الكوخ عائلة مكونة من عشرة أشخاص ولذا فهم يتركون أطفالهم في الشوارع والأزقة القريبة من أكواخهم . ويعمل غالبيتهم في الزراعة والرعي وصيد الأسماك وذلك في الشمال الغربي أما في الوسط والجنوب فإن أوضاع المسلمين أفضل نسبيا بسبب استقرارهم المبكر وعملهم في التجارة .. ولكن سياسة التهجير الداخلية التي تنتهجها الحكومة تستهدف تفتيت المسلمين و إذابتهم ويحرمهم من الاستقرار وتحسين أوضاعهم المعيشية , كما ينبغي ألا ننسى تطبيق نظام (الكميونات ) وتوزيع العاملين عليها أثره المدمر لحرية الفرد وحالته الاقتصادية . ويستغل المنصرون في الصين هذا الواقع المأساوي وحاجة المسلمين الماسة إلى المستشفيات والمدارس فيقومون بإنشاء هذه المرافق يعرضون خدماتها عليهم كوسيلة من وسائل ممارسة التنصير وهذا ما يحصل في (قانصو) بصورة واضحة وفي غيرها كما أنهم يلحقون أبناء المسلمين بمدارس الإرساليات .
أما الوضع الاجتماعي فنتيجة لاختلاط المسلمين بغيرهم وخاصة ( الهوي) - بخلاف مسلمي المحافظات الذين حافظوا على وضعهم الاجتماعي فلم يعد للمسلمين ما يميزهم من غير المسلمين سوى أكل لحم الخنزير حتى أن المسلم من (الهوى ) لا يتزوج من قومية ( الهان ) - الأغلبية الصينية -إلا إذا امتنعت من أكل لحم الخنزير فقط ، وكذلك طريقة الدفن فلم يعد يرتاد المساجد إلا الكهول وبعض الشباب في المناسبات الدينية كالعيدين .
أهم التحديات التي تواجه المسلمين في الصين
1-انعدام وجود قيادة إسلامية حرة مما جعل المسلمين تحت رحمة الجمعية الإسلامية التي تتبنى سياسات الحزب الحاكم فيما .بالدين والقوميات . 2-2 تردي وضعهم الاقتصادي حيث يعمل أغلبهم في الرعي وصيد الأسماك والزراعة ويستغل الصليبيون في الصين هذا الواقع المأساوي وحاجة المسلمين الماسة إلى المستشفيات والمدارس فيقومون بإنشاء هذه المرافق ويعرضون خدماتها عليهم كوسيلة من وسائل ممارسة تنصير المسلمين كما أنهم يلحقون أبناءهم بمدارس الأرساليات التنصيرية .(42/450)
3- التهجير الداخلي الذي يستهدف إذابة المجتمعات الإسلامية وإكراه شباب المسلمين على الزواج من فتيات من قوميات اللادينية بهدف تكوين جيل لا ديني إذ يسجل الأطفال على دين أمهاتهم .
4- عدم وجود التعليم الديني بالمستوى المطلوب حيث تقوم سياسة الحكومة على قطع الصلة بين المسلمين كل ما يربطهم بالإسلام لتهيئتهم لتلقي الفكر الإلحادي حيث شكلت الحكومة مجموعة عمل رسمية غرض مقاومة الإسلام وآثاره الثقافية وتولت ترتيب إصدار جميع الإجراءات المضادة للإسلام .
متطلبات للنهوض بشأنهم
1-منح دراسية للطلاب الصينيين تمثل فيها مناطق المسلمين بالصين وتغطي مختلف التخصصات الإسلامية المطلوبة للمسلمين الصينيين . وتوزع على الجامعات الإسلامية .
2- وضع خطة دراسة مبنية على احتياجات المسلمين في الصين مع إدخال مناهج التعليم المهني لتأهيل الطلاب لخدمة المجتمع الصيني في مجال الدعوة خصوصاً بعد ضعف البوذية والديانات الوثنية الأخرى .
3- القيام بمسح شامل للمساجد في الصين، وذلك بهدف الإعمار وتلبية احتياجات المسلمين ، أ و ملاحظة أن يكون المسجد نواة لمركز إسلامي يضم أنشطة إسلامية متعددة . يلاحظ هذا في حركة إعمار المساجد أو بناء مساجد جديدة .
4- في مجال الثقافة الإسلامية وانتشارها بين مسلمي الصين، القيام باستطلاع الاحتياجات في هذا المجال وذلك بالاتصال بالمنظمات أو الهيئات الإسلامية في الصين ، والتخطيط لإقامة مشروع لنشر وطبع الكتب الإسلامية محلياً مع ضرورة الأخذ في الاعتبار اللغة المحلية في حركة ترجمة الكتب الإسلامية و استغلال العلاقات الطيبة بين حكومة الصين والدول الإسلامية لدعم المسلمين في الصين .
5- في مجال الدعوة تنظيم قطاع الدعوة وتغذيته بالدعاة مع ملاحظة إشراك المسلمين الصينيين الذين حصلوا على جانب وفير من العلوم والثقافة الإسلامية ووضع خطة استراتيجية للمستقبل البعيد وذلك بإعداد دعاة من الصين مع دقة الاختيار لهؤلاء ، ووضع مناهج مناسبة للتدريس لهؤلاء الدعاة في مرحلة الإعداد .
6- إنشاء مؤسسات إغاثة إسلامية ومؤسسات تحويل تعاونية إسلامية ليبرر معاني التآلف والتعاضد والمسؤولية المشتركة والجسد الواحد .
7- إنشاء مدارس إسلامية وتوحيد مناهج المدارس السابقة ونشر مراكز تحفيظ القرآن الكريم في جميع مقاطعات الصين .
8- العمل على إنشاء كلية للدراسات الإسلامية ووضع خطط كفيلة بتطويرها إلى جامعة بمختلف التخصصات وفتح فروع لها في المناطق الإسلامية .
9- إنشاء دور نشر إسلامية باللغة الصينية تراعي اللهجات المحلية تقوم بطباعة الكتب الشرعية بعد ترجمتها .
10- إنشاء محطة إذاعية إسلامية موجهة إلى المسلمين في الصين باللغات التي تستعملونها على غرار الإذاعات التنصيرية وتوضع لها البرامج والدورات الإذاعية بشكل مدروس يتولى إعداده هيئة متخصصة من الخبراء والدعاة ويجري التركيز على تعليم مبادئ الإسلام والتركيز على مفاهيم الأخوة الإسلامية وربطهم بأخبار إخوانهم المسلمين في العالم .
=============(42/451)
(42/452)
هذه الحرب ليست عن الإرهاب إنها عن الإسلام
ترجمة: تركي الزميلي 22/8/1423
07/11/2001
ديفيد سيلبورن
صندي تليغراف 7 أكتوبر 2001
حرب الساعة هذه هي ضد "الإرهاب العالمي" كما تم إخبارنا. وكما أعلن الرئيس الأمريكي في حديثه إلى الكونجرس في 20 سبتمبر، وتوني بلير في خطابه لمؤتمر حزبه في الأسبوع الأخير. إلا أنها ليست شيئا من هذا القبيل.
لقد كان الاتحاد السوفيتي ذات مرة امبراطورية الشر المتحدية للغرب.
أما الآن فإن تمرد الإسلام أو ولادته الجديدة هي التي تمد ظلالاً من الفزع على العالم غير الإسلامي.
لقد ظل زخم الإحياء الإسلامي يحشد خطوه منذ الخمسينات على الأقل. مع أن تخوف الغرب المبرر من هذا الانبعاث، ورغبته في تجنب إهانة الدين الإسلامي؛ جعل قياداتنا تخطو على قشر البيض، خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
إن الاشتباك العدائي بين الإسلام والغرب كان أمرا غير مشكوك فيه لسنين عديدة. وهكذا فإنه عندما تُذكرنا البارونة تاتشر أن الذين أسقطوا مبنى التجارة العالمي كانوا مسلمين، وأن المتحدثين المسلمين يعبرون عن غضبهم من أن أي شخص سوف يربط الاعتداء بالمسلمين؛ فإنه يصبح من الصعب أن تعرف هل تضحك أم تبكي.
إن إعلاننا الفعلي للحرب -ضد "الإرهاب العالمي"- هو بحد ذاته مصطنع. فليس هناك حرب قادمة ليعلن عنها. إن الحرب قائمة فعلا منذ عقود. لقد تضمنت حرب أعمال وحشية فيما بين المسلمين (كما في داخل الجزائر, لبنان، العراق، وهكذا). ولكن الأكثر تعلقاً بنا هي الحرب بين الإسلاميين والغرب. وحتى روسيا والصين وقعت في فخها أيضا.
لقد أورد بوش عندما أعلن برنامجه لمنظومة الدفاع الصاروخي القومي خطرَ الهجوم من "حكومات مارقة". إن كوريا الشمالية لم تكن هي الحاضرة في الأذهان، وإنما تلك البلدان المسلمة، مع أسلحة بيولوجية وكيماوية ونووية، تحققتْ، أو في طريقها للتحقق.
علاوة على ذلك، فإن خمسا من الدول السبع المدرجة في القائمة الرسمية الأمريكية للدول الإرهابية، هي دول إسلامية.
لقد كان هناك مع تحول ناطحتي السحاب الأمريكية إلى ركام وآلاف من القتلى، عددٌ قليلٌ من الحدود الفاصلة، سواء أكان ذلك من حيث المنطقة، أو المبدأ الأخلاقي، ومن حيث طريقة القتال، أو خداع المفردة التي لم تنتهك في ساحة الحرب هذه.
مع أن التحريم أو الحظر، وبراعة الكذب، وضياع الذاكرة القصيرة تخدم بين هذه الحدود، لوضع غشاء على معرفتنا بما هو حاصل.
إن القاذفات الأمريكية والبريطانية تمشط المجال الجوي العراقي، والقوات الإسرائيلية تنفذ اعتداءاتها على غزة والضفة الغربية، وقد أطلق الرئيس الأمريكي كلينتون هجومه الصاروخي على أفغانستان والسودان من غير إعلان حرب. فلم يكن هناك حاجة له.
لقد كان هناك حروب أخرى عديدة منذ 1945 والتي لم تملك شيئا لتفعله مع الإسلام. ولكن بدءا من الخمسينات، وخصوصا عندما حَرّر سقوطُ الشيوعية في 1989-1991 الدولَ المسلمة في الكتلة السوفيتية من قيودها، أخذ الإسلام الصدارة في النشاط المعادي للغرب سياسيا، ودينيا، وعسكريا. إنه يهدد بالبنادق في يد، والنصوص المقدسة في يد أخرى، محيلاً أمريكا والصهيونية والمسيحية إلى شياطين.ولكن من خلال رغبة قابلة للتفسير لم تتضمن اعتراضاتنا "المسلم الجيد" -ونموذجه هناك بالملايين- فنحن نتجنب قول ما نعرفه، ونخاف منه.
وبالرغم من ذلك فليس هناك سوى عدد محدود من المناطق في العالم، مِن كوكسس حتى كشمير، ومن ملقا حتى مانهاتن، ومن تونس حتى تنزانيا، لم تحدث بها معاناةٌ من التشنج الإسلامي.
لقد كسب الإسلام في انتفاضاته السابقة امبراطوريةً تمتد من نهر إندس حتى جبال البرانس، وأوجد العظمة الجمالية، وأحزان أسبانيا الإسلامية، وأتى بالأتراك وامبراطوريتهم العثمانية إلى بوابات فينا.
وإن المناضلين الإسلاميين المحرقين للعلم، والمقنعين بالسواد، هم وثيقو الارتباط بأسلافهم الذين أبدعوا الحمراء وغرناطة، وبالفلاسفة المسلمين العظماء في العصور الوسطى، والذين كانوا الأصدقاء ونظراء الفكر للحكماء المسيحيين واليهود في تلك الأزمنة.
إن الـ"مسلم الجيد" ربما يأخذ مسافة أخلاقية من أعمال الخطف، والأعمال الوحشية بين المسلمين، وتفجير السفارتين، وحرق الكتب... الخ.
ولكن ينبوع الطاقة الإسلامي ذا الطموح العالي والمد مر هو نفسه كما كان دائما: الرغبة في صيانة نقاء الدين الإسلامي، والبرهنة على مزاعمه بأنه الدين الخاتم الموحى به على الأرض.
>>> لقد اقتضى الخوفُ المرَضي من الإسلام "Islamophobia " ضريبةً قاسيةً في الانتقام من العنف الإسلامي. إن هذا يشمل إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية لطائرة إيرانية في يوليو 1998، والاغتيالات المنفذة على يد إسرائيل، والهجوم الروسي الوحشي على الشيشان المسلمة، وعمليات الشنق للإسلاميين في إقليم زينجيانج على يد الصنين - وهي لم تزل مستمرة-، وعملية صيد البط التركي التي نفذها التحالف ضد الجيش العراقي بعد انسحابه من الكويت، وما يقارب الإبادة الجماعية للمسلمين في البوسنة.(42/453)
لكن ومن ناحية أخرى فإن هذه حرب، وغير معلنة كما يحتمل أن تكون. وهي الآن أخذت تنوعا مذهلا في النماذج، والمصادمة في العديد من الأماكن.
في 1972 قُتل الرياضيون الإسرائيليون على يد مناضلين إسلاميين في الألعاب الأولومبية في ميونخ. وتمت محاولة استهداف حياة البابا على يد تركي ومازال الموجهون له مجهولين.
وأسقطت المكيدةُ الليبية طائرةَ بان أمريكان على سكوتلاندا في ديسمبر 1988. وفي فبراير 1989 تم إعلان الفتوى الإيرانية ضد سلمان رشدي على لسان الخميني. وفي السودان قُدم قانون الشريعة الإسلامية بواسطة الحكومة الإسلامية في 1991، وأجَّج الحرب المدنية بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي باستمرار منذ ذلك الوقت.
إن الجيشان المثار على يد الولادة الجديدة أو الانبعاث الجديد قد أخذ معه حياة ملايين من الناس. فقد قادت الحرب الأهلية السودانية والمجاعة إلى وفاة ما يقرب من اثنين مليون.
وقتلت الحرب الأهلية في نيجيريا في 1967 التي ثارت بين الغالبية المسلمة المسيطرة ومهاجري الإبو المسيحيين قريبا من مليون من الناس. وحتى الحرب الأهلية الواسعة غير المسبوقة في طاجكستان، والمثارة على يد الإسلاميين الانفصاليين، تسببت في قتل عشرات الألوف.
وبالإضافة إلى الجثث في هذه الحرب، فإنها تضمنت أيضا لاجئين ومهاجرين وباحثين عن حق اللجوء.
لقد فرّ الملايين من العالم الإسلامي، وإن قريبا من ثلاثة أرباع النازحين في العالم في العقد الأخير يمكن القول بأنهم مسلمون.
إنهم يفرون وبتنوع في الأسباب: من قانون الشريعة، ومن اضطرابات الداخل المسلم، ومن فوضى الاقتصاد، ومن العنف الإسلامي المسيحي، وأيضا وليس أخيرا من العدوان ضد المسلمين.
الفارون، والضحايا، وأكباش الفداء، والجناة، والـ" النائمون" المنتظرون للحظتهم، يشيرون إلى أن الإسلام المثار والغاضب في طريقه إلى التحرك. وبالنسبة للسياسيين فإن تسمية كل هذا " إرهابا" والوعد باقتلاعه ورفض تمويله إنما هو حماقة. على الرغم من أن مراوغات العربية السعودية، وباكستان المسلحة نوويا توحي بأن الدول المسلمة تعلم أن الانبعاث الإسلامي وليس "الإرهاب" هو الذي دفع بالنداء الغربي إلى العمل. إن هذه الدول لا تستطيع أن تعرض دعمها لهذا النداء بإخلاص، ولن يكون أكثر مما يستطيعه أي ناطق "مسلم جيد" في بريطانيا، أيا يكن ما تتوقعه تاتشر منهم.
إن القتيل الأول في كل حرب هو النطق بما هو حقيقي. وفي هذه الحرب فإن سياسيينا لم يبدؤوا، حتى بالاعتراف لنا: حول ماذا ستكون هذه الحرب.
=============(42/454)
(42/455)
مفتي سيبيريا :الإسلام أول دين سماوي عرف في سيبيريا
محمود بيومي 8/4/1426
16/05/2005
تأسست أول جالية إسلامية في سيبيريا في النصف الثاني من القرن الهجري الأول ،عندما هاجر إليها عدد من مسلمي مدن " بخاري" و "سمرقند" و"قازان" بآسيا الوسطى .. وعملوا على نشر الدعوة الإسلامية بين قبائل "الإسكيمو" .. لذا فإن الإسلام هو أول دين سماوي، عرف في هذه المنطقة، التي تعتبر أكبر صحراء جليدية في العالم ، ولم تقف الظروف المناخية الصعبة حجر عثرة في سبيل نشر الإسلام والتعريف بهداياته، وقيمه وتعاليمه السمحة في بلاد الإسكيمو .
وتتكون الجالية الإسلامية في سيبيريا من المغول والتتار والأوزبك .. وقد عثر في سيبيريا على مقابر سبعة من دعاة الإسلام الأول ، وعلى آثار مساجد صغيرة، شيدت وفقا للتكنولوجيا المحلية، التي استخدمت المواد المتاحة لإقامة هذه المساجد، والتي بنيت وفقا للطراز المعماري البسيط .
وقد تم تدعيم الجالية الإسلامية في سيبيريا بمزيد من الهجرات، التي تمت حتى القرن الثالث الهجري، من دول التركستان .. فقامت حضارة إسلامية في بعض مناطق سيبيريا؛ مثل منطقة السهول الغربية وحول بحيرة " بيكال" وفي شبه جزيرة "كومتشكا" وغيرها .
وقد حققت الجالية الإسلامية في سيبيريا، العديد من المكاسب الإيجابية، لصالح الدعوة الإسلامية .. حتى تأسست هناك دولة إسلامية خالصة منذ عام 978هجرية (1570ميلادية) .. قصدها العلماء من المدن ذات الشهرة في التاريخ الإسلامي بمنطقة آسيا الوسطى .
ويؤكد الشيخ طاهر عبد الرحمنوف" مفتي المسلمين" في سيبيريا .. أن المسلمين في بلده، ليسوا في منأى عن قضايا المسلمين العالمية .. وأنهم يؤيدون حقوق كافة الشعوب المسلمة ، فيؤيدون حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته علي تراب الوطن الفلسطيني ، ويؤيدون حق تقرير المصير في كشمير، وضد تهجير المسلمين عن أوطانهم .. مهما كانت المبررات التي ترددها الكيانات التي تضطهد المسلمين
وأوضح مفتي سيبيريا في حواره مع شبكة الإسلام اليوم .. أن عدد المسلمين في بلاده في تزايد مستمر .. بسبب سهولة تعاليم الدين الإسلامي الحنيف .. وبسبب جهود مؤسسات الدعوة، والتعليم الإسلامي في سيبيريا ،حتى بلغ عدد المسلمين السيبيريين أكثر من أربعة ملايين نسمة ، من إجمالي عدد السكان، البالغ أكثر من 28 ملايين نسمة .. وتوقع زيادة أعداد المسلمين في سيبيريا خلال السنوات القليلة المقبلة .
سيبيريا .. الناس والأرض
في بدء الحوار سألنا فضيلة الشيخ طاهر عبد الرحمنوف مفتي سيبريا .. كيف عرفت سيبيريا الإسلام ؟g
بلادنا سيبيريا يعرفها العالم بأنها أكبر صحراء جليدية .. إذْ تبلغ مساحة أراضيها 12 مليونا و 675 ألف كيلومتر مربع - وهي تفوق مساحة قارة أوربا - وبالرغم من هذه المساحة الشاسعة، ومناخها البارد - فقد بلغتها قوافل الدعاة، منذ وقت مبكر، من تاريخ الدعوة الإسلامية العالمية، وجاهدوا المناخ الصعب؛ من أجل نشر الإسلام والتعريف الصحيح بهداياته .. ونشر المعارف الإسلامية الصحيحة بين سكان البلاد.
- وهم في هذا الوقت مجموعات من القبائل البدائية .. وقد اعتنق أجدادنا الإسلام مبكرا ، وحافظوا علي هويتهم العقائدية .. بل برز من بينهم دعاة عملوا علي نشر الإسلام .
وأضاف الشيخ طاهر عبد الرحمنوف : ويذكر التاريخ الإسلامي السيبيري .. أن عددا من دعاة الإسلام الأول قد استشهدوا، بسبب قسوة المناخ- وهم يؤدون رسالتهم الدعوية -فقد عثرنا على مقابر لعدد من جيل الرواد من دعاة الإسلام .. وقد تم تسجيل أسماء هؤلاء الدعاة في سجل خاص بالإدارة الدينية ،ونحن نعتبرهم نموذجا مثاليا، وندعو إلى الإقتداء بهم ونحن نؤدي رسالتنا في التبليغ الإسلامي .
وقال الشيخ طاهر: من المؤكد أن اِلإسلام هو أول دين سماوي عرف في سيبيريا ، ولقد كانت بلادنا حاضرة للحضارة الإسلامية الراقية، حيث خضعت سيبيريا للحكم الإسلامي في عام 978 هجرية ـ 1570 ميلادية ـ في عهد الإمبراطور " كوشيم خان " الذي ساعد على دفع مسيرة المد الإسلامي في سيبيريا .. ولقد عمل الروس القياصرة على إبادة التراث الإسلامي الوفير في بلادنا .. بعد احتلالهم مدينة سيبر العاصمة في عام 988 هجرية ـ 1580 ميلادية ـ ورفضوا إقامة كيان سياسي لسيبيريا فظلت حتى اليوم مجرد إقليم تابع لجمهوريات روسيا الاتحادية .
الحفاظ على الهوية
ما هي جهود المؤسسات الإسلامية للحفاظ على هوية المسلمين العقائدية في سيبيريا ؟
المعروف أن المسلمين في سيبيريا .. خليط من التتار والمغول والقوميات الأخرى المنتشرة في بلاد التركستان، بالإضافة إلي المسلمين في سيبيريا .. والأقلية المسلمة في بلادنا قد حافظت ـ بحمد الله تعالي ـ علي هويتها العقائدية، رغم كافة الضغوط التي مارسها الروس عبر المراحل التاريخية المختلفة .. فكلمة المسلمين واحدة ، ولا توجد بينهم خلافات مذهبية أو سياسية حتى انصهروا جميعا في بوتقة الدين الإسلامي الحنيف .(42/456)
وأضاف الشيخ طاهر : ولقد تزايدت أعداد المسلمين في سيبيريا بشكل واضح ، فبعد أن كانت أعداد المسلمين في بلادنا منذ عدة سنوات أقل من مليون نسمة ، أصبح عددهم اليوم أكثر من أربعة ملايين نسمة .. وتحرض الأسر المسلمة علي تربية أولادها تربية إسلامية صحيحة .. حيث توجد في البلاد مؤسسات إ سلامية نشطت في إبلاغ دعوة الإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية الصحيحة بين المسلمين .
واستطرد : وفي مقدمة هذه المؤسسات .. الإدارة الدينية ودا ر الإفتاء والمعاهد والمدارس الإسلامية، بالإضافة إ لي المساجد المنتشرة في البلاد، والتي تعتبر من أهم المؤسسات الإسلامية ، ونحن نعمل علي إحياء رسالة المسجد، باعتباره دارا للعبادة والتثقيف، ودراسة أمور الدين والدنيا .. والتعرّف علي قضايا أمتنا الإسلامية .. حتى لا يكون المسلم السيبيري في منأى عن قضايا أمته .
وأضاف مفتي سيبريا : لقد نجحت مؤسساتنا الإسلامية في تزويد المسلمين بالزاد الثقافي الوفير .. ولقد تعاملنا مع كافة القوانين السوفيتية بذكاء فطري ، فحين وضعت العراقيل أمام تحركات الدعاة وحظرت تلاوة القرآن الكريم .. صاغ المسلمون قيم الإسلام وتعاليمه، وأوامره، ونواهيه في هيئة أناشيد شعبية، تتردد في كل وقت، دون أن يقع مسلم واحد في سيبيريا تحت طائلة القانون الجائر، الذي بمقتضاه منع المسلمين من تأدية شعائر دينهم في حرية و علنية .
وقال الشيخ طاهر : عندما أعلنت روسيا القيصرية قانون التسامح الديني في عام 1323 هجرية(1905 ميلادية) ، فوجئ الروس أن سكان مدن وقري، قد دخلوا في دين الله أفواجا.. مما يؤكد أن الإسلام باق في صدور العباد ؛ لأن المسلم لا يمكن أن يتخلى عن عقيدته أو شريعته، مهما كانت الظروف التي تواجهه .
التهجير إلى المنفى
قام الروس بتهجير عدد لا بأس به من المسلمين إلى سيبيريا .. فما أثر هذا التهجير الجبري على مسلمي سيبيريا ؟
لا شك أن التهجير الجبري أو النفي إلى سيبيريا .. قد شمل أعدادا من المسلمين في مختلف مناطق آسيا الوسطي ، ورغم مرارة النفي أو التهجير الجبري .. فإن المسلمين المهجّرين، وجدوا في المجتمع السيبيري أخوة لهم في الدين ، وقد تحقق خلال فترة التهجير مبدأ " المؤاخاة " وتم إحياء هذا المفهوم الإسلامي بين جميع المسلمين في سيبيريا، أسوة بالمنهج، الذي سلكه أسلافنا، الذين هاجروا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في العهد النبوي الشريف .. فتلاشت مشاعر الغربة عن المهاجرين، الذين توفر لهم الاستقرارالاجتماعي .. وبدأت مرحلة الانخراط في المجتمع السيبيري ، نتج عنها التزاوج والمصاهرة بين المهجّرين وسكان سيبيريا ، وسادت روح المحبة والأخوة في كافة المعاملات، وقد أدي ذلك إلى إ نعاش مسيرة عمل الدعوة والتعليم وتوطيد دعائم المجتمع الإسلامي في سيبيريا .
وأضاف الشيخ طاهر عبد الرحمنوف : ونتيجة مباشرة لتعدد القوميات الإسلامية، التي تم تهجيرها إلى سيبيريا .. برزت أول دعوة نادت بضرورة وحدة المسلمين في المناطق والأقاليم التابعة لروسيا في دولة إ سلامية واحدة .. ولكن هذه الدعوة لاقت معارضة شديدة من الروس .. واستمر منهج المعارضة الروسي حتى وقتنا الحاضر .. وعموما نحن نهتم بالاستقلال العقدي .
سقوط الشيوعية
ما أثر سقوط الشيوعية على الشعب المسلم في سيبيريا ؟
نحن لا نعترف بالشيوعية ولا نقرّها .. ولم نفكر أبدا في أن نستنبط شيئا من نظامها أو تعاليمها ؛ لأن الشيوعية نظام وضعي مادي لا يعترف بالأديان ، ونحن أصحاب رسالة سامية وحضارة راقية .. تضمنت كافة السبل الهادية، لإقامة المجتمعات علي أ سس عادلة آمنة .. وقد كنا نتوقع انهيار النظام الشيوعي .. ومن نتائج سقوط الشيوعية أن حصلت الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطي علي استقلالها .. كما تحسنت الأمور في بلادنا لصالح العمل الدعوي .. فالإدارات الدينية لها حق الإشراف الكامل علي المساجد وتوفير الدعاة، وتدريبهم والإشراف علي المعاهد والمدارس الإسلامية، وتوفير المعلمين اللازمين للعمل بها ، بعد أن كانت الإدارات الدينية مجرد " ديكور " في ظل النظام الشيوعي المنهار ، ولكن يجب أن نتنبّه إلى أن الإسلام وا لمسلمين مستهدفون في كل مكان في العالم ، وكما كان الطرح الشيوعي مجرد سلعة مغشوشة .. فإن الطرح الحالي ل " العولمة " أكثر غشا .
هل تنتشر اللغة العربية بين المسلمين في سيبيريا ؟ وهل أنجزتم ترجمات لمعان القرآن الكريم بلغتكم ؟
لا شك أن خُطي التعريب في سيبيريا ما زالت في المهد .. ونحن نسعى ؛ لنشر اللغة العربية بين النشء المسلم في بلادنا لأنها لغة القرآن الكريم .. عن طريق التوسع في إ نشاء المدارس القرآنية والاهتمام بنشر حلقات تحفيظ القرآن الكريم بجميع المساجد .. ولقد أنجز علماء الإسلام في سيبريا، بالتعاون مع المؤسسات الإسلامية العالمية .. ترجمات معاصرة لمعان القرآن الكريم باللغات المتداولة في البلاد؛ مثل اللغة الروسية واللغة التترية واللغة الأوزبكية وغيرها .(42/457)
ونحن نرى أن هذه الترجمات من العوامل المهمة، لنشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين المسلمين .. كما تردإلينا المصاحف الشريفة وترجمات معانيها بلغاتنا من الدول الإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، ونحن نحتاج إلى دعم عربي متواصل في المجالات الدعوية والتعليمية والتعريبية
==============(42/458)
(42/459)
كريموف وميراث الشيوعية.. بداية النهاية!
عبد الرحمن أبو عوف / القاهرة 13/4/1426
21/05/2005
حالة من الغليان ، تعيشها جمهوريات الاتحاد السوفيتي(سابقا) ؛ نتيجة الميراث الشيوعي،الذي خلَّف بدوره حالة من القهر والاضطهاد، وقد انتقلت هذه التركة من أوكرانيا إلى جورجيا إلى قيرقزستان، وهانحن نرى -اليوم- إرهاصاتها في أوزبكستان..فلم يستفد الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف من عضويته في الحزب الشيوعي السوفيتي، شيئاً يفيد به أوزبكستان، غير إجادته لما فعله ستالين من قهر وتعذيب وقتل وتصفية جسدية لمسلمي آسيا الوسطى الإسلامية وتكرار ما تعلمه طوال ثلاثين عاماً، قضاها في أحضان الشيوعية.
فمنذ وصول كريموف لسدة السلطة في أوزبكستان عام 1991، والشعب الأوزبكي يلاقي على يديه، صنوفاً من الاستبداد و القهر والمذابح، والتي كان آخرها ما حدث في أنديجان شرق البلاد، حيث تعاملت قواته بمنتهى القسوة والعنف مع الشعب الغاضب على استمرار فساد ودكتاتورية النظام الستاليني!!
خلَّف هذا التعامل أكثر من 700 قتيل و 2000 مصاب وحوالي 8 آلاف مشرد، نزحوا إلى مناطق الحدود مع قيرقيزيا المجاورة -لسان حالهم يناشد العالم إنقاذهم من براثن حكم كريموف الاستبدادي ، ويعيش نظام كريموف حالة من الرعب والفزع ، منذ قيام الثورة البرتقالية في أوكرانيا وثورة جورجيا،التي أنهت حكم شفرنادزة وثورة قيرقزستان، التي أطاحت بنظام أكاييف، وهو ما ظهر أكثر من مرة -في تصريحات كريموف- الذي أوضح أنه لن يقع في خطأ الرئيس القيرقيزي المخلوع!! الذي سمح بنمو المعارضة، وتزايد خطورتها للدرجة التي تهدد بنيان النظام، مشدداً على أنه لن يسمح لحفنةٍ من المجرمين، "يقصد المعارضين" بالتلاعب بالاستقرار المزعوم في أوزبكستان .
حالة الرعب التي يعانيها كريموف.. أصابت نظامه بحالة من الارتباك والهلع، مما جعله يوسع من حملات الاعتقال العشوائية، حيث تجاوزعدد المعتقلين، 10 آلاف معتقل، يمارس ضدهم أبشع أنواع التعذيب التي أدينت من قبلِ العديد من الجهات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان.
فساد ودكتاتورية
ربما كانت حملة الاعتقالات الأخيرة، التي طالت النشطاء الإسلاميين في معظم أراضي أوزبكستان، أهم أسباب هذه الاحتجاجات العنيفة، خصوصاً أن المحتجين بدأوا باقتحام أحد السجون والإفراج عن 2000معتقل من ذويهم منذ سنوات.
ولم يكتف المحتجون بالإفراج عن السجناء، بل رددوا شعاراتٍ، تدين الفساد والبطالة والفقر والدكتاتورية المستشرية في البلاد، منذ وصول كريموف إلى السلطة، وهذا ما يكذِّب ادعاءات نظامه من أن بعض المجرمين والمتحالفين مع العناصر الإرهابية، يقفون خلف هذه الأحداث، والحقيقة أن هذه الاحتجاجات، جاءت بشكل تلقائي، ولم يكن مرتباً لها بل كان الدافع لها، الجحيم الذي يعيش فيه الشعب الأوزبكي على يد النظام الشيوعي.
فالتعذيب صار أمراً منهجياً في سجون هذا النظام الذي يحكم البلاد بالحديد والنار- من أوائل التسعينات في القرن الماضي- وأوصلت سياسته البلاد إلى كارثة اقتصادية، رغم الثروات التي تتمتع بها أوزبسكتان .
حالة احتضار!
ولعل أحداث أنديجان الأخيرة، وتصاعد الاحتجاجات على نظام كريموف كان لها أكثر من مدلول .
الأول : أن نظام كريموف، بدأ يحتضر، خاصة وأن علامات الانهيار للنظام بدت واضحة بقوة -في الأيام الأخيرة- خصوصاً إذا وضعنا في اعتبارنا محاولة بعض رموز النظام الهروب من البلاد وإلقاء السلطات القبض عليهم على الحدود مع قيرقيزيا وطاجيكستان .. فالنظام رغم جبروته على الشعب إلا أنه يحس أن أحداث أنديجان ، تعد مؤشراً على بدء حملة شعبية للإطاحة به.
والثاني: أن محاولة كريموف إلصاق التهمة بمعارضيه الإسلاميين؛ لتحريك الأحداث بالتعاون مع عناصر من حركة طالبان في أفغانستان المجاورة، ما هي إلا محاولة لحشد الدعم الدولي له - خصوصاً من واشنطن وموسكو- والظهور بمظهر من يعاني نظامه من تهديد التنظيمات الإرهابية ،وهو ما يؤمن له المبررات لاستخدام الوحشية مع معارضيه، دون أن يخشى موقفاً دولياً معارضاً لهذه الانتهاكات، التي لم يسبق للشعب في أوزبكستان أن عانى منها منذ هلاك ستالين عام 1953 .
أما المدلول الثالث: فيكشف أن الثورة الشعبية في أنديجان ما هي إلا انعكاس لثورة الشعوب في دول ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي السابق، التي بدأت في أوكرانيا، ولن تنتهي مع سقوط أكاييف في قيرقيزيا، بل ستكون لها امتدادات في دول مثل أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وروسيا البيضاء .
صحيح أن هذه الثورة لن تستطيع إسقاط نظام كريموف بسبب قسوته وقوة أجهزة أمنه واستخباراته، إلا أنها أكدت أن أيام كريموف ونظامه الفاسد - حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية- ، أصبحت محدودة ، وأنه مهما كانت المعارضة له تفتقد الدعم الدولي، إلا أنها دقت المسمار الأخير في نعش نظامه.(42/460)
إذا وضعنا في الاعتبار أنه لا يوجد أي متنفس للشعب الأوزبكي- للاعتراض على ديكتاتورية " ستالين" أوزبكستان- إلا العنف ؛ فوسائل الإعلام محاصرة بشدة من قبل النظام، وهناك سيطرة أمنية لكريموف وأعوانه على الأوضاع بشكل عام ،
وهذه السيطرة مؤمَّنة بجهاز استخباراتي قمعي من الدرجة الأولى، ونظام قضائي تسيطر عليه الدولة، ويلقي بالمعارضين في غياهب السجون لفترات مؤبدة .
المدلول الرابع: تعامل كريموف ونظامه بعنف شديد مع الأحداث وإشرافه التام على المذابح في أنديجان ، ساعد على جمع وتوحيد صفوف المعارضين له -والذين يتخذون من المنفى مقرا لهم- مثل طاهر شاييف وزعماء الحركات الإسلامية وكذلك العلمانيون المعارضون لمسلك النظام الاستبدادي الفاسد، لكي تتوحد جهودهم، لإسقاط هذا النظام، مما يجعل أحداث أنديجان مرشحة للتكرار في باقي مدن أوزبكستان -وعلى رأسها العاصمة طشقند .
الصفقة الأمريكية
إن زيف الدعاوى الأمريكية والغربية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية، من أهم الملاحظات التي عكستها هذه الأحداث؛ فواشنطن - والتي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كريموف- غضت الطرف تماماً عن مذابحه تجاه الشعب الأوزبكي وممارساته، التي تبعد عن الديمقراطية بعد المشرق والمغرب، ما دام يقدم خدمات للحرب الأمريكية على الإرهاب، ويسمح باستخدام قواعد جوية للقوات الأمريكية على طول الحدود مع أفغانستان، وتستقبل سجونه- أسبوعيا-ً مئات الإسلاميين التي تلقي واشنطن القبض عليهم وترسلهم إلى أوزبكستان؛ لانتزاع اعترافات منهم على التنظيمات التي يعملون فيها ، وليست المكاسب في الحرب على الإرهاب فقط، التي تجنيها واشنطن من غض الطرف عن جرائم كريموف- رغم إدانة المنظمات الحقوقية الدولية لمسلك إدارة بوش، فهناك وجود مكثف لشركات النفط الأمريكية؛ للتنقيب عن ثروات أوزبكستان المعدنية.. كالنفط والغاز الطبيعي والأحجار الكريمة، ولعل وجود هذه الشركات ما يفسر صمت إدارة بوش وتواطئها مع جرائم كريموف، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات سكوت ماكليلان، المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، الذي أوضح أن هناك احتمالات أن تكون عناصر إرهابية قد تورطت في أحداث أنديجان ، وهو ما يُفسر على أنه سعي لإنقاذ نظام كريموف من ورطته- ما دام خادماً مطيعاً للمصالح الأمريكية- ولم ينس ما كليلان أن يبدي تفهمه لمعاناة الشعب الأوزبكي ورغبته في قيام تعددية سياسية ، وحقه في وجود حكومة منتخبة، غير أنه طالب هذا الشعب بأن يسلك طرقا سلمية؛ بعيداً عن العنف وهو مسعى أمريكيا ؛ لتجنب انتقادات منظمات حقوق الإنسان التي اتهمت بوش بالمشاركة بالصمت على جرائم كريموف !!
على أي الأحوال فإن فجر الثورة ضد كريموف بدأت بشائره وإن الأشهر القادمة ربما تشهد تكرارا لهذا السيناريو في مدن أخرى حيث لن يعبأ الشعب بالآلة الجهنمية للنظام . وفي حالة خروج الأمر عن السيطرة فإن واشنطن لن تجد بداً من التخلي عن كريموف ، كما فعلت مع أمثاله من قبل !
==============(42/461)
(42/462)
رسالة العصر ( 1 / 4 )
سلمان بن فهد العودة 17/1/1426
26/02/2005
إن الحب في الله هو الإكسير الذي يحطّم العوائق، ويربط القلوب والنفوس مهما تباعدت في مواقعها ومواقفها ومداراتها واتجاهاتها وانشغالاتها؛ فلنرفع راية المحبة في وجه كل أعاصير الكراهية والبغضاء !
إن العصر الذي نعيشه يضجُّ بالمظالم والعدوان والقتل والعنف ؛ مرة باسم الحرية ، ومرة باسم الديمقراطية ، ومرة باسم السلام ، ومرة باسم الإسلام ؛ فلنعالج ذلك كلّه برفع راية المحبة والوئام ، ومحبة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، و المحبة في الله وفي رسوله - صلى الله عليه وسلم - من خصائص المؤمنين ، يقول الله -عز وجل- : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة:54] .
ولندرك أن العسر كلمة صغيرة محفوفة باليسر قبلها واليسر بعدها ولن يغلب عسر يسرين .. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5-6] .
إِذَا ضَاقَتْ بِكَ الدُّنْيَا ……
فَفَكِّرْ فِي أَلَمْ نَشْرَحْ
فَعُسْرٌ بَيْنَ يُسْرَيْنِ ……
تَأَمَّلْ فِيهِمَا تَفْرَحْ
والحياة أيضاً كما هي مليئة بالعوائق، والعقبات، والنكبات؛ مليئة بالفرص. فإذا نظرت إلى الجانب المظلم؛ فاختلس نظرة أخرى إلى الجانب المشرق، ولتكن رسالةُ العصرِ تبشيراً بالمحبة والفرج والتيسير من الحكيم الخبير.
هذه خواطر أخوية هدفها المناصحة والمصافحة والمصالحة ، وقد كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا تلاقوا لم يفترقوا حتى يقرأ أحدهم على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر، كما رواه الطبراني في الأوسط [ 5124] والبيهقي في شعب الإيمان[8639] وسنده جيد.
إن من الفقه القرآني العناية بالمسائل الكبيرة والمهمة وإعطاءها حقها، بينما نغرق كثيراً .. كثيراً في مسائل من الدرجة الثالثة أو العاشرة .. وتستغرق الكثير من جهدنا وطاقتنا ، وطاقة الإنسان محدودة فإذا استغرقها في التفاصيل والجزئيات انقطع عن التأصيل والكليات ، وانشغل بالمسائل الصغار عن الكبار ، والصحابة-رضي الله عنهم- كانوا يتذاكرون هذه السورة لما فيها من أصول المسائل التي يجدر بالمسلم العناية بها ، ولأنها تربية على الأصول الكبرى ، وقد ينشغل المرء بالمفضول عن الفاضل ، وهذا من مداخل الشيطان كما ذكره أهل العلم، أو يتحرج المرء من صغيرة ويقدم على كبيرة ، وكان ابن عمر يقول لأهل العراق: ما أسْأًلَكم عن الصغيرة وأجرأكم على الكبيرة ، تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسألون عن دم البعوضة.
والذين يجلدون الإمام أحمد بن حنبل كانوا يسألونه عن الدم الذي ينضح على ثيابهم ، وكانوا ينتقدونه على أن يصلي وهو جالس والقيد في يديه وفي رجليه؛ ولذا فإننا نقف هنا مع ثلاث مسائل مهمة:
أولها : الزمان.
الثانية : الإنسان.
الثالثة : العمل.
هذه المسائل الثلاث هي سر النجاح والفلاح في الدنيا ، وهي سر الفوز والنجاة في الدار الآخرة ؛ ولنقف عند كل واحدة منها.
أولاً : الزمان.وهو العصر .. وهو البريء المتهم المظلوم، فالناس كثيراً ما يلقون مشاكلهم وإخفاقاتهم على الزمان ، وهو مجرد وعاء ليس له ولا عليه ، هو طرف محايد، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سب الدهر ، وقال عن ربه تبارك وتعالى : "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلّب الليل والنهار" أخرجه البخاري [4826]، ومسلم [2246] من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ومعنى (أنا الدهر) أي أن ما ينسبه الناس إلى الدهر إنما هو بمشيئة الله تعالى وقدره، فهو خالقه سبحانه، ولا شيء في هذه الدنيا يتم عبثاً ولا اعتباطاً، وإنما هو بتقدير الحكيم الخبير.
نعيب زماننا والعيب فينا ……
وما لزماننا عيب سوانا
وقد نهجوا الزمان بغير جرم ……
ولو نطق الزمان بنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ……
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
وقد أقسم الله تعالى بالعصر لعظمته وأهميته وضخامة أثره، فهو ظرف العمل ووعاؤه ، وهو سبب الربح في الدنيا والآخرة أو الخسارة فيهما، ولهذا قيل : الوقت هو الحياة ، قال الله تعالى : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا"[الفرقان:62] قال ابن عباس من فاته عمل الليل قضاه بالنهار ، ومن فاته عمل النهار قضاه بالليل.(42/463)
وقال جل وعلا : "وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ*وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ"[فاطر:36-37] .
قال ابن عباس : عمرناكم ستين سنة.
وفي صحيح البخاري [6419] عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة".
قال أحد البطالين لعامر بن عبد قيس : تعال أكلمك ، قال له: أمسك الشمس.
أي ليس لدي وقت لهذا الكلام إلا أن تمسك الشمس ويتوقف الزمن ويتوقف دوران الأيام وصرير الأقلام ، فحينئذ أتوقف لمحادثتك ، ولهذا عني السلف بحفظ الأوقات وضبطها.
وقد كتب الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -رحمه الله- كتابه المعروف "قيمة الزمن عند العلماء".
وأقسم الله تعالى بـ"العصر"؛ لأنه يتحول ويتبدل ويتغير، ليل ونهار ، وصيف وشتاء ، وحر وبرد ، وعزة وذلة ، ونصر وهزيمة ، وفقر وغنى ، وشدة ورخاء ، وقوة وضعف ، ومرض وعافية ، وعسر ويسر ، وغيبة وحضور ، وهذا هو التاريخ كله مبسوط أمامك :
تروح لنا الدنيا بغير الذي غدت ……
وتحدث من بعد الأمور أمورُ
وتجري الليالي باجتماع وفرقة ……
وتطلع فيها أنجم وتغورُ
وتطمع أن يبقى السرور لأهله ……
وهذا محال أن يدوم سرورُ
عفا الله عمن صير الهم واحداً ……
وأيقن أن الدائرات تدورُ
إن في الحاضر اليوم من ضعف المسلمين وتفرقهم وسطحية تفكير هم وتسلط عدوهم أمراً يبعث على الكآبة والحزن، وهذا يمكن مداواته بنوع من الامتداد إلى المستقبل ، وانتظار الفرج والسعي في التغيير ، وألا نظن أن الواقع سرمدٌ لا يزول.
كنت أقرأ قول الله تعالى: "أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ"[إبراهيم:44] وأتعجب وأتساءل من هؤلاء الذين اقسموا ما لهم من زوال؟
أليس كل الناس يدري، بل حتى الحيوان يدري أن له أجلاً ينتهي إليه، وأن الموت في انتظاره طال الزمن أو قصر ؟
من هؤلاء الذين اقسموا ما لهم من زوال ؟
حتى قرأت كتاب نهاية التاريخ للمفكر الأمريكي فوكوياما ، والذي كان احتفالاً بسقوط الشيوعية، يقول: إن الغرب قد انتصر ، إن الديمقراطية الغربية قد انتصرت وحدث الأمر المنتظر فلا جديد بالتاريخ بعد ذلك إنها نهاية التاريخ .. " أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ*وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ"[إبراهيم:44-45] حل اليمين المتطرف محل الطغيان اليساري في العراق وفي غير العراق" فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ"[إبراهيم:47].
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ……
لنا رغبة أو رهبة عظمائها
فلما انتهت أيامنا عصفت بنا ……
شدائد أيام قليل رخائها
وكان إلينا في السرور ابتسامها ……
فصار علينا في الهموم بكاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه ……
رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت ……
علينا الليالي لم يدعنا حياؤها
وأقسم الله بـ"العصر " إشارة إلى ضرورة المعاصرة والمعايشة والفهم للزمان ، وهذا هو الفرق بين العصر والدهر، فالدهر هو الزمان كله، أما العصر فهو عصرك الذي تعيش فيه ، فالمرء محتاج إلى أن يكون عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه مدركاً للتحولات والتغيرات التي تطرأ.
ما بين غمضة عين وانتباهتها ……
يغير الله من حال إلى حال
إن القدرة على فهم المتغيرات ومواكبتها مع التزام الشريعة الربانية والوقوف عند حدود الله عز وجل هي غاية التقوى ولهذا قال الله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن:29] وقال صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه : "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" أخرجه مسلم[770] ، وعلمنا ربنا تبارك وتعالى أن نقول في كل ركعة : "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"[الفاتحة:6] ليؤكد على أن ثمت ألواناً وأبواباً من الهداية لم تفتح بعد ، وأننا بحاجة إلى أن نطرقها، وأن نسأل الله تعالى فتحها، وأنه ليس صحيحاً أن ما أنت عليه يكفي .
وليس ما أنت عليه هو الحق دائماً وأبداً، بل من الفقه العظيم القدرة على استيعاب المتغيرات دون إخلال بثوابت الشريعة ومحكماتها.
والناس منهم من يجمد على بعض المعاني، وبعض الآراء والمفاهيم القابلة للأخذ والرد وهؤلاء يجعلون الأمر القابل للتغير ثابتاً حتى ليرفض الكثيرون منهم السنة التي لم يعلموها من قبل ، قال لي أحدهم : ما بال فلان كان يضع يديه على صدره في الصلاة ثم أصبح يضعها على سرّته.(42/464)
ومن الناس من يضطرب في الثوابت والمسلمات والضروريات والقطعيات ، حتى لتجد اليوم في بعض حوارات الإنترنت أو الفضائيات جدلاً في مسائل قطعية محسومة كالمجادلين في الله تبارك وتعالى أو القرآن أو الوحي أو الرسو صلى الله عليه وسلم أو في علاقة الدين بالسياسة، وتستمع إلى نوع من العلمنة والتغريب ، واستنساخ القيم الموجودة في الثقافة الأمريكية أو غيرها، ونحن في هذا المقام وغيره نتذكر قوله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67]، قال الأمريكي المسلم محمد علي: "إذا كنت أقول اليوم وأنا في الأربعين ما كنت أقوله وأنا ابن العشرين فمعنى ذلك أني ضيعت عشرين سنة من عمري دون جدوى".
إن المتغيرات والأحوال تكشف عن معادن الرجال وقدرتهم على الاستقلال ، فمن الناس من يقع في أسر النفس وهواها ، ومنهم من يقع في أسر السلطة ، ومنهم من يقع في أسر الأتباع ، والحرية هي الخلاص من ذلك كله.
قال أبو يزيد البسطامي : لو صحت الصلاة بغير القرآن لصحت بقول الشاعر :
أتمنى على الزمان محالا ……
أن ترى مقلتاي طلعة حرّ
وأقول : لو صحت الصلاة بشيء غير القرآن لصحت بقول النبي صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" أخرجه البخاري [2887] من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- تعس عبد المادة، تعس عبد الشهوة ، ولكنها لا تصح بغير كلام الله فأقرؤوا ما تيسر منه.
فإن تكن الأحوال فينا تبدلت … …
بنعمى وبؤسى والحوادث تفعلُ
فما لينت منا قناة صليبة … …
ولا ذللتنا للذي ليس يجملُ
ولكن رحلناها نفوساً كريمة … …
تحمّل ما لا تستطيع فتحملُ
قسم الله بـ"َالْعَصْرِ " لأن من معاني العصر، الوقت الذي هو آخر النهار ، فهو قرب النهاية وموسم الحصاد ، وفيه صلاة العصر التي ذكرها الله تعالى في غير موضع فسماها "الصَّلَاةِ الْوُسْطَى"[البقرة:238] "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"[طه:130].
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان البخاري (552) ومسلم (626) عن ابن عمر : ( الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله ) أي فقد أهله وماله.
وإذا كان العصر هو آخر النهار فعصر هذه الأمة المحمدية هو آخر الدنيا، ونهاية المطاف وأجمل شيء آخره ، فنحن أمة المجد والعزة والتاريخ والانتصار، وأمتنا آخر الأمم وأعظمها وأولها دخولاً الجنة وأفضلها عند الله تبارك وتعالى شاء من شاء وأبى من أبى ، ولتعلمن نبأه بعد حين.
وفي صحيح البخاري (2268) عن ابن عمر رضي الله عنه ونحوه أيضا (558) عن أبي موسى أن صلى الله عليه وسلم قال : (مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم ، فغضبت اليهود والنصارى ، فقالوا : ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاء ؟ قال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا: لا . قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء ) فإذا كنا نحن أمة العصر ، ورسالتنا هي رسالة العصر ، فينبغي علينا أن نكون شهداء على الناس ، وكان خليقاً بنا أن نكون أكثر الناس علماً ، وأحسنهم خلقاً ، وأعظمهم حضارة، وأعرف الناس بمصالح الدنيا والآخرة.
أما واقع الحال اليوم فنحن أمة مستهلكة ، أمة منهوبة الثروات، محتلة في أراضيها في غير ما بلد من بلاد الإسلام.
إن 65% من فقراء العالم هم من المسلمين، و80% من اللاجئين في العالم هم من المسلمين ، وعلى الرغم من أن المسلمين يمثلون ربع أوخمس سكان الكرة الأرضية غير أن نصيبهم من الاقتصاد لا يتجاوز 6 % ، كما أن شعوب المسلمين في غالبهم ضحية الضخ الإعلامي الفاسد.
إن الفتاة اليوم تعرف المئات ممن يشكلن لها مثلاً أعلى من ممثله وغانية وراقصة وعارضة أزياء بل عارضة أجساد ، ولكننا حين نريد ضرب المثل الجيد من الواقع يرجع البصر إلينا خاسئاً وهو حسير ، ولهذا نفزع إلى التاريخ ، ونتحدث عن زينب وخديجة وعائشة وسمية وحفصة ...
فلم لا يوجد في واقعنا وعصرنا ومجتمعنا -ونحن أمة العصر وأمة الشهود- أمثال القمم الشامخة من القدوات للكبار والصغار من الرجال والنساء .
هل عقمت أرحام الأمهات عن مثل هذا ؟!.
بل إننا على رغم فقرنا وضعف حالنا وشدة حاجتنا والتحديات التي تواجهنا مشغولون بتدمير بعضنا البعض ، ومطالبة الآخرين بالكمال، وربما دخلنا في متاهة من الأوهام هروباً من مواجهة هذا الواقع ، ولذا يحسن التحذير من بعض الكتب التي تتكلم عن عمر هذه الأمة ، وتحدد أزمنة معينة، وتتناول أشراط الساعة بطريقة غير علمية ولا شرعية .(42/465)
قد تكون هذه الكتب وغيرها كتبت بحسن نية ، ولكنها تهجم على الغيب ، وتربي الناس على الاتكالية والانتظار وتمهد لبعض المواقف السلبية اعتماداً على الحديث الذي مر في مثل المسلمين واليهود والنصارى وأشباهه.
ثانياً الإنسان :
"إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ"[العصر:2] كل الإنسان, وحين يخاطب الإنسان في القرآن فهذه إشادة.
"يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"[الانشقاق:6] ، "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"[الانفطار:6] ، "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ"[الإنسان:2] ، "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"[الإسراء:70] .
والإنسان مهدد غالباً بالخسار لقوله تعالى : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" [التين:4-6].
إنه الإنسان الذي خلقه الله تعالى واختاره واصطفاه وعلمه وأسجد له ملائكته، وحينما قالوا : " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ "[البقرة:30] قال ربنا الحكيم : " إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ "[البقرة:30] ، وهذا إشادة ظاهرة بجنس الإنسان وخصوصيته وكفاءته ومسئوليته ، و العقاب والعتاب يكون على قدر المسؤولية ، وقوله تعالى : ( لفي خسر ) أبلغ من أن نقول : ( إن الإنسان لخاسر ) لأن الخسر حينئذ كأنه إناء أو وعاء يحيط بالإنسان من كل جانب، وهنا يكون التنكير للتهويل والتعظيم أي أنه في خسارة عظيمة .
ويحتمل أن يكون المعنى تفاوت الخسارة، فالناس غالبهم في خسر، فمنهم من خسارته كلية مطلقة، خسر نفسه وأهله وماله ودنياه وآخرته ، كالكافرين الأخسرين أعمالاً الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ومنهم من خسارته جزئية أي فقد بعض الربح ، ومنهم من فقد كل الربح ، ومنهم من فقد رأس المال، ومنهم من ترتب عليه ديون للآخرين، فهؤلاء هم الأخسرون (وهم في الآخرة هم الأخسرون) {النحل:5}فالحياة سوق والعمل تجارة، " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ"[البقرة:16] وفي صحيح مسلم (223) عن أبي مالك الأشعري:(كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).
فالإنسان متحرك بطبعه، وفعال وهمام، وسائر لا يتوقف، وسمي الإنسان إنسانا؛ً لأنه ينوس أي يتحرك ولا يقف ، وكل أحد ساعٍ متحرك، ولكن منهم ساعٍ في كمال نفسه ونجاتها، ومنهم ساعٍ في هلاكها وإباقها
إن الحياة إذا خلت من هدف نبيل صارت حياة بلا معنى ، فلكي يكون لحياتنا معنى علينا أن نحدد أهدافنا :
أولاً : هدف خاص ، فلا تثريب عليك فيه ولا عيب ، بل الشريعة جاءت لتحقيق هذا الهدف ، كالتفوق في الدراسة أو في العمل أو في الرزق أو في الزواج أو في المصالح المباحة من مصالح الدنيا، وهذا الخير الذي يتحقق لك شخصياً هو في النهاية خير للأمة كلها فالأمة مجموعة أفراد ، والعاقل إذا وجد الحلال لم يلجأ إلى الحرام، والأمة مجموعة نجاحات أنت أحد تجلياتها ومظاهرها.
الكثيرون والكثيرات من الناس يسألون عن دورهم في الأزمات والمواقف وفي الملمات ، مع أنه يجب أن يكون دورنا ليس مجرد رد فعل لما يقع ، وإن كان رد الفعل المتزن المدروس مطلوباً ولا بد منه، ولكن نطمع أن يكون دورنا ديمومة واستمراراً ونضجاً ، وإن كان بطيئاً على حد المثل الغربي الذي يقول : بطيء ولكنه فعَّال .
والحذر .. الحذر من أن يكون أحدنا كثير الجلبة والضجيج كما العربة الفارغة .
ثانياً : هدف عام لخدمة الأمة ، والدفاع عن قضاياها ، ومتابعة أحداثها ، والتألم لألمها والكلمة الطيبة صدقة ، والموقف النبيل، والمساندة والمساعدة، والدعم بالمال، والدعم بالنصيحة والرأي ، مما يجب للمسلم على أخيه المسلم حتى لو كان أخوه مفرطاً أو مقصراً عرفه أو لم يعرفه ، ولا يلزم أن تكون هذه المواقف النبيلة التي نحن مطالبون بأدائها من قضايا أمتنا من العراق أو فلسطين أو أي مكان من الأرض ، لا يلزم أن تكون هذه المواقف رفعاً نهائياً لمعاناة الأمة ، فهذا ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، لكن يجب أن نقنع أنفسنا بأننا نستطيع أن نصنع شيئاً ، ودعنا نورث لأولادنا وأحفادنا من بعدنا بداية جيدة تمكنهم من مواصلة البناء عليها.
ثالثاً .. العمل :
وقد جمع الله تبارك وتعالى أصول العمل ونهاية الكمال العلمي والعملي اللازم للشخص والمتعدي للآخرين في أربع خصال :
- الإيمان .
- والعمل الصالح .
- والتواصي بالحق .
- والتواصي بالصبر.(42/466)
أولاً : الإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، يقول الله جل وعلا:"ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"[البقرة:285] .
فإن هذا الإيمان الذي يعتمل في قلب الإنسان هو شرط النجاة ، فإن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة ، والإيمان يأتي في القرآن غالباً بصيغة الجمع يقول تعالى :"الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ"[يونس:63] "، إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا"[الشعراء:227]، " إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا"[سبأ:37] إشارة إلى روح الجماعة والفريق والتخلص من الأنانيات ، ومن الدوران حول الذات والمصالح الشخصية ، فإن كثيراً من الأمم ومن أهل الكفر الذين لا يؤمنون بالله ، عندهم قدر كبير من الإحساس بأهمية الاجتماع فنجد دولة كالصين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة هي دولة واحدة فحسب ، بينما تجد عند المسلمين ولعاً ورغبة بالاختلاف والتفرق والتشرذم حتى إنك تتخيل أن التمزق جزء من طبيعتنا ، لو لم نجده لاخترعناه ، وهذا ولّد ضعف الإيمان وضياع الجهود ، وصنع الشقاء في حياتنا ، والقسوة في قلوبنا والعنف في لغتنا ، بينما الدين جاء رحمة حتى للبهائم والطيور والجمادات ، ورحمة للعالمين فضلاً عن المسلمين.
ثانياً : العمل الصالح ، فهو قرين الإيمان في كتاب الله عز وجل ، بل هو منه فالإيمان قول وعمل كما هو مذهب السلف والأئمة ، قال الحسن رحمه الله : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. انظر مصنف ابن أبي شيبة (35211) وشعب الإيمان للبيهقي (65).
فالعمل يكون بالقلب واللسان والجوارح ، العمل يكون عبادة ويكون خلقاً ، ويكون إعانة للناس في مصالحهم الدنيوية، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم ( في بضع أحدكم صدقة ) أخرجه مسلم (1006) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه-، وقال عليه الصلاة والسلام:(حتى اللقمة تجعلها في فيِّ امرأتك ).أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه-
ثالثاً : التواصي بالحق : والتواصي يدل على الرحمة ويدل على الشفقة ، فأنت أمام شخص يحبك ويرحمك ويوصيك ، وأيضاً أنت تحبه وترحمه فتوصيه ، فالحاكم والمحكوم، والعالم والمتعلم ، والوالد والولد ، والشاب والشيخ ، والرجل والمرأة ، هذا معنى قوله تعالى : "َتَوَاصَوْا "[العصر:3] ليس هناك جهة معينة محددة توصي والباقون يستمعون وينفذون، بل كل أحد من أهل لا إله إلا الله هو موصٍ وموصى، ومعلم ومتعلم ، وآمر ومأمور ، وناصح ومنصوح ، ولهذا لم يقل: "أوصوا" ، بل قال : "َتَوَاصَوْا "[العصر:3] فهي مهمة يشترك فيها الجميع ، ومن هنا نرفض مصطلح "رجال الدين" بالمفهوم الكنسي الذي يفترض أن ثمة فئة من الناس لديها تفويض رباني في فهم الكتاب المقدس وفي الأمر به .. كلا .. ولكن لدينا متخصصون لهم اعتبار ، فهم يعرفون النصوص ، ويمحصون صحيحها من ضعيفها ويعرفون ناسخها من منسوخها ، ويجمعون بين ما هو ظاهر التعارض فيها ، ولكن لا عصمة لآحادهم .. إنما العصمة لما أجمعوا عليه وأما ما اختلفوا فيه فاختلافهم رحمة ، واتفاقهم حجة.
ولكل علم متخصصون ، فالطب له متخصصون يرجع إليهم والإدارة والاقتصاد كذلك ، ولهذا نقول في المسائل الدينية الشرعية والفقهية هناك مختصون ينبغي أن يكون لقولهم وزن واعتبار ، ولكن ليس لدينا رجال دين يحتكرون فهم الكتاب المقدس ، فهم جميعاً يتواصون بالحق وبالدعوة إلى الله وبالرحمة ، ويتواصون بالتواصي على ذلك، ولهذا جاءت وصايا القرآن الكريم الكثيرة "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"[الإسراء:23] "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا"[النساء:36] ، وكتب فيها كثير من العلماء من المتقدمين والمتأخرين كتباً معروفة.
وجاءت وصايا صلى الله عليه وسلم كالوصية بالنساء، والوصية بالصلاة، والوصية بالحزم .. إلى غير ذلك.
إن المسؤولية لا تخص أباً ولا حاكماً ولا عالماً ، بل الآية الكريمة تؤسس لقيام المسلم أو المسلمة بالدور المنشود في الإصلاح، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وأن نقول جميعاً للمحسن : أحسنت ، وأن نقول جميعاً للمسيء : أسأت ، كما قال عمر رضي الله عنه : لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها .(42/467)
ولم يصل المسلمون إلى الهوة التي يعيشونها اليوم من انحدار وتراكم الأخطاء والسلبيات وعدم وجود العمل الجاد الصادق للتصحيح إلا لما قال قائلهم : لا يقول لي أحد منكم اتق الله إلا علوت رأسه بالسيف. "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"[البقرة:206] .
لكنها الكلمة المنبعثة من الرحمة والصدق والإشفاق .. ليست تشهيراً ولا تشفياً ولا معارضة لذات المعارضة ولا لاعتبارات شخصية ، بل سهراً على مصالح الأمة وحفاظاً على ثغورها ، ورعاية لحاضرها ، وتخطيطاً لمستقبلها وتعاوناً على البر والتقوى .
"وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر:3]، وهنا تبرز أهمية الحوار داخل المجتمع الإسلامي لإنضاج الرأي وتجنب الانشقاق .
والتواصي إنما يكون بالحق ، فالذي تراه أنت ليس بالضرورة أن يكون هو الحق ، وإنما الحق الذي نطق به القرآن الكريم أو صرح به النبي العظيم عليه الصلاة والسلام أو أجمعت عليه الأمة أما الرأي الذي تراه فقصاره أن يكون صواباً يحتمل الخطأ ، ويمكن أن يكون خطأ يحتمل الصواب ، فليس أحد يملك الحق ، أو يجزم به أو يخوّل أن يكون لديه الكلمة الأخيرة أو المقالة المطلقة.
رابعاً : التواصي بالصبر : وهو مطية لا تكبوا .. كما قال علي رضي الله عنه ، وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فمن لا صبر له فلا إيمان له ، الإيمان يحتاج إلى صبر ، والعمل الصالح يحتاجه ، والحق والدعوة تحتاجه ، والصبر أيضاً يحتاج إلى صبر.
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري … …
سأصبر حتى يحكم الله في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني … …
صبرت على شيء أمر من الصبر
والدين يحتاجه والدنيا تحتاجه ، الصبر هو أساس الفضائل ورأس الأخلاق ، به تصفو الحياة ويطيب العيش ، قال عمر رضي الله عنه : وجدنا خير عيشنا بالصبر.
وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء تلفت يميناً وشمالاً ثم قال : سحابة صيف عن قليل تقشعُّ.
وقال سفيان في تفسير قوله تعالى :"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"[السجدة:24] قال : لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوساً.
فالصبر يحافظ على ا لاعتدال في شخصية الإنسان وفي رأيه وفي علمه وعمله وفي دعوته وفي دنياه وفي آخره.
أيتها المرأة الشاكية من صلف زوجها وسوء حالها وشراسة خلقه وقلة اهتمامه...
أيها المريض الذي تحير فيه الأطباء...
أيها المدين الذي أثقلت كاهله المطالب...
أيها المهموم الذي باكره الهم وغابت البسمة عن شفتيه، وعاجله الحزن قبل الأوان...
علاجكم الناجع هو الصبر ، فهو علاج الحالات المستعصية الذي ينتظر فيها فرج الله تبارك وتعالى .
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الصباح ؟
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتجزع إن لم يجدها الغمام؟
كتب إلي أحد الإخوة قصته مع الفقر والدَّين والجوع ، وقال في آخر المطاف : هممت أن أكتب قصيدة التمس فيها المعونة من تاجر أو أمير أو وزير ، فإذا بهاتف في أعماقي يقول : هؤلاء هم الآخرون مخلوقون مثلنا وفقراء إلى الله تعالى ، فقدرت أن أنظم قصيدة فيمن خلقني وخلقهم ، وكتبت القصيدة.
وكانت هذه نهاية المعانات مع الفراغ والبطالة والدَّين خلال شهور .
إن الصبر ذو وجهين ، ضبط الإقدام ، فلا يقدم الإنسان إلا بما يعلم أنه ينفعه في دينه أو دنياه ، ولا يتورط فيما لا يعلم عواقبه ومآلاته .
وضبط الإحجام : فلا يحجم الإنسان إلا عما يضره .
ليس الصبر أمام الأزمات فقط ، بل الصبر سلوك ومنهج يحكم حياة الإنسان في كل شيء ، الصبر لا بد منه في كل شيء ، في الصحبة، في الشركة.
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"[الكهف:28] في العلاقة بين اثنين ، زوجين ، أو صديقين " إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا"[الكهف:67-69].
الصبر لطالب العلم كما في قصة موسى والخضر ، والصبر ضروري للعبادة : "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"[طه:132] .
الصبر للدعوة .. "يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"[لقمان:17].
الصبر للجهاد .." يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[الأنفال:45].
الصبر ضروري عند المصائب.. "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ"[البقرة:45].(42/468)
فيا من فقدت حبيبها .. أو رزئت بأملها .. أو صدمت بما لا تنتظر .. الصبر .. الصبر.
ويا كل أب مفجوع بفلذة كبده، وشعبة روحه الصبر الصبر.
وداعاً حبيبي لا لقاء إلى الحشر ……
وإن كان في قلبي عليك لظى الجمرِ
صبرت لأني لم أجد لي مخلصاً ……
إليك وما من حيلة لي سوى الصبر
تراءاك عيني في السرير موسداً ……
على وجهك المكدود أوسمة الطهر
براءة عينيك استثارت مشاعري ……
وفاضت بأنهار من الدمع في شعري
أرى فمك الحلو المعطر في فمي ……
كما اعتدت هذا الحب من أول البرِ
أراك جميلاً رافلاً في حريرةٍ ……
بمعشبة فيحاء طيبة النشرِ
فكيف يصبر الفتى .. وكيف تصبر الفتاة أمام نوازع الشهوات وتنوع الفتن والمغريات وسهولة الوصول إليها؟ إن أعظم عون على الصبر على ذلك مراعاة:
أولاً : مشهد إجلال الله تبارك وتعالى أن تعصيه وهو يراك ، وأنت منه بمرأى ومسمع، لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية .. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ).أخرجه البخاري (2475)، ومسلم(57) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-.
إن الذي يستحضر عظمة الله تبارك وتعالى وإطلاعه عليه يستحي من الله تعالى أن يجده حيث نهاه ، أو يفقده حيث أمره.
لو كان المرء عارياً أو متلبساً بشهوة فوجد شخصاً يراه من خلل الباب فإنه حينئذ يرعب ويرتبك ويصعب عليه أن يضع عينيه في عينيه مرة أخرى .
إذا ما خلوت الدهر يوماً … …
فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ثانياً : مشهد محبته سبحانه وتعالى " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"[آل عمران:31].
تعصي الإله وأنت تزعم حبه … …
هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته … …
إن المحب لمن يحب مطيع
ثالثاً : مشهد النعمة والإحسان ، فأنت تتقلب في نعمه ، وتعصيه بجوارح هو خلقها ، وأمتن بها عليك وائتمنك عليها ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
رابعاً : مشهد الغضب والانتقام : أن يغضب الله تبارك وتعالى عليك .
"أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُون * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ"[النحل:45-47] وهذا قد يتأخر ليوم الحساب حين يغضب ربنا تبارك وتعالى الغضب المعروف في الحديث. انظر صحيح البخاري (4712)، وصحيح مسلم (194).
خامساً : مشهد المعاجلة والمباغتة والمعاقبة على حال لا تسر : ربما أخذ أحدهم وهو سكران ، أو انقلبت السيارة على من فيها ، وفيها شاب وفتاة في غفلة من أعين الرقباء.
سادساً : سادساً : مشهد العوض والخلف من الله عز وجل، ومن ترك شيئاً لله تعالى عوضه الله خيراً منه ، يقول سفيان: من غض بصره أورثه الله تعالى إيماناً يجد لذته في قلبه، وما عند الله خير وأبقى.
سابعاً : مشهد التفكر في الدنيا وزوالها ، وسرعة أفولها، وتقدم الإنسان، وكيف تعمل الأيام والليالي بهذه الوجوه الجميلة، والأشكال النضرة والخدود الغضة ، وكيف تتحول إلى تجعد واعوجاج وإلى شيخوخة وهرم وضعف.
جبلت على كدر وأنت تريدها … …
صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها … …
متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما … …
تبني الرجاء على شفير هار
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما … …
أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا … …
أن تسترد فإنهن عوار
الثامن : مشهد التعرض لرحمة الله تعالى ونفحاته ، فإنه يخشى أن تحجب عمن أصرّ على الحرام ولم ينكسر لعظمة الواحد الديان.
تاسعاً : مشهد مخالفة العادة ، فإن كثيراً من الناس إنما ابتلوا بالإدمان ، الإدمان على الخمر أو المخدرات، أو المشاهدات المحرمة، وربما لا يكون للواحد منهم في ذلك غرض ولا رغبة إلا إنه ينساق إليها بحكم العادة، فحينئذ التحرر من العبودية عز ، العبودية لله تبارك وتعالى .
أطعت مطامعي فاستعبدتني … …
ولو أني قنعت لكنت حراًّ
عاشراً : مشهد المصلحة العاجلة والآجلة : فإن ما حرم الله تبارك وتعالى شيئاً إلا ومفسدته خالصة أو راجحة ، وما أمر الله تعالى بشيء إلا ومصلحته خالصة أو راجحة ، وطاعة الله ورسوله خير وأبقى وأحمد عاقبة .
بسم الله الرحمن الرحيم " وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر:1-3] .
قال الإمام الشافعي رحمه الله: لو تأمل الناس هذه السورة لوسعتهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============…(42/469)
(42/470)
مسلمو روسيا:نهار طال انتظاره
الإسلام اليوم/عبد الحي شاهين 1/6/1424
30/07/2003
قدرت تقارير موثوقة صادرة عن المنظمات المسؤولة عن العمل الإسلامي في روسيا عدد المسلمين في جمهورية روسيا الاتحادية بما يزيد عن ثلاثين مليون نسمة، من تعداد سكان روسيا البالغ عددهم حوالي (145) مليون، أي ما يعادل حوالي 15% من السكان.
وذكرت التقارير أن غالبية المسلمين في روسيا يتمركزون في مناطق الجمهوريات الإسلامية الخاضعة لروسيا، والتي تمثل لروسيا أهمية بالغة نظراً لمواقعها الاستراتيجية، ولما حباها الله به من ثروات اقتصادية، كما أنه يوجد في العاصمة الروسية (موسكو) حوالي مليون مسلم.
ومن أهم الجمهوريات الإسلامية في روسيا جمهورية (باشكيريا)، وهي جمهورية روسية تتمتع بالحكم الذاتي وتقع في جنوب جبال الأورال، وتنتسب إلى شعب الباشكير أحد الشعوب التركية، وصلها الإسلام مبكراً في العصر العباسي الأول. وقد قام الباشكير بدور مهم في نشر الإسلام بين الشعوب المجاورة بسبب موقعهم المتوسط بين قارتي آسيا وأوروبا.
وتقدر مساحة جمهورية (باشكيريا) بحوالي 143000 كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، منهم أكثر من 60% من المسلمين، رغم هجرة الكثير من الروس إليها بسبب غناها وتهجير الباشكير إلى خارج ديارهم، وقد عمل الروس على زعزعة عقيدة المسلمين في (باشكيريا) خاصة خلال العهد الشيوعي، لكنهم صمدوا وحافظوا على عقيدتهم، وقاموا بعدد من الثورات ضد الحكم الروسي المستبد.
وقد تأسست جمهورية (بشكيريا) سنة 1338هـ/1919م في ظل الحكومة الشيوعية، حيث عانى المسلمون من الاضطهاد والتعذيب في العهد الشيوعي، وهدمت مساجدهم وألغيت مدارسهم الإسلامية، لكنهم قاوموا وصمدوا على عقيدتهم وأصبحت عاصمتهم( أوفا) مركزاً يتلقى فيه المسلمون الدروس، ومقراً للإدارة الدينية لمسلمي القسم الأوروبي من الاتحاد السوفيتي ومسلمي سيبيريا منذ سنة 1363هـ/1943م.
ومن الجمهوريات الإسلامية الهامة في روسيا جمهورية (تتاريا)، وتقع على نهر الفولجا شرقي روسيا الأوروبية على حدود (باشكيريا) وتبلغ مساحتها حوالي 68000 كيلو متراً مربعاً، وسكانها حوالي أربعة ملايين نسمة، وتزيد نسبة المسلمين فيها عن 65% على الرغم من كثرة الروس المستوطنين بها.
وتنسب جمهورية (تتاريا) لشعب (التتار) المسلم، الذين نقلوا الإسلام إلى شمال أوروبا فوصلت الدعوة الإسلامية بفضلهم إلى فنلندا وبولندا والدول الاسكندنافيه بشكل عام.
وقد احتلها القيصر الروسي ( إيفان الرهيب) عام 1960هـ/1552م، وأجلى أهلها عن العاصمة (قازان) ليحل محلهم الروس.
وقد اشتهرت مدينة (قازان) بجامعتها الإسلامية التي كانت تضم في بداية القرن العشرين حوالي سبعة آلاف طالب، وكانت بها مطابع تخصصت في طباعة المصاحف والكتب الإسلامية، وكان بها العديد من المدارس والمكتبات، وكانت تحوز على مكانة عالية بين المدن الإسلامية توازي دمشق والقاهرة واستانبول.
وقد حافظت (قازان) على طابعها الإسلامي حتى بعد الاحتلال الروسي، وكانت ترسل الدعاة إلى مختلف البلاد الخاضعة للحكم الروسي خاصة في (سيبيريا) لنشر الإسلام في تلك البقاع.
وبعد قيام الثورة الشيوعية عانى المسلمون (التتار) من حرب قاسية على معتقداتهم؛ فأغلقت المدارس الإسلامية، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في (قازان).
ويعتبر النفط من أهم موارد جمهورية (تتاريا)، وتسعى اليوم الإدارة الدينية في (تتارستان) بالتعاون مع الجمعيات الخيرية الإسلامية إلى إعادة تأهيل المدارس الإسلامية القديمة.
ومن الجمهوريات الإسلامية في روسيا جمهورية الجوفاش ( تشوفانيا) وتقع على حوض نهر الفولجا غرب (تتاريا)، ومساحتها حوالي 18300 كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانها حوالي مليون ونصف المليون، وقد وصل إليها الإسلام عن طريق الدعاة التتار والتجار المسلمين، وقد وقعت تحت الاحتلال الروسي على يد القيصر الروسي ( أيفان الرهيب)عام 960هـ/1556م، واتجهت إليها الإرساليات التنصيرية تدعمها السلطة الروسية، وعومل جميع المسلمين فيها بالعنف والإكراه، وخاصة في أيام الإمبراطورة( حنة).
وعندما أعلنت حرية الأديان في روسيا سنة 1323هـ عادوا جميعهم فأشهروا إسلامهم.
وقد قامت جمهورية (الجوفاش) سنة 1344/1924م، ومر المسلمون فيها بفترات من الاضطهاد والتشتت، وتبلغ نسبتهم حالياً نحو 58% من السكان.
ومن جمهوريات المسلمين في روسيا كذلك جمهورية (آدمورث)، وتشغل السفوح الغربية من جبال الأورال، ومساحتها حوالي 42100 كيلو متراً مربعاً، و60% من سكانها من المسلمين، وقد احتلها الروس عام 968هـ/1560م وحاولوا فصلها عن جيرانها المسلمين حتى لا يتأثروا بهم، وحظر عليهم بناء المساجد في قراهم، وأطلق عليهم الروس اسم "الكلاب المختونين".
ولما أعلنت حرية الأديان في روسيا ظهرت المساجد في قراهم من جديد، إلا أنه عند ظهور الشيوعيون عادوا فدمروا المساجد وأعلنوها جمهورية عام 1353هـ/1934م.(42/471)
أما جمهورية (مودوف)، فتقع جنوب غرب (الجوفاش) ومساحتها 26200 كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانها حوالي مليون نسمة، 55% منهم مسلمون وقد وصلها الإسلام عن طريق الدعاة التتار، وخضعوا لروسيا سنة 960هـ/1553م، وتحت ضغط الروس تظاهروا بالتحول إلى النصرانية، ثم أعلنوا عودتهم إلى الإسلام عندما أعلنت حرية الأديان سنة 1323هـ .
وتأسست جمهوريتهم سنة 1934م، ويتبعون الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الأوروبية.
ومن الجمهوريات الإسلامية جمهورية (ماري)، وتقع شمالي (تتاريا والجوفاش)، وتقدر مساحتها بحوالي (238) ألف كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانها حوالي مليون نسمة، منهم أكثر من 60% من المسلمين، وقد وصلها الإسلام عن طريق الباشكير والتتار واحتلها الروس عام 960م الموافق 1553م، وأهملوها وساموا سكانها الاضطهاد والعذاب، وأعلنت جمهورية في ظل الحكم الشيوعي سنة 1355هـ/1935م.
وهناك أيضا جمهورية (شكالوف) أو ( أورنبرج)، وتقع في حوض نهر أرال وتبلغ مساحتها 8500كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانها حوالي مليوني نسمة، منهم أكثر من53% من المسلمين، وصلها الإسلام عن طريق الدعاة والتجار من التتار والقوقاز وتعد العاصمة ( أورنبرج) ذات ماض إسلامي عريق، واشتهرت بالصناعة وبالكتب الدينية والتاريخية التي تبحث في تاريخ التتار.
وتعتبر جمهورية (القرم) من الجمهوريات السوفيتية قبل الحرب العالمية الثانية، وهي تقع في شبه جزيرة القرم التي تمتد من البر الأوروبي في البحر الأسود من الجنوب والغرب وتبلغ مساحتها نحو 27150 كيلو متراً مربعاً، وقد وصلها الإسلام عن طريق التتار في عهد ( القبيلة الذهبية) التي استقرت في المنطقة سنة 740م، وكانوا قسماً من دولة المغول، وبعد زوال دولة المغول كونوا دولة تحت حكم أسرة (كيراي) منذ سنة 1427م ومدت نفوذها باسم الدولة العثمانية، وبلغت قوتها أمداً بعيداً حتى أن إمارة موسكو دفعت لها الجزية السنوية في عهد السلطان (محمد كيراي) في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، بل إنها هاجمت موسكو وانتقمت منها بسبب ما فعلته بالمسلمين التتار في البلاد الشرقية سنة 979هـ، وحكموا مقاطعة الدونتر من روسيا الجنوبية، ولما أصاب العثمانيون الضعف قام الروس بغزو شبه جزيرة القرم واستولوا عليها نهائياً سنة 1146هـ/1783م.
ونشط تتار القرم في استعادة كيانهم منذ صدور قانون حرية العقيدة في روسيا وحتى استيلاء الشيوعيون على الحكم سنة 1336هـ/1917م، واستقلوا أثناء الثورة وأجريت الانتخابات ووضع دستور للبلاد، لكن الشيوعيين نجحوا في العودة بعد مقاومة عنيفة، حيث لجأ الشيوعيون إلى حرب التجويع والحصار القاسي؛ فأهلكوا ما يقارب ستين ألفاً بالجوع، وعملوا على تهجير أكثر من خمسين ألف مسلم من ديارهم، ولما دخلوا القرم نصبوا (بالأكوان) المجري اليهودي رئيساً للبلاد، وهدموا المساجد والمدارس الإسلامية، وبعد الحرب العالمية الثانية اتهم الشيوعيون تتار القرم بالتعاون مع النازية، وشردوهم في مختلف أنحاء روسيا وخاصة في سيبيريا، وألغوا جمهوريتهم، وألحقوها بجمهورية (أوكرانيا)، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق عاد بعض منهم إلى ديارهم تحت حكم (أوكرانيا) التي أهملتهم، فأصبحوا يعانون في ديارهم من سوء الحالة الاقتصادية والإهمال وعدم تمكينهم من بناء مساكن لهم بحجة عدم وجود إثباتات لديهم في الأراضي التي بحوزتهم.
وفي سيبيريا يوجد عدد من المسلمين، وقد انتشر الإسلام في سيبيريا منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وأصبح تتار سيبيريا منذ ذلك الحين دعاة نشطاء لدينهم.
وتعرض المسلمون في سيبريا للقمع والقتل والتشريد وبعد الثورة البلشفية التي حملت الشيوعيين إلى الحكم عام 1917م أغلقت المساجد والمدارس الإسلامية، وحين هجّر الروس تتار قازان وتتار القرم إلى سيبيريا اتحد المسلمون في سيبيريا جميعاً وشكلوا كتلة إسلامية واحدة.
وتعتبر بلاد القفقاز وتدعى أحياناً القوقاز أو القفقاس من الديار التي انتشر بها الإسلام في العصور الإسلامية الأولى، ويذهب بعض المؤرخين إلى التأكيد أن الإسلام وصل إلى القوقاز في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
والقوقاز بلاد واسعة تمتد بين البحر الأسود وبحر قزوين الذي كان يعرف باسم "بحر الخزر"، وتضم هذه المنطقة مزيجاً من الشعوب انصهرت فيها بينها، والغالبية العظمى في بلاد القوقاز من المسلمين.
وقد استولت روسيا على منطقة القوقاز بعد ضعف الدولة العثمانية رغم المقاومة الشديدة التي قام بها سكان المنطقة ضد الروس المعتدين.
وبعد قيام الثورة الشيوعية قام الشيوعيون بتقسيم بلاد القوقاز إلى أربع عشرة منطقة إدارية متداخلة فيما بينها بهدف بث الخلافات بينهم وعندما انهار الاتحاد السوفيتي استقلت بعض مناطق القوقاز مثل: أذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا؛ إلا أن بعض المناطق في القوقاز والتي يشكل المسلمون نسبة عالية من سكانها لا زالت تخضع للاحتلال الروسي، مثل: داغستان، والشيشان، وأنجوشيا، واستينيا الشمالية والجنوبية.(42/472)
وقد عانى سكان القوقاز المسلمون من الاضطهاد والظلم الروسي والتشريد والنفي من ديارهم، سواء أيام القياصرة أو زمن الشيوعيين أو على أيدي روسيا الاتحادية حالياً. وقد قاوم القوقازيون التعنت والظلم الروسي كثيراً، وقاموا بثورات متعددة بغية الحصول على حريتهم والتخلص من الاحتلال الروسي لديارهم، وذلك منذ أيام القياصرة الذين ثار ضدهم الإمام (شامل) وحاربهم خمسة وعشرين عاماً؛ إلا أن الإمكانات والقدرات العسكرية الكبيرة التي تملكها روسيا كانت دائماً تفشل جهودهم في محاولات الاستقلال.
ويعتبر الشعب الشيشاني أكثر شعوب القوقاز ثورات ومحاربة للروس منذ زمن الإمام (شامل) وحتى عصرنا الحاضر، الذي خاض خلاله الشيشانيون حربين كبيرتين ضد الروس؛ الأولى سنة 1994م واستطاعوا خلالها أن يكبدوا الروس خسائر كبيرة في المعدات والأرواح؛ بل إنهم استطاعوا أن يجبروا الروس على توقيع معاهدة يُمنح الشيشان بموجبها حق تقرير المصير بعد مرور فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تتمتع جمهورية الشيشان خلالها بالحكم الذاتي، لكن الروس سرعان ما نقضوا هذه المعاهدة بعد مرور ثلاث سنوات، وقاموا بحملة واسعة على الشيشان مازالت مستمرة حتى الآن. وقد أبلى المجاهدون الشيشانيون خلال هذه المواجهة بلاءً حسناً، واستطاعوا أن يقاوموا الغزاة الروس رغم الفارق الكبير بين الطرفين في العدد والمعدات العسكرية.
ويعاني المسلمون في روسيا بشكل عام من ضعف الرابطة الدينية بينهم وتفرقهم؛ وذلك بسبب العزلة الطويلة التي فرضت عليهم إبان الحكم الشيوعي، كما أنهم يعانون جميعاً من الفقر والعوز وسوء الحالة الاقتصادية بالرغم من أن ديارهم ذات خصوبة زراعية عالية، وتجري في معظمها الأنهار، وتختزن أراضيها ثروات معدنية كثيرة، منها البترول الذي يستخرج من منطقة القوقاز وباشكيريا بكميات تجارية، لكن سوء الإدارة والإهمال الحكومي حالياً، والنظام الشمولي أيام الشيوعيين؛ كلها عوامل أدت إلى زيادة الفقر وانتشار الاتكالية وقلة الإنتاج. كما يعاني المسلمون في روسيا من الجهل الكبير بأحكام الشريعة الإسلامية إلا الشهادتين، وبعضهم لا يجيد نطقها بشكل صحيح، وربما لا يدرك معناها، وهذا كله نتيجة التعتيم الكبير الذي فرضه عليهم الشيوعيون، ونتيجة لمنعهم من تأدية شعائرهم الدينية ونتيجة لهدم مساجدهم ومدارسهم؛ بل إنهم أجبروا على أيدي الشيوعيين على تغيير أسمائهم الإسلامية بأسماء روسية. ولا شك أن المسلمين في روسيا بحاجة ماسة لأن يمد إخوانهم المسلمون كل مكان لهم يد العون والمساعدة؛ فالبرغم من الجهود التي تقوم بها حالياً بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية؛ إلا أن الحاجة مازالت ماسة لبناء وتشغيل المدارس الإسلامية، وإرسال الأئمة والدعاة والمدرسين الأكفاء الذين يقومون بتدريس أبناء المسلمين الدروس الشرعية الإسلامية واللغة العربية وتحفيظهم القرآن الكريم. كما يجب إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من أبنائهم للدراسة في المدارس والجامعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، والتخصص في علوم الشريعة واللغة العربية، حتى يعودوا إلى ديارهم ويكونوا دعاة لنشر الإسلام واللغة العربية يبن أهليهم ومواطنيهم.
===========(42/473)
(42/474)
رحلة في أعماق طاجيكستان
مصطفى الطحان 28/10/1424
22/12/2003
(1)
مع صحبة غالية قررنا زيارة إحدى بلاد وسط آسيا.. فوقع الاختيار على طاجيكستان.. البلد الجميل.. بأشجاره الباسقة التي ترحب بك في كل شارع من شوارع العاصمة الأنيقة النظيفة دوشنبه.. وتتنوع هذه الأشجار بأزهارها وأثمارها كلما أوغلت شمالاً أو جنوباً في البلاد.. أو كلما حللت ضيفاً على إحدى غاباتها تمتع ناظريك بمنظرها.. أو شنفت أسماعك أصوات الطيور بزقزقاتها العذبة الجميلة.. وإذا قال لك مرافقك الذي يقود السيارة بعنف لا يناسب الطريق الضيق شديد الانحدار أو شديد الصعود: إن هذا فرع من نهر جيحون.. نقلتك العبارة إلى جيوش الفتح التي حملت راية التوحيد ومعه العدالة والحرية والحق وهي تجتاز النهر لتصل إلى بلاد ما وراء النهر.. ومن دون أن تُكره أحداً أقبل الناس على الدين الجديد.. واليوم وبعد مرور قرابة خمسة عشر قرناً.. لا يتذكر الشعب رغم ما أصابه من مكروه الشيوعية والاحتلال الأحمر والإرهاق.. سوى إسلامه الذي ألقى نفسه في أرجائه سعيداً راضياً يرجو رحمة ربه وينشد ثوابه.
من شرفة الفندق الأنيق النظيف يمكنك أن تشاهد كل ما تتمتع به طاجيكستان من جمال المنظر وحلاوة المعشر وكرم الضيافة.. فإذا تجولت في حديقة الفندق واجهتك أشجار (الكاكا) والكرز والعنب والنعم الكثيرة التي هي في متناول الزائر لا مقطوعة ولا ممنوعة..
وإذا تدخل فساد النظام.. أو سوء التدبير وجدت بعض المنشآت قد توقفت عن العمل.. فلم تجد من يبدلها أو يصلحها.. وكذلك هي الحضارة الشيوعية.. حضارة مادية بلا صيانة.. لا تهمها حرية الإنسان ولا فكره ولا أشواقه.. ولا تهمها صيانة أدواته.. فتتحول المنجزات مع الزمن إلى حديد خردة.
هذه الحضارة لا تنسى أن تزرع لك عيوناً في جهاتك الأربع.. تضحك معك وتفتعل الحكاية.. لعلها تستنبط كلمة أو تلاحظ موقفاً تحمّله ما لا يحتمل.. ما أشقى الإنسان الذي يراقب الآخرين مقابل دريهمات.. وما أشقى الإنسان الذي يشعر بأنه ملاحق.. أو أنه متهم بدون تهمة!
ماذا يضر النظام إذا كان اسمك حسن أو أحمد..؟ بل ما يضره إذا كان فكرك في هذا الاتجاه أو الاتجاه الآخر؟ أسلوب يقضي على سلام الفرد وعلى أمن المجتمع، ومن هنا اعتبره الإسلام من الجرائم التي تستحق العقاب.
الإنسان الطاجيكي إنسان مضياف، لا تكاد تستقر في بيته حتى تمتد أمامك وليمة عامرة.. تبدأ بالمقبلات الكثيرة.. ثم الطعام المتنوع الأسماء والأشكال وأخيراً بسلطان الطعام الذي هو الأرز الفاخر اللذيذ المصنوع بأيدي الطاجيكيات الماهرات.
(2)
الموقع والسكان
طاجيكستان هي إحدى الجمهوريات الإسلامية المستقلة التي تشكل حالياً مع مجموعة جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق منظمة دول الكومونولث. وهي تشغل الزاوية الجنوبية الشرقية بالنسبة لهذه الجمهوريات. تحدها أفغانستان من الجنوب، وقرقيزيا وأوزبكستان من الشمال، والصين من الشرق وأوزبكستان من الغرب، ولها حدود ضيقة مع باكستان من جهتها الجنوبية الشرقية.
تشغل هضبة البامير - وهي أعلى هضبة في العالم - أكثر من نصف مساحة طاجيكستان في أجزائها الجنوبية والجنوبية الشرقية. أما الأجزاء الشمالية فتوجد فيها جبال آلاي.
سهول البلاد الخصبة تقع في جزئها الغربي والجنوبي الغربي. تعرف البلاد بغزارة أمطارها ووفرة مياهها. يمر نهر جيحون الكبير من أطرافها الجنوبية الغربية مكوّناً على ضفتيه مناطق زراعية خصبة. تبلغ مساحتها 143 ألف كم2.
أما السكان: فيصل عددهم إلى ستة ملايين نسمة. وهم خلافاً لمعظم الجمهوريات الإسلامية المجاورة يتكلمون اللغة الفارسية. وهم في غالبيتهم من السنة الأحناف، باستثناء أعداد قليلة ينتمون للطائفة الإسماعيلية الآغا خانية يسكنون هضاب البامير في إقليم (غورنوبدخشان).
أما من الناحية العرقية فيمثل الطاجيك 62% من مجمل السكان، والأوزبك 23% والروس 7،6% (نصفهم في دوشنبه)(1) وهناك أقلية ألمانية في حدود 1% وبقية الـ6% تتوزعها أقليات إسلامية (التتار، والقرقيز، والتركمان...).
أهم المدن
دوشنبه: العاصمة وقد عادت لاسمها القديم بعد أن أطلق عليها الشيوعيون اسم ستالين آباد. تقع غرب البلاد في المناطق السهلية، سكانها أكثر من مليون نسمة.
ترمذ: تقع غرب البلاد وهي ذات طابع تاريخي إسلامي، وإليها ينتسب الإمام الترمذي.
خوجند: وكانت تسمى لينين آباد أيام الاحتلال فيها نسبة عالية من الأوزبك. تقع المدينة شمالي البلاد في عمق الأراضي الأوزبكية. وهي من أكثر المناطق نمواً في طاجيكستان ومن أغناها باليورانيوم.. وتضم مصانع ضخمة لإنتاجه وتنقيته.
كورغان تبه: وهي مركز إداري يكثر فيها أتباع حزب النهضة الإسلامي.
وكولاب في الجنوب.
الموارد الطبيعية والحياة الاقتصادية(42/475)
تشتهر طاجيكستان بتربية الماشية وصناعة الجلود وصناعات النسيج القطني والأصواف والحرير، والصناعات الهندسية وصناعات التعدين ومولدات الكهرباء، وتوجد في البلاد كميات تجارية من اليورانيوم والفحم والحديد والذهب والزنك والتنغستن، أما في المجال الزراعي فمن منتوجاتها القطن (مليون طن سنويا) والقمح والذرة.
أما وضع البلد الاقتصادي؛ فإن أكثر من 70% من سكانه يعيشون دون مستوى الفقر.
(3)
الإسلام في طاجيكستان
دخل الإسلام المنطقة على يد الفاتحين المسلمين في عهد الأمويين عام 706م. وفي القرنين التاسع والعاشر الميلادي قامت في تلك الديار دولة السامانيين التي ضمت جزءاً كبيراً من أراضي آسيا الوسطى الحالية وأفغانستان. وكانت عاصمتها بخارى، وهي من أكبر الحواضر الثقافية في العالم الإسلامي في ذلك الحين. لكن بخارى سقطت خريف سنة 999م في أيدي القبائل التركية الرحل.
ويفخر الطاجيك بعباقرتهم المسلمين أمثال الإمام البخاري، والترمذي، والخوارزمي، وابن سينا، والشاعر الفردوسي، وعمر الخيام صاحب الرباعيات المشهورة، والفلكي أبو محمود الخوجندي.
في سنة 1880م تحركت جيوش القيصر الروسي للاستيلاء على هذه البلاد بعد أن تمزقت إلى دويلات صغيرة، إلا أن المقاومة الإسلامية بقيادة الشيخ المجاهد دوكجي إيشان أعاقت تقدم هذه الجيوش، ولكنها لم تحل دون سيطرة الروس بعد أن قتل إيشان وقضي على المقاومة. ما زالت التحف الأثرية النادرة التي كانت تعرف بكنوز جيحون تعرض في متاحف روسيا ولندن شاهدة على غدر هؤلاء وخيانتهم.
وعلى الرغم من الصراع الدامي بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية فإن بابا الفاتيكان أيد القيصر الروسي في استيلائه على بلاد المسلمين وتمزيق دولتهم.
بعد الحرب العالمية الأولى وقف المسلمون إلى جانب الثورة الاشتراكية التي قامت عام 1917م، والتي وعدت بإعطائهم حريتهم واستقلالهم.. إلا أن البلاشفة ما أن أحكموا سيطرتهم على روسيا حتى بعثوا بجيشهم الأحمر لسحق الشعوب الإسلامية التي وقفت إلى جانبهم!
في سنة 1921م انطلقت شرارة الجهاد تحت اسم (بسماش) أي ثورة المجاهدين يقودها إبراهيم بيك في غربي البلاد ومدوم فضيل في شرقيها ودولت بيك في الجنوب.. إلا أن الفارق الكبير في الإمكانات والمجازر الرهيبة التي ارتكبها الشيوعيون.. أدى إلى انهيار المقاومة.. وعندما التجأ زعماء الجهاد إلى أفغانستان.. سلمهم الملك نادر شاه إلى روسيا التي قضت عليهم جميعاً.
في العهد البلشفي أنشئت جمهورية طاجيكستان الاتحادية عام 1929م بعد أن كانت إقليماً تابعاً لأوزبكستان منذ عام 1924م. وكان الهدف السياسي الذي يرمي إليه الروس هو تفتيت وحدة هذه البلاد وإيجاد نوع من الصراع العرقي والمذهبي بين المسلمين، فقد كانت طاجيكستان جزيرة فارسية في محيط طوراني تركي.
في الأعوام العشرة من 1928 - 1938م شهدت البلاد صراعاً حاداً بين السكان الطاجيك وجموع المستوطنين الروس تمكن خلالها الشيوعيون من تصفية جيل كامل من مثقفي الطاجيك المسلمين وخاصة أيام ستالين (زاد عدد قتلى المسلمين في منطقة آسيا الوسطى عن عشرين مليون مسلم!). ولم يزد الإرهاب الشيوعي الطاجيك إلا تمسكاً بهويتهم ودينهم.. خاصة مع هيمنة الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا ومطالبتها بجعل المذهب الأرثوذكسي دينًا رسمياً للدولة.
توصف شعوب الطاجيك والأوزبيك بأنها الأكثر تمسكاً بالإسلام في منطقة ما وراء النهر.. ولهذا السبب فقد ركزت الدعاية الشيوعية على هذه المنطقة فنشرت فيها الإلحاد مستخدمة كل الوسائل مثل الكتاب والمراكز الثقافية والجامعات وغيرها.
(4)
طاجيكستان بعد الاستقلال
في مرحلة الانفتاح الديمقراطي التي مارسها غورباتشوف، ومحاولاته الإصلاحية التي استهدف منها الحفاظ على كيان الاتحاد السوفياتي الشيوعي من خلال تنفيس الضغوط الهائلة التي تراكمت على شعوب البلدان المحكومة. في أثناء ذلك أقصى غورباتشوف في مارس 1985م رحمن نبييف الأمين الأول للحزب الشيوعي الطاجيكي- أحد بقايا تركة بريجينيف- وعيّن مكانه رئيس البرلمان قدر الدين أصلانوف.
• ثورة فبراير 1990م كانت المحاولة الأولى التي قام بها الشعب الطاجيكي للتعبير عن سخطه ضد الشيوعيين. استخدم الجيش كل أشكال العنف لإيقاف الثورة.. وسقط عشرات القتلى والجرحى.. ولقد عجلت الأحداث بهجرة الروس فزرعت في نفوسهم عدم الثقة بسلامة مستقبلهم.
• في 19 أغسطس 1991م قاد ضباط متشددون في موسكو محاولة انقلابية ضد غورباتشوف بحجة أنه يفكك الاتحاد السوفياتي.. ولقد أثارت محاولة الانقلاب الفاشلة هذه نقمة شعبية عارمة في طاجيكستان ضد الحكومة الشيوعية في دوشنبه التي أظهرت تأييداً كبيراً للانقلابيين.
• على أثر فشل الانقلاب وسقوط غورباتشوف.. وتفكك الاتحاد السوفياتي.. أعلن البرلمان الطاجيكي استقلال البلاد وحلّ الحزب الشيوعي وكان ذلك في 25 أغسطس 1991م.(42/476)
• في 24 نوفمبر 1991م أجريت أول انتخابات رئاسية بعد الاستقلال فاز فيها الشيوعي السابق رحمن نبييف رئيساً لطاجيكستان بأغلبية 54%، بينما حصل حزب النهضة الإسلامي على 33%، وادّعت المعارضة أن الانتخابات زُوّرت. وعلى الرغم من أن نبييف انتخب بشكل حرّ في ظاهر الأمر إلا أنه ضرب عرض الحائط بقانون الانتخابات الذي ينص على تشكيل حكومة وفاق تضم أعضاء من المعارضة يتناسب عددهم مع نسبة الأصوات التي حصلوا عليها.. وشكّل حكومة شيوعية بحتة. وأقر البرلمان (الذي ما زال شيوعياً) منع تأسيس أحزاب على أساس ديني وهو قانون موجه أساساً ضد حزب النهضة.
• في 30 أبريل أعلن نبييف حالة الطوارئ والحكم الرئاسي المباشر لمدة ستة أشهر.. كل ذلك فجّر الغضب الشعبي فاحتشدت المعارضة من أنصار حزب النهضة الإسلامي وهو أقوى الأحزاب وأوسعها انتشاراً، وأنصار الحزب الوطني الديمقراطي الذي شكّله البروفسور شارمان يوسفوف وطرح برنامجاً علمانياً يرضي سائر القوميات، وأنصار اتحاد القوى الديمقراطية (راستوخيز) الذي أسسه (طاهر عبد الجبار) وهو يدعو إلى إحياء التراث القومي الطاجيكي المرتبط بالثقافة الفارسية والذي يعارض إقامة دولة إسلامية. احتشد كل هؤلاء يوم 26 مارس 1992م في ساحة الشهادة.. بينما احتشد الشيوعيون وأنصار الحكم السابق والذين هم في معظمهم من منطقة خوجند في الشمال، ومتطوعون جيء بهم على جناح السرعة من منطقة (كولاب) في الجنوب، احتشدوا في ساحة آزادي.. وهكذا وقف الفريقان وجهاً لوجه أمام البرلمان في وسط المدينة.
• في 7 مايو 1992م استولت المعارضة على الإذاعة والتلفزيون، وانضم إليها الجنرال رحمانوف بهرام رئيس فرقة الحرس الجمهوري، وفي 11 مايو وافق نبييف على مطالب المعارضة وهي: تشكيل حكومة ائتلافية تتسلم فيها المعارضة ثمان وزارات منها: الدفاع والأمن، واستقالة الشيوعيين المتشددين، وتشكيل (مجلس نيابي) مؤقت يمارس صلاحياته حتى إجراء انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب في 6 ديسمبر 1992م. ولقد شارك دولت عثمانوف ممثل حزب النهضة في الوزارة بمنصب نائب رئيس الوزراء بينما تسلم الجنرال (رحمانوف) منصب وزير الدفاع.
الجبهة الشعبية تتصدى للحكومة
شكّل خصوم الحكومة الائتلافية في كولاب ما يسمى الجبهة الشعبية.. وهي أشبه ما تكون بالعصابات المسلحة.. استطاعت في بضعة أشهر أن تقطع الطريق بالقتال من حدود طاجيكستان الجنوبية إلى العاصمة، وأن تستولي على الحكم في دوشنبه.
حاولت حكومة دوشنبه التصدي للمتمردين، وطالبت الرئيس نبييف باتخاذ إجراءات لنزع سلاح الكولابيين، وعندما ماطل في تنفيذ ذلك نحّوه عن مركزه بالقوة وجاؤوا بحكومة جديدة برئاسة (أكبر شاه اسكندروف).
دور موسكو في الأحداث
بالرغم من الإعلان الرسمي عن استقلال طاجيكستان إلا أنها ما زالت مقيدة بروسيا في كل شيء؛ فاقتصادها المنهار، وعدم وجود جيش خاص بها، ووجود المستوطنين الروس القابضين على الأمور الهامة، واحتواء أراضيها على ثلث مخزون اليورانيوم في الاتحاد السوفياتي المنهار.. وتنامي التيار الإسلامي.. كل هذه الأسباب جعلت روسيا تحكم قبضتها على هذه المنطقة. يقول أناتولي أدامشين -نائب وزير الخارجية الروسي-: "إن لدينا مصالح اقتصادية في طاجيكستان، فقد وظّفنا أموالاً طائلة في ذلك البلد وهناك معادن أرضية نادرة واليورانيوم والقطن، وطاقات اقتصادية كبيرة، فلماذا نترك كل ذلك؟".
الحرب الأهلية
في 30 سبتمبر 1992م سيطرت قوات روسية على مطار دوشنبه، وفي 10 ديسمبر دخلت قوات الجبهة الشعبية بعتاد أوزبكي ودعم روسي العاصمة دوشنبه وأسقطت الحكومة الائتلافية.. وعزلت اسكندروف ووضعت مكانه إمام علي رحمانوف الذي أصبح بذلك أول كولابي يصعد إلى قمة هرم السلطة في طاجيكستان.
إن أرقام الخسائر التي سببتها الحرب الأهلية هي من الهول بحيث تبدو وكأنها بعيدة عن الحقيقة، يكفي القول أن أكثر من 80% من المصانع دمّر تدميراً كاملاً في البلاد وخاصة في مدن كورغان تبه وكولاب وخوجند وهي من المعاقل القوية لحزب النهضة الإسلامي؛ فقد استعمل الجيش الدبابات والمدفعية الثقيلة ضد النساء والأطفال، وأحرقت المدارس وروضات الأطفال. وتدل الإحصاءات الرسمية إلى أن ضحايا المذابح بلغ 60 أو 70 ألفاً. أما النازحون فهم في حدود المليون.
ولقد تصدت الطائرات الحربية للشعب الأعزل الذي لجأ إلى أفغانستان وقتلت آلاف الناس وهم يحاولون عبور نهر (أمودريا) في مياهه المجلدة.
ولم يجد قادة حزب النهضة الإسلامي الذي قاد الكفاح الشعبي ضد الشيوعيين غير التوجه إلى إخوانهم وأهلهم في أفغانستان وإعادة تنظيم صفوفهم واعتماد مبدأ الجهاد لتحرير بلدهم.
التسوية السلمية للنزاع(42/477)
لم ترفض المعارضة الإسلامية الدخول في مباحثات سلمية مع الحكومة المتسلطة الشيوعية.. فهي تعلم أن الحروب لا تحلّ مشكلة، وأن استمرارها سيكون على حساب الشعب الطاجيكي. وقد طالبت المعارضة أن تكون المفاوضات برعاية الأمم المتحدة والمجلس الأوروبي والدول الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية وباكستان وإيران وأفغانستان. أما مطالب المعارضة فتتلخص في:
- تشكيل مجلس أعلى للدولة وحكومة مؤقتة محايدة.
- إيقاف الاعتقالات وعودة المشردين وضمان أمنهم.
- إلغاء الحظر الذي فرض على الأحزاب.
- إجراء انتخابات برلمانية في غضون سنتين.
عقد الطرفان أول اجتماع لهم في موسكو في الخامس من أبريل 1994 واتفقا على تشكيل لجنة مشتركة لتسوية مشكلة اللاجئين.
وفي 18 يونيو 1994 عقد الاجتماع الثاني في طهران.. والذي ركز أساساً على وقف إطلاق النار بين قوات الحكومة والمعارضة ونشر مراقبين من الأمم المتحدة على الحدود الطاجيكية - الأفغانية لمراقبة وقف إطلاق النار.
وفي 20 أكتوبر عقد الاجتماع الثالث في إسلام أباد بوساطة من الأمم المتحدة واتفق الطرفان على وقف الأعمال الحربية على الحدود وداخل البلاد حتى السادس من فبراير 1995، ووقع الطرفان برتوكولاً بشأن اللجنة المشتركة التي ستراقب الاتفاق.
كانت المعارضة تطالب بتأجيل الانتخابات الرئاسية التي أعلنت الحكومة عن إجرائها في أوائل نوفمبر 1994م.. وأصرت الحكومة ونجح رئيس البرلمان إمام علي رحمانوف في غياب ومقاطعة المعارضة.
(5)
حزب النهضة الإسلامي
ولكن كيف استطاع حزب النهضة أن ينال هذه المكانة في هذه المدة القصيرة من عمر الاستقلال في طاجيكستان...؟
مما لا شك فيه أن للإسلام جذوراً حضارية عميقة في هذه المنطقة.. وازدهرت في مدنها الثقافة الإسلامية خصوصاً في بخارى وسمرقند الواقعتين حالياً في أوزبكستان.
وبعد غياب قسري طويل انحسر فيه تأثير الإسلام في الحياة العامة في الجمهوريات السوفياتية لأكثر من 60 عاماً، عاد الإسلام إلى البروز بقوة منذ عهد الرئيس ميخائيل غورباتشوف فقد أعيد فتح نحو ثلاثة آلاف مصلى ومئة وخمسة وستين مسجداً إضافة إلى المعهد الإسلامي الذي يضم 1200 طالب و280 طالبة. ولقد تجمع المتدينون وتلامذة المدارس السرية والمبتعثون إلى الشرق العربي خصوصاً مصر في تنظيم أطلق عليه "حركة النهضة"، واختاروا روسيًّا من جمهورية داغستان رئيساً لهم هو الدكتور (أحمد القاضي)، وعقدت القيادة المركزية للحزب مؤتمرها التأسيسي في صيف 1990م بمدينة استراخان الروسية، حيث حضره مائتا مندوب يمثلون تسع جمهوريات (سوفياتية). وتسارعت الأحداث إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها (الضباط الروس المحافظون) ضد غورباتشوف وإصلاحاته التي انتهت بتفكيك الاتحاد السوفياتي واستقلال جمهورياته، فاستقلت فروع النهضة عن القيادة المركزية مع الاحتفاظ بعلاقات أدبية بينها، وحصل اثنان من الفروع التسعة على اعتراف رسمي، الأول في روسيا بحكم القانون، والثاني في طاجيكستان بحكم الأمر الواقع.
حركة النهضة الإسلامية تصف المرحلة فتقول: كان المسلمون يلتقون في بيوت يبنونها على شكل مكان لشرب الشاي (شاي خانه) يطلقون عليها كلوب، وزيادة في التمويه كانوا يعلقون على الجدران صور القادة الشيوعيين مثل ماركس ولينين، وكانوا يسمون زاوية من هذا البيت الزاوية الحمراء. في مثل هذه الأماكن كان المسلمون يلتقون.
كانت طاجيكستان قد قطعت شوطاً كبيراً في الحفاظ على هويتها الإسلامية، ولذا لم يكن يدعو للدهشة تحطيم تمثال لينين وكان أول نصب شيوعي يهوي في آسيا الوسطى. وسميت الساحة فيما بعد ساحة الحرية.
(6)
دور الغرب وإسرائيل في مواجهة الصحوة الإسلامية
تراقب دول الغرب أحداث طاجيكستان عن كثب، وكانت أمريكا قد عبرت عن رغبتها في بقاء الشيوعيين في الحكم كما أنها قدّمت لهم الأسلحة تحت ستار نقل المواد الإغاثية، وعندما تعرضت منطقة كولاب في ربيع 1992م لفيضانات كبيرة زارها السفير الأمريكي عدة مرات.
أما إسرائيل؛ فقد أصبحت لها أملاك واسعة ومؤسسات اقتصادية هامة في آسيا الوسطى يحميها رجال أمن يهود من نفس المنطقة. وتقوم إسرائيل بترحيل اليهود الطاجيك إلى إسرائيل.
لقد تحركت إسرائيل قبل بداية الأحداث الأخيرة حيث قام (أربيه ليفي) مدير الشؤون الخارجية الإسرائيلية بزيارات إلى كل من كازاخستان وطاجيكستان وقرقيزيا وأوزبكستان في فبراير 1992م درس فيها كيفية إقامة التعاون الاقتصادي الشامل بينها وبين هذه البلدان.
إن رؤساء هذه الدول وخاصة طاجيكستان يتلقون دعماً كبيراً من إسرائيل التي تشجعهم وتقنعهم عبر بعثاتها الدبلوماسية بضرورة التصدي للصحوة الإسلامية وضربها؛ بل وجرها إلى معركة قبل أن يتم بنيانها.
الصين أبدت تخوفها الشديد تجاه أحداث طاجيكستان، وطلب الوفد الصيني الذي زار أوزبكستان مؤخراً تعاون البلدين لمنع وصول الأصولية إلى بلديهما. فهي تخشى من امتداد الأصولية إلى منطقة سينغيانغ الصينية - ذات الأغلبية المسلمة - حيث يوجد 30،000 طاجيكي.(42/478)
من الأمور التي تقلق الغرب امتلاك هذه الدول خبرات نووية.. والخشية من انتقالها إلى العالم الإسلامي.
يقول ليونيد فسكلير -أحد العاملين في معهد كورتشاتوف النووي في موسكو-: "إن طاجيكستان تمتلك عدة مناجم يورانيوم ومصانع لمعالجته ومخزونات من اليورانيوم غير المخصب في شمال البلاد". وفي تقرير للمعهد نفسه يفيد بأنه تم بناء أول مصنع لمعالجة اليورانيوم في طاجيكستان عام 1946. كما تم استعمال إنتاجه لتصنيع القنبلة الهيدروجية الأولى التي فجرت في عام 1949م في كازاخستان فضلاً عن وجود مصنع كبير لليورانيوم في خوجند (لينين آباد سابقاً) أنتج عام 1992م (2000) طناً من أوكسيد اليورانيوم، كما أن أول قنبلة نووية روسية صنعت في طاجيكستان وهكذا فقدرات طاجيكستان النووية كبيرة جداً، ولو صحّ ما نشرته صحيفة "زفيزدا" اعتماداً على عدة مصادر غربية مطلعة حول المباحثات السرية بين عدة دول إسلامية وطاجيكستان بشأن القضية النووية؛ فهذا يعني الطامة الكبرى في نظر الولايات المتحدة وإسرائيل بالذات فضلاً عن روسيا التي لا ترضى بذلك مطلقاً، كل ذلك يفسر لم كانت القضية الطاجيكية هي الأسخن والأهم من بين قضايا الجمهوريات الإسلامية الأخرى؟!
(1) معظم الروس هاجروا بعد إقرار اللغة الطاجيكية لغة رسمية في البلاد
===============(42/479)
(42/480)
أوزبكستان..مأساة شعب مسلم
عبد الرحمن أبو عوف 9/2/1425
30/03/2004
- التنكيل بالإسلاميين مستمر..
- التعذيب صار طابعًا مؤسسًّا للدولة.
- توقعات بانفجار حمامات الدم بين كريموف ومعارضيه.
مأساة كبيرة يعيشها شعب أوزبكستان المسلم تحت وطأة العصابة الشيوعية التي يتزعمها إسلام كريموف "اليهودي الأصل" الذي أعاد إلى الأذهان ما كان يفعله الديكتاتور السوفيتي ستالين الذي أذاق شعوب آسيا الوسطى المسلمين الأهوال مما ترتب عليه مقتل أكثر من 15 مليون مسلم، ودفنهم في أرض سيبريا الشاسعة؛ فقد ورث كريموف كل وسائل القهر والإبادة وأدرك أن القضاء على الحركة الإسلامية الأوزبكستانية هو السبيل الوحيد لانفراده بالحكم وهي الوحيدة القادرة على خلافة نظامه العفن الذي يسيطر عليه الاستبداد والفساد الذي جعل أوزبكستان تحتل مرتبة متدنية جدًا في تقارير التنمية الدولية (165 من 185 دولة) رغم ثرواتها العظيمة سواء الزراعية أو النفطية أو التكنولوجية التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي السابق.
فمنذ استقلال أوزبكستان عن الاتحاد السوفيتي المنهار في 9 سبتمبر 91 والبلاد تنتقل من كارثة إلى أخرى ولم تعرف الاستقرار أبدًا ، فأصوات الانفجارات المتوالية تدوي في العاصمة طشقند؛ نتيجة سياسات كريموف الاستبدادية وتنكيله بجميع الحركات الإسلامية في البلاد، وعلى رأسها الحركة الإسلامية التي يتزعمها طار ولد شاييف التي أذاقت كريموف العلقم في أعوام 99- 2001، وجعلت نظامه على شفا الانهيار نتيجة عصفه بمواطني أوزبكستان في أقاليم نمنجان وقاشقادريا وبخارى وطشقند ووادي فرغانة وغيرها من مدن أوزبكستان.
دعم أمريكي
وقد استغل كريموف أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليواصل عصفه بالمعارضين له مستغلاً الحرب ضد الإرهاب استغلالاً بشعًا؛ فقد وثق صلته بالإدارة الأمريكية ووثق صلته باليمين الأمريكي المحافظ، وقدم تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة سمحت لهم بقاعدة على الحدود الأوزبكية الأفغانية، وقد اعترف كريموف نفسه في البرلمان الأوزبكي بالدعم الذي تقدمه له واشنطن؛ بل زاد على ذلك بالقول "اعلموا أن ورائي أمريكا وبوش وهم لا يعبأون بمثل هذه المذابح لأنهم ولو كان الأمريكان ضد هذه المذابح لما قدموا لنا هذه المساعدات المالية السنوية، وقد لاحظت ذلك عند زيارتي لواشنطن؛ فقد ثمّن الأمريكيون جهدي وتضحياتي في الحرب على الإرهاب وقدموا لي جائزة سخية من أجل تصفيتي وسحقي لأصحاب اللحى"!! ..بل إن كريموف طمأن أعضاء البرلمان بالقول: " لا تنزعجوا عندما تجدون مسؤولين أمريكان ينتقدون سجلنا في مجال حقوق الإنسان لأن هدف أمريكا من وراء ذلك إظهار مراعاتها للقوانين الديمقراطية أمام العالم"!!
مذابح واعتقالات
ويا ليت كريموف توقف عند ذلك؛ بل إنه تجاوز الأعراف الدبلوماسية بوصمه لوزير الخارجية الفرنسي بلفظ "النتن" ردًّا على انتقادات دوفيلبان لسجل نظام كريموف في مجال حقوق الإنسان ووصمه بالاستبداد.
وقد شدد كريموف حملته هذا العام على الإسلاميين بالعديد من الخطوات؛ بدأها بخطاب متلفز بالقول: "المتطرفون المسلمون يجب رميهم بالرصاص عند جباههم وإذا لم تستطيعوا أنتم القيام بذلك وعجزتم عنه أقوم بنفسي فأرميهم بالرصاص، وقد لبت الأجهزة الأمنية لكريموف نداءه بالقيام بحملة اعتقالات طالت أكثر من 8 آلاف مسلم في وادي فرغانة، وقامت بإغلاق أكثر من 5 مساجد وتحويلها إلى إسطبلات خيل ومكتبات عامة يقرأ فيها الشعب الأوزبكي المسكين المجلات الداعرة والمؤلفات العلمانية والشيوعية التي يؤمن بها كريموف، ولم تكتف أجهزة الأمن بذلك بل قامت بإعدام أكثر من 150 داعية إسلامي بعد سجنهم لعامين في سجن سجليق الرهيب، والمعتقلون الثمانية آلاف لم يكن مصيرهم بأفضل من مصير من تم إعدامهم؛ بل إنهم يواجهون الأمرّين في معتقلات كريموف، بل وتمارس ضدهم أبشع صور التعذيب وتتفشى بينهم الأمراض مثل السل والجرب، بل إن نظام كريموف وصل إلى درجة حقن السجناء بعقار مرض الإيدز HIV، وقد سجلت منظمة هيومان رايتس وواتش الأمريكية إصابة أكثر من 16 معتقلاً بمرض فقد المناعة المكتسب في سجون كريموف، وقد أدانت المنظمة الأمريكية في تقاريرها الأخيرة الأوضاع اللاإنسانية في سجون كريموف واستخدامه لأبشع وسائل التعذيب في سجونه التي تتراوح بين ضرب السجناء بالقضبان المطاطية والحديدية والخنق بأقنعة الغاز، وغرز الإبر تحت الأظافر، وإشعال الولاعة في الأعضاء التناسلية والاغتصاب عن طريق الدبر والفم!.
إبادة أهل السنة
وتدور أهداف عصابة كريموف حول إبادة أهل السنة في أوزبكستان، وشن حملات اعتقال ضدهم من منازلهم وإغلاق مساجدهم وإعدام علمائهم بعد اتهامهم بدعم الحركة الإسلامية وكان آخر تلك الحملات بالعاصمة طشقند وبالتحديد في مدينة ينجي بول.(42/481)
وأوردت إحدى المنظمات الأوروبية في تقاريرها عن أوزبكستان مأساة مواطن أوزبكي يدعى أوريسوف كاملجان اعتقل في أحد مساجد طشقند، وسيق إلى المعتقل ودخل عليه السجان وضربه بأحد القضبان الحديدية، ولما سقط الضحية صاح فيه الجزار يا خائن الوطن لماذا تسقط عمدًا ولما أفاق سأله السجان من الإله ومن النبي فرفض كاملجان الرد؛ فعاجله بالقضيب وطلب منه الإجابة فلما رد عليه: الله تعالى ومحمد عبده ورسوله، جُنّ جنون السجان وصاح ليس هذا صحيحًا فالنبي والإله هو كريموف وهو الله الحي الذي نؤمن به.. بل طلب من المعتقلين ترديد كريموف إله خمسين مرة !!.
الإعدامات والتعذيب والسحل لم يوقف مأساة شعب أوزبكستان، فلقد لجأ كريموف إلى سياسية تجفيف المنابع؛ فعلاوة على إعدام المئات من العلماء وإغلاق العديد من المساجد أقدم على سحب آلاف الطلاب الأوزبكيين الذين يدرسون في الجامعات الإسلامية في مصر والسعودية وباكستان وإعادتهم إلى بلادهم، وقام بطرد جميع المنظمات الخيرية العربية والإسلامية من أوزبكستان بحجة محاربة الإرهاب.
وزعم أن مئات من المعارضين لكريموف قد تمكنوا من الفرار إلى الجبال والمناطق النائية في البلاد؛ إلا أن النظام قد احتجز أزواجهم وأطفالهم وأقاربهم كرهائن حتى يسلموا أنفسهم، بل إن النساء يتعرضن للاغتصاب بصورة يومية ومنتظمة ويمارسون ضدهم أبشع أنواع التعذيب، وقد خصصت للنساء زنزانات خاصة في سجن طشقند المرقم 7 وقد زارت منظمة هلسنكي ووتش هذا السجن وسجلت فيه أبشع أنواع التعذيب، وطالبت بتقديم إدارة السجن لمحاكمة عاجلة؛ فما كان من كريموف إلا أنه قام بمعاقبة اثنين من كبار مديري السجن بالنقل إلى مناطق نائية، وما لبث أن تم العفو عنهما في مناسبة العيد الوطني، وهو ما يؤكد أن التعذيب أخذ طابعًا مؤسسيًّا في أوزبكستان.
وسجلت المنظمة كذلك ما يقوم به نظام كريموف من تقييد الحريات العامة، ومنع أداء الشعائر الدينية في المساجد، ومنع ترديد الأذان في مكبرات الصوت؛ بل وأصدر كريموف أمرًا لقوات الشرطة بمنع ارتداء المسلمات للحجاب في الشوارع والمنتديات والمؤسسات العامة، واعتقال أي فتاة ترتدي الحجاب وتقديمها لمحاكمة عاجلة، والتهمة جاهزة بدعم الإرهاب والحركات المناهضة لكريموف.
إرث أكثر دكتاتورية
الدكتور محمد رفعت الإمام ـ الخبير في الشؤون الروسية ـ يرى أن النظم التي ورثت السلطة عن الاتحاد السوفيتي السابق نظمًا أكثر أوتوقراطية واستبدادًا من النظام السوفيتي الاستاليني . فالرئيس كريموف يواجه معارضة قوية من بعض الحركات الإسلامية نتيجة شيوع الفساد وزيادة حد الفقر ومحاولات كريموف استئصال الإسلام من نفوس الشعب الأوزبكي الذي عانى 70 عامًا من الإرث الشيوعي.
أضاف د. الإمام أن الحركات الإسلامية في أوزبكستان كانت تتسم بالهدوء والميل إلى الاستكانة، لكن تنكيل نظام كريموف بقادتها وحملات الاعتقال التي لا تنتهي ضد كوادرها عجلت بالمواجهة مع النظام الذي بنى تحالفًا مع واشنطن، واستغل الحرب على الإرهاب للتنكيل بقادتها غير عابئ بأي انتقادات دولية ما دام نظامه يحظى بدعم الأمريكان.
وتوقع الإمام أن تتكرر حمامات الدم التي حدثت في طشقند وتمانجان في الأعوام الماضية نتيجة استمرار كريموف في أساليبه الاستبدادية؛ ستؤدي إلى تراجع الدعم الشعبي له نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية، وتردي الأحوال المعيشية التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي
==============(42/482)
(42/483)
المناعة الفكرية (1)
د.عبدالكريم بكار 17/4/1425
05/06/2004
زود الله -تعالى- أجسامنا بجهاز للمناعة، يساعدها على المحافظة على آلية عملها، وعلى صيانتها من الوافدات الأجنبية التي يمكن لها أن تضرَّ بها، وتقضي على سلامتها. وجهاز المناعة لدى الإنسان قوي إلى حد مدهش، فالجسد بسبب ذلك الجهاز يظل يقظاً حيال ما يدخل في نسيجه مهما طال الزمان، فالذي تُزرع له كلية - مثلاً - يظل في حاجة إلى أن يأخذ أدوية لتثبيط المناعة في الجسم مدى الحياة!.
نحن على المستوى الفكري في حاجة إلى جهاز مناعة مماثل من أجل حماية فكر الأمة من التدمير، ومن أجل إبقائه في حالة من النشاط المكافئ للتحديات التي تواجهنا. وعلينا أن نسلَّم منذ البداية بأننا لن نحصل على نظام لحماية تفكيرنا وأفكارنا كالنظام الذي زوّد الله - تعالى- به أجسامنا، فهذا هبة تامة كاملة. أما ما سنصل إليه باجتهادنا فإنه جهد بشري فيه كل نقائص البشر وكل أشكال قصورهم. وإنما علينا أن نصل إلى أفضل ما يمكن الوصول إليه. وإذا تأملنا في هذه القضية وجدنا أننا في حاجة إلى فهم أمور والعمل بها، إلى جانب حذر أمور واجتنابها. ولعلي أتحدث في هذه وتلك بما يقرَّب هذه القضية إلى الأذهان على نحو ملائم.
أولاً: الأمور التي ينبغي استيعابها:
إن الفكر الإسلامي هو عبارة عن مجموعة الرؤى والتحديدات والطروحات والاجتهادات التي توصل إليها العقل المسلم من خلال اشتغاله على النصوص والأحكام والأدبيات الشرعية والإسلامية، وذلك بغية استيعاب الواقع الموضوعي والارتقاء به وحل مشكلاته. والأفكار هي ثمرات تشغيل العقل، وهي أشبه بالزبدة التي يحصل عليها الفلاح حين يقوم بخضّ اللبن. والتفكير هو ذلك الخضّ التي تقوم به عقولنا لمجموعة ما نملك من مبادئ ونعرف من نواميس وسنن ومعلومات ومعطيات معرفية. إنه بعبارة أخرى انطلاق من معلوم من أجل الوصول إلى مجهول. ومن المهم أن ندرك أن إحاطة عقولنا بما نعدّه معلوماً من مبادئ ومعارف... تظل إحاطة ناقصة وقاصرة، كما أن الجهود العقلية التي نبذلها في سبيل التوصل إلى بلورة رؤى ومفاهيم جديدة تظل هي الأخرى نسبية في اكتمالها ونضجها؛ مما يعني أن عمليات الاجتهاد يجب أن تظل مستمرة؛ لأنها لن تبلغ في أي يوم من الأيام المستوى الذي ينقطع عنده الجدل، وتظهر فيه الحقائق على نحو كامل. ويعني هذا أيضاً شيئاً آخر هو تفاوت الآراء والاجتهادات التي سنتوصل إليها. وهذا التفاوت ناتج من تفاوت إدراكنا لجوهر المعطيات التي تشتغل عليها عقولنا، ومن تفاوت عمليات التفكير التي نقوم بها، حيث لا نملك ما يمكن أن يجعلها موحدة ومتجانسة. ومن هنا فإن اتفاق الناس في الفروع و الجزئيات لا يكون أبداً فضيلة أو شيئاً يُطمأن إليه. إنه يدل على أن العقول توقفت عن العمل لتقف على أرضية مشتركة من التلاشي والعدم فالحياة دائماً متنوعة وملوَّنة . أما السكون والموت فهو شيء واحد بإطلاق.
ومن هنا فإن الاختلاف في إطار المبادئ والقواعد الكبرى يعبرّ دائماً عن حيوية فكرية، نحن في أمس الحاجة إليها. ولكن علينا دائماً أن نسعى إلى جعل الخلاف يقوم على أصول عقلية وشرعية معتبرة ومعترف بها.
كما أن علينا أن نشجع الحوار والنقد المؤطر والمحلى بالأدب والخلق الإسلامي الرفيع، بعيداً عن التجريح والاتهام ومحاسبة الناس على نواياهم. ومن المهم في هذا السياق أن نحذر شيئين: الجهل والظلم. كما أن من المهم كذلك أن نفصل بين المعطيات والأمنيات وألا نطلق العبارات الرنانة إذا كنا لا نملك من البراهين ما يوفر لها تغطية منطقية واستدلالية مقبولة. إن هذا يساعد مساعدة كبيرة على بناء جدار المناعة الفكرية الذي علينا جميعاً أن ننهض لتشييده.
إن العقل في الرؤية الإسلامية عبارة عن قوة إدراكية عظمى، امتنّ بها البارئ - جل ثناؤه- على بني الإنسان. ومع أنه يملك بفطرته مجموعة من المبادئ التي تساعده في إنجاز بعض المهمات إلا أنه يظل غير قادر على الاستقلال بنفسه في محاكمة الأشياء ورسم طريق المستقبل، بل إنها نفسية يسهل خداعها، واستسلامه أمام الخبرة العريقة مشاهد وملحوظ.(42/484)
إن العقل لا يستطيع من غير إرشاد من خارجه الوصول إلى معرفة العلل الأولية ولا الغايات النهائية للوجود. وهو لا يملك محكّات جيدة لتحديد المهم من غير المهم، ولا يستطيع الفرز بين النافع والضار والخير والشر وتحديد ما هو نافع حالاً ضار مآلاً في كثير من الأحيان... وقد شبَّه بعض علمائنا القدامى العقل بوصفه آلة الإدراك بالعين بوصفها آلة الإبصار. وكما أن العين مهما كانت سليمة وجيدة لا ترى الأشياء إلا إذا غمرها النور، فإن العقل لا يرى الأشياء إلا إذا غمرتها المعرفة، ولهذا فرؤية المشكلات تحتاج إلى معرفة، ولا مشكلات بدون معرفة كما أن لا حلول لها أيضاً من غير علم. الأشياء لا تُرى إلا إذا وجدت العين ووجد النور، والأمور لا تدرك على النحو المطلوب إلا إذا وجد العقل ووجد العلم. والمعرفة دائماً هي خبز الدماغ الذي يقتات عليه. ومن غير ذلك الخبز تنهار عمليات الدماغ، وتنحط إلى المستوى الأدنى. وحين نفكر في مسألة دينية محضة فإن المعرفة المطلوبة آنذاك تكون معرفة إيمانية شرعية. وحين نفكر في مسألة دنيوية، فإننا نحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى معرفة فنية مهنية متخصصة. وهذه الرؤيا للعقل والتي تمت بلورتها قبل ما يزيد على عشرة قرون هي آخر ما توصل إليه العقل والعلم في العصر الحديث، حيث يجري اليوم تشبيه العقل البشري بالعقل الإلكتروني أو الحاسب الآلي والذي قال فيه أحدهم إنه في آن واحد أذكى وأغبى آلة اخترعها الإنسان. وكما أن الحاسب الآلي لا يعمل من غير برامج نحمّلها عليه؛ فإن العقل البشري لا يعمل من غير معرفة جيدة نزوده بها.
وقد قال أحد المفكرين - بحق-: إن الذكاء لا ينفع الذين لا يملكون سواه شيئاً. وكما أن الحاسب الآلي لا يستطيع إدخال تحسينات جوهرية على البرامج التي نزوده بها ويشتغل عليها، فإن العقل البشري كثيراً ما يقف عاجزاً عن القيام بعمليات نقدية شاملة وعميقة للأصول والمعطيات التي نزوده بها ولهذا شرح طويل، لا يتسع المقام لبسطه.
وقد وقع الخلل لدينا في طبيعة الموقف من العقل من قبل طائفتين كبيرتين : طائفة وثقت بالعقل وثوقاً مطلقاً، فحملته مسؤوليات، لا يستطيع القيام بها، ووصل الوثوق إلى درجة الإعراض عن هدي الشريعة الغراء في بعض الأحيان وكانت النتيجة هي استناد العقل إلى معارف واجتهادات وخبرات بشرية متراكمة وإلى العادات والتقاليد والمألوفات السائدة. ولا يمكن لهذه وتلك أن تؤمَّن للعقل حاجاته الأساسية من المبادئ الكبرى والمعارف الصُّلبة والحكمة البالغة والرؤى الشاملة.
أما الطائفة الثانية فإنها استهانت بدور العقل، وبخسته حقه، حيث ظنت أنها من خلال معرفتها بالمنهج الرباني الأقوم - تستطيع فهم الواقع الموضوعي وتطويره والاستجابة لمتطلباته وابتلاءاته.وهي لا تدرك - في غالب الظن- الفارق الجوهري بين المنهج الرباني وفقه الحركة به، وهو فقه يعتمد أساساً على تشغيل العقل بطريقة جيدة وعلى النفاذ إلى الاطلاع على القوى الأساسية التي تشكل الواقع وتدفع به في اتجاه دون اتجاه. كما أن هذه الطائفة ربما كانت لا تدرك أن المبادئ والأحكام التي تشكل رؤيتنا الشرعية والحضارية للحياة، لا تعمل في فراغ وإنما تحتاج إلى بيئة وشروط موضوعية محددة. وتأمين تلك البيئة وهذه الشروط من مهامنا نحن، وليست من مهام المنهج الرباني.
بالعقل الذكي المسلح بالمنهج وبالخبرة والمعرفة الممتازة نستطيع توظيف المنهج وتوفير الأدوات التي تمكنه من ترشيد حركة الحياة.
في المحصلة النهائية لموقف الطائفتين وإن اختلفت على المستوى الشرعي والأخلاقي لكنها على المستوى العملي متقاربة، وهي وجود الانفصام النكد بين أمور الدنيا وأمور الدين، وبين الرؤية النظرية والواقع العملي على ما هو مشاهد في معظم أصقاع عالمنا الإسلامي . وفي حالة كهذه يكون الحديث عن المناعة الفكرية ضرباً من التفاؤل غير المسوَّغ، حيث لا تحصل الأفكار على الصلابة المرجوة إلا من خلال توازن عميق ودقيق بين المعقول وبين المنهج وآليات تطبيقه وتوظيفه .
إن كثيراً من القضايا التي تشغل المفكرين المسلمين اليوم تتصل على نحوٍ ما بالواقع الذي تعيشه أمّة الإسلام. وهم يعملون على نحو أساسيّ في إيجاد حلول للمشكلات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة من أفق ثوابت الإسلام ومبادئه الكبرى، وإنّ أولئك المفكرين لن ينجحوا في مساعيهم النجاح المنشود إلا إذا استطاعوا إيجاد تيار شعبيّ يتجاوب مع طروحاتهم، ويشارك في علميات التغيير والإصلاح التي يقومون ببلورتها ورسم حدودها. وهذا في الحقيقة يتطلب -فيما يتطلب- أمرين أساسين:(42/485)
الأول: أن يتمكن المفكّرون المسلمون من إبراز أفضل وأوضح صورة ممكنة للواقع الذي يريدون معالجته، تماماً كما يفعل الطّبيب قبل أن يصف أيّ دواء. وإنّ بعض الأمراض يستغرق شهوراً من هيئة طبية متخصصة حتى يتمّ تشخيصه وتحديده على نحو جيّد. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن تشخيص الدّاء الأخلاقيّ أو الاجتماعيّ... هو أصعب -بما لا يقارن- من تشخيص الدّاء الجسديّ. وذلك يعود إلى أنّ أيّ توصيف لوضعيّة اجتماعيّة أو أخلاقيّة... يعتمد أساساً على التعريف لتلك الوضعيّة. والتعريفات في الشأن الإنسانّ تعاني دائماً من القصور الذاتّي، وتعاني من الانتقائيّة والنسبيّة والغموض. ومع هذا فإنّنا حين نتعامل مع مشكلاتنا بعقل مفتوح وبمرونة ذهنيّة جيدة؛ فإنه يمكن الاستدراك والتلافي لكثير من النقص في عمليات التّشخيص والتقويم.
الأمر الثاني: يتجسّد في بلورة خطاب يمكن وصفه بأنه من قبيل السّهل الممتنع. خطاب يصور الواقع بعمق الفكرة وبساطة الأسلوب. وعمق الفكرة يأتي من الفهم العميق والشّامل لذلك الواقع. وتأتي بساطة الأسلوب من فهم مستويات المخاطبين، وخلفياتهم الثّقافية، ومن المهارة في تطويع الكلمات والدلالات، وسوقها على نحو يلامس المفاهيم السائدة في أذهان المُخَاطبين.
إن من الصّعب في أجواء شديدة العمليّة وشديدة المصلحيّة - المحافظة على مناعة تفكيرنا إذا لم نُثْبِت أنّنا نملك الأفكار والطّروحات والبدائل التي تخفف من وطأة المشكلات التي يعاني منها الناس، وإذا لم نُثبت أنّ الأفكار التي نقدّمها لا تجافي روح العصر إلى حدّ بعيد، أو قل لا تتجاهل تشوّقات الناس وطموحاتهم على نحو كامل. وإنما أقول هذا الكلام لأنّ الناس - ولو كانوا ملتزمين- إذا لم يجدوا لدينا ما يحسَّن مستوى عيشهم وأوضاعهم الأدبيّة والماديّة؛ فإنهم سوف يلتمسون ذلك لدى الآخرين، وسوف يدفعنا ذلك -بالتالي- إلى تقديم تنازلات غير مؤصلة وغير منضبطة بضوابط الشريعة. وإني ألمح شيئاً من هذا يجري اليوم في عدد من المجالات!
الإبداع في الحلول، وعدم ترك المشكلات تتراكم، والشّجاعة في تقديم البدائل.. شروط أساسيّة لإبقاء أنظار الجماهير متعلقة بالرُّؤية الإسلاميّة للإصلاح، ومتعلقة بمن يقدمون تلك الرؤية من مفكرين وعلماء ومصلحين.
هذا يتطلب أول ما يتطلب فهْم الواقع الذي نريد علاجه؛ فأحكام الإسلام وآدابه ومراميه الحضاريّة ورُؤاه الإصلاحية موجودة في عقولنا ومكتباتنا، تماماً مثل الألوف من أنواع الأدوية الموجودة في (الصيدليات) ومخازن الأدوية. والطّبيب الماهر هو الذي يأمر بإخراج دواء من تلك المخازن دون دواء بحسب رؤيته لداء مريضه.
إنّ كثيرين منا - ولا سيّما الشباب- يسارعون إلى الإدّعاء بفهم الواقع والإحاطة به، مع أنهم لم يبذلوا أيّ جهد متميز في فهمه ومقاربته، ولا يُعرف لهم أيّ اختصاص دقيق في معالجة شؤونه!
إن الواقع أشبه بمادة هُلاميّة فهو شديد الطّواعية والقابليّة للتّشكيل؛ لكن تلك الطواعية خادعة؛ فهو يطاوعنا حتى نظنّ أنّنا قد سيطرنا عليه سيطرة تامة؛ وهو في حقيقة الأمر محتفظ بطبيعته الخاصة، تماماً كما تفعل ذلك المواد الهلاميّة. إنّ الواقع العام يحتفظ بقدرته على البقاء في حيّز الغموض والتعقيد والتشابك والتّداخل، إنه أشبه بأخطبوط له ألف رأس وألف رجل وألف يد. وتكون ثمرة كل ذلك القابليّة للقراءات والتأويلات والتفسيرات المختلفة. ومن هنا تأتي صعوبة التعامل معه. وتستطيع أن تدرك ذلك بسهولة إذا سألت خمسة من الدّعاة أو العلماء أو المصلحين أو المفكرين - توصيف وضعيّة معينة في أحد المجتمعات أو إحدى البيئات الإسلاميّة، كالالتزام أو العدل أو العفة أو الحرية....
وأنا لا أريد من وراء هذا الكلام سوى شيء واحد هو إدراك حجم المهمات التي نُقْدم عليها؛ فلا نتهاون ولا نتعسف ولا نتعجَّل.
إذا صحَّ هذا التحليل وهذا التنظير؛ فإن السؤال الذي يقفز أمامنا هو: ما الأدوات وما المناهج التي يجب أن نستخدمها حتى نحصل على صور مقاربة لحقيقة الأوضاع التي نريد معالجتها؟
في تصوُّري أنّ أيّ جواب سأقدّمه عن هذا التساؤل سيكون قاصراً؛ لأنّ النّظام اللغويّ الذي نستخدمه في تصوير ما نريد تصويره يظلّ دائماً في حالة من القصور الذاتّي؛ إنه ناقل غير جيّد وغير كُفء. فإذا أضفنا إلى ذلك أن تصوري عن المناهج والأدوات التي يجب استخدامها في اجتراح ذلك الواقع هو الآخر غير تام وغير واضح وغير دقيق - فإنك ستدرك كم يحتاج جوابي إلى تكميل وإلى نقد وتمحيص. لكن لا بد أن نقول ما توصّلنا إليه، وسنعتبر ذلك أفضل ما هو ممكن إلى أن يتوفر لدينا ما هو أفضل منه.(42/486)
1-نحن نحتاج في بداية الأمر إلى تعريف ما نريد معرفته، فإذا كنا نريد أن نُعَرَّف سوية الالتزام في مجتمع من المجتمعات - مثلاً-؛ فإن علينا أن نُعرَّف الالتزام وأن نذكر مقصودنا من هذه الكلمة. إنّ الذي ضاع منه ولده في إحدى الأسواق الكبرى، ويطلب مساعدة الناس على العثور عليه في حاجة -كي يستطيعوا مساعدته- إلى أن يذكر لهم اسمه وحِلْيته من لون وطول وشكل، وأن يذكر لهم لون ونوع الثّياب...؛ وإلا فإنهم قد لا يستطيعون تقديم أي خدمة له.
ونحن بسبب الطريقة التي تعلمنا بها في المدارس والجامعات - قد أدمنَّا الحلول السَّهْلَة؛ ولذا فإننا لا نملك رصيداً ذا قيمة على صعيد التّعريفات والمصطلحات؛ لأنّ الوصول إلى تعريف أو توصيف جيد ليس بالأمر اليسير، ويمكن القول: إنّ التّوصيف الجيّد لأيّ مشكلة يشكّل نصف الحلّ المطلوب. ويتمثل النّصف الثّاني في العثور على العلاج الملائم.
سيكون من المفيد جداً أن نبدأ في كل جلسة حوار أو جلسة تفكير وعصف أو إمطار ذهنّي وفي كل معالجة لقضية شائكة- بذكر التّعريف لما نريد بحثه وتحديد معاني المصطلحات التي سنستخدمها أثناء البحث. وعندما نتخذ من هذا تقليداً ثقافيًّا فسيتَّضح لنا شيئان مهمان:
الأول: صعوبة وضع التّعريفات وصعوبة الحصول على توصيفات جيّدة.
أما الثّاني فهو: عظم الفائدة التي سنحصل عليها من وراء ذلك.
وللحديث صلة..
ومن الله - تعالى- الحوْل والطَّوْل..
ذكرت في المقال السابق أن أول خطوة علينا أن نخطوها على صعيد فهم الواقع والإلمام به، تتمثل في تحديد التعريفات والمصطلحات بوصف ذلك الركيزة الأساسيّة لكل ما سيأتي بعده من جهد على هذا الصّعيد. ولعلي أتابع في هذا المقال باقي الخُطُوات في هذا الشأن.
أعتقد أن علينا بعد التعريف الجيد للمسألة التي نريد فهمها أن نقوم بتفتيتها إلى أصغر وحدات ممكنة. والحقيقة أن هذا الأسلوب هو ما اتبّعه العالم على مدار التاريخ في التعامل مع الكثير من المعطيات. المعرفة البشريّة - مثلاً- كانت واحدة، ونظراً لضخامتها وصعوبة تعامل العقل البشريّ معها؛ فإنّه تمَّ تقسيمها إلى علوم متباينة من أجل أفضل استيعاب لها. إذا أردنا فهم أو (تقييم) الوضع التربوي في بلد من البلدان - مثلاً- فإن علينا أن نقوم بالآتي:
1-فصْل وضع التربية في الأسر عن وضع التربية في المدارس، وعن وضع التربية في الأُطُر الخاصة مثل الجماعات الإسلاميّة. وعليك أن تقوم باستقصاء منهجي داخل كل قطاع من هذه القطاعات لفهم الأداء التربوي فيها على أفضل وجه ممكن.
2-في المدارس لا بد في سبيل العلاج وفي سبيل (التقييم) قبل ذلك من القيام بعملية تفتيت للقوى والأدوات المستخدمة في التربية والتعليم؛ فيتمّ النظر في كلٍّ منها على حدة. إن حُسْنَ التربية في مدرسة من المدارس لا يأتي من الكتب المقررة؛ لأنها موحدَّة على مستوى البلاد في غالب الأمر. ولذا فإن الجودة فيها قد تأتي بسبب تفوق إدارتها، أو الهيئة التدريسيّة، أو الأنشطة اللاصفيّة، أو بسبب حُسْن اختيار الطلاب ووضع شروط لقبولهم لا تضعها مدارس أخرى. وقد يكون بسبب البيئة السكانية للمدرسة. وقد يكون تفوق تلك المدرسة بسبب جودة مبانيها وتجهيزاتها المعمليّة والمخبريّة... وقد يكون بسبب حسن كل ذلك. ويمكن القيام على صعيد التفتيت بنحو ذلك في المجال الأسريّ وفي المجالات التربويّة الأخرى.
من غير هذا التفتيت لن نستطيع معرفة أسباب حسن أو سوء التربية في أي مدرسة من المدارس. وعلينا أن نلاحظ أننا هنا لا نمارس إصدار الأحكام على كل مدارس الدولة ولا المنطقة ولا المدينة. فإذا أردنا شيئًا من ذلك فإن علينا -بعد فهم واقع المدارس في منطقة- أنْ نقوم بعملية حسابيّة من أجل التوصل إلى المعدل الوسطي لحال التربية المدرسيّة في تلك المنطقة؛ حيث يمكن من خلال الدرجات التي تمنحها كل مدرسة أن نقول: إن 80% من مدارس تلك المنطقة ممتازة أو جيدة أو سيئة. ومن غير القيام بهذا فإن أحكامنا ستكون تقديرية وجزافية إلى حد بعيد. ومن هنا ندرك كم تكون درجة تعميمنا عالية وكبيرة حين نقول: إنّ التعليم في العالم الإسلاميّ هو أسوأ تعليم في العالم أو هو أحسن تعليم في العالم أو ... وبسبب هذا التعميم نُتِيح دائماً مجالاً للفهم المتعدّد وللتأويل الخاطئ والحكم البعيد عن الصّواب. إنّ تجزئة أية مشكلة إلى أصغر وحدات ممكنة يُعَدُّ خطوة أساسيّة ضمن خطوات البحث المنهجي الموثوق. البحث المنهجي مكلف جداً وشاقّ جداً. وفي العالم اليوم عشرات الألوف من مراكز البحث التربوي، وكلها يهدف إلى فهم الواقع التربوي على حقيقته، ثم العثور على وسائل لإصلاحه. ونستطيع أنْ نقول بناءً على هذا: إنّ الدول التي لا تملك - وكذلك الجماعات والمؤسسات- مراكز بحوث تربويّة جيّدة، لا تستطيع التعرف على واقعها التربويّ على النحو المطلوب.(42/487)
3-بما أنّه ليس هناك تفوق تربويّ مطلق ولا تخلف تربويّ مطلق، بمعنى أنه ليس هناك مؤسسة تربويّة كاملة ولا مؤسسة تربويّة كلّها عيوب وسيئات- فإن علينا في سبيل رؤية عقلانيّة لواقع المدارس أن نستخدم (المقارنة) أداة لمعرفة ما عندنا. وقد يكون أفضل ما نُجري فيه المقارنة هو مستوى الخريجين. وفي اعتقادي أن على كل دولة إسلاميّة أن تبلور معايير دقيقة وممتازة لمعرفة مستويات الخريجين لديها. وعلى مستوى الأمة وعلى مستوى العالم يجب أنْ تكون هناك مقارنات تتعرف من خلالها كل دولة على سويّة مُخْرَجات التعليم لديها. وأذكر في هذا السياق أنّه أقيم امتحان عالميّ منذ بضع سنوات لطلاب الصف الثاني في المرحلة المتوسطة في مادّتي الرياضيات والعلوم. وقد شارك في ذلك الامتحان طلبة مختارون بعناية من أربعين دولة. ولم يشارك في ذلك المؤتمر من العالم الإسلاميّ سوى إيران والكويت. وكان ترتيب طلابهما قريباً من المؤخرة أي بعد السادسة والثلاثين - فيما أذكر- وهذا يعطي مؤشراً غير حاسم لوضع تعليم الرياضيات والعلوم لدى نموذجين في بلدين مسلمين!
ولا أريد هنا أنْ أشعَّب البحث أكثر فأكثر فيما تتم فيه المقارنة؛ فذاك حديث طويل وشائك؛ لكن وجود مراكز أبحاث تربوية جيدة لتذلل الكثير من الصعوبات.
يمكن لهذه المنهجيّة في التفتيت أنْ تُؤتي ثمارها في أي مجال أو جزء من الواقع الذي نود التعرف عليه. وعلينا ألا ننسى في كل مرحلة أننا لن نخرج من وراء كل ذلك إلا بنتائج ظنية تقديرية؛ لأنّ كل أدوات البحث وكل مفردات منهجيّته لا تتمتع بالصّلابة الكافية، لكن مع هذا نرضى بما نحصل عليه من ذلك بوصفه مساعداً لنا على اتخاذ القرار الراشد.
من الأدوات الأساسية في اكتشاف الواقع (الإحصاء) والاعتماد على الأرقام. والحقيقة أن دلالة الأرقام تتمتع ببلاغة عالية جدًا . وهذا يعود -أساسًا- إلى أنّ البنية العقليّة للإنسان تتعامل بكفاءة جيدة مع كل ما هو من قبيل (الكم) كما أنها ترتبك ارتباكاً شديداً مع كل ما هو من قبيل (الكيْف). وقد قال أحدهم : "أَعطني رقمًا أُعطِك كتابًا" فالرقم حين يقع في يد خبير يشكل بالنسبة إليه محورًا هامًّا لاستدعاء الكثير من المعطيات والدلالات والتحليلات. حين نقول لاقتصاديّ - مثلاً- ماذا تفهم من قولنا: إنّ دخل الفرد في أفغانستان لا يتجاوز خمسمائة دولار في السنة؟ وذلك الاقتصادي يعرف أنّ دخل الفرد في سويسرا يتجاوز (37) ألف دولار، وفي فرنسا (22) ألف دولار، وفي إسرائيل (18) ألف دولار . إنّه يستطيع أنْ يستشفّ وجود إدارة سيئة للموارد، ووجود جهل وأميّة وكسل وفوضى لدى الناس هناك. كما يستطيع أنْ يستشفّ وجود سرقات، ومتاجرة بالممنوعات، وأمورًا سيئة أخرى؛ لأن كل هذا وذاك يكون عادة من ضمن أسباب الفقر أو لوازمه أو نتائجه.
في حديث في صحيح مسلم ورد قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أحصوا لي من يلفظ الإسلام" أي اعرفوا عدد من يلفظ بكلمة الإسلام وهي الشهادة. وكان جواب بعض الصحابة: "أتخاف علينا ونحن ما بين الستمئة إلى السبعمئة". إنّ هذا الطلب من صلى الله عليه وسلم ينطوي على إشارة هامّة علينا أن نلتقطها بذكاء ووعي.
أمريكا أول دولة في العالم على مستوى توفر الأرقام والإحصاءات. وهذه الوضعية أدت إلى حضورها المتميز في كل الدراسات العالمية، حيث إن الباحثين يحتاجون إلى أرقام تساعدهم في عملهم، وهم كثيراً ما يجدون بُغيتهم لدى الأمريكيين. في العالم المتخلف ليس هناك أرقام كافية، حيث يكون الغموضُ والإبهام وسيلةً جيدة لستر الفضائح! والأرقام المتوفرة كثيراً ما تفتقر إلى الدقة والمصداقية. وفي تصوري أن على كل مؤسسة إسلامية مهما كان حجمها ومهما كان شأنها أن تحاول القيام بمسح دقيق لأوضاعها وأنشطتها وحاجاتها وميادين عملها حتى تستطيع أن توفر شرطاً هامّا لتفوقها واطّراد تقدمها.
ولا بدّ لي من الإشارة هنا إلى أن الأرقام - ربما بسبب أهمتها وحساسيتها- كثيراً ما تتعرض للتزوير والتزييف والمتاجرة. وعلينا أنْ نكون على وعي من ذلك.
لدينا ملايين الشباب المسلم العاطل عن العمل، وملايين بل مئات الملايين من الناس الذين لا يجدون عملاً نافعاً يملؤون به أوقات فراغهم. لماذا لا يقوم هؤلاء بتشكيل دوائر تطوّعيّة بسيطة لإجراء مسوحات واستطلاعات للواقع المسلم في بيئتهم الخاصّة من أجل توفير الأرقام الضروريّة لفهم أوضاعنا وإصلاحها؟!
إني لآمل أنْ ندرك -قبل فوات الأوان - أنّ هناك ضرورات منهجيّة وبحثيّة تجب مراعاتها بكل شفافية إذا ما أردنا - فعلاً - أنْ نعيش عصرنا بكرامة وكفاءة. وإنّ عمل شيء ما في الاتجاه الصحيح أنفع لنا وللأمة من التّفرغ للتّشكي وتوزيع الاتهامات ولَطْم الخدود وإطلاق الأُمنيات. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه ا لله- : إنّ بعض المسلمين يشكو وينوح كما تنوح الثّكلى إذا رأَوْا تغيّر أحوال المسلمين وما هم فيه من كَرْب. وذلك مَنْهِيٌّ عنه. وإنّ الواجب على المسلم أنْ يصبر ويحتسب ويعمل ويتّكل على الله تعالى.(42/488)
الفِكر الإسلاميّ فكر في حالة من التشكّل الدائم والصّيرورة المستمرّة، وهو في تشكّله يتأثّر بالواقع ومتطلباته، ويتأثر كذلك ببعض ما لدى التّيارات والوضعيّات الأخرى. وهذا يجعل حركة تطوّره أسرع من حركة تطوّر الفقه وحركة تطوّر الفتوى أيضاً. وهذا الفكر حتى يحافظ على مناعته وصلابته وتميّزه واستمرار نموه- مطالب إلى جانب فهم الواقع- كما ذكرت في المقالين السابقين - بفهم متطلبات الحركة الاجتماعيّة، والتي كثيرًا ما تنبعث من عمق الطبيعة البشريّة، ومن عمق الثّقافة السائدة اليوم، فهم متطلبات هذه الحركة يقتضي الانفتاح عليها. وهذا الانفتاح هو نفسه الذي يطور رُؤانا و طروحاتنا الإصلاحيّة؛ إذْ طالما كان الانفتاح على الواقع وتلمس تداعياته وإحالاته مصدرًا لكل تطور وتطوير. وإذا عَجَزنا عن فهم متطلبات تلك الحركة، وعَجَزنا عن الاستجابة لها في صورة مبادرات تنمويّة وخدميّة، فإننا سنجد أنفسنا نُدفَع نحو الهامش شيئًا فشيئًا مهما ملكنا من الأصوات الجهوريّة المدوّية، ومهما ملكنا من مواقع الهيمنة الثقافيّة ومن أدوات التأثير والإقناع.
فما الذي علينا أنْ ندركه على هذا الصعيد؟ وما الذي علينا أنْ نعمله أو نساعد على عمله؟
إنّ ما علينا في هذا الشأن كثير وكثير جدًا، لكن لعلّي أُلقي ضوْءًا خاطفًا على شيء منه عبر المفردات الثلاث الآتية:
-طبائع الناس ثابتة، فأشواقهم وطموحاتهم وما يرتاحون إليه، وما يُشعرهم بالأذى، وما يرجونه، ويخشونه ... كل ذلك ثابت ومستمر، لأنّه متصل بالفِطرة التي فطرهم الخالق -جل وعلا- عليها؛ لكنَّ وعي الناس ليس ثابتاً، إنّه متحرّك ومتقلّب، وهو كثيراً ما يكون صدًى لمصالحهم ورَغَباتهم، إلى جانب حاجاتهم الروحيّة والجسديّة والمعيشيّة.
وإحساس الناس بالثوابت أو بالحدود -والتي يجب أنْ تتوقف عندها طموحاتهم وسلوكاتهم - ضعيف وأحيانًا معدوم. ومن الواضح أنّنا كلما مضيْنا خُطوة إضافية إلى الأمام في ميادين الحضارة، ازداد وعينا تفتّحًا على مصالحنا، وصار حرصنا عليها أشد. وفي ظل الافتقار الروحيّ والأدبيّ الذي تمارسه العلومة صار الناس يشعرون -كما لم يحدث لهم في أي وقت مضى- أنّ مصالحهم تتجسّد في المزيد من فرص العمل والتملّك، والرفاهية، وراحة الأبدان، والصّعود الاجتماعيّ والبحبوحة الماليّة... وحين تترسّخ هذه الوضعيّة، وتقوى جذورها فإنّ الفوارق بين أهل التدين والالتزام وبين غيرهم في هذه الأمور لا تزداد مع الأيام إلا تضاؤلاً وانكماشًا.
ما الذي يعنيه كل هذا للمناعة الفكريّة؟
إنّ من شأن المفكر والمصلح أنْ يحتفظ بمسافة فاصلة بينه وبين الناس الذين يوجههم، ويسعى إلى مساعدتهم. وفي تلك المسافة تتبدّى صلابة المنهج الذي نؤمن به، فنسعى جاهدين إلى ردّ الناس إليه وإلى الجادّة الصّحيحة. ويتجلى فيها أيضاً الفهم الدّقيق لِعِلَل المجتمع، فيتصرف كما يتصرف الطبيب الخبير الناصح، والرحيم في تقديم الدّواء الناجع بأرفق أسلوب ممكن.
في تلك المساحة تظهر لباقتنا وحسن سياستنا وقيادتنا وحسن مجادلتنا ومداراتنا. إنّنا نخطو نحو الناس خُطُوات حتى نجذبهم إلينا خُطوة.
في تلك المسافة تظهر المرونة الذهنيّة لدينا، ويظهر ترتيبنا للأولويّات، وفهمنا العميق لطبيعة المطالب والحاجات التي لا تستقيم الحياة العامة من غيرها، ويأتي على رأس تلك المطالب صيانة حقوق الناس وكرامتهم إلى جانب مناصرة الضعيف والوقوف إلى جانبه حتى يسترد حقه. كلّنا يذكر الاختراقات التي حقّقها المذهب الاشتراكي وفرح كثير من الجماهير به أملاً في أنْ يحسَّن أحوالهم الاقتصاديّة، وأوضاعهم القانونيّة والسياسيّة، وحين وجدوا أنّ الدّعاوى أكبر من الحقيقة بل ضدّ الحقيقة المتحصّلة في كثير من الأحيان انفضّوا عنه، وثاروا عليه.
2-يحتاج الناس حاجة ماسَّة إلى من يساعدهم على تحقيق التوازن في حياتهم الشخصيّة. إنه يُهيَّأ لي في بعض الأحيان أنّ التطرّف والميل عن القصد والاعتدال، إنما هو شيء متوضع في التراث الجيني للبشريّة.
إنّنا نرى فعلاً الكثير من أنشطتنا ومواقفنا وتوجهاتنا قائمًا على ردود الأفعال أكثر من قيامه على رُؤية شاملة ومتوازنة. إنّ مسايرة الناس في كل ما يتجهون إليه، يُعَدُّ خطأ فادحًا، ولا يليق أبدًا بقادة الفكر والإصلاح أنْ يتحركوا وفق رمزيّة (ما يطلبه المستمعون أو المشاهدون). إنّ المنهج الربانّي الذي أكرمنا الله - تعالى - به قد ملّكنا الدّليل الذي يرشدنا إلى الوضعيّة الصّحيحة والآمنة. وإنّ الذين يجهرون اليوم بتحقيق رغبات الجماهير - دون تمييز- يخونون أمانة الرّيادة العلميّة والاجتماعيّة ويجرّون الجماهير الغافلة إلى حتفها!(42/489)
في الناس اليوم سعي حثيث للحصول على المكاسب الماديّة، وهذا شيء لا يُسبّب مشكلة في الأصل، لكنه حين يتمّ على حساب الأنشطة الروحيّة والأدبيّة والإنسانيّة، فإنّه يرمز إلى خَلَل في حياة الأمّة. وألمس في كثير من المثفقين اليوم حرصًا منقطعَ النظير على التقدّم العقلي وعلى النجاح في الأعمال الدنيويّة، وهذا شيء جيّد لولا أنّه يصاحب إهمالاً للفلاح والطّيبة والصّفاء والتألّق الخُلُقي.
وفي الناس اليوم اهتمام واسع النطاق بالعاجل والمباشر وإهمال للآجل مما جعل قِصَرَ النظر أحدَ أهمّ الأدْواء التي نُعاني منها. وصرنا عبارة عن مجتمعات لا تعرف ما تريد، ولا تمدّ قرون الاستشعار في جوف المستقبل على نحو ما هو مطلوب، وعلى نحو ما هو موجود لدى الآخرين!
وهناك أمور أخرى من هذا القبيل. وإنّ من واجبنا أنْ نطلق من الأفكار والمفاهيم والأدبيّات وصيحات التحذير ما يساعد الناس على استعادة التوازن والاعتدال في هذه المسائل وغيرها؛ بوصف ذلك خطًّا متّصلاً يجب التزامه والمحافظة عليه في كل الأحوال.
3-إنّ زماننا هذا هو زمان البغْي وتجاوُز الحدود. وهذا مفهوم، فألصقُ شيء بالقوّة هو الطُّغيان. ونحن نعيش اليوم في عصر القوّة.
يقول الله - جل وعلا- : ( كلا إنّ الإنسانَ ليطغى أنْ رآه استغنى) [العلق: 7.6]، ويقول- سبحانه- : ( ولو بسطَ اللهُ الرّزقَ لعباده لبغَوْا في الأرض)[ الشورى:27] .
إنّ الناس بما فطرهم الله عليه من حب البقاء يسعَوْن دائمًا إلى التمدّد، ويميلون إلى التغوّل. وكثيراً ما تُهزم المبادئ الواضحة والراسخة أمام هذه الغريزة؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحبّ أنْ يكون له ثالث". ومن هنا فإنّ مستلزمات المناعة الفكريّة أنْ ننتج المفاهيم والأفكار والنظم التي تمنع تمدّد ذوي القوة: قوّة المال، وقوّة الجاه، والسلطة، وقوّة العلم، والجسم... إنّنا لا نسيء الظّن بالناس، ولكنّ أمور الأمم- أيضًا- لا تُبنى عل حسن الظنّ، وإنما تُبنى على مُعْطَيات ملموسة ومنظّمة، ويمكن الاحتكام إليها. ونحن في العالم النّامي نُعاني أكثر من غيرنا من القهر والإذلال وغَمْط الحقوق. وذلك لا يعود إلى أنّ التربية السائدة لدى الأمم المتقدمة أفضل من التربية السائدة لدينا، وإنما يعود على نحو جوهري إلى أنّ من تدعوه نفسه إلى البَغْي هناك يواجَه بحواجز وسدود منيعة من النظم والقوانين والأعراف والمؤسّسات التي توقفه عند حده، وتُوقع به العقوبة إذا تجاوز ذلك أو احتال عليه.
إنّ التّنمية الجيدة مشروطة دائماً بسيادة الأمن، والاستقرار، واحترام النظم، ووقوف كل واحد من الناس عند الحدّ الذي يجب أن يقف عنده.
ولن يستطيع أيُّ فكر مهما كان لونه، وعمقه، ورسوخه أنْ يصمد لعاديات الزمان وتقلّبات الأحوال، إذا لم يأخذ هذه الأمور التي أشرت إليها، وما يشبهها بعين الاعتبار.
والله ولي التوفيق
قِيمة ما لدينا من طروحات وأفكار إصلاحيّة لا تنبع من جوهريّة ما نقدّم وصوابه وشفافيّته فحسب؛ وإنّما لا بدّ - إلى جانب ذلك- من كونه ملائمًا للمستجدّات الحضاريّة وللمشكلات التي يعاني منها الناس، بالإضافة إلى تناغمه مع الأشواق والتطلّعات التي تحملها الأجيال الجديدة نحو المستقبل. وإنّ علينا أنْ ندرك هذه المسألة بسرعة كبيرة وعلى نحو جيد؛ لأنّ المناعة الفكريّة التي ننشدها ونحرص على التمتّع بها لن تتوفر من الآن فصاعدًا إلا من خلال فتح العين جيدًا على هذه المسائل.(42/490)
كنّا في الماضي نفهم الحصانة الفكريّة على أنّها المحافظة على ما لدينا، وإغلاق كل المنافذ والأبواب التي قد يدخل منها ما يخالف أو يعكّر ما نعتقد أنّه أثمن شيء لدينا، وهو مبادئنا وأصولنا. وهذا في أساسه ليس خطأً؛ لكن كثيرًا ما كنّا نتوسّع في هذا الشأن حتى طال الحجْر والمنع النقد للفرعيّات والخلافيّات والسياسيّات والاجتهادات، وصار هناك في الساحة الإسلاميّة نوع من المزايدة في هذا الشأن، فكلّما مال المرء إلى التشدّد مع المخالفين دلّ ذلك على غيرته وصلابة دينه، وزاد -مع ذلك- الوثوق به والرّجوع إليه. إنّ الثوابت يجب أنْ تظلّ مصونة وواضحة، ويجب أنْ نتخذ منها محاور للتربية الاجتماعيّة. أمّا ما هو من قبيل الاجتهاد، وما هو من قبيل الخبرة البشريّة في تنظيم الحياة وإدارة المشكلات، وما هو من قبيل الأساليب والأدوات ... فينبغي أنْ يتعرض (باستمرار) للنّقد والمراجعة والغربلة؛ وإلا وجدنا أنفسنا ندفع نحو الهامش باستمرار. إني أتطلّع إلى اليوم الذي نلمس فيه إحساسًا جديدًا وقويًّا بقصور اجتهاداتنا ورؤانا وتنظيراتنا وتنظيماتنا ومبادراتنا... كما أتطلّع إلى اليوم الذي نجد فيه في تنظيم كلّ هيئة أو مؤسّسة شيئًا يتحدّث عن طريقة مراجعة تلك الهيئة، وطريقة نقدها وتطويرها وتنميتها... كما أتطلّع إلى اليوم الذي نتعوّد فيه - معاشر الكتّاب، ومعاشر الدّعاة، ومعاشر المصلحين، والتربويّين- نتعوّد فيه الإعلانَ عن النّقاط غير الواضحة وعن الأفكار غير النّاضجة وغير المختمرة، وعن الخطط غير المكتملة التي نقدمها ونضعها بين يدي الناس, وهذا ليس كرمًا ذاتيًّا نفخر به، وإنّما هو شيء تفرضه طبائع الأشياء، ويفرضه الحرص على مقاومة التكلّس والتحجّر ثم الانهيار. إنّ جزءًا أصيلاً في كل طرح، وفي كل نظام عظيم يكمن في قبوله للمراجعة، والنّقد والإنماء والتّغيير. وهذا أهم عامل من عوامل استمرار الحضارة الغربيّة طوال القرون الماضية على ما فيها من نواقص وانحرافات وأزَمَات...
إنّ من المهم أنْ ندرك أنّك حتى تحافظ على الأصول والثوابت والأساسيّات، فلا بدّ لك من حركة لا تهدأ في تطوير تنظيرك وطرحك الفلسفي، وفي تحسين الأطر والأساليب والأدوات التي تخدم تلك الأصول... إنّ كبار المفكرين المسلمين وكبار المصلحين والدّعاة لا يستطيعون حين يطرحون مشروعاتهم الإصلاحيّة، وحين يبلورون رؤاهم في التغيير والتجديد أنْ يقدموا شيئًا مكتملاً ونهائيًّا؛ وذلك لأنّ عقولنا لا تكتشف الحقائق والمتطلّبات والمشكلات، وما ينبغي أنْ نصير إليه إلا على وجه التدرّج. إنّ كلّ شكل، وكلّ فكرة، وكل وضعية تفتح لنا أفقًا جديدًا ما كان في الإمكان أنْ نراه قبل رُؤية سابقة؛ وهذا هو الأساس الذي يجعل التطوير والتجديد سنّة الحياة. إنْ أيّ جماعة، أو دولة، أو جهة لا تملك آليّات المراجعة ستجد نفسها في أوحال الجمود الذي لا يؤدي إلا إلى فقد الوزن والتحلل الذاتيّ. أضف إلى هذا أنّنا حين نفكر، وننظّر، ونخطّط، ونصمم، نقوم بذلك في جوّ من الطّلاقة الكاملة، وحين يدخل ذلك في مضمار التّطبيق والتنفيذ يكون الأمر مختلفًا جدًّا، حيث يفرض الواقع دائمًا حدودًا للعمل، فهناك الإمكانات المحدودة والنّظم والقوانين المقيّدة، وهناك الأعراف والتقاليد الاجتماعيّة الضاغطة، وهناك المنافسون والخصوم.... ومن هنا تنشأ مفارقة قد تكبر وقد تصغر بين النظريّة والتطبيق، وهذه المفارقة هي التي تمنح المشروعيّة الفكريّة والأخلاقيّة للنقد والمراجعة والمحاسبة.
إذا تأمّلنا في أحوالنا وأوضاعنا وجدنا حرصًا كبيرًا على أنْ تكون أشعّة النّقد موجّهة نحو الخارج، ولذلك أسبابه المفهومة؛ فنقد الآخرين سهل لأنّه لا يتطلّب منّا أيّ تغيير في أوضاعنا. ثمّ إنّنا كثيرًا ما نستخدمه من أجل إظهار فضائلنا وجعل أتباعنا يثقون بما لدينا. ثم إنّ النقد يستخدم أحيانًا جزءًا من حرب شعواء ضد الخصوم والمخالفين؛ مع أنّ أدبيّاتنا الإسلاميّة تحثّنا على أنْ نوجّه أكبر قدر من النّقد والفحص لأنفسنا وأوضاعنا، وأنْ ننشغل بعيوبنا عن عيوب الآخرين. من المهم في مسألة النّقد أنْ نحاول القيام بثلاثة أمور جوهريّة:
1-أنْ يكون النقد وواضحًا وأنْ نسمّي الأشياء بأسمائها في إطار من الأدب الإسلاميّ، وفي إطار الشعور بالمسؤوليّة الأخلاقيّة. إنّ لغة الغمغمة لن تؤدّي إلا إلى تأزّم الأمور. وإنّ كثيرين جدًّا لا يفهمون ماذا نريد، وبماذا نطالب، وماذا ننقد، وذلك بسبب ا لإبهام المعتمّد.(42/491)
2-تحديد المسؤولين عن الأخطاء و التّقصيرات التي تقع هنا وهناك. في أحيان كثيرة نكون واضحين في بيان حجم المشكلة، لكنْ حين يصل الأمر إلى تحديد الأسباب والمتسبّبين نجد أنّنا غير قادرين على وضع النقاط على الحروف. وقد اكتشفنا مؤخرًا أسلوبًا خادعًا في هذا الشأن، وهو القيام بتوزيع المسؤوليّة على أكبر عدد ممكن من الناس، وكأنّنا نحاول أنْ نفرّق دم القتيل على القبائل كما كانت تحاول ذلك العرب قديمًا. ولهذا فإنّ كثيرًا من التقارير والتّوصيات وملفّات المراجعة والمحاسبة يجعلك تخرج بانطباع الخذلان والإحباط ؛ حيث ينتهي الأمر إلى ضرورة أنْ نقتنع بأنّ الكلّ مسؤول، وبأنّ الكلّ أيضًا غير مسؤول!. إذا كنّا غير قادرين على توضيح تقسيم المسؤوليّة عن أزماتنا على نحو جيّد فهذا يعني أنّنا لن نستطيع التخلّص من تلك الأزَمَات ولو بعد حين. ويعني أنّ إيجاد نظام للمحاسبة عادل ودقيق يشكل إحدى الأولويّات الحضاريّة لأمّة الإسلام.
3-تقديم البدائل وإغناء الساحة بالأفكار الإيجابيّة: إنّه لا يكفي أنْ نقول: إنّ في إدارة فلان للمؤسّسة الفلانيّة خللاً كبيرًا. كما لا يكفي أنْ نقول: إنّ هذه اللفظة في بيت الشّعر الفلاني قلقة ونسكت. لا بدّ من أنْ نحاول أنْ نقترح ما هو أجمل وأنفع وأفضل مما هو موجود، ويجب أنْ نمتلك القدرة على الشرّح، والتفسير، والتعليل، لما ننقده إذا أردنا للنّقد ألا يكون نوعًا من اللّغو، أو نوعًا من التكميل الشكليّ لحياة فقيرة في معانيها وإنجازاتها.
إنّ المراجعة عبارة عن مساهمات لإعادة التكيّف والتأقّلم، وإنّ الهيئات الكبرى والمؤسّسات الضخمة أحوج إلى التكيّف من أجل البقاء من غيرها. وإنّ التاريخ ليشهد على أنّ أنواعًا من الحيوانات، والأشجار، الضّخمة هلكت وانقرضت بسبب عدم قدرتها على التكيّف مع الأحوال المناخيّة الطارئة والجديدة.
نحن في ظروف جديدة كلّ الجِدّة، ولهذه الظّروف متطلبات لا عهد لنا بها، وإنّ من جملة تلك المتطلبات النّظر إلى حاجتنا إلى النّقد على أنّها لا تقل أهميّة عن حاجتنا إلى البناء، والنّظر إلى الأخذ والتمثّل على أنّه لا يقلّ أهميّة عن العطاء، والنظر إلى الانفتاح وخوض المعركة ببسالة وإقدام على أنّه لا يقلّ أهميّة عن اللجوء إلى الحصون والاختباء خلف الأسوار.
ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ
إن ملامح القصور في العقل البشري أننا لا نستطيع في كثير من الأحيان وضع حدود فاصلة بين الثبات على المبدأ والتمسك بالأصول والثقة بالمنهج وبين التصلب الفكري المذموم، والذي يعني -فيما يعنيه- النقص في تطورنا الذهني بما يلائم المتطلبات والتحديات الجديدة. وهذه الوضعية العالمية الشاملة تجعل الناس دائمًا مُهدَّدين بالعجز عن مسايرة الواقع والملائمة بين المنهجيات التي يؤمنون بها وبين الأسئلة المطروحة عليهم؛ وإن شئت فقل: العجز عن الإجابة عن الأسئلة المطروحة من خلال المنهج الذي يعتقدون بصوابه. بعبارة أخرى: أعتقد أن علينا أن نتلمس دائمًا حجم المرونة الذهنية والمرونة في الطرح وفي الخطاب وفي برامج الإصلاح والمعالجة؛ فالضغوطات التي تمارس علينا من مختلف الجهات، وأوضاع التأزم والتخلف المختلفة تولّد لدينا الكثير من الخوف غير السائغ، وتدفعنا باتجاه الجمود والانغلاق، كما تدفعنا باتجاه استخدام الضغط وسيلة في ترشيد مسيرتنا عوضًا عن الثقة والإقناع دون أن نشعر بذلك، ودون أن نشعر بعدم ملاءمة هذا لروح العصر وللذائقة الثقافية الجديدة. ولهذا فإن الخطاب الإسلامي -والذي يقوم في مفاصله الأساسية على الفكر الإسلامي المعاصر- يميل إلى أن يكون سلبيًّا ضابطًا أكثر من أن يكون مبادرًا محفِّزًا ومنتجًا للأفكار والمفاهيم والمشروعات والبدائل؛ مع أن الحضارات لا تقوم في أول انطلاقها أبدًا على المنع والسلب والضبط.. إنها تقوم بناء على المبادرة والانطلاق والعطاء والمساهمة.. إنها أشبه بينابيع صغيرة، تتجمع فتشكل نهرًا متدفقًا، ثم نجد أنفسنا بعد مدة في حاجة إلى تصفية ذلك النهر وتنقية مائه من الشوائب.(42/492)
إن الفكر الإسلامي سوف يكتسب من المناعة والحصانة والقابلية للاستمرار على مقدار ما يملك من التوازن في بنيته العميقة بين الثوابت والمتغيرات وبين المثالية والواقعية، وعلى مقدار ما يملك من المرونة في الفهم والاستيعاب وفي تقديم الحلول. إن العواصف الهوجاء تقتلع وتحطم الأشجار العملاقة على حين أن السنابل والحشائش تُبدي قدرة أكبر على الصمود والمقاومة والسبب في هذه المفارقة هو المرونة التي في الأخيرة والتصلب الذي في الأولى. واليوم توضع قواعد وكتل مطاطية في أسفل الأبراج والعمارات الشاهقة كي تقاوم الزلازل الأفقية؛ حيث يمنحها المطاط المرونة الكافية للتجاوب مع اهتزازات الزلازل على شكل امتصاص لها. إن المرونة لا يصح أبدًا أن تعني التنازل عن المبادئ ولا التساهل تجاه المحرمات، كما لا يصح أن تعني إقرار الباطل وممالأة الظلم، ولا أن تعني تغيير الاتجاه... إن هذه الأشياء لا تشكل أبدًا مرونة أو تكيفًا صحيحًا، إنها انحراف واضح تجب مقاومته والتصدي له. إن المرونة المنهجية تعني في نظري الآتي:
1- حسن الاستماع وحسن تفهم ما لدى الآخر. إن الأمة في أزمة متشعبة ولو لم يكن من معالم تلك الأزمة سوى ابتعاد عدد كبير من أبنائها عن جادة الالتزام بتعاليم الشريعة الغرّاء وسوى تدني مكانتها العالمية بين الأمم لكان ذلك كافيًا . حين يكون المرء في أزمة؛ فإن عليه أن يفتح عشر عيون وعشر آذان لالتقاط أي فكرة أو أي حل أو أي أسلوب أو أي أداة في إمكانه أن يخفف من غلواء الأزمة التي يعاني منها. إن مشكلة: كمشكلة البطالة، أو رداءة مستوى خريجي الجامعات، أو مشكلة تسلط الحكومات، أو انتقال السلطة بسلاسة وعلى أسس مشروعة، أو مشكلة ضعف الالتزام، أو تفكك الأسرة المسلمة بالتدريج... أقول: إن مشكلة كهذه المشكلات لن نستطيع الحصول لها على حلول من خلال استعراض التاريخ وتجارب الأجداد والآباء لأن سنة الله - جلّ وعلا- مضت ألا تتسع رحلة حضارية سابقة لمرحلة لاحقة. فالحلول التي عثر عليها الناس لأي مشكلة من هذه المشكلات قبل خمسة قرون لن تصلح لحلها اليوم. كما أن ما نحصل عليه من حلول ناجعة وعبقرية لمشكلاتنا لن تحل عين المشكلة بعد قرنين من الزمان.
ولن نجد حلاًّ لأي مشكلة من المشكلات آنفة الذكر لدى الغرب أو لدى اليابان أو الصين...؛ لأن أي حل من الحلول يرتكز على نوعية معينة من المعطيات الثقافية والسياسية وهذه النوعية تختلف اختلافًا واسعًا عن عالمنا الإسلامي وبين الدول غير الإسلامية المعاصرة لنا. لكن سنجد في التاريخ وسنجد لدى الآخرين نواة لحلٍّ؛ تحتاج إلى إنضاج وإنماء أو نجد فكرة ذكية تحتاج إلى تطوير أو أقلمة وتوطين. وهذه وتلك تحتاجان إلى عقل مرن ومحترف في الاقتباس ودمج الأفكار والطرق والمنهجيات المتفاوتة والمتباينة. ولن ينفع الذكاء وحده في الشأن بل لا بد من البحث العلمي المتقن والمتخصص والمستفيض، وهذا ما لم يتم الاعتراف به حتى الآن!
2- تعني المرونة الذهنية والمنهجية -أيضًا- القدرة على إدراك الفرق بين ما هو موجود في حياتنا بسبب الالتزام بالأمر الشرعي وبدافع من الالتزام بأمر الله، وبين ما هو موجود نتيجة عادات وتقاليد أنتجتها ظروف واعتبارات تاريخية، أو أنتجها التوسع في مبدأ (سد الذرائع) بسبب فهم جزئي أو زمني أو مؤقت للمصالح والمخاطر التي تترتب على سلوك معين.
ويقدم لنا وضع المرأة المسلمة نموذجًا لهذا؛ حيث إن كثيرًا مما يحتاج إلى الإصلاح في حياة المرأة المسلمة ومهامها العامة نشأ نتيجة مواصفات اجتماعية معينة مالت بها نحو الغلو أو نحو التفريط والتساهل بعيدًا عن المنهج الرباني الأقوم. قد يكون من الأسس النافعة في تصور إصلاح أوضاع المرأة المسلمة النظر إلى أن الأصل هو تطابق كل ما يُطلب من النساء، وكل ما يحل لهن، وكل ما يصح لهن عمله وممارسته مع ما هو ثابت للرجال؛ إلا ما جاءت النصوص الصريحة بإثبات خصوصية لهن فنصير إليه، ونأخذ به. وإذا اختلف أهل العلم الموثوقون والمتخصصون في مسألة هل هي خاصة بالرجال أو النساء - نظرنا إلى خلافهم على أنه باب من أبواب التوسيع على الأمة ورفع الحرج عنها. ومثل ذلك يقال في اختلاف أهل العلم في كون عمل من الأعمال - يجرّ مفسده أوْ لا. والذي يظن أن الأخذ بالأحوط وبالقول الأشد حذرًا وبالأميل إلى التشدد- يحل مشكلات الأمة أو يساعد الناس على مزيد من الالتزام - يكون واهمًا؛ حيث إن مثل هذا قد يدفع كثيرًا من الناس بعيدًا عن منطقة التدين كلها بما فيها من ألوان صفراء وحمراء، وواقعنا مملوء بالشواهد على هذا.(42/493)
3- تعني المرونة كذلك القدرة على إعادة ترتيب الأولويات الدعوية والإصلاحية والإنمائية. حين نقول: إن إصلاح هذا الأمر يشكل أولوية فإن هذا يعني أننا ندرك خطورة استمراره، وعظم حاجة الناس إليه، وارتباط صلاح مسائل أخرى بصلاحه. وهذه مهمة شاقة جدًّا، وتحتاج إلى فهم عميق للسنن الربانية وللتداعيات المنطقية القائمة بين جوانب الحياة المختلفة. في معظم البلاد الإسلامية تتمثل الأولوية الإصلاحية في تعليم الناس أمور دينهم ، وفي حل أزماتهم الاقتصادية المتراكمة والمتعاظمة. وفي بعض البلدان الإسلامية يشكل الإصلاح السياسي أولوية. ويشكل إصلاح النظام التعليمي في بعض الدول أولوية مطلقة وهكذا... ولا يعني القول بأولوية شيء من الأشياء تعطيل الاهتمام بغيره من جوانب الحياة المختلفة؛ لكنه يعني أن نصرف عليه من الوقت والجهد أكثر مما نصرفه في غيره.
موضوع المرونة المنهجية موضوع طويل وقد أعود إليه في يوم من الأيام.
ومن الله الحول والطول.
الفكر المنيع فكر قادر على الاستمرار ومناعته نابعة من طبيعته ومقوماته الذاتية، ومقومات الفكر الإسلامي ليست شيئًا يصنعه الناس جريًا وراء أهوائهم أو اجتهاداتهم الشخصية، فالفكر لا يكون إسلاميًا إلا إذا كان تكونه في إطار تعاليم الإسلام ومقاصده العامة، ولا يكون نموه صحيحًا إلا إذا كان عن طريق حبل سري متصل بالمصالح المنضبطة للأمة وبالطبيعة البشرية، وما نعرفه من سنن الله -تعالى- في الخلق. وشيء من هذا الكلام ينطبق على الفكر الإنساني أيضًا؛ حيث إن صناع الأفكار يستطيعون أن يقولوا - على مستوى التفاصيل الدقيقة- الكثير مما يريدون، لكن تظل حيوية ما يقال وقدرته على تشكيل الحضارة مرهونة لاتصالها بالسنن الربانية وبتشوقات البشر وتطلعاتهم.
وتأسيسًا على كل هذا يمكن القول: إن الغلو بكل سماته وأشكاله ومظاهره ومنطلقاته يشكل إحدى الآفات والعلل المزمنة والخطيرة التي طالما أصابت الفكر الإنساني والإسلامي في مقتل، والحقيقة أن البعد عن القصد والميل إلى المنازع والاتجاهات الغالية المتطرفة يشكِّل جزءًا من التراث الحضاري لكل الأمم؛ وإني لأكاد أزعم أن ذلك متصل بالتكوين العقلي والنفسي لبني الإنسان. وإذا صح هذا فإنه يكون جزءًا من أدوات الابتلاء في هذه الحياة. إن الغلو مصطلح شرعي، لكن تطبيقاته واسعة جدًا إلى درجة أن بعضها يتصل بالذوق وبالخبرة البشرية وبالتراكمات الثقافية المتنوعة، ولهذا فإننا حين نتحدث عن الغلو أو الإفراط أو التطرف أو التشدد في أمر من الأمور المتصلة بالتدين والالتزام فإن علينا ألا نتجاوز الأحكام الشرعية. وفي هذا الإطار فإننا نجد اليوم في الساحة الثقافية العامة صنفين ممن يتحدث عن الغلو: صنف يهرف بما لا يعرف، حيث ينطلق من خبرة محدودة جدًا بالشريعة وبالفقه الإسلامي لكنه يملك جرأة تصل إلى حد الوقاحة في إطلاق الأوصاف والنعوت النارية علىسلوكات ومواقف لا ينبغي أن يتحدث فيها إلا أهل الاختصاص وهم الفقهاء، وهذا شيء طبيعي فكما أنه لا يتحدث في الأمور الهندسية الدقيقة إلا مهندس، وكما لا يتحدث في المسائل الفيزيائية العويصة إلا فيزيائي فكذلك لا يتحدث في مسائل التدين والالتزام والتعبد والسلوك الإسلامي عامة إلا فقيه خبير. أما الصنف الثاني فإنه ينطوي على سوء نية وعلى انحراف في الوجهة، إنه يريد من خلال الحديث عن الغلو هدم الإسلام ذاته؛ فالذي يمتنع عن إيداع أمواله في البنوك الربوية متزمت غال، والمرأة التي تستر وجهها أو تمتنع عن مجالسة الرجال الأجانب متخلفة ومعقدة، والمسلم الذي يستدل بالآيات والأحاديث في التنظير للقضايا حرفّي محدود. والمسلم الذي لا يستمع للموسيقى غليظ المشاعر، ومفتقر إلى نوع من التهذيب لا يأتي إلا عن طريق الموسيقى...!!
وقد كثر هذان الصنفان في الساحة الثقافية والإعلامية، وكثير منهم يظنون أنهم يساعدون الأمة على النهوض والارتقاء، وهم في حقيقة الأمر يمارسون عملية تخريب واسعة النطاق ولا تظهر آثارها إلا بعد عقد من الزمان.
وعلى كل حال فإن من واجب المفكرين والمنظِّرين وأهل كل الاختصاصات العلمية أن يشيعوا في الجماهير المسلمة مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح واليسر، وأن يقاوموا نزعات الغلو التي تجتاج كل الشرائح والفئات وكل الدوائر والتخصصات؛ فهناك غلوّ في السياسة وفي الاجتماع وفي التدين وفي الاقتصاد والتربية والتعليم والتعامل مع التاريخ والتخطيط للمستقبل.. وأهل كل تخصص هم الذين يقررون الاتجاهات والأقوال الغالية في تخصصهم، وهم الذين يحددون درجة ذلك الغلو، وعليهم تقع مسؤولية معالجته وتخليص الناس منه، وهذه نقطة مهمة حيث يظن بعض الناس أن الغلو عبارة عن مشكلة دينية محضة، وهذا غير صحيح. قد كانت الشيوعية مغالية حين أعطت دورًا استثنائيًا للدولة في إدارة شؤون الناس، وقد أدى ذلك تهميش المجتمع وتعطيل كثير من وظائفه، وكانت النتيجة هي انهيار الدولة والمجتمع معًا.(42/494)
ومن المربين من يغالي فيجعل دور البيئة حاسمًا في تقرير ثمار الجهود المربية. ومن المؤرخين من فسّر التاريخ تفسيرًا عرقيًا عنصريًا، ومنهم من فسره على أساس عبقرية المكان والدور الحاسم للجغرافيا وهكذا وهكذا.. وكلما تقدم العلم خطوة إلى الأمام يتضح لنا أكثر فأكثر أن المراهنة المبالغ فيها على بعد من الأبعاد أو قول من الأقوال أو عنصر من العناصر أو تفسير من التفسيرات أو دليل من الأدلة معلومة من المعلومات... هي شيء بعيد عن القصد وعن الواقع، وقريب من أن يكون مجازفة علمية، فالتعقيد الذي نكتشفه اليوم في طبيعة كل البنى الثقافية يحتم علينا أن نبلور دائمًا رؤى ونظريات واجتهادات ذات طبيعة تركيبية. والطبائع التركيبية تساعد دائمًا على الحد من الغلو والانجراف خلف وجهات أحادية ضيقة. إننا -كما أخبر سبحانه- ولا نعرف إلا القليل. وكثير من معارفنا هش وغير مكتمل، ومنفتح على آفاق مجهولة، مما يعني أن علنيا أن نحذر أشد الحذر من الاعتزاز باجتهاداتنا الشخصية ومن المغالاة في انتماءاتنا الحزبية والحركية، وأن نظل إلى جانب ذلك في حالة من البحث المستمر عن الرؤى المتوازنة البعيدة عن الإفراط والتفريط، فالمتقدم على الصف والمتأخر عنه يسهم كلٌّ منهما في اعوجاجه. إن اليهود فرّطوا في موقفهم من الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بل من رب العالمين -جل وعز- فقد قالوا: يد الله مغلولة، ووصفوه بما لا يليق بإنسان فضلاً عن أن يليق بالخالق، وكذّبوا الرسل وأهانوهم وقتلوهم. أما النصارى فقد أفرطوا في هذا الشأن حيث قدّسوا عيسى -عليه السلام- حتى جعلوه إلهاً. أما أمة الإسلام الوسطية فقد نجت في موقفها العقائدي العام من هذا و ذاك.
ونحن اليوم في حاجة إلى أن نتلمس المزيد من المواقف والتطبيقات التي تعكس وسطيتها في مجالات الحياة كافة. وقد ابتلى الإسلام على مدى عهوده المتطاولة بفئتين من أبنائه : فئة تتفلت من تعاليمه، وتتقاعس عن أداء مقتضياته وواجباته. وفئة تحمل الناس على المكاره، وتدفعهم في اتجاه العسر والحرج والضيق. والفئة الأولى خاضعة غالبًا للشهوة أما الفئة الثانية فإنها في الغالب خاضعة للشبهة. ومن هذه وتلك تتكون وضعية بائسة تجمع بين القصور والانحراف.
وللحديث صلة.. والله وفي التوفيق.
الإسلام هو رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - الأخيرة التي تتلقاها البشرية من الله -جل شأنه-؛ ولهذا فهي رسالة عامة وشاملة، فيها ما يحتاجه صلاح الناس مهما اتسعت أمداء الزمان والمكان، ومهما تنوعت الظروف والأوضاع والأحوال. وهذا يتطلب بداهة سعة الأطر، ورحابة الأحكام، ومراعاة شيء من التنوع الثقافي، وترك بعض التفصيلات أو كثير منها لتقدير علماء الأمة وباحثيها، ليستنبطوا من الأصول العامة للشريعة السمحة ما يغطيها ويوضح للناس أحكامها.
ويلاحظ في هذا السياق ثلاثة أمور مهمّة:
1- معظم نصوص الكتاب والسنة ظنيّة الدلالة، مما يفتح باستمرار مجالاً للاجتهاد واختلاف الآراء. ولو شاء الله -تعالى- لجعلها جميعاً محكمة قطعية الدلالة؛ لكن ما هو ماثل الآن ينسجم مع خلود الرسالة وختمها وعمومها. ومن شأن الاختلاف توفير إمكانات واختيارات وبدائل. كما أنه يعكس رؤى المجتهدين وتنوع ثقافاتهم وتقديرهم للحالة أو الوضعية موضع النظر. وهذا يضفي على الأحكام طابع اليسر والسهولة، ويجعلها قريبة من معاناة الناس ومشاعرهم. وكل هذا جزء صغير من رحمة الله -تعالى- ولطفه بعباده.
2- النصوص على نحو عام في المسائل التي تختلف باختلاف الزمان والمكان قليلة، وفيها توجيهات عامة. وقلة النصوص ترمي إلى إفساح المجال للمجتهدين كي ينظروا ويستنبطوا في ظلال المقاصد العامة للشريعة وفي إطار حاجات المجتمع المسلم. ونجد هذا واضحاً في المسائل السياسية والإدارية والعلاقات الدولية والمسائل التنظيمية عامة وقد عتب الإمام الجويني في كتابه (الغياثي) على الماوردي في أنه ساق في كتابه (الأحكام السلطانية) الأحكام المتعلقة بالسياسة الشرعية بلغة فيها الكثير من الجزم واليقين أو بعبارة أخرى: ساق الظنيات في موارد وسياقات القطعيات. وهذا لا يليق بمجال، النصوص فيه قليلة والاجتهادات كثيرة مع امتداد آفاقه وتنوع مستجداته. وهذه الملاحظة ملاحظة ذكية من عقل كبير.
3- في صميم المنهج الاجتهادي والاستنباطي شيء يثير الإعجاب، وهذا الشيء هو ما يقوم به الأصولي والفقيه من نظر وتفكر وتحقق قبل إصدار حكم في واقعة من الوقائع أو وضعية من الوضعيات.(42/495)
إن المجتهد قبل أن يصدر حكماً في واقعة جديدة، لا نص فيها ولا إجماعاً سابقاً، يحتاج إلى كثير من التأمل والبحث، فإذا كان بصدد قياس الواقعة الجديدة على واقعة سابقة أو كان في سياق الحكم على شيء جديد بعين الحكم الصادر في شيء سابق منصوص عليه؛ فإن عليه أن يكتشف علة الحكم في الأصل وهذه العلة قد تكون جلية وقد تكون غامضة، وقد يحتمل الحكم في الأصل أكثر من علة واحدة، ويكون عليه آنذاك أن يقوم بعملية أطلقوا عليها (السبر والتقسيم) أو (تنقيح المناط)، وذلك من أجل اكتشاف العلة المؤثرة فعلاً في الحكم. وهذا العمل عمل اجتهادي عظيم يقوم به الأصوليون والفقهاء الكبار المتمكنون.
ونتائج هذا التمحيص كثيراً ما تكون موضع نزاع وموضعاً لتباين الآراء والاجتهادات. فإذا عُرفت العلة المؤثرة في الحكم، فإن هناك عملية أخرى لا تقل شأناً عما سبق، وهي التأكد من أن العلة موجودة في الحادثة الجديدة، وأن الشروط المطلوبة لجعل الفرع مساوياً للأصل أو الشروط المطلوبة لصحة إصدار الحكم موجودة ومتوفرة. وهذا ما سماه الأصوليون (تحقيق المناط) إذا قلنا إن إنكار شيء من المعلوم بالدين بالضرورة يجعل المنكر كافراً كما هو الشأن في منكر فرضية الصلاة أو حرمة الزنا، وإن بلغنا عن شخص شيء من ذلك؛ فإن علينا قبل الحكم بكفره أن نتأكد من صحة ما نسب إليه ودقته في الدلالة على الإنكار. وعلينا أيضاً أن نتأكد أنه عالم بإخراج ذلك الإنكار من الملة، وأنه لم يتراجع عنه ويتب منه وعلينا وعلينا... إن تحقيق المناط أو التأكد من انطباق الحكم على الواقعة يشتمل على رحمة عظمى للأمة حيث جعل الله -تعالى- شيئاً من التشريع في النوازل إلى الأمة ممثلة في مجتهديها.
إذا تأملنا في الملاحظات الثلاث التي سقناها وجدنا أنها جميعاً تدفع في اتجاه واحد هو الرفق واللطف بالمكلفين، وهو الأناة والتريث قبل إصدار الأحكام. وهو التيسير ورفع الحرج ورفع التشدد والغلو.
وهذا الاتجاه في الحقيقة هو سبيل المؤمنين الفاقهين، وسبيل العارفين بأسرار الشريعة ومقاصدها، والخبراء بطبائع الأشياء وسنن الله تعالى في الخلق. إن الغلاة لا يساعدون فكر الأمة على الانتشار، ولا يساعدون المسلمين على بناء منطق عالمي قابل للشرح والتوضيح وقابل للتفهم من قبل الآخرين؛ إنهم على العكس من هذا يتركون لدى الناس انطباعاً بأن الدين جاء لأولي العزم من الناس وليس لعامتهم. وهم إلى جانب هذا يحيدون عن قواعد المنهج الرشيد الذي بلوره علماء الأمة من أجل فهم كيفية الاستجابة لأمر الله في المناشط والاستجابة له في المكاره. وذلك المنهج يأخذ بعين الاعتبار حالات الضعف البشري وحالات القصور الإنساني، كما يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية التي يمر بها العباد. كيف لا والله تعالى يقول في وصف نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ؟ [سورة الأعراف:157]. إنه يضع عن أمة الإسلام الأحكام والتكاليف الشاقة التي يضعف عن حملها الإنسان والتي كانت على بني إسرائيل من مثل قتل النفس بالتوبة وتحريم الغنائم. والله تعالى علم المسلمين كما في أواخر سورة البقرة كيف يدعونه برفع الحرج عنهم حين قال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286] وقد ورد في صحيح مسلم ما يدل على أن الله استجاب دعاءهم. وقال عز وجل: (طه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) [طه:1-2] وقال: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) [الأعلى:8] قال ابن كثير في تفسيره: "أي نسهّل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعاً سمحاً مستقيماً عدلاً لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر".(42/496)
إن العمل الذي قام به فقهاؤنا على مدار التاريخ الإسلامي هو حقاً شيء يثير الإعجاب. وتأتي روعته من انضباطه بأصول محددة ومن حركته داخل النصوص. ترى فيه الثبات والاتفاق في الأصول والمسائل الكبار. وترى فيه المرونة والاتساع للتنوع والاختلاف في الفروع والمسائل الجزئية. وأعتقد أن قدراً غير قليل من (المناعة الفكرية) يجب أن يستمد من الارتكاز على روح الإنجاز الفقهي ورسومه. وإذا تأملنا في كثير من الانحرافات الفكرية لدى بعض الطوائف الإسلامية وجدنا أنها تشكل نوعاً من الخروج على منهج الاستدلال الذي سار عليه الأصوليون والفقهاء، كما تشكل خروجاً سافراً على الأحكام التي انتهوا إليها. إن الفقيه يقدم لنا دائماً نموذجاً لاعتبار الرأي المخالف. وكتب الفقه المقارن مثل: (المحلى) لابن حزم، و(المغني) لابن قدامة، و(المجموع) للنووي...؛ شاهدة على هذا. وإذا عدنا مرة أخرى إلى (الغلو) بوصفه العدو اللدود لاستقامة الفكر ومناعته واستمراره وجدنا أن الغالين يصدرون في معظم شأنهم عن تجاهل لقول غيرهم واستخفاف بالمخالف كائناً من كان. ولا شك أن هناك الكثير من المسائل التي يكون الخلاف فيها ضعيفاً حتى كأنه غير موجود، لكن هناك أيضاً الكثير من المسائل التي يعد فيها تجاهل الخلاف وتجاوزه ضرباً من الجهل العريض والطيش الكبير. وعلى سبيل المثال فقد ذهب بعض الغلاة في عصرنا هذا إلى تحريم التقليد وإيجاب الاجتهاد، وحجتهم في ذلك أن التقليد طاعة مطلقة. وهذه الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله، ولذلك فإنهم يكفرون المقلد لأنه حكَّم غير الله، واتبع غير رسول الله. وهذا يذكرنا بالخوارج حين أطلقوا مقالتهم الذائعة الصيت: "لا حكم إلا لله". والقول بحرمة التقليد يتجاهل ما قرره علماء الأمة في هذا الشأن ويتجاهل تاريخ الأمة كله؛ حيث إن لدينا ملايين الناس المشهود لهم بالخير والصلاح والعلم ومع هذا فإنهم لم يجتهدوا، وكانوا يقلدون أحد الأئمة المتبوعين. كما أن هذا القول يجافي ما تواضع عليه البشر في كل العلوم؛ إذ لا يجيز أي أهل علم أو اختصاص لأي إنسان مهما بلغ أن يجتهد في كل شيء لأن في ذلك هدماً لقطعيات العلم ومواطن الإجماع فيه. وإذا كانوا لا يجيزون الاجتهاد المطلق من القيود؛ فكيف يوجبه هؤلاء في أخطر العلوم، وهو علم الحلال والحرام وتحديد ما يحبه الله -تعالى- ويبغضه؟!
ويتجاهل الغلاة الخلاف بين أهل العلم في تحديد بعض المصطلحات، فيصيرون إلى فهمهم الخاص غير عائبين بتعريف غيرهم، ويلتزمون بما فهموه التزاماً صارماً، ولا يكتفون بذلك، وإنما يصيرون إلى إلزام غيرهم، ويرتبون لأحكام على ذلك، ويتصرفون وكأنهم أمام نص قطعي الثبوت.. قطعي الدلالة؛ هذا مع أن كل العارفين بمناهج البحث وطرق الاستدلال يعرفون أن المصطلح حين يكون هشاً أو انتقائياً أو غامضاً فإن المنهجية تقضي بمراعاة ذلك والأناة في البناء عليه. والمصطلحات التي أساء بعض الغلاة المعاصرين التعامل معها عديدة، ولعل منها مصطلح (جماعة المسلمين)؛ فقد قامت مجموعة منهم بتنصيب أمير عليها، جعلته في مقام أمير المؤمنين، وجعلت نفسها جماعة المسلمين، وصاروا يعتقدون أنهم جماعة آخر الزمان المجتباة قدراً المعلومة عند الله والمكتوبة في اللوح المحفوظ! ويقول أحد قيادييها: نحن جماعة المسلمين، وما عدانا فليس بمسلم. وقد جعل من لم ينضم إليهم بمثابة التارك لدينه المفارق للجماعة، والذي ورد في الحديث الصحيح أنه حلال الدم. مع أن الذي يعود إلى كلام أهل العلم في مفهوم (جماعة المسلمين) يجد أن منهم من ذهب إلى أن جماعة المسلمين هم الصحابة -رضوان الله عليهم- على وجه الخصوص. ومنهم من ذهب إلى أن جماعة المسلمين هم السواد الأعظم من أهل الإسلام. وذهب بعضهم إلى أنها أئمة العلماء المجتهدين. وذهب فريق رابع إلى أنها أهل الإسلام في مقابل الكفار...
ومن المعاصرين من لم يدّعوا أنهم جماعة المسلمين، لكنهم أقرب الجماعات إلى أن يكونوا جماعة المسلمين، ولا ريب أن هذا القول أخفّ من السابق لكنه ترك على تلك الجماعة آثاراً سيئة حيث أصيبت بعقدة الأخ الأكبر الذي يُستشار، ولا يستشير، ويُطلب منه التعاون ولا يطلبه..(42/497)
الغلو في التكفير مظهر آخر من مظاهر استغلال غموض المصطلحات والإعراض عن الشروط والتعريفات. وقد ورد الكثير من النصوص التي تحذر المسلم من المسارعة إلى تكفير أخيه المسلم، منها قوله صلى الله عليه وسلم "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما". وقال: "... ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله". إن أهل العلم الثقات العارفين بموارد النصوص والفاقهين لاستخدامات هذه الكلمة يقولون: إن الكفر يَرِد في الكتاب والسنة ويراد به الكفر المخرج من الملة، وأحياناً يَرِد ويراد به كفر لا يخرج من الملة، فكما أن للإيمان شعباً كذلك للكفر شعب والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى. لكن الغلاة لا يأبهون للتفصيلات ولذلك حكموا على مرتكب الكبيرة بالكفر، وكفروا كل من لم يحكم بما أنزل الله مع أن الحاكم إذا لم يحكم بما أنزل الله لأن شهوته حملته على ذلك مع الاعتقاد بأن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ لم يخرجه ذلك من الملة، وإن كان ارتكب كبيرة من أعظم الكبائر. والراسخون في العلم يحرّجون كثيراً في تكفير شخص بعينه؛ لأنه قد يكون جاهلاً أو مكرهاً أو دخل في موازنة مخلصة يحقق بها ما يمكن تحقيقه من الخير للمسلمين، ويدفع بها من الشر ما يمكن دفعه. وقد يكون له إيمان وعمل صالح كثير وقد... وقد...، وهذا مما ينقل الحكم على الحاكم من حيز الكفر الأكبر إلى حيز الكفر الأصغر.
إن الغلاة حملوا أنفسهم على المركب الصعب، وقد وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في الزاوية الضيقة. وكانت النتيجة هي الاضمحلال والانحسار؛ فمنهم من قُتل، ومنهم من شُرد، ومنهم من تراجع عن أفكاره، ومنهم من لا يزال على طريقته الأولى لكنه يجد نفسه دائماً عاجزاً عن تقديم شيء إيجابي تنتفع به الأمة.
وللحديث صلة، والله الموفق.
=================(42/498)
(42/499)
الهجمة الشرسة على التعليم (1)
د.علي بن عمر بادحدح
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
تتعرض أمة الإسلام في هذه الأوقات إلى أشرس هجمة في تاريخها الحديث ، وهي - أي هذه الهجمة - أخطر من كثير من سابقها ذلك أن صراع الحق والباطل دائم لا ينقطع حتى يرث الله الأرض ومن عليها في سنة من سن الله عز وجل الماضية .
ولئن كانت الأمة قد تعرضت في فترات ماضية إلى الاستعمار والاحتلال العسكري ، ثم بعد ذلك تعرضت إلى الغزو والتخريب الفكري ؛ فإن مايحلّ بالأمة اليوم تجتمع فيه كل شرور الحملات الماضية وكل مخاطر الهجمات السابقة ؛ فإن كان ما سبق حفياً فإنه اليوم ظاهراً ولئن كان ما سبق متدرجاً فإنه اليوم شاملٌ ، ولئن كان ماسبق يأتي بشيء من التهاون ؛ فإنه يأتي اليوم قاهراً ، وذلك في نواحي شتاء لعل وقفتنا اليوم تتناول جانباً من أخطر هذه الجوانب وأعظمها ضرراً وفتكاً في الأمة ، وأكثرها تأثيراً في مستقبلها ، وتلكم هي الهجمة على التعليم الإسلامي .
ولعلنا نحتاج إلى وقفات كثيرة في هذه القضية المهمة الحساسة ، فالتعليم عقيدة وديانة وهوية وثقافة وتاريخ وأصالة .. إنه ليس مجرد معلومات تحفظ أو تجارب تؤدي أو مدارس تقام ، أو جامعات تشاد ! إنه فكر يصاب إنه روحُ تصبغ .. إنه هوية تظهر .. إنه تاريخٌ يستعاد وتمتد جسوره ما بين الماضي والحاضر ، بل وتتجاوز ذلك إلى المستقبل .
إن التعليم في كل أمة هو أساس بنائها وقاعدة حضارتها بل وهو أعظم أسباب قوتها ونحن نرى أهمية ذلك بكل ما نراه بواقع الحياة إن كل أمة لا تصوغ مناهجها إلا وفق عقائدها يوم كانت الشيوعية الحمراء ، كان ألف بائها : " لا إله والحياة مادة " ، واليوم في الحضارة المادية العمياء إلهها " الدولار والمال "كما هو معلوم في حياة الناس ..كل أمة تتغلب على أمة أول أمرٍ تسعى إلى تغييره وتجديده هو التعليم لتصوغ الأجيال وفق مرادها ، ولتصبغ الأمة باريتها وشعاراتها .
واليوم تنكشف الهجمة العدائية ضد الإسلام مستهدفة التعليم الإسلامي بشكل مكثف وواضح في دعايات جوفا أن هذا التعليم يفرّخ الإرهاب بمفاهيمه المختلة المخلوطة الجائرة ، التي لا تزن الأمور بميزان عدل .
ولنا حديث قد يطول في هذا الأمر عن التعليم الديني وغير الديني عند اليهود في دولة المسخ الإسرائيلية ؛ فإن أولئك القوم في أصول كتبهم التي قد حرّفوها وبدّلوها ، وبالتالي أنشأ هذا التعليم كل صور العدوان التي نراها ، إن هذا التعليم وتلك الثقافة والعقيدة المنحرفة الزائغة هي التي نراها في الظلم الباغي ، و البطش الجائر ، والجبروت الذي لا يراعي حقوق إنسانية ، ولا أعراف دولية ، ولا قوانين أممية ، ولا غير ذلك مما يقال أو يبدع !
ولعلنا نقف عند هذا التعليم نؤكد على خطورته في كل الجوانب التي يتناولها .. إن الذي يقولونه في قضية التعليم الإسلامي والديني كذبٌ مردود عليه بواقع كثير من صور هذه الحياة التي نحياها قد مسخ التعليم - وللأسف - الشديد في كثير من الديار الإسلامية ، بل في بعض البلاد العربية والإسلامية لا يكاد يتخرج الطالب من مراحلها الثانوية بل والجامعية وهو لا يكاد يحسن قراءة قصار السور ، ولا يعرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا نزراً يسيراً لا يغنيه شيئاً وكذلك عنده من الفلسفات والأضاليل والأباطيل ما شوش على عقله كل صور الإسلام .. فما الذي نتج بعد ذلك ؟ وما الذي أخرجته هذه المناهج الممسوخة ؟ هل أخرجت أمة قوية متماسكة ؟ هل أخرجت أخلاقاً فاضلة ؟ هل أخرجت عقولاً واعية ؟ هل أخرجت قيماً حضارية كما يزعمونها ؟
أم أننا قد رأينا صور من المجتمعات الإسلامية وقد انسلخت من هويتها وضيعت دينها وأصبحت دليلاً تابعاً للحضارة المادية الغربية الإباحية المعاصرة ، فلا يكاد المرء حين يزور بعض البلاد يفرق بينها وبين بلاد الكفر خمورُ مباحة ، وسفورُ جائرُ وإباحية تكاد تكون أختاً للكفر والعياذ بالله . وماذا بعد ذلك في كل هذه الصور التي غيروها وحرفوها ؟
من أراد الله به خيراً ومن كانوا يحرصون على دينهم ومن كانوا على عقائدهم لم بجرفهم تلك المناهج ليست القضية في المناهج - وإن كان أثرها عظيم - لكنها في قضية الثبات والاستمساك بالحق ..(42/500)
ومَثلٌ شاهدُ في الشيوعية التي امتدت سبعين عاماً ،لم تكن تسمح بأحرف من حروف القرآن إن يقرأ أو يتلو - فضلاً عن تعليم ديني - فعن ماذا أسفر الأمر وانتهى ؟ تحطمت الشيوعية وخرج من ركامها ومن تحت أنقاضها ومن الأقبية فتيةٌ صغارٌ ، وشبابٌ يحفظون القرآن ويرددونه ، ويقرأون الكتب الإسلامية ، وقد كانوا في ضلال الشيوعية يوزعون القرآن بين العشرة والعشرين ،كلٌ يأخذ منه جزء يقرؤنه في ظلم الليل في بلاد كانت مهداً ومقراً للحضارة الإسلامية والخلافة الإسلامية ، وكانت أول معقل تهدمت فيها هذه الخلافة في العصر الحديث كان في عهد ذلك الطاغية أتاتورك ممنوع أن يؤذّن حتى باللغة العربية وأن تدرّس العلوم الإسلامية ، وأن تتلى آيات القرآنية فكانوا يستيقظون بعد منتصف الليل في الأقبية على يحفظون القرآن أضواء الشموع ، وخرجت أجيال إلى اليوم هي من نتائج تلك الفترات العصيبة .
إن دين الأمة عزيز عليها ، وإن عقيدتها أعظم عندها من أن تقهر بكل الوسائل المادية والفكرية ؛ لأنها مغروسة في أعماق القلوب وأغوار النفوس .. إنها تجري مع الدماء في العروق .. إنها النَفَس الذي يتردد ، ولذلك لا نخشى من هذه الحملات شيئاً ما دامت عقيدتنا في قلوبنا ، وما دمنا نعلم أن نجاتنا في آخرتنا ، وفلاحنا في دنيانا مرتبط بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم
إن هذه القضية التي يزعمونها والشبهات التي يرددنها كاذبة ! بدليل إن من يصفونهم بالإرهاب وُجِد منهم من هم أبناء جلدتهم ، فهل تعلّم هؤلاء في مدارس المملكة أو تخرجوا من الأزهر أو تلقنوا القرآن في هذه المدارس التي يزعمون أنها إرهابية ؟ من أين جاء أولئك ؟
إن القضية الاعتقادية والعلمي قضية لا تعالج بمثل ذلك ، وإذا رأينا الحق ؛ فإن التعليم الإسلامي المعتدل الذي يعلم القرآن والسنة لا يخرج إلا خيراً ، إن الوسيطة والاعتدال ثمرة حقيقية نافعة من ثمار التعليم الإسلامي والمنهج الرباني ، وإن الخوف والخشية من الله التي يبذرها ويغرسها المنهج التعليمي الإسلامي هي التي تمنع أصحابها من أن يخالفوا أمر الله وأن يجوروا أو يظلموا حتى مع أعدائهم لقوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } .
وهي - أي هذه المناهج التعليمية - التي تخرج المبادئ الإنسانية والحقيقة الخلقية الفاضلة ، وذلك هو الذي نعرفه في واقع حياتنا ومجتمعنا أن التعليم الإسلامي أصيل في منهجنا أول آية من كتاب ربنا قوله تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } .
منهج التعليم في الوجود كله مضبوط بهذه الآية ، إنه علم وتعليم لكنه باسم الله وعلى منهج الله ، وللغايات التي رسمها منهج الله .. إنه تعليم يرد الخير للبشرية .. إنها قراءة على منهج رباني لا يحيد به المرء والمتعلم والأمة كلها إلى هذا الظلم الذي نراه والحضارة الطاغية الباغية التي نرى صورتها .. إنه منهج يعلمنا أول علم وأشرفه وأعظمه علم الإيمان بالله والاعتقاد الحق به ، وأن هذا العلم هو القاعدة التي ضوئها نعرف الحياة وعلومها وما فيها من خبايا في أرضها ، أو فيها من أمور في سمائها وفضائها :{فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } .
أول علم هو علم التوحيد وعلم الإيمان وعلم المعرفة الحقيقية الصافية ، التي لا وجود لها اليوم إلا في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
إن التوراة المحرفة والإنجيل المزيف اليوم تقرأ فيه كفراً بواحاً لا يليق أن يوصف به شذاذ ومفسدون من البشر فضلا عن أن ينسب إلى الله - عز وجل - أو أن ينسب إلى رسله وأنبيائه المطهرين والقرآن يعلمنا أن أساس العلم ومبدأه إنما هو من تعليم الله لقوله تعالى : { الرحمن علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان } .. { وعلم آدم الأسماء كلها } .
إن تعليمنا رباني .. إن معرفتنا إلهية .. إن أصول علمنا مبدأه من معرفتنا الحقة بالله وقرآننا قد جاء بكل جوانب الإشارات العلمية في هذه الحياة ، في كل جوانبها وتخصصاتها ومجالاتها المختلفة ، وبيان أن كل ذلك إنما هو قليل في علم الله - عز وجل - لقوله تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .. { وفوق كل ذي علم عليم }
علم الله المحيط الشامل الذي أخبرنا الحق به في قوله تعالى : { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب أن ذلك على الله يسير } .. { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه } .(43/1)
يوم تستقر هذه المبادئ والحقائق لا يكون هذا الطغيان العلمي الذي استخدم اليوم لا فساد الحياة الإنسانية سوى كان في المجالات العسكرية المدمرة الباغية ، أو كان في المجالات العلمية التي تعدت الحدود الأخلاقية والإنسانية لتبعث بالحياة نفسها ، ولتمسخ حقيقة الإنسان ، بل وجاءت الحضارة بصناعتها وبهرجها لتفسد هذا الكون والحياة فيه بما هو معروف في القضايا الكبرى التي تتعلق بالبيئة والحرارة وغيرها في الأرض ، إن طغيان الإنسان بهذا العلم التقني المتقدم بعيداً عن منهج الله - عز وجل - هو الآفة الحقيقية ، وهو الإرهاب المدمر وهو الخطر الذي حال حياة البشرية اليوم إلى أعظم وأدق وأكثر الظروف حساسية في حياة هذه الكرة الأرضية .
إن أولئك القوم الذين يتزعمون تلك الحضارة ، ويظنون أنهم يحملون النور للناس ظلماتهم بعضها فوق بعض في قلوبهم مرسومة على وجوهم وظاهرة في أقوالهم وحياة شاخصة في وقائع ممارساتها في حياتهم الاجتماعية قد صاروا أدنى وأحقر من البهائم في إباحيتهم وشذوذهم وأمراضهم التي ابتلاهم الله عز وجل بها في حياتهم الأمنية ، في كل لحظة من لحظاتهم ، وثانية من ثانيات أوقاتهم جرائم لا تعد ولا تحصى ، أي حضارة يريدون أن يشيعوها في العالم ؟ وأي تعليم يريدون أن يقتبس منهم ؟
إن تعليم المادة إرث حضاري إنساني تشترك فيه الحضارة كلها ، ويأخذه كل جاد من كل ملة ودين ، فالواجب على المسلمين أن يستبقوا إليه ، وأن يأخذوه وأن يضبطوه بضوابط الإيمان ، وأن يسلكوه على منهج الإسلام ، وأن يجعلوه وفق القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية في هذا الدين العظيم ، الذي أكرمنا الله سبحانه وتعالى به ، والقرآن يعلمنا والمنهج في هذا طويل { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } .. القرآن يعلمنا حقيقة الدنيا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يكشف لنا ذلك .
إن علمنا الحقيقي من القرآن يجعلنا نعرف الأمور معرفة حقيقية ويبصرنا بحقائقها ؛ حتى لا تكون الوسائل غايات أن من الناس من يعيش ليأكل ومن الناس من يأكل ليعيش وفرق ما بينهما عظيم .
إن الحياة المادية والحضارة الغربية اليوم قد ألّهت المادة حتى جعلتها هي الإله الأكبر المعبود ، وهي العبادة بالتعلق وبالاهتمام بالعناية بالحرص بالخوف عليها والرجاء فيها كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم :( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ) .
سماه عبداً ؛ لأنه بذلك متعلق ، وبه منشغل ولتحصيله مجتهد فهذه عبادتهم هل يريدون أو هل يريد المسلمون أو هل يريد المتصدرون في قضايا التعليم أن نسير في هذا النهج فنصبح دنيويون لا دينين ، ونصبح ممن يعبدون الشهوات والملذات فننغمس فيها إلى آذاننا ، فلا نكاد نرى نوراً وإشراقاً وحياة قلب ولا روح تلك هي الصورة التي يجلّيها الواقع في حياة تلك الأمم ، ونحن قد أكرمنا الله - سبحانه وتعالى - بغير ذلك وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبي الدرداء عند الترمذي وغيره : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة ) .
إننا في هذا الدين العظيم ليس هناك تعارض بين علماً ديني أو دنيوي .. إننا نأخذ علوم الدنيا باسم الله ، ونسيّرها على منهج الله ، ونبتغي بها الغاية العظمى من رضى الله عز وجل .
وإن تعليم ديننا إنما ينوّر لنا جوانب هذه الحياة ، وإنما يحثنا لنخرج خيراتها ، ولنتعلم في كل شؤونها وأحوالها ولنقود البشرية كلها إلى ما فيه خير الدنيا ونجاة الآخرة بإذن الله عز وجل ، وانظروا إلى تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأجر والمثوبة في العلم الذي يتعلق بحياة القلوب بالقرآن الكريم لقوله : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق - وهما موضعان في المدينة - فيأتي بناقتين كوماوين - والناقة الكوماء هي الناقة العظيمة السنام - في غير أثم ولا قطيعة رحم ؟ فقالوا يارسول الله : كلنا يحب ذلك, قال صلى الله عليه وسلم أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم, أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع, ومن أعدادهن من الإبل .(43/2)
ثم انظروا إلى تراث أمتنا أن أمتنا العظيمة التي تلقت التعليم والهدي والمنهج الرباني والتعليمي عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع من منهج القرآن ومن تطبيقه العملي الأسس الصحيحة للتعليم والتربية وللتعليم التطبيقي والمهني في كل جوانبه وليس هذا موضوع حديثنا وقد يتوالى لنا فيه أحاديث أخرى ، لكننا نرى كيف تعلم الصحابة ؟وكيف علموا من بعدهم كان أصحاب صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزن بنا العشر من آيات حتى نعلم بما فيها من العلم والعمل فتعلمنا العلم والعمل معاً كما روى ذلك أبو عبدالرحمن السلمي يذكر فيه عليُ وعثمانُ رضي الله عنهم أجمعين .
ونحن نعرف أيضاً أن هذا التعليم كان سارياً في بيوت المسلمين في مساجدهم وفي معادهم كانوا يعلموننا مغازي رسول ا صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا السورة من القرآن ، ربطاً بالأمة وبأصولها وبتاريخها وبأصول دينها . وقد سجل علماؤنا من الكتب في مناهج التعليم وطرائقه الكثير والكثير مما هو إلى يوم الناس هذا نبراس في هذه المناهج كتبوا في آداب المعلمين وفي آداب طلبة العلم ، وفي كل جانب من جوانبه ليس هذا في رسالة بن خلدون ، ولا في ما كتبه الغزالي ، ولا في غيره من كتب كثيرة لا يحصيها العاد والحاصي .
وقد قامت منارات التعليم في العالم في العالم الإسلامي وسبقت إلى كل النظم النظامية اليوم ، بل وافقتنا الغرب بذلك ولنا عنه حديثا المنصفون منهم يؤكدون أن كل حضارة اليوم أسسها مؤخوذة من العلوم والحضارة التي أقامتها أمة الإسلام يوم كانت مرتبطة بالقرآن وسائرة على هدي صلى الله عليه وسلم ، فنسأل الله عز وجل أن يعيد أمتنا إلى دينها .
الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
أوصيكم وأوصي نفسي الخاطئة بتقوى الله ؛ فإن تقوى أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه .
وإن من تقوى الله عز وجل الحرص على التعليم الإسلامي تلقيناً لأبنائنا ، وحرصاً على ثبوته ووضوحه في مناهجنا ، ولقد تعرضت الأمة - كما قلت - في قضية التعليم إلى الهجوم سافر قديم ، وإلى مسخ وتشويه عظيم حتى أن بعض كبريات الجوامع والجامعات الإسلامية في أكثر أو في كثير من الدول الإسلامية العربية العريقة قد تعرضت من قبل إلى هذا المسخ فحرفت المناهج وطورت والحقيقة إنها دمرت .
وقريباً سمعنا كذلك عن تطورات في بعض البلاد الأخرى من معاهدها أغلقت أو مناهج خفضت ماذا يريدون .. يريدون - كما يقولون - تجفيف منابع الإرهاب الذي يريدون به أن يلوي أعناق الأمة ، وأن يحنوا ظهورها ، وأن يركبوا على ظهور الأمة ؛ ليقودها قيادة الأذلاء الأتباع كما قد نرى في صور كثيرة واضحة .
ولعلنا ونحن نقول ذلك نرى أن الحملة تتوجه أكثر وبشكل أظهر إلى هذه البلاد التي تضم الحرمين الشريفين ، التي هي فيها مهد الإسلام ومهبط الوحي والرسالة ، وتنكشف الحملة أكثر من أي وقت مضى ، دون أن يكون هذا التكثيف مختصاً بغيرها ، لماذا ؟ لأن هذه البلاد قد عصمها الله - عز وجل - من كثير مما حلَّ بغيرها ، فليس هناك ما يريدون تحقيقه مما تحقق في بعض البلاد الأخرى .. إنهم في غيظاً للتعليم المنفصل غير المختلط الذي يريدون أن يقولوا أنه من أسباب الإرهاب ، وكل شيء عندهم اليوم يربطونه بهذه القضية حتى صارت كلماتها موضعاً للضحاك والطرف والنوادر.
ويريدون أن يتكلموا عن الجامعات الإسلامية وأنها تدرس العداء للآخرين ويكثفون حملة شنيعة لماذا ؟ لأن هناك مزايا كثيرة ولأن هناك فوائد عظيمة ، ولأن هناك - بحمد الله عز وجل - معاقل حصينة يستهدفونها لينالوا من الأمة في صميمها وفي قلبها وفي موطن مهبط وحيها وقيام دولتها الأولى في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إننا في وقفات عاجلة نذكر بعض ما هو - والحمد لله عز وجل - مثبت في السياسة التعليمية في هذه البلاد ؛ لنرى ما الذي يريدونه وما الذي يهدفون له ؟
من أهداف التعليم في السياسة التعليمية :
أولاً : تنمية روح الولاء لشريعة الإسلام
وذلك بالبراءة من كل نظام أو مبدأ يخالف هذه الشريعة واستقامة الأعمال والتصرفات وأحكامها العامة والشاملة ، إن هذه المبادئ التي تصد وتمنع من استيراد الأفكار والنظم المخالفة للإسلام هي المستهدفة في حقيقة الأمر .
ثانياً : تزويد الفرد بالأفكار والمشاعر والقدرات الأزمة لحمل رسالة الإسلام
إنهم يريدون أن نتخلى عن رسالة الإسلام ومن الأسس أيضاً تحقيق الخلق القرآني في المسلم والتأكيد على الضوابط الخلقية ، وبيان الانسجام التام بين العلم والدين في شريعة الإسلام ؛ فإن الإسلام دين ودنيا والفكر الإسلامي يفي بمطالب الحياة البشرية في أرقى صورها في كل عصر .
هذا الوضوح المنهجي الفكري الذي يوضع كقاعدة للتعليم هو الذي يراد أن ينسخ وأن يغير وأن يشوه ، وهذا كما قال الله عز وجل: { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } .
ثالثاً : تكوين الفكر الإسلامي المنهجي لدى الأفراد
ليصدروا عن تصور إسلامي موحد فيما يتعلق بالكون والإنسان والحياة .(43/3)
وكثير من غير ذلك هذه النعم التي من الله بها هذه المناهج قد نحتاج لتطويرها ، لكن للأفضل من وجهه نظرها ومن خلال علمائنا وذوي الرأي فينا ، ومن اختصاصي التربية والتعليم ، لكننا لن نغير أو نطول وفق أهواء تحالفنا في عقائدنا وتنازعنا في حضارتنا وتحابنا في واقعنا ؛ فإن هذا لا يكون بحال من الأحوال إلا صورة من صور الاستسلام والضعف والهوان ، وذلك - بحمد لله - مالم يكن ولن يكون - بإذن الله - مادام فينا عروقٌ تنبض ، وإيمانٌ في قلوبنا يخفق ، وتصورٌ إسلاميٌ واضحٌ مَنَّ الله سبحانه وتعالى به علينا .
وإن حقيقة الهجمة على التعليم هي مسخ للهوية وأضعاف لوحدة الأمة ، وتكريس لتبعيتها لأعدائها ، فقضية خطيرة وأهدافه عظيمة الضرر كبيرة الأثر ، خاصة وأنها تتعلق بالأجيال والمستقبلية ؛ فإننا نعلم أن التعليم ينضم اليوم سائر الأبناء والصغار في المجتمعات كلها ؛ فإن هذه الأجيال إذا مسخت في فكرها وروحها وفي تاريخها وهويتها ؛ فإن ذلك يجعلها لقمة صائغة لأعدائها ، وذلك ما ينبغي أن نفطن له وإن نحرص عن الذبَ عنه والذود عن حياض الإسلام وعن أمتعتنا ، وعن هذه البلاد التي أكرمها الله بالحرمين الشريفين ، وجعل كل سياساتها المعتمدة المعتبرة محررة وفق هذا المنهج الإسلامي ، الذي نسأل الله عز وجل أن يبقي نعمته علينا ، وإن يزيدنا منه ، وأن يجعلنا جميعاً قادة وشعباً متآزرين عليه ، متواحدين لنصرته ، مدافعين عنه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً .
المصدر : موقع إسلاميات
-==============(43/4)
(43/5)
الواقعية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف :
الواقعية مذهب(*) أدبي فكري مادي(*) ملحد، إذ يقتصر في تصويره الحياة والتعبير عنها على عالم المادة، ويرفض عالم الغيب والإيمان بالله، ويصور الإنسان بالحيوان الذي تسيره غرائزه لا عقله.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
? ارتبطت نشأة المذهب الواقعي بالفلسفات الوضعية والتجريبية والمادية(*) الجدلية(*) التي ظهرت في النصف الأول من القرن التاسع عشر وما بعده، وسارت الواقعية في ثلاثة اتجاهات: الواقعية النقدية والواقعية الطبيعية والواقعية الاشتراكية. وللواقعية أعلام في شتى فروعها:
? أعلام الواقعية النقدية:
- القصّاص الفرنسي أنوريه دي بلزاك 1799 - 1850م ومن قصصه روايته المشهورة الملهاة الإنسانية في 94 جزءً، صور فيها الحياة الفرنسية بين عام 1829 - 1948م.
- الكاتب الإنكليزي شارل ديكنز 1812 - 1850م وله الرواية المشهورة قصة مدينتين.
- الأديب الروسي تولستوي 1828 - 1910م وله القصة المشهورة الحرب والسلام.
- الأديب الروسي دستوفسكي مؤلف الجريمة والعقاب.
- والأديب الأمريكي أرنست همنجواي 1899 - 1961م وله القصة المشهورة العجوز والبحر وقد مات منتحراً.
? أعلام الواقعية الطبيعية:
- إميل زولا الأديب الفرنسي 1840 - 1920م مؤلف قصة الحيوان البشري وفيها يطبق نظريات دارون في التطور، ونظريات مندل في الوراثة، وكلود برنار في الطب.
- جوستاف فلوبير 1821- 1880م الأديب الفرنسي ومؤلف القصة المشهورة مدام بوفاري.
? أعلام الواقعية الاشتراكية(*):
- مكسيم جوركي 1868 - 1936م كاتب روسي، عاصر الثورة(*) الروسية الشيوعية، ومؤلف قصة الأم.
- ماياكو فسكي 1892 - 1930م وهو شاعر الثورة الروسية الشيوعية، وقد مات منتحراً.
- لوركا 1898 - 1936م وهو شاعر أسباني.
- بابللو نيرودا 1904 - 1973م وهو شاعر تشيلي.
- جورج لوكاش - وهو كاتب فرنسي حديث.
- كما كان من أعلامها : روجيه جارودي - وهو مفكر فرنسي اهتدى إلى الإسلام وسمى نفسه رجاء جارودي وإن كان مازال يتأرجح بين ماضيه وحاضره.
الأفكار والمعتقدات:
? تشعب المذهب(*) الواقعي، كما تقدم، إلى ثلاثة اتجاهات.
- الواقعية النقدية ومن أفكارها:
1- الاهتمام بنقد المجتمع ومشكلاته.
2- التركيز على جوانب الشر والجريمة.
3- الميل إلى التشاؤم واعتبار الشر عنصراً أصيلاً في الحياة.
4- المهمة الرئيسية للواقعية النقدية الكشف عن حقيقة الطبيعة.
5- اختيار القصة وسيلة لبث الأفكار التي يريدونها.
- الواقعية الطبيعية:
تتفق مع الواقعية في جميع آرائها وأفكارها وتزيد عليها:
1- التأثر بالنظريات العلمية والدعوة إلى تطبيقها في مجال العمل الأدبي.
2- الإنسان في نظرها حيوان تسيره غرائزه، وكل شيء فيه يمكن تحليله، فحياته الشعورية والفكرية والجسمية ترجع إلى إفرازات غددية.
الواقعية الاشتراكية:
وقد نادت بها الماركسية ومن أفكارها:
1- إن النشاط الاقتصادي(*) في نشأته وتطوره هو أساس الإبداع(*) الفني، لذلك يجب توظيف الأدب لخدمة المجتمع حسب المفهوم الماركسي.
2- العمل الأدبي الفني عليه أن يهتم بتصوير الصراع الطبقي بين طبقة العمال والفلاحين وطبقة الرأسمالية والبرجوازيين(*)، وانتصار الأولى التي تحمل الخير والإبداع على الثانية التي هي مصدر الشرور في الحياة.
3- رفض أي تصورات غيبية، وخاصة ما يتعلق منها بالعقائد السماوية.
4- استغلال جميع الفنون الأدبية لنشر المذهب(*) الماركسي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن الأسس التي قامت عليها الواقعية هي المذاهب الفلسفية المادية(*)، مثل الفلسفة (*) الوضعية التي انتشرت في فرنسا في النصف الأول من القرن التاسع عشر ورائدها الفيلسوف الفرنسي كونت التي ترفض كل ما هو غيبي، وتقتصر على عالم المادة والحس.
وكذلك تعد الفلسفة التجريبية التي تلتقي مع الوضعية في رفض الغيبيات من جذور الواقعية.
ومن الجذور الفكرية العميقة للواقعية الاشتراكية(*): الفلسفة المادية الجدلية(*) التي نادى بها ماركس وإنجلز التي تعد العقيدة الرسمية للشيوعية الدولية والتي من مفاهيمها أن المادة هي الوجود الحقيقي، وأن القيم العقلية انبثقت من العلاقات المادية بين الناس.
وكذلك ترتبط الواقعية بالنظرية الفلسفية التي ترى أن الحياة تنبت على الشر، وأن ما يبدو من مظاهر الخير ليس إلا طلاءً زائفاً يموه واقع الحياة الفكرية ويخفي طبيعة الإنسان الحقيقية.
وقد عبر الفيلسوف الإنكليزي هوبز عن هذا الاتجاه بقوله: "إن الإنسان ذئب لا هم له إلا الفتك بالإنسان".
وقد عمل دعاة الواقعية على ربط الإنسان الغربي بغرائزه وحيوانيته، وتوجيه نظره إلى التراب لا إلى السماء، وزادوا في ماديته، وساعدوا على إفساده وإيقاظ شهوته.(43/6)
أما دعاة الواقعية الاشتراكية أو الشيوعية، الذين سطروا الكتب والمقالات والقصص والمسرحيات والأشعار في تمجيد الشيوعية، والزعم أنها الحقيقة للسعادة البشرية، فقد زادوا الإنسانية شقاء وتعاسة ومعيشة ضنكا، وقد تحطمت فلسفتهم في أوروبا الشرقية تحت مطارق الواقع المؤلم.. كما نرى بأم أعيننا الآن، إذ بدأت تتراجع بخطى سريعة إلى عفن التاريخ الذي لا يرحم، وتفكك ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، وعاد الإسلام إلى الدول الإسلامية.
والإسلام يدعو إلى الاهتمام بالدنيا" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً" ويرفض النظر بتشاؤم إلى تصاريف القدر وليس ثمة ما يمنع الإنسان من التأثير والتغيير في حياته والمجتمع الذي يعيش فيه. وقد كرم الإسلام الإنسان ولم يضعه في مصاف القرود واهتم بجانبه الروحي باعتباره - أي الإنسان - جسداً وروحاً، ولكلًّ مطالبه التي لا يجوز إغفالها ولا الاقتصار على أحدها دون الآخر. والمسلم يرفض النظرية الفلسفية التي تقول: "إن الحياة قد بنيت على الشر" والأديان (*) عموماً جاءت للقضاء على الشر والنهوض بالنفس البشرية.
ويتضح مما سبق:
أن الواقعية مذهب(*) أدبي فكري مادي ملحد، يصور الحياة كمادة ويرفض عالم الغيب ولا يؤمن بالله، ويرى أن الإنسان عبارة عن مجموعة من الغرائز الحيوانية، ويتخذ كل ذلك أساساً لأفكاره التي تقوم على الاهتمام بنقد المجتمع وبحث مشكلاته مع التركيز على جوانب الشر والجريمة، والميل إلى النزعات التشاؤمية وجعل مهمة النقد مركزة في الكشف عن حقيقة الطبيعة(*) كطبيعة بلا روح أو قيم. ومن هنا كانت آثار هذا المذهب الأدبي المدمرة على الشباب المسلم إذا لم يضع هذه الأمور في حسبانه وهو يتعامل مع الإفرازات الأدبية لهذا المذهب.
----------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا - ط. جامعة الإمام - الرياض.
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر - نشر دار الشعاع - الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب - مكتبة مصر - القاهرة.
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال - دار الثقافة - بيروت.
- الأدب المقارن، ماريوس فرانسوا غويا، (سلسلة زدني علماً).
- المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيفيم (سلسلة زدني علماً).
مراجع أجنبية :
- Lanson: Histoi r e de la litte r atu r e f r ancaise. Pa r is 1960.
- De segu r e: Histoi r e de la lette r atu r e Eu r opieenne, 1959.
-==========(43/7)
(43/8)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 8 ) :المرأة الألبانية
سليمان بن صالح الخراشي
- عاشت ألبانيا إسلامها في ظل الدولة العثمانية ، وكانت المرأة الألبانية كأختها المسلمة ، تلتزم الحجاب الشرعي ، وتستر وجهها عن الأجانب ؛ إلى أن تآمر الأعداء على ألبانيا بسقوط الدولة العثمانية . فوقعت ألبانيا بأيدي الاستعمار ؛ الذي ووجه بصمودٍ من أهلها وتمسكٍ بالدين ، فما كان من المستعمرين إلا أن أورثوا البلاد أحد " عملائهم " ليقوم بمهمة محاربة شرائع الإسلام - ومنها الحجاب - نيابة عنهم .
- فقد تولى "أحمد زوغو" عرش ألبانيا في سنة 1347هـ/ 1928م ، وكان رئيس جمهورية ، إلا أن الغرب حثه - كما يقول د رجب بويا - " على تحويل ألبانيا من الجمهورية إلى الملكية ؛ كي يبقى في الحكم مدى الحياة ، وقد أعجبه ذلك ، فأمر بتحويلها إلى الملكية سنة 1928م وأعلن نفسه ملكًا عليها " ( الألبانيون والإسلام ، ص 73 ) .
- كان " أحمد زوغو " كما يقول المؤرخ محمود شاكر " ملكًا سيئًا ، حاول تغيير العادات ومسايرة الدول الأوربية ؛ ففرض السفور على نساء وطنه ؛ مما اضطر عددًا من المواطنين إلى مغادرة البلاد والاتجاه نحو بقية البلاد الإسلامية " . ( المسلمون تحت السيطرة الشيوعية ، ص 118 ) .
- ففي سنة 1356هـ/1937م أصدر "أحمد زوغو" قراراً بنزع نقاب المرأة المسلمة، وإلزام موظفي الدولة، وطلاب المدرسة الثانوية بلبس البرنيطة، وقد عارضه العلماء في ذلك معارضة شديدة، وتصدوا لأفكاره، وقراراته غير الإسلامية، فعمل من جانبه على إسكات صوت الحق، وإخراس الألسن التي تصدت لأفكاره الملحدة، فاضطهد العلماء، وصب جام غضبه عليهم، مما جعل البعض منهم يفر من هذا الظلم والطغيان، تاركاً وطنه، ويذهب بنفسه وآله إلى البلاد الإسلامية الأخرى .
- لقد كانت نهاية " زوغو " عبرة للمعتبرين ؛ لأنه فر من بلاده بسبب أن الغرب انقلب عليه ! يقول صاحب كتاب " ألبانيا بلد النسور " ( ص 17-18) : " لقد خان زوغو شعبه ليخدم الاستعمار .. فخانه الاستعمار وطرده " .
- يقول الدكتور سيد محمد يونس : " بعد الحرب العالمية الثانية (1358 -1363هـ/1939-1944م ) حكم الشيوعيون البلاد الإسلامية التي وقعت تحت سيطرتهم بالحديد والنار، واستعملوا الشدة والقسوة في معاملة هذه الشعوب، وحرموهم من خيرات بلادهم، واستصفوها لأنفسهم، ومنعوهم من مباشرة شعائرهم الدينية. وفي ألبانيا حالوا بشتى الطرق وكافة الوسائل القضاء على المسلمين فيها، والتضييق عليهم في الأرزاق، ولم يكتفوا بذلك، بل ألغوا المناهج الإسلامية التي تدرس في المدارس، والمعاهد العلمية، وفرضوا عليها رقابة مشددة وصارمة على المؤسسات العلمية والمدرسين؛ وذلك بقصد القضاء على الإسلام وتخريج خريجين لا يعرفون شيئاً عن الإسلام سوى اسمه. ولم تسلم منهم البيوت، فقاموا بهدم كثير من دور ومنازل المسلمين؛ وكذلك أفسدوا الحرث والنسل، وعاثوا في الأرض فساداً، وهدموا المساجد، التي يذكر فيها اسم الله -تعالى-. كما أطاحوا بالقيادة الشرعية للمسلمين، بإلغاء منصب "المفتي الأعظم" في العاصمة "تيرانا"، وكذلك مجلس العلماء الذين كانوا يؤدون رسالتهم بجد ونشاط، في أنحاء العالم، عن طريقه .
وفي سنة 1398هـ/1977م أصدرت الحكومة الشيوعية قراراً بمنع كافة الأنشطة الدينية في جميع البلاد.
وكذلك دعت إلى سياسة الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، وفي الحفلات ، ورغّبت النساء في السفور، كما أرغم الشيوعيون المسلمين في الجيش وكتائب العمل على أكل لحم الخنزير. واعتقلت علماء الإسلام، وزجت بهم في غياهب سجون، لتقضي على صوت الإسلام في البلاد.
بعد أن سقطت الشيوعية، وذهبت إلى غير رجعة، تنفس المسلمون الألبانيون -وغيرهم من الذين كانوا تحت نير الحكم الشيوعي الفاسد- الصعداء، ونعموا بالراحة، بعد طول عناء، وكبت وإرهاق وشقاء، فعملوا على النهوض بمرافق البلاد، والأخذ بيدها نحو التحضر والرقي.
وأولى الألبانيون عنايتهم إلى إقامة بعض المساجد التي تهدمت ، ففي "أشقودرة" أعيد الآن فتح مسجدين، و(23) مسجداً في (23) قرية، وبدئ في بعضها تدريس مبادئ الإسلام لأولاد المسلمين. وعلى الرغم من انطلاق الشعب الألباني نحو التقدم والرقي بخطى سريعة إلا أنهم في حاجة إلى مساعدة إخوانهم المسلمين " . ( الإسلام والمسلمون في ألبانيا " ، ص 89-100) .
فائدة : كانت عائلة الشيخ الألباني - رحمه الله - ممن فر من ظلم أحمد زوغو ، وقد تعرض له الشيخ في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( رقم 3203) عند حديث " ستكون هجرة بعد هجرة .. " قائلا : ( في الحديث بشرى لنا آل الوالد الذي هاجر بأهله من بلده أشقودرة عاصمة ألبانيا يومئذ ، فرارًا بالدين من ثورة أحمد زوغو ، أزاغ الله قلبه ، الذي بدأ يسير في المسلمين الألبان مسيرة سلفه أتاتورك في تركيا .. ) .
===============(43/9)
(43/10)
الجولة السادسة : الشيوعية .. أقدم من ماركس
الدكتور محمد جميل غازي
حتى كتابة هذه السطور.. التوحيد عندهم جريمة..!
الصوفية.. لا إحسان.. ولا تقوى.. وإنما شعوذة..!
الشيوعية دعوة قديمة.. قبل ماركس..!
بين الحديث السابق، وهذا الحديث عام عامل! في موسم الحج الذي أعقب آخر حديث - جاء رئيس التحرير الجديد، وجاء بأسئلة جديدة، وحاصر الدكتور محمد جميل غازي، وكان هذا الحوار المفتوح الذي حذفنا منه بالقدر الذي تبيحه مقتضيات العرض.. غير أن الكلام عن الصوفية وهو الهدف من هذا الكتاب كله.. تركناه كما هو.
ليس فقط تعميقاً وتأصيلاً للفكرة.. فكرة كشف الأستار عن هذه الفرقة التي فعلت بالإسلام وبعقائده ما فعلت.. وما زالوا وسوف يظلون المنطقة المتأنية التي تجذب المسلمين.. وكأنها الرمال الناعمة تبتلع الناس وتدفنهم دون أن يشعروا.. بل إنهم أشد خطراً وأبعد أثراً.. وهيا معاً إلى الحوار المفتوح:
بنفس طريقة الإجابة السريعة: ما هي كتبكم ومؤلفاتكم ؟
وضعت كتباً في التفسير، والفقه، والحديث، والدب، والاجتماع.. ليس هنا مكان تحديدها أو عناوينها.. ومع ذلك فليست الكتب هي كل سبيلي إلى الدعوة.. إنما اعتزازي الكامل بالمحاضرات التي ألقيها أسبوعياً في "مسجد العزيز بالله" يوم الجمعة، وبالمركز الرئيسي "لجماعة أنصار السنة" والمركز الرئيس لجمعية "مجد الإسلام" وأماكن أخرى أدعى إليها دائماً في داخل القاهرة وخارجها.
متى عرفتم دعوة التوحيد ؟ وعرفتكم الدعوة ؟
كنت في المرحلة الابتدائية في الأزهر.. ووقع في يدي كتاب "زعماء الإصلاح في العصر الحديث" للأستاذ أحمد أمين، وقد كتب عن الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أول الكتاب ترجمة طيبة.. شدتني لا سيما وإنني لم أكن قد عرفت عن الإمام إلا ما يشوه سيرته، ويسيء إليه من أعدائه والحاقدين عليه.. بعد هذه الترجمة.. صححت كثيراً من الأفكار المغلوطة عن هذا الرجل الإمام.. والحق أني حاولت بعد ذلك الحصول على كتب في هذا المضمار.. لكن كانت هذه الكتب الخاصة بالتوحيد، والإمام.. نادرة الوجود إن لم تكن منعدمة لأكثر من سبب.
إلى أن حدث الذي ما زلت أذكره.. وكأن عهدي به أمس إذا سمعت ضجة، ومعركة بين زملائي الطلاب، وأحدهم كان يمسك بمجموعة من الكتب.. الطلبة يريدون الاعتداء عليه وهو متلبس بجريمة حيازة كتب لمحمد بن عبد الوهاب.. احتكموا إلى قضية بينهم حسما للنزاع أن أشتري الكتب.. وقبلوا الحل، وكانت فرصتي لقراءة الشيخ من خلال ما كتبه هو.. لا ما كتب عنه.
ماذا رأيتم في جولاتكم في البلاد الإسلامية من أمر الدعوة ؟
وجدت أن دعوة التوحيد مقبولة لدى العقلاء.. مرفوضة لدى بعض الجماهير.. لأن الماهير تصدر أحكامها من منطلق العواطف الفجة غير المدروسة، والمتأثرة بنفوذ أصحاب المصالح، والتقاليد المتوارثة، وتحكمات الهوى، والبيئة.
وكيف كنتم تواجهون فضيلتكم هذا الجمود ؟
علمنا القرآن الكريم.. أسلوب الدعوة فلابد من مواجهة العقل بالعقل، والعاطفة بالعاطفة.. فمن "سيكولوجية" الدعوة أن تتوافق مع مستويات الجماهير حتى تكون نافعة ومؤثرة، ويصلح الأسلوب الأول - العقلي - في المناقشات الهادئة التي تدور في ندوات مغلقة.. محدودة العدد.. أما الأسلوب الثاني فهو للجماهير الواسعة في المحاضرات ونحوها.
ما هي أنماط المضايقات التي تلقونها ولقيتموها ؟
إنه نمط واحد.. لا يتغير في كل مكان.. إنهم أصحاب المصلحة في أن تعيش الجماهير في الضلالة، وهم يشرون يدافعون عن بقائهم وبقاء مصالحهم بضراوة.. أحدهم يعمل قيماً على صندوق نذور جده، وهو في نفس الوقت يشغل وظيفة هامة في المجتمع.. وتعلم في أرقى الجامعات.. ولما كانت كل أسرته تتكسب من "المولد" الذي يقام لجده، ومن صندوق النذور فقد أرسل يهددني بالقتل.. إذا واصلت هجومي على الضلالة، والخرافة.. ولكنه لم ينفذ تهديده.. لأنني مازلت حياً كما ترى.
هل تتفضل فضيلتكم بذكر أنماط أخرى ؟
الأنماط كثيرة ووقتي ووقتك ضيق.. وهي معروفة لدى الدعاة جميعاً، ولا نريد أن نمن على الله بعمل.. فإن الله له المنة والنعمة، والطول، والإحسان، ويكفي أننا أصحاء مرزوقون سعداء، ولم يجر علينا ما جرى على الدعاة السابقين، الذين قال فيهم الرسو صلى الله عليه وسلم : "إن الرجل فيهم كان يوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق إلى نصفين.. فما يرده ذلك عن دينه" أين نحن من هؤلاء ؟
ما هو العدو الحقيقي في نظرك لدعوة التوحيد ؟
مرة أخرى أقول إن الأعداء كثيرون في الخارج والداخل أي من داخل حدود العمل الإسلامي، ومن خارج حدوده.. وفي رأي أن العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي.. ذلك لأن العدو الداخلي يحارب الإسلام وهو يقول صدق.. أما العدو الخارجي فهو يحاربه وهو يقول كذب.. فالأول منافق، والثاني كافر.. والنفاق شر من الكفر ولذلك كانت عقوبة الله للمنافقين الدرك الأسفل من النار.
تفضلوا فضيلتكم بإيضاح الإجابة السابقة وتفسيرها للقراء ؟(43/11)
يكاد العدو الخارجي يكون محدداً في الثالوث الحقير المعروف الشيوعية العالمية، والصهيونية العالمية، والصليبية العالمية، أما الداخلي فهم أدعياء التصوف ودعاته، وشيوخ الفرق الإسلامية المتنابذة والمتخاصمة، والتي ما قامت إلا لأهداف مادية، ومناصب دنيوية.
ما قولكم في أن هذه الفرق، وعلى رأسها الفرق والطوائف الصوفية تدعي أنها تدعو إلى الله والإسلام ؟
ألست معي أن كل دعوى في حاجة إلى دليل.. فما هو الدليل الذي تقدمه كل هذه الطوائف ؟ لتثبت أن ما هي عليه هو الحق الذي لا شك فيه.. وإذا سلمنا جدلاً أن كل طائفة أثبتت أنها على الحق.. حينئذ يكون للحق ألف طريق مع أن الله سبحانه وتعالى يبين أن طريق الحق واحد في قوله: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153]. وكلهم يقولون أنهم ملتمسون من رسول الله، وأن كل الطرق تؤدي إلى الله.. فكيف يدخل عقل عاقل أن رسول الله وضع المناهج لطرائق الرفاعية، والأحمدية، والبيومية، والسماكية، والنقشبندية، والسيوفية والبرهانية بالنون، والبرهامية بالميم..؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الطرق مؤدية إلى الله ؟ وأين هي إذاً الطرق التي لا تؤدي إلى الله، والتي قال عنها سبحانه وتعالى: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ }؟
فضيلة الدكتور.. ألا يمكن أن يكون اختلافهم عن نيات حسنة.. وزيادة في اجتهاداتهم من أجل الدين ؟
ما أضر المسيرة الدينية في ماضيها وحاضرها.. إلا أصحاب النوايا الطيبة الذين بعدوا بنواياهم عن العمل الطيب.. والله يقول: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 103، 104] إننا نريد نوايا طيبة، ومعها أعمال طيبة كذلك، ولكي يكون العمل طيباً صواباً لابد أن يكون صاحبه ملتزماً بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ما هذا الاجتهاد الذي تتحدث عنه، وقد اتفق جماهير السلف رضوان الله عليهم على أنه لا اجتهاد مع النص.. وإبليس ما كفر إلا لأنه اجتهد مع النص حيث قال الله له وللملائكة: { اسْجُدُوا لآدَمَ } [البقرة: 34] وهذا نص.. فقال إبليس عليه لعنة الله: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12] وهذا اجتهاد واجتهاد باطل.
إن كل الطرق التي عددتها فضيلتكم.. هي الطرق الصوفية ؟ وتلك كما يقول أصحابها قمة الإسلام أو الإحسان أو التقوى.. فما قولكم ؟
أما أن كل هذه الطرق شيء واحد.. فهذا أمر لا يقره الصوفية أنفسهم بدليل أنهم هم الذين سموها طرقاً - والطرق: جمع طريق - كما هو معروف.. ثم ما هي هذه الصوفية التي تتحدث عنها وتقول إنها قمة الإسلام أو التقوى أو الإحسان؟ وهل تتصور أن يسكت القرآن وأن يسكت رسول الله عن قمة الإسلام هذه فلا يتحدث عنها ولو مرة واحدة؟.. فهل ورد في القرآن الكريم كله لفظ صوفية؟ أوفي الحديث النبوية ما يفيد ذلك؟ أو هل جرى هذا اللفظ على لسان أحد من الصحابة أو التابعين رضوان الله عليهم؟
إذاً لماذا يشيعون أن لفظ الصوفية مرادف للفظ التقوى أو الإحسان ؟
سبحان الله.. ما قرأنا في قواميس اللغة على كثرتها وضخامتها أن من مرادفات تقوى صوفية.. وهب أن الأمر كذلك.. فهل يصح لإنسان أن يقول أنا صوفي بمعنى: أنا تقي؟.. وهل يصح لمجموعة من البشر أن يقولوا نحن صوفية.. بمعنى نحن أتقياء.. مع أن الله تعالى يقول: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم: 32]، وعلى ذكر القواميس اللغوية.. فإنني أقول لك: إن لفظ صوفية كمصدر صناعي لم يرد إطلاقاً لأي معنى من المعاني التي يريدها الصوفية.. وإنما هو لفظ وثاني وثني قديم معناه الحكمة.
لكن إذا سمحتم لنا فنحن نقول إن هذه شكليات لا ينبغي أن تكون أساساً للفصل في قضية موضوعية هامة كهذه ؟
الذي أريد أن أحدده هو أن الصوفية ليس لها سوى احتمالات عقلية أربعة: إما أن تكون هي الإسلام أو غيره، أو زيادة عليه أو نقصاً منه.. فإذا كانت الأولى فالله سمانا المسلمين، وليس المتصوفين، وإذا كانت الثانية.. فنكون قد رفضنا الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، وإذا كانت الثالثة والرابعة.. فليس من حق أي إنسان كائناُ من كان أن يتصرف في الإسلام وشرائعه زيادة أو نقصاً أو إضافة أو حذفاً.
الشيوعية أقدم من ماركس:
بلا أسئلة وبلا أجوبة.. راح الدكتور يتحدث فيما أحاول أن ألخصه حرصاً على وقت القارئ.. قال: إن هجوم الثالوث الحقير المكون من الصليبية، والصهيونية والشيوعية أيضاً لم يبدأ من هذا العصر وإنما بدأ ورسول ا صلى الله عليه وسلم حي يرزق، وإذا قلت إن الشيوعية عصرية.. أقول لك إن التسمية فقط هي العصرية، أما أهدافها فقد كانت في جماعات "المانوية"، "المزدكية"، وتلك جماعات معروفة في التاريخ.(43/12)
حرب الشيوعية، والتبشير الصليبي، والتضليل الصهيوني، لا يمكن أن يكون بالخطب بل ينبغي أن ندرس مساربها إلى صفوف المسلمين، وأن نسد الثغرات التي تنفذ منها هذه الأوبئة.
وذلك لا يكون إلا بالعودة إلى الإسلام الصحيح والعدالة الاجتماعية المنبثقة منه وحده!
==============(43/13)
(43/14)
التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان
قراءة: أحمد ذو النورين 28/11/1425
09/01/2005
اسم الكتاب: التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان
المؤلف: عثمان جمعة ضميرية
الناشر: دار الكلمة الطيبة - القاهرة
عدد الصفحات: 120 صفحة
ذكر المؤلف في مقدمة كتابه عرضاً لكبريات القضايا المصيرية التي قد تكون مثار تساؤل لدى الكائن البشري ( خالقه، طبيعته، غايته، نهايته، علاقته بالكون...) والتي ظل يترنح حائراً دون أن يجد لها إجابة مقنعة حتى دوى بين جوانحه صوت الوحي.
ويشيد الكاتب بعد ذلك بسبق السيد قطب في وضع اللبنة الأولى للتصور الإسلامي الصحيح.
ثم طفق في عرضه يتكلم عن عمومات في التصور الإسلامي استهلها بمنهج القرآن في بيان حقائق التصور الإسلامي، مبيناً جانباً من تاريخ البشرية قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي كانت السبيل المنقذ من التيه والضياع الذي كان السِّمة العامة للحياة قبلها خاصة بعدما اعتور اليهودية والنصرانية من تحريف وافتراء وشرك.
أما منهج القرآن فينسجم مع الفطرة في مخاطبة العقل (نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون...) [الواقعة:57-63] في حيوية تستثير أغوار العقل، وتمسك بزمام الفكر في امتزاج بالعاطفة (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها... أفلا يشكرون)[يس:33-35] في عرض منقطع النظير لعقيدة الإيمان (ولا تدع مع الله إلها آخر ...) [القصص: 88] بعيداً عن الخلط والشطط الذي وقعت فيه مناهج الانحراف وسقط فيه الفلاسفة والمتكلمون.
ثم ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الكون في التصور الإسلامي باعتباره الوجود الخارجي الذي تطاله مدارك الإنسان وبوصفه مخلوقاً لله تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) [النمل:40] في حساب دقيق وتنظيم بديع (وخلق كل شيء فقدره تقديرا)[الفرقان: 2]، تفنيداً لكل إعراض عن الحق وكل قول بصدفة وكل نظرية بباطل (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) [الطور: 35].
إن هذا الكون يلهج كله بوجود خالقه؛ فمن قوانين الحرارة إلى نظام الحركة الإلكترونية إلى عالم الطاقة الشمسية (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور...) [الأنعام: 1-2] في انقياد وتسليم وطاعة وإذعان لهذا الخالق العظيم.. حقائق تتجدد مع كل اكتشاف وتبرز مع كل جديد (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) [ فصلت:53]، إن آيات هذا القرآن داعية إلى التفكير العلمي المنظم والتدبر الواعي بدون أن يُنظر إليه على أنه كتاب طب أو فلك أو نظريات أو تجارب.. لقد بين هذا القرآن أن هذا الكون قائم على الحق ولم يخلق عبثاً (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين...)[الدخان: 38-39] في سنن كونية ثابتة تحيطها إرادة الله المطلقة، (سنة الله في الذين خلوا من قبل...) [ الأحزاب:62].
وفي وحدة وتناسق كوني يقدم أوضح الأدلة على وحدانية الخالق ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آالله خيرٌ أما يشركون أمن خلق السماوات...) [ النمل: 59-61]، وإذا كانت وحدات هذا الكون متناسقة متحدة النظام مما يدل بداهة على وحدانية المنظم، وإن التناسق بين السنن الكونية والوجود الإنساني غاية في التناغم (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب...)[ الحج :5] فالكون مسخر للبشر (وسخر لكم ما في السماوت وما في الأرض جميعاً منه) [ الجاثية:13].
أما علاقة الإنسان بهذا الكون فمنطلق المسلم فيها عقيدته وهذا القرآن الذي يذكر له أن الله تعالى خلق كل هذه القوى لتكون له عوناً في جو من الأنس والصداقة والود "هذا جبل يحبنا ونحبه".(43/15)
فتصميم هذا الكون يهيئه لاحتضان الكائن البشري (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع...) [غافر: 79-81]، ذلك الكون الغائب المشهود، فمنه جانب لا يدركه الإنسان، ولا يعرف عنه إلا بالوحي؛ فهو عالم الغيب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ومنه ما يدركه الإنسان بحواسه ومدركاته... فالعقلية الإسلامية عقلية غيبية علمية مؤمنة بعالم الغيب كما هي مؤمنة بعالم الشهادة..، ويوضّح القرآن الصورة الشاملة لهذا الكون داعياً إلى النظر إليها والاعتبار بها (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك... ) [البقرة: 16] مبرراً تناغم وحداته وجمال انتظامه (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً...)[الأنعام:99] في بنية زوجية رهيبة (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض...) [يس:36] على نمط من الحركة والجريان والتبدل (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه....) [يس: 38-39]في حوادث لا تنفك لها آصرة، ولا ينقطع لها ارتباط، على شكل متسلسل يكون بعضه سبباً في حدوث البعض الآخر (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً...) [ النور:43] ليؤسس للقيم الإيمانية بناء على ذلك ويبيّن ارتباطها بالسنن الكونية كتوقع الانهيار والانتكاس حال انتشار الذنوب (فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) [الأنعام:6].
ثم ينتقل الباحث إلى الحديث عن الحياة في التصور الإسلامي مبيناً ما كان عليه الناس من إفراط في حبها، وإفراط في الإعراض عنها ليوضح كيف عالج القرآن كلا الطرفين (... وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا...) [ القصص:77]، وكيف قدم الصورة الناصعة لنشأة الحياة في دورتها المنتظمة (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي...)[الروم:19] صادعاً بحقيقتها التي لا يرتاب فيها متأمل (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ...)[الأنعام:32] مثبتاً أنها ليست سوى ابتلاء واختبار (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )[الملك:2] باعتبارها الطريق إلى الآخرة، ولا انفكاك لها عنها (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ...) [ المائدة : 65-66]، هذه الحياة الأخروية التي ليست إلا حلقة في سلسلة النشأة والمعاد (... الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة...).
إن الحقارة التي تتصف بها الحياة الدنيا تدعو إلى الزهد فيها " تعس عبد الدرهم تعس ..." زهد في إيجابية تناهض التواكل وتأخذ بالأسباب (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق..) [ الأعراف:32] وترفع شعار القيم الإيمانية (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات:13] تلك القيم التي تُعلي شأن الإنسان بعيداً عن الحيوانية وتجعله على وعي بمقصديته (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون...) [الذاريات:56] مدركاً لما حوله من أمم تشاركه في كثير من معالم حياته (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) [الأنعام:38] مُسْتَشْعِراً قيمة الوقت وأهمية الزمن "عن عمره فيما أفناه..." متحملاً مسؤوليته الفردية عن كل عمل يصدر عنه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [فاطر: 18] داخل إطار من المسؤولية الجمعية.
في الوقت الذي قدر فيه الإسلام المسؤولية الفردية فإنه توازياً مع ذلك أبقى على مظاهر من المسؤولية الجمعية " مثل القائم على حدود الله - تعالى- والواقع فيها كمثل قوم استهموا..."، وقد جعل الله - تعالى- من هذه السنن الكونية التفاوت بين بني الإنسان في قدراتهم ومعايشهم وأرزاقهم.. (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق)[النحل:71]، ولما جعل الله - تعالى- السماء محضن هذه الأرزاق استودع البشر مفاتيحها (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً...) [الطلاق:2-3]. وشاء أن تكون هذه الحياة مزيجاً من الخير والشر دون تمحض لأي منهما (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ..) [ الأنبياء:35] وجعل اجتلاب المصالح ودفع المفاسد منوطاً باعتبار الدنيا مسلكاً إلى الآخرة بعيداً عن التأثر بأهواء الناس (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن...)[المؤمنون:71] ليتسنى للبشر التعرف على آلاء الله وشكرها (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)[النحل:78] استعداداً لتلك الحياة الحقيقية الدائمة (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) [العنكبوت:64]، هذه الحياة بطرفيها الدنيوي والأخروي تظل بها أسرار مغيبة عن الإنسان مهما كانت قدرته وإدراكه (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) [الإسراء: 85]، وتظل هذه الحياة ثابتة في أصولها وجوهرها متطورة في معايشها وقدراتها ووسائلها.(43/16)
ثم ينتقل الكاتب إلى حقيقة الإنسان في التصور الإسلامي، فالقرآن الكريم يفصل مصدر الإنسان ومنشأه وطبيعته ومركزه في هذا الوجود باعتباره قمة الكائنات وأكرمها(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)[الإسراء:70] في حسن صورة ودقة تكوين (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) [التين:4] رغم أصله الطيني (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله ...) [السجدة: 7-9] مما يدحض فرية الترقي (النشوء والارتقاء) الداروينية، إذ إن نصوص القرآن متواترة على خصائص هذا الإنسان ووظائفه التي قد صاحبت خلقه؛ فهو تتمة لإبداع إلهي بما أُوتي من مواهبُ ورُزق من قوى تؤهله للتعامل مع هذا الكون المسخر له (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) [النور:40] وبما ركب في نفسه من خير وشر لطبيعته الطينية الروحية (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها...) [الشمس: 7-10]، وتلك الغيبية التي سبق الحديث عنها تفرض نفسها على الإنسان في خلقه وتكوينه (والله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد...) [ الرعد: 8] وهو في ذاته دليل على وجود الله تعالى وقدرته (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ...) [الحج: 5]، ثم هو مدعو للتفكير في نفسه وعجائب خلقه (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [ الذاريات:21] ليتبين توافقه مع الكون المحيط به في هالة من النعم المتزايدة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [ إبراهيم: 34] بما زود به من آليات لإدراك الحقائق ( ... وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ...) [ النحل : 78]، مختاراً لخلافة الله في أرضه (إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة:30] رغم ما تقوم عليه بنيته من ضعف جسدي وعجز نفسي (وخلق الإنسان ضعيفا) [ النساء:28]. وقد حباه الله بفكر يعقل به رسالات الله ويحصّل به المعارف ويتبين به الآيات (وقد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون )[آل عمران: 118]، إن مطلقية المشيئة الإلهية تجعل مرد الأمر كله إلى الله (قل كل من عند الله) [النساء:78] في تناسب دقيق بين هذه المشيئة والاختيار الإرادي للعبد في جو من الجبر (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) وإطار من الاختيار (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها..) [يونس:108] ومواجهة مع الشيطان (إن الشيطان للإنسان عدو مبين) [يوسف:5]، ثم إن الإنسان بوصفه مكلفاً من قبل الله تظل علاقته بهذا الكون متمثلة في الاستثمار والانتفاع من جهة والاعتبار والاتعاظ والنظر من جهة أخرى (وفي الأرض آيات للموقنين )[الذاريات:20] في عبودية مطلقة لله تعالى فلا يعبد إلا هو، ولا يعبده إلا بما شرع داخل سور من الحب والود (والذين آمنوا أشد حباً لله) [البقرة:165].
والإنسان في هذا منقسم إلى قسمين: مسلم وكافر حسب الاستجابة لمقتضيات تلك العبودية والإعراض عنها، وقد جعل الله قيادة البشرية لتلك الفئة المؤمنة (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [الأنبياء:105] رغم المساواة في الأصل الإنساني (الذي خلقكم من نفس واحدة) [النساء:1] (كلكم لآدم...) والذي بث منه الذكر والأنثى (خلقناكم من ذكر وأنثى) [الحجرات:13]، والإنسان بما جبل عليه من ضعف، وما ركب فيه من شهوة تجعله ميالاً إلى الخطيئة، جعل الله له منها التوبة مخلصاً (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) [ البقرة:37]، غير أن توازن هذا الإنسان واستقامته تنشأ عنها إقامة مجتمع متوازن مستقيم، فقد جبله الله على القيم العليا التي هي جزء من فطرته، وحباه بالإيمان الذي يقوده إلى كل فضيلة وألبسه تاج الإسلام، يقول قطب رحمه الله: "يبدو أن المسيحية رؤيا في عالم المثال المجرد يلوّح بها للبشر في ملكوت السماء وأن الإسلام هو حلم الإنسانية الخالد مجسّماً في حقيقة تعيش على الأرض وأن الشيوعية والمذاهب الغربية هي حقد البشرية العارض في جيل من الأجيال).
ثم يعرج الكاتب على الحديث عن خصائص التصور الإسلامي ليستهل حديثه بمزايا هذا التصور والتي تتقدمها الربانية (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) [الشورى:52] وموافقة الفطرة (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها) [الروم:30] والتصور المبرهن (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة:111] في وسطية تدفع النشاز (... وجعلناكم أمة وسطا) [البقرة:143] وتصور ثابت وكامل وشامل ومتزن في إيجابية وواقعية وتوحيد (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [ الأنبياء:25].(43/17)
وهكذا يتحول الكاتب إلى الحديث عن آثار هذا التصور في حياة الفرد وللأمة، مبرزاً أهمية بل ضرورة الالتزام بشريعة الله لضبط الحركة البشرية وتحصيل الاستقامة العقلية والقلبية وتأسيس نظام حياتي كامل وشامل على ذلك التصور؛ باعتبار المجتمع المسلم هو الأولى بالحضارة دون أن يغفل آثار ذلك في النفس الإنسانية، وعلى المجتمع البشري موضحاً ما لهذا التصور من آثار في تربية النشء وتوجيه العملية التربوية بالنظر إلى قوة الوازع الديني والآفاق العالية للشعور والضمير وثبات أركان مصدر المعرفة والمنهج الرابط بين العقل والكون، وتحديد العلاقة بين المعلم والتلميذ واستحضار أثر الخوف من الآخرة في العملية التربوية والانتقائية التي ينبغي أن تطال المنهج التعليمي والقناعة بانعدام البديل عن الإيمان علما كان أو غيره.
ذلكم هو التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان كما سطرته يد الشيخ الفاضل الذي أجاد وأفاد، فلا فُض فوه، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين بما قدم خير الجزاء، وجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسناته.
============(43/18)
(43/19)
هل الجمهوريون من الفرق المارقة؟
د. عبد الحي يوسف
السؤال هل يعتبر الجمهوريين (جماعة محمود محمد طه) من الفرق المارقة؟ وهل يجوز الأكل معهم أو الزواج منهم؟
الإجابة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الفكر الجمهوري الذي كان داعيته والمنظِّر له الهالك المذموم (محمود محمد طه) قد حوى جملة من المصائب والطامات التي تجعل الحكم عليه بيِّناً واضحاً، ومن ذلك:
أولاً: قول زعيمهم بوحدة الوجود حيث دندن حول هذا المعنى في كثير من مؤلفاته، وهو في ذلك سارق لأفكار من قبله من الغلاة من أمثال محيي الدين بن عربي في (فصوص الحكم)، يقول محمود في كتابه (أسئلة وأجوبة) ج2 ص44: (هذا استطراد قصير أردت به إلى تقرير حقيقة علمية دقيقة يقوم عليها التوحيد، وهي أن الخلق ليسوا غير الخالق، ولا هم إياه، وإنما هم وجه الحكمة العملية، عليه دلائل وإليه رموز) ويقول في كتابه (الرسالة الثانية) ص 164ـ165: فهو حين يدخل من مدخل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يجاهد ليرقى بإتقان هذا التقليد حتى يرقى بشهادة التوحيد إلى مرتبة يتخلى فيها عن الشهادة، ولا يرى إلا أن الشاهد هو المشهود، وعندئذ يقف على الأعتاب ويخاطب كفاحاً بغير حجاب { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } وفي ص90 يقول: (ويومئذ لا يكون العبد مسيَّراً، إنما هو مخيَّر قد أطاع الله حتى أطاعه الله معارضة لفعله، فيكون حياً حياة الله، وقادراً قدرة الله، ومريداً إرادة الله ويكون الله). ويقول في كتابه (أدب السالك في طريق محمد) ص8: فالله تعالى إنما يعرف بخلقه، وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل، هم فعله ليس غيره وقمة الخلق وأكملهم في الولاية هو الله وهو الإنسان الكامل وهو صاحب مقام الاسم الأعظم (الله) فالله اسم علم على الإنسان الكامل.أ.هـ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ثانياً: تفسيره للواجبات الشرعية بغير المعاني التي أجمع عليها المسلمون وعرفوها منذ أيام رسول ا صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، فالصلاة عند محمود بالمعنى القريب: هي الصلاة الشرعية ذات الحركات المعروفة، والصلاة بالمعنى البعيد: هي الصلة مع الله بلا واسطة، أو هي صلاة الأصالة كتاب (الصلاة) ص70، وقد ظهر نفاقه على أيام رواج الشيوعية فقال في كتابه (الرسالة الثانية) ص145: وبنفس هذا القدر الزكاة ذات المقادير ليست اشتراكية، وإنما هي رأسمالية.. وآيتها (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ليست أصلاً وإنما هي فرع، والغرض وراءها إعداد الناس نفسياً ومادياً ليكونوا اشتراكيين، وحين يجيء أوان الاشتراكية) إلى أن يقول في ص147:فالشيوعية تختلف عن الاشتراكية اختلاف مقدار فكأن الاشتراكية إنما هي طور مرحلي نحو الشيوعية، ولقد عاش المعصوم الشيوعية في قمتها).
ثالثاً: إنكاره لأمور قد عُلمت من دين الإسلام بالضرورة كوجوب الحجاب على المرأة ووجوب الزكاة وإباحة تعدد الزوجات والطلاق، وقد ألف منشوراً جعل عنوانه (الجهاد ليس أصلاً في الإسلام) وآخر (الزكاة ليست أصلاً في الإسلام) وثالث (الطلاق ليس أصلاً في الإسلام) عليه من الله ما يستحق.
رابعاً: سوء أدبه مع الله وأنبيائه ورسله ودينه وقد طفحت بذلك منشوراته ومؤلفاته، حيث وصف رب العالمين جل جلاله بالحقد حين يخلِّد الكفار في النار فقال في كتابه الرسالة الثانية ص87: (وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار وداخلة الجنة حين تستوفي كتابها من النار وقد يطول هذا الكتاب وقد يقصر حسب حاجة كل نفس إلى التجربة ولكن لكل قدر أجل ولكل أجل نفاد، والخطأ كل الخطأ في ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً فجعل بذلك الشر أصلاً من أصول الوجود، وما هو بذلك، وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة) وأصدر كتاباً بعنوان (الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين) وبلغ به عرام الكفر أن يقول في منشوره الأخير (هذا أو الطوفان): إن شريعة طبقها المعصوم في القرن السابع لا تملك حلاً لمشاكل القرن العشرين.
خامساً: بلغ من زندقته وفساد عقله أنْ ظنَّ أن أحكام الإسلام موقوتة وأن اختلاف الزمان يأتي على أصلها ويغير حقيقتها وفحواها فأصدر منشوراً بعنوان: (تطوير الأحوال الشخصية) ذكر فيه آيات القرآن في شأن الميراث والشهادة ثم قال معللاً تلك الأحكام: فقد كانت المرأة في القرن السابع قاصرة عن شأو الرجال وليس القصور ضربة لازب وإنما هو مرحلة تقطع مع الزمن والصيرورة إلى الرشد حتم.
وأحسن تصوير لفكر الرجل ما قاله الشيخ العلامة محمد نجيب المطيعي رحمه الله تعالى في كتابه (حقيقة محمود محمد طه)ص27: والحقيقة التي استخلصناها من دعوة هذا الرجل هي أنها مزبلة تاريخية إذ تراكمت فيها كل جيف الفكر القديم والدعوات الهدامة على مدى التاريخ، وهي مزبلة عصرية إذ تراكمت فيها كل أفانين الفكر الهابط من دهرية ووجودية وشيوعية وفرويدية ولا معقولية وهيبزية)(43/20)
هذا وقد أفتت هيئات شرعية ومجامع فقهية ومحاكم إسلامية معتبرة بردة الرجل وفساد فكره، وأن هذا الحكم ينسحب على كل من يؤمن بأفكاره تلك ويتابعه في هرطقته وزندقته، فصدرت فتوى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في 5/ربيع أول 1395هـ بردته وأنه يجب على المسلمين أن يعاملوه معاملة المرتدين، وصدرت كذلك فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بتاريخ 5/6/1972م بأن كلام محمود كفر صراح لا يصح السكوت عليه، وصدر الحكم بردة محمود من المحكمة الشرعية يوم 27/شعبان/ 1388هـ الموافق 18/11/1968م ثم صدر حكم آخر من المحكمة الجنائية رقم 4 بأم درمان بتاريخ 8/1/1985م ثم قرار محكمة الاستئناف الجنائية بالخرطوم الصادر في 15/1/1985م وقد أراح الله العباد والبلاد من شره بعدما نُفذ فيه حكم الإعدام في يوم الجمعة 27/ربيع الثاني/1405هـ (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).
وإذا تبين مروق هذه الفرقة من دين الإسلام فإنه لا يحل لمسلم أن يتزوج من نسائهم؛ لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) ولو استبان لزوج أن امرأته تعتنق هذا الفكر لوجب عليه فراقها إن لم تتب؛ لقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولا يحل لمسلمة كذلك أن تتزوج رجلاً يعتنق هذا الفكر؛ لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) والله تعالى أعلم.
============(43/21)
(43/22)
قوانين النهضة
د. جاسم سلطان
لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة،
واستخدموها،
وحولوا تيارها،
واستعينوا ببعضها على بعض،
وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد.
( رسالة المؤتمر الخامس )
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول ا صلى الله عليه وسلم ، أما بعد..
فلقد أشرنا في كتاب "النهضة.. من الصحوة إلى اليقظة"1 إلى الأطوار التي تمر بها أي حضارة، ووصفنا هذه المرحلة التي نعيشها - والتي شارفت على الغروب - بأنها مرحلة الصحوة، تلك المرحلة التي أنبتت نباتاً حسناً بإذن ربها، وأثبتت أن الأمة ما زال بها خير كثير، غير أنها تفتقد إلى دور العقل المرشد والموجه، وإلى الرؤية والاستراتيجية الواضحة.
كما أشرنا إلى أنه قد آن الأوان لتشرق شمس مرحلة اليقظة، التي تسير بتلك الجحافل والجموع المباركة إلى طريق النهضة، من خلال جهود منظمة، ورؤية استراتيجية واضحة، وسياسات قائمة على التعاون والعدل.
وحتى نستطيع دخول هذه المرحلة المرتقبة التي نبشر بها، يجب أن نتعرف على سنن الله في كونه، وعلى القواعد التي تحكم عملية النهوض في أي مجتمع من المجتمعات. لأن أكثر ما يميز مرحلة اليقظة أنها لا تتخذ من الارتجال سياسة ومنطلقاً لها؛ بل هي في انطلاقها تعتمد على أدق قواعد البحث العلمي، وأقصى درجات الإعداد.
والتعرف على قوانين النهضة أمر مهم جداً لكل من يهفو قلبه إلى التغيير، وإلا ضاع فريسة الارتجال. ولقد وجهنا المولى عز وجل إلى أن للكون قوانين ثابتة، فقال تعالى: {فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً}2، وقال: {لا تبديل لخلق الله}3. ففي الكون والنفس والسنن الاجتماعية
الكثير من القوانين الثابتة. من أعرض عنها فقد ألغى عقله وأضر بنفسه.
ولو نظرنا إلى موضوع بحثنا، وهو قيام الأمم وسقوطها، وموضوع النهضة، سنجد العلامة الشيخ محمد رشيد رضا يقول في تفسير المنار في قول الله تعالى: {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}4 ".. فيجب على الأمة في مجموعها أن يكون فيها قوم يبينون سنن الله في خلقه، كما فعلوا في غيرها من العلوم والفنون التي أرشد إليها القرآن بالإجمال، وبينها العلماء بالتفصيل، عملاً بإرشاده، كالتوحيد والأصول والفقه. والعلم بسنن الله تعالى من أهم العلوم وأنفعها. والقرآن يحيل إليه في مواضع كثيرة. وقد دلنا على مأخذه على أحوال الأمم، إذ أمرنا أن نسير في الأرض لأجل اجتلائها ومعرفة حقيقتها"5 ويقول الشيخ محمد عبده: "ولا يُحتج علينا بعدم تدوين الصحابة لها، فإن الصحابة لم يدونوا غير هذا العلم من العلوم الشرعية التي وضعت الأصول والقواعد، وفرع منها الفروع والمسائل.. ولما اختلفت حال العصور اختلافاً احتاجت معه الأمة إلى تدوين علم الأحكام وعلم العقائد وغيرهما، كانت محتاجة إلى تدوين هذا العلم. ولك أن تسميه علم السنن الإلهية، أو علم السياسة الدينية، سمه بما شئت فلا حرج، فالحياة لم تخلق عبثاً، إنما خضعت لسنن وقوانين، وأمر البشر في اجتماعهم وما يعرب فيها من الصراع والتدافع الحضاري وما يتبع ذلك من الحرب والنزال والملك والسيادة والتداول الحضاري يجري على طريقة قويمة، وقواعد ثابتة، ومن سار على سنن الله ظفر بالفوز وإن كان ملحداً أو وثنياً، ومن تنكبها خسر وإن كان صديقاً أو نبياً. وعلى هذا يخرج انهزام المسلمين في
أحد، وفي بداية معركة حنين، ويتخرج انهزامهم على الأصعدة المتعددة"6.
هذا المعنى الذي يشير إليه محمد رشيد رضا في تفسير المنار يشغب على كثير من العاملين في المشروع الإسلامي. إذ أنهم يعتقدون أن العلم هو قراءة الفقه وأصوله ومدارسة التفسير، ثم الإعراض عن كل العلوم الأخرى وعن النظر في الكون، وعن التدبر في التاريخ والتجارب الإنسانية، وكل ذلك بحجة قولهم "حسبنا كتاب الله وسنة رسوله"7 وما دروا أن كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم إنما أمرانا بالنظر. وانظر إلى قوله: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}8.
ولقد أشار جودت سعيد في كتابه "حتى يغيروا ما بأنفسهم" إلى هذا الصنف من الناس. فيقول: ".. والمصدر الأساسي للعطالة العقلية هي العقيدة العبثية في الكون. اعتقاد العبث واللعب في الوجود. يقول تعالى: }وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}9 ، ويقول: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً}10. إن العقيدة العبثية في الكون هي عدم رؤية النظام، وعدم رؤية السنن وعلاقة الطاقة المفكرة الإنسانية بسنن الكون. هذا هو ظن العبثية في الوجود.. هذه الآفة ولدت بعد ذلك أجنتها التي نمت وترعرعت وصار لها أحفاد وذرية. إذ ما دام الأمر يسير على غير سنن نتبعها فلا جدوى من إعمال الفكر لكشف حل أو تغيير الواقع. والقرآن الكريم يطلب منا علماً خارج القرآن، وذلك بالسير والنظر في الأرض إلى آيات الله المودعة في الآفاق والأنفس. فآيات الآفاق والأنفس في القرآن، ولكن(43/23)
مكان طلبها ليس في القرآن إنما في الكون. ومن فقد ملكة العلم لا يعود يستفيد من ملكة الكتاب وإن كانت واضحة بينة. ولكن نحن لم نعد نتعامل مع آيات الكتاب المسطور - أي القرآن - ولا مع آيات الآفاق التي هي الكتاب المنشور إنما نتعامل مع إنتاج المرعوبين الذين تدور أعينهم خوفاً من التبصر. وبدون التبصر تفقد الحياة التي أرادها الله للبشر قيمتها {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني}11" انتهى كلام جودت سعيد.
مما سبق يتبين لنا أهمية التعرف على قوانين النهضة، وأنها ليست من نافلة القول، أو من الترف الفكري.
إن الحاجة قد باتت ملحة لتأمل التجربة التاريخية البشرية لنستقي منها العبرة. ومن خلال هذه الدراسة التاريخية تم استخلاص هذه القوانين المركزة، والغرض منها تنظيم الخارطة الذهنية لقادة النهضة والعاملين فيها.
وقد تم اختيار هذه القوانين لأن الأمة اليوم في أمس الحاجة إليها. فهناك قصور ملحوظ في مفهوم الأفكار المركزية ودورها، وطبيعة الفكرة المركزية ودورها. وهناك قصور في معرفة دور المحور النفسي. وهناك تشوه في فهم الدور الوظيفي لشرائح إنجاح الفكرة. وهناك أفكار معيقة في التربية. وهناك غياب لمفهوم المؤشرات الحساسة. وهناك صورة ونظرة ضيقة لمفاهيم التدافع والتداول والفرصة التاريخية. ثم هناك ارتباك لأوضاع مرحلة ما بعد التمكين واحتياجاتها. وهذه القوانين تشكل بعض ملامح الإجابة على هذه الاختلالات.
إن القائد العامل في مجال النهضة والتمكين لا غنى له عن فهم هذه القوانين واستيعابها، فهي ليست كتابة إنشلئية بلاغية؛ بل هي أدوات عمل وتحرك نهضوي. كما أن الفرد العامل المفكر الجريء المنتج حريٌّ به قراءتها وتدبرها حتى يُقَوِّم ما يطرح عليه من مقولات وما يطلب منه من مسارات عمل فينتقي لنفسه ويقدر دوره.
والتعامل مع هذه القوانين يتم على مستويين:
فعلى مستوى الفرد يتم تصحيح خارطته المفاهيمية والتصورية، فيحسن التلقي والعمل.
وعلى مستوى القادة والحركات النهضوية يُعلم متطلبات إنجاز مثل هذا العمل وشروط تحققه، فلا تدور عجلة العمل بالسير في المكان وإجهاد الجسد من غير تقدم للأمام.
لقد راعينا في هذه القوانين التبسيط لضمان وصولها لأكثر الشرائح ولأوسع قاعدة من المستفيدين. وتسعة من هذه القوانين تتحدث عن مرحلة ما قبل الدولة، بينما يتحدث القانون العاشر عن مستلزمات النجاح في حالة ما بعد الدولة والتمكين، وذلك حتى تتكامل الصورة في ذهن العاملين عن مستلزمات النجاح.
ونحب أن نوضح أننا لن نتناول القوانين كلها بالذكر؛ بل سنتناول بعضها، ونتعلم كيف يتم التعامل معها. وعلى قائد النهضة أن يُعمِل عقله وفكره لاستخلاص القوانين الأخرى من الكون ومن التجارب التاريخية. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إنها فرصة لتفعيل عبادة التفكر. سواءً كانت تفكراً في القرآن وتجارب السابقين، أو في التجارب التاريخية، أو في الكون المنظور والواقع القريب. وكذلك فرصة لتفعيل عبادة الصلاة، وتلاوة
القرآن من خلال التدبر فيهما لاستخلاص القوانين التي جاءت في معرض ذكر تعامل الله مع الأمم السابقة، أو في بعض الآيات التي أجملت بعض القوانين إجمالاً.
القانون الأول
الفكرة المركزية
منطوق القانون
"لكل نهضة فكرة مركزية وفكرة محفزة"
مفردات القانون
الفكرة المركزية: هي عبارة عن مجموعة المبادئ العامة التي تعتمدها أي دعوة أو حركة أو تجمع. أو المبدأ الذي تعتنقه الدولة، وتنظم حياتها تبعاً لتعاليمه.
وإذا تبنت حركة ما أو دولة ما فكرة مركزية بعينها، يصبح دور الفكرة هو صياغة كل مظاهر الحياة وفقها، وتصبح هي محور حركة الدولة.
الأفكار المحفزة هي التي تخاطب فينا البواعث الداخلية النفسية الدفينة، كالعزة الدينية, والانتصار لمبادئ الإله، أو العزة القومية التي تخاطب المجد والسؤدد، وكالمثالية التي تريد حث الفقراء لمدافعة الظلم وتحقيق المساواة. وبذلك تصبح الفكرة المحفزة هي المحور الذي يتم استقطاب الناس من خلاله. وهي كذلك بالضرورة تعالج مشكلة محسوسة بشكل مباشر للمخاطبين بالفعل.
أهمية القانون
هو أول قانون يجب دراسته دراسة جيدة حيث أن تحديد مفرداته يعني:
1. تحديد ضوابط ومنطلقات العمل النهضوي.
2. تحديد شكل النهضة المنشودة.
3. تحديد خطاب وفكرة الحشد الجماهيري.
ونحسب أن كثيراً من العاملين في مجال النهضة اليوم لا يوجد لديهم تصور واضح للفكرة المركزية وأثرها على التدافع القائم، ولم يضعوا أيديهم على الفكرة المحفزة التي تلمس أوتار قلوب وعقول المخاطبين، وتدفعهم للمشاركة وبذل الجهد، فظلت الحركات والأحزاب والحكومات عاجزة عن تفعيل طاقة الجماهير في المشاركة الفاعلة في التغيير والتنمية.
الفكرة المركزية
ما المقصود بالفكرة المركزية في النهضة ؟(43/24)
إذا نظرنا إلى الحراك الضخم الذي أحدثه الإسلام في الجزيرة العربية - ابتداءً، ثم في بقية أنحاء العالم؛ لوجدنا أن قلب هذا الحراك ومحركه الأساسي هو الإسلام. وإذا نظرنا إلى الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية والدول التي دارت في فلكها، لوجدنا أن محركاً كبيراً مثَّل قلب تلك الحركة، هذا المحرك هو الفكرة الشيوعية.ثم إذا نظرنا إلى حركة المنظومة الغربية سنجد في قلبها الفكرة الليبرالية.
مواصفات الفكرة المركزية
1. تتجسد في أيديولوجيا قادرة على صبغ كل مجالات الدولة بها.
2. قادرة على التعامل مع المتغيرات المستمرة.
3. مركبة بحيث لا يفهمها بدقائقها عامة الناس بسهولة. فلا يلم بها إلماماً جيداً إلا المثقفين وقادة الرأي.
مواصفات الفكرة المركزية
أيديولوجيا تصبغ كل مجالات الدولة
قادرة على التعامل مع المتغيرات
مركبة لا يفهمها عامة الناس
فالفكرة المركزية هي في جوهرها مجموعة من المسلمات والعقائد التي يبنى عليها نظام القيم، ويصطبغ بها نظام المجتمع الأساسي ونظمه.
مكونات الفكرة المركزية
تتكون الفكرة المركزية من جزأين:
1. جزء صلب وهو الذي يعطي الوصف للفكرة.
2. جزء مرن وهو الذي يستجيب لاحتياجات كل مجتمع وخصوصياته.
1. جزأ صلب:
ويتمثل - في الفكرة المركزية الإسلامية - في العقيدة بأركانها الستة على وجه الإجمال. وفي العبادة بالصلاة والزكاة والصيام والحج. وفي العموم كل مستلزمات الشهادتين من فرائض وغيرها. ويدخل في هذا الجزء المعلوم من الدين بالضرورة. وعليه يترتب الولاء والبراء وهو الذي يشكل المرجعية الأساسية.
2. جزأ مرن:
تركه الشارع، وهو على نوعين:
* ما يتراوح فيه الحكم بين خيارات محدودة؛ وهي معظم قضايا الفقه التي جاءت بها النصوص، مثل الخلاف حول "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" هل يدخل الوجه في إطار هذها الأمر كما قال المفتون بالنقاب أم لا يدخل كما قال المخالفون لهم؟ وبالتالي فمساحة الخلاف محدودة بهذين الرأيين.
* الوقائع التي لا نص فيها؛ وهي ما يطلق عليها منطقة العفو التشريعي، حيث يدور الحكم مع تحقيق المصلحة، كما هو مقرر في كتب الأصول، ولكنه مؤطر بمقاصد الشريعة وكلياتها، مثل قضية آليات الحكم وأشكاله، وغير ذلك.
نماذج للأفكار المركزية:
ولنأخذ أمثلة على الأفكار المركزية التي طرحت:
أولاً: الفكرة الليبرالية
يقوم جوهر الفكرة الليبرالية على الفردية. بمعنى أنها تنطلق من فكرة مفادها أن هناك عدم توازن بين سلطات الدولة وحقوق الأفراد، وأن الدولة تسعى - وباستمرار - للتغول واستقطاع حقوق الأفراد، وتنتقص من حرياتهم. وبالتالي فالمبدأ الفردي يقوم على إعطاء أقصى قدر من الحريات للفرد، وحمايته من تغول الدولة على حقوقه. وطغيان وتقديم مصلحة الفرد على المجتمع.
والليبرالية قوامها دنيوي. أي لا تهتم بالبعد الغيبي. فليست هناك حقوق غيبية مقدسة يمكن الرجوع إليها؛ بل هناك أعمال المفكرين وما يتفق الناس على كونه صالحاً ليتعايشوا به.
وقد انعكس هذا الفهم على عدد من الأمور. فمبدأ الليبرالية الثاني وهو الحرية قاد إلى الاهتمام الشديد بتقويض سلطات الدولة، وإطلاق الحريات للناس بشكل كبير. فطرحت الليبرالية تخليص المرأة من سيطرة الزوج والأسرة، وتخليص الأبناء في سن مبكرة من سيطرة الآباء، وتخليص الناس من أن يلقنوا الديانات في المدارس، أو ما شابه ذلك.
ومن مبادئ الليبرالية الكبرى المساواة والتعايش من خلال إعلاء مبدأ العلمانية، فهي ترى أن الناس يمكن أن يتعايشوا رغم الاختلافات ورغم تباين وجهات النظر. وأن هذا التعايش يمكن أن تحل فيه الخلافات بالحوار، وأن المبدأ الأساسي في هذه المجتمعات هو التراضي عبر التصويت، وأن الدستور هو الضامن لما هو متفق عليه، وأنه يجب أن يكون هناك فصل بين السلطات، بين السلطة التنفيذية
مبادئ الليبرالية
الحرية
المساواة
التعايش
التراضي
الدستور
الحوار
المبدأ الفردي: حرية الأفراد وحمايتهم من تغول الدولة
والسلطة التشريعية والسلطة القضائية.
ثانياً: الفكرة الشيوعية
إذا نظرنا إلى الشيوعية، سنجد أن قلب الفكرة الشيوعية يقوم على تقليص دور الفرد لصالح المجموع. فبحجة حماية مصالح العمَّال، والمصلحة العامة، والقضاء على الطبقة الرأسمالية، وعلى الإقطاع، وعلى استغلال الإنسان؛ تقوم الدولة بالسيطرة على جميع مناحي الحياة وتقييد الحريات، ورسم الحوارات المقننة، وتعريف المساواة بطريقة تجعل الإنسان ترس في الآلة الشيوعية. ولا تقبل الدولة في هذا النظام التعايش إلا بالموافقة على مبادئها والعيش بها. وترى أن التراضي يجب أن يكون بين الطبقة العاملة. وبالتالي يجب قمع بقية الطبقات. والدستور هو دستور الشعب.
فالشيوعية تؤمن بالحرية والحوار والمساواة والتعايش والتراضي والدستور، ولكن بتفسير يصب في مجمله على القضية الرئيسية، ألا وهي تقليص حقوق الفرد لصالح المجموع.
مبادئ الشيوعية
الحرية
المساواة
التعايش
التراضي
الدستور
الحوار
المبدأ الجماعي: تقليص حقوق الفرد لصالح المجموع
ثالثاً: الفكرة الإسلامية:(43/25)