أبو محمد صالح بن عبد العزيز السندي
المحاضر بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
================(38/61)
(38/62)
سيبويه قاديان درس في اللغة العربية للذين لا يفقهونها
هذا هو زمن العجائب! أتباع غلام قاديان يريدون تعليم الناس قواعد اللغة العربية. يا عزيزي أشفق على نفسك فإلهك البنجابي "يلاش" - الذي هو الميرزا القادياني نفسه - كان جاهلاً بأبسط قواعد اللغة العربية. إن بعض جمل وحيه المدعى تذكرني بكلام بعض العمال الهنود في دول الخليج الذين يحاولون التحدث بالعربية، نحو قولهم "أنا في معلوم عربي زين رفيق".
ما دمت أنت ضليعاً إلى هذه الدرجة بقواعد اللغة العربية فإنني أرجو منك أن تعرب الوحي القادياني التالي الذي ادعى الميرزا استقباله بخصوص فتاة أحلامه "محمدي بيجوم":
((إنها سيجعل ثيبة و يموت بعلها و أبوها إلى ثلاث سنة من يوم النكاح)) - كتاب الوحي القادياني (تذكرة) ص 160
و نجد نفس الوحي المكسّر مذكوراً في كتاب (كرامات الصادقين) تأليف الميرزا القادياني ص 162
لكن بعد أن تنتهي من الإعراب أرجو أن توضح السبب الذي دفع القادياني "مصطفى ثابت" إلى تحريف هذا الوحي عندما ذكره في كتابه "السيرة المطهرة" حيث ذكر الوحي المدعى كالتالي:
((يموت بعلها و أبوها إلى ثلاث سنوات من يوم النكاح)) - كتاب "السيرة المطهرة" ص 578
فببساطة قام مصطفى ثابت بحذف الجملة الهندو-عربية ((إنها سيجعل ثيبة)) و قام بتحويل ((ثلاث سنة)) إلى ((ثلاث سنوات)).
و لمعرفة المزيد عن تصحيح القاديانيين لأخطاء إلههم اللغوية أدعوك إلى قراءة مقال "تحريف الوحي القادياني المقدس" و هو موجود على الرابط التالي:
http://alhafeez.o r g/ r ashid/a r abic/A r disto r tion.doc
================(38/63)
(38/64)
هل مات الميرزا القادياني بالكوليرا؟
بالنسبة لقولك بأن المسيح الموعود عليه السلام قد مات بالكوليرا وأنه مات في دار الخلاء فهو قول كاذب
عزيزي غالي، أدعوك إلى قراءة مقالي "هل مات الميرزا بالكوليرا" و هو موجود كاملاً على الرابط التالي:
http://alhafeez.o r g/ r ashid/a r abic/a r abic.htm
و سأكتفي هنا بنقل الجزء الخاص بشهادات أهل الميرزا عن أعراض و مسببات موته.
الشاهد الأول : مير ناصر نواب و هو أحد أتباع الميرزا غلام أحمد القادياني و هو أيضاً والد زوجته، حيث وصف في كتابه ((حياة ناصر)) اللحظات الأخيرة من حياة صهره الميرزا، و كان مما كتبه في صفحة 14 من كتابه:
((حتى عندما غادر هذا الشخص الموقر - ميرزا غلام أحمد القادياني - إلى لاهور في رحلته التي تعتبر رحلته إلى العالم الآخر، حتى في تلك اللحظات كان هذا العبد - يعني نفسه "مير ناصر نواب"- مرافقاً له))
و يضيف مير ناصر نواب هناك قائلاً: ((في الليلة التي شعر فيها حضرته - ميرزا غلام - بالمرض كنت قد تركت مكاني و ذهبت إلى الفراش للنوم. و تم إيقاظي عندما أحس هو بألم حاد جداً. و عندما و صلت إلى حضرته و رأيت حالته خاطبني قائلاً: "سيد مير، أنا أصبت بوباء الكوليرا"، و بعدما قال هذا لا أعتقد بأنه نطق بأية كلمة مفهومة، و ظلت هذه حاله حتى الساعة العاشرة صباحاً من اليوم التالي حيث مات))
و هذه هي صورة عن النص الأصلي لكلام القادياني مير ناصر نواب في كتابه ((حياة ناصر)) ص 14:
الشاهد الثاني : ميرزا بشيرأحمد الملقب بقمر الأنبياء و هو ابن الميرزا غلام أحمد القادياني، حيث ذكر في كتابه ((سيرة المهدي)) ج1 ص9 إلى ص 11 الرواية رقم 12 ما يلي:
((هذا الشخص المتواضع - يعني نفسه "ميرزا بشير " - يقول باختصار أن حضرة المسيح الموعود كان في حالة جيدة تماماً بتاريخ 25-5-1908م أعني مساء يوم الإثنين. في تلك الليلة و بعد صلاة العشاء رجعت إلى البيت فوجدته يجلس على السرير مع الوالدة الموقرة و يتناول معها وجبة من الطعام. ذهبت إلى سريرا و تمددت ثم نمت. و في الجزء الأخير من تلك الليلة قريباً من الصبح تم إيقاظي، أو ربما أكون قد استيقظت بنفسي من مشي الناس حولي و كلامهم. بعدها شاهدت المسيح الموعود عليه السلام و قد كان مريضاً جداً و يعاني من الإسهال. و كانت حالته غير مستقرة و كان الأطباء و الناس من حوله مشغولين بعدة أشياء في كل النواحي. لكن حالته ظلت حرجة و استمرت كذلك حتى طلوع الصباح. و عندما طلع الضوء سأل حضرة المسيح الموعود إن كان وقت الصلاة قد حان، ثم قام بالتيمم و هو في فراشه عن طريق الضرب بيديه، ثم بدأ بالصلاة و هو ممدد في سريره لكنه ما لبث أن أصيب بنوبة إغماء فلم يتمكن من متابعة الصلاة. و بعد فترة سأل مرة أخرى إن كانت صلاة الصبح قد حانت، فأجابوه بأنها قد حانت فشرع بالصلاة مرة أخرى لكنني لا أذكر إن كان قد استطاع أن يكملها أم لا. في هذه الأثناء كان في حالة كرب شديد و عدم راحة. و في الساعة الثامنة أو الثامنة و النصف صباحاً سأله الطبيب أن يحدد الألم الذي يعاني منه لكنه لم يستطع أن يجيبه، لذلك تم إعطاءه قلماً و ورقة فحاول أن يكتب شيئاً و ينهض من فراشه، فاتكأ على يده اليسرى لكنه لم بالكاد استطاع أن يكتب كلمتين أو أربع كلمات ثم ما لبث أن بدأ القلم ينزلق على الورقة بسبب ضعفه الشديد. ثم تمدد مرة أخرى على السرير. و في الساعة التاسعة صباحاً أصبحت حالة حضرته أكثر سوءاً و انتابته حالة من الغرغرة، و لم يكن للغرغرة صوت و لكن كل نفس من أنفاسه كان ينحبس لفترة ثم يخرج. و قد كان هذا الإنسان المتواضع - يقصد نفسه "ميرزا بشير أحمد" - واقفاً عند رأس السرير. و في هذا الوقت كان الدكتور محمد حسين شاه اللاهوري قد أعطاه جرعة من الدواء و هي عبارة عن رذاذ من الدواء على صدره قرب الحلمة لأن ذلك الجزء من بدنه كان منتفخاً قليلاً، لكن مع ذلك لم نلمس أي تحسن. ثم ما لبثت الغرغرة أن استمرت و صارت فترات انقطاع النفس أطول إلى أن أخذ في النهاية نفساً طويلاً و بعدها انتقلت روحه إلى الرفيق الأعلى))
الشاهد الثالث : نصرت جيهان زوجة الميرزا غلام أحمد القادياني
يضيف الميرزا بشيرأحمد في كتابه كتابه ((سيرة المهدي)) ج1 ص 11: ((عندما كان هذا الشخص المتواضع - يقصد نفسه "ميرزا بشير أحمد" - يناقش موضوع وفاة حضرة المسيح الموعود مع والدتي الموقرة قالت لي :(38/65)
"إن النوبة الأولى التي أصابت حضرة المسيح الموعود ظهرت عندما تناول الطعام، لكنني بعد ذلك ظللت أدلك له قدميه حيث تمدد على السرير و نام، ثم نمت أنا أيضاً، لكن بعد برهة بسيطة شعر هو بالرغبة في قضاء الحاجة و ذهب مرة أو مرتين إلى الحمام، و بعد ذلك شعر بالضعف الشديد فقام بإيقاظي بيديه. و عندما استيقظت كان يشعر بالضعف فاستلقى على سريري بينما قمت أنا بتدليك قدميه. ثم بعد فترة طلب مني أن أعود للنوم مرة أخرى. لكنني رفضت و قلت له بأنني سأستمر في التدليك. و بعد فترة قصيرة انتابته نوبة أخرى لكن هذه المرة كان ضعفه شديد جداً بحيث لم يستطع الذهاب إلى الحمام. فقمت بالترتيبات قرب السرير حيث جلس هو هناك لقضاء حاجته، ثم نهض و استلقى على السرير ثم قمت بتدليك قدميه. لكن ضعفه كان شديداً جداً، و بعد ذلك أصابته نوبة أخرى ثم استقاء. و بعد أن انتهى من القيء حاول أن يستلقي لكن ضعفه هذه المرة كان أكثر بحيث لم تحمله يداه فانقلب على ظهره و ضرب رأسه بخشب السرير")).
أنظر الوثيقة في الأسفل لكلام الشاهد الثاني و الثالث من كتاب (سيرة المهدي)
أعراض مرض الكوليرا
و الآن لنلق نظرة على ما تقوله العلوم الطبية عن أعراض مرض الكوليرا، أنظر الرابط التالي :
http://www.feedo.net/MedicalEncyclop... r y/Chole r a.htm
1- إسهال بكميات كبيرة جداً مع ازدياد حدته (أنظر أعلاه إلى ما ذكره ابن الميرزا عن إصابة الميرزا بالإسهال الشديد و انظر إلى كلام زوجة الميرزا عن اشتداد حدة الإسهال) .
2- القيء (أنظر أعلاه إلى ما ذكرته زوجة الميرزا عن تقيئه)
3- تقلص عضلات الأرجل (أنظر أعلاه إلى ما ذكرته زوجة الميرزا عن استمرارها في تدليك أرجل الميرزا للتخفيف عنه)
4- فقد سريع لسوائل الجسم مما يؤدى إلي حدوث الجفاف (أنظر أعلاه إلى ما ذكرته زوجة الميرزا و ابنه عن استمرار إسهاله و ضعفه الشديد).
5- تعرض الإنسان لصدمة وموته في خلال ساعات إذا لم يتلق العلاج (أنظر أعلاه إلى ما ذكرته زوجة الميرزا و ابنه عن تبدل حال الميرزا بسرعة بعد تناول الطعام و موته خلال ساعات من ذلك).
أما انتقال مرض الكوليرا فيمكن أن يكون من خلال (شرب الماء أو الطعام الملوث بالبكتريا المعدية) و هذا على ما يبدو هو ما حصل للميرزا الذي بدأت أعراض المرض بالظهور عليه فور تناول طعام العشاء.
أما القاديانيون فحاولوا لاحقاً نفي إصابة الميرزا بالكوليرا ضاربين بعرض الحائط بشهادات زوجة الميرزا و ابنه و والد زوجته. بل بلغ بهم الكذب أن يوردوا القصة التالية بعد ثلاث سنوات من موته:
((عندما سمع حضرة المسيح الموعود أذان الفجر سأل من حوله "هل جاء الصباح؟" و عندما سمع الإجابة نوى لصلاة الفجر و صلاها. و قبيل أن تنقل روحه إلى الرفيق الأعلى كانت كلماته كالتالي: ((يا حبيبي، يا حبيبي، يا الله يا حبيبي، يا الله يا حبيبي)) - مجلة الحكم القاديانية ج19 العدد 19-20 بتاريخ 21-28/5/1911م.
أنظر كيف ادعو بأنه قد سمع صلاة الفجر و صلاها بينما قال ابن الميرزا بأنه كان قد حاول الصلاة بعد انقشاع ضوء النهار و أغمي عليه أثناء ذلك، و انظر إلى ادعائهم حول كلماته الأخيرة بينما لم يذكر أقرب أقربائه أياً من ذلك، بل قال والد زوجته بأن الميرزا لم يتمكن من قول شيء مفهوم إلى أن مات و ذكر بأن الميرزا نفسه أخبره عن إصابته بوباء الكوليرا، و يؤكد ذلك الأعراض التي ذكرها ابن الميرزا و زوجته و التي هي نفسها أعراض مرض الكوليرا.
أما القاديانيون فلم يجدوا دفاعاً إلا أن استشهدوا بتوزيع ملابس الميرزا على أتباعه بعد موته للتبرك و قالوا بأن ذلك دليل على عدم إصابته بالكوليرا. و هذه القصة إن صحت فهي دفاع متهافت لأن مرض الكوليرا لا ينتقل من الشخص المصاب إلى الشخص السليم عن طريق الاتصال المباشر أو عن طريق الملابس.
===============(38/66)
(38/67)
يا قادياني ما هي شروط صحة ما أنت عليه ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
المتتبع لمداخلات الزميل "غالي" مدعي القديانية يلاحظ شيئا عجيبا .. أن الزميل يدافع جاهدا عن ما يُسمى دليل إمكانية الحدوث وليس شرطه!
أوضح ..
يقول الزميل غالي أن "خاتم الأنبياء" لا تعني إطلاقا "أخر الأنبياء" ولهذا لا يوجد مانع بأنه يوجد نبي بعد محمد . وبدون أن نوافقه على هذا - وتنازلا - أطلب منه ما هو معيار صدق من يدعي النبوة بعده ثم - بعد إقراره - في ضوء ذلك الدليل على ما هو عليه؟
أوضح أكثر ..
هل مثلا حقيقة أن عيسى عليه السلام ليس أخر الأنبياء يعني بالضرورة أن محمدا يكون نبيا؟
بالطبع لا.
الإجابة يعرفها حتى الطفل الصغير ولكن لا بأس سنشرح .. دليل النفي ينفي ولا يثبت، فعندما نقول لا نبي بعد محمد يسقط دليل الإثبات من أساسه.
1) وهذا ما ذهب إليه الإخوة الكرام .. النفي من تعاليم الإسلام بوجود نبي بعده .. وما جعل القدياني يتهرب بشكل مستمر. (دليل نفي خارجي للقديانية يعتمد على الإسلام)
2) ولكن هناك طريق أخر سلكه معه الأخ فؤاد العطار .. أيضًا يعتمد على دليل النفي .. ولكنه يعتمد على تعاليم القديانية نفسها (أي دليل نفي داخلي للقديانية يعتمد على القديانية نفسها).
3) ولكنني سأسلك معه مسلكا أخر .. يعتمد على دليل الإثبات للقديانية .. سأطلب منه أن يثبت أن ما عليه هو الحق؛ وسؤالي:
ما هو دليلك يا غالي؟
وهذا ما سأناقشه فيه .. لنرى "اللامفلس" في إثبات دينه!
هيا تفصل يا "غالي" ....
بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان الموضوع عنصري ينم عن الحقد.. ويؤصل العقلية الإقصائية التي تسيطر على البعض في هذا المنتدى... كما وأن كاتب الموضوع يجاهر باتهامي بانني مدع فيما أنا مؤمن به وكأنه مطّلع على أفئدة البشر...
يقول:
اقتباس:
أن الزميل يدافع جاهدا عن ما يُسمى دليل إمكانية الحدوث وليس شرطه!
وهذا الكلام لا يلزمني بل يلزم قائله فقط... فهناك امكانية بالطبع لأن يرسل الله رسلاً من لدنه وهناك أيضاً معايير لإثبات صدق هذا النبي...
إن نقاشاَ من هذا النوع كان ليستهويني لو أنه يحتوي على الحد الأدنى من مقومات النقاش.. أما النقاش المبني على التعالي والعنجهة والجعجعة فهو نقاش عقيم لأنه لا يقوم على مبدأ الند للند
هل رأيتم كيف إنتهى النقاش في جولة واحدة .. وأرد عليه بكلامه :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالي مشاهدة المشاركة
هذا هو ديدن المفلسين
والحمد لله رب العالمين!
==============(38/68)
(38/69)
سؤال للعضو غالي: هل يجتمع إلحاد و نبوّة؟
طالما شنع القاديانيون في الماضي و الحاضر على من تبنى من المسلمين الرأي القائل بأن عيسى عليه السلام لم يمت و بأنه رفع بجسده إلى السماء، فتارة يرمون أولئك المسلمين زوراً و بهتاناً بالشرك أو بتأليه المسيح (ع) أو بتأييد عقائد النصارى الشركية و قد يظنّ من يقرأ كلام عبيد يلاش في هذا المجال بأن أي كائن بشري يغادر الغلاف الجوي للأرض يصير إلهاً.
في هذه المشاركة سأبرز الأدلة من كتابات الميرزا غلام أحمد القادياني حيث تثبت تلك الوثائق القاديانية بأن الميرزا القادياني نفسه ظل طوال 52 سنة من حياته يعلن إيمانه بعدم وفاة المسيح عليه السلام و بأنه حيّ بجسده في السماء، و أن الميرزا ظل طوال حوالي 12 عاماً من نبوته المزعومة يؤمن بما سماه هو عقيدة شركية و سماه خليفته الموعود إلحاداً و ظل يبشر بهذه العقيدة مع أنه ادعى لاحقاً بأن إلهه ما أرسله إلا ليهدمها!
و سأبين أيضاً بأن رأي الميرزا اللاحق حول موت المسيح (ع) ظل يقول بحياته بجسد في السماء و ذلك من خلال عقيدة الميرزا القائلة بأن الأرواح يلزمها أجساد جديدة بعد الموت مباشرة.
الميرزا يقول بحياة المسيح (ع) في السماء في كتابه "براهين أحمدية"
كتب الميرزا سنة 1884م في كتابه الذي يدعي القاديانيون اليوم بأنه هزم النصرانية و جعل من الميرزا مجدداً ما يلي: ((النبي عيسى (ع) ترك الإنجيل بصورته غير الكاملة و رفع إلى السماء، و سيظل الإنجيل غير مكتمل إلى فترة طويلة بين أيدي الناس)) - براهين أحمدية الجزء 4 صفحة 431.
و كتب أيضاً ((عندما يعود عيسى (ع) مرة أخرى إلى هذا العالم فإن الدين سينتشر في كل بقاع الأرض)) - براهين أحمدية الجزء 4 صفحة 593.
و في الكتاب القادياني التبشيري (حياة أحمد) الذي نشرته الجماعة الأحمدية شعبة ربوة يقول الكاتب ما يلي:
((أحمد (ميرزا غلام أحمد القادياني) أكد في كتابه براهين أحمدية المنشور عام 1884م العقيدة التقليدية بأن المسيح حي في السماء و بأنه سيأتي مرة ثانية إلى الدنيا، أنظر صفحة 361 و 499 في الهامش رقم 3. لم يكن يخاف من العقلانية التي انحنى لها سابقا السير سيد (أحمد خان) باستسلام. لكن في العام 1891م و عندما أخبر الله أحمد بأن المسيح قد مات، عندها فقط غير عقيدته بهذا الصدد)) - حياة أحمد ص 40 الهامش رقم 2.
علماً أن الميرزا ادعى بأنه بدأ باستقبال الوحي عندما كان في الأربعين من عمره أي في حوالي سنة 1879م، أي أنه ظل يستقبل وحي النبوة المدعى حتى العام 1891م دون أن ينكر عليه ذلك الوحي ما سماه لاحقاً شركاً عظيماً. و كفى بهذا الإدعاء كذباً على الله سبحانه الذي لا يرضى لعباده الكفر فكيف يرضى بشرك عظيم لنبي مرسل.
يقول الميرزا في كتابه "مرآة كمالات الإسلام" ص 548: ((و لما بلغت أشد عمري و بلغت أربعين سنة جاءتني نسيم الوحي)).
و قال الميرزا سنة 1902م في كتابه "إعجاز المسيح" ص 202 ما يلي: ((و قد أوحي إليّ إلى مدة هي مدة وحي خاتم النبيين و كلمت قبل أن أزنأ من الأربعين إلى أن زنأت من الستين)).
لاحقاً: الميرزا يكفّر القائلين بحياة المسيح (ع) في السماء
في كتابه "ضميمة حقيقة الوحي" سنة 1907م كتب الميرزا في الصفحة رقم 660 السطر 12 ما يلي:
((فمن سوء الأدب أن يقال بأن عيسى ما مات و إن هو إلا شرك عظيم)).
إذاً و حسب رأي الميرزا نفسه فإنه كان مشركاً قليل الأدب خلال السنوات ال 52 الأولى من حياته و خلال 12 عاماً من إرساله نبياً كما زعم.
المجدد الملحد
و الآن لنقرأ ما كتبه الخليفة القادياني الثاني - الملقب بالمصلح الموعود - بخصوص إنجازات والده الميرزا:
((أنقذ الإسلام من الشرك و الإلحاد الشائعين بين المسلمين بإثباته أن المسيح قد مات موتاً طبيعياً)) - مريم تكسر الصليب ص 170.
إذاً فرأي مصلح القاديانية الموعود يقتضي أن الميرزا غلام نفسه كان مشركاً و ملحداً معظم حياته و طوال نصف فترة نبوته المزعومة.
كان يعلم بأنه ينشر الشرك و الإلحاد لكنه أخفى الحقيقة
مع أن الميرزا قام في كتابه "براهين أحمدية" سنة 1884م بنشر عقيدته حول حياة المسيح (ع) بجسده في السماء و بأنه لم يمت و سيعود إلى هذه الدنيا بنفسه في آخر الزمان إلا أن الميرزا ظل ينشر و يبيع هذا الكتاب و لم يقل بموت المسيح (ع) إلى أن جاء العام 1891م. لكن الميرزا ادعى في إحدى كتاباته الإلهامية اللاحقة بأنه كان يعلم منذ العام 1881م بأن المسيح (ع) لن يعود و بأن الميرزا هو المسيح الموعود لكنه أخفى الحقيقة لمدة عشر سنين -أي حتى العام 1891م - لأنه لم يكن مستعجلاً في إظهارها!.
يقول الميرزا في كتابه "مرآة كمالات الإسلام" ص 551 سنة 1893م : ((و الله قد كنت أعلم من أيام مديدة أنني جعلت المسيح بن مريم و أني نازل في منزله و لكن أخفيته نظراً إلى تأويله بل ما بدلت عقيدتي و كنت عليها من المستمسكين و توقفت في الإظهار عشر سنين و ما استعجلت و ما بادرت و ما أخبرت حِباً و لا عدواً و لا أحداً من الحاضرين)).
ظل مصراً على الشرك مع أن وحيه دعاه لترك ذلك الشرك(38/70)
لكن ليفتضح تناقضه و دجله فإن الميرزا كتب لاحقاً في كتابه "أيام الصلح" ص271 سنة 1899م ما يلي: ((في براهين أحمدية قمت أنا مخطئاً بتفسير التوفي بأنه إيفاء الجزاء الكامل، و قد استغل القساوسة هذا الأمر ضدي في بعض الأحيان. لكن ليس لهؤلاء ما يبرر كلامهم فأنا أعترف بأني كنت مخطئاً في ذلك التفسير. الوحي الرباني كان واضحاً لكنني مثل غيري من البشر أتعرض للخطأ و للنسيان)).
فالميرزا يقول هنا بأنه كان مخطئاً في قوله بعدم وفاة المسيح (ع) و بحياته بجسده في السماء و عودته لاحقاً إلى الأرض كما ذكر في كتابه براهين أحمدية ج4 سنة 1884م. و يقول هنا أيضاً بأن الوحي النازل عليه وقتها كان بخلاف عقيدته المعلنة لكن الميرزا العبقري لم يفهم ذلك الوحي لمدة عشر سنوات. هذا مع أن الميرزا قال سابقاً بأنه كان يعلم الحقيقة لكنه أخفاها لأنه لم يكن في عجلة من أمره! فهنيئاً للقاديانيين زعيمهم الملهم الذي كان يدعو الناس إلى ما سماه هو شركاً مع أن وحيه كان يدعوه طوال 12 عاماً لترك ذلك الشرك لكنه لم يفهم.
عيسى (ع) يعيش بجسد جديد في السماء!
يقول الميرزا في كتابه "فلسفة تعاليم الإسلام" ما يلي:
((لا بدّ للروح من مصاحبة جسم على الدوام لأداء واجباتها حق الأداء. صحيح أن هذا الجسم الفاني يفارق الروح عند الموت ولكنها في عالم البرزخ تُعَوَّضُ عنه بجسم آخر)).
علماً أن الميرزا ادعى بأن روح عيسى (ع) موجودة في السماء و بأنه ينام و يستيقظ من نومه ليتفقد حال النصارى من بعده، حيث كتب الميرزا في كتابه "سرّ الخلافة" ص 373 ما يلي:
((فيفتح الله عين نبي متوفي كان أرسل إلى تلك القوم فيصرف نظره إليهم كأنه استيقظ من النوم و يجد فيهم ظلماً و فساداً كبيراً)). و يضيف في الصفحة التالية قائلاً: ((فهذا هو نزول عيسى الذي هم فيه يختلفون)).
ملاحظة: إن كلام الميرزا هنا هو ادعاء يخالف صريح القرآن الكريم الذي بين بأن عيسى (ع) كان شهيداً على قومه ما دام فيهم فقط و ليس بعد أن غادرهم، قال تعالى بأن عيسى (ع) سيقول يوم القيامة ((وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) - سورة المائدة 117. . و في كتابه "ضميمة حقيقة الوحي" ص 666 قال الميرزا بأن عيسى (ع) سيكون كاذباً - حاشاه - لو أنه كان قد علم بأفعال قومه بعد وفاته. أنظر الوثيقة على الرابط التالي: http://img519.imageshack.us/img519/2...affajn3xu0.jpg لكن الميرزا في كتابه "سرّ الخلافة" و كتابه "مرآة كمالات الإسلام" ادعى بأن عيسى (ع) شهد أفعال قومه بعد وفاته. فانظروا إلى دجل الميرزا و مخالفته لآيات القرآن البينات.
و كلام الميرزا في "سر الخلافة" المذكور أعلاه يعني بأن روح عيسى عليه السلام موجودة في السماء، و لا بد لأي روح من جسد جديد بعد الموت حسب كلام الميرزا في كتاب "فلسفة تعاليم الإسلام". فحاصل الكلام الأخير للميرزا هو أن عيسى (ع) بعد أن مات أعطي جسداً جديداً في السماء و إن كان هذا الجسد يختلف بطبيعته عن الجسد الدنيوي.
إذاً فحتى بعد قوله بموت المسيح (ع) فإن رسالة الميرزا إلى البشرية هي أن المسيح (ع) موجود في السماء و لكن بجسد سوبر خاص ينام و يصحو و يفتح عينيه بل و يطلع على أحوال قومه بعد غيابه عنهم و أن هذا ليس تأليها للمسيح (ع) بينما يعتبر رأي من قال من المسلمين بأن عيسى (ع) موجود في السماء - و لكن بجسد بشري عادي- شركاً و إلحاداً!!! أقول: هنيئاً للقاديانيين هذه الرسالة اليلاشية التي تثبت ألوهية جميع رواد الفضاء الذين رفعوا بأجسادهم العادية إلى السماء. و هنيئاً للقاديانيين نبيهم المزعوم الذي كان حسب آرائه مشركاً و ملحداً معظم حياته.
و في الختام أود أن ألفت انتباه القراء الكرام إلى أن النصارى ادعوا بأن المسيح (ع) - بعد أن مات - ظهر لتلاميذه بجسد نوراني هو غير جسده الدنيوي ثم رفع إلى السماء. مما يعني بأن النصارى يدعون أيضاً بأن المسيح (ع) بعد أن مات موجود في السماء بجسد نوراني جديد غير الجسد البشري و يطلع على حال الناس، إذاً فليعلم القاديانيون أن الرأي الذي تطابق في هذا المجال مع عقائد مشركي النصارى هو آخر أقوال زعيمهم ملحد بني قاديان و ليس رأي أي عالم من علماء المسلمين.
و السؤال الأهم الذي أرجو من العضو غالي أن يتحفنا بإجابته: هل يمكن لنبيّ أن يظل ملحداً لمدة 12 عاماً مع أن الوحي يتنزل عليه؟ هل يمكن لمثل هذا أن يسمى "المهدي"؟
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
=============(38/71)
(38/72)
القاديانيون الجدد و عقلية القمامصة
الصورة التي يحاول كل من الصليبيين الجدد و القاديانيين الجدد على حد سواء أن يعطوها لماكينة الشتائم المسماة زكريا بطرس و أمثاله هي كالتالي: "المسلمون يدخلون في دين النصرانية أفواجاً أفواجاً، أما الأفواج القليلة الصامدة على دينها فمتسمرة أمام شاشات التلفاز تستمع و أفواهها فاغرة إلى الحجج الباهرة التي تخرج من فم ذلك القمص، تكره ما يقول لكنها تقف عاجزة أمام قوة حجته و أمام انعدام الرد الإسلامي" !!!!!
ببث هذه الأوهام السخيفة يستطيع القمص و من هم على شاكلته أن يكسبوا تأييد بعض النصارى الخجلين من ديانتهم و المتعطشين للشتم العلني للإسلام، و بهذا يكون لوجود قنوات شتم الإسلام غاية عظيمة في قلوب عبّاد الصليب. و بهذه الأوهام - نفس الأوهام - يستطيع القاديانيون الجدد أن يكسبوا تأييد أذنابهم ممن بلغ به القنوط أن يتبع مسيلمة قاديان، أولئك الخجلين من ديانتهم العجيبة المليئة بالإلهامات الكوميدية و قصص المراحيض المخزية و المتعطشين إلى السخرية بأهل الإسلام و علماء الإسلام. و بهذا يكون لوجود قناتهم - التي تلمّع الوجه القبيح للقاديانية بالرد على شتائم النصارى - غاية عظيمة في قلوب أتباع مسيلمة قاديان.
قنوات شتم الإسلام تكفي عند بعض النصارى لتبرير تمسكهم بالدين المتهافت الذي يعبد ثلاثة في واحد، لا يهم إن كانوا لا يستطيعون تبرير أي من معتقداتهم العجيبة لكن المهم أنهم يستطيعون الشتم علانية و على الهواء مباشرة. و قناة تلميع وجه الغلام تكفي عند أذناب بني قاديان لتبرير تمسكهم بديانة الغلام الذي هو أيضاً ثلاثة في واحد، لا يهم إن كانوا لا يستطيعون تبرير أي من معتقدات غلامهم العجيبة لكن المهم أنهم يستطيعون الرد على الشتم العلني للنصارى و على الهواء مباشرة!
في عقول بني قاديان انحصر الخطر الذي يهدد الإسلام بالشتائم التي يرددها عباد الصليب صباح مساء، و حسب وجهة نظرهم فإنه لا يجوز منع القمامصة من توزيع تلك الشتائم بل يجب إتاحة الفرصة لهم بحجة حرية الرأي، و في نفس الوقت فإن تلك الشتائم هي الخطر الذي يهون أمامه كل خطر، أما المشاكل الثانوية الأخرى التي يواجهها المسلمون مثل احتلال بلدانهم و التنكيل بشيوخهم ونسائهم و تعطيل الحكم بشريعة ربهم و الكوارث الطبيعية التي تصيبهم فكلها مشاكل ناجمة عن عدم انضمامهم لجماعة غلام قاديان، فلو أنهم آمنوا بالغلام لزال عنهم الهم و الغم و لانقلبت حياتهم إلى سعادة في ظل إمام الزمان و خليفة غلام قاديان الذي يهتز له عرش القياصرة و يحسب له البيت الأبيض ألف حساب! و لهذا لا يستطيع القاديانيون الجدد أن يخفوا شماتتهم بالمسلمين عند كل مصيبة، قال تعالى ((إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا )) - سورة آل عمران 120. و هذه سنّة من سنن غلامهم الذي كان يفرح بمصائب المسلمين و يدعي بأنها كلها عذاب أنزله إلهه يلاش على كل من يكذب بإمام الزمان و فطحل قاديان. و الوحي القادياني التالي الذي ادعاه الغلام يلخص تلك السنّة القاديانية في كلمات:
((لقد أتى الزلزال، إنه يوم عيد بالنسبة لنا)) - كتاب الوحي القادياني تذكرة بالترجمة الإنجليزية ص736.
في الماضي استغل الغلام شتائم النصارى الذين احتلوا الهند فبدأ يرد عليهم بالشتم تارة و بإلهامات إنقلاب خلقته إلى امرأة حامل تارة و مناماته العجيبة تارات أخرى. لم ينخدع بحبائل الغلام إلا القليل من جهلة البنجاب و بعض غلاة الصوفية ممن اتبع كل مشعوذ و كل شيطان مريد، لكن الغلام لم يقبل بحجم عصابته فلجأ إلى الإدعاءات المخزية بأن أتباعه زادوا إلى مئات الآلاف في حياته، بل صار القاديانيون في مصر وحدها - حسب ادعاءات أتباعه وقتها- بعدد حبات الرمل و الحصى!
و في الحاضر اتبع القاديانيون الجدد أسلوباً مشابها، لكنهم في هذه المرة لم يظهروا إلهامات الميرزا الكوميدية و لا مناماته العجيبة بل اكتفوا بالكذب بخصوص حجم جماعتهم و تأثيرها، لقد أرادوا إزالة الوصمة التاريخية التي تؤكد أن معظم أتباعهم هم من ذرية أولئك الجهلة من أبناء البنجاب فبدؤوا سنة 1993م حملة إعلانات - تشبه أحداث بعض أفلام هوليود - عن أعداد المبايعين الجدد لخليفتهم القادياني الرابع. ففي ذلك العام ادعى الخليفة القادياني بأن عدد القاديانيين في العالم وصل إلى عشرة ملايين! و بعد ذلك بدأ مسلسل الزيادة الهوليودية لأعداد القاديانيين الجدد و كأنهم يتكاثرون بالإنقسام الإنشطاري. و لنأخذ عينة من الإعلانات القاديانية الرسمية عن أعداد المبايعين الجدد بين سنة 1993م و سنة 2002م:
• سنة 1993م -------200 ألف مبايع جديد
• سنة 1994م ------- 400 ألف مبايع جديد
• سنة 1995م -------800 ألف مبايع جديد
• سنة 1996م -------1.6 مليون مبايع جديد
• سنة 1997م ------- 3.2 مليون مبايع جديد
• سنة 1998م ------- 5 مليون مبايع جديد
• سنة 1999م -------10 مليون مبايع جديد
• سنة 2000م ------- 41 مليون مبايع جديد
• سنة 2001م ------- 81 مليون مبايع جديد(38/73)
• سنة 2002م ------- 20 مليون مبايع جديد
و على وجه الدقة فإن مجموع أعداد المبايعين الجدد بين العامين 1993م و 2002م وصل إلى 164,875,605 مبايعاً جديداً !!!!!!! أنظر الأعداد كما نشرتها الجماعة القاديانية:
أقول: هذه الأرقام الفلكية كافية لإثبات دجل الديانة التي ارتضاها القاديانيون الجدد و هي تبين مدى العقلانية التي يتشدقون بها ليلاً و نهاراً. فما الفرق بين أوهام من يتبع مشعوذاً و يصدقه و بين أوهام من يصدق هكذا ادعاءات خرافية تشبه خزعبلات أفلام الكرتون!
عقدة القمص زكريا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالي مشاهدة المشاركة
قد يكون العضو فؤاد العطار من المتتلمذين على يديّ القمص زكريا
لأن القاديانيين معجبون جداً بردودهم على القمص زكريا فقد أرادوا إعطاء الإنطباع لأتباعهم بأن خصوم القاديانية هم أيضاً يشبهون القمص زكريا و لهذا فإن الرد على شتائم القمص حول الإسلام كافية للرد على الوثائق و البراهين التي يقدمها المسلمون ضد الأحمدية القاديانية!
لا يخجل أتباع قاديان من تشبيه القرآن الكريم بوحي الميرزا الأقرب إلى الهلوسة، فلو اعترضت على ركاكة ألفاظ الوحي القادياني و على سخافة معانيه و تناقضه فإن القاديانيين يكتفون بالقول أن أعداء الإسلام اعترضوا أيضاً على القرآن الكريم!
و إذا أظهرت الأدلة على كذب الغلام و سوء خلقه و دجله فإن القاديانيين يكتفون بالقول أن أعداء الإسلام اعترضوا أيضاً على رسول الله !
إن هذا الرد السخيف يظهر مدى تمويه هذه النحلة الضالة و مدى ضعف موقفها أمام حجج خصومها. و ليت شعري لو كان اعتراضهم كافيا للرد على براهين كذب الغلام لكان نفس الإعتراض كافياً أيضاً للرد على براهين كذب البهائية و المورمن وغيرها من الديانات التي اخترعها دجالون. فالوحي البهائي مثلاً متهم أيضاً بالركاكة و السخافة و التناقض، هل ينفي هذه الحقائق مجرد القول بأن أعداء الإسلام يحاولون الطعن في القرآن الكريم؟ ساء هذا دفاعاً عن ترهات الغلام القادياني و ترهات بهاء الله. و يصدق في هؤلاء القول: إن لم تستح فاصنع ما شئت.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
=============(38/74)
(38/75)
القادياني و الجن
بالنسبة لموضوع الجن فانظروا أين وصل بكم الأمر لإيمانكم بوجود مخلوقات شبحية لها قدرات خارقة.. وعلى العموم فمن كان على الحق لا يصل لهذا المستوى من الحضيض.. إن القول بوجود مخلوقات شبحية يستوجب وجود تناقض في القرآن الكريم -والعياذ بالله
عزيزي غالي المرادني
إن كان الإيمان بالجن الشبحي يوجب وجود تناقض في القرآن الكريم و إن كان الإيمان بالجن يوصل الإنسان إلى الحضيض كما زعمت فلماذا كان نبيك المزعوم - ميرزا غلام أحمد القادياني - يؤمن بالجن الشبحي يا ترى؟
إن كنت تجهل هذه الحقيقة فإنني أعلمك بأن الميرزا القادياني كان يؤمن بوجود الجن الشبحي، بل كان يؤمن بقدرة الجن على التمثل بالبشر تماما كما تفعل الملائكة كما و ادعى زوراً و بهتاناً بأن الجن الشبحي قادر على التدخل في الوحي النبوي و هو ما سماه بالوحي الشيطاني. إقرأ إن شئت مقال (الوحي الشيطاني) و هو موجود على الرابط التالي:
http://alhafeez.o r g/ r ashid/a r abic/A r satanic.doc
و إليك هنا و ثيقة تثبت إيمان الميرزا بقدرة الجن الشبحي على التمثل:
و هذه وثيقة أخرى تثبت إيمان الميرزا بأن الجن نوع آخرمن المخلوقات غير النوع الإنساني:
و هذه صفحات من كتاب مرآة كمالات الإسلام جزء (دافع الوسواس) يسهب فيها الميرزا في تقرير حقيقة وجود الجن الشبحي:
في هذه الصفحات يسرد الميرزا تحت عنوان (مقدمة حقيقة الإسلام) أدلته على وجود قرينين غير مرئيين لكل إنسان، الأول يدعوه إلى الخير و هو عبارة عن ملاك سماه (روح القدس)، أما الثاني فيدعوه إلى الشر و هو من شياطين الجن.
أرجو منك إرسال هذه الوثيقة إلى أي شخص تعرفه ملم بلغة الأوردو و ذلك لتتأكد من صدق ادعاءاتي. و ألفت انتباهك إلى ما قاله الميرزا في الصفحات التالية:
- صفحة 80: حيث يستدل الميرزا بحديث مروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول بأن هناك عشرين من الملائكة لكل إنسان يحرسوه من إبليس خلال النهار و يحرسوه من أبناء إبليس خلال الليل، فهؤلاء يتجولون ليلاً للأذى.
ثم يقول الميرزا بأن داعي الشر هو إبليس و جماعته، أما داعي الخير فهو روح القدس.
ثم يذكر الميرزا حديث مسند الإمام أحمد الذي يقول بأن لكل إنسان قرين من الجن و قرين من الملائكة، و بأن القرين الجني لرسول الله صلى الله عليه و سلم قد أسلم.
- صفحة 81: قرين الجن مقارنة بقرين الملائكة
يفسر الميرزا آية (فألهمها فجورها و تقواها) بأن (فجورها) تشير إلى القرين من الجن، أما (تقواها) فتشير إلى القرين من الملائكة!
- صفحة 86: يقول الميرزا ((إذاً فواضح من نقاشنا هذا أن و جود الجن و الملائكة ثابت)).
- صفحة 87: داعي الخير هو روح القدس، و داعي الشر هو الشيطان و إبليس
- صفحة 88: يقول الميرزا ((ليس من الضروري أن يكون روح القدس و الشيطان مرئي للبشر، لكن يمكن لبعض العارفين أن يروهم و يسمعوهم)).
- صفحة 89: يقول الميرزا بأن هذه المسائل هي من ضمن الأمور التي بعثه الله لتبيينها للناس.
أقول: إن كان الإيمان بالجن الشبحي هو أحد الخرافات فلماذا كان الميرزا يؤمن بوجودهم؟ و إن كان الميرزا نبياً كما تدعي فلماذا لم يتبعه القاديانيون في إيمانه بالجن الشبحي؟
==============(38/76)
(38/77)
المسيح الموعود
إن الكتب التي استشهدت بها هي التي كتبها المسيح الموعود عليه السلام قبل بعثته... ولهذا فهو كان يؤمن كما آمن من كانوا في ذلك العصر بالوجود الشبحي للجن كحقيقة... إلى أن بيّن تعالى عكس ذلك
الميرزا نبي مزعوم منذ العام 1879م
في العام 1901م ادعى الميرزا بأنه كان نبياً منذ العام 1879م أي قبل سنوات طويلة من كتابة كل الإقتباسات التي أوردتها في مشاركتي أعلاه عن تأكيد الميرزا إيمانه بالجن الشبحي.
قال الميرزا في سنة 1901م ((إذا كان الذي يتلقى أخبار الغيب من الله لا يسمى نبياً إذاً أخبرونا من يمكن أن يسمى كذلك)) - الترجمة الإنجليزية لكتاب "أيك غلطي إزالة".
ثم استشهد الميرزا بالآية ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)) - سورة الجن 26-27
و كما تعلم يا عزيزي غالي فإن الميرزا ادعى بأنه بدأ باستقبال الوحي منذ كان في الأربعين من عمره أي حوالي سنة 1879م. و قد ادعى منذ ذلك الحين استقباله للنبوءات و الأخبار الغيبية.
كتابات الميرزا العربية نوع من الإلهام الرباني!
الميرزا ادعى بأن كل كتاباته العربية هي عبارة عن نوع من الإلهام الرباني و بأنه كان لا يفهم بعض ألفاظ ذلك الإلهام قبل أن يرجع إلى القواميس. إقرأ الرواية رقم 104 في كتاب "سيرة المهدي" الذي ألفه ابن ميرزا غلام الملقب (قمر الأنبياء) حيث يقول هناك:
((قال حضرة المسيح الموعود عليه السلام - ميرزا غلام - "إن جميع مؤلفاتي بالعربية هي من نوع الإلهام لأنني كتبتها بتأييد خاص من الله، فإنني أحياناً لا أعرف معنى بعض الكلمات و الفقرات التي أكتبها حتى أنظر إلى القاموس ثم أفهم المعنى")).
إذاً يا عزيزي فإن الميرزا ادعى بأن إيمانه بالجن هو أمر من إلهه يلاش و ليس من اختراعه.
هل ناقض يلاش نفسه مرة أخرى؟
أنت تدعي بأن إله الميرزا تخبط لاحقاً فقال بوجوب عدم الإيمان بالجن الشبحي مع أن أكد وجودهم سابقاً في إلهاماته العربية. أرجو أن تتحفنا بكلام الميرزا الذي نفى فيه وجود الجن الشبحي.
رد باقتباس
فؤاد العطار
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مؤمن حتى يأتي اليقين مشاهدة المشاركة
مافهمت ممكن توضح
الأمانة في الآية هي الأمانة التي نعنيها في كلامنا! أي ما أستأمنك عليه فتحفظه ثم ترده لي، مثل المعنى في وصف صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين.
__________________
ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين
يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا
===================(38/78)
(38/79)
الوحي القادياني و التحدي العجيب
(تذكرة) هو الكتاب الذي يضم الوحي "المقدس" و الإلهامات التي ادعى الميرزا غلام أحمد القادياني أن إلهه أوحاها إليه. و قد جمع القاديانيون تلك الإلهامات و الكشوف و الوحي بعد موت الميرزا و ضموها في كتاب واحد أسموه (تذكرة).
الميرزا غلام أحمد القادياني كان يؤكد إيمانه بوحيه مثل إيمانه بالكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء، يقول الميرزا : ((إنني أؤمن بقطعية هذا الوحي النازل عليّ كما أؤمن بكتب الله )) -الوثيقة في الأسفل ص245 من الترجمة القاديانية لكتاب الوحي القادياني (تذكرة).
و يقول الميرزا أيضاً ((أقسم بالله تعالى أنني أؤمن بهذا الوحي النازل عليّ كما أؤمن بالقرآن الشريف و بكتب الله الأخرى، و أني أعتبره قطعياً و يقينياً كما أعتبر القرآن قطعياً و يقينياً)). كتاب "حقيقة الوحي" ص220.
تحدي البشرية بآية واحدة من أمثال آيات تذكرة!
تحدى الله سبحانه الناس في قرآنه الكريم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن الكريم، قال تعالى في قرآنه الكريم:
(( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) - سورة البقرة : 23
أما يلاش - إله الميرزا بزعمه - فرمى بتحد أكبر من ذلك الوارد بخصوص القرآن الكريم نفسه، و ذلك عندما تحدى الميرزا الناس أن يأتوا بآية واحدة فقط كتلك التي ادعى أن إلهه "يلاش" أنزلها عليه، و نص التحدي كان كالتالي:
((و إن كنتم في ريب مما نزلنا فأتوا بآية من مثله)) - كتاب الوحي القادياني (تذكرة) ص802.
و أنظروا إلى الوثيقة في الأسفل أيضاً للترجمة القاديانية المعتمدة لكتاب وحيهم المقدس (تذكرة)، حيث قام القاديانيون باعتماد الكلمة الإنجليزيةve r se لترجمة كلمة (آية) في الوحي العربي أعلاه.
آيات الوحي القادياني المقدس فيها شفاء !!
و في كتاب الوحي القادياني "المقدس" نقرأ الوحي المدعى التالي: ((و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بشفاء من مثله)) - تذكرة ص 33
أقول : ما دامت آيات الوحي القادياني المقدس معجزة و شفاء للناس فما بال القاديانيين لا يبالون بوحيهم المقدس ! ما بال معظمهم يجهل ذلك الوحي و لم يقرأ معظمه ! إن سألتهم فسيدعون أن القرآن كاف لهم، عجباً ! هل كان يحق للنصارى مثلاً أن يهملوا الإنجيل لمجرد أن التوراة كانت بين أيديهم؟
الآية المشفرة - نموذج من آيات الإعجاز القادياني !!
نشر الميرزا الآية المشفرة التالية بتاريخ 27-12-1891م، و هي عبارة عن سلسلة من الأرقام التي لم يفهم مغزاها أحد حتى الآن. و مع ذلك فهذه الآية هي من ضمن الآيات التي تحدى إله الميرزا بها البشرية جمعاء أن تأتي بمثلها. أنظروا الوثائق في الأسفل.
قبول التحدي
أعلن هنا و أنا في كامل قواي العقلية قبول التحدي الذي أعلنه الميرزا بخصوص اختراع آية من أمثال آياته التي ادعى أنها موحاة إليه، فسأقوم الآن باختراع آية مشفرة شبيهة بالآية المشفرة التي نشرها الميرزا بتاريخ 27-12-1891م. و أنا أدعي بأن الشيفرة التي اخترعتها تكافيء شيفرة الميرزا أو هي أفضل منها، و هي كالتالي:
(( 50 , 99 , 1000000 , 5 , 15 , 2.5 , 3 , 80 , 9 , 1 , 50 , 100 , 70 , 14, 200, 81, 1000, 50, 50, 13, 7000, 3, 0.1 ))
و الآن هل يستطيع العضو غالي أو أي من إخوانه القاديانيين أن يثبتوا بأن آية الميرزا المشفرة أفضل من شيفرتي التي اخترعتها بنفسي؟ كلا و ألف كلا.
و لأثبت بأن الشيفرة خاصتي أفضل من الشيفرة التي أتى بها الميرزا سأبين بأنه - على عكس شيفرة الميرزا - من الممكن استخلاص معنىً من وراء شيفرتي، و هو في هذه الحالة كالتالي:
50 : إشارة إلى وعد الميرزا لزبائنه أنه سيطبع خمسين مجلداً من كتابه "براهين أحمدية" تحتوي على 300 برهان على صحة دين الإسلام دون غيره، لكنه طبع خمساً فقط بعد أن استلم النقود من زبائنه مقدما، علماً أنه لم يقدم 300 برهاناً كما وعد بل أعطى مقدمة لبرهان واحد فقط و حشى معظم المجلدات بإلهاماته و وحيه المدعى.
99 : إشارة إلى أن الميرزا كان له تسعة و تسعين إسماً
1000000 : إشارة إلى ادعاء الميرزا أن الله أيد نبوته بمليون آية و شهادة سماوية
5 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول بشارة إلهه له بولد خامس سيكون اسمه يحيى.
15 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول موت النصراني آتام خلال 15 شهراً.
2.5 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول موت زوج الفتاة "محمدي بيجوم" خلال سنتين و نصف.
3 : إشارة إلى وحي الميرزا الذي أمره بالزواج مرة ثالثة، لكن الميرزا لم يمتثل لأوامر وحيه المقدس !.
80 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول بشارة إلهه له بأنه سيحييه 80 عاماً أو أكثر. بينما مات الميرزا في حوالي ال 68 من العمر.
9 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول اختفاء حمى ابنه مبارك خلال 9 أيام، لكن الحمى لم تختف و مات الصبي مبارك.(38/80)
1 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول ولادة ولد ذكر لأحد أتباعه، و كان من المفترض أن يكون اسم الولد "عالَم كباب".
100 : كما هو مذكور في كتاب الوحي القادياني "تذكرة" فإن الميرزا كان أحياناً يزور الحمام 100 مرة في اليوم.
70 : إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول بقاء الطاعون إلى سبعين سنة، حيث اختفى الطاعون خلال بضعة سنوات.
14 : إشارة إلى ادعاء الميرزا بأنه استقبل وحياً مباشراً حين كان عمره 14 عاماً، بينما كان الميرزا قد ادعى في كثير من كتبه أنه لم يستقبل وحياً مباشراً قبل أن يبلغ الأربعين من العمر.
200 : إشارة إلى ادعاء القاديانيين أن عددهم في العالم وصل إلى 200 مليون شخصاً، بينما لا يوجد ما يشير أن عدد القاديانيين في الكرة الأرضية قد وصل المليون.
81 : إشارة إلى ادعاء القاديانيين أن عدد الداخلين الجدد في دين القاديانية عام 2001م زاد عن 81 مليوناً، و ذلك بمعدل 2.6 شخصاً في الثانية الواحدة لمدة عام كامل.
1000 : إشارة إلى اللعنات الألف التي سجلها الميرزا في أحد كتبه ضد خصومه، حيث رقمها واحدة واحدة حتى وصلت للألف و ملأ بها عدة صفحات من كتابه.
50 : إشارة إلى الخمسين خزانة من الكتب التي تفاخر الميرزا بأنها كلها تصب في نصرة حكومة بريطانيا الإستعمارية و تصد المسلمين عن الجهاد ضدها.
50 : إشارة إلى ادعاء الميرزا بأنه استقبل 50 ألف إلهام و وحي بخصوص التنبؤ بالحوالات المالية التي تأتيه من أتباعه و مؤيديه.
13 : إشارة إلى اعتقاد القاديانيين الذين يعيشون في القرن الحادي و العشرين أن أول ليالي خسوف القمر في قاديان هي ليلة 13 من الشهر القمري و ليس ليلة 12.
7000 : إشارة إلى اعتقاد الميرزا أن عمر الكون يوم القيامة سيكون 7000 سنة فقط.
3 : إشارة إلى وحي الميرزا الذي أنبأه بأن روح المسيح عليه السلام ستنزل على جسد أرضي ثلاث مرات، و بأن النزول الثالث لها سيكون على المسيح الثالث الذي سيظهر بعد وفاة الميرزا و قبيل قيام القيامة بقليل. لكن الميرزا ادعى بعد سنوات أنه لن يظهر أي مسيح بعده و بأن الختمية الحقيقية للرسالة قد أعطيت له.
0.1 : إشارة إلى تأكيد الميرزا أن المنافق من أتباعه هو الذي لا يشترك في برنامج الوصية للدفن في مقبرة الجنة التي استثمرها الميرزا في قاديان، حيث على المشترك أن يدفع عُشر دخله السنوي و أن يوصي بعُشر أملاكه المنقولة و غير المنقولة حتى يتمكن من أن يدفن في مقبرة الجنة.
2 : إشارة إلى مبلغ 2 مليون دولار التي يقوم القاديانيون اليوم بجمعها لتقديمها في العام القادم 2008م كهدية لخليفتهم الحالي - زعيم عصابة الإحتيال باسم الدين في لندن - بمناسبة مرور 100 عام على الخلافة القاديانية.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
=============(38/81)
(38/82)
أصدقاء الإنترنت 2 / 2
وثمة سؤال لابد أن أطرحه عليك :
ماذا تستفيد الأمة من شاب أكبر همه البحث عن المواقع الفاسدة،والصور الماجنة ؟
ماذا تستفيد الأمة من شاب همه الأول شهوته ؟
هل يا ترى سيبني مجدا .؟ أو يحقق عزا ؟ أو ينجز عملا نافعا ؟
بل هل سيستفيد هو من نفسه ؛ بحيث يبنى له فكرا بناءا،وأدبا جما ، وثقافة متكاملة .
ولذلك صرح ( كينيدي ) بأن مستقبل أميركا في خطر لأن شبابها ضائع منحل غارق في الشهوات ، لا يقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه ، وأنه من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين ، لأن الشهوات التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية .
ويقول جورج بالوش في كتابه الثورة الجنسية : ( إن أطنانا من القنابل الجنسية تتفجر كل يوم ويترتب عليها آثارٌ تدعو إلى القلق قد لا تجعل أطفالنا وحوشا أخلاقية فحسب بل قد تشوه مجتمعات بأسرها ) [1]
أخي المبارك :
هل تعلم أن الإحصائيات تذكر أنه في كل ثلاث دقائق يظهر موقع جديد على الشبكة للإباحية والشر !!! ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية يغلقون كل يوم مائة موقع إباحي !!
تأمل هذه الإحصائية جيداً ثم فكر معي ملياً :
لماذا يسعى الأعداء لنشر الصور الإباحية ، والمواقع الجنسية ؛ هل هو حباً في سواد عينيك ؟
أم هو بحثاً لمصلحتك ؟
دعنا نستفتى من لا يحق لنا أن نتعداه في الفتوى .
يقول سبحانه : ((وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)) (سورة آل عمران : 118) .
وقال سبحانه : ((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء )) (سورة النساء) ويقول تعالى : ((وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ )) (سورة البقرة: 109) .
وقد بينوا أسلوبهم في تدمير قيم الأمة وأخلاقها ،فقال أحدهم : ( كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات ) [2]
فكيف يليق بشاب مثلك .. قد أعطاه الله تعالى عقلا وإيمانا .. وذكاء وإسلاما ..أن ينقاد لهم كما تقاد الشاة لذابحها..كيف يليق بك أن تسلم رقبتك إلى من يريد القضاء عليك ؟ كيف يليق بك أن تكون أداة تتحكم بها الأعداء .. ويتصرف بها الأشقياء !! إنهم يقولون ( ليس هناك طريقة لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة ) [3]
لأنهم علموا أنك لن تملك نفسك تجاه تلك المناظر التي تراها..فيا ترى هل تُخيِّب ظنهم ؟ وهل تثير هذه الكلمات الغيرة والحمية في نفسك ؟ فتجعلك تحجب بصرك عن النظر إلى الحرام ؟!!
أخي العزيز :
إن من القضايا التي يفعلها كثير من أصدقاء الإنترنت قضاء الوقت في المحادثات الكلامية ، والمهاترات الفوضوية ، والتي لا يجني منها المسلم شيئا ..تذهب الساعات تلو الساعات في كلام لا داعي له ، وفي قضايا فارغة ، الحق ليس مطلبا يسعى إليه بقدر ما هو الانتصار للنفس أو مضيعة الوقت !!
وهنا محاذير كثيرة :
أولها : إضاعة الوقت وأنت مسؤول عن هذه الساعات التي تقضيها بلا فائدة يقول صلى الله عليه وسلم : (( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ )) [4].
وثانيها : هذا الكلام التي تكلمت به ، وتلك العبارات التي كتبتها ، ستسأل عنها يوم القيامة ، فقد تشتمل على كذب أو غيبة أو بهتان .
يقول الله تعالى : ((مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) .
ويقول سبحانه : ((سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ)) .(38/83)
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم خطورة الكلام وأثره على الإنسان فروى الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : (( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ ؟ قَالَ :" لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، قَالَ : ثُمَّ تَلَا (( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ)) حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ ) ثُمَّ قَالَ : " أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ: " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ " ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ :" كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا " فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ : وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ :" ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )) [5]
وقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن يحفظ ما بين لحيه - وهو اللسان - وفخذه - وهو الفرج - الجنة ، فقا صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ - أي لسانه - وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ -أي فرجه- أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ )) رواه البخاري[6] .
ولذا أرشد صلى الله عليه وسلم أمته في قضية اللسان ووضع حداً فاصلا فيه فقا صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) [7].
فأنت أخي الشاب بين أمرين :
إما أن تقول خيرا لتغنم وإما أن تكف عن شر لتسلم .
ثالثها : ضياع الطاقات ، وبعثرة الجهود ، و إشغال أفراد الأمة فيما لا ينفع ؛ في وقت هي بأمس الحاجة إلى كل لحظة ودقيقة لبناء مقوماتها ، وترتيب أوراقها ، وتغيير واقعها ، فلا مجال للعبث في حياتنا والأعداء منشغلون لإعداد العدة للمواجهة القادمة ؟!!
أخي المبارك :
إن الإنترنت وسيلة فاعلة لخدمة الدين ، ودعوة الناس إلى رب العالمين ، وإنقاذ البشرية المعذبة من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ونقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فكم هم الناس الذين دخلوا دين الله تعالى من خلالها !! وكم هم الذين أعلنوا إسلامهم من خلال هذه الشبكة العنكبوت ، في سجون أمريكا يدخل شهريا في الإسلام أكثر من ستين شخصاً في الإسلام عبر الإنترنت !! من خلال موقع أعده مجموعة مباركة من الشباب من أمثالك ، فنفع الله بهم وبجهودهم ، وكل هؤلاء الذين أسلموا أجرهم وأجر أعمالهم لهذه المجموعة المباركة من غير أن ينقص من أجور العاملين شيئا كما أخبر بذلك نبيك صلى الله عليه وسلم ، فلماذا تحرم نفسك شرف الدعوة إلى الله تعالى ؟!!
أما علمت - يا رعاك الله - أن عدد المشتركين في هذه الشبكة في آخر الإحصائيات (211) مليون شخص !!
فكم من الجهود الضخمة نحتاجها لدعوة هؤلاء إلى ديننا ؟!!
فإذا كان أحد المواقع الإسلامية [8]يصله شهريا من الأسئلة والاستفسارات أكثر من ستين ألف رسالة ، فكيف بغيره من المواقع ؟ وكم من الطاقات نحتاجها ؟ وكم من الجهود نريدها ؟ فهل يليق بعد هذا أن نشغل أنفسنا بأمور تافهة ساقطة ؟ وهل يليق بمن شرفه الله بحمل أعظم رسالة أن يتخلى عنها ؟!!
ألا تحب أن تكون واحدا من المجاهدين في سبيل الله تعالى ؟
إذن لماذا لا تعلن الحرب على المواقع المعادية للإسلام ؟!
ولماذا لا تحاول القضاء على المواقع الفاسدة التي تنشر الإباحية والتفسخ والانحلال ، من خلال إبلاغ مدينة الملك عبدالعزيز أو من خلال أفكارك ونشاطاتك الخاصة .
إنها مسئوليتك أخي الشاب قبل كل أحد لأن الله تعالى فضلك على غيرك بمعرفة هذه الوسيلة ، فالحجة قائمة عليك في تبليغ دين الله تعالى ونشره بين الناس ،والدفاع عنه ، والقضاء على أعدائه ، فلا تتوان أخي الشاب في العمل لدينك ، والتضحية من أجله ، فإنه لا خيار لنا في هذا الزمن الذي تكالبت فيه الأعداء للقضاء علينا إلا أن نرجع إلى ديننا ، وأن نعيش لديننا ، وأن نحيى من أجل العمل لديننا .
ولكن أحذر ..أحذر .. كل الحذر: من أن تدخل هذه الشبكة قبل أن تتحصن بما يعصمك الله به من العلم الشرعي ، الذي تمييز به بين الحلال والحرام ، والضار والنافع ، ولو كانت المضرة قليلة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح .(38/84)
ثم اعلم - يا رعاك الله - أنك قد تباشر أمر الدعوة إلى الله تعالى ولكن بدون علم ، فتفسد أكثر مما تصلح ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ،قال تعالى : ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) (سورة يوسف: 108) .
ومن نزل ساحة القتال وليس معه سلاح قتله العدو المسلح ، وسلاح الدعوة إلى الله تعالى العلم بدين الله ، وقتلهم هنا ليس بسلاح ناري أو محدد ، وإنما بسلاح الغزو الفكري المنحرف ، حيث يشككون الإنسان في مسلمات دينه حتى يصل الأمر به أن يفكر في التنازل عنها والتخلي منها ولا حول ولا قوة إلا بالله .
والأعداء كثر ففي مجال التنصير يقول الباحث الاجتماعي كريستوف فولف إن (الكنائس والفرق الدينية اكتشفت في الإنترنت وسيلة لنشر رسائلها ) .
وفي مجال المذاهب الهدامة كالأحمدية والقاديانية والرافضة وغيرهم كثير .
وأخيراً .
أختم كلامي بقوله (مرماديوك باكتول ) يقول : إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها سابقا ، بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول ؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم ) [9].
وأصدق منه قول الإمام مالك رحمه الله حينما قال : لن يصلح حال آخر الأمة إلا بما أصلح به أولها .
أخي الحبيب تذكر أنك موقوف بين الله تعالى و محاسب على النقير والقطمير ، وأن الحياة قصيرة وإن طالت فأعد لهذا الموقف عدته ، ولا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور.
أسأل الله تعالى أن ينفع بك الإسلام وأن يجعلك من حماة الدين وأنصاره وأن يجعلك مباركا أينما كنت واستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
[1] العفة ومنهج الاستعفاف ص 17-18 .
[2] أساليب في تغريب المرأة المسلمة ص 8 .
[3] رسالة إلى فتاة الإسلام ص 29 . عبد الغني شحاته فتح الله
[4] رواه الترمذي (2417) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
[5] رواه الترمذي (2616) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
[6] رواه البخاري ورقمه (6474) .
[7] رواه البخاري ورقمه ( 6018) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
[8] موقع الشيخ الفاضل : محمد بن صالح المنجد ـ حفظه الله تعالى .
[9] مطوية : عاجل جدا إلى مستخدم الإنترنت ص 5 .
=================(38/85)
(38/86)
الأحمدية القاديانية و النفاق
كتبه: فؤاد العطار
قال صلى الله عليه و سلم ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذاوعد أخلف وإذا خاصم فجر)) - رواه مسلم.
يدعي الأحمديون أنهم حمَلة فكر تجديدي إصلاحي، و أنهم هم الطائفة الوحيدة التي فهمت الإسلام !. فهل كانت هذه الطائفة حقاً حركة تجديد و إصلاح كما يدعي أصحابها أم كانت و لا تزال حركة ضلال و احتيال باسم الإسلام؟ سأضرب هنا بعض الأمثلة التي تبين بوضوح أن مؤسس هذه الجماعة (الإصلاحية) كان يتحلى بكل مواصفات المنافق الخالص.
(أ) إذا حدث كذب (بعض الأمثلة)
** يقول الميرزا غلام أحمد القادياني في كتابه " مرآة كمالات الإسلام ":
((و هنأني ربي و قال: "إنا مهلكوا بعلها كما أهلكنا أباها و رادوها إليك. الحق من ربك فلا تكونن من الممترين. و ما نؤخره إلا لأجل معدود. قل تربصوا الأجل و إني معكم من المتربصين. و إذا جاء وعد الحق هذا الذي كذبتم به أم كنتم عمين"))
و هو في هذا الوحي يشير إلى الفتاة محمدي بيجوم التي قال بأن إلهه وعده أن يزوجه إياها بعد أن يهلك زوجها خلال عامين و نصف من زواجهما. و للعلم فإن الله سبحانه لم يهلك زوج الفتاة محمدي بيجوم و لم يردها إلى الميرزا القادياني، فانفضح بهذا كذبه على الله سبحانه.
** يقول الميرزا غلام أحمد القادياني في كتابه "تبليغ الرسالة": ((إني أعلنت في فبراير سنة 1886 بعد الإلهام من الله بأنه بشرني بالزواج بعد هذا الإعلان وسوف أتزوج نسوة ذوات يمن وبركات ويولد منهن أولاد))
و للعلم فإن الله سبحانه لم يزوجه أي امرأة بعد إعلانه هذا، فانفضح بهذا كذبه على الله سبحانه.
** تنبأ الميرزا أنه لا يقع الطاعون في القاديان قائلاً: ((هو الإله الحق الذي أرسل رسوله في قاديان، وهو يحفظ القاديان من الطاعون، ولو يستمر الطاعون إلى سبعين سنة، لأن القاديان مسكن رسوله)) - كتاب دافع البلاء ص 10
و للعلم فإن الطاعون دخل قاديان بعد هذا الإعلان.
** و انظر إلى نبوءة الميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب (مواهب الرحمن) بتاريخ يناير 1903م. حيث يقول هناك: ((الحمد لله الذي وهب لي على الكبر أربعة من البنين، و أنجز وعده من الإحسان، و بشرني بخامس في حين من الأحيان وهذه كلها آيات من ربي))
و للعلم فإن ذلك الولد الخامس لم يأته إلى أن مات.
** و انظر إلى كذبه على ربه حين قال في كتابه "مواهب الرحمن" ((و أرادوا موتنا و أشاعوا فيه خبراً فبشرنا ربنا بثمانين سنة من العمر أو هو أكثر عددا)). فهل أحياه ربه ثمانين سنة أو حتى إلى سن السبعين؟!! كلا و ألف كلا.
** يقول الميرزا في كتابه "المسيح الناصري في الهند": ((كما تعتقد جميع الفرق الإسلامية بأن المسيح وحده جمع في ذاته أمرين لم يجتمعا في نبي من الأنبياء، أولهما: أنه نال عمراً مكتملاً أي عاش مائة و خمسة و عشرين عاما، و ثانيهما أنه قام بسياحة أكثر بلدان الدنيا ...الخ
و هذه الروايات لم ترد في كتب الحديث القديمة الموثوق بها فحسب، بل هي شهيرة بين جميع فرق الإسلام على شكل التواتر الذي لا يتصور أكثر منه)) .
و لا يخفى عليكم أن الحديث الذي يشير إليه الميرزا هو حديث غريب ضعفه أئمة علم الحديث سنداً و متناً. فانظروا إلى كذبه على لسان جميع فرق الإسلام.
** يقول ميرزا غلام أحمد القادياني ((زادت جماعتي إلى حد لا يعرف عددهم على وجه الكمال إلا عالم الغيب و الشهادة، و انتشروا في هذه البلاد و بلاد أخرى كصيّب يعمّ أقطار البلدة، و قد أيد كلامي هذا المكتوب الذي بلغني اليوم في آخر يناير 1907م من أرض مصر جاء فيه "إلى ..المسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني، بعد التحية، لقد كثرت أتباعكم في هذه البلاد و صارت عدد الرمل و الحصى، و لم يبق أحد إلا عمل برأيكم و اتبع أنصاركم)) - خزائن روحانية ج 22 ص653
لكن حفنة من الرمل و الحصى في مصراليوم كافية لإثبات كذب ادعاء الميرزا و أتباعه.
(ب) إذا عاهد غدر (بعض الأمثلة)
** في 24 شباط 1889م وقع الميرزا غلام أحمد على هذا التعهد بطلب من القاضي البريطاني:
• ((سأمتنع عن نشر أي من النبوءات التي تحمل في طيها أي إذلال أو تحقير لأي شخص، سواءاً كان مسلماً أو هندوسياً أو مسيحياً، أو الإشارة إلى أنه سيتعرض إلى عذاب رباني.
• سأمتنع عن دعائي إلى الله أن يذل أياً كان، و سأمتنع عن كشف أي من العلامات التي توحي بأنه تعرض لعذاب رباني، و سأمتنع عن دعائي إلى الله الكريم أن يكشف عن الصادق من الكاذب في أية مناظرة دينية.
• سأمتنع عن نشر أي نشرة أدعي بأنها نبوءة الهدف منها تعريف شخصية الشخص الذي سيذل أو سيتعرض لعذاب رباني.
• و بناءاً على الصلاحيات التي أتمتع بها، فإنني أطلب من كل أعواني و من هم في ظل بطانتي أن ينتهجوا نفس النهج الذي أقسمت أن أسلكه كما هو موضح آنفاً.
توقيع: ميرزا غلام أحمد
بحضور الشاهد: خواجة كمال الدين
توقيع: جي إم دووي - قاضي مقاطعة جورداسبور في الهند ))(38/87)
و لا داعي لذكر المرات التي أخل فيها الميرزا بكل هذه الإلتزامات بعد توقيعه على هذا التعهد. أنظر إلى كتاباته طوال السنوات التسع اللاحقة من عمره لتعرف مدى خيانته للعهود التي قطعها بهذا الشأن. و الدعاء الذي نشره الميرزا غلام بحق الشيخ ثناء الله في شهر ربيع الأول سنة 1325 هـ الموافق 15 أبريل سنة 1907 م مثال على خيانته لذاك العهد (و الأمثلة كثيرة)، يقول الميرزا في ذلك الإعلان الذي نشره في جريدة "دار الحديث":
(( بسم الله الرحمن الرحيم، يستنبؤنك أحق هو؟ إي وربي إنه لحق ..
حضرة المولوي ثناء الله، السلام على من اتبع الهدى.
إن سلسلة تكذيبي جارية في جريدتكم "أهل الحديث" من مدة طويلة، أنتم تشهدون فيها أني كاذب دجال مفسد مفتر، ودعواي للمسيحية الموعودة كذب وافتراء على الله.
إني أوذيت منكم إيذاء وصبرت عليه صبراً جميلاً، لكن لما كنت مأموراً بتبليغ الحق من الله وأنتم تصدون الناس عني فأنا أدعو الله قائلاً: يا مالكي البصير القدير العليم الخبير تعلم ما في نفسي إن كان دعواي للمسيحية الموعودة افتراء منه وأنا في نظرك مفسد كذاب والافتراء في الليل والنهار شغلي فيا مالكي أنا أدعوك بالتضرع والإلحاح أن تميتني قبل المولوي ثناء الله واجعله وجماعته مسرورين بموتي، و إن كنت أنا المسيح الموعود فإنني أدعوا الله أن لا تفلتوا منم العقوبة التي سيصيب بها الله من يرفض آياته. إن لم تكن أنت ضحية مرض فتاك مثل الطاعون أو الكوليرا فإنني سأكون بالتأكيد كاذباً. يا مرسلي أدعوك آخذاً بحظيرة القدس لك أن تفصل بيني وبين المولوي ثناء الله، أنه من كان مفسداً في نظرك كاذباً عندك فتوفه قبل الصادق منا "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين". ربيع الأول 1325 - الراقم عبد الله الصمد - مرزا غلام أحمد المسيح الموعود ))
و كما هو معلوم فقد مات الميرزا في حياة الشيخ ثناء الله، و عاش الشيخ ثناء الله عشرات السنوات بعد هلاك الميرزا غلام.
(ج) إذا وعد أخلف (بعض الأمثلة)
** وعد ميرزا غلام أحمد بكتابة خمسين جزءاً من كتاب "براهين أحمدية" و طالب الناس بدعمه مالياً لطباعة هذه المجلدات الخمسين. يقول الميرزا ((لقد تم تعييني من قبل الله تعالى لكي أثبت صحة و صدق دين الإسلام،و سأنشر خمسين جزءاً من البراهين الأحمدية لأبرهن ذلك)) (( إنني رجل فقيربحاجة إلى عون مقدم حتى أتمكن من نشر"براهين أحمدية")) - تبليغ الرسالة ج1 ص48
لكنه في النهاية و بعد أن جمع المال نشر خمسة أجزاء فقط، فأخلف وعده و خان الأمانة. لكنه قال: ((عزمت في البداية أن أؤلف خمسين مجلداً و لكنني اكتفيت بكتابة خمسة مجلدات، و بما أن الفرق بين الخمسين و الخمسة هو صفر، إذاً فقد نفذت وعدي)) - خزائن روحانية ج21 المقدمة ص9
** وعد الميرزا غلام أحمد القادياني أن يسود وجهه و يذل و يربط من عنقه إذا لم يمت النصراني "اثام" خلال 15 شهراً. قال الميرزا بهذا الشأن ما يلي ((ما فتح الله عليّ الليلة هو هذا، أني حينما تضرعت وابتهلت أمام الله عز وجل ودعوت منه بأن يفصل في هذا الأمر، فأعطاني آية بأن الكذاب يموت في خمسة عشر شهراً بشرط أن لا يرجع إلى الحق، والصادق يُكرم وُيوقر، وإن لم يمت الكذاب في خمسة عشر شهراً، ولم يتحقق ما قلت أكون مستعداً لكل جزاء، يسود وجهي وأذلل، ويجعل في جيدي حبل وأشنق، وأنا أقسم بالله العظيم أن يقع ما قلت، ولا بد أن يقع)) - روحاني خزائن ج6 ص292
فهل ربط الميرزا عنقه عندما لم يمت النصراني وفقاً للنبوءة؟ هل سود وجهه؟ هل رضي بأية عقوبة في المقابل؟ هل أوفى بوعده. كلا و ألف كلا.
(د) إذا خاصم فجر (بعض الأمثلة)
** يقول الميرزا غلام أحمد القادياني ((تلك كتب - ألفها ميرزا غلام - ينظر إليها كل مسلم بعين المحبة و المودة و يقبلني و يصدق دعوتي إلا ذرية البغايا الذين ختم الله على قلوبهم فهم لا يقبلون)) - خزائن روحانية ج5 ص547
** نظم الميرزا شعراً في أحد مخالفيه و اسمه الشيخ سعد الله اللديانوي يملؤه سباً و شتماً قال فيه:
((ومن اللئام أرى رجيلاً فاسقاً غولاً لعيناً نطفة السفهاء
شكس خبيث مفسد و مزور نحس يسمى السعد في الجهلا
آذيتني خبثاً فلستُ بصادق إن لم تمت بالخزي يا ابن بغاء))
روحاني خزائن ج22 ص734
** و يقول ميرزا غلام أحمد القادياني أيضاً :
((عجبتَ عماءاً أن أكون ابن مريم و إذا شاء ربي كنت أعلى و أسبق
و ان الورى عمي يسبون عجله فليس بشيء لعنهم يا ابن أحمق
فدع عنك ذكر اللعن يا صيد لعنة ألم تر ما لاقيت بعد التلقلق
لعنتم و إن الله يلعن وجهكم و لا لعن إلا لعن رب ممزق
و ما أرى من نفسك العلم و التقى تصول كخنزير و كالحمر تشهق
رقصت كرقص بغية في مجالس و فسقتني مع كونك أفسق ))
روحاني خزائن ج12 ص234-235
**و يقول ميرزا غلام أحمد القادياني في أعدائه بصفة عامة :
((إن العدا صاروا خنازير الفلا و نساؤهم من دونهن الأكلب ))
روحاني خزائن ج14 ص53
** و أنظر مثلاً إلى الروح الرياضية التي أبداها الميرزا في كتابه (مواهب الرحمن - ص 131) رداً على من انتقد إحدي قصائده:(38/88)
((ثم بعد ذلك نكتب جواب ما أشعت ، و ظلمت نفسك و الوقت أضعت، أما ما أنكرت في كتابك بلاغة قصيدتي، و ما أكلت عصيدتي، فلا أعلم سببه إلا جهلك و غباوتك و تعصبك و دنأتك، أيها الجهول قم و تصفح دواوين الشعراء ليظهر لك منهاج الأدب و الأدباء، أتغلط صحيحاً و تظن الحسن قبيحاً، و تأكل النجاسة، و تعاف النفاسة، ليس في جعبتك منزع، فظهر لك في التزري مطمع، و كذلك جرت عادة السفهاء، أنهم يخفون جهلهم بالإزدراء. و يلك ما نظرت إلى غزارة المعاني العالية، و استقريت القذر كالأذبّة. ما فكرت في حسن الكلام، و لا في المنطق و نظامه التام. أيها الغبي علمت من هذا أنك ما ذقت شيئاً من اللسان، و لا تعلم ما حسن البيان، و نزوت كالسرحان قبل الفهم و العرفان. أبهذا تبارينا في الميدان، و تبارزنا كالفتيان. أتتكيء على الأصغر الذي كتب معه الجعفر إليك و كنت قد فررت من هذه القرية مع لعن نزل عليك. فاعلم أنهم يكذبون و ليسوا رجال المصارعة و لا قبل لأحد في هذه المناضلة. دع تصلفك فإنك لست من الرجال، و لو كنت شيئاً لما فررت من الإحتيال. ثم اعلم أني ما رضت صعاب الأدب بالمشقة و التعب، بل هذه موهبة من ربي ))!!
و مع هذا وغيره يقول ميرزا غلام ((إنني مفطور على أن لا تخرج من فمي أقوال جارحة و مؤذية لأحد)) - روحاني خزائن ج4 ص320
أما في خطابه لأهل الصليب فتراه يختار ألفاظ التبجيل و التعظيم و المدح . أنظر إلى ما قاله في الملكة فكتوريا - رئيسة الكنيسة الأنجليكانية - عام 1897 بمناسبة احتفالها بالييوبيل الذهبي:
أجد الأنام ببهجة مستكثرة
عيدا أتى اوجوبلي القيصره
إني اراها نعمة من ربنا
فالشكر حق واجب لا بربره
لا شك أن سرورنا من شكرها
خير فمن يعمله اخلاصاً يره
و يقول ميرزا غلام أحمد القادياني : ((و لا يخفى على هذه الدولة المباركة- بريطانيا- أنا من خدامها و نصائحها و دواعي خيرها من قديم، و جئناها بكل وقت بقلب صميم)) - روحاني حزائن - ج8 ص 36
و شهدوا على أنفسهم
في النبوة
يقول ميرزا غلام أحمد القادياني ((و ليكن واضحاً أننا أيضاً نلعن كل من يدعي النبوة، فنحن القائلون بشهادة لا إله إلا الله و مؤمنون بأن النبوة ختمت بالرسول صلى الله عليه و سلم)) - مجموعة اشتهارات ج2 ص297
ثم يدعي النبوة بعد ذلك بفترة لاعناً نفسه معلناً:
((لقد جعلني الله نبياً و خاطبني بهذا اللقب بكل صراحة)) - روحاني خزائن ج22 ص154
و كان من قبل يصرح قائلاً:
((اننا نكفّر و نكذب كل من يدعي النبوة و الرسالة بعد الرسول محمد خاتم المرسلين)) - مجموعة اشتهارات ج1 ص 230
لكنه يدعي الرسالة بعد ذلك -مكذباً نفسه و مكفرا لها - قائلاً:
((صدق الله الذي أرسل رسوله في القاديان)) - روحاني خزائن ج18 ص 231
في الوحي
يقول ميرزا غلام أحمد القادياني: ((أيها الناس لا تكونوا أعداء القرآن فتقولوا أن سلسلة وحي النبوة جارية ما انقطعت بعد خاتم النبيين)) - روحاني خزائن ج4 ص 335
ثم بعد ذلك يعادي القرآن قائلاً ((لقد أوحى الله إلي وحياً تشريعياً أيضاً، إذ ليس الوحي التشريعي سوى الوحي الذي يشتمل على الأمر و النهي و قد أمرني الله قائلاً "اصنع الفلك بأعيننا ووحينا")) روحاني خزائن ج17 ص435
و يقول في مكان آخر مصرحاً ((إنه من غير المعقول أبداً و من السفاهة حقاً أن يتلقى الإنسان وحياً و هو ليس بلغته أو لا يفهمه)) روحاني خزائن ج23 ص218
ثم يسفّه نفسه بعد ذلك قائلاً ((من الوحي الذي أتلقاه ما يكون بلغات لا أعرفها إطلاقاً مثل الإنجليزي و السنسكريتي و العبري و غيرها)) روحاني خزائن ج18 ص435
في المسلمين
في البداية لا يكفرهم ميرزا غلام و يقول ((ليس كافراً من ينكر دعوتي و لا يصدقني)) - روحاني خزائن ج15 ص432
ثم يكفرهم تارة أخرى معلناً أنه ((ليس مسلماً من وصلته دعوتي و أنكرها و لم يصدقني)) - تذكرة ص600
في الأخلاق
يعترف ميرزا غلام قائلاً ((إن السب و الشتم ليس من سيرة الشرفاء)) - روحاني خزائن ج17 ص471
ثم تراه يملأ كتبه سباً و شتماً و لعناً و قذفاً مثل ((يا كلب يا آكل الجيفة)) و ((يا ابن بغي)) و غيرها.
و مع هذا وغيره يقول ميرزا غلام ((إنني مفطور على أن لا تخرج من فمي أقوال جارحة و مؤذية لأحد)) - روحاني خزائن ج4 ص320
و بعد هذا التناقض و الإختلاف في كلام مؤسس الأحمدية يشهد ميرزا غلام قائلاً ((لا يمكن أن يكون في حديث العاقل و صافي القلب أي تناقض أو اختلاف. و لكن المجنون و المنافق يكون في حديثه اختلاف و تناقض)) - روحاني خزائن ج10 ص142.
و يشهد على نفسه في مكان آخر قائلاً ((لا بد أن يكون في كلام الكاذب اختلاف و تضاد)) - روحاني خزائن ج21 ص275
يا جنّة الأحمديين ... كم عدد المنافقين؟ "
بهشتي مقبرة " أو "مقبرة الجنة" هي قطعة أرض في قاديان - الهند، و قد أسس هذه المقبرة الميرزا غلام أحمد القادياني بنفسه سنة 1905م. و زينها القاديانيون بالورود و أشجار الفاكهة و نوافير المياه. و هم يعتقدون أن كل من يدفن في قطعة الارض تلك فهو من أهل الجنة.(38/89)
و يمكن للأحمديين أن يحصلوا على "شرف" الدفن في مقبرة الجنة مقابل رسوم عالية جدا لا يستطيع تحملها إلا من أراد "جنة الأحمديين" فعلا . فقد أوصى الميرزا غلام ان لا يدفن في هذه المقبرة إلا كل احمدي مخلص قد دفع عشر دخله على الأقل و أوصى بترك عشر إلى ثلث أملاكه للنظام الأحمدي بعد موته .
يقول ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب (الوصية) : (( أيها الإله الغفور الرحيم خصّ هذه المقبرة فقط بالذين آمنوا برسولك هذا حقّ الايمان . ولما كنت قد بشرت بشارات عظيمة عن هذه المقبرة التي لم يكتفي الله تعالى أن سماها بمقبرة الجنة ، بل قال "أنزل فيها كل رحمة " لذلك أمال الله قلبي بوحيه الخفي لأشترط لها شروطا بحيث لا يدفن فيها إلا من استوفى هذه الشروط بأجمعها)) .
ثم شرع في ذكر عشرين شرطاً للدفن في جنّته هذه. و من تلك الشروط ما يلي:
- أن يتقدم الراغب بمكان له في الجنة بإقرار خطي الى هيئة المقبرة ، موقعا عليه من شاهدين ، يصرح فيه بانه اوصى بوقف عُشر املاكه (على الاقل ) المنقولة وغير المنقولة كلها في سبيل نشر اهداف الجماعة الاحمدية .
- على هيئة المقبرة ان تعطي (الموصي) شهادة موقعة و مختومة من قبلها بعد ان تطمئن جيدا الى ما تضمنته الوصية من الناحيتين القانونية والشرعية .
- ضرورة إبراز هذه الشهادة للهيئة عندما يؤتى بالميت الى هذه المقبرة . و يجب أن لا يدفن الميت الا بمشورة الهيئة و رأيها و في المكان الذي تخصصه لدفنه .
- لا يجوز دفن الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم في هذه المقبرة . لأنها مقبرة من الجنة !! و لا يدفن فيها كذلك من لم يستوف شروط الوصية .
- لا يكفي دفع عشر الاملاك المنقولة وغير المنقولة ، بل من الضروري للموصي أن يلتزم بأحكام الاسلام بقدر الامكان !!.
- لا يحق للهيئة التي يعهد اليها بأموال المقبرة ان تنفق منها في غير سبيل الجماعة الاحمدية و أهدافها .
- اذا مات الموصي غرقا ً أو أدركته الوفاة في دولة بعيدة يتعذر الإتيان به منها ، لا تبطل وصيته. و هي عند الله كأنه في هذه المقبرة. ومن الجائز أن يقام له في هذه المقبرة شاهد تذكاري من الآجر او الحجر و تكتب عليه حادثته .
- يشترط في كل عضو من أعضاء هيئة المقبرة أن يكون من أفراد الجماعة الأحمدية.
- لا بد أن تظل قاديان هي مركز هذه الهيئة . لأن الله بارك هذه البلدة .
- يجوز أن توجد هيئات أخرى في البلاد البعيدة لتأييد هذه الهيئة و مساعدتها و تكون تابعة لإرشاداتها . و من مهمة الهيئة في ذلك البلد أن تضع يدها على ما وصى به من مات فيها من الموصين .
و يضيف مؤسس المقبرة مرزا غلام القادياني في كتاب (الوصية) قائلا :
- ((لا يخطر على بال أحمق أن يعتبر هذه المقبرة ونظامها بدعة. لأن هذا النظام هو بإرشاد من الوحي الرباني. ولا دخل للإنسان فيه .... و لكن الله عز وجل استثناني و أهلي وعيالي من دون الناس والواجب على غيرنا أن يتقيد بهذه الشروط بأجمعها رجلا كان أو امرأة . و إن من يشكو فهو منافق !))
- ((و قد أراد الله بهذا النظام أن يميز المنافقين من المؤمنين فكل من يسعى إلى تقديم عُشر أملاكه و يبدي حماساً أكبر من هذا إنما يبرهن بنفسه على صدق إيمانه)) .
- ((لا شك أن هذا النظام سيثقل كثيرا على المنافقين و بذلك يكشفهم فلا يدفن منهم أحد بعد موته في هذه المقبرة رجلا او امرأة .. لكن السابقين في هذا العمل يدخلون في الصديقين ، و تتنزل عليهم رحمة ربهم الى أبد الآبدين)).
و قد علمت من الرئيس السابق للقسم العربي في الجماعة الأحمدية - و هو من الموصين السابقين في هذه المقبرة- أن عدد الأحمديين الموصين في مقبرة الجنة لا يشكل واحداً في المئة من مجموع الأحمديين. و قد يشكك الأحمديون في هذه المعلومة لأنها صادرة عن أحمدي سابق، لذلك أرجو منهم أن يعطونا الأرقام الدقيقة عن عدد الأحمديين المشتركين في التجارة باسم الدين و عدد الأحمديين المنافقين.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فؤاد العطار
fuad@37.com
أنقل هذا الجزء من كتاب "تجربتي مع القاديانية" ، وقد هدى الله مؤلفه :
إنتصار الحق على الباطل
ترك الأحمدية وإعتناق الإسلام
{وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}
الصراع بين الحق والباطل:
لم يتوقف الصراع بين الحق والباطل لحظة ولكنه صراع مستمر استمرار وجودنا على هذه البسيطة، فنحن بين خيارين: إما اتباع الحق أو اتباع الباطل.
لقد أكمل الله لنا ديننا الإسلام وجعل الحق كلّ الحق مع متبعيه وجعلهم المنصورين على غيرهم بالحجة والدليل والبرهان. لكن ليس بالحجة والدليل والبرهان وحده تكتمل عزة المسلمين بل بالعمل بما أنزل الله - كتابه الكريم - كله وليس بهذا الجزء منه أوذاك فقط ،ونبذ كل ما يخالف تعاليمه السامية.
وهكذا شهد التاريخ أنه مع ظهور الحق وزهوق الباطل لا يملك الباطل خياراً غير المكر والخديعة لقتال الحق وأهله.
سعيد ذلك الانسان الذي يريه الله تعالى الحق حقاً ويرزقه اتباعه ويريه الباطل باطلاً ويرزقه اجتنابه.
الطريق إلى الهداية:(38/90)
كان يوم الإثنين 14/12/1409 الموافق 17/7/89 يوماًً تاريخياً وهاماً في حياتي، يوم بدأت رحلتي مع الإسلام بعد أن هداني الله إلى هذا الدين العظيم الذي أنعم الله به على العالمين.
لقد نشأت منذ مولدي عام 1375 في طائفة (منحرفة) تنتسب إلى الإسلام تدعى الأحمدية، تلك الطائفة التي يؤمن أتباعها بصدق مدعي النبوة (مرزا غلام أحمد) القادياني الهندي (1835-1908) وبكونه مسيحاً ومهدياً.
وتزعم تلك الطائفة أنها تمثل الإسلام الصحيح وأن كل مخالف لهم من المسلمين في النار باعتبار أنهم ليسوا من الفرقة الناجية ..
كنت أدعو الله تعالى مراراً وتكراراً وأنا أفكر في أمر "الأحمدية" قبيل خروجي منها قائلاً: اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه. ويعلم الله كم كنت بحاجة إلى عونه وهدايته وما زلت.
هذا الدعاء ضروري ليس لغير المسلم فقط بل للمسلم أيضاً فلطالما وقف المسلم أمام خيارين لا يدري أيهما أنفع له ولطالما اعتقد في شيء أنه صحيح وكان ذلك الشيء خطأ فهذا الدعاء هام جدا، وفي وجوب قراءة سورة الفاتحة في كل صلاة إشارة إلى أهمية طلب الهداية من الله سبحانه تعالى كل حين قبل الإسلام وبعده.
بقيت ثابتا على هذا الدعاء أكرره ليل نهار إلى أن هداني الله إلى الحق وعرفت أن الأحمدية ليست سوى زيف ومؤسسها ليس سوى دجال ، وعرفت بأن الإسلام دين كامل ليس فيه نقص وأن المسلمين ليسوا بحاجة إلى نبي أو مرسل بعد محمد خاتم النبيين، وكتاب الله بين أيديهم ذلك الكتاب الذي يهدي من اتبعه إلى الصراط المستقيم ويجعله في مصاف المنعم عليهم والمقربين إلى الله.
فبعد التعرف على "الخليفة" وحاشيته عن كثب وبعد عملي في نشر تعاليم الأحمدية وإدخال المسلمين في هذه الجماعة والإشتراك في المباهلة بين "الخليفة" ومعاديه من المسلمين والتي تبعها موت (ضياء الحق) رئيس باكستان، والاحتفالات بمرور مائة عام على تأسيس الأحمدية، جاء الوقت عندي لوضع الأحمدية في الميزان فأخذت أقرأ كتب (مرزا غلام) ووحيه من جديد، وهذه المرة بعين ناقدة وقلبٍ واعٍ مستعينا بالله، لأجد أن ما يجادلنا المسلمون به في شخص (مرزا غلام) ودعوته ليس كله خطأ كما كنت أعتقد، وأن التفاسير والتأويلات التي طالما اعتمد دعاة الأحمدية عليها في نشر دعوتهم بعيدة عن الحق والصواب، وهذا نموذج منها:
1- علاقة مرزا غلام أحمد (المتنبئ) بالإنجليز لم تكن مجرد علاقة بين مسلم أراد أن يشكر من أحسن إليه كما كنت أبين ذلك لغير الأحمديين، بل هي أقرب إلى علاقة خادم بمخدوم. يقول مرزا غلام :" لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها "( خزائن15 ص 155) ويقول : " ولا يخفى على هذه الدولة المباركة (بريطانيا) أنا من خدامها ونصحائها ودواعي خيرها من قديم وجئناها في كل وقت بقلب صميم"( خزائن8 ص 36).
" يجب على كل مسلم طاعة هذه الحكومة طاعة صادقة "( خزائن15 ص 114) .
أضف إلى ذلك التذلل الشنيع لمرزا غلام (النبي) أمام الملكة (فيكتوريا) من خلال مراسلاته إليها والذي لم أكن أستسيغه حتى في أشد فترات تعلقي بالأحمدية .
2- إلغاء الجهاد لم يكن فيه مصلحة قط إلا لبريطانيا، وليس وحياً تنزل على "المهدي" كما كنا ندّعي . يقول (مرزا غلام) :" لقد ألغي اليوم حكم الجهاد بالسيف فلا جهاد بعد هذا اليوم ، فمن يرفع السلاح على الكفار يكون مخالفاً لرسول الله .. اني أنا المسيح الموعود ولا جهاد بالسلاح بعد ظهوري الآن" ( خزائن16 ص 28 معرب) .
3- التناقض في دعاوى (مرزا غلام) القادياني وأقواله واضح جدا مهما حاولنا تأويلها: إذ أنه يقول: "وليكن واضحاً أننا نلعن كل من يدّعي النبوّة "( اشتهارات 2 ص297) ثم يدّعي النبوّة قائلا: " لقد جعلني الله نبياً وخاطبني بهذا اللقب بكل صراحة " ( خزائن22 ص 154) ويصرح في مكان آخر قائلا: " إننا نكذّب ونكفّر كل من يدعي النبوة والرسالة بعد الرسول محمد خاتم المرسلين " ( اشتهارات 1 ص230)، ثم يدعي الرسالة قائلا: صدق الله الذي أرسل رسوله (يعني نفسه) في القاديان (خزائن18 ص231)
4- كما أن دعايتنا بكون (مرزا غلام) خادما للرسول صلى الله عليه وسلم لا تتفق وادعاءات (مرزا غلام) نفسه بأنه الظهور الثاني والكامل لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول (مرزا) في كتابه خطبة الهامية :" طلعت روحانية نبينا صلى الله عليه وسلمفي الألف الخامس بإجمال صفاتها وما كان ذلك منتهى ترقياتها .. ثم كملت وتجلت تلك الروحانية في آخر الألف السادس أعني هذا الحين . لتبلغ كمال ظهورها وغلبة نورها ، فأنا ذلك المظهر الموعود والنور المعهود. فآمن ولا تكن من الكافرين... واعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلمكما بعث في الألف الخامس كذلك بعث في آخر الألف السادس باتخاذه بروز المسيح الموعود ".. " بل الحق أن روحانيته عليه السلام كان في آخر الألف السادس أعني هذه الأيام أشد وأقوى وأكمل من تلك الأعوام " .( خزائن16 ص 266-272)(38/91)
يقول:" فأراد الله أن يكمل البناء (يعني بناء النبوة) ويتمه باللبنة الأخيرة فأنا تلك اللبنة أيها الناظرون".( خزائن 16 ص 178) ويضيف في مكان آخر: " إن الروضة الإنسانية كانت لا تزال ناقصة (حتى بعد ظهورمحمد صلى الله عليه وسلم )إلى أن تمت بأوراقها وثمارها الآن" ( خزائن21 ص 144 معرب) .
5- ومن التناقضات الأخرى في مؤلفات (مرزا غلام) ما تجده أيضاً في مسألة الوحي، يقول (مرزا غلام) : " لا تكونوا أعداء القرآن فتقولوا أن سلسلة وحي النبوة جارية ما انقطعت بعد خاتم النبيين" ( خزائن4 ص 335) ولكنه يقول فيما بعد: " لقد أوحى الله إلي وحياً تشريعياً أيضاً " (هذا بالإضافة إلى ذلك الوحي الذي ادعى هبوطه عليه بلغات شتى) ( خزائن17 ص435 ) . ومن الجدير بالذكر أن جميع الوحي الذي ادعى (مرزا غلام) هبوطه عليه قد جمع في كتاب "التذكرة" وهو كتاب محدود الانتشار حتى بين الأحمديين أنفسهم.
"يهدي الله لنوره من يشاء" (النور 35)
"وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين"(التكوير 29)
لقد وجدت نفسي أمام أهم قرار أخذته في حياتي، انه قرار العمر كله. هل أتبرأ من هذا المذهب الذي ولدت فيه ونشأت عليه إلى أن أصبحت أحد دعاته، وأقبل الإسلام أم لا؟!
لم يكن القرار سهلاً على الرغم من أنه قد يبدو للبعض كذلك فإنني بقراري هذا سأتخلى عن كل شيء اسمه أحمدي أو أحمدية ، سأتخلى عن أهلي وأقاربي حتى زوجتي لم تكن قد اقتنعت بعد بضلال الأحمدية، ولا أدري ماذا سيكون مصير أبنائي وبناتي ، ولكني وبعون الله قررت ترك الأحمدية ، راضيا بالإسلام الذي جاء به الرسول محمد، r، من غير إضافة إليه أو تبديل وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله.
لقد هدى الله زوجتي كذلك إلى الإسلام فتركت الأحمدية، وقد رأت عزمي على ترك الأحمدية معها أو بدونها فاختارت أن تكون إلى جانبي على الرغم من المحاولات "الأحمدية" لإيقافها فتركنا بعون الله الكفر و ذلك يوم الإثنين 14/12/1409 متجهين جميعا إلى الإسلام عالمنا الجديد . وكان أكبر أبنائنا الاربعة حينئذ ابن ثمان سنوات.
"وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" (الاسراء 81)
لقد كان عام 1409 بالنسبة لي عام الصراع بين الحق والباطل وانتصار الحق بفضل الله على الباطل. عام التخلي عن الأحمدية واعتناق الإسلام.
إنها عملية غير يسيرة، ليس الانتقال من مكان إلى آخر فحسب بل من حياة- بكل ما تحتويه من عقيدة وعمل ومنهج- إلى حياة أخرى بعقيدة أخرى وعمل ونهج مختلف. لم أقتنع يوماً بأن الإسلام ليس هو الدين التام والكامل لبني الإنسان ولكن كنت أرى أن كمال الإسلام وتمامه هو بإتباع المتنبئ (مرزا غلام) القادياني إلى أن هداني الله إلى حقيقة أن الإسلام دين كامل وتام دون (مرزا غلام)، ولا يحتاج بعد رسول ا صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين إلى نبي أو رسول أو مهدي أو مسيح ليكمله أو يتمه.
وأن كلّ متمسك بكتاب الله عامل به - كما أمره الله ورسوله - هو من الناجين بفضل الله - وقد أتم الله لنا ديننا وأكمله بإنزال كتابه الكريم ذلك الكتاب الذي لا يأتيه االباطل من بين يديه ولا من خلفة هدى وموعظة للمتقين.
================(38/92)
(38/93)
القاديانية
السيد محمد حسن آل الطالقاني
تمهيد
تنسب «القاديانية » إلى ميرزا غلام أحمد ( 1839 م / 1908 م )، من بلدة قاديان في الهند، الواقعة في إقليم البنجاب، نشأ مسلما، وشغف بالتصوف. ثم، ادعى أنه النبي المعني بالآية الكريمة: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) [الصف/6]، ثم أعلن أن نبوته «ظلية »، أى أنها انعكاس لنبوة محمد (ص)، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة الوجود، فكمالات الأنبياء، كما يزعم ،تجمعت في شخص النبي محمد (ص) وانعكست ظليا فيه.
والحقيقة أن هذه الدعوة ليست من الإسلام في شى ء، وانما هي بدعة ضالة مضللة، وظفت في خدمة المشروع الاستعماري البريطاني لها، ومنها أيضا قول القادياني نفسه: «أقول مدعيا: أنا اكثر المسلمين إخلاصا للحكومة الانكليزية...»، وهو يرد هذا الإخلاص إلى تربية والدة الذي كان من صنائع هذه الحكومة وإلى أيادى المستعمرين البريطانيين البيضاء عليه، وإلى إلهام من اللّه تعالى)). واستنادا إلى هذا الإلهام الذي يزعمه كان يرى هذه الحكومة رحمة للهند وبركة.
و منذ سنين طويلة وأنا اقرأ عن البهائية والقاديانية وغيرها من المذاهب المبتدعة، إلا أن قراءاتي على كثرتها كانت عابرة في الغالب، ولم يكن القصد من ورائها غير التعرف على الأفكارالحديثة التي اكتسبت صفة الأديان والأباطيل والخرافات التي رفعها أصحابها إلى مصاف الشرائع السماوية.
ولم تكن تلك القراءات الخاطفة لتبعث في نفسي الرغبة الى التوفر على دراستها أو التعمق فيها، إلا انني خصصت القاديانية ببعض العناية، وانصرفت الى دراستها وفحصها والتعرف على خصائصها ودخائلهابعض الوقت، ويعود الفضل في ذلك إلى صديقي الدكتور حسين علي محفوظ، فقد دعي في سنة 1375ه، 1956م لحضور بعض المؤتمرات في امريكا وكتب لي من هناك رسالة في الخامس من تموزعام 1956 جاء فيها ما يلي:
«والذي أردت أن تعلمه انت ومن معك من الذين يبتغون نصر الحق واخلاد اهله، ان «القاديانية »وهم الذين... بنوا مسجدا في مدينة «بوستن » يولي كثير من الجاهلين وجوههم شطره، ولهم مثله في «واشنطن » وغيرها من امهات بلدان امريكا والغرب، وقد طبعوا القرآن مفسرا، وفاق اعتقادهم بالانكليزية والالمانية وغيرهما، وهم يحاولون الان نشر ما زخرفوه بالفرنسية!!؟ يا للعار... الخ ».
وقد ساءني للغاية ما اخبرني به الصديق محفوظ، مع انني كنت قد احطت علما ببعض ما تقوم به القاديانية في القارتين الاوروبية والامريكية من دعوة وتبشير، لكنني لم اكن لاتصور بان نشاطهم قدبلغ هذا الحد، وان دعوتهم تركض وتنتشر في القارات البعيدة بهذه السرعة.
وفي خلال ذلك قرأت مقالا لصديق آخر هو العلامة الدكتور محمد يحيى الهاشمي رئيس جمعية الأبحاث العلمية في حلب، ومؤلف كتاب «الامام الصادق ملهم الكيمياء» تحدث فيه عن ترجمة القرآن باللغة الالمانية، وذكر ان الدكتور «اوتوبو خنيگر» الذي زار الشرق وتغلغل في قلبه والقى محاضرات عنه قد نبهه على التحريف والتشويه الذي ضمته الترجمة، مما يدعم دعوة القاديانية الى المسيح المزعوم «أحمد» ويخالف المعتقدات الاسلامية، ويضر بتفاهم الامم والشعوب مع بعضها بعضا، ولايوقظ روح المودة والاخاء في الاوساط المسيحية. وقد حمل الدكتور الهاشمي الغيارى من المسلمين عب ء المسؤولية عن اخراج ترجمة صحيحة للقرآن، تتسم بالضبط والدقة وتظهر حقيقة الاسلام الذي سي ء فهمه في الغرب.
وقد فكرت في الموضوع طويلا، وعجبت لسكوت علماء المسلمين عن هذه الزمر الضالة المضلة التي ابتلي الاسلام بها يوم راحت تنطق باسمه، وتزور حقيقته، وتلبسه غير ثوبه، وتدخل فيه ما ليس منه...وقررت أن أكتب رداًعلى القاديانية، فاكشف زيفها للملأ، وأعلن عن بطلانها من أساسها، وأنها ليست من الاسلام في شي ء مطلقا، فما زلنا لا نحسن اللغات الأجنبية لنقف على تراجم القرآن ونرد على الزيف والبهتان، فلنرد على أصحاب الدعاوى الباطلة والمذاهب المستحدثة، وذلك أضعف الإيمان.
وهكذا قررت بالرغم من كثرة أعمالي وتعدد المواضيع التي كنت مشغولاً بإعدادها وإخراجها، وبدأت أ جمع المصادر، ولكنني كنت في قرارة نفسي أتمنى أن يقوم بهذا العمل غيري لينصرف إليه بكله، ويفرغ له جهده، ويعطى البحث حقه، ويشبعه تحقيقا وتمحيصاً... ولما كانت النية خالصة فقد حقق اللّه تلك الامنية، اذ تلقيت هدية من العلامة الكبير الشيخ (( سليمان ظاهر النباطى )) ، وهي الجزء الأول من ديوان شعره (( الإلهيات )) وقرأت في ثبت مؤلفاته المخطوطة المنشور على الغلاف (( الرد على القاديانية )).
وكانت فرحتي بذلك كبيرة لأن صديقنا المرحوم ظاهر من كبار العلماء والأدباء، ولا شك في أن مايكتبه هو الغاية في بابه، وهو فصل الخطاب، وقر رأيي على نشر كتابه، فكتبت إليه أطلب منه إرساله إلي لأتولى نشره، فأجابني رحمه اللّه بأن العلامة الشيخ موسى عز الدين من جويا بلبنان قد استعاره منه للإطلاع عليه ومضت عليه وهو عنده ستة شهور، وأنه سيسترجعه ويبعث به إلي لوضعه تحت تصرفي.(38/94)
ومضت فترة طويلة شغلت خلالها عن الموضوع بالمرة، وحصلت بعض الموانع التي جرت العادة أن تحول دون أعمال الخير، وتقف حاجزا في طريق المصالح العامة والخدمات الكبيرة، وبين الرجال وأمانيهم الغالية وأهدافهم الجسام. وهكذا نسيت الموضوع أو تناسيته، وانتقل الشيخ سليمان إلى رحمة ربه، ومرت سنوات لم أحاول خلالها التفكير في الموضوع أو الرجوع إليه.
وفي أواسط عام 1961 وجهت إلي حكومة المانيا الاتحادية دعوة لزيارتها فلبيتها في شهر آب،وتجولت في عدد من مدنها المهمة كبرلين وميونيخ، وهامبورغ وفرانكفورت، وبون وكولونيا، وآخن وسباير، ولوبيك وهايدلبرغ، وغيرها. ورأيت للقاديانيين هناك مساجد ونشاطا ظاهراً، والدعوة والتبشير بشكل نتمناه للإسلام الصحيح وتعاليمه الحقة، فاستأت إلى أبعد حد، ونقمت على قومي بل احتقرتهم في قرارة نفسي، إذ رأيتهم أمواتا لا حياة لهم، فالباطل يصول ويجول في العالم المتمدن، ويغوي ويضل السذج والبسطاء، ونحن قابعون في زاوية مظلمة، وقد ضربنا حولنا سياجا وبقينا نعتقد ان الإسلام وتعاليمه في مأمن كما أراده اللّه ورسوله، ما زالت مظاهره الشكلية محفوظة داخل السياج.
وقد رأيت المسلمين في المانيا ينقمون بشدة على تلك الزمر الضالة ويضيقون بها ذرعا، وعلى رأسهم العلامة الكبير الشيخ محمد المحققي الأستاذ في جامعة طهران سابقا، وممثل المرجع الديني العام السيد حسين البروجردي في هامبورغ، ورئيس (( الجمعية الاسلامية )) هناك، فقد رأيته ناقما لدرجة أنه طلب مني الا استقبل أحدا من علماء القاديانية عندما علم بأن بعضهم قد طلب موعدا لزيارتي في (( فندق الاطلنطي )) الذي أنزل فيه فحددت له الساعة الخامسة بعد الظهر، ونزلت عند رغبة الشيخ فأبدلت منهجي الرسمي بالخروج معه في نزهة على ساحل البحر.
وعدت إلى العراق وحللت في وطني النجف وأنا أحمل حقائبا من الآلام والأمال، فقد رأيت العالم الغربي بعيني، ووقفت على مدى حبه للاستطلاع واهتمامه للوقوف على حقيقة الإسلام دين الحق والحرية والعدالة وكيف يتعشقون تعاليمه ونظمه ويتسابقون إلى إعتناقه... نعم عدت إلى مقبرة الأحياء النجف وأنا أتصور أنني سأرى التبدل والتطور قد شملها فرعا لقدم، لقد خيل لي أنها وعت وشعرت بواجبها خلال الفترة القصيرة التي بعدت عنها، إلا أنني رأيتها هي هي في مكانها وعلى وضعها، لم تتقدم خطوة واحدة ولم تتغير قيد أنملة...
وهكذا عدت إلى التفكير في الموضوع من جديد، فكتبت إلى الأستاذ الشاعر (( أحمد سليمان ظاهر )) في النبطية بلبنان وأعلمته بما دار بيني وبين المرحوم والده حول الكتاب، فما كان منه إلا أن طلبه من أخيه الأستاذ محمد في بيروت وبعث به إلي.
وقد صرت أمام مشكلة جديدة، وهي مسألة نشره، فقد كنت يوم طلبته من مؤلفه قادرا على الإنفاق لإخراجه، أما اليوم فأنا لا أملك تلك المقدرة، لأنني مثقل بعب ء بعض الآثار التي أخرجتها، والمفروض في مثل هذه الحالة أن ألجا إلى الزعامة الدينية في النجف واستعين بها على انجاز مشروع هو من واجبها في الصميم، لكنني رأيت ذلك يجرني إلى ما لا أرتضيه لنفسي، لأنني أعلم بان تلك الجهة لاتقدم على مثل هذا العمل ما لم يسبغ ظلها عليه، وتقدم لها التزلفات، والادعاء بانها الحامية للإسلام والمتصدية لخصومه... وفي ذلك من المتاجرة بديني وقلمي وكرامتي ما لم أسمح به لنفسي في ماضي أايامي، ويستحيل علي أن أقدم عليه بعد أن قدمت في حياتي العملية أمثلة يعرفها المقربون من إخواني والعارفون من قرائي، فقد ضحيت بالمصالح الخاصة والمنافع الشخصية التي يتهالك عليها الاخرون من أجل أن لا أكون داعية أو مطية للغير، وإذا كان هذا حال الجهة التي يفترض فيها أن تكون الفرد الأكمل في المجتمع، فكيف بالتجار والوجهاء وأمثالهم؟ وإذا كان الدافع الحقيقي والهدف الأساسي هو التقرب إلى اللّه تعالى ونصرة دينه طمعاً في الجزاء الأخروي، فالأجدر أن لا أجعل للرياء سبيلا إليه، وأن لا أشرك معي فيه جهة تنتظر الاطراء أوتشترط الثناء، وأن أقوم به منفردا ومتوكلاً على اللّه، وهكذا كان.
واليوم وحين أوفق إلى إخراجه ابتهل الى اللّه تعالى أن يتغمد روح مؤلفه بالرحمة والرضوان، ويجزيه خير جزاء المحسنين، وأن ينفع به ويجعل عملي فيه خالصا لوجهه، وأن يوفقني ما حييت، لما ينفع الناس ويمكث في الارض ويرضي الرب، واللّه تعالى هو الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(1)
إن شبه القارة الهندية من دول آسيا الكبرى والمهمة، احتل الفرس واليونان اجزاء منها في القرن الرابع قبل الميلاد، وازدهرت على شواط ى ء نهر السند فيها حضارة عظيمة بلغت ذروتها في القرن الثالث الى القرن الاول قبل الميلاد، وتعاقبت على احتلالها شعوب
عديدة، وأسس المسلمون في أنحائها دولاً مستقلة، كما أسس المغول إمبراطورية شملت الهند بأسرها، وقد اطلق الجغرافيون الأقدمون اسم الهندعلى البلاد التي لم يبلغها المسلمون، والهند أقدم ما عرف في التاريخ من بلاد اللّه(38/95)
وهي من أغرب البلاد حقا، ففي الوقت الذي قدمت فيه للبشرية نماذج من العقول الجبارة والأدمغة الكبيرة التي أحلت الحضارة الشرقية محلها الرفيع في أنظار الأوروبيين وغيرهم، وانتزعت اعترافات الجمعيات العلمية الكبرى في العالم الغربي... أقول في الوقت الذي قدمت فيه الهند تلك العقول النيرة والبصائر النافذة التي بهرت البشرية في مختلف مجالات الحياة القديمة والحديثة، نراها قد ضمت أوتضم حتى اليوم العقول المتعفنة، والديانات السخيفة، والمعتقدات الخرافية التي يترفع عنها الإنسان،ويعافها كل ذي ذوق وعاطفة ووجدان، كالبرهمية، والجايناسية، والبوذية والباربسيسية، والسيخية،والمهدوية، والدنيا إلهية، والأغاخانية، والقاديانية، والنيجرية وأمثالها من الأساطير التي تهبط بالإنسان من عليائه إلى أسفل دركات الجهل والضلالة، والغواية والضحالة، فكيف يرضى الإنسان لنفسه أن يعبد البقرة كرب، ويتبرك ببولها فيلوث به جبهته التي هي أشرق مكان في جسمه...؟ وكيف يطيق حرق المرأة حية مع زوجها إذا مات...؟ فأي شريعة سمجة سنت تلك القوانين؟! وأي بشر يدين بها؟! وأتذكر أني قرأت كتاباً لبعض أدباء مصر عن (( الأغاخانية )) نسيت إسمه وإسم مؤلفه، وقد ذكر فيه أن صلته ب (( أغاخان )) قد توثقت حتى صار يفضي إليه بكل كبيرة وصغيرة من أصول ديانة أتباعه،ويُجيبه عن كل سؤال يطرحه عليه، وأنه قال له يوما:
أريد أن أسالك عن أمر تهمني معرفته لكنني أخشى أن يغيظك، فوعده بأن لا يغضب مهما كان سؤاله، فقال له: كيف ترضى لأتباعك أن يعبدوك كرب مع ثقافتك العالية وتضلعك في المعرفة؟ فأرخى ربطة عنقه وضحك طويلاً وقال: هذا السؤال الذي خفت أن يغيظني؟ قال: نعم، فقال له: أأنا أفضل أم البقرة؟؟ إن هؤلاء الهنود رضوا بالبقرة ربا فعبدوها وأنا أفضل منها بدون شك!! وإن الإنسان ليأسف حقاًً أن يرى في بني جنسه من هو بهذه الدرجة من الغباء بالنسبة للعابد، ومن الدجل والشعوذة بالنسبة للمعبود!! لقد ملكت الأسرة التيمورية المغولية بلاد الهند زمنا طويلاً، فقد ظهر تيمورلنك التتري وملك الهند في أايام السلطان بايزيد بن مراد الأول آل عثمان الذي توفي في اسر تيمور سنة 805ه، 1402م وحكم العديد من أولاده واحفاده في عواصم مختلفة كما قامت دول شيعية اتخذت لها عواصم اخرى ذكر منها الشيخ عبد العزيز الجواهري ثلاث دول:
1 العادل شاهية في بيجابور.
2 النظام شاهية في احمدنكر.
3 القطب شاهية في كولكندة وحيدر آباد
وكانت في قبال الدول الاسلامية دويلات هندوسية متناثرة في أرجاء تلك البلاد الواسعة.
وقد بدأ الانكليز يفدون على شبه القارة الهندية بعد اكتشاف «رأس الرجاء الصالح » ويفتحون محلات تجارية يتخذون منها ذريعة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، ثم وحدوها في سنة 1009ه، 1600م باسم (( شركة الهند الشرقية الانكليزية للتجارة )) ورسخت أقدامهم، واستمروا في تزايد وقوة بالتدريج.
وقد امعنوا في إذلال الجنود واحتقارهم لعقائدهم في داخل الثكنات العسكرية، سواء أكانوا من المسلمين أم من الهندوس، ومن أمثلة ذلك البسيطة أنهم كانوا يدهنون الخراطيش بشحم البقروالخنازير، وعندما تتجمد يأمرون الجنود بإزالتها بأسنانهم عمداً، فيتذمرون ويعلنون مخالفة ذلك لعقائدهم الدينية فالبقر محرم عند الهندوس والخنازير محرمة عند المسلمين إلا أن القواد الانجليز كانوا يجبرونهم على الطاعة ويعاقبون المخالفين، فخرج رهط على تنفيذ الأوامر، فأصدرت المحاكم في حقهم أحكاماً قاسية في 15 شهر رمضان سنة 1273 ه، 9 مارس 1857م، فاحتدم الجيش غيظا ووثب الجنود على قوادهم الانكليز فقتلوهم في داخل الثكنات، واندفعوا نحو العاصمة (( دلهي )) وجرت دماء القوة الانجليزية التي حالت دون وصولهم أنهارا، وقام أحرار الهند من المسلمين والهنادك بثورة عارمة، فألحقوا بالانكليز خسائر فادحة في الأرواح، لكن الانكليز انتصروا على الثورة وفعلوا بالثوار ما لا يتصوره العقل من وحشية وجرائم أدت إلى براءة الكثير من عقلائهم مما حصل.(38/96)
وتحمل المسلمون العب ء الأكبر من الإضطهاد قبل الثورة، ومن التنكيل والإنتقام بعدها ما لم يتحمله غيرهم، ونصبت لهم المشانق في شوارع (( دلهي )) وأعدموا ثلاثة آلاف رجل، ودخلوا مسجدها بخيولهم، وكلما وجدوا رجلا طويل اللحية ظنوه مسلما فقتلوه، وكانوا يشدون البعض على أفواه المدافع ويطلقون قذائفها فتتناثر أجزاؤهم في الفضاء، كما كتبه الضابط الانكليزي (( روبرت )) في رسالة إلى أمه، وبلغ عدد قتلاهم في (( دلهي )) وحدها سبعة وعشرين ألفاً ، وكتب (( ونكلسون )) إلى (( ادوارد)) : (( علينا أن نسن قانونا يبيح لنا إحراق الثوار وسلخ جلودهم وهم أحياء، لأن نار الإنتقام التي تأججت في صدورنا لاتخمد بالشنق وحده ))، وقد فعلوا ذلك أيضاً، فقد كتب المستر (( دي لين )) مدير جريدة (( تايمز إن إنديا )): إن المسلمين كانوا يخاطون بجلود الخنازير ثم يدلكون بشحومها وتخاط عليهم ويحرقون وهو أحياء )) ،وكتب مثل ذلك المستر (( گربر)) المشرف على القوات الانكليزية في شمال الهند، وكتب (( ونكلسون )) و(( لورنس )) و(( مونتجمري )) فضائح أخرى.
وفي سنة 1275 ه، أول تشرين الثاني سنة 1858م أصدرت الملكة (( فكتوريا )) قراراً بنقل حكم الهند 15 منه وقد رغبت في التوسع في هذا التمهيد لأُعطي القارى ء فكرة تامة عن حالة البلاد والشعب اللذين ولدت فيهما هذه الدعوة، فمعرفة تاريخهما وظروفهما، ومعرفة البيئة وما فيها من ملابسات، مما يساعد على فهم العوامل التي شجعت القادياني على إعلان دعوته، فالحالة الاجتماعية والاقتصادية وما داخلهما من جهل وفقر، كانت من الدوافع التي حدت بفئة ساذجة من ذلك الشعب المسحوق المضطهد إلى الإيمان بالدعوة الجديدة والركض وراءها من غير هدى. أقول:
كنت أفضل التوسع لولا أنني خشيت أن يحكم القارى ء على أنه سرد تاريخي لا دخل له بالموضوع، وأنه أوسع مما تقتضيه طبيعة تمهيد لفكرة، فنحن نحيل القارى ء على مجلة (( العروة الوثقى )) التي كان يصدرها في باريس السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، والكتب الخاصة التي كانا يصدرانها كملاحق وينشران فيها تفاصيل السياسة الانكليزية في الهند، وكانت جريدة (( أخبار دار السلطنة )) التي تطبع في كلكته، وجريدة (( مشير قيصر )) التي كانت تصدر في لكنهو تترجمان مقالاتها من العربية الى الأردوية لإطلاع عموم الشعب الهندي على ما كان ينشر دفاعا عنه.
(2)
القادياني والقاديانية:
القاديانية والأحمدية اسمان لجماعة واحدة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد بن غلام مرتضى بن عطا بن الميرزا گل محمد القادياني.
ولد في قرية (( قاديان )) في مديرية «جورداسبور» في اقليم (( البنجاب )) سنة 1839م، وتلقى دروسه في منزل أبيه على الطريقة القديمة وكان والده طبيبا، وقد جلب لولده المعلمين، فتعلم القراءة والكتابة، وقرأ القرآن ودرس النحو والصرف والمنطق والحكمة، ودخل (( الكلية الشرقية )) في البنجاب ،وعين كاتبا في محكمة مدينة (( سيالكوت )) وشغل وظائف أخرى حرة مدة أربع سنوات ثم تركها.
وكان ذا شغف بالقراءة والمطالعة منذ نشاته يقضي فيها معظم وقته، وقد تفرغ لدراسة الكتب الدينية والصوفية، وغلبت عليه نزعة التصوف، وكانت سائدة يومئذ بين كثير من علماء المسلمين في الهند،وكان لها طرقها ورجالها ومؤلفاتهم، كما كان لهم خصومهم الذين يتظاهرون بنقدهم ومعارضتهم.
وكانت يومذاك أيضا حركة تجديدية هندوكية باسم (( آريه سماج )) وكان لها زعماء بارزون وعلماء ينطقون باسمها، وقد كثرت المناظرات بينها وبين خصومها، كما كانت بعثات تبشيرية تتألف من القسس والرهبان، وكان الصراع على أشده بينهم وبين علماء المسلمين، فظهر القادياني على الساحة في تلك الفترة، وعد في النابهين من المسلمين، وكانت له مع كبار المناظرين من الفئتين مواقف مشهورة وتفوق بارز إعترف به علماء عصره، فقد قال السيد عبد الحي الحسني:
(( ... واشتغل بالكلام وكان يباحث احبار الارية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته، ويصرف اوقاته كلها في الذب عن الحنفية البيضاء، ويصنف الكتب في ذلك، وكانت مساعيه مشكورة عند أهل الملة الإسلامية...)) و(( قد أورد في كتابه (براهين أحمدية) على إحقاق الإسلام ثلاثمئة دليل عقلي )). وقد واصل مطالعة كتب العرفان والتصوف والفلسفة، وثقف نفسه ثقافة عالية اهلته للصدارة والتاليف، فانتج آثارا قيمة قوبلت بالاعجاب والاكبار من قبل الطبقات المتنورة، ولم يكن لما اشاعه عنه خصومه وكتبه عنه البعض من أنه كان محدود الذكاء وأنه رسب في امتحان (( مولوي فاضل )) الذي يعادل الصف الثاني من الكلية نصيب من الصحة، وكذلك ما كان يقال عنه من أنه مصاب بنوع خطيرمن (( الهستيريا )) و(( القطرب ))
إدعاءاته:(38/97)
وبعد فترة ادعى انه «مجدد» للاسلام لما اشاع بين المسلمين من ان اللّه يبعث مجددا على راس كل مئة سنة، وهو مجدد القرن الرابع عشر الهجري، وظل يؤكد ذلك في تصريحاته وخطبه ومؤلفاته فترة، ثم ادعى انه المهدي المنتظر والمسيح الموعود في وقت واحد، استنادا الى ما رواه ابن ماجة من حديث «لا مهدي إلا المسيح » واستمر يبرهن على ذلك ويؤكد أن العلامات التي ذكرت لظهور المهدي منطبقة على زمانه، وان له شبها كبيرا بالمسيح، واخذ يتكلم في المغيبات والمنامات وتفسير بعض الاخبار والايات القرآنية بما ينطبق عليه ويقرب ذلك الى الاذهان الساذجة، وادعى انه ملهم ،ومن تصريحاته الخطيرة في هذه المرحلة قوله:
(( أنا مهدي وافضل من الانبياء ))
وقد كانت ولاية (( البنجاب )) في معزل عن مراكز الثقافة في الهند، أكثر من غيرها، وكانت الخرافات والأوهام والأساطير تعشعش فيها، والدهماء عادة يتقبلون الأمور الغريبة وخوارق العادات، وما يظهرمن شطحات الصوفية ويدعونه من الهامات، وكان للقادياني قبل ذلك رصيد علمي وشهرة كبيرة وأتباع عديدون، ولذلك بادر الكثير من أهلها الى الاستجابة لدعوته، وشكلوا الأغلبية العظمى
لمعتنقي ديانته، فقد بلغ عددهم فيها وحدها إلى ما قبل وفاته بسنة سبعين ألفا، وكان منهم الشقيق الأكبر للشاعر الفيلسوف الدكتور (( محمد إقبال )) ، في الوقت الذي كان فيه أخوه المذكور من أكبر المحاربين للقادياني.
وقد قوبلت مزاعمه بالاستنكار الشديد، فرحل الى بلدة (( لوديانة )) في البنجاب نفسها، واصدر منشورااعلن فيه أنه (( المسيح المنتظر )) فهب في وجهه العلماء، وكان من بينهم (( المولوي محمد حسين )) صاحب جريدة (( اشاعت سنت )) فدعا عددا من علماء الهند الى «لوديانة » لمناظرته، لكن الوالي الانكليزي في تلك المنطقة منع من عقد المناظرة، وارغم (( المولوي محمد حسين )) ومن معه من العلماء على مغادرة البلد في اليوم نفسه.
واستمر القادياني على نشر دعوته سنين طوالا، وأكثر من مناقشة المعارضين ومحاججة المستنكرين،وألف في ذلك الكتب ونشرها في البلاد الإسلامية بصورة واسعة، واقتنع بها فريق من الناس فاعتنقوها، وبقي على تلك الحال يواصل الدعوة ولكن لم يرض طموحه ما حصل عليه من إقبال فادعى النبوة وتفاقم الخطب، وأعلنت دنيا الإسلام ولا سيما في الهند استنكارها بمختلف الوسائل،وسادت الفوضى وصار حديث الناس والساعة، فكرست القوى بمختلف أشكالها لتكذيبه وتكفيره ،وأخذ هو وأتباعه يدافعون عن آرائهم واحتدم النزاع.
وكان من ادعاءاته أنه المعني بقوله تعالى :(ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) [الصف/6] وأنه يوحى إليه باللغات العربية والفارسية والأردوية والانكليزية، وأكثر من التأليف في كل تلك اللغات، وان كتابه المقدس في مقابل القرآن هو«الكتاب المبين » وأن مما أوحي اليه: (( ان اللّه خاطبني وقال يا أحمدي أنت معي وأنا معك، إذا غضبت غضبت، وكل ما أحببت أحببته، أنا مهين من أراد إهانتك، وإني معين من أراد إعانتك )) و(( إن اللّه خاطبني وبشرني باكرامي وقبولي في زمن الياس، وقال: يحمدك اللّه في عرشه » وغير ذلك من التفاهات
ولما رأى ان الحملة عليه شعواء، وأن الاقلام قد اوقفت على محاربته ودحض شبهاته ومزاعمه، وكشف أامره وحقيقته، وإعلان خروجه عن الاسلام، أعلن تمسكه بالشريعة الاسلامية والقرآن والسنة، وأن نبوته ظلية حسب تعبيره وهي انعكاس لنبوة الرسول، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة الوجود، فهو يرى أن مراتب الوجود دائرة تضم اللّه والانبياء والبشر، فاللّه يحل في الانبياء،وبدوران الوجود داخل النبوة تنتقل الروح من فرد لاخر لا فرق بين سابق ولاحق، ويكون الانبياءنبيا واحدا، وباتصال اطراف هذا الوجود بعضها بالبعض الاخر يكون الانبياء جزءا منها، والانسان جزءا آخر من هذه الوحدة التي تضم ملكوت السماء والارض، فكمالات الانبياء المتفرقة قد تجمعت في شخص النبي
محمد(ص) وانعكست ظليا فيه.
وقد استفاد من إيمانه ببعض النظريات الفلسفية التي آمن بها، في زعمه الغوص في ذات اللّه والبروز عنه الى الارض، والانتهال من علوم الغيب واسرار الكون، وغير ذلك من المزاعم الكاذبة والادعاءات الباطلة.
بنى مدرسة لابناء نحلته في «قاديان » لئلا يشرف على تعليمهم وتربيتهم غير القاديانيين، كما بنى لهم مسجدا خاصا للصلاة، لكن اقاربه المخالفين له في الراي بنوا جدارا جعل اشياعه لا يتمكنون من الوصول الى المسجد الا بعد ان يمشوا مسافة طويلة، فرفع عليهم دعوى في المحكمة وقضى حكم الانكليز بازالة الجدار، واصدر قانونا يقضي بالا يزوج القاديانيون بناتهم لمن لم يصدق بنبوته، واكثرمن التطاول على المسلمين وشتمهم سواء في ذلك من عارضه او سالمه، لانه كان يقول بكفر من لم يؤمن برسالته ويتبعه.(38/98)
وفي سنة 1323 ه، 1905م زعم انه اوحي اليه بان اجله قد قرب والف كتاب «الوصاية » الا انه عاش بعد ذلك... وفي السنة نفسها زعم انه اوحي اليه انشاء مقبرة خاصة في «قاديان » وفرض على من يريدالدفن فيها ان يهب لخزينة «القاديانية » ربع ماله، وبناها وقدمت له المبالغ، ومنذ ذلك التاريخ فرض على كل قادياني ان يقدم الى خزينتهم الدينية ربع ماله واستمر الى الان.
وفاته:
أصيب بالهيضة الوبائية وهو في لاهور، ومات سنة 1326 ه، الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم(26) مارس سنة 1908م ونقلت جثته الى قاديان التي تبعد عن لاهور ستين ميلا، ودفن في المقبرة التي سماها (( بهشتي مقبرة )) : (( مقبرة الجنة )) وكتب على قبره (( ميرزا غلام أحمد الموعود )) وأنزله أتباعه منزلة الأنبياء واتخذوا قبره بمثابة ضريح رسول اللّه (ص) وصرحوا بأن زيارته تعدل زيارة الرسول(ص) وقالوا: (( ان اللّه بارك ثلاثة أمكنة وجعلها مقدسة وهي مكة والمدينة وقاديان حيث تلوح تجلياته سبحانه )).
وكان قد ضاقت به الدنيا لشدة مقاومة «المولوي ثناء اللّه له » فكتب له دعاء جاء في آخره: (( يا مرسلي إاني أدعوك بحظيرة القدس ان تفصل بيني وبين المولوي ثناء اللّه، ومن كان منا مفسدا في نظرك كاذباعندك فتوفه قبل الصادق منا... الخ » وكان صدور الدعاء في اليوم الاول من ربيع الاول سنة 1325 ه،25 نيسان سنة 1907م، فمات القادياني بعد التاريخ بسنة وعاش ثناء اللّه بعد ذلك سنين طويلة.
وكان للقادياني صديق قديم ذهب اليه في قريته (( قاديان )) وناظره فانتصر عليه، ثم اتفقا على مباهلة مؤداها أن يموت الكاذب منهما
خلال ثلاثة أيام، فمات القادياني خلال تلك المدة.
وقد أوصى ان يتألف مجلس من أتباعه لاختيار خليفة له، فانتخب (( المولوي حكيم نور الدين )) أول خليفة له، ولما مات في سنة 1333 ه، 1914م انتقلت رئاسة الاتباع إلى ولده (( بشير أحمد )) المسمى عندهم بالخليفة الثاني، ولما مات انتقلت الى حفيده (( بشير الدين )) بن بشير أحمد بن غلام أحمدالقادياني وسمي بالخليفة الثالث.
(3)
إختلاف أتباعه بعد وفاته:
وكان أتباعه قد انقسموا بعد موته فريقين، رأس أحدهما (( بشير احمد )) كما قلنا، وهذا الفريق يؤيد نبوته ويكفر جميع المسلمين الذين لا يدينون بعقيدتهم، اما الفريق الثاني فقد راسه «الخواجه كمال الدين »ونائبه (( الشيخ محمد علي اللاهوري )) الذي فسر القرآن باللغة الانكليزية، وقد اقتصرت عقيدة هذاالفريق على أن القادياني مجدد مصلح لا مهدي ولا نبي، وقد أطلق عليهم اسم (( اللاهورية )).
وقد ظل الصراع بينهم وبين المسلمين قائما في الهند وباكستان وغيرهما من البلاد التي وصلت دعوتهم إليها، وكان كبار العلماء والجمعيات الدينية في الباكستان يقاومونهم بشدة وباستمرار في خطبهم في المساجد والنوادي ومقالاتهم في الصحف، ويصدرون الفتاوى والنشرات والكتب بتكفيرهم، وقد ذكر السيد عبد الحي الحسني مجموعة من تلك الكتب بالعربية والفارسية والاردوية وقد حملواالسلطات على محاكمتهم، وبعد مشاحنات طويلة استمرت سنتين اصدرالقاضي «محمد اكبر خان »حاكم «بهاولبور» في سنة 1354 ه، 1935م حكما بتكفيرهم وعدم جواز تزوج المسلمات بهم.
آثاره العلمية:
ألف «القادياني » منذ كان مسلما يحارب أعداء دينه حتى اواخر أيامه، وبعد ان انحرف عن مبادئه ومعتقداته وارتد عن الاسلام ووقف في صف أعدائه المخربين الف ما يقرب من ثمانين كتابا باللغات العربية والفارسية والاردوية والانكليزية، وبعضها في عدة اجزاء. ولم نقف الا على عدد يسير منها يعد بالأصابع، ويعود الفضل في ذلك الى كل من العلامة الاديب السيد حيدر عباس اللكنهوي، والفاضل السيد حكمة الهندي نزيل «المدرسة الهندية » في النجف، فقد جلبا لي ذلك من الهند بواسطة بعض معارفهما هناك، كما يعود الفضل الى أولهما في ترجمة نبذ مما هو محل الحاجة من آرائه للاستشهاد من الانكليزية والاردوية، وذكر له الحسني ثلاثة عشر كتاب، والى القارى ء أسماء ما وقفنا عليه وذكره الحسني:
1- آئينة كمالات اسلام، فارسي.
2- إزالة اوهام.
3- إعجاز المسيح.
4- اعجاز احمدي.
5- انجام اتهم.
6- البراهين الاحمدية (خمس مجلدات).
7- البرية.
8- تبليغ الرسالة.
9- تجليات الاهية.
10- تحفة الندوة.
11- التذكرة.
12- ترياق الفاروق.
13- ترياق القلوب.
14- توضيح مرام.
15- جشمه مسيحي.
16- جشمه معرفت، فارسي.
17- حقيقة الوحي.
18- الخطاب الجليل في الاصول الاسلامية.
19- الخطبة الالهامية.
20- دافع البلاء.
21- در ثمين.
22- دين الحق.
23- رسالة احمدي.
24- رسالة ختم النبوة.
25- رسالة قيصر.
26- سر الخلافة.
27- سر جشمه آرية، بالاردو.
28- سفينة نوح.
29- فتح الاسلام.
30- القصيدة الاعجازية.
31- كتاب الاربعين.
32- كتاب البرية.
33- الكتاب المبين.
34- كتاب الوصية.
35- عين المعرفة.
36- معيار الاخبار.
37- مكتوب احمد.
38- الملفوظات الاحمدية.
39- من خطاب سيكلوت.
40- المهدي.
41- مواهب الرحمن.
42- نزول المسيح.
43- نور الحق.
(4)
نشاط القاديانية في الباكستان:(38/99)
كان القاديانية يحلمون بأن تصبح البلاد الهندية على سعتها قاعدة لهم، ولذلك مجدوا شخصيات الهندوس الدينية، وأقاموا علاقات مع زعماء السياسة، وخطبوا ود (( نهرو )) وأغروه حتى أُعجب بهم،وأشيع في الأوساط الإسلامية أنه إعتبرهم أحسن طوائف المسلمين، لأن نبيهم ينحدر من الجنس الهندي ولهم مركز مقدس (( قاديان )) في الهند.
وانطلاقا من هذه المطامع السياسية حبذوا فكرة وحدة الهند وعارضوا قيام دولة الباكستان، ولما قامت صرفوا جهدهم للنيل من مسلمي الباكستان، واستفادوا من رعاية الانكليز في ترسيخ أقدامهم في مختلف دوائر الدولة الفتية ونالوا مناصب كبيرة.
وكان السير (( ظفر اللّه خان )) أول وزير خارجية لباكستان العقل المخطط للقاديانية، وقد اغتنم فرصة وفاة القائد محمد علي جناح فشحن وزارته والمفوضيات خارج الباكستان بالقاديانيين.
وخطوا خطوة أخطر حين تسربوا إلى الجيش والشرطة ومصلحة الطيران وتغلغلوا في المرافق الحيوية الاخرى.
وقد قامت جماعة منهم برئاسة زعيمهم (( بشير الدين )) فهاجرت الى الباكستان بينما بقي جماعة في مركزهم قاديان في الهند واستطاع المهاجرون بمساعدة النفوذ الانكليزي الحصول من الحكومة على مساحة شاسعة من الارض في اقليم (( جنهنك )) بنوا عليها مدينة خاصة بهم سموها (( ربوة )) .
وفي الحقيقة أن عش القاديانية في الباكستان (( ربوة )) بمثابة الفاتيكان للمسيحيين، فهي دويلة داخل دولة فيها كل ما للحكومة من دوائر ومكاتب وشعب مستقلة لكل من الشؤون الخارجية والداخلية والاعلام والشؤون العامة، وحرس وطني باسم «هيئة خدام الأحمدية » وتنظيم عسكري على شاكلة الميليشيا يتألف من فرقتين منتظمتين، تدعى الاولى (( الهادفة )) والثانية (( الفرقان )) وكلها تمارس نشاطهافي داخل نطاقها المحدود. ولشعبة الامور العامة دائرة مخابرات مهمتها جمع المعلومات عن نشاط الحكومة والمنظمات السياسية المناهضة للقاديانية، وتقوم بعثتها في اسرائيل بنشاط كبير، فالمركزان (( قاديان )) و(( ربوة )) على اتصال دائم بها، ويجري بينهما تبادل الاشخاص بين الحين والاخر عن طريق بعض الدول الافريقية التي تتعاون معها وتصدر لمبعوثيها جوازات السفر، ولذلك وغيره فان مسلمي الباكستان في قلق دائم من تحركاتهم المشبوهة، وحيطة وحذر من نشاطهم الهدام وتخطيطهم الخطر.
وفي سنة 1371 ه، 1951م اشتركوا في الانقلاب الفاشل، ولولا رحمة اللّه بتلك الدولة الناشئة لكان مصيرها دولة قاديانية.
وفي جمادى الثانية سنة 1372 ه آذار 1952م دعي شيخنا الامام شيخ الاسلام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء لحضور المؤتمر الاسلامي في كراچي وكان لي شرف توديعه واستقباله في مطارالبصرة تطرق بعد عودته في حديثه عن المؤتمر الى وضع القاديانيين ونشاطهم التخريبي، ووضعهم لبعض العراقيل في طريق المؤتمر بسبب عدم السماح لهم بحضوره.
وبالنظر لخطورة الموقف واستفحال أمر القاديانية اجتمع قادة المسلمين من الشيعة والسنة وزعماء(( الجمعية الاسلامية )) في كراچي في سنة 1373 ه، كانون الثاني عام 1953م، وعكفوا على دراسة الوضع السائد ووجوب اتخاذ الوسائل الكفيلة لمجابهة دسائس القاديانية وخطرها على الامة الاسلامية، وأصدروا بيانا أعلنوا فيه ان القاديانيين خارجون عن الاسلام، وطلبوا من الحكومة إصدار قرار ينص على أنهم أقلية غير مسلمة كالهندوس والمسيحيين، وان تعطيهم ما يستحقونه من الحقوق حتى في البرلمانات المحلية والمركزية كما هو الحال بالنسبة للاقليات الاخرى، واقصاء (( ظفر اللّه خان )) من وزارة الخارجية وسائر القاديانيين من الوظائف الحساسة. وكان المسلمون ولا يزالون بالرغم من مواقفهم الحاسمة والجدية تجاه القاديانيين، يؤكدون على الالتزام بالوسائل السلمية وتجنب العنف،وينهون عن المقاطعة التي يتعرض لها افراد من القاديانيين كقطع الماء او منع الطعام عنهم، ويعارضون ذلك بشدة لانه يخالف التعاليم الاسلامية الانسانية.
وفي السنة نفسها ثار المسلمون الباكستانيون على القاديانيين ثورة عنيفة، وصاحبت ذلك اضطرابات أدت الى مذابح قتل فيها عدد كبير من الجانبين، واعلنت الدولة الحكم العرفي العسكري ووقفت موقفامنحازا، واستشهد مئات المسلمين برصاص الجيش والشرطة. واعتقل المسلمون بما فيهم زعماء الدين الذين قادوا الثورة، ومنهم الشيخ (( أبو الاعلى المودودي )) زعيم الجماعة الاسلامية يومذاك. بسبب تأليفه كتاب (( المسالة القاديانية )) الذي كشف فيه حقيقة القاديانية من النواحي الدينية والسياسية وما يكمن فيها من أخطار إجتماعية على الشعب الباكستاني المسلم، وصدر الحكم عليه وعلى غيره بالاعدام ثم خفف إلى أربع عشرة سنة، وأطلق سراح الجميع بعد سنوات.
(5)
عمالته المكشوفة للانكليز:(38/100)
كانت أسرة القادياني على وئام تام وعلاقة صميمة مع «السيخ » ايام حكمهم على «البنجاب » على العكس من المسلمين المضطهدين وما ان دخل الانكليز وسيطروا على البلاد حتى بادرت الى انشاءالصلة بهم وانضمت الى صفوفهم، وكانت من اتباعهم علانية بسبب ان جد القادياني «الميرزا غلام محمد» كان من الاقطاعيين الكبار في ولاية «البنجاب » ولذلك اعلن ولاءه للانكليز وللتاج البريطاني منذ بداية الاحتلال، فنال الحب والعطف والرعاية من الولاة، وخلفه ولده «غلام مرتضى » فعزز ذلك بوقوفه الى جانب الانكليز عندما ثار الشعب الهندي عليهم ثورته المشهورة عام 1273 ه، 1857م ومدهم بخمسين مقاتلا فوجهوا له كتب الشكر، كما ساندهم في كل الحركات التي قامت ضدهم، وقبل التوظيف في دوائرهم.
ولما جاء دور ولده «الميرزا غلام احمد» سار على نهج ابيه وجده في الاخلاص والولاء، فتوظف في دوائرهم وحافظ على صحبتهم، ولما ظهر على الساحة وتبلورت شخصيته وبدا بادعاءاته التجديدفالمهدوية فالنبوة، كانوا وراء ظهره سندا في مختلف المراحل، والا لما استطاع ان يفوه بكلمة واحدة، فقداعلن دعوته بصراحة في بلد فيه عشرات الملايين من المسلمين، وخرق اجماع مئات الملايين من المسلمين الذين اجمعت كلمتهم على ختم النبوة، وتحدى علماءهم وشتمهم، وشبههم بالقردة والكلاب والشياطين وما شابه ذلك من النعوت، وظل يواصل دعوته وينشر مزاعمه بدون اكتراث،وحقق نجاحا في بلاده وفي البلدان الاسلامية الاخرى، وظل على قيد الحياة متمتعا بالحرية والحصانة مع المشايعين لفكرته، ولم يجرا احد على اخماد فتنته بالقضاء عليه، بل كان الاغتيال نصيب الزعيم الهندي (( غاندي )) الذي تمزق جسمه النحيل بالرصاص، لان الانكليز كانوا ضده.
ولو لم يصرح «القادياني » بعمالته للانكليز، لما كانت تخفى على أحد من ذوي البصائر، لان العمل الذي قام به مما لا يقوى عليه رجل بمفرده كل بضاعته الكذب والدجل والافتراء، وانما كان له رصيد قوي ودعم كبير، من جهة عليا تحميه وتسدده وتسخر امكانياتها لدعمه، وبذلك استطاع الاستمرار في دعوته مبلغا وخطيبا وناشرا، وتمكن ان يجمع حوله زمرا من السذج والمنتفعين والمنافقين... اقول لو لم يصرح بعمالته لما غمض على احد امره، فكيف وقد ملا كتبه بالاعترافات الصريحة والاعلان المكشوف، وفيما يلي نموذج من تلك التصريحات:
«فقد ساعدهم (الانكليز) والدي مساعدة كبيرة في قمع تمرد 1857 (يقصد ثورة الشعب الهندي على البريطانيين الغزاة) ومدهم بخمسين فارسا مسلحا لضرب الثورة، لذلك تدفقت على والدي رسائل الشكر والامتنان من قبل الحكام، وكذلك ساندهم والدي في المعارك الاخرى التي خاضها المتمردون(يقصد الوطنيين الاحرار)» «ولما توفي والدي ناب عنه اخي الكبير ميرزا غلام قادر في خدمة الحكومة البريطانية، فشملته هوالاخر بعنايتها، ولما توفي هو الاخر اقتفيت آثارهما وسلكت مسلكهما في اعلان الحب والولاءللحكومة والطاعة لها، وقد عاهدت اللّه منذ ذلك الحين على انني لن اكتب شيئا ضد هذه الحكومة »
«اقول مدعيا: انا اكثر المسلمين اخلاصا للحكومة الانكليزية، لان هناك ثلاثة امور جعلتني احتل الدرجة الاولى في الاخلاص لها.
1- تربية المرحوم الوالد.
2- أيادي الحكومة البيضاء.
- الهام من اللّه تعالى »
وقد خاطب اتباعه قائلا: «اسمعوا: ان السلطة الانكليزية رحمة لكم وبركة عليكم، وهي الحصن المنيع الذي اقام اللّه لوقايتكم، فعليكم ان تقدروها حق التقدير من سويداء قلوبكم، والانكليز خير لكم الف مرة من هؤلاء المسلمين الذين يحاربونكم »
وهو يعترف بصراحة بانه لا يستطيع ترويج بضاعته الزائفة، واعلان دعوته الكاذبة ومزاعمه الفاسدة،في اي بقعة اسلامية من العالم، لان ذلك يؤدي الى دق عنقه واراقة دمه، فهو يقول:
«لا يمكن ان احقق دعوتي كل التحقيق في مكة، ولا في المدينة، ولا في الروم يقصد تركيا ولا في الشام، ولا في فارس،ولا في كابل، الا في كنف هذه الحكومة التي ادعو لها دائما بالازدهار والانتصار»
ويقول ايضا: «لقد بسطت هذه الحكومة الانكليزية اياديها البيضاء علينا لحد اننا ان خرجنا من هنا لاتؤوينا مكة ولا قسطنطينية، فكيف يجوز لنا اذن ان نضمر في قلوبنا امرا ضدها». وبعد ان اعلن ولاءه المكشوف بهذا الشكل عاد يستجدي العطف عليه وعلى اتباعه، ويرجو من الحكومة الانكليزية ان تنظر اليهم نظر رافة ورحمة وتحميهم من المسلمين، فقد وجه كتابا الى الحاكم الانكليزي في المنطقة يقول فيه: «...(38/101)
القصد من وراء ذلك الطلب الذي تقدمت به الى حضرتكم،والذي يحتوي على اسماء اتباعي ايضا، هو انني وان كنت استحق رعاية خاصة من الحكومة الانكليزية نظرا للخدمات الخاصة التي قمت بها انا واسلافي نحو الحكومة الموقرة بصدق واخلاص وتجردوبتحمس قوي، ارجو من الحكومة السامية ان تجعل هذه الاسرة يعني اسرته التي عرفتها وفية موالية لها مؤمنة بها مستميتة في سبيلها بعد تجارب استمرت خمسين سنة مضت، هذه الاسرة التي شهدلها اركان الحكومة الموقرة بانها اول المخلصين لها والقائمين على خدمتها، ارجو من الحكومة السامية ان تجعل هذه الاسرة التي هذا شانها، والتي هي عبارة عن غرسها نفسها، ان تجعلها موضع رعاية خاصة...»
بهذه الحقارة والوضاعة يستجدي هذا الدني ء عطف الغزاة المحتلين لبلاده، والهاتكين لحرمته، والمريقين لدماء ابنائه البررة، بهذا الاسلوب الذي يدل بصراحة على تفاهته وهوانه على نفسه، ثم يدعي انه نبي،والافظع ان يدعي ان اللّه الهمه الولاء للمحتلين، ويامر الناس بتصديق اقواله ويلعن من خالفه واستخف به. والحقيقة ان هذه الرسالة وثيقة ادانة وعمالة لا غبار عليها، فليس اكثر من ان يدعي ان هذه الطائفة من غرس يد الانكليز، واذا ثبت ذلك وهو ثابت فنحن في غنى عن ايراد الادلة والاستشهاد بالاقوال.
(6)
سبب احتضان الانكليز للقاديانية:
لقد قوبل الانكليز وغيرهم من القوى الاستعمارية الكافرة عند دخولهم البلاد الاسلامية فاتحين بضراوة وعنف وتحطيم وتدمير، وتلقوا من المسلمين ضربات ماحقة اطارت صوابهم وارتهم العجب في التضحية والاستبسال، وتقارير ضباطهم الى قياداتهم ومذكراتهم التي كتبوها خلال ايام احتلالهم ونشرت تراجمها اكبر شاهد على ما نقول، فقد صرح الجميع واتفقت كلمتهم على غيرة المسلمين على اوطانهم ودفاعهم المستميت عنها، وعن حميتهم وتضحيتهم بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على ارضهم من دنس الغاصبين.
ومرجع ذلك الى ان الجهاد في سبيل اللّه من الواجبات الدينية باجماع المسلمين، وحكمه حكم فروع الدين الاخرى كالصلاة والصيام والزكاة والحج كما نص عليه فقهاء الامة قديما وحديثا، وهو كما تفصله المصادر كافة نوعان، احدهما للدعوة الى الاسلام واعلاء كلمته في بلاد اللّه وعباده، والثاني للدفاع عن الاسلام والمسلمين وبلادهم، وكذلك عن النفس والمال والعرض. ويشترط فقهاؤنا معاشر الشيعة الامامية في النوع الاول وجود الامام او نائبه الخاص اما الثاني فلا يشترط فيه ذلك.
وقد نص القرآن الكريم على ذلك في العديد من الايات، ومنها:
(إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).ومنها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد اللّه الحسنى وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما)
كما حثت عليه السنة النبوية، فقد قال رسول اللّه (ص): «من ترك الجهاد ألبسه اللّه ذلا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه » وقال أمير المؤمنين(ع): «الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه اللّه لخاصة اوليائه، وهولباس التقوى ودرع اللّه الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه البسه اللّه ثوب الذل وشمله البلاء...»
ومن أجل ذلك كان المسلمون يعلنون الثورة على العدو الكافر إذا غزاهم في عقر دارهم، ويهبون للجهاد في سبيل اللّه في مقاومته ودحره، وكان على رأس الداعين إلى الجهاد علماء الدين، فإذا ما أفتوا بوجوبه وضرورة حفظ البلاد من الغازين لم يتخلف عن الامتثال لأوامرهم أحد إلا الشيخ الهرم والمريض العاجز. ولا يزال العهد بثورة العراق الكبرى عام 1920 قريبا إلى الأذهان، فقد هاجمه الانكليز فاتحين، وأفتى زعيم الثورة الكبير الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي وبقية زعماء الدين بوجوب الجهاد والمحافظة على البلاد، فهب الشعب العراقي هبة واحدة ولقن الانكليز درسا لن ينسوه الى الأبد. وقد جاء في «مذكرات مس بل » قولها: «رجال الدين من العلماء في النجف وبغداد وكربلاء والكاظمية وسامراء... كان هؤلاء العلماء شديدي التعصب للإسلام وشديدي الكره لبريطانيا... وكان لهم حتى الآن أثر كبير على السكان المتدينين في المدن المقدسة...»(38/102)
ولم تكن حال المسلمين في الهند لتختلف عنها في سائر بلادهم الأخرى، فقد قاوموا التسلط الانكليزي والإحتلال الغاشم، وحرضهم علماؤهم على الجهاد في سبيل اللّه، فضاق الانكليز بذلك ذرعا وظل القلق يساورهم دوما، وحاولوا التماس وسيلة توقف تلك الانتفاضات عند حدها، وتخنق أصوات الاحرار الذين يطالبونهم بالجلاء عن البلاد، ووجدوا ضالتهم عند (( القادياني )) فقد جند نفسه لتلك المهمة وبذل كل وسعه وطاقته في إيقاف المد الثوري بفتاواه المتوالية في عدم جواز الجهاد ضد الانكليز، وملأ الأذان بصخبه في ارشاده وخطبه ومؤلفاته وسائر الوسائل الممكنة الاخرى، وامده الانكليز بالمال وجندوا في خدمته الرجال، وهو يواصل مسعاه الخبيث وجهده الخائن، لكن ذلك لم يجده ولم يجداسياده فتيلا، اذ لم يكن لفتواه سميع غير قومه، وهم اقل من القليل اذا ما قيسوا بعدد المسلمين في مقاطعة البنجاب وحدها، فضلا عما سواها من مقاطعات شبه القارة الهندية.
وكان يفسر الاية الكريمة: (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) بحسب ميوله الضالة،ويؤكد على ان الانكليز هم اولوا الامر الذين امر اللّه بطاعتهم وحذر من مخالفتهم، لغرض اسقاط فكرة الجهاد الاسلامي ضد الكفار، وقد ذكر ذلك مباهيا وافتخر به في غير واحد من مؤلفاته، وكان من جملة تصريحاته الوقحة قوله: «إني منذ الصغر إلى أن بلغت ستين سنة من عمري كنت أحاول في محاضراتي ومقالاتي ان اخلق الحب والولاء للانكليز في قلوب المسلمين، وأن أحملهم على التخلي عن الجهاد ضد المحتلين الانكليز»، وقوله: «وجب على كل مسلم ومسلمة تقديم الشكر الى هذه الحكومة، وحرام على كل مؤمن مقاومتها بنية الجهاد، وما هو جهاد بل هو أقبح أنواع الفساد»وقوله: «لقد خطوت اكبر مرحلة في حياتي في نصرة الدولة البريطانية والدفاع عنها والفت كتبا كثيرة احرم فيها الجهاد ضدها، لو جمع كل ما كتبته في هذا الصدد لبلغ خمسين كتابا، ووزعت هذه الكتب كلها في جميع أقطار العالم مثل الجزيرة العربية والشام، وكابل ومصر، وبلاد الروم يقصد تركيا »، إلى غير ذلك مما يصعب استقصاؤه.
فهل يحتاج الانسان بعد هذه الصراحة والصلافة الى ما يوضح له اسباب احتضان الانكليز له وتعلقهم به في حياته؟ ودعمهم وتمويلهم لاتباعه بعد وفاته؟ ومساعدتهم على الانتشار لتخريب العقائد والديار،فالمسالة في غاية الوضوح، والمساجد والجمعيات الدينية التي يشيدها القاديانيون في مختلف البلاد آولا سيما في الغرب بؤر جاسوسية ومراكز هدم، والواجب على الغيارى من ابناء المسلمين محاربتهاوتقويض اركانها، لا سيما في اوروبا وامريكا فانها اشد ضررا، لانهم في البلاد الاسلامية وديار الشرق معروفون ومعزولون من قبل معظم اهلها، لكن الغربيين لا يعرفون اسرارهم ونواياهم وانما ياخذون فكرة مشوهة عن الاسلام بواسطتهم، اذ يدسون السم في العسل ويفسرون القرآن حسب مشتهياتهم ووفق رغباتهم، مما يضر بتفاهم الامم والشعوب ورسل الاديان، كما مرت الاشارة إليه في التقديم.
(7)
شبه القاديانية بالبهائية:
وللقاديانية شبه بالبهائية من حيث التكوين والتطوير فكلاهما من صنائع الاستعمار، فقد غذتهماالايادي الاجنبية التي كانت تعمل للتخريب في البلاد الاسلامية في القرن التاسع عشر، ولخلق الفتنة والاضطراب والهاء الشعوب بالخلافات الداخلية، وبديهي انهما لم تصلا الى ما هما عليه اليوم من قوة وسعة انتشار في العالمين الشرقي والغربي الا بدعم الاستعمار المادي والمعنوي، فقد كان وراءهما منذالخطوات الاولى.
والملاحظ ان الاستعمار كان ولا يزال يختار لتنفيذ خططه ودسائسه في بلاد الشرق بعض المتلبسين بلباس رجال الدين، امثال كعب الاحبار ووهب بن منبه في التاريخ القديم، وراسبوتين وابي الهدى الصيادي في التاريخ الحديث، ليسهل اختلاطهم بالعامة وسواد الناس، ويمكن دسهم عن طريق التوجيه والوعظ والتاليف الارشاد.
أما البابية فقد غرس بذرتها في ايران «كينيار دالكوركي » المترجم ثم الوزير المفوض في السفارة الروسية بطهران، فقد اعترف في مذكراته المطبوعة بالدور الذي لعبه في تاسيس هذه الفرقة بوحي من الحكومة القيصرية، وذلك لاشغال رجال الدين
المسلمين الذين كانوا على خلاف دائم مع الحكومة الروسية.
ولا ننسى شقيقتهما الثالثة «الماسونية » فهي أكبر منهما عمرا، لأنها ولدت في بداية القرن الثامن عشر،وقامت على أنقاض تنظيم يهودي يهدف الى السيطرة على العالم، ويدعو الى أممية لا علاقة لها بالأديان والأوطان والقوميات وكل القيم والمثل الأخلاقية العليا، حيث تسحق ذلك جميعا وتحل محله روح الالحاد والاباحية، لكنها اعلنت لها اهدافا خادعة هي:
«الحرية، والاخاء، والعدالة، والمساواة » لاغراءالناس وترغيبهم في الانتماء اليها.(38/103)
وهناك سؤال يشكل علامة استفهام كبيرة، وهو لماذا توجد في اسرائيل مراكز لكل من الماسونية والقاديانية والبهائية؟ وهل يعقل أن ذلك محض صدفة؟ والجواب بالطبع: لا. بل إن ذلك تخطيط مدروس، وعمل مقصود، وتنسيق مسبوق، فالكل يدور في فلك الاستعمار ويلتقي عند نقطة واحدة،يجب أن يفكر بها ويعمل لها من بيدهم الحل والعقد في العالم الاسلامي والعربي...
والحمد لله رب العالمين
================(38/104)
(38/105)
القاديانية ... عميلة الاستعمار
بقلم / الحافظ إحسان ظهير ( رحمه الله )
اجتمع قواد الاستعمار البريطانى وزعماؤه فى لندن ، وخططوا خطة ضد الإسلام من أخطر خططهم بعد تفكير عميق وبحث دقيق بأنه لا توجد فى قارات العالم قوة تجابههم غير الاسلام ، ولذا لا بد لتدعيم القوة الاستعمارية ، أن تشتت قوى الإسلام ، ولكن لا بمهاجمتها ، بل بانشاء فرق باطلة منهم ، تكون حاملة اسم الإسلام وفى الأصل تكون هادمة لأصوله ومبادئه ، وتمد هذه الفرق بكل الامكانيات من المساعدات المالية وغيرها لتعمل على حسابهم ، وتتجسس على المسلمين ، فنسجت يد الاستعمار على هذا المنوال نسجا جميلا محكماً وبالفعل أرسلت بعثات خاصة فى البلاد المستعمرة للبحث عن الظروف وعن الخونة لكى تشترى منهم ضمائرهم وإيمانهم ، وأحاسيسهم ومشاعرهم ، ففتشت هذه الفئات الخبيثة عن الخونة وأى قوم يخلو عن مثل هؤلاء وكان أشدهم خطراً عميل الاستعمار الانجليزى فى الهند ، غلام أحمد القاديانى ، وفى إيران ميرزا حسين على المعروف ببهاء الله ولكن الآخر كان أشجع وأحمق ، فأظهر العداوة والبغضاء ضد الإسلام والمسلمين واجترأ وقال :
أنه نسخ القرآن الكريم بكتابه المحشو من الأغلاط وأنه ناسخ لشريعة محمد ( عليه السلام ) - فكان خطره أقل ، ولكن الأول وهو القاديانى كان أمهر وأمكر ، ولذلك أخفى حقده وبغضه فظهر بمظهر التجديد مرة وبالمهداوية مرة أخرى ثم بعد ذلك قفز ووصل إلى النبوة وقال : أنه نبى مرسل ينزل عليه الوحى ولكنه ليس بنبى مستقل بل نبى متبع كهارون لموسى ، وحرف معانى القرآن وأولها بتأويل فاسد وروّج أفكاراً باطلة وأدى للاستعمار خدمات جليلة مع بقائه فى صفوف المسلمين لأنه ما كان يستطيع أن يخدمهم بخروجه عن الإسلام مثل ما استطاع وهو مظهر إسلامه ، فكان من أعظم خدماته لهم فتواه لا يجوز لمسلم أن يرفع السلاح فى وجه الانجليز لأن الجهاد قد رفع وأن الانجليز هم خلفاء الله فى الأرض فلا يجوز الخروج عليهم ، فسُرّ منه المستعمرون أيما سرور وقدموا له كل المساعدات من الحماية والمال وحتى أعطوه أناساً يتبعونه ويقلدونه ، فكان الرجل الذى ما رأى طوال حياته مائة جنيه يلعب بمئات الألوف يومياً والمسلم الذى كان موظفاً بسيطاً لا يأخذ أكثر من خمس جنيهات فى الشهر وينتقل بطلب المعاش من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية يبنى قصوراً شامخة ويركب عربات فخمة ويأخذ خدمه معاشاً أكثر مما كان يأخذ سيدهم ، فهذا كله كان من بركات الاستعمار البريطانى ، كما اعترف فى محضره الذى قدمه لملكة بريطانيا حينما زارت الهند ، فركز الاستعمار الجهود لتنمية هذه الشجرة وتربيتها ، وعرفوه إلى الناس ورفعوا منزلته فى كنفهم وشجعوه على الهجوم على المسلمين والإسلام ، وعلى أكابرهم وأئمتهم حتى تناول أعراض الأنبياء عليهم السلام ، وعرض سيد المرسلين ، كما تناول عرض أبنائه الحسن والحسين وعرض خلفائه ، وأصهاره ورحمائه ، أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وأصحابه البررة رضوان الله عليهم أجمعين فكفر جميع علماء الأمة وافتوا بوجوب قتله لادعائه النبوة ولاهانته الأنبياء وسبابه للمسلمين ولانكاره أسس الدين الإسلامى الحنيف ولكن سيده الاستعمار دافع عنه ، وحفظه من غيظ المسلمين وغضبهم ، فما استطاعوا أن يعملوا ضده أى شئ ، إلا أن علماء المسلمين ناظروه وناقشوه ، وأظهروا الحق وأبطلوا الباطل ، وكان أبرزهم العالم الجليل الشيخ ثناء الله الأمر تسرى الذى انتصر عليه غير مرة ، وأقام عليه الحجة وأخيراً دعاه إلى المباهلة بأن الكذاب يموت فى حياة الصادق بموت غير عادى ، ومرة أخرى ظهر الحق ، وبعد مدة قليلة من هذه المباهلة مات غلام أحمد القاديانى بموت يكره الإنسان مجرد ذكره كما سنذكره بالتفصيل .
ولكن وبالأسف الشديد أن هذه الفئة المرتدة ليس لها بالإسلام أية علاقة والإسلام برئ منها دخلت مرة أخرى فى صفوف المسلمين وأظهروا بأنهم يعتقدون كل ما يعتقده المسلمون وليس بينهم فرق إلا فى أشياء بسيطة فرعية ومرة أخرى ساعدهم سيدهم القديم بالمنشورات وغيرها فى أوروبا وأفريقيا وغيرها من بلاد العالم وكما نشرت لجنة مسيحية فى ضميمة خلف المنجد بأن القاديانية فرقة من فرق المسلمين سوى أنها تعتقد بعدم فرضية الجهاد على المسلمين .
فلذلك أردت أن أدرس هذا المذهب الجديد دراسة علمية واسعة وخاصة بعد ما لقيت بعض الاخوان من مختلف أنحاء العالم فى الكعبة المشرفة وأدهشنى بأنهم يجدون فى بلادهم أناساً يدعون إلى القاديانية بدعوى أن قائدهم مجدد هذه الأمة ومصلحها وهم لا يجدون شيئاً يُقاومونهم به ، وحينما يسألهم علماء القاديانية أسئلة فلا يستطيعون أن يُجيبوهم لعدم مطالعة كتبهم ولعدم المعرفة بمعتقداتهم الأصلية - فها أنا ذا أقدم أقدم أول نجم متعهداً بالله بأنى لا آلوا جهداً حتى أكشف النقاب عن حقيقة هذا المذهب وبالله التوفيق .(38/106)
ولد غلام أحمد فى قرية قاديان من إحدى قرى البنجاب فى سنة 1839م فى أسرة عميلة للاستعمار الانجليزى وكان أبوه واحداً من الذين خانوا المسلمين وتآمروا عليهم وساعدوا الاستعمار لطلب العز والجاه كما ذكر غلام أحمد بنفسه فى كتابه - تحفة قيصرية : - بأن أبى غلام مرتضى كان من الذين لهم روابط طيبة وعلاقات ودية مع الحكومة الانكليزية وكان له كرسى فى ديوان الحكومة وهو ساعد الحكومة حينما ثار عليها أهل وطنه ودينه الهنديون مساعدة طيبة فى سنة 1851م ( ثورة معروفة ضد الاستعمار ) بل مدها بخمسين جندياً وخمسين فرساً من عنده وخدم الحكومة العالية فوق طاقته - ( الكتاب المذكور ص 16 ) ففى مثل هذه الأسرة إن لم يولد غلام أحمد ، فمن يولد غيره ؟؟ فولد وحينما بلغ الرشد درس بعض الكتب الأردية والعربية على يد أساتذة غير معروفين وقرأ شيئاً من القانون ثم توظف فى بلدة سيالكوت من إحدى بلاد باكستان الآن بخمسة عشر روبية شهرياً وكان رجلا بليداً (( حتى قيل له أن يأتى بالسكر من البيت فبدل أن يأتى بالسكر جاء بالملح ومن فرط بلاهته وسفاهته بدأ يأكله فى الطريق ولما وصل الملح إلى الحلقوم غُص به ودمعت عيناه )) ( سيرة المهدى لابنه بشير أحمد ) .
وكان جبانا وما دخل فى المنازلات والمصارعات مع أنه ما كان أحد آنذاك من أبناء الشرفاء إلا وتعلم الفنون العسكرية ، ولذلك حينما أراد مرة أن يذبح فروجا قطع إصبعه وسال منها الدم فقام مستغفراً تائبا لأنه طوال حياته ما ذبح حيواناً ولا طائراً . ( سيرة المهدى ج2 ص 4 ) .
وشب وترعرع فى بلهه وجبنه فكان من لوازم هذا ألا يشب وينشأ إلا ويكون مريضاَ ، وبالفعل أُصيب بمرض المراق شبه الجنون ، كما أُصيب بأمراض مختلفة أخرى ونشر مرة فى كجلة قاديانية - ريويو قاديلن - : - (( إن مرض مراق ما كان موروثاً لحضرة سيدنا بل كان لأسباب خارجية يعنى أنه ما كان أحد مبتلى بهذا المرض فى أسرة غلام أحمد قبله وهو الذى ابتلى به وظهر أثره بسبب ضعف الدماغ )) ( عدد أغسطس 1936م ) .
فثبت بأنه كان مريضاً بمرض المراق وأيضاً كان كثير من أسرته مصابين بهذا المرض ومنهم ابن خاله ، وابنته ، وحتى زوجته ، كما ذكر ابنه فى سيرته وذكره هو بنفسه (( أن زوجتى مريضة بمرض المراق وهذه هى تمشى معى أحياناً للتنزه والتفرج كما أوصى الأطباء )) .
فالآن نحن نبحث عن مرض المراق ما هو؟؟ لأن له علاقة بموضوعنا هذا ، فقد تبين الحكيم الرئيس أبو على سينا فى كتابه ( القانون ) ما هو ( المراق ) وقال : إن المراق مرض تتغير فيه الأخيلة والأفكار ، لأجل الخوف والفساد وتتوحش روح الذهن باطناً ويصير المريض مشوشاً لظلمة هذا المرض .
وقال العلامة برهان الدين فى شرح الأسباب والعلامات لأمراض الرأس : أن المراق مرض تتغير فيه الأخيلة والأفكار الطبيعية إلى غير الطبيعية وحتى يصل إلى هذا الحد فإن المريض يظن أنه عالم الغيب وبعضهم يظنون أنهم ملائكة .
فشب هذا المراقىّ المجنون فى أوهام وأخيلة وادعى بأنه مجدد ، ثم بأنه يُلهم أسرار الملكوت فاستغله ربيبه الاستعمار ووضع على رأسه تاج النبوة فكان هذا المتنبى نبيهم هم ، وهم آلهته كما اعترف بنفسه : أنى رأيت ملكاً فى صورة شاب انكليزى ما تجاوز عمره من عشرين سنة وهو جالس على كرسى وأمامه منضدة فقلت له أنك جميل جداً فقال : أى نعم ( تذكرة وحى المقدس ص 31 ) ثم أُلهم فى الانكليزية ( ..... ) يعنى أنا أحبك و ( .....) وأنا معك ( ......) وأنا أساعدك - ويُذكر بأنه ارتجف بعد ذلك جسمى وأُلهمت فى الانكليزية ( ......... ) نحن نستطيع أن نفعل ما نُريد ، ففهمت من التلفظ واللهجة كأنه انكليزى يتكلم عند رأسى ( براهين أحمدى تأليف غلام القاديانى ) وكيف وقد صدق وعده ونصر عبده فكان واجب عليه يشكرهم وخاصة حينما أرسل الله الملكة المعظمة قيصرة الهند سلمها الله تفضلت وتجلت فى بيته للتسلية والتشجيع كما يرويه بنفسه : رأيت فى الكشف أن الملكة المعظمة ( قيصرة الهند ) سلمها الله تجلت وتفضلت فى بيتنا فقلت لأحد من أصحابى أن الملكة المعظمة شرفتنا فى بيتنا فلابد لنا أن نشكرها ( مكاشفات الغلام للمنظور القاديانى ص 17 ) .(38/107)
وبالفعل أدى واجبه بولائه للاستعمار وإعلان وفائه له ، وتجسسه على المسلمين وحتى حينما كتب أحد الخبثاء المستعمرين كتابا تناول فيه أعراض أمهات المؤمنين وهجم على ناموس الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام ، ثار المسلمون فى الهند وقامت المظاهرات العنيفة ورفعوا استنكارهم وغضبهم إلى الحكومة على هذا الكتاب ففى مثل هذا ، بدل أن يشتركهم ، بدأ يهجم على المسلمين لأنه لا حق لهم أن يقوموا بمثل هذه المظاهرات والثورات ضد حكومة بريطانيا العظمى التى هى ظل الله فى الأرض وكتب مرة فى إحدى مؤلفاته بعد أن شُن عليه الهجوم لمناصرته وموافقته للاستعمار بل لدعايته لهم وتجسسه على المسلمين فكتب ((نحن نتحمل كل البلايا لأجل حكومتنا المحسنة وسنتحمل أيضا فى المستقبل لأنه واجب علينا أن نشكرها لاحسانها ومنتها علينا ، ولا شك نحن فداء ، بأرواحنا وأموالنا للحكومة الانكليزية ، ودوما ندعو لعلوها ومجدها سرا وعلانية )) ( آرية دهرم ص 79 و80 للغلام ) .
وليت شعرى أمثل هذا يدعى النبوة والتجديد الذى يقبل إهانة رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ بل يمدح من أهانوه ، ويهجم على الذين يفدون بأرواحهم وأجسادهم ناموس الرسول وعظمته ويحرض أتباعه ومريديه على أن يستعدوا بتضحيات المال والنفس لرب الأرباب الاستعمار الانكليزى لأن دينه يعلمه أن يطاع الله وتُطاع الحكومة التى أمكنت البلاد وحفظتهم تحت ظلها من أيدى الظالمين ( يعنى المسلمين ) وهذه الحكومة ليست إلا حكومة بريطانية ، ( وأكثر من هذا ) فإن عصينا الحكومة فقد عصينا الاسلام وعصينا الله ورسوله ( بلفظة خطاب الغلام المندرج فى رسالته لائق أن تلتفت إليه الحكومة ) وقال فى كتابه ( ضرورة الإمام ص 23 ) ( وفى رسالته تحفة قيصرية ص 27 ) : أنا أشكر الله عز وجل أنه أظلنى تحت ظل رحمة بريطانية التى أستطيع تحت ظلها أن أن أعمل وأعظ فواجب على رعية هذه الحكومة المحسنة أن تشكر لها وخصوصا علىّ أن أبدى لها الشكر الجزيل لأنى ما كنت أستطيع أن أنجح فى مقاصدى العليا تحت ظل أية حكومة أخرى سوى حكومة حضرة قيصر الهند ))
وقال : لعنة الله على من لا يريد أن يكون تحت أمر الأمير مع أن الله قال أطيعوا الله والرسولل وأولى الأمر ، فالمراد من أولى الأمر هاهنا هو الملك المعظم ولذا أنا أنصح مريدى وأشياعى بأن يدخلوا الانكليز فى أولى الأمر ويطيعونه من صميم قلوبهم و ( بلفظه ) : وكيف لا يُطيعون وهم وأبناؤهم وصنيعة أيديهم وثمرة غرستهم .
ويعرف باحث تاريخ الهند أن الاستعمار حينما رأى أن شجرته التى غرسها قد أينعت ، قد أغدقت بالنعم فأعطى للقاديانيين مراعاة خاصة سواء فى الوظائف وأرسل طلبة القاديانيين إلى أوربا للتعليم والتدريس وأعطوا حقوقاً خاصة فى كل ميادين العمل فى التجارة والزراعة والحرفة وغيرها ، كما أن الحكومة الانكليزية تولت نشر أفكار هذه الفئة لأنها كلها كانت على حسابها وفى مصلحتها وقع كثير من جهلة ضعفاء المسلمين فى شبكة هؤلاء بالاغراء والتحريض لأنهم كانوا يرون فى دخولهم القاديانية مصالح دنيوية ، وفعلاً حصلوا عليها ، وبدأت هذه الفئة المرتدة فى النشاط والانتشار ونشروا كتباً ورسائل محاولين ابعاد المسلمين عن الإسلام وتقريباً لهم إلى عبودية بريطانيا العظمى ، ودوماً كان يحفظهم مربيهم الاستعمار من غيظ المسلمين وغضبهم ، وحينما تغافل عنهم أحد حكام الاستعمار قدمت ضده الشكاوى ، ورُفع الاحتجاج بأن فلاناً يُساوى بيننا وبين فئات أخرى - وعلى الفور ورد إليه الانذار والتنبيه - كما أن الغلام القاديانى قدم بنفسه عريضة لنائب الملك فى الهند بأسلوب واللفظ لا تليق بأى رجل غيور ، وأين نبى الله ، وهذا نصه : (( العريضة التى أعرضها إلى حضرتكم مع أسماء أتباعى ليس المقصود منها إلا أن تلاحظوا الخدمات الجليلة التى أديت أنا وآبائى فى سبيلكم وكما ألتمس وأرجو من الدولة العالية أن تراعى الأسرة التى أثبتت بكمال وفائها وإخلاصها طوال خمسين سنة بأنها من أخلص المخلصين للحكومة والتى أقر وأعترف بولائها أكابر أمراء الحكومة العظمى وحكامها وكتبوا لها وثائق وشهادات على أن هذه الأسرة ، أسرة خدام ، وأسرة مخلصة ، فلذا أرجو منكم أن تكتبوا للحكام الصغار برعاية هذه الشجرة وحفظها التى ما غرسها إلا أنتم كما أرجو أن ينظروا إلى أتباعى بنظرة خاصة ودية لأننا ما تأخرنا أبداً من التضحيات فى سبيلكم لا بالنفوس ولا بالدماء كما لا نتأخر بعد ذلك فلأجل هذه الخدمات الجليلة نحن نستحق أن نطلب من الحكومة العظيمة المد والعون لكى لا يجرأ أحد علينا ( عريضة غلام أحمد لنائب أمير الهند المندرجة فى كتاب تبليغ رسالة ج7 لقاسم القاديانى ) .
ومرة أخرى ذكر خدماتها الجليلة وقال : إنى ملأت المكاتب من الكتب التى كتبتها فى مدح الانكليز وخاصة وضع الجهاد الذى يعتقده كثير من المسلمين وهذه خدمة كبيرة للحكومة فأرجو أن أجزى بها جزاء حسنا ))(38/108)
وبالفعل أن هذه الخدمة كانت من أكبر الخدمات ، لأن الاستعمار مسيحياً كان أو غير مسيحى لا يخاف مثل ما يخاف من عقيدة الجهاد فى المسلمين ، فجوزى وأى جزاء أكبر من هذا بأن الرجل المريض بمرض المراق والفقير الذى ما كان عنده قوت يوم ، يتربع على عرش النبوة وتجرى حوله النذور ويسعى إليه الأنام وتسانده أكبر دولة فى العالم آنذاك ، فكان من لوازم هذا أن يزداد جنونه ، فزاد وبلغ إلى ذروته كما نحن نذكره إن شاء الله فى مقال خاص - ونضيف إلى هذا البحث اعتراف ابن الغلام ، خليفته الثانى بأن القاديانية ليست إلا وليدة للاستعمار فيقول : (( إن للحكومة البريطانية علينا إحسانات كثيرة بكل اطمئنان وراحة ، ونتم مقاصدنا ... ونذهب إلى بلاد أخرى للتبليغ والحكومة البريطانية تساعدنا أيضا هناك وهذا من كمال منه وإحسانه علينا ( بركات الخلافة ص 65 ) .
ولأجل ذلك كان الغلام يحرص دائماً أن يوجه مريديه لوفاء الاستعمار وولائه ، ولا هذا فحسب بل بالتضحيات فى سبيله وأن يكونوا دعاة عاملين ، ويركزوا فى قلوب الناس بأنها لا توجد فى العالم حكومة أعدل من هذه الحكومة ولا أحسن منها فيكون لهذه الدعوة أثر بليغ فى النفوس لأنه حينما يسمع هذا الكلام تكراراً أو مراراً يرسخ فيها حب واحترام هذه الحكومة المحسنة وهذا لا يكون مقتصراً على الهند فقط بل أينما يذهب أحد منا فى بلاد أخرى لأن مفادنا واحد وهدفنا واحد ( وهو هدم الكيان الإسلامى ومحو الدين القيم ) وحينما تسمع بلدان أخرى عدالتها تشتهى أن تصل إليها أقدام هذه الحكومة الميمونة .
وبالفعل كانت الأهداف والأغراض واحدة كما يخبر ويشهد مبشر قاديانى بعد رجوعه من روسيا سنة 1923م فقال : إنى أُعتقلت مرات بتهمة الجاسوسية للانكليز ، ويقول مفتخراً ، أنا ما ذهبت إلى روسيا إلا لتبليغ القاديانية ولكن بما أن مفادات القاديانية وأهدافها متعلقة بأغراض وأهداف حكومة بريطانيا كنت مضطراً بأن أخدم الحكومة وأؤدى واجبها علىّ ( مكتوب محمد أمين مبلغ القاديانية المنشور فى جريدة الفضل القاديانية 28 سبتمبر سنة 1923م ) .
وهكذا وهلم جرا ونزلت هذه الفئة الخبيثة فى الدرك الأسفل من الذلة والهوان حتى أظهروا سرورهم وابتهاجهم بسقوط دول الإسلام والمسلمين تلو الأخرى بيد الاستعمار واحتفلوا بحفلات عامة كبيرة وأرسلوا مبالغ ضخمة لشراء آلات الحرب ليُذبح المسلمون وحينما دخل الجيش الانكليزى العراق ألقى ابن الغلام وخليفته خطاباً فى حفلة أقيمت لهذ المناسبة وقال : إن علماء المسلمين يتهموننا بتعاوننا مع الانكليز ويطعنوننا على ابتهاجنا على فتوحاته فنحن نسأل لماذا لا نفرح ؟ ولماذا لا نسر ؟ وقد قال إمامنا بأنى أنا مهدى وحكومة بريطانيا سيفى ، فنحن نبتهج بهذا الفتح ونريد أن نرى لمعان هذا السيف وبرقه فى العراق وفى الشام ، وفى كل مكان ، ويقول : أن الله أنزل ملائكته لتأييد هذه الحكومة ومساعدتها ( جريدة الفضل المؤرخة 7 ديسمبر 1918م ) .
ويقول : (( أن مئات القاديانيين تجندوا فى جيش الانكليز لفتح العراق وأراقوا دمائهم ( النجسة ) فى سبيله ( الفضل 31 أغسطس 1922م ) .
وهكذا أظهر سروره أيضاً حينما دخل عساكر الاستعمار فى القدس وكتب مقالاً بتأييد الاستعمار حتى شكره سكرتير رئيس الوزراء البريطانى على هذا ، وعلى سقوط دولة العثمانيين وقد نشرت جريدة الفضل :
(( نحن نشكر الله ألف وألف مرة على فتوحات بريطانيا ، وأنها السبب الابتهاج والسرور لأن إمامنا ( أى الغلام القاديانى ) كان يدعو لفتوحاتها وكان يوصى جماعته بالدعاء لها وأيضاً فتحت لنا أبواب الدعوة إلى القاديانية والتى كانت مسدودة قبل الآن ، وهذا كله امتداد دولة بريطانيا إلى بلدان أخرى ( الفضل 23 نوفمبر 1918م ) .
وهكذا أنشأ الاستعمار هذه الفئة لمقاصدها الرذيلة ، وأهدافها الخبيثة والتفريق بين المسلمين والتجسس عليهم ولذلك منعت حكومة المانيا وزراءها من أن يحضروا حفلة هؤلاء بتهمة أنهم عملاء الانكليز ( الفضل 1 نوفمبر 1934م ) .
وأيضاً حينما وصل اثنان من هذه الفئة إلى أفغانستان وكان آنذاك حرب بين الانكليز والأفغان قتلتهما حكومة أفغانستان بتهمة تجسسهما للاستعمار وأعلن وزير الداخلية الأفغانية بأنه وجدت عندهما وثائق ومكاتيب تثبت بأنهما عملاء لعدونا ، ولكن بالعكس من ذلك افتخر الخليفة القاديانى بجريمتهما وقال :
(( لو سكت رجالنا فى أفغانستان وما أظهروا عقيدتنا فى الجهاد لما كان عليهم شئ ولكنهم ما استطاعوا أن يكتموا حُبهم ومودتهم لحكومة بريطانيا التى حملوها من عندنا فلذلك لقوا حتفهم . ( خطبة الجمعة لابن الغلام المنشور فى الفضل 16 أغسطس 1935م ) .
وهذا مما لا يخفى على أحد بأن الاستعمار دائماً يستغل اسم الدين واسم التبشير للتجسس كما بينه بالتفصيل الدكتور (( عمر فروخ )) فى كتابه (( التبشير والاستعمار )) وكما نحن ذكرنا .
والآن والاستعمار يستغلهم أيضاً فى أفريقيا لتدعيم قوته وتحقيق مصالحه وفى الشرق الأوسط لتشكيك فى عقائدهم وتشويه الإسلام وللتجسس أيضاً وهم يعملون لحسابهم وبمساعدتهم ولكن باسم الإسلام .(38/109)
وأخيراً ننقل ما نشرته لسان القاديانية (( الفضل )) ، أن حكومة بريطانيا هى ترس لنا نتقدم إلى الأمام وإلى الأمام تحت وقاية هذا الترس الذى لو أبعد لمزقنا من الرماية فانحدرنا وصار رقيها وعلوها رقيتنا وعلونا ، ودمارها دمارنا ( الفضل 19 أكتوبر 1915م ) .
وهذه هى حقيقة هذه الفئة المرتدة التى باعت ضميرها للاستعمار ، وخدمها بكل الإمكانيات ولا تزال تخدمها ..
(( ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
==============(38/110)
(38/111)
روائح قاديانية
كثيراً ما يعاني من ابتلي بقراءة كتابات الميرزا القادياني أو سيرته من أعراض القرف المزمن، و أنا لا أعني فقط القرف من ترّهات الميرزا و افترائه الإجرامي على الله سبحانه بل أعني القرف الذي تسببه تعبيرات و قصص الميرزا المقززة التي لا يخجل بعض عبيد يلاش (إله الميرزا) من تسميتها بالروائع و بالحكم التي عجز خصوم الميرزا عن فهم دقائقها و روعتها!
سأقوم هنا بتسليط الضوء على بعض تلك الروائع أو الروائح القاديانية و أنا أعتذر مسبقاً عن القرف الذي قد تسببه هكذا أمثلة و إن كنت أعتقد بأن كتابات الميرزا عموماً تصلح كوصفة مفيدة لمن يجد صعوبة في الإلتزام بحميته الغذائية.
رأسه في المرحاض
لنتدبر هذه الخزينة الروحانية الرائعة التي احتواها الوحي القادياني التالي:
"لولا فضل الله و رحمته عليّ لألقي رأسي في هذا الكنيف (المرحاض)" - كتاب الوحي القادياني تذكرة ص338. و هذا غيض من فيض وحي بني قاديان.
بيعة منظف المراحيض
كتب ابن الغلام في كتابه "سيرة المهدي" ما يلي:
((أخبرني ميان عبد الله سنوري قائلاً: عندما لم يكن حضرة - ميرزا غلام - قد بدأ بأخذ البيعة من أتباعه طلبت منه مرة أن يقبل بيعتي له فأجاب: "إن عمل الذي يأخذ البيعة شبيه بعمل منظف المراحيض الذي ينظف قذارة أتباعه بيديه، لذلك فإنني لا أرغب في عمل كهذا")) - سيرة المهدي، الجزء الأول، رواية رقم 111 صفحة 100.
و بالمناسبة فقد بدأ الميرزا بعد ذلك بممارسة مهنة تنظيف المراحيض بيديه إستعارياً حيث قام بأخذ البيعة من بني قاديان سنة 1889م. يا ترى هل تدبر القاديانيون الحاليون هذه المعاني الراقية عندما بايعوا المنظف المجازي الحالي لمراحيض لندن؟
ساكن المرحاض
يقول الميرزا: ((أثناء مرضي بالسكري كنت أحياناً أتبول مائة مرة في اليوم و بعد أن دعوت جاءني هذا الإلهام: "و الموت إذا عسعس")) - كتاب الوحي القادياني تذكرة ص382.
أخلاق المرحاض الساخن
يقول بشير أحمد ابن الغلام في كتابه "سيرة المهدي" ما يلي:
((كان حضرته - ميرزا غلام - لا يستعمل للإستنجاء إلا الماء الدافيء، و في أحد الأيام طلب من إحدى الخادمات أن تضع له الماء الدافيء في المرحاض للإستنجاء، فأخطأت الخادمة ووضعت ماءاً ساخناً جداً في إبريق الإستنجاء ووضعته في المرحاض. و لما فرغ حضرته خرج من المرحاض قائلاً "من وضع هذا الإبريق في المرحاض؟"، قيل له الخادمة التي أمرتها بذلك، قال: فأحضروها هنا. و لما حضرت قال: مدي يديك. و لما فعلت سكب عليها ما تبقى من الماء الساخن حتى تشعر بالخطأ الذي قامت به. فماء الإستنجاء يجب أن لا يكون ساخناً جداً)) - "سيرة المهدي" ص243 رواية رقم 847. أنظر الوثيقة على الرابط التالي:
غرفة موته مرحاض طواريء
أثناء وصفها للحظات الأخيرة من حياة الميرزا غلام تحدثت زوجة الميرزا عن مرحاض الطواريء الذي أعدته للميرزا بجانب سرير الموت، حيث قالت نصرة جيهان ما يلي: ((بعد فترة قصيرة انتابته نوبة أخرى لكن هذه المرة كان ضعفه شديد جداً بحيث لم يستطع الذهاب إلى الحمام. فقمت بالترتيبات قرب السرير حيث جلس هو هناك لقضاء حاجته، ثم نهض و استلقى على السرير ثم قمت بتدليك قدميه. لكن ضعفه كان شديداً جداً، و بعد ذلك أصابته نوبة أخرى ثم استقاء. و بعد أن انتهى من القيء حاول أن يستلقي لكن ضعفه هذه المرة كان أكثر بحيث لم تحمله يداه فانقلب على ظهره و ضرب رأسه بخشب السرير")) - كتاب سيرة المهدي الجزء الأول ص11.
لا يفرّق بين لذة الصلاة و لذة الجماع الجنسي
على ما يبدو فإن الميرزا كان يستمتع بلذة الخشوع في الصلاة و قد يكون هذا هو سبب جمعه للصلوات بشكل متواصل لمدة أشهر عديدة! وعندما أراد الميرزا أن يصف لذة خشوعه في الصلاة قام بربطها بذروة الهياج الجنسي عند الجماع. طبعاً هذا الربط بليغ جداً لكن لن يستمتع بمعانيه الراقية إلا عبيد يلاش. يقول الميرزا في براهينه الأحمدية:
((إن هاتين الحالتين -حالة الخشوع في الصلاة و لحظة إنزال المني عند هياج الجماع الجنسي - مذكورتان في كتاب الله و ستتوفران أيضاً في اليوم الآخر، وهذه اللذات لن تكون متوفرة فقط بل لا يمكن وصفها. فالرجل في العالم الآخر عندما يمارس الجنس مع زوجته لن يستطيع أن يميز إن كان مشغولاً بالجماع مع زوجته أم أنه مشغول بالصلاة الخاشعة لربه. أما بالنسبة للأشخاص الربانيين فإنهم يجربون نفس هذا الشعور في هذه الحياة الدنيا)) - ضميمة براهين أحمدية الجزء الخامس ص196 و ص197.
دم الدورة الشهرية لمهدي القاديانية
هذا الوحي القادياني يشير إلى تحول الميرزا الإستعاري إلى امرأة لمدة سنتين:
((يريدون أن يروا طمثك و الله يريد أن يريك إنعاماته، الإنعامات المتواترة، أنت مني بمنزلة أولادي)) - كتاب الوحي القادياني تذكرة ص399.
طلق الولادة لمهدي القاديانية الحامل (إستعارياً)
أما هذا الوحي فيصف أوجاع طلق الولادة التي عاناها الميرزا عندما تحوّل استعارياً من ذكر إلى امرأة حامل و قام بولادة نفسه ذاتياً:(38/112)
((فأجاءه المخاض إلى جذع النخلة قال يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسياً منسياً)) - كتاب الوحي القادياني تذكرة ص71
رائحة الخليفة القادياني الأول
كتب بشير أحمد ابن الميرزا غلام أحمد القادياني في كتابه "سيرة المهدي" القصة التالية التي رواها أخوه محمود أحمد ألخليفة القادياني الثاني:
(( أخبرني الخليفة الثاني للمسيح قائلاً: خلال حياة حضرة المسيح الموعود - الميرزا غلام - فإنني كنت أدرس عند الخليفة الأول "نور الدين". و في أحد الأيام حين كنت في البيت سألني المسيح الموعود : "ما الذي تدرسه مع المولوي نور الدين؟". فأجبته بأنه يدرسي صحيح البخاري، و هنا ضحك - الميرزا غلام - و طلب مني أن أسأل مدرسي إن كان هناك ذكر للإغتسال في صحيح البخاري.
و سبب سؤاله ذاك هو أن مدرسي لم يكن يهتم بالإغتسال أو النظافة أو ترتيب الثياب. و قد أراد المسيح - الميرزا غلام - أن يلفت انتباهه إلى أهمية النظافة )) - كتاب سيرة المهدي الجزء الثاني ص20 رواية رقم 327.
كانت هذه نفحة من نفحات المعاني السامية و اللطائف القاديانية التي تحتويها كتابات الميرزا و وحيه المدعى و سيرته الرائعة. فتدبروا يا عبيد يلاش.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
================(38/113)
(38/114)
حوار مع العضو غالى متبع القاديانية حول معنى ختم النبوة
يقول الزميل غالى الذى يتبع القاديانية إن هناك معنى غير ما نعرفه ويعرفه الناطقون بالعربية منذ عهد الصحابة الكرام وحتى الآن لقوله تعالى ((ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شىء عليما )) وأنها لا تنفى أن يكون هناك نبى آخر بعد صلى الله عليه وسلم ونريد منه أن يوضح ذلك بما يتفق مع قواعد التفسير ولغة العرب لا بالدجل والشعوذة الفكرية .
طبعا هو يأخذ من الأحاديث ما يحلو له ويرفض الباقى لا لشىء سوى أنه يتعارض مع عقيدتته التى لم تثبت أصلا وعليه فسوف يرفض كل حديث أتى بهذا المعنى كقوله "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي" وقوله : "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، قيل وما المبشرات يا رسول الله؟،قال الرؤية الصالحة" والحديثان فى البخارى .
لن يجد أدنى صعوبة فى إنكار الأحاديث وانتقاء ما يحلو له منها لذلك سنركز فقط على الآية الكريمة نريد منه أن يثبت لنا إثباتا قاطعا لا شائبة فيه أن ((خاتم النبيين)) لا تنفى أن يكون هناك نبى بعد صلى الله عليه وسلم وإلا فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويرجع عن غيه ولا يهلك نفسه باتباع الكذابين المارقين مدعى النبوة حتى لا يكون حاله كحال أتباع مسيلمة والأسود العنسى وسجاح ومن على شاكلتهم ممن خسر الدنيا والآخرة .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتم النبيين
أما بعد
اقتباس:
الزميل أبو مريم
أولاً اخترت عنواناً عنصرياً لموضوعك مع علمك السابق أنني لست قاديانياً ولا أحب أن أوصف بهذا الوصف.. وبما أنك تدعي أنك مسلم سني فيا حبذا لو تتحلى بأخلاق الرسول الأعظم محمد وتنادي الناس كما يحبوا...
الزميل غالى
أولا لا أرى فى موضوعى أى نوع من أنواع العنصرية فلا عنصرية فى موضوعى ولا موضوعى فى العنصرية إلا إذا كنت لا تعرف معنى العنصرية وتلقى بالكلم على عواهنة .
إننى وصفتك بمتبع القاديانية ولم اصفك بشىء آخر فهل تتبع ما يعرف بمذهب القاديانية أم تتنكر له وترفضه وتأباه ؟
ومن ناحية أخرى فقد نبهتك إلى أننى لا أقبل أن نقسم المسلمين إلى مسلم سنى ومسلم شيعى ومسلم قاديانى أو بهائى أو أحمدى لعدة أسباب منها أننا لا نقر بإسلامكم ومنها أن الأساس الذى قامت عليه القسمة إلى سنى وشيعى وخارجى لا يمكن أن ندخل به قسما آخر على أسس أخرى كالبهائية أو البابية لأن هؤلاء ليس ما يفرقهم عن السنة والشيعة والخوارج أسباب تاريخية أو سياسية أو تعظيم للصحابة وما شابه ذلك مما قامت عليه القسمة إلى سنى وشيعى وخارجى بل يخرجون عنهم بشىء آخر تماما فهم يدعون أن هناك نبيا آخر غير صلى الله عليه وسلم جاء بعده مرسل من عند الله تعالى يوحى إليه ونحن نقول إن ذلك كفر بواح وليس هذا الرجل سوى كذاب ودجال .
يعنى لا أقبل أن تسمينى إلا مسلما فقط وليس مسلما سنيا إن كان غرضك من ذلك تقسيم الإسلام إلى فرق تضع نفسك ضمنها وتحتفظ لنفسك فيها بنسبة للإسلام لأنك بذلك تصادر على الخصم وتغالط فى الأسماء والتقسيمات .
اقتباس:
ثانياً تقول أن كلمة (خاتم) لها معنى واحد منذ عهد الصحابة إلى اليوم وهذا خطأ فاحش وسوف أوضح الخطأ مدعوماً بالأدلة من اللغة العربية ومن سياق الآية التي وردت فيها جملة (خاتم النبيين)...
فى هذا السياق لها معنى محدد متفق عليه وليس هناك خطأ فضلا عن أن يكون خطأ فاحشا وقد أجمع الصحابة على كفران مدعى النبوة بعد صلى الله عليه وسلم استنادا لتلك الآية .
طبعا عليك أن تبين أن تلك الكلمة فى ذلك الموضوع لا تعنى ختم النبوة بل تعنى معنى آخر استنادا للغة العرب ودعك من التكلفات والرعونات كالقول بان ((خاتم))هنا بمعنى الحلى والزينة وما إلى ذلك من تراهات لأننى فى هذا الحالة سأتعامل مع كلامك بما يليق به ، كما أرجو أن تكف عن التهويلات والتهويشات .
اقتباس:
ثالثاً.. استبقت الأمور باتهامك لي بأنني سوف أكذب أي حديث تطرحه باعتباره يتعارض مع ما أؤمن به.. وأقول لك بأن هذا ما تعتقده أنت أو ما تريد أن تعتقده.. وسوف أرد على هذه الأحاديث بالتفصيل...
ثالثا سأذكر لك أحاديث تكذب ما أنت عليه لنرى هل تقبلها أم ترفضها فإن رفضتها فقد صدق كلامى ، وإن قبلتها فعليك بترك مذهبك أو أوضح لى كيف تتفق مع مذهبك وتتعارض مع ما يقول به المسلمون :
سبق وذكرت لك حديثين وهما قل صلى الله عليه وسلم : "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي" وقوله : "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، قيل وما المبشرات يا رسول الله؟،قال الرؤية الصالحة" .
فى صحيح البخارى أيضا عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن مثلى ومثلى الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ، ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة . قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " وفى رواية عن جابر - رضى الله عنه : فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء "(38/115)
وروى الإمام أحمد بسنده إلى أبى الطفيل : أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : لا نبوة بعدى إلا المبشرات . قالوا : وما المبشرات يارسول الله ؟ قال : الرؤيا الحسنة أو قال الرؤيا الصالحة "
والواقع أن الأحاديث فى هذا المعنى قد بلغت حد التواتر فيلزم من ادعى الإسلام أن يقر بها وإلا فليس بمسلم .
اقتباس:
رابعاً.. تقول بأنه لو لم استطع اثبات أن النبوة لم تنقطع فعلي أن أتوب... لكن ماذا لو أثبت لكم بأن النبوة لم ولن تنقطع فهل ستؤمن أنت برسالة المسيح الموعود؟؟؟؟
سوف أبدأ بالرد غداً بإذن الله
أريد أن تثبت أن محمدا r ليس خاتم النبيين هذه أولا وإلا فعليك أن تتوب إلى الله تعالى وتقلع عن غيك
اقتباس:
لكن ماذا لو أثبت لكم بأن النبوة لم ولن تنقطع فهل ستؤمن أنت برسالة المسيح الموعود؟؟؟؟
مسيح موعود ؟!! دعك من أسلوب الكهان هذا فنحن فى حوار علمى ..
عموما من الناحية المنطقية لا يكفى أن تثبت لى أن محمدا عليه الصلاة والسلام ليس هو خاتم النبيين حتى أومن بأن شخصا ما بعينه هو نبى مرسل من عند الله تعالى على فرض أنك تستطيع أن تثبت شيئا من ذلك بل سيبقى أمامك طريق آخر وإن كنت أعتقد أن صورة صاحبك ناهيك عن سيرته وعلاقاته تغنى عن الخوض فى تلك المسائل .
لنكتفى الآن بموضوع الرابط ودعك من التهويلات .
والسلام على من اتبع الهدى .
أود أن أنبه غلى ضرورة دمج الموضوع الآخر (( الرد على موقع القاديانية )) منعا للتشتيت والتكراربعد أن نجح الأخ المراقب الفنى فى استعادة هذا الرابط وجزاكم الله خيرا .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده .
أما بعد قال تعالى :
((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) [الأنعام/93]))
الزميل غالى لسنا شاكين فى ديننا كآل فرعون حتى تستشهد علينا بقوله تعالى ((وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) غافر)) بل أنتم من تشكون بدليل تحريفكم وخروجكم عن الدين واتباعكم الأباطيل كما أن يوسف عليه السلام لم يكن خاتم النبيين ولم يوحى إليه أنه خاتم النبيين فكان قولهم لن يبعث الله من بعده رسولا كبر وتجبر وسوء ظن بالله تعالى استحقوا عليه الطبع على القلوب ومعلوم أنه لا بد من نبى يكون هو آخر الانبياء لأن النبوة وغيرها لا بد وأن تنقطع وأنه لا يوجد خير من محمد صل الله عليه وسلم حتى يكون آخر الأنبياء وتكون رسالته هى الرسالة الخاتمة بين يدى الساعة وللناس كافة .
إن أول ما يتبادر إلى ذهن المسلم حين يسمع عن مدع للنبوة وسط المسلمين يقر بنبوة صلى الله عليه وسلم أن يواجهه بأدلة ختم النبوة ، والأمر الطبيعى أن يلجأ هذا المدعى إلى تأويل تلك الأدلة وصرفها عن معناها فيقول على سبيل المثال إنها دلالة على ختم النبوة وليس هناك دليل على ختم الرسالة، أو إن ((ختم)) لها معنى آخر وأن ((بعد)) ليست بظرف زمان ولا تدل على البعدية الزمانية ،أو أن يطعن فى الأسانيد مباشرة فيدعى أن القرآن قد اصابه التحريف وأن الأحاديث موضوعة وما إلى ذلك .. لكن القاديانى حين يبدأ إنما يبدا بالمغالطة فيحاول أن يدفع عن نفسه التهمة بالرد على تهمة أخرى لا علاقة بينتها وبين ما يتهم به وكأنه بذلك قد فعل شيئا يستحق أن يوصف بأنه استدلال ، يقول القاديانى :
اقتباس:(38/116)
"تذكروا هنا جيدا أن التهمة التي تُلصَق بي وبجماعتي أننا لا نؤمن بكون رسول ا صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيين، إنما هي افتراء عظيم علينا. إن القوة واليقين والمعرفة والبصيرة التي نؤمن ونتيقن بها بكون صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، لا يؤمن الآخرون بجزء واحد من المائة ألف جزء منها، لأن ذلك ليس بوسعهم. إنهم لا يفهمون الحقيقة والسر الكامن في مفهوم ختم النبوة لخاتم النبيين. لقد سمعوا هذه الكلمة من الآباء والأجداد ولا يعرفون حقيقتها ولا يعرفون ما هو ختم النبوة وما هو المراد من الإيمان به. ولكننا نؤمن بكون صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بالبصيرة التامة التي يعلمها الله. لقد كشف الله تعالى علينا حقيقة ختم النبوة بحيث نجد من شراب المعرفة الذي سُقينا إياه لذةً لا يتصورها أحد إلا الذين سُقُوا من هذا النبع."
(الملفوظات ج1 ص 342 طبعة لندن)
يقول إننا نؤمن بختم النبوة بمعنى خاص غير الذى تنفونه عنا.
حسنا فلماذاإذن تستنكر ؟ هم لا ينفون عنك هذا المعنى الذى تؤمن به بل ينفون معنى آخر ؟!
هم لا ينفون أن يكون النبى هو أفضل الانبياء وأعظمهم قدرا وأكملهم وأشرفهم ...إلخ هذا لا ينكره أحد ولكن الآية تشمل معنى آخر فى منتهى الوضوح وهو أنه آخرهم وحتى لو نزلت آخرهم لأولتموها ولو نزلت آخر نبى مبعوث لأولتموها ولا أدرى ما هو الفظ الذى يمكن أن يذكر أوضح من ذلك للدلالة على المطلوب وما هو اللفظ الذى يجب أن تأتى به السنة وما هو العدد المطلوب لحصول التواتر والإجماع غير ما حصل إنكم مكذبون لقد وصل التأويل إلى درجة لا يمكن معها أن يصير تأويلا ولا ليا للكلم لقد جردتم اللغة من معناها لقد نقضتم الإجماع وكذبتم النبي صلى الله عليه وسلم واتهمتهم أصحابة بالضلال والإفك فماذا بقى بعد ذلك إلا ما هو أعظم منه وهو ادعاء النبوة
الامر الثانى الذى يدعيه أن هناك معنى لختم النبوة غير الذى أجمع عليه المسلمون هو الذى أراده الله تعالى .
وهذا يعنى أن الله تعالى يخاطب المسلمين بما يضلهم به وبما لا يفهمونه !
وهذا يعنى أيضا أنه يفهم من لغة العرب ما لا يفهمونه هم من لغتهم !
لكن أين هو الدليل على هذا المعنى ؟ إنه لا يمكن أن أخبركم بهذا المعنى فضلا عن دليله لأنه خاص بى وبمن سار على طريقتى فلا تسألونى عنه لأنكم لن تفهموه ومع ذلك عليكم أن تؤمنوا بى كنبى وتكذبوا أنفسكم وتعتقدوا أن المسلمين كانوا على ضلال منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وقد اجتمعوا على ضلالة طوال هذه الفترة وأن لغة العرب لا يفهمها إلا هندى ولا سبيل لإدارك معنى فى القرآن ولا فى الحديث عن طريق فهم اللغة وقد سقطت اللغة وعليكم الاتباع والإقرار دون أى دليل وتكذيب آباءكم لأننى نبى حقا وبلا أى دليل ..
أهذه منهج عقلى يحترم صاحبة ؟
لله در الإمام ابن كثير حين قال (( فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب مَنْ جاء بها ))
وقد علمنا ما من نبى إلا وكانت له الحجة البالغة على قومه وما من نبى إلا وكان نبيها فطنا ولا يصدر كلام كهذا فى معرض الحجج والجدال إلا عن أفاك أو عديم الفطنة .
أعتقد أن ما ذكره غلام ميرزا هنا لا يحتاج لتعليق ولا يستحق جوابا ولا بد من أن يعرض أتباعه الموضوع بصورة أخرى كالعبث باللغة والتأويل ولى أعناق الكلمات كما يفعل كل مدع للنبوة حين يصطدم بأدلة ختم النبوة وأنه لا نبى بعد صلى الله عليه وسلم فمثلا من التلاعبات اللفظية والعبث باللغة قولهم :
اقتباس:
ولغوياً إذا ما أضيف "خاتَم" أو "خاتِم" إلى جمع العقلاء (النبيين) فلا يكون معناه إلا الأفضل والأكمل.. أي الذي جاء بما لم يأت ولن يأتي أحد من قبله أو من بعده بمثل ما جاء به.. كما أنها تعني من جمع أفضل ما كان للسابقين من أعمال وآثار ومحاسن ووضعها في أحسن صورة وترك طابعه فيمن جاء من بعده.. وعلى هذا فقد وصل للكمال حيث لا يصل أحد إلى مرتبته ممن كان قبله أو ممن جاء بعده..
لا شك أن محمدا r هو خير خلق الله تعالى وأشرف الرسل وافضلهم ولا يدانيه أحد منهم فى مآثره ومحامده ..ولكن أن يصبح ذلك هو المعنى المقصود بقوله تعالى (( وخاتم النبيين ))وينفى المعنى الآخر الذى يقره أهل اللغة ويتبادر إلى أذهان الناطقين بها فلا ، أضف إلى ذلك عبارة من قبيل :(( ولغوياً إذا ما أضيف "خاتَم" أو "خاتِم" إلى جمع العقلاء (النبيين) فلا يكون معناه إلا الأفضل والأكمل ))عبارة كهذه لا يمكن فهمها إلا إذا اتهمنا صاحبها بالكذب والبهتان الصريح عجيب جدا أمر هؤلاء لو قالوا إنه يمكن حملها فى اللغة على هذا المعنى لكان أهون على السامع وأقرب لتصديق بعض الضعاف أماأن يقول إنه لا معنى لها فى اللغة إلا ذلك ويستخدم أسلوب الحصر أعتقد أن الأمر واضح ولا يحتاج لتعليق أكثر من ذلك .(38/117)
هذا إضافة إلى الانسياح التام والانسياب مع الاوهام والأحلام والذى يتضح فى عبارات من قبيل إن خاتم النبيين تعنى الختم الذى يترك طابعه فيمن يأتى بعده منتهى التكلف والانسياح ولا يؤيده إلى أمانى صاحبه وأحلامه وأوهامه (( تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )).
دعونا من هذا البهتان والانسياح مع الأوهام إلى ما يقوله أهل اللغة ، جاء فى معجم مقاييس اللغة لابن فارس - (ج 2 / ص 245)ما نصه :
(ختم) الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد، وهو بُلوغ آخِرِ الشّيء. يقال خَتَمْتُ العَمَل، وخَتم القارئ السُّورة. فأمَّا الخَتْم، وهو الطَّبع على الشَّيء، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنّ الطَّبْع على الشيءِ لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخِرِه، في الأحراز. والخاتَم مشتقٌّ منه؛ لأنّ به يُختَم. ويقال الخاتِمُ، والخاتام، والخَيْتام. قال:
* أخذْتِ خاتامِي بغيرِ حَقِّ(4) *
و صلى الله عليه وسلم خاتَِمُ الأنبياء؛ لأنّه آخِرُهم. وخِتام كلِّ مشروبٍ: آخِرُه. قال الله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين 26]، أي إنّ آخرَ ما يجِدونه منه عند شُربهم إياه رائِحَةُ المسك. ا.هـ
وهذا الذى ذكره لا خلاف عليه بين أهل اللغة ، والمعاجم موجوده ومحققة لمن أراد أن يبحث فيها ، وهو مما يؤكد بطلان مذهب القوم واعتمادهم على الكذب والبهتان فى ترويج بدعتهم والدفاع عن باطلهم .
لقد تبين أنه ليس لهؤلاء الدجاجلة من مستند من لغة العرب بل إن الاستشهاد بها لن يكون إلا مبطلا لزعمهم مثبتا لكذبهم ، و تبين أن عبارات من قبيل (( لا بد وأن تعنى كذا)) و((ضرورى أن يقصد بها كذا)) ما هى إلا أمانى وأحلام فى ذهن أصحابها ، لقد حاول غلام ميرزا وأتباعه جاهدين أن يجدوا ولو جملة واحدة أو بيتا لشاعر يعارضون به إجماع المسلمين ولو لمجرد التشويش فاستدلوا بقول لأحد الشعراء المتأخرين يدعى الحسن بن وهب يصف أبا تمام حبيب الطائى بأنه خاتم الشعراء فدلسوه وأخرجوه عن سياقه ثم زعموا أن ذلك قد اطرد وكثر وشاع بين الشعراء مبالغة فى التدليس والمكر والبهتان يقول الشاعر :
فجع القريض بخاتم الشعراـ وغدير روضتها حبيب الطائي .
ماتا معا فتجاورا في حفرة ـــــ وكذاك كانا قبل في الاحيا.
يقصد على سبيل المجاز والمبالغة أن الشعر قد مات بموت أبى تمام فهو آخر شاعر ولا شعر بعده وهو ما يؤكد المعنى وليس ينقضه واستدلالهم بذلك عليهم لا لهم .
أما عبارة ((خاتم الأولياء)) فوردت فى كلام بعض غلاة الصوفية ومنحرفيها ممن طمحت نفسه للنبوة وادعى أنها كسبية وفى وقت متأخر بعد عصور الاستشهاد ولا شأن لنا بهم ولا بإشاراتهم ومصطلحاتهم نعم القاديانية تلاميذ هؤلاء ويستغلونهم ويرددون عباراتهم ليخدعوا بها الناس كما فعل القاديانى ونقل بعض عبارات الصوفية على أنها وحى من الله تعالى كما فى خطبته التى يصفونها بالإلهامية وما هو إلا منقولة من كتب الصوفية لكن مصطلحات هؤلاء المتأخرين عن عصور الاستشهاد المخالفين للكتاب والسنة عن غى وهوى قريب من غى القاديانية وهواهم لا شأن له ولا وزن .
إن أحدا من المسلمين لا يشك فى أن يكون رسول ا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل وأعظمهم وأعلاهم منزلة ..ولكن أن نحمل الآية ما لا تحتمل أو أن نصرف معناها إلى معنى آخر لمجرد تصحيح أمر خطئ فى اعتقاد شخص ما فهو شىء باطل ومرفوض تماما وقد فُسرت تلك الآية فى جميع كتب التفسير بما يتفق مع المعنى اللغوى وليس من الوارد مطلقا أن يكون ذلك موضعا للأخذ والرد أو محلا للاشتباه فالأمر متفق عليه ومجمع عليه بين المسلمين منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وإنما نورد هنا الأدلة لمن صم سمعه وعمى بصراه وران تقليد الكذبة على قلبه حتى لم يعد يدرى للكلام معناه .
.هذا ما ذكرته بعض كتب التفسير المعتمدة - أكتفى به منعا للإطالة - من تفسيرات ونصوص ونقول عن الصحابة رضوان الله عليهم وسلف الأمة وأهل اللغة وما أجمع عليه المسلمون وما لا خلاف عليه بين المؤمنين ولا يشاغب فيه غير الأفاكين أتباع الكذبة المدعين :
تفسير الطبري - (ج 20 / ص 278-279)القول في تأويل قوله تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) }
يقول تعالى ذكره: ما كان أيها الناس محمد أبا زيد بن حارثة، ولا أبا أحد من رجالكم (1) الذين لم يلده محمد؛ فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها، ولكنه رسول الله وخاتم النبيين، الذي ختم النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة، وكان الله بكل شيء من أعمالكم ومقالكم وغير ذلك ذا علم لا يخفى عليه شيء.
نسير بن ذعلوق، عن علي بن الحسين في قوله( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) قال: نزلت في زيد بن حارثة، والنصب في رسول ا صلى الله عليه وسلم بمعنى تكرير كان رسول ا صلى الله عليه وسلم ، والرفع بمعنى الاستئناف؛ ولكن هو رسول الله، والقراءة النصب عندنا.(38/118)
واختلفت القراء في قراءة قوله(وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) فقرأ ذلك قراء الأمصار سوى الحسن وعاصم بكسر التاء من خاتم النبيين، بمعنى: أنه ختم النبيين. ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله(وَلَكِنَّ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبيِّينَ) فذلك دليل على صحة قراءة من قرأه بكسر التاء، بمعنى: أنه الذي ختم الأنبياء r وعليهم، وقرأ ذلك فيما يذكر الحسن وعاصم(خَاتَمَ النَّبِيِّينَ) بفتح التاء، بمعنى: أنه آخر النبيين، كما قرأ(مَخْتُومٌ خَاتَمَهُ مِسْكٌ) بمعنى: آخره مسك .
زاد المسير - (ج 5 / ص 139)قوله تعالى : { ما كان محمَّدٌ أبا أحَد من رجالكم } قال المفسرون : لمَّا تزوَّج رسولُ ا صلى الله عليه وسلم زينب ، قال الناس : إِن محمداً قد تزوَّج امرأة ابنه ، فنزلت هذه الآية ، والمعنى : ليس بأب لزيد فتَحْرُم عليه زوجته { ولكنْ رسولَ الله } قال الزجاج : من نصبه ، فالمعنى : ولكن كان رسولَ الله ، وكان خاتم النبيِّين؛ ومن رفعه ، فالمعنى : ولكنْ هو رسولُ الله؛ ومن قرأ : { خاتِمَ } بكسر التاء ، فمعناه : وختم النبيِّين؛ ومن فتحها ، فالمعنى : آخِر النبيِّين . قال ابن عباس : يريد : لو لم أَختِم به النبيِّين ، لَجَعلتُ له ولداً يكون بعده نبيّاً
.الدر المنثور - (ج 8 / ص 170)وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } قال : آخر نبي .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله { وخاتم النبيين } قال : ختم الله النبيين ب صلى الله عليه وسلم ، وكان آخر من بعث .
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم « مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى داراً فأتمها إلا لبنة واحدة ، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم « مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل ابتنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فكان من دخلها فنظر إليها قال : ما أحسنها! إلا موضع اللبنة ، فأنا موضع اللبنة فختم بي الأنبياء » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال
تفسير النسفي - (ج 3 / ص 133)
{ وَخَاتَمَ النبيين } بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أي آخرهم يعني لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبي قبله ، وحين ينزل ينزل عاملاً على شريعة صلى الله عليه وسلم كأنه بعض أمته . وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم .
تفسير البغوي - (ج 6 / ص 358-359)
{ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } ختم الله به النبوة، وقرأ عاصم: "خاتم" بفتح التاء على الاسم، أي: آخرهم، وقرأ الآخرون بكسر التاء على الفاعل، لأنه ختم به النبيين فهو خاتمهم.
قال ابن عباس: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا يكون بعده نبيا (1) .
وروي عن عطاء عن ابن عباس: أن الله تعالى لما حكم أن لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد الخذاشاهي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدثنا أبكر الجوربذي، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن يزيد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة قال: كان أبو هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه، ترك منه موضع لبنة فطاف به النُّظارُ يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل" (2) .
تفسير الماوردى - (ج 3 / ص 381)
{ وَلكِن رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ } يعني آخرهم وينزل عيسى فيكون حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً فيقتل الدجال ويكسر الصليب وقد روى نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرجُ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلاَثِينَ كُلُّهُم يَزْعَمُ أَنَّهُ نَبِيٌ وَلا نَبِيَّ بَعْدِي » قال مقاتل بن سليمان ولم يجعل محمداً أبا أحد من الرجال لأنه لو جعل له ابناً لجعله نبياً وليس بعده نبي قال الله { وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ }
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب الشاشي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وغير واحد قالوا، أخبرنا سفيان عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي" (3)
تفسير أبي السعود - (ج 5 / ص 340)(38/119)
{ وَخَاتَمَ النبيين } أي كان آخرَهم الذين خُتموا به . وقُرىء بكسر التَّاءِ أي كان خاتمِهم ويُؤيِّده قراءةُ ابن مسعودٍ ولكنْ نبياً ختَم النبيِّينَ ، وأيّاً ما كانَ فلو كانَ له ابنٌ بالغٌ لكان نبيّاً ولم يكنُ هو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتمَ النبيِّينَ كما يُروى أنَّه قالَ في إبراهيمَ حينَ تُوفِّي « لو عاشَ لكانَ نبيّاً » ولا يقدحُ فيه نزولُ عيسىَ بعدَهُ عليهما السَّلامُ لانَّ معنى كونِه خاتمَ النبيِّينَ أنَّه لا يُنبَّأُ بعدَهُ أحدٌ وعيسى ممَّن نُبِّىء قبلَه وحينَ ينزلُ إنَّما ينزلُ عاملاً على شريعةِ محمَّدٍ r مُصلِّياً إلى قبلتِه كأنَّه بعضُ أمَّتهِ
تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 428)وقوله: { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } كقوله: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام:124] فهذه الآية نص في (7) أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول [بعده] (8) بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس. وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول ا صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة.
لا يوجد خلاف بين المفسرين على أن المقصود بقوله تعالى (( وخاتم النبين )) هو أن صلى الله عليه وسلم هو آخر نبى مبعوث وأن ذلك يعنى بالضرورة أن كل من ادعى النبوة بعد صلى الله عليه وسلم فهو كذاب ومتبعه متبع لكذاب مارق خارج عن ملة الإسلام، وكيف لا وهذا ما تقتضيه اللغة وأجمع عليه المسلمون قاطبة منذ عهد الصحابة رضى الله عنه وردت به السنة وصحت فيه الأحاديث التى بلغت حد التواتر ..
هذه بعض نماذج من كتب التفسير وقد أجمع المفسرون على أن معنى قوله تعالى فى سورة الأحزاب (( وخاتم النبيين )) أنه آخرهم فلا نبى بعده ولم يقل أحد من المفسرين منذ عهود الإسلام الأولى سواء من اعتمد فى تفسيره على المنقولات والاحاديث والآثار أو من يعتنى بالمعقول لم يقل منهم أحد خلاف ذلك ولولا الإطالة لسردت عشرات أخرى من النماذج من كتب التفسير المعتمدة .
والعجيب أن يأتى هؤلاء بأقوال مبتدعة المتصوفة فى مقابل المفسرين ، والأقوال المقتطعة المحرفة ويحملونها ما لا تحتمل حتى تناقض مذاهب أصحابها وعقائدهم ،وبالأوهام والأمانى فى مقابل النصوص الصريحة وأقول أهل اللغة ، وبالدجل والمغالبة اللفظية والأكاذيب فى مقابل إجماع المسلمين وهذه بعض النماذج :
اقتباس:
يقول القاديانية :
هذه الآية الكريمة وردت في سياق الحديث عن زواج صلى الله عليه وسلم من مطلَّقة زيد. وقد اعتُرض على هذا الزواج باعتباره زواجا من مطلقة الابن، فجاءت هذه الآية لتنفي أبوته الجسدية r لأحد من الرجال. ولما كان هذا التعبير مما يمكن أن يساء فهمه، وسط محيط يسخر ممن لم يبقَ له أي أبناء ذكور، كان لا بدّ من الاستدراك، فجاءت جملة (رسول الله وخاتم النبيين) بعد (لكن) لتزيل هذا الفهم الذي يتبادر إلى ذهن البعض، ولتقول: إنه أبوكم جميعا روحيا، بل أبو الأنبياء أيضا.
كلام ركيك بلا معنى ؛ ما معنى أن ((خاتم الأنبياء)) تعنى أنه أبوكم وأبو الأنبياء أيضا ؟!!محض تكلف وتحميل كلام الله تعالى ما لا يحتمل لإخراج اللفظ عن معناه الحقيقى بدافع البحث عن دليل يؤيد البدعة والمروق من الدين .
اقتباس:
يقول القاديانية :بينما لو فسرناها بمعنى "الآخر"، لما كان لها أي معنى في هذا السياق؛ وإلا فما معنى: إنه ليس أبًا لأحد منكم جسديًّا، ولكنه أبوكم روحيا وآخر نبي؟ أين العلاقة بين ما قبل حرف الاستدراك (لكن) وما بعده؟ وهل الأبوة تتنافى مع النبوة؟ وهل كون صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين يقتضي ألا يكون أبا لأحد من الرجال؟! .. إن من يفسر (خاتم النبيين) بأفضلهم وأكملهم وأبيهم روحيا، يكون قد رأى أن الجنس المشترك بين العبارة المنفية قبل (لكن) والعبارة المثبتة بعدها هو الأبوة، فالعبارة الأولى تنفي الأبوة الجسدية، والعبارة الثانية تثبت الأبوة الروحية للمؤمنين وللأنبياء. أما من فسر (خاتم النبيين) بآخرهم اصطفاء، فأنى له أن يجد جنسا مشتركا يجمع بين العبارتين؟
لو بقى ل صلى الله عليه وسلم ولد ذكر لظن الناس أنه سيكون نبيا بعده كما هو حال كثير من الانبياء السابقين كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب ومن بعده يوسف عليهم السلام وكداود وسليمان عليهما السلام وزكريا ويحيى عليهما السلام .. فأراد الله تعالى ألا يكون ذلك لأنه خاتم النبيين فلم يجعل له أبنا من رجالهم ونفى عنه ذلك لأنه خاتم النبيين وما كان له أن يكون له ابن يرث النبوة .
اقتباس:
يقول القاديانية : ثم إذا كان القرآن الكريم يريد أن يذكر أن سيدنا محمدا r هو آخر نبي مبعثا، فلماذا يذكره في هذا السياق وبهذه الصورة؟ لماذا لم يعلن القرآن الكريم انقطاع النبوة بشكل واضح وقاطع وفي سياق ملائم؟(38/120)
لا يوجد ما هو أوضح من ذلك ولا يوجد ما يجعله غير ملائم إلا أهواءكم وأمانيكم وقد وردت السنة المتواترة وأجمع المسلمون على أن محمدا r هو النبى الذى لا نبى بعده وأنه قد ختم به الانبياء فلا يبعث بعده نبى حتى تقوم الساعة .
اقتباس:
يقول القاديانية :
إن خاتمية النبوة تفرض أن يكون هنالك من يصلون إلى مقام النبوة في الأمة الإسلامية كدليل على كمال هذه الأمة.. فليس مقبولاً أن يقال أن الأمة ستكون أفضل الأمم وأعلاها بينما لا يصل أفرادها إلى الدرجات العليا التي كان يصلها من كان من قبلهم... فأين هي الأفضلية في أمة انقطعت عنها النبوة؟؟؟
هذه مغالطة فالرسالة لم تنقطع بمعنى أنها أزيلت ومحيت من الوجود بل انقطعت بمعنى أنها قد تمت وحفظت ولن يزاد فيها شيئا ولن تمحى قبل قيام الساعة حتى يرسل الله تعالى نبى آخر ، أما قوله تعالى كنتم خير أمة أمة أخرجت للناس فلوجود هذا الرسالة الخاتمة محفوظة ولأن نبيها هو أفضل الأنبياء ولأنها أمة تأمر بالمعوف وتنهى عن المنكر وليس من الضرورى أن يكون كل الأفراد أنبياء أو يكون هناك عدد من الانبياء فى أمة ما فالمسألة ليست كمية بل إن الخير الذى يكون فى هذه الأمة أعظم من الخير الذى يكون فى أمة بنى إسرائيل التى كانت تقتل الأنبياء ولعنها الله تعالى فى نهاية المطاف ..
اقتباس:
يقول القاديانية :
كما أن القرآن الكريم يؤكد أن للنبوة شروط يمكن أن يتحصل عليها اتباع هذه الأمة الصالحين...
يقول تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا (70) النساء .
هذه ليست شروطا للنبوة وإنما هو شروط لمن اراد أن يكون يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والامر واضح لا يحتاج لبيان .
اقتباس:
يقول القاديانية :
وإذا ما عدنا للقرآن الكريم فسوف نجد أن كل هذه الاستنتاجات متوافقة معه تماماً...
فى الكلام مبالغات كثيرة كتلك العبارة ومعلوم أن التفسير ليس أن تأتى بكلاك يتوافق مع الجملة التى تفسرها وتقول إن ذلك تفسيرا لها بل أن تأتى بمعناها بلا زيادة أو نقصان .
هم يعتمدون على تكثير الكلام وإيهام السذج بعبارات حسنة ومقبولة كقولهم : إن محمدا r هو أفضل الرسل وأعلاهم قدرا ومنزلة .. وهذا لا شك فيه ولا يستطيع العامى الساذج أن ينفيه ثم إنهم يريدون بذلك أن يكون هذا هو معنى آية يريدون نفى معناها الحقيقى فإن أراد الساذج أن ينفى هذا المعنى عن الآية قالوا هل تريد أن تقول إن الرسو صلى الله عليه وسلم ليس أفضل الرسل وأعظمهم أو أن هذا المعنى لا يتفق مع كونه خاتم النبيين ؟!!
هذا هو دجلهم وما يملكونه من أساليب الحوار ولا ينخدع به إلا السفهاء والسذج من العوام .
وقد جاءت السنة النبوية المطهرة مؤكدة نفس المعنى الذى ورد فى القرآن الكريم من أن محمدا r هو خاتم النبين وأنه لا نبى بعده وأن من ادعى النبوة بعد صلى الله عليه وسلم فهو كذاب مدع وقد تواترات الروايات بذلك لفظا ومعنى .
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي، حدثنا زُهَيْر بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبيّ بن كعب ، عن أبيه، عن صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارًا فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لَبنة لم يَضَعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تمَّ موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة".
ورواه الترمذي، عن بُنْدَار، عن أبي عامر العقدي، به، وقال: حسن صحيح.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا المختار بن فُلفُل، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي." قال: فشَقّ ذلك على الناس قال: قال : ولكن المبشرات". قالوا: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: "رؤيا الرجل المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة".
وهكذا روى الترمذي عن الحسن بن محمد الزعفراني، عن عفان بن مسلم، به وقال: صحيح غريب من حديث المختار بن فُلفُل.
حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا سَليم بن حَيَّان، عن سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارًا فأكملها وأحسنها إلا موضع لَبنة، فكان مَنْ دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة! فأنا موضع اللبنة، ختم بي الأنبياء، عليهم السلام".
ورواه البخاري، ومسلم، والترمذي من طرق، عن سليم بن حيان، به. وقال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه.(38/121)
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل النبيين [من قبلي] كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا لَبنَة واحدة، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة". انفرد بإخراجه مسلم من رواية الأعمش، به .
حديث آخر: قال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عثمان بن عُبَيد الراسبي قال: سمعت أبا الطفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا نبوة بعدي إلا المبشرات". قال: قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: "الرؤيا الحسنة -أو قال -الرؤيا الصالحة."
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن هَمَّام بن مُنَبِّه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها وأكملها وأجملها، إلا موضع لَبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون: ألا وَضَعْتَ هاهنا لبنة فيتم بنيانك؟!" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فكنت أنا اللبنة".
أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
حديث آخر: عن أبي هريرة أيضا: قال الإمام مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: "فُضلت على الأنبياء بست: أعْطِيتُ جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب، وأحِلَّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".
ورواه الترمذي وابن ماجه، من حديث إسماعيل بن جعفر، وقال الترمذي: حسن صحيح.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى دارًا فأتمها إلا موضع لبنة واحدة، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة".
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كُرَيْب، كلاهما عن أبي معاوية، به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سُويد الكلبي، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي، عن العِرْباض بن سارية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنْجَدِل في طينته."
حديث آخر: قال الزهري: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي." أخرجاه في الصحيحين .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعة، عن عبد الله بن هُبَيْرة، عن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: خرج علينا رسول ا صلى الله عليه وسلم يوما كالمودّع، فقال: "أنا محمد النبي الأمي -ثلاثا -ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش، وتجوز بي، وعُوفيتُ وعُوفيتْ أمتي؛ فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإذا ذُهب بي فعليكم بكتاب الله، أحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه". تفرد به الإمام أحمد.
ورواه أحمد أيضا عن يحيى بن إسحاق، عن ابن لَهِيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن مريج الخولاني، عن أبي قيس -مولى عمرو بن العاص -عن عبد الله بن عمرو فذكر مثله سواء ..
تواترت الروايات بلفظ لا نبى بعدى فماذا يفعل الدجاجلة :
لا أكون مبالغا إن قلت إن غالب اعتمادهم على أسلوب الدجل الساذج جدا حين يلهيك الدجال بشىء ما عما يقوم بفعله ويفاجئك بالنتيجة ؛ انظر مثلا حين يدعى أنه معنى بالجو والقصة ليلهى انتباهك عن التحريف المتعمد فيطيل الكلام حول علاقة بنى إسرائيل بموسى عليه السلام وكيف خرج وكيف عاد وكيف استخلف حتى يلهيك عن تحريف الكلام وتغيير المعنى بقوله إن بعدى بمعنى غيرى لأن موسى قد مات بعد هارون عليهما السلام ؟!!
ومثاله أيضا الحديث عن التبنى ووفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك ليلهيك عن الموضوع ويزعم فى نفس الوقت أنه يراعى جو الحديث لاستخراج المعنى الحقيقى وهذا يتضمن الطعن فى الخصوم ووصفهم بأنهم يقتطعون الكلام والغرض كما هو معلوم من فعل الدجاجلة مجرد تشتيت الذهن فالروايات قد تواترات بعبارة مفادها ولفظها الصريح (( لا نبى بعدى )) بغض النظر عن المناسبة وليس معنى المناسبة أنها يجب أن تحرف المعنى عن مقصوده أو أننا لم نراعى المناسبة حين قلنا إن لا نبى بعدى معناها أنه لا نبى بعده حقيقة وبلا أى تأويل .
ومن ذلك الإسفاف اللغوى فيستدلون بأحاديث مثل لو كان بعدى لكان عمر أو لو عاش لكان نبيا يستدلون بذلك على أنه من الممكن أن يكون هناك نبى وهذا فى غاية الإسفاف فإن ((لو)) تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط بل إنه مما يؤكد أحاديث لا نبى بعدى .(38/122)
الغاية من كل ذلك تكثير الكلام وخداع السذج وصرفهم عن الحق الصريح إلى الباطل وتشويش الحق على الناس وخلخلة اعتقادهم .
وهم يعتمدون على عبارات من قبيل انقطاع النبوة ويركزون على الإيحاءات اللفظية لكلمة انقطاع ليوهموا السذج أن المسلمين ينفصلون عن الوحى وعن الله تعالى ومعلوم أن النبوة باقية ما بقى كتاب الله وسنة رسولة ولم تنقطع بل ختمت وحفظت
لنترك هذه النقطة ونرى ما يفعله الدجاجلة بأيديهم الأخرى مع ملاحة أنهم يجمعون بين أساليب وأقوال يهدم كل منها الآخر ويبنون على كل منها عقيدة وأصلا ولا يوجد جامع بينها إلى التملص من الدليل .:
أولا : بعدى بمعنى غير وليست بمعناها الحقيقى :
ويقيسون ذلك على قوله تعالى (( فمن يهديه من بعد الله )) الله تعالى لا إله غيره فكون بعد هنا بمعنى غير وإن صلح لكونه تعالى لا إله غيره ولا هادى سواه فإنه لا يصلح فى قولنا (( لا نبى بعدى )) لأنه سينفى وجود أى نبى سابق أو لا حق فلا نبى غيرى يعنى نفى لنبوة جميع الانبياء وهذا باطل فضلا عن كونه فى نفس الوقت لو صح مبطل لزعمهم أيضا .
ثم إن ذلك لا يعنى أن كل ((بعد)) تأتى بمعنى ((غير)) دائما وأبدا بل يعنى فقط أنها تأتى بهذا المعنى فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ثم هذا لو صلح فى رواية أنت منى بمنزلة هارون من موسى فكيف يصلح فى بقية الروايات ثم من قال إنه أصلا يصلح فى تلك الرواية إذ إن هارون عليه السلام قد نبى بعد موسى وليس قبله قال تعالى (( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا )) ومعلوم أن العبرة بالرسالة وليس بالموت فما لهؤلاء القوم القوم لا يكادون يفقهون حديثا .
ثانيا : نبى بمعنى مشرع وليس بمعنى نبى مطلقا :
بعد كثير من الخلط والتخليط بين أقوال الشيعة والصوفية والاقتطاع من بعض كلام الدهلوى أقول بعض الآراء المقتطعة من سياقها ويعددها بأولا وثانيا تعداد الأدلة وصياغة الكلم بشكل يعد فى حد ذاته مشعرا بالضعف والتدليس والميل للدجل الفكرى يقولون :
((وكل هذا يثبت لنا أن العلماء القدامى الربانيين والسلف الصالح ظلوا على الدوام يستنبطون نفس المعنى الذي استنبطه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. أفليس من الظلم والجور حقا أنه عندما يستنتج حضرته عليه السلام هذا المعنى يستاء منه المعارضون كثيرا، فيصبح كافرا عندهم، وإذا استنبط العلماء القدامى المعنى نفسه يبقون مؤمنين بل يحتلون رأس قائمة أولياء الأمة. )) انتهى كلامهم .
الواقع أنه لم يدعى أحد أن هناك نبى سيأتى بعد صلى الله عليه وسلم فضلا عن أن يكون قد ادعى النبوة لنفسه كما فعل ميرزا فمن الدجل والتضليل والتدليس أن تدعوا وجود شبه بين غلام ميرزا وهؤلاء كل ما فى الامر أنهم أراداوا إزالة وهم ثد يقع لدى بعض الناس فينكر نزول عيسى عليه السلام فى آخر الزمان استنادا للنصوص الصريحة وكما هو معلوم فإجماع هؤلاء وغيرهم من المسلمين على أن مدعى النبوة بعد صلى الله عليه وسلم كافر خارج عن ملة الإسلام لانه لا نبى بعده ومن الواضح أن هؤلاء يقتطعون الكلام اقتطاعا دون مراعاة لسياق الكلام ولا حتى لمعتقد قائله يكفى فقط أن يستنبط من أى جزء من الكلام ما لا يتناقض صراحة مع مذهبهم _ ولا أقول ما يتفق بل ما لا يتناقض صراحة - يكفى لكى يستدلوا به على صحة مذهبهم بل وعلى أن قائله متبع للمهدى المسيح الموعود وللدابة والنار التى ستحشر الناس والذى هو غلام ميرزا !!!!
طبعا لن نتوقف كثيرا عند الحديث عن التشريع الذى شرعه ميرزا فالذى يجادل فى المعانى الظاهرة وما اتفق عليه المسلمون ويضع قول الناس مناقضا لنص القرآن والحديث المتواتر ولا يستحى من الإفتاء فى اللغة وإسقاطها والعبث بها فليس من العسير عليه أن يؤول كلامه هو ويحرفه بل ويكذبه بل سنكتفى بمثال واحد :
. يقول (مرزا غلام) :" لقد ألغي اليوم حكم الجهاد بالسيف فلا جهاد بعد هذا اليوم ، فمن يرفع السلاح على الكفار يكون مخالفاً لرسول الله .. اني أنا المسيح الموعود ولا جهاد بالسلاح بعد ظهوري الآن" ( خزائن16 ص 28 معرب) .
ما الذى دفع بعض أهل العلم إلى القول بأن النبوة هنا المقصود بها نبوة التشريع ؟
هل هو اعتقادهم بأن هناك نبيا سيبعث بعد صلى الله عليه وسلم وهل كانوا يؤمنون بذلك ؟
الواقع أن من قال بذلك كالدهلوى لم يقصد به غير إزالة ما يمكن أن يقع لدى بعض الناس من تعارض ذلك مع أحاديث نزول عيسى عليه السلام(38/123)
يقول ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث : ((قالوا رويتم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي فالحلال ما أحله الله تبارك وتعالى على لساني إلى يوم القيامة والحرام ما حرمه الله تعالى على لساني إلى يوم القيامة ثم رويتم أن المسيح عليه السلام ينزل فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويزيد في الحلال وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول قولوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده وهذا تناقض ، قال أبو محمد ونحن نقول إنه ليس في هذا تناقض ولا اختلاف لأن المسيح صلى الله عليه و سلم نبي متقدم رفعه الله تعالى ثم ينزله في آخر الزمان علما للساعة قال الله تعالى وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها وقرأ بعض القراء وإنه لعلم للساعة وإذا نزل المسيح عليه السلام لم ينسخ شيئا مما أتى به محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يتقدم الإمام من أمته بل يقدمه ويصلي خلفه وأما قوله ويزيد في الحلال فإن رجلا قال لأبي هريرة ما يزيد في الحلال إلا النساء فقال وذاك ثم ضحك أبو هريرة قال أبو محمد وليس قوله يزيد في الحلال أنه يحل للرجل أن يتزوج خمسا ولا ستا وإنما أراد أن المسيح عليه السلام لم ينكح النساء حتى رفعه الله تعالى إليه فإذا أهبطه تزوج امرأة فزاد فيما أحل الله له أي ازداد منه فحينئذ لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا علم أنه عبد الله عز و جل وأيقن أنه بشر وأما قول عائشة رضي الله عنها قولوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده فإنها تذهب إلى نزول عيسى عليه السلام وليس هذا من قولها ناقضا لقول النبي صلى الله عليه و سلم لا نبي بعدي لأنه أراد لا نبي بعدي ينسخ ما جئت به كما كانت الأنبياء صلى الله عليهم وسلم تبعث بالنسخ وأرادت هي لا تقولوا إن المسيح لا ينزل بعده ..)) تأويل مختلف الحديث (ج 1 / ص 187-188)
وقد تعمدت النقل من هذا المرجع ومن الدر المنثور ليتبين للقارئ مدى التلفيق الذى يفتعله الدجاجلة فقد اقتطعوا من هذا الكلم تلك العبارة فقط : ثالثًا: ويورد الإمام ابن قتيبة - رحمه الله - قول عائشة رضي الله عنها، ويعلق عليه ويقول:
"وليس هذا من قولها ناقضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي، لأنه أراد لا نبي بعدي ينسخ ما جئت به."
ثانيا الأقوال التى اقتطعت تعنى أمرين :
الأول :أن المقصود ببعد هنا هو المعنى الظاهر وليس بالمعنى المجازى البعيد والذى اعتمدوا عليه فى السابق .الثانى : أن المقصود بالنبوة هنا هو رسالة التشريع والنسخ .
أما الأول فهم مبطل لقولكم إن بعد ليست على ظاهرها وهو ما لم يقل به أحد وهذا يعنى أن ذلك التأويل يقضى على الذى سبقه فلا يوجد هنا بناء استدلال بل تأويلات وتحريفات يهدم بعضها بعضا .
أما الثانى فلا دليل عليه من النص ولا من نص آخر فيبقى فى أحسن الأحوال مجرد نقل عن أشخاص لكلام لا دليل فالتخصيص هنا لم يقم عليه دليل ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول لا نبى مشرع بعدى ولكن سيوجد أنبياء غير مشرعين لقال ذلك ولو فى رواية واحدة .
ثالثا: معارضة الروايات الصحيحة بالضعيفة والموضوعة ورد كلام النبى صلى الله عليه صراحة بكلام غيره .
ومن ذلك قولهم : ((وهناك رواية أخرى تحل هذه المسألة إلى الأبد. فلقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"لما توفي إبراهيمُ أرسل النبيّ r إلى أمه "مارية"، فجاءته وغسلته وكفّنته. وخرج به وخرج الناس معه فدفنه. وأدخ صلى الله عليه وسلم يده في قبره فقال: أما والله إنه لنبيّ بن نبي." (الفتاوى الحديثية لأحمد شهاب الدين المكي، ص 176 دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت) وبما أن سيدنا عليا رضي الله عنه كان من أهل البيت فروايته هذه أوثق وأجدر بالاعتبار.))
قائل ذلك لا يعرف شيئا عن روايات الحديث الشريف فلو كانت العبرة بالصحابى الذى ينقل الحديث لما كان هناك حديثا ضعيفا فالصحابة كلهم عدول رضى الله عنهم بل العبرة فيمن ينقل عنهم
ثانيا هذا الحديث بهذه الصيغة وقوله : (( أما والله لنبى ابن نبى لا أصل له فى كتب الحديث )) .
أما ما ورد فى كتب الحديث فهو ما رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول ا صلى الله عليه وسلم وذكر وفاته
هذا الحديث أخرجه : ابن ماجه (1/484 ، رقم 1511) ، قال البوصيرى (2/33) : هذا إسناد ضعيف . ومن الواضح أن الحديث رغم ضعفه ليس فيه تلك الزيادة التى أوردوها واستدلوا بها بدم بارد .
وكذلك ما أسند إلى عائشة ومعارضة كلام النبي صلى الله عليه وسلم به النبى إذ يقول لا نبى بعدى ويقول غيره لا تقولوا لا تنبى بعدى فيأخذون بقول الآخر ويردون به كلم النبى صلى الله عليه وسلم
وهذا مما يؤكد تماما وبما لا يدع أى مجال للشك أنهم مجرد متبعى أهواء
يقول السيوطى : ((وأخرج ابن أبي شيبه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده(38/124)
وأخرج ابن أبي شيبه عن الشعبي رضي الله عنه قال : قال رجل عند المغيرة بن أبي شعبة صلى الله على محمد خاتم الأنبياء لا نبي بعده فقال المغيرة : حسبك اذا قلت خاتم الأنبياء فأنا كنا نحدث ان عيسى عليه السلام خارج فان هو خرج فقد كان قبله وبعده )) (ج 6 / ص 618) .
وطبعا الدجال عندما نقل عن السيوطى توقف عند حديث المغيره ولم ينقله كعادة فى اقتطاع الكلام وتحريفه وإخراجه عن السياق .
وقد ذكر السيوطى ذلك بعد أن أورد روايات يصعب حصرها بلغت فى مجموعا حد التواتر لفظا ومعنى بعبارة (( لا نبى بعدى )) وهذا يعنى أنه مجرد اجتهاد من بعض الصحابة رضى الله عنهم مخافة أن يختلط الأمرعلى الناس بشأن عيسى عليه السلام كما قال المغيرة رضى الله عنه وليس لأنه قد يكون هناك نبى بعده .
ومن الواضح أن ما ذكرته عائشة رضى الله عنها مخالف للفظ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يصح أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا نبى بعدى)) ويقول غيره ((لا تقولوا لا نبى بعده)) غير أننا نلتمس لها العذر رضى الله عنها إن صحت الرواية عنها ، وفى جميع الأحوال لم يكن لما ذكرته علاقة بإرسال نبى بعد صلى الله عليه وسلم أو بتفسير معنى خاتم النبيين وحمله على معنى آخر غير ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم هذا مع افتراض صحة الرواية فكيف إذا كانت ضعيفة وكان الحديث منقطع :فالحديث الذى ذكره السيوطى وقال فى المصنف لابن أبى شيبة أخرجه ابن ابى شيبة عن حسين بن محمد قال حدثنا جرير بن حازم عن محمد يعني ابن سيرين عن عائشة قالت: " قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده"، إسناد هذا الأثر منقطع لأن محمد بن سيرين لم يسمع من عائشة شيئاً قال الإمام ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "ابن سيرين لم يسمع من عائشة شيئا"
وقال العلامة صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ت(761هـ) وقال البخاري: "لم يسمع ابن سيرين من عائشة رضي الله عنها شيئا" ونقل عنه الحافظ ابن حجر.
ومن البين أن الأثر الموقوف على الصحابي لا يقاوم الحديث المرفوع الصحيح، وكيف إذا كان ذلك الأثر منقطعا ؟!
رابعا :المشاغبة بحاديث نزول عيسى عليه السلام :
والواقع أنهم لا ينقضون بها أحاديث لا نبى بعدى فقط وإلا لكان الرد عليهم أن عيسى عليه السلام قد أرسل قبل صلى الله عليه وسلم وليس بعده غاية ما فى الأمر أنه يموت بعده والعبرة بزمن الرسالة وليس بزمن الموت .. ولكنهم يذهبون بذلك إلى ما هو أبعد منه وهو ادعاؤهم أن المسيح الذى ورد ذكره فى الأحاديث وأنه سينزل إنما المقصود به غلام ميرزا
ليس بينه وبين عيسى نبى من قبله هذا أولا لأن عيسى عليه السلام كان قبل صلى الله عليه وسلم غاية ما فى الأمر أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام لم يمت بعد أما النبوة فقد كانت له قبل محمد صلى الله عليه وسلم
ثانيا حتى على تأويلكم الباطل فقد انتفى ولا ينفعكم دجلكم وقولكم إن فلانا هو المهدى وعيسى والدابة والنار التى تحشر الناس فعيسى ابم مريم عليه السلام معروف وليس فى كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأمر العقيدة تلبيس على الناس فيقول لهم عيسى ابن مريم ويقصد عيسى ابن مريم آخر غير الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم عشرات المرات ولا تنصرف العقول عند سماعها هذا الاسم إلا إليه سواء من المسلمين أو من غيرهم .
ليس من العجيب أن هؤلاء الذين يدعون الإسلام لا يجدون غضاضة فى اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالتدليس وتضليل الناس من أجل تصحيح نبوة كاذب مدع دجال فيقولون إن صلى الله عليه وسلم قد دلس على الناس وعمى عليهم بوحى من الله تعالى وذكر المسيح ابن مريم ويقصد به مسيحا ابن مريم آخر ؟ لماذا وما الذى دفعه لذلك وكيف يجوز ذلك ؟ ليس مهما المهم الاحتيال لتبرير أن ادعاء غلام ميرزا للنبوة .
وعليه فقول صلى الله عليه وسلم أنا خاتم النبيين لا معنى له سوى ما أقره المسلمون وفهموه وأنه لا تصح نبوة بعد رسول ا صلى الله عليه وسلم اما عيسى عليه السلام فكان قبله وليس بعده غاية ما فى الأمر أنه سيموت بعده والعبرة بزمن البعثة ووقا الرسالة وليس بالوفاة .
اقتباس:
نلاحظ في هذا الحديث أن الرسو صلى الله عليه وسلم قد سمى المسيح "نبي الله" أربع مرات. ومن المؤكد أن الرسو صلى الله عليه وسلم يروى هنا حدثا سيحدث لاحقا بعد وفاته. وسواء كان القادم هو عيسى عليه السلام النبي القديم أو غيره، فإن هذا الحديث يؤكد ثبوت نبوته على أي صورة أو وجه جاء فيه، كما أنه يؤكد وجود نبي بعد الرسو صلى الله عليه وسلم زمانا.
لا ليس الامر سواء فمن قال إن المقصود بعيسى ابن مريم النبى عليه السلام الذى بعث قبل صلى الله عليه وسلم والذى ورد ذكره فى الأحاديث وأنه لم يمت وأنه رفع فهذا لا يتعارض مع ختم الرسالة وأنه لا نبى بعد صلى الله عليه وسلم للمعنى الذى سبق ذكره وهو أنه كان بعده ولم يكن قبله وأن غاية ما فى الامر أنه سيموت بعده .(38/125)
أما من زعم أن المسيح هو مسيح آخر فقد تكلف وتعنت فى الكذب والبهتان واتهم رسول ا صلى الله عليه وسلم بأنه قد أضل الناس بوحى من الله تعالى وذكر المسيح عيسى ابن مريم وهو لا يقصد ما يعرفه الناس بل يقصد مسيحا آخر وأن الصحابة رضوان الله عليهم قد فهموا أمرا من أمور العقيدة فهما خاطئا وماتوا على ذلك وكذلك من جاء بعدهم حتى اكتشف ذلك القادياينة !!
أيهما أقرب أن نكذب القاديانية أم أن نسلم بتلك الفروض ؟!!!
===============(38/126)
(38/127)
القاديانية .... أفكارها وعقائدها
الثلاثاء:12/04/2005
(الشبكة الإسلامية)
التعريف :
القاديانية دين مُخْتَرَعٌ جديد، ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بقاديان، إحدى قرى البنجاب الهندية، وحظي بمباركة ورعاية الاحتلال الإنجليزي.
المؤسس : ميرزا غلام أحمد القادياني المولود سنة 1265هـ بقاديان.
وقد بدأ ميرزا نشاطه كداعية إسلامي، ثم ادعى أنه مجدد ومُلْهَم من الله، ثم تدرج درجة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، يقول في ذلك: " إن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصري، وأنه سينزل من السماء في عصر من العصور، وقد أثبتُّ في كتابي أنها عقيدة خاطئة، وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام عن طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأن هذا العاجز - يعني نفسه - هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام"!!.
ثم انتقل من دعوى المثيل والشبيه بالمسيح عليه السلام إلى دعوى أنه المسيح نفسه، فقال :" وهذا هو عيسى المرتقب ،وليس المراد بمريم وعيسى في العبارات الإلهامية إلا أنا " ، ولما كان المسيح نبيا يوحى إليه، فقد ادعى ميرزا أنه يوحى إليه، وكتب قرآنا لنفسه سماه " الكتاب المبين " يقول : " أنا على بصيرة من رب وهّاب، بعثني الله على رأس المائة، لأجدد الدين وأنور وجه الملة وأكسر الصليب وأطفيء نار النصرانية، وأقيم سنة خير البرية، وأصلح ما فسد، وأروج ما كسد، وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، منَّ الله علي بالوحي والإلهام، وكلمني كما كلم الرسل الكرام".
ويبدو أن دعوى أنه المسيح لم تلق القبول المرجو، ولم تحقق الغرض المؤمل منها، فانتقل من دعوى أنه المسيح النبي إلى دعوى أنه محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الحقيقة المحمدية قد تجسدت فيه، وأن صلى الله عليه وسلم قد بُعث مرة أخرى في شخص ميرزا غلام، يقول ميرزا : " إن الله أنزل محمدا r مرة أخرى في قاديان لينجز وعده "، وقال :" المسيح الموعود هو محمد رسول الله وقد جاء إلى الدنيا مرة أخرى لنشر الإسلام " ثم ادعى أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنامحمد صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه من اتبعه من الدهماء والغوغاء وأهل الجهل والمصالح الدنيوية.
نماذج من تخليطه :
رغم تلك الدعاوى العريضة التي ادعاءها ميرزا لنفسه إلا أنه كان ساذجا فاحشا بذي اللسان، يكيل لخصومه أقذع الشتم والسب !!
أما وحيه الذي ادعاه لنفسه فقد كان خليطا من الآيات المتناثرة التي جمعها في مقاطع غير متجانسة تدل على قلة فقهه وفهمه للقرآن، وإليك نماذج من وحيه المزعوم، قال:" لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق على هذه الحاشية، وذلك في شهر مارس 1882م ما نصه حرفيا : " يا أحمد بارك الله فيك، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . الرحمن علم القرآن، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين، قل إني أمرت وأنا أول المؤمنين ، قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .. إلخ " ويقول أيضا :" ووالله إنه ظل فصاحة القرآن ليكون آية لقوم يتدبرون . أتقولون سارق فأتوا بصفحات مسروقة كمثلها في التزام الحق والحكمة إن كنتم تصدقون " !!
وأما نبوءاته فما أكثرها وما أسرع تحققها لكن بخلاف ما أنبأ وأخبر، فمن ذلك أنه ناظر نصرانيا فأفحمه النصراني، ولما لم يستطع ميرزا إجابته غضب على النصراني، وأراد أن يمحو عار هزيمته، فادعى أن النصراني يموت - إن لم يتب - بعد خمسة عشر شهرا حسب ما أوحى الله إليه، وجاء الموعد المضروب ولم يمت النصراني، فادعى القاديانيون أن النصراني تاب وأناب إلا أن النصراني عندما سمع تلك الدعوى كتب يكذبهم ويفتخر بمسيحيته!!
ومن ذلك زعمه: أن الطاعون لا يدخل بلده قاديان ما دام فيها، ولو دام الطاعون سبعين سنة، فكذبه الله فدخل الطاعون قاديان وفتك بأهلها وكانت وفاته به، وهو الذي قال " وآية له أن الله بشره بأن الطاعون لا يدخل داره، وأن الزلازل لا تهلكه وأنصاره، ويدفع الله عن بيته شرهما ".
عقائد القاديانية :
1. يعتقد القاديانية بتناسخ الأرواح: حيث زعم ميرزا أن إبراهيم عليه السلام ولد بعد ألفين وخمسين سنة في بيت عبدالله بن عبدالمطلب متجسدا بالنبيمحمد صلى الله عليه وسلم ، ثم بُعث صلى الله عليه وسلم مرتين أخريين أحدهما عندما حلت الحقيقة المحمدية في المتبع الكامل يعني نفسه.
2. يعتقدون أن الله يصوم ويصلي وينام ويخطيء، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، يقول ميرزا: " قال لي الله : إني أصلي وأصوم وأصحو وأنام " وقال :" قال الله : إني مع الرسول أجيب أخطيء وأصيب إني مع الرسول محيط ".
3. يعتقدون أن النبوة لم تختم ب صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، وأن الله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً!! وأن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد بالوحي، وأن إلهاماته كالقرآن .(38/128)
4. يقولون: لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام )، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة "غلام أحمد"، ويعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين، وهو غير القرآن الكريم !!
5. يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل، وشريعة مستقلة، وأن رفاق الغلام كالصحابة،كما جاء في صحيفتهم "الفضل، عدد 92 " : " لم يكن فرق بين أصحاب صلى الله عليه وسلم وتلاميذ الميرزا غلام أحمد، إن أولئك رجال البعثة الأولى وهؤلاء رجال البعثة الثانية ".
6. يعتقدون أن الحج الأكبر هو الحج إلى قاديان وزيارة قبر القادياني، ونصوا على أن الأماكن المقدسة ثلاثة مكة والمدينة وقاديان ، فقد جاء في صحيفتهم:" أن الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب، لأن الحج إلى مكة لا يؤدي رسالته ولا يفي بغرضه " .
7. يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات !!
8. كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوَّج لغير القاديانيين فهو كافر !!.
9. ينادون بإلغاء الجهاد، ووجوب الطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية التي كانت تحتل الهند آنذاك، لأنها - وفق زعمهم - ولي أمر المسلمين!!
10 يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية !!
بعض زعماء القاديانية :
• الحكيم نور الدين البهريري : وهو أبرز شخصية بعد (الغلام) والخليفة من بعده ، ولد سنة 1258هـ تعلم الفارسية ومباديء العربية .
• محمود أحمد بن غلام أحمد: الخليفة الثاني للقاديانيين، تولى الزعامة بعد وفاة الحكيم نور الدين، وأعلن أنه خليفة لجميع أهل الأرض، حيث قال: " أنا لست فقط خليفة القاديانية، ولا خليفة الهند، بل أنا خليفة المسيح الموعود، فإذا أنا خليفة لأفغانستان والعالم العربي وإيران والصين واليابان وأوربا وأمريكا وأفريقيا وسماترا وجاوا، وحتى أنا خليفة لبريطانيا أيضا وسلطاني محيط جميع قارات العالم ".
• الخواجة كمال الدين: كان يدّعي أنه مثل غلام أحمد في التجديد والإصلاح، وقد جمع كثيرا من الأموال، وذهب إلى إنجلترا للدعوة إلى القاديانية، ولكنه مال للَّذات والشهوات وبناء البيوت الفاخرة.
موقف علماء الإسلام من القاديانية :
لقد تصدى علماء الإسلام لهذه الحركة، وممن تصدى لهم الشيخ أبو الوفاء ثناء الله أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظر "ميرزا غلام" وأفحمه بالحجة، وكشف خبث طويته، وكُفْر وانحراف نحلته. ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك "الميرزا غلام أحمد القادياني" في عام 1908م، مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً كلها تدعوا إلى ضلالاته وانحرافاته.
وقام مجلس الأمة في باكستان ( البرلمان المركزي ) بمناقشة أحد زعماء هذه الطائفة "ميرزا ناصر أحمد" والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله . وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها "ناصر أحمد" عن الجواب وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل معها، وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين .
وقد صدرت فتاوى متعددة من عدد من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، تقضي بكفر القاديانية، منها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، هذا عدا ما صدر من فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها .
وقفة مع القاديانية
كثيرة هي الأشياء التي تستدعي الانتباه في ظاهرة القاديانية، لكن ما نراه جديرا بالملاحظة وحريا بالاهتمام هو البحث في جذور نشأة تلك الحركات، وكيف وجدت في البيئة الإسلامية تربة خصبة لنشر أفكارها، مع أنها حركة في لبِّها وحقيقتها وفي ظاهرها وعلانيتها مناقضة لثوابت الدين، مصادمة لحقيقته، فالأمة مجمعة إجماعا قطعيا يقينيا على أنه لا نبي بعدمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكل دعوى النبوة بعده فهي ضلال وهوى، هذا غير بدعهم الكفرية الأخرى .
والسؤال الذي يرد هنا، هو كيف أصبح لهؤلاء أتباعاً من المسلمين ؟ ولعل الجواب على هذا السؤال - رغم أهميته - لا يحتاج إلى كبير عناء، فالجهل هو السبب الرئيس وراء اتباع مثل هذه الحركات، ووراءه كذلك تقصير مرير من علماء الأمة وطلبة العلم فيها عن واجب البلاغ، حفظا للدين وقمعا لدعوات البدع والضلال والردة .
وعليه فالعلاج - كما هو واضح - يتركز في نشر العلم وتبليغ الدين، وعدم إهمال أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، ولو كانت في أطراف الدنيا، حفظا للدين وحتى تسلم الأمة من أمثال هذه البدع المهلكة .
=============(38/129)
(38/130)
لبهائية ...تاريخها وأفكارها
الاربعاء:14/12/2005
(الشبكة الإسلامية)
التعريف : دين مُخْتَرعٌ، أنشأه وأظهره حسين علي الملقب " البهاء "، والذي ادعى النبوة، وزعم أن شريعة الإسلام قد نسخت بمبعثه.
المؤسسون :
الميرزا حسين علي الملقب "البهاء" ولد في قرية "نور" بنواحي "مازندران" بإيران ، سنة 1233هـ .
التقى البهاء بأحد مدعي النبوة، واسمه " الباب " وأصبح البهاء من أتباعه إلى أن مات، وتنازع هو وأخوه "صبح الأزل" خلافة الباب بعد موته حتى افترقا جسدا وفكرا .
ثم ادعى البهاء النبوة، ولم يكتف بها بل تجاوزها إلى ادعاء الألوهية، وأنه القيوم الذي سيبقى ويخلد، وأنه روح الله، وأنه هو من بعث الأنبياء والرسل، وأوحى بالأديان، وزعم أن "الباب"لم يكن إلا نبيا مهمته التبشير بظهوره .
نبذة تاريخية عن البابية ووليدتها البهائية
ظهرت البابية أول ما ظهرت في إيران، وبدأت دعوتها سرا، غير أن أمرها شاع، وبلغ السلطات في إيران، فقامت بالقبض على زعيمها "الباب" وسجنته سنة 1263هـ - 1847م، إلا أن أتباعه وجدوا طريقة للالتقاء به في السجن، والتشاور معه حول سير دعوتهم.
ثم تحوّل البابية في أسلوب دعوتهم - بعد انكشاف أمرهم- من السر إلى الجهر، فدعوا إلى عقد مؤتمر يجمع أقطابهم، فاجتمعوا في صحراء "بدشت" بإيران في رجب سنة 1264هـ، وقرروا نسخ الشريعة الإسلامية، لأن "الباب" قد أبطل العمل بها .
وكان من أشد أنصار هذه الفكرة - إلغاء الشريعة- والمتحمسين لها، حسين علي نوري، والذي استطاع أن يتميز في ذلك المؤتمر ويخرج بلقب " بهاء الله " تمهيدا لما يخطط إعلانه من أنه خليفة "الباب".
واشترك "البهاء" في محاولة اغتيال الملك " ناصر الدين" شاه إيران، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، وكشف الفاعلون، ففر "البهاء" إلى سفارة روسيا التي قدمت له الحماية الكاملة، ولم تسلمه إلى السلطات الإيرانية إلا بعد أن أخذت وعدا منها بعدم إعدامه .
ولم تكتف بذلك بل ساعدت على إخراجه من إيران، فنفي " البهاء " وأخوه "صبح الأزل" إلى بغداد في جمادى الآخرة 1269هـ الموافق إبريل 1853م، ومن بغداد إلى إستانبول في ذي القعدة 1279هـ الموافق إبريل 1863م، ومن اسطنبول نقلا إلى أدرنة، ومكثا هناك نحو أربع سنوات ونصف، اختلف خلالها الأَخَوَان، وتنافسا المناصب والألقاب، وقام "البهاء" خلالها بنشر دعوته بين عامة الناس، فتبعه طائفة سموا "البهائية" وتبع طائفة أخرى أخاه فسموا "الأزلية" أو "البابية" .
أدركت الدولة العثمانية خطر "البهاء" وأخيه "صبح الأزل" على الناس فقامت بنفيهما مرة أخرى وفرقت بينهما، فنفت "صبح الأزل" إلى قبرص وظل بها حتى مات، في حين نفت " البهاء " إلى عكا، ومعه بعض أتباعه، فنزل بها سنة 1285هـ الموافق 1868م، حيث لقي حفاوة بالغة من اليهود الذين أحاطوه بالرعاية، وأضحت عكا منذ ذلك التاريخ مقرا دائما للبهائية ومكانا مقدسا لهم.
عقائد البهائية وأفكارها وشعائرها :
1. الإيمان بحلول الله في بعض خلقه، وأن الله قد حلَّ في "الباب" و"البهاء".
2. الإيمان بتناسخ الكائنات، وأن الثواب والعقاب يقع على الأرواح فقط.
3. الاعتقاد بأن جميع الأديان صحيحة، وأن التوراة والإنجيل غير محرَّفين، ويرون ضرورة توحيد جميع الأديان في دين واحد هو البهائية.
4. يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزرادشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس.
5. يؤمنون - موافقة للنصارى - بصلب المسيح.
6. ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار .
7. يحرمون الحجاب على المرأة، ويحللون المتعة، ويدعون إلى شيوعية النساء والأموال.
8. يقولون إن دين الباب ناسخ لشريعةمحمد صلى الله عليه وسلم .
9. يؤولون القيامة بظهور البهاء، أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكا بفلسطين بدلاً من المسجد الحرام.
10. الصلاة عندهم تؤدى في اليوم ثلاث مرات في اليوم، كل صلاة ثلاث ركعات، صبحا وظهرا ومساء، والوضوء لها بماء الورد، وإن لم يوجد فيكتفون بالبسملة "بسم الله الأطهر الأطهر" خمس مرات .
11. لا يجوزون الصلاة جماعة إلا عند الصلاة على الميت.
12. يقدّس البهائيون العدد تسعة عشر، ويجعلون عدد أشهر السنة تسعة عشر شهرا، عدد كل شهر تسعة عشر يوما.
13. يصوم البهائيون شهرا بهائيا واحدا هو شهر العلا ويبدأ من 2 إلى 21 مارس وهو آخر الشهور البهائية، وفيه يجب الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلى الغروب، ويعقب شهر صومهم عيد النيروز.
14. يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الكفار الأعداء خدمة للمصالح الاستعمارية .
15. ينكرون أن محمداً - خاتم النبيين - مدعين استمرار الوحي بعده.
16. يبطلون الحج إلى مكة، ولهذا كان حجهم إلى حيث دفن "بهاء الله" في البهجة بعكا بفلسطين.
نماذج من كلام البهاء(38/131)
هذه نماذج من أقوال البهاء، نقلناها ليُعلم قيمة قائلها وثقافته، يقول البهاء " انتهت قيامة الإسلام بموت علي محمد الباب، وبدأت قيامة البيان ودين الباب بظهور من يظهره الله - يعني نفسه - فإذا مات أنتهت قيامته، وقامت قيامة الأقدس ودين البهاء ببعثة النبي الجديد "كتاب الإيقان ص 71.
ويقول في كتاب البديع ص 113: " كان المشركون أنفسهم يرون أن يوم القيامة خمسون ألف سنة!! فانقضت في ساعة واحدة !! أفتصدقون يا من عميت بصائركم ذلك ؟! وتعترضون أن تنقضي ألفا سنة بوهمكم في سنين معدودة".
ويقول كما في كتابه الأقدس ص 34 " ليس لأحد أن يحرك لسانه ويلهج بذكر الله أمام الناس حين يمشى في الطرقات والشوارع".
ويقول في ص 41 " كتب عليكم تجديد أثاث البيت في كل تسعة عشر عاماً ". ويقول: " أُحِلُ للرجل لبس الحرير لقد رفع الله حكم التحديد في اللباس واللحى".
ويقول:" قد منعتم من إرتقاء المنابر فمن أراد أن يتلو عليكم آيات ربه فليجلس على الكرسي " .
خاتمة
تلك هي البهائية، وتلك بعض عقائدها، خليط غير متجانس من العقائد السماوية والأفكار الوثنية، أخرجها "البهاء" في قالب غريب، سماه وحياً وكتاباً مقدساً، فيالله أين عقول الخلق حين اتبعوه، وأين بصيرتهم حين قلدوه ؟!
هذا وقد صدرت فتاوى من مراجع معتمدة في العالم الإسلامي أفتت بكفر البهائية وردتها عن الإسلام، ننقل منها ما صدر عن الأزهر، وعن مفتي السعودية السابق الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله :
أولاً : فتوى دار الإفتاء بالأزهر :
" بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالبهائية فرقة مرتدة عن الإسلام، لا يجوز الإيمان بها، ولا الاشتراك فيها، و لا السماح لها بإنشاء جمعيات أو مؤسسات، وذلك لأنها تقوم على عقيدة الحلول، وتشريع غير ما أنزل الله، وادعاء النبوة، بل والألوهية، وهذا ما أفتى به مجمع البحوث الإسلامية في عهد الشيخ جاد الحق، وأقره المجمع الحالي .
يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق - رحمه الله :
.. والبابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات وأديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الإسلامية لإصلاح شأنها وجمع شملها، بل وضُح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار ونحل ابتليت بها الأمة الإسلامية حربا على الإسلام وباسم الدين " ا.هـ .
ثانيا: فتوى الشيخ ابن باز في البهائية :
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - مفتي المملكة السعودية سابقا عن: الذين اعتنقوا مذهب ( بهاء الله) الذي ادعى النبوة، وادعى أيضا حلول الله فيه، هل يسوغ للمسلمين دفن هؤلاء الكفرة في مقابر المسلمين ؟
فأجاب: إذا كانت عقيدة البهائية كما ذكرتم فلا شك في كفرهم وأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين؛ لأن من ادعى النبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم فهو كاذب وكافر بالنص وإجماع المسلمين ؛ لأن ذلك تكذيب لقوله تعالى:{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ، ولما تواترت به الأحاديث عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، وهكذا من ادعى أن الله سبحانه حال فيه، أو في أحد من الخلق فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأن الله سبحانه لا يحل في أحد من خلقه بل هو أجل وأعظم من ذلك، ومن قال ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين، مكذب للآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه فوق العرش، قد علا وارتفع فوق جميع خلقه، وهو سبحانه العلي الكبير الذي لا مثيل له، ولا شبيه له، وقد تعرَّف إلى عباده بقوله سبحانه: { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } ( الأعراف: 54 ) .. وهذا الذي أوضحه لك في حق الباري سبحانه، هو عقيدة أهل السنة والجماعة التي درج عليها الرسل عليهم الصلاة والسلام، ودرج عليها خاتمهم محمد رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ودرج عليها خلفاؤه الراشدون وصحابته المرضيون والتابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا.
واعلم - يا أخي - أنني لم أقرأ شيئا من كتب البهائية إلى حين التاريخ، ولكن قد علمت بالاستفاضة أنها طائفة ضالة كافرة خارجة عن دائرة الإسلام، وعلى مقتضى ما ذكر في السؤال حصل الجواب.
ثم إني اطلعت بعد تحرير الجواب على محاورة بين سني وبهائي نشرتها مجلة (الهدي النبوي) لأنصار السنة في القاهرة، في أعداد أربعة، قرأت منها ثلاثة أعداد صادرة في رمضان وذي القعدة اثنان منها صدرا في عام 1368هـ، والثالث في ربيع الثاني من عام 1369هـ، وقد صرح البهائي في هذه المحاورة أن بهاء الله رسول الطائفة البهائية، يزعم أنه رسول ناسخ للشرائع التي قبله، نسخ تعديل وتلطيف، وأن كل عصر يحتاج إلى رسول، وصرح أيضا بإنكار الملائكة، وأن حقيقة الملائكة هي أرواح المؤمنين العالية، وظاهر كلامه أيضا إنكار المعاد الجثماني، وإنكار ما أخبر به الرسو صلى الله عليه وسلم عن الدجال، ولا شك أن دعوى البهائي (الرسالة)، وزعمه أن كل عصر يحتاج إلى رسول كفر صريح .
==============(38/132)
(38/133)
نظرية الإغماء بين تناقضات ديدات و سرقات غلام قاديان
فؤاد العطار
Anti_ahmadiyya@yahoo.com
لقد قامت نظريات و تفسيرات عديدة حول كيفية نجاة المسيح عليه السلام من الصلب. بعض التفسيرات هي للعلماء المسلمين أنفسهم و بعضها لغير المسلمين من نصارى و قاديانيين و غيرهم. و من عجائب هذا الزمان ترديد بعض المسلمين لبعض الآراء الدينية لغير المسلمين دون وزنها بميزان الإسلام و دون عرضها على المنطق السليم. و من تلك النظريات السقيمة ادعاء ميرزا غلام أحمد القادياني - نبي الطائفة القاديانية 1839م _1908م - بأن المسيح عليه السلام كان قد عُلق على الصليب لكنه أغمي عليه فتركه اليهود ظناً منهم بأنه مات. لكنه قام من قبره بعد الإغماء و هاجر إلى كشمير حيث عاش هناك ما يقرب من تسعين عاماً.
و قد ادعى غلام قاديان بأن الله أوحى له بهذا التفسير. لكن من الواضح أن الغلام كان قد سرق الجزء الأول من نظريته - و هو الإغماء على الصليب - من بعض المفكرين النصارى الذين كانوا قد قالوا بهذه النظرية من قبل. و قد انتشرت نظرية الإغماء تلك في أوروبا خلال القرن التاسع عشر فيما عرف بالنقد العصري للكتاب المقدس، و تفيد المصادر الكنسية بأن الألماني شلير ماخر في كتابه "حياة يسوع" الذي نُشر في بداية القرن التاسع عشر كان قد أنكر المعجزات وخاصة قيامة يسوع وذكر أنها رجوع إلى الوعي بعد إغماء طويل. و بالإستقراء نؤكد بأن كتاب المدعو شلير ماخر هو من أوحى للغلام بالفكرة وليس الله تعالى. وقد أيد هذه النظرية أيضاً في القرن التاسع عشر الناقد الألماني "فنتوريني" فربما يكون قد ساهم بدوره في هذا الوحي.
و من الذين تأثروا بنظرية الإغماء على الصليب الداعية أحمد ديدات -رحمه الله -و علي الجوهري (مترجم كتب ديدات). أما أحمد ديدات فكان يستخدم هذه النظرية في مناظراته و كتبه عن النصرانية. و اتضح جلياً تأثره بالكتابات القاديانية و اللاهورية و خاصة عندما ساق ما ادعاه من أدلة إنجيلية على نظرية الإغماء تلك. و قد ساق ديدات ثلاثين من تلك الإستنباطات في كتابه "صلب المسيح بين الحقيقة و الإفتراء". وقد تطابق 13 استنباطاً منها مع كل الإستنباطات التي ساقها محمد علي اللاهوري - أحد أتباع غلام قاديان - في تفسيره الباطني للقرآن الكريم و الذي ينفي فيه معجزات المسيح عليه السلام مثل ولادته من غير أب و تكلمه في المهد و إحيائه الموتى بإذن الله.
و قد سارع البعض إلى اتهام أحمد ديدات بأنه قادياني أو لاهوري خاصة بعد أن راجت إشاعات في بلده جنوب إفريقيا بأنه كان يوزع الترجمة الكافرة للقرآن الكريم و التي كتبها محمد أسد. مما اضطر أحمد ديدات أن يصدر توضيحاً حول هذا الأمر بتاريخ 23-7-1987م أكد فيه تكفيره لميرزا غلام أحمد القادياني. كما و أعلن تكفيره لكل أتباع الغلام من قاديانيين و لاهوريين. و نفى أن يكون قد قام بتوزيع تلك الترجمة المنحرفة للقرآن الكريم.
و نحن نستغرب من أولئك الذين أصروا على اتهام ديدات - رحمه الله - بالإنتماء للقاديانية مع أنه أصدر إعلان البراءة من تلك التهمة. و لا ندافع بهذا عن أخطاء ديدات و لكننا نقبل من الناس ظاهرهم و تصريحاتهم كما علمنا الإسلام. و نعرض كتاباته و كتابات غيره على كتاب الله و سنة رسوله. و للحق فإن الباحث في كتابات ديدات يجد أنه استعمل نظرية الإغماء فعلاً في معظم جداله مع النصارى. لكنه في كتابه "عيسى إله أم بشر أم أسطورة" ص 138 يقول:
((إن الذي صُلب هو شخص آخر يشبهه. أما إنجيل برنابا فيؤيد النظرية التي تقول أن شخصاً آخر قتل محله على الصليب. و هذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن المسلمين. فهنا الشبهة التي حصلت بقتلهم شخصاً آخر يشبهه)).
و مع أن ما قاله لا يمثل وجهة نظر جميع المسلمين إلا أنه لا يتعارض مع القرآن الكريم. إذاً فهذا الكلام ينفي عن ديدات الإعتقاد بصحة نظرية الإغماء السخيفة. لكنه لا يعفيه من تبني تلك النظرية خلال جداله مع النصارى. فلا يجوز للمسلم أن يحتج بما يخالف القرآن الكريم في جداله مع الكفار. خاصة و أن كلام ديدات في مناظراته و كتبه يدعم بشدة تلك النظرية الظالمة التي لا تأبه بتأكيد القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام لم يوضع على الصليب.(38/134)
و من الملاحظ أن نظرية الإغماء تعتمد كلياً على بعض النصوص الإنجيلية حول قصة صلب المسيح عليه السلام. و تضرب تلك النظرية بعرض الحائط كل النصوص التي ساقها كتبة الإناجيل أنفسهم حول أحداث قيامة المسيح و نزوله من السحاب بعد عملية الصلب و غيرها من الروايات التي لا تتفق أبداً مع فرضية الإغماء تلك. فكيف يصدق أولئك المقلدون روايات الصلب و يكذبون معظم الروايات في أحداث انشقاق حجاب الهيكل والصعود إلى السماء و الملائكة التي تدحرج الحجر عن القبر المفترض للمسيح..إلخ !!؟. يقول إنجيل متى مثلاً واصفاً اللحظة التي فارق فيها المصلوب الحياة ((وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين - إنجيل متى 27/51 - 53 )). و هذه الأحداث لا يعترف بها أصحاب نظرية الإغماء أبداً فلماذا اعترفوا بتفاصيل عملية الصلب نفسها يا ترى ؟!!!. خاصة و أن الأناجيل نفسها تدعي هرب تلاميذ المسيح قبيل حادثة الصلب المزعومة !!. يقول إنجيل مرقس بخصوص تلاميذ المسيح:((فتركه الجميع وهربوا - مرقس 14/50 )). فإن جاز تصديق التلاميذ لأمكن تصديقهم في أحداث ما بعد الصلب و ليس في أحداث الصلب نفسها. لكن أصحاب نظرية الإغماء يفعلون العكس تماماً. و لا ندري لماذا يلزمنا أصحاب تلك النظرية المتداعية أن نصدق تلك القصة التي لم يحضر أي من رواتها الأصليين الأحداث التي جرت فيها. بل إن اثنين من رواتها الأربعة - و هما مرقس و لوقا -لم يكونا من تلاميذ المسيح عليه السلام أصلاً و لم يروا المسيح أبداً فكيف تقبل شهادتهم في أمر جلل مثل قصة الصلب المزعومة !!. و كيف تقبل تفاصيل تلك القصة مع تناقض رواتها فيها و عدم معرفة الوسيلة التي حصلوا فيها على تلك التفاصيل كلها رغم غيابهم عن الحادثة ؟!!. ناهيك عن التناقضات في النسخ الموجودة للإنجيل الواحد نفسه. يقول أحد المحققين النصارى في تاريخ الأناجيل - اينوك باول - في كتابه " تطور الأناجيل " : ((قصة صلب الرومان للمسيح لم تكن موجودة في النص الأصلي للأناجيل)). وقد استند في ذلك على إعادته ترجمة نسخة إنجيل متى اليونانية، فتبين له أن هناك أجزاء وردت مكررة في هذا الإنجيل، مما يوحي بأنه أعيدت كتابتها في مرحلة تالية.
و نحن إذ نلوم النصارى على تبني بعضهم تلك النظرية الغبية فإننا نستهجن أيما استهجان أن يتبناها من يعلن إسلامه و إيمانه بكل ما أخبر به القرآن الكريم. خاصة و أن من النصارى أنفسهم من اضطر إلى الإعتراف العلني بأن الإنجيل الذي بين أيدينا تعرض إلى التحريف و التبديل. و كلام المحقق اينوك باول مثال واضح على ما نقول. و نضرب على هذا مثالاً آخر و هو ما خلص إليه أصحاب كتاب " The Holy Blood and The Holy G r ail" حيث قالوا مثلاً في صفحة 279:
((إن الكتاب المقدس - كما هو عليه اليوم - إن هو إلا نتاج لعملية انتقائية و تعسفية نوعاً ما. ليس هذا و حسب و إنما خضع إلى شيء من التحرير و الحذف و التنقيح)).
و ما صلبوه
و إن كان التناقض هو ظاهر حال أحمد ديدات فيما يتعلق بنظرية الإغماء فإن موقف مترجم كتبه إلى العربية - علي الجوهري - كان واضحاً لا غموض فيه. فقد دافع الجوهري بشدة عن نظرية الإغماء التي ساقها أحمد ديدات في كتابه "صلب المسيح بين الحقيقة و الإفتراء" و الذي ترجمه الجوهري بنفسه إلى العربية. و قد كان الجوهري شديد الحماس لتلك النظرية إلى درجة أنه عاب على المسلمين عدم تبنيها !!. و يرى الجوهري أن هذه النظرية لا تعارض الآية الكريمة ((و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم - سورة النساء 157)) و هو بهذا يوافق القاديانيين و اللاهوريين في تفسيراتهم الباطنية للقرآن الكريم. و مما قاله علي الجوهري تأييداً لهذا التفسير الشاذ ما يلي:
((جدير بنا أن ندقق في معنى الفعل المبني للمجهول (صُلب). يقال عن شخص إنه صُلب إذا كان مات على الصليب ويقال عن شخص إنه أُغرق إذا كان قد مات إغراقاً تحت الماء، أما إذا كان حاول بعض الناس إغراق شخص تحت سطح الماء بهدف قتله ولم يمت هذا الشخص تحت الماء لأي سبب فإنهم لم يغرقوه. يجوز أن يكونوا قد شرعوا في قتله بإغراقه، ولكنهم في حقيقة الأمر (ما قتلوه وما أغرقوه(، حيث أنه لم يمت تحت سطح الماء من جراء إغراقهم له، في محاولتهم قتله تحت سطح الماء. وهكذا لو وُضِع شخص على الصليب ولم يمت من جراء الصلب لا يجوز أن نقول عنه أنه صُلب. ربما كان هذا شروعاً في قتله صلباً، ولكنهم (ما صلبوه). كتاب "هل مات المسيح على الصليب؟" ترجمة على الجوهري. ص 16)).(38/135)
قلت: إن هذا التفسير يخالف اللغة و المشاهدة. فمعلوم أن الإغراق و الصلب و الرمي بالرصاص و الذبح و الشنق و الصعق كلها أساليب للموت و ليست الموت نفسه. فلو أنك رميت شخصاً بالرصاص على رأسه فأصبته و لم يمت لما كان لك أن تقول (لم أرمه بالرصاص و لم أقتله) لأنك فعلياً رميته بالرصاص و لم تقتله. و كذلك لو صعقته بالكهرباء أو أغرقته في الماء أو ذبحته و نجى. فلا يقبل القاضي منك أن تقول لم أغرقه و لم أصعقه و لم أذبحه. لكنه يقبل منك أن تقول (لم أقتله) و حسب.
لذلك نرى الأحكام بالإعدام (شنقاً حتى الموت) أو (رمياً بالرصاص حتى الموت) و هكذا لأن هذه أساليب للموت و ليست الموت نفسه. فكيف بالصلب الذي هو و سيلة طويلة شاقة للموت.
و لا أدري لماذا يطلب منا علي الجوهري أن ندقق في الفعل المبني للمجهول (صُلب) مع أنه لم يرد في الآية الكريمة إلا الفعل الماضي !! و لا أدري كيف يدعي أن الإغراق هو القتل مع أننا نسمع عن إغراق السفن و القوارب. فهل للسفن أرواح كما للبشر؟ فالمعلوم أن الإغراق هو الإنزال قسراً تحت الماء. فإغراق السفن و الركاب يكون بإنزالهم قسراً تحت الماء و لا بد. و قد ينتشل المنقذون تلك السفن فتجري في البحر مرة أخرى. و قد ينقذ الناس أولئك الركاب بعد أن أغرقوا فينجون. و قد ظهر تناقض الجوهري جلياً حين قال ((يجوز أن يكونوا قد شرعوا في قتله بإغراقه..)) فهو في جملته هذه يستعمل الإغراق كوسيلة للقتل فقط لا تعني الموت أو القتل نفسه. و لو كان يعني بالإغراق القتل نفسه لجاز لنا أن نسوق جملة الجوهري تلك بقولنا ((يجوز أن يكونوا شرعوا في قتله بقتله)) و هذا كلام سخيف لا يقوله عاقل. و الأمر نفسه ينطبق على جملة الجوهري التالية ((حيث أنه لم يمت تحت سطح الماء من جراء إغراقهم له)). فإن كان الإغراق يعني القتل حقاً فهل لنا أن نصوغ الجملة بقولنا ((حيث أنه لم يمت تحت سطح الماء من جراء قتلهم له))؟!!
و من الطريف أنني شاهدت فيلما و ثائقياً عن عمليات جراحة الأعصاب. حيث قام الجراح بفصل رأس قرد عن جسده و تركيب رأس قرد آخر مكانه. و عاش القرد بعدها فترة من الزمن. فهل يجوز للجراح أن يقول و قتها (لم أقطع رأسه و لم أقتله) لمجرد نجاة القرد من الموت؟ فتأمل.
و الأمثلة اللغوية على أن الصلب وسيلة للموت و ليس هو الموت نفسه كثيرة. و نكتفي هنا بكلام أفصح العرب رسول الله صلى الله عليه و سلم. ففي صحيح مسلم حديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يحكي فيه قصة أصحاب الأخدود. و فيها أن الملك صلب الغلام ثم قام بقتله بعد ذلك. و هو ما يدل على أن الصلب وسيلة للموت و ليس هو الموت نفسه. و هذا جزء من الحديث كما ورد في صحيح مسلم:
((.. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام ..)).
و ما دام الصلب أسلوب للموت و ليس هو الموت نفسه فإن نفي الله تعالى لوقوع عملية الصلب هو نفي لوقوع أسلوب الموت و لا بد. فهم لم يرفعوا المسيح عليه السلام على الصليب قط.
و الأناجيل نفسها التي يحتج بها أصحاب نظرية الإغماء تتعامل مع الفعل "صلَبَ" بمعنى التعليق على الصليب بغض النظر عن تحقق الموت من عدمه. و إليك ما تقوله الأناجيل الأربعة:
(1) يقول إنجيل يوحنا:
((ثم ان العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع اخذوا ثيابه وجعلوها اربعة اقسام لكل عسكري قسما - إنجيل يوحنا 19/23 )) ثم يقول بعد ذلك بقليل : ((فلما رأى يسوع امه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امرأة هوذا ابنك - إنجيل يوحنا 19/26)). ثم يقول بعد ذلك (( فلما اخذ يسوع الخل قال قد اكمل .ونكس راسه واسلم الروح - إنجيل يوحنا 19/30)). فجملة (صلبوا يسوع) لم تعنِ لأحد بأنه قد فارق الحياة.
(2) يقول إنجيل متى:
((ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها - إنجيل متى 27/35)). و بعد عدة أحداث قال متى ((فصرخ يسوع ايضا بصوت عظيم واسلم الروح - إنجيل متى 27/50)). فجملة (صلبوه) لم تعنِ لأحد بأنه قد فارق الحياة.
(3) يقول إنجيل مرقس:
((ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد - إنجيل مرقس 15/24)). و بعد ذلك بقليل يقول مرقس ((فركض واحد وملأ اسفنجة خلا وجعلها على قصبة وسقاه قائلا اتركوا .لنر هل يأتي ايليا لينزله. فصرخ يسوع بصوت عظيم واسلم الروح - إنجيل مرقس 15/36-37 )). فجملة (صلبوه) لم تعنِ لأحد بأنه قد فارق الحياة.
(4) يقول إنجيل لوقا:(38/136)
((ولما مضوا به الى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحدا عن يمينه والآخر عن يساره .- إنجيل لوقا 23/33)). و بعد ذلك بقليل يقول لوقا ((واظلمت الشمس وانشقّ حجاب الهيكل من وسطه . ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا ابتاه في يديك استودع روحي .ولما قال هذا اسلم الروح - إنجيل لوقا 23/45-46)). فجملة (صلبوه) لم تعنِ لأحد بأنه قد فارق الحياة.
أما من تبنوا نظرية الإغماء - ممن يدعون الإيمان بالقرآن الكريم - ففهموا من الأناجيل كلها أن جملة "صلبوه" تعني "علقوه على الصليب". لكنهم فهموا من نفس الجملة "صلبوه" في القرآن أنها تعني "قتلوه". و نحن نفهم قبول القاديانيين و اللاهوريين لهذه الباطنية و التناقض فدينهم دين الطاغوت المتناقض المليء بالسخافات. لكننا نعجب ممن يدين عبيد غلام قاديان لكنه يقلدهم فيما اقترفوه من تفسير أعوج لهذه الآية الكريمة.
أما الفعل "صَلَبَ" في القرآن فلم يأت إلا بمعنى "علق على الصليب"، لكن السياق في الآيات أفاد بأن المفعول به قد مات أو أنه يجب أن يموت، و أنا أورد هنا الآيات الأخرى التي ورد فيها الفعل صلب:
((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) المائدة 33
الآية فيها تخيير للحاكم المسلم بإقامة إحدى العقوبات المذكورة حسب حال المحارب. و الراجح أن الصلب يكون إذا جمع الشخص جريمة القتل إضافة إلى جريمة الحرابة، و الصلب يكون بعد القتل حتى لا يحال بين المصلوب و بين الصلاة. و الله أعلم.
و قد اختلف العلماء في صلب المحارب، فمنهم من رأى القتل ثم الصلب، و منهم من رأى الصلب ثم القتل، و قال بعض أهل الظاهر أن الصلب هنا يكون بدون قتل، و نفوا أن يكون الصلب هو القتل لأن المصلوب برأيهم يموت حتف أنفه، و لا يجوز إنزاله عن الصليب حياً لأن الله لم يذكر مدة محددة للصلب ((و ما كان ربك نسياً))، لكن الواجب دفن الميت في النهاية عملاً بالأوامر الأخرى الواردة في هذا الشأن.
و قد روي عن الشافعي أنه أفتى بصلب المحارب لثلاثة أيام بعد قتله ليكون عبرة لغيره. وقَال أَبو يوسف : إِذا أَخذ المال وقتل صُلبَ وَقتِلَ عَلَى الْخشبَة ; قَال اللّيث : يقتل بِالْحربة مصلوبا . وقَال أَبو حنيفة : إِذَا قَتَلَ قُتِلَ ، وإِذا أَخذ الْمال ولَم يَقتل قُطِعَت يَده ورجله من خلاف، وإِذا أَخذ المال وقَتَل فَالسلطَان مخيَّر فيه ، إِن شاء قَطَعَ يده وَرِجله وَإِنْ شَاءَ لَم يقطع وقَتَلَه وَصلَبَهُ. و روي هذا أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه. و قال الإمام الطبري رحمه الله بأنه ليس للحاكم أن يصلب المحارب حياً و يتركه على الخشبة مصلوباً حتى يموت من غير قتله، و ادعى الطبري الإجماع على هذا بينما الحقيقة أن هذا هو رأي الجمهور.
فجمهور العلماء لم يقولوا بترك المحارب ليموت على الصليب بل الحاكم مخيربقتله ثم تعليقه على الخشبة أو قتله بدون تعليقه. و هذا هو الأولى و الله أعلم. و لا ينبغي تعليق الشخص على الصليب لفترة ثم إنزاله حياً لأن الصلب و سيلة للقتل، فما دامت مذكورة للعقاب فلا ينبغي صرف الوسيلة إلى التعذيب فقط، خاصة و أن المصلوب ستفوته الصلوات إن بقي حياً على الصليب. قال الشافعي (أَكرَه أَنْ يُقْتل مَصلُوبا لِنَهيِ رَسُول اللَّ صلى الله عليه وسلم عن الْمُثلَة). و من ناحية أخرى فإن الصلب يلجأ إليه إن جمع المحارب بين جريمتي القتل و الحرابة، فلا يجوز إسقاط حد القتل عن المحارب القاتل، فيجب قتله قبل أو بعد صلبه.
و من العلماء من قال بأنه لا يجوز الجمع بين عقوبتين للحرابة في وقت واحد لأن الآية تعطي الخيار للحاكم باختيار عقوبة واحدة فقط، و هذا القول صحيح، لكن الناظر إلى تطبيقات الفقهاء لا يراهم يجمعون أكثر من عقوبة للحرابة بل هم يجمعون بين عقوبة واحدة للحرابة و عقوبات أخرى للجرائم التي قد يكون المحارب قد اقترفها. فإن جمع المحارب بين جريمتي الحرابة و القتل جاز لنا قتله حداً لجريمة القتل ثم صلبه حداً لجريمة الحرابة. أما قتله على الصليب فجائز و الله أعلم إن كان بطريقة تنفيذ قصاص القتل، أما طعنه بالحربة أو ما شابه ذلك فلا ينبغي لأننا مأمورون بالإحسان في كل شيء.
((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تستفتيان)) - سورة يوسف 41
واضح من الآية أن الرجل الذي سوف يصلب لن ينزل عن الصليب حياً، فالطير لا تأكل من رأس الحي على الصليب بل تجرؤ على ذلك بعد موته و تحلل جسده و لو قال (و أما الآخر فيلقى في البحر فتأكل الأسماك من رأسه) لفهمنا أيضاً أنه سيقتل، مع أن الإلقاء في البحر لا يعني الموت بالضرورة.(38/137)
((قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى )) - سورة طه 71
هدد فرعون السحرة الذين أسلموا بتقطيع الأعضاء من خلاف و من ثم تعليقهم على الصلبان ليتعفنوا هناك، و ذلك ظاهر من تهديده بالعذاب الشديد الباقي، فلا يتصور أنه كان ينوي إنزالهم عن الصليب أحياء و ينجوا بفعلتهم.
و لو قال لهم فرعون (و لأدقَن أجسادكم في جذوع النخل و لتعلمن أينا أشد عذاباً و أبقى) لفهمنا أيضاً أنه لن ينزلهم أحياء بعد تعليقهم، و إلا لما كان تهديده شديداً. و كذلك لو قال لهم (و لألقينّ أجسادكم في الصحراء ..) فإننا سنفهم من تهديده أنه سيتركهم هناك ليموتوا حراً و جوعاً و عطشاً، و هكذا.
إذاً فالفعل "صَلَبَ" في القرآن لم يأت بمعنى قتل، و لكن السياق أفاد بموت الضحية، و أنا أريد أن أقارن بين الفعل "صلب" و الفعل "جلد" حيث ألفت انتباه القاريء الكريم إلى الآيتين التاليتين:
(1) قال تعالى ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً - سورة النور: 4)) لنتفكّر قليلاً في هذه العقوبة "الجلد".
الجلد هو وسيلة للعقاب الهدف منها التعذيب أو الإيلام. و لو قام أحدهم بجلد شخص ما لكنه لم يؤلمه لما استطعنا أن ننفي ان الشخص قد جُلِد. لكن سياق الآية يبيّن الغاية من جلد الذين يقذفون المحصنات و هو التعذيب و الإيلام حيث أنّ الجلد في العادة وسيلة للتعذيب.
لذلك لا يجوز للمسلمين مثلاً أن يقوموا بتخدير القاذف قبل جلده و معالجة جروحه قبل أن يصحو من التخدير. و لو فعلوا فجلدوه و هو تحت البنج أو المخدّر لما استطاع شخص أن ينفي أنهم قد جلدوه بالفعل. لكن سياق الآية يذكر وسيلة للتعذيب فلا يجوز استخدامها هنا بدون التعذيب بلا قرينة.
(2) و قال تعالى ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ - سورة المائدة : 34)). لنتفكر قليلاً في هذه العقوبات "التصليب" و "تقطيع الأيدي و الأرجل".
التصليب في الآية هو وسيلة للعقاب الهدف منها هو القتل في النهاية. و لو قام أحدهم بدق جسد شخص على الصليب لكنه لم يقتله لما استطعنا أن ننفي أن الشخص قد صُلِّب. لكن سياق الآية يبين الغاية من تصليب المحاربين لله و رسوله و هو القتل بعد الصلب أو الصلب بعد القتل، حيث أن التصليب في العادة هو وسيلة للقتل أو التشهير و الإهانة ليعتبر الآخرون.
و كذلك الحال بالنسبة لتقطيع الأطراف من خلاف فهي وسيلة للتعذيب الشديد و إلحاق عاهة بالمعاقََب. و لو قام أحدهم بتخدير شخص و تقطيع يديه و رجليه من خلاف ثمّ إعادتها عن طريق عملية جراحية لما استطعنا أن ننفي أن الشخص قد قطّعت أطرافه من خلاف. لكن سياق الآية يبين الغاية من تقطيع الأطراف و هو التعذيب حيث أن تقطيع الأطراف من خلاف هو في العادة وسيلة للتعذيب.
و الناظر إلى الآية ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ) يدرك أن الآية تنفي أمرين اثنين عن المسيح عليه السلام هما القتل و الصلب و ليس "القتل و القتل"
إذاً فالفعل "صَلَبَ" يعني "علّق على الصليب"، و هذا المعنى اتفق عليه علماء اللغة و الفقهاء في القديم و الحديث، و لم يخالفه إلا الهندي ميرزا غلام أحمد القادياني و من قلده من بعده. و أنا أورد هنا معنى الفعل "صَلَبَ" في بعض المعاجم و القواميس العربية القديمة و الحديثة:
1. المحيط (تأليف أديب اللجمي-شحادة الخوري -البشير بن سلامة-عبد اللطيف عب- نبيلة الرزاز )
صَلَبَ يَصْلُبُ صَلْبًا:- تِ الحُمَّى: اشتدَّتْ وطالت؛ صلبته الشمس/ صلبه الحَرُّ. - اللَّحمَ: شواهَ واستخرج دسمه. - الجانيَ: علَّقه ممدودَ اليدين مشدودَ الرِّجْلين.
2. الوسيط (مجمع اللغة العربية بجمهورية مصر العربية)
صَلَبَ - [ص ل ب) . صَلَبْتُ، أَصْلِبُ، اِصْلِبْ (أَصْلُبُ، اُصْلُبْ)، مص. صَلْبٌ. "صَلَبَهُ عَلَى لَوْحٍ": شَدَّهُ، أَيْ أَوْثَقَ يَدَيْهِ مَمْدُودَتَيْنِ وَرِجْلَيْهِ مَشْدُودَتَيْنِ
3. لسان العرب (لابن منظور محمد بن مُكرَّم بن عليّ بن أحمد بن حبقة الأنصاري الإفريقي)
صلب: جعله مصلوباً
المصلوب : المعلَّق على الصليب
و لكن شبه لهم أما قوله تعالى (و لكن شبه لهم) فوردت فيه عدة تفسيرات. و أستشهد هنا بأحد التفسيرات المهمة لهذه الآية الكريمة و هو ما أورده ابن حزم في كتابه (الفصل في الملل و الأهواء و النحل) حيث يقول رحمه الله : ((إنما عنى بذلك تعالى أن أولئك الفسّاق الذين دبروا هذا الباطل وتواطئوا عليه أنهم كذبة، وهم شبّهوا على من قلّدهم وكذبوا عليهم. فأخبروهم أنهم صلبوه و قتلوه و هم كاذبون في ذلك. عالمون أنهم كذبة. - الفصل. الجزء الأول ص 76)).(38/138)
ثم يضرب ابن حزم مثالاً بحادثة حصلت معه شخصياً. حيث حضر هو و جمع غفير من الناس دفن المؤيد هشام بن الحكم المستنصر. فرأى هو و غيره شخصاً مكفناً في نعش. و صلى عليه ابن حزم مع الآلاف من الناس. لكن المؤيد ظهر بعد حوالي سبعة شهور حياً و بايعه الناس بعد ذلك على الخلافة.
و يضيف ابن حزم في شرح جملة ((شبه لهم)) قائلاً: ((إنما هو إخبار عن الذين يقولون بتقليد أسلافهم من النصارى و اليهود: أنه عليه السلام قتل و صلب. فهؤلاء شبه لهم القول. أي أدخلوا في شبهة منه. و كان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت و شرَطهم المدعون لهم أنهم قتلوه و صلبوه و هم يعلمون أنه لم يكن ذلك. و إنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه و صلبوه في استتار و منع من حضور الناس. ثم أنزلوه و دفنوه تمويهاً على العامة الذين شبه لهم الخبر- الفصل. الجزء الأول ص 77)).
و هناك تفسيرات عديدة لمسألة التشبيه على الناس في مسألة الصلب. و نلخص التفسيرات التي تستحق الدراسة و لا تعارض القرآن الكريم بما يلي:
(1) لم يصلب اليهود أحداً لكنهم ادعو ذلك ليشبهوا على من قلدهم و يكذبوا عليهم بعد أن نجى الله المسيح عليه السلام من مكرهم.
و يقوي هذا الإحتمال ما نقله إنجيل يوحنا بأن يسوع تحدى اليهود بأنهم سيطلبونه ولا يجدونه ((فقال لهم يسوع انا معكم زمانا يسيرا بعد ثم امضي الى الذي ارسلني .ستطلبونني ولا تجدونني وحيث اكون انا لا تقدرون انتم ان تأتوا - يوحنا 7/34-35 )).
و نتساءل الآن: ماذا لو عرف اليهود بأنه عليه السلام قد مات و دفن أو اختفت جثته قبل أن يقبضوا عليه؟
لا بد بأنهم سيتبجحون بأنهم هم الذين قتلوه بل بأنهم قد صلبوه ليلعنوه.
(2) صلب اليهود واحدا من الناس و ادعوا أنه هو المسيح بن مريم عليه السلام ليشبهوا الأمر على الناس بعد أن نجى الله نبيه عليه السلام. و هذا التفسير هو ما ذهب إليه ابن حزم و غيره.
و ذهب قريباً من هذا الإستنتاج النصراني ملمن في كتابه " تاريخ الديانة النصرانية " حيث يقول : (( إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن )).
(3) صلب اليهود أحد تلاميذ المسيح عليه السلام الذين افتدوا نبيهم بأنفسهم. فادعى التلميذ بأنه هو المسيح عليه السلام عندما طلبه الجنود. فشبه الأمر لليهود بأن ظنوا أنهم صلبوا المسيح عليه السلام و قتلوه. و ذهب إلى هذا التفسير الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه. و اختاره بعض المفسرين أمثال ابن كثير و غيره. و يقوي هذا التفسير ما أوردته الأناجيل نفسها عن الذين جاءوا للقبض على المسيح عليه السلام. حيث كان من الواضح أنهم لم يكونوا على علم بشكله فقد احتاجوا لعلامة من يهوذا الذي أسلمه ليعلموا من هو الشخص المطلوب. و العلامة هي أن يقبّل يهوذا اليسوع. يقول إنجيل مرقس مثلاً: ((وكان مسلمه قد اعطاهم علامة قائلا الذي اقبّله هو هو. أمسكوه وامضوا به بحرص. فجاء للوقت وتقدم اليه قائلا يا سيدي يا سيدي .وقبّله . فألقوا ايديهم عليه وامسكوه - إنجيل مرقس 14/44-45-46)). أما إنجيل يوحنا فيوضح بجلاء أن الشخص المقبوض عليه هو من ادعى أنه المسيح عليه السلام حيث لم يعلم الجنود و لا خدام اليهود شكله. يقول يوحنا: ((فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح . فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم من تطلبون . اجابوه يسوع الناصري .قال لهم يسوع انا هو .وكان يهوذا مسلمه ايضا واقفا معهم - إنجيل يوحنا - 18/3-4-5))
قال بعض المفسرين بأن المصلوب هو جرجس و قال آخرون بأنه شمعون. و قال البعض بأن الله جعل اليهود يرونه على هيئة المسيح عليه السلام. و يؤيد هذه القصة ما ورد في إنجيل توما. و النسخ المكتشفة من إنجيل توما تعود إلى حوالي العام 150م كما قدر بعض خبراء المخطوطات. و يرجع المحقق كويستر هذا الإنجيل إلى منتصف القرن الأول الميلادي، وأرجعه المحقق كيسيبل إلى العام 140م. و يذكر إنجيل توما بعد أن وضّح بأن بديلاً عن المسيح عليه السلام هو من صُلب - و الكلام على لسان سيدنا عيسى عليه السلام كما يرويه توما: ((لم أخضع لهم كما أرادوا . و أنا لم أمت في الواقع بل في الظاهر لكيلا يلحقوا بي العار. لأن موتي الذي ظنوا أنهم أوقعوه بي إنما أوقعوه بأنفسهم في خطئهم و العمى. إذ مسمروا رجلهم على موتهم . لقد كان شخصاً آخر الذي شرب المر و الخل. لم يكن إياي. ضربوني بالقصب ! لقد كان شخصاً آخر هو شمعون. الذي حمل الصليب على كتفه. لقد كان شخصاً آخرالذي وضعوا على رأسه التاج و الشوك. و أنا كنت أضحك من جهلهم - كتاب The Holy Blood and The Holy G r ail)).(38/139)
(4) صلب اليهود أحد الذين وشوا بالمسيح عليه السلام بعد أن جعل اليهود يرونه على صورة المسيح عليه السلام. فظنه اليهود بأنه هو المسيح عليه السلام فصلبوه و قتلوه. فشبه الأمر لليهود بأن ظنوا أنهم صلبوا المسيح عليه السلام و قتلوه. و يؤيد هذه القصة ما ورد في إنجيل برنابا. فقد ادعى إنجيل برنابا أن الله ألقى شبه عيسى على يهوذا وأنه رُفع إلى السماء. و قد مهد لدعواه باعلان أن المسيح عليه السلام سوف يحيا إلى نحو منتهى العالم ، وأن جبريل قد أخبره بخيانة يهوذا. ثم أعلن يسوع أن الله سيصعده من الأرض وسيغير منظر الخائن (يهوذا) حتى يظنه كل أحد أنه يسوع (برنابا 112 :15). ثم يؤكد إنجيل برنابا القول بأن المسيح عليه السلام لم يوضع على الصليب أبداً ، بل القى الله شبهه على يهوذا الاسخريوطي فصلب بديلا عنه. و مما قاله برنابا:
((الحق أقول إن صوت يهوذا و شخصه ووجهه بلغت من الشبه بيسوع أن اعتقد تلاميذه و المؤمنون به كافة أنه يسوع - إنجيل برنابا : تحقيق سيف الله أحمد فاضل ص 292)).
أما إنجيل بطرس فيقول عن يسوع ما يلي: ((رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: ما هذا الذي أراه يا سيد ؟ هل هو أنت حقاً من يأخذون ؟.. أم أنهم يدقون قدميّ ويديّ شخص آخر؟.. قال لي المخلص.. من يُدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار ! انظر إليّ، وانظر إليه )).
و يقوي هذه القصة تناقض الروايات الأخرى في نهاية يهوذا الإسخريوطي. فيقول مثلاً إنجيل متى عن يهوذا ((فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه - إنجيل متى 27/2-5)). فإنجيل متى يؤكد موت يهوذا قبيل عملية الصلب المزعومة و لم تذكر الأناجيل الثلاثة الأخرى - مرقس و يوحنا و لوقا - أي شيء عن نهاية يهوذا مع أنه شخصية هامة في تلك الأحداث. بينما يحكي سفر أعمال الرسل نهاية أخرى ليهوذا فيقول: ((وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم - أعمال الرسل 1/16-20)). إذاً فهناك غموض و تناقض واضح حول حقيقة نهاية يهوذا.
و من الملاحظ أن غلام قاديان نفسه كان قد وصف إنجيل برنابا بأنه وثيقة تاريخية هامة و بأن النصارى رفضوه بلا دليل. يقول غلام أحمد القادياني في كتابه (المسيح الناصري في الهند):
و قد أوهم القاريء هنا بأن إنجيل برنابا يؤيد ما ذكره الغلام بأن المسيح عليه السلام قد وضع على الصليب فعلاً لكنه أغمي عليه فظن اليهود بأنه مات. و أنا أرى أن الغلام نقل هذه المغالطة من نفس المكان الذي نقل منه نظريته عن إغماء المسيح عليه السلام. فيبدوا أن المنادين بهذه النظرية في الغرب لم يكونوا على اطلاع على إنجيل برنابا بل علموا أنه ينفي صلب المسيح عليه السلام فظنوا أنه ينفي موته فحسب و لم يعلموا أن إنجيل برنابا ينفي أن المسيح عليه السلام قد وضع على الصليب أصلاً.
و الناظر إلى التفسيرات الأربعة أعلاه يرى عدم تعارضها مع الآية ((و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم - سورة النساء 157)). لكن النظريتين الأخيرتين تعتمدان في الأغلب على أناجيل النصارى الذين لا نصدقهم في ادعاءاتهم. و لا نكذبهم حيث لم يخالفوا في قصتهم عن شبيه المسيح نصاً من نصوص الشريعة الإسلامية من قرآن أو حديث.
أما بالنسبة للترجيح العقلي بين التفسيرات فإن التفسيرين (3) و (4) مستبعدين في حال لم يصلب اليهود أحداً بل شبهوا على الناس بادعائهم ذلك. أما إن كانوا قد صلبوا أحداً ما و ظنوه المسيح فيكون كلا التفسيرين مقبولاً عقلاً و شرعاً لأن الله قادر على كل شيء.
أما اعتراض القاديانيين بأن ((جملة (شبه لهم) لا تعني بالضرورة إلقاء الشبه على شخص آخر في حال أن اليهود قد ظنوا المصلوب هو المسيح عليه السلام)) فهو قول مرفوض عقلاً في حال أن اليهود كانوا فعلاً قد صلبوا شخصاً ما و رأوه على هيئة المسيح. فعملية الصلب تكون بتثبيت الضحية على الصليب بالمسامير أو بغيرها لفترة طويلة. و هذه العملية لا يمكن الإشتباه بوقوعها فهي كالذبح و لا شك. أما القتل بالرمي بالرصاص فقد يصيب عائقاً على جسد الضحية فينجو. و بهذا لا يمكن (عقلياً) تأكيد نجاة شخص من وقوع عملية التعليق على الصليب أو عملية الذبح عليه بعد أن يكون قد رفع فعلاً على الصليب أو قد قطع حلقومه أو رأسه إلا بوقوع هذه العملية على شخص آخر.
و أنا هنا أسوق هذا الإفتراض التالي للتوضيح فقط:(38/140)
لو كان اليهود قد ذبحوه شخصياً بقطع حلقومه أو رأسه لكنه أغمي عليه ونجى بعد ذلك. ثم قال شخص بأن اليهود (ما ذبحوه و ما قتلوه و لكن شبه لهم) لما كان كلامه صحيحا لأن الحقيقة ستكون وقتها هي أنهم (ذبحوه و لكن شبه لهم أنهم قتلوه). و إذا كان المخبر صادقا بقوله (ما ذبحوه و ما قتلوه و لكن شبه لهم) فإن أي عاقل سيعلم بأنهم إما قد ذبحوا غيره و ظنوه المسيح عليه السلام أو ادعوا أنه المسيح. أو أنهم لم يذبحوا أحداً أصلاً و ادعى البعض بأنهم ذبحوا المسيح عليه السلام. هذا الإفتراض سقته لتقريب الموضوع إلى الأذهان باستخدام وسيلة أخرى للقتل هي الذبح بدلاً من الصلب.
و هذا دليل عقلي لا يحتاج لغيره. فكيف إذا وجد مرجع تاريخي هام كإنجيل برنابا - على حد وصف الغلام نفسه - أو إنجيل توما ليؤكد بأن عيسى عليه السلام لم يوضع على الصليب قط. و أنا لا أجزم هنا بصحة قصة برنابا أو قصة توما لأن القرآن و السنةلم يحددا كيفية نجاة المسيح عليه السلام. بل نفيا أن يكون المسيح عليه السلام قد صلب أو قتل. و لكننا نستأنس بهذه الشهادة التاريخية التي نفت حدوث عملية الصلب للنبي نفسه. و إنجيل برنابا هو الإنجيل المتبقي الوحيد الذي يذكر نبينا (محمد) صلى الله عليه و سلم باسمه و بأنه (آخر الأنبياء) مما يؤكد بأن إنجيل برنابا هو أقل الأناجيل الموجودة تعرضاً للتحريف.
و كما قلت سابقاً فإن لجوءنا العقلي لهذا التفسير (أي قتل شبيه للمسيح) هو فقط في حال ثبت صحة الإدعاء بأن اليهود كانوا قد صلبوا شخصاً ما و حسبوه المسيح عليه السلام. فقد يكون الواقع شيئاً آخر. و هذا كله غيب لا نقطع به بدون خبر ثابت عن الله تعالى. لكن لنا أن نحلله حسب المعلومات المتوفرة. أما إن كان اليهود قد شبهوا للناس بأنهم قد قتلوا المسيح عليه السلام إما باختلاق القصة أو بصلب شخص آخر و الإدعاء بأنه المسيح عليه السلام - إن كان هذا هو ما حدث - فإنه أيضاً يوافق إخبار الله عنهم بأنهم ما صلبوا المسيح عليه السلام و ما قتلوه و لكن شبه لهم.
و يعترض القاديانيون مرة أخرى فيدّعون أن قصة تعليق المسيح عليه السلام على الصليب حقيقة تاريخية متواترة و لا يجوز إنكارها. لكن الناظر إلى الوثائق التاريخية لا يجد أي دليل تاريخي موثوق يؤكد قصة وضع المسيح عليه السلام على الصليب. لكنه سيجد في كتب التاريخ و كتب النصارى أنفسهم تأكيدات بأن كثيراً من الطوائف النصرانية ظلت تعتقد طوال القرون الأولى بأن المسيح عليه السلام لم يعلق على الصليب قط.
فمثلاً يقول القديس الفونسوس ماريا دي ليكوري أن من بدع القرن الأول قول فلوري: ((إن المسيح قوة غير هيولية، وكان يتشح ما شاء من الهيئات، ولذا لما أراد اليهود صلبه؛ أخذ صورة سمعان القروي، وأعطاه صورته، فصلب سمعان، بينما كان يسوع يسخر باليهود)). و يقول المفسر جون فنتون شارح إنجيل متى: ((إن إحدى الطوائف الغنوسطية التي عاشت في القرن الثاني قالت بأن سمعان القيرواني قد صلب بدلاً من يسوع)).
و قد ظهرت كثير من الفرق المسيحية - بين عهد المسيح عليه السلام و ظهور الإسلام - التي كانت تنكر حدوث عملية الصلب تلك. و من تلك الفرق: الباسيليديون والكورنثيون والكاربوكرايتون والساطرينوسية والماركيونية والبارديسيانية والسيرنثييون والبارسكاليونية والبولسية والماينسية، والتايتانيسيون والدوسيتية والمارسيونية والفلنطانيائية والهرمسيون. و من أهم الفرق المنكرة لصلب المسيح الباسيليديون؛ الذين نقل عنهم كل من "سيوس" والمفسر "جورج سايل" القول بنجاة المسيح، وأن المصلوب هو سمعان القيرواني، وسماه بعضهم سيمون السيرناي.
ومن الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلاً عنه: الكورنثيون والكربوكراتيون والسيرنثيون. يقول جورج سايل ((إن السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرق النصارى، قالوا : إن المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبهاً تاماً، وهناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصاً آخر صلب بدلاً من المسيح.))
وثمة فِرق نصرانية أخرى قالت بأن المسيح عليه السلام نجا من الصلب، وأنه رفع إلى السماء، ومنهم الروسيتية والمرسيونية والفلنطنيائية.
وقد استمر إنكار صلب المسيح لاحقاً أيضاً، فكان من المنكرين الراهب تيودورس (560م) والأسقف يوحنا ابن حاكم قبرص (610م) وغيرهم.
نائب الفاعل في الآية (و لكن شبه لهم)
في نقاشي مع بعض القاديانيين حول معنى الفعل (صلَبَ) إعترض أحدهم قائلاً: ((إسناد الفعل (شُبِّهَ) إلى الرجل الشبيه المصلوب غير جائز)).
أقول: هذا الإعتراض صحيح، لكننا لا نقول بأن نائب الفاعل هو الرجل المصلوب أو (الشبيه)، فنائب الفاعل محذوف في الجملة و يمكن تقديره بعدة تقديرات. و أرجح تقديره كالآتي (شبه لهم الأمر). فالأمر هو نائب الفاعل. و هذه الجملة تشمل كل نظريات نجاة المسيح عليه السلام.
و يمكن تقدير نائب الفاعل بالجملة المحذوفة (أنهم قتلوه و صلبوه هو). فتكون الجملة (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم أنهم قتلوه هو و صلبوه هو).(38/141)
و يمكن أيضاً تقدير نائب الفاعل بالكثير من الجمل المحذوفة. أذكر منها ما يلي:
- (و ليس المقتول و المصلوب هو المسيح و لكن شبه لهم أنه المقتول و المصلوب) أو
- (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم أنه هو الشخص المقتول و المصلوب) أو
- (و ما قتلوا المسيح و ما صلبوا المسيح و لكن شبه لهم أنهم قتلوا المسيح و صلبوا المسيح نفسه) أو
- (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم أنهم قتلوه و صلبوه هو). لاحظ أن الضمير (هو) هنا تكرار يمكن حذفه بدون أن يتغير المعنى. فتصبح الجملة (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم أنهم قتلوه و صلبوه).
فالجمل أعلاه هي تكرار لمعنى الآية و هي تنفي أن يكونوا قد علقوه هو على الصليب.
كما و يمكن تقدير جملة (و لكن شبه لهم) كالتالي: (و لكن شبه لهم أنه هو المصلوب)
والمعنى من الجملة هو أن اليهود ظنوا المسيح هو المصلوب و المقتول بينما هم قد صلبوا و قتلوا غيره في الواقع.
و أرجو التدبر أكثر في قصة ابن حزم التي أوردتها في موضوعي الأصلي. فابن حزم ظن أنهم صلوا على الحاكم و دفنوه بينما الواقع كان أنهم (ما صلوا عليه و ما دفنوه و لكن شبه لهم الأمر) حيث صلوا على غيره و دفنوه ظناً منهم أنه هو. فهم إذاً (ما صلوا عليه و ما دفنوه و لكن شبه لهم أنهم صلوا عليه هو و دفنوه هو) أو (ما صلوا عليه و ما دفنوه و لكن خيل لهم أنه هو من صلوا عليه و دفنوه). و كذلك أهل الكتاب فهم (ما قتلوا المسيح و ما صلبوه و لكن شبه لهم أنهم قتلوه هو و صلبوه هو) أو (ما قتلوا المسيح و ما صلبوه و لكن شبه لهم أنه هو من قتلوا و صلبوا).
هجرة المسيح عليه السلام إلى كشمير !!
أما ادعاء ميرزا غلام أحمد القادياني بأن المسيح عليه السلام كان قد هاجر إلى الهند و عاش فيها إلى عمر 120 عاماً فهو ادعاء في غاية التداعي. و قد أورد ميرزا غلام أحمد القادياني افتراءات عديدة لدعم قصته الخرافة تلك في كتابه "المسيح الناصري في الهند". و من تلك الإفتراءات ادعاؤه بأن البوذيين كانوا قد تعلموا اعتزال النساء من المسيح عليه السلام نفسه حين عاش بينهم في الهند و اختلط بهم. و لم يعلم مؤسس الجماعة الأحمدية بأن النصارى هم الذين ابتدعوا مسألة الرهبنة و اعتزال النساء. و لم يأبه ميرزا غلام أحمد القادياني إن كانت هذه هي رسالة نبي الله عيسى عليه السلام أم أنها كانت رسالة التوحيد. و لا أدري كيف يقبل عاقل بأن المسيح عليه السلام كان يعلم بدعة اعتزال النساء للبوذيين الكفرة بينما هو إله معبود في الغرب ؟ لقد أكد ميرزا غلام أحمد القادياني نفسه أن بولس الذي مات سنة 64 ميلادية هو من أول من فتح أبواب الكفر بادعاء ألوهية المسيح عليه السلام و موته على الصليب. فكيف لا يكسر المسيح عليه السلام الصليب و لا يحاربه لمدة 90 عاماً ؟. كيف يقبل الإختباء 90 عاما دون أن ينقض التحريف الذي أحدثه الضالون و نشروه على أنه هو كلام الله. و دون أن يقوم حتى بنشر إنجيل الله الحقيقي في الشرق؟ و كيف ينشغل المسيح عليه السلام بنشر بدعة اعتزال النساء التي ابتدعها النصارى بعده ؟ إن هذا الاتهام لنبي الله عيسى عليه السلام هو البهتان العظيم.
و الناظر إلى كتاب "المسيح الناصري في الهند" الذي ألفه الميرزا غلام يستغرب من الإستنتاجات المضحكة التي ساقها الميرزا لإثبات ادعائه حتمية هجرة المسيح عليه السلام و أمه إلى كشمير. و أنا أعطيكم هنا بعض الأمثلة على استنتاجاته المتهافتة تلك:
هجرة مريم "المتزوجة" إلى كشمير !!
لا أدري كيف يقبل الأحمديون فكرة هجرة مريم عليها السلام إلى كشمير تاركة وراءها زوجها و أولادها و بناتها في فلسطين، فمع أن الميرزا يقر بولادة المسيح عليه السلام من غير أب إلا أنه يدعي بأن مريم عليها السلام تزوجت بيوسف النجار أثناء فترة حملها الإعجازي، و أنجبت منه أولاداً و بناتاً. يقول الميرزا غلام أحمد القادياني: ((كان سمو مريم بأنها أقلعت عن الزواج لمدة طويلة، لكنها و تحت الإصرار المتصاعد من وجهاء المجتمع - بسبب حملها - قررت الزواج. و قد أثار الناس اعتراضات حول زواجها أثناء فترة الحمل، فهكذا زواج يخالف تعاليم التوراة. و تساءل الناس عن سبب حنث مريم لقسَم العزوبية. و أيضاً جادل الناس حول سبب وضع مبدأ تعدد الزوجات. و بعبارة أخرى: لماذا وافقت مريم أن تتزوج بيوسف النجار رغم أن لديه زوجة أخرى؟. لكنني أقول بأن تلك الظروف كانت قاهرة. نعم كانت الظروف قاهرة، فبهذه الطريقة كانوا يتعرضون للنقد فقط بدلاً من أن تعتبر أعمالهم مثيرة للكراهية)) الخزائن الروحانية ج19 ص18
و يقول الميرزا أيضاً: ((خروج مريم مع خطيبها قبل عقد القران كان شاهداً على هذه العادة الإسرائيلية. فالخروج مع خطيب من بين النبلاء عند بعض القبائل قد تجاوز الحد إلى أن أصبح من الممكن الحمل قبل عقد القران)) الخزائن الروحانية ج14 ص300
و يقول الميرزا أيضاً: ((يسوع المسيح كان له أربعة إخوة و أختين اثنتين، كل منهم كان أخوه الحقيقي و أخته الحقيقية، أعني أنهم كانوا ذرية يوسف و مريم)) الخزائن الروحانية ج19 ص18(38/142)
من الواضح أن محاولة الميرزا التقليل من أهمية معجزة ولادة المسيح عليه السلام هو ما أدى به إلى تبني هكذا آراء سقيمة، فهو يحاول أن يظهر المعجزة بمظهر الفضيحة التي حاولت مريم عليها السلام أن تتستر عليها. و هو بهذا ينفي أن الله سبحانه كان قد أنطق المسيح عليه السلام في المهد ليظهر نبوته و ولادته الإعجازية و ليبريء مريم عليها السلام من أية شبهة. فالميرزا يقول بأن نبوة المسيح عليه السلام استمرت فترة بسيطة، و هو بهذا ينفي أن يكون المسيح قد أعلن نبوته و هو في المهد. يقول الميرزا في كتابه "المسيح الناصري في الهند" ص68:
((كما أن المسيح لم تكن له قبل النبوة عظَمة تذكر حتى يحتفظ بذكراه، خاصة و إن عصر نبوته لم يتجاوز ثلاثة أعوام و نصف))
و الأحمديون لم يتساءلوا عن كيفية هجرة و اختفاء مريم عليها السلام دون أن يذكر ذلك كتبة الإنجيل أو المؤرخون عبر التاريخ ! و كيف تهاجر امرأة متزوجة و لها أولاد -حسب ادعاء الميرزا -إلى أرض بعيدة دون أن تأخذ معها أولادها و زوجها؟ و لماذا تهاجر و يهاجرون أصلاً ؟
أولاد المسيح الأفغان !!
يقول الميرزا في كتابه "المسيح الناصري في الهند" ص 76 بأنه لا يستبعد أن تكون إحدى القبائل الأفغانية هم أولاد عيسى عليه السلام نفسه، و ذلك لأن اسم القبيلة هو "عيسى خيل" !! فانظروا أي حجاج عقلي هذا بل أي استخفاف بالعقول!!
تعاليم بوذا و تعاليم المسيح
أما التشابه الذي ادعاه بين تعاليم المسيح عليه السلام و تعاليم بوذا فهو من التهافت الذي تأباه العقول. و برأيه فإن هذا التشابه دليل على هجرة المسيح عليه السلام (و ليس هجرة تعاليمه !!) إلى كشمير. و إليك هنا بعض الأمثلة التي ساقها الميرزا:
شياطين الجن عند بوذا و عند المسيح !!
أنظر مثلاً إلى قول الميرزا في كتابه كتاب "المسيح الناصري في الهند" صفحة 82: (( و كذلك تماماً يعترف علماء المسيحية بأن الشيطان الذي قابل عيسى عليه السلام لم يأته بصورة بشر مار بالطرقات و الأزقة بين أيدي اليهود، و لم يحدث المسيح كحديث الناس فيما بينهم بحيث يسمعه الآخرون أيضاً، بل كان ذلك اللقاء أيضاً صورة من الكشف رآها المسيح وحده، و كان الحوار بينهما وحياً شيطانياً ... أي أن الشيطان بحسب عادته القديمة، ألقى في قلب المسيح بشكل الوسواس، و لكن قلب المسيح لم يقبل هذه الوساوس الشيطانية، بل رفضها كما فعل بوذا))
و برأي الميرزا فإنه ما دامت قصة وسوسة الشيطان هذه مذكورة عند بوذا أيضاً فإنها تجزم بأن عيسى عليه السلام عاش في كشمير مع البوذيين فترة طويلة !! و العجيب أن القاديانيين ينفون وجود الجن الذي يوسوس للناس أصلاً و مع ذلك يرون حجة زعيمهم هذه باهرة و مقنعة!!
بوذا العاق لإبنه و المسيح العاق لأمه - حاشاه !!
أما قصة المدعو "راحولة" ابن بوذا الذي تركه بوذا و هرب فهي تشبه في نظر الميرزا قصة عقوق المسيح عليه السلام لأمه و كلامه معها بألفاظ نابية - حاشاه!!! و مع أن الميرزا ينفي صحة قصة عقوق المسيح عليه السلام لأمه و ينفي أيضاً قصة عقوق بوذا لولده إلا أنه يستدل بتشابه هذه القصة مع قصة "راحولة" على أن المسيح عليه السلام قد هاجر إلى كشمير !! أنظر ص96 من كتاب "المسيح الناصري في الهند".
تناسخ الأرواح عند بوذا و عند المسيح - حاشاه!!
يقول الميرزا في الصفحة 99 في نفس الكتاب "المسيح الناصري في الهند":
((وكان بوذا يعتقد بالتناسخ، و لكن تناسخه لا يخالف تعاليم الإنجيل، إذ التناسخ عنده على ثلاثة أقسام:
أولاً: أن عزيمة الإنسان على المزيد من الأعمال تقتضي جسماً آخر بعد الموت ثانياً: هو ما يعتقد أهل التبت بوجوده في زعمائهم الدينيين "لامات"، و هو أن جزءاً من روح بوذا أو زعيم بوذي آخر يحا في "لاماتهم".. أي أن قوته و طبيعته و خواصه الروحية تنتقل إلى "لاما" الحالي، و روحه تؤثر فيه.
ثالثاً: أن الإنسان لا يزال يمر في حياته في الدنيا بأنواع الولادة إلى أن يصبح إنساناً حقيقياً حسب خواصه الذاتية، حيث ينعدم وجوده الأول و يكتسب وجوداً ثانياً بحسب أعمال وجوده الأول ...إلخ))
إن جعل هذه العقيدة الكفرية - و التي أقرّها الميرزا - وجهاً للتشابه بين تعاليم المسيح عليه السلام و تعاليم بوذا لهو من التهافت و الشناعة التي ترفضوها قلوب المؤمنين و تأباه عقولهم. و بالنسبة للميرزا فإن هذا التشابه في الإيمان بعقيدة التناسخ هو دليل على هجرة المسيح عليه السلام بنفسه إلى كشمير !! فانظروا هداكم الله إلى هذه المحاكمات العقلية الفارغة.
عمر المسيح عليه السلام(38/143)
أما بالنسبة لعمر المسيح عليه السلام عند وفاته فقد اعتمد ميرزا غلام أحمد القادياني على حديث ضعيف غريب ذكر فيه ((إنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله، وإن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة وإني لا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين - المعجم الكبير للطبراني)). و هذا القول بأن كل نبي قد عاش نصف مدة النبي الذي سبقه قد ثبت خطؤه. ولو كان صحيحا لكان عمر سيدنا آدم و إبراهيم و غيرهم من الأنبياء ملايين الملايين من السنين. وأنا لا أنفي هنا موت المسيح عليه السلام بل العمر الوارد في الحديث لأن الحديث ضعيف الإسناد و متنه يخالف العقل و المشاهدة. و بهذا يتضح سقوط هذا الإستدلال.
و بالمناسبة فإنني أقول للأحمديين المصرين على إثبات هذا الحديث الضعيف : إن نبيكم المزعوم لم يمت في الثلاثين من عمره كما يشير هذا الحديث. فلا أدري مغزى تعلقكم به ؟!!.
و الأحمديون يدعون أن النبوة باقية بعد محمد صلى الله عليه و سلم. فهل يعقل أن النبي القادم - على حد زعمهم - سيموت بعمر 15 سنة !!!. و الذي بعده سيموت و عمره 7 سنوات !!! مع أن الله لا يرسل إلى البشر إلا رجالاً يوحي إليهم!! ألا يتقي هؤلاء الله في عقولهم ؟!!.
و ميرزا غلام أحمد القادياني نفسه قال بأن الله بشره بأنه سيحييه ثمانين عاماً أو أكثر عدداً. أنظر إلى ما يقوله في كتابه (مواهب الرحمن )::
لكن الله أبى إلا أن يكذبه و يزهق باطله فأهلكه قبل سنوات مما كان يأمل. ( وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ).
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
==============(38/144)
(38/145)
الجماعة الأحمدية في الإعلام الإسلامي
كتبه: فؤاد العطار
لم تستفد طائفة من تقصير الإعلام العربي بشأنها مثل استفادة الجماعة الأحمدية (المشهورة بالقاديانية) التي أسسها ميرزا غلام أحمد القادياني عام 1889م. فمع أن الإعلام الإسلامي العربي قد شنع على هذه الطائفة و حذر منها إلا أنه في أغلب الأحيان ارتكب أخطاء جسيمة عندما لم يلتزم الدقة و بالغ فيما يتعلق بأفكار و تاريخ هذه الجماعة.
و انعدام الدقة في هذا الإعلام بخصوص الطوائف لا ينحصر بالجماعة الأحمدية فقط بل شمل معظم الطوائف القديمة و الحديثة على اختلاف في نسبة الأخطاء الإعلامية حول كل طائفة. لكن الجماعة الأحمدية استغلت هذه الأخطاء لتوهم أفرادها و المتأثرين ببعض آرائها بأن هناك حملة شعواء حول هذه الجماعة تهدف إلى تشويهها، و بأن كل التهم التي يكيلها الإعلام للجماعة إنما هي افتراءات بل كذب محض بدليل وجود أدلة قوية على كذب بعض تلك الإتهامات.
بل إن بعض قادة هذه الجماعة و المنظرين لها تمادوا أكثر فادعوا بأنه ليست لجماعتهم أي صلة بما يطلق عليه الناس اسم "الطائفة القاديانية"، و أن هذه الطائفة هي جماعة وهمية من اختراع الناس و إعلامهم الكاذب !!
و لو أنك بحثت مثلاً في الإنترنت عن هذه الجماعة (القاديانية) لوجدت آلاف المواضيع المنسوخة عن بعضها في الغالب، لكن القليل من تلك المواضيع هو الذي يوضح حقيقة هذه الجماعة. و أعطيك هنا بعض المعلومات الخاطئة الشائعة التي تنتشر في الكتب و المواقع الإلكترونية حول هذه الجماعة:
-المعلومة الخاطئة (1) : يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم
-بينما المعلومة الصحيحة هي: يؤمنون بالقرآن الكريم، لكنهم يؤمنون أيضاً بنزول الوحي على نبيهم المزعوم (ميرزا غلام أحمد القادياني)، يقول ميرزا غلام أحمد القادياني ((أقسم بالله تعالى أنني أؤمن بهذا الوحي النازل عليّ كما أؤمن بالقرآن الشريف و بكتب الله الأخرى، و أني أعتبره قطعياً و يقينياً كما أعتبر القرآن قطعياً و يقينياً))- الخزائن الروحانية "مجموعة كتب الميرزا" جزء 22 صفحة 220.
و قد جمع أتباعه ذلك الوحي بعد موته في كتاب أسموه (تذكرة). لذلك فالقاديانيون يحاولون خداع عامة الناس بتكذيب وجود "الكتاب المبين" الذي يحاول الكثيرون أن ينسبوه إليهم، بينما لا يذكرون بأن وحيهم المقدس موجود في كتاب (تذكرة) الذي جمعوه هم بعد موت إمامهم.
- المعلومة الخاطئة (2) : يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم.
- بينما المعلومة الصحيحة هي: قبلة القاديانيين و حجهم إلى مكة المكرمة، لكنهم يعتقدون بقدسية قاديان أيضاً و بأن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان و ليس الذي في بيت المقدس.
- المعلومة الخاطئة (3) : يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات.
- بينما المعلومة الصحيحة هي : لقد ثبت أن الميرزا كان يشرب الخمر و الأفيون بحجة العلاج من الأمراض، لكن هذا لا يعني أن كل القاديانيين يتعاطون المسكرات أو أنهم يبيحونها.
الأمثلة أعلاه تبيّن أن الإعلام الإسلامي العربي مقصر كل التقصير في تبيين الحقائق عن الجماعة الأحمدية، و هو أمر يساعد هذه الجماعة على المضي قدماً في تجهيل الناس بحقيقة دعوتها و معتقداتها، و بهذا يساعد هؤلاء على انتشار أفكار هذه الجماعة دون قصد. و لا أدري سبب لجوء الكثيرين إلى الكذب و التضخيم ، فالحقائق عن القاديانية كافية لإظهار سوء معتقداتها و انحراف منهجها بدون الحاجة إلى إضافة البهارات هنا و هناك. فطريق الكذب يؤدي إلى الفجور، و هو طريق أمرنا الإسلام أن نبتعد عنه و حذرنا من الكذب أو نشر الكذب.
و من ناحية أخرى فإن بعض الدارسين لأفكار الجماعة الأحمدية يلجؤون إلى كتابات منظريها الجدد، مع أن كثيراً من كتابات هؤلاء لا تمثل إلا المسائل الفرعية التي تتبناها الجماعة الأحمدية. و بعض تلك المسائل لم يشر إليها مؤسس الجماعة و لم تخطر على باله بل هي من اختراعات المنظرين اللاحقين في الجماعة. و هي في معظمها تنتسب إلى أفكار سيد أحمد خان الهندي و ليس إلى الميرزا القادياني نفسه. فقد قلد الخلفاء القاديانيون و قادة اللاهوريين ما جاء به سيد أحمد خان، و الذي تتبع بدوره منهج بعض الدارسين العصرانيين النصارى.
و قد لاحظت أن كثيراً من منظري الأحمدية أنفسهم يجهلون الكثير من الوحي المقدس عندهم. أنظروا إن شئتمً إلى الكتب و المقالات المنشورة في مواقعهم على الإنترنت. فستدهشون عندما تعرفون مثلاً أن الخليفة القادياني الرابع يجهل أو يتجاهل الوحي الذي ادعاه جده الميرزا غلام أحمد القادياني و الذي يشير فيه إلى حديث مدح أهل فارس. بينما لو راجعتم الوحي المقدس للميرزا لوجدتم جزءاً من الحديث موجوداً في ذلك الوحي. و الأدهى من ذلك أن الخليفة القادياني الرابع شنع على المسلمين الذين يدعون ذلك !!(38/146)
و إذا نظرتم مثلاً إلى العقائد المنشورة في الموقع العربي للجماعة، فستجدون أنهم يذكرون الملائكة الثمانية الذين يحملون العرش. مع أن الميرزا القادياني يقول بأنهم أربعة ملائكة فقط!
و عندما يتحدثون في الموقع عن إسراء الرسول صلى الله عليه و سلم تجدونهم يذكرون بيت المقدس، بينما يقول نبيهم المزعوم بأن الإسراء كان إلى المسجد الأقصى الذي هو مسجد الميرزا في قاديان !!. و هكذا ..
ملخص سريع لبعض الأحداث الهامة في تاريخ مؤسس الجماعة الأحمدية:
- في سنة 1839 أو1840م ولد الميرزا غلام أحمد في بلدة قاديان الهندية.
- في سنة 1846م بدأ بدراسة القرآن و علوم الدين على يد معلم فارسي هو المولوي فضل إلهي
- في سنة 1850م عين له والده مدرساً للغة العربية اسمه فضل أحمد
- في سنة 1857م عين له والده مدرساً آخر يدعى "جل علي شاه" لتعليمه قواعد اللغة العربية أيضاً.
- في سنة 1857م قامت الثورة الهندية ضد الإستعمار البريطاني الذي قضى على السلطنة الإسلامية في الهند و غيرها من الدويلات الأخرى داخل الهند، و هنا وقفت عائلة الميرزا مع الإنجليز و أمدتهم بالمال و الرجال و السلاح لقمع الثورة.
- في سنة 1864م تم تعيين الميرزا غلام موظفاً في المحكمة البريطانية
- في سنة 1868م تقدم الميرزا لامتحان القانون لكنه فشل
- في سنة 1879م ادعى بأن الله عينه ليبين الإسلام الحقيقي
- في سنة 1879م أيضاً بدأ بجمع المال لنشر خمسين مجلداً باسم "براهين أحمدية"
- بين سنة 1879م و سنة 1884م نشر 4 أجزاء من "براهين أحمدية"
- في سنة 1884م تزوج زواجه الثاني من شاهجيهان بيجوم
- في سنة 1884م أيضاً ادعى أنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري،.
- في سنة 1888م طلب يد قريبته "محمدي بيجوم" لكن أهلها رفضوه
- في سنة 1888م أعلن الميرزا نبوءته بأن الفتاة ستلاقي مصيراً مأساوياً إن لم تتزوجه.
- في سنة 1889م أسس الجماعة الإسلامية الأحمدية
- في سنة 1891م ادعى أنه "مثيل المسيح" و رفض أن يكون هو نفسه المسيح الموعود
- ثم ادعى في سنة 1891م أيضاً أن الله جعله مريم عليها السلام بصورة استعارية
- ثم ادعى في سنة 1891م أيضاً أن الله جعله حاملاً بصورة استعارية ثم أنه تحول إلى عيسى عليه السلام (بصورة استعارية) بعد مكوثه حوالي 10 أشهر في بطن مريم (الميرزا نفسه) بصورة استعارية.
- ثم ادعى في النهاية سنة 1891م أنه هو المسيح الموعود
- في سنة 1892م تزوجت الفتاة محمدي بيجوم ابنة ال 20 عاماً من قريبها رغم تهديدات الميرزا
- في سنة 1892م قام بتطليق زوجته الأولى و أرغم ابنه على تطليق زوجته و حرم ابنه الآخر من الميراث لأنهم لم يساندوه في تحقيق زواجه بالفتاة محمدي بيجوم
- في سنة 1893م الميرزا يعلن أن الله هنأه بأنه سيهلك زوج محمدي بيجوم و بأن الفتاة سترجع إليه و بأن الله قد زوجه إياها.
- في منتصف سنة 1893م أعلن نبوءته بأن النصراني "اثام" سيموت خلال 15 شهراً إن لم يرجع إلى الحق
- في منتصف سنة 1894م "اثام" يشكو من عدة محاولات لاغتياله
- في نهاية سنة 1894م "اثام" لا يزال حياً و يعلن في الصحيفة أنه لم يتب و أنه لا يزال على عقيدته الأولى، و النصارى يحتفلون بالنتيجة.
- في سنة 1897م يكتب الميرزا شعراً للملكة فكتوريا امبراطورة بريطانيا و الهند بمناسبة يوبيلها الفضي
- في سنة 1897م دعوى قضائية ضد الميرزا بعد أن اعترف شاب بأن الميرزا طلب منه اغتيال النصراني بنديت ليخرام الذي تنبأ الميرزا بموته.
- في سنة 1899م يعلن القاضي البريطاني براءة الميرزا من تهمة محاولة الإغتيال لعدم كفاية الأدلة و يفرج عنه بكفالة مالية و تعهد بعدم إعلان نبوءة موت لأحد و عدم شتم أحد بألفاظ بذيئة.
- في سنة 1900م ادعى الميرزا النبوة، و أعلن أن الذي لا يقبله و لا يصدقه ليس مسلماً وهو من أصحاب الجحيم.
- في سنة 1901م الميرزا يؤكد بأن نبوءته بالزواج من محمدي بيجوم ستتحقق لكنها ستتأجل قليلاً
- في سنة 1902م يبدأ الطاعون بالإنتشار في الهند، و يعلن الميرزا أن الله أنبأه بالطاعون قبل عشرين عاماً حين قال له (إنه أوى القرية !!)، لكن الميرزا لم يفهم هذا الوحي إلا بعد أن جاء الطاعون
- في سنة 1902م أيضاً يعلن الميرزا بأن الطاعون عقاب إلهي للذين كذبوه و بأن الطاعون سيبقى في الهند إلى سبعين عاماً و لن يزول حتى يصدقه أعداؤه. و يقول بأن الطاعون هو "دابة الأرض التي تكلم الناس" المذكورة في القرآن و بأنه هو النار التي تحشر الناس (من علامات الساعة).
- في سنة 1902م أيضاً يعلن الميرزا أن قاديان هي سفينة النجاة من الطاعون و أن الطاعون لن يدخل قاديان لأنها قرية الميرزا.
- في سنة 1903م أمر ببناء "منارة المسيح" في قاديان لتكون مصداقاً لحديث نزول المسيح عند منارة دمشق
- في سنة 1903م يعلن الميرزا بأن الله بشره بأنه سيحييه ثمانين سنة أو أكثر
- في سنة 1904م يتم إغلاق المدرسة الأحمدية في قرية قاديان بسبب انتشار الطاعون في القرية.
- في سنة 1904م الميرزا يدعي بأنه النزول الثاني للنبي كريشنا الإله المقدس عند الهندوس(38/147)
- في سنة 1905م أسس مقبرة الجنة في قاديان، و هي مقبرة يدخل صاحبها الجنة إن اشترى قبراً فيها.
- في سنة 1907م ادعى أيضاً أن الله أيده بثلاثة مائة ألف (300,000) آية و معجزة ليثبت نبوته.
- في سنة 1907م ادعى أيضاً أن الله قد ذكره في القرآن في الكثير من الآيات، و ادعى بأنه هو ذو القرنين المذكور في القرآن، كما و ادعى أن آية الإسراء تشير إلى اسراء النبي محمد (ص) إلى المسجد الأقصى الذي هو مسجد الميرزا في قاديان.
- في سنة 1907م ادعى أيضاً أن الله سماه بكل أسماء الأنبياء من آدم عليه السلام إلى محمد (ص).
- في سنة 1907م ينشر إعلاناً في الصحيفة بخصوص خصمه الشيخ ثناء الله، و يدعو الله في الإعلان أن يهلك الكاذب في حياة الصادق.
- في سنة 1907م أيضاً يعلن الميرزا بأن الله بشره بأنه سيحييه بين 75 و 85 عاماً.
- في سنة 1908م ينشر الجزء الخامس و الأخير من "براهين أحمدية" و يقول بأن الفرق بين الخمسين و الخمسة هو صفر، فهو بذلك يكون قد أوفى بوعده السابق أن ينشر خمسين جزءاً من هذا الكتاب.
- في سنة 1908م أيضاً يؤكد الميرزا بأن مؤسس طائفة السيخ "بابا ناناك" - المولود سنة 1469م - هو في الحقيقة ولي صالح أرسله الله إلى الهندوس و أيده بالكثير من المعجزات.
- في سنة 1908م أيضاً يموت الميرزا في بيته بالكوليرا (على رأي والد زوجته) أو بالإسهال (على رأي ابنه مؤلف سيرة المهدي) في حوالي السبعين من عمره.
- في سنة 1908م و بعد موت الميرزا ينتخب الأحمديون حكيم نور الدين خليفة أولاً للميرزا
- في سنة 1914م يموت حكيم نور الدين بعد أن يسقط عن ظهر حصانه، و ينتخب الأحمديون بشير الدين محمود ابن ميرزا غلام أحمد القادياني خليفة ثانياً للميرزا.
- في سنة 1914م تنقسم الجماعة الأحمدية إلى فرقتين تحت نفس الإسم، الأولى شعبة ربوة (المشهورة بالقاديانية - بزعامة بشير الدين محمود ابن ميرزا غلام، و تؤمن بنبوة الميرزا ) و الثانية شعبة لاهور (المشهورة باللاهورية - بزعامة محمد علي اللاهوري أحد أصحاب ميرزا غلام، و تؤمن بأن الميرزا هو المسيح و المهدي لكنه ليس نبياً)
الجماعة الأحمدية و الولاء للمستعمر
و القاديانية معروفة بعلاقاتها المشبوهة مع المستعمر الأجنبي، يقول ميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة الأحمدية (القاديانية) في كتابه "نور الحق" : (1)(2)
(3)(4)
(5)(6)
و كتب الميرزا تمتليء بمثل هذا الكلام و أكثر، بل إن الميرزا أوجب طاعة الملكة فكتوريا - رئيسة الكنيسة الأنجليكانية - و طاعة حفدتها، فيقول في ختام كتابه "حقيقة المهدي":
إدعاء النبوة
أما بالنسبة لادعائه النبوة، فإني أورد هنا أيضاً بعض الإقتباسات من كلام الميرزا نفسه:
** يقول الميرزا ((والذي نفسي بيده إنه أرسلني وسماني نبيا)) - كتاب ضميمة حقيقة الوحي ص68
** وقال ((إن زهاء مائة وخمسين بشارة من الله وجدتها صادقة إلى وقتنا هذا، فلماذا أنكر اسمي نبيًا ورسولًا، وبما أن الله هو الذي سماني بهذه الأسماء، فلماذا أردها، أو لماذا أخاف غيره؟)) - كتاب أيك غلطى كا ازاله ص8.
** وقال ((إن الله تعالى جعلني مظهرًا لجميع الأنبياء ونسب إلي أسماءهم، أنا آدم، أنا شيث، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا إسحاق، أنا إسماعيل، أنا يعقوب، أنا يوسف، أنا عيسى، أنا موسى، أنا داود، وأنا مظهر كامل لمحمد r، أي أنا محمد وأحمد ظليًا )) - كتاب حقيقة الوحي ص 72
** و قال (( أنا رسول ونبي، أي أنني باعتبار الظلية الكاملة مرآة فيها انعكاس كامل للصورة المحمدية والنبوة المحمدية)) - كتاب نزول المسيح ص 3
** و قال (( الإله الحق الذي أرسل رسوله في قاديان)) - كتاب دافع البلاء ص 11
** و قال في خطابه الأخير الذين نشر في يوم وفاته في جريدة (أخبار عام) : ((أنا نبي حسب حكم الله ولو جحدته أكون آثمًا، وإذ سماني الله نبيًا فكيف يمكن لي جحوده، وأنا على هذه العقيدة حتى أرحل عن هذه الدنيا))
و قال (( أنا هو النبي خاتم الأنبياء بروزيًا بموجب آية " وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ " وسماني الله محمدًا وأحمد في "براهين أحمدية" قبل عشرين عامًا، واعتبرني وجود صلى الله عليه وسلم نفسه، ولذا لم يتزلزل ختم نبوة صلى الله عليه وسلم بنبوتي، لأن الظل لا ينفصل عن أصله، ولانني محمد ظليًا، ولذا لم ينفذ ختم النبوة، لأن نبوة صلى الله عليه وسلم لم تزل محدودة على محمد، أي بقي صلى الله عليه وسلم نبيًا لا غير، أعني لما كنت محمدًا r بروزيًا، وانعكسات الكمالات المحمدية مع النبوة المحمدية في اللون البروزي في مرآتي الظلية، فأي إنسان منفرد ادعى النبوة على حياله))
وحي (مقدس) جديد
و كما قلت في بدابة حديثي، فقد ادعى الميرزا استقبال الوحي الإلهي، و قام القاديانيون بجمع ذلك الوحي في كتاب أسموه (تذكرة). و إليك هنا بعض الإقتباسات من ذلك الوحي (المقدس) الذي ادعاه الميرزا غلام:
- كتاب تذكرة (ص 525): موتا موتا لك رهي هين
- كتاب تذكرة (ص 325): غثم غثم له دفع إليه من ماله دفعة(38/148)
- كتاب تذكرة (ص 411): يريدون أن يروا طمثك
- كتاب تذكرة (ص 523): الفارق و ما أدراك ما الفارق
- كتاب تذكرة (ص 727): يا مريم أسكن أنت و زوجك الجنة
- كتاب تذكرة (ص 615): بشير الدولة عالم كباب
- كتاب تذكرة (ص 787): ذهب السعال
- كتاب تذكرة (ص 776): كل العقل في لبس النظيف و أكل اللطيف
- كتاب تذكرة (ص 748): لا تقتلوا زينب
- كتاب تذكرة (ص 744): و الله و الله سدها هويا أولا
- كتاب تذكرة (ص 731): تعلقت بالأهداب
- كتاب تذكرة (ص 700): و يل لك و لإفكك
- كتاب تذكرة (ص 184)
قال الميرزا عن ابنه المصلح الموعود: مظهر الحق و العلاء كأن الله نزل من السماء
- كتاب تذكرة (ص 790): إن العذاب مربع و مدور
- كتاب تذكرة (ص 672): إن المنايا قد تطيش سهامها
- كتاب تذكرة (ص 671): علم الدرمان 223
- كتاب تذكرة (ص 666): انفجر بطن
قال الميرزا : لا أدري بحق من نزل الإلهام
- كتاب تذكرة (ص 604): لولاك لما خلقت الأفلاك
- كتاب تذكرة (ص 589): Cu r rency Note
بالإنجليزية (يعني و رقة مالية)
- كتاب تذكرة (ص 581): يا قمر يا شمس أنت مني و أنا منك
- كتاب تذكرة (ص 549): مضر للصحة
و لم يقل الميرزا ما هو هذا الشيء المضر للصحة لكنه اكتفى بالقول أنه منذ يومين أو ثلاثة أيام جاءني هذا الإلهام.
- كتاب تذكرة (ص 546): أريد ما تريدون
- كتاب تذكرة (ص 542): أنت معي و أنا معك' إني بايعتك. بايعني ربي
- كتاب تذكرة (ص 525):
يقول الميرزا: أثناء مرضي بالسكري كنت أتبول مائة مرة في اليوم و بعد أن دعوت جاءني هذا الإلهام:
و الموت إذا عسعس
- كتاب تذكرة (ص 348) قيصرة هند كي طرف سي شكرية
بالأوردو يعني (قيصرة الهند تهديك السلام) . و المراد بقيصرة الهند إمبراطورة بريطانيا الملكة فكتوريا - رئيسة الكنيسة الأنجليكانية.
- كتاب تذكرة (ص 346): نزلت أسرة كثيرة من السماء و لكن سريرك رفع فوق كل سرير
- كتاب تذكرة (ص 120): هوشعنا نعسا
يقول الميرزا : لا أدري بأية لغة نزل هذا الإلهام!!
- كتاب تذكرة (ص 119): بريشن عمر براطوس يا بلاطوس
يقول الميرزا : لا أدري هو بلاطوس صحيح أم براطوس لأن الإلهام نزل علي بسرعة
- كتاب تذكرة (ص 636): يقول الميرزا بأن الله خاطبه بالوحي قائلاً: أنت مني بمنزلة ولدي
سيرة مؤسس الجماعة الأحمدية
أما بالنسبة للراغبين في دراسة سيرة مؤسس الجماعة الأحمدية من كتب الجماعة نفسها فأنصحهم بقراءة ما يستطيعون من كتاب (سيرة المهدي) الذي كتبه ابن الميرزا غلام نفسه. لكنهم سيحتاجون إلى أحد الهنود أو الباكستانيين لترجمته لهم فهو بلغة الأوردو. و قد توقفت الجماعة الأحمدية عن نشر هذا الكتاب منذ مدة طويلة لأنه يفضح شخصية مؤسس جماعتهم الضالة. و لن تجدوه بسهولة إلا عند أحد الأحمديين المخضرمين أو عند أحد المناهضين للجماعة الأحمدية. و لو قرأ الأحمديون هذا الكتاب لتوقفوا عن التشنيع على خصومهم الذين يذكرون النساء اللواتي يسهرن على خدمة الميرزا من أجل راحته. فمنهن من خصصها ميرزا غلام لحراسته، ومنهن ليوقظنه إذا تكلم في نومه ليدون ما تكلم به، وذلك يكون وحيه، إلى ما هنالك من الروايات. فمعظم تلك القصص مأخوذة من الصحابي القادياني الملقب قمر الأنبياء الذي هو ابن الميرزا غلام أحمد القادياني نفسه. فأنا أنصح المهتمين بدراسة هذه الجماعة كما و أنصح الأحمديين أيضاً بمطالعة كتاب "سيرة المهدي" حتى يتعرفوا على المزايا الخاصة التي تحلى بها مؤسس جماعتهم ليكونوا على بصيرة من أمرهم، و ليعلموا من هو الشخص الذي سلموا بأنه مسيح و رسول للناس كافة. و أنا أقتبس هنا بعضاً من الروايات التي وردت في هذا الكتاب:
رواية رقم 847 :"الخادمة و الماء الساخن"
((كان ميرزا غلام لا يستعمل للإستنجاء إلا الماء الساخن، و في أحد الأيام طلب من إحدى الخادمات أن تضع له الماء الساخن في المرحاض للإستنجاء، فأخطأت الخادمة ووضعت ماءاً ساخناً جداً في إبريق الإستنجاء ووضعته في المرحض. و لما فرغ حضرته خرج من المرحاض قائلاً "من وضع هذا الإبريق في المرحاض؟"، قيل له الخادمة التي أمرتها بذلك، قال: فأحضروها هنا. و لما حضرت قال: مدي يديك. و لما فعلت سكب عليها ما تبقى من الماء الساخن حتى تشعر بالخطأ الذي قامت به. فماء الإستنجاء يجب أن لا يكون ساخناً جداً)).
رواية رقم 1: "لم يستغفر الله قط"
((قالت لي والدتي -أم الؤمنين- أن حضرة المسيح الموعود -ميرزا غلام- كان يكثر من قول سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم. و قد ذكرت ما روته والدتي إلى الصحابي شير علي. فأكد لي الأخير ما قالته والدتي و أضاف قائلاً: و مع هذا فإنني لم أسمع المسيح الموعود مرزا غلام يستغفر الله قط)).
رواية رقم 553 "لم يحفظ معظم آيات القرآن"
((أخبرني الدكتور محمد إسماعيل أن حضرة المسيح الموعود عليه السلام لم يكن يحفظ سورة طويلة من القرآن، و لكن لا شك كان يفهم المعاني لآيات القرآن بالرغم من عدم حفظه لمعظمها. و عندما كان يريد أن يستفسر عن موضوع فكان يسأل الحفاظ ليدلوه على الآية التي تخبر عنه)).
رواية رقم 780 "الخادمة بانو تدلك الميرزا"(38/149)
((أخبرني الدكتور محمد إسماعيل أن أم المؤمنين أخبرته بأن حضرة - ميرزا غلام - له خادمة كبيرة اسمها بانو. و ذات ليلة حين كان الجو شديد البرودة جلست لتدلك حضرته. و لأنها تعودت أن تدلكه من فوق الشرشف فإنها لم تدرك أنها لم تكن تدلك سيقان حضرة - ميرزا غلام - و لكن في الحقيقة كانت تدلك السرير. و بعد فترة قال لها حضرته : "بانو، إن الجو بارد جداً اليوم"، فأجابته الخادمة بانو قائلة : "هذا صحيح، لهذا السبب فإن سيقانك قاسية مثل الخشب")).
رواية رقم 966: "ميرزا و الخمر الخصوصي"
((أخبرني سيتي غلام نبي أنه ذهب إلى المسيح الموعود - ميرزا غلام - يشكو همه و غمه، فقال له حضرته إنني قد حضرت عرقاً فاشربه يومياً، أجل، الخمر حرام، و لكن هذا العرق قد صنعته بنفسي حلالاً، و بقي حضرته يرسل لي كأس عرق في الصباح و أخرى في المساء لمدة شهر، فطلبت من حضرته أن يعطيني طريقة تحضيرها، فقال: "إنك لن تستطيع صنعها، تعال خذها من عندي كلما احتجتها"))
رواية رقم 929: "ميرزا و الأفيون"
((أخبرنا الدكتور مير محمد إسماعيل - أحد أصحاب ميرزا غلام - أن حضرة المسيح الموعود عليه السلام - ميرزا غلام - قد أكد بأن للأفيون فوائد عجيبة و غريبة. و أنه قد أعد شخصياً من الأفيون دواءاً أسماه "ترياق إلهي" كان يعطي منه لأصحابه أيضاً))
و سأحاول في مشاركاتي القادمة - إن شاء الله - أن أسلط المزيد من الأضواء على معتقدات هذه الجماعة الضالة التي بدأت للأسف تجد بعض الجهلة في الوطن العربي ممن يتقبل آراءها أو يتمادى فينتمي إليها، ضاربين بعرض الحائط كل تلك الحقائق التي تكشف كفر و باطنية و عمالة هذه الطائفة الهدامة. و الأدهى من ذلك هو أنهم يدعون بأن جماعتهم الضالة هذه هي الممثل الحقيقي للإسلام الصحيح.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فؤاد العطار
=============(38/150)
(38/151)
هكذا يرعى الكيان اليهودي الفرق الباطنية
عيسى القدومي
المتابع لنشاط الفرق الباطنية في العالم العربي والإسلامي وبالأخص{البهائية} و{القاديانية} يجد أن مركز دعوتها الأساسي في الأراضي التي احتلها اليهود في عام 1948م والتي أسموها {دولة إسرائيل}، فقَدم الكيان اليهودي كل الرعاية والدعاية لهم، وأقام المراكز والمعابد وسهل نشر أباطيلهم؛ ليصل نشاطهم إلى مناطق الضفة والقطاع وشرقي القدس على وجه الخصوص، والعالم العربي والإسلامي بالعموم.
ومما دفعني للكتابة حول تلك الفرق الباطنية ورعاية الكيان اليهودي لها، ما قرأته من تقارير حول السعي الحثيث للفرقة القاديانية بالانتشار والانطلاق نحو هذا العالم الإسلامي عبر فلسطين، على اعتبار أن مركزها في فلسطين أُعد ليكون جسراً لعبور القاديانية إلى العالم العربي.
ما الفرقة [القاديانية] الأحمدية:
كانت بداية القاديانية في فلسطين حين وصل بعض أتباعهم إليها عن طريق - حيفا-، وكان في مقدمتهم ابن مؤسس الفرقة القاديانية وخليفته بشير الدين محمود أحمد عام 1924وحضر معه القادياني (جلال الدين شمس) الذي أسس مركز الجماعة في قرية - الكبابير - على قمة جبل الكرمل في حيفا، وقد تبع ذلك بناء أول معبد للجماعة هناك عام 1934، وكان ذلك في رعاية حكومة الانتداب البريطاني المحتلة لأرض فلسطين آنذاك، وتم إعادة بناء ذلك المعبد في عام1979 ويعرف تدليساً بمسمى (مسجد سيدنا محمود) وتضم قرية الكبابير الآن قرابة ال3000 نسمة معظم سكانها من أتباع القاديانية.
وقد عاشت الجماعة في شبه عزلة عقائدية حيث لم تنتشر القاديانية بين العرب المسلمين المقيمين في أراضي 1948 بدليل أنهم من خارج قرية -الكبابير- لا يتجاوزون العشرات بمن فيهم متبعي القاديانية منهم من سكان الضفة الغربية.
وقبل سنتين تقريباً كان لي نقاش مع أحد الفلسطينيين الذين اعتنقوا العقيدة القاديانية الباطلة، واستفزتني مقولة لذلك الضال (من أنهم سيعملون جاهدين لجعل كل أهل فلسطين قاديانيين)، فقلت له: وهذا ما يسعى إليه اليهود كذلك!! ولكن أنى لكم ذلك والمسجد الأقصى وما حوله من أرض فلسطين والشام هي مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين، والأرض التي إليها محشر العباد، ومنها يكون المنشر، وفيها مقتل الدجال وأتباعه، وفيها يشهد نطق الحجر والشجر حين يقول: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالَ فاقتله). والتي ستعود فيها الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، فهي الأرض التي باركها الله للعالمين، ولن تكون مقاماً للمجرمين.
وهم يعتقدون بقدسية (قاديان) في الهند، ويعتقدون بأن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان وليس الذي في بيت المقدس.
جاء في صحيفة الفضل القاديانية عدد 3 سبتمبر سنة 1935 م: (لقد قدس الله هذه المقامات الثلاثة؛ مكة والمدينة وقاديان واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته).
وفي عدد 23: (إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) هو مسجد قاديان. وهدفهم من ذلك واضح ليقولوا كاذبين بأن القدس لا مكانة لها ولا رابط دينياً بينها وبين الإسلام، ويزعمون أن المسجد الأقصى هو مسجد آخر غير الموجود في القدس هو مسجد في قاديان !!. وما زالوا يصرون على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك.
ولا يخفى أن للقاديانية علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي، فقد فتحت لهم المراكز والمدارس ومكنوا من إصدار مجلة تنطق باسمهم، ولهم مطلق الحرية والدعم في طباعة كتبهم وضلالاتهم وتوزيعها في العالم، وانتقالهم الحر بين فلسطين ودول العالم.
وللقاديانيين قناة فضائية (التلفزيون الإسلامي الأحمدي) ومواقع على الشبكة العالمية (الإنترنت) ويطلقون على أنفسهم مسمى (الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية)، والمتصفح لمواقعهم باللغة العربية يجدهم قد هذبوها من أغلب ما يثير المسلمين عليهم، حيث تقرأ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أعلى الصفحة الرئيسة للموقع وصورة الكعبة في مكة المكرمة حتى يدلسوا على المتصفح لذلك الموقع بأنهم لا يخالفون عقيدة المسلمين، وأكثروا فيه من مدح العرب وخدمات قادتهم وخطاباتهم ومواقفهم من القضايا العربية؛ ليدفعوا التهم بعلاقتهم بالاستعمار.
ومؤخرا قام أكثر من 30 ألفا من أتباع الطائفة القاديانية في بريطانيا بالتجمع للمناداة بالـ(جهاد ضد التطرف). حيث قال كبيرهم: (نحن ننادي بجهاد من نوع جديد، جهاد من أجل كسب عقول البشر وأفئدتهم؛ ليدركوا أن الإسلام هو دين السلام وليس دين العنف).
البهائية في رعاية اليهودية
أما البهائيون في فلسطين المحتلة فيعاملون معاملة اليهود منذ قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين، وتُرعى معابدهم وتجمعاتهم كما ترعى المعابد والكنس اليهودية، ويوجد العديد من المحافل والمراكز والأماكن المقدسة للبهائية في عكا وحيفا والتي لها الصون والدعم الكامل والتسهيلات المفتوحة والترتيبات الكاملة لتهيئتها لتكون محجاً للبهائية وأتباعهم في العالم أجمع.(38/152)
وللبهائية كذلك علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي منذ بدايته فقد أيد البهائيون تجمع اليهود في فلسطين وعدّوا ذلك مما جاء في العهد القديم، ولهذا يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء ولاسيما اليهود، ويَدعُون إلى السلام المطلق مع اليهود وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين.
والإعلام اليهودي يساند البهائية ويبرزها على أنها حركة رائدة في مجال الفكر الإسلامي، وقد كافأهم ورعاهم الكيان اليهودي بأن أنشأ لهم بناية ضخمة في حيفا على جبل الكرمل في إبريل 1983م، أطلقوا عليها مسمى (بيت العدل)؛ لتكون مقراً لمركز البهائية الذي يديره تسعة بهائيين يتم انتخابهم حيث كلف بناؤها أكثر من 250 مليون دولار. وهم كذلك لا يجدون حرجاً في تشبيه (قبة محفل عباس) بقبة مسجد الصخرة في المسجد الأقصى.
وزيارات البهائيين إلى الكيان اليهودي الغاصب لم تعرف الانقطاع طيلة المراحل السابقة، وهي تأخذ بعداً دينياً عميقاً، يتمثل في كون أهم مركز ديني بهائي في العالم مُقام في مدينة حيفا على جبل الكرمل. وقد تم منذ حوالي عقدين إنشاء قصر ضخم في المدينة نفسها ليستوعب عدد الزائرين سنوياً من بهائيي العالم.
الدروز
كان من أولويات الكيان اليهودي فور إنشائه في العام 1948م انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم عنهم واحتواؤهم. وفي المقابل رأى دروز فلسطين كيان اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب يمكن أن تحققه أقلية لا تزيد عن 250 ألفاً بين عرب يزيد تعدادهم عن 250 مليون -1%-.
وقد بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز، منذ عام 1930م وخلال هذا وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف الطائفة الدرزية من (النزاع اليهودي الفلسطيني) هو موقف محايد.
وفي عام 1948م بعد إعلان قيام (دولة اليهود) انصرف جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز، بعد أن تأكدت نيتهم بالتعاون غير المحدود مع الكيان الصهيوني؛ مما دفع الاحتلال اليهودي إلى إنشاء وحدة خاصة في الجيش هي وحدة الأقليات، كما نجحت الآلة العسكرية الصهيونية في استعمال الشبان الدروز لأكثر أدوارها فظاعة وقسوة بحق أهل فلسطين، ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش قرابة 19000 مجند فهم عمليا عناصر المهمات القذرة في قوات الاحتلال، بدءا من الصورة التقليدية الرائجة للجندي الدرزي في حرس الحدود، الذي يقتحم البيت الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة ليمارس حفلة ترويع على طريقته الخاصة، وانتهاء بقائد سرية يمارس أبشع المهمات، كما في مأساة الطفلة إيمان الهمص، حيث تولى ذلك القائد الدرزي وقام بإفراغ أمشاط الرصاص في جسدها بعد أن تأكد موتها وهي ابنة 13 عاماً، مما أثار جنوده اليهود الذين رفضوا أن يكونوا في سريته من بشاعة جريمته.
- ويرى المواطنون الفلسطينيون، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية، أن ما أقدم عليه الضابط الدرزي ليس تصرفا مفاجئا بحدِ ذاته بالنسبة إليهم، فقد كان الجنود والضباط الدروز في صدارة وحدات التنكيل والبطش بالفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، ومن هنا أصبحت للدرزي صورة راسخة في الوعي الفلسطيني لا تعدو أن تكون جندي الاحتلال الأكثر قسوة.
ففي وقت سابق وجه الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال نداء لزعماء الطائفة الدرزية ووجهائها، للتدخل الفوري والسريع، لوضع حد لممارسات أبناء الطائفة ممن يعملون في حرس الحدود في مصلحة سجون الاحتلال، والذين يمارسون شتي صنوف القمع والعقاب بحق الأسرى الفلسطينيين، في رسالة تم تسريبها من وراء قضبان الاحتلال.
وناشد الأسرى قادة الطائفة الدرزية الضغط على أبنائها للاستقالة الفورية، وترك العمل في مصلحة السجون وكل أجهزة الاحتلال ذات الاحتكاك المباشر بالشعب الفلسطيني والمعتقلين، منعا للاصطدام، ودفعا للحرج ودرءا للمفاسد، على حد وصفهم.
هدف اليهود من رعاية الفرق الباطنية
ولليهود في ذلك مقاصد وأهداف واضحة جلية، أولها شق صف المسلمين في فلسطين بزرع الفرق الباطنية وتسهيل مهامهم، لهدف أساسي وهو كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله، وشحن المسلمين بسيل من الشبهات والشهوات، وبث السموم لتوهين الثوابت في نفوس المسلمين.
والهدف الأهم كذلك هو إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه، وظهوره وتميزه بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التبديل في مرتبة الأديان المحرفة، وإظهار الخلاف العقدي بين المسلمين.
من لهؤلاء الضلال(38/153)
إن مسؤولية المسلمين قادة ودعاة وعلماء وموجهين تتعاظم أمام شبهات الفرق الباطنية والدعوات المنحرفة، لكشف زيفهم وضلالهم، حتى لا ينطلي باطلهم على الناس، ولا يكون كشف ذلك الضلال إلا بدراستهم ومعرفة واقعهم وقادتهم، وأماكن وجودهم، وكيف ينشرون ضلالهم؟ وما الأساليب التي يستخدمونها؟ وحجم الدعم الذي يتلقونه؟ وما الشخصيات التي يستغلون نفوذها؟ ولا بد من الحذر الشديد من استفادة الفرق الباطنية وبالأخص القاديانية من تقصير الإعلام الإسلامي والعربي بشأنها، الذي شنع على هذه الطائفة وحذر منها، إلا أنه في أغلب الأحيان ارتكب أخطاء جسيمة عندما لم يلتزم الدقة وبالغ في بعض الأحيان فيما يتعلق بأفكار هذه الطائفة وتاريخها، التي استغلت هذه الأخطاء لتوهم أفرادها والمتأثرين ببعض آرائها بأن هناك حملة شعواء حول هذه الجماعة تهدف إلى تشويهها، وبأن كل التهم التي يكيلها الإعلام لهم إنما هي افتراءات، بل كذب محض بدليل وجود أدلة قوية على كذب بعض تلك الاتهامات، بل إن بعض قادة هذه الطائفة والمنظرين لها تمادوا أكثر فادعوا بأنه ليست لجماعتهم أي صلة بما يطلق عليه الناس اسم (الطائفة القاديانية) ، و أن هذه الطائفة هي جماعة وهمية من اختراع الناس و إعلامهم الكاذب!!
ولو أنك بحثت مثلاً في الإنترنت عن هذه (القاديانية) لوجدت آلاف الموضوعات المنسوخة عن بعضها في الغالب، لكن القليل من تلك الموضوعات هو الذي يوضح حقيقة هذه الطائفة، وطرق دعوتهم الحديثة الباطلة.
فلا يصلح لمحاربة القاديانية إلا شخص يعرف الحق بداية، ولديه ذكاء وعقل، وحسن تصرف ولباقة في الحديث، وذلك أن الدين القادياني قائم على الكذب والخداع ونشر الشبهات، فلن يصلح رجل يحسن الظن بكل ما يقال أو يقرأ. وأيضاً القادياني لا يروج عقيدته إلا بشبهات شيطانية يصطادها خبثاء من بطون الكتب غالباً مكذوبة أو محرفة أو من قبيل المنسوخ أو المقيد والخاص فيجعلونه عاماً مطلقاً.
ولهذا يجب توعية المؤثرين في المجتمع وهم العلماء والدعاة والخطباء وأئمة المساجد ومدرسو الجامعات و المدارس وقادة العمل الإسلامي والمسئولين المحليين، من خلال تعريفهم بحقيقة عقيدة الطائفة القاديانية اليوم بنص أقوال قادتهم المعاصرين، وكذلك بحقيقة المواقف السياسية الطائفية التي ينتهجها أتباع القاديانية، والرعاية والدعاية التي تخدم انتشارهم.
وفي الختام لا خير فينا إن لم ننشر عقيدتنا الإسلامية الصافية، ونبين صفة الفرقة الناجية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي المتمسكة بكتاب الله - تعالى -وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيثما كانت، امتثالاً لقول الله - تعالى -: -وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله-، وقوله - تعالى -: -ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون-، ولوصية الرسول صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
وأوجز ذلك كله ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله - تعالى -: -إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون-.
(إن هذه الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفاً له؛ فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه -كانوا شيعاً- أي: فرقاً كأهل الملل والنحل، والأهواء والضلالات، فإن الله - تعالى -برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه).
================(38/154)
(38/155)
كلمة خاتم في كلام غلام قاديان
كتبه: فؤاد العطار
قال تعالى ((ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) - سورة الأحزاب : 40
تدعي الجماعة الأحمدية (القاديانية) الإيمان بقوله تعالى عن نبيه صلى الله عليه و سلم أنه ((خاتم النبيين)) لكنها تدعي بأن كلمة "خاتم" إذا استعملت مع جمع العقلاء فإنها لا يمكن أن تعني "آخرهم" بل تأتي بمعنى "زينتهم" و التي تفيد برأيهم أنه "أفضلهم"!
لكنني أقول بدوري للأحمديين بأن مؤسس جماعتهم - ميرزا غلام أحمد القادياني - كان قد ادعى بأنه لم يتعلم العربية من أحد بل ألهمه الله اللغة العربية إلهاماً، ومن الملاحظ أن ميرزا غلام أحمد القادياني كان قد استعمل كلمة "خاتم" في كتبه مع جمع العقلاء بمعنى (آخرهم) و ذلك قبل و بعد أن ادعى النبوة. و كذلك فعل في كتبه المؤلفة بلغة الأوردو أيضاً، و هذا يثبت بأن ادعاءات الميرزا و أتباعه الأحمديين باطلة جملة و تفصيلاً دون الحاجة إلى الخوض معهم في المعنى الحقيقي لكلمة خاتم.
(1) يقول ميرزا غلام أحمد القادياني:
))ثم بعد ذلك نقل النبوة من ولد إسرائيل إلى إسماعيل، و أنعم الله على نبينا محمد و صرف عن اليهود الوحي و جبرائيل، فهو خاتم الأنبياء لا يبعث بعده نبي من اليهود، و لا يرد العزة المسلوبة إليهم، و هذا وعد من الله الودود)).
المرجع : كتاب (مواهب الرحمن - عام 1903) صفحة 73 " طباعة الجماعة الأحمدية - اللاهورية"
و أيضاً : روحاني خزائن، ج19 ص291 "طباعة الجماعة الأحمدية - القاديانية"
(2) يقول ميرزا غلام أحمد القادياني (قبل أن يدعي النبوة) :
)) و قد ختم الله برسولنا النبيين، و قد انقطع وحي النبوة فكيف يجيء المسيح و لا نبي بعد رسولنا؟! أيجيء معطلاً من النبوة كالمحرومين؟ و قد بشرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن المسيح الآتي يظهر من أمته و هو أحد من المسلمين)).
المرجع: كتاب (تحفة بغداد - عام 1893م) صفحة 7 "طباعة الجماعة الأحمدية - اللاهورية"
و أيضاً : روحاني خزائن، ج7 ص9 "طباعة الجماعة الأحمدية - القاديانية"
(3) يقول ميرزا غلام أحمد القادياني (قبل أن يدعي النبوة):
))و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا نبي بعدي" و سماه الله "خاتم الأنبياء" فمن أين يظهر نبي بعده؟! ألا تتفكرون يا معشر المسلمين؟ تتبعون الأوهام ظلماً و زوراً و تتخذون القرآن مهجوراً و صرتم من البطالين)).
المرجع : كتاب (تحفة بغداد - عام 1893م) صفحة 28 "طباعة الجماعة الأحمدية - اللاهورية" .
و أيضاً : روحاني خزائن، ج7 ص33 "طباعة الجماعة الأحمدية - القاديانية"
(4) يقول ميرزا غلام أحمد القادياني:
))كنت خاتم الولد عند أبي، فلم يولد له ابن بعدي)).
المرجع : خزائن روحانية ج21 ص 113 براهين أحمدية الجزء 5 "طباعة الجماعة الأحمدية - القاديانية"
لاحظ أنه استعمل "خاتم الولد" بلغة الأوردو بنفس استعمالها في اللغة العربية.
(5) يقول ميرزا غلام أحمد القادياني عن عيسى بن مريم عليه السلام:
))لقد كان خاتم الأنبياء إلى بني إسرائيل)).
المرجع : خزائن روحانية ج21 ص 267 براهين أحمدية الجزء 5 "طباعة الجماعة الأحمدية - القاديانية"
لاحظ أنه استعمل "خاتم الأنبياء" بلغة الأوردو بنفس استعمالها في اللغة العربية.
(6) يقول ميرزا غلام أحمد القادياني:
))بالنسبة للقيم الروحية فإنني أنا خاتم الخلفاء في الإسلام مثلما كان المسيح بن مريم خاتماً للخلفاء في السلسلة الإسرائيلية((.
المرجع : خزائن روحانية ج19 ص17 سفينة نوح "طباعة الجماعة الأحمدية - القاديانية".
لاحظ أنه استعمل "خاتم الخلفاء" بلغة الأوردو بنفس استعمالها في اللغة العربية.
و قد ادعى الميرزا أن الله ألهمه تعلم اللغة العربية إلهاماً، أنظر الرواية رقم 104 في كتاب "سيرة المهدي" الذي ألفه ابن ميرزا غلام الملقب (قمر الأنبياء) حيث يقول هناك:
))أخبرني مولوي شير علي أن حضرة المسيح الموعود عليه السلام ميرزا غلام قال "إن جميع مؤلفاتي بالعربية هي من نوع الإلهام لأنني كتبتها بتأييد خاص من الله، فإنني أحياناً لا أعرف معنى بعض الكلمات و الفقرات التي أكتبها حتى أنظر إلى القاموس ثم أفهم المعنى"، و أضاف مولوي شير علي أن حضرة - ميرزا غلام - كان يعطي ما يكتبه بالعربية للخليفة الأول و لمولوي محمد أحسن لتصحيحه إن كان الأمر يتطلب ذلك)).
و ما دام الميرزا قد استعمل كلمة خاتم مع جمع العقلاء لتفيد معنى "آخرهم" إذاً فاعتراضات القاديانيين مردودة كلها، و نفيهم بأن كلمة "خاتم النبيين" تعني آخرهم ما هو إلا عقدة في الهواء و سقف بلا أعمدة.(38/156)
أما ما يدعيه القاديانيون - المتعامون عن كلام إمامهم الملهم - بأن كلمة (خاتم النبيين) تعني (زينة النبيين) و ذلك لتفيد بأنه أفضل النبيين فهو ادعاء متهافت، فإن تفسيرهم للخاتم بمعنى الزينة لن يعني أبداً بأن محمداً صلى الله عليه و سلم هو أفضل الأنبياء. فالخاتم ليس هو أفضل زينة للرجال، و الدليل هو ما نراه اليوم و ما رآه من كانوا قبلنا أجمعين بأن زينة الرجل الأهم تكون في لباسه و في جمال خلقته. أما زينة الخاتم فيمكن الإستغناء عنها فهي من الكماليات، و لو ارتدى رجل حلة قديمة باهتة و لبس خاتماً لما لحظ هذه الزينة أحد و لما وصفه أحد بأنه متزين لعدم عظم زينة الخاتم في أنظارهم، أما لو ارتدى فوق ذلك عباءةً فاخرة و عمامة منمقة لما تردد أحد في الإعجاب بزينته حتى لو لم يلبس خاتماً. ولو أنك وصفت أحدهم بأنه شامة العلماء و وصفت آخر بأنه حلية العلماء لما جزمت بالمفاضلة بينهما فذلك يعتمد على ذوق السامع. وقد يفضل البعض العمامة أو العباءة على هذا كله.
إذاً فمعنى خاتم الزينة لا يستدرك بأن النبي هو أفضل الأنبياء، بل يجعله مجرد حلية في أياديهم، لذلك استبعد هذا المعنى لغوياً فهو لا يستقيم مع السياق.
لكن معنى (آخرهم) سيفيد بأنه أفضلهم و لا بد. و لو قال أحدهم الجملة التالية (فان كوخ ريشة الرساميين المبدعين على مر العصور) فهل يفهم السامع من ذلك بأنه يعتبره أفضلهم على الإطلاق بمجرد أنه ريشتهم أو زينتهم؟
فإن أصر القاديانيون على أنهم سيفهمون أنه أفضلهم نسألهم: لو قال نفس الشخص الجملة التالية (بيكاسو آخر الرسامين المبدعين على مر العصور) هل ستفهمون بأنه يعتبر فان كوخ أفضل من بيكاسو؟!. لا شك أن اعتباره بيكاسو آخر الرسامين المبدعين يعني بأنه يراه أفضلهم فلن يأتي أحد في اعتقاده قادر على أن يضيف للفن شيئاً جديداً بعد بيكاسو.
ولو قال أحدهم (سمية تاج المؤمنات الصالحات) ثم قال (خولة حلية المؤمنات الصالحات)ثم قال (سلمى كحل المؤمنات الصالحات) ثم قال (شيماء زينة المؤمنات الصالحات). فهل يحق لأحد الإعتراض عليه بأن يصفه بالتناقض؟ و هل سيفهم بداهة أي النساء الأربع هي الفضلى للقائل؟. الجواب قطعاً لا. إذاً فوصف العقلاء بأنهم بعض الزينة لا يعني لغة بأنهم الأفضل. أما اصطلاح الصوفية على أن خاتم الأولياء هوأفضلهم فلأنهم استحدثوا درجات روحية هي الغوث و القطب و الخاتم و غيرها. و اعتبروا الخاتم أعلاها لأنه واحد في كل العصور. فالأمر لا يمت بصلة إلى المعنى اللغوي.
فإن أصر القاديانيون أن كلمة (خاتم) لا تأتي مع جمع العقلاء إلا لتفيد معنى (أفضلهم) نسألهم: هل كلمة (الكذابين) جمع للعقلاء أم لا؟ لو أن أحدهم قال (فلان خاتم الكذابين) فهل هذا يعني (أفضلهم) ؟ ليس هذا ما تعنيه. فهي تعني إما :
1- آخر الكذابين. فلن يأتي كذاب بعده يدانيه في الكذب. و هذا للمبالغة في الذم. فهو أخبثهم وليس أفضلهم.
2- أنه زينة الكذابين - فهو الذي يتجمل به الكذابون و يموهون على الخلق. فهو ليس منهم لأنه صادق. أو أنه من أقلهم كذباً.
وقد تعني شيئاً آخر حسب السياق.
إذا كيف تعني كلمة خاتم العقلاء (أفضلهم) دائما مهما كان نوع العقلاء ومهما كان السياق ؟ فقد عنت في المثال أعلاه أنه أخبثهم أو أنه ليس منهم أو أنه منهم لكنه لا يفوقهم كذباً. وإذا كان الكذب هو وجه المفاضلة هنا. فإن معنى آخرهم هو الذي أعطى مطلق الكذب. أما معنى (زينتهم) فقد أعطى أقل درجات الكذب أو نفى الكذب. فالسياق هو الحكم هنا للمدح أو الذم.
إذاً و جب الرجوع إلى المعنى اللغوي الأصلي لكلمة (خاتم) لمعرفة المراد منها عندما يتبعها جمع للعقلاء. فإن كان المعنى (آخرهم) فهو إما على الحقيقة أو المجاز. فإن كان آخرهم حقيقة فلن يتبعه شخص من جنس وصفه. و إن كان عنى آخرهم مجازاً فهو للمبالغة في وصف بروزه في صفة العقلاء مدحاً أو ذماً. و إن كان المعنى المراد هو خاتم الزينة فهو على المجاز و لا بد. و هو يتضمن إما مدحاً أو ذماً حسب السياق وحسب وصف العقلاء. لكنه ولا بد لا يفيد بأنه أفضلهم.
و قد لا يتضمن السياق أي مدح أو ذم بل مجرد إخبار. فنقول (كان سامي خاتمة الداخلين إلى المحاضرة) بمعنى (آخرهم دخولاً).
فإن راوغ القاديانيون و قالوا بأن (خاتم النبيين) تعني بأنه هو من يصدّق للنبيين و يختم لهم نسألهم: و هل صلى الله عليه وسلم هو الذي أعطى شهادات للأنبياء بأنهم أنبياء ؟!! و كيف يختم للأنبياء من جاء بعد الأنبياء؟!!(38/157)
و القاديانيون تناسوا أن كلمة خاتم في الآية (..و خاتم النبيين..) وردت بقراءتين متواترتين، الأولى بفتح التاء (و هي قراءة عاصم) و الثانية بكسرها (و هي قراءة الباقين)، و بهذا يبطل تمويه القاديانيين كله، فلا يمكن أن تعني القراءتان بأنه يصدق و يختم للأنبياء، لكن كلا القراءتين تعنيان بأنه (آخرهم) و لا بد، و بهذا تتفق مع سياق الآية. فالخاتَم والخاتِم لغتان في معنيين اثنين: الخاتَم: الزينة، والخاتَم: الختام والطابع وكذلك بالكسر، وقد أطبقت معاجم اللغة على ذلك (انظر مادة "ختم" في لسان العرب جـ12 ص 163 ، والقاموس المحيط جـ ص 105 ، و الصحاح للجوهري ، ومختار الصحاح للرازي ص 169).
و لا داعي للخوض أكثر مع القاديانيين في معنى كلمة "خاتم" إذا جاءت مع جمع العقلاء، فنبيهم الملهم المزعوم كان قد أورد كلمة "خاتم" مع جمع العقلاء في كثير من كتاباته العربية لتفيد "آخرهم" كما وضحت في بداية حديثي، و بهذا بطل شغبهم كله.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فؤاد العطار
==============(38/158)
(38/159)
أعور قاديان و الإعجاز الأحمقي
فؤاد العطار
Anti_ahmadiyya@yahoo.com
(إعجاز أحمدي) و (إعجاز المسيح) هي كتب للميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة الأحمدية (المشهورة بالقاديانية). و في تلك الكتب و غيرها ادعى الميرزا بأن الله سبحانه أيده بآيات و معجزات يعجز البشر عن الإتيان بمثلها. بل إن الميرزا ادعى في كتابه (تذكرة الشهادتين) بأن الله سبحانه قد أيده بأكثر من مليون آية لإثبات صدقه. يقول الميرزا هناك:
((إذاً فكل تلك الإعتراضات - التي يحتج بها الخصوم على فشل النبوءات - سببها هو الجهل و العمى و التعصب ، و ليس سببها هو الأمانة و طلب الحق. لقد ظهرت على يدي أكثر من مليون آية و لا تزال تظهر، إن لم يتم فهم واحدة أو اثنتين من تلك النبوءات لمن هو غبي و جاهل و قصير النظر فهل يمكن لأحد أن يستنتج أن كل تلك النبوءات لم تتحقق)) - مجموعة الخزائن الروحانية، الجزء 20، كتاب تذكرة الشهادتين ص43. أنظر الوثيقة في الأسفل.
http://img416.imageshack.us/img416/5752/image08vj3.jpg
و في كتابه (حقيقة الوحي) قام الميرزا بتعداد بعض ما اعتبره آيات أظهرها الله لتأييده، لكنه قال هناك:
((لقد ذكرت هنا نبوءتان أو ثلاثة نبوءات فقط، و بعكس ما يقوله الخصوم فإنني أود أن أبين كم من الآيات السماوية التي أيدني بها الله تعالى للشهادة على صدقي، لكنني أعتذر حيث إن كتابة كل تلك الشهادات السماوية لن يستطيع كتاب مكون من ألف مجلد أن يحصيها كلها)) - مجموعة الخزائن الروحانية، الجزء 22، كتاب حقيقة الوحي ص200. أنظر الوثيقة في الأسفل.
http://img89.imageshack.us/img89/556/image09qa3.jpg
و قد يتساءل المرء عن السبب الذي يجعل من الصعب تعداد معجزات الميرزا القادياني، فإن كان أعور قاديان مؤيداً بأكثر من مليون آية على صدقه فما الذي يمنعه من تعداد كل تلك الآيات السماوية، و لماذا يظل ذلك الكم الهائل من المعجزات طي النسيان يجهله القادياني قبل غيره؟ الجواب كالعادة يبقى في ضمير الغلام. لكنني هنا سأعطي بعض الأمثلة على المعجزات التي تحدى بها الميرزا البشرية.
كتاب (إعجاز المسيح) و الباطنية بلا حدود
هذا الكتاب موجود بأكمله على الرابط القادياني التالي: http://www.islamahmadiyya.net/pdf/ijaz_almaseeh.pdf
كما سترون عند قراءتكم لكتاب إعجاز المسيح فإن هذا الكتاب هو تفسير إعجازي للمعاني السرية - الباطنية- لسورة الفاتحة أوحاه إله الميرزا إليه، فهذا التفسير إذاً هو إحدى معجزات الميرزا !! يقول الميرزا عن كتابه المذكور ص 64 : ((و إنه بلغ حد الإعجاز من الله الفعال)). أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img210.imageshack.us/img210/1139/ijaz2zp.jpg
و لنلق نظرة إذاً على المعاني التي يجب على القاديانيين تدبرها عند قراءتهم لسورة الفاتحة في الصلاة. و كما هو معلوم (عند القاديانيين فقط) فإن الميرزا القادياني (مسيحهم الموعود) مشار إليه في سورة الفاتحة! أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img234.imageshack.us/img234/9707/mentioned17pl.jpg
و في هذا الكتاب ادعى الميرزا بأن سورة الفاتحة تبشر بظهوره، و هي تبشر أيضاً بعمر الدنيا الذي سيكون 7000 سنة فقط يوم القيامة !! أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img209.imageshack.us/img209/5853/mentioned29ks.jpg
و بزعم الميرزا فإن آية (الرحمن الرحيم) تشير إلى أن نبينا خير الورى قد ورث صفتي ربنا الأعلى - سبحانه، أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img51.imageshack.us/img51/5580/a r rahmania r raheem4au.jpg
مالك يوم الدين، و ما أدراك ما يوم الدين؟ إنه يوم الميرزا! أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img56.imageshack.us/img56/5992/malikiyawmialddeeni9jo.jpg
أما عن معنى (إياك نعبد و إياك نستعين) فحدث و لا حرج، فهي تشير إلى أن العابد الكامل يعطى له صفات رب العالمين. أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img90.imageshack.us/img90/4302/iyyaka6sm.jpg
الميرزا هو بمثابة بروز (مظهر / ظل) الإله، أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img51.imageshack.us/img51/5103/bu r ooz13mk.jpg
و لا غرابة في ذلك أبداً، فالميرزا ذكر وحياً صريحا من إلهه يخبره فيه بأنه (أي الميرزا) هو بمنزلة بروز (مظهر) الإله، و بهذا لا يكون الميرزا نبياً بروزياً (ظلياً) فقط كما يدعي القاديانيون، بل هو إله بروزي أيضا تماماً مثل بهاء الله مؤسس البهائية. أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img234.imageshack.us/img234/5986/bu r ooz7vh.jpg
و الميرزا أيضا بمثابة روح الإله، أنظروا الوثيقة في الأسفل:
http://img234.imageshack.us/img234/9720/spi r it0md.jpg
كتاب الوحي القادياني المقدس (تذكرة) و التحدي العجيب
(تذكرة) هو الكتاب الذي يضم الوحي المقدس و الإلهامات التي ادعى الميرزا غلام أحمد القادياني أن إلهه أوحاها إليه. و قد جمع الأحمديون تلك الإلهامات و الكشوف و الوحي بعد موت الميرزا و ضموها في كتاب واحد أسموه (تذكرة). أنظروا الوثيقة في الأسفل.(38/160)
http://img226.imageshack.us/img226/4950/tadhki r ahhl1.jpg
الميرزا غلام أحمد القادياني كان يؤكد إيمانه بوحيه مثل إيمانه بالكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء، يقول الميرزا : ((إنني أؤمن بقطعية هذا الوحي النازل عليّ كما أؤمن بكتب الله )) - أنظروا الوثيقة في الأسفل من الترجمة القاديانية لكتاب وحيهم المقدس (تذكرة).
http://img63.imageshack.us/img63/6155/image01in7.jpg
و يقول الميرزا أيضاً ((أقسم بالله تعالى أنني أؤمن بهذا الوحي النازل عليّ كما أؤمن بالقرآن الشريف و بكتب الله الأخرى، و أني أعتبره قطعياً و يقينياً كما أعتبر القرآن قطعياً و يقينياً)). أنظر الوثيقة في الأسفل من كتاب "حقيقة الوحي" للميرزا القادياني.
http://img99.imageshack.us/img99/7201/image02vu7.jpg
الإعجاز الأحمقي - تحدي البشرية بآية واحدة من مثل آيات تذكرة!
تحدى الله سبحانه الناس في قرآنه الكريم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن الكريم، قال تعالى في قرآنه الكريم:
(( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) - سورة البقرة : 23
أما إله الميرزا - بزعمه - فرمى بتحد أكبر من ذلك الوارد بخصوص القرآن الكريم نفسه، و ذلك عندما تحدى الميرزا الناس أن يأتوا بآية واحدة فقط كتلك التي ادعى أن إلهه "يلاش" أنزلها عليه، و نص التحدي كان كالتالي:
((و إن كنتم في ريب مما نزلنا فأتوا بآية من مثله)) - أنظروا الوثيقة في الأسفل لكتاب الوحي القادياني المقدس (تذكرة).
http://img89.imageshack.us/img89/5245/image04cs1.jpg
و أنظر الوثيقة في الأسفل أيضاً للترجمة القاديانية المعتمدة لكتاب وحيهم المقدس (تذكرة)، حيث قام القاديانيون باعتماد الكلمة الإنجليزيةve r se لترجمة كلمة (آية) في الوحي المدعى أعلاه.
http://img212.imageshack.us/img212/8191/image03en5.jpg
آيات الوحي القادياني المقدس فيها شفاء !!
و في كتاب الوحي القادياني "المقدس" نقرأ الوحي المدعى التالي: ((و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بشفاء من مثله)) - تذكرة ص 33
http://img165.imageshack.us/img165/9478/image05fp3.jpg
أقول : ما دامت آيات الوحي القادياني المقدس معجزة و شفاء للناس فما بال القاديانيين لا يبالون بوحيهم المقدس ! ما بال معظمهم يجهل ذلك الوحي و لم يقرأ معظمه ! إن سألتهم فسيدعون أن القرآن كاف لهم، عجباً ! هل كان يحق للنصارى مثلاً أن يهملوا الإنجيل لمجرد أن التوراة كانت بين أيديهم؟
الآية المشفرة - نموذج من آيات الإعجاز "الأحمقي" !!
نشر الميرزا الآية المشفرة التالية بتاريخ 27-12-1891م، و هي عبارة عن سلسلة من الأرقام التي لم يفهم مغزاها أحد حتى الآن. و مع ذلك فهذه الآية هي من ضمن الآيات التي تحدى إله الميرزا بها البشرية جمعاء أن تأتي بمثلها. أنظروا الوثيقة في الأسفل.
http://img89.imageshack.us/img89/7091/image07xj2.jpg
قبول التحدي
أعلن هنا و أنا في كامل قواي العقلية قبول التحدي الذي أعلنه الميرزا بخصوص اختراع آية من أمثال آياته التي ادعى أنها موحاة إليه، فسأقوم الآن باختراع آية مشفرة شبيهة بالآية المشفرة التي نشرها الميرزا بتاريخ 27-12-1891م. و أنا أدعي بأن الشيفرة التي اخترعتها تكافيء شيفرة الميرزا أو هي أفضل منها، و هي كالتالي:
(( 50 , 99 , 1000000 , 5 , 15 , 2.5 , 3 , 80 , 9 , 1 , 50 , 100 , 70 , 14, 200, 81, 1000, 50, 50, 13, 7000, 3, 0.1 ))
و الآن هل يستطيع أحد من القاديانيين أن يثبت بأن آية الميرزا المشفرة أفضل من شيفرتي التي اخترعتها بنفسي؟ كلا و ألف كلا.
و لأثبت بأن الشيفرة خاصتي أفضل من الشيفرة التي أتى بها الميرزا سأبين بأنه - على عكس شيفرة الميرزا - من الممكن استخلاص معنىً من وراء شيفرتي، و هو في هذه الحالة كالتالي:
50:- إشارة إلى وعد الميرزا لزبائنه أنه سيطبع خمسين مجلداً من كتابه "براهين أحمدية" تحتوي على 300 برهان على صحة دين الإسلام دون غيره، لكنه طبع خمساً فقط بعد أن استلم النقود من زبائنه مقدما، علماً أنه لم يقدم 300 برهاناً كما وعد بل أعطى مقدمة لبرهان واحد فقط و حشى معظم المجلدات بإلهاماته و وحيه المدعى.
99:- إشارة إلى أن الميرزا كان له تسعة و تسعين إسماً
1000000:- إشارة إلى ادعاء الميرزا أن الله أيد نبوته بمليون آية و شهادة سماوية
5:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول بشارة إلهه له بولد خامس سيكون اسمه يحيى.
15:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول موت النصراني آتام خلال 15 شهراً.
2.5:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول موت زوج الفتاة "محمدي بيجوم" خلال سنتين و نصف.
3:- إشارة إلى وحي الميرزا الذي أمره بالزواج مرة ثالثة، لكن الميرزا لم يمتثل لأوامر وحيه المقدس !.
80:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول بشارة إلهه له بأنه سيحييه 80 عاماً أو أكثر. بينما مات الميرزا في حوالي ال 68 من العمر.(38/161)
9:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول اختفاء حمى ابنه مبارك خلال 9 أيام، لكن الحمى لم تختف و مات الصبي مبارك.
1:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول ولادة ولد ذكر لأحد أتباعه، و كان من المفترض أن يكون اسم الولد "عالَم كباب".
100:- كما هو مذكور في كتاب الوحي القادياني "تذكرة" فإن الميرزا كان أحياناً يزور الحمام 100 مرة في اليوم.
70:- إشارة إلى نبوءة الميرزا الفاشلة حول بقاء الطاعون إلى سبعين سنة، حيث اختفى الطاعون خلال بضعة سنوات.
14:- إشارة إلى ادعاء الميرزا بأنه استقبل وحياً مباشراً حين كان عمره 14 عاماً، بينما كان الميرزا قد ادعى في كثير من كتبه أنه لم يستقبل وحياً مباشراً قبل أن يبلغ الأربعين من العمر.
200:- إشارة إلى ادعاء القاديانيين أن عددهم في العالم وصل إلى 200 مليون شخصاً، بينما لا يوجد ما يشير أن عدد القاديانيين في الكرة الأرضية قد وصل المليون.
81:- إشارة إلى ادعاء القاديانيين أن عدد الداخلين الجدد في دين القاديانية عام 2001م زاد عن 81 مليوناً، و ذلك بمعدل 2.6 شخصاً في الثانية الواحدة لمدة عام كامل.
1000 :- إشارة إلى اللعنات الألف التي سجلها الميرزا في أحد كتبه ضد خصومه، حيث رقمها واحدة واحدة حتى وصلت للألف و ملأ بها عدة صفحات من كتابه.
50:- إشارة إلى الخمسين خزانة من الكتب التي تفاخر الميرزا بأنها كلها تصب في نصرة حكومة بريطانيا الإستعمارية و تصد المسلمين عن الجهاد ضدها.
50:- إشارة إلى ادعاء الميرزا بأنه استقبل 50 ألف إلهام و وحي بخصوص التنبؤ بالحوالات المالية التي تأتيه من أتباعه و مؤيديه.
13
:- إشارة إلى اعتقاد القاديانيين الذين يعيشون في القرن الحادي و العشرين أن أول ليالي خسوف القمر في قاديان هي ليلة 13 من الشهر القمري و ليس ليلة 12.
7000:- إشارة إلى اعتقاد الميرزا أن عمر الكون يوم القيامة سيكون 7000 سنة فقط.
3:- إشارة إلى وحي الميرزا الذي أنبأه بأن روح المسيح عليه السلام ستنزل على جسد أرضي ثلاث مرات، و بأن النزول الثالث لها سيكون على المسيح الثالث الذي سيظهر بعد وفاة الميرزا و قبيل قيام القيامة بقليل. لكن الميرزا ادعى بعد سنوات أنه لن يظهر أي مسيح بعده و بأن الختمية الحقيقية للرسالة قد أعطيت له.
0.1:- إشارة إلى تأكيد الميرزا أن المنافق من أتباعه هو الذي لا يشترك في برنامج الوصية للدفن في مقبرة الجنة التي استثمرها الميرزا في قاديان، حيث على المشترك أن يدفع عُشر دخله السنوي و أن يوصي بعُشر أملاكه المنقولة و غير المنقولة حتى يتمكن من أن يدفن في مقبرة الجنة.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
==============(38/162)
(38/163)
القادياني الكافر
محمود القاعود
Moudk2005@yahoo.com
ميرزا غلام أحمد القاديانى الكذاب الدجال ، استطاع بتلفيقات رقيعة أن يستدرج بعض المرضى النفسيين الذين نادوا بنبوته ومهديته !
وللقاديانى الكذاب هلوسات عديدة تجعل الإنسان السوى ينقلب على ظهره من الضحك ، وأخرى تجعل الإنسان يقف على حقيقة هذا الملحد الزنديق ربيب الاستعمار والصليبية العالمية .
يقول القاديانى الكذاب :
(( لولا الاكرام لهلك المقام - يأتى على جهنم زمان ليس فيها أحد )) ( تذكرة ص 500 ) .
والقرآن الكريم ينقض هذا الزعم الباطل الذى افتراه القاديانى الكذاب على الله .
يقول رب العزة : ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما )) ( النساء : 93 ) .
((اولئك ماواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا )) ( النساء : 121 ) .
((الا طريق جهنم خالدين فيها ابدا وكان ذلك على الله يسيرا )) ( النساء : 169 ) .
((الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم )) ( التوبة : 63 ) .
((وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم )) ( التوبة : 68 ) .
((وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين )) ( هود : 119 ) .
((فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين )) ( النحل : 29 ).
((ماواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا )) ( الإسراء : 97 ) .
((انه من يات ربه مجرما فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى )) ( طه : 74 ) .
((ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون )) ( المؤمنون : 103 ) .
((والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور )) ( فاطر : 36 ) .
((قيل ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين )) ( الزمر : 72 ) .
((ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين )) ( غافر : 76 ) .
((ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون )) ( الزخرف : 74 ) .
((ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا )) ( الجن : 23 ) .
((ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية )) ( البينة : 6 ) .
ماذا يفعل عبّاد يلاش مع تلك الآيات القاطعة ؟
هل يُصدقون متنبئهم الكذاب الدجال ويُكذبون رب العالمين ؟
بئس ما تدعون إليه يا أتباع الغلام الهالك ؟
والله غالب على أمره .
==============(38/164)
(38/165)
رداً على أُكذوبة (خدمات القاديانية) للإسلام
محمود القاعود
Moudk2005@yahoo.com
القاديانية نحلة عجيبة وغريبة ، ويستلزم على من يُحاور أتباعها أن يتحلى بالصبر والنفس الطويل ، أو كما يقول المثل " خليك مع الكذاب لحد باب الدار " .
وكذب القاديانية لا ينتهى ، وإن شئت فهو كذب بلا حدود ، ولنناقش إحدى الرسائل التى وصلتنى من قاديانى يتحدث فيها عن إنجازات جماعته الكافرة " القادياينة " التى أدت خدمات جليلة للعالم الإسلامى !!
يقول القاديانى : ((فالمسلمون الأحمديون اليوم يقيمون في أكثر من 182 دولة حول العالم ))
قلت : لنفرض أنهم يُقيمون فى 500 دولة ، هل يعنى ذلك أنهم على صواب ؟
يقول القاديانى : ((لقد كان لهذه الجماعة السبق بين كل جماعات المسلمين في العالم الإسلامي بتخصيص قناة فضائية للشؤون الدينية منذ عام 1994 ومن قبل أن تبدأ قنوات a r t فهلا ضربت لنا مثلاً في الجماعات الإسلامية الأخرى؟ ))
قلت : ومن قال أن تلك القناة إسلامية حتى تُقارنها بقنوات الجماعات الإسلامية ؟! إن قنوات الكفر والإلحاد والجنس جميعها أُنشئت قبل قنوات a r t ، وما تلك القناة إلا رسول إفك وتضليل لإثارة الشكوك والشُبهات حول الإسلام ، وتحويل ولاء المسلمين إلى المتنبئ الهندى ( القاديانى الكذاب ) بدلاً من ولائهم إلىمحمدا صلى الله عليه وسلم ، فلا قيمة لتلك القناة على الإطلاق .
يقول القاديانى : ((هذه الجماعة كانت أول من أنشأ مسجدا في بريطانيا في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، وكانت أول من أنشأ مسجدا في برلين قبل الحرب العالمية الثانية، وأول من أنشأ مسجدا في فرانكفورت وهامبورج بعد الحرب، وأول من أنشأ مسجدا في هولندا، وأول من أنشأ مسجدا في كوبنهاجن عاصمة الدانمرك، وأول من أنشأ مسجدا في جوتنبرج بالسويد، وأول من أنشأ مسجدا في أسلو العاصمة النرويجية، وأول من أنشأ مسجدا في ضواحي قرطبة بأسبانيا بعد 500 سنة من خروج المسلمين منها. فهل ترى نظير ذلك في الجماعات الإسلامية الأخرى؟ هذه الجماعة هي التي تصدّت للتبشير المسيحي في أفريقيا، وأقامت المدارس والمستشفيات في العديد من الدول الأفريقية، فهل ترى نظير ذلك في الجماعات الإسلامية الأخرى؟ ))
قلت : وما علاقة تلك الهياكل التى يتعبد فيها أتباع القاديانى الكذّاب بالمسلمين ؟؟ إن تلك المعابد تندرج ضمن " مسجد الضرار " الذى بُنى من أجل الكفر والتفريق بين المسلمين .
يقول ميرزا بشير بن غلام أحمد الخليفة الهالك للقاديانى الكذاب : (( أكد المسيح الموعود النهى عن صلاة الأحمديين خلف رجل من غير الأحمديين ) ( أنوار خلافت ص 89 ).
ومن كلام خليفتهم الهالك نراه يأمر أتباعه بحسب ما قاله نبيهم الدجال من النهى عن الصلاة خلف الكافرين به وبدعواه الأثيمة .
إذاً فتلك المعابد التى يدعون أنها مساجد لا تمت للإسلام من قريب ولا من بعيد ، وإن أطالوا فيها الركوع أو السجود ، ولعل هذا يُفسر لنا سماح السلطات الأوربية والأمريكية لأتباع القاديانى الكذاب ببناء المساجد دون أى تعطيل أو عرقلة ، ذلك لأنهم يعلمون علم اليقين أن تلك الطائفة هى أشد ما تكون بعداً عن الإسلام وتعاليمه ، واخترعها الإنجليز خصيصاً من أجل محاربة الإسلام وتفريق المسلمين على غرار مبدأ " فرق تسد ".
أما القول بالتصدى للتبشير المسيحى ، فما تلك إلا محاولة لتسويق المتنبئ الكذّاب ، وذلك عن طريق دس السم فى العسل ، بحيث يظهر القاديانيون بمظهر المدافع عن الإسلام ، وهم فى حقيقة الأمر يجرون أرجل الناس إلى مستنقع القاديانية ونبيها الدجال .
يقول القاديانى : ((هذه الجماعة كانت أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، حتى بلغ عدد ما تم نشره من هذه الترجمات هذا العام 62 ترجمة كاملة، وما تم نشره من مختارات من القرآن الكريم ومختارات من الحديث الشريف حوالي 100 ترجمة، فهل ترى نظير ذلك في الجماعات الإسلامية الأخرى ))
قلت : إذا اعتبرنا ترجمة القاديانيين للقرآن الكريم عمل مشرف ويستحق التقدير ، فلنا أن نعتبر ما تُسمى " دائرة المعارف الإسلامية " التى وضعها النصارى عمل مشرف ويستحق التقدير ، إذ أنه لافرق بين عمل قام به النصارى من أجل الكيد للإسلام ، وبين عمل قام به القاديانيون من أجل نشر التفسيرات السخيفة العقيمة التى تُشوّه صورة الإسلام وتخرجه عن مضمونه وتحمّله مالا يحتمل ، وتفترى على الله كذباً بأن تنسب إليه أنه ذكر ( القاديانى الكذاب ) فى القرآن الكريم والعياذ بالله .
وقد قام الكثير من المسلمين بترجمة معانى القرآن الكريم إلى معظم اللغات ، ولم يسمح لهم ذلك أن يدعوا النبوة !!(38/166)
يقول القاديانى : ((لقد ضاعت الخلافة من المسلمين، ورغم أنها من أعز المطامح لدى المسلمين إلا أن الله تعالى نزعها من أيديهم وأنعم بها على الجماعة الإسلامية الأحمدية، وبعد عام واحد فقط، أي في عام 2008، سوف تحتفل الجماعة بمرور قرن من الزمان على إعادة تأسيس الخلافة على منهاج النبوة، بعد أن رفعها الله تعالى بعد مقتل الخليفة الثالث والرابع (عثمان وعليّ رضي الله عنهما) بأيدي المسلمين، فهل ترى نظير ذلك في الجماعات الإسلامية الأخرى؟؟؟؟ ))
قلت : ما أتعس عُبّاد يلاش الموهومين بنصاب يقبع فى لندن يدعونه " أمير المؤمنين " يركب الرولز رويس ويجمع ملايين الجنيهات الإسترلينية ، ويتبعه بعض المصابين بالفصام فى الشخصية والمعقدين نفسيا والآيسين من رحمة الله ، فبالله قولوا أى خلافة على منهاج النبوة تلك ؟ وأين أمير المؤمنين المزعوم هذا من مآسى المسلمين فى العراق وفلسطين المحتلة والصومال والشيشان وكشمير وكوسوفا وأفغانستان ؟
الحق أقول : إنه أمير المغفلين المجانين .
يقول القاديانى : ((هناك الكثير والكثير من ثمار هذه الجماعة.. ولكن ماذا عن ثماركم أنتم يا من تدعون انتمائكم لأهل السنة والجماعة؟؟ ))
قلت : بئس تلك الثمار العطبة ، التى تصلح إنجازات فى عرف المساطيل من عُبّاد يلاش ، أما عن ثمار أهل السنة والجماعة ، فيكفيهم أنهم يتمسكون بكتاب ربهم وسنة نبيه ولا يكفرون بمحمداً r ، ولا يخترعون نبياً دجالاً أفّاكاً .
هذه هى الانجازات العقيمة التى يطن بها أتباع القاديانى الكذاب ، ونحسبها كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف ، فهلا احترم عُبّاد يلاش عقولهم ؟
هلا تابوا وآمنوا وعملوا صالحا ورجعوا إلى الإسلام ؟
استغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم ، ونتوب إليه ونسأله التوبة والمغفرة والنجاة من النار ، تُبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا وعزمنا على أننا لا نعود إلى المعاصى أبداً وبرئنا من كل دين يُخالف دين الإسلام
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول اله
=================(38/167)
(38/168)
الأحمدية القاديانية ونزول المسيح مرة أخرى .
بقلم / أ. د . إبراهيم محمد خان
لقد أنكرت الأحمدية القاديانية ممثلة في شخص الغلام مؤسسها أو أتباعه، عقيدة عودة المسيح ثانية، لأنه على هذا الإنكار قامت دعوته، أنه هو المسيح الآتي.
فالغلام يرى أن عقيدة عودة المسيح:
1 - باطلة: "أما نزول عيسى من السماء فقد أثبتنا بطلانه في كتابنا (الحمامة) وخلاصته أننا لا نجد في القرآن شيئاًً في هذا الباب غير وفاته"(1).
2 - جاءت من المسيحيين: "إن عقيدة رجوع المسيح وحياته كانت من نسيج النصارى ومفترياتهم. إن الذين ظنوا من المسلمين أن عيسى نازل من السماء، ما أتبعوا الحق، بل هم في الضلال يتيهون" (2).
3 -المسيح لم يصعد إلى السماء بل مات، لذا فهذه العقيدة لا سند لها: "فمن سوء الأدب أن يقال إن عيسى لم يمت، وهو شرك عظيم يأكل الحسنات ويخالف الحياة، بل هو كمثل إخوته مات، كمثل أهل زمانه وأن عقيدة حياته قد جاءت في المسلمين من الملة النصرانية" (3).
4 - غباء من يؤمن بها: "إن بعض الصحابة الذين ليس لهم حصة من الدراسة وكانوا من الأغبياء -مثل أبي هريرة الذي كان غبياً، وليس له دراسة جيدة- ويعتقدون بحياة عيسى ونزوله من السماء" (4).
5 - استعارة وإعلان عن عودته هو: "إن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح بن مريم قد ُرفع إلى السماء بجسده العنصري، وأنه سينزل من السماء، في عصر من العصور، وقد أثبت في كتابي (فتح إسلام) أنها عقيدة خاطئة، وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام -على طريق الاستعارة- بقدوم مثيل المسيح وإن هذا العاجز هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام"(5).
وقد أثير موضوع عودة المسيح والفكر القادياني في مصر سنة 1942م، عندما تقدم هندي يُسمى عبد الكريم خان في القيادة العامة لجيوش الشرق الأوسط، بسؤال إلى مشيخة الأزهر، جاء فيه: "هل عيسى حي أو ميت في نظر القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما حكم المسلم الذي ينكر أنه حي، وما حكم من لا يؤمن به إذا فرض أنه عاد إلى الدنيا مرة أخرى؟".
"وقد صدر العدد رقم 463 من (مجلة الرسالة) يوم الاثنين الموافق 1/5/1942م يحمل فتوى الشيخ محمود شلتوت، عنوانها (رفع عيسى) ومضمونها أن عيسى مات موتاً حقيقياً، وأنه لم يُرفع بجسمه إلى السماء، وأنه لا ينزل في آخر الزمان، وأن الأحاديث الواردة في ذلك آحاد، وأن الآحاد لا يُعمل بها في العقائد والمغيبات بالاجماع، وأنها مضطربة اضطراباً لا مجال معه للجمع بينها، وأنها فوق ذلك من رواية وهب بن منبه وكعب الأحبار، وأن درجتهما عند أهل الحديث معروفة -أي أنهما غير مقبولين أو غير ثقتين- إلى غير ذلك مما جاء في تلك الفتوى" (6).
والشيء المؤسف أن هذا الفكر القادياني وجد من يؤيده في مصر، فقد كتب الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله - ، تحت عنوان: "القول بهجرة المسيح وموته في بلدة سرى نكرا في كشمير": يوجد في بلدة سرنكرا مقبرة فيها مقام عظيم، يقال هناك، أنه مقام نبي جاء إلى بلاد كشمير من زهاء ألف وتسعمائة سنة يُسمى "بوزأسف" وأن اسمه الأصلي عيسى صاحب، وكلمة صاحب في الهند لقب تعظيم، وأنه من بني إسرائيل وأنه ابن ملك، وأن هذه الأقوال مما يتناقله أهل تلك الديار عن سلفهم وتذكره بعض كتبهم، وأن دعاة النصرانية الذين ذهبوا إلى ذلك المكان لم يسعهم إلا أن قالوا: إن ذلك القبر لأحد تلاميذ المسيح أو رسله، ذكر ذلك بالتفصيل غلام أحمد القادياني الهندي في كتابه الذي سماه (الهدى والتبصرة لمن يرى) وذكر فيه أنه بالإجمال، وأن تفصيل هذه المسألة يوجد في كتاب معروف هناك اسمه (إكمال الدين) وذكر أكثر من سبعين اسماً من أسماء أهل ذلك البلد الذين قالوا: إن ذلك القبر هو قبر المسيح عيسى بن مريم¨ . ورسم صورة المقبرة بالقلم، وأما قبر المسيح فوضعه في الكتاب بالرسم الشمسي (الفوتوغرافي)، مكتوباً عليه "مقبرة عيسى صاحب".(38/169)
وغلام أحمد هذا يفسر الإيواء في قوله تعالى: "وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين" 23: 5. يفسره بالهجرة إلى الهند والتنجية من الهم والكرب والمصائب والمخاوف. واستشهد بقوله تعالى: "ألم يجدك يتيماً فأوى" 93: 6، وقوله تعالى: "اذكروا إذ أنتم مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره" 8: 6، وقوله حكاية نوح: "آوى إلى جبل يعصمني من الماء" 11: 43، والربوة المكان المرتفع، وبلاد كشمير من أعلى الدنيا، وهي ذات قرار مكين، وماء معين والمشهور عند المفسرين، أن هذه الربوة هي رملة فلسطين أو دمشق الشام، ولو آوى الله المسيح وأمه إليهما لما خفي مكانهما، ولا سيما إذا كان ذلك بعد محاولة صلبه وتألب اليهود عليه، كما يدل عليه لفظ الإيواء، الذي لم يستعمل في القرآن إلا في الإنقاذ من المكروه، كما علم من الأمثلة المذكورة أيضاً، ومثله قوله تعالى في الأنصار: "والذين أووا وأجروا" 8: 72، وفي يوسف: "آوى إليه أخاه. فقال إني أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون" 12: 69، وفي آية أخرى: "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" 12: 39.
ولم يكن قبل تألب اليهود عليه والسعي لقتله وصلبه في مخافة يحتاج فيها إلى الإيواء في مأمن منهم، ففراره إلى الهند وموته في ذلك البلد ليس ببعيد عقلاً ولا فعلاً"(7)
الرد:
بعد أن صدرت فتوى الشيخ شلتوت قام بالرد عليها الشيخ عبد الله الغمارى (8)، والشيخ محمد زاهد الكوثري (9)، والشيخ محمد حامد الفقي(10)، وغيرهم من الشيوخ الأجلاء، وفندوا ما جاء في هذه الفتوى، وأكدوا رفع المسيح الجسدي وعودته مرة ثانية وكونه علم الساعة.
والشيخ محمد رشيد رضا نفسه بعد أن عرف الحقيقة كتب: "إن غلام القادياني لا يوثق بنقله ولا بعقله كما يعلم من كتبه المتناقضة، وقد كان يدّعي أنه المسيح عيسى بن مريم الذي أنبأت الأحاديث بأنه سينزل آخر الزمان من السماء وأنه يوحى إليه، ونشر من وحيه الشيطاني في كتبه كثيراً من النثر والشعر الشخصي، ويتأول الأحاديث الواردة في المسيح تأويلات لا تقبلها اللغة العربية أن تدخل في باب من أبواب الحقيقة ولا المجاز ولا الكناية، وإنما عني بما نقله عن مقبرة كشمير، لأنه يستدل به على زعمه أنه هو المسيح المنتظر، وقد فندت دعواه الخرافية في مقالات نشرتها في المنار، كان لها تأثير عظيم في الهند، ونقلتها الجرائد وترجمتها، واضطر هو إلى الرد عليها بل الهجاء لي بوحيه الشيطاني بما يسخر منه العقلاء، وكان داعية للدولة البريطانية يمدحها ويقول بوجوب حبها والخضوع لها وتحريم عصيانها، والخروج علينا. وبهذا يتيسر له جمع ثروة كبيرة وعصبية وأتباع يفرقون كلمة المسلمين ويدعون الناس إلى الإيمان بنبوته ومسيحيته، وقد أفتى علماء المسلمين بكفره وكفرهم كفانا الله شرهم" (11).
فالفكر الإسلامي لا يؤيد القادياني ويشكك في صحة دعاوي الغلام، فالشيخ محمد أبو زهرة، بعد أن نقل عن تفسير المنار -ما سبق- قال: إن الغلام أحمد راو يشك في صدقه" (12)، والشيخ عبد الوهاب النجار قال: "في رأيي أن دعواه مجيء المسيح إلى الهند أمر يحتاج إلى بحث واف وتحقيق دقيق، ولا يمكن تصديقه إلا بظهور الأمر ظهوراً بيناً قاطعاً لكل شبهة، ولو ثبت ذلك ما أفاده شيئاًً، لأننا إذا تمشينا مع الأحاديث وجدنا فيها علامات منها أنه يقتل الدجال... وهذا لم يحصل من ذلك الرجل" (13).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
1- خطبة الإلهامية. للغلام. ص4. عن أباطيل القاديانية. ص56.
2 - المرجع السابق. ص6، عن أباطيل القاديانية. ص57.
3 - أعحازي أحمدي. ص22، عن أباطيل القاديانية.
4 - المرجع السابق.
5 - توضيح المرام. ص2، عن القادياني والقاديانية. أبو الحسن الندوي. ط3 سنة. الدار السعودية للنشر. ص9.
6 - إقامة البرهان على نزول عيسى آخر الزمان. الشيخ عبد الله الصديق العمارى. ص18-19.
7 - تفسير المنار. جـ6. ص35-36، عقيدة الصلب والفداء. ص40-41. دار الفتح للإعلام العربي.
8 - إقامة البرهان.
9 - نظرة عابرة في مزاعم من ينكر نزول عيسى بن مريم في الآخرة. الشيخ محمد زاهد الكوثري.
10 - مجلة الهدى. الأعداد 15-20 للسنة 6.
11 - عقيدة الصلب والفداء. ص42.
12 - محاضرات في النصرانية. للشيخ محمد أبو زهرة.ط4. ص46.
13 - قصص الأنبياء. الشيخ عبد الوهاب النجار. ص509-510.
================(38/170)
(38/171)
نهاية الأحمدية القاديانية عام 2008م
(أحقاً هو نبي ؟!)
أ . د . إبراهيم محمد خان
إن مبتدع هذا الإدعاء هو غلام ميزرا أحمد مؤسس الطائفة القاديانية نسبة إلى قاديان والسبب الذي دعاه إلى ابتداع هذه المقولة هو إدعاؤه أنه هو المسيح الموعود، الذي تحدث عنه القرآن الكريم والأحاديث النبوية المطهرة ، فحسب فكرنا الإسلامي المسيح قد رُفع بالجسد إلى السماء . وهناك شبه إجماع على أنه سوف يأتي مرة ثانية قبل قيام الساعة لُيطبق هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على نفسه، . وحتى يستطيع غلام أحمد إدعاء المهدية وأنه المسيح الموعود كان يجب أن يموت المسيح ويُدفن ويكون له قبر معروف وبهذا يستطيع أن يفسر عودة المسيح ثانية، بأنها عودة روحية، وليس مجيئاً حرفياً للمسيح، وهكذا روج لمقولة القبر بعد أن أفاق من إغمائه(1) وفر إلى الهند، "إن المسيح صُلب ولكنه لم يمت على الصليب، بل أغمي عليه فقط ودُفن ثم خرج من وعاش هناك حتى بلغ وأعلن أن قبره موجود في سرنجار في كشمير.120 عاماً من عمره، ثم مات ودفن.
وقد كتب الشيخ عبد الوهاب النجار: "يوجد رأي في في مسألة المسيح جاء به غلام أحمد القادياني، وهو من بلدة قاديان في الهند. قال: إن المسيح أنجاه الله من كيد اليهود فذهب إلى بلاد الهند واستقر في بلدة كشمير في شمال الهند بسفح جبال همالايا، وأقام هناك إلى أن وفاه أجله ودُفن في تلك البلاد بقرب بلدة سرنجار وله قبر معروف. هذا الرجل أدعى أنه المسيح الموعود بمجيئه. ولكن كيف يكون هو المسيح، وهو معروف بأنه غلام أحمد القادياني، معروف النسب ومعروف الأسرة؟ فذهب إلى تأويل الأمر، على أن المسيح مات ولا يمكن أن يأتي، ولما كانت الأحاديث دالة على أنه سيأتي في آخر الزمان. قال: أنا المسيح بمعنى أني آت بهديه وتعاليمه من بث السلام والرحمة والتعاطف والمحبة... وفي رأيي أن دعواه مجئ المسيح إلى الهند أمر يحتاج إلى بحث واف وتحقيق دقيق، ولا يمكن تصديقه إلا بظهور الأمر ظهوراً بيناً وثبوته ثبوتاً قاطعاً لكل شبهة، ولو ثبت ذلك ما أفاده شيئاً، لأننا إذا تمشينا مع الأحاديث وجدنا فيها علامات منها أنه يقتل الدجال.. وهذا لم يحصل من ذلك الرجل" (2)
فمن هو هذا الغلام؟
غلام ميرزا أحمد، وُلد في قرية قاديان في أقليم البنجاب، سنة 1839 أو 1840م وإلى قاديان نُسب مذهبه، فدعي القاديانية أو الأحمدية، نسبة إليه هو. بعد وفاة الغلام أحمد تولى الخلافة أستاذه الحكيم نور الدين، ثم تنازعها بعد وفاته بشير الدين محمود (نجل الغلام)، والمولوى محمد علي، الذي قاد جناح المعارضة، وقد بايعته الأغلبية وانتقل إلى لاهور. وهناك أسس الشعبة اللاهورية. وبعد انقسام الهند تركوا الهند إلى باكستان، لأن قاديان مسقط رأس الغلام وقعت فى حدود باكستان، لذلك أمر بشير الدين أتباعه بتركها والذهاب إلى باكستان، حيث أسس مدينة جديدة أسماها "الربوة" وأدّعى أنها هي التي ورد ذكرها في القرآن "كمثل جنة بربوة" البقرة 265، و"إلى ربوة ذات قرار معين" المؤمنون 50.
وفي عامي 1939/1940م حاولت جماعة لاهور أن تنال تأييد الجامع الأزهر لدعوتها فبعثت بطالبين وألحفتهما بكلية أصول الدين، وحاول هذان الطالبان نشر كتابين باسميهما تحت ستار الإسلام، أحدهما سمياه "تعاليم أحمدية" والثاني "الأحمدية كما عرفتها". وهذان الكتابان كانا بداية نشر تعاليم القاديانية في مصر بتعاليم القاديانية. فلما علم شيخ الجامع الأزهر بأمر هذين الطكالبين شكل لهما لجنة للتحقيق معهما والتحقق من مذهبهما وكانت هذه اللجنة برئاسة الشيخ عبد المجيد اللبان عميد كلية أصول الدين وقتها. وكتبت اللجنة في قراراتها".. إن القاديان كافرون"، وفصل الطالبان من الكلية واعتبرا ملحدين. ونشرت عنهما الصحف المصرية. ومن هنا استمر استبعاد القاديانيين والأحمديين من الدراسة في الأزهر.(3)
مختصر العقيدة القاديانية(4)
يعتقد القاديانيون:
1 - أن لهم إلهاً يتصف بصفات البشر.
2 - أن الأنبياء والرسل يبعثون إلى يوم القيامة.
3 - أن غلام أحمد نبي الله ورسوله والمسيح الموعود.
4 - أن غلام أحمد يُوحي إليه عن طريق الملاك جبرائيل.
5 - أنهم أصحاب دين جديد منفصل عن الأديان كلها، وأن لهم شريعة جديدة.
6 - أنهم أمة جديدة ولها كتاب مُنزل اسمه "الكتاب المبين".
7 - إلغاء عقيدة الجهاد.
8 - أن كل إنسان كافر حتى يدخل القاديانية.
9 - حجهم هو حضور المؤتمرالسنوي في قاديان التي لها مكانة مكة، بل هي أفضل منها.
ادّعاء غلام أحمد النبوة:
مر هذا الادعاء بمراحل ثلاث:
1 - المرحلة الأولى: بدأ الغلام دعوته بأنه مجدد، وأن العناية الإلهية، قد اختارته ليجدد للأمة أمور دينها، ولم لا أو ليست الأمة كلها تعتقد أن الله يبعث على كل رأس قرن من يجدد لها دينها(5)(38/172)
وفي هذه المرحلة نفى أنه نبي، وقال: :إني ما أدعيت النبوة قط، ولا قلت لهم إني نبي، ولكنهم تعجلوا وأخطأوا فهم قولي.. وإني ما قلت للناس سوى ما كتبت في كتبي أي أني محدث وأن الله يكلمني كما يكلم المحدثين(6). وقال: "لا نقول بوحي النبوة، ولكن نقول بوحي الولاية الذي يتلقاه الأولياء.. وبالجملة ليست هنا أيضاً دعوى النبوة وانما دعوة الولاية والتجديد(7)
2 - المرحلة الثانية: ادعاؤه أنه المسيح الموعود
في المرحلة الأولى من أطوار دعوته كان الغلام أحمد يؤمن أن عيسى قد رفع إلى السماء حياً، وأن رفعه إلى السماء وعودته مرة أخرى لا تقتصر شواهده على ما ذكره الإنجيل، إنما قام على ذلك في الإسلام شواهد أقواها وأهمها عنده التواتر، وهو أن الأمة الإسلامية قد تناقلت هذه العقيدة جماعة عن جماعة إلى النبي، ولكنه عاد وناقض نفسه قائلاً: :فمن سوء الأدب أن يقال أن عيسى (ع) ما مات.. بل هو توفى كمثل أخوته، ومات كمثل أهل زمانه، وأن عقيدة رفعه قد جاءت في المسلمين من الملة النصرانية(8).
وفي أخر المرحلة الأولى جاءت إلى الغلام رسالة من صديق عمره الحكيم نور الدن يعرض عليه فيها أن يدعى أنه المسيح الموعود، وأنه لو فعل ذلك لاستقبله الناس بالتجلة والأكبار وأن الأحاديث الواردة في عيسى ورفعه ونزوله من السماء، بل والآيات القرآنية يمكن تأويلها بما يناسب دعوته. وقد انزعج الغلام انزعاجاً شديداً من هذا العرض وأدرك أنه ربما يعجل بسمعته، بل ربما يؤدي بحياته كلها، وأنه من الأفضل له أن يؤثر السلامة وأنه يكفيه من الناس ثقتهم به على أنه ولي مجدد مُلهم من ربه، ولقد عبر الغلام عن خلجات نفسه، ومكنون صدره في رسالته التي بعث بها إلى الحكيم نور الدين، والتي أسماها "الخالدة" وقال فيها: "لقد تساءل الأستاذ الكريم ما المانع من أن يدّعى هذا العاجر أنه مثيل المسيح وينحني في مصداق الحديث الذي جاء فيه أن المسيح ينزل في دمشق، وأي خطر في ذلك؟ فليعلم الأستاذ الكريم أن العاجز ليست له حاجة أن يكون مثيل المسيح، أن همه الوحيد أن يدخله الله في عباده المتواضعين المطيعين". ولكن نتيجة لخياله المريض وأحلامه الجامحة ودهاء الحكيم نو الدين، وتشجيع الإنجليز، أعلن أنه المسيح الموعود الذي بعثه الله من جديد" (9).
وفي البداية قال: إنه مثيل المسيح، وأنه لا مانع أن يأتي بعده عشرات المسحاء " أنا أدعيت أني مثيل المسيح، لا المسيح الموعود كما ظنه السفهاء... أنا لا أدعي قطعاً بأني المسيح بن مريم، بل الذي يقول هذا عني هو مفتر كذاب ودعواى أني مثيل المسيح تعني أن فيّ بعض خصال المسيح(ع) الروحانية وعاداته وأخلاقه التي أودعها الله في خُلقي، وأكد هذه بالقول: :أنا ما أدعيت بأني أنا المسيح الموعود، ولا يكون بعدى مسيح آخر بل أعتقد وأكرر هذا القول بأنه من الممكن أن يجئ بعدي لا المسيح الواحد بل عشرات آلاف"(10) ثم بعد ذلك قال إنه المسيح الموعود "أقسم بالله الذي أرسلني والذي لا يفترى عليه إلا الملعونون، أنه أرسلني مسيحاً موعوداً (11)
وأن "دعواى أني أنا هو المسيح الموعود الذي أُخبر عنه في جميع الكتب المقدسة بأنه سيظهر أخر الزمان"(12) وأعلن: "أن الله بعث من هذه الأمة المسيح الموعود الذي هو أعلى شأناً من المسيح السابق وسمي هذا المسيح غلام أحمد"(13) وقد كرر هذا الإدعاء كثيراً جداً في كتبه وخطبه ونكتفي بما سبق.
3 - المرحلة الثالثة: ادعاء النبوة:
قبل سنة1900م إنكر الغلام أنه نبي إنكاراً تاماً، ففي سنة 1892م كتب: "إني التمس من جميع المسلمين، أن الكلمات التي وردت في كتب هذا العاجز (كفتح الإسلام، وتوضيح المرام، وإزالة الأوهام)، مثل: المحدث نبي ببعض معانيه، أو المحدثية نبوة ناقصة أو المحدثية نبوة جزئية" فليست هذه الكلمات بمحمولة على معانيها الأصلية، بل استعملت بسذاجة على وجوهها اللغوية، وألا فأني لا أدعي النبوة الحقيقة أبداً.. لهم أن يفهموا كلمة "المحدث" مكان النبي في كل موضع.. وليصوروها -أي كلمة النبي- منسوخة"(14)
وقال: "لا شك أن الإلهام الذي أنزله الله على هذا العبد قد استعملت فيه بكثرة كلمات النبي، والرسولل، والمرسل بالنسبة لهذا العاجز، فليست هي بمحمولة على معانيها الأصلية... ولكن الله إذا شاء خاطب أحداً بكلمة النبي أو الرسول بمقتضى المعاني المجازية"(15)
ونفى أن تكون النبوة والرسالة بالمعنى الحقيقي "إنه وإن كان ألهم العاجز بالتواترخلال العشرين سنة الماضية، وقد وردت في هذا الإلهام كلمات الرسول أو النبي ولكنه يخطئ من يظن أن المراد بهذه النبوة والرسالة، النبوة والرسالة الحقيقيتين(16)(38/173)
وأوضح أن المحدث أيضاً نبي ببعض معانيه، وإن لم تكن له النبوة التامة ولكنه نبي بصفة جزئية لأنه مُشرف بكلام الله، وهو يطلع على الأمور الغيبية ويُحفظ وحيه أيضاً كوحي الأنبياء من تدخل الشيطان" (17) وصرح أن استعمال كلمة النبي على غير معناها الحقيقي لا يستلزم الكفر "إن هذا العاجز ما إدعى النبوة أو الرسالة الحقيقية في حياته، ولا يستلزم الكفر أن يستعمل المرء كلمة على وجه غير حقيقي، ويستعملها مع الناس على معناها الشامل من جهة اللغة" (18)
وفي سنة 1900م بدأ أصحابه المقربون منه يتحدثون عنه باعتبار أنه نبي هذه الأمة الجديد الذي أصطفاه الله محل وحيه ورسالته، كما جاء في خطبة الجمعة في 7/8/ 1900م للمولوي عبد الكريم، أمام مسجد دلهي وأحد أتباع الغلام. وفسرت النبوة في هذه المرحلة على أنها نبوة ناقصة أو نبوة ظلية، فقد قال بشير الدين محمود: "إذا قيل إنه نبي فإنما نبوة جزئية أو نبوة ناقصة"(19)
وفي سنة 1901مأعلن الغلام أنه نبي مثل سائر الأنبياء، وأنه يوحى إليه، وملك الوحي هو جبرائيل، وقد كثرت أقواله التي تؤيد وتؤكد بنوته مثل "هو الإله الحق الذي أرسل رسولاً في قاديان" (20)
"أنا رسول ونبي، أي أنني باعتبار الظلية الكاملة مرآة فيها انعكاس كامل للصورة المحمدية والنبوة المحمدية" (21)
" والذي نفسي بيده أنه أرسلني وسماني نبياً" (22)
وأعلن "أن زهاء مائة وخمسين بشارة من الله وجدتها صادقة إلى وقتنا هذا، فلماذا أنكر اسمي نبياً ورسولاً، وبما أن الله هو الذي سماني بهذه الأسماء فلماذا أنكرها أو لماذا أخاف غيره؟" (23)
وقد حاول أن يرد على التعارض في أقواله "قبل بضع أيام اعترض مخالف على رجل من أتباعي بأن الذي بايعته يدعي أنه نبي ورسول، فأجابه بالنفي المحض، مع أن هذا الجواب غير صحيح، والحق أن وحي الله الظاهر الذي ينزل علىّ جاء فيه لفظ رسول ومرسل ونبي، وليس مرة واحدة بل مئات المرات. فكيف يصح هذا الجواب"(24).
القاديانية نحلة منشقة على الإسلام، ويرى د. عوف أنها "نحلة اتسمت بالكفر، ولكنها أخفت حقيقتها، وظهرت ببدع لم تكن ضمن أفكار المسلمين، فلطخت بها تاريخها وهذه البدع لفظها العلماء والمفكرون المسلمون، وانصاع لها الدهماء وطلاب المنافع منساقين في تيارها ومضلين ببريقها، بدأت هذه الفرقة تستقطب حولها كل من ضعف إيمانه ووهنت عقيدته وأخذ دعاة القاديانية يبثون فيهم آراءهم وينفثون في نفوسهم أفكارهم البراقة والخادعة"(25)
بل أن الأمة الإسلامية قد أجمعت على أن الذين يتبعون ميزرا غلام أحمد -سواء أكانوا يؤمنون بنبوته أم أكانوا يعتبرونه مصلحاً أو زعيماً دينياً في أي صورة من الصور- خارجون عن دائرة الإسلام(26)
بعض الأمور التي خالفت فيها القاديانية الإسلام:
1 - إدعاء النبوة:
حسب المفهوم الإسلامي، أنه لا نبوة بعدمحمدا صلى الله عليه وسلم ، ففي القرآن الكريم محمد هو خاتم الأنبياء "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" الأحزاب 40.
وفي الأحاديث النبوية نجد:
- قال المصطفى صلى الله عليه وسلم "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي" رواه الترمذي.
- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "كانت بني إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي، خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي" صحيح البخاري.
- قال محمد: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله" صحيح البخاري وصحيح مسلم.
- "إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي" صحيح مسلم.
وهناك تفاصيل كثيرة حول هذا الموضوع، ليس هنا مكانها، فليرجع إليها من يريد الاستزادة.
2 - إدعاء أنه المسيح الموعود:
كان الغلام في المرحلة الأولى يدّعي أنه مجدد ومحدث، وأن المسيح ُرفع إلى السماء وسيأتي ثانية، ثم في المرحلة الثانية ادعى أنه المسيح الموعود، "ولما سأله رجل: ما هذا التناقض الذي نراه في عباراتك، فحيناً تكتب عن نفسك أنك لست نبياً وحيناً تعتبر أنك أعلى شأناً من المسيح الموعود؟ فأجابه قائلاً: أعلم أن هذا التناقض هو مثل ما كنت كتبت في (براهين أحمدية) أن المسيح بن مريم ينزل من السماء، إلا أنني كتبت فيما بعد أن المسيح الموعود هو أنا فلم يكن سبب هذا التناقض إلا أن الله سماني عيسي في (براهين أحمدية). وقال لي: " إن الله ورسوله قد أخبرا بمجيئك، ولكن لما كانت جماعة من المسلمين تعتقد كما كنت أعتقد أن سيدنا عيسى ينزل من السماء، أحببت أن لا أحمل وحي الله على ظاهره، بل أوّلته وجعلت اعتقادي كعامة المسلمين ونشرته في (براهين أحمدية)، ولكن سرعان ما نزل عليّ الوحي كالمطر الغزير في هذا الصدد أن المسيح الموعود هو أنت نفسك، وظهرت معه مئات الآيات، وصدقتني السماء والأرض، وأخبرتني آيات الله البينات على أنني هو المسيح الموعود في آخر الزمان، وأن اعتقادي سابقاً هو ما كتبته في (براهين أحمدية)"(27)(38/174)
وقد أكد هذا الكلام مرة أخرى محدداً مدة غفلته "بقيت إلى اثنتي عشر سنة غافلاً كل الغفلة عن أن الله قد خاطبني بالمسيح الموعود بكل إصرار وشدة في (البراهين الأحمدية) وما زلت على عقيدة نزول عيسى العامة، ولكن لما انقضت اثنتا عشر سنة آن أن تنكشف عليّ العقيدة الثانية فتواتر عليّ الإلهام أنك أنت المسيح الموعود"(28). وهو بهذا الإدعاء خالف شبه إجماع إسلامي، وعقيدة ثابتة في القرآن والأحاديث "فلقد ثبت قطعياً في ضوء الكتاب والسنة وإجماع الأمة وضوء عقائد ميرزا غلام أحمد وأحواله الشخصية أن الميرزا ليس هو المسيح الذي وُعد به عند قرب الساعة، وأن الاعتراف بكونه المسيح الموعود تكذيب للقرآن الكريم والسنة المتواترة وإجماع الأمة، والذين يعتبرون الميرزا المسيح الموعود فهم كفار وخارجون عن دائرة الإسلام" (29).
3 - إلغاء الشريعة:
لقد نادى الغلام بإلغاء شريعة الجهاد. ويرى د. طه الدسوقي "كانت مهمة المتنبى الجديد الذي صنعه الإنجليز في الهند أن يقوم بزعزعة هذا التشريع وإضعافه، فإذا كان تشريع الجهاد قد ارتبط بعقيدة دينية، فإن من الممكن في تصور الحكومة الإنجليزية أن تتبدل هذه العقيدة على أساس ديني أيضاً.. ولذلك كان القرار أن يقوم غلام أحمد القادياني بإعلان أن الله قد أوحى إليه باعتبار أنه نبي هذه الأمة الجديدبالغاء فكرة الجهاد"(30)
وقد كتب الغلام "اليوم ألغي حكم الجهاد بالسيف، ولا جهاد بعد هذا اليوم، فمن يرفع بعد ذلك السلاح على الكفار ويُسمي نفسه غازياً، يكون مخالفاً لرسول الله، الذي أعلن قبل ثلاثة عشر قرناً بالغاء الجهاد في زمن المسيح الموعود وأنا المسيح الموعود ولا جهاد بعد ظهوري الآن، فنحن نرفع علم الصلح وراية الأمان(31)
وهاجم عقيدة الجهاد قائلاً: "إن هذه الفرقة -القاديانية- لا تزال تجتهد ليلاً ونهاراً لقمع العقيدة النجسة، عقيدة الجهاد من قلوب الناس"(32)
ودعا إلى ترك الجهاد: "اتركوا الآن فكرة الجهاد، لأن القتال قد حُرم وجاء الأمام والمسيح ونزل نور من السماء. فلا جهاد، بل يجاهد في سبيل الله هو عدو الله ومنكر النبي(33). وقال: "لا يوجد في هذه الفرقة -القاديانية- جهاد بالسيف ولا ينتظر له، بل هذه الفرقة المباركة لا تجيز تعليم الجهاد سراً ولا علانية، وهي ترى أن الحروب لنشر الدين محرمة قطعاً" (34)
يقول د. عوف: "لقد ألغى شريعة الجهاد، لأن وجوده يعتمد على وجود الاحتلال البريطاني" وقد كتب الغلام في (نور الحق) "ولا يجوز لمسلم أن يقاتل ضد هذه الحكومة مهما كان"، وقال: في (تبليغ الرسالة) "إني من أول عهد عمري إلى هذا الوقت وهو قرآبة ستين عاماً اشتغل في هذا الأمر المهم بلساني وقلمي لأجذب قلوب المسلمين نحو الحكومة البريطانية العظمى، كما أبذر في قلوبهم بذور الحب الصادق والصداقة المباركة، كما أبعد وأزيل من قلوب بعض الذين لا يعقلون عقيدة الجهاد الخاطئة، التي تعكر من الصفاء وتضع العقبات في سبيل العلاقات البرئية والاخلاص مع الحكومة البريطانية"(35)
وبالغائه شريعة الجهاد يكون قد خالف كثيراً من النصوص القرآنية التي تحض على الجهاد في سبيل الله مثل: "وقاتلوهم حتى لا تكون قتنة ويكون الدين لله " البقرة 193 وأيضاً خالف الأحاديث النبوية مثل: "لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" رواه مسلم
4 - إلغاء فريضة الحج:
يضع القادينيون مدينة القاديان في مرتبة واحدة مع المدينة المنورة، ومكة المكرمة، بل يرون أنها أفضل وأن أرضها أرض حرام وتقام فيها شعائر الله. وقد أعلن الخليفة الثاني (نجل الغلام): "أقول لكم صدقاً أن الله أخبرني بأن أرض قاديان ذات بركة، وتنزل فيها نفس البركات التي تنزل في مكة المكرمة والمدينة المنورة"(36)
ومن معتقداتهم أن الحج هو الحضور السنوي في قاديان، يقول الغلام: "إن مؤتمرنا االسنوي هو الحج، وأن الله اختار المقام لهذا الحج القاديان"(37)
ويرى أحد أتباعه: "الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان هو حج جاف خشيب، لأن الحج إلى مكة لا يؤدي رسالته ولا يفي بغرضه"(38)
وهو بهذا قد خالف العقيدة الإسلامية في أحد أركانها الخمسة. وخالف النصوص القرآنية: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" آل عمران93. وأيضاً "وأتموا الحج والعمرة لله" البقرة 196، وأيضاً "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. الحج 27
يضاف إلى هذا الأحاديث النبوية الكثيرة التي تتحدث ضرروة الحج وفوائده.
موقف القاديانية من المسلمين:(38/175)
1 - تكفيرهم للمسلمين: لقد كفر القاديانيون المسلمين لأنهم لم يؤمنوا بنبوة الغلام، حسبما علّم بذلك الغلام وخلفاؤه من بعده، فقد صرح الغلام أحمد بأن: "الذي لايؤمن بي لا يؤمن بالله ورسوله"(39) وأعلنها خليفته الميرزا بشير الدين "أن جميع المسلمبن الذين لم يشتركوا في مبايعة المسيح الموعود كافرون خارجون عن دائرة الإسلام(40) وقال أيضاَ: "لقيني رجلاً في لكنهو وسأل بأنه قد اشتهر في الناس بأنكم تكفرون المسلمين الذين لم يعتنقوا القاديانية، فهل هذا صحيح؟ فقلت له: نعم، لا شك بأننا نكفرهم"(41)
وهم يكفرون المسلمين ليس فقط بسبب عدم الإيمان بنبوة الغلام، فقد نُشرت لخليفة القاديانية في جريدة الفضل في 21/ 8/ 1927م مقالة بعنوان: "نصائح للطلاب" جاء فيها: "قد قال المسيح الموعود، إن إسلامهم -أي المسلمين- غير إسلامنا وإلههم غير إلهنا وحجهم غير حجنا، وهكذا نخالفهم في كل شئ"(42). وجاء في نفس الجريدة في 30/7/ 1931م من الخطأ الظن بأننا لا نخالف المسلمين إلا في مسألة وفاة المسيح، أو غيرها من المسائل الأخرى بل أننا نخالفهم في ذات الله وفي الرسول والقرآن والصلاة والحج والزكاة (43) ونتيجة لهذا التفكير أمر الغلام وخلفاؤه أتباعهم بما يلي:
أ- عدم الصلاة خلف غير الأحمديين:
قال الغلام: "إن المكفرين ومن يختار طريق التكذيب قوم هالكون، فلا يستحقون أن يصلي خلفهم أحد من جماعتي، وهل يصلي الحي وراء الميت؟ فأعلموا أنه حرام عليكم قطعياً، كما أخبرني الله أن تصلوا خلف كل مكفر أو مكذب أو متردد، وليكن أمامكم منكم وإلى هذا جاءت الإشارة في حديث البخاري "أمامكم منكم" أي عندما ينزل المسيح فعليكم أن تفارقوا جميع الفرق التي تدعي الإسلام(44). وأعلن أن هذا حكم الله "هذا هو مذهبي المعروف: أنه لا يجوز لكم أن تصلوا خلف غير القاديانيين مهما يكن ومن يكن، ومهما يمدحه الناس، فهذا حكم الله وهذا ما يريده الله(45). وقال خليفته الثاني: "لا يجوز لأحد أن يصلي خلف غير القادياني والناس يكررون هذا السؤال، هل تجوز الصلاة خلفهم أم لا؟ فاقول وأقول: مهما تسألوني أنه لا يجوز للقادياني أن يصلي خلف غير القادياني(46)
ب - منع الأحمديات من الزواج بغير الأحمديين:
قال الميرزا محمود: "لا يجوز لأي قادياني أن ينكح ابنته من غير القادياني، لأن هذا أمر من المسيح الموعود، أمر مؤكد(47). بل أن هذا يؤدي إلى الخروج من الجماعة: "من ينكح ابنته من غير القادياني فهو خارج من جماعتنا مهما يدعي القاديانية، وأيضاً لا ينبغي لأحد من أتباعنا أن يشترك في مثل هذه الحفلات"(48)
وقال ميرزا بشير الدين: "إن حضرة المسيح الموعود قد غضب غضباً شديداً على أحمدي أراد أن يزوج ابنته غير أحمدي، وقد سأله الرجل مراراً وقدم إليه أعذاراً ولكنه أجابه قائلاً: أبق ابنتك عندك ولا تزوجها غير أحمدي، فزوجها الرجل غير أحمدي بعد وفاته، فعزله الخليفة الأول عن إمامة الأحمديين وأخرجه من الجماعة ولم يقبل توبته مدة خلافته ستة سنوات مع أنه تاب مراراً، والآن قبلت توبته بعدما جربت عليه صدقاً"(49) ثم قال: ليس من عادتي إخراج أحد من الجماعة ولكن من يخالف هذا الحكم اطرده من الجماعة(50)
جـ - عدم الصلاة على موتى غير الأحمديين
قال الخليفة الثاني: "لا تشاركوا المسلمين في حفلات الزواج ولا غيرها، ولا تصلوا على جنائزهم، لأنه ليس لنا أي علاقة بهم، وبعد أن قطعت الروابط والصلات ولم يعد يهمنا ما يهمهم، فمن أين لنا أن نصلي على أمواتهم"(51)
والغلام نفسه لم يصل على ابنه الحقيقي، لأنه لم يؤمن به ومات على حالة الإسلام(52). "وتمسكاً بهذه العقيدة وأمتثالاً لحكمها، لم يشارك محمد ظفر الله خان وزير خارجية باكستنان -في ذلك الوقت- في صلاة الجنازة على مؤسس باكستان محمد جناح، وعندما سُئل لماذا لم تصل على مؤسس باكستان؟ أجاب قائلاً: إما تعتبروني وزيراً مسلماً للدولة الكافرة، أو موظفاً كافراً للحكومة المسلمة"(53)
وكتبت إحدى الصحف: "يتعجب بعض الناس من صنيع ظفر الله خان هذا، ولكن الحق أنه لا مجال فيه للتعجب، لأن الذي فعله كان نتيجة حتميه للدين الذي اختاره، وأن دينه ومذهبه وعقائده وأفكاره وأمته، كل ذلك لا يختلف عن المسلمين فحسب، بل يضادهم. فكيف كان له أن يصلي على القائد الأعظم صلاة الجنازة"(54)
موقف المسلمين من القاديانية(55)
يرى د. محمد أقبال: "إن كل مجتمع ينفصل عن الإسلام وله طابع ديني يقوم على أساس نبوة جديدة، ويعلن كفر جميع المسلمين الذين لا يصدقون بهذه النبوة المزعومة يجب أن ينظر إليهم المسلمون كخطر جدي على سلامة الإسلام"
نتيجة لمخالفة القاديانية للعقيدة الإسلامية، وتكفير القادينيين للمسلمين صدرت الفتاوى باعتبار القاديانية فئة ضالة خارجة عن دائرة الاسلام، وتم اعتبارها أقلية كافرة غير مسلمة.(38/176)
- ففي رجب سنة 1363 هـ اجتمع علماء جميع الفرق الإسلامية في شبه القارة الهندية ونشروا فتوى تكفير قاديان" وقد أجمع علماء الفرق والمراكز الدينية على تكفير القاديانيين واخراجهم من دائرة الاسلام، ونشرت "مؤسسة مكة للطباعة والأعلام" فتاوي علماء الحرمين الشريفين وبلاد الشام" وجاء فيها "لا شك أن أذنابه -الغلام أحمد- من القادينية واللاهورية كلهم كافرون".
- وفي سنة 1953م انعقد مؤتمر كبار العلماء المندوبين عن جميع الفرق الاسلامية للبحث في دستور باكستان وكان ضمن التعديلات المقترحة اعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
- وفي أبريل سنة 1974 م انعقد مؤتمر كبير في مكة وحضره مندوبو 144 جمعية إسلامية، وهذا نص القرار الذي اتخذوه "القاديانية نحلة هدامة تتخذ من اسم الإسلام شعاراً لستر إغراضها الخبيثة، وأبرز مخالفتهم للإسلام إدعاء زعيمها النبوة، وتحريف النصوص القرآنية، وابطالهما للجهاد. القاديانية ربيبة الاستعمار البريطاني ولا تظهر إلا في ظل حمايته، تخون القاديانية قضايا الأمة الإسلامية، وتقف مواليه للاستعمار والصهيونية، تتعاون مع القوى المناهضة للإسلام، وتتخذ من هذه القوى واجهة لتحطيم العقيدة الإسلامية وتحرفها". ولمقاومة خطرها قرر المؤتمر:
1 - قيام كل هيئة إسلامية بحصر النشاط القادياني في معابدهم ومدارسهم وملاجئهم وكل الأمكنة التي يمارسون فيها نشاطهم الهدام في منطقتها، وكشف القاديانيون والتعريف بهم للعالم الإسلامي تفادياً للوقوع في حبائلهم.
2 - إعلان كفر هذه الطائفة وخروجها على الإسلام.
3 - عدم التعامل مع القاديانيين أو الأحمديين، ومقاطعتهم اقتصادياً واجتماعياًوثقافياً وعدم التزاوج منهم، وعدم دفنهم في مقابر المسلمين باعتبارهم كفاراً.
4 - مطالبة الحكومات الإسلامية بمنع كل نشاط لأتباع ميرزا أحمد مدعي النبوة واعتبارهم أقلية غير مسلمة، ويمنعون من تولى الوظائف الحساسة للدولة.
5 - نشر مصورات لكل التحريفات القاديانية في القرآن الكريم، مع حصر الترجمات القاديانية لمعاني القرآن والتنبيه عليها ومنع تداولها
وفي 15/7/1978 م "استعرض مجلس المجمع الفقهي المنعقد بمكة المكرمة، موضوع القاديانية التي ظهرت في الهند، والتي تُسمي أيضاً بالأحمدية.. وقرر المجلس بالأجماع اعتبارها عقيدة خارجة عن الإسلام خروجاً كاملاً، وأن معتنقيها كفار مرتدون عن الإسلام، وإن تظاهرأهلها بالإسلام، إنما هو للتضليل والخداع، ويعلن مجلس المجمع الفقهي أنه يجب على المسلمين حكومات وعلماء وكتاب ومفكرين ودعاة وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها في كل مكان من العالم وبالله التوفيق"(56)
في سنة 1925 صدرت فتوى من مشيخة الأزهر إلى الجمارك بمنع دخول ترجمة معاني القرآن لمحمد علي اللاهوري، بل طالبت بأحراقها. جريدة الأخبار في 16/4/1925. "دراسة حول ترجمة القرآن" ص14
القاديانية واللاهورية(58)
إن جماعة القادينيين اللاهورية (نسبة إلى لاهور بباكستان) كثيراً ما تدعى أنها لا تؤمن بنبوة ميرزا غلام أحمد، بل تراه المسيح الموعود والمهدى والمجدد، إذن فهي لا تخالف عقيدة ختم النبوة فلا يقع عليها الكفر، وخلاصة الجواب أن من يثبت دعواه بنبوة كاذبة، فكما أن الإيمان بنبوته كفر، فإن تصديقه واعتباره واجب الطاعة كفر صريح أيضاً، فضلاً عن اعتباره المسيح الموعود والمهدي المجدد والمحدث صاحب الإلهام. إن إدعاء شخص النبوة ينشأ عنه مذهبان متضادان، مذهب من يصدقه ومذهب من يكذبه، ويعتبر المصدقون أتباع دين والمكذبون أتباع دين آخر، وقد ثبت أن ميرزا غلام أحمد القادياني أدعي النبوة بلا ريب، فكل من اتخذوه إماماً من الفرق قد دخلوا في زمرة واحدة سواء سموه نبياً أو المسيح الموعود أم المهدي المعهود أم المجدد.
وقد اعترف محمد علي قائد جناح اللاهوري بنبوة الغلام، ففي 13 مايو سنة 1904م قدم محمد علي (مؤسس الجناح اللاهوري من القاديانية) بياناً أمام محكمة محافظة (غورد أسفور) في الهند، حاول فيه أن يثبت أن من يكذب الميرزا المتنبئ فهو كذاب، وقال: "إن من يكذب مدعي النبوة فهو كاذب، والميرزا مدعي النبوة، فمريدوه يرونه صادقاً في دعواه وأعداؤه يرونه كاذباً"(59).
وفي 16 أكتوبر سنة 1913 م نشرت صحيفة الجماعة اللاهورية "بيجام صلح" ما اسمته بياناً عن الجماعة كلها، جاء فيه "نحن نرى أن حضرة المسيح الموعود والمهدي المعهود نبي هذا العصر ورسوله"(60).(38/177)
فإذا درسنا عقائد الجماعة اللاهورية التي تم نشرها بعد سنة 1914 م لوجدنا أن موقفهم هذا كان محض حيلة ولا فرق حقيقة بينهم وبين الجماعة القاديانية، فالجماعة القاديانية تعتبر إلهام الميرزا حجة شرعية يجب إتباعها ويراه هؤلاء واجب الإتباع، وكما أن أولئك يصدقون جميع أفكار الميرزا، كذلك يراه هؤلاء واجب التصديق، وكما أن أولئك يرون كتبه سنداً إلهامياً وحجة شرعية، كذلك هؤلاء يرونها مصادر دينية، وكما أنهم يكفرون مخالفي الميرزا كذلك هؤلاء يقولون بتكفير من يكفر الميرزا أو يكذبه، وإنما الفرق هو أن الجماعة القاديانية تجيز إطلاق لفظ النبي على الميرزا بالمعنى الاصطلاحي والجماعة اللاهورية تجيز استعماله على سبيل المجاز.
• توجان فيصل: مذيعة تليفزيون سابقة ونائبة في البرلمان الأردني -أول نائبة برلمانية في تاريخ الأردن- كان المتطرفون قد رفعوا دعوى تفريق بينها وبين زوجها باعتبارها مرتدة. (روز اليوسف 26/6/1995. عدد رقم 3498 لسنة 70).
¨ الأهالي. عدد خاص رقم 3. يونية 1995 ص27
مفهوم جماعة لاهور عن نبوة الميرزا غلام أحمد
إن الجماعة اللاهورية، وإن كانت تدّعي أنها لا تعتبر الميرزا نبياً، بل تراه مجدداً، إلا انها تعني من لفظ "المجدد" عين ما تقصد به الجماعة القاديانية من لفظ "النبي".
يقول محمد على: "إن نوعاً من أنواع النبوة هو ما يُعطى المحدث، وكما في (توضيح المرام) أنها من المبشرات• (61). ويرى ؛ إن النبوة التي يقال لها النبوة الظلية أو النبوة المحمدية هي نبوة المبشرات(62). ويؤكد نبوة الغلام بقوله: "إن المسيح الموعود في كتاباته السابقة واللاحقة قرر أصلاً واحداً وهو أن باب النبوة مسدود، غير أن نوعاً من النبوة يمكن الحصول عليه، ولا نقول إن باب النبوة مفتوح، بل نقول: إن باب النبوة مسدود ، غير أن نوعاً من النبوة ما زال باقياً ويستمر إلى يوم القيامة، ولا نقول إنه يمكن لشخص أن يصير نبياً، بل نقولك إن نوعاً من النبوة يمكن الحصول عليه.. وهو الذي ُسمي بالمبشرات في مكان، وبالنبوة الجزئية في مكان آخر وبالمحدثية في موضع وبكثرة المكالمة في موضع آخر"(63)
• من الأحاديث المتواترة قول الرسول: إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي (فيقال أن ذلك شق على الناس). فقال: ولكن المبشرات، قالوا: يارسول الله وما المبشرات. قال:رؤيا الرجل المسلم، وهو جزء من أجزاء النبوة الرؤيا الحسنة أو الرؤيا الصالحة. وفي حديث آخر رؤي عن عائشة قولوا إنه خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده (الدر المنثور للسيوطي. ومجمع البحار) وعلى هذين الحديثين استند الغلام في إدعائه النبوة.
- قد تبين من هذا أن الخلاف بين الجماعتين هو خلاف لفظي فقط، فالجماعة اللاهورية، وإن كانت ُتسمي الميرزا بلقب المسيح الموعود والمجدد، غير أنها تعني من هذه الكلمات نفس المعنى الذي تعنيه الجماعة القاديانية من لفظ النبي، ولقد صدق محمد إقبال إذ يقول: "إن حركة الأحمدية تنقسم إلى قسمين، يسميان بالقادديانية واللاهورية، فالأولى منها تعتبر الميرزا نبياً، والثانية ترى اعتقاداً أو مصلحة أن تقدم القاديانية في صورة خفية".
يرى د. طه الدسوقي أنه: "لم ينخدع المسلمون بهذا الفرع اللاهورى، ولكن كشف الله عن بصيرة الأمة فأدركت أن هذه حيلة من حيل المخططين للقاديانية، حيث أنه يرى أن هذه خطة وضعها الإنجليز لمحمد علي كي يفسر الدين الجديد بحيث يكون أكثر ملاءمة مع مشاعر الأمة، مع الإبقاء على الاتجاه الأساسي بعد رد الفعل العنيف الذي حدث حين أدعى الغلام أحمد النبوة"(64)
اللاهورية وتكفير المسلمين:
تزعم الجماعة اللاهورية أنها لا تكفر غير الأحمديين، بل تراهم فاسقين، ولكن الأمر ليس كذلك فقد ألف محمد على كتاباً في هذه المسألة وسماه "رد تكفير أهل القبلة"(65) وقسم فيه من لا يعتبر الميرزا غلام أحمد المسيح الموعود إلى قسمين:
الأول: الذين لا يبايعون ميرزا غلام أحمد، ولا يكفرونه ولا يكذبونه، فهؤلاء هم الفاسقون عنده، وليسوا بكافرين.
الثاني: الذين يكفرون الميرزا ويكذبونه، فهم كفار في رأيه، وفيهم يقول: كأن الذين ويكفرونه داخلون في قسم واحد وحكمهم واحد، والمنكرون الآخرون لهم حكم آخر" ثم يبين حكم القسم الأول: "إن حضرة المسيح الموعود لم يعتبر إنكاره أو إنكاردعواه سبباً للكفر، وإنما سبب التكفير، أنه كفّره مفترياً، فعاد عليه الكفر بناء على الحديث الذي يرد الكفر على المكفر إذا لم يكن هو كافراً" ويضيف: " لأن المكفر والمكذب متساويان، أي أن من يكفر الميرزا ومن يكذبونه متساويان، أي أن كلاهما يكفرانه لذلك فكلاهما دخل في دائرة الكفر في ضوء هذا الحديث".
ويقول مناظر الجماعة اللاهورية المشهور "أختر حسين كيلاني": "إن الذين يكذبون الميرزا تعود عليهم فتوى الكفر، كما قال الميرزا في حقهم، لأنهم يكفرونه على أنه مفتر حقيقة"(66).(38/178)
قد وضح مما سبق أن الجماعة اللاهورية تعتبر من يكذّب الميرزا في دعواه أو يكفره فهو كافر، والذين يسلمون من فتوى الكفر عند الجماعة اللاهورية (وهم فاسقون فقط) هم الذين لا يكذبون الميرزا ولا يكفرّونه من غير الأحمديين وكم من المسلمين في العالم الاسلامي لا يكذبون الميرزا؟ والحق أن كل مسلم لا يعتبر الميرزا نبياً أو المسيح الموعود فهو يكفرّه. إذن كل هؤلاء داخلون في فتوى الكفر عند الجماعة اللاهورية أيضاً، لأن عدم الاعتراف بالميرزا المسيح الموعود وتكذيبه شئ واحد، وفي ذلك يقول الغلام نفسه "الذي لا يؤمن فإنه لا يؤمن لأنه يعتبرني مفترياً(67).
لقد أدعى الغلام أنه مجدد ومحدث وأنه المسيح الموعود ثم أدعى النبوة، وهذه الإدّعاءات تحتاج إلى أدلة تؤكد صدقها، وإذ نضع الغلام أمام بعض الأدلة التي استشهد بها نرى كذبه واضحاً وبهتانه بيناً:
1 - المعجزات:
إن "المعجزة لغة مأخوذة من العجز، وهو عدم القدرة على فعل الشيئ، وأما في اصطلاح جمهور المتكلمين، فتعرف بأنها: أمر خارق للعادة ويُظهر الله على يد مدعي النبوة تصديقاً له في دعواه" (68).
وقد قال الغلام: "إن معجزاتي قد أربت على ألف ألف معجزة"، ولست أدري ما هي هذه المعجزات ولكن من معجزاته التنبؤ بالكسوف والخسوف، وكان الإنجليز يمدونه بحسابات هذه الظواهر الفلكية التي لم تكن معروفة في الهند آنذاك" (69).
2 - النبوة عنه في الكتب السابقة:
لقد حاول الغلام أن يجد لنفسه سنداً في الكتب السابقة له، فكما أن المسيح تفرد بأن التوراة قد بشرت بمجيئه، هكذا أراد الغلام أن يثبت أن الكتب المقدسة قد بشرت بمجيئه، فقال: "أنا الذي جئت مصدقاً للبشائر"(70). وقال: "أعزائي، لقد أدركتم الزمن الذي بشر به جميع الأنبياء، وقد رأيتم ذلك الشخص أي المسيح الموعود الذي كان عدد كبير من الأنبياء يتمنى زيارته"(71).
وعندما انتشر وباء الطاعون استغل هذا الحادث وأعلن: "إن في القرآن الكريم وبعض صحف التوراة هذا الخبر ، بأنه سيقع في زمن المسيح الموعود وباء الطاعون، وكذلك أخبر المسيح أيضاً عن هذا الحادث في الإنجيل"(72).
وقد طبق كثير من النصوص القرآنية على نفسه(73) مثل:
"وما أرسالناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107
"وما ينطق عن الهوى، إنه هو إلا وحي يوحى" النجم 3
"وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" الأحزاب 46
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني" آل عمران 31
" إن الذين يبايعونك، إنما يبايعون الله" الفتح 10
" إن فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" الفتح 1
" يس. والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين" يس1
أما النص القرآني الذي استند عليه كثيراً هو وأتباعه ما جاء في سورة الصف 6 "ومبشراً برسول يأتي بعدي اسمه أحمد". فقد قال الغلام: "إن الآية تبشر بمجيئ وأن المراد من أحمد هو أنا"(74).
وقال الخليفة الثاني الميرزا بشير الدين محمود: أكان أحمد اسم المسيح الموعود أم اسم محمد؟ وهل آية سورة الصف التي بشرت برسول اسمه أحمد هي في حق محمد أم في حق المسيح الموعود؟ إن عقيدتي أنها في حق المسيح الموعود وهو نفسه أحمد(75). ولقد ألقى أحد دعاة القاديانية وهو سيد زين العابدين ولى الله شاه، كلمة في مؤتمر القاديان السنوي سنة 1934 م وعنوانها "اسمه أحمد" قال فيها: إن المراد من هذه الآية هو ميرزا غلام أحمد، وليس محمد(76).
وهناك نص آخر استشهد به الغلام، حيث قال: "أُخبرت بأن خبرك موجود في القرآن والحديث، وأنت المصدق لهذه الآية (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" (77).
أما بالنسبة لاستشهاد القادياني بنصين من الكتاب المقدس كنبوة عن انتشار الطاعون في قاديان في زمن المسيح الموعود، نجد أنه لا علاقة لهما البتة لا بالقاديان ولا بالطاعون.
3 - التنبؤ أو الاخبار بالغيب:
يقول الغلام: "ومن آيات صدقي أن الله أظهرني على كثير من أمور الغيب وهو لا يظهر على غيبه أحداً إلا الذين هم يرسلون" (78). وهو يجعل النبوات أعظم محك لصدقه " فليعلم المنكرون أنه ليس هناك محك امتحاننا وميزان صدقنا وكذبنا أعظم من النبوات" (79).
في ضوء هذا نسجل هنا نبوات(80) الغلام ، ومنها يتضح بالدليل القاطع كذب هذا المتنبئ:
النبوة الأولى:
إن رجلاً مسيحياً اسمه عبد الله آثم ناظر الغلام في مدينة أمرتسر بالهند سنة 1893 م، وبعد نقاش طويل لم يصلا إلى نتيجة ولم يفز واحد منها على الآخر، رغم إدعاء الغلام بأنه مؤيد بوحي إلهي وأراد أن يلعب لعبة حتى يغسل عنه العار الذي لحقه بعدم فوزه على رجل نصراني عادي، فأعلن في صباح الخامس من يونيو سنة 1893م: "ما فتح الله عليّ الليلة هو هذا، أني حينما تضرعت وابتهلت أمام الله عز وجل ودعوت منه بأن يفصل في هذا الأمر، فأعطاني آية بأن الكذاب يموت في خمسة عشر شهراً بشرط أن لا يرجع إلى الحق، والصادق يُكرم وُيوقر، وإن لم يمت الكذاب في خمسة عشر شهراً، ولم يتحقق ما قلت أكون مستعداً لكل جزاء، يسود وجهي وأذلل، ويجعل في جيدي حبل وأشنق، وأنا أقسم بالله العظيم أن يقع ما قلت، ولا بد أن يقع"(81).(38/179)
فهل تحققت هذه النبوة؟ وهل مات عبد الله آثم؟ نرى هذا في خطاب أُرسل للغلام: "مولانا المكرم، سلمكم الله. السلام عليكم ورحمة الله. اليوم سبعة من سبتمبر، وكان ميعاد النبوة الأخيرة 5 سبتمبر، وما أبحث في ألفاظ النبوة ولكن ألفاظ الإلهام التي ذكرتم (وإن لم يمت الكذاب في مدة خمسة عشر شهراً، ولم يتحقق ما قلت أكون مستعداً...) والآن ولم تتحقق هذه النبوة، وعبد الله آثم سالم، صحيح، حي، ولم يمكن ولا أظن أنه يمكن التأويل في هذه النبوة...." محمد علي خان(82).
وقد كتب عبد الله آثم في جريدة "وفادار" بعد عشرة أيام من انقضاء المدة المعهودة "أنا ألفت نظركم إلى نبوة الغلام عن موتي، وأخبركم بأني صحيح سالم بفضل الله، وأني سمعت بأن الغلام يقول: إني رجعت عن المسيحية، فأعلن أن هذا كذب، كنت مسيحياً، ولا زلت مسيحياً كما كنت، وأشكر الله على أنه جعلني مسيحياً" (83).
وهكذا ثبت كذب الغلام في نبوته هذه وسقط في الامتحان الذي وضعه لنفسه.
النبوة الثانية:
قال الغلام بصدد هذه النبوة: "فليعلم المخالفون أنه لا يوجد معيار أحسن وأصلح لختيار صدقنا وكذبنا من هذه النبوة"(84). وهاك هذه النبوة:
إن رجلاً من أقربائه اسمه "أحمد بك" جاء إلى الغلام لمساعدته في أمر ما، فقال له الغلام: أساعدك بشرط أن تزوجني ابنتك "محمدي بيجوم" وكان عمره آنذاك فوق الخمسين، فأبى أحمد بك، أن يقبل هذا الشرط، فجن الغلام، وبدأ يهدده. وتنبأ قائلاً: "إن الله أظهر عليّ بصورة النبوة، بأن الابنة الكبيرة لأحمد بك ترد لي مع أن أهلها يخالفون ويخالفون ولكن الله يزوجها لي ويرفع الحواجز، ولا يستطيع أحد أن يحول دون تحقق هذا"(85).
وقال : "إن زواجها أمر متحقق، وأنا أقسم بربي أن هذا صدق، ولا تستطيعون أن تحولوا دون وقوعه، وقد قال الله عز وجل: "زوجناكها نحن بأنفسنا ولا يستطيع أحد أم أن يبدل كلماتي"(86).
وأعلن: "إن نفس النبوة، وهي زواج هذه المرأة مني، تقدير مبرم، والتقدير لا يزول بحال من الأحوال، لأنه قد وجدت في الإلهام هذه الفقرة ولا تبديل لكلمات الله". فمعناه أن نبوتي هذه لا بد لها أن تتحقق، لأن عدم تحقيقها يبطل كلام الله"(87).
وأعلن أن هذه النبوة هي وعد الله له: "إن لم يتحقق هذا النبأ فأكون أخبث الخبثاء، أيها الحمقى هذا ليس افتراء من إنسان، ولا لعبة خبيث مفتري، بل هذا وعد الله الحق، الإله الذي لا تبديل لكلماته. والرب الذي لا مانع لإرادته"(88). وفي أثناء هذا بدأ الغلام محاولاته، بالوعد والوعيد، فكتب إلى أحمد بك: "أخي الكريم أحمد بك، سلمه الله تعالى، الآن فرغت من المراقبة فغشيني النوم ورأيت أن الله يأمرني بأن أطلعك على أن تزوجني ابنتك الكبرى البكر، لكي تستحق خيرات الله وبركاته وأنعامه وأكرامه، ويفرج عنك الكرب والمصائب، وأن ما أعطيتني ابنتك فتكون مورد عتاب وعقاب، وبلغتك ما أمرني الله لكي تحصل على انعامه وأكرامه ويفتح عليك خزائن النعم... وأيضاً أنا مستعد أن أوقع على الوثيقة التي جئت بها إليّ، وفوق ذلك كل ممتلكاتي لك ولله، وأيضاً أنا مستعد أن أشفع لابنك عزيز بك" للحصول على وظيفة في البوليس، كما سازوجه بابنة غني كبير من مريدىّ"(89).
وكتب إليه رسالة أخرى: "إن أعطيتني ابنتك وزوجتني إياها أعطيك نصيباً كبيراً من عقاري وبستاني، وأعطي لابنتك ثلث ما أملك، وأنا صادق فيما أقول، وأعطيك كل ما تطلب وتسأل، ولا تجد رجل واصل رحم مثلي" (90).
وحينما رأى أن هذه التحريضات والترغيبات لم تثمر شئياً، بدأ يتذلل أمام أحمد بك ويسترحم، فكتب إليه كتاباً جاء فيه: "أنا أرجو منكم بكل أدب وعجز أن تقبلوا زواج ابنتكم مني، لأن هذا الزواج يكون موجباً للبركات، ويفتح عليكم أبواب الرحمة التي لا تتصورون.. ولعلكم تعرفون بأن هذه النبوة قد اشتهرت في ىالآف من الناس، بل مئات الآلوف، والعالم ينظر إلى تحقق هذه النبوة وألوف من رجال الدين المسيحي يتمنون بأن لا تتحقق هذه النبوة حتى يضحكوا علينا، ولكن الله يذلهم وينصرني.. لذلك أرجة أن تساعدوني في تحقيق هذه النبوة"(91).
وكتب إلى ابنيه سلطان أحمد، وفضل أحمد، بأن يساعداه في هذا الأمر، لأن ابنه فضل كان متزوجاً ابنة أخت أحمد بك، وابنه سلطان كان له قرابة مع أحمد بك من جهة أمه، كما كتب إلى زوجته أم سلطان وفضل بأن تسعى هي أيضاً بدورها وكتب متوعداً: "إن تزوجت ابنة أحمد بك من أحد غيري، ففي نفس ذلك اليوم يكون سلطان أحمد محروماً من أرثي، ولا يكون له أي علاقة بي، وأيضاً تكون أمه مطلقة، وأما ابني فضل فيكون أيضاً محروماً من أرثي إن لم يطلق زوجته التي هي ابنة أخت أحمد بك ولا يكون له أي علاقة بي كأخيه سلطان"(92).(38/180)
ولكن الله يفعل ما يشاء، فزُوجت (محمدي بيجوم) ابنة أحمد بك لرجل يدعى "سلطان بك" ولكن الغلام ما انقطع عن تماديه، وأصر أنه مهما يكن فإن "محمدي بيجوم" تُزوج له، لأنها زُوجت له في السماء، أما زوجها سلطان بك فسوف يموت "هذا صحيح بأن "محمدي بيجوم" ما زوجت لي، ولكنها قطعياً سوف تزوج لي كما ذكرت النبوة، وأن الناس استهزوا بي لعدم تحقق هذا النبأ، النبأ الذي ما تنبأت به من عند نفسي، بل أُخبرت عنه بعد وحي من الله، وأقول صدقاً أنه يأتي يوم تنحنى فيه رؤوس هؤلاء المستهزئين من الندم، وأن المرأة لا تزال على قيد الحياة حتى ترجع إليّ وتزوج لي، أنا أؤمن بهذا إيماناً جازماً لأن وعد الله لا يخلف"(93).
وكتب "أنا تضرعت أمام الله وابتهلت، فألهمت، سوف أريهم آياتي بأن هذه المرأة تثبت ويموت زوجها وأبواها خلال ثلاث سنوات، ثم ترجع هذه المرأة إليّ ولا يكون أحد يستطيع المنع" (94). وطال الآمد ولم يمت زوج "محمدي بيجوم" ولم ترجع إليّ الغلام أحمد المتنبي الكاذب، وقد استمرت محاولته لتحقيق هذه النبوة لمدة اثنتين وعشرين سنة (1886 - 1908) حتى مات، وأما محمدي بيجوم، فقد ماتت سنة 1966م، وعاش زوجها أربعين سنة بعد الغلام ومات سنة 1948م وهكذا ثبت كذب الغلام أيضاً في هذه النبوة.
النبوة الثالثة:
وهي عدة نبوات معاً تتعلق بانجابه ولداً
فقد تنبأ مرة وامرأته حبلى: "الحمد لله الذي وهبني على الكبر أربعة من البنين، وبشرني بخامس"(95). وقد كان هذا الإلهام في أول يناير سنة 1903 وفي 28/ 1/ 1903م وضعت امرأته بنتاً، وماتت بعد أشهر قليلة.
ومرة أخرى حبلت امرأته، فتنبأ "يولد ابن الكرام، وله طراز جميل"(96). وبعد ذلك بشهر في 24/6/1904م وضعت زوجته بنتاً.
وأعلن مرة ثالثة في 16/9/1907م "إنا نبشرك بغلام حليم (97). وفي أكتوبر سنة 1907 أعلن "سأهب لك غلاماً ذكياً، ربي هب لي ذرية طيبة، إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى" (98). وفي 26/5/1908م مات الغلام، ولم ُينجب هذا الولد. فماذا نقول أمام هذا الفشل الذريع لنبوات الغلام.
النبوة الرابعة
في 20/2/1886م، أعلن الغلام "إن الله بشرني بأن يكون لي ذرية كثيرة من النسوة ذوات البركات اللاتي أتزوج بعضهن بعد هذا الإلهام(99). ووضح هذه العبارة بقوله: "إني أعلنت في فبراير سنة 1886 بعد الإلهام من الله بأنه بشرني بالزواج بعد هذا الإعلان وسوف أتزوج نسوة ذوات يمن وبركات ويولد منهن أولاد" (100). والواقع والتاريخ يؤكد أن غلام أحمد ما تزوج بعد هذا الإعلان أي امرأة.
وهكذا مرة تلو الأخرى يُثبت عدم صدق الغلام في إدعائه النبوة.
* النبوة الخامسة:
في 14/6/1899م وُلد له ولد اسماه "مبارك" وبعد ولادته تنبأ قائلاً: "إن هذا الولد من نور، ومصلح موعود، وصاحب العظمة والدولة، ومسيحي النفس ويشفي الأمراض، وكلمة الله، وسعيد الحظ. وهذا يشتهر في أنحاء العالم وأطرافه، ويفك الأسارى، ويتبرك به الأقوام(101).
وفي سنة 1907 مرض هذا الولد، فاضطرب الغلام، وفي 27/8/1907م حين خف من مرضه، تنبأ الغلام "الهمني الله بأنه قبل الدعاء وذهب المرض" (102).
ولكن عاد المرض من جديد ومات المصلح الموعود في 16/9/1907م، وربما يكون هذا هو الابن الذي قال فيه: "إنما نبشرك بغلام اسمه عنموايل ومن المقربين، وهو نور مبارك ومن المقربين، يعالج كل عليل ومرض وكان بأنفاسه من الشافين، وأنه آية من آياتي، وليجئ الحق بمجئيه، ويزهق الباطل بظهوره، ولبعث أصحاب القبور من القبور، فهو كلمة الله، ويظهر بظهوره جلال رب العالمين" (103).
النبوة السادسة:
تنبأ الغلام أنه لا يقع الطاعون في القاديان "هو الإله الحق الذي أرسل رسوله في القاديان، وهو يحفظ القاديان من الطاعون، ولو يستمر الطاعون إلى سبعين سنة، لأن القاديان مسكن رسوله، وفي هذا آية للغلام(104). ولكن الطاعون دخل القاديان، ففي رسالة إلى صهره محمد على خان "إن الطاعون ههنا في منتهى الشدة، يبتلى الإنسان فيموت بعد ساعات والله يعلم متى ينتهي هذا الابتلاء"(105). ليس هذا فحسب، بل دخل الطاعون بيته، الذي قال فيه: "إن بيتي كسفينة نوح من دخله حفظه الله من كل الآفات والمصائب"(106).
كتب الغلام: "دخل الطاعون حتى بيتنا، فابتلت غوثان الكبيرة(زوجته)، فأخرجناها من البيت، كما أُبتلى الأستاذ محمد دين، فأخرجناه أيضاً. واليوم ابتليت به امرأة أخرى كانت نازلة في بيتنا وجاءت من دلهي.. ومرضت أنا أيضاً حتى ظنت أنه ليس بيني وبين الموت إلا دقائق"(107).
هذه بعض نبوات الغلام أحمد التي منها ثبت كذب دعوته، ومن كان كاذباً لا يصح أن يكون نبياً وأن يدعو إلى دين جديد.
القاديانية والهندوسية:(38/181)
كان الغلام داهية ماكراً، لذلك رأي أنه ليس من مصلحتة ولا مصلحة القاديانية كمذهب أن يتجاهل الهندوس، ولا سيما أنهم يشكلون أغلبية لا يستهان بها في الهند، لذا فقد مدح أحد آلهتهم وهو "كرشنا" وقال: "إن القديس كرشنا كان نبياً، وينزل عليه روح القدس، وأنه قام بتطهير الأرض من الأريين" (108). وقد إدعى الغلام أن الله وعد "كرشنا" بأنه سيظهر في الأيام الأخيرة. وقد تحقق الوعد فيه هو "إنه كان نبياً حقيقياً في عصره، وكان مليئاً بحب الله، وكان يصادق لأعمال الخير، ويعادي لأعمال الشر، وأن الله وعده بأنه سيظهره في الأيام الأخيرة وأن الله حقق وعده في شخصيتي أنا " (109). ثم أضاف: "أنني لست مبعوثاً لإصلاح المسلمين فقط، بل لإصلاح الهندوس والمسيحيين. وفي نفس الوقت أنني مبعوث إلى الهنادكة. وقد أعلنت منذ حوالى عشرين سنة بأنني مرسل لتطهير الأرض من الذنوب التي ملئت بها، إنني بشكل المسيح بن مريم، وفي صورة القديس كرشنا، وبمعنى آخر أنني القديس كرشنا فعلاً من الناحية الروحية".
ويؤكد هذه المقولة المولوى محمد علي اللاهورى: "إن الله قد وعد الهندوس بأن يرسل قديساً أخر الزمان وأنه حقق وعده بإرسال النبي المقدس الميرزا غلام أحمد إلى أرض الهند"(110).
لقد حاول الغلام وأتباعه الحصول على دعم الهندوس وتأييدهم، ونجحوا في ذلك وقد ظهر هذا التأييد بوضوح في عدة مقالات كتبها رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو وكانت تدور حول القاديانية من الفرق الإسلامية، فلماذا يصر المسلمين علىفصلها عن الإسلام. رداً على مقالات د. محمد إقبال التي أثبت فيها أن القاديانية فئة كافرة ولا علاقة لها بالإسلام.
القاديانية والصهيونية: (111)
- كتبت صحيفة "الفضل" القاديانية: "لئن كان اليهود لا يستحقون تولى بيت المقدس لأنهم ينكرون رسالة محمد، والمسيحيون لا يستحقون لأنهم أنكروا رسالة محمد، فغير الأحمديين (المسلمون) لا يستحقون توليته يقيناً".
- لقد أسس المركز القادياني في فلسطين المولوى جلال الدين شمس سنة 1928م، ويقع في حيفا، وبه مسجد ومقر البعثة ومكتبة عامة ومكتبة تجارية ومدرسة، ويصدر مجلة شهرية باسم (البشرى) باللغة العربية، وقد قام المركز بترجمة كثير من مؤلفات الغلام أحمد.
- ذكر "دوست محمد شاهد" في كتابه "تاريخ أحمديه" ان ميرزا بشير الدين محمود أقام في فلسطين سنة 1924م بعد صدور وعد بلفور سنة 1917م بإنشاء دولة إسرائيل ولما قامت دولة إسرائيل سنة 1948م طردت سكان فلسطين الأصليين، بينما سُمح للقاديانيين بالإقامة والتبشير دون مسهم بأي أذى وقد قال بشير الدين محمود: "لا شك أنه ليست لنا مكانة في البلاد العربية مثل مكانتنا في البلاد الأوربية والافريقية، ومع ذلك فقد حصل نوع من المكانة، وهو أنه لا يسمح لأحد بالإقامة في قلب فلسطين غير الأحمدي"(112)
وكيف لا تتمتع القاديانية بهذه المكانة، وقد قام خليفتها الثاني ميرزا محمود بتأييد إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين(113).
والسؤال الآن لماذا تسمح إسرائيل بإقامة المراكز التبشيرية القاديانية فيها، وتسمح بنشر المطبوعات القاديانية؟ من المؤكد أن لإسرائيل مصلحة في ذلك. قال د.محمد إقبال: "إن الميرزائية تشمل عناصر يهودية، كأن هذه الحركة راجعة إلى اليهودية.
وكلمة أخيرة :
هذه هى حقيقة القاديانية أوضحناها لأنهم يزعمون عكس ما يبطنون ، ويكيدون للإسلام ويظهرون فى مظهر المدافعين عنه !! يعتقدون أنهم بجدالاتهم مع زكريا بطرس القسيس النصرانى البذئ ، فإنهم بذلك ، أتوا بما لم يأت به أحداً من العالمين ، أو كما يقول الشاعر :
إنى وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل .
يا أتباع الأحمدية القاديانية ردودكم على زكريا بطرس ، مجرد مسلسل لكسب تعاطف المسلمين السذج ، وفى ذات الوقت تضعون سمومكم فى الردود على زكريا بطرس ، مثل القول بوفاة المسيح ، وأنه عُلق على الصليب ، وأنه موجود فى كشمير .... إلخ هذه التُرهات .
إننا من الآن فصاعداً ، سندعو لبدء الاحتفال بمرور مائة عام على عودة الخلافة المزعومة التى يتحدثون عنها والتى بدأت فى العام 1908م وستُكمل عامها المائة فى العام 2008م ، واحتفالنا سيكون بفضح الأحمدية القاديانية ، حتى نستأصل شأفتها وزفرتها من العالم الإسلامى .
ونبشر أتباع الميرزا غلام أنه يجرى الآن التحضير لإنشاء قناء فضائية تتبع مذهب أهل السنة لتوضيح كفرهم الصريح ، وافتراءهم على الإسلام ، واجتراءهم على نصوص القرآن الكريم ، وستُبث هذه القناة بإذن رب العالمين خلال عامين ، وربما يبدأ البث فى أواسط العام 2008م ليكون عاماً نحساً على أتباع الغلام ، وليكون مشاركةً من أهل السنة للأحمديين فى الاحتفال بعودة الخلافة الراشدة !!!
ولا يفوتنى أن أتقدم بشكرى العميق لكلاً من الأستاذ الكبير / فؤاد العطار ، والذى أزال الأقنعة عن وجوه الأحمدية الضالة ، وكان لكتاباته بالغ التأثير فى المخدوعين بالغلام القاديانى ، فله كل التقدير .(38/182)
و للأستاذ العزيز / محمود القاعود ، والذى ساهم فى حملة كشف وتوضيح واسعة لحقيقة الأحمدية القاديانية ، وبيان كفرها وضلالها ، إلى أن اتحفنا بمقاله الرائع : ( التفسير العبيط عند أتباع الغلام السليط ) ، فله كل التقدير .
بقى أن أدعو أتباع الميرزا أن يبينوا رأيهم فى :
1- العمليات الاستشهادية التى تقوم بها المقاومة الفلسطينية الباسلة وينتج عنها هلاك الصهاينة المجرمين
2- المقاومة العراقية وقتل الأمريكان المحتلين الغاصبين
3- تكفير أهل السنة والجماعة واعتبارهم كفار بالنبى الكذاب الميرزا القاديانى
4- عدم نشر سيرة الميرزا التى كتبها ابنه ، وكتابة سيرة أخرى بعنوان ( السيرة المُطهرة ) كتبها ( مصطفى ثابت )
ونسأل الله رب العالمين أن يكون العام 2008م عام نهاية القاديانية الضالة من الوجود ، وأن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر نظير إجرامهم بحق الإسلام والمسلمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
المراجع
1- موت أم إغماء. د. فريز صموئيل.
2 - قصص الأنبياء. الشيخ عبد الوهاب النجار. ص509-511.
3 - القاديانية الخطر الذي يهدد الإسلام. د. احمد عوف. ص52-53.
4 - القاديانية دراسات وتحليل. إحسان الهي ظهير. ط19 سنة 1983. ص117.
5 - القاديانية ومصيرها في التاريخ. د. طه الدسوقي. ط1 سنة1989. ص118.
6 - حمامة البشرى. للغلام احمد. ص69، عن المرجع السابق ص119.
7 - تبليغ الرسالة. للغلام أحمد. حـ2 ص302. عن المرجع السابق .
8 - المرجع السابق. ص127-133.
9 - إزالة الأوهام للغلام. المرجع السابق. ص296.
10 - المرجع السابق.
11 - تبليغ الرسالة. للغلام أحمد. جـ10 ص18، عن القاديانية لظهير. ص119.
12 - تحفة كوكرة. للغلام أحمد. ص125، عن القاديانية ومصيرها ص13.
13 - دافع البلاء. للغلام ص3، عن موقف الأمة الإسلامية من القاديانية. ص14.
14 - بيان للميرزا غلام ألقاه في 23/2/1892م، تبليغ الرسالة. جـ2.
ص95 للغلام، عن القاديانية ومصيرها. ص145.
15 - السراج المنير. للغلام. ص242. عن المرجع السابق. ص146.
16 - رسالة للغلام في جريدة الحكم القاديانية في 17/8/1899م، عن القاديانية ومصيرها. ص147.
17 - توضيح المرام. للغلام ص28. عن المرجع السابق.
18 - مصير آثم. للغلام ص27. عن المرجع السابق.
19 - القاديانية ومصيرها. ص53.
20 - دافع البلاء. للغلام. ص11 ط3 قاديان،عن موقف الأمة الإسلامية. ص10-11.
21- نزول المسيح. للغلام. هامش ص3 ط قاديان سنة 1909م. عن المرجع السابق.
22 - تتمة حقيقة الوحي. للغلام. ص38 ط قاديان سنة 1934م. عن المرجع السابق.
23 - أيك غلطي كازالة. للغلام. ص8 ط قاديان سنة 1901م. عن المرجع السابق.
24 - المرجع السابق.
- القاديانية الخطر القادم الذي يهدد الإسلام. ص7.
26 - موقف الأمة الإسلامية من القاديانية. ص5.
27 - حقيقة الوحي. للغلام ص149. ط قاديان سنة 1934، عن موقف الأمة. ص13.
28 - الإعجاز المحمدي. للغلام ص7، عن ما هي القاديانية لأبي الأعلى المودودي. ص22-23.
29 - موقف الأمة الإسلامية. ص26.
30 - القاديانية ومصيرها في التاريخ. ص166-167.
31 - الأربعين. للغلام. ص47.
32 - المرجع السابق. ص15.
33 - تبليغ الرسالة. للغلام. جـ4 ص49، عن القاديانية لظهير. ص119.
34 - ترياق القلوب. للغلام. ص332، عن موقف الأمة. ص106.
35 - القاديانية الخطر الذي يهدد الإسلام. ص975، دفاع عن العقيدة والشريعة. للشيخ محمد الغزالى. ص248-249.
36 - أنوار الخلافة. للغلام. ص17، عن القاديانية لظهير. ص111، 112، 116.
37 - بركات الخلافة. للغلام. ص5-7.
38 - القاديانية ومصيرها. ص184.
39 - حقيقة الوحي. للغلام. ص63. عن القاديانية لظهير. ص34.
40 - مرآة الصدق. لميرزا بشير الدين ص25، عن دفاع عن العقيدة. ص245.
41 - أنوار الخلافة. لميرزا محمود أحمد. عن القاديانية لظهير. ص35.
42 - دفاع عن العقيدة والشريعة. ص246.
43 - المرجع السابق.
44 - تحفة لوكرة. ص28، عن موقف الأمة. ص31.
45 - جريدة الحكم القاديانية. في 10/12/1904م، عن القاديانية لظهير. ص36.
46 - أنوار الخلافة. ص89، عن القاديانية لظهير.
47 - بركات الخلافة. ص75، عن القاديانية لظهير. ص43.
48 - جريدة الفضل القاديانية 23/5/1931م، عن القاديانية لظهير.
49 - أنوار الخلافة. ص94، عن موقف الأمة. ص31-32.
50 - كلمة الفضل. ص ، عن القاديانية لظهير. ص43.
51 - جريدة الفضل 18/6/1916م، عن القاديانية لظهير. ص39.
52 - أنوار الخلافة. ص91، عن القاديانية لظهير. ص40.
53 - صحيفة رفيندار لاهور 28/2/1950م، عن موقف الأمة. ص33.
54 - موقف الأمة الإسلامية. ص67-70.
55 - المرجع السابق.
56 - جريدة المدينة في9/3/79م، عن أباطيل القاديانية في الميزان. ص111-112.
57 - جريدة الأخبار القاهرية 28/5/1990م. ص2.
58 - موقف الأمة الإسلامية. ص36-45.
59 - مجلة فرقان الهندية، يناير سنة 1942م قاديان.
60-64 النبوة في الإسلام. محمد علي. ط لاهور. ص150،182، 153.
65 - رد تكفير القبلة. محمد على. ط سنة 1926م. ص29-30.
66 - مباحثة راو لبندي. ط قاديان. ص251.(38/183)
67 - حقيقة الوحي. ط 1907م. ص163.
68- في العقيدة الإسلامية والأخلاق. د. عوض حجازي.
69 - القاديانية الخطر الذي يهدد. ص27-28.
70 - الأربعين للغلام ص28، 74، عن موقف الأمة. ص49-51.
71 - المرجع السابق، عن القاديانية ومصيرها. ص131.
72 - المرجع السابق. وقد كتب قادياني على الهامش أن وقوع الطاعون في زمن المسيح الموعود مذكور في زك 14: 12، مت 24: 8.
73 - الأربعين. للغلام. ص28، 74، 39، حقيقة الوحي. للغلام. ص75، 49، 80، 107، عن موقف الأمة الإسلامية. ص 49-51.
74 - إزالة الأوهام. ص673.
75 - في خطبة له في 17/12/1915م، أنوار الخلافة. ص18.
76 - طبعت تحت عنوان "اسمه أحمد" ص74 قاديان سنة 1934.
77 - أعجاز أحمدي. ص9. عن أباطيل القاديانية. ص44.
78 - الأربعين. للغلام. عن القاديانية الخطر الذي يهدد. ص36.
79 - دافع الوسواس. للغلام. ص228، عن القاديانية ومصيرها. ص74.
80 - هذا الجزء (النبوات) مأخوذ من القاديانية لظهير. ص163-180.
81 - الحرب المقدسة. للغلام. ص188.
82 - مكتوب محمد علي إلى الغلام أحمد. ص100-101. ليعقوب علي.
83 - جريدة وفادار اللاهورية في15/9/1894.
84 - مرآة كمالات الإسلام. للغلام. ص288.
85 - إزالة الأوهام. للغلام. ص396.
86 - الحكم السماوية. للغلام ص40.
87 - اشتهار الغلام. 16/ 10/ 1894.
88 - صميمة أنجام آثم للغلام. ص54.
89 - رسالة الغلام إلى أحمد بك. عن نوشنه غيب. ص100.
90 - مرآة كمالات الإسلام. للغلام. ص573.
91 - كتاب غلام أحمد بك في 17/7/1892م عن كتاب "كلمة فضل رحماني". ص123.
92 - إعلان غلام أحمد بتاريخ 2/5/1891م. عن تبليغ الرسالة" جـ2ص9.
93 - إعلان غلام أحمد الموجود في "منظور إلهي" ص244 للمنظور القادياني.
94 -إلهام الغلام. عن نوشنه غيب.
95 - مواهب الرحمن. للغلام. ص139.
96 - البشرى جـ2. للغلام. ص91.
97 - المرجع السابق. ص136. جريدة بدر القاديانية في16/9/1907م.
98 - المرجع السابق.
99 - تبليغ الرسالة. جـ1. للغلام. ص58.
100 - المرجع السابق.
101 - ترياق القلوب. للغلام. ص43.
102 - جريدة بدر القاديانية في29/8/1907.
103 - القاديانية الخطر. ص29.
104 - دافع البلاء. للغلام. ص10-11.
105 - مكتوبات أحمدية. جـ5. للغلام. ص112-113.
106 - سفينة نوح. للغلام. ص76.
107 - مكتوبات أحمدية. جـ 5. للغلام .ص5.
108 - في خطبة ألقاها في مدينة "سيالكوت" في 2/11/1904م. عن قادياني قول وفعل. جـ2 ص58.
109 - المرجع السابق.
110 - مجلة الأديان عدد 11، عن أباطيل القاديانية. ص34-38.
111 - موقف الأمة الإسلامية. ص117-119.
112 - جريدة الفضل 30/8/1950م.
113 - مجلة الحق عدد2 جـ9، عن تاريخ الأحمدية
==============(38/184)
(38/185)
ومع ذلك صدقوه واتبعوه!!
بقلم : عيسى القدومي …
شاء الله تعالى أن أتصفح في الشبكة العالمية >الإنترنت< المواقع الناطقة باللغة العربية والتي ترعاها الطائفة القاديانية - والتي تطلق على نفسها مسمى >الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية< - على اعتبار أن مؤسسها الأول >غلام أحمد< -1840م - 1908م- >نبيٌ مرسل< بعد صلى الله عليه وسلم ، لزعمهم أن الرسول محمد خاتم للأنبياء ولكنه ليس آخرهم، وأن الله باعث آخرين. ولهذا يقولون إن >خاتم النبيين< لا تعني بالضرورة الـ>نهاية<، بل إنها تعني الـ>طابع< والقانون العام الذي سيسير عليه الأنبياء القادمون من بعده الذين لن يغيروا من شريعة الله شيئاً، بل سيسيروا على نهجه!!
وأكثر ما ساءني في تلك المواقع أسماء القائمين عليها وهم من العرب الذين اتبعوا هذا الدين المعوج، الذي ترفضه العقول وتأباه الفِطر، وأصبحوا ينظرون ويدافعون بكل جهد عن >غلام أحمد< وعقيدته، ويبشرون بدينه على أنه الإسلام الصحيح!!! بعد أن كانوا مسلمين ومن أسر مسلمة!!!، وليسوا من جهلاء >قاديان< القرية التي خرج منها ووصف أهلها غلام أحمد >بأنهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه<؛ لهذا وجد من يطيعه فما بال هؤلاء ممن عاشوا في أرض العرب والمسلمين!!!
ومع أنني على يقين بأن أي مسلمٍ عرف عقيدة الإسلام وامتثل تعاليمه، لن يقبل ديناً جديداً يفارق به إجماع المسلمين، وينقض به أصول الإسلام، وينكر ما علم بالضرورة أنه من هذا الدين، وأن يدعي أن الوحي لم ينقطع، وأن غلام أحمد مرسل من الله ورحمة الله التي بعثها إلى الأرض!!
ومع ذلك اتبعوه!!
>غلام أحمد< كان كثير التنبؤ ومع ذلك لم يتحقق من نبوءاته وأكاذيبه شيء إلا أن من حوله صدقوه واتبعوه، ومما تنبأ به هذا الرجل الآتي:
- ادعى بأن الله بشره بأنه سيحييه ثمانين سنة أو أكثر ومات وعمره سبعون سنة؛ ومع ذلك اتبعوه!!
- ادعى أن الله أيده بـ ثلاثمائة ألف آية ومعجزة تثبت نبوته، ولم نرَ منها إلا الأكاذيب الساذجة؛ ومع ذلك اتبعوه!!
-نشر إعلانا في الصحف بخصوص خصمه الشيخ / ثناء الله الذي ناظره وكشف كفره وكذبه، بأن الله سيهلك الكاذب في حياة الصادق، وعاش الشيخ ثناء الله 40 سنة بعد موت >غلام أحمد<. ومع ذلك اتبعوه!!
- ادعى بأن الله عينه ليبين للناس الإسلام الحقيقي، وإذا به يبشر بشرع جديد خالف به الإسلام. ومع ذلك اتبعوه!!
- وجمع المال من أتباعه لإصدار كتابه >براهين أحمدية< بخمسين جزءاً، وأصدر منه خمسة أجزاء فقط، وقال لهم إن الفرق في عدد الأجزاء هو الصفر ولا قيمة له، ومع ذلك اتبعوه!!
-ادعى أنه المسيح الموعود، وكان خلقه وسلوكه بعيدان كل البعد عن صفات المسيح عليه السلام؛ ومع ذلك اتبعوه!!
- ادعى أن المسجد الأقصى الذي جاء في آية الإسراء هو مسجد >الميرزا غلام أحمد< في قاديان؛ ومع ذلك اتبعوه!!
- ادعى أن مرض الكوليرا لا يدخل قرية >قاديان< وأن الله أوحى إليه بأن قاديان هي سفينة النجاة من ذلك المرض، ومات هو بالكوليرا في قاديان. ومع ذلك اتبعوه!!
- ادعاء النبوة لم يقف عند حد >غلام أحمد< بل ادعى عدد من أتباع القادياني كمحمد صادق القادياني وغلام محمد القادياني النبوة من بعده وكلٌ منهم أتى بالشبهات والبراهين الكاذبة على نبوته؛ ومع ذلك اتبعوه!!
-فإذا كان هذا الكذاب الصغير الذي بان كذبه وعواره للجميع ومن ضمنهم أتباعه، بعد أن أقيمت عليه الحجة في مناظرات خاصة وعامة أمام الملأ، في الهند وباكستان، بعدها أجمع علماء باكستان بعد مناظرات لأيام عدة على كفر هذه العقيدة ووصل الأمر حتى عهد قريب أن يكتب للقادياني في الهوية الحكومية أن الديانة: كافر. ومع ذلك اتبعوه!!
- اتبعوه ولم يكن معه إلا الخرافات والأكاذيب والبذاءات، فكيف الحال في الدجال الأصلي الذي سيخرج في آخر الزمان، فكم سيكون أتباعه وما حالهم!!!
- وصدق الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام حيث أخبر: >إنه سيكون في أمتي ثلاثون، كذابون كلهم يزعم أنه نبي< رواه الترمذي وابن ماجه. وروى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول: >إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم<. وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : >لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً، رجالاً كلهم يكذب على الله عز وجل ورسول صلى الله عليه وسلم < رواه أحمد في مسنده.
أقوال علماء الأمة في >القاديانية<
لأن ما جاء به >غلام أحمد< من ادعاء قد خالف صريح القرآن والسنة وإجماع الأمة التي فيها الحجج على أن المصطفى صلوات الله عليه هو آخر النبيين والمرسلين؛ أجمع علماء المسلمين على أن الطائفة القاديانية فرقة ضالة خارجه عن الإسلام بإجماع الفتاوى الصادرة من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي كالمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ولجنة الفتوى في الأزهر، هذا عدا ما صدر من فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها.(38/186)
وملخص فتاواهم: >أن من اعتقد هذه العقيدة فهو كافر عند جميع علماء المسلمين لقول الله سبحانه وتعالى: -ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما-، ولما صح عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال: >أنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي<.
- والله نسأل الهداية والسداد، والثبات في الأمر، وأن ينور بصائرنا ويشرح صدورنا، بالدين الحق وهو الإسلام. والحمد لله رب العالمين...
سلسلة روائع الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -
خالد بن صالح
هذه سلسلة تعنى بروائع الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - من فتاوى وكتابات ورسائل، والشيخ - رحمه الله - غني عن التعريف، فيكفيه أنه إذا كان الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - يعد ناشر السنة النبوية في أواخر القرن 41 الهجري وأوائل الخامس عشر، فإن الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - يعد الرائد في نشر فقه السنة النبوية على نهج سلفنا الصالح في تلك الفترة -لعل ذلك في نظري المتواضع، مع عدم التنقيص من قدر العلماء والمشايخ الآخرين-.
ولست أنا الذي يقيم مؤلفات الشيخ ويستخرج روائعها، ولكن حسبي في ذلك المحاولة وبذل الجهد مستعيناً بالله أولاً، ثم بإخواني المشايخ وطلبة العلم في استخراج بعض تلك الروائع والكنوز من كتابات الشيخ - رحمه الله - والتي كان لها أثر في توضيح معنى بديع قد غفل عنه كثير من المسلمين، أو تبيين شبهة قد أثرت في العمل الإسلامي.
وهذه دعوة صادقة مني لإخواني قراء مجلة >الفرقان< لتزويدي على عنوان المجلة بكل مايرونه من روائع الشيخ - رحمه الله - بالمعنى الذي ذكرت، حتى يتم نشره ضمن هذه السلسلة.
وبعد أن مَنّ الله علي بفكرة هذه السلسلة، أسأله التوفيق والسداد، وأن يجعل هذا العمل خالصاً له، إنه قريب مجيب..
وإليكم الآن أولى تلك الروائع من هذه السلسلة والتي هي بعنوان: >جديد الشرك بالله<.
كان ذلك في لقاء مع الشيخ يوم الخميس ليلة الجمعة 3/12/1420 - الموفق 9-3-2000
- السؤال حفظكم الله فضيلة الشيخ: في زماننا هذا كثرت الشركيات وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها.. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة؟
- الجواب: أولاً لا نسلم لهذا السائل بصحة دعواه، وأنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي؛ فقد قلّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، اللهم إلا الهمج الرعاع، أما الناس الآن فقد استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية؛ فالشرك في القبور وشبهها في ظني قليل لكن هناك شركٌ آخر وهو محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها، فإن هذا نوعٌ من الشرك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة فسمى صلى الله عليه وسلم من شغف بهذه الأشياء الأربعة سماه عبداً لها فهي معبودةٌ له.. وقد أصبح الناس اليوم على انكبابٍ بالغ على الدنيا حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جداً إلى الدنيا ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم<، هذا هو الذي يخشى منه اليوم، ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية.. وهذا فيه ترفيه.. وهذا فيه نمو الاقتصاد.. وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا قلَّ من يقول هذا فيه نمو الدين؛ هذا فيه كثرة العلم الشرعي.. هذا فيه كثرة العبادة.. قلّ من يقول هذا فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال سواء من أجل الدنيا أم من أجل الدين الصحيح.
- المصدر/ موقع الشيخ ابن عثيمين
- binothaimeen.com
===============(38/187)
(38/188)
هكذا يرعى الكيان اليهودي الفرق الباطنية
إعداد : عيسى القدومي …
المتابع لنشاط الفرق الباطنية في العالم العربي والإسلامي وبالأخص>البهائية< و>القاديانية< يجد أن مركز دعوتها الأساسي في الأراضي التي احتلها اليهود في عام 1948م والتي أسموها >دولة إسرائيل<، فقَدم الكيان اليهودي كل الرعاية والدعاية لهم، وأقام المراكز والمعابد وسهل نشر أباطيلهم؛ ليصل نشاطهم إلى مناطق الضفة والقطاع وشرقي القدس على وجه الخصوص، والعالم العربي والإسلامي بالعموم.
ومما دفعني للكتابة حول تلك الفرق الباطنية ورعاية الكيان اليهودي لها، ما قرأته من تقارير حول السعي الحثيث للفرقة القاديانية بالانتشار والانطلاق نحو هذا العالم الإسلامي عبر فلسطين، على اعتبار أن مركزها في فلسطين أُعد ليكون جسراً لعبور القاديانية إلى العالم العربي.
ما الفرقة >القاديانية< الأحمدية:
كانت بداية القاديانية في فلسطين حين وصل بعض أتباعهم إليها عن طريق -حيفا-، وكان في مقدمتهم ابن مؤسس الفرقة القاديانية وخليفته بشير الدين محمود أحمدعام 1924وحضر معه القادياني >جلال الدين شمس< الذي أسس مركز الجماعة في قرية -الكبابير- على قمة جبل الكرمل في حيفا، وقد تبع ذلك بناء أول معبد للجماعةهناك عام 1934، وكان ذلك في رعاية حكومة الانتداب البريطاني المحتلة لأرض فلسطين آنذاك، وتم إعادة بناء ذلك المعبد في عام1979 ويعرف تدليساً بمسمى >مسجد سيدنا محمود<وتضم قرية الكبابير الآن قرابة ال3000 نسمة معظم سكانها من أتباع القاديانية.
وقد عاشت الجماعة في شبه عزلة عقائدية حيث لم تنتشر القاديانية بين العرب المسلمين المقيمين في أراضي 1948 بدليل أنهم من خارج قرية -الكبابير- لا يتجاوزون العشرات بمن فيهم متبعي القاديانية منهم من سكان الضفة الغربية.
وقبل سنتين تقريباً كان لي نقاش مع أحد الفلسطينيين الذين اعتنقوا العقيدة القاديانية الباطلة، واستفزتني مقولة لذلك الضال >من أنهم سيعملون جاهدين لجعل كل أهل فلسطين قاديانيين<، فقلت له: وهذا ما يسعى إليه اليهود كذلك!! ولكن أنى لكم ذلك والمسجد الأقصى وما حوله من أرض فلسطين والشام هي مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين، والأرض التي إليها محشر العباد، ومنها يكون المنشر، وفيها مقتل الدجال وأتباعه، وفيها يشهد نطق الحجر والشجر حين يقول: >يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالَ فاقتله<. والتي ستعود فيها الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، فهي الأرض التي باركها الله للعالمين، ولن تكون مقاماً للمجرمين.
وهم يعتقدون بقدسية >قاديان< في الهند، ويعتقدون بأن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان وليس الذي في بيت المقدس.
جاء في صحيفة الفضل القاديانية عدد 3 سبتمبر سنة 1935 م: >لقد قدس الله هذه المقامات الثلاثة؛ مكة والمدينة وقاديان واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته<.
وفي عدد 23: >إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله< هو مسجد قاديان<. وهدفهم من ذلك واضح ليقولوا كاذبين بأن القدس لا مكانة لها ولا رابط دينياً بينها وبين الإسلام، ويزعمون أن المسجد الأقصى هو مسجد آخر غير الموجود في القدس هو مسجد في >قاديان<!!. وما زالوا يصرون على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك.
ولا يخفى أن للقاديانية علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي، فقد فتحت لهم المراكز والمدارس ومكنوا من إصدار مجلة تنطق باسمهم، ولهم مطلق الحرية والدعم في طباعة كتبهم وضلالاتهم وتوزيعها في العالم، وانتقالهم الحر بين فلسطين ودول العالم.
وللقاديانيين قناة فضائية >التلفزيون الإسلامي الأحمدي< ومواقع على الشبكة العالمية >الإنترنت< ويطلقون على أنفسهم مسمى >الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية<، والمتصفح لمواقعهم باللغة العربية يجدهم قد هذبوها من أغلب ما يثير المسلمين عليهم، حيث تقرأ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أعلى الصفحة الرئيسة للموقع وصورة الكعبة في مكة المكرمة حتى يدلسوا على المتصفح لذلك الموقع بأنهم لا يخالفون عقيدة المسلمين، وأكثروا فيه من مدح العرب وخدمات قادتهم وخطاباتهم ومواقفهم من القضايا العربية؛ ليدفعوا التهم بعلاقتهم بالاستعمار.
ومؤخرا قام أكثر من 30 ألفا من أتباع الطائفة القاديانية في بريطانيا بالتجمع للمناداة بالـ>جهاد ضد التطرف<. حيث قال كبيرهم: >نحن ننادي بجهاد من نوع جديد، جهاد من أجل كسب عقول البشر وأفئدتهم؛ ليدركوا أن الإسلام هو دين السلام وليس دين العنف<.
البهائية في رعاية اليهودية
أما البهائيون في فلسطين المحتلة فيعاملون معاملة اليهود منذ قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين، وتُرعى معابدهم وتجمعاتهم كما ترعى المعابد والكنس اليهودية، ويوجد العديد من المحافل والمراكز والأماكن المقدسة للبهائية في عكا وحيفا والتي لها الصون والدعم الكامل والتسهيلات المفتوحة والترتيبات الكاملة لتهيئتها لتكون محجاً للبهائية وأتباعهم في العالم أجمع.(38/189)
وللبهائية كذلك علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي منذ بدايته فقد أيد البهائيون تجمع اليهود في فلسطين وعدّوا ذلك مما جاء في العهد القديم، ولهذا يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء ولاسيما اليهود، ويَدعُون إلى السلام المطلق مع اليهود وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين.
والإعلام اليهودي يساند البهائية ويبرزها على أنها حركة رائدة في مجال الفكر الإسلامي، وقد كافأهم ورعاهم الكيان اليهودي بأن أنشأ لهم بناية ضخمة في حيفا على جبل الكرمل في إبريل 1983م، أطلقوا عليها مسمى >بيت العدل<؛ لتكون مقراً لمركز البهائية الذي يديره تسعة بهائيين يتم انتخابهم حيث كلف بناؤها أكثر من 250 مليون دولار. وهم كذلك لا يجدون حرجاً في تشبيه >قبة محفل عباس< بقبة مسجد الصخرة في المسجد الأقصى.
وزيارات البهائيين إلى الكيان اليهودي الغاصب لم تعرف الانقطاع طيلة المراحل السابقة، وهي تأخذ بعداً دينياً عميقاً، يتمثل في كون أهم مركز ديني بهائي في العالم مُقام في مدينة حيفا على جبل الكرمل. وقد تم منذ حوالي عقدين إنشاء قصر ضخم في المدينة نفسها ليستوعب عدد الزائرين سنوياً من بهائيي العالم.
الدروز
كان من أولويات الكيان اليهودي فور إنشائه في العام 1948م انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم عنهم واحتواؤهم. وفي المقابل رأى دروز فلسطين كيان اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب يمكن أن تحققه أقلية لا تزيد عن 250 ألفاً بين عرب يزيد تعدادهم عن 250 مليون -1%-.
وقد بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز، منذ عام 1930م وخلال هذا وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف الطائفة الدرزية من >النزاع اليهودي الفلسطيني< هو موقف محايد.
وفي عام 1948م بعد إعلان قيام >دولة اليهود< انصرف جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز، بعد أن تأكدت نيتهم بالتعاون غير المحدود مع الكيان الصهيوني؛ مما دفع الاحتلال اليهودي إلى إنشاء وحدة خاصة في الجيش هي وحدة الأقليات، كما نجحت الآلة العسكرية الصهيونية في استعمال الشبان الدروز لأكثر أدوارها فظاعة وقسوة بحق أهل فلسطين، ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش قرابة 19000 مجند فهم عمليا عناصر المهمات القذرة في قوات الاحتلال، بدءا من الصورة التقليدية الرائجة للجندي الدرزي في حرس الحدود، الذي يقتحم البيت الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة ليمارس حفلة ترويع على طريقته الخاصة، وانتهاء بقائد سرية يمارس أبشع المهمات، كما في مأساة الطفلة إيمان الهمص، حيث تولى ذلك القائد الدرزي وقام بإفراغ أمشاط الرصاص في جسدها بعد أن تأكد موتها وهي ابنة 13 عاماً، مما أثار جنوده اليهود الذين رفضوا أن يكونوا في سريته من بشاعة جريمته.
- ويرى المواطنون الفلسطينيون، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية، أن ما أقدم عليه الضابط الدرزي ليس تصرفا مفاجئا بحدِ ذاته بالنسبة إليهم، فقد كان الجنود والضباط الدروز في صدارة وحدات التنكيل والبطش بالفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، ومن هنا أصبحت للدرزي صورة راسخة في الوعي الفلسطيني لا تعدو أن تكون جندي الاحتلال الأكثر قسوة.
ففي وقت سابق وجه الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال نداء لزعماء الطائفة الدرزية ووجهائها، للتدخل الفوري والسريع، لوضع حد لممارسات أبناء الطائفة ممن يعملون في حرس الحدود في مصلحة سجون الاحتلال، والذين يمارسون شتي صنوف القمع والعقاب بحق الأسرى الفلسطينيين، في رسالة تم تسريبها من وراء قضبان الاحتلال.
وناشد الأسرى قادة الطائفة الدرزية الضغط على أبنائها للاستقالة الفورية، وترك العمل في مصلحة السجون وكل أجهزة الاحتلال ذات الاحتكاك المباشر بالشعب الفلسطيني والمعتقلين، منعا للاصطدام، ودفعا للحرج ودرءا للمفاسد، على حد وصفهم.
هدف اليهود من رعاية الفرق الباطنية
ولليهود في ذلك مقاصد وأهداف واضحة جلية، أولها شق صف المسلمين في فلسطين بزرع الفرق الباطنية وتسهيل مهامهم، لهدف أساسي وهو كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله، وشحن المسلمين بسيل من الشبهات والشهوات، وبث السموم لتوهين الثوابت في نفوس المسلمين.
والهدف الأهم كذلك هو إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه، وظهوره وتميزه بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التبديل في مرتبة الأديان المحرفة، وإظهار الخلاف العقدي بين المسلمين.
من لهؤلاء الضلال(38/190)
إن مسؤولية المسلمين قادة ودعاة وعلماء وموجهين تتعاظم أمام شبهات الفرق الباطنية والدعوات المنحرفة، لكشف زيفهم وضلالهم، حتى لا ينطلي باطلهم على الناس،ولا يكون كشف ذلك الضلال إلا بدراستهم ومعرفة واقعهم وقادتهم، وأماكن وجودهم، وكيف ينشرون ضلالهم؟ وما الأساليب التي يستخدمونها؟ وحجم الدعم الذي يتلقونه؟ وما الشخصيات التي يستغلون نفوذها؟ ولا بد من الحذر الشديد من استفادة الفرق الباطنية وبالأخص القاديانية من تقصير الإعلام الإسلامي والعربي بشأنها، الذي شنع على هذه الطائفة وحذر منها، إلا أنه في أغلب الأحيان ارتكب أخطاء جسيمة عندما لم يلتزم الدقة وبالغ في بعض الأحيان فيما يتعلق بأفكار هذه الطائفة وتاريخها، التي استغلت هذه الأخطاء لتوهم أفرادها والمتأثرين ببعض آرائها بأن هناك حملة شعواء حول هذه الجماعة تهدف إلى تشويهها، وبأن كل التهم التي يكيلها الإعلام لهم إنما هي افتراءات، بل كذب محض بدليل وجود أدلة قوية على كذب بعض تلك الاتهامات، بل إن بعض قادة هذه الطائفة والمنظرين لها تمادوا أكثر فادعوا بأنه ليست لجماعتهم أي صلة بما يطلق عليه الناس اسم >الطائفة القاديانية<، و أن هذه الطائفة هي جماعة وهمية من اختراع الناس و إعلامهم الكاذب!!
ولو أنك بحثت مثلاً في الإنترنت عن هذه >القاديانية< لوجدت آلاف الموضوعات المنسوخة عن بعضها في الغالب، لكن القليل من تلك الموضوعات هو الذي يوضح حقيقة هذه الطائفة، وطرق دعوتهم الحديثة الباطلة.
فلا يصلح لمحاربة القاديانية إلا شخص يعرف الحق بداية، ولديه ذكاء وعقل، وحسن تصرف ولباقة في الحديث، وذلك أن الدين القادياني قائم على الكذب والخداع ونشر الشبهات، فلن يصلح رجل يحسن الظن بكل ما يقال أو يقرأ. وأيضاً القادياني لا يروج عقيدته إلا بشبهات شيطانية يصطادها خبثاء من بطون الكتب غالباً مكذوبة أو محرفة أو من قبيل المنسوخ أو المقيد والخاص فيجعلونه عاماً مطلقاً.
ولهذا يجب توعية المؤثرين في المجتمع وهم العلماء والدعاة والخطباء وأئمة المساجد ومدرسو الجامعات و المدارس وقادة العمل الإسلامي والمسؤولين المحليين، من خلال تعريفهم بحقيقة عقيدة الطائفة القاديانية اليوم بنص أقوال قادتهم المعاصرين، وكذلك بحقيقة المواقف السياسية الطائفية التي ينتهجها أتباع القاديانية، والرعاية والدعاية التي تخدم انتشارهم.
وفي الختام لا خير فينا إن لم ننشر عقيدتنا الإسلامية الصافية، ونبين صفة الفرقة الناجية التي ذكرها الرسو صلى الله عليه وسلم وهي المتمسكة بكتاب الله تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم حيثما كانت، امتثالاً لقول الله تعالى: -وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله-، وقوله تعالى: -ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون-، ولوصية الرسو صلى الله عليه وسلم >عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة<.
وأوجز ذلك كله ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: -إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون-.
>إن هذه الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفاً له؛ فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه -كانوا شيعاً- أي: فرقاً كأهل الملل والنحل، والأهواء والضلالات، فإن الله تعالى برأ رسول صلى الله عليه وسلم مما هم فيه<.
=============(38/191)
(38/192)
مزاعم القاديانية ..وعقائدهم الباطلة
نرجو من فضيلتكم بيان موقف الإسلام من القيادنية وما هي أبرز المزاعم التي تدعو أليها؟
القاديانية طائفة منسوبة إلى قرية قاديان إحدى قرى مقاطعة "البنجاب " بالهند وقد أسسها رجل يدعى علام أحمد القادياني وهو من فرس أو المغول ويقال إن آباءه من سمرقند، وقد ولد سنة 1839 في قرية قاديان ونشأ في أسرة خائنة عملية للاستعمار حيث كان أبوه غلام مرتضي صاحب رابطة وثيقة بالحكومة الإنجليزية وكان صحاب كرسي في ديوانها وفي سنة 1851 م أنضم أبوه إلى معاونة الإنجليز ضد بني قومه ودينه، وأمدهم بخمسين جنديا وخمسين فرسا وبعد أن درس غلام أحمد بعض الكتب الأردية والعربية وقرأ جانبا من القانون شغل وظيفة في بلده سياكوت ثم أخذ ينشر كتابه براهين أحمدية في عدة أجزاء وكان قد بدأ دعوته الأثيمة سنة 1877م وفي سنة 1885 أعلن أنه مجدد وفي سنة 1891م ادعي أنه المهدي وأنه المسيح الموعود وأخذ يقول:
أنا المسيح وأنا كليم الله وأنا محمد وأحمد معا ولذلك كان يدعي أنه أفضل من جميع الأنبياء ومات غلام أحمد في 26 مايو سنة 1908 م في مدينة لأهور ودفن في قرية قاديان.
وكان القادياني ماكر في مزاعمه وتضليله فهو حين ابتدع القاديانية لم يجاهر بعداوة الإسلام ولم يصرح بالخروج عليه بل بدأ بمظهر التجديد والتطوير ثم انتقل إلى فكرة المهدوية ثم انتقل إلى إدعاء أنه يوحي إليه لا على أنه نبي مستقل مرسل بل على أنه نبي متابع كهارون بالنسبة لموسى عليهما السلام ثم أخذ في تأويل نصوص القرآن الكريم تأويلا منحرفا فاسدا لتحقيق مأرب لديه ثم تعاون مع الاستعمار والمحتلين وأصدر فتواه الأثيمة بان الجهاد قد انتهي واصبح منسوخا ولذلك لا يجوز رفع السلاح من المسلمين ضد الإنجليز المحتلين للهند بحجة أنهم حلفاء الله في الأرض.
وقد جاء بعده ابنه وخليفته واسمه محمود ليروج مزاعم أبيه ويواصل مسيرة الكفر من بعده فيقول: إننا نكفر غير القايانيين لأن القرآن يخبرنا أن من ينكر أحدا من الرسل يكفر وعلي هذا من ينكر أن غلام أحمد نبي رسول الله يكفر بالله... وجاء ابنه الثاني ليزيد الطين بلة فقال: كل من يؤمن بموسى ولا يؤمن بعيسى أو يؤمن بعيسى ولا يؤمن بمحمد فهو كافر،وكذلك من لا يؤمن بغلام أحمد فهو كافر!..
وتزعم كتب القاديانية أن الله أوحي إلى غلام أحمد فقال له الذي يحبني ويطيعني وجب عليه أن يتبعك ويؤمن بك، وإلا لا يكون محبا لي بل هو عدو لي وإن أراد منكرون ألا يقبلوا هذا بل كذبوك وأذوك فتجزيهم جزاء سيئا وأعدنا لهؤلاء الكفار جهنم سجنا لهم.
ومن عقائد القاديانية الباطلة أن النبوة لم تختم بسيدنا صلى الله عليه وسلم وآله وسلم بل نقول القاديانية نعتقد أن الله لا يزال يرسل الأنبياء لإصلاح هذه الأمة وهدايتها على حسب الضرورة ، وهذا كفر صريح مخالف لقوله تعالي: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما، الأحزاب، وبقول صلى الله عليه وسلم " لا نبي بعدي " رواه البخاري.
ومن فسق القاديانية تهجمها على مقام الأنبياء والرسل وعلى الخلفاء الراشدين، والصحابة الطاهرين وتطاولها على حرمة سدي شباب أهل الجن الحسن والحسين فيقول مبتدع القاديانية مثلا " يقولون عنى بأني أفضل نفسي على الحسن والحسين فأنا أقول نعم أنا أفضل نفسي عليهما وسوف يظهر الله هذا الفضيلة أو من ضلال القاديانية كذلك تحريفهم وتخريفهم في تأويل آيات القرآن المجيد ومنها أنهم يعقلون على الآية الكريمة من سورة الإسراء : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" الإسراء ، فيقولون إن المقصود من المسجد الأقصى هنا ليس هو مسجد بيت المقدس، كما أجمع أهل التفسير والتاريخ بل المراد به هو مسجد قاديان لأن الرسو صلى الله عليه وسلم أسري به إلى هذا المسجد الذي يقع في شرقي قاديان ويشبه غلام أحمد هذا المسجد ببيت الله الحرام ويزعم مسجد قاديان هو الذي أنزل الله تعالي فيه قوله: ومن دخله أن آمنا" "آل عمران" ومن تخريفه في تأويل القرآن الكريم أنه يتعرض لقول الله تبارك وتعالي " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" الفتح فيزعم لنفسه أنه المراد بمحمد فيقول المخبول: "محمد هنا أنا لأن الله سماني بهذا الاسم في عدة مقامات أخرى ...ولو يتورع عن تسجيل هذا في كتابه" تبليغ رسالة!!
ويوصل سفاهته حينما يقول من المقصود يقول القرآن وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء ، ويقول كذلك أنا المقصود بقول القرآن في سورة الصف " ومبشرا برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد" ومن فجور القاديانية أنها حاولت صرف ابتاعها من المنزل الوحي، وعن الكعبة المشرفة ، وعن المسجد الحرام فأخذت من قرية قاديان قبلة وكعبة لهم بدل الكعبة المطهرة في مكة، وجعلوا فريضة الحج في نحلتهم الضالة هي حضور المؤتمر السنوي للقاديانية في قرية قاديان ويقول كبيرهم غلام أحمد المجيء إلى قاديان هو الحج"..(38/193)
وكذلك بني القاديانيون مدينة صغيرة في باكستان وسموها "ربوة" وجعلوها مركزًا لدعوتهم، وألقوا عليها ظلال من الهيبة والتقديس.
ويزعم غلام أحمد أنه قد نزل عليه من عند الله قرآن أسمه الكتاب المبين، وأنه قد نزل عليه أكثر مما نزل على الأنبياء وقد نشر طائفة من الكتب الخبيثة المليئة بالمزاعم والأوهام ومنها" براهين أحمدية" وإزالة الأوهام حقيقة الوحي، وسفينة نوح وتبليغ رسالة، وخطة إلهامية" ومن تضليل القاديانية أنها تسمي نفسها الأحمدية تمويها وتضليلا وإيحاء كاذبا بأنهم ينتسبون إلي أحمد الرسو صلى الله عليه وسلم وقد لجأ القادياني إلى توهين شوكة المسلمين أمام المستعمرين وإلغاء الجهاد ضد المجتلين ولذلك أخذ يدعو بأنه لا جهاد في الإسلام بعد الآن، ويعلل لذلك فيقول: إن الله خفف الجهاد في سبيل الله بالتدريج فكان يبيح قتل الأطفال في عهد موسى، وفي عهد محمد الغي قتل الأطفال والشيوخ والنساء ثم الغي الجهاد نهائيا في عهدي ويقول اليوم الغي الجهاد بالسيوف ولا جهاد بعد هذا اليوم فمن يرفع بعد ذلك السلاح على الكفر ويسمي نفسه غازيا يكون مخالفا لرسول الله الذي أعلن قبل ثلاثة عشر قرنا إلغاء الجهاد في زمن المسيح الموعود، فأنا المسيح، ولا جهاد بعد ظهورى الآن.
المصدر: جريدة اللواء الإسلامي العدد (1277)- الخميس 18 من شهر جمادى الآخرة 1427 هـ، 13 من شهر يوليو 2006م
===================(38/194)
(38/195)
القاديانية (الأحمدية)
التعريف:
القاديانية: حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية ، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص ، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام ، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية . ، ابتدعها الميرزا غلام أحمد القادياني ( 1248 ـ 1319 هـ-1839-1908م )، وسميت بالقاديانية نسبة إلى مدينة قاديان في البنجاب الهندية حيث ولد الميرزا أحمد الذي ادعى أنه المسيح المعهود ، والمهدي الموعود في وقت واحد ، وتأثر بالغرب غاية التأثر ، وغلف دعوته بشعارات التجديد للإسلام والإصلاح والتقدم.
عوامل الظهور:
ـ لما استقرت أقدام الإنجليز في الهند وجدوا فيها خمسين مليوناً من المسلمين يتحركون بتعاليم الدين ورؤى القرآن الذي يتلى عليهم ويحرضهم على الجهاد والمقاومة ضد الكافرين ، فأخذ المستعمرون الإنجليز يبحثون عن سبل إزالة هذا الدين من ارض الهند أو محاولة إضعافه فوجدوا افضل وسيلة لتحقيق ذلك هي اختيار رجل ذي منصب ديني ومن المسلمين أنفسهم وهكذا كان ( ميرزا غلام أحمد القادياني ) هو الرجل الذي ينهض بهذا الدور الخطير ويحقق للمستعمر الإنجليزي غاياته وأغراضه وقد كان مضطرب الأفكار والعقائد وكان طموحاً بتأسيس ديانة جديدة تترك بصماتها على قلب التأريخ.
ـ لقد أقلقت بريطانيا حركة الإمام الشهيد « أحمد بن عرفان» ( 1842 م ) الذي استطاع حمل مشعل الجهاد والمقاومة وبث روح النخوة الإسلامية ، والحماس الديني في صدور المسلمين في الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي في بلاد الهند ، وقد عانت منهم الحكومة الإنجليزية مصاعب جمة ، وكانوا موضع اهتمامها ، كما رأت الحكومة الإنجليزية أن دعوة السيد جمال الدين الحسيني الشهير بالأفغاني أخذت بالانتشار في العالم الإسلامي بشكل مذهل ، فكان لابد من مواجهة ذلك الشخص بشخص من داخل المسلمين أنفسهم يستطيع التأثير فيهم ، وتشويش عقائدهم وقد أجاد هذا الدور الميرزا غلام أحمد القادياني بأداء رائع خدم الاستعمار الإنجليزي كثيرا.
مولد ونشأة القادياني (مؤسس القاديانية):
هو: المرزا غلام أحمد بن مرتضى القادياني :
ينتمي إلى السلالة المغولية تنسب إلى قبيلة ( برلاس) عم السلطان تيمور الغازي و ظهر انه من النسل الفارسي ، كانت عائلة المزار تسكن مدينة سمرقند ، و هاجر من مدينة سمرقند إلى البنجاب (الهند) و استوطن فيها ، و عين قاضياً او حاكماً لسبعين قرية ، ولد عام 1840 في قاديان ( الهند ) و تعلم الفارسية و العربية إلى جانب الأوردية و تلقى دروساً في المنطق و الحكمة و العلوم الدينية والطب القديم ، و المطالعة
عائلة القادياني:
عائلته دخلت في معارك كثيرة على السلطة المحلية و النفوذ و الظروف التي عاشها المرزا غلام قد أثرت في شخصيته و سقوط إمارتهم على يد حكومة( السكة) قد أحدثت جرماً عميقاً في نفسيته و أن مجيئ الإنكليز إلى مقاطعة البنجاب أدى إلى تعاون بينه و بين الإنكليز كان بداية الاتفاق و انضم والده و المرزا غلام إلى القوات الإنكليزية و كان مسؤولاً عن قمع الثوار المسلمين في الانتفاضة التحررية الكبرى 1875 و كان موقف المرزا غلام مرتضى والد مؤسس القاديانية انه قدم فرقة مؤلفة من خمسين فارساً لمساعد الحكومة الإنكليزية و من الأعمال التي قام بها المرزاغلام مرتضى في هذا الجيش انه قتل لمساندة الجنرال لنكولن الشباب المسلمين من الثوار من فرقة المشاة 46 بعد أن نكل بهم و قام بتعذيبهم كما أن المرزاغلام أحمد أقر بولائه الصادق للإنكليز و يتفاخر المرزا أحمد بخدمات عائلته للإنكليز ، لقد أقرت الحكومة الإنكليزية بأن أسرة غلام أحمد كانت من كبار المخلصين و الصادقين للإنكليز و في بيت المرزا غلام أحمد كان يرى أباه ، يجهز بقوة و ينضم بها إلى صفوف الإنكليز و كانت مسرحاً لاجتماع القادة العسكريين الإنكليز و هم يرسمون الخطط والوسائل للقضاء على الثورة الإسلامية و قتل رجالها و كانت مقاطعة القاديان تعج بالمشاكل والفتن و الثورات و قد وجد المرزا أحمد محيطاً مناسباً لفكرته و دعوته و طموحه و وجد في البيئة التي نشأ فيها و الظروف والأوضاع التي عاصرته و رافقته كل مساعد و مشجع و وجد من الحكومة التي كانت في أشد الحاجة إلى زعيم روحي يؤيد سياستها .:eek:
و كانت ظروف شبه القارة الهندية و في أفغانستان و إيران و ما بعدها من الدول الإسلامية مشبعة بروح الجهاد و النزعة لمجابهة الاستعمار و مقاومته ، فدبرت الحكومة الإنكليزية بعث المرزاغلام أحمد المتنبئ للمسلمين لكي يميتوا بهذه الوسيلة روح الجهاد في قلوب المسلمين في بنجاب ، فقامت باختيار المرزا غلام أحمد ليتولى زعامة حركة دينية تعمل تحت إمرتهم و تسير وفق توجيهاتهم و أوامرهم بالتنسيق و التعاون بينه و بين الإنكليز
و من الأسباب التي كانت وراء اختيار المرزا غلام أحمد لهذه المهمة :(38/196)
استعداد المرزا غلام للعمالة : لأنه ولد في عائلة عميلة للاستعمار و كان الإنكليز يقدمون الدعم المادي والمعنوي التي هي من غرس الإنكليز و صنائعهم و قد ألف العديد من الكتب و الإعلانات و النشرات و نشرت في جميع هذه الكتب في البلاد العربية و تركيا و كان هدفه دائماً أن يصبح المسلمين مخلصين لهذه الحكومة
انقسام القاديانية::confused:
انشقت القاديانية ـ بعد نشأتها بقليل ـ إلى شقين أبرزهما ما يعرف باسم « الأحمدية » و « جماعة لاهور » وزعيما هذا الفرع هما : « نور الدين » و« مولاي محمد علي » ولهذا الفرع نشاط كبير في خارج الهند ، في آسيا وأوربا .
نهاية نهاية القادياني القادياني :p
كان علماء المسلمين يتصدون له في كل مكان ينزل به، ويفندون أفكاره، ويحذرون الناس من دعوته، إلى أن استقر في لاهور سنة (1319هـ = 1908م)، وهناك كان علماء المسلمين يجتمعون بعد صلاة العصر في مكان قريب من بيته، يلقون الخطب والمحاضرات يحذرون الناس من الاغترار بمزاعمه، وممن تصدى لدعوته الخبيثة ، الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمر تسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند ، حيث ناظره وأفحم حجته ، وكشف خبث طويته ، وكفر وانحراف نحلته . ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفاء على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق ، ولم تمر سوى أشهر قلائل حتى هلك المرزا غلام أحمد القادياني في لاهور في (23 من ربيع الآخر 1319هـ = 26 من مايو 1908م)، وتم نقل جثته إلى قاديان،و دفن في (مقبرة الجنة ) .
وبعد موته تولّى ابنه "بشير الدين محمود أحمد" أمور فرقة القاديانية وتنظيم شؤونها، ويجدر بالذكر أن مجلس الأمة الباكستاني أصدر قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
مؤلفات القادياني:
وقد خلف أكثر من خمسين كتاباً ونشرةً ومقالاً ، ومن أهم كتبه :
( إزالة الأوهام) ،و( إعجاز أحمدي )،و( براهين أحمدية )،و( أنوار الإسلام )،و( إعجاز المسيح )،و(التبليغ )،و( تجليات إلهية)؟،وغيرها .
أهم العقائد :
1• بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار(من سنة1880إلى1888م) ثم ادعى أنه مجدد وملهم من الله (سنة1888م) ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود(سنة1891م) ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا صلى الله عليه وسلم (سنة1900م) .
2• يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - .
3• يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية !!( .
4• تعتقد القاديانية بأن النبوة لم تختم ب صلى الله عليه وسلم بل هي جارية ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة ، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً
5• يعتقدون أن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه ، وأن إلهاماته كالقرآن .
6• يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام ) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته ، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد .
7• يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم .
8• يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة.
9• يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم .
10• نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأن حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن !!! (
11• كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية : كما أن من تزوج أو زوج من غير القاديانيين فهو كافر .
12• يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات .
أماكن الانتشار:
يبلغ عدد نفوس هذه الطائفة ما يقارب النصف مليون شخص ، ويقيم أغلب أفرادها في الهند ، والآخرون يتوزعون بين الباكستان وبنغلادش وفلسطين .
انتشرت تعاليم « ميرزا غلام أحمد القادياني » في بلدان إسلامية مختلفة كإيران وأفغانستان والجزيرة العربية ومصر .
موقف علماء المسلمين من القاديانية : •
وفي شهر ربيع الأول 1394هالموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم ، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام ، وطالب المسلمون بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين .
• قام مجلس الأمة في باكستان ( البرلمان المركزي ) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله . وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الأجوبة وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة ، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة .
• من موجبات كفر الميرزا غلام أحمد الآتي :-
ادعاؤه النبوة .
- نسخه فريضة الجهاد خدمة للاستعمار .
- إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إلى قاديان .
- تشبيهه الله تعالى بالبشر .
- إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول .(38/197)
- نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله .
- إنكاره ختم النبوة ب صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هب ودب .
• للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم .
• تأثرهم بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهرياً .
============(38/198)
(38/199)
القاديَانيَّة
بقلم الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
المدرس في كلية الشريعة في الجامعة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد: فإن القاديانية ( ويقال لها كذلك الأحمدية ) فرقة حديثة العهد نشأت في بلاد الهند في فترة اندفع فيها المسلمون في شبه هذه القارة ليطردوا عن بلادهم (كابوس ) الاحتلال الإنجليزي الجاثم آنذاك على صدورهم، وعندئذ رأى المحتلون أن أنجع الوسائل لتفريق كلمة المسلمين وإطفاء جذوة صدورهم، الإيحاء إلى رجل يقال له: غلام أحمد القادياني المنتمي في الأصل إلى أسرة تنتمي إلى الإسلام، ليعلن ديناً جديداً، يفارق به إجماع المسلمين، وينقض به أصول الإسلام، وينكر ما علم بالضرورة أنه من هذا الدين، فزعم أن الوحي لم ينقطع، وأنّه مرسل من الله لإلغاء الجهاد ووجوب مسالمة المحتلين الإنجليز، وأنهم رحمة الله التي بعثها إلى أرض الهند.
من هو غلام أحمد؟
يعرف هذا الغلام نفسه في ص72 من كتابه ( الاستفتاء ) المطبوع بمطبعة النصرة بربوة بباكستان سنة 1378هفيقول: "إني أنا المسمى بغلام أحمد بن ميرزا مرتضى"، ثم يقول في نفس الصفحة: "وسمعت من أبي أن آبائي كانوا من الجرثومة المغولية، ولكن الله أوحى إليّ أنهم كانوا من بني فارس لا من الأقوام التركية". ثم يتناقض الغلام مع نفسه فيعلن دون حياء أو خجل من تناقض وحيه الشيطاني في ركاكة اللفظ ويقول في نفس الصفحة: "ومع ذلك أخبرني ربي بأن بعض أمهاتي كنّ من بني الفاطمة".
وقد ولد غلام أحمد هذا في قرية قاديان إحدى قرى البنجاب الهندية عام 1835م أو عام 1839م أو عام 1840م وقد بدأ شبابه بقراءة قليل من الفارسية ونبذ في النحو والصرف غير أن الأمراض التي لازمته منذ طفولته - ومنها الماليخوليا ( نوع من الجنون ) كما تقول دائرة المعارف القاديانية - لم تمكنه هذه الأمراض من متابعة دراسته.
وقد انتقل في صدر شبابه إلى سيالكوت واضطر إلى العمل فجلس أمام إحدى المحاكم ليكتب للعوام صور الادعاءات في نظير أجر زهيد يساوي خمس عشرة روبية في الشهر وذلك في عام 1864م وفي أثناء إقامته بسيالكوت اتصل به رجل من كبار المنحرفين يقال له: نور الدين البهيروي المولود في بهيرة من مديرية شاه بور المعروفة الآن باسم ( سركودها )، في غرب باكستان بالبنجاب. وقد درس الطب القديم في لكنهؤ على يد الحكيم علي حسن وعين طبيباً خاصاً في ولاية ( جمون ) بمنطقة كشمير الجنوبية ثم عزل عن الوظيفة عام 1892م، وقد توثقت عرى الصداقة بينه وبين غلام أحمد وأغراه بدعوى أنه مجدد وأنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود فبدأ الغلام يؤلف كتاباً سمّاه ( براهين أحمدية ) وبدأ نور الدين هذا يؤلف كتاباً سمّاه ( تصديق براهين أحمدية ) ثم أخذ يغريه بدعوى النبوة فذكر في كتاب (سيرة المهدي) ص99 أنه قال آنذاك: "لو ادّعى هذا الرجل يعني الغلام أنه نبي صاحب شريعة ونسخ شريعة القرآن لما أنكرت عليه".
ولما انتقل الغلام إلى قاديان لحق به هذا الرجل وصار فيما يبدو للناس أكبر أتباع الغلام. وكان الغلام قد بدأ دعواه بأنه مجدد ثم زعم للناس أنه المهدي المنتظر ثم أوعز إليه الطبيب نور الدين أن يدعي أنه المسيح الموعود فأعلن الغلام عام 1891م أنه المسيح الموعود "لقد أرسلت كما أرسل الرجل ( المسيح ) بعد كليم الله موسى فلما جاء الكليم الثاني محمد كان لابدّ أن يكون بعد هذا النبي الذي هو في تصرفاته مثل الكليم من يرث قوة مثيل المسيح وطبعه وخاصيته، ويكون نزوله في مدة تقارب المدة التي كانت بين الكليم الأول والمسيح ابن مريم" يعني القرن الرابع عشر الهجري.
وقد دس له نور الدين - كما صرح بذلك غلام أحمد في ( إزالة أوهام ) بصفحة 100 - أن دمشق التي ينزل فيها المسيح ليست هي دمشق المعروفة ولكن المراد بدمشق قرية يسكنها رجال طبيعتهم يزيدية وأن كلمة دمشق استعارة.
ثم يقول إن قرية قاديان شبيهة بدمشق فأنزلني لأمر عظيم في دمشق هذه ( يعني قاديان ) بطرف شرقي عند المنارة البيضاء من المسجد الذي من دخله كان آمناً. يعني الذي بناه بقاديان ليحج إليه أتباعه المرتدون عن الإسلام مضاهاة للمسجد الحرام وقد جعل عنده منارة بيضاء ليضلل الناس أنها التي سينزل عليها المسيح يعني نفسه. وقد عين الغلام رجلاً يقال له عبد الكريم ليكون إماماً لمسجده هذا وكان هذا الرجل أحد جناحيه كما كان عبد الحكيم نور الدين الجناح الآخر.
وفي سنة 1900 ألقى عبد الكريم خطبة الجمعة وذكر فيها - والغلام حاضر - أن الميرزا غلام أحمد مرسل من الله والإيمان به واجب.(38/200)
وقد أثارت هذه الخطبة جدالاً ونقاشاً بين أتباع الغلام الذين كانوا يعتقدون أنه مجدد ومهدي معهود ومسيح موعود.فلما أنكروا عليه ألقى خطبة أخرى في الجمعة الثانية والتفت إلى الغلام وقال: "أنا أعتقد أنك نبي و رسول فإن كنت مخطئاً فنبهني على ذلك"، ولما انتهوا من الصلاة وهمّ الغلام بالانصراف أمسك به عبد الكريم فقال الغلام:"هذا الذي أدين به وأدعيه"، ثم انصرف إلى بيته فوقع هياج بين عبد الكريم وبين بعض الرجال وارتفعت أصواتهم فخرج الغلام من بيته وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ}.
ومن ذلك التاريخ أخذ الغلام يدعي أن باب النبوة لا يزال مفتوحاً ويقول الغلام نفسه في صفحة 14 من ( رسالة التعليم ) طبع الربوة سنة 1386 هـ "ولا تحسبن أن الوحي كان فيما مضى ولم يعد له وجود في هذه الأيام، وأن روح القدس كان ينزل فيما مضى، وليس له أن ينزل الآن، الحق والحق أقول: إن كل باب يمكن أن ينسد، لكن باب روح القدس سيضل مفتوحاً إلى الأبد".
ويقول في صفحة 9 من ( رسالة التعليم ): "إنه لا إله إلا هو الذي أوحى إلي، وأرى لأجلي آيات عظيمة، والذي جعلني المسيح الموعود لهذا العصر، لا إله إلا هو لا في السماء ولا في الأرض، وإن الذي لا يؤمن به سيلقى الشقاء والحرمان، إننا تلقينا منه وحياً هو أجلى من الشمس وأظهر".
ثم يزداد في ضلالته وتبجحه وجهله وإفكه فيقول في ص 12 من كتابه ( الاستفتاء ) طبع الربوة سنة 1378 هـ "إني مرسل من الله" ويقول في ص 17:"سماني الله نبيا" ويقول في ص 20: "بعثني الله على رأس المائة لأجدد الدين وأنور وجه الملة" ثم يقول "وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود".
ثم ازداد غروراً وضلالاً فادعى أنه أفضل من بعض الرسل ويدس دسيسة نصرانية فيدعي أن لله ولداً وأنه هو نفسه أفضل من هذا الولد فيقول في ص 82 من ( الاستفتاء ) "أنت مني بمنزلة توحيدي وتفريدي فحان أن تعان وتعرف بين الناس، أنت مني بمنزلة عرشي، أنت مني بمنزلة ولدي، أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق . ."
وقد نسي هذا الأفاك أو تناسى قوله عز و جل: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}. وقوله عز وجل: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً. تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً. وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}.
ويقول ابنه بشير أحمد الخليفة الثاني للقاديانيين في كتاب حقيقة النبوة ص 257: "إن غلام أحمد أفضل من بعض أولى العزم من الرسل" وفي صحيفة ( الفضل ) لسان حال القاديانين في المجلد الرابع عشر المؤرخ في 29 من ابريل سنة 1927 م "أنه كان أفضل من كثير من الأنبياء ويمكن أن يكون أفضل من جميع الأنبياء".
ولم يبال هذا الغلام المفتون، ولا تلاميذه المغرورون بالقرآن ولا بالسنة ولا بإجماع الأمة القاطعة بأنمحمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ولا نبي بعده فإن الله تبارك وتعالى يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي" كما روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟" قال: "فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" وفي رواية مسلم من حديث جابر رضي الله عنه "فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء" وقد انعقد إجماع المسلمين على ذلك وأصبح من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة وأن من ادعى هذا المقام بعد رسول ا صلى الله عليه وسلم فهو كافر كذاب أفاك دجال وضال مضل.
وبالرغم من أن دائرة المعارف القاديانية نصت على أن هذا الغلام كان مصاباً بالماليخوليا (نوع من الجنون) فإن شواهد الحال من تناقضه تنبئ بذلك فهو ينكر نزول المسيح عليه السلام أحياناً ويثبته أحياناً ويؤوله أحياناً وينكر رفع المسيح أحياناً ويثبته أحياناً ويؤوله أحياناً فهو يقول في ص 47 ( مكتوب أحمد ) "وقد سمعتم أنا قائلون بنزول المسيح والمقرون به بالبيان الصريح وأنه حق واجب" ويقول في ص 11 من كتاب ( حمامة البشرى ): "وكنت أظن بعد هذه التسمية أن المسيح الموعود خارج وما كنت أظن أنه أنا حتى ظهر السر الخفي. ." ويقول في ص 41 من هذا الكتاب: "وقالوا: إن المسيح ينزل من السماء ويقتل الدجال ويحارب النصارى فهذه الآراء كلها قد نشأت من سوء الفهم وقلة التدبر في كلمات خاتم النبيين".(38/201)
وقد خلط كذلك فزعم أن الملائكة جوارح الله تعالى الله عما يقول هذا الأفاك علواً كبيراً. فهو يقول في ص 98 من حمامة البشرى: "وانظر إلى الملائكة كيف جعلهم الله كجوارحه" ويقول هذا الأفاك في ص 34 من تحفة بغداد: "وإنا نؤمن بملائكة الله ومقاماتهم وصفوفهم ونؤمن أن نزولهم كنزول الأنوار لا كترحيل الإنسان من الديار إلى الديار ولا يبرحون مقاماتهم".
هذا ومما يكشف طبيعة هذا الضال ويبين أسباب ادعاءاته وافتراءاته أن الإنجليز كانوا وراء دعوته للعمل على تفريق كلمة المسلمين وإلغاء الجهاد الذي يراه أعداء الإسلام حجر عثرة في سبيل أطماعهم وأهدافهم. فهو يقول في ص 15 من كتاب ( ترياق القلوب ): "لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها، وقد ألفت في منع الجهاد، ووجوب طاعة أولي الأمر الإنجليز من الكتب والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة".
ويقول في ملحق كتاب ( شهادة القرآن ) ص 10 الطبقة السادسة: "لقد ظللت منذ حداثة سني - وقد ناهزت اليوم الستين - أجاهد بلساني وقلمي لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية، والنصح لها والعطف عليها، وأنفي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهالهم، والتي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة".
ويقول في ص123 ج1 من نصيحته المندرجة في تبليغ الرسالة: "ففكروا قليلاً أي أرض في الدنيا تؤويكم إن فارقتم ظل هذه الحكومة، اذكروا لي حكومة واحدة تقبلكم في كنفها، إن كل حكومة من الحكومات الإسلامية تعض عليكم الأنامل من الغيظ، وتتربص بكم الدوائر، وتتحين الفرص لقتلكم، لأنكم قد أصبحتم في نظرها كفاراً ومرتدين، فاعرفوا لهذه النعمة الإلهية ( نعمة وجود الحكومة البريطانية ) قدرها، واعلموا علم اليقين أن الله تعالى لم يقم الحكومة الإنجليزية في هذه البلاد إلا لخيركم وصالحكم، فإن حلت بهذه الحكومة آفة من الآفات، فستبيدكم هذه الآفة أنتم أيضاً، وإذا أردتم برهاناً على ما أقول فاستظلوا بحكم غيرها وعندئذ ستعلمون ما ينزل بكم، ألا إن الحكومة البريطانية رحمة لكم وبركة، وهي الحصن الذي أقامه الله لوقايتكم فاعرفوا قدرها من أعماق قلوبكم ومهجكم، والإنجليز خير لكم ألف مرة من هؤلاء المسلمين، الذين يخالفونكم لأنهم لا يريدون إذلالكم ولا يرون وجوب قتلكم".
وقد تجاهل هذا الغلام آيات الجهاد في كتاب الله عز وجل كما تجاهل ما تواتر من الأحاديث عن رسول ا صلى الله عليه وسلم عن الجهاد وفضله وما ثبت أنه ماض إلى يوم القيامة.
وقد قام علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بإعلان كفر القاديانيين وقال الدكتور إقبال في رسالة وجهها إلى كبرى صحف الهند الإنجليزية: "إن القاديانية محاولة منظمة لتأسيس طائفة جديدة على أساس نبوة منافسة لنبوةمحمد صلى الله عليه وسلم " وقد ذكرت جريدة الفضل الناطقة بلسان القاديانيين في عددها الصادر في 30 يوليه سنة 1931م بأن غلام أحمد قال: "إننا نخالف المسلمين في كل شيء: في الله، وفي الرسول، وفي القرآن، وفي الصلاة، وفي الصوم، وفي الحج، و الزكاة، وبيننا وبينهم خلاف جوهري في كل ذلك".
وبهذا يتقرر بما لا مجال للشك فيه أن القاديانية مرتدون خارجون عن دين الإسلام..
===================(38/202)
(38/203)
ألف خيانة وخيانة للقاديانية في القارة الهندية
للقاديانية في القارة الهندية ألف حكاية وحكاية، ولعلنا نبدأ الحكاية بوثيقة بريطانية تؤكد أن بريطانيا أرسلت في سنة 1869م وفداً من المفكرين البريطانيين والزعماء المسيحيين إلى الهند، لدراسة الوسائل التي يمكن من خلالها تسخير المسلمين، وحملهم على الطاعة للإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل أرجاء واسعة من بلادهم. وفي العام التالي أي سنة 1870م رجع الوفد من الهند، وقدم تقريرين ذكر فيهما أن أكثر المسلمين في الهند يتبعون زعماءهم الدينيين إتباع الأعمى، وانه لو تم العثور على "نبي حواري" لاجتمع حوله كثير من الناس، لكن ترغيب شخص في القيام بهذا الدور أمر في غاية الصعوبة، فإن حلت هذه المسألة، فمن الممكن أن ترعى الحكومة البريطانية هذا الشخص على أكمل وجه، وبريطانيا الآن مسيطرة على سائر الهند، وتحتاج إلى مثل هذا العمل لإثارة الفتن بين الشعب الهندي وجمهور المسلمين واضطرابهم الداخلي.
لعل هذه الوثيقة التي أشار إليها علماء باكستان في كتابهم عن القاديانية يفسر جزءاً من سيرة هذه الفرقة التي نشأت في كنف الاستعمار البريطاني، والدور الذي لعبته في خذلان المسلمين، خاصة وأن القاديانية تزعمت فكرة تحريم الجهاد، وعدم مقاومة الاحتلال البريطاني للقارة الهندية وبقية بلاد المسلمين([1]).
ويبدو أن الاستعمار الإنجليزي المعروف بخبثه ودهائه، لم يعجز في العثور على الشخص المطلوب أو "النبي الحواري" لتثبيط همم المسلمين، فكان مرزا غلام أحمد القادياني الذي تنسب إليه القاديانية هو المعول عليه للعب هذا الدور، ولم يكن ذلك صعباً، إذ أن مرزا غلام ورث من أسرته عداوة المسلمين، وموالاة الكفار، فقد اشترك والده غلام مرتضى في:
1 ـ القتال مع المهراجة رنجيت سنك السيخي ضد المسلمين، فكافأه المهراجه بأن أقطع له أرضاً.
2 ـ القتال إلى جانب الإنجليز لإخماد ثورة المسلمين ضد الاحتلال سنة 1857، وقد اعترف الابن بذلك إذ يقول: "أنا من أسرة مخلصة حقا لهذه الحكومة وكان والدي مرزا غلام مرتضى شخصياً وفياً ناصحاً في نظر الحكومة، وقد تشرف بكرسي في قصر الإمارة، وورد ذكره في "تاريخ زعماء البنجاب" للمستر كريفن، وقد ساعد الإنجليز فوق طاقته سنة 1857، إذ تبرع بخمسين فرساً مع فرسانها لنصرة الإنجليز أيام التآمر ضدهم".
ثم ذكر المرزا رسائل الحكام الإنجليز التي بعثوا بها إلى والده وأخيه غلام قاد اعترافاً بخدماتهم، فقد كتب مستر ولسن إلى مرزا غلام مرتضى: أنا أعلم جيداً بأنك أنت وأسرتك مازلتم خداماً أوفياء مستقيمين للحكومة الإنجليزية. كذلك اعترف مستر وابرت كست حاكم (لاهور) بخدمات مرزا غلام مرتضى الجليلة للحكومة الإنجليزية في "جهاد الحرية" سنة 1857م وأخبره بما أنعمت علية الحكومة من الرضاء والجائزة، وذلك في رسالة بعث بها إليه في 20 سبتمبر 1885م.
فالشخص الذي أشرب في قلبه هذه الطاعة الموروثة لماذا لا يكون سراً لأبيه، فقد اعترف بوفائه لمولاه الإنجليز قائلاً: إن الخدمة التي قمت بها للحكومة الإنجليزية هي أنني طبعت نحواً من خمسين ألف كتابٍ ونشرةٍ ثم وزعتها في هذه البلاد وغيرها من البلاد الإسلامية، وقلت فيها: إن الحكومة الإنجليزية قد أحسنت إلينا معشر المسلمين، فيجب على كل مسلم أن يطيعها بصدق وإخلاص، وأن يشكرها ويدعو لها من قلبه، وقد نشرت هذه الكتب بلغات مختلفة من الأردية والفارسية والعربية، ووزعتها في البلاد الإسلامية حتى في المدينتين المقدستين مكة و المدينة وفي قسطنطينية عاصمة الروم وبلاد الشام و مصر و كابول ومدن أفغانستان المتفرقة ما أمكن ذلك، وكانت نتيجة ذلك أن آلافاً من الناس تركوا فكرة الجهاد الفاسدة التي وصلتهم من تعاليم العلماء الذين لا يفهمون، وإن هذه خدمة قمت بها وأفتخر بأنه لا يمكن لأحد من رعايا الحكومة البريطانية أن يأتي بمثلها.
وليس هذا فحسب بل اعترف هذا المخلص للإنجليز الذي لا نظير له في الهند بقوله: لقد كتبت في طاعة الإنجليز ما تمتلئ به خمسون خزانةً. وكتب إلى حاكم البنجاب يؤكد بأن أسرته وفية للحكومة البريطانية منذ خمسين سنة ومخلصة لها، وكتب عن نفسه بأنه غرس الإنجليز ويرجو العناية الخاصة به وبجماعته بحق وفائه وإخلاصه.
تحريمه للجهاد
ولم يدع القادياني أسلوباً إلاّ اتبعه للدفاع عن فكرة تحريم الجهاد التي خدمت الاستعمار أيما خدمة إذ يقول مرزا غلام أحمد في هامش كتابه "الأربعين" : إن الله تعالى لم يزل يخفف شدة الجهاد ـ أي الحروب الدينية ـ وقد بلغت شدته في عهد موسى عليه السلام إلى أن الإيمان كان لا ينجلي عن القتل حتى كان الرضع يقتلون أيضاً. ثم حرم قتل الأطفال والشيوخ والنساء في عصر نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم تقرر قبول الجزية بدل الإيمان للتخلص من القتل، ثم نسخ الجهاد قطعاً في عهد المسيح الموعود (أي في عهد المرزا حسب زعمه).(38/204)
ووصلت دعوتهم إلى بلاد إسلامية أخرى، مثل أفغانستان التي انبرى فيه اثنان من القاديانية هما نعمة الله خان وعبد اللطيف للدعاية ضد الجهاد حتى يمهدا الطريق لسيطرة الإنجليز على أفغانستان، وقد أفتى علماء أفغانستان قاطبة بردة هذين القاديانيين فقتلا، وكان ذلك في عهد الأمير أمان الله خان.
وليت الأمر اقتصر على هذا الحد من عدم الدعوة إلى الجهاد، بل لقد قال ميان محمود أحمد في خطبة الجمعة التي نشرتها صحيفة الفضل القاديانية (27/5/1919) "إن إعلان كابول ـ أي أفغانستان ـ الحرب ضد الإنجليز وفي عهد الشاه أمان الله خان جهالة، وعلى الأحمديين([2]) أن يخدموا الحكومة البريطانية، لأن طاعتها فريضة علينا، وحرب أفغانستان لها حيثية جديدة بالنسبة الأحمديين، لأن أرض كابول قتل فيها نفوسنا الغالية ظلماً، وقد قتلوا بلا ذنب. وكابول بلد يمنع فيه تبليغ الأحمدية، وقد أغلقت عليه أبواب الصدق. ولإقامة الصدق يحب على الأحمديين أن يزيلوا هذه الحواجز الظالمة، وذلك عن طريق تجندهم في الجيش الإنجليزي ونصرة بريطاينا، فاسعوا لكي تنبت تلك الفروع بأيديكم التي أخبر عنها المسيح الموعود".
•العراق وبغداد:ـ
عندما عزم الإنجليز الاستيلاء على العراق)وقام بزيارتها (لارد هاردنك) لهذا الغرض، علقت على زيارته الصحيفة القادياينة الشهيرة (الفضل) قائلةً : (لا شك أن زيارة هذا الضابط الطيب القلب سوف يسفر عن نتائج طيبة، ونحن راضون بهذه النتائج، لأن الله يهب الملك وزمام الدنيا لمن يريد خيراً لخلقه، ويفوض حكم الأرض إلى من يكون له أهلاً، ونقول مرةً ثانية بأننا فرحون، لأن كلمة ربنا سوف تتحقق، ونرجو أن يتسع لنا مجال الدعوة بتوسع الدولة البريطانية، فندخل المسلم في الإسلام مرةً ثانيةً كما ندخل غير المسلم في الإسلام.
وبعد ثماني سنوات من هذا الحادث استولى الإنجليز على بغداد بعد هزيمة أهلها، فكتبت صحيفة (الفضل) القاديانية : قال حضرة المسيح الموعود ـ المرزا ـ لهؤلاء العلماء أن يقاوموا هذا السيف فلماذا لا نفرح معشر الأحمديين بهذا النصر؟
*أول حاكم قادياني على العراق :
وكان لموالاة القاديانيين للإنجليز نصيب وافر في سقوط بغداد حيث أنه لما احتل الإنجليز (العراق) عينوا أول حاكم على (العراق) ميجر حبيب الله شاه ـ شقيق زوجة مرزا بشير الدين محمود ـ وكان ميجر حبيب الله شاه قد تجند في الحرب العالمية الأولى، وذهب إلى (العراق) وكان يشتغل طبيباً في الجيش.
ومن خدمات المرزا للاستعمار انه عندما أفتى أهل الحق من العلماء بأن الهند دار حرب استغلَّ المرزا هذه الفتوى لخدمة مولاه الاستعمار، فأرسل إلى الحكام البريطانيين نشرةً أرشدهم فيها إلى أنه يمكن التمييز بين المسلمين " أصحاب النيات الفاسدة " الذين يرون الهند دار حرب وبين المخلصين للحكومة بحضور صلاة الجمعة، هكذا جعل بشطارته الجمعة المقدسة وسيلةً للتمييز بين من يدين للحكومة الاستعمارية وبين من لا يدين لها.
ثم قام المرزا بجمع أسماء الذين اعتبروا الهند دار حرب ، وقدمها إلى الحكومة، وقد ذكر هذه العملية الجاسوسية بكل فخر وعتزاز قائلاً: لما كان من المصلحة أن تنشر أسماء أولئك المسلمين الذين لا يفهمون، ويعتبرون الهند دار حرب في أنفسهم، ونصحاً للحكومة الإنجليزية اخترنا هذه القائمة حتى تبقى فيها أسماء من لا يعرف الحق محفوظةً عندنا كسياسة سرية. ثم استطرد قائلاً: نحن سجلنا أسماء هؤلاء الأشرار لأجل النصح السياسي لهذه الدولة المحسنة، وهذه الخرائط محفوظة عندنا كالسياسة السرية . ثم ذكر أعداد الخرائط مع أسماء هؤلاء وعناوينهم وعلاماتهم وأرسلها إلى الجهات المختصة.
القاديانية والهندوس
في أعقاب ضعف قبضة بريطانيا على الهند، نشأ حلف قادياني هندوسي وكان ذلك في عهد مرزا محمود ـ خليفة مرزا غلام أحمد ـ وأحس الهندوس بأهمية هذه الفرقة لهم، وقام جواهر لال نهرو ـ مع انه اشتراكي ملحد ـ بتأييدها.
وكان القاديانيون يرفضون فكرة قيام دولة إسلامية في باكستان، ويؤيدون الهند الموحدة وجعلوا ذلك هي إرادة الله، إذ يقول مرزا محمود: "إن مشيئة الله تقتضي وحدة الهند، وهي عين ما تقتضيه بعثة مرزا غلام أحمد".
وكان القادياينون يرون ضرورة الهند المتحدة، لأنهم يعتبرون أنفسهم أمة واحدة دون المسلمين، ويرون الدول الكافرة أنفع لهم من الدولة الإسلامية، وهم يفضلون فكرة الهند المتحدة على دولة باكستان المسلمة.
أسباب معارضة القاديانيين لاستقلال باكستان(38/205)
لعب القاديانيون دوراً كبيراً ضد استقلال باكستان، وكان أكبر همهم هو أن يظل الاستعمار على الهند الذي كانوا يرونه رحمةً إلهيةً، وعندما بدأت شمس الاستعمار تأفل عن الهند أيد القاديانيون بشكل كامل فكرة الهند المتحدة دون فكرة إقامة دولة إسلامية، لأن الحركة القاديانية لا يكنها أن تعمل بين المسلمين إلا في ظل دولة غير إسلامية بحتة، أو أن لا تكون إسلامية على الأقل، حتى يصبح المسلمون فريسة لهم مغلوبين على أمرهم تحت قبضة الحكومة الكافرة، ويقتنصهم القاديانيون تحت رعاية الحكومة اللادينية، وأما الدولة الإسلامية فيعتبرونها أرضاً وعرةً لا تثمر فيها جهودهم المضللة، وإلى هذا أشار المرزا في كتاباته قائلاً: ولو خرجنا من هنا (أي المستعمرة البريطانية) فلا ملجأ لنا لا في مكة ولا في المدينة ولا الروم ولا الشام ولا إيران ولا كابول إلا في هذه المملكة (البريطانية) التي أدعو لها بالعزة. ثم يخاطب أتباعه قائلاً: فكروا، لو خرجتم من ظل هذه الحكومة فأين يكون مقركم؟ فكل دولة إسلامية عازمة على قتلكم لأنها تعتبركم كفاراً مرتدين.
خيانة القاديانيين عند وضع حدود باكستان
كانت الجماعة القاديانية تعارض تقسيم الهند كما ذكرنا وعندما أعلن بالتقسيم ـ رغم معارضتها ـ قام القاديانيون بمحاولة أخرى للإضرار بباكستان، وذلك بفصل محافظة غورداسفور. التي تقع فيها (قاديان) عن باكستان وضمها إلى الهند . وتفصيل هذا الاجمال هو أن لجنة تحديد الحدود عندما كانت تضع تخطيطاً لحدود الهند وباكستان وكان الممثلون عن حزب الشيوخ ورابطة المسلمين يقدمون إليها دعاويهم وأدلتهم، قدمت إليها الجماعة القاديانية مذكرةً خاصةً، واختارت فيها موقفاً خاصاً مخالفاً لحزب الشيوخ والرابطة وطالبت باعتبار (قاديان) ولايةً مثل الفاتيكان وذكروا في المذكرة عددهم وديانتهم وكيفيات موظفيهم المدنيين والجنود وغيرها من التفصيلات، وكانت النتيجة أن لجنة التحديد لم تستجب طلب اعتبار (قاديان) ولايةً مثل الفاتيكان غير أنها استغلت المذكرة القاديانية فأخرجت القاديانيين عن عداد المسلمين واعتبرت محافظة غورداسفور بها أقلية مسلمة بعد فصل القاديانيين، فضَّم أهم مناطقها إلى الهند، وهكذا فقدت باكستان محافظة غورداسفور بل وجدت بها الهند طريقاً للاستيلاء على كشمير وانفصلت كشمير عن باكستان .
للاستزادة:
1ـ موقف الأمة الإسلامية من القاديانية ـ نخبة من علماء باكستان بإشراف المحدث الشيخ محمد يوسف النبوري .
2 ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ اعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي .
[1] ـ لمعرفة المزيد عن عقائد وأفكار القاديانية وأماكن انتشارهم، يمكن الرجوع للعدد الثامن من الراصد، باب فرق .
[2] ـ القاديانيون يطلقون على أنفسهم اسم الأحمديين
=================(38/206)
(38/207)
القادياينة في ميزان الإسلام
سؤال:
أنا شخص غير قادياني واعلم انهم يؤمنون بوجود نبي بعد محمد عليه السلام ، فهل هم خارج الإسلام ؟ أنا اعتقد انهم خارج الإسلام وأتصرف معهم على هذا الأساس .
الجواب:
الحمد لله
التعريف :
القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية ، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص ، حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام ، ولكن لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية .
التأسيس وأبرز الشخصيات :
• كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839 - 1908 م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية . وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م ، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن ، وهكذا نشأ غلام أحمد وفيا للاستعمار مطيعا له في كل حال ، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهاد الاستعمار الإنجليزي ، وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم ، فأظهروا الولاء لها ، وكان غلام أحمد معروف عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات .
- وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة ، الشيخ أبوالوفا ثناء الأمرتسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند ، حيث ناظره وأفحم حجته ، وكشف خبث طويته وكفر وانحراف نحلته . ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبوالوفا على من يموت الكاذب منهما في حياة الصادق ، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام احمد القادياني في عام 1908م مخلفا أكثر من خمسين كتابا ونشرة ومقالا ، ومن أهم كتبه : إزالة الأوهام ، إعجاز أحمدي ، براهين أحمدية ، أنوار الإسلام ، إعجاز المسيح ، التبليغ ، تجليات إلهية .
• نور الدين : الخليفة الأول للقاديانية ، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون . من مؤلفاته : فصل الخطاب .
• محمد علي وخوجة كمال الدين : أميرا القاديانية اللاهورية ، وهما مُنظِّرا القاديانية وقد قدَّم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية ومن مؤلفاته : حقيقة الاختلاف ، النبوة في الإسلام ، والدين الإسلامي . أما خوجة كمال الدين فله كتاب : المثل الأعلى في الأنبياء وغيره من الكتب ، وجماعة لاهور هذه الأحمدية تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب ، لكنهما يعتبران حركة واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية والعكس .
• محمد علي : أمير القاديانية اللاهورية ، وهو مُنظِّر القاديانية وجاسوس الاستعمار والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية ، قدم ترجمة محرفة للقرآن إلى الإنجليزية . من مؤلفاته : حقيقة الاختلاف ، النبوة في الإسلام . على ما تقدم .
• محمد صادق : مفتي القاديانية ، من مؤلفاته : خاتم النبيين .
• بشير أحمد بن الغلام : من مؤلفاته سيرة المهدي ، كلمة الفصل .
• محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني : من مؤلفاته أنوار الخلافة ، تحفة الملوك ، حقيقة النبوة .
• كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزا عالميا لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية : " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " سورة المؤمنون الآية 50
الأفكار والمعتقدات :
• بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد ومُلهَم من عند الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
• يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - .
• يعتقد القادياني أن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية .
• يعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم ب صلى الله عليه وسلم بل هي جارية ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة ، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعا .
• يعتقدون أن جبريل كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه ، وأن إلهاماته كالقرآن .
• يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام ) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعاليمه ، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد .
• يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم .
• يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة .
• يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم .
• نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن .
• كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية ، كما أن من زوج أو تزوج من غير القاديانيين فهو كافر .
• يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات .
الجذور الفكرية والعقائدية :(38/208)
• كانت حركة سير سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة .
• استغل الإنجليز هذا الظرف فصنعوا الحركة القاديانية واختاروا لها رجلا من أسرة عريقة في العمالة .
• في عام 1953م قامت ثورة شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة ، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين ونجحوا في إقالة الوزير القادياني .
• وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم ، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام ، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين .
• قام مجلس الأمة في باكستان ( البرلمان المركزي ) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله . وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الإجابة وانكشف النقاب عن كفر هذا الطائفة ، فأصدر المجلس قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة .
• من موجبات كفر الميرزا غلام أحمد الآتي :
- ادعاؤه النبوة .
- نسخه فريضة الجهاد خدمة للاستعمار .
- إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إياه إلى قاديان .
- تشبيهه الله تعالى بالبشر .
- إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول .
- نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله .
- إنكاره ختم النبوة ب صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هب ودب .
• للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم .
• تأثرهم بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهريا .
الانتشار ومواقع النفوذ :
• معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي ويسعون بمساعدة الاستعمار للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه .
• وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا ، وبعض الدول الغربية ، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية ، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم .
• هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارات الشركات والمفوضيات وتتخذ منهم ضباطا من رتب عالية في مخابراتها السرية .
• نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل وخصوصا الثقافية منها حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء . ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية .
ويتضح مما سبق :
أن القاديانية دعوة ضالة ، ليست من الإسلام في شيء ، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء ، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم ، بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم .
للتوسع مراجعة : القاديانية لإحسان إلهي ظهير
المرجع : الموسوعة الميسرة في الأديان المذاهب والأحزاب المعاصرة للدكتور مانع بن حماد الجهني 1 / 419 - 423
وقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي ما يلي :
بعد أن نظر في الاستفتاء المعروض عليه من مجلس الفقه الإسلامي في كيبتاون بجنوب أفريقيا بشأن الحكم في كل من القاديانية والفئة المتفرعة عنها التي تدعى اللاهورية ، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه ، وبشأن صلاحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية ، وفي ضوء ما قدم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإليه تنسب نحلة القاديانية واللاهورية ، وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد من أن ميرزا غلام أحمد قد ادعى النبوة بأنه نبي مرسل يوحى إليه ، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل عليه ، وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوته ورسالته ، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد .
قرر ما يلي :
أولاً : أن ما ادعاه ميرزا غلام أحمد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتاً قطعياً يقينياً من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده ، وهذه الدعوى من ميرزا غلام أحمد تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام ، وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم الردة ، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (38/209)
ثانياً : ليس لمحكمة غير إسلامية ، أو قاض غير مسلم ، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة ، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من خلال مجامعها وعلمائها ، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة ، لا يقبل إلا إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في الإسلام ، أو الخروج منه بالردة ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر ، ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع ، فحكم مثل هذه المحكمة باطل . والله أعلم .
مجمع الفقه الإسلامي ص13
الشيخ محمد صالح المنجد
============(38/210)
(38/211)
زواج المسلم من قاديانية شخصيتها جيدة
سؤال:
السؤال :
أعلم بأن المسلم يجوز له أن يتزوج بامرأة من أهل الكتاب ، فهل يجوز له أن يتزوج امرأة قاديانية ( أخلاقها وشخصيتها جيدة ) ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
حيث أن مذهب القاديانية من الكفر الأكبر المخرج عن الملة ( أنظر سؤال رقم 4060 ) فلا يجوز الزواج بهذه المرأة ، قال الله تعالى : ( لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ ) . والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============(38/212)
(38/213)
الفِرق في الإسلام والتأثّر بالدّيانات الأخرى
سؤال:
كم عدد طوائف الإسلام ؟ وكيف يؤثر الإسلام على الأديان ؟.
الجواب:
الحمد لله
الدّين الذي لا يقبل الله غيره هو الإسلام وهو طريق واحد ومنهج واحد وهو الذي كان عليه نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وأصحابه وليس يوجد في دين الله فِرَق ولا طرائق مختلفة ولكن انحرف عدد من الناس عن دين الإسلام وكوّنوا فِرَقا كثيرة لا علاقة لها بالإسلام كفرق الباطنية والقاديانية والبهائية وغيرها مما حذّرنا الله منه بقوله جلّ وعلا : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام
أمّا بالنسبة للشقّ الثاني من السؤال فينبغي أن تعلم أيها السائل الكريم أنّ الإسلام وحي نزل من السماء خالصا من الله تعالى رضيه لعباده دينا وشاء أن يختم به الأديان ويكون مهيمنا على ما سبقه ولذلك فلا يُمكن القول بأن ّ الإسلام تأثّر بالأديان الأخرى .
نرجو أن تقرأ المزيد عن هذا الدّين ونسأل الله أن يهديك إلى طريق الحقّ والصواب .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============(38/214)
(38/215)
ما معنى يخادعون الله في آية سورة البقرة
سؤال:
ما هو تفسير الآية التي في بداية سورة البقرة والتي فيها "يخادعون الله والذين آمنوا"؟ كيف يمكن لشخص أن يحاول مخادعة الله، المجيد، العلي؟
وأيضا، هل عندكم من نصيحة تقدمونها لأمريكي يرغب في تعلم الإسلام في بلدان ما وراء البحار؟.
الجواب:
الحمد لله
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ( يخادعون الله والذين آمنوا ) ، أي : بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر ، ويعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين ، كما قال تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) ، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله : ( وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) أي : وما يُغرّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم ، كما قال تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) ، ومن القرّاء من قرأ : ( وما يخدعون إلا أنفسهم ) ، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد .
وننصح الأمريكي الذي يرغب في تعلم الإسلام أن يكون منصفا متجردا من الأهواء ، وأن يحذر من تشويه أعداء الإسلام للإسلام ، وأن يحرص على تعلّم الإسلام من منابعه الصافية ، فلا يأخذه عن الفرق التي تشين الإسلام ببدعها ومحدثاتها ، كالقاديانية ، والشيعة ، والصوفية وغيرهم ، فهؤلاء شوّهوا دعوة الإسلام ببدعهم فلا يُنظر لأفعالهم وأقوالهم على أنها الإسلام ، ونسأل الله له الهداية .
الشيخ سعد الحميد.
=============(38/216)
(38/217)
الطائفة البريلوية
سؤال:
ما هي الطائفة البريلوية وما هي معتقداتهم ؟
الجواب:
الحمد لله
لقد ولدت البريلوية في الهند إبان الاحتلال البريطاني، وهي فرقة صوفية، ويعتقد أتباع هذه الفرقة ويروا أنفسهم في تجاوز الحب للأولياء والأنبياء عامة ورسولنا r خاصة.
مؤسس هذه الفرقة اسمه أحمد رضا خان بن تقي علي خان والمولود في عام 1272 هـ (1851م)، وسمى نفسه : "عبد المصطفى".
وُلد في مدينة برايلي في إقليم أوتار براديش، وكان تلميذا للميرزا غلام قادر بيج الذي كان بدوره شقيق الميرزا غلام أحمد القادياني: مؤسس القاديانية.
لقد كان ضئيل الحجم ولكنه كان أيضا معروفا بالذكاء والدهاء والقسوة، كما أنه كان بذيء اللسان وحاد الطبع سريع الغضب، كما كان يعاني من الأمراض المزمنة ويكثر الشكوى من الصداع المستمر وآلام الظهر.
وفي عام 1295 هـ (1874م) زار مكة ودرس على بعض علمائها.
من كتبه المشهورة: "أنباء المصطفى" , "خالص الاعتقاد".
من اعتقاد هذه الفرقة أن صلى الله عليه وسلم والأولياء لديهم القدرة على التصرف في الخلق وما قد يحدث أو يكون.
وقد غلو خاصة في الرسو صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنهم كادوا أن يعبدوه، فقد قالوا إن صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وأنه لم يكن بشرا من بني آدم ولكنه كان نورا، إذ هو نور الله، وهم يجيزون الاستغاثة ب صلى الله عليه وسلم وبالأولياء إلى آخر معتقداتهم الباطلة.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============(38/218)
(38/219)
إدعاء الربوبية
سؤال:
توجد طائفتان إسلاميتان زائفتان في الأمة الإسلامية (طائفة "الإجة محمد") التي تعتقد بالتشبيه. وقد بلغ ببعض أتباع هذه الطائفة أن أطلقوا على أنفسهم "الله". وهم أيضا يحاولون استخدام الترجمة القاديانية للقرآن محاولين بذلك إثبات صحة اعتقاداتهم . فكيف أدحض اعتقادات مدعي الربوبية (الرجل-الرب) باستخدام الكتاب والسنة ؟ ليس فقط بالنسبة "لأمة الكفر"، بل أيضا للنصارى.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لابد أن نعلم أن صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن هذه الأمة ستفترق .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : " تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين" ، وفي رواية ابن ماجه ( 3993 ) من حديث أنس : " كلها في النار إلا واحدة " .
رواه الترمذي ( 2640 ) .
قال أبو عيسى الترمذي : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح .
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ( 3227 )
فإذا علم هذا فإن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة واحدة وهي المتمسكة بالكتاب والسنة ظاهراً وباطناً .
ثانيا :
مدعي الربوبية هو أكفر من مشركي العرب قبل الإسلام الذين أرسل إليهم صلى الله عليه وسلم ، فالمشركون في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق المحي المميت والدليل على ذلك قوله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } لقمان / 25 .
ومع ذلك لم يرفع الله عنهم الشرك والكفر لأنهم كفروا بتوحيد العبودية وهو إفراد الله بالعبادة ؛ فكانوا يسجدون لغير الله ويذبحون لغير الله ، فكانوا يشركون في عبادتهم لله الأصنام والأوثان ويظنون أنها تنفع أو تضر من دون الله ولذلك قال الله تبارك وتعالى على لسانهم : { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } ص / 5 .
وقال أيضا : { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } الزمر / 3 .
وهذا يدل على أن مشركي العرب أقل كفراً ممن ذكرهم السائل لأن مشركي العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وهؤلاء يكفرون به .
ثالثا :
إن الله سبحانه وتعالى قد دحض في القرآن شبهات مدعي الربوبية ، فقال الله تبارك وتعالى :{ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } الأنبياء / 21 ، وقال الله تبارك وتعالى :{ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون } المؤمنون / 91 .
وفي قصة محاجة إبراهيم عليه السلام لمدَّعى الربوبية خير وسيلة للمحاجة قال الله تبارك وتعالى : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } البقرة / 258 .
فخذ بمثل هذا الأسلوب فقل لمدعي الربوبية إن كان ما تقولون حقا فليأتوا بالشمس من المغرب أو فليحيوا الأموات أو فلينزلوا المطر من السماء أو فليخرجوا الزرع من الأرض .
رابعاً :
قد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الدجال الذي سيخرج في آخر الزمان سيدَّعي الربوبية وقد دلنا صلى الله عليه وسلم على علامة نستدل بها على بطلان دعواه أنه الرب ، وهي أن الدجال أعور العين اليمنى .
فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قام رسول ا صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : ( إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور ) . رواه البخاري (2892) ، ومسلم (169).
وهذه علامة ظاهرة لكل من يراها ، فلو كان هذا الدجال هو الرب الذي أبدع هذا الكون بهذا الجمال لاستطاع أن يرفع القبح عن نفسه وأن يرفع العور عن نفسه .
فالله سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا الكون وهذا الإنسان بهذا التناسق العجيب ، والإحكام البديع ، لابد أن يكون له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه .
وهؤلاء الذين يدعون الربوبية علامات النقص ظاهرة عليهم ، من النوم ، والمرض ، والتألم ، والتأذي من الحر والبرد ، والحاجة إلى الطعام والشراب ، بل يحمل أحدهم النجاسة بين جنبيه ، ويحتاج أن يدخل إلى الخلاء في اليوم مرة أو مرتين !! فهل هؤلاء يصلحون أن يكونوا أرباباً ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم .
وليس العجب أن يدعي هذه الدعوى ، ولكن العجب كل العجب أن يجد هؤلاء لهم أتباعاً يوافقوانهم على ما يقولون .
خامسا :
لابد أن يعلم المسلم أن مثل هذه الفرق كالطائفة التي ذكرها والقاديانية والبهائية وغيرها من الفرق الضالة ما أوجدت إلا لمحاربة الإسلام وإبعاد أهله عنه وبيان ضلالها وزيفها لا يحتاج إلى جهد كبير لإبطاله وبيان زيفه ، وعلى المسلم أن يَحْذَر ويُحذِّر المسلمين من هذه الفرق الضالة .
سادسا :
وأما بالنسبة لدحض دين النصارى فلا يحتاج إلى كبير جهد ويكفي في الرد عليهم هذا الكلام لابن القيم -رحمه الله تعالى- إذ قال :(38/220)
أعبَّاد المسيح لنا سؤال نريد جوابه ممن وعاه ؟
إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فما هذا الإله
وهل أرضاه ما نالوه منه فبشراهم إذاً نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه فقوتهم إذاً أوهت قواه
وهل بقي الوجود بلا إله سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه
وهل خلت العوالم من إله يدبرها وقد سمّرت يداه
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه
وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شد على قفاه
وكيف دنا الحديد إليه حتى يخالطه ويلحقه أذاه
وكيف تمكنت أيدي عِدَاه وطالت حيث قد صفعوا قفاه
وهل عاد المسيح إلى حياةٍ أم المُحيي له رب سواه
ويا عجبا لقبر ضم رباً وأعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسعاً من شهور لدى الظلمات من حيض غذاه
وشق الفرج مولوداً صغيرًا ضعيفا فاتحاً للثدى فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك هل هذا إله
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه
أعباد الصليب لأي معنى يعظم أو يقبح من رماه
وهل تقضى العقول بغير كسر وإحراق له ولمن بغاه
إذا ركب الإله عليه كرهاً وقد شدّت لتسمير يداه
فذاك المركب الملعون حقاً فدسه لا تبسه إذ تراه
يهان عليه رب الخلق طراً وتعبده فإنك من عداه
فإن عظمته من أجل أن قد حوى رب العباد وقد علاه
وقد فقد الصليب فإن رأينا له شكلا تذكرنا سناه
فهلا للقبور سجدت طرًا لضم القبر ربك في حشاه
فيا عبد المسيح أفق فهذا بدايته وهذا منتهاه
" إغاثة اللهفان " ( 2 / 291 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
=============(38/221)
(38/222)
خروج المهدي
سؤال:
هل ورد في القرآن متى يخرج المهدي لإنقاذ المسلمين ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب أن يعلم المسلم أن الكتاب والسنة في منزلة واحدة من حيث الاحتجاج ووجوب الإتباع ، فكل من الكتاب والسنة وحي من الله يجب اتباعه ، قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) النجم / 443 .
وعن المقدام بن معد يكرب عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه " .
رواه أبو داود ( 4604 ) . وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود ( 3848 )
ثانياً :
أمر الله بطاعة الرسول طاعة مستقلة فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} النساء / 59 ، وقال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر / 7 .
ثالثاً :
لم يرد في القرآن ولا في السنة متى سيخرج المهدي على سبيل التحديد ، غير أنه سيخرج في آخر الزمان ولكن لا بد من التنبيه على أمور :
1. خروج المهدي هو من أواخر العلامات الصغرى لقيام الساعة .
2. أدعى كثير من الناس أن المهدي خرج أو سيخرج لنصر أغراضهم الشخصية وعقائدهم الضالة كالقاديانية والبهائية والشيعة وغيرها من الطوائف المنحرفة فأدى ذلك ببعض المتأخرين أن يردوا أحاديث المهدي أو يؤولوها بأن المقصود بالمهدي نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، واستدل بعضهم بحديث ورد مرفوعا وهو : " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " .
وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
انظر " السلسلة الضعيفة " ( 1 / 175 ) للعلامة الألباني رحمه الله .
3. قد ألف كثير من العلماء كتباً في إثبات خروجه وجعلوا ذلك من عقيدة المسلم منهم : الحافظ أبو نعيم ، وأبو داود وأبي كثير والسخاوي والشوكاني وغيرهم .
4. ثبت في السنة أنه سيجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام وأن عيسى سوف يصلي خلفه .
روى مسلم ( 156 ) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول : سمعت صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم r فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ".
وهذا الأمير المذكور في الحديث هو المهدي جاء ذلك في رواية أبي نعيم والحارث بن أسامة بلفظ : ( فيقول أميرهم المهدي ... ) قال ابن القيم : إسناده جيد .
5. على المسلم أن لا ينتظر خروج المهدي بل عليه أن يسارع ويجتهد ويعمل بجد ونشاط لنصر الدين ، وأن يقدم ما يستطيعه للدين ، وأن لا يعتمد على خروج المهدي أو غيره ، بل يُصلح نفسه وأسرته ومن حوله، وبالتالي إن لقي الله لقيه وقد أعذر من نفسه .
انظر كتاب المهدي حقيقة لا خرافة للشيخ محمد بن إسماعيل
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============(38/223)
(38/224)
ما هي الفرقة القاديانية ؟ وهل يجوز للمسلم التزوج منهم ؟
سؤال:
أريد أن أعرف معلومات عن " الفقه الأحمدي " ؛ لأن أحد أصدقائي أخذ يحب فتاة أحمدية ، مع أني أخبرته أن فعله خطأ لكنه أصبح يحبها حبّاً شديداً الآن . أنا أريد الجواب لأقدمه إليه .
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال ( 4060 ) بيان كفر هذه الطائفة المسماة " الأحمدية " أو " القاديانية " أتباع الميرزا غلام أحمد ، وفي الجواب تجد ذِكر عقائدهم الكفرية وأقوال العلماء فيهم .
وعليه : لا يجوز لمسلم أن يتزوج منهم ، ولا أن يزوِّجهم ؛ لأنهم كفار مرتدون ، وقد قال الله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) البقرة/221 .
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 99) :
" أي ( وَلا تَنْكِحُوا ) النساء ( الْمُشْرِكَاتِ ) ما دمن على شركهن ( حَتَّى يُؤْمِنَّ ) لأن المؤمنة - ولو بلغت من الدمامة ما بلغت - خير من المشركة , ولو بلغت من الحسن ما بلغت , وهذه عامة في جميع النساء المشركات ، وخصصتها آية المائدة في إباحة نساء أهل الكتاب ، كما قال تعالى : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) . . . ثم ذكر تعالى الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة , لمن خالفهما في الدين فقال : ( أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) أي : في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم , فمخالطهم على خطر منهم , والخطر ليس من الأخطار الدنيوية , إنما هو الشقاء الأبدي " انتهى .
وإذا كان صديقك هذا على علاقة محرمة فعليك أن تبين له حرمة هذه العلاقة ، وأنه لا يجوز لمسلم أن يختلي بأجنبية ولا أن يصافحها ولا أن يراسلها ، وأنه لا يستطيع أن ينهي هذه العلاقة بالزواج بسبب حرمة التزوج من المرتدات ، وليبحث عن صاحبة الدين التي تحفظ له دينه ، وتعينه على طاعة ربه ، ويأمنها على ولده وذريته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============(38/225)
(38/226)
دفاع عن الشيخ أحمد ديدات رحمه الله
سؤال:
أود أن أطمئن بخصوص الداعية " أحمد ديدات " يرحمه الله ، حيث علت أصوات تتهمه بأنه كان من طائفة الأحمدية والتي مقرها الرئيس باكستان ، ويستشهدون بما قد يورده الشيخ أحيانا في مناظراته من النظرية التي تقول بأن المسيح صلب ولكنه لم يمت على الصليب ، وإنما أغمي عليه فحسب ، ولكنه مات بعد ذلك في حادث عرضي ثم رفعت روحه إلى السماء .
أود أن أعرف ما هي وجهة نظر الداعية المعروف " أحمد ديدات " ؟ وهل تلك الاتهامات صحيحة ؟ حيث إني من محبي الشيخ عليه رحمة الله ، وأتابع بشغف مناظراته ، ومؤلفاته ، ولكم جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ولد الشيخ أحمد حسين ديدات في مدينة " سيرات " بالهند عام 1918 م , وقد هاجر والده إلى دولة " جنوب أفريقيا " بعد وقت قصير من ولادته ، وعندما بلغ تسع سنوات ماتت والدته ، فلحق بأبيه إلى جنوب أفريقيا حيث عاش هناك بقية عمره .
وفي جنوب أفريقيا خرج الشيخ أحمد ديدات إلى العالم في أول مناظرة عالمية عام 1977 م بقاعة ألبرت هول في " بريطانيا " ، وقد ناظر كبار رجال الدين النصراني أمثال : كلارك -، وجيمي سواجارت ، وأنيس شروش ، وغيرهم ، وقد انتفع بها المسلمون فثبت اعتقادهم بالإسلام والقرآن ، وعرفوا التحريف والكذب في الأديان المحرفة ، كما انتفع بها بعض من منَّ الله عليه بالهداية من النصارى .
وفي يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005 م توفي الداعية والشيخ المجاهد أحمد ديدات ، وقد لاقى ربَّه عن عمر يناهز ( 87 ) عاماً بمنزله في منطقة " فيرولام " بإقليم " كوازولو ناتال " بجنوب إفريقية بعد صراع طويل مع المرض .
ثانياً :
وأما اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام : فهو اعتقاد دليله الكتاب والسنَّة ، فالمسيح عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل ، ويعتقد المسلمون بأن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إلى السماء حياً ، وأنه لم يصلب ولم يُقتل ، وأنه باقٍ حيّاً فيها إلى قرب قيام الساعة ، وأنه سينزل إلى الأرض فيقتل الدجال ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويحكم بالشريعة الإسلامية ، ثم يموت - عليه السلام - كسائر البشر .
قال الإمام أبو محمد عبد الحق بن عطية - رحمه الله - :
وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي ، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويقتل الدجال ، ويفيض العدل ، ويظهر هذه الملة - ملة محمد - ويحج البيت ويعتمر ، ......ثم يميته الله تعالى .
" المحرر الوجيز " ( 3 / 143 ) .
ويقول السفاريني - رحمه الله - :
فقد أجمعت الأمة على نزوله ، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه ، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ، ويحكم بهذه الشريعة المحمدية ، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء .
" لوامع الأنوار البهية " ( 2 / 94 ، 95 ) .
ثالثاً :
القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية ، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص .
ويعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم ب صلى الله عليه وسلم بل هي مستمرة ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة ، وأن " غلام أحمد " - مؤسس القاديانية ولد عام 1839 م ، وتوفي عام 1908 م - هو أفضل الأنبياء جميعا !!
ويعتقدون أن جبريل كان ينزل على " غلام أحمد " ، وأنه كان يوحى إليه ، وأن إلهاماته كالقرآن .
وانظر تفصيل اعتقادهم وبيان كفرهم في جواب السؤال رقم ( 4060 ) .
رابعاً :
أما قول الأحمدية - القاديانية - في المسيح عليه السلام : فهو أنهم يعتقدون أن المسيح عليه السلام صُلِب ولم يمت على الصّليب ، لكنه أُغمِي عليه ، ودُفن ، ثم هرب من قبره إلى " كشمير " ! ومات هناك ميتة طبيعية ، وقبره هناك موجود .
وهم يؤولون الرفع على أنه مجازي لا حقيقي , أي : رفع المكانة والمنزلة لا رفع البدن .
وقد جاء اعتقادهم هذا في رسالتين لهم الأولى بعنوان : " المسيح الناصري في الهند " ، وهي من تأليف ميرزا غلام أحمد نفسه ، والثانية بعنوان " وفاة المسيح ابن مريم والمراد من نزوله " ، وهي من نشر " الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية " ، وقد وضعوا على غلافها صورة مزعومة لقبر عيسى عليه السلام في " سري نغر " بكشمير الهند .
وقد قالوا في ( ص 2 ) : إن عيسى عليه السلام لم يُرفع حيّاً ، ولم يُلق شبهه على أحد ، وإنما عُلق على الصليب بضع ساعات ، ولما أُنزل كان في حالة إغماء شديد حتى خُيل إليهم أنه قد مات ، ثم بعد واقعة الصلب هاجر من فلسطين إلى البلاد الشرقية : العراق ، وإيران ، وأفغانستان ، وكشمير ، والهند ، وعاش عشرين ومائة سنة .
وقد ادعى ميرزا غلام أحمد القادياني كذباً وزوراً بأن الله أوحى له بهذا التفسير ، وهو قول بعض النصارى من قبله ، والظاهر أنه سرق الفكرة منهم .(38/227)
وغرض القاديانية من نشر هذا الاعتقاد في المسيح عيسى عليه السلام : تسهيل ادعاء أن الأحاديث الواردة في نزول المسيح وخروج المهدي آخر الزمان هي في خروج القادياني الكذاب ميرزا غلام أحمد .
وقد صرحت الرسالة المشار إليها بذلك إذ جاء فيها ( ص 6 ) :
فالمراد من نزول عيسى ابن مريم : بعثة رجل آخر من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يشبه عيسى ابن مريم في صفاته وأعماله وحالاته ، وقد ظهر هذا الموعود في قاديان الهند باسم : ميرزا غلام أحمد ... إماماً مهديّاً ، وجعله الله مثيل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، فكان هو المسيح الموعود ، والإمام المهدي للأمة المحمدية الذي وعد رسول ا صلى الله عليه وسلم ببعثته قائلا: ( لا المهدي - كذا ، والصواب : مهدي - إلا عيسى ) ابن ماجه، كتاب الفتن . انتهى .
وفي اعتقاد المسلمين : أن عيسى عليه السلام نبي مرسل ، وأن المهدي مسلم مصلح لا نبي ولا رسول ، وأن خروج المهدي من علامات الساعة الصغرى ، ونزول عيسى عليه السلام من علامات الساعة الكبرى ، وبينهما فرق لا يخفى على أحدٍ .
والحديث الذي استدلوا به : ( لا مهدي إلا عيسى ) لا يصح ، بل هو حديث منكر ، حكم بنكارته جمع من الأئمة ، منهم النسائي والذهبي والألباني، وضعفه الحاكم والبيهقي والقرطبي وابن تيمية ، بل حكم بوضعه الصغاني .
وانظر : " منهاج السنة " ( 8 / 256 ) ، و " الصواعق المحرقة " للهيتمي ( 2 / 476 ) ، و " السلسلة الضعيفة " ( 77 ) .
خامساً :
وأما أن الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - كان يقول بقول القاديانية : فهذا أبعد ما يكون عن الحق ، وهو محض افتراء على الشيخ ، وذلك من وجوه كثيرة :
1. مناظرات الشيخ وكتبه ومقالاته أكثر من أن تحصى ، وليس فيها دعوة للدين القادياني ولا ثناء على زعيمه ولا أتباعه ، ولو كان على طريقتهم لم تخلُ كتبه من ذلك .
2. والقاديانية ألغت الجهاد من دينها ، فمن دعا إلى مثل ما دعا إليه القاديانيون فهو منهم ، وحاشا الشيخ أحمد ديدات أن يكون واحداً منهم ، بل كان ينادي بالجهاد ، ويرى أن السيف والقرآن هما سبيل عزة هذه الأمة .
قال الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - :
سلاحنا الوحيد في مواجهة هذا الخطر الداهم المفزع المروع المسمى بالتبشير : هو القرآن ، وحمل السيف في سبيل الله لمواجهة هذا الخطر الداهم ، إنها مقولة مصيرية بين الإيمان والإلحاد , بين الإسلام وقوى الطغيان , بين العدل والجور , بين النور والظلمات , بين الحق والضلال , فلا ينفع ولا يجدي في هذه المعركة إلا السيف والقرآن يتعانقان حتى يقيم السيف ما تُرك من القرآن ، ويسود الإسلامُ العالمَ أجمع ، ويعود المسلمون إلى رشدهم لمواجهة هذا الخطر الكامن في الصليبية والصهيونية العالمية .
" حوار مع مبشر " ( ص 30 ) المختار الإسلامي .
3. لا ترى القاديانية الصلاة والصوم والحج على ما جاءت به شريعتنا ، بل لها عندهم معانٍ أُخر ، كما أنهم يرون أن كل من ليس قاديانيا فهو كافر ، ولا يبيحون للقادياني أن يتزوج من غيرهم ، كما أنهم يبيحون الخمر والمسكرات ، فهل كان الشيخ أحمد ديدات على مثل ما كان عليه أولئك الكفار ؟ اللهم لا .
أ. فالشيخ له كتاب نافع بعنوان " مفهوم العبادة في الإسلام " طبعة " المختار الإسلامي " ، وقد ذكر فيه ما يتعلق بعبادات المسلم من صلاة وزكاة وصيام وحج , بآيات وأحاديث ، تدل على سعة علمه ، وعلى حسن اعتقاده .
ب. وقد كان الشيخ متزوجاً من امرأة مسلمة فاضلة ، تخدم الإسلام ، وتعينه على الدعوة إلى الله ، وهي الأخت " حواء " , ولو صحَّ ما نسب للشيخ من كونه قاديانيا لكان متزوجاً من كافرة ، وهو لا يجوز عندهم ، بل يراه بعضهم كفراً .
ج. وأما بالنسبة لحرمة الخمر والمخدرات : فالشيخ له كتاب نافع قوي ، وهو بعنوان " الخمر بين المسيحية والإسلام " وقد نصر فيه الإسلام وأحكامه بنقله لتحريم الخمر والمسكرات من الكتاب والسنَّة .
ومما جاء في الكتاب :
" الإسلام هو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي يحرم المسكرات بالكامل , وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) , فلا يوجد عذر في دار الإسلام لمن يرشف رشفة ، أو يتناول جرعة من أي شراب مسكر , إن القرآن الكريم - كتاب الحق - حرم بأشد العبارات ليس فقط الخمر وما تجلبه من شرور : بل إنه حرم الميسر " القمار " و " الأنصاب " - التي كانوا يذبحون عندها - و " الأزلام " - التي كانوا يقتسمون بها - ، أي : أنه حرم الخمر ، وعبادة الأوثان والأصنام ، والعرافة - أو معرفة البخت - ، وقراءة الطالع في آية واحدة , قال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) المائدة/90 .. .
إن هذا التوجيه الصريح البسيط قد جعل من الأمة الإسلامية أكبر تجمع من الممتنعين امتناعاً تامّاً عن المسكرات في العالم " .
" الخمر بين المسيحية والإسلام " ( ص 18 ) طبعة " المختار الإسلامي " .(38/228)
4. ويعتقد القاديانيون بموت المسيح عليه السلام بعد أن صُلب بمدة ، وهم يعتقدون أن الميرزا غلام أحمد هو المسيح وهو المهدي - كما سبق - ، فهل كان الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - على هذه العقيدة ؟ اللهم لا .
وهذا سؤال وجِّه للشيخ من رجل قادياني حول ختم الرسالة ب صلى الله عليه وسلم ، وعقيدة القاديانية ، ولنقرأ ماذا قال الشيخ - رحمه الله - :
لأخ يسأل هل أؤمن بأنّ نبيّنا الكريم محمَّداً r خاتم النّبيّين ؟ هل هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء ؟ أقول : نعم , لكنّ القاديانية يقولون بأنّ المسيح يعود في آخر الزّمان , ولذلك فإنّ محمَّداً ليس خاتم الأنبياء , هذا هو السّؤال ؟ فكيف نجيب ؟ .
إنّ الذي أخذ لقب خاتم الأنبياء لا يمكن أن يُنزَع هذا اللّقب منه أبداً , فلو أنّني قلتُ إنّني سأعطي لآخر مائة رجل هديّةً , فيأتي الواحد تلو الآخر , ثمّ يأتي آخر رجل ويأخذ هديّته وجائزته , الآن عندما يرجع أحد الرّجال مرّة أخرى بعد أن يأخذ الأخير جائزته : فإنّه لا يمكنه أن يأخذها منه .
نبيّنا محمّد صلّى عليه وسلّم أخذ لقبه , وهو آخر الأنبياء ، وخاتم المرسلين , والقرآن آخر الكتب المنزّلة من عند اللّه , لا نحتاج أيّ إضافة , فلا نحتاج رسولاً آخر , ولا نحتاج كتاباً آخر , ذاك الرّجل - وهو السائل القادياني - لأنّه يريد أن يجعل صاحبه " ميرزا غلام أحمد " هو المسيح في رجوعه الثّاني : فلهذا السّبب كلّ هذا يثار الآن , يريد أن يربط ميرزا غلام أحمد مع ديدات !! من أجل أن يأخذ مكانة المسيح عليه السّلام في عودته الثّانية , من أجل أن يعتبر " ميرزا غلام أحمد " هو المسيح عليه السّلام , فلذلك يريد أن يقتل المسيح - أي : يقول بأنه قد مات - , ويريد أن يثير كلّ هذا , الآن ماذا يريد من كلّ هذا ؟ إذا أردتَ أن تعمل من أجل الإسلام , حسنًا , انظر ، النّصارى حولك بالملايين ، لكنّ الظّاهر أنّه ليس مهتمًّا بالنّصارى , هو مهتمّ بكم أنتم - أي : بالمسلمين - , إذا أردت أن تمارس الدّعوة : اذهب ومارس الدّعوة على اليهود والنّصارى والهندوس , إنّهم بالملايين حول العالم , لماذا تريد فتح صراع معي ؟ إنّني مسلم ، أؤمن باللّه ، وبرسوله ، وبالقرآن الكريم , إنّك تضيّع وقتك معي .
" محاضرة في مسجد جامعة " ألقاها خلال زيارته إلى كينيا سنة 1993 م .
5. ومما يؤكد ما قلناه من نفي اتهام الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - بالقاديانية : كتابته لشهادة يثبت فيها إسلامه ، ويكفِّر فيها الميرزا غلام أحمد القادياني ، بل ويكفِّر أتباعه ، وينفي فيه توزيعه أو توزيع مركزه لبعض تفاسيرهم .
فقد راجت إشاعات في بلده - جنوب إفريقيا - بأنه قادياني ، وأنه كان يوزع تفسير القرآن للمدعو " محمد أسد " ، مما اضطر الشيخ أحمد ديدات أن يصدر توضيحاً حول هذا الأمر بتاريخ 23 / 7 / 1987 م أكد فيه تكفيره لميرزا غلام أحمد القادياني ، كما أعلن تكفيره لكل أتباعه .
وهنا تجدون صورة البراءة من القاديانية وتكفير زعيمها وأتباعه :
http://www.ahmed-deedat.net/Files/A r ticles/Website/B01.jpg
وهذا نص ترجمتها :
مركز الدعوة الإسلامي العالمي
إشهار
أنا " أحمد حسين ديدات " , رئيس مجلس الدعوة الإسلامية , أشهد هنا أمام الله , وأنا في كامل الأهلية التامة لشهادة أن لا اله الا الله , محمد رسول الله .
إنني أومن أن محمَّداً r هو النبي والرسولل الخاتم ، وأنه لا نبي ولا رسول بعده .
إنني أومن أن ميرزا غلام أحمد القاديانى ما هو إلا دجال كافر .
إنني أومن أن أولئك الذين يقبلونه كنبي أو رسول أو مجدد أو حتى إنه رجل عظيم : أنهم كافرون وخارجون عن حظيرة الإسلام .
إن كتابي " c r ucifixion o r c r ucifiction " يحوي كلمة أخيرة ( الخاتمة ) توضح موقفي فيما أعتقده من عودة المسيح مرة ثانية .
إن مركز الدعوة الإسلامية لم ينشر - مطلقًا - ولم يوزع ولم يبع أو يشجع على بيع ترجمة محمد أسد لمعاني القرآن الكريم .
أسأل الله أن يحمينا من مروجي الإشاعات المتاجرين ، ومن يعضون من الخلف ومروجي الفساد .
أحمد ديدات .
وما سبق يؤكد أن اتهام الشيخ أحمد ديدات بالقاديانية لم يأتِ إلا من كافر أراد تشويه دين الشيخ وصد الناس عنه بعد أن نجح بإدخال الآلاف في الإسلام ، أو من حاسد ساءه ما رأى من تعظيم الناس - خاصتهم وعامتهم - للشيخ ، أو من جاهل قرأ أو سمع شيئا من كلام الشيخ - رحمه الله - وأساء الفهم وغلَّب سوء الظن على حسنه .
سادساً :
ما هو موقف الشيخ أحمد ديدات من صلب المسيح عليه السلام وقتله ؟.
مما لا شك فيه عندنا أن الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - ينفي الصلب والقتل معاً عن المسيح عليه السلام ، ولا يتجاوز ما جاء في قوله تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/ من الآية 157 .
أ. قال الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - :
لا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب ، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء .(38/229)
" مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء " ( ص 88 ) دار الفضيلة .
ويجب أن ننبه إلى أن المدعو " على الجوهري " هو مترجم الكتاب السابق - وغيره كذلك - وهو يرى نظرية " الإغماء " التي يقول بها القاديانيون ، ويدافع عنها بشدة في تعليقاته على الكتاب ، بل ويعيب على المسلمين عدم تبنيها ، ويراها غير مخالفة لما جاء في القرآن !
ب. وقال الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - :
فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ، ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك ، فقد ظنوا أنهم فعلوا ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح .. لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه ، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله ، هي أنهم لم يقتلوه ، ولكن هذا ما ظنوه في عقولهم أنهم فعلوه .
" عيسى إله أم بشر أم أسطورة ؟ " ( ص 112 ) ترجمة محمد مختار .
ج. وقال - رحمه الله - :
إن الذي صُلب هو شخص آخر يشبهه ، أما إنجيل " برنابا " فيؤيد النظرية التي تقول إن شخصاً آخر قتل محله على الصليب ، وهذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن المسلمين ، فهنا الشبهة التي حصلت بقتلهم شخصاً آخر يشبهه .
" عيسى إله أم بشر أم أسطورة ؟ " ( ص 138 ) .
والقاديانيون يرون أن المسيح عليه السلام صُلب ، بينما نجد النص في كتاب الله تعالى على نفيه ، وهو ما يقول به الشيخ أحمد ديدات ، وهو إن كان يخالفهم في الصلب فكيف سيوافقهم في الموت أو القتل ؟! .
د. وفي بداية مناظرة الشيخ - رحمه الله - مع " فلويد كلارك " والتي كانت بعنوان " هل صلب المسيح ؟ " بيَّن الشيخ عقيدته الصحيحة في المسيح عليه السلام بذكر الآيات من سورة النساء ، ثم أخذ في استخدام أدلتهم ليقيم الحجة عليهم في بطلان عقيدتهم .
ومما جاء في تلك المناظرة قوله :
" بالنسبة للمسلمين : فإن الأمر محسوم ، إن المسيح لم يُقتل ولم يُصلب ، فهي نقطة لا يختلف عليها المسلمون ، وإن المسيحيين يتبعون الظن ، وما قتلوه يقيناً .
وقال :
سنثبت أن المسيح عليه السلام لم يمت على الصليب كما يدعى النصارى لأنه لم يصلب أصلا , و ذلك من خلال كتبهم تماشياً مع قول الله تعالى : ( قل هاتوا برهانكم ) .
وقال :
ومهما يكن : فهو لم يُقتل ولم يُصلب , وذلك وفقاً لكتاب الله .
هـ. وفي بداية مناظرته - رحمه الله - مع " روبرت دوجلاس " والتي كانت بعنوان " صلب المسيح حقيقة أم خيال ؟ " بيَّن الشيخ - رحمه الله - اعتقاده وفق القرآن الكريم .
و. وقال - رحمه الله - :
وهذا يعني أن هؤلاء القوم - أي : اليهود - اعتقدوا أن عيسى كان مدعيّاً للنبوة ، وأنهم قتلوه ، وتخلصوا منه , ولكن الله سبحانه وتعالى بيَّن لهم أنهم ما قتلوه ، وما صلبوه ، ولكن شبِّه لهم , فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك , فقد ظنوا أنهم فعلوا ذلك , ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح ... .
وقال :
( وما قتلوه يقينا ) لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه ، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله ، وهي أنهم لم يصلبوه ، ولم يقتلوه ، ولكن هذا ما ظنوا في عقولهم أنهم فعلوه ، وهم لم يفعلوا ذلك ، هذا ما نؤمن به نحن المسلمين .
" هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة " ( ص 111 ، 112 ) طبعة " المختار الإسلامي " .
ز. وقال - رحمه الله - :
وهو قوله تعالى ( بل رفعه الله إليه ) ، وهذا يعنى أن المسيح عيسى عليه السلام لم يذق الموت بل رفعه الله إليه ، وأنا أؤمن بعودة المسيح عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة .
" هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة ؟ " ( ص 118 ) طبعة " المختار الإسلامي " ص 118 .
والخلاصة :
أنه لا يستغرب اتهام الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله - من الكفار بأنه قادياني ، وهو الذي يرى كفرهم كلهم ، لكن المستغرب أن يأتي حاسد أو جاهل فيأخذ بعض كلام الشيخ ويحمله على أسوء المحامل ، وفي أحسن صور ذلك الكلام أنه يكون من المتشابه ، وقد نقلنا كثيراً من كلامه المحكم فيما يتعلق بدينه ، وموقفه من القاديانية ، واعتقاده في صلب المسيح عليه السلام ، فكل من يأتي بكلام خلاف هذا فليتق الله تعالى ، وليعلم أنه متشابه ، فليحمله على المحكم ، أو لينتبه فقد يكون الشيخ - رحمه الله - قاله على سبيل التنزل مع الخصم ، أو كان يريد محاججة القوم بما عندهم من اعتقاد ليلزمهم به .
ونسأل الله تعالى أن يرحم الشيخ أحمد ديدات ، وأن يُكرمه ، ويعلي منزلته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
================(38/230)
(38/231)
الزواج من أهل البدع ، وشروط الأولياء هل هي مُلزمة ؟
سؤال:
خطبت فتاة منذ فترة قريبة ، ولم تكن أسرتي راضية عن الخطوبة في البداية ؛ لأن الأسرتين ليستا من طائفة واحدة ( نظام الطوائف سائد هنا في شبه القارة ) ولكن الأمور الآن عادية ، والمشكلة هي أن والديّ يعيشان في قرية ، وأنا أعيش في مدينة أخرى للعمل والدراسة ، وبعض أقارب زوجتي يعيشون أيضا في نفس القرية ( وهم كذلك ليسوا راضين عن هذه الخطبة ، والسبب الوحيد هو الاختلاف الطائفي ) ، وأم زوجتي تصر على أنها لن تزوِّج ابنتها لي إلا إذا اشتريت بيتاً في المدينة التي أقيم فيها للعمل والدراسة ( وأنا أزور والديّ مرتين كل شهر ) وأن لا يقام حفل الزواج في قريتي ، وأبلغوني بذلك ، وقد أخبرتهم بوضوح قبل الخطبة أنني لا أملك موارد كافية لشراء بيت في المدينة ، ولكني سوف أستأجر بيتاً ، وأنه فيما يتعلق بالزواج فسوف يتم في القرية ، وهم الآن يصرون على إقامة الحفل في المدينة ، وأن أشتري البيت أولاً ، وإلا فسوف يفسخون الخطبة ، وكلا الأمرين مستحيل بالنسبة لي ، كما أني أعلم مقدما أن والديّ لن يوافقا على إقامة حفل الزواج في أي مكان آخر ، علماً بأنهما سيساعداني في الانتقال إلى المدينة بعد الزواج ، والفتاة تعجبني جدّاً ، وقد دعوت الله كثيراً أن تكون من نصيبي ، وأخشى إن رفضت شرطيهما أن يفسخا الخطبة ، ولا أريد أن أخسر الفتاة ، أرجو النصيحة ، وهل أوضح لهم شرطي مرة أخرى ؟ أرجو أخذ ذلك في الاعتبار ، وإرشادي وفقاً للقرآن والسنة ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لم نعرف حقيقة قولك إن أسرتك وأسرة خطيبتك من طائفتين مختلفتين ؛ وعلى كل حال إن كان قصدك بالطائفة : القبيلة والعشيرة وأصول النسب فالأمر سهل ولا يحتاج منا لتنبيه ، وتجد في جواب السؤال رقم (13780) فائدة حول الموضوع .
أما إن كان قصدك بالطائفة : أنها تنتمي لعقيدة تخالف اعتقادك - وظننا بك أنك من أهل السنَّة - فهنا يجب تنبيهك إلى أن الطوائف المنتسبة للإسلام منها هو خارج من الإسلام ، ومنها ما هو ضال عن الطريق منحرف عن أهل السنَّة والجماعة ، ومثال الأول : القاديانية والإسماعيلية والحلولية والرافضة والبريلوية ، ومثال الثاني : الأشاعرة والماتريدية والمرجئة .
فإن كانت خطيبتك تعتقد عقيدة إحدى الطوائف الخارجة عن الإسلام : فلا يجوز لك التزوج بها ؛ لأنهن في حكم المشركات بسبب ردتهنَّ عن الدين ، وإن كانت تعتقد عقيدة إحدى الطوائف الضالة : فيجوز لك التزوج منها مع الحذر والتنبه ؛ و صلى الله عليه وسلم أوصى بالتزوج من ذوات الدين ؛ ليأمن الزوج معها على اعتقاده ، ويأمنها على أهله ، وأولاده .
وقد كان " عمران بن حِطَّان " من أهل السنَّة ، وقد تزوج امرأة من " الخوارج " ليصلح حالها فانقلب إلى أن صار رأساً من رؤوس الخوارج .
انظر " سير أعلام النبلاء " للذهبي ( 4 / 214 ) .
ولذا فقد ورد عن سلفنا الصالح التحذير الشديد من مجالسة وصحبة أهل البدع والأهواء .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :
لا تجالس أهل الأهواء ؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب .
" تفسير الطبري " ( 4 / 328 ) .
وقال أبو الجوزاء :
لأن أجالس الخنازير أحب إليَّ من أن أجالس أحداً من أهل الأهواء .
" الإبانة " لابن بطة ( 2 / 438 ) .
وقال أبو قلابة :
لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم ؛ فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون .
" سير أعلام النبلاء " ( 4 / 372 ) .
وبكل حال : فلا شك أن زواجك من امرأة من أهل السنَّة خير لك ولأهلك وأولادك ، إلا أن تكون هذه المرأة كذلك ، وهي تعيش بين أهلٍ مبتدعة ، بل لعلك تؤجر على إخراجها من بيئتها تلك .
وانظر جواب السؤال رقم (85370) .
ثانياً :
ولا يجوز لك أن تقيم احتفال العرس مشتملاً على محرمات كالغناء والرقص والاختلاط ، ولو اشتُرط عليك من قبلهم فهو شرط باطل لا يلزمك الإيفاء به .
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (7577) كيفية معالجة مثل هذا الموقف ، فانظره .
وفي جواب السؤال رقم (9290) تجد ما يباح استعماله وسماعه في الأفراح .
فإن أصروا على عمل حفلة فرح - بشرط خلوها من الآثام - فيمكنك عمل حفلتين مختصرتين - كما يفعله عادة من يكون في مثل وضعك - واحدة عندهم ، وأخرى عند أهلك .
ثالثاً :
أما اشتراطهم عليك شراء بيت : فليس لهم أن يشترطوا ذلك عليك ، إلا أن يكون ذلك البيت لابنتهم ، ويريدونك أن تملكها إياه ، ولا مانع للزوجة أن تشترط على الزوج أن يسكنها في بلدها ، أو في مكان غيره ، والحق لها بعد النكاح إن شاءت أبقته وإن شاءت أسقطته .
وشروط النكاح ليست لأهل الزوجة إلا أن يكون ذلك وكالة عن ابنتهم ، أو تكون الشروط لمصلحتها ، أما أن يشترط الولي شيئاً لا يتعلق بابنته فهو غير جائز ، وإنما الشرط للزوجة أو لوليها وكالة عنها ، والولي في الأصل له الموافقة من عدمها ، وحتى المهر فهو حقُّ المرأة هي تحدده أو توكل وليها في تحديده .(38/232)
ويمكن للزوجة أو وليها أن يشترطوا عليك " السكنى " في منطقتهم ، ويجب عليك الوفاء بهذا الشرط ، لكن ليس أن يلزموك بكون البيت ملكاً لا إيجاراً .
وإذا أردت منهم إسقاط ذلك الشرط بالكلية ، أو على الأقل أن يكون بيتاً مستأجراً لا متملَّكاً فعليك التلطف في محاورتهم ، وأن تستعين بأهل العلم والحكمة ليكلموا أهل خطيبتك ، وادع الله تعالى أن ييسر لك الأمر .
وانظر جوابي السؤالين رقم (20757) و (10343) .
ونوصيك بالاستخارة ، فقد ترى أن هذه المرأة تصلح لك ولأولادك ، ولا يكون الأمر كذلك ، والعبد جاهل يستعين بربه الذي يعلم الخير لعبده ويقدِّره له ، والعبد عاجز يستعين بربه القادر على تيسير الأسباب أو تعطيلها ، وقادر على صرفه عن الأمر وصرف الأمر عنه ، وانظر تفصيل صلاة الاستخارة في جواب السؤال رقم (2217) .
ونرجو أن نكون قد استوفينا الإجابة على مسائلك ، وننبه إلى ضرورة حسن اختيار الزوجة من حيث دينها وعقيدتها وأخلاقها ، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك زوجة صالحة تعينك على طاعة ربك ، وتصونك عما حرَّم عليك .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
=============(38/233)
(38/234)
القاديانية تسعى لنشر دينها في أوربا
19 محرم 1428هـ الموافق له 6- 2- 2007م
بعد أن لاقت رفض أبناء الإسلام في مختلف دول العالم العربي والإسلامي تسعى الطائفة الأحمدية "القاديانية" لإيجاد أرض جديدة لها بأوروبا، ورغبة في تحقيق هذا الهدف قامت الطائفة بوضع حجر الأساس لأول مسجد لها في الشطر الشرقي من العاصمة الألمانية، فيما واصل السكان احتجاجهم الرافض لبناء المسجد لعدم وجود أتباع للطائفة بالمنطقة التي سيقام عليها المسجد.
وبحسب صحيفة المصريون الإلكترونية يتكون بناء المسجد من طابقين، ويبلغ ارتفاع مئذنته 12 متراً، ومخصص لأتباع الطائفة الأحمدية في منطقة صناعية سابقة بضاحية "هاينرسدورف"، وذكرت الطائفة - التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر - أنها سعت لبناء مسجد جديد بسبب تزايد عدد أتباعها بصورة لم يعد مركزها الحالي الكائن في ضاحية "راينكيندوف" غربي "برلين" كافياً لاستيعابهم.
يذكر أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" قد دعت السعودية إلى وقف حملة الاعتقالات والترحيل التي تشنها ضد أتباع الطائفة الأحمدية بسبب نشرهم لأفكار يرفضها الاعتقاد الإسلامي، وجدير بالذكر أن "القاديانية" دين مُخْتَرَعٌ جديد، ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بقاديان إحدى قرى البنجاب الهندية، وحظي بمباركة ورعاية الاحتلال الإنجليزي، وفيه يعتقد القاديانية بتناسخ الأرواح، وأن الله يصوم، ويصلي، وينام، ويخطيء - تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً -.
http://www.islammemo.cc:المصدر
==============(38/235)
(38/236)
الأحمدية القاديانية
صالح صلاح شبانة
الحقيقة الدولية - عمان
3/5/2006م
لن أضيف كثيراً على ما نشرته "الحقيقة الدولية" في عددها رقم 13، ولن أستعين بكتب ومراجع تفصيلية لبيان حقيقة هذه الجماعة (كما تحب أن تطلق على نفسها)، وأن ما أذكره في هذا السياق هو نضح من الذاكرة من لقاء مطول لي مع دعاة هذه الجماعة، ومن عقر بيتهم، ومقر إقامتهم في حيفا، ومن على جبل الكرمل حيث هناك مركزهم الرئيسي.
كانت بداية معرفتي بهذه الجماعة لأول مرة من خلال كتاب صادر عن رابطة العالم الإسلامي اسمه "القاديانية الأفعى في بلاد (أو ديار) الإسلام"، ومن خلاله أطلعت على فكر وزعيم هذه الجماعة لأول مرة، وبعدها قرأت ما كتب "أبو الأعلى المودودي" و"أبو الحسن الندوي" وهما من علماء الهند الأفاضل، وكلامهما ثقة كونهما هنديان ومرزا أحمد غلام هندي، وكما قيل "أهل مكة أدرى بشعابها"، وبعدها قرأت عدة كتب لم تزد على ما في كتاب "الأفعى في ديار الإسلام" إلا القليل.
كنت في رام الله أثناء عملي في "إذاعة صوت الحب والسلام"، وصباح ذات يوم وأنا أقلب جريدة القدس المقدسية عثرت على إعلان للجماعة، وعجبت كيف نشر هذا الإعلان، فأنا أسمع وأعرف أن الجماعة في حيفا ولكن ليس لدي عنوان لهم، وفي الإعلان رقم هاتفهم وعنوانهم رقم الفاكس، فأرسلت فاكساً قلت لهم بصراحة إني قرأت كثيراً عما قيل عنكم وأني أود أن أسمع منكم حتى تكتمل الدائرة لدي، وتتوضح الصورة، وأترك الباقي لعقلي، فوجئت بترحيبهم الشديد، حيث تم الاتصال بي، وطلبوا مني أن أختار الوقت المناسب، والتاريخ المناسب، واتصل بهم وأتجه إلى مدينة طولكرم حيث سأجد سيارة ومرافقاً ينتظرني، وفعلاً ذهبت، ووجدت في طولكرم أحد أتباعهم، وسيارة أجرة صفراء بانتظاري، وتوجهنا إلى حيفا، وكانت أول مرة أزور فيها حيفا وأرى البحر الأبيض المتوسط وأرى جبل الكرمل، حيث على قمته هناك مسجد بمئذنتين هو مقر الجماعة.
دلفنا إلى الداخل فاستقبلني بقاعة تعلو جدرانها صور لنبيهم المزعوم وخلفاؤه وآخر خليفة يقوم على أمرهم ومقره لندن، واستقبلني بترحاب شديد أمير الجماعة في المنطقة الذي كان دمثاً، وحلو الحديث بحفاوة لا أنساها.
جلسنا نتجاذب أطراف الحديث، قلت له: إنني قرأت الكتب المذكورة أعلاه للمؤلفين الهنود والعرب، فضرب لي مثلاً بأبي لهب ومواقفه المعادية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقريش عموماً ثم سألني: هل تعتقد أن أبا الحسن الندوي وأبا العلاء المودودي هما العالمان الوحيدان في الهند، دولة يبلغ تعداد المسلمين فيها عشرات الملايين؟
فقلت: لا شك أنه يوجد غيرهم كثيرون، فقال لي: ولماذا لم يهاجم أحمد غلام غيرهما؟ قلت له: أولاً أنا لست مؤهلاً لنقاشك وجدالك كوني مسلماً عادياً، وحتى أن اختصاصي بالفلكلور والتراث الشعبي، ولكن من حب المعرفة أتيت لأسمع، وثانياً: إن كل المعلومات التي أريدها منك هي لثقافتي الشخصية، وقد يأتي يوم وأكتب عن هذا اللقاء، وقد لا يأتي اليوم، فلا تعلق عليّ آمالاً إعلامية، وكان ذلك عام 1999م قال: إن ميرزا يعني بالعربية السيد، وميرزا أحمد غلام تعني "السيد أحمد غلام"، فالنبي اسمه أحمد غلام، قلت له: على أي قاعدة ارتكزت نبوته؟ قال: إنه نبي متبع، وليس نبياً مشرعاً، أي أن التشريع الإسلامي انتهى مع سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن أي نبي بعده هو نبع تابع له ولا يجوز أن يأتي بتشريع جديد فهو مجدد لشريعة سيدنا محمد.
سألته: وهل كان يوحى إليه؟ قال: بلى، قلت: ومن الملاك الذي أوحى إليه؟ قال: جبريل!!، قلت: وهل يجوز أن تقرأ ما أنزله جبريل عليه في الصلاة؟ قال: لا، الصلاة لا تكون ولا تجوز إلا بالقرآن الكريم.
قلت على أي أساس زعم النبوة وسيدنا محمد خاتم النبيين؟ فقال: خاتمهم أفضلهم وليس آخرهم، وهاهي معاجم اللغة العربية بين يديك أثبت لي أن خاتمهم آخرهم وأنا أتراجع عن عقيدتي، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين أصحابه وبينهم سلمان الفارسي فقال لأصحابة: لو كان الأمر أو (الإيمان) في الثريا لناله رجل من قوم هذا، ووضع يده على كتف سلمان الفارسي، فكانت تنبؤه لنبي فارسي هو ميرزا أحمد غلام (الحديث سمعته أكثر من مرة شفوياً في عدة مناسبات، ولكني لا أعرف صحته، ولا أعرف من رواه، ولا من خرّجه، ولو كان هذا الموضع دراسة أو تثقيفاً لما أوردته ولكن أروي على لسان الرجل)، ويعتبر هذا الحديث الركن الثاني الذي يرتكز فكر الجماعة عليه بعد (خاتمهم أفضلهم وليس آخرهم)، ثم قال: إن النبوة لا تكون إلا بعد إثبات أن المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - قد مات ولا عودة له إلى الحياة، وأن المسيح المنتظر هو غير عيسى بن مريم، وقد أثبت حضرته (هكذا) أن المسيح قد مات، وقام بالاهتداء إلى قبره وهو في الهند!!، ثم قال: وبما أن المهدي لا يموت في قتال فقد كانت مقولة المهدي السوداني ومن زعم المهدية غير صحيحة، لأنهم قتلوا قتلاً ولم يموتوا حتف أنوفهم كما حدث مع حضرته، لذلك هو يزعم أنه المسيح والمهدي والنبي ميرزا أحمد غلام.(38/237)
قلت له: إنه نبي من صناعة إنجليزية، وهو قام بإلغاء الجهاد وهذا ما اعتبرته بريطانيا من صالحها فقامت بتأييده ودعمه وفتح كل قنوات الإعلام والتسهيلات الوظيفية له ولأتباعه، فقال: هذا غير صحيح، نعم نحن ضد الحرب والقتال، ولكن سبب شكر حضرته للإنجليز أنه كان هناك اضطهاد شديد للمسلمين في الهند، حتى إذا كان أحدهم يطبخ وسمع صوت الآذان يدلق الوعاء لأنه يعتبره نجساً، فقام الإنجليز بإعطاء الحرية للمسلمين وغيرهم بقيام شعائرهم الدينية بحرية، فقال حضرته: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، فشكر الإنجليز على موقفهم، وبعد ذلك ذهب إلى لندن ليدعو الملكة فكتوريا إلى الإسلام، وهذا ما لم يفعله مسلم غيره!.
قلت له: أنت قلت إن جبريل أوحى لأحمد غلام فهلا أهديتني نسخة من هذا الكتاب؟ فقال: إنهم بصدد طباعة هذه الكتب، فعجبت لنبي عمر رسالته أكثر من 120 سنة، وله أتباع قال لي إنهم أكثر من (30) مليوناً، وإن لهم خليفة ومحطة فضائية ودعاة في كل بقاع الأرض، وحتى الآن لا أجد نسخة من كتابه المقدس؟ وسألته لماذا يحجون إلى قاديان بدل مكة، فأنكر ذلك إنكاراً شديداً، وقال: إن قاديان قرية صغيرة في الهند، وزيارتها زيارة لضريح النبي، ولا تسقط الحج لأننا مسلمون موحدون لله ولا نشرك به أحداً.
كان حديثاً طويلاً، وسجلت لقاءاً تلفزيونياً أحاور أحد الجماعة، وأحد علمائها، وكان الحديث ساخناً، وكنت أود إذاعته ليتعرف الناس إلى فكر تلك الجماعة، فهو يقول لك: أنا أوحد الله، وأؤمن برسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وأصوم رمضان، وأصلي الفروض الخمسة، وأؤدي الزكاة، وأحج إلى البيت الحرام، ولما سألته عن شروط الانتساب إلى الجماعة قال لي: أن تكون مؤمناً بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقيم الصلاة، وتؤدي كل فرض تستطيع القيام به حسب الشريعة الإسلامية، وأن تكون على خلق، وأمور أخرى، حتى أنه لم يشترط الانتساب إلى الجماعة بالإيمان بميرزا محمد غلام، فقلت له ممازحاً: على هذا نحن جميعاً (أحمديون) أو (قاديانيون) ونحن لا نعرف!!
كان الحوار طويلاً، وهذا ما أفرزته الذاكرة، ولكن هناك أمور لا بد منها: وهي أنهم محاورون من طراز رفيع، لا يغضبون من الاستفزاز، يستشهد لك بكل ما يقول بآية وحديث، وبيت شعر وأمامك المعاجم وانظر، حتى أن المؤذن رفع الأذان، وحرصت على سماع كاملاً فوجدته أذان المسلمين في كل بقاع الأرض، وأقاموا الصلاة وقد رفضت أداء الصلاة جماعة معهم لأنه لا يجوز لي الصلاة وراء إمام هو في حكم شريعتنا مرتد، ولم يغضبوا مني، وهيأوا لي مناماً في دار الضيافة، وفي اليوم التالي طلبوا من سائق السيارة وهو من جماعتهم أن يريني حيفا، فأخذني بجولة شاهدت حدائق البهائية، وللبهائية قصة مستقلة أخرى، قد نقولها في مناسبة أخرى.
وأوصلوني إلى طولكرم ثم عدت إلى سنجل، ولكن بقيت هذه الزيارة في ذاكرتي، فالمسألة خطيرة جداً، وتتعلق بالعقيدة، وتحتاج إلى وعي كبير وإلى أسلحة دفاعية شديدة، وإلى تعريف كامل بالجماعة، حتى لو تطلب ذلك استدعاء علمائهم وهم لا يمانعون بالمناسبة، ويحاورهم علماء أكفاء، ويظهرون ثغراتهم الخفية حتى لا يقع السذج من الناس في الخطأ، وهم ضليعون بالإعلام، ولهم مجلة شهرية اسمها البشرى.
القاديانية أو الأحمدية ليست حركة سهلة، بل لها جذور ولها من يدعمها، ويفتح أمامها كل الأبواب المغلقة، ويذلل المصاعب من أمامها، وشمال فلسطين يقع في دائرة تأثيرها، ومئات من الناس اعتنقوا المذهب، وآمنوا بنبوة أحمد غلام، وفي الأردن لها جماعة ولها أمير أعرف اسمه، وحدثوني عنه.
http://www.al r ased.net:المصدر
===============(38/238)
(38/239)
القاديانية ... أفكارها وعقائدها
التعريف:
القاديانية دين مُخْتَرَعٌ جديد، ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بقاديان، إحدى قرى البنجاب الهندية، وحظي بمباركة ورعاية الاحتلال الإنجليزي.
المؤسس: ميرزا غلام أحمد القادياني المولود سنة 1265هـ بقاديان.
وقد بدأ ميرزا نشاطه كداعية إسلامي، ثم ادعى أنه مجدد ومُلْهَم من الله، ثم تدرج درجة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، يقول في ذلك: " إن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصري، وأنه سينزل من السماء في عصر من العصور، وقد أثبتُّ في كتابي أنها عقيدة خاطئة، وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام عن طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأن هذا العاجز - يعني نفسه - هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام"!!.
ثم انتقل من دعوى المثيل والشبيه بالمسيح - عليه السلام - إلى دعوى أنه المسيح نفسه، فقال: " وهذا هو عيسى المرتقب، وليس المراد بمريم وعيسى في العبارات الإلهامية إلا أنا "، ولما كان المسيح نبيا يوحى إليه، فقد ادعى ميرزا أنه يوحى إليه، وكتب قرآنا لنفسه سماه " الكتاب المبين " يقول: " أنا على بصيرة من رب وهّاب، بعثني الله على رأس المائة، لأجدد الدين وأنور وجه الملة وأكسر الصليب وأطفيء نار النصرانية، وأقيم سنة خير البرية، وأصلح ما فسد، وأروج ما كسد، وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، منَّ الله علي بالوحي والإلهام، وكلمني كما كلم الرسل الكرام".
ويبدو أن دعوى أنه المسيح لم تلق القبول المرجو، ولم تحقق الغرض المؤمل منها، فانتقل من دعوى أنه المسيح النبي إلى دعوى أنه محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الحقيقة المحمدية قد تجسدت فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث مرة أخرى في شخص ميرزا غلام، يقول ميرزا: " إن الله أنزل محمدا صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في قاديان لينجز وعده "، وقال: " المسيح الموعود هو محمد رسول الله وقد جاء إلى الدنيا مرة أخرى لنشر الإسلام " ثم ادعى أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه من اتبعه من الدهماء والغوغاء وأهل الجهل والمصالح الدنيوية.
نماذج من تخليطه:
رغم تلك الدعاوى العريضة التي ادعاءها ميرزا لنفسه إلا أنه كان ساذجا فاحشا بذي اللسان، يكيل لخصومه أقذع الشتم والسب!!
أما وحيه الذي ادعاه لنفسه فقد كان خليطا من الآيات المتناثرة التي جمعها في مقاطع غير متجانسة تدل على قلة فقهه وفهمه للقرآن، وإليك نماذج من وحيه المزعوم، قال: " لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق على هذه الحاشية، وذلك في شهر مارس 1882م ما نصه حرفيا: " يا أحمد بارك الله فيك، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. الرحمن علم القرآن، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين، قل إني أمرت وأنا أول المؤمنين، قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.. إلخ " ويقول أيضا: " ووالله إنه ظل فصاحة القرآن ليكون آية لقوم يتدبرون. أتقولون سارق فأتوا بصفحات مسروقة كمثلها في التزام الحق والحكمة إن كنتم تصدقون "!!
وأما نبوءاته فما أكثرها وما أسرع تحققها لكن بخلاف ما أنبأ وأخبر، فمن ذلك أنه ناظر نصرانيا فأفحمه النصراني، ولما لم يستطع ميرزا إجابته غضب على النصراني، وأراد أن يمحو عار هزيمته، فادعى أن النصراني يموت - إن لم يتب - بعد خمسة عشر شهرا حسب ما أوحى الله إليه، وجاء الموعد المضروب ولم يمت النصراني، فادعى القاديانيون أن النصراني تاب وأناب إلا أن النصراني عندما سمع تلك الدعوى كتب يكذبهم ويفتخر بمسيحيته!!
ومن ذلك زعمه: أن الطاعون لا يدخل بلده قاديان ما دام فيها، ولو دام الطاعون سبعين سنة، فكذبه الله فدخل الطاعون قاديان وفتك بأهلها وكانت وفاته به، وهو الذي قال " وآية له أن الله بشره بأن الطاعون لا يدخل داره، وأن الزلازل لا تهلكه وأنصاره، ويدفع الله عن بيته شرهما ".
عقائد القاديانية:
1. يعتقد القاديانية بتناسخ الأرواح: حيث زعم ميرزا أن إبراهيم - عليه السلام - ولد بعد ألفين وخمسين سنة في بيت عبد الله بن عبد المطلب متجسدا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم بُعث النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أخريين أحدهما عندما حلت الحقيقة المحمدية في المتبع الكامل يعني نفسه.
2. يعتقدون أن الله يصوم ويصلي وينام ويخطيء، - تعالى -الله عن قولهم علوا كبيرا، يقول ميرزا: " قال لي الله: إني أصلي وأصوم وأصحو وأنام " وقال: " قال الله: إني مع الرسول أجيب أخطيء وأصيب إني مع الرسول محيط ".
3. يعتقدون أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، وأن الله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً!! وأن جبريل - عليه السلام - كان ينزل على غلام أحمد بالوحي، وأن إلهاماته كالقرآن.(38/240)
4. يقولون: لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام)، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة "غلام أحمد"، ويعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين، وهو غير القرآن الكريم!
5. يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل، وشريعة مستقلة، وأن رفاق الغلام كالصحابة، كما جاء في صحيفتهم "الفضل، عدد 92 ": " لم يكن فرق بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلاميذ الميرزا غلام أحمد، إن أولئك رجال البعثة الأولى وهؤلاء رجال البعثة الثانية ".
6. يعتقدون أن الحج الأكبر هو الحج إلى قاديان وزيارة قبر القادياني، ونصوا على أن الأماكن المقدسة ثلاثة مكة والمدينة وقاديان، فقد جاء في صحيفتهم: " أن الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب، لأن الحج إلى مكة لا يؤدي رسالته ولا يفي بغرضه ".
7. يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات!!
8. كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوَّج لغير القاديانيين فهو كافر!!.
9. ينادون بإلغاء الجهاد، ووجوب الطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية التي كانت تحتل الهند آنذاك، لأنها - وفق زعمهم - ولي أمر المسلمين!!
10 يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية!!
بعض زعماء القاديانية:
• الحكيم نور الدين البهريري: وهو أبرز شخصية بعد (الغلام) والخليفة من بعده، ولد سنة 1258هـ تعلم الفارسية ومباديء العربية.
• محمود أحمد بن غلام أحمد: الخليفة الثاني للقاديانيين، تولى الزعامة بعد وفاة الحكيم نور الدين، وأعلن أنه خليفة لجميع أهل الأرض، حيث قال: " أنا لست فقط خليفة القاديانية، ولا خليفة الهند، بل أنا خليفة المسيح الموعود، فإذا أنا خليفة لأفغانستان والعالم العربي وإيران والصين واليابان وأوربا وأمريكا وأفريقيا وسماترا وجاوا، وحتى أنا خليفة لبريطانيا أيضا وسلطاني محيط جميع قارات العالم ".
• الخواجة كمال الدين: كان يدّعي أنه مثل غلام أحمد في التجديد والإصلاح، وقد جمع كثيرا من الأموال، وذهب إلى إنجلترا للدعوة إلى القاديانية، ولكنه مال للَّذات والشهوات وبناء البيوت الفاخرة.
موقف علماء الإسلام من القاديانية:
لقد تصدى علماء الإسلام لهذه الحركة، وممن تصدى لهم الشيخ أبو الوفاء ثناء الله أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظر "ميرزا غلام" وأفحمه بالحجة، وكشف خبث طويته، وكُفْر وانحراف نحلته. ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك "الميرزا غلام أحمد القادياني" في عام 1908م، مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً كلها تدعوا إلى ضلالاته وانحرافاته.
وقام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة أحد زعماء هذه الطائفة "ميرزا ناصر أحمد" والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود - رحمه الله -. وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها "ناصر أحمد" عن الجواب وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل معها، وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين.
وقد صدرت فتاوى متعددة من عدد من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، تقضي بكفر القاديانية، منها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، هذا عدا ما صدر من فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها.
وقفة مع القاديانية:
كثيرة هي الأشياء التي تستدعي الانتباه في ظاهرة القاديانية، لكن ما نراه جديرا بالملاحظة وحريا بالاهتمام هو البحث في جذور نشأة تلك الحركات، وكيف وجدت في البيئة الإسلامية تربة خصبة لنشر أفكارها، مع أنها حركة في لبِّها وحقيقتها وفي ظاهرها وعلانيتها مناقضة لثوابت الدين، مصادمة لحقيقته، فالأمة مجمعة إجماعا قطعيا يقينيا على أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل دعوى النبوة بعده فهي ضلال وهوى، هذا غير بدعهم الكفرية الأخرى.
والسؤال الذي يرد هنا، هو كيف أصبح لهؤلاء أتباعاً من المسلمين؟ ولعل الجواب على هذا السؤال - رغم أهميته - لا يحتاج إلى كبير عناء، فالجهل هو السبب الرئيس وراء اتباع مثل هذه الحركات، ووراءه كذلك تقصير مرير من علماء الأمة وطلبة العلم فيها عن واجب البلاغ، حفظا للدين وقمعا لدعوات البدع والضلال والردة.
وعليه فالعلاج كما هو واضح - يتركز في نشر العلم وتبليغ الدين، وعدم إهمال أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، ولو كانت في أطراف الدنيا، حفظا للدين وحتى تسلم الأمة من أمثال هذه البدع المهلكة.
12/04/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
==============(38/241)
(38/242)
التجاوز لإنكار المنهج أولى
محمد إبراهيم مبروك* 17/7/1424
14/09/2003
مع تصاعد حدة الصدام بين التحالف الأمريكي الصهيوني والعالم الإسلامي في المرحلة الأخيرة، وقد تصاعدت معها الدعوة إلى الالتزام بالمنهج العقلاني الرشيد في التعامل مع المستجدات الدولية بعيداً عن العواطف وروح الانفعال، وقد خرجت هذه الدعوة بوجه خاص من جانب فريق من كتاب التيار الليبرالي العربي، وفي الوقت الذي يدعي فيه هذا الفريق من قاعدة "وجوب مواجهة العدوان الأمريكي ـ الصهيوني" التي تتفق عليها الأمة؛ إلا أنه برغم أن منهج هذه المواجهة لابد أن يمضي في طريق مخالف تماماً لما تعتقده أغلب القوى الوطنية والإسلامية بوجه عام، حيث لا يقوم هذا المنهج على القتال وبث روح الجهاد على أساس أن كل ذلك جهد يائس لا طائل منه، بل هو يؤدي لا محالة إلى المزيد من الكوارث على الأمة لعدم التكافؤ في القوى العسكرية والتكنولوجية، وإنما يقوم على التقدم العلمي والتكنولوجي والقيام بالتنمية الاقتصادية والسياسية وسيادة وترسيخ قيم الديمقراطية، وإحراز المكاسب السياسية الممكنة، ومن خلال الحوار والتفاوض مع الأعداء، وكذلك الاتهام الدائم للمجاهدين بأنهم يندفعون في المواجهة بروح الثأر والانتقام دون منهج أو رؤية.
ولا يهدف مقالي هذا إلى تفنيد تلك الدعاوى التي لا تثير سوى الاحتقار في نفوس المخلصين من أبناء هذه الأمة وفي مقدمتهم الإسلاميون؛ ولكني أعرض كيف أن مثل هذه الدعاوى ما هي إلا ترديد ساذج لنفس دعاوى عملاء الاستعمار عن امتداد التاريخ الحديث.
وبين يدي الآن سفر حافل بالشواهد العديدة على ما أقول، وهو كتاب الدكتور (محمد البهي) الشهير "الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي" والدكتور (محمد البهي) أبعد ما يكون عن تهمة التعصب أو التكفير أو التخوين والمعدة سلفاً على ألسن هؤلاء؛ ليتهموا بها كل من يحاول كشف زيف دعاويهم ومفارقتهم لجموع الأمة.
فهو رجل أزهري حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من ألمانيا، وترقى في المناصب الحكومية حتى تولى وزارة الأوقاف المصرية في أوائل ستينيات عهد الرئيس جمال عبد الناصر، أي أن الرجل رجل دولة تم تنويره في أوروبا، بل تحديداً في ألمانيا ذروة الفلسفة الغربية، ولم يكن في يوم من الأيام رافداً من روافد التيار الإسلامي الموصوم بالإرهاب من جانب الأمريكيين، واللاعقلانية من جانب العلمانيين العرب.
يتحدث الرجل عن وسائل الاستعمار في توجيه عقل الشعوب المسلمة إلى الوفاق مع مصالحة؛ فيقول عن صورة ذلك: "قيام بعض مفكري المسلمين بحركة تقدمية في الإسلام تبغي تقرير سلطة المستعمر، وتثبيت ولايته على المسلمين من الوجهة الإسلامية، أو بعبارة أخرى؛ تبغي عدم تحديه ومعارضته سواء في مباشرة سلطته على المسلمين، أو في إدخاله ما يسميه بنظم الإصلاح الحديثة بينهم".
ومن أهم النماذج التي يذكرها الدكتور (البهي) في هذا السياق حركة السيد (أحمد خان)، والحركة "القاديانية" التي أسسها ميرزا غلام أحمد القادياغي في الهند في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فبعد أن أنشأ الأول جريدة باسم "تهذيب الأخلاق" لا ينشر فيها إلا ما يضلل عقول المسلمين، وعمل على شرح آيات القتال مما تضعف من فرضية الجهاد في ذلك الوقت، جاء الثاني ليقرر أن الجهاد ليس هو اللجوء إلى العنف باستخدام أدوات الحرب، وإنما هو وسيلة سلمية للإقناع، أما تأويل الأول لإضعاف تلك الفريضة فكان كالتالي: مادام السلطان في الهند في يد الإنجليز، ولهم من القوة المادية من الأسلحة والذخائر في البر والبحر، ومن القوة العلمية والسياسية ما لا تستطيع الهند مقاومته؛ فالأولى مسالمة الإنجليز، والتفاهم معهم، وأخذ ما نستطيع لخير الشعب منهم.
ويلخص الدكتور (البهي) أهم الأفكار التي يروجها عملاء الاستعمار فيما يخص المواجهة معه بوجه عام؛ فيقول: "إن فكرة إبعاد الإسلام عن مجال العلاقات بين الأفراد من وحي الاستعمار، وفكرة توقيت الجهاد بعهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعهد صحابته، أو فكرة إلغائه؛ فكرة استعمارية" .
وفكرة أن الظروف الدولية تدعو المسلم إلى الولاء لغير المسلم، وإلى رضائه بحكومته؛ فكرة استعمارية.
وفكرة أن الإسلام كدين يتعدد بتعدد شعوبه وأجناسه بتعدد مصادره؛ فكرة استعمارية" .
ويستطيع القارئ إدراك مدى التطابق بين هذه الأفكار الاستعمارية التقليدية والتي جاءت دائما على يد مدعي الإصلاح والتنوير والتجديد والإسلامي أحياناً، وبين تلك الدعاوى التي يرددها فريق الليبراليين الجدد الذين يسيطرون على أهم أجهزة الإعلام في الغالب الأعم من الدول الإسلامية؛ بل ويمتد نفوذهم في وسائل الإعلام الأخرى غير الرسمية بامتداد النفوذ السياسي و الاقتصادي الأمريكي.(38/243)
وما أرمي إليه هو أنه من الخطأ الأكبر عند الحوار مع هؤلاء؛ الاكتفاء بالعمل على إثبات خطأ المنهج الذي يدعون أتباعه، ولكن تجاوز ذلك إلى العمل على إثبات عدم وجود منهج أصلاً، وتناقص دعاويهم مع أبسط فروض المنطق والبديهيات المستخلصة من تجارب الشعوب، ومن ثم فضح عدم وجود دوافع لاتخاذهم هذا الموقف سوى المصالح المرتبطة بالدور العميل الذي يقومون به.
* مفكر وكاتب إسلامي
==============(38/244)
(38/245)
يا مسلمون ... إنها قاديانية جديدة
الدكتور جابر قميحة
تنسب «القاديانية» إلي «غلام أحمد» الذي ولد سنة 1839م في قرية «قاديان» إحدي قري البنجاب في الهند. وأبوه كان عميلاً للاستعمار الإنجليزي ففي سنة 1851 - حينما ثار الهنود ضد الحكومة الإنجليزية - أمدها بخمسين جنديًا من رجاله، وكذلك بخمسين فرسا. وكان غلام أحمد - من طفولته - غريب الأطوار والسلوك، مصابًا بعدد من الأمراض: منها الجسمي، ومنها النفسي.
بداية الظهور
وكانت سنة 1877 هي بداية ظهور هذا الرجل الغريب حين استغل حماسة المسلمين، وتوهج مشاعرهم الدينية، فنشر إعلانات ومقالات ضد الهندوس والنصارى. ثم أعلن أنه شرع في كتابة كتاب من خمسين مجلدًا، ينقض كل ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات وافتراءات ضد هذا الدين العظيم. ولكن «غلام أحمد» أعلن أنه عاجز عن تكاليف طبعه، ووعد بأنه سيرسل المجلدات الخمسين تباعًا بنصف الثمن لمن يدفع مقدمًا، فانهالت عليه الأموال من كل مكان. ثم فوجئ المسلمون بأن الأجزاء الأولي تتحدث عن كراماته، وعن عظمة الاستعمار الإنجليزي، وضرورته للهند وبلاد الشرق. فلما اعترض المسلمون علي هذا كتب في الجزء الرابع من كتابه هذا الذي سماه "براهين أحمدية "».. فليعرف كل واحد أني ما مدحت هذه الحكومة (حكومة الاستعمار الإنجليزي (إلا اتباعًا لتعليمات القرآن والسنة.
ولكن الكتاب وقف عند الجزء الخامس، وحينما سأله الناس كيف يفعل هذا، مع أنه أخذ منهم قيمة خمسين مجلدًا لا خمسة قال بالحرف الواحد «نعم أنا وعدت بطبع الكتاب في خمسين مجلدًا، ولكن لا فرق بين (5 و50 ) إلا نقص النقطة الواحدة، لذلك أنا لم أخلف الوعد »!!، وهو تلاعب عبثي بالألفاظ ظاهر المغالطة.
ولما اعترض عليه المعترضون لأنه يجمع مبالغ طائلة باسم الدفاع عن الدين، ثم ينفق هذه الأموال الطائلة على نفسه وزوجاته - كان رده ".. أنا خليفة اللّه في الأرض، فلا يمكن أن أُسأل أين أنفقت، وأين صرفت، إن المؤمنين حقًا هم الذين يعطونني ما لا ثم لا يسألونني"...
ادعاء النبوة
ويدّعي النبوة، ويوظف «نبوته المدعاة» لمصلحة الاستعمار الإنجليزي، والتمكين له، فيكتب في كتاب له باسم «تذكرة وحي المقدس»: إني رأيت مَلَكًا في صورة شاب إنجليزي، ما تجاوز عمره عشرين سنة، وهو جالس على كرسي، وأمامه منضدة، فقلت له إنك جميل جدًا، فقال أي نعم.
ويدعي أنه أُلهم - أو أوُحي إليه - بعض العبارات الإنجليزية، وهي ""I Love you"" يعني أنا أحبك، وكذلك I with you يعني أنا معك، وكذلك I can what I will do أي نحن نستطيع أن نفعل ما نريد. ففهمت التلفظ واللهجة كأن إنجليزيًا يتكلم عند رأسي» (من كتابه: براهين أحمدي).
ويصرح بإخلاصه، ووفائه للمستعمرين الإنجليز، فيكتب: "نحن نتحمل كل البلايا لأجل حكومتنا المحسنة، وسنتحمل أيضًا في المستقبل، لأنه واجب علينا أن نشكرها لإحسانها ومنّتها علينا، ولا شك نحن فداء بأرواحنا وأموالنا للحكومة الإنجليزية".
إلغاء فريضة الجهاد
وأخطر من ذلك إعلانه انتهاء فريضة «الجهاد»، وأنه لا مكان شرعيًا لها علي أيامه "إن اللّه خفف شدة الجهاد، أي القتال في سبيل اللّه بالتدريج: فكان يقتل الأطفال في عهد موسي، وفي عهد محمد ألغي قتل الأطفال والشيوخ والنسوان، ثم وفي عهدي (!!) ألغي حكم الجهاد أصلاً".
ويقول: " اليوم ألغي حكم الجهاد بالسيف، ولا جهاد بعد هذا اليوم، فمن يرفع بعد ذلك السلاح علي الكفار، ويسمي نفسه غازيًا، يكون مخالفًا لرسول اللّه الذي أعلن قبل ثلاثة عشر قرنًا بإلغاء الجهاد في زمن «المسيح الموعود» (أي في زمن القادياني)، فأنا المَسيح الموعود، ولا جهاد بعد ظهوري الآن، فنحن نرفع علم الصلح، وراية الأمان ".
ومن أقواله كذلك:
-" اتركوا الآن فكرة الجهاد، لأن القتال للدين قد حُرم، وجاء الإمام والمسيح، ونزل نور اللّه من السماء، فلا جهاد، بل الذي يجاهد في سبيل اللّه الآن فهو عدو اللّه، ومنكر للنبي".
- " إن هذه الفرقة - الفرقة القاديانية - لا تزال تجتهد ليلاً ونهارًا لقمع العقيدة النجسة، عقيدة الجهاد من قلوب المسلمين".
القاديانيون الجدد
وفي أيامنا هذه المنكوسة الموكوسة نري «القاديانية» تُبعث من جديد بأسماء جديدة، ودعاوي صريحة أو مغلفة، وبأدعياء جدد يعتبرون الجهاد إرهابا وتخريبًا، وأن الدفاع عن الدين والوطن والأرض والعرض خيانة وطيش وغباء، والذين نهضوا لذلك لا يدركون أن المواضعات العالمية الجديدة تقتضي توقف المقاومة، وإلقاء السلاح، وموادعة الأعداء الناهبين القتلة، واحتضان السلام أي الاستسلام التام للإرادة الأمريكية. تمامًا كما كان يدعو الكذاب «غلام أحمد القادياني» إلي الرضوخ الكامل لحكومة جلالة الملكة البريطانية، والعيش في ظلها، والتمتع بعطاياها ومنحها، ونعمها.(38/246)
وقام «القاديانيون» الجدد بإلغاء المدارس الدينية في بعض البلاد الإسلامية كاليمن وباكستان، وحل الجماعات الإسلامية وإلقاء القبض علي قادتها، والآلاف من أعضائها. وتجفيف المنابع - بأمر من أمريكا سيدة العالم - قائم علي قدم وساق باسم القضاء علي الإرهاب من جذوره، ومن مظاهره القائمة والمنتظرة: تعديل المناهج والمقررات التعليمية بإلغاء آيات الجهاد، والآيات التي تكشف مخازي اليهود وآثامهم وجرائمهم في حق الأنبياء والشعوب.
وكذلك إلغاء مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وخيبر، وكيف واجههم بحسم، وقضي عليهم، بعد أن خانوا، وغدروا وناصروا الكفار عليه، وحاولوا اغتياله، والقضاء علي الدولة الإسلامية الناشئة.
وكذلك إبعاد خطباء المساجد غير «المستأنسين»، وتوحيد خطبة الجمعة.. إلخ.
هذه هي بعض مظاهر «القاديانية الجديدة»، وما أشبه الليلة بالبارحة.
http://al-shaab.o r g المصدر:
==============(38/247)
(38/248)
القاديانية نحلة هدامة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهدوا أن محمداً عبده ورسوله واشهدوا أن حفيدة المهدي المنتظر رسول من الله عليهما افضل الصلاة والتسليم .
قال تعالى ?وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ? صدق الرحمن الرحيم .
أن الصراط الذي أمرنا الله به هو المنجي الوحيد لنا من الفتن التي كثرة في زماننا فبتمسكنا بكتاب الله وسنة نبيه سيبعدنا الله من أهل الفرق والمذاهب الفاسدة فهم يأتون كل يوم بصورة تشوه الدين الإسلامي ويبتدعون في كل لحظه ما يناسب آرائهم واهوائهم قرب الله بنهايتهم ونهاية كل مبتدع يريد تعطيل حكم الله .
ومن هذه المذاهب الخطيرة التي تتخذ من اسم الإسلام شعار لستر أغراضها الخبيثة وعقائدها الفاسدة وهي طائفة كافرة ومن أخطر دعواها : دعوى النبوة لزعيمها ؛ وتحريف نصوص القران ؛ وإبطال الجهاد ؛ وتكفير المسلمين ، وموالاة الأعداء ..
" مذهب القاديانية "
وهم أتباع المتنبي الكذاب ميرزا غلام أحمد القادياني.
سبب التسمية :
ـــــــــــــــــــــ
وسميت بهذا الاسم نسبة إلى " قاديان " البلدة التي ولد فيها المتنبي الكذاب .
اسم آخر للقاديانية :
ـــــــــــــــــــــــــــ
والقاديانية يسمون أنفسهم في أفريقيا وبعض الأقطار " أحمدية " نسبة إلى هذا المدعي للنبوة المسمي " احمد " وتضليلاً للمسلمين حيث يدل ظاهر التسمية على انهم ينتسبون إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم الذي من أسمائه أحمد ، وحقيقة نسبتهم إلى أحمدهم الكذاب ولا علاقة لهم برسول ا صلى الله عليه وسلم وهم يشتهرون باسم القاديانية وبها يعرفون في باكستان والهند وكثير من بلدان العالم الإسلامي .
لمحة تاريخية عن :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أـ نشأتها :
=====
أسسها ميرزا غلام أحمد القادياني في القرن التاسع عشر الميلادي في بلاد الهند إبان الاستعمار الإنجليزي للهند وقد تحقق علمياً وتاريخياً أن القاديانية وليدة السياسة الإنجليزية ، وما أنشئت إلا لخدمة أغراض الاستعمار البريطاني وقد صرح هذا القادياني في بعض كتاباته بأنه غرس غرسته الحكومة الإنجليزية ، وأنه مدين لها بالولاء والوفاء ، ولهذا جعل من أركان دينه وجوب طاعتها ، وإبطال الجهاد بل اعترف هذا المتنبي أن الاستعمار الإنجليزي هو الذي افترى له دعوى النبوة .
ب ـ عوامل ( وظروف ) نشأة القاديانية :
======================
هناك عوامل كثيرة ساعدت على نشأة وظهور القاديانية منها .
أولا : طبيعة البيئة الهندية التي يخيم عليها الجهل فهي من قديم الزمان وطن الأديان الوثنية والنحل والمذاهب وبيئة المتنبئين والمتأهلين
ثانياً : أن الحكومة الإنجليزية وهي التي لها السيطرة على بلاد الهند في تلك الفترة ـ تبنتها واحتضنتها ودفعت الناس لاعتناقها
ثالثاً : استخدام هذا الدجال أساليب الباطنية في الدعوة وذلك بالتدرج في دعوته للناس حتى انخدع به الأغرار والبسطاء وكون لنفسه جماعة
رابعاً : بعد قيام دولة باكستان فرض الإنجليز أحد اتباع هذا القادياني وجعلوه في منصب وزير الخارجية لباكستان ، فوظف اتباع نحلته في السفارات الباكستانية في عواصم العالم ، ودسهم في مصالح الحكومة الأخرى ومن أخطرها الجيش فشكلوا خلايا تبث سمومها في باكستان والعالم الإسلامي .
وهذه نبذه عن مؤسسها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أـ اسمه : غلام أحمد بن الميرزا غلام مرتضى بن عطا محمد .
ب ـ نسبه وأسرته : يزعم الغلام أن أسرته مغولية نزحت من سمرقند وفي مقام آخر زعم أنه أوحى أليه أن أسرته فارسية ومرة أخرى قال إني فاطمي من بني فاطمة ومرة أنه صيني الأصل وعندما سألوه عن هذه التناقضات يقول إنه هكذا أخبر عن الله .
ج ـ ولادته : ولد الميرزا غلام أحمد سنة 1840م في مدينة قاديان .
د ـ نشأته وحياته : تلقى في مدينة قاديان مبادئ العلوم ومنها الفلسفة والمنطق ، والطب واشتغل بالوظائف فترة من الزمن وانصرف إلى إدارة شؤون المزارع التي كان يملكها وقد أصيب كما جاء كتبه وكتب اتباعه بأمراض فتاكة خطيرة كما أصيب بلوثة عقلية ونوبات عصبية حادة وكان يتداوى من أمراضه ببعض المواد المسكرة وقد توفي والده سنة 1876م وبمجرد وفاة والده ادعى انه يتلقى الإلهامات من الله تعالى .
دوافعه:
=======
1ـ حب الزعامة والتسلط باسم الدين
2ـ ثبت من كتابات المتنبي الكذاب وكتابات اتباعه انه مصاب بمرض " المالخوليا " وهو مرض يطلق كما قال الأطباء على ما يعتري المرء من حالات غير طبيعية في خيالاته و أفكاره ومن أعراض هذا المرض أن المصاب بالمالخوليا يتغلب عليه الخوف وتفسد أفكاره ويصاحبه أوهام كثيرة تنشأ مما يشغل باله زمن الصحة .
وقد اثر هذا المرض على الغلام فأعلن أوهامه واستغله المستعمر فساعده ووضع على رأسه تاج النبوة الكاذب .
3ـ الأغراض السياسية الغامضة وخدمة الحكومة البريطانية والعمل لمصلحتها .
دعاواه :
==========(38/249)
تدرج المتنبي القادياني في دعوته تدرجاً يذكرك بوسائل الباطنيين والاسماعيليين في نشر دعوتهم .
1ـ فادعى أولا انه ينزل عليه الوحي عن طريق الإلهام .
2ـ ثم ادعى ثانياً انه مجدد العصر ، وانه يشبه المسيح عيسى بن مريم في صفة التواضع والدعة والمسكنة .
3ـ وفي المرحلة الثالثة زعم انه هو المسيح الموعود بنزوله في آخر الزمان ، ولكنه قال بأنه نبي نبوة جزئيه .
4ـ وفي عام 1901 م ادعى انه نبي نبوة كاملة ومن أقواله في ذلك (( إن دعواي هي أني رسول ونبي ))
5ـ وأخيراً في عام 1904م أضاف دعوى جديده إلى دعاواه السابقة فادعى انه " كرشنا " وكرشنا هذا معبود من معبودات الهنادك وهم يعتقدون فيه ما يعتقده المسلمين في الله عز وجل .
نهايته :
==========
في عام 1907م قام هذا المتنبي الكذاب بتحدي أحد علماء الهند وهو العالم " بمولانا ثناء الله تسري ، الذي كان يكشف كفر هذا الغلام . وكتب المتنبيء الدجال يستفتح ويدعو الله أن يقبض الكاذب في حياة صاحبه ويسلط عليه داء مثل الطاعون يكون فيه حتفه .
وبعد ذلك كشف الله سبحانه الكذب وأظهر الحق فبعد ثلاثة عشر شهراً وعشرة أيام جاء هذا المتنبيء ما استفتح فيه وهلك بمرض الطاعون في السادس والعشرين من مايو سنة 1908م .
تنظيماتها :
==========
1ـ أنشأ القاديانيون بلده سموها " ربوة " في باكستان جعلوها مركزاً خاصاً للقاديانيين ، وخططوا لإقامة دولة لهم في باكستان كما صرح بذلك بشير الدين محمود في خطبة له بعد قيام باكستان بسنة .
2ـ سمو دجالهم بـ " أمير المؤمنين " .
3ـ أنشأوا سبع إدارات أشبه ما تكون بتنظيم دولة ومن هذه الإدارات .
أـ رئاسة المجلس الأحمدي ، وهي أشبه ما تكون بمجلس الوزراء وتتبع هذه الرئاسة عشر شعب كالوزارات: نظارة الأمور الخارجية ، نظارة التعليم ، نظارة الزراعة .
ب ـ الوقف الجديد ، ومهمتها تهيئة أشخاص يرسلون لمختلف البلدان لنشر أباطيلهم .
ج ـ أنصار الله : وهي منظمة عسكرية تقوم بحماية دجالهم .
أهم مبادئهم :
============
1ـ تعتقد القاديانية بأن لهم إلهاً يتصف بصفات البشر ، يصوم ، ويصلي وينام ويصحو ، ويخطئ ويصيب ولهم في ذلك نصوص كثيرة سوداء مظلمة وهم يعترفون بأن إلهم غير إله المسلمين .
2ـ يعتقدون أن النبوة لم تختم بخاتم الأنبياء ويكفرون بالنصوص المتواترة في ذلك ولهذا قالوا بنبوة دجالهم ، كما ادعى النبوة مجموعة من أتباعه .
3ـ يعتقدون أن لهم كتاباً مستقلاً يضاهي القرآن في المرتبة وله عشرون جزءاً واسمه " الكتاب المبين " .
4ـ يؤمنون بأن الحج المفروض هو الحضور في المؤتمر السنوي في القاديان .
5ـ يعتقدون بأنهم أمة مستقلة ودين مستقل وأنهم ينفصلون عن المسلمين في كل شيء في العقيدة والعبادة وغيرها فهم يقولون ليس شيء يجمع بيننا وبين المسلمين فربنا غير رب المسلمين وقرآننا غير قرآنهم وصلاتنا غير صلاتهم . ولكنهم مع ذلك يدعون الإسلام وينشرون كفرهم باسم الإسلام .
6ـ يرون أن نصف دينهم وركنه الأكبر هو طاعة الحكومة البريطانية .
لقد فعل زعيم هذه الفرقة غلام احمد كل ما يخدم مصالح الإنجليز ولم يخفي أبدا حبه وولائه للإنجليز وهذا واضح في تصريحاته ورسائله وكتبه .
فمن أقوال هذا الخبيث : "لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر-الإنجليز-من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة!! وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية ومصر والشام وتركيا، وكان هدفي دائماً أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة، وتمحى من قلوبهم قصص المهدي السفاك والمسيح السفاح، والأحكام التي تبعث فيهم عاطفة الجهاد وتفسد قلوب الحمقى"
وقال أيضاً في رسالة قدمها إلى نائب حاكم المقاطعة:
"لقد ظللت منذ حداثة سني-وقد ناهزت اليوم الستين- أجاهد بلساني وقلمي لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية والنصح لها والعطف عليها وألغي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهالهم، والتي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة، وأرى أن كتاباتي قد أثرت في قلوب المسلمين، وأحدثت تحولاً في مئات الآلاف منهم"
والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه الأسرة التي هي من غرس الإنجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم واحتياط وتحقيق ورعاية، وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة"
ومن أقواله في حماية بريطانيا له وشكره لهم :
"ولما جعلني الله عز وجل مثيل عيسى جعل لي السلطنة البريطانية ربوة أمن وراحة ومستقراً حسناً؛ فالحمد لله مأوى المظلومين، ولله الحكم والمصالح، ما كان لأحد أن يؤذي من عَصَمَهُ الله، والله خير العاصمين" .(38/250)
وقال كذلك: "ولولا سيف الحكومة لأرى منكم ما رأى عيسى من الكفرة، ولذلك نشكر هذه الحكومة لا بسبيل المداهنة بل على طريق شكر المنة، ووالله إنا رأينا تحت ظلها أمناً لا يرجى من حكومة الإسلام في هذه الأيام، ولذلك لا يجوز عندنا أن يرفع عليهم السيف بالجهاد، وحرام على جميع المسلمين أن يحاربوهم ويقوموا للبغاوات والفساد، ذلك بأنهم أحسنوا إلينا بأنواع الامتنان" .
ومن شدة تعلق هذا الرجل ببريطانيا قال أن الوحي يأتيه عن طريق شاب انجليزي.
==============(38/251)
(38/252)
الطائفة الأحمدية القاديانية
د. حكمت الحريري
هذه الدراسة جواب لسؤال ورد إلينا من إخوة في هولندا، يسألون عن حقيقة هذه الطائفة ومما ورد في خطابهم: "نحن جماعة كثير ما وقع بيننا اختلاف بل خلاف يكاد أن يصير إلى شجار بيننا فيما يسمى بالعقيدة الأحمدية أو مذهبها، هناك من يقول فيهم بأنهم من المرتدين وهناك من يقول غير ذلك، لذلك اتجهنا إليكم.. لنتخذكم حكماً فيما بيننا.. [لذا] نرجو أن تخصصوا لنا في مجلتنا الشهرية (السنة) موضوعاً عن هذه (العقيدة الأحمدية).. ". [التحرير]
سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير، الخافض الرافع المعز المذل المحي المميت، مكور الليل على النهار ومكور النهار على الليل، القائل في محكم كتابه: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)).
لقد حاصرت الجيوش الإسلامية أيام الخلافة العثمانية النمسا عدة مرات، وبقي علم الهلال يرفرف على حدود إيطاليا عشرات السنين كان ذلك في عهد ازدهار الخلافة العثمانية.
ولكن ثمة أمور حصلت ودارت الأيام، فانقلبت الموازين، وجعلت الغازي مغزواً والمهاجم مدافعاً، ولذلك أسباب ليس هذا موضع بحثها وتفصيلها.
ضعفت الخلافة العثمانية في آخر عهدها حتى أطلق عليها لقب "الرجل المريض" صارت البلاد الأوربية تقتسم الميراث، فأصبحت البلاد الإسلامية طعمة للمستعمرين ونهبة للظالمين، فاحتلت بريطانيا شبه القارة الهندية وممالك إسلامية أخرى، واحتلت فرنسا بلاد المغرب وجزءاً من بلاد الشام، واحتلت هولندا إندونيسيا!! وهكذا.. وما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا.
بعد هذه السيطرة الاستعمارية على بلاد العالم الإسلامي ظهرت الفتن والمحن والمصائب التي تشيب من هولها الولدان، والرزايا التي تدع الحليم حيران، ظهرت الحركات القومية، والفتن الطائفية، والدعوات الوطنية، وغير ذلك من عقائد كفرية وشركية، ظهرت في إيران الدعوة البابية والبهائية وفي الشام رجل ادعى الألوهية، وفي الهند الحركة الأحمدية القاديانية، وآخر قبله يدعى "أحمد خان" صاحب مدرسة فكرية منكر للسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
تنسب الأحمدية أو القاديانية إلى "غلام أحمد القادياني" المولود سنة 1840 م في قرية قاديان من مقاطعة بنجاب الهندية، ولما بلغ سن التعليم قرأ القرآن وبعض الكتب الفارسية واللغة العربية والمنطق والفلسفة، وقرأ على أبيه كتباً في الطب، وكان عمره عندما نشبت الثورة الهندية الكبرى ضد الإنكليز سنة 1857 م سبعة عشر عاماً.
وعرفت أسرة غلام أحمد القادياني بالولاء والإخلاص للإنكليز المستعمرين، ووقوفها ضد المسلمين في الهند، وقد ذكر هذا غلام أحمد وتفاخر به، فقال: "لقد أقرت الحكومة بأن أسرتي في مقدمة الأسر التي عرفت في الهند بالنصح والإخلاص للحكومة الإنكليزية، ودلت الوثائق التاريخية على أن والدي وأسرتي كانوا من كبار المخلصين لهذه الحكومة من أول عهدها، وصدّق ذلك الموظفون الإنكليز الكبار، وقد قدم والدي فرقة مؤلفة من خمسين فارساً لمساعدة الحكومة الإنكليزية في ثورة عام 1857 م، وتلقى على ذلك رسائل شكر وتقدير من رجال الحكومة، وكان أخي الأكبر "غلام قادر" بجوار الإنكليز على جبهة من جبهات حرب الثورة" انتهى كلامه.
وفي سنة 1864 م حصل على وظيفة في إدارة نائب المندوب السامي في مدينة "سيالكوت" ثم استقال منها بعد أربعة أعوام، أي سنة 1868 م، وشارك والده في إدارة شؤونه الخاصة.
هيأ غلام أحمد نفسه ليكون ذائع الصيت، وبدأ يؤلف كتاباً كبيراً في فضل الإسلام وإعجاز القرآن وإثبات النبوة، وسماه "براهين أحمدية" وذلك سنة 1879 م وذكر فيه من المنامات والإلهامات والتكليمات الإلهية والإلهامات والخوارق والكشوف الشيء الكثير. وهذا الذي أكسبه سمعة وصيتاً بين المسلمين لأنه تصدى لأمر شغل بال المسلمين الذين كثر التحدي لهم من قبل القساوسة والهنادكة وطعنهم بالإسلام والقرآن ونبي الإسلام.
إلا أن بعض العلماء خشي أن يكون مؤلف الكتاب أي غلام أحمد مدعياً للنبوة وذلك لكثرة ما أورد فيه من إلهامات وكشوفات، ومن هؤلاء بعض علماء أهل الحديث في منطقة "أمرتسار" وكتبوا عن ذلك ناقدين في مجلة "إشاعة السنة" وما خاب ظنهم!!.
وبعد ذلك صار ينتقل في المقاطعات والمدن الهندية يدعو إلى نحلته وعقيدته الجديدة.
وهاهنا عبرة لأولي الألباب وهي أن كثيراً من المشبوهين والدخلاء يتظاهرون بالإخلاص ويقومون بأعمال بطولية لكسب ثقة الناس وتعاطفهم، ثم بعد ذلك تحدث منهم المصائب والنكبات، حين لا ينفع الندم ولات حين مناص.
يذكرك هذا بما فعله مصطفى كمال من إظهار البطولات ومعارك النصر الوهمية حتى اكتسب ثقة كثير من المسلمين، ومدحه الشعراء ومنهم أحمد شوقي حيث قال:
الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب
ثم عاد مصطفى كمال إلى إظهار حقيقته وكشف عن سوء طويته حيث ذهب يحارب العلماء ويقتلهم وأزال الشريعة الإسلامية وأحل محلها الشرائع الوضعية الكافرة.
نعود إلى ما نحن بصدده. فقد انتقل غلام أحمد إلى دلهي فواجه العلماء بالإنكار ودعوه للمناظرة فأبى ودعاهم للمباهلة.(38/253)
- ثم في سنة 1892 م ذهب إلى لاهور من أجل الدعوة إلى عقيدته فناظره بعض العلماء وأنكروا عليه أيضاً.
- وفي سنة 1896 م عقد مؤتمر الأديان في لاهور وحضره ممثلو ملل كثيرة، يقول محمود بن غلام أحمد القادياني: إن غلام أحمد هو الذي اقترح عقد هذا المؤتمر ليعرف العالم بحقيقة رسالته.
- وفي سنة 1897 م دعا "حسين كامي" سفير الدولة العثمانية في البنجاب غلام أحمد للاجتماع فلم يجبه، فذهب إليه بنفسه وسمع منه ما يدعيه من نزول الوحي، ثم نشر بعد ذلك مقالاً أنكر فيه دعوة غلام أحمد، وزاد هذا من حنق المسلمين عليه.
- وفي تلك السنة نشر غلام أحمد خطاباً إلى علماء الإسلام يدعوهم فيه أن يكفوا عن معارضته مدة عشر سنين حتى يتبين صدقه من كذبه، ولكن هذه المكيدة لم تنطل على علماء المسلمين، فرفضوا هذا الاقتراح واستمروا على تفنيد آرائه وتحذير الناس منه.
ثم في سنة 1898 م أمر أتباعه أن لا يزوجوا بناتهم لمن لم يصدق بنبوته.
- ثم في سنة 1900 م أظهر تكفيره للمسلمين حيث لم يصدقوا بنبوته فقد جاء في إلهامه نشره في ذلك العام "الذي لا يتبعك ولا يدخل في بيعتك ويبقى مخالفاً لك عاص لله ولرسوله وجهنمي".
- ثم في سنة 1905 م أسس مدرسة دينية عربية في قاديان لتخريج دعاة لنشر عقيدته، وصار يرسل دعاة له إلى خارج الهند.
- مات غلام أحمد سنة 1908 م في لاهور ثم نقلت جثته إلى قاديان ودفن فيها.
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين:
تكرر ذكر المباهلة في مؤلفات غلام أحمد ودعا خصومه إليها، ويزعم أنها تجري بينه وبين المنكرين عليه فيكون الظفر له. ورب حتف امرئ فيما تمناه، فأراد أن يسلك طريق المباهلة مع أحد الأولياء الصالحين، مع الشيخ العلامة "ثناء الله الأمرشري" من علماء أهل الحديث، الذي نهض بالرد على غلام أحمد ورمى دعاويه بالحجج الدامغة فكشف زيفه وهتك ستره. فتضايق غلام أحمد من العلامة ثناء الله وكتب إليه خطاباً فيه دعاه المباهلة، وفيما يلي نص الخطاب الذي كتبه غلام أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم
يستنبؤنك أحق هو؟ إي وربي إنه لحق (كذا!!).
حضرة المولوي ثناء الله، السلام على من اتبع الهدى.
إن سلسلة تكذيبي جارية في جريدتكم "أهل الحديث" من مدة طويلة، أنتم تشهدون فيها أني كاذب دجال مفسد مفتر، ودعواي للمسيحية الموعودة كذب وافتراء على الله.
إني أوذيت منكم إيذاء وصبرت عليه صبراً جميلاً، لكن لما كنت مأموراً بتبليغ الحق من الله وأنتم تصدون الناس عني فأنا أدعو الله قائلاً: يا مالكي البصير القدير العليم الخبير تعلم ما في نفسي إن كان دعواي للمسيحية الموعودة افتراء منه وأنا في نظرك مفسد كذاب والافتراء في الليل والنهار شغلي فيا مالكي أنا أدعوك بالتضرع والإلحاح أن تميتني قبل المولوي ثناء الله واجعله وجماعته مسرورين بموتي، يا مرسلي أدعوك آخذاً بحظيرة القدس لك أن تفصل بيني وبين المولوي ثناء الله، أنه من كان مفسداً في نظرك كاذباً عندك فتوفه قبل الصادق منا((ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)).
ربيع الأول 1325 الراقم عبد الله الصمد
مرزا غلام أحمد المسيح الموعود
عافاه الله وأيد عزه
خطاب المباهلة هذا صدر من غلام أحمد في شهر ربيع الأول سنة 1325 هـ الموافق 15 أبريل سنة 1907 م.
لكن مجيب الدعاء - سبحانه وتعالى- أهلك غلام أحمد بعد سنة من تاريخ تلك المباهلة أي سنة 1908 م، وأما الشيخ ثناء الله الأمرشري فقد عاش بعدها أربعين سنة، وكانت وفاته سنة 1948 م، وهو في الثمانين من عمره رحمة الله عليه.
قال - تعالى -: ((الحق من ربك فلا تكونن من الممترين، فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين))[آل عمران: 60 61].
حادثتان مشهورتان:
في سنة 1935 م أصدرت محكمة بهاولبور بعد مناقشة وجلسات مطولة دامت حولين كاملين اشترك فيها كبار علماء أهل السنة وكبار شخصيات القاديانية حكمها بكفر الطائفة القاديانية وبارتداد القادياني عن الإسلام.
تم ذلك بعد أن استعرض قاضي المحكمة حينها "محمد أكبر خان" دلائل الفريقين وناقشتها في نحو مائة وخمسين صفحة ثم نشرت باللغة الأردية[1].
استقلت باكستان عن الهند سنة 1947 م لتكون دولة إسلامية تظهر فيها شعائر الإسلام وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وضحى المسلمون من أجل ذلك بالنفس والنفيس والغالي والرخيص، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تولى الزعامة في باكستان "محمد علي جناح" وهو من طائفة الإسماعيلية "الآغاخانية"، واستلم منصب وزارة الخارجية شخص من القاديانية يدعى "ظفر الله خان"، ولم يتم الأمر بتلك البساطة بل بمكر وكيد ودهاء.
فصارت للقاديانيين قوة سياسية كبيرة في باكستان، حيث انتهز "ظفر الله خان" فرصة سلطته في وزارة الخارجية فعين في معظم مكاتب الوزارة شخصيات قاديانية، وكذلك شحن السفارات الباكستانية في مختلف العواصم من هؤلاء، ثم استطاعوا الوصول إلى مراكز حكومية مهمة وحساسة كالجيش والشرطة والطيران وغير ذلك. فصارت لهم قوة ظاهرة.(38/254)
هذا الأمر أوقع في نفوس العلماء والمفكرين المسلمين القلق والهم والفزع، باكستان التي ضحوا من أجل استقلالها بأموالهم وأنفسهم تصبح في قبضة القاديانيين!!.
باكستان التي أنشئت لتكون أرض الطهارة ووطن المؤمنين بالله، يمتلك زمام الأمور فيها أتباع مدعى النبوة غلام أحمد!!.
شعر العلماء بالخطر المحدق بباكستان من جراء تسلط القاديانية وقوة نفوذهم فاجتمع منهم ثلاثة وثلاثون ممثلاً من رؤساء الجمعيات الدينية وكبار علماء باكستان في شهر يناير 1953 م في مدينة كراتشي، وطلبوا من الحكومة أن تعامل القاديانيين كأقلية غير مسلمة وتعطي لها حقوقها على ضوء ذلك، لكن الحكومة تغافلت عن هذه المطالبة فاضطر العلماء إلى القيام بحركة شعبية ضخمة، فقامت الحكومة بقمع هذه الحركة وصبت جام غضبها على العلماء واعتبرت هذه الحركة ثورة على باكستان!!. وزجت بالآلاف من العلماء وطلبة العلم في السجون وبقي الحكم العسكري في البنجاب أكثر من شهرين، وقع خلالها من حوادث البطش والفتك ما يتعدى القياس.
وقدمت الحكومة زعماء الحركة إلى المحكمة العسكرية وحكمت على بعضهم بالإعدام، وكان من بينهم الشيخ أبو الأعلى المودودي - رحمه الله - أمير الجماعة الإسلامية، ثم أبدل الحكم عليه بالسجن أربعة عشر عاماً. وذلك لأنه ألف رسالة بعنوان "المسألة القاديانية" بين فيها موقف القاديانية من الإسلام والمسلمين عرض فيها الأسباب التي حملت العلماء على تقديم اقتراحهم باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة، ونقل فيها من أقوال القاديانية وكتبهم ما تقوم به الحجة.
ولكن وعد الله لابد أن يتحقق فإن العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين وما النصر إلى من عند الله العزيز الحكيم، فقد تحققت مطالب العلماء ورغبة الجماهير المسلمة في عهد ذو الفقار علي بوتو، وتم تحجيم دور القاديانية في عهد ضياء الحق - رحمه الله -.
من عقائد القاديانية:
يعتقد القاديانيون بأن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي مستمرة، ويرسل الله الرسل حسب الضرورة.
قال بشير الدين محمود أحمد بن ميرزا غلام أحمد في كتاب حقيقة النبوة: "ومما هو واضح كالشمس في رابعة النهار أن باب النبوة لا يزال مفتوحاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم "[2].
وقال: "لقد اعتقدوا أن كنوز الله قد نفذت وما قدروا الله حق قدره إنكم تتنازعون في نبي واحد وأنا أعتقد أنه سيكون هنالك ألف نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم "[3].
وكتب غلام أحمد القادياني: "أنا نبي وفقاً لأمر الله وأكون آثماً إن أنكرت ذلك، وإذا كان الله هو الذي يسميني بالنبي فكيف لي أن أنكر ذلك؟ إنني سأقوم بهذا الأمر حتى أمضي عن هذه الدنيا"[4].
- يكفرون المسلمين: قال بشير الدين محمود أحمد في كتاب "أنوار خلافت": "من الواجب علينا ألا نعتقد بإسلام غير الأحمديين وألا نصلي خلفهم إذ إنهم عندنا كافرون بنبي من أنبياء الله"[5].
وقال: "إن جميع المسلمين الذين لم يشتركوا في مبايعة المسيح الموعود كافرون خارجون عن دائرة الإسلام ولو كانوا لم يسمعوا بالمسيح الموعود"[6].
يخالفون المسلمين في كل شيء: ومن كلام غلام أحمد القادياني: "إننا نخالف المسلمين في كل شيء في الله في الرسول، في القرآن، في الصلاة، في الصوم، في الحج، في الزكاة وبيننا وبينهم خلاف جوهري في كل ذلك"[7].
- يعادون المسلمين ويوالون المستعمرين: قال غلام أحمد القادياني: "لقد بالغت الحكومة البريطانية في الإحسان إلينا ولها عندنا أياد وأي أياد حتى إننا إن خرجنا من ههنا أي من حدود هذه الدولة لا يمكن أن نلتجئ إلى مكة ولا إلى قسطنطينية فكيف يمكن إذن أن يمر في خاطرنا شيء من سوء الظن بهذه الحكومة"[8].
وقال: "فإن ديني الذي أنا أبديه للناس مرة بعد مرة هو أن الإسلام منقسم قسمين: الأول: أن نطيع الله، والثاني: أن نطيع الحكومة التي أقامت الأمن وأظلتنا بظلها وحمتنا من الظالمين وهذه الحكومة هي الحكومة البريطانية"[9].
وكتب في مقال له نشر في كتاب تعاليم المسيح المنتظر: "ونصيحتي لجميع أتباعي أن يبغضوا المولوية (علماء المسلمين) الذين يريقون الدم الإنساني تحت ستار الدين، ويأتون من الآثام أسوأها وراء حجاب التقوى، وعلى أتباعي أن يقدروا هذه الحكومة الإنكليزية ويظهروا لها شكرهم واعترافهم بالجميل بالولاء وحسن الطاعة"[10].
ومن الأمور الأخرى التي ينكرونها وهي معلومة من الدين بالضرورة إسقاط فرضية الجهاد في سبيل الله، وأن عيسى - عليه السلام - لم يرفع بل مات على الأرض وإنكار الجن وإسقاط فريضة الحج مع الادعاء بأن دين الإسلام لم يعد صالحاً لهذا العصر[11].
وغير ذلك لهم من المعتقدات التي توجب كفرهم وردتهم عن دين الإسلام، ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن من يدعي النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم يحكم بكفره وردته، ولذلك لم ينازع في كفر مسيلمة الكذاب أحد من الصحابة ثم قاتلوه، وكذلك حال (الأسود العنسي).
إلا أن الذي حال دون قتل غلام أحمد القادياني عناية الحكومة المستعمرة وحراستها له بالشرطة والجند حيثما حل وارتحل.(38/255)
فالقرآن والسنة وإجماع الأمة حجج دامغة على أن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، قال - تعالى -: ((ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)).
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "وقد أخبر الله - تعالى - في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل".
وقال العلامة الألوسي في تفسيره: "وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب وصدعت به السنة وأجمعت عليه الأمة فيكفر مدعي خلافه".
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة"، قال: "فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"[12].
ومن أشهر العلماء الذين تصدوا للقاديانية أو كتبوا عنها: العلامة الشيخ ثناء الله الأمرشري من علماء أهل الحديث، والشيخ عطاء الله البخاريالأمرشري، والعلامة المحدث أنور شاه الكشميري، والعلامة محمد إقبال، والشيخ أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، والشيخ محمد حسين البتالوي، والشيخ محمد علي المونكيري، والشيخ أبو الحسن الندوي، والشيخ محمد الخضر حسين، والشيخ إحسان إلهي ظهير، وغير هؤلاء.
والذي نخلص إليه بعد كل ما ذكرناه أن غلام أحمد القادياني شأنه كشأن مسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وحركته الأحمدية أو القاديانية شأنها كشأن الحركات الباطنية كالإسماعيلية وغيرها في القديم، وكالبابية والبهائية في العصر الحديث.
ولا يخفى على طالب علم خطر هؤلاء على دين الإسلام والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
----------------------------------------
[1] كان صديقي الفاضل الشيخ محمد بشير صاحب مكتبة دار العلم مشتغلاً بترجمة هذا الموضوع منذ سنين عدة، ولا أدري إن كان قد طبع الكتاب أم لا؟!.
[2] القادياني والقاديانية، ص 21، للشيخ أبي الحسن الندوي.
[3] المصدر السابق، ص 130، والمسألة القاديانية ص 28، لأبي الأعلى المودودي.
[4] المسألة القاديانية، ص 29.
[5] المصدر السابق، ص 32.
[6] المصدر السابق، ص 30.
[7] القاديانية ثورة على النبوة المحمدية، ص 14، لأبي الحسن الندوي.
[8] المسألة القاديانية، ص 40، لأبي الأعلى المودودي.
[9] المسألة القاديانية، ص 49، لأبي الأعلى المودودي.
[10] طائفة القاديانية، ص 76، للشيخ محمد الخضر حسين. لم أشر إلى أرقام الصفحات التي نقلوا منها ولا إلى أسماء الكتب على الأغلب لأن معظمها بالأردية، علماً بأن المصادر العربية التي ذكرتها في هذه المقالة ونقلت منها قد ذكرت ذلك.
[11] "إحذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام"، د. سعد الدين السيد صالح، ص: 310 313.
[12] صحيح البخاري، رقم الحديث: 3534.
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
=============(38/256)
(38/257)
الفصل الثاني عشر: الفرع اللاهوري القادياني
أمير هذا الفرع هو محمد علي من أوائل المنشئين صرح القاديانية، وممن كان له يد ومنّة عظيمة في توجيه الغلام المتنبي ومساعدته بالفكر والقلم أيضاً، وكان هو الآخر من أشد المخلصين للإنجليز والمحرضين على بذل الطاعة التامة لهم، وقد كانت لهم مواقف مع الغلام وأسرته؛ إذ كان أحياناً يتبرم من استبداد المتنبي بالأموال التي تصل إليه من أتباعه، فيصرح للمتنبي بهذا ويرد عليه المتنبي هذه التهمة.
وبعد وفاة الغلام استفحل الخلاف بين أسرة المتنبي ومحمد علي حول اقتسام الأموال التي جاءتهم حيث استغلها ورثة المتنبي مع علمهم (بأن هذه النبوة شركة تجارية وهم كلهم شركاء فيها)، ولعل هذه الخلافات الشخصية لم يكن لها تأثير على إتمام الخطة وإحلال القاديانية محل الإسلام، خصوصاً والقوة التي أنشأت الغلام وفكرته لا تزال هي القوة، والمتآمرون لا يزالون في إتمام حبكها وتنفيذها.
أما بالنسبة لحقيقة معتقد هذا الرجل في غلام أحمد، وهل كان متلوناً أو كان له مبدأ أُمليَ عليه، أو كان مقتنعاً به دون تدخل أحد فإن الذي اتضح لي من كلام العلماء الذين نقلوا عنه آراءه أنهم مختلفون على النحو الآتي:
منهم من يرى أن (محمد علي) اختير من قبل الساسة الإنجليز لإتمام مخطط القاديانية بطريقة يتحاشى بها المواجهة مع مختلف طوائف المسلمين في الهند والباكستان وغيرهما، ويتحاشى بها كذلك مصادمة علماء الإسلام الذين نشطوا في فضح القاديانية، وإخراجها عن الدين الإسلامي، فاقتضى الحال أن يتظاهر محمد علي وفرعه بأنهم معتدلون لا يقولون بنبوة الغلام، وإنما يثبتون أنه مجدد ومصلح؛ لاستدراج الناس إلى القاديانية، ولامتصاص غضب المسلمين على القاديانية، فتظاهر بعد ذلك محمد علي وفرعه بهذه الفكرة بغرض اصطياد من يقع في أيديهم.
ومنهم من يرى أن (محمد علي) وفرعه كانوا يعتقدون أن الميرزا غلام أحمد لم يدَّعِ النبوة، وكل ما جاء عنه في ذلك إنما هي تعبيرات ومجازات، وكابروا في ذلك اللغة وكابروا الواقع.
وقد لقبهم القاديانيون بالمنافقين (لأنهم يحاولون الجمع بين العقيدة القاديانية والانتساب إلى مؤسسها وزعيمها، وبين إرضاء الجماهير) ومع هذا الموقف فإن محمد علي اللاهوري، دائماً يلقب الميرزا غلام أحمد بمجدد القرن الرابع عشر والمصلح الأكبر، وزيادة على ذلك يعتقد أنه المسيح الموعود).
قال الندوي عنهم: (وعلى ذلك تلتقي الطائفتان).
وذهب الأستاذ مرزا محمد سليم أختر في كتابه: (لماذا تركت القاديانية؟) إلى رأي آخر حيث قال بعد أن ذكر ما وقع بين محمد علي وجماعة الربوة من خلاف على منصب الخلافة بعد نور الدين قال: (وأنكر نبوة الميرزا ليكسب العزة عند المسلمين)، ثم قال: (ولم ينكر أحد هذه الحقيقة: أن (محمد علي) أقر بنبوة الميرزا، وإنكاره لنبوته يعتبر كالعقدة في الهواء).
والواقع أن القول بأن الفرع اللاهوري - وعلى رأسهم محمد علي - ما كانوا يؤمنون بنبوة الغلام عن اقتناع قول بعيد جداً؛ ذلك أن مواقفهم وتصريحاتهم كلها تشهد بإقرارهم بنبوة الغلام وليس فقط أنه مصلح ومجدد.
كما أن تصريحات الغلام نفسه بنبوته لا تخفى على من هو أبعد من الفرع اللاهوري، فكيف يقال بأنها خفيت عليهم؟!
كما أن معتقد الفرع اللاهوري ليس له أي أساس آخر غير الأساس الذي بناه غلام أحمد وأسهم فيه محمد علي نفسه، والباطل لا بد وأن يتناقض أهله فيه، فقد صرح محمد علي نفسه بقوله عن الغلام: (نحن نعتقد أن غلام أحمد مسيح موعود، ومهدي معهود، وهو رسول الله ونبيه، ونزله في مرتبة بينها لنفسه؛ أي إنه أفضل من جميع الرسل، كما نحن نؤمن بأن لا نجاة لمن لا يؤمن به).
ونصوص أخرى كثيرة كلها تثبت أن هذا الفرع لا يختلف في النتيجة عن الحركة القاديانية الأم في قاديان، وأنه كان يراوغ في إظهار معتقده نفاقاً وإيغالاً في خداع العامة، حتى إنه كان يوصي أتباعه في جزيرة مارشيس ألا ينشروا هناك أن الغلام نبي، وأن من لم يؤمن به فهو كافر؛ لأن هذا المسلك يضر بانتشار القاديانية، أي ولكن ينشروا أنه مجدد لتقريب وجذب المسلمين إليهم.
ومن أقوال هذا الفرع أيضاً: (يا ليت أن القاديانية كانت تُظهر غلام أحمد بصورة غير النبي... ولو فعلوا هذا لكانت القاديانية دخلت في أنحاء العالم كله)، وبهذا يتضح أن هذا الفرع أمكر وأكثر احتيالاً لنشر القاديانية، وهو الذي أتيح له التوغل في العصر الحاضر إلى أقصى البلدان الإسلامية في آسيا وفي أفريقيا.
وقد قام محمد علي بنشاط كبير في عرض القاديانية، ولعل من أهم أعماله ترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية؛ حيث ملأها بالأفكار القاديانية، مما جعل الكثير من الناس يقعون ضحية تلك الأفكار ظانين أنها ترجمة رجل مسلم، لقد اتجه هذا الرجل في تفسيره للقرآن وجهة خطيرة لم يتورع فيها عن الكذب والتعسف ومخالفة أهل العلم واللغة والإجماع، وإنما فسره بمعان باطنية فيها التركيز على إنكار الإيمان بالغيب، وبالقدرة الإلهية، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، منها على سبيل المثال:(38/258)
قوله - تعالى- لموسى: ((اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً)) أي أن الله أمر موسى بالمسير إلى جبل فيه اثنتا عشرة عيناً.
((ورفعنا فوقكم الطور)) أي كنتم في منخفض من الأرض والجبل يطل عليكم.
((فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين)) أي مسخت قلوبهم وأخلاقهم.
((أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله)) المراد بالطير هنا استعارة؛ أي رجال يستطيعون أن يرتفعوا من الأرض، وما يتصل بها من أخلاق وأشياء، ويطيروا إلى الله ويحلقوا في عالم الروح.
المراد باليد البيضاء التي أُعطي موسى أي الحجة، والحبال والعصي في قوله - تعالى-: ((فألقوا حبالهم وعصيهم)) أي وسائلهم وحيلهم التي عملوها في إحباط سعي موسى.
وفي قوله - تعالى-: ((فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض..)) الآية: دابة الأرض: هو رجل اسمه رحبعام بن سليمان الذي تولى الملك بعده، وسمي دابة الأرض لقصر نظره؛ إذ كان لا يجاوز الأرض، والمنسأة التي هي العصا كناية عن ضعف الحكومة وانقراضها، والجن: شعوب أجنبية بقيت في حكم بني إسرائيل إلى ذلك العهد، وهدهد سليمان: هو إنسان كان يسمى الهدهد وكان رئيس البوليس السري في حكومة سليمان.
وقد تلاعب بمعاني القرآن الكريم على هذا التفسير الباطني الهزلي المملوء بالأكاذيب والخرافات، وقد تلقفه المسلمون - خصوصاً من لم يعرف العربية - بكل سرور، لعدم علمهم بأن تفسير محمد علي للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية إنما يراد به هدم معاني الشريعة الإسلامية والمفاهيم الصحيحة، وقد ذكر الأستاذ الندوي في كتابه القادياني والقاديانية كثيراً من مثل هذا التلاعب بالقرآن للتحذير وإبراء الذمة.
من أهم مراجع القاديانية:
ما هي القاديانية؟ أبو الأعلى المودودي.
القادياني والقاديانية أبو الحسن علي الندوي.
القاديانية دراسة وتحليل إحسان إلهي ظهير.
القاديانية عبد الله صالح الحموي.
معتقدات الجماعة الأحمدية الإسلامية بشير محمود أحمد.
لماذا تركت القاديانية؟ ميرزا محمد سليم أختر.
المحكمة الشرعية الفيدرالية بجمهورية باكستان الإسلامية تقرر: (القاديانية فئة كافرة) تعريب الأستاذ محمد بشير.
القاديانية الخطر الذي يهدد الإسلام د. أحمد محمد عوف.
حب العرب إيمان للميرزا غلام أحمد - خطبة جمعة.
أباطيل القاديانية في الميزان د. محمد يوسف النجرامي.
دعوة الأمير (معتقدات الجماعة الأحمدية الإسلامية) للميرزا بشير محمود أحمد.
ضميمة الوحي للقادياني.
توجد بحوث عن القاديانية منها:
القاديانية في إندونيسيا للشيخ شفيق أمر الله شمس الدين.
القاديانية في غانا للشيخ سحنون تاج الدين.
كما أنني قدمت أثناء الكتابة عن القاديانية ما ترجمه المشائخ: أبو الأعلى المودودي، والشيخ الندوي، والشيخ إحسان إلهي، على ما ترجمه غيرهم؛ للثقة القوية بغزارة علم هؤلاء، وإحاطتهم بمفاهيم القاديانية كلها، وعظيم شرفهم في الخلق والدين، فالاعتماد على ترجمة هؤلاء أولى من غيرهم في نظري، خصوصاً لمن لم يعرف اللغة الأردية.
http://www.do r a صلى الله عليه وسلم net المصدر:
=============(38/259)
(38/260)
القاديانية الأحمدية
التعريف:
القاديانية حركة نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية.
أبرز الشخصيات:
• كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839-1908م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية، وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن، وهكذا نشأ غلام أحمد وفياً للاستعمار، مطيعاً له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار الإنجليزي، وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم، فأظهروا الولاء لها، وكان غلام أحمد معروفاً عند أتباعه باختلال المزاج، وكثرة الأمراض، وإدمان المخدرات.
- وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمرتستري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظره وأفحم حجته، وكشف خبث طويته، وكفر وانحراف نحلته، ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام أحمد القادياني في عام 1908م مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً، ومن أهم كتبه: إزالة الأوهام، إعجاز أحمدي، براهين أحمدية، أنوار الإسلام، إعجاز المسيح، التبليغ، تجليات إلهية.
• نور الدين: الخليفة الأول للقاديانية، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون، من مؤلفاته: فصل الخطاب.
• محمد علي وخوجه كمال الدين: أمير القاديانية اللاهورية، وهما منظرا القاديانية، وقد قدم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية، ومن مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام، والدين الإسلامي، أما الخوجه كمال الدين فله كتاب المثل الأعلى في الأنبياء، وغيره من الكتب، وجماعة لاهور هذه تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب، ولكنهما يعتبران حركة واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية وبالعكس.
• محمد علي: أمير القاديانية اللاهورية، وهو منظر القاديانية، وجاسوس الاستعمار، والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية، قدم ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية، من مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام على ما تقدم.
• محمد صادق: مفتي القاديانية، من مؤلفاته: خاتم النبيين.
• بشير أحمد بن الغلام: من مؤلفاته سيرة المهدي، كلمة الفصل.
• محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني: من مؤلفاته أنوار الخلافة، تحفة الملوك، حقيقة النبوة.
• كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزاً عالمياً لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية ((وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين))[سورة المؤمنون، الآية50].
أهم العقائد:
• بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار، ثم ادعى أنه مجدد وملهم من الله، ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
• يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي، وينام ويصحو، ويكتب ويخطئ، ويجامع - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -.
• يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية!.
• تعتقد القاديانية بأن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً.
• يعتقدون أن جبريل - عليه السلام - كان ينزل على غلام أحمد، وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن.
• يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام)، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد.
• يعتقدون أن كتابهم منزل، واسمه الكتاب المبين، وهو غير القرآن الكريم.
• يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل، وشريعة مستقلة، وأن رفاق الغلام كالصحابة.
• يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة، ومكة المكرمة، بل وأفضل منهما، وأرضها حرم، وهي قبلتهم، وإليها حجهم.
• نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد، كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأن حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن!.
• كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوج من غير القاديانيين فهو كافر.
• يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات.
الجذور العقائدية:
• كانت حركة سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة.
• استغل الإنجليز هذه الظروف فصنعوا الحركة القاديانية، واختاروا لها رجلاً من أسرة عريقة في العمالة.(38/261)
• في عام 1953م قامت ثورة شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ، واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين، ونجحوا في إقالة الوزير القادياني.
• وفي شهر ربيع الأول 1394هـالموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمون بمقاومة خطرها، وعدم التعامل مع القاديانيين، وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين.
• قام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد، والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود - رحمه الله -، وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة، عجز فيها ناصر أحمد عن الأجوبة، وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
• من موجبات كفر الميرزا غلام أحمد الآتي:
- ادعاؤه النبوة.
- نسخه فريضة الجهاد خدمة للاستعمار.
- إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إلى قاديان.
- تشبيهه الله - تعالى - بالبشر.
- إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول.
- نسبته الولد إلى الله - تعالى-، وادعاؤه أنه ابن الإله.
- إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وفتح بابها لكل من هب ودب.
• للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل، وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس، ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم، وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم.
• تأثرهم بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهرياً.
• أماكن الانتشار:
• معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان، وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي، ويسعون بمساعدة الاستعمار للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه.
• وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا، وفي بعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم.
• هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب، وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارة الشركات والمفوضيات، وتتخذ منهم ضباطاً من رتب عالية في مخابراتها السرية.
• نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل، وخصوصاً الثقافية منها، حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء، ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية.
http://www.khayma.com/inte r netclinic المصدر:
===============(38/262)
(38/263)
القاديانية .. تسعى للنيل من الإسلام
أكد الشيخ منظور أحمد رئيس الإدارة المركزية للدعوة والإرشاد بباكستان أن نحلة القاديانية معول من معاول الهدم التي تسعى للنيل من الإسلام وأهله. وقال: لقد بدأت هذه الحركة التمني تأسست عام 1900م بتخطيط من الإنجليز وتعرف باسم الأحمدية وأسسها ميرزا غلام أحمد الذي ادعى النبوة وبدأت في قرية قاديان الواقعة جنوب إقليم البنجاب في الهند. ثم انتقلت إلى الباكستان عقب تقسيم شبه القارة الباكستانية الهندية إلى دولتي الباكستان والهند.
ويصل عدد القاديانيين اليوم إلى ما يقرب من مائة ألف نسمة منهم عدد من رجال الأعمال والموظفين الكبار.
وتستخدم القاديانية أساليب عدة لاستمالة الناس وجذبهم إلى معتقداتهم من بينها توزيع المساعدات المالية على أبناء المسلمين واستغلال الفقراء والمحتاجين وإفساح المجال للدخول في مدارسهم وجامعاتهم وتقديم الخدمات الصحية والغذاء وبناء المدارس.
وذكر الشيخ منظور أحمد أن رئيس هذه النحلة الضالة حاليًا اسمه «طاهر أحمد» ومقيم الآن في لندن حيث بنى مركزًا كبيرًا وأنشأ قناة فضائية تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة تبث أفكار هذه النحلة الضالة باسم الإسلام. والقاديانيون منتشرون في العديد من مناطق العالم خاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، ويتواجدون أيضًا في استراليا وبريطانيا وألمانيا وكندا وغيرها البلدان الأخرى.
http://www.almuhayed.com المصدر:
================(38/264)
(38/265)
فضائيات تفسد فى الارض
الحمد لله وحده.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن سار
على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين، وعلى رسل الله أجمعين.
أما بعد.. فلا يزال حديثنا موصولاً عن هذه الفرقة التي ظهرت في بداية القرن
العشرين الميلادي في قاديان من بلاد الهند، وزعم مؤسسها أنه المهدي المنتظر
والمسيح الموعود، وقد أطلت علينا إطلالة جديدة وخطيرة من خلال قناة تليفزيونية
تُعرف بـMTA3 العربية.
وكما وعدت إخواني القراء في افتتاحية العدد الماضي، لن انطلق في التحذير من هذه
القناة من منطلق ما حكم به علماء الملة من حكم بتكفير القاديانية أو الأحمدية،
كما يطلقون هم على جماعتهم، ولكني سأنطلق من منطلق واحد هو ما يبثونه ويعرضونه
على هذه القناة، وما يبثونه على موقعهم على شبكة الانترنت المسمى بالموقع
الرسمي للأحمدية.
وقد ذكرت في مقالي السابق أنهم يعلنون الإيمان بالله الفرد الصمد الأحد،
ويؤمنون بكتاب الله القرآن وبرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، إلا أنهم يناقشون
ما جاء في القرآن بطريقة عقلية متحررة أدت إلى إنكار بعض ما ورد فيه من
المعجزات التي أيد الله به أنبياءه ورسله وذكرت أنهم يوافقون النصارى في عقيدة
صلب المسيح إلا أنهم يقولون إنه لم يمت على الصليب بل ظن أعداؤه أنه مات، أما
حواريوه فقد حملوه وعالجوه، وأنه هاجر إلى بلاد الهند لدعوة بني إسرائيل ثم مات
هناك ودفن وقبره عندهم معروف مشهور.
واعترف أنني أخطأت في نقل هذا المعتقد عنهم إذ قلت في العدد الماضي «إلا أنهم
يقولون إنه لم يمت على الصليب بل توفاه الله ورفعه إليه وطهره من الكافرين»
والحقيقة أنهم لا يعترفون أصلاً بعقيدة رفع المسيح ويرون أن الأمة المسلمة قد
أخطأت في فهم الآية الكريمة ورتبت عليها هذه العقيدة الفاسدة خطأً ووهمًاا،
والحق عندهم أن المسيح عليه السلام قد مات وقبر ودفن وأنه يستحيل أن يبعثه الله
في الدنيا بعد موته.
قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ
عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ
اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء157- 158).
ونلاحظ أنهم خالفوا ظاهر الآية ووافقوا اليهود والنصارى في قصة الصلب، وزعموا
أن قصة الشبيه وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ من خيال بعض الجاهلين، وأن معنى
شُبِّهَ لَهُمْ أي اشتبه عليهم موته فظنوا أنه مات على الصليب.
أما قوله تعالى وَمَا صَلَبُوهُ فمعناه عندهم أنه لم يمت مصلوبًا وإن كان قد
صُلب وعُلق على الصليب فعلاً.
أما قوله تعالى بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ فليس على ظاهره لأنه يستحيل أن
يصعد بشر إلى السماء حيًا، ويزعمون أن هذه العقيدة الفاسدة في رفع المسيح
وحياته جعلت النصارى يستطيلون على المسلمين.
ومثل هذا التأويل البعيد ما قالوه في كلام المسيح في المهد ووافقوا فيه النصارى
وزعموا أن المسيح لم يتكلم في المهد وإنما تكلم في طفولته حينما بلغ السن التي
يتكلم فيها الناس عادةً، وردوا ظاهر قول الله تعالى: إِذْ قَالَتِ
الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ
الصَّالِحِينَ (آل عمران 45 - 46).
وقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي
عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ
النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ
الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ
كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (المائدة:
110).
ويقول قائلهم إنه كان في سن التمييز سبع سنوات أو أكثر ولكنه كان فصيحًا بليغًا
كما يقولون: الديك الفصيح في البيضة يصيح، هكذا يقولون بالحرف الواحد.
ولا أدري هل اختفت مريم بولدها ست سنوات أو أكثر قبل أن تأتي به، أم جاءت به
بعد ولادته كما قال تعالى: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا
مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ
أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًا (28) فَأَشَارَتْ
إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًا (29) قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًا (30)(38/266)
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًا (31) وَبَرًا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي
جَبَّارًا شَقِيًا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًا (مريم: 27 - 32).
لقد زعم القادياني أنه جاء ليجدد للأمة دينها، ثم زعم أنه المهدي المنتظر
والمسيح الموعود، ثم زعم أنه يتلقى الوحي من السماء وأن جبريل يتنزل عليه كما
كان يتنزل على النبيين والمرسلين من قبل، ثم يزعم أنه يؤمن برسول اللهمحمد صلى الله عليه وسلم
خاتم النبيين.
والذي يؤكد كلامي هذا ذلك النشيد الذي يترنم به المنشد بين البرامج التي تبثها
هذه القناة، فبينما نسمع صوت القارئ يقرأ قول الله تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ
أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 40) نسمع
بعدها صوت المنشد المترنم يقول:
في قاديان أتى المهدي جبريل
فعمت الكربات تهليل وترتيل
طوبى لأرض أتى المهدي ساحتها
مجاهدًا سيفه بالحق مصقول
حسامه قلم ورايته
شريعة الله تحرير وتحليل
قد بشر الله في التوراة مقدمه
وجدد الموعد للموعود إنجيل
الأحمدية هدىً للتقى أبدًا
والأحمدية في الظلماء قنديل
الأحمدية ملح الأرض ما بقيت
وإنها في جبين الشمس إكليل
فكيف يتوافق هذا المعتقد الذي يصرح بنبوة هذا القادياني مع الإيمان بأن محمدًا
r خاتم النبيين ؟!
يقول قائلهم إن النبوة على قسمين: نبوة تشريعية بمعني أن يأتي النبي الرسول
بشريعة جديدة مثل موسى عليه السلام و صلى الله عليه وسلم ، ونبوة غير تشريعية بمعنى أن يأتي
النبي تابعًا لشريعة سابقة مثل المسيح عيسى ابن مريم وأنبياء بني إسرائيل حيث
كانوا تابعين لشريعة موسى عليه السلام، وكذلك فالقادياني نبي غير تشريعي تابع
ل صلى الله عليه وسلم في شريعته وهذا ما يصرحون به بغير خفاء ولا مداراة، ويزعمون أن لفظة
خاتم النبيين في آية الأحزاب لا تعني بالضرورة آخر النبيين، بل تعني أن صلى الله عليه وسلم أفضل
النبيين، كما يقال خاتمة الحفاظ والمحققين، ولا يعني هذا بالضرورة انعدام
الحفاظ والمحققين بعد ذلك.
ولكن السخافة الكبرى أن يحاول منظرو القاديانية التدليل على نبوة القادياني
بإشارات من القرآن الكريم فقال بعضهم: قوله تعالى أَفَمَن كَانَ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ
مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ
مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ
إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
(هود: 17) فمن كان على بينة من ربه هو رسول ا صلى الله عليه وسلم والشاهد الذي يتلوه أي يأتي
بعده هو النبي القادياني فلا تك في مرية منه أي لا تشك في نبوته إنه الحق من
ربك. فهل هناك تفسير أسخف من هذا؟! قالوا: وفي آية الأحزاب وَإِذْ أَخَذْنَا
مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
(الأحزاب: 7).
فالله تعالى قد اخذ الميثاق من النبيين ومن صلى الله عليه وسلم ، قالوا: ثم أخبرنا في سورة
آل عمران أنه سبحانه أخذ الميثاق على النبيين أن يؤمنوا بالنبي القادياني وذلك
في قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم
مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى
ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم
مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (آل عمران: 82).
والآية واضحة الدلالة ولا تنطبق إلا على محمد رسول الله وخاتم النبيين، حيث أخذ
الله ميثاق النبيين أن يؤمنوا به ويبشروا به أقوامهم، ولكن منظري القاديانية
يجعلونها في نبيهم المزعوم، وينسون أنهم زعموا أنه نبي ولم يدعوا أنه رسول جاء
برسالة من رب العالمين.
ولو تتبعنا سخافاتهم في تحريف القرآن لطال المقام جدًا، ولكن كيف يتعامل منظرو
القاديانية مع الأحاديث الصحيحة التي تؤكد أن محمدًا r لا نبي بعده مثل قول صلى الله عليه وسلم
فُضلت على الأنبياء بست ذكر منها «وختم بي النبيون» ولا يمكن أن يكون معناها
وفضلت على النبيين كما زعموا في تحريف الآية لأن قوله تعالى وَلَكِن رَّسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ إن زعموا أن معناها أفضل النبيين وليس آخرهم،
فإن هذا المعنى لا يستقيم مع هذا الحديث
وكذلك قول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب عند خروجه لغزوة تبوك: أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. متفق عليه.(38/267)
إنهم يتعاملون مع الأحاديث بمعيار الهوى والغرض فإذا وافق الحديث أهواءهم
انتصروا له وجعلوا دينهم يدور عليه كما فعلوا في حديث «إن الله يبعث لهذه الأمة
على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وإذا خالف الحديث أهواءهم ومنهاجهم
الباطل ردوه ولو كان في أعلى درجات الصحة وقالوا حسبنا القرآن فما وافق القرآن
قبلناه، وما خالف القرآن رددناه ويجعلون فهمهم وأهواءهم الحكم في الموافقة
والمخالفة ثم إنهم يسعون لتحريف الأحاديث كما فعلو مع القرآن حيث يحرفون معاني
الآيات بما يتماشى مع عقائدهم ولأجل هذا قالوا: إن أهل الإسلام مجمعون على نزول
المسيح في آخر الزمان، والمسيح نبي ورسول فإما أن يقولوا بوجود نبي بعدمحمد صلى الله عليه وسلم
وهو ما يعتقدونه في نزول المسيح، وإما أن ينفوا نزول المسيح في آخر الزمان وهذا
ما لم يقولوا به، إذن فالمسيح إذا كان سيحكم في آخر الزمان بشريعةمحمد صلى الله عليه وسلم
باعتباره نبيًا تابعًا، فلماذا تنكرون نبوة القادياني باعتباره تابعًا لشريعة
صلى الله عليه وسلم ويزعمون أن عائشة قالت: قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده.
ويقولون إن الجماعة الأحمدية لم تنفرد بهذا الاعتقاد وهو وجود أنبياء بعد محمد
r ، بل قال ذلك ابن عربي الطائي، والحكيم الترمذي وغيرهما.
والذي لا شك فيه أن لابن عربي، وللحكيم الترمذي انحرافات عقدية خالفا فيها
إجماع الأمة، فهما شر سلف لشر خلف.
ثم يعرضون هذا التساؤل: إذا كان القرآن محفوظًا فما فائدة بعثة نبي بعد صلى الله عليه وسلم ،
ويردون: إذا كان القرآن محفوظًا، فإن تفسيرات القرآن غير محفوظة، قد شابها
أغاليط كثيرة لأجل هذا جاء نبيهم المزعوم ليبين الحق منها، ويضرب على الباطل،
ويرد كيد المستعمرين النصارى الذين احتلوا بلاد المسلمين وحاولوا إفساد
عقائدهم.
وأخيرًا لماذا زعم القادياني أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود قبل أن يدعي
النبوة، وهل ختمت النبوة به أم هي موجودة في أتباعه، ولماذا حكم علماء المسلمين
بكفر القادياني ومن تابعه ؟
والجواب على هذا في اللقاء القادم بإذن الله .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
================(38/268)
(38/269)
القاديانية في خدمة الغرب وإسرائيل
أحمد أبو زيد
مقالات للكاتب
تاريخ الإضافة: 12/05/2007 ميلادي - 24/4/1428 هجري
زيارة: 341 التقييم: 9.5/10 (عدد المصوتين: 2)
• ظهرت الحركة بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم، وعن فريضة الجهاد بصورة خاصة.
• (غلام أحمد) زعم أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، ثم ادَّعى النبوة، وزعم أنَّ نبوَّته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد - r.
• يعتقد (القادياني) أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، والله يرسل الرسول حسب الضرورة.
• (غلام أحمد) في نظرهم هو أفضل الأنبياء جميعاً، ويعتقدون أنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن.
• يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد وشريعة مستقلة، وأن رفاق (الغلام) كالصحابة، وأن (قاديان) كالمدينة المنورة ومكة المكرمة؛ بل وأفضل منهما!! وأرضها حَرَمٌ، وهي قبلتهم، وإليها حجُّهم.
• نادوا بإلغاء الجهاد، وطالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية؛ لأنها - حسب زعمهم - ولي الأمر بنصِّ القرآن، وكل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية.
• المملكة العربية السعودية تمنع دخولهم إلى أراضيها، بسبب فكرهم المنحرف وكفرهم البائن، وهذا ما أفتى به (مجمع الفقه الإسلامي) بمكة المكرمة.
* * *
لا أحد ينكر أن الفرق الضالة هي بمثابة مرض سرطاني خبيث في جسد الأمة الإسلامية، وخاصةً تلك الفرق التي ارتمت في أحضان الاستعمار، ونشأت وعملت تحت رعايته ومباركته ودعمه، وهي لا تزيد عن كونها (طابور خامس) في الأمة، وشر مستطير على العقيدة والدين وحاضر الأمة ومستقبلها.
ومن هذه الفرق (الطائفة القاديانية) التي تقبع في باكستان، وينتشر أفرادها في العديد من دول العالم، وخاصةً بريطانيا، وتعلن عن نفسها بين الحين والآخر، محاولةً القيام بعمليات تخريبية في العالم الإسلامي، ونشر أفكارها ومعتقداتها الضالة، وأذكر أننا قد سمعنا منذ عامين عن تلك المحاولات التي جرت قبل موسم الحج، وتمثلت في سعي 1700 من حملة الفكر القادياني لدخول المملكة العربية السعودية كحجاج؛ لنشر أفكارهم ومعتقداتهم بين جموع الحجيج، وهي المؤامرة التي دبرها قادة الفكر القادياني في باكستان بمساعدة من الحكومة الباكستانية.
والمؤامرة كانت تقضي بإلغاء الحكومة الباكستانية قبيل موسم الحج تحديد هُويَّة مذاهب مواطنيها بجوازات السفر؛ لكي يتمكن القاديانيون من دخول الأراضي المقدسة، ولكنها باءت بالفشل بعد أن كشفت عنها الصحف الباكستانية ذاتها؛ حيث إن جموع الشعب الباكستاني المسلم يرفضون الفكر القادياني، وسبق أن أصدر البرلمان الباكستاني قراراً في سبعينيات القرن العشرين باعتبار القاديانية فرقة خارجة عن الدين.
ومن المعروف أن الحكومة السعودية قد منعت - منعاً باتّاً - دخولَ القاديانيين إلى أراضيها؛ بسبب فكرهم المنحرف وكفرهم البائن، فقد أفتى المجمع الفقهي التابع لـ (رابطة العالم الإسلامي) بكفرهم؛ لفساد عقيدتهم، وإن تشابهت أسماؤهم مع أسماء المسلمين.
معتقدات فاسدة
والقاديانية: حركةٌ دينيةٌ نشأت عام 1900م بإقليم (البنجاب) بالهند - باكستان حالياً - وأُطلق عليها (الأحمدية) أيضاً، نسبةً إلى مؤسسها (ميرزا غلام أحمد)، وتسميتها بـ (القاديانية) نسبةً إلى (قاديان)، وهي قرية تقع بإقليم (البنجاب)، وتبعد بنحو ستين ميلاً عن (لاهور)، وهي التي ولد فيها مؤسس هذه الحركة عام 1839م.
وقد ظهرت هذه الحركة بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم، وعن فريضة الجهاد بصورة خاصة، حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام، وكان لسان حال هذه الحركة هو "مجلة الأديان" التي تصدر باللغة الإنجليزية.
واعتُبر (مرزا غلام أحمد القادياني) أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية، وهو ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن، ولذلك نشأ وفيّاً للاستعمار، مطيعاً له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ؛ حتى يلتفَّ حوله المسلمون، وينشغلوا به عن جهاد الاستعمار الإنجليزي، وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم، فأظهروا الولاء لها، وكان (غلام أحمد) معروفاً عند أتباعه باختلال المزاج، وكثرة الأمراض، وإدمان المخدرات!
مؤامرة على الإسلام
وهذه الفرقة في حقيقتها مؤامرة دينية وسياسية على الإسلام، احتضنها الإنجليز عندما استعمروا الهند، وتغلغلت بين صفوف المسلمين، وبدأت توجِّه دعوتها إلى البلاد العربية؛ فظهرت في سوريا والعراق وأندونيسيا، وكانت تتمنى بإلحاح وجود مَنْ يصغي لها في الجزيرة العربية والخليج، ولم تستطع في ذلك الوقت، وبرزت القاديانية كعميل قوي للإنجليز باسم الإسلام.
لقد حققت بريطانيا بهذا المذهب فتناً عظيمةً بين المسلمين، لا يزال المسلمون يعانونها؛ حيث فرَّقت كلمتهم، وأوجدت عملاء في كل بلد إسلامي من أبناء ذلك البلد.
لقد وجدت بريطانيا أنَّ القاديانيين خير من يحقِّق مآربهم، ويخون أمته الإسلامية التي ينتسب إليها.(38/270)
وسارت القاديانية على خُطا مرسومة لها من قبل الإنجليز، فها هو (القادياني) يقول: "لقد قضيتُ عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها، وقد ألَّفتُ في منع الجهاد ووجوب الطاعة لأولي الأمر الإنجليز من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جُمع بعضها على بعض لملأ خمسين خزانة!! وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية ومصر والشام وتركيا، وكان هدفي - دائماً - أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة، وأن تمحى من قلوبهم عاطفة الجهاد التي تفسد قلوب الحمقى"!!
وقال - أيضاً -: "لقد ظللتُ منذ حداثة سني - وقد ناهزتُ اليوم الستين - أجاهدُ بقلمي ولساني لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية، ولأُلغي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهَّالهم، التي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة، وأرى أن كتاباتي قد أثّرت في قلوب المسلمين، وأحدثت تحوُّلاً في مئات الآلاف منهم".
وكان (القادياني) شديد المقت لأهل السنة والجماعة؛ فقد رأى أن الثورات التي يقومون بها ضد المستعمرين من فعل العقول الجامدة والحماقة، وكان يثبِّطهم بكل ما لديه من قوة وحيلة لمنعهم من جهاد الغزاة، ويصيح فيهم: "إن الجهاد حرام، ويجب تركه والتسليم للحكومة التي أمر الله بطاعتها".
وقال - أيضاً -: "ووالله إنَّا رأينا تحت ظلِّها أمناً لا يُرجى من حكومة الإسلام في هذه الأيام، ولذلك لا يجوز عندنا أن يُرفع عليهم السيف بالجهاد، وحرامٌ على جميع المسلمين أن يحاربوهم؛ ذلك بأنهم أحسنوا إلينا بأنواع الامتنان".
ثم يهاجمون من يقول عنهم إنهم يلغون فكرة الجهاد، فيقولون: إن (القادياني) والقاديانيين لا يلغون فكرة الجهاد، وإن الجهاد الذي يزعمون إلغائه ليس هو جهاد الكفار، إنما ذلك الجهاد الذي يوحي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان جباراً يقتل الناس؛ لأن الإسلام يلغي اعتناق الدين خوفاً وطمعاً؛ بل إن الإسلام هو أول دين يقرُّ حرية العقيدة".
ثم يقررون أنَّ الحروب الدينية لا تجوز إلا مع من يمنع المسلمين من قول ربنا الله، وأن مثل هذه الحروب لا تهدف لهدم المعابد والكنائس؛ بل ترمي للدفاع عن سائر الملل والأديان، والحفاظ على معابدها، وأن الجهاد لمحاربة من يرغم المسلمين على الارتداد عن الإسلام، فمحاربة أحد على غير هذه الجرائم لا يجوز مطلقاً.
إله (القادياني) إنجليزي!!
وإذا نظرنا إلى أفكار القاديانية ومعتقداتها الضالَّة، نجد أن (غلام أحمد) بدأ نشاطه كداعية إسلامي؛ حتى يلتفَّ حوله الأنصار، ثم ادَّعى أنَّه مجدِّدٌ ومُلهَمٌ من عند الله، ثم تدرَّج خطوةً أخرى؛ فادَّعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، ثم ادَّعى النبوَّة، وزعم أنَّ نبوَّته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا -محمد صلى الله عليه وسلم !!
ويعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي، وينام ويصحو، ويكتب ويخطئ ويجامع!!! - تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً - كما يعتقد القادياني أن إلهه إنجليزي؛ لأنه يخاطبه بالإنجليزية، وأن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جاريةٌ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن (غلام أحمد) هو أفضل الأنبياء جميعاً!!
ويعتقدون أن جبريل كان ينزل على (غلام أحمد)، وأنه كان يوحي إليه، وأن إلهاماته كالقرآن، ويقولون: لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام)، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعاليمه، ولا نبي إلا تحت سيادة (غلام أحمد).
ويعتقدون أن كتابهم منزَّل، واسمه (الكتاب المبين)، وهو غير القرآن الكريم، وأنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة، وأن رفاق (الغلام) كالصحابة، وأن (قاديان) كالمدينة المنورة ومكة المكرمة؛ بل وأفضل منهما!! وأرضها حَرَمٌ، وهي قِبلتهم وإليها حجُّهم، ونادوا بإلغاء عقيدة الجهاد، كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية؛ لأنها - حسب زعمهم - ولي الأمر بنصِّ القرآن!! وكل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية، كما أن من زوَّج أو تزوَّج من غير القاديانيين فهو كافر، ويبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات!!!
وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة: الشيخ (أبوالوفا ثناء الأمرتسري) أمير (جمعية أهل الحديث) في عموم الهند؛ حيث ناظره وأفحم حجَّته، وكشف خبث طويَّته، وكفر وانحراف نحلته، ولمَّا لم يرجع غلام أحمد إلى رشده؛ باهله الشيخ (أبوالوفا) على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك (المرزا غلام أحمد القادياني) في عام 1908م؛ مخلِّفاً أكثر من خمسين كتاب ونشرة ومقال، ومن أهم كتبه: "إزالة الأوهام"، "إعجاز أحمدي"، "براهين أحمدية"، "أنوار الإسلام"، "إعجاز المسيح"، "التبليغ"، "تجليات إلهية".
وبعد موت (ميرزا غلام أحمد) في 1908؛ خلفه في رئاسة الحركة (الحكيم نور الدين)، وهو الخليفة الأول للقاديانية؛ حيث وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه؛ فتبعه المريدون، وقد قدَّم ترجمةً محرَّفةً للقرآن الكريم إلى الإنجليزية، ومن مؤلفاته "حقيقة الاختلاف"، "النبوة في الإسلام"، و"الدين الإسلامي" و"فصل الخطاب"، وبعده انقسمت الحركة إلى شعبتين:(38/271)
الأولى: تزعمها "بشير الدين محمود بن غلام أحمد"، وهى شعبة (قاديان)، وقد حافظ المنتسبون إلى هذه الشعبة على أفكار (ميرزا غلام أحمد) وتشدَّدوا في تنفيذها حرفيّاً.
الثانية: تزعمها "محمد علي اللاهوري" وهي شعبة (لاهور)، وتعرف بـ (الأحمدية)، ومن معتقداتهم:
1- عدم إنكار إلهامات (ميرزا غلام أحمد)، إلا أنهم أنكروا ادعاءه النبوة، وفسروا ما ورد عنه من نصوص في هذا الصدد بأنها (تعبيرات مجازية).
2- تحاشوا تسمية المسلمين الذين لم يؤمنوا بدعوتهم كفاراً، ولكنهم أطلقوا عليهم اسم (الفاسقين).
ويطلق على هاتين الشعبتين (شعبة قاديان، شعبة لاهور) الحركة الأحمدية، ولهما نشاطٌ واسعٌ في كثير من أقطار الأرض، يتمثل في بناء المساجد، وإنشاء المراكز الثقافية.
ومن زعماء هذا المذهب الضالِّ - أيضاً -:
- محمد صادق: مفتي القاديانية، من مؤلفاته "خاتم النبيين".
- بشير أحمد بن الغلام: من مؤلفاته "سيرة المهدي"، "كلمة الفصل".
- محمود أحمد بن الغلام: ومن مؤلفاته "أنوار الخلافة"، و"تحفة الملوك"، "حقيقة النبوة".
وكان لتعيين (ظفر الله خان القادياني) كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضَّالة؛ حيث خصَّص لها بقعةً كبيرةً في إقليم (بنجاب)؛ لتكون مركزاً عالمياً لهذه الطائفة، وسموها (ربوة)؛ استعارة من نص الآية القرآنية: {وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50].
محاربة الفكر القادياني
والفرقة القاديانية فرقةٌ ضالةٌ بإجماع علماء المسلمين، وقد صدرت بذلك فتاوى متعددة من عدد من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، ومنها: المجمع الفقهي التابع لـ (رابطة العالم الإسلامي)، و(مجمع الفقه الإسلامي) التابع لـ (منظمة المؤتمر الإسلامي)، و(هيئة كبار العلماء) بالمملكة العربية السعودية، هذا عدا ما صدر من فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها.
وقد تصدى المسلمون في باكستان لمحاربة الفكر القادياني وفضحه، ففي عام 1953م قامت ثورة شعبية في باكستان، طالبت بإقالة (ظفر الله خان) وزير الخارجية حينئذٍ، واعتبار الطائفة القاديانية أقليَّة غير مسلمة، وقد استشهد فيها زهاء العشرة آلاف من المسلمين، ونجحوا في إقالة الوزير القادياني.
وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ، الموافق أبريل 1974م، انعقد مؤتمر كبير بـ (رابطة العالم الإسلامي) في مكة المكرمة، وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفرَ هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها، وعدم التعامل مع القاديانيين، وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين.
وقد جاء في قرارات (مجمع الفقه الإسلامي) ما يلي: "بعد أن نُظر في الاستفتاء المعروض من (مجلس الفقه الإسلامي) في (كيب تاون) بجنوب أفريقيا، بشأن الحكم في كلٍّ من (القاديانية) والفئة المتفرعة عنها التي تدعى (اللاهورية)، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه، وفي ضوء ما قُدِّم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن (ميرزا غلام أحمد القادياني)، الذي ظهر في الهند في القرن الماضي، وإليه تنسب نحلة القاديانية واللاهورية، وبعد التأمل فيما ذُكر من معلومات عن هاتين النحلتين، وبعد التأكد من أن (ميرزا غلام أحمد) قد ادعى النبوَّة بأنه نبي مرسل يوحى إليه، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحيٌ أُنزل عليه، وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة، ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوَّته ورسالته، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد.
وقرَّر المجمع: أن ما ادَّعاه (ميرزا غلام أحمد) من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكارٌ صريحٌ لما ثبت من الدين بالضرورة، ثبوتاً قطعيّاً يقينياً من ختم الرسالة والنبوَّة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينزل وحيٌ على أحد بعده، وهذه الدعوى من (ميرزا غلام أحمد) تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام، وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم بالردَّة، وما وصفهم (ميرزا غلام أحمد) بأنه ظلٌّ وبروزٌ لنبينا محمد - r".
وقام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة زعيم الطائفة (مرزا ناصر أحمد)، والردِّ عليه من قِبَل الشيخ (مفتي محمود) - رحمه الله - وقد استمرَّت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة، عجز فيها (ناصر أحمد) عن الإجابة، وانكشف النقاب عن كفر هذا الطائفة؛ فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقليَّة غير مسلمة.
ومن موجبات كفر الميرزا غلام أحمد ما يلي:
1- ادِّعاؤه النبوة.
2- نسخه فريضة الجهاد خدمةً للاستعمار.
3- إلغاؤه الحج إلى مكة، وتحويله إيّاه إلى قاديان.
4- تشبيهه الله - تعالى - بالبشر.
5- إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول.
6- نسبته الولد إلى الله - تعالى - وادعاؤه أنه ابن الإله.
7- إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هبَّ ودبَّ!!
موقف الأزهر الشريف(38/272)
وكوَّن الأزهر الشريف لجنةً برئاسة الشيخ (عبدالمجيد اللبَّان) - أول عميد لكلية أصول الدين في ثلاثينيات القرن العشرين - قامت ببحث حالة طالبَيْن ينتسبان إلى هذه الجماعة، كانا يروِّجان لمذهبهما في مصر، وكان القرار الذي أصدرته هذه اللجنة ينصُّ على أن القاديانيين كافرون، كما قضت بفصل الطالبَيْن من الأزهر.
وقد بُنِي الحكم بكفر من يعتنق أفكار هذه الطائفة على أساس ما ادعاه مؤسسها (ميرزا غلام أحمد) من أنَّ المسيح لم يُرفع ببدنه إلى السماء؛ بل بروحه، أما بدنه فمدفونٌ في الهند، وكان هذا أول رأى خالف فيه جمهور المسلمين، ثم ادَّعى أن روح المسيح قد حلَّت فيه، فعودة المسيح التي يؤمن بها المسلمون قد تحققت بحلول روح المسيح في جسده، كما ادَّعى أنه المهدي المنتظر، فهو مرسلٌ ليجدد أمر الدين الإسلامى؛ فما يقوله هو الحق، وليس لأحد أن ينكره؛ إذ هو يتكلم عن الله - تعالى.
ولم يكتفِ بهذا؛ بل ادَّعى أن (اللاهوت) قد حلَّ في جسده، وأن المعجزات قد ظهرت على يديه؛ فهو رسولٌ من عند الله، ورسالته لا تتنافى مع كون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؛ فهو يفسر خاتم النبيين في قوله - تعالى -: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، بأن كل رسول يجيء من بعده يكون بخاتمه وإقراره، ويحيي شرعه ويجدِّده.
ومن آرائه المخالفة لتعاليم الإسلام:
1- ألغى فريضة الجهاد، معللاً ذلك بأنه قد استنفد أغراضه؛ فلا داعي إليه بعد أن زالت الفتنة في الدين.
2- عدم جواز صلاة الأحمدي خلف إمام غير الأحمدي.
3- الحكم على مَنْ لم يؤمن بدعوته بالكفر.
4- عدم جواز زواج الأحمدية بغير أحمدي.
القاديانية وإسرائيل
وللقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل، وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس، ومكَّنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم، وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم، كما تأثَّرت القاديانية بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية في عقائدهم وسلوكهم، على الرغم من ادِّعائهم الإسلام ظاهريّاً.
ومعظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان، وقليلٌ منهم في إسرائيل والعالم العربي، ويسعون بمساعدة الاستعمار للحصول على المراكز الحسَّاسة في كل بلد يستقرُّون فيه، وللقاديانيين نشاطٌ كبيرٌ في أفريقيا وبعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية، متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم.
وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب، وتسهِّل لأتباعه التوظُّف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارات الشركات والمفوَّضيات، وتتخذ منهم ضباطاً من رتب عالية في مخابراتها السرية، وينشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل، وخصوصاً الثقافية منها؛ حيث إنهم مثقفون، ولديهم كثيرٌ من العلماء والمهندسين والأطباء، ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانيون.
المراجع:
1- الأحمدية - د. محمد شامة - موسوعة المفاهيم الإسلامية - المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - وزارة الأوقاف - مصر.
2- الموسوعة الميسرة في الأديان المذاهب والأحزاب المعاصرة - الدكتور: مانع بن حماد الجهني.
3- 1700 قادياني يتأهبون للدخول إلى المملكة لنشر الكفر بمساعدة الحكومة الباكستانية - إسلام أباد - موقع المسلم - 15/11/1425هـ.
4- القاديانية.. معتقداتها وانتشارها - مفكرة الإسلام على (الإنترنت) - 28 مايو 2000م.
5- القاديانية والبهائية؛ هل دخلت مجتمعنا بثوب جديد ؟ - عبد الرحمن بن عبدالله الغريب - موقع منبر التوحيد والجهاد - 15 ديسمبر 2004م.
6- رئيس الوزراء الباكستاني الجديد؛ هل ينتمي إلى الطائفة القاديانية؟ - مجلة المجتمع - العدد 1617 - 04/09/2004م.
==============(38/273)
(38/274)
فضائيات تفسد فى الارض
في عصر العولمة، في زمن السماء المفتوحة، تتساقط علينا الفتن من الفضائيات كما
ينهمر المطر غزيرا متتابعا، فما من بلدة من بلدان المسلمين إلا وتزخر
بالأطباق والهوائيات التي تعبر عن غزوة شرسة تأتينا من الفضاء محملة بصنوف من
الفتن ولقد تنبأ رسول ا صلى الله عليه وسلم بهذا الواقع المرير، حين صعد قمة عالية فنظر في
البيوت وقال: إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع المطر. والحديث رواه
البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: أشرف صلى الله عليه وسلم على أطم
من آطام المدينة فقال: «هل ترون ما أرى ؟» قالو: لا، قال: «فإني أرى الفتن تقع
خلال بيوتكم كمواقع القطر».
وإذا كان شراح هذا الحديث قد حملوا هذا على الفتن التي وقعت بالمدينة بعد مقتل
عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - لم يقع ببال أحد من أهل
العلم قديما ولا خطر على قلبه أن تظهر مثل هذه القنوات، وأن تكون هناك شبكة
للمعلومات تسع الدنيا بأسرها وتطل على الناس بالغث والسمين، والطالح والصالح.
التنصير يطل بوجهه القبيح
أصبح التبشير بالنصرانية في زماننا هذا سهلا ميسورا، مواقع للتبشير، وقنوات
فضائية عديدة تنفق المليارات على التبشير المسيحي وتقتحم البيوت، ويشاهدها
أبناؤنا وبناتنا من غير حرج، بل إن بعض هذه القنوات تتبنى منهج السب والطعن في
القرآن الكريم وفي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وتصفه بأقبح الأوصاف.
ونجد بعض المسلمين يشكو ويقول لماذا لا تردون على هذا الهجوم السافر على دين
الله عز وجل ؟
الدجالون
نوع آخر من القنوات يقوم على الدجل والشعوذة ويستغل البسطاء من المسلمين
فيوقعهم في ألوان من الشرك كبيره وصغيره، ويسطو على أموالهم بألوان من الخداع
والتضليل، والمشاهدون يتهافتون على هذه القنوات كما يتهافت الفراش على النار
يحوم حولها ويسقط في أتونها .
هذا مع أن ربنا تبارك وتعالى حذرنا هذا الدجل وأخبرنا أن السحرة يتعلمون ما
يضرهم ولا ينفعهم ويسعون للتفريق بين المرء وزوجه فقال تعالى: ولما
جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق
من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم
كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين
على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا
إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما
يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به
من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا
ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من
خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون
(البقرة:101، 102).
ورسول ا صلى الله عليه وسلم يحذرنا إتيان الكهان ويقول: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما
يقول فقد كفر بما أنزل على صلى الله عليه وسلم ».
ويقول معاوية بن الحكم السلمي لرسول ا صلى الله عليه وسلم : «منا أناس يأتون الكهان. فقا صلى الله عليه وسلم :
لا تأتهم».
قنوات تبث الفواحش والضلالات
وأكثر القنوات تبث المشاهد الخليعة والصور الفاضحة والأغاني الماجنة والأفلام
والمسلسلات الهابطة، ولا بأس أن يتخللها برامج الأبراج وتوقع الحظ وادعاء العلم
بما يكون في غد من أمور الغيب، وبرامج تفسير الأحلام، والقنوات التي تخاطب
أطفالنا وتشكل عقولهم ووجدانهم، فضلا عن القنوات الرياضية، وبعض هذه القنوات
لا يتم استقباله إلا بعد دفع اشتراكات مالية ومع هذا فالناس اليوم يتهافتون
عليها بصورة أو بأخرى ويستوي في ذلك الفقراء والأغنياء
ولكن الأعجب من هذا كله أن تجد قنوات للدعارة والجنس تدعو صراحة للممارسات
المحرمة عن طريق التواصل بالهاتف، وإني لأعجب كيف تدخل هذه القنوات بيوتا
تمتلئ بالشباب من الجنسين ذكورا وإناثا، وما الذي ينتظر يرجى من وراء هذا
الخبث، وقد عادت صاحبات الرايات الحمر يقتحمن البيوت، وينشرن البغاء ويدخلن غرف
النوم عبر هذه القنوات والفضائيات التي أصبحت «فضائحيات».
أضف إلى هذا كله قنوات البدع والضلال التي تروج للفكر الشيعي الرافضي وتنظر
له.
ولكن الذي أدهشني أن أجد قناة تدعو للإسلام على الطريقة القاديانية أو الأحمدية
وهي التي تدعى إم تي إيه MTA3 أي تليفزيون المسلم الأحمدي، وتبث بعدة لغات
منها العربية، وهذا ما يدعونا للتعرف مجددا على هذه الطائفة وعلى ظروف نشأتها
وتطورها وانتشارها والتبشير بها، وما يبث اليوم في هذه القناة، ما له وما
عليه.
نشأة القاديانية: القاديانية حركة نشأت في الهند، زعم مؤسسها أنه مجدد جاء
برؤية جديدة لدين الإسلام، ومؤسسها هو مرزا غلام أحمد القادياني نسبة إلى بلدة
يقال لها قاديان، ثم ادعى هذا المجدد أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود الذي
يكون على يديه ظهور الدين والنصر المبين، ثم ادعى بعد ذلك أنه نبي يوحى إليه
وأنه أفضل النبيين، وانقسم القاديانيون إلى قسمين، قسم يدعي نبوته، وقسم آخر
يرفض دعوى النبوة ويراه مجددا وأنه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود، وهؤلاء(38/275)
هم جماعة لاهور الأحمدية، وهذا هو الذي يبشرون به وينشرونه من خلال القنوات
الفضائية التي أنشئت في لندن، ثم بدأت البث باللغة العربية من خلال التليفزيون
الإسلامي الأحمدي MTA
ولما مات غلام أحمد سنة 1908 بعد أن أسس جماعته بثمان سنوات بايعوا الخليفة
الذي يسمونه أمير المؤمنين، وقد صنف تفسيرا للقرآن الكريم زعم فيه أن الله
أوحى إليه بقوله تعالى: «اعملوا آل داود شكرا» بما يعني أنه سيصبح خليفة
للمهدي، وزعيمهم الذي يلقبونه أمير المؤمنين اليوم يتحدث الإنجليزية بطلاقة
ويخطب باللغة الإنجليزية، وإن كان يقرأ الآيات والأحاديث بلكنة عربية ركيكة،
وله برنامج في هذه القناة بعنوان حديث إلى العرب.
لقد قرأت عن القاديانية كدعوة منحرفة عن الدين يحميها المستعمر ويشجعها، وتابعت
الفتاوى العديدة التي حكمت بكفر منتحليها، من ذلك قرار رابطة العالم الإسلامي
في جلستها المنعقدة بمكة المكرمة في ربيع الأول 1394هـ إبريل 1974م الذي أعلن
كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وكذلك قرار البرلمان - مجلس الأمة -
الباكستاني باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
القاديانية والتقية
ويبدو أن القاديانية قد أخذت عن الشيعة مبدأ التقية، أو أن القائمين على هذه
القناة الفضائية ينتحلون فكر جماعة لاهور الذين لا يزعمون نبوة مرزا غلام أحمد
لأنهم يرددون دائما هذا الشعار على قناتهم ونصه كالتالي:
إنا نحن مسلمون نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد قائلين لا إله إلا هو، ونؤمن
بكتاب الله القرآن، ورسوله سيدنا محمد خاتم النبيين، ونؤمن بالملائكة، ويوم
البعث والجنة والنار، ونصلي ونصوم ونستقبل القبلة، ونحرم ما حرم الله ورسوله،
ونحل ما أحل الله ورسوله، ولا نزيد على الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرة، ونقبل
كل ما جاء به رسول ا صلى الله عليه وسلم إن فهمنا أو لم نفهم سره ولم ندرك حقيقته.
ويوردون مع هذا البيان صورة لإمامهم مكتوب تحتها «الإمام المهدي والمسيح
الموعود عليه السلام».
ملاحظات على برامج القناة
ومما لاحظته على البرامج التي تبثها هذه القناة ما يلي:
أولا: هذا البيان الذي يؤكدون فيه على إيمانهم بالله وبكتابه وبرسولهمحمد صلى الله عليه وسلم
خاتم النبيين.
ثانيا: يعظمون أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ويقرون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي
الله عنهم.
ثالثا: يعتبرون زوال الخلافة بعد الراشدين الأربعة حتى جددها خلفاء إمامهم
المهدي والمسيح الموعود.
رابعا: يردون على الشيعة الروافض، وسمعت أميرهم ينتقد قول الشيعة بزواج
المتعة.
خامسا: يقدمون برنامجا حواريا يناقشون فيه عقائد النصارى ويردون على زكريا
بطرس افتراءاته على الإسلام وعلى صلى الله عليه وسلم ، وقد افتتن كثير من عوام المسلمين
بهذه القناة بسبب هذا البرنامج.
سادسا: يوافقون النصارى في عقيدة صلب المسيح إلا أنهم يقولون إنه لم يمت على
الصليب بل توفاه الله ورفعه إليه وطهره من الكافرين.
سابعا: يناقشون بطريقة عقلية المعجزات الواردة في القرآن، ويزعمون أن البحر لم
ينشق بعصا موسى وإنما سلك موسى طريقا في البحر يابسا فيه بعض الارتفاع للأرض
كما قال تعالى: ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي
فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا
تخشى (طه:77).
ويقول لما سار فرعون في هذا الطريق جاء المد فأغرق فرعون، ولا أدري ماذا يصنعون
بقول الله تعالى: فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك
البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم
(الشعراء:63).
ويقولون إن الهدهد في سورة النمل في قوله تعالى: وتفقد الطير
فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين
(النمل:20) رجل اسمه هدهد، والنملة امرأة اسمها نملة، وأن قول إبراهيم عليه
السلام أرني كيف تحيي الموتى كناية عن استفساره كيف يدعو قومه
ويحيي موات قلوبهم.... إلخ.
ثامنا: يزعمون أن وعد رسوله ا صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة على منهاج النبوة كما في
قول صلى الله عليه وسلم : «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن
يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها
الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها
الله إذا شاء أن يرفعها ثم يكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم
يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» يزعمون أن
هذا الوع د قد تحقق بإمامهم المهدي ومسيحهم الموعود وأنه أعلن أن هذا الأمر
سيبقى على الأقل لمدة ألف سنة.
ويقولون: زالت خلافة النبوة بمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفقدت الأمة
الخلافة، ولم يبق إلا خلافة المجددين على رأس كل مائة سنة يبعث الله للأمة من
يجدد دينها، ثم جاءت الخلافة على منهاج النبوة بظهور الإمام المهدي والمسيح
الموعود وستبقى على أقل تقدير ألف عام.
تاسعا: في موضوع السحر يقولون بقول المعتزلة ويقول قائلهم أكثر ما يقوله
المعتزلة صحيح، وأكثر ما يقوله أهل السنة أو أكثر أهل السنة باطل، ويضعفون حديث(38/276)
البخاري في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
وأخيرا.. بعد ما رأينا عوام المسلمين يفتتنون بمثل هذه القناة كان لا بد من
التحذير، وأزعم أن كل ما ذكرته في هذا المقال مما شاهدته أو سمعته بنفسي لم
ينقله لي أحد.
ولا يبقى في هذا الزخم الإعلامي إلا ما تبثه قنوات أهل السنة مثل: قنوات
المجد، وقناة الحكمة، وغيرها، نفع الله بها ووفق القائمين عليها إلى ما يحبه
ويرضاه.
{{ الرويبضة .. والصحافة الصفراء !!
وصدق رسول ا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب
ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة»
قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتحدث في أمر العامة». صحيح ابن ماجه.
وقد سألني كثير من الناس الغيورين على الدين عما سطرته «الصحافة الصفراء»؛ من
إساءات وبذاءات عن التوحيد وأهله، فقالوا: ألا ترد على هذه الصحيفة؟ قلت:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لكان وزن الذر مثقالا
بدينار
والله
من وراء القصد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الثالث عشر ... 2
القاديانية ... 2(38/277)
(38/278)
قاديان في القرآن ... 2(38/279)
(38/280)
القاديانى الكذاب الذى يقول للشئ كن فيكون ... 3(38/281)
(38/282)
رداً على تفسير القاديانية للمسيخ الدجال ... 4(38/283)
(38/284)
آية قرآنية تصعق النحلة القاديانية . ... 14(38/285)
(38/286)
رداً على أُكذوبة ( خدمات القاديانية ) للإسلام . ... 21(38/287)
(38/288)
القاديانيون وفؤاد العطار ... 24(38/289)
(38/290)
إضحك مع بني قاديان – أمير الحشاشين المحترم ... 29(38/291)
(38/292)
يا عبيد يلاش إيمانكم فيه شك ... 30(38/293)
(38/294)
القاديانية و قتل المتقوّل على الله سبحانه ... 33(38/295)
(38/296)
النبوءات القاديانية – تكتيكات دجال ... 53(38/297)
(38/298)
القاديانية ... 54(38/299)
(38/300)
لماذا عصى الميرزا القادياني إلهه؟ ... 59(38/301)
(38/302)
الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية ... 60(38/303)
(38/304)
التوضيح لإفك الأحمدية القاديانية في زعمهم وفاة المسيح ... 85(38/305)
(38/306)
سيبويه قاديان ... 100(38/307)
(38/308)
هل مات الميرزا القادياني بالكوليرا؟ ... 101(38/309)
(38/310)
يا قادياني ما هي شروط صحة ما أنت عليه .. ... 106(38/311)
(38/312)
سؤال للعضو غالي: هل يجتمع إلحاد و نبوّة؟ ... 107(38/313)
(38/314)
القاديانيون الجدد و عقلية القمامصة ... 112(38/315)
(38/316)
القادياني و الجن ... 116(38/317)
(38/318)
المسيح الموعود ... 118(38/319)
(38/320)
الوحي القادياني و التحدي العجيب ... 120(38/321)
(38/322)
أصدقاء الإنترنت 2 / 2 ... 124(38/323)
(38/324)
الأحمدية القاديانية و النفاق ... 129(38/325)
(38/326)
القاديانية ... 144(38/327)
(38/328)
القاديانية ... عميلة الاستعمار ... 169(38/329)
(38/330)
روائح قاديانية ... 178(38/331)
(38/332)
حوار مع العضو غالى متبع القاديانية حول معنى ختم النبوة ... 181(38/333)
(38/334)
القاديانية .... أفكارها وعقائدها ... 208(38/335)
(38/336)
لبهائية ...تاريخها وأفكارها ... 213(38/337)
(38/338)
نظرية الإغماء بين تناقضات ديدات و سرقات غلام قاديان ... 218(38/339)
(38/340)
الجماعة الأحمدية في الإعلام الإسلامي ... 242(38/341)
(38/342)
هكذا يرعى الكيان اليهودي الفرق الباطنية ... 255(38/343)
(38/344)
كلمة خاتم في كلام غلام قاديان ... 261(38/345)
(38/346)
أعور قاديان و الإعجاز الأحمقي ... 267(38/347)
(38/348)
القادياني الكافر ... 274(38/349)
(38/350)
رداً على أُكذوبة (خدمات القاديانية) للإسلام ... 275(38/351)
(38/352)
الأحمدية القاديانية ونزول المسيح مرة أخرى . ... 279(38/353)
(38/354)
نهاية الأحمدية القاديانية عام 2008م ... 283(38/355)
(38/356)
ومع ذلك صدقوه واتبعوه!! ... 315(38/357)
(38/358)
هكذا يرعى الكيان اليهودي الفرق الباطنية ... 319(38/359)
(38/360)
مزاعم القاديانية ..وعقائدهم الباطلة ... 326(38/361)
(38/362)
القاديانية (الأحمدية) ... 329(38/363)
(38/364)
القاديَانيَّة ... 334(38/365)
(38/366)
ألف خيانة وخيانة للقاديانية في القارة الهندية ... 340(38/367)
(38/368)
القادياينة في ميزان الإسلام ... 346(38/369)
(38/370)
زواج المسلم من قاديانية شخصيتها جيدة ... 352(38/371)
(38/372)
الفِرق في الإسلام والتأثّر بالدّيانات الأخرى ... 353(38/373)
(38/374)
ما معنى يخادعون الله في آية سورة البقرة ... 353(38/375)
(38/376)
الطائفة البريلوية ... 354(38/377)
(38/378)
إدعاء الربوبية ... 355(38/379)
(38/380)
خروج المهدي ... 359(38/381)
(38/382)
ما هي الفرقة القاديانية ؟ وهل يجوز للمسلم التزوج منهم ؟ ... 361(38/383)
(38/384)
دفاع عن الشيخ أحمد ديدات رحمه الله ... 363(38/385)
(38/386)
الزواج من أهل البدع ، وشروط الأولياء هل هي مُلزمة ؟ ... 373(38/387)
(38/388)
القاديانية تسعى لنشر دينها في أوربا ... 376(38/389)
(38/390)
الأحمدية القاديانية ... 377(38/391)
(38/392)
القاديانية ... أفكارها وعقائدها ... 382(38/393)
(38/394)
التجاوز لإنكار المنهج أولى ... 387(38/395)
(38/396)
يا مسلمون ... إنها قاديانية جديدة ... 389(38/397)
(38/398)
القاديانية نحلة هدامة . ... 392(38/399)
(38/400)
الطائفة الأحمدية القاديانية ... 399(38/401)
(38/402)
الفصل الثاني عشر: الفرع اللاهوري القادياني ... 408(38/403)
(38/404)
القاديانية الأحمدية ... 413(38/405)
(38/406)
القاديانية .. تسعى للنيل من الإسلام ... 417(38/407)
(38/408)
فضائيات تفسد فى الارض ... 418(38/409)
(38/410)
القاديانية في خدمة الغرب وإسرائيل ... 425(38/411)
(38/412)
فضائيات تفسد فى الارض ... 435(38/413)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (14) القومية
الباب الرابع عشر
القومية
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثالث عشر
القومية(39/1)
(39/2)
القومية والوطنية
الوطنية معناها أن يشعر جميع أبناء الوطن الواحد بالولاء لذلك الوطن ، والتعصب له، أيا كانت أصولها التي ينتمون إليها ، وأجناسهم التي انحدروا منها . أي أن الولاء فيها للأرض بصرف النظر عن القوم أو اللغة او الجنس .
والقومية معناها أن أبناء الأصل الواحد واللغة الواحدة ينبغي أن يكون ولاؤهم واحدا وإن تعددت أرضهم وتفرقت أوطانهم ،وأن كان معناها أيضا السعي في النهاية إلي توحيد الوطن بحيث تجتمع القومية الواحدة في وطن شامل ، فيكون الولاء للقومية مصحوبا بالولاء للأرض .. ولكن الولاء للقومية يظل هو الأصل ولو لم تتحقق وحدة الأرض .
وأيا كانت التعريفات النظرية للقويمة والوطنية ، فالذي يهمنا بادئ ذي بدء أن نتعرف علي منشئها في أوربا ، ثم أثارها التي ترتبت عليها في التاريخ البشري الحديث .
كانت أوربا في وقت من الأوقات وحدة سياسية تجمع قوميات ولغات وأجناسا شتي ، في ظل الإمبراطورية الرومانية . ولم يكن هذا التجمع يشكل " أمة " بالمعني الحقيقي . فقد كانت الدولة الأم هي " الأمة" في نظر نفسها وفي نظر المستعمرات التي استولت عليها والحقتها بالإمبراطورية ، كما كانت الدولة الأم هي " السيدة " والمستعمرات هي " العبيد " ولم تمتزج شعوب الإمبراطورية قط في وحدة حقيقية كالتي جمعت الأمة الإسلامية - - أمة العقيدة - التي انصهرت القوميات والأجناس واللغات فيها في بوتقة العقيدة فصارت أمة واحدة علي مستوي واحد ، وهي " الأمة الإسلامية "
في مجتمع المدينة كان بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي في القمة من ذلك المجتمع ، مع السادة من قريش ، وكان الرسو صلى الله عليه وسلم يقول " سلمان منا أهل البيت " وكان عمر رضي الله عنه يقول : " ابو بكر سيدنا ، واعتق سيدنا" إشارة إلي بلال رضي الله عنه ،فكانه - وهو في الذؤابة من قريش - يقول عن بلال : " سيدنا بلال " وهي قمة لم تصل إليها البشرية في تاريخها كله إلا في أمة العقيدة.
ثم انساح المسلمون في الأرض وفتحوا ما فتحوا من البلاد لا لينشئوا إمبراطورية ولكن لينشور العقيدة . لم تكن توسعه الأرض قط هي التي تهمهم أو تدفعهم إلي الخروج من أرضهم ، ولم يكن ضم موارد جديدة ، واستخدامها - أو تسخيرها - للدولة الأم لتغني وتكتنز ، خاطرا يدفع قائدا من القواد أو جنديا من الجنود ، إنما كان الدافع الأصيل هو إزالة " الجاهلية " ليحل محلها الإسلام دون إكراه للناس علي عقيدة الإسلام إزالة الجاهلية ممثلة في دول وجيوش ونظم لا تؤمن بالله ولا تطبق المنهج الرباني ، ليحل محلها النظام الإسلامي ممثلا في تطبيق شريعة الله ، وتطبيق العدل الرباني والحكمة الربانية ، مع ترك الناس أحرارا في عقائدهم بإذن الدولة الإسلامية بل بحراستها وحمايتها !
إنها تجربة فريدة في التاريخ ، لم تتكرر ، وليس من شأنها أن تتكرر مع أي نظام آخر ،/ إلا أن يكون نظاما قائما علي العقيدة الصحيحة في الله ، مطبقا لشريعة الله
ومهما يكن من أمر فإن أوربا لم تعرف هذا اللون من التجمع في تاريخها كله ، حتي بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية - أو أدعي ذلك - وفرضها علي الإمبراطورية كلها عام 325م
وقد كان المفروض حين تصبح الإمبراطورية مسيحية أن يجمعها ذلك اللون من التجمع الذي وحده الأمة الإسلامية فيما بعد ، وصهر أجناسها وألوانها ولغايتها في كيان واحد متحد ، ليس فيه اتباع ومتبوعون ، بل فيه " مسلمون" علي قدم المساواة
ولا شك أن دخول الإمبراطورية في المسيحية قد أنشأ - لفترة من الوقت - لونا من التجمع الشعوري .. وقد كان هذا هو هدف قسطنطين الحقيقي من دخوله المسيحية ، فلم يكن همة " العقيدة" إما كان همه توحيد الإمبراطورية التي كانت توشك علي التمزق والافتراق .. ولكن هذا التجمع لم يرتق قط إلي الصورة التي مارستها الأمة الإسلامية لأكثر من سبب واحد .
أحد الأسباب - أولعله السبب الرئيسي - أن الدين لم يصل إلي الأمبراطورية في صورته الكاملة ، إنما وصل إليها - كما بينا في التمهيد الأول من هذا الكتاب - عقيدة مفصولة عن الشريعة ، وقد كان لتلك العقيدة سلطانها علي القلوب ولا ريب ، ولكن لا يستوي الدينان : دين متكامل يحكم مشاعر القلب وواقع الحياة ، ودين ممسوخ ، يقبع في وجدانات الناس ، وقد يحكم بعض سلوكهم الشخصي ، ولكنه عاجز عن حكم الواقع العملي للناس ، يستكبر عنه الأباطرة فيحكمون بالقانون الروماني ولا يحكمون بشرائع ذلك الدين .. ولا يستوي الدينان في أثرهما علي الواقع ، ولا في قدرتهما علي تجميع الناس في صورة "أمة" موحدة :
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} [سورة الزمر 39/29](39/3)
والسبب الثاني أن العقيدة حين وصلت للامبراطورية الرومانية - أو حين فرضها عليها الإمبراطور قسطنطين - لم تكن علي صورة واحدة ، فقد كانت قد نقسمت إلي مذاهب ومعتقدات شتي- لا في الفروع كما هو شان المذاهب الإسلامية - إنما في أصل الاعتقاد ، بحيث لا يمكن أن يلتقي أصحاب مذهب ومذهب علي شئ ، فالدين قد انحصر في العقيدة ، والعقيدة أصبحت عقائد مختلفة متعارضة متعادية .. ويكفي نموذج واحد من هذا التعارض والعداء ـ، وهو ما كان بين الدولة الرومانية وأقباط مصر .. فقد كانوا كلهم " مسيحيين " ولكن الخلاف بين مذهب الدولة الكاثوليكي ومذهب الاقباط الأرثوذكسي كان من السعة وعدم الالتقاء بحيث كان الاقباط يسامون الخسف والعذاب من أجل عقيدتهم ، حتي ليستخفون بها عن أعين الدولة ، ويقام في الكنيسة الواحدة عبادتان مختلفتان، إحداهما علوية ظاهرة والأخري سفلية سرية ، كما كان الحال في كنيسة " مار " (1) " جرجس " حيث كانت تقام صلاة علنية علي مذهب الدولة في أورقة الكنيسة العلوية الظاهرة وصلاة أخري سرية في سراديب تختية خفية ت يختفي فيها الأقباط عن عيون الدولة الرومانية التي تتعقبهم بالعذاب والإرهاب .. وشأن هذا الخلاف ان يمزق ويفرق لا أن يجمع الصفوف ويوحد البناء
وصحيح أن أوربا في مجموعها كانت كاثوليكية لعدة قرون ـ،وكان اتحادها في المذهب عاملا من عومل تجمعها ،ـ كما سنبين بعد ، ولكن حجم هذا التجمع وتأثيره في حياة الناس كان يمكن أن يكون أكبر من واقعة الذي كان عليه ، لو كان فيء حس أصحابه أن دينهم واحد في كل الأرض ، وأنهم ليسوا مجدر قطاع
من هذا الدين - وإن يكن القطاع الاعظم - تغايره بقية القطاعات في أصول الاعتقاد (2)
فإذا اجتمع إلي هذين السببين أن اللاتينية - لغة الكتاب المقدس (3)
لم تكن قط لغة الكلام في الإمبراطورية الرومانية ، وإنما لغة المثقفين ورجال الدين فقط ، إلي جانب كونها اللغة "الرسمية " للدولة وإنما الشعوب داخل الإمبراطورية تتكلم لغات أخري يختلف بعضها عن بعض اختلاف رئيسيا .
إذا اجتمعت هذه الأسباب كلها وضح لنا أن التجمع الذي تم في ظل الإمبراطورية الرومانية المسيحية لم يكن في شأنه أن يرتقي إلي تكوين " أمة " واحدة علي النسق الذي تم به الأمر في ظل الإسلام ، الذي لم تنفصل فيه الشريعة عن العقيدة ، والذي لم تحدث فيه خلافات عقيدية تمزق وحدته ، والذي كانت لغته - لفترة طويلة من الوقت - لغة واحدة هي لغة القرآن ؟
ومع ذلك كله فقد كان لسلطان العقيدة في نفوس المسيحيين الأوروبيين ، وسلطان الكنيسة البابوية من جهة اخري ، تأثيرا ملموسا لا شك فيه ، أوجد لونا من التجمع والوحدة رغم كل أسباب الفرقة والخلاف.
ولكن حماقات الكنسية التي اشرنا إليها في التمهيد الأول مالبثت أن عملت علي تقويض ذلك التجمع من أكثر من باب
لقد كان طغيانها في كل جانب مثيرا لردود فعل مختلفة تلتقي كلها عند الرغبة في تخطيم نفوذ الكنيسة والتفلت منه ، فضلا عما حدث فيما بعد من النفور من الدين ذاته والانسلاخ منه
وإذا كان الدين ونفوذ الكنيسة هما الرباط الذي أوجد ذلك القدر من التجمع في أوراب فلنا أن توقع أن يكون أثر ردود الفعل المشار إليها هو انفراط عقد هذا التجمع وفصم روايطه . وذلك الذي كان !
كان تمرد الملوك علي طغيان الكنيسة السياسي أول بادرة من بوادر التمزق في الوحدة الأوروبية ولكن هذا التمرد وحده كان يمكن أن يظل محدود الاثر لو لم يصاحبه في ذات الفترة تقريبا تمرد من نوع آخر وفي جهة أخري ، هو أشد خطر علي الوحدة من تمرد الملوك . ذلك هو تمرد رجال الدين ، المعروف باسم " حركة الإصلاح الديني "!
لقد كان تمرد الملوك نزاعا سياسيا علي السلطة الزمنية . البابا يدعي لنفسه السلطة الروحية والسلطة الزمنية كليهما ، والملوك يطالبون بالسلطة الزمنية أن تكون في أيديهم ، علي أن تبقي السلطة الروحية وحدها في يد الباب .. وإلي هنا كان يمكن أن يستقل الملوك بالسلطة الزمنية ولك تظل الوحدة الدينية قائمة ، ويظل السلطان الروحي للبابا قائما ، فتظل الدعامتان اللتان كونتا الوحدة الأوربية قائمتين .
ولكن حركة الاصلاح الديني كانت موجهة إلي صميم العقيدة الجامعة وهي العقيدة الكاثوليكية التي لم تكن - حتي ذلك الحين - موضع نزاع في داخل أوروبا .
__________
(1) " مار" جرجس أي الشهيد جرجس . وهي ليست ماري جرجس كما تجري علي ألسنة العامة في مصر
(2) الاختلاف الذي يمكن أن يقارن بذلك في العالم الإسلامي هو الخلاف بين السنة والشيعة ولكن ينيغي أن نتذكر أن الشيعة والسنة لم يختلفوا في قضية الألوهية - وهي محور الخلاف الرئيسي بين المذاهب المسيحية المختلفة - ولا في نبوة الرسو صلى الله عليه وسلم ، إنما كان في مبدئه خلافا سياسيا جول خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجه ثم تطور إلي أمور أخري .
(3) كانت لغة الكتاب المقدس هي الاغريقية واللاتينية ولم تكن أيهما لغة شعبية(39/4)
كان من نتيجة الطغيان الروحي للبابا ورجال دينه أن رغبت " كنائس" مختلفة في أوربا أن تنفصل عن كنيسة روما وتستقل عنها ، متخذة في الغالب صورة خلاف مذهبي مع الكاثوليكية التي كانت تخضع لها كل الكنائس من قبل ، فانفصلت كنيسة بريطانية وكنيسة ألمانية وتبعتها كنائس أخري ، وحرص الملوك علي السيطرة علي تلك الحركات لا رغبة في الإصلاح الديني الذي كانت تنشق تلك الكنائس روما باسمه ، ولا رغبة في تنمية روح التدين الحقيقية عند شعوبهم ، فليس شئ من ذلك في صالح السيطرة السياسية المطلقة التي ادعوها لانفسهم حين طالبوا بفصل السلطة الزمنية عن السلطة الرومية ، ولكن لأ، كل حركة تمرد علي الكنيسة البابوية من أي نوع هي كسب لهم في معركتهم ضدها ، لأنها تضعفها وتضعف سلطانها ، فيسهل عليهم التخلص من نفوذها
يقول ولز في كتاب " معالم تاريخ الإنسانية " ( جـ3 مقتطفات من ص 989 - 991 من الترجمة العربية )
" كانت الكنيسة تفقد سيطرتها علي ضمائر الأمراء وذوي اليسار والاقتدار من الناس , وكذلك شرعت تفقد إيمان عامة الناس بها وثقتهم فيها . وكان من نتيجة انحطاط سلطانها الروحي علي الطبقة الأولي أن جعلتهم ينكرون تدخلها في شئونهم وقيودها الخلقية عليهم ومدعياتها بالسيادة العليا فوقهم .
وادعاءها الحق في فرض الضرائب وفي حل ارتباطات الولاء .. لذلك كفوا عن احترام مالها من سلطان وممتلكات
" و لقد ظل هذا الخروج عن الطاعة يصدر من الأمراء والحكام طوال العصور الوسطي بأكملها، بيد أن الأمراء لم يشرعوا في التفكير جديا في الانفصال عن المذهب الكاثوليكي وإقامة كنائس جزئية منفصلة إلا عندما أخذت الكنيسة في القرن السادس عشر تنضم علنا لخصمها القديم - الإمبراطور - عندما قدمت إليه التأييد وقبلت منه المساعدة في حملتها علي الهراطقة . وما كانوا ليقدموا علي ذلك أبدا لولا أنهم أيقنوا أن سيطرة الكنيسة علي آذهان الجماهير قد ضعفت .
" ولما انفصلت انجلترة ، واسكتلندة والسويد والنرويج والدانمارك ، وشمال ألمانيا وبوهيميا عن الارتباط بروما ، أظهر الأمراء وغيرها من الوزراء أقصي بوادر القلق والاهتمام بحفظ زمام الحركة في أيديهم .. وذلك أنهم كانوا لا يسمحون من الإصلاح إلا بالقدر الذي يمكنهم من فصهم العلاقة مع روما . فأما ما تجاوز ذلك ، وأما أي انفصام خطر يتجه بالأفكار إلي تعاليم يسوع البدائية ، أو التفسير الفج المباشر للكتاب المقدس فكانوا يقاومونها "
والذي يهمنا الآن - بصدد موضوعنا الذي نعالجه - ان حركات الانفصال هذه - أيا كان العنوان الذي قامت تحته - كانت هي البداية لظهور القوميات في أوروبا
يقول الاستاد الندوي ( ص 211 - 212 من كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين "
" والدين السماوي مهما تحرف وتغير لا يعرف الفرق المصطنعة بين الإنسان والإنسان ، والإنسان ولا يفرق بين الأجناس والألوان والأوطان ، فجمعت النصرانية الأمم الأوروبية تحت لواء الدين ، وجعلت من العالم النصراني عشيرة واحدة ، واخضعت الشعوب الكثيرة الكنيسة اللاتينية فقلت العصبية القومية والنعرة الوطنية ، وشغلت الأمم عنها لمدة طويلة ، ولكن لما قام لوثر ( 1483-1546) بحركته الدينية الإصلاحية الشهيرة ضد الكنيسة اللاتينية رأي أن من مصلحة مهمته أن يستعين بالألمان بني جنسه ، ونجح في عمله نجاحا لا يستهان بقدره ، وانهزمت الكنيسة اللاتينية في عاقبه الأمر فانفرط عقدها ، واستقلت الأمم ، واصبحت لا تربطها رابطة ولم تزل كل يوم تزداد استقلالا في شئونها وتشتتا ، حتي إذا اضمحلت النصرانية نفسها في أوربا قويت العصبية القومية والوطنية . وكان الدين والقومية ككفتي ميزان ، كلما رجحت واحدة طاشت الأخري .. ومعلوم أن كفة الدين لم تزل تخف كل يوم ، ولم تزل كفة منافستها راجحة . وقد أشار إلي هذه الحقيقة التاريخية الانجليزية المعروف لورد لوثين - السفير البريطاني في أمريكا - في خطبته التي ألقاها في حفلة جامعة عليكرة في يناير سنة 1938م.
وربما يعجب الإنسان لأول وهلة حين يعرف أن " حركة الإصلاح الديني " هذه كانت نابعة من مؤثرات إسلامية ، ومع ذلك لم تؤث الثمار الطيبة التي كان يمكن أن تنشأ عنها . ولكن العجب يزول حين يدرك الإنسان أوربا - وهي تقتبس جزئيات من الحياة الإسلامية - كانت ترفض الإسلام ذاته بدافع العصبية الصليبية ، ومن ثم يضيع الخير الجزئي الذي اقتبسته من الإسلام !(39/5)
ولسنا هنا بصدد رصد المؤثرات الإسلامية التي انتجت حركة الاصلاح الديني في أوربا ، وكيفينا أن نشير إلي كلمة الفاروالقرطبي التي نقلناها في الفصل السابق عن تأثير شباب النصاري في الأندلس بالوجود الإسلامي هناك ، إلي حد أنهم كانوا ينظرون بزراية إلي كتب اللاهوت المسيحي ويعتبرونها غير جديرة بالالتفات . ولنا أن نتوقع أن تأثيرات مشابهة - ولو كانت علي درجة أقل - قد سرت في أوربا عند احتكاكها بالمسلمين سواء في الحروب الصليبية أو في الاحتكاك السملي حني بدأت أوروبا مبعوثيها إلي مدارس المسلمين في الأندلس والشمال الإفريقي وصقلية وغيرها من البلاد الإسلامية ليتعلموا العلم ، حيث لم يكن هناك علم في الأرض إلا عند المسلمين .
وقد رأي النصاري عند احتكاكهم بالمسمين عالما مختلفا تمام الاختلاف ، عالما لا كنيسة فيه ولا " بابا " ولا رجال دين .. إنما فيه علماء يتفقهون في الدين ، وغالبا ما يتفقهون في علوم أخري مع العلوم الدينية كالطب أو الفلك أو الرياضيات ..إلخ .. بلا تعارض بين تفقههم هنا وهناك .. وليس لهم - مع تفقههم - كهانة علي الناس ولا سلطان إلا توقير العلماء من أجل علمهم فحسب ، ولا وساطة لهم بين الناس وبين ربهم الذي يعلمهم أنه لا وسطاء ولا شفعاء عنده ، وأنه ما علي العباد إلا أن يدعوه ، فيستجيب لهم بلا وسيط :
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [سورة غافر 40/60]
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [سورة البقرة 2/186]
عندئذ تحركت نفوس الذين يرغبون في الإصلاح لمحاولة إصلاح مفاسد الكنيسة المتراكمة خلال القرون ، وخلع السلطان الطاعي الذي فرضه الباب ورجاله علي الناس باسم الدين ، ولكن محاولاتهم كانت كالرقعة في الثوب الخلق بسبب رفضهم الدخول في الإسلام ، وسعيهم إلي الإصلاح بغير عدته الحقيقية التي تؤدي إليه .. واستغل الملوك هذه الحركات لحسابهم الخاص كما أسلفنا ، لا يريدون الإصلاح الديني الحقيقي ولا يريدون للناس أن يستقيموا علي دين صحيح فيخرجوا علي طاعتهم ! إنما رأوا فيها أداة تساعدهم علي الإنسلاخ من سلطان الباب فاستغلوها في هذه الحدود
ولم يكن الملوك وحدهم وراء اللعبة ، إنما كان وراءها كذلك اليهود ، المتربصون لأية فرصة تسنح لهم للانتقال من النصاري الذي اضطهدوهم وأذلوهم علي أساس أنهم تسببوا في صلب السيد المسيح " (1) فلما قامت حركات تؤذن بتفريق كلمة النصاري وتشتيت سلطان الكنيسة ، كان من صالحهم ولا شك أن يحتضنوها ويوجهوها خلسة أوعلانية لتوسيع الشقة بينها وبين الكنيسة الأصلية ، وكل فرقة =- سواء قامت باسم الإصلاح أو بهدف الإفساد - هي في النهاية في صالح اليهود ما دامت لا تؤدي إلي إصلاح حقيقي ! وإن صلة اليهود بالبروتستانتية بالذات لأمر معلوم لكل من يدرس تاريخ تلك الحركة وإن انكر تلك الصلة هؤلاء وهؤلاء
هكذا كان مولد القوميات في أوربا
حركات إصلاحية مبتورة غير ناضجة ، أستغلها ذوو الأهواء لحسابهم الخاص ، فأفسدوها وحولوها إلي اتجاه شرير .
إن القومية في ذاتها نزعة غير إنسانية ، لا يتوقع أن ينشأ منها إلا الشر ، إنها بادئ ذي بدء تحد عالم " الإنسان" فبدلا من أن يكون أفقه العالم والإنسان ، إذا أفقه هو قومه ، والرقعة الضئيلة من هذا العالم التي يسكن فيها قومه ، وهي مصالح مادية يتعارك عليها مع غيره من الهابطين مثله إلي دركه ، كالمصالح " التي يتعارك عليها الحيوان ، من أرض وكلأ إذا كان من الضعاف أكله العشب ، أو أرض وصيد إذا كان من الوحوش التي يفترس القوي منها الضعيف !
__________
(1) يعلم المسلمون من القرآن أن المسيح عليه السلام لم يصلب ، لقوله تعالي : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم الإ ابتاع الظن وما قتلوه يقينا ، بل رفعة الله إليه وكان الله عزيزا حكيما " ( سورة النساء 157-158) ولكن هذا لا يعفي اليهود في الحقيقة من وصمة الاجرام ، فقد ظلوا يحرضون الحاكم الروماني ببلاطس حتي اصدر حكمة بصلب المسيح فإذا كان الله قد رفعه إليه ولم يمكنهم من صلبة فإن جريمة التحريض باقية تصمم اليهود بالكفر والإحرام(39/6)
ثم إنها تقيم تجمعها علي الأمور التي لاخيار فيها للإنسان .. من المولد في أرض معينة ، والكلام بلغة الأرض التي ولد فيها ، والمصالح المادية القاهرة ، في الوقت الذي تنبذ فيه كل الأمور التي يكون للإنسان فيها الخيار ، والتي يتفاضل فيها إنسان علي إنسان بناء علي ذلك الخيار .. تنبذ العقيدة في الله ، التي يختار فيها الإنسان بين الإيمان والكفر ، ويتفاضل الناس فيها علي أساس الإيمان والكفر .. وتنبذ القيم المنبثقة من العقيدة ، وهي نظافة المشاعر ونظافةا لسلوك مع الأصدقاء والاعداء سواء .. أي الصدق مع كل الناس ، والأمانة مع كل الناس ، والعدل مع كل الناس ، ثم الحب في الله والبغض في الله ( لا للمصالح الأرضية ) أي الحب لمن هو جدير بالحب بالفعل بالمقاييس الانسانية الرفيعة ، والبغض حقا بتلك المقاييس .. وهي القيم التي يختار فيها الإنسان بين الالتزام وعدم الالتزام . أي بين الرفعة والهبوط ..
أنظر في مقابل ذلك هذه الآية الكريمة من القرآن :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات 49/13]
فكون الناس شعوبا وقبائل ، هذه حقيقة واقعة ملموسة ، وهي من إرادة الله لأنه هو الذي " جعل " الناس كذلك ، ولكن الله لم يشأ سبحانه أن ينحبس الناس في داخل شعوبهم وقبائلهم وينغلقوا في حدودها وهو ما تفعله القوميات والوطنيات بادئ ذي بدء ، ولا أراد للناس أن يلتقوا من داخل الإطار الذي تشكله شعوبهم وقبائلهم في عراك مع الشعوب والقبائل الأخري ، وهو ما تفعله القوميات الوطنيات بعد ذلك أي بعد انحسارها في داخل حدودها ، وبحثها عن " مصالحها القومية "!
إنما جعل الله الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا .. يتعارفو كما بنو الإنسان .. لأن الخطاب في الآية كان للناس : " يا أيها الناس .. " لا للوحوش ولا للأفاعي ولا للحشرات ! ثم قرر الله قاعدة التعارف التي تليق ببني الإنسان حني يتعارفون ، وهي التقوي " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهي الكلمة الجامعة لكل ما في الحياة الإنسانية من معاني الخير ..
ولكن الجاهلية الأوروبية ما كان لها أن تهتدي إلي هذه المعاني وهي ترفض أصل الهدي ومنبعه ، وهو الإسلام .. ولو اهتدت إلي شئ من تلك المعاني لا ستصغرت الأفق الذي تجور فيه القومية والوطنية وأحست نحوه بالأزدراء ! ففي اللحظة التي تحس أنو الرباط الحقيقي الذي يربط " نفسا إنسانية " بنفس أخري إنسانية ليس هو المصالح المادية ، ليس هو الأرض والكلأ والمتاع الحسبي ، وليس هو الأمور التي لا اختيار للإنسان فيها من الأرض والمولد واللسان والدم .. إنما هو " المشاعر " التي ميزت الإنسان من لحظة مولده عن سائر المخلوقات من دونه ، وهي العقيدة الواعية في الله ،ـ والقيم المتعلقة بالعقيدة من نظافة سلوكية مع الناس ، وحب في الله وبغض في الله … في اللحظة التي ترفع فيها إلي ذلك المستوي ستحس علي الفور بأن ما تمارسه القوميات والوطنيات هبوط لا يليق " بالإنسان " ! ونكسة إلي الوراء في ميزان " الإنسانية " وليس تقدما إلي الأمام !
وعلي الرغم من أن هذه الجاهليات قد حاولت أن تستعير من الإسلام رقعة ترقع بها ثوبها الخلق ، فيما يسمي بحركة الإصلاح الديني ، فإن رفضها الأساسي لأصل الهدي وقاعدته الحقيقية قد جعل هذه الرقعة تضيع ضياعا كاملا في ذلك الثوب .. وسرعان ما بليت الرقعة كما بلي الثوب من قبل ، وألقي صاحب الثوب ثوبه البالي كله ، وخرج من الدين ، واستبدل به قوميات علمانية لا صلة لها بالدين ، أقصي ما يتسع صدرها له ان تتسامح في وجوده فلا تنبذ أصحابه ولا تطاردهم ، وإن كانت كثيرا ما يضيق صدرها به وبهم ، فتلفظهم لفظا وتلقي بهم خارج الساحة ، إن لم تفعل ماهو أسوأ من ذلك كثيرا ، فتلقيهم في غياهب السجون !
علي أن الشر الذي نجم من القوميات والوطنيات لم يكن شرا شخصيا ينتهي أمره بهبوط أصحابه عن إنسانيتهم ، وقبوعهم في داخل حدودهم وهم متشحون بذلك الهبوط .كلا ! ليس ذلك من " شم " القوميات والوطنيات ، إلا أن تكون في حالة من الضعف الشديد لا تقدر فيها علي العدوان ! أما أن كانت في حالتها " الطبيعية " أي تملك وسائل القوة ، فإن أول ما تتجه إليه هو السعي إلي توسيع رقعتها علي حساب قومية اخري أضعف منها ، أو تظن فيها أنها أضعف منها ! كما يسعي الوحش إلي الصدام مع من يتوسم فيه الضعف ليفترسه !
يقول الاستاذ الندوي بعد النص الذي نقلناه :
" لما قضت حركة لوثر التي تدعي حركة إصلاح الدين علي وحدة أوروبا الثقافية والدينية انقسمت هذه القارة في إمارات شعبية مختلفة ، وأصبحت منازعاتها ومنافساتها خطرا خالد علي أمن العالم(1)
وبالفعل نشب صراع عنيف داخل أوربا بين هذه القوميات الناشئة بعضها وبعض
ولنأخذ مثالا واحدا علي ذلك ما يعرف في التاريخ الأوربي بالحروب الإيطالية
__________
(1) ص 212 من كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين(39/7)
يقول الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي أستاذ التاريخ الحديث بقسم الدراسات العليا بكلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر في كتابه " أوربا في مطلع العصور الحديثة " تحت عنوان" تعريف بمصطلح الحروب الإيطالية " :
" الحروب الإيطالية هي حروب منقطعة نشبت بين فرنسا وأسبانيا خلال فترة استطالت خمسة وستين عاما ( 1494-1559 ) وكانت هذه الحروب مظهرا من مظاهر التنافس الدولي بين هاتين الدولتين من أجل السيطرة والنفوذ في أوروبا ، والرغبة في التوسع الإقليمي داخل القارة ، وقد بدأ هذا التنافس بين فرنسا وأسبانيا قبل أن يلفظ القرن الخامس عشر أنفاسه الأخيرة ،واقترن بصراع حربي مرير خاضته الدولتا ، وكانت شبه الجزيرة الإيطالية ميدانيا لتصارع الجيوش الفرنسية والأسبانية خلال المراحل الأولي لهذه الحروب التي تطورت بعد ذلك إلي نضال أوربي استع نطاقه وانتقل إلي ميادين متعددة خارج شبه الجزيرة الإيطالية (1)
ثم يقول بعد ذلك بصفحات تحت عنون " الموقف الدولي عند نشوب الحروب الإيطالية
" كانت فرنسا وأسبانيا قد تطلعتا إلي إيطاليا واستهدفتا تحقيق غرضين هما : التوسع الإقليمي بالاستيلاء علي ممتلكات جديدة في شبه الجزيرة الإيطالية ، ثم السيطرة والتفوق السياسي في القارة الأوروبية ،. كانت كل منهما تمثل الدولة الملكية الموحدة ذات الحكومة المركزية ن وكانت كما منهما أيضا ، ( والقرن الخامس عشر يلفظ أنفاسه الأخيرة ) في طليعة الدول اللاتينية والكاثوليكية في غرب أوربا ، وقد بلغت كلتاهما مستوي من التقدم الحضاري - الثقافي والمادي - يفوق كثيرا المستوي السائد في شرق أوربا ، وكان من المتوقع أن تركز هاتان الدولتان جهودهما لتنشيط حركة البعوث الكشفية الجغرافية لتحقق مزيد من النجاح بعد أن بدت تباشير اكتشاف عالم جديد يتيح أفاقا جديدة رحيبة للتجارة والثراء والقوة ولكن بدد ملوك أسبانيا وفرنسا قواهم طوال فترة رحيبة للتجارة والثراء والقوة ، ولكنبدد ملوك أسبانيا وفرنسا قواهم طوال فترة امتدت زهاء خمسة وستين عاما في صراع مرير استهدف السيطرة علي إيطاليا ، وأنظر بهم جميعا اضرار فادحة ، وأذل بلادا متحضرة شهدت مولد النهضة الأوربية في فجر التاريخ الحديث .. وقد أدي هذا الصراع إلي أفول النهضة الأيطالية ، وخضوع إيطاليا لصرامة الحكم الأجنبي (2)
ولنستعرض فقط بعض عناوين الكتاب ذات الدلالة علي الدوامة التي اجتاحت أوربا في ذلك الحين بسبب التنافسات القومية : أحلام شارل الثامن ملك فرنسا - مقدمات التدخل الفرنسي في إيطاليا - الزحف الفرنسي الخاطف علي إيطاليا - نحاج انسحاب الجيش الفرنسي من إيطاليا - هزيمة ملكة نابولي - بابا جديد يكتل نصف أوربا ضد جمهورية البندقية - الحلف المقدس ضد فرنسا سنة 1511 - انتصار الفرنسيين في معرفكة رافنا سنة 1512- توسيع قاعدة الحلف المقدس ضد فرنسا - انتكاس فرنسا عسكريا - انتقام البابا - اطماع البابا - عودة إلي سياسة الأحلاف العسكرية - القوات السويسرية تحسم الموقف لصالح حلف مالين - اطماع فرنسوا الأول ملك فرنسا - موقعة مارينيان ونتائجها - اشتداد المنافسة بين ملكي فرنسا وأسبانيا علي منصب الإمبراطور - انتخاب ملك أسبانيا إمبراطورا - عودة إلي الصدام المسلح - عدوان ثلاثي علي فرنسا - معركة باقي ( 24 من فبراير 1525 ) - الموقف الداخلي في فرنسا بعد كارثة باقي - حملة سنة 1528 - فرنسا تحرز انتصارات خاطفة - جيش فرنسي جنوبي إيطاليا يضطر إلي التسليم - هزيمة جيش فرنسا في شمال إيطاليا وأسر قائدة - أسباب التعجيل في عقد الصلح تجدد الحرب ومعركة سيريزول - استمرار الصراع بين فرنسا وأسبانيا علي عهد هنري الثاني - الصدام السملح بين فرنسا والإمبراطورية - استمرار الصراع الحربي علي عهد فيليب الثاني - البابا يورط ملك فرنسا في صدام مسلح ضد ملك أسبانيا الجديد - فرنسا تتعرض لهزيمة محققة - فرنسا تنتزع ثغر كالية من انجلترا - نهاية الحروب الإيطالية !!
وهذه كلها حرب واحدة من الحروب العديدة التي جرت في أوروبا علي فترات متتابعة .. وتكفي حروب نابليون الشهيرة مثلا ثانيا علي تلك الروح الشريرة التي اجتاحت أوربا منذ ظهرت فيها حمي القومية ، ولسنا في حاجة إلي تتبع تفصيلاتها فلن يزيدنا ذلك معرفة بتلك الروح التعسة ، كما أن قصة نابليون بصفة عامة معروفة عند كثير من القراء .
ثم جد عامل جديد زاد من حدة الصراع .. ذلك هو الثورة الصناعية ..
إن " أخلاق " الثورة الصناعية هي " الاخلاق " اليهودية - أن سميت هذه أخلاقا - أي السعي إلي الربح بكل وسيلة مشروعة أو غير مشروعة ، ولم يكن غيريبا أن تتخلق الثورة الصناعية بهذه الأخلاق الهابطة ، منذ كانت خاضعة للسيطرة اليهودية منذ نشأتها ، كما بينا في التمهيد الثاني من هذا الكتاب (3)
__________
(1) ص 154 من الكتاب المشار إليه
(2) ص 173-174 من المرجع السابق
(3) راجع فصل " دور اليهود في إفساد أوربا(39/8)
ولما كانت القوميات قد اتجهت اساسا إلي تحقيق " المصالح القومية " بصرف النظر تماما عن " المصالح الإنسانية " .. وإذا كانت المصالح القومية مصالح مادية بالدرجة الأولي .. فنستطيع أن نتصور الحال حين تدخل القوميات بصراعاتها المادية في دوامة الثورة الصناعية ، فإن هذه الصراعات لابد أن تتضاعف عدة مرات ، ولا بد أن تأخذ صورة الصراع المادي البحت ..
وكانت " الفلسفة " التي قام عليها هذا الصراع - إن سميت هذه فلسفة - هي الفلسفة الرأسمالية المتذرعة بقول الداروينية ": " البقاء للإصلاح " (1) ولما كانت كل قومية تزعم لنفسها أنها هي الأجدر بالبقاء ، وتريد أن تثبت ذلك بالفعل ، فلنا أن نتصور كيف يعنف الصراع بين القوميات المختلفة ويصل إلي حد الوحشية ! وتموت في دوامة الصراع الوحشي كل المعاني " الإنسانية " ويسمي هذا " تقدما" حسب التفسير الدارويني للحياة ، والتفسير المادي للتاريخ !
ومع الثورة الصناعية الرأسمالية المتلبسة في ذات الوقت بالقومية ، اتسعت رقعة " الاستعمار :
لقد كان الاستعمال الأوربي في منشئة دفعة صليبية بحتة
فحين سقطت الاندلس في يد المسيحيين أصدر الباب قرارا بتقسيم أرض " الكفار " - أي المسلمين !- إلي دولتين هما أسبانيا والبرتغال (2) وقامت محاكم التفتيش بمجهود وحشي ضخم للقضاء علي بقايا الإسلام في الأندلس ، فاستخدمت أبشع وسائل التعذيب التي عفها التاريخ لمطاردة الإسلام في كل شبر من أرض ما صار يسمي أسبانيا والبرتغال ، حتي صارت الهينمة في جوف الليل مبررا لدخول رجال التفتيش أي بيت تسع فيه ، لأنها مظنة قراءة القرآن سرا في هداه الليل ، وصار وجود حمام في أي بيت يدخل رجال التفتيش مبررا لصب أفظع ألوان التعذيب علي اهله ،لأن الحمامات داخل البيوت كانت في ذلك الوقت خصيصة من خصائص المسلمين ! ومع ذلك كله فقداستغرق الأمر مائتي عام حتي أفلح التعذيب الوحشي في تنصير الأندلس كلها ، ومحو كل أثر الإسلام فيها .
ولما تم " رسميا" إزالة الحكم الإسلامي - أي منذ 1492 م - شجع الباب النصاري علي متابعة المسلمين خارج الأندلس ، في حرب صليبية جديدة ، بغية القضاء علي الإسلام في كل الأرض . ولكن وجود الدولة العثمانية القوية في الشرق ، التي أزلت الدولة البيزنطية باستيلائها علي القسطنطينية عام 1453م ، لم يكن يتيح للحرب الصليبية الجديدة أن تتجه إلي الشرق نحو بيت المقدس كما اتجهت الحروب الصليبية الأولي الفاشلة ، فحاولت الدور أن حول العالم الإسلامي من جهة الغرب ، وكانت البرتغال أول دولة استجابت للتحريض البابوي وسارعت إلي تنفيذ .
في عام 1497 قام فاسكودادجاما برحلته الشهيرة التي كشف فيها للأوربيين طريق رأس الرجاء الصالح (3) وبمعاونة البحار العربي المسلم " ابن ماجد" وعلي هذي الخرائط الإسلامية للشواطئ الأفريقية والآسيوية (4) ، دار فاسكوداجاما حول افريقيا متجها إلي الشرق حتي وصل إلي جزر الهند الشرقية ، وهنا كقال قولته الصليبية المشهورة ، التي تقطع بأن رحلته كما قيل عنها ، فقد قال عند وصله إلي تلك الجزر " الآن طوقن عنق الإسلام ، ولم يبق إلا جذب الحبل ليختنق فيموت !
وبعد ذلك تتابعت :" الكشوف " " وتتابعت " الرحلات العلمية " التي مهدت للاستعمار الصليبي للعالم الإسلامي ..
ولما برزت القوميات في أوربا تلبست بالروح الصليبية تجاه المسلمين ن فأصبح التنافس يتمثل - من بين ما يتمثل - في التنافس علي استعمار العالم الإسلامي ، ومحاولة تنصير أهله عن طريق الحملات التبشيرية التي صاحبت الأستعمار الصليبي دائما ، ممهدة له أحيانا ، ومستندة إلي وجوده أحيانا ، ولكنها مصاحبة له علي الدوام !
وحتي حين أصبحت تلك القوميات "علمانية " تماما لم يؤثر ذلك في صليبية الحملات الاستعمارية ولا قللت مقدار ذرة نم النشاط التبشيري المصاحب للاستعمار الصليبي .
__________
(1) تفهم هذه العبارة خطأ علي أن " الأصلح" هو الأصلح خلقيا أو معنويا أو علي أساس أية قم رفيعة ، والتعبير في لغته الأصلية لا يحمل شيئا من هذه المعاني فكلمة Fittest معناها : الأنسب " أي الذي يحمل المواصفات التي تجعله يتفوق في الصراع الدائر بين الكائنات وبين البينة ، لأن هذه المواصفات هي الأنسب للظروف البينية المحيطة فحين يحدث الجفاف مثلا يكون الكائن " الأنسب " هو النبات أو الحيوان الذي يحتمل العطش أكثر من غيره .. ولكنها حملت معني " الأصلح " من إيحاءات الداروينية العامة .
(2) كلمة البرتغال : برتقال هي كلمة عربية فقد كان المسلمون يسمون هذه المنطقة أرض البرتقال !
(3) كان هذا الطريق معروفا للمسلمين قبل ذلك بعدة قرون !
(4) كان لدي المسلمين خرائط دقيقة للشواطئ الأسيوية والأفريقية يستخدمونها في رحلاتهم التجارية من شوائط الصين شرقا إلي بريطانيا غربا وشمالا(39/9)
وقد يبدو ذلك تناقضا لأول وهلة .. فكيف تهمل أوروبا " الدين" في حياتها الخاصة ، ثم تتذكره في الهجوم علي العالم الإسلامي ؟ الواقع أن الذي تذكرته أوروبا - ولا تزال إلي هذه اللحظة تتذكره - تجاه العالم الإسلامي ليس هو " الروح الدينية " فقد انسلخت أوربا من دينها تماما .. إنما هو " الروح الصليبية " التي كانت ذات يوم متلبسة بالدين ، ولكنها ظلت علي ضراوتها حتي بعد أن فقدت منبعها الأصلى ، وصارت شيئا قائما بذلته ، لا علاقة له بتدين أصحابه .. إنما هى كراهية وحقد ومقت للإسلام والمسلمين ، لا لحساب النصرانية كدين ، ولكن لحساب الأوروبيين بوصفهم أعداء للمسلمين .
يقول ليوبلدفايس (محمد أسد) فى كتابه " الإسلام على مفترق الطرق " :
إن الاصطدام العنيف الأول بين أوروبة المتحدة من جانب وبين الإسلام من جانب آخر - أى الحروب الصليبية - يتفق مع بزوغ فجر المدنية الأوروبية . فى ذلك الحين أخذت هذه المدينة - وكانت لا تزال على اتصال بالكنيسة - تشق سبيلها بعد تلك القرون المظلمة التى تبعت انحلال رومية . حينذاك بدأت آداب أوروبة ربيعا منورا جديدا . وكانت الفنون الجميلة قد بدأت بالاستيقاظ ببطء من سبات خلفته هجرات الغزو التى قام بها القوط والهون والآفاريون . ولقد استطاعت أوروبا أن تتملص من تلك الأحوال الخشنة فى أوائل القرون الوسطى ، ثم اكتسبت وعيا ثقافيا جديدا ، وعن طريق ذلك الوعى كسبت أيضا حسا مرهفا . ولما كانت أوروبة فى وسط هذا المأزق الحرج حملتها الحروب الصليبية على ذلك اللقاء العدائى بالعالم الإسلامى .. إن الحروب الصليبية هى التى عينت فى المقام الأول والمقام الأهم موقف أوروبة من الإسلام لبضعة قرون تتلو ، فى العهد الذى كانت فيه الخصائص الثقافية الخاصة قد أخذت تعرض نفسها " (1)" ، وكانت لا تزال فى طور تشكلها . والشعوب كالأفراد ، إذا اعتبرنا أن المؤثرات العنيفة التى تحدث فى أوائل الطفولة تظل مستمرا ظاهرا أو باطنا مدى الحياة التالية ، وتظل تلك المؤثرات محفورة حفرا عميقا ، حتى إنه لا يمكن للتجارب العقلية فى الدور المتأخر من الحياة ، والمتسم بالتفكير أكثر من اتسامه بالعاطفة التى تمحوها إلا بصعوبة ، ثم يندر أن تزول آثارها تماما . وهكذا كان شأن الحروب الصليبية ، فإنها أحدثت أثرا من أعمق الآثار وأبقاها فى نفسية الشعب الأوروبى . وإن الحمية الجاهلية العامة التى أثارتها تلك الحروب فى زمنها لا يمكن أن تقارن بشئ خبرته أوروبة من قبل ولا اتفق لها من بعد ..
" ومع هذا كله فإن أوروبة قد استفادت كثيرا من هذا النزاع . إن " النهضة " أو إحياء الفنون والعلوم الأوروبية باستمدادها الواسع من المصادر الإسلامية والعربية على الأخص ، كانت تعزى فى الأكثر إلى الاتصال المادى بين الشرق والغرب . لقد استفادت أوروبة أكثر مما استفاد العالم الإسلامى ، ولكنها لم تعترف بهذا الجميل : وذلك بأن تنقص من بغضائها للإسلام ، بل كان الأمر على العكس ، فإن تلك البغضاء قد نمت مع تقدم الزمن ، ثم استحالت عادة . ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعبى كلما ذكرت كلمة " مسلم " ولقد دخلت فى الأمثال السائرة عندهم حتى نزلت فى قلب كل أوروبى ، رجلا كان أم امرأة . وأغرب من هذا كله أنها ظلت حية بعد جميع أدوار التبدل الثقافى . ثم جاء عهد الإصلاح الدينى حينما انقسمت أوروبة شيعا ، ووقفت كل شيعة مدججة بسلاحها فى وجه كل شيعة أخرى ، ولكن العداء للإسلام كان عاما فيها كلها . وبعدئذ جاء زمن أخذ الشعور الدينى فيه يخبو ولكن العداء للإسلام استمر .
" ولقد يتساءل بعضهم فيقول : كيف يتفق أن نفورا قديما مثل هذا - وقد كان دينيا فى أساسه وممكنا فى زمانه بسبب السيطرة الروحية للكنيسة النصرانية - يستمر فى أوربة فى زمن ليس الشعور الدينى فيه إلا قضية من قضايا الماضى !
" ليست مثل هذه المعضلات موضع استغراب أبدا ، فإنه من المشهور فى علم النفس أن الإنسان قد يفقد جميع الاعتقادات الدينية التى تلقنها أثناء طفولته ، بينما تظل بعض الخرافات الخاصة - والتى كانت من قبل تدور حول هذه الاعتقادات المهجورة - فى قوتها تتحدى كل تعليل عقلى فى جميع أدوار ذلك الإنسان ، وهذه حال الأوروبيين مع الإسلام . فعلى الرغم من أن الشعور الدينى الذى كان السبب فى النفور من الإسلام قد أخلى مكانه فى هذه الأثناء لاستشراف على الحياة أكثر مادية ، فإن النفور القديم نفسه قد بقى عنصرا من الوعى الباطنى فى عقول الأوروبيين . وأما درجة هذا النفور فإنها تختلف بلا شك بين شخص وآخر ، ولكن وجوده لا ريب فيه . إن روح الحرب الصليبية - فى شكل مصغر على كل حال - ما زال يتسكع فوق أوروبة ، ولا تزال مدنيتها تقف من العالم الإسلامى موقفا يحمل آثارا واضحة من ذلك الشبح المستميت فى القتال " " (2)" .
ويقول " ولفرد كانتول سميث " المستشرق الكندى المعاصر فى كتاب " الإسلام فى التاريخ الحديث Islam in Mode r n Histo r y :
__________
(1) " " يقصد : أخذت تظهر .
(2) " " الإسلام على مفترق الطرق ، ترجمة عمر فروخ ، مقتطفات من ص 52 - 59 .(39/10)
" إلى أن قام كارل ماركس وقامت الشيوعية ، كان النبى (يقصد الإسلام) هو التحدى الحقيقى الوحيد للحضارة الغربية الذى واجهته فى تاريخها كله ، وإنه لمن المهم أن نتذكر كم كان هذا التحدى حقيقيا ، وكم كان يبدو فى يوم من الأيام تهديدا خطيرا حقا .
" لقد كان الهجوم مباشرا ، فى كلا الميدانين الحربى والعقيدى ، وكان قويا جدا . ولا شك أنه بالنسبة للمسلمين يبدو أنه الحق والصواب ، والأمر الطبيعى المحتوم ، أن يمتد الإسلام كما امتد . ولكن الأمر كان مختلفا بالنسبة لشخص الواقع خارج نطاق الإسلام ، الذى لم يكن يرى فيه شيئا من ذلك كله ، والذى كان التوسع الإسلامى يقع على حسابه . وقد كان هذا التوسع إلى حد كبير على حساب الغرب . فقد فقدت المسيحية دفعة واحدة " أجمل مقاطعات الإمبراطورية الرومانية " لتتسلمها منها القوة الجديدة ، وكانت فى خطر من ضياع الإمبراطورية بكاملها . وعلى الرغم من أن القسطنطينية لم تقع - تماما - فى يد الجيوش العربية كما وقعت مصر وسوريا ، فقد استمر الضغط عليها فترة طويلة . وفى موجة التوسع الإسلامى الثانية وقعت القسطنطينية بالفعل سنة 1453 ، وفى قلب أوروبا المفزعة ذاتها أحاط الحصار بفينا سنة 1529 بينما ظل الزحف الذى بدأ عنيدا لا يلين ، مستمرا فى طريقه . وحدث ذلك مرة أخرى فى وقت قريب لم يتطاول عليه العهد فى سنة 1683 ، وإن وقوع تشيكوسلوفاكيا فى قبضة الشيوعية عام 1948 لم يكن له قط فى العصر الحديث ذلك الفزع فى نفوس الغرب المتهيب ، كما كان لذلك الزحف المستمر قرنا بعد قرن ، من تلك القوة الضخمة المهددة التى كان لا تكف ولا تهدأ ويتكرر انتصارها مرة بعد مرة .
" وكما هو الأمر مع الشيوعية كذلك كان التهديد والانتصارات (الإسلامية) قائمين فى عالم القيم والأفكار أيضا . فقد كان الهجوم الإسلامى موجها إلى عالم النظريات كما هو موجه إلى عالم الواقع .. وقد عملت العقيدة الجديدة بإصرار على إنكار المبدأ الرئيسى للعقيدة المسيحية ، التى كانت بالنسبة لأوروبا العقيدة السامية التى أخذت فى بطء تبنى حولها حضارتها .. وكان التهديد الإسلامى موجها بقوة وعنف وكان ناجحا ومكتسحا فى نصف العالم المسيحى تقريبا .. والإسلام هو القوة الإيجابية الوحيدة التى انتزعت من بين المسيحيين أناسا دخلوا فى الدين الجديد وآمنوا به .. بعشرات الملايين . وهو القوة الوحيدة التى أعلنت أن العقيدة المسيحية ليست مزيفة فحسب ، بل إنها تدعو إلى التقزز والنفور .
" وإنه لمن المشكوك فيه أن يكون الغربيون - حتى أولئك الذين لا يدركون إطلاقا أنهم اشتبكوا فى مثل هذه الأمور - قد تغلبوا قط على آثار ذلك الصراع الرئيسى المتطاول الأمد .. أو على آثار الحروب الصليبية التى استغرقت قرنين من الحرب " العقيدية " العدوانية المريرة " " (1)" .
وفى هذا وذاك تفسير لهذه الظاهرة التى تبدو غريبة لأول وهلة ، وهى أن أوروبا قد أهملت الدين فى حياتها ، ولكنها لم تنس الروح الصليبية التى أججتها ظروف الحرب والصراع فى نفوسهم من قديم .
- - - - - - - - - - - - - -
وحين قامت الثورة الصناعية اتسم " الاستعمار " عامة بالصبغة الاقتصادية لأنه كان بحثا عن الموارد الرخيصة من جهة ، والأسواق المضمونة لتوزيع فائض الإنتاج من جهة أخرى .. وشمل الاستعمار كل أرض مستضعفة سواء كانت أرضا إسلامية أو غير إسلامية . ومع ذلك لم ينس الصليبيون صليبيتهم إزاء المسلمين . فحيثما كانت الأرض المستعمرة غير إسلامية اكتفى الاستعمار بنهب الخيرات وتوزيع فائض الإنتاج .. أما حيث تكون الأرض إسلامية فالعناية الأولى موجهة لمحو الإسلام عن طريق التبشير والغزو الفكرى ومناهج التعليم التى تفرض على المسلمين ووسائل الإعلام التى توجه إليهم . ثم يأتى بعد ذلك نهب الخيرات وتوزيع فائض الإنتاج . وخير مثال لذلك استعمار البريطانيين للهند . فقد كان أول عمل لهم هناك هو إزالة الحكم الإسلامى فى الهند . ثم تركوا الهنود لمعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم لم يتعرضوا لهم بشئ ، ووجهت الحرب الضارية ضد المسلمين وحدهم ، فصودرت الأوقاف المرصودة للتعليم الإسلامى فجفت منابعه ، وحورب المسلمون فى الوظائف العامة وأعطيت للوثنيين الهنود ، ووجه الغزو الفكرى ضد المسلمين لإخراجهم من حقبة الإسلام !
وأيا ما كان الأمر فقد ارتبطت القوميات فى أوروبا بالاستعمار بكل سفالاته ، وكل بشاعاته ، ونشبت الحروب بين القوميات المختلفة أبشع ما تكون .. وصارت نهاية الأمر حروبا عالمية ، تشترك فيها كل القوميات ، ويصلاها العالم كله بذنب وبغير ذنب .
فى الحرب الكبرى الأولى التى استمرت من 1914 - 1918م قتل عشرة ملايين شاب ، غير الذين شوهوا أو أصيبوا إصابات تقعدهم عن العمل ، واستخدمت الغازات السامة والقنابل المحرقة وغيرها من الوسائل الإجرامية ، التى لم تجد أوروبا فى ضميرها حرجا من استخدامها ، لأن الغاية تبرر الوسيلة ، ولأن المصالح القومية مقدمة على كل اعتبار !
__________
(1) " " ص 109 - 110 من الأصل الإنجليزى الطبعة الأولى سنة 1957م .(39/11)
صحيح أنه كان هناك تكتل بين مجموعة من القوميات سمت نفسها " الحلفاء " لأنها - فى لحظة من اللحظات - وجدت أن مصالحها القومية - رغم اختلافها فيما بينها وتنافسها - تقتضى التجمع لتحقيق هدف مشترك .. وكان الهدف فى الحرب الأولى مزدوجا : القضاء على الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية - لأمر يراد " (1)" - والقضاء على القومية الألمانية التى تطالب بأن يكون لها مستعمرات كما لبقية القوميات مستعمرات .. !!
وربما يظن الإنسان لأول وهلة أن أوروبا قد فطنت إلى حماقة التجمع القومى وما يؤدى إليه من فساد فى الأرض وتقطيع للروابط الإنسانية فأنشأت تجمعا جديدا على أساس المبادئ لا على أساس القوميات .. أو هكذا قالوا هم فى دعاياتهم ! ولكن الحقيقة أن التجمع الجديد كان هو أيضا تجمع مصالح يتستر وراء المبادئ ، ويريد لمجموعة من الشعوب ، أو مجموعة من القوميات على الأصح ، أن يكون لها السيطرة على العالم ، وحدها من دون العالمين .. لأمر يراد !
وتم - على أى حال - لهذا التجمع ما أريد له من السيطرة فى الأرض ما يقرب من عشرين عاما ، حتى قامت الحرب العظمى الثانية ، التى استمرت من عام 1939 إلى عام 1945م ، وقتل فيها أربعون مليونا من الشباب ، غير المدن التى دمرت ، والمدنيين الذين قتلوا فى الغارات الجوية .. وغير قنبلتى هيروشيما ونجازاكى الذريتين ، اللتين قضتا على الوجود الحى كله من نبات وحيوان وإنسان فى مساحة واسعة من الأرض ، وما تزال تولد أجنة مشوهة من أثر الإشعاع الذرى السام الذى انتشر من القنبلتين فى أماكن بعيدة عن مكان الانفجار ، بعد ما يقرب من أربعين عاما من الحدث البربرى الفظيع ، الذى سمح به الضمير الأمريكى بلا تحرج ولا تأثم تأمينا " لمصالح " ذلك التجمع الشرير ! وما كان التجمع الآخر الذى انهزم بأقل شرا ولا خبثا ولا انعدام إنسانية عن التجمع الذى انتصر ! فلو أن هتلر سبق إلى استكمال القنبلة الذرية قبل أن يداهمه " الحلفاء " ويسرقوا " العلماء " الذين يعملون فى صنعها ، لكان قمينا أن يفعل بها مثل ما فعلوا أو أشد !
وبرز من الحرب الثانية " معسكران " مختلفان ، هما المعسكر الشيوعى والمعسكر الرأسمالى ، يبدو فى ظاهر الأمر أنهما تجمعان قائمان على " مبادئ " مختلفة .. خاصة وأن الشيوعية على الأقل تحمل مبادئ محددة ، وتحمل دعوة عالمية لنشر هذه المبادئ فى الأرض .
وقد مر بنا الرأى فى هذا الاختلاف وهل هو فى الجوهر الحقيقى أم فى القشرة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .. ولكن هذا ليس معرض حديثنا هنا .. إنما نتكلم عن " المبادئ الإنسانية " التى تقوم عليها هذه المجتمعات أو تزعم أنها تقوم عليها !
تعلن الشيوعية - دائما - أن الدين لا يجوز أن يكون أساسا للتجمع ! إنما هو الآثار البالية التى أحدثتها عصور الرق والإقطاع والرأسمالية .. وأن تصحيح الأوضاع الذى تحدثه الشيوعية يقضى على تلك الآثار البالية ، ويقيم مجتمعا إنسانيا " حرا " لا تقوم فيه التفرقة على أساس الدين .. وطالما أبدت رأيها صريحا فى استنكار رغبة المسلمين فى شبه القارة الهندية فى إنشاء دولة " إسلامية " وقالت إن هذه اتجاهات رجعية لا ينبغى تشجيعها .
ثم قامت الدولة اليهودية عام 1948م ، على أساس الدين ، فهى من منشئها ، أو من منشأ الدعاية لها وطن " لليهود " ودولة " لليهود " وتجمع " لليهود " .
وفى منتصف الليل ، بتوقيت المنطقة التى أقيمت فيها الدولة اليهودية ، أعلنت أمريكا اعترافها بالدولة ، وبعد عشر دقائق اعترفت روسيا ! روسيا القائمة على أساس " المبادئ " التى تنكر قيام أى تجمع على أساس الدين !
ومنذ تلك اللحظة إلى هذه اللحظة ، تجتمع أمريكا الرأسمالية الإمبريالية التوسعية الرجعية ، وروسيا الشيوعية العقائدية التقدمية على الوقوف فى صف إسرائيل وعدوانها المستمر الذى لم ينقطع ، ضد العرب والمسلمين !
ثم تختصم روسيا وأمريكا فى كل شئ عدا ذلك ، ففى أى شئ تختصمان ؟!
على إقامة الحق والعدل فى الأرض ؟!
على تقرير حرية الشعوب فى اختيار مصيرها ؟!
كذلك تقول الدعاية المستمرة من الجانبين .. ولكن ما حقيقة الواقع ؟
ما الذى يحدث حين تمس المصالح القومية لأمريكا أو لروسيا .. أو يقف حائل دون " التوسع " و" السيطرة " و" السلطان " ؟!
إنهما تختصمان على توزيع " مناطق النفوذ " فى العالم .. أى تختصمان على توزيع " المستضعفين فى الأرض " هل يكونون فى هذا المعسكر أم ذاك المعسكر ، وكلتاهما لا تسمح لأحد من " الخاضعين لنفوذها " أن يتحرر ويقرر لنفسه مصيره .
كيف فعلت روسيا فى المجر حين أرادت الأخيرة أن تختار مصيرها بنفسها وترجع عن الشيوعية عام 1956م ؟ كيف هدمت الدبابات الروسية البيوت على أصحابها تأديبا لهم على تجرؤهم على هذا العمل الشنيع الذى ارتكبوه ؟
__________
(1) " " سيأتى بيان هذا الأمر فى سياق الحديث .(39/12)
وكيف فعلت حين أراد العمل فى بولندا ، الذين تزعم الشيوعية أنها قمت لتحريرهم ورد الحقوق المغتصبة إليهم .. كيف فعلت حين أراد هؤلاء العمال أن يعلنوا أن الشيوعية لم تحقق مطالبهم ، ولم ترد إليهم إنسانيتهم الضائعة ، وأنهم فى ظلها مقهورون مظلومون مسحوقون ،وأن لهم " مطالب " يريدون تحقيقها فى مقدمتها ممارسة الحرية ، والمشاركة فى إدارة دفة الأمور ؟!
أما أمريكا ودورها الاستعمارى ، ودور أجهزتها الخفية فى نشر الفساد فى الأرض عن طريق الانقلابات العسكرية ، التى يختار أصحابها من غلاظ الأكباد قساة القلوب المرضى بجنون العظمة المتعطشين إلى السلطة لينفذوا لها مخططاتها فى إذلال الشعوب وجرها إلى العبودية .. فأمر غنى عن البيان . وإن كان الذى يغيب عن أذهان كثير من الناس مداراة كل من المعسكرين على عميل المعسكر الآخر ومده بالمساعدة حين يكون دوره هو تذبيح المسلمين والقضاء على حركات البعث الإسلامى !
وتلك هى المجتمعات التى قامت فى العالم على أساس قومى .. وإن تسترت أحيانا وراء مختلف العناوين !
- - - - - - - - - - - - - -
إلى هنا كنا نتحدث عن القوميات والوطنيات فى أوروبا ، كيف نشأت وكيف تطورت خلال التاريخ الحديث والمعاصر ، وما كان من آثارها الشريرة فى حياة العالم كله ، حين صارت " المصالح القومية " هى الأصل المعترف به فى حياة الناس ، على حساب القيم والمبادئ وكل ومعنى من معانى " الإنسانية " عرفته البشرية فى يوم من الأيام ..
ولكن هناك جانبا من الموضوع ما زال فى حاجة إلى بيان .. ذلك هو " تصدير " دعاوى القومية والوطنية إلى الشرق الإسلامى !
ولن نتحدث عنا عن " العدوى " التى جاءت إلى المعالم الإسلامى من أوروبا حين ضعف المسلمون وتخلوا عن مقومات حياتهم الأصيلة ، وانبهرا بما عند الغرب ، وتابعوه فى انحرافاته ظنا منهم أن هذا هو الطريق الذى يخلصهم من ضعفهم وتخلفهم .. فذلك مبحث آخر نعالجه فى غير هذا الكتاب " (1)" ولكن نتحدث عن التصدير المتعمد لهذه التيارات من أوروبا إلى العالم الإسلامى .
حين وقع لويس التاسع فى الأسر فى الحروب الصليبية الأولى وسجن فى سجن المنصورة أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب ، جعل يتفكر فى سجنه ويتدبر .. فلما فك أسره وعاد إلى قومه حدثهم بما هداه إليه فكره ، فقال لهم : إن التغلب على المسلمين بالسلاح وحده أمر غير ممكن .. وإن إلى أوروبا إذا أرادت التغلب على المسلمين أن تحاربهم من داخل نفوسهم ، وأن تقتلع العقيدة الإسلامية من قلوبهم .. فهذا هو الطريق !
ووعى الصليبيون المحدثون نصيحة الصليبى القديم حين بدأوا جولتهم الصليبية الثانية ضد العالم الإسلامى . فجاءوا - لا بالسلاح وحده كما جاؤوا فى المرة الأولى - ولكن بما هو أخطر منه كثيرا وأشد فاعلية ، ذلك هو " الغزو الفكرى " الذى يهدف إلى اقتلاع العقيدة من قلوب المسلمين ، وتحويلهم عن صراط اله المستقيم إلى سبل الشيطان :
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام 6/153]
يقول شاتلييه فى مقدمة كتاب " الغارة على العالم الإسلامى " (تعريب محب الدين الخطيب) :
" ولا شك فى أن إرساليات التبشير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها ولا يتم ذلك إلا ببث الأفكار التى تتسرب مع اللغات الأوروبية . فبنشرها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يحتك الإسلام بصحف أوروبا ، وتتمهد السبيل لتقدم إسلامى مادى ، وتقضى إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التى لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها " .
وقد كانت دعاوى القومية والوطنية المصدرة عن عمد إلى العالم الإسلامى ، من بين وسائل الغزو الفكرى الذى استخدمه الصليبيون المحدثون فى " غزو العالم الإسلامى " كما سمى " شاتلييه " كتابه السالف الذكر " (2) " .
والهدف من ذلك واضح ولا شك .. فطالما كان المسلمون " مسلمين " فسيصعب على الغزاة ابتلاعهم مهما كانوا عليه من الضعف والتخلف . ذلك أن العقيدة الإسلامية عقيدة جهاد . وقد ذاق الفرنسيون فى الشمال الأفريقى وذاق الإنجليز فى الهند وغيرها من أقطار أفريقيا وآسيا من عقيدة الجهاد هذه ما لا يزال عالقا بنفوسهم برغم كل الضعف والتخلف الذى كان عليه المسلمون . فاقتلاع هذه العقيدة واستبدال غيرها بها أمر ذو أهمية بالغة ، وساء من وجهة النظر لصليبية أو من وجهة النظر الاستعمارية البحتة ، فالمسلمون لا يقبلون الاستعمار ولا يرضخون له طالما كانوا " مسلمين " . فإذا اجتمعت وجهة النظر الصليبية ووجهة النظر الاستعمارية تجاه الإسلام - كما هو واقع الأمر - كانت الرغبة فى اقتلاع هذه العقيدة أكد ، والعمل على استبدال غرها بها أعنف وأشد .
__________
(1) " " انظر كتاب " واقعنا المعاصر " .
(2) " " الكتاب فى أصله الفرنسى يسمى " La Conquette du Monde Musulman " أى غزو العالم الإسلامى ، ولكن المعرب اختار له اسم " الغارة على العالم الإسلامى " .(39/13)
وبالفعل بذرت بذور الوطنية أولا فى العالم الإسلامى . ثم جاء دور القومية بعد ذلك (لظروف سنبينها بعد قليل) فحققت أكثر من هدف فى وقت واحد ..
كان الهدف الأول هو تحويل حركات الجهاد الإسلامى ضد الاستعمار الصليبى إلى حركات وطنية ، كما فعل سعد زغلول فى مصر وغيره من الزعماء " الوطنيين " على اتساع العالم الإسلامى . والحركة الوطنية تفترق عن حركة الجهاد الإسلامى بادئ ذى بدء فى أنها لا تنظر إلى " العدو " على أنه " صليبى مستعمر " ولكن على أنه " مستعمر " فقط .. وفرق واضح فى درجة العداء وطريقة المجاهدة بين أن يكون العدو منظورا إليه على حقيقته ، وبين أن يكون مغلفا برداء الاستعمار فحسب .
والهدف الثانى هو تحويل حركات الجهاد الإسلامى إلى حركات " سياسية " عن طريق تحويلها إلى حركات وطنية .. فالعدو غير قادر على " التفاهم " مع الحركات الإسلامية : لأنه لا سبيل إلى التفاهم معها فى الحقيقة إلا بإخراج ذلك العدو خارج البلاد ، ومن ثم فلا سبيل إلى استعمال " السياسة " من جانب العدو . أما الحركات الوطنية فالتفاهم معها سهل وممكن ! وعود من المستعمر بالجلاء ، ويأتى الوقت الموعود فيتذرع المستعمر بشتى المعاذير لتأجيل جلائه ، ويعطى وعودا جديدة يعتر عنها بدورها إذا جاء دورها .. والساسة " الوطنيون " يغضبون - أو يتظاهرون بالغضب لإرضاء الجماهير ! - والجماهير تثور ثورة صاخبة - لكنها فارغة - سرعان ما تنطفى بعد الاستماع إلى خطبة رنانة من الزعيم الوطنى يعد فيها بأنه لم يفرط فى شبر من الأرض ، ولم يرضى بغير " الجلاء التام أو الموت الزؤام " ! " (1)" وبين هذا وذاك تجرى " مفاوضات " بن السياسة والاستعمار تنتهى إلى أشياء تافهة يلعب بها الساسة على عقول الجماهير فيوهمونها أنها " مكاسب وطنية " وقد تنتهى إلى غير شئ على الإطلاق ، ومع ذلك يقول زعيم يعتبر من كبار الزعماء الوطنيين فى العالم الإسلامى فى العصر الحديث وهو سعد زغلول : " خسرنا المعاهدة وكسبنا صداقة الإنجليز ! " ويقول " الإنجليز خصوم شرفاء معقولون " !! وهو شئ ما كان يمكن أن يحدث لو بقيت حركة الجهاد الإسلامية كما كانت فى مبدئها ، ولم تتحول إلى حركة وطنية على يد الزعيم الكبير !
والهدف الثالث هو تيسير عملية " التغريب " من خلال تحويل حركة الجهاد الإسلامى إلى حركة وطنية سياسية .. فحين تقوم حركة الجهاد على أساس إسلامى يكون الباب موصدا تماما بين المجاهدين وعدوهم ، لا يأخذون شيئا من فكره ولا عقائده ولا تقاليده ولا أنماط سلوكه المنافية للإسلام . أما حين يتحول الجهاد إلى حركة وطنية سياسية فالحاجز أرق ، يسمح بالأخذ .. ومعاذير الأخذ كثيرة ، فقد قال " أستاذ الجيل " لطفى السيد : إن الإنجليز هم أولياء أمورنا فى الوقت الحاضر . وليس السبيل أن نحاربهم ، بل السبيل أن نتعلم منهم ، ثم نتفاهم معهم!!" (2)"
وأى شئ تعلم المصريون من الإنجليز ؟ هل تعلموا منهم جلدهم على العمل وانضباطهم فيه ؟ أم تعلموا منهم السكر والعربدة وفساد الأخلاق ؟
إنما يتعلم الأولى " المجاهد " لأن المجاهد يتعلم من عدوه فضائله إن كانت له فضائل ، أما " السياسى " المتسيب فالرذائل أفرب إلى قلبه لأنها سهلة لا تكلف جهدا ولا تحتاج إلى مجاهدة !
وعملية التغريب - أو الغزو الفكرى - كانت أهم ما يحرص عليه الصليبى المستعمر .. فحين يفقد المسلم شخصيته الإسلامية فإنه يفقد فى الحقيقة نقطة ارتكازه .. ومن ثم فإنه يتهاوى ويضيع .
حين يظل المسلم مسلما فإنه يمكن أن " يستعير " من العالم حوله ما يحس أنه فى حاجة إليه ، دون أن يفقد شخصيته ، ودون أن يفقد استعلاءه الذى يستمده من الإيمان .
{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} [سورة آل 3/139]
وذلك ما فعله المسلمون الأوائل حين بدأوا ينشئون حضارتهم ، فقد كانوا فى حاجة إلى أشياء لا سابقة لهم بها وهى عند عدوهم - البيزنطى أو الفارسى - فلم يجدوا فى أنفسهم حرجا على الإطلاق أن يأخذوا ما يحتاجون إليه من هنا ومن هناك ، ولكن فى استعلاء المؤمن الواثق المطمئن . فأخذوا ما رأوا أنه نافع لهم ، وأعرضوا عن كثير مما وجدوه عند أعدائهم ، لأنهم نظروا إليه بعين المسلم فأنكروه . وهذا يفسر لنا لماذا أخذوا العلوم الإغريقية ولم يأخذوا الأساطير !
__________
(1) " " كانت تلك من هتافات الحركة الوطنية فى مصر !
(2) " " لا يمكن لمسلم ، فضلا عن مسلم مجاهد أن يقول عن عدو دينه إنه ولى أمره مهما تغلب الأخير عليه فى معركة السلاح وقهره . أما الزعيم السياسى فما أيسر عليه أن يقول ذلك !
أما حين " يستغرب " المسلم فإنه يفقد - أول ما يفقد - إيمانه بأنه هو الأعلى بعقيدته الصحيحة ونظامه الربانى وأخلاقياته المتطهرة وقياسه كل شئ بالمقياس الربانى .. وينظر إلى عدوه نظرة الإكبار والإجلال ، فينقل عنه كل شئ بلا تحرز ، بل ينقل عنه ما يضر وما يفسد فى حين يعجز عن نقل ما ينفع ، لأنه " واهن " بعد فقدانه الإيمان ، والواهن لا يقدر على بذل الجهد الذى يحتاج إليه تعلم النافع من الأمور " (1) " .(39/14)
لذلك لم يتعلم " المستغربون " من الغربيين قط قدرتهم الفائقة على " التنظيم " ولا جلدهم الشديد على " العمل " ولا التزامهم الشديد " بالانضباط " فى كل شئ . إنما تعلموا اللهو والعبث والمجون والرطانة بلغة الأعاجم .. وتعلموا - أسوأ من ذلك كله - التباهى بالانسلاخ من الدين والعرض والأخلاق الدينية المتطهرة من الرجس .
وكان ذلك هو التنفيذ الدقيق لوصية الصليبى القديم للصليبيين المحدثين .
- - - - - - - - - - - - - - -
أما القومية العربية فقد كان لها دور أخبث وأشد ..
لقد كنا حتى اللحظة نتكلم عن الصليبى المستعمر ..
ولكن دخل معه - على نفس خطه - عدو آخر ، هو اليهودى المستعمر ، لغرض آخر خاص به ، ولكنه يلتقى معه فى النهاية فى بغض الإسلام ، والرغبة فى القضاء على الكيان الإسلامى .
فى عام 1897 عقد هرتزل - ابو الصهيونية كما يسمونه - مؤتمره الشهير فى مدينة " بال " بسويسرا ، ذلك المؤتمر الذى قرر فيه زعماء اليهود ضرورة إنشاء الدولة الصهيونية خلال خمسين عاما فى فلسطين .
وذهب هرتزل إلى السلطان المسلم عبد الحميد يعرض عليه كل المغريات التى يطمع فيها حاكم أرضى . ذهب يعرض عليه إنعاش الاقتصاد العثمانى وكان متدهورا بسبب ما تنفقه الدولة لإخماد المناوشات المستمرة التى يقوم بها الأعداء لإحراج الدولة العثمانية أو " الرجل المريض " كما أطلقوا عليها فى أواخر أيامها . ويعرض عليه قروضا طويلة الأجل ويعرض عليه التوسط لدى روسيا وبريطانيا بالكف عن إثارة الأقليات ، فقد كانت روسيا تتعهد بإثارة الأقليات الأرثوذكسية وخاصة الأرمن وكانت بريطانيا تتكفل ل=بإثارة بقية الأقليات ! وكان ذلك من أشد ما يزعج الدولة ويعرض ميزانيتها للخراب .. وفى مقابل هذا العرض السخى كله طلب هرتزل منح اليهود وطنا قوميا لهم فى فلسطين .
وكان من المتوقع منأى رجل يحرص على الدنيا ، ويحرص على السلطان المستبد " (2)" أن يتقبل العرض ويستجيب للمغريات . ولكن السلطان المسلم رفض ذلك لكه ، وقال لهرتزل قولته الشهيرة " إن هذه ليست أرضى ولكنها أرض المسلمين ، وقد رووها بدمائهم ولا أملك أن أتنازل عن شبر واحد منها " " (3)".
عندئذ وقعت الواقعة ، ودبر اليهود لخلع السلطان عبد الحميد ، ثم لإزالة الخلافة كلها على يد اليهودى المتمسلم كمال أتاتورك .
وكانت الوسيلة لكل ذلك هى " القومية ".
فاليهود المتمسلمون ، المعروفون بيهود الدونما ، الذين هاجروا من المغرب واستوطنوا البلقان ، كانوا هم المنظمين الحقيقيين لحزب الاتحاد والترقى ، الذى نادى بالقومية الطورانية (وهى قومية الأتراك فى جاهليتهم قبل دخولهم فى الإسلام) ورفع شعار الذنب الأغبر (وهو معبود الأتراك فى جاهليتهم) كما نادى بضرورة " تتريك " الدولة ، أى جعل المناصب فيها وقفا على الأتراك وحدهم . ومعنى ذلك - كما حدث بالفعل - أن يحس " العرب " أنهم مظلومون فى ظل الحكم التركى وأنهم مهضومو الحقوق .. عندئذ تلقفتهم الصليبية - حليفة اليهودية فى الحرب ضد الإسلام - فأرسلت إليهم " لورنس " ليؤجج فيهم روح " القومية العربية " ردا على القومية الطورانية .. ويؤلف " الثورة العربية الكبرى " ضد دولة الخلافة !
وببساطة تم الأمر .. فى غفلة من " المسلمين " !
يقول التاريخ إن أول من نادى بالقومية العربية هم نصارى لبنان وسوريا وانضم إليهم " المسلمون " الذين تربوا فى مدارس التبشير .. ثم انضم إليهم المستغفلون من المسلمين الذين لم يجدوا تعارضا بين الإسلام والعروبة على أساس أن العروبة هى عصب الإسلام ، وأن العرب هم الذين حملوا الإسلام إلى كل البشرية !
__________
(1) " " يقول القسيس المبشر " زويمر " الذى كان له نشاط تبشيرى ضخم فى العالم العربى فيما ينقل عنه كتاب " الغارة على العالم الإسلامى " فى خطاب للمبشرين : " إنكم أعددتم نشئا (فى بلاد المسلمين) لا يعرف الصلة بالله ، ولا يريد أن يعرفها ، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه فى المسيحية ، وبالتالى جاء النشء الإسلامى طبقا لما أراده الاستعمار المسيحى لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ، ولا يصرف همه إلا فى الشهوات ، فإذا تعلم فللشهوات ، وإذا جمع المال فللشهوات ، وإن تبوأ أسمى المراكز ففى سبيل الشهوات يجود بكل شئ " .
(2) " " هكذا تصف الدعاية المغرضة السلطان المسلم .
(3) " " وذلك هو سر كراهية اليهود له وتشنيعهم به ونشر الدعايات المغرضة ضده .
والنصارى فى لبنان وسوريا كانوا جزءا من أدوات أوروبا لإزعاج " الرجل المريض " وإرباكه ، بغية تسهيل القضاء عليه وتوزيع تركته بين المتربصين الذين ينتظرون الساعة " العظمى " التى يقضون فيها على بقايا الإسلام .(39/15)
وما كان نصارى لبنان وسوريا فى تلك الفترة يجرؤون أن يخرجوا على الحكم الإسلامى علانية وبالاسم الصريح للخروج ، فقد كانوا أقلية محوطة بأكثرية مسلمة ، تدين بالولاء القلبى والسياسى لدولة الخلافة ، ولا تتصور لنفسها حكومة غير الحكومة الإسلامية . فلم يكن فى وسع أولئك النصارى أن يقولوا : لا نريد حكم الإسلام علينا ولا نريد حكم الخلافة الإسلامية ! ولذلك كان نشاطهم سريا من جهة ، وباسم غير اسم الخروج على الحكم الإسلامى من جهة أخرى .. كان نشاطهم يقوم باسم العروبة والقومية العربية ، وهو شعار يمكن أن يلتبس فيه الأمر على المسلمين العرب ، ولا يروا - لغفلتهم - أنه موجه ضد الإسلام .. وضدهم هم !
كانت دعوى القومية الطورنية تحز فى نفوس العرب المسلمين فينفخ الشياطين فى الحزازة لتشتعل . وكان يقال لأولئك العرب المسلمين أنتم أولى بالخلافة من أولئك الطورانيين ! فلماذا تسكتون على الظلم ؟ لماذا لا تثورون وتستقلوا عن الأتراك ؟
وكان عبد الحميد يقظا للعبة كلها " (1)" ولكن أحوال دولة الخلافة يومئذ وأحوال المسلمين جميعا فى العالم الإسلامى ، كانت أضعف من أن تصمد للكيد .. فمضى الكيد فى سبيله حتى بلغ غايته .
" ولسنا هنا نؤرخ لتلك الفترة " (2) " .. إنما نحن نتحدث عن القوميات والوطنيات ، ودورها فى اللعبة التى أريد بها القضاء على الإسلام ، وإنشاء الوطن القومى لليهود فى فلسطين .
كان عبد الحميد يطارد تلك الجماعات السرية التى تنادى بالعروبة والقومية العربية كما يضيق على النشاط السرى لحزب الاتحاد والترفى ، لإدراكه المقصود من ورائهما ، فيتخذ ذلك ذريعة لمزيد من الكيد ضده ويتهم بالدكتاتورية والطغيان فى داخل تركيا ، وباضطهاد الأقليات خارجها ! وتصنع من هذه وتلك مادة للدعاية ضده ونشر البغض والكراهية له ، تمهيدا لما يخطط من عزله ، عقابا له على عدم موافقته على إنشاء الدولة اليهودية !
وجرت الأمور فى مجراها المقدر فى علم الله ، ولكن بسبب من غفلة المسلمين التى مكنت الأعداء من تنفيذ مخططاتهم ، والله يحذرهم فى كتابه المنزل :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} [سورة آل 3/118]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [سورة المائدة 5/51]
ومع ذلك التحذير فقد كان مسلمون يتولون اليهود فى حزب الاتحاد والترقى ، ومسلمون آخرون يتولون النصارى فى الجمعيات السرية القائمة باسم العروبة والقومية العربية . ومسلمون آخرون يتولون " لورنس العرب ! " ويتبعونه وهو يدعوهم إلى قتال دولة الخلافة التى ظلت تحميهم من الغزو الصليبى قرابة أربعة قرون !
يقو لورد أللنبى ، قائد الجيش " العربى " الذى حارب الخلافة ! لولا مساعدة الجيش العربى والعمال العرب ما استطعنا أن نتغلب على تركيا !!
ولقد كانت الحرب العظمى الأولى تدبيرا يهوديا نصرانيا للقضاء على دولة الخلافة ، وتقسيم تركة " الرجل المريض " والتمهيد لإنشاء الدولة اليهودية فى الأمد الذى حدده مؤتمر هرتزل سنة 1897م .. فى غفلة من " المسلمين " ! إلى جانب الهدف الآخر الذى تحقق كذلك من تلك الحرب ، وهو القضاء على القومية الألمانية لحساب القومية البريطانية والقومية الفرنسية .. ولكن الهدف الأعظم من هذه الحرب كان ولا شك تدمير الخلافة الإسلامية لحساب اليهود والنصارى مجتمعين ، وحساب اليهود بصفة خاصة !
ووزعت الأسلاب بن بريطانيا وفرنسا ، صديقتى اليهود يومئذ ، ووضعت فلسطين بصفة خاصة تحت الانتداب البريطانى ، والانتداب درجة أسوأ من الحماية ، والحماية درجة أسوأ من مجرد الاستعمار .. كان ذلك بعد وعد بلفور الشهير ، الذى صدر عن وزير خارجية بريطانيا اليهودى " اللورد بلفور " سنة 1917 فى أثناء الحرب ، وبدأت دولة الانتداب فى تنفيذه عقب الحرب مباشرة تحت إشراف المندوب السامى البريطانى اليهودى السير صمويل هور !
وخلال خمسين عاما من مؤتمر هرتزل قامت الدولة اليهودية سنة 1947 " (3) " ولكن الأمر احتاج إلى حرب " عظمى " ثانية !
__________
(1) " " كما تدل على ذلك مذكراته .
(2) " " راجع إن شئت مذكرات السلطان عبد الحميد .
(3) " " قامت الدولة واقعيا سنة 1947 ولكنها لم تعلن رسميا إلا عام 1948 بعد مسرحيات الحرب التى مثلتها الجيوش العربية حسب مخطط متفق عليه .(39/16)
وسوء كانت الحرب الثانية " طبيعية " نتيجة القهر العنيف الذى وقع على القومية الألمانية من القومية البريطانية والقومية الفرنسية ، ونزوع القومية الأولى للانتقام لنفسها من القوميتين الأخريين - كما نعتقد نحن - أو كانت تدبيرا خالصا لليهود - كما يعتقد " وليم كار " فى كتاب " أحجار على رقعة الشطرنج " " (1) " فقد استغلها اليهود استغلالا واسعا لصالحهم ، لاستدرار عطف العالم كله عليهم - بوصفهم من ضحايا النازية - ليوافق عن طيب خاطر على سلب العرب جزءا من وطنهم لإقامة الدولة اليهودية فيه . وقد سبقت الإشارة إلى الكاتبة الألمانية التى تقول فى كتابها إن اليهود هم الذين دبروا عملية تعذيب النازى لهم ليتخذوها مادة دعاية لعم على أنهم المظلومون المضطهدون المشردون فى الأرض ، الذين يبحثون عن مأوى يقيهم من التشريد والظلم والطغيان ، وأن حجم التعذيب - الذى دبروا له تدبيرا - كان أضأل بكثير مما قيل فى الدعاية اليهودية العالمية التى ظلت طيلة سنوات الحرب تجلجل فى كل أرجاء الأرض لتصل إلى الهدف المطلوب .
وأيا كان الأمر فقد تم لليهود ما أرادوا بمناصرة الصليبية العالمية لهم ، وبغفلة المسلمين ..
وقد كان التدبير اليهودى الصليبى ما بين الحربين الأولى والثانية محكما فى الحقيقة .
فقد قسم العالم العربى إلى دويلات ضعيفة مسلوبة القوة لا حول لها ولا طول . فالقوة السياسية والعسكرية ذهبت بذهاب دولة الخلافة وصار حكام تلك الدويلات يعتمدون اعتمادا كاملا على بريطانيا وفرنسا - صديقتى اليهود - وصارت جيوشها جيوش استعراض وزينة لا جيوش قتال حقيقى ، تعتمد فى سلاحها وذخيرتها اعتمادا كليا على بريطانيا وفرنسا ، واقتصادياتها غاية فى التخلف .. أما شباب الشعوب - وهو قوة خطرة إذا وجد التوجيه الجاد - فقد سلط عليه " التغريب " يقتلعه من إسلامه ومن روح الجهاد الإسلامية ، وسلطت عليه السينما والإذاعة والمسرح والقصة والصحيفة والشواطئ العارية .. كلها تصب الميوعة فى نفسه وتصرفه عن الاهتمامات الجادة ، وتفسد أخلاقه وتشغله بفتنة الجنس .. فوق انشغال كل بلد بقضاياه ومشاكله الخاصة ، وفوق بذر بذور البغضاء بين كل بلد والآخر حتى لا تجتمع كلها على قضية واحدة ولا أمر واحد مشترك .
وفى ظل ذلك قامت الدولة اليهودية بعد مسرحية " الحرب " ثم الهدنة .. ثم الحرب ثم الهدنة الثانية بعد وقوف الجيوش " المتحاربة " عند خط التقسيم المتفق عليه ! ولكن أمرا حدث لم يكن على خاطر الصليبيين واليهود .. فوجئوا به جميعا مفاجأة لم تكن فى الحسبان .. فقد اشترك فى القتال فدائيون مسلمون ، يحرصون على الموت حرص أعدائهم على الحياة . وحين عركهم اليهود وعرفوا حقيقتهم ، كانوا إذا جابهوهم يفرون عن مستعمراتهم ، تاركين أسلحتهم وذخيرتهم ومئونتهم لينجوا بجلودهم !
كانت المفاجأة من جهتين ..
فقد كان الصليبيون واليهود يظنون أن الإسلام كله قد شاخ ولم يعد بوسعه أن يخرج مثل هذه العينات من البشر ، وكانت المفاجأة الثانية أنهم ظنوا أن مصر بالذات التى عمل الصليبيون على دك معاقلها الإسلامية منذ وقت مبكر ، منذ الحملة الصليبية الفرنسية بقيادة نابليون ، لا يمكن أن تخرج هذه العينات الصلبة المستميتة فى القتال بروح جهاد إسلامية خالصة لا يريدون بذلك جزاء ولا شكورا .
عندئذ تقر أمران فى وقت واحد ..
الأمر الأول ضرورة القضاء على حركة البعث الإسلامى التى أخرجت مثل هؤلاء المجاهدين . والأمر الثانى ضرورة إيجاد بديل من الراية الإسلامية التى أخرجت أولئك المقاتلين وتوشك أن تمتد ظلالها من مصر إلى البلاد العربية الأخرى ..
وكان البديل هو " القومية العربية " .
يقول جورج كيرك " Geo r ge Ki r k" مؤلف كتاب موجز تاريخ الشرق الأوسط " A sho r t Histo r y of the Middle East" إن القومية العربية ولدت فى دار المندوب السامى البريطانى !!
ولقد كانت بريطانيا قد فكرت من قبل فى إيجاد " الجامعة العربية " على مستوى الحكومات ، فطار " أنتونى إيدن " وزير الخارجية البريطانى إلى القاهرة عام 1946م ودعا الملوك والرؤساء العرب إلى الاجتماع به هناك ، وعرض عليهم فى الاجتماع فكرة إنشاء الجامعة العربية فى القاهرة لتتبنى قضايا العرب وتدافع عن مصالحهم !! ولكن ذلك لم يكن كافيا ، فقد كان لابد من رفع راية " القومية العربية " على مستوى الجماهير !
__________
(1) " " يبالغ وليم كار فى نسبة كل أحداث العالم الكبرى إلى اليهود ، ولا نوافقه فى ذلك رغم إخلاصه فى كتابته .. راجع فصل ط دور اليهود فى إفساد أوروبا " .
فلما ورثت أمريكا بريطانيا وفرنسا بعد الحرب وبسطت نفوذها على " الشرق الأوسط " " (1)" أقامت - عن طريق الانقلابات العسكرية - زعامات كاملة تدافع عن " القومية العربية " فى الوقت الذى تحارب فيه الإسلام والمسلمين ! وقالت الدعاية - التى أقامتها أمريكا وإسرائيل - إن أمريكا وإسرائيل لا تخشيان شيئا خشيتهما للقومية العربية ، ولا تخشيان أحدا خشيتهما لزعيم القومية العربية !(39/17)
وفى ظل القومية العربية التى أقامتها الصليبية العالمية ، توسعت إسرائيل وتوسعت حتى توشك أن تبتلع فلسطين كلها .. وتتطلع إلى المزيد !
لقد كانت " القومية " التى صدرت إلى العالم الإسلامى هى القومية المأكولة لا القومية الآكلة التى قامت فى أصلها هناك !
- - - - - - - - - - - - -
ليس هنا مجال التفصيل للظروف التى أحاطت " بالمسلمين " وأدت بهم إلى هذا الضياع كله وهذا الهوان .. إنما نقول فى ختام هذا الفصل إن الإسلام لا يعرف تلك الدعاوى الزائفة التى روحها أعداء الإسلام بغية القضاء عليه ، وتشربها " المسلمون " فا غفلتهم ، غافلين عما فيها من السموم .
إن الإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم ، لأن هذا أمر مادى حسى واقع لا سبيل إلى تغييره ، فالذى يولد فى الأرض المصرية مصرى بحكم مولده والذى يود فى الأرض العراقية عراقى بحكم مولده . والذى يولد فى الأرض الباكستانية باكستانى بحكم مولده .. وهكذا .
ولكن الإسلام ينكر أن تكون صلة التجمع شيئا غير الإسلام ! غير العقيدة الصحيحة فى الله ! لا الدم ولا الأرض ولا اللغة ولا " المصالح " الأرضية .
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [سورة التوبة 9/24]
وانظر إلى قصة نوح مع ابنه :
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (47)} [سورة هود 11/42-47]
لقد وعد الله نوحا أن ينجو أهله معه ، إلا من سبق عليه القول :
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)} [سورة هود 11/40]
فلما رأى ابنه فى معزل ناداه ليركب معه سفينة النجاة .. ولكنه عصى وقال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء .. وكانت عاقبته أن غرق مع المهلكين .
ولما قضى الأمر ونجا من نجا وهلك من هلك راح نوح - فى مرارة الفقد التى تشوب فرحة النجاة - يناجى ربه ، ويسأل عن تفسير ما حدث : لقد وعده الله بنجاة أهله ، وابنه من أهله ، ومع ذلك كان من الهالكين !
وكان الرد الربانى : " إنه ليس من أهلك ! إنه عمل غير صالح " .
ذلك أن الآصرة الحقيقية التى تجعله من أهلك ليست هى رابطة الدم التى تجمع بينه وبينك . إنما هى رابطة العقيدة . وقد رفض الابن أن يكون على العقيدة الصحيحة فانفصم ما بينه وبن أبيه من رباط ، لأنه " عمل غير صالح" !
ذلك هو ميزان الإسلام .
وقد مرت بنا الآية التى تجعل الآباء والأبناء والاخوان والأزواج والعشيرة ، والأموال والتجارة والأرض وهى مقومات القومية كلها فى كفة ، وفى الكفة الأخرى حب اله ورسوله والجهاد فى سبيل الله .. والمفاضلة الكاملة بين هذه وتلك .
وليس معنى ذلك أن الإسلام يحرم كل تلك الروابط !
__________
(1) " " كلمة " الشرق الأوسط " ذاتها كلمة دخيلة من تخطيط الأعداء من أجل تسويغ إقامة الدولة اليهودية فى المنطقة . فإنها لو بقيت فى التسمية منطقة إسلامية أو حتى عربية فكيف تقوم فيها دولة لليهود ؟ أما حين تصبح منطقة جغرافية لا انتماء لها فكل شئ ممكن !
كلا ! إنما يجيزها كلها حين تقع تحت رابطة العقيدة وداخلها :
{وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [سورة الأنفال 8/75]
أى حين يكونون كلهم مؤمنين .
أما حين تكون تلك الروابط حاجزا يحجز بين المؤمن والمؤمن بسبب رباط الدم أو اللغة أو الأرض أو المصالح .. فهذه التى قال فيها رسول ا صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة " " (1) " .(39/18)
فكيف إذا كانت تلك القومية تقول لك فى صراحة إن المشرك الذى يشاركك فى قوميتك أقرب إليك من المسلم الذى ينتمى إلى قومية أخرى !
هذه .. ما ميزانها فى كتاب الله ؟!
- - - - - - - - - - - - - - -
الإنسانية
الإنسانية - أو العالمية كما يدعونها أحيانا - دعوى براقة، تظهر بين الحين والحين ، ثم تختفى لتعود من جديد ! يا أخى ! كن إنسانى النزعة .. وجه قلبك ومشاعرك للإنسانية جمعاء .. دع الدين جانبا فهو أمر شخصى .. علاقة خاصة بينا لعبد والرب محلها القلب .. لكن لا تجعلها تشكل مشاعرك وسلوكك نحو الآخرين الذين يخالفونك فى الدين .. فإنه لا ينبغى للدين أن يفرق بين البشر .. بين الإخوة فى الإنسانية ! تعال نصنع الخير لكل البشرية غير ناظرين إلى جنس أو ولون أو وطن أو دين !
دعوى براقة كما ترى .. يخيل إليك حين تستمع إليها أنها تدعوك للارتفاع فوق كل الحواجز التى تفرق بين البشر على الأرض . تدعوك لترفرف فى عالم النور .. تدعوك لتكون كبير القلب ، واسع الأفق ، كريم المشاعر .. تنظر بعين إنسانية ـ وتفكر بفكر عالمى ، وتعطى من نفسك الرحبة لكل البشر على السواء ، بدافع الحب الإنسانى الكبير !
أى رفعة ، وأى سمو ، وأى نبل ، وأى عظمة فى القلب والفكر والشعور !
ولكن مهلا ! انتظر حتى يخفت الرنين الذى تحدثه الكلمات والعبارات وفتش عن الحقيقة بعيدا عن العواطف والانفعالات ، وانظر أين تجد هذه الشعارات مطبقة فى واقع الأرض ؟! هل لها رصيد حقيقى من الواقع أم أنها شعارات زائفة ترفع لأمر يراد ؟!
ثم انظر إلى تلك العبارة الماسونية " اخلع عقيدتك على الباب كما تخلع نعليك " !
ألا ترى شبها بين هذه الدعوة وتلك ؟ أما ترى أنهما قريبتان ؟ بل شقيقتان ؟!
" اخلع عقيدتك على الباب (أى عند دخولك الماسونية) كما تخلع نعليك .. " وادخل بلا عقيدة .. فهكذا يريدك الشياطين ليستعبدونك .. ليسخروك لمصالحهم !
" الأمميون هم الحمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار " ..
والحمار الآدمى هو ذلك الذى خلع عقيدته على الباب كما يخلع نعليه .. ودخل ، حيث أريد له أن يدخل .. بلا دين ومن ثم بلا أخلاق !
وفى القديم ، حين كان الدين قويا لا يقوون على مواجهته ، لم يكونوا يجرؤون على التلفظ بمثل هذه العبارة ، بل كانوا ينافقون ليصلوا إلى أغراضهم من " إغواء " الآخرين ..
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)} [سورة البقرة 2/14]
{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)} [سورة آل 3/72]
ولكنهم اليوم آمنون ، فلا حاجة بهم إلى التظاهر بالإيمان بما أنزل هل المؤمنين .. بل إنهم لينشرون الإلحاد اليوم بجسارة فى كل الأرض .. ولكنه بضاعة للتصدير فقط ! يصدرونها للأمميين لإغوائهم عن الدين ، ولكن لا يستخدمونها بين أنفسهم . فالهدف الأخير من التخطيط كله هو محو كل دين لدى الأمميين ، لكى يبقى اليهود وحدهم فى الأرض أصحاب الدين ! وهم على جبلتهم لا يغيرونها .. يتظاهرون أمام الناس بشئ ، فإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا : إنا معكم إنما نحن مستهزئون !
وهزأة اليوم هى هذه الدعوة : " اخلع عقيدتك على الباب كما تخلع نعليك ! " فإذا صدقها الأمميون وخلعوا عقيدتهم كما يخلعون نعالهم ، فرك الشياطين أيديهم سرورا حين يخلو بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم لبعض : إنا معكم ، ما نزال على دين الشياطين .. إنما نحن نهزأ بالأمميين !
والفارق بين دعوى الإنسانية ودعوى الماسونية ضئيل ..
الفارق أنه فى تعبير الماسونية الخشن المتوقح يوضع الدين جنبا إلى جنب مع النعال ، لأن المقبل على الماسونية لا يقبل عليها إلا وقد خلع دينه بالفعل أو أوشك على خلعه ، فالكلمة الخشنة لا تؤذيه ، بل قد تكون منه موضع ترحيب ! فهى كلمه لتوكيد .. وقد تكون للتهديد ! تهديد من بقيت فى قلبه بقية خفية من بقايا الدين .. فليتنبه وليخلعها قبل الدخول !
أما فى دعوى الإنسانية فالتعبير للترغيب والتحبيب ، ومن ثم فهو مهذب لطيف يبتلعه من يبتلعه وهو مسرور ن أو قل إنه يبتلعه وهو أشبه بالمخدور .
ولكن هذا وذاك يدعوك فى النهاية أن تترك دينك وتواجه الحياة بلا دين ! فإذا فعلت ذلك اجتالتك الشياطين!
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) " " رواه البخارى .
ولكن أناسا قد يخدعون بدعوى الإنسانية لما فيها من بريق ، فيؤمنون بها أو يدعون إليها غافلين عن الحقيقة التى تنطوى عليها . وقد لا يصدقون أصلا أنها دعوة إلى التحلل من الدين يبثها الشياطين فى الأرض لأمر يراد .
فلندق - مؤقت - أنها دعوى مخلصة للارتفاع بالإنسان عن كل عصبية تلون فكره أو سلوكه أو مشاعره ، ليلتقى بالإنسانية كلها لقاء الصديق المخلص الذى يحب الخير للجميع ..
فلنصدق ذلك فى عالم المثل .. فى عالم الأحلام .. فما رصيد هذه الدعوى فى عالم الواقع ؟!(39/19)
ما رصيدها فى العالم الذى تحتاجه القوميات من جانب ، والعصبيات العرقية والدينية والسياسية والاجتماعية من كل جانب ؟
فلنأخذ مثالا واحد من العالم المعاصر .. منا لمعاملة التى يلقاها المسلمون فى كل مكان فى الأرض يقعون فيه فى حوزة غير المسلمين ، أو فى دائرة نفوذهم من قريب أو من بعيد ..
فلننظر إلى " الإنسانية " التى يعاملون بها و" السماحة " التى يقابلون بها ، " وسعة الصدر " و" حب الخير " الذى ينهال عليهم من كل مكان !
خذ مثال الحبشة ..
يبلغ المسلمون فيها 55% على الأقل من مجموع السكان وذلك قبل ضم إريتريا - عنوة - إليها ، وإريتريا كلها مسلمون ، فكيف تعاملهم الدولة المسيحية المتسلطة عليهم ؟
لا يوجد فى الدولة وزير مسلم واحد يمثل أغلبية السكان ! ولا موظف واحد من كبار الموظفين ! ومدارس الدولة لا تعلم القرآن لأبناء المسلمين ولا تلقنهم مبادئ دينهم " (1)" ، وحين يفتح المسلمون " كتاتيب " لتعليم القرآن لأبنائهم على نفقتهم الخاصة ، تظل الدولة تفرض عليها من الضرائب ما يثقل كاهلهم حتى يغلقوها ! " (2) " ويحرم عليهم أن يتلقوا أى معونات من المسلمين من الخارج ! " (3) " وإلى عهد غير بعيد كان المسلم الذى يستدين من مسيحى حبشى ويعجز عن وفاء دينه يسترق لدائنه ! ووقف هيلاسلاسى عام 1962 فى هيئة الأمم فألقى خطابا " ضافيا " أعلن فيه أنه فى خلال اثنى عشر عاما لن يكون فى الحبشة إلا دين واحد ! ولم يرتفع صوت واحد فى تلك " المؤسسة الإنسانية " يستنكر ذلك التصريح !
والفلبين كانت ذات يوم أرضا إسلامية فغزاها الصليبيون " (4) " وحكموها قهرا عن أصحابها ، فكيف عاملوا المسلمين فيها ؟
لقد ظلوا يطاردونهم ويخرجونهم من أرضهم وديارهم وأموالهم حتى حصروهم فى قطاع من أصل أرضهم ، ثم سموهم " متمردين " فاستباحوا لأنفسهم قتلهم ، قتالهم ، وتحريق مزارعهم ، بل تحريقهم هم أنفسهم شفاء للحقد الصليبى المتأصل فى نفوسهم ..ولا يتحرك واحد فى الأرض كلها ليرد البلاد عن المسلمين ، ويكف عدوان المعتدين !
والهند حكمها المسلمون ثمانية قرون فلم يكرهوا أهلها على الإسلام ، ولم يضطهدوهم وهم يعبدون البقر ويعبدون الأوثان ، فلما حكمها الهنود فانظر كيف يعاملون المسلمين :
لا تنقطع أخبار " الشغب " كما تسميه الدولة والصحافة .. وخلاصتها أن يهجم الهندوس على القرى الإسلامية فيحرقوها على أصحابها ويقتلوا منها من تطوله أيديهم .. فيحتج المسلمون ، ويخرجون لرد العدوان فتعتقلهم الشرطة بتهمة إثارة الشغب وتودعهم فى السجون ! هذا وحكومة الهند حكومة " علمانية " أى أنها لا تقيم حكمها على الدين ، ولا تتعرض لأصحاب الدين ! ومن سنوات غير بعيدة صرح نهرو تصريحا عجبا قال فيه إن تقرير المصير حق لكل الناس .. إلا فى كشمير ! ! ولم يستنكر ذلك أحد فى العالمين!
وفلسطين ظلت أربعة عشر قرنا من الزمان أرضا إسلامية .. ثم جاء اليهود ليقيموا عليها دولة يهودية .. ولم يستنكر أحد من " الإنسانيين " طرد السكان الأصليين وإجلاءهم عن أرضهم بالقنابل والمدافع ، بل يشق بطون الحوامل والتلهى بالتراهن على نوع الجنين كما فعلت العصابات اليهودية التى كان رأس إحداهما مناحم بيجن .. وإنما استنكرت من المسلمين أن يطالبوا بأرضهم ، وألا يخلوها عن طيب خاطر للغاصبين !
__________
(1) " " فى مصر يدرس للتلاميذ الأقباط مبادئ دينهم على يد مدرسين مسيحيين ، وتوضع دروسهم فى الجدول الرسمى للدراسة وتعطى لهم الحرية الكاملة يقولون فى دروسهم كل ما يريدون بلا رقيب عليهم ..
(2) " " وفى مصر يفتح الأقباط - بجانب الدروس الدينية الرسمية التى يتلقونها فى مدارس الدولة - مدارس دينية خاصة تسمى " مدارس الأحد " لا تتعرض لها الدولة أى نوع من التعرض .
(3) " " وفى مصر يتلقى الأقباط المعونات من الدول المسيحية والهيئات والأفراد فلا تسألهم الدولة من أين يأخذون ولا قيم ينفقون .
(4) " " كان " ماجلان " الذى يطلق عليه لقب " الرحالة العظيم " ممن قاموا بغزوة صليبية على افلبين بعد إلحاح شديد على " البابا " أن يأذن له فى فتح تلك البلاد وضمها إلى المسيحية . وقد قتله الأهالى فى المعركة التى جرت على أثر تجرؤه على رفع الصليب عى أرض بلادهم الإسلامية فسموا " المتبربرين " .
ويطول الأمر بنا لو رحنا نستعرض أحوال المسلمين الواقعين فى قبضة غير المسلمين ، أو الذين يتعرضون لعدوان غير المسلمين فى كل مكان فى الأرض .. فى روسيا الشيوعية التى قتلت ما يقرب من أربعة ملايين من المسلمين ، وفى يوغسلافيا التى قتلت ثلاثة أرباع مليون منهم ، وفى أفغانستان التى تستخدم فيها الأسلحة المحرمة " دوليا " و" قانونيا " و" إنسانيا ! " وفى أوغندا ، وفى تنزانيا ، وفى .. وفى .. وفى .. وفى..
فما بال " الإنسانيين " ؟ ما بالهم لا يتحركون ؟! ما بالهم لا يصرخون فى وجه الظلم الكافر الذى لا قلب له ولا ضمير ؟!
إنما توجه دعوى " الإنسانية " فقط ضد أصحاب الدين !(39/20)
فمن كان متمسكا بدينه فهو " المتعصب " " ضيق الأفق "الذى يفرق بين البشر على أساس الدين ، ولا يتسع قلبه " للإنسانية " فيتعامل معها بلا حواجز فى القلب أو فى الفكر أو فى السلوك !
أو قل على وجه التحديد إن الذين يحاربون اليوم بدعوى " الإنسانية " هم المسلمون !
يحاربون بها من طريقين ، أو من أجل هدفين : الهدف الأول هو إزالة استعلاء المسلم الحق بإيمانه ، الناشئ من إحساسه بالتميز عن الجاهلية المحيطة به فى كل الأرض ، لكى تنبهم شخصيته وتتميع ؛ والهدف الثانى هو إزالة روح الجهاد من قلبه .. ليطمئن الأعداء ويستريحوا !!
فى الهدف الأول المستشرق النمساوى المعاصر " فون جرونيباوم Von G r unebaum " فى كتاب له يسمى " الإسلام الحديث " " (1)" Mode r n Islam " إن الحاجز الذى يحجز المسلم عن " التغريب Weste r nization " هو استعلاؤه بإيمانه ، وإنه لابد من تحطيم ذلك الحاجز لكى تتم عملية التغريب!
أرأيت ! إنه هدف مقصود لذاته .. ألا يشعر المسلم بالاستعلاء بالإيمان ! يراد له أن تذوب شخصيته وتتميع ، ولا تكون لها تلك السمة المميزة التى أرادها الله :
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [سورة البقرة 2/143]
إن أعداء الإسلام لن يستريحوا حتى يزيلوا ذلك التميز الذى يحسه المؤمن :
{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا} [سورة البقرة 2/217]
وتلك قضية قديمة عمرها الآن أكثر من أربعة عشر قرنا .. أى منذ وجد المجتمع الإسلامى فى المدينة .. ولكن وسائل القتال تتغير ، ومن بينها اليوم ما نسميه " الغزو الفكرى " ومن بين الغزو الفكرى هذه الدعوى .. دعوى الإنسانية !
فباسم الإنسانية يقال للمسلم الحق : يا أخى لا تعتزل الناس ! إن الإنسانية كلها أسرة واحدة ، فتعامل مع الأسرة كفرد منها ، ولا تميز نفسك عنها ! وشارك فى النشاط " الإنسانى " و مظاهر الحضارة " الإنسانية " !
ولا نقول لهؤلاء : هل تعاملون أنتم المسلمين كأفراد من أسرتكم " الإنسانية " " العالمية "فتعطونهم حقهم بوصفهم أفرادا فى تلك الأسرة ، فلا تطاردونهم ، ولا تنبذونهم ، ولا تتعصبون ضدهم ، ولا تتجمعون على أذاهم ؟!
لا نقول لهم ذلك لأنه لا فائدة من جدالهم . ولكن نقول " شهد شاهد من أهلها " فهو غير متهم فيما يشهد به ! ذلك هو " توينبى " المؤرخ المعاصر المشهور ، وتعصبه ضد الإسلام والمسلمين أمر كذلك مشهور!
يقول فى محاضرة له باسم الإسلام والغرب والمستقبل بعد أن قسم العالم تجاه عملية " التغريب " إلى متحمسين بغير عقل " (2)" ، ومقلدين بلا تحفظ ، وبعد أن امتدح حركة كمال أتاتورك المقلدة للغرب :
" ويجب على المراقب الغربى أن يراعى حدود اللياقة ولا يسخر " " (3) " لأن ما يحاول (المقلدون) الأتراك القيام به هو تغيير وطنهم ومواطنيهم مما هم فيه إلى حالة كنا نحن منذ التقاء الغرب بالإسلام ننتقدهم لعدم وجودها طبيعة فيهم . وها هم حاولوا - ولو متأخرين - إقامة صورة طبق الأصل لدولة غربية وشعب غربى .
" وعندما ندرك تماما هدفهم الذى رموا إليه لا نستطيع إلا التساؤل بحيرة : هل يبرر هذا الهدف حقا الجهد الذى بذلوه فى صراعهم لبلوغه " " (4) " ؟!
__________
(1) " " لا يتسع المجال هنا للتعليق على عنوان الكتاب الذى يقصد به أن الإسلام ليس شيئا ثابتا محدد المعالم ، وإنما هو شئ دائم التغير ! فالإسلام الأول شئ ، وإسلام القرون الوسطى (وهذا عنوان كتاب آخر لنفس المؤلف) شئ آخر ، والإسلام الحديث شئ ثالث ! وهذه القضية ذاتها من وسائل الحرب التى يستخدمها المستشرقون ضد الإسلام !
(2) " " يقصد بهم - بصفة خاصة - المسلمين المحافظين على إسلامهم .
(3) " " هذا اعتراف من المؤلف بأن الغربيين يسخرون من الأتراك بعد أن تغربوا وتركوا إسلامهم !
(4) " " لاحظ سخرية المؤلف بالأتراك ، مع أنه ينصح الغربيين بعدم السخرية بهم !
" من المؤكد أننا لم نكن نحب التركى التقليدى المسلم الذى كان يثير حنقنا عندما ينظر إلينا من عل على أانا فريسيون زناديق ! ويحمد الله على أنه لم يجعله مثلنا . وبما أن التركى التقليدى القديم كان يعتبر نفسه من طينة خاصة ، حاولنا أن نحط من كبريائه بتصوير هذه الطينة الخاصة شيئا ممقوتا وسميناه " التركى النكرة " .. إلى أن استطعنا أخيرا أن نحطم سلاحه النفسى وحرضناه على القيام بهذه الثورة (المقلدة) التى استهلكها الآن أمام أعيننا .. " (1) " .
" والآن ، وبعد أن تغير التركى بتحريضنا ورقابتنا ، وبعد أن أصبح يفتش عن كل وسيلة لجعل نفسه مماثلا لنا ، وللشعوب الغربية من حوله ، الآن نحس نحن بالضيق والحرج ، بل ونميل إلى الشعور بالسخط والحنق ، تماما كما شعر صموئيل عندما اعترف بنو إسرائيل بفظاظة غايتهم ورغبوا فى وجود ملك ..
" لذلك فإن شكوانا الجديدة من الأتراك فى هذا الظرف أمر أقل ما يقال فيه إنه غير لائق " (2) " ، وبإمكان التركى أن يجيبنا أنه مهما فعل فهو مخطئ فى نظرنا ..(39/21)
" على كل حال ، قد يكون انتقادنا للأتراك فظا وغير لائق ، ولكن ليس فيه أى تحامل " (3) " ولا هو خارج عن الموضوع ، إذ ما الذى سيكسبه التراث الحضارى ، فى حالة عدم ذهاب جهود الأتراك سدى ؟ أى فى حالة نجاحهم - فرضا - النجاح المرجو ؟ وهذه النقطة تكشف حركة المقلدين عن نقطتى ضعفها الأصيلتين فيها :
" أولاهما : أن الحركة مقلدة متبعة ، وليست مخترعة ، لذا ففى حالة نجاحها - جدلا - لن تزيد إلا فى كمية المصنوعات التى تنتجها الآلة فى المجتمعات المقلدة ، بدل أن تطلق شيئا من الطاقة المبدعة فى النفس البشرية .
" وثانيهما : فى حالة النجاح الباهت - المفترض - هذا ، وهو أقصى ما يمكن للمقلدين الوصول إليه ، سيكون هناك خلاص - مجرد خلاص - لأقلية ضئيلة فى أى مجتمع تبنى طريقة التقليد ، لأن الغالبية لا تأمل فى التحول إلى أعضاء فى الطبقة الحاكمة للحضارة المقلدة ، ومال هذه الغالبية هو تضخيم عدد بروليتاريا الحضارة المقلدة .
" كانت ملاحظة موسولينى ملاحظة حادة عندما قال : هناك شعوب بروليتارية " (4)" مثلما هناك طبقات بروليتارية وأفراد بروليتاريون " (5) " .
تلك هى القضية ! إن تمسك المسلم بإسلامه شئ يغيظ أعداء الإسلام بصورة جنونية .. ولا يهدأ لهم بال حتى يذهبوا عنه ذلك التمسك ويميعوه (ومن وسائل ذلك كما أسلفنا دعوى الإنسانية والعالمية) فإذا تميع بالفعل ، ولم تعد له سمته المميزة له ، احتقروه كما احتقرت أوروبا الأتراك بعد أن أزال أتاتورك إسلامهم و" فرنجهم " و" غربهم " ! بينما يقول أحد المبشرين فى كتاب " الغارة فى العالم الإسلامى " إن أوروبا كانت تفزع من " الرجل المريض " (وهو مريض) لأن وراءه ثلثمائة مليون من البشر مستعدون أن يقاتلوا بإشارة من يده " (6) " وهذا النص الأخير يدخل بنا إلى النقطة الثانية أو الهدف الثانى من استخدام دعوى " الإنسانية " فى محاربة المسلمين .
__________
(1) " " يلتقى الصليبيون جميعا فى كراهيتهم لهذا " السلاح النفسى " وهو استعلاء المسلم بإيمانه . راجع قوله " جرونيبام " المشار إليها آنفا .
(2) " " وهذا اعتراف بأن سخرية الغرب بالأتراك المقلدين تصل إلى حد " عدم اللياقة " أى سوء الأدب !
(3) " " يعود إلى سخريته - على طريقته الخاصة - فيقول إن سخرية الغرب بالأتراك المقلدين ليس فيها أى تحامل ! يعنى أنهم يستحقون ذلك !
(4) " " أى شعوب ذليلة تابعة مقدر عليها الذل والتبعية لا فكاك لها منها !
(5) " " تعريب الدكتور نبيل صبحى باسم " الإسلام … والغرب .. والمستقبل " ص 51 - 53 .
(6) " " ظهر فى بريطانيا فى أوائل الستينات كتاب بعنوان " معضلة الرجل الأبيض " The White Man's Dilemma شرح فيه مؤلفه موقف الرجل الأبيض من الرجل الملون ، وخلاصة فكرة الكتاب أن الرجل الأبيض يتصايح اليوم بضرورة تحديد نسل الرجل الملون ، ويحاول إقناع الرجل الملون بتحديد نسله بشتى الوسائل على أساس أن أقوات الأرض لا تكفى لمواجهة " الانفجار السكانى " فى المستقبل . ويناقش المؤلف هذا الزعم ، ويثبت أن موارد الأرض لم تستثمر كلها بعد ، فضلا عن أن موارد البحر تعتبر غير مستثمرة أصلا . وأن الأرض - بيابسها ومياهها - تحمل من الأقوات ما يكفى أضعاف أضعاف العدد الحالى من البشر . ولكن الحقيقة الكامنة وراء هذه الصيحة أن الرجل الأبيض يخشى على سيادته وسيطرته ورفاهيته الناعمة من يقظة الرجل الملون الذى سلب الرجل الأبيض خيراته عن طريق السيطرة والاستعمار . فإذا ظل نسل الرجل الملون يتزايد بنسبته الحالية - بينما نسل الرجل الأبيض يتناقص بسبب عمل المرأة وانشغالها بالمحافظة على رشاقتها وانشغالها بملذاتها عن الحمل والأمومة - فسيستيقظ الرجل الملون إلى الحقيقة الواقعة ، وهى أن خيراته التى تشتد حاجته إليها بسبب تزايد أعداده مسلوبة بيد الرجل الأبيض . وعندئذ سيثور على الرجل الأبيض لاسترداد خيراته المسلوبة ، فيفقد الرجل الأبيض سلطانه ورفاهيته .. ومن أجل ذلك ينصحه بتحديد نسله ويخوفه بالجوع !!
إن أشد ما يخشاه أعداء الإسلام من الإسلام هو روح الجهاد الكامنة فيه !
وقد مر بنا فى الفصل الماضى كلام المستشرق الكندى المعاصر " ولفرد كانتول سميث " الذى يقرر فيه أن أوروبا لا تستطيع أن تنسى الفزع الذى ظلت تزاوله عدة قرون من الفتح الإسلامى ، وأن هذا الفزع لا يدانيه شئ فى العصر الحديث ، وال فزع أوروبا من استيلاء الشيوعية على تشيكوسلوفاكيا سنة 1948 !
وهذا هو المستشرق الأمريكى " روبرت بين r obe r t Payne يقول فى مقدمة كتابه السيف المقدس The Sac r ed Swo r d :
" إن لدينا أسبابا قوية لدراسة العرب والتعرف على طريقتهم . فقد غزوا الدنيا كلها من قبل . وقد يفعلونها مرة ثانية ! إن النار التى أشعلها محمد ما تزال تشتعل بقوة ، وهناك ألف سبب للاعتقاد بأنها شعلة غير قابلة للانطفاء " !
ولنترك المستقبل لعلم الله .. فما ندرى ماذا يكون من أمر المسلمين غدا . ولكنا ننظر إلى الحاضر ذاته فنلمح السبب فى فزع أعداء الإسلام من روح الجهاد الكامنة فيه ..(39/22)
إن أوروبا لم تتضخم كما تضخمت اليوم ، ولم تصل إلى الرفاهية الناعمة التى تعيش فيها إلا باستعمار العالم الإسلامى ونهب خيراته واستعباد أهله وإخضاعهم لنفوذها . فماذا يكون إذا استيقظت فى المسلمين روح الجاد فطردوا ذلك الاستعمار بكل أنواعه اخفية والظاهرة ، العسكرى منها والسياسى والاقتصادى ، واستردوا سيادتهم على أرضهم وأرواحهم وأفكارهم وضمائرهم ؟!
ماذا يحدث لأوروبا لو تم ذلك ؟ ومن أين لها الرفاهية الناعمة التى تعيش فيها اليوم ، إذا احتفظ المسلمون بخيراتهم لأنفسهم ، أو باعوها لأوروبا بيعا حرا بالسعر الحقيقى الذى تستحقه فى التجارة الحرة المتكافئة ؟ ومن أين لها التضخم الذى تمارسه اليوم ، سواء التضخم العسكرى أو العلمى أو المادى ، إذا انحسرت مواردها وكسدت بضاعتها التى توزعها اليوم على " المتخلفين " وتربح فيها بغير حساب ؟!
كلا ! ما يحب أعداء الإسلام قط أن تستيقظ روح الجهاد الكامنة فيه ، ولو لم يتحقق شئ من كلام روبرت بين ، الذى يزعج به أعصاب الغرب ليشتدوا فى الضغط على المسلمين ولا يتيحوا لهم أى فرصة لنهوض .. أو - على وجه التحديد - لا يتيحوا لهم أى فرصة للرجوع إلى حقيقة الإسلام التى فقدوها بعملية " التغريب " !
ودعوى الإنسانية من أسلحة الحرب الموجهة ضد روح الجهاد عند المسلمين .
يا أخى ! لقد تغيرت الدنيا ! لا نتكلم عن الجهاد ! أو إن كنت لابد فاعلا فتكلم عن الجهاد الدفاعى فحسب ! ولا تتكلم عنه إلا فى أضيق الحدود ! فهذا الذى يتناسب اليوم مع " الإنسانية المتحضرة " ! لقد كانت للجهاد ظروف تاريخية وانقضت ! أما اليوم فقد أصبحت الإنسانية أسرة واحدة ! وهناك قانون دولى وهيئات دولية تنظر فى حقك وتحل قضاياك بالطرق " الدبلوماسية " ! فإذا فشلت تلك الهيئات فى رد حقك المغتصب فعندئذ لك أن تقاتل دون حقك ولكن لا تسمه جهادا ! .. فالجهاد قد مضى وقته ! إنما سمه دفاعا عن حقوقك المشروعة !!
أما نشر الدعوة فإياك أن تتحدث فيه عن الجهاد ! هناك اليوم وسائل " إنسانية " لنشر الدعوة فاسلكها إن شئت .. هناك الكتاب والمذياع والتلفاز والمحاضرة والدرس .. إياك إياك أن تتحدث عن الجهاد فتكون مضغة فى أفواه المتحضرين !
ولا نقول لهؤلاء : أين هى الهيئات الدولية فى قضية فلسطين ؟ وفى قضية الفلبين ؟ وفى قضية كشمير ؟ وفى قضية أفغانستان ؟ وفى كل قضية كان المسلمون طرفا فيها ؟ أين هى الحقوق التى ترد بالطرق الدولية أو العدوان الذى يصد ؟!
ولا نقول لهم : ما قيمة هذه الهيئات الدولية والقانون الدولى وكل الإجراءات الدولية ، إذا كان هذا القانون يعترف رسميا بأن هناك جبابرة خمسة فى الأرض هم الحق - الشرعى ! ! - أن يوقفوا أى إجراء لا يوافق أهواءهم ومطامعهم العدوانية - مهما يكن عادلا فى ذاته - عن طريق " الفيتو " (حق الاعتراض ) ؟!
لا نقول لهم ذلك لأنه ا فائدة من جدالهم ! إنما نقول لهم إن إسرائيل تضرب بقرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلسي الأمن عرض لحائط ، وتعلن فى تبجح - وهى المعتدية دائما - أنها لن تخضع لهذه القرارات ولن تلتزم بها ، ولا يتحرك " الإنسانيون " لتأديبها .. إنما يشهر سلاح ط الإنسانية " فى وجه المسلمين فقط حين يطالبون بحقهم المشروع!
- - - - - - - - - - - - - - -
الإسلام - دين الله - صريح غاية الصراحة ، حاسم كل الحسم ، لا يداور ولا يناور ، ولا يتاجر بالشعارات .
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [سورة التغابن 64/2]
{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر 39/9]
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} [سورة فاطر 35/19-22]
ويقرر فى صراحة حاسمة أن ولاء المسلم هو لله ولرسوله وللمؤمنين ، ويحرم الولاء فيما وراء ذلك :
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا....} [سورة المائدة 5/55]
{لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [سورة آل 3/28]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [سورة المائدة 5/51]
ويقرر فى صراحة حاسمة كذلك أن الجهاد لنشر الدعوة ماض إلى يوم القيامة :
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال 8/39]
ولكنه لا يقاتل من أجل فرض عقيدته على الناس وهم كارهون . إنما يقاتل كما قلنا من قبل لإزالة القوى الجاهلية التى تمنع وصول الحق للناس دون حواجز نفسية أو حسية مادية ، ممثلة فى نظم جاهلية لها فى حس الناس ثقل " الأمر الواقع " وجيوش ودول تحمى تلك النظم الجاهلية وتعطيها ثقلها فى الأرض ، فإذا أزيلت الحواجز فلا إكراه فى الدين :(39/23)
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ...} [سورة البقرة 2/256]
إنما يقام العدل الربانى ليستمتع به الناس ويعيشوا فى ظله ولو كانوا لا يعتنقون عقيدة الإسلام .
وقد فتح المسلمون مصر وكان سكانها على دين النصرانية ، فلم يكرههم السلمون على اعتناق الإسلام . ولو كان هناك إكراه ما بقى الأقباط على دينهم حتى هذه اللحظة !
إنما أقام المسلمون العدل الربانى كما أمرهم الله فردوا للأقباط كرامتهم الإنسانية المفقودة التى سلبهم إياها حكامهم الرومان وهم على نفس الدين ولكن على مذهب مخالف . فقد كان الرومان يلهبون ظهور الأقباط بالسياط لمخالفتهم إياهم فى المذهب فلا يتحرك الأقباط لرد العدوان ،ولا يجدون ملجأ يلجئون إليه يمنحهم الحرية الاعتقادية ويمنحهم العدل والكرامة . فلما جاء المسلمون منحوهم كل ذلك . وقصة القبطى الذى ذهب إلى المدينة ليشكو إلى عمر بن الخطاب ضربة العصا التى وقعت على ظهر ابنه من ابن عمرو بن العاص شهيرة لا تحتاج إلى إعادة . ولكن دلالتها وضاحة ، فهذا القبطى الذى كان يتلقى سياط الرومان ولا يشكو ولا يثأر لكرامته المسلوبة ، يسافر هذه الرحلة الطويلة طلبا للعدل ، لأن الإسلام رد له كرامته فصار يستنكر الظلم ويطلب العدل ، ولأن الإسلام أوجد له ملجأ حقيقيا يستحقق له العدل فيه فطلبه هناك .
ومن أجل هذا يقاتل المسلمون يقاتل المسلمون ، لا لفرض عقيدتهم ،ولا للتوسع الاستعمارى ، ولا لسلب أقوات الناس والاستئثار بها لأنفسهم ، ولا لأى فائدة أرضية من التى تسعى الدول إليها ، ولكن قياما بأمر الله ، ونشرا لهذا العدل الربانى فى الأرض .
وفتح المسلمون الأندلس ، وظلوا هنالك ثمانية قرون .. فلم يفرضوا عقيدة الإسلام على نصارى الأندلس ، بل دخل منهم من دخل الإسلام حبا فيه وإيمانا بصدقه ، وبقى النصارى نصارى حتى ردوا للمسلمين الجميل بطردهم من الأندلس مع التعذيب والتنكيل والتشريد على أبشع صورة وعاها التاريخ . ونشر المسلمون النور فى الأندلس وغيرها من البلاد عن طريق مدارسها وجامعاتها وأساتذتها وكتبها وعلومها وحضارتها ، التى مرت شهادات الشاهدين بها من منصفى الغرب على قلتهم ! وكانت الأندلس هى الملاذ الآمن لليهود والنصارى على السواء ، يشعرون فيها بالأمن الكامل فى ظل الحكم الإسلامى ، بينما أوروبا كلها تضطهد اليهود وتنكل بهم ، وبينما النصارى المخالفون لمذهب الكنيسة يعيشون فى رعب دائم من الإرهاب .
وفتح المسلمون الهند ، وحكموها ثمانية قرون .. فلم يفرضوا العقيدة الإسلامية على الوثنيين الهنود ، بل تركوهم لعقائدهم مع أن فيها ملا يعقله عاقل ، من عبادة للبقر ، وتبرك بروثها وبولها .. وإنما فرضوا عليهم فقط أن يكفوا عن بعض عاداتهم الوحشية التى كانوا يمارسونها من دفن الأرملة حية مع زوجها المتوفى ، أو حرقها حية .. من أجل رفع هؤلاء الناس إلى درجة الآدمية فى بعض تصرفاتهم دون المساس بعقائدهم . وظل الهندوس محافظين على عقائدهم وتقاليدهم فى ظل الحكم الإسلامى حتى تسلموا حكم الهند بمساعدة الصليبيين الإنجليز ، فردوا الجميل للمسلمين بالعدوان المستمر عليهم وتحريق قراهم وتعمد الإثارة الدائمة لهم ، والتهييج الدائم لخواطرهم .
كذلك كان فتح المسلمين للأرض .. ومن أجل هذه المعانى الرفيعة أمرهم الله بالقتال لنشر الدعوة .. ومع ذلك فهم لا يبدأون بالقتال ، إنما يبدأون بعرض الإسلام ، فإن لم يقبل منهم فالجزية ، فإن لم تقبل فالقتال من أجل إخراج الناس من ظلمات الجاهلية وظلمها إلى عدل الإسلام وسماحته ، على النحو الذى تم به الأمر فى واقع التاريخ .
وللحرب مع ذلك تقاليد .. بل قل إنها أخلاقيات الإسلام فى كل شئ حتى مع المشركين المعاندين .
قال رسول ا صلى الله عليه وسلم لجيشه يعلمه أخلاقيات الحرب فى الإسلام " اغزوا باسم الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا مثلوا ولا تقتلوا وليدا .. " الحديث " (1)" .
__________
(1) " " رواه مسلم .
ثم إن أعطوا الأعداء عهدا أو موثقا فالله يأمرهم أن يوفوا بالعهد ولا ينقضوا الميثاق ن تحت أى ظرف من الظروف ولأى هدف من الأهداف ز فإن خافوا منهم خيانة فلينبذوا إليهم عهدهم علانية ولا يغدروا ولا يفاجئوا عدوهم بالقتال قبل انقضاء العهد :(39/24)
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)} [سورة النحل 16/91-94]
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [سورة الأنفال 8/58]
ولقد كان معاوية قد أعطى عهدا للروم إلى أمد محدد ، ثم جاءته عيونه تخبره أن القوم يستغلون الهدنة للاستعداد للانقضاض على المسلمين ، فأراد أن يباغتهم ، فاستشار فأبى عليه مستشاروه ، وقالوا له إما أن تنبذ إليهم عهدهم على سواء وإما أن تنتظر إلى نهاية العهد ، والله ينصرك بالطاعة . فانتظر حتى نهاية العهد وانتصر بإذن الله .
ويروى التاريخ كيف غدر الصليبيون بعهدهم مع صلاح الدين وفاجئوا المسلمين الآمنين على بغتة فاحتموا بالمسجد فدخلوا عليهم المسجد وأعملوا فيهم القتل حتى غاصت الخيل إلى ركبها فى الدماء .. فلما دارت الدورة وانتصر صلاح الدين أبى أن ينتقم منهم - سماحة - ولم يغدر قط بميثاق واحد أعطاهم إياه .
وظل وفاء المسلمين بمواثيقهم فى السلم والحرب مضرب المثل خلال التاريخ ، اتباعا لتعاليم الإسلام ، وتخلقا بأخلاق لا إله إلا الله .
- - - - - - - - - - - - - -
والإسلام صريح فى توجيه اتباعه إلى التميز عن أحوال الجاهلية ، التميز بنظافة السمت ونظافة الأخلاق ونظافة السلوك ،والاستعلاء بالإيمان على كل مصدر ليس إسلاميا أو متعارض مع الإسلام ، حتى لو لحقت بهم هزيمة مؤقتة أو ضعف طارئ :
{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} [سورة آل 3/139]
ومصدر التميز هو الإحساس بأنهم على الهدى وغيرهم على الضلال ، وأن المنهج الذى يعيشون به هو المنهج الأعلى لأنه المنهج الربانى، والذى يعيش عليه غيرهم هو المنهج الأدنى لأنه منهج جاهلى . فهو ليس تميزا مبنيا على الجنس ولا اللون ولا الجاه ولا الغنى ولا القوة ولا أى معنى من المعانى الأرضية التى تعتز بها الجاهلية وتستعلى بها على الناس . إنما التميز المستمد من معرفة المنهج الربانى واتباعه ..
ومع ذلك كله فكيف يكون التعامل الإسلامى مع غير المسلمين ؟!
{لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [سورة الممتحنة 60/8]
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [سورة المائدة 5/5]
كما أنه ليس مقتضى التميز والاستعلاء هو " مخاصمة " كل ما يأتى من مصدر غير إسلامى ، إن كان شيئا نافعا فى ذاته ، ولم يكن متعارضا مع الإسلام ، فقد أخذ المسلمون الأوائل من الحضارة الفارسية والحضارة البيزنطية ما رأوه نافعا لهم ولا يتعارض مع عقيدتهم وأخلاقهم وأفكارهم وتصوراتهم الإسلامية . إنما مقتضى ذلك ألا يأخذوا من مصدر غير إسلامى أمرا يتصل بالعقيدة ـأو يتصل بالقيم أو يتصل بالشريعة أو يتصل بالأخلاق لأن مرجعهم فى ذلك كله هو كتاب الله وسنة رسوله ، وهو حسبهم وفيه كل ما يحتاجون إليه فى هذه الأمور . أما " الأدوات " الحضارية ، وأما " العلم " وأما " التجارب " النافعة فلا خصومة معها ، ولا عداء ما دامت لا تصادم أصلا من أصول الإسلام .
- - - - - - - - - - - - - -
ذلك هو الواقع الإسلامى .. وخلاصته أن " الإنسانية " الحقيقية " والسماحة " الحقيقة هى الإسلام !
فحيث تكون دعاوى الإنسانية والعالمية والتسامح فى كل النظم مجرد شعارات لا رصيد لها من الواقع ، فإنها فى الإسلام واقع حقيقى ، لا دعاوى ولا شعارات مرفوعة بغير رصيد .(39/25)
والإسلام دين الله الحق ، وكل أمر فيه - بما فى ذلك الجهاد لنشر الدعوة ، والتميز والاستعلاء بالإيمان ،واعتزال أدران الجاهلية وعدم المشاركة فيها - هو أمر ربانى ، لم يبتدعه المسلمون من عند أنفسهم ، ولا قاموا به لصالح أنفسهم ، إنما تنفيذا الأمر لأمر الله ، سواء نالهم منه فى الأرض الغنم أو الغرم - بالمقاييس البشرية المحدودة - إنما يصنعونه ابتغاء مرضاة الله ، وطمعا فى الجزاء فى الآخرة .
ولكن غير المسلمين لا يؤمنون بذلك بطبيعة الحال ، فلا نناقشهم بمنطق الإيمان الذى لا يلزمهم . بل نفترض - جدلا - أن كل النظم ذات حق متساو فى الوجود وفى الانتشار فى الأرض .. فلننظر فى الواقع التاريخى نظرة " علمية " " موضوعية " " مجردة " . أى النظم مارس حقه فى الوجود وفى الانتشار فى الأرض بروح إنسانية حقيقية ، وأيها مارس الوجود والانتشار بسلوك خال من القيم الإنسانية هابط إلى الحضيض ؟!
فمن كان فى شك فلينظر إلى الواقع المعاصر وما يتم فيه من ألوان من البربرية الوحشية لا تخطر على البال ، وألوان من نقض المواثيق لا تخطر على البال ، وألوان من العبث بكرامات الشعوب والاستخفاف " بحقوق الإنسان " لا تخطر على البال !
وذلك رغم كل الشعارات المرفوعة ، والقيم المسطرة فى ديباجات الدساتير والمعاهدات والمواثيق !
أما الإسلام فلا يداور ولا يناور ، ولا يرفع الشعارات البراقة بلا رصيد . إنما هو رغم الصراحة الحاسمة التى يعالج بها كل أمر ، هو الذى يطبق الروح الإنسانية الحقيقية والتسامح الحقيقى .. ولا عجب فى ذلك ، فإنما هو المنهج الربانى الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو الصراط المستقيم الذى لا عوج فيه .
- - - - - - - - - - - - - - - -
الإلحاد
الإلحاد - بمعنى إنكار وجود الله ، والقول بأن الكون وجد بلا خالق أو أن المادة الأزلية أبدية ،وهى الخالق والمخلوق فى ذات الوقت - بدعة جديدة فى الضلالة فيما أحسب ، لم توجد من قبل فى جاهليات التاريخ السابقة ، ومن المؤكد على أى حال أنها لم توجد بهذه الصورة وبهذا الاتساع الذى تمارسه الجاهلية المعاصرة ، فى أى فترة سابقة من فترات التاريخ .
وبعض الناس يشير إلى الآية الكريمة: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} [سورة الجاثية 45/24] ويستدلون منها على أنه وجد فى الجاهلية العربية (وبالتالى فى غيرها ) من ينكر وجود الله ، وأن هؤلاء الدهريين كما أطلق عليهم هم صنو القائلين بالطبيعة ، المنكرين لوجود الله .
والآية - فيما أرى - لا تعطى هذه الدلالة بصورة قاطعة ، فإنها تقطع فقط بأن القوم المشار إليهم ينكرون البعث ، ولكنها لا تقطع بأنهم ينكرون وجود الله .
وما لم يثبت من مصدر يقينى " (1) " أنه وجد فى العرب أو فى غيرهم من الأمم من قبل من ينكر وجود الله ، فأغلب الظن عندى أن هؤلاء القوم المشار إليهم فى الآية هم الذين يؤمنون بوجود الله وبأنه هو الخالق المدبر ثم ينكرون قدرته سبحانه وتعالى على بعث الموتى بعد أن يصيروا ترابا وعظاما : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان 31/25]
{قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89)} [سورة المؤمنون 23/84-89]
ومع إقرارهم بذلك كله فقد كانوا ينكرون البعث إنكارا شديدا ويعجبون ممن يقول به : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8)} [سورة سبأ 34/7-8]
فتكذيبهم بالبعث لم يكن ناشئا من إنكارهم لوجود الله ، إنما من إنكارهم قدرته سبحانه وتعالى على إحياء " الموتى بعد ان بليت أجسادهم وضلوا فى الأرض : {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سورة السجدة 32/10]
ولذلك كان الجدل معهم فى هذا الموضوع يدور كله حول معنى واحد هو أن الذى خلق الخلق من العدم أول مرة قادر على أن ينشئهم مرة أخرى :
__________
(1) " " أى حديث مقطوع بصحته .(39/26)
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [سورة يس 36/78-83]
{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99)} [سورة الإسراء 17/98-99]
{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)} [سورة الروم 30/27]
والذين أطلق عليهم اسم " الدهريين " قوم ينكرون البعث إنكارا مطلقا ، ويقولون إن هى إلا حياتنا الدنيا ، أى لا توجد حياة أخرى بعدها . يموت منا من يموت ويحيا منا من يحيا ، وما يهلكنا إلا مرور الزمن . فكلما مر الزمن ماتت نفوس .. ولكن لا بعث وراء ذلك ولا حياة . أما إنكارهم لوجود الله فاستدلال لا تدل عليه الآية دلالة صريحة ولا دلالة لازمة . والقوم إنما نسبوا إلى الدهر - أى إلى مرور الزمن - أنه هو الذى يهلكهم ، ولكنهم لم يقولوا إن الدهر هو الذى خلقهم أو هو الذى منحهم الحياة . أى أنهم لم يتخذوه إلها بدلا من الله ! وحتى لو فرضنا جدلا - بغير دليل يقينى - أنهم أنكروا وجود الله ، فليس هناك من يقول إنهم كانوا كثرة يحسب لها حساب نولا إنهم كانوا هم الصورة الغالبة للجاهلية . أما إنكار وجود الله على النحو الذى تتبجح به الجاهلية المعاصرة ، وبالسعة التى تمارس بها ذلك التبجح ، فأمر غير مسبوق فى تاريخ البشرية ..
ذلك ان الفكرة بذاتها تعرف وجود الله ، وتتجه إليه اتجاها فطريا بالعبادة على نحو من الأنحاء ..ولو ضلت الطريق ! ولم يكن الضلال الغالب على البشرية فى جاهلياتها هو إنكار وجود الله ، إنما كان الضلال الغالب هو الشرك ، وتصور الله على غير حقيقته . فقد يتصورون أنه هو الشمس أو هو القمر أو هو النجم أو ما إلى ذلك من المخلوقات . {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [سورة فصلت 41/37]
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)} [سورة النجم 53/49]
أو يتصورونه آلهة متعددة متعادلة فى القوة والسطوة كإله الخير وإله الشر عند الفرس ، يتنازعان أبدا ولا يغلب أحدهما الآخر ، أو غير متعادلة كما كان الرومان والإغريق يؤمنون بوجود إله كبير هو رب الأرباب ، ودونه آلهة شتى ، وكما كان العرب فى جاهليتهم يؤمنون بأن الله هو رب الأرباب الخالق الرازق المهيمن ، وثمة آلهة أخرى يشاركونه فى بعض الأمر فيعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى :
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر 39/3]
ولم يبعث الله رسولا ولا نبيا ليقول للناس إن هناك إلها ، فالفطرة تعرف ذلك بغير رسول ! ولا ليقول لهم إن هناك إلها فاعبدوه . فالفطرة تتجه بالعبادة تلقائيا إلى الإله الذى تعتقد بوجوده بغير رسول ! فقد أودع الله ذلك كله فى الفطرة والبشر ما زالوا فى عالم الذر :
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [سورة الأعراف 7/172]
إنما الذى أرسل به الرسل جميعا هو " التوحيد " .
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة محمد 47/19]
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سورة هود 11/61]
وذلك لتصحيح مسار العقيدة وتقويم الفطرة مما تقع فيه من الضلال ، لا لإنشاء العقيدة ابتداء وإثبات وجود الله :
{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)} [سورة الروم 30/30]
نعم .. تعرف الفطرة بذاتها وجود الله ، وتتجه إليه بالعبادة منذ أن أخذ الله من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم ..
ولا ندرى نحن كيف تم ذلك ..
ولكنا نلحظ من أحوال الفطرة مصداق تلك الحقيقة .(39/27)
هنا منافذ فى الفطرة تتلقى إيقاعات من الكون والحياة ، فتستيقظ من غفلتها ، إن كانت غافلة ! فتروح تتساءل : ما وراء ذلك ؟ ومن وراء ذلك ؟ .. فتهتدى إلى وجود اله ثم تتصوره على حقيقته ، فردا صمدا خالقا رازقا مدبرا مهيمنا .. فتعبده العبادة الحقة وتخلص له العبادة ، أو تضل فتتصوره على غير حقيقته ، وتشرك معه آلهة أخرى . ولكنها فى الحالين تعرف وجوده ، وتتوجه إليه بالعبادة على نحو من الأنحاء .
هناك بادئ ذى بدء هذا الكون الهائل ، الذى يروع الحس بضخامته المعجزة .
وبغير الأدوات التى استحدثها الإنسان لتزيد بصره حدة ، وتجعله ينفذ فى آماد الكون المتطاولة التى لا تنفذ إليها النظرة بالعين المجردة ، كان الإنسان يحس بضخامة الكون وسعته المعجزة ، من رؤية السماء التى لا يحيط بها بصره ، ورؤية الشمس والقمر ، ورؤية العدد الهائل من النجوم التى يعجز عن إحصائها .. وكان يروعه ذلك كله ويسترعى انتباهه فيظل يفكر فيه ، ويتساءل .. أو تتساءل فطرته ، من وراء ذلك ؟ وماذا وراء ذلك .. فيهتدى إلى الله الحق ن أو يضل فيتصور الشمس هى الله ، أو القمر هو الله ، أو النجم هو الله .. أو أنها جميعا آلهة فى وقت واحد . ولكنه فى كل حالة يعلم أن هناك خالقا لهذا الكون الهائل ، فيتخيله على صورة من الصور ، ويعبده لونا من العبادة ، يحتوى على ركوع وسجود ، وشعائر أخرى والتزامات .
وحين مد الإنسان ببصره إلى داخل الكون من خلال المناظير رأى عجبا يأخذ بالألباب !
رأى أن الشمس كلها والمجموعة الشمسية من حولها ليست إلا " نجما " واحدا من نجوم لا تحصى فى مجموعة واحدة تعرف " بالمجرة " وأن المجرة التى فيها شمسنا ليست إلا واحدة من مجرات أخرى غيرها فى الكون تعد بالملايين ! كلها ذات نجوم تعد بالملايين !
ورأى أن هناك نجوما تبعد عنا عدة آلاف ..لا من الأميال .. ولا من ألوف الأميال (أى ألوف الألوف) ولكن من السنين الضوئية ! أى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة كاملة وهى رقم فلكى لا يتعامل به البشر على سطح الأرض .
186000 × 60 × 60 × 24 × 365.25 = 5.869.713.600.000 ميلا تقريبا .
ورأى من حيث الحجم أن هناك نجوما تبلغ أضعاف حجم شمسنا ، التى لا نراها بطبيعة الحال فى حجمها الطبيعى لأنها تبعد عنا حوالى 93 مليون ميل ، وأن هذه النجوم تبدو لنا مجرد نقط فى الفضاء رغم حجمها الهائل ذلك ، لأن مسافتها منا شئ مذهل ، لا يقاس إليه بعد شمسنا منا .. وأن المسافة بين نجم ونجم فى هذا الفضاء لا يكاد يتصورها العقل .. فما بال الفضاء كله ؟ كم حجمه ؟ ما أبعاده ؟ هل هو منته أم ممتد بلا انتهاء !
وعلم - من طريق المناظير - أن الكون المرئى كله إن هو إلا جزء من الكون فحسب ، وأن نسبته إلى الكل أمر لا يمكن تحدده ، لأنه لم يمكن بعد تحديد مقدار ذلك " الكل " .. لأنه كلما اختراع الإنسان آلة أبعد .. بدا له من الكون مزيد لم يكن يراه من قبل ، ولم يكن يحسب أنه كائن فى الوجود !
ومع هذه الضخامة المعجزة يلحظ الحس البشرى دقة معجزة كذلك .
ومن قبل أن يتوصل الإنسان إلى الأجهزة الدقيقة البالغة الدقة ليقيس بها مقدار الدقة فى هذا الكون ، كان يرى ما يروع حسه ويستغرق انتباهه .
كان يرى الدقة العجيبة فى تتابع الليل والنهار بمواعيد مضبوطة على مدار العام ، والدقة العجيبة فى مسار الظل وتغيره يوما عن يوم حتى يعود إلى نفس مكانه بعد عام كامل من كل يوم .. ومن هنا نبتت فكرة المزولة ثم فكرة الساعة وكان يرى الدقة فى مسار القمر وتغير أوجهه ليلة بعد ليلة حتى يعود إلى نفس وضعه بعد شهر كامل من كل يوم يرصد فيه .. وكان يرى دورة النبات من البذرة المغمورة فى الأرض ، إلى الشطأ الذى يخرج منها ، إلى الساق والأغصان والأوراق ، إلى الزهرة والثمرة والبذرة فى نهاية المطاف .. وكان يرى الزهرة الملونة تتكون من خيوط دقيقة ومساحات دقيقة من اللون يعجز الرسام الماهر أن يرسمها بهذه الدقة ، ويعجز عن تكرارها بنفس الصورة فى رسم آخر فضلا عن ألوف وملايين ؛ ولكنها فى الطبيعة تبرز ملونة بهذه الدقة فى كل زهرة دون جهد مبذول . ويرى ريشة الطائر الملون مكونة من عدد لا يحصى من الخطوط والخيوط ن كل يحمل نصيبا دقيقا من اللون يعجز الرسام أن يرسم مثله فى دقته ، ثم يحدث من تجمعها فى الريشة ذك المنظر البهيج الذى يروع النظر ويروع الحس . وكان يرى دقة دخول الليل فى النهار حتى يتلاشى الضوء ، ودقة دخول النهار فى الليل حتى يتلاشى الظلام .. وكان يرى أشياء وأشياء توقظ فطرته إن كانت غافلة يتساءل : هل يمكن أن توجد هذه الدقة العجيبة كلها بغير موجد ؟ ثم يروح يتطلع إلى الموجد ، فيهتدى إلى أنه حقيقة لا تدركها الأبصار فيؤمن بالله على بصيرة ، ويعبده على بصيرة ، أو يضل فيتصور أنه الشمس أو القمر أو النجوم أو الروح الساكنة فى التمثال الذى ينحته بيديه .. ولكنه فى كل حال يعلم أنه لابد من خالق خلق هذا الوجود بتلك الدقة التى يلحظها فى تلك الكائنات حوله .(39/28)
ثم مد الإنسان ببصره إلى داخل هذا الكون المعجز عن طريق الأدوات التى استحدثها فرأى عجبا لم يكن يخطر له على بال ! رأى هذا الكون العجيب كله مكونا من ذرات متناهية فى الدقة لا تراها العين المجردة ، إنما ترسمها الأدوات التى استحدثها الإنسان ، فى صورة شمس تدور حولها كواكب على ذات النمط الذى تتكون منه المجموعة الشمسية ولكن فى دقة متناهية لا يدركها الحس . وفى كل قطعة صغيرة من المادة ملايين وملايين من هذه الذرات متراكبا بعضها مع بعض ، ومشدودا بعضها إلى بعض ، بذات القوة التى تمسك الكون كله بعضه إلى بعض ، وتسمح له بالحركة الدائبة دون أن يصطدم أو يتناثر ، والتى أطلق عليها اسم " قوة الجاذبية " .
بل رأى أعجب من ذلك حين فتت الذرة وأطلق منها " الطاقة " .
إن الذرة ليست " مادة " مصمتة كما كان يتخيل أول الأمر ، وليست هى الصورة النهائية " لمادة " ولكنها جسيمات كهربية موجبة وسالبة ومتعادلة ، يمكن تفتيتها وتفكيكها فتتحول إلى طاقة ، والطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة . ولا يوجد ذلك الحاجز الذى كان يتخيله بين المادة وبين الطاقة .. والكون فى النهاية طاقة تأخذ صورا شتى . صورة متكتلة فى هيئة المادة ، وصورة منطلقة فى هيئة شعاع ضوئى ، وصورة منطلقة فى هيئة جاذبية مغناطيسية ، أو مغناطيسية كهربية تصير الألباب !
ورأى من بين ما رأى عجبا عاجبا فى تكوين الجنين ونموه المتتابع حتى يصبح خلقا تام التكوين .
فهو فى أصله بويضة ملقحة وحيدة الخلية ، تتكاثر عن طريق الانقسام المستمر إلى خلايا جديدة متشابهة فى التكوين ولكنها متخصصة . وإلى أن تكون مضغة لا يظهر للعين ذلك التخصص . ولكن فى وقت معين مقدر محدد ، تصدر لكل خلية أوامر خفية . فهذه الخلية يصدر لها أمر أن تكون هى الأنف ، وتلك الخلية يصدر لها أمر أن تكون هى العين ، وثالثة يصدر لها الأمر أن تكون هى القلب ز ثم تتكاثر كل منها على النحو المقدور لها فيتكون من تكاثرها أنف وعين وقلب وبقية الأعضاء ..
ثم هناك " الجينات " أو " المورثات " متناهية فى الصغر كالذرات .. عجيبة كل العجب فى شأنها كله .
فكل جنس من أجناس الكائنات له عدد محدد من " الكروموسومات " حاملات الصفات الوراثية لا يتجاوزها فى كل فرد من أفراده ، تحدد له خصائصه كلها من أعضاء وقدرات وأعمال ، فالكلب له عدد من " الكروموسومات " معين ، والحصان له عدد معين والقرد له عدد معين .. والإنسان هو أكثرها عددا .. ولا يتجاوز كل جنس حدوده إلى جنس آخر ، محكوما بعدد هذه الكروموسومات وما تحمله فى داخلها من الخصائص .. فلا يستطيع القرد أن يكون غنمانا فى يوم من الأيام ولا فى جيل من الأجيال !
ثم هذا الإنسان ، أعجب مخلوقات الله واشدها إعجازا ، وإن كان الخلق كله معجزا بالنسبة إلينا ، وهينا بالنسبة للخالق الذى يقول للشئ كن فيكون ، ولا يتعب فى تشكيله وتكوينه كما تتعب المخلوقات !
عدد " الكروموسومات " بالنسبة للإنسان كله واحد .. ولكن الإنسان أكثر كائنات الخلق تعددا فى صوره وأشكاله . فهذا قصير وهذا طويل ، وهذا أبيض وهذا أسود ، وهذا أزرق العينين وهذا داكن .. وهذا عبقرى وهذا خامل .. وهذا موهوب فى ألدب وهذا موهوب فى الرياضيات .. وهذا جلد صبور وهذا مستثار حائر .. كل إنسان تركيبة وحده ، وهو مكون من ذات العناصر .. من ذات العدد من حلاملات الصفات الوراثية التى يحملها "الإنسان" ولكنها فى كل فرد غيرها فى الفرد الآخر ، فلا يكاد يتماثل اثنان فى ملايين البشر فى الجيل الواحد ولا فى جميع الأجيال . بل تصل الدقة فى بصمات الأصابع إلى حد تصبح معه من وسائل التعرف لأنها لا تتكرر فى فردين اثنين من بين ملايين الأفراد !
كيف يحدث ذلك كله ؟ كيف تحدث هذه العجائب التى لا ينقضى العجب منها سواء فى تكوين المادة أو فى تكوين الكون كله ، أو فى المادة الحية من أول الكائن الوحيد الخلية إلى الإنسان ، أو التناسق و" التوازن " فى بنية الكون ، وخاصة ذلك التوازن الكائن فى تلك المجموعة الشمسية التى منها اضرنا ، والتى يتبدى التنسيق الدقيق فيها بحيث لو اختل عنصر واحد منها ما أمكنت الحياة على صورتها الحالية ولا أمكن استمرار الحياة .. لو اقتربت الأرض من الشمس أكثر تحترق الكائنات الحية ولو ابتعدت أكثر تهلك من الصقيع .. لو اقترب القمر من الأرض أكثر لارتفع المد حتى يغرق كل الأرض . ولو زاد الأكسجين لاشتعلت الكائنات ولو قل لم تجد كفايتها للحياة .
كيف يحدث ذلك كله ؟ من غير خالق مدبر حكيم ؟
- - - - - - - - - - - -
ويتلقى الحس البشرى إيقاعات من الحياة من حوله . الحياة ذاتها إعجاز ..
كيف تكونت الحياة أول مرة من الموات ؟
ثم كيف تعددت على هذا النحو الذى نراه ، من نبات وحيوان وإنسان ؟ ثم فى أنواع النبات المختلفة وأنواع الحيوان المختلفة وأشكال الإنسان المختلفة ؟
ما الحياة ؟ وما سرها ؟ ومن واهبها ؟ وكيف يهبها ؟
كيف " ينمو " الكائن الحى وتتغير أحواله من طور إلى طور .. ؟
والكائن البشرى بالذات ..المعجز فى كل تفصيلاته ..كيف تتم عمليات النمو المختلفة فيه .. كيف يتعلم الكلام ؟(39/29)
إن الكلام ذاته معجزة لا يحيط بها العقل البشرى ! كيف تم للبشر أن ينطقوا بلغة ذات رموز وتراكيب ؟ كيف تأتى للأصوات المبهمة أن تكون ألفاظا محددة ، وكيف تم للألفاظ أن تعبر عن المعانى ..وكيف تعددت اللغات التى تعبر عن ذات المعانى ما بين شعب من البشر وشعب ، وكلهم " نوعه " واحد ، يعانى تجربة واحدة هى تجربة الحياة فى هذه الأرض ؟!
وهذه المعانى .. هذه الأفكار المجردة .. كيف تمت ؟
وعملية التفكير ذاتها ..وعملية التذكر .. كيف تتم هذه وتلك ؟
وكيف " ينمو " هذا كله مع نمو الطفل .. كيف تنمو قدرته على الكلام ، وقدرته على التفكير والتذكر؟
وكيف اختص " الإنسان " - دون مقدمات من الكائنات الأدنى منه -بخاصية التفكير المجرد ، وخاصية الرمز للأفكار بالكلمات ذات الأصوات والحروف والمقاطع ، وخاصة الإبداع المادى والمعنوى ، فصارت له حضارة وصار له تاريخ ؟!
ثم .. ذلك الجانب الآخر من " الحياة " الذى يسمى " الموت "
ما سره ؟ وكيف يحدث ؟ من الذى يملكه ؟
إن الطفل - لفرط حيويته - يتخيل الوجود كله " حيا " مثله .. ويتخيل أن الحياة هى الأمر الطبيعى لكل الأشياء .. فيتعامل مع اللعبة التى يلعب بها ، كما يتعامل مع الباب والنافذة والكرسى والعصا على أنها كائنات حية ، تفهم عنه لغته التى لم تتبلور بعد ، وتتجاوب معه وإن لم تنطق بحرف !
ثم ينمو إدراكه ويعرف بطبيعة الحال أن هناك أحياء حقيقيين ، وأشياء أخرى لا حياة فيها ، كان هو يخلع الحياة عليها فى طوره السابق ، واليوم يعلم أنها لا تتحرك من ذات نفسها ولا تأكل ولا تشرب ولا تتغير حالها كما تتغير أحوال الأحياء ، ولكنه من فرط حيويته لا يزال يخلع عليها الحياة وهو عالم بأنها غير حية فى حقيقتها ، ويكلمها ويتخيل أنها ترد عليه ، ويضربها أو يربت عليها ، ويتخيل أنها تتألم وتبكى أو تسر وتفرح ، كما يتخيل الشاعر فيما بعد وهو يكلم الأطلال ويستوحيها ويناجى " الطبيعة " ويتخيل أنها ترد عليه !
ثم ينضج فى يوم من الأيام حتى يدرك إدراكا لا لبس فيه أن هناك فارقا حاسما بين الأحياء وغير الأحياء من الكائنات ،ولكنه بعد يفترض أن الحياة دائمة فى الأحياء كما أن الجمود دائم فى الجوامد من الأشياء .
ولكنه ذات يوم يفاجأ بحقيقة الموت ، وبأن " الحياة " ليست دائمة عما كان يظن . ذلك حين يموت أمامه كائن حى يعرفه ، سواء كان القطة التى كان يلهو بها ن أو العصفور الذى يراه يقفز فوق الأغصان ن أو قريبا له كان يحبه ويتعلق به .. وعندئذ تفعل المفاجأة فعلها فى نفسه ، فتهزه من أعماقه وتثير الأسى فى قلبه .. ويظل التأثر بالموت يصاحبه كلما جد له داع من دواعيه .. حتى يأخذ دوره فى الركب الراحل عن الحياة ..
وتظل الظاهرتان معا ، ظاهرة الموت وظاهرة الحياة ، تهزان كيانه ، وتبعثانه يتساءل : من وراء ذلك ؟ من وراء الحياة يخلقها بكل مظاهرها ، ومن وراء الموت الذى ينهى الحياة ويقف دفعتها عن السريان ؟! ويهتدى فيعرف الله على حقيقته ن وأنه هو المحيى المميت ، أو يضل فينسب الحياة إلى مصدر والموت إلى مصدر آخر كما يفعل " الدهريون " ، أو ينسبهما معا إلى آلهة أخرى غير الله . وكلنه يعلم - على الأقل - أن واهب الحياة هو خالق الخلق فيتعبده ويترضاه .
- - - - - - - - - - - - - - - -
ويتلقى الحس البشرى إيقاعات كذلك من جريان الأحداث من حوله .
فهذا الوجود حوله ليس ساكنا فى أى حالة من حالاته .
فهناك الليل والنهار حركة يومية دائبة تنقل الأشياء كلها منا لنور إلى الظلمة ومن الظلمة إلى النور ، وهناك دورة الفلك حركة سنوية دائمة تنقل الأشياء كلها من الربيع إلى الصيف ، ومن الصيف إلى الخريف ومن الخريف إلى الشتاء ومن الشتاء إل الربيع ، مع ما يصحب ذلك من اختلاف مستمر فى الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة واخضرار الزرع وجفافه وإيناعه وإثماره ونضجه وسقوطه ، واختلاف مستمر فى نشاط الإنسان وأحواله بما يناسب الجو وأحواله والعمل وأحواله .
وهناك حركة الحياة والموت فى الأحياء لا بوصفها " ظاهرة " ولكن بوصفها حركة تنتج عنها أحداث . هذا يولد وهذا يموت ، وهذا يكون صغيرا فينمو ، وصحيحا فيمرض أو مريضا فيصح . وهذا غنى فيفتقر أو فقير فيغنى . وتدول دول وتولد أخرى ، وتحدث حروب وسلم ، وهزيمة ونصر ، ورفع فى مكانة الناس وخفض ، وتقدم وتأخر ، وعز وذل ..(39/30)
وتشد الأحداث انتباه الناس وتهزهم ، فيروحون يتساءلون : هل هناك " رابط " بين الأحداث ؟ وهل هناك " نظام " ؟ أم إنها تحدث كيفما اتفق ؟ وهل وراءها غاية أم يسير الوجود كله بلا هدف ولا غاية ؟ وما الغاية إن اكن هناك ؟ ومن صاحب الغاية ؟ ومن يدبر الأحداث ؟ ويهتدى الإنسان إلى الحقيقة ، فيعلم أن مدبر الأحداث هو خالق الكون ، وأنه يجرى الأحداث بمشيئته وقدره ، وأن له حكمة من وراء ذلك يعلمها البشر أحيانا ويجهلونها أحيانا .. أو يضل فلا يعرف الغاية ولا يعرف الحكمة ويحسب الأمور تجرى خبط عشواء .. ولكنه فى كل حالة يعلم أن هناك مشيئة تجرى بمقتضاها الأحداث ن وأنها ليست مشيئة البشر إنما مشيئة كائن أعلى من البشر ، فيشعر نحوه بالرهبة وقد يشعر نحوه بالإجلال ..
- - - - - - - - - - - - - - - - -
ويتلقى حس الإنسان إيقاعات " ذاتية " دائمة من شعوره الدائم بالعجز .. يولد الطفل عاجزا تمام العجز لا يقدر على شئ .. ولولا رعاية الذين يحيطونه وإمدادهم له بالغذاء وقضاؤهم له حاجاته ما استطاع أن يعيش . رويدا رويدا يقدر على شئ من الحركة وهو محمول فى حضن والديه أو المكلفين برعايته ، حتى يستطيع فى وقت من الأوقات أن يجلس مستقلا بعض الشئ . وفى اللحظة التى " يقدر " فيها على الجلوس يحس " بالعجز " عن المشى ! ويجاهد حتى يتمكن أخيرا من الحبو على الأرض .
وفى اللحظة التى يقدر فيها على الحبو يحس بالرغبة فى الوقوف والعجز عن تحقيق تلك الرغبة ! وفى مرحلة تالية يتمكن من الوقوف ولكنه يحاول المشى فيقع على الأرض ويحس بالعجز عن تحقيق ما يريد .. وتمضى الأيام والسنون فيمشى ويجرى ويخرج إلى الطريق ويتعلم العلم ويحس " بالقدرة " على أشياء كثيرة لم يكن يقدر عليها من قبل ..
فهل تنقضى رغباته ؟ وهل يكف عن الشعور بالعجز ؟
كلا ! إنه هكذا ركب فى طبيعته .. كلما حقق حلما راح يشتاق جديدا ، ولم يقنع بما وصل إلى تحقيقه بالفعل ، حتى حين ركب الصاروخ ووصل إلى القمر ونزل على سطحه .. حتى حين سيطر على كثير من شئون البيئة من حوله ونظمها حسبما يريد .. حتى حين اخترع من الآلات ما صار يحقق فى جزء من الثانية ما كان يستغرق منه الساعات والأيام والشهور ولا يحكم تنفيذه .. حتى حين وصل إلى ذلك كله فهل رضيت نفسه ، وقال : لقد حققت وجودى كاملا فما أرغب المزيد ؟!
كلا ! إنه يريد فى حقيقة الأمر شيئا لا يقدر عليه ، ويحس " بالعجز " الدائم عن تحقيقه ، يريد أن يسيطر على الكون . يريد أن يقول للشئ كن فيكون !
ويعلم الإنسان فى دخيلة نفسه أنه عاجز عن تحقيق ذلك . وأنه مهما أوتى من القدرة والسيطرة على بعض جوانب الوجود ، فإن بينه وبين السيطرة الحقيقية التى يحلم بها أمدا لا يمكن بلوغه ، لأن مدى قدرته محدود بحدود ، ومدى عمره محدود بحدود ، ومدى تمتعه - فى عمره المحدود - بالصحة والقوة والنشاط والقدرة محدود بحدود !
وهكذا يشعر الإنسان بالعجز كلما شعر بالقدرة ! ولا يصفو له قط الشعور بالقدرة الكاملة التى يحكم بها فى كل مراحل عمره ، فضلا عن ـأنواع العجز التى يعلم أنها مفروضة عليه لا محالة ، ومن بينها الموت الذى يعجزه عن الخلود !
ومن شعور الإنسان بالعجز الدائم الذى يلاحقه حتى آخر لحظة من حياته يلتفت الحس البشرى إلى الكائن لا يعجزه شئ فى السماوات ولا فى الأرض !
كل شئ يعجز عنه هو يقدر عليه ذلك الكائن الذى لا يعجزه شئ !
الخلق من العدم بادئ ذى بدء ، والسيطرة المطلقة على كل شئ ،والتسخير المطلق كل شئ ، والقوة التى لا يقهرها شئ وهى تقهر كل شئ ، والمشيئة التى تحقق كل شئ فى لمح البصر لأنها تقول للشئ كن فيكون ..
والخلود الأولى الأبدى صفة يتفرد بها ذلك الكائن الذى لا يعجزه شئ .. وكل ما عداه يفنى ويزول ..
عندئذ يتحول الحس إلى ذلك الكائن الذى قدرته لا تحد .. فيهتدى ، ويعرف الله على حقيقته ويعبده حق عبادته ؛ أو يضل فيظن ذلك الكائن هو الشمس أو القمر أو النجم أو الروح القاطن فى الوثن الذى ينحته بيديه .. ولكنه يعلم فى كل حالة أنه هناك . أنه موجود ، وأنه إله ، وأنه معبود ، فيتقدم إليه بالشعائر ، ويلتزم نحوه بلون معين من السلوك .
- - - - - - - - - - - - - -
رغبة أخرى من رغبات الإنسان لا تقل عمقا فى نفسه عن رغبة السيطرة ورغبة الخلود ، يحس فيها الإنسان بالعجز المطلق الذى لا تحده حدود ، تلك هى رغبته فى استكناه الغيب !
الرغبة فى معرفة الغيب قديمة قدم الإنسان على الأرض ..وستظل تصاحبه طالما كان هناك بشر يعيشون فى الأرض !
يريد الإنسان أن " يطمئن " على حياته .
كيف سيعيش ؟
هل يسلم من الأحداث ؟
هل يستمتع بالقوة والصحة والنشاط والحيوية فيما قدر له من العمر ؟
هل يحقق أحلامه ؟ يتزوج ويسعد ويحصل على الثروة والجاه .. أو يكون بطلا مجاهدا .. أو يكون زعيما قائدا .. أو ..
ماذا يكسب غدا ؟
بأى أرض يموت ؟
عشرات من التساؤلات ومئات .. يريد أن يعرفها " ليطمئن " ..
ويروح يستكنه الغيب فلا يقدر ..(39/31)
لا غيب السنوات القادمة ولا الشهور ولا الأيام .. بل غيب الساعات القليلة القادمة .. بل غيب اللحظة المقدمة عليه ، التى دخل أولها من الباب وما زال آخرها محجوبا بحجاب !
كيف يقدر والغيب وراء الأستار ؟!
هل تنزاح الأستار ؟!
يمضى الإنسان - فى جاهليته - نحو الكاهن والعراف ، يستلهمه أمر الغيب ، ويتعلق بكل كلمة تخرج من شفتيه كأنها أسرار الغيب الحقيقى .. ولكن .. هل يستيقن ؟ هل " يطمئن " ؟
وحين يهتدى يعرف أن الكاهن والعراف والمنجم وضارب الرمل والشياطين والجن كلهم محجوبون مثله عن الغيب ، فكيف عن لطب الغيب منهم ، ولكن هل تغادره الرغبة فى أن يعلم سر الغيب ، ويطمئن على نفسه ومن يحبهم من حوله ويخاف عليهم ؟
يروح يتلهم حسه الباطن .. ويستلهم الرؤى .. ويستلهم تلك القوة الخفية فى نفسه التى تقدر على الاستشفاف .. ولكن هل يستيقن ؟ هل " يطمئن " ؟
كلا ! إنه يشعر بالعجز الكامل عن النفاذ وراء الأستار ، ويظل الغيب المحجوب ملفعا بالحجاب ..
عندئذ يتحول الحس إلى الكائن الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض ، لأنه هو العليم بكل شئ ، وهو خالق الأحداث والأشياء وكل شئ سائر بمشيئته وحده لا بمشيئة أحد سواه .
ويهتدى فيعرف أن الله الحق علام الغيوم ، أو أو يضل فيظنه كائنا آخر .. ولكنه يعلم دائما أن أسرار الغيب مكشوفة للكائن العلوى الذى يخلق ويبدع وينتهى إليه مصير كل شئ ، فيعبده لونا من العبادة ، ويلتزم نحوه بلون من السلوك .
- - - - - - - - - - - - - - -
تلك بعض منافذ الفطرة التى تتلقى إيقاعات الكون والحياة ، فتستيقظ من غفلتها إن كانت غافلة ، فتروح تبحث عن الله سواء اهتدت إلى الله الحق أم ضلت فى الطريق ..
لذلك فإن لفطرة دائما تعرف وجود الله ، وتؤمن به فى داخل أعماقها ، وإن ضلت عن الهدى فتصورت الله على غير حقيقته أو أشركت به آلهة مزعومة ليس لها وجود .
أما أن تنكر الفطرة وجود الله أصلا ، وتقول إن الخلق قد وجد بلا خالق .. فبدعة فى الضلال غير مسبوقة فى التاريخ .
صحيح أن الحس البشرى بحكم الإلف أو العادة يتبلد ..
يتبلد على المنظر المكرور فلا يعود يهزه كما هزه أول مرة . ويتبلد على المعنى المكرور أو الحدث المكرور فلا يعود يستجيش مشاعره كما استجاشها أول مرة . فيعيش فى وسط الآيات غافلا عن دلالتها ، ويموت قلبه فلا يتحرك لمعنى الألوهية كما ينبغى له أن يتحرك .. فيعيش كما تعيش السائمة :
{كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179)} [سورة الأعراف 7/179]
وصحيح أن البشرية حين يطول عليها الأمد " تتعب " من الإيمان بما لا تدركه الحواس ، وتتجه إلى المحسوس ، فتنشئ آلهة محسوسة تعبدها من دون الله أو تعبدها مع الله ، فى صورة أوثان وأصنام ، أو فى صورة بشر ، أو فى صورة أفلاك .. وذلك لأن الإيمان بما لا تدركه الحواس يستلزم أن يكون الإنسان فى وضعه الطبيعى - أو الفطرى - كما خلقه الله ، تعمل كل أجهزته فى وقت واحد ، فتعمل أجهزة الإدراك الحسى جنبا إلى جنب مع أجهزة الإيمان المعنوى أو الإيمان بما ا تدركه الحواس ، عملا فطريا طبيعيا متناسقا ينتج عنه الإيمان بالله عن طريق رؤية آياته فى الكون ، والإيمان به إيمانا مباشرا عن طريق الروح ، فيعمق كل منهما الآخر فيصل إلى درجة اليقين .
فإذا طال على البشرية الأمد يحدث " هبوط " فى كيان الإنسان ، يعطل أجهزة الإدراك المعنوى تعطيلا جزئيا أو كاملا ، وتبقى أجهزة الإدراك الحسى هى التى تعمل ، وعلى قدر الهبوط يكون نوع الشرك ودرجته .. فيظل صاحبه مؤمنا بالله ويشرك به آلهة محسوسة ، أو يؤمن بالآلهة المحسوسة وحدها من دون الله.
وصحيح أن البشرية فى حالة هبوطها تجنح إلى ثقلة الأرض فتشدها الشهوات إلى أسفل ، فتتفلت من تكاليف الدين والتزاماته . تتفلت من " قيد الإنسان " الذى تصاحبه " حرية الإنسان " ، وتجنح إلى " حرية الحيوان " التى تصاحبها قيود الحيوان " (1)" ولكنها - فى مبدأ أمرها على الأقل - تحب أن تسند هذا التفلت بأمر شرعى !
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [سورة الأعراف 7/28]
ورويدا رويدا تحتاج إلى اختراع آلهة تسند إليها ذلك التفلت ، من البشر أو غير البشر ، تتخذ أربابا مع الله أو من دون الله :
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [سورة التوبة 9/31]
__________
(1) " " انظر الفصل القادم .(39/32)
وصحيح أن الطغاة فى الأرض يضيقون بالقيد الربانى الذى يجعلهم عبيدا لله ككل العبيد ، خاضعين لأمره منفذين لشريعته ، ويريدون أن يكون لهم السلطان الطاغى فى الأرض ، ويريدون أن يكون الولاء لهم لا لله . فيضيقون دائما بديانة التوحيد ، وبإخلاص العبادة ه وحده ، فيفرضون أنفسهم بالقوة الغاشمة وبالإرهاب أربابا من دونا لله أو مع الله ، هم الذين يشرعون ، وهم الذين يفرضون التشريع ، وهم الذين يعاقبون " عبيدهم " إذا خرجوا على ذلك التشريع .
وفى هذه الحالات كلها يقع الشرك الذى تجنح إليه البشرية كلما ضلت الطريق . ولكنها فى كل حالاتها السابقة لم تكن تنكر وجود الله .
وحتى فرعون حين قال لموسى عليه السلام {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} [سورة الشعراء 26/23]
وحين قال لهامان : {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} [سورة غافر 40/36-37]
وحين قال لقومه : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سورة القصص 28/38]
وحين قال قال لهم : {أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24)} [سورة النازعات 79/24]
لم يكن ينكر وجود إله خالق لهذا الكون ، ولم يكن يقصد أنه هو الإله الخالق ، والدليل على ذلك قول الملأمن قومه له :
{أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [سورة الأعراف 7/127]
فقد كان له هو إله يعبده ، هو الذى يؤمن بأنه خالق السماوات والأرض وخالق الكون كله " (1)" . وعلى الرغم من أنه - كما سجلت الآثار الفرعونية - كان يدعى " الإله ابن الإله " وكانت تقدم له شعائر التعبد من ركوع وسجود كما كانت تقدم لقيصر وكسرى ، إلا أن ألوهيته وبنوته للإله الأكبر كانت فى حسه كما هى فى حس " الجماهير " من قومه ألوهية مجازية لا حقيقية . وكان يقصد من أقواله لموسى وهامان ولقومه أمرين فى آن واحد . الأمر الاول أن الإله الذى يتحدث عنه موسى ، ويقول إنه مرسل من عنده ، ويعطى نفسه بناء على ذلك سلطانا يأمر به فرعون وينهاه ، ويطلب منه أن يطلق سراح بنى إسرائيل . هذا الإله الموجود حقيقة هو الإله الذى يعبده هو وقومه ، وينحتون له التماثيل ويرسمون له الرسوم ، الإله المحسوس الذى تعبده الجاهلية هبوطا منها عن الإيمان بما لا تدركه الحواس ، والأمر الثانى - وهو مشتق من الأول - أنه يقول لقومه خاصة : ما علمت لكم من سلطة تأمر فتطاع إلا سلطتى ، فأطيعونى ولا تطيعوا ذلك الخارج على سلطانى ، الذى يزعم أنه صاحب الكلمة التى ينبغى أن تطاع !
وحتى النمرود حين حاج إبراهيم فى ربه يرى نفسه ملكا ذا سلطان وإبراهيم فرد من أفراد " الشعب " لا يحق له أن يناقش صاحب السلطان ولا يامره ولا ينهاه .. لم يكن يعتقد أنه هو الإله الخالق ، إنما كان يصدر عن كبر أجوف بإزاء إبراهيم عليه السلام ، ولكن فى حماقة أشد من حماقة فرعون الذى كان يعلن على الملأ أن له إلها يعبده هو وقومه .. أما النمرود فقد جره الاستكبار على إبراهيم إلى الادعاء بأن له سلطانا فى الأرض يشبه سلطان الله ، وأنه - مثل االه - يحيى ويميت ! حتى حاجه إبراهيم عليه السلام فأخرسه :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [سورة البقرة 2/258]
- - - - - - - - - - - - - -
وهذا الشرك - الذى ينجم عن مثل الأسباب التى ذكرناها فى الفقرة السابقة - هو الذى يبعث الرسل لتقويمه وتصحيحه ، ويوقع الوحى الربانى على ذات الأوتار التى خلقها الله فى الفطرة ،وجعلها تعتز لإيقاعات الكون والحياة ، فتستيقظ من غفلتها إن كانت غافلة ، وتروح تبحث عن الله لتعبده وتخشاه .
فعن الكون بضخامته المعجزة ودقته المعجزة وما يحدث فيه من حركة معجزة يقول الوحى الربانى :
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [سورة البقرة 2/164]
{إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [سورة الأعراف 7/54]
__________
(1) " " هو الإله " آمون " الذى يرمزون له بقرض الشمس .(39/33)
{خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)} [سورة لقمان 31/10]
{أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46)} [سورة الفرقان 25/45-46]
وعن قدرة الله لا فى الخلق فحسب ، بل فى تنويع الخلائق كذلك :
{وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} [سورة الأنعام 6/99]
{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} [سورة الرعد 13/4]
{أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [سورة فاطر 35/27-28]
وفى أطوار الجنين :
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [سورة المؤمنون 23/12-14]
وفى عجائب الخلق فى الأرض عامة وفى الإنسان خاصة :
{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)} [سورة الذاريات 51/20-21]
وفى الموت والحياة :
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [سورة الملك 67/1-2]
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} [سورة الزمر 39/42]
{هُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)} [سورة غافر 40/68]
وفى جريان الأحداث :
{قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [سورة آل 3/26-27]
وفىالعجز البشرى مقابل القدرة الإلهية :
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)} [سورة الطور 52/35-43]
وفى علم الغيب خاصة :(39/34)
{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِي (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [سورة الرعد 13/8-11]
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)} [سورة سبأ 34/2-3]
{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [سورة لقمان 31/34]
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [سورة الأنعام 6/59]
والقرآن كله فى الحقيقة توقيعات على أوتار القلب البشرى لاقتلاع كل دواعى الشرك واستنبات بذرة الإيمان.
فأما الغفلة التى ترين على القلب بحكم الألف والعادة ، فالقرآن يستعرض آيات الله فى الكون بطريقة موحية تعرضها كأنما يشهدها الحس لأول مرة ، فيتلقى شحنتها كاملة ، ويتيقظ لدلالتها يقظة كاملة. فإذا استثير الوجدان بالآيات المعروضة على هذا النسق الفريد ،ـ قال له الحقيقة المطلوبة : " ذلكم الله ربكم فأنى تؤفكون " فيتلقى الوجدان الحقيقة حية متحركة تزيل عنه الغفلة وتذهب عنه " الران " .. فيتطلع القلب إلى الله ، شاعرا بعظمته ، مقرا بألوهيته وربوبيته ، مستيقنا بوحدانيته ، فيعبده وحده بلا شريك .
وأما الهبوط الذى تهبط به البشرية عن الإيمان بما لا تدركه الحواس ، فإن القرآن يعيد الروح البشرية إلى طلاقتها وإشراقها ، تارة بعرض سعة الكون الهائلة وإحاطة قدرة الله بها ، وتارة بعرض الدقة المعجزة فى الكون وارتباطها بقدرة اله ، وتارة بعرض إحاطة علم الله بكل ما فى الكون من أشياء وأشخاص وأحداث ، وتارة بعرض مشاهد القيامة حية مجسمة كأنها الحاضر الذى يعيشه الإنسان فى هذه اللحظة ، والحياة الدنيا كأنها ماض كان منذ زمان سحيق ، وتارة باستجاشة الوجدان بآيات رحمة بالإنسان ورعايته له فى سرائه وضرائه ، وتارة بعرض هيمنة الله المطلقة على كل شئ فى هذا الكون ، سماواته وأرضه وأفلاكه ، وناسه وأحداثه ، سواء فى الحياة الدنيا أو الآخرة ، يوم يبعث الموتى ويعرضون للحساب {وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (108)} [سورة طه 20/108] {وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [سورة طه 20/111]
وحين يخاطب القرآن " الإنسان " كله ، من جميع جوانبه ، وفى كل حالاته ، يعود إلى وضعه الفطرى ، فتعمل أجهزته كلها فى وقت واحد ، فتعود لأجهزة الإيمان بما لا تدركه الحواس حيويتها الطبيعية ، فيؤمن الإنسان بالله الذى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [سورة الأنعام 6/103] بل جهد يبذله فى ذلك الإيمان ، بل بشعور عميق بالطمأنينة والرضا والاسترواح والسكينة التى تغمر القلوب :
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [سورة الرعد 13/28]
فتصبح لحظات القلق هى لحظات البعد عن النور الإلهى الفياض وساعات الرضا هى ساعات الاقتراب .
وأما ثقلة الشهوات التى تجنح بالإنسان إلى التفلت من أمر الله ، وتؤدى به فى النهاية إلى ألوان مختلفة من الشرك ، فإن القرآن يرفع الإنسان عنها بتوسيع آفاقه ، ورفع اهتماماته ، وتوجيه طاقاته إلى جوانب الخير فى الحياة ، فيحدث " التسامى " أو " التصعيد " الذى يطهر النفس من الأرجاس :(39/35)
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)} [سورة آل 3/14-17]
وحين تصل النفس إلى هذه الرقعة فإنها لا تعود تستنكر القيد الربانى وتسعى إلى التفلت منه ، بل تحس أنه القيد الذى يمنح الإنسان الحرية اللائقة به .. حرية الإنسان . وتعود تنفر من ذلك الهبوط الذى كانت تتشهاه من قبل ، وتلمس فيه القيود الكريهة التى لم تكن تراها من قبل .. قيود الحيوان .. وعندئذ تقبل النفس على الله راضية بعبادته وحده دون سواه .
وأما الطغاة الذين يستعبدون الناس فى الأرض ، ويصنعون من أنفسهم أربابا مع الله أو من دون الله ، ويسوقون الناس إلى الشرك فى نهاية المطاف ، فالوحى الربانى يجند النفوس المؤمنة لجهادهم وإجلائهم من الأرض على أساس من إخلاص العبادة لله ، ذلك الإخلاص الذى يتضمن الاعتقاد اليقينى فى القلب بوحدانية الله ، والتوجه بالشعائر التعبدية لله وحده ، وتحكيم شريعة الله وحدها ، ورفض أى شريعة أخرى لم يأذن بها الله .
وبهذه الوسائل كلها مجتمعة تفئ الفطرة إلى سوائها ، وتعود إلى صفائها ، ويصبح الإنسان فى أحسن تقويم ..
- - - - - - - - - - - - -
ولقد كانت " مؤهلات " الشرك كلها قائمة فى الجاهلية المعاصرة منذ " النهضة الأوروبية " إلى اليوم ، مما ران على القلوب من غفلة ، ومن الهبوط الذى يعطل أجهزة الإيمان بما لا تدركه الحواس ، ومن الهبوط الخلقى واتباع الشهوات ، ومن تحكيم غير شريعة الله .
ولكن لأمر ما لم تؤد هذه " المؤهلات " بأوروبا إلى الشرك - كما كان شأنها فى الجاهليات السابقة - ولكنها أدت بها إلى الإلحاد !
ولابد من وقفة دراسة هذا الأمر الذى لا مثيل له من قبل فى كل جاهليات التاريخ .
الكنيسة الأوروبية - بحماقاتها - هى المسؤول الأول عن ذلك ولا شك .
فهذه الحماقات هى التى أدت إلى جعل العلم بديلا من الدين ، وجعل السبب الظاهر بديلا من السبب الحقيقى ، وجعل الطبيعة بديلا من الله ..
فالعلم - فى وضعه الطبيعى - ليس بديلا من الدين ! إنما هو نافذة من نوافذ المعرفة التى تؤدى فى النهاية إلى المعرفة الحقة بالله ، ومن ثم إلى إخلاص العبادة له ، حين يدرك العقل البشرى عظمة الخلق ويطلع على أسراره العجيبة التى تحير الألباب :
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر 35/28]
وحين قالت أوروبا أن الدين قد أخلى مكانه للعلم وإن العلم هو البديل من الدين ، لم تكن تتحدث عن حقيقة موضوعية ولا حقيقة مطلقة .. إنما كانت تتحدث عن " واقع " حدث فى أوروبا بسبب حماقة الكنيسة حين حاربت ا لعلم والعلماء ، وخيرتهم بين اتباع الخرافة للمحافظة على " الدين " - دينها الذى ابتدعته وشكلته على حسب أهوائها - وبين اتباع العلم والخروج من الدين . وقد اختار العلماء اتباع العلم لأنهم يعرفون قدره ، ويعلمون أنه أحق بالاتباع من الخرافة . فلما طردتهم الكنيسة من " الدين " كان العلم - بالنسبة إليهم - هو البديل من الدين . لا لأنه فى الحقيقة بديل عنه ، ولا لأنه بطبيعته يغنى عنه ، ولكن لأن حماقة الكنيسة وضعت الأمور فى هذا الوضع .
واسبب الظاهر ليس بديلا عن السبب الحقيقى ، لأنه يفسر فقط كيف تحدث الأشياء على النحو الذى تحدث به ، ولكنه با يفسر لماذا كانت الأشياء على هذا النحو !
فقانون السببية مثلا يفسر كيف يتحول الماء إلى بخار بالتسخين ، ولكنه لا يفسر لماذا كان التسخين يحول الماء إلى بخار ! فلولا أن الله خلق الماء على النحو الذى يجعله التسخين يتحول إلى بخار ما تحول !
بعبارة أخرى : إن العلم بخواص المادة يفسر لنا الظواهر التى تحدث فى عالم المادة ، ولكنه لا يفسر لماذا كانت المادة بهذه الصورة وبهذه الخواص . ذلك أن هذه الصورة ليست هى الصورة الوحيدة الممكنة عقلا .. بل هى إحدى الصور الممكنة ، وقد كان يمكن - لو أراد الله - أن تكون على صورة أخرى وذات خواص مختلفة . فالذى جعلها على هذه الصورة ، وأعطاها هذه الخواص هو مشيئة لله وحدها . وهذا هو السبب الحقيقى الذى لا يغنى عنه معرفة السبب الظاهر ، وإلى ذلك تشير سورة الواقعة :(39/36)
{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70)} [سورة الواقعة 56/58-70]
وحين قال علمءا أوروبا فى عصر النهضة وما بعده إن السب الظاهر بديل من السبب الغيبى ، أو من " الطبيعة " بديل عما " وراء الطبيعة " لم يكن ذلك حقيقة موضوعية ولا حقيقة مطلقة .. إنما كان " واقعا " عاشته أوروبا بسبب حماقة الكنيسة ، التى كانت تمنعهم - أو لا تتيح لهم - أن يبحثوا عن السبب الظاهر ، وتبرز لهم السبب الغيبى وحده مع إبقائهم فى ظلمات الجهل ، فلما اكتشفوا السبب الظاهر ، وانبهروا " بالعلم " الذى كشف لهم - عن طريق معرفة السبب الظاهر - آفاقا لم يكونوا يعرفونها من قبل ، كان الأمر الواقع بالنسبة إليهم أن السبب الظاهر هو الذى علمهم ؛ ومن ثم كان وضع السبب الظاهر بديلا من السبب الغبيى هو الأنسب لهم والأكسب ! فقالوا قولتهم من واقعهم الضيق الذى عاشوه ، وخيل إليهم فى بهرة " العلم " أن ما يقولونه هو الصواب !
وحين جعلت أوروبا الطبعة بديلا من الله لم يكن ذلك - كما بينا فى فصول الكتاب الأولى - إلا مهربا من إله الكنيسة الذى تستعبد الناس باسمه وتفرض عليهم الإتاوات والعشور ، والخضوع المذل لرجال الدين ، مع محاربة العلم ، والحجر على حرية الفكر ، ومع الوقوف الظالم مع رجال الإقطاع ضد المطالبين بالإصلاح .. ولم يكن قط حقيقة علمية ، وإن بلغ الحمق " بالعلماء " أن يصدقوا الخرافة ، ويقدموها على الحقيقة ، ويصنعوا ذلك باسم "العلم"!
ولكن هذا كله على أى حال كان إلحاد " العلماء " و" الفلاسفة " و" المفكرين " .. أما الجماهير فكانت ما تزال تؤمن " بالدين " . ولا نتعرض هنا لما كان فى ذلك الدين الذى آمنت به الجماهير من تحريف وتشويه وخرافة .. وإنما نتحدث عنه باعتبار أنه " دين " يحوى علىاقل تقدير إيمانا بوجود الله وإيمانا بالوحى ، وإيمانا باليوم الآخر ، فى مقابل " اللادين " .. فى مقابل الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله ، وإنكار الوحى ، وإنكار اليوم الآخر ..
كيف انتقلت الجماهير من الدين إلى اللادين ؟
الكنيسة هى المسئول الأول ما تزال ..
والفتنة بالعلم من الأسباب ..
والعودة إلى " الحضارة الإغريقية " أو بالأحرى " الجاهلية " الإغريقية الوثنية هى كذلك من الأسباب ، فقد كانت تلك الجاهلية بالذات تصور العلاقة بين الإنسان والآلهة علاقة صراع وخصام متبادل . الآلهة تريد أن تقهر الإنسان وتستذله ، وتتشفى فى كل مصيبة يقع فيها ، والإنسان يريد أن يلقى عنه نير الآلهة وينطلق بفاعليته دون قيود"(1)" .
والعودة إلى " الحضارة " الرومانية أو بالأحرى " الجاهلية " الرومانية هى كذلك من الأسبابا ، فقد كانت تلك الجاهلية بالذات تزين للإنسان لذائذ الحس ، والفتنة بها إلى حد الاستغراق مع كل ما تبدعه فى الأرض من رقى مادى وتنظيم .
ولكن هذه الأسباب كلها مجتمعة كان يمكن أن تؤدى إلى الشرك - كما أدت إليه فى كل جاهلية سابقة - ولم يكن من الضرورى - ولا من الطبيعى - أن تؤدى إلى الإلحاد بين الجماهير ..
إنما الى نشر الإلحاد فى الأرض - تأسيسا على هذه الأسباب كلها ، واستغلالا لها - كانوا هم اليهود !
كتب اليهود فى " البروتوكولات " " (2)" أنهم سينشرون الإلحاد فى الأرض .. وقد نشروه بالفعل ..
__________
(1) " " راجع أسطورة " بروميثيوس " سارق النار المقدسة ، وانظر ان شئت ملخصا لها فى كتاب " قبسات من الرسول " .
(2) " " بعض الذين يتمسكون " بالمنهج العلمى " يشككون فى حجية كتاب " البروتوكولات " كوثيقة ، ويضعون فى الاحتمال أن يكون بعض الناس قد تقولوا عليهم ما جاء فى البروتوكولات . ونحن لا نقطع بصحة الكتاب من الناحية الوثائقية البحتة ، ولكن ذلك - فى نظرنا - لا يؤثر فى صدق ما جاء فى ثنايا الكتاب ! لأنه سواء كان هذا الكلام كلام اليهود بالفعل أو كلام إنسان أتيح له أن يطلع على فكر اليهود ويترجمه فى هذه الصورة ، فإن كل ما جاء فيه قد نفذ بالفعل ! جاء فيه أنهم سينشرون الإلحاد ونشروه . وجاء فيه أنهم سينشرون الشيوعية ونشروها . وجاء فيه أنهم سيضحكون على الأمميين بشعار الحرية والإخاء والمساواة وضحكوا بالفعل . فسواء كان هذا كلامهم أو كان ترجمة أفكارهم فالنتيجة الأخيرة واحدة : أن هذه مخططاتهم وقد نفذوها بالفعل فى غفلة من الأمميين !(39/37)
الثورة الفرنسية .. الداروينية .. الثورة الصناعية .. النظريات " العلمية " التى تهاجم الدين والأخلاق والتقاليد .. إنشاء مجتمع بلا دين ولا أخلاق ..
ما بن من حاجة لأن نعيد شيئا مما قلناه من قبل " (1) " .. وإنما نذكر فقط بهذه الحقيقة : أن اليهود استغلوا الأحداث التى هيأتها لهم حماقة الكنيسة ، وردود الفعل التى نشأت من تلك الحماقة ، فركبوا الموجة إلى نهايتها ، ونفذوا كل ما فى جعبتهم من مخططات الإفساد فى الأرض ، لاستحمار الأمميين واستعبادهم لصالح الشعب الشرير .
والإلحاد بالذات هدف أساسى من أهداف المخطط الشرير .. فالهدف الأخر من المخطط كله هو إزالة كل دين فى الأرض ، ليبقى اليهود وحدهم فى الأرض أصحاب الدين !
إن اليهود فى هذه المرة لم يفسدوا عقائد الأمميين كما كانت محاولاتهم السابقة فى التاريخ ، إنما أفسدوا فطرتهم . وقد أسلفنا القول بأن الفطرة - وإن ضلت - لا تتجه إلى الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله ، وإنما تتجه إلى الشرك . فاتجاهها إلى الإلحاد فى الجاهلية المعاصرة ليس مجرد ضلال ككل ضلال سابق ، إنما هو فساد فى أعماق الفطرة قام به اليهود استغلالا للأرضية الفاسدة التنى كانت قائمة فى أوروبا منذ " النهضة " . وسواء كان الجهد الذى بذلوه فى هذا الشأن عسيرا أو ميسرا فقد استغرقوا قرابة قرنين من الزمان حتى وصلوا به إلى صورته الشاملة الموجودة اليوم فى الأرض ، سواء فى المعسكر الشرقى حيث يفرض الإلحاد فرضا فى مناهج التعليم ووسائل الإعلام ، ويعاقب من يضبط " متلبسا " بمجرد الحديث فى الدين لفتى أو فتاة دون سن الرشد .. أو المعسكر الغربى حيث لا يفرض الإلحاد على الناس بتلك الصورة ولكن يشجع الناس عليه بكل وسائل التشجيع !
والإلحاد لا يستحق منا مناقشة " علمية " جادة لأنه ليس من الأمور الجادة التى عرضت للبشرية فى مسيرتها على هذه الأرض ، إنما هو عبث صنعه الشياطين ، وأوقعوا فيه المستغفلين من الأمميين فى فترة كانوا فيها {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} [سورة المدثر 74/50-51] ولقد كانت " الحمر " فارة من طغيان الكنيسة وحماقاتها ، فأسرع الشياطين فركبوها وألهبوا ظهورها بالسياط لتجرى إلى آخر المشوار ، بدجل من أن تفيق من نفرتها المجنونة وتفئ إلى الدين الصححي الذى يخلصها من كل ما كانت تشكو منه من مشكلات أو انحرافات أو حماقات ..
وقد تحدثنا فى مقدمة هذا الفصل عن بعض منافذ الفطرة التى توصلها إلى الإيمان بوجود الخالق المدبر المهيمن المسيطر ، سواء عرفته على حقيقته فعبدته العبادة الحقة أم تصورته على غير حقيقته وأشركت به آلةو أخرى ، وما بنا من حاجة إلى مزيد فى مثل بحثنا الحاضر . ولكنا هنا - فى هذا الفصل - بصدد شئ واحد هو التأكيد على هذه الحقيقة : أن الإلحاد ليس من شأن الفطرة حتى فى حالة ضلالها ، وأنه أمر مصطنع ، لا تصل إليه الفطرة من تلقاء نفسها مهما وصل بها الحال من الضلال .
ونكتفى بالتعرض لنقطة واحدة مما جاء فى التواءات الجاهليين المعاصريين فى شأن الدين ، أو فى شأن الإلحاد .
تلك هى قولة جوليان هكسلى فى كتابه " الإنسان فى العالم الحديث Man in the Mode r n Wo r ld " إن الإنسان قد خضع له بسب عجزه وجهله ن والآن وقد تعلم وسيطر على البيئة . فقد آن له أن يأخذ على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل فى عصر الجهل والعجز على عاتق الله ، ومن ثم يصبح هو الله .
نعوذ بالله .
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)} [سورة غافر 40/56]
نفترض جدلا أن العجز والجهل - وحدهما - هما سبب خضوع الإنسان له فى صورة دين وعقيدة وعبادة .. فما الذى تغير فى حياة الإنسان المعاصر ليخرجه من الخضوع لله ؟!
تلك القشور من العلم التى وصل إليها ،وهذا القدر الضئيل من السيطرة على " البيئة " ؟!
فأما العلم فندع " ول ديورانت " الفيلسوف المعاصر يتحدث عنه فى كتاب " مباهج الفلسفة " .
__________
(1) " " راجع فصل " دور اليهود فى إفساد أوروبا " فى أوائل الكتاب .(39/38)
" ما طبيعة العالم ؟ وما مادته وما صورته ؟ وما مكوناته وهيكله ؟ وما مواده الأولى وقوانينه ؟ وما المادة فى كيفها الباطن وفى جوهر وجودها الغامض ؟ وما العقل ؟ أهو على الدوام متميز عن المادة وذو سلطان عليها ؟ أم هو أحد مشتقات المادة وعبد لها ؟ أيكون كلا العالمين : الخارجى الذى ندركه بالحس والباطنى الذى نحسه فى الشعور ، عرضة لقوانين ميكانيكية أو حتمية كما قال الشاعر " ما يكتبه الخالق فى مطلع النهار نقرؤه فى آخر النهار " ؟ أم ثمة فى المادة ، أو فى العقل ، أو فى كليهما ، عنصر من الاتفاق والتلقائية والحرية ؟ .. هذه أسئلة يسألها قلة من الناس ، ويجيب عليها جميع الناس . وهى منابع فلسفاتنا الأخيرة ، التى يجب أن يعتمد عليها فى نهاية الأمر كل شئ آخر ، وفى نظام متماسك من الفكر .. إننا نؤثر معرفة الإجابات عن هذه الأسئلة على امتلاك سائر خيرات الأرض .
" ولنسلم أنفسنا فى الحال لإخفاق ما مناص منه . لا لأن هذا الباب من الفلسفة يحتاج فى إتقانه إلى معرفة كاملة ومناسبة بالرياضيات والفلك والطبيعة والكيمياء والميكانيكا وعلم الحياة وعلم النفس فقط ، بل لأنه ليس من المعقول أن نتوقع من الجزء أن يفهم الكل .. فهذه النظرة الكلية - وهى فتنتنا فى هذه المغامرات اللطيفة - ستبعد عن فكرنا جميع الفخاخ والمفاتن . ويكفى أن نأخذ أنفسنا بقليل من التواضع وشئ من الأمانة ، لنتأكد أن الحياة فى غاية من التعقيد والدقة بحيث يصعب على عقولنا الحبيسة إدراكهما . وأكبر الظن أن أكثر نظرياتنا تبجيلا قد يكون موضع السخرية والأسف عند الآلهة العليمة بكل شئ " (1)" . فكل ما نستطيع أن نفعله هو أن نفخر باكتشاف مهاوى جهلنا ! وكلما كثر علمنا قلت معرفتنا ، لأن كل خطوة نتقدمها تكشف عن غوامض جديدة ، وشكوك جديدة . " فالجزئ " يتكشف عن " الذرة " والذرة عن الإلكترون (الكهرب) والإلكترون عن الكوانتوم " Quantum" (الكويمية) . ويتحدى الكوانتوم سائر مقولاتنا " Catego r ies" وقوانينا وينطوى عليهما . والتعليم تجديد فىالعقائد وتقدم فى الشك ، وآلاتنا كما ترى مرتبطة بالمادة وحواسنا بالعقل .. وفى خلال هذا الضباب يجب علينا نحن " الزغب " على الماء ، أن نفهم البحر ! " (2) "
وعن تقلب " العلم " يقول :
" إلى أى نجم بعيد ذهبت نظريتنا السديمية المشهورة ؟ هل يؤيدها علم الفلك الحديث أو يسخر من وجهها المغبر ؟
" وأين ذهبت قوانين نيوتن العظيم حين قلب أينشتين وميكوفسكى وغيرهما الكون راسا على عقب بمذهب النسبية غير المفهوم ؟
" وأين مكان نظرية عدم فناء المادة وبقاء الطاقة فى الفيزيقا المعاصرة ، وما يكتنفها من فوضى وتنازع ؟
" وأين إقليدس المسكين اليوم ، وهو أعظم مؤلف لمراجع العلمية ، ليرى كيف يصوغ الرياضيون لنا أبعادا جديدة بحسب أهوائهم ، ويبتدعون لا متناهيات يحتوى أحدهما الآخر كجزء منه ، ويثبتون فى الفيزيقيا - والسياسة كذلك - أن الخط المستقيم هو أطول مسافة بين نقطتين ؟!
" وأين علم الأجنة ليرى أن " البيئة الناشئة " تحل محل " الوراثة " التى كانت إله العلم " (3) " ؟ وأين " جوريجورى " و" مندل " الآن ليشهدا انصراف علماء الوراثة عن " وحدة الصفات " ؟ وأين " داروين " الهدام الدقيق ليرى كيف حلت طريقة " التغيرات السريعة " محل " الاختلافات الذاتية والمتصلة " فى التطور ؟ وهل هذه التغيرات هى الثمرة المشروعة لاختلاط الهجائن ؟ وهل نضطر إلى الرجوع فى تفسيرنا للتطور إلى الوراء عند نظرية " انتقال الصفات المكتسبة " ؟ أنجد أنفسنا وقد عدنا مرة أخرى أكثر من قرن إلى الماضى نعانق رقبة زرافة " لامارك " ؟
" وماذا نصنع اليوم بمعمل الأستاذ فونط " Wundt " وباختبارات " استانلى هول " حين لا يستطيع أى عالم نفسانى من اتباع السلوكيين أن يكتب صحيفة واحدة فى علم النفس الحديث دون أن يلقى بمخلفات أسلافه فى الهواء ؟!
" وأين علم التاريخ الحديث اليوم حيث يضع كل عالم فى تاريخ قدماء المصريين كشفا بالأسرات وتواريخها على هواه ، ولا يختلف عن كشوف غيره إلا ببضعة آلاف من السنين ؟! ويحث يسخر علماء الأجناس من " تيلور " و" وستر مارك " و" سبنسر " ؟ وحيث يجهل " فريزر " كل شئ عن " الدين البدائى " لأنه قد رحل إلى العالم الآخر ؟!
فماذا أصاب علومنا ؟ هل فقدت فجأة قداستها وما فيها من حقائق أزلية ؟ أيمكن أن تكون " قوانين الطبيعة " ليست سوى فروض إنسانية ؟ ألم يعد هناك يقين أو استقرار فى العلم ؟ " (4)" .
وعن " حقيقة " المادة يقول :
__________
(1) " " انظر أثر الجاهلية الإغريقية فى انحرافات الفكر الغربى .
(2) " " ص 61 - 62 من الترجمة العربية " ترجمة الدكتور أحمد فؤاد الاهوانى " .
(3) " " انظر إلى أثر الجاهلية الإغريقية مرة أخرى .
(4) " " ص 23 - 24 من الترجمة العربة .(39/39)
" وأول شئ نكشفه هو أن المادة القديمة غير المتحركة التى وصفتها طبيعيات القرن التاسع عشر قد ذهبت . وكانت " مادة " تندال وهكسلى غير فاسدة . فهى تقعد وتنام أنى وضعتها ، كذلك الصبى البدين فى قصة " أوراق بكويك " " (1) " وهى تقاوم بكل ما فيها من وقار الحجم والثقل كل جهد لتحريكها ، أو لتغيير وجهة حركتها متى أخذت فى الحركة . وبين " برجسون " فى يسر شديد أن مادة فى مثل هذا الخمود لا يمكن أبدا أن تفسر الحركة ، ومن باب أولى لا تحدث الحياة والعقل . ولكن رجال الطبيعة مع ذلك ، كما كتب برجسون ، كانوا فى سبيلهم إلى هجر تصور المادة خامدة ،وإلى الكشف فيها عن حيوية لا ريب فيها . فهذه مثلا الكهرباء لا يمكن تفسيرها فى صيغ من الخمود والذرات . فما هذه القوة الخفية التى تضاف إلى الكتلة فتزيد فى طاقتها ولكنها لا تضيف شيئا إلى أبعادها وثقلها ؟ وكيف تسرى الشحنة الكهربية فى سلك أو الهواء اللاسلكى ؟ أهى شئ يتحرك فى تلك الموجات الكهربية التى تكاد تبلغ فى سرعتها سرعة الضوء نفسه ؟ أهى الذرات ؟ أو " الأثير " أو لا شئ ؟ وفى أشعة إكس ، عندما تمر شرارة كهربية فى فراغ باعثة أشعة تنفذ من جدران الأنبوبة وتغير من اللوح الحساس كيميائيا ، فما هذا الذى يمر خلال الفراغ أو الجدران ؟ وعندما بدت المادة نشيطة لا تفرغ ، كما هو الحال فى الراديوم ، وبدت الذرات (التى لا يمكن أن تنقسم) منقسمة إلى ما لا نهاية ، وأصبحت كل ذرة نظاما كوكبيا من الشحنات الكهربية تدور حول شئ لا يزيد جوهره عن شحنة كهربية أخرى .. فأى مأزق وقعت المادة فيه حين فقدت كتلتها ووزنها وطولها وعرضها وعمقها وعدم قابليتها للنفاذ ، وسائر تلك الخصائص الثقيلة التى ظفرت باحترام كل مفكر واقعى ؟ أكان الخمود أسطورة ؟ أيمكن أن تكون المادة حية ؟ " (2) "
" لقد كانت هناك دلائل من قبل على وجود هذه الطاقة فى المادة . فالتماسك والتآلف ، والتنافر ، كانت توحى بها . ويبدو اليوم من المحتمل أن تكون هذه الصفات وكذلك الكهربية والمغناطيسية صورا من " الطاقة الذرية " وهى ظواهر ترجع إلى حركة الإلكترونات الدائبة فى الذرة .. ولكن ، ما الإلكترون ؟ أهو جزء من " المادة " يظهر فى ثوب من الطاقة ؟ أو هو مقدار من الطاقة منفصل تمام الانفصال عن أى جوهر مادى ؟ ولا يمكن أن نتصور الفرض الأخير ! ويقول ليبون " قد يمكن ولا ريب لعقل أسمى من عقلنا أن يتصور الطاقة بغير مادة .. ولكن مثل هذا التصور فى غير مقدورنا . فنحنن لا نستطيع أن نفهم الأشياء إلا بوضعها فى الإطار المشترك لأفكارنا . ولما كانت ماهية الطاقة مجهولة فنحن مضطرون إلى صوغها صياغة مادية حتى نفكر فيها " . فنحن كما يقول برجسون ماديون بالطبع ، فقد ألفنا التعامل مع المادة والأمور الميكانيكية . ولذا لم ننصرف عنها كى ننظر فى أنفسنا فإننا نتصور كل شئ كآلة مادية . ومع ذلك فإن أوستولد " Ostwald" يصف المادة على أنها صورة من الطاقة وحسب . ويرد رذرفورد الذرة إلى وحدات الكهرباء الموجبة والسالبة . ويعتقد لودج أن الإلكترون لا يشتمل على نواة مادية أكثر من شحنته . ويقول ليبون ببساطة : " المادة صورة مختلفة من الطاقة " ويقول ج . ب . س . هالدين : " يعتبر بعض الناس من أقدر المفكرين فى العالم اليوم المادة كمجرد ضرب خاص من الاضطراب التموجى " . ويقول إدنجتون : " إن المادة مركبة من بروتونات وإلكترونات ، أى شحنات موجبة وسالبة من الكهرباء . فاللوح هو فى الحقيقة مكان فارغ مشتمل على شحنات كهربية مبعثرة هنا وهناك " . ويقول هواريتهيد : " إن مفهوم الكتلة فى طريقه إلى فقدان امتيازه الوحيد ، باعتبارها المقدار الواحد الدائم فى النهاية .. فالكتلة الآن اسم لكمية من الطاقة فى علاقتها ببعض آثارها الديناميكية " . وإلى هذه المرتبة لاوضيعة سقط الجبار ورجعنا إلى بوسكوفيتش " Boscovich " " (3)" الجزويتى القديم ، إلى تلك العبارة غير المفهومة : من أن المادة التى تشغل " المكان " مركبة من نقط لا وجود لها ! وفى ذلك يقول نيتشه : " لقد كان بوسكوفتش وكوبرنيق حتى الآن أعظم خصمين وأكثرهما نجاحا فى دحض شهادة العيان " . فلا غرابة أن يستنتج ديوى أن " مفهوم المادة الذى يوجد بالفعل فى تطبيق العلم لا يمت بصلة إلى مادة الماديين " !
__________
(1) " " قصة مشهورة لشارل ديكنز ، وكان مستر بكويك بطل القصة " المترجم " .
(2) " " انظر المحاولة الملتوية للتخلص من التحدى القائم فى نشأة الحياة من الموات ، وهو التحدى الذى يؤدى - فطرة - إلى الإيمان بالله .
(3) " " فيلسوف يوغسلافى من دلماشيا أذاع فى بلاده فلسفة نيوتن " المترجم " .(39/40)
" أيمكن أن يكون شئ أكثر غموضا وغرابة من هذا القول الذى يقوله علماء الطبيعة من أن " المادة " بمعنى " الجوهر المتحيز " " Spatial " قد بطلت عن الوجود ؟ فهم يقولون إن الإلكترونات ليس فيها شئ من خصائص المادة ، فهى ليست صلبة ، ولا سائلة ، ولا غازية ، وهى ليست كتلة ، أو صورة ، وانحلالها إلى نشاط إشعاعى يلقى شكوكا على أعز عقيدة فى العلم الييدث ، أى عدم قابلية المادة للفناء ..ولنسمع رأى أحد علماء الطبيعة مرة أخرى " إن عناصر الذرات التى تنحل تفنى تماما ، فهى تفقد كل صفة للمادة ، بما فى ذلك الثقل وهو أكثر صفاتها أساسية . ذلك أن الميزتان يعجز عن وزنها ولا شئ يستطيع أن يعيدها إلى حالة المادة ، فقد اختفت فى عظمة الأثير .. والحرارة والكهرباء والضوء إلى غير ذلك .. تمثل آخر مراحل المادة قبل اختفائها فى الأثير .. والمادة التى تنحل تخرج عن ماديتها بمرورها فى حالات متتابعة تنتزع منها تدريجيا صفاتها المادية ، حتى تعود فى النهاية إلى الأثير الذى لا يمكن وزنه ، ذلك الأثير الذى يبدو أنها نشأت عنه .
" الأثير ؟ .. ولكن ما هو الأثير ؟ لا أحد يعرف ! ليس الثير فيما يقول لورد سالسبورى إلا اسما على الفعل " يتموج " والأثير خرافة ابتدعت لإخفاء الجهل المثقف للعلم الحديث . فهو غامض غموض الشبح أو الروح ! وافترض أينشتين وجود الأثير حين أعاد تفسير الجاذبية ، وعزم أخيرا أن يدخره إلى حين مع تحديد سلطانه ! وكلما يعجز عالم من علماء الطبيعة ويتحير يقول : " الأثير " !
" ويقول الأستاذ إدنجتون أحدث حجة فى هذا الموضوع : " لسي الأثير نوعا من المادة ، فهو لا مادى .
" ومعنى ذلك أن شيئا لا ماديا يحيل نفسه إلى مادة بوساطة بعض الالتواءات " Conto r tions " (دوامات Vo r tices " كما سماها كيلفن) ويصبح ذلك الذى لم يكن له بعد أو ثقل ، بإضافة أجزاء منه بعضا إلى بعض ، مادة متحيزة ،ويمكن أن توزن . أهو اللاهوت قد أعيد ؟ أم هو علم مسيحى جديد ؟ أم هو صورة من البحث العلمى ؟ وفى الوقت الذى يحاول علم النفس بكل سبيل أن يتخلص من " الشعور " حتى يرد " العقل " للمادة " يأسف علم الطبيعة فى تقريره أنا لمادة لا توجد ! ولقد قال نيوتن متعجبا : " أيتها الطبيعة احفظينى مما بعد الطبيعة " الميتافيزيقا " . فيا للأسف لن تقدر الطبيعة أن تفعل أكثر من ذلك !
" يقول برتراندرسل : " يقترب علم الطبيعة من المرحلة التى يبلغ فيها الكمال " وجميع الدلائل تدل على العكس من ذلك .. أما هنرى بوانكاريه فيرى أن علم الطبيعة الحديث فى حالة من الفوضى ، فهو يعيد بناء جميع أسسه ، وفى أثناء ذلك لا يكاد يعرف أين يقف . وقد تغيرت الأفكار الأساسية عن الطبيعة تغيرا تاما فى العشرين السنة الأخيرة فيما يختص بالمادة والحركة كلتيهما . ولم تسمح أعمال كورى ورذرفورد وسدى وأينشتين ومينكوفسكى لأى تصور قديم عن الطبيعة النيوتونية بالبقاء . وكان لابلاس يحسد نيوتن لأنه كشف النظام الوحيد للعالم وحزن على عدم وجود نظم أخرى تكشف ! ولكن عالم نيوتن قد انتحى اليوم جانبا . ولم يعد التثاقل " G r avitation " مسألة جاذبية " Att r action " وتمزقت " قوانين " الحركة فى كل جهة بنظرية النسبية . وقد كانت الفلسفة تبحث ذات يوم فى " الأشباح " والمجردات ، وكان العلم يبحث فى " المادة " و" المحسوس " و" الحقائق الواقعة " . أما الآن فلعم الطبيعة مجموعة مستورة " Esote r ic " من القوانين المجردة . " وفكرة المادة مفقودة بالكلية فى الدوائر العلمية " " (1)" . كان على الفلسفة أن تتنحى جانبا _ولا يزال بعض الناس يتوقعون موتها خلال خمسين عاما) أما العلم فعليه أن يحل مشكلاتنا . والآن فى الوقت الذى يحمل رجل الشارع العلم والعلماء جميع أفكار الإلهام واليقين التى كانت متصلة ذات يوم بالإنجيل والكنيسة " (2) " ، يقال لنا فى تواضع إن : " البحث العلمى لا يفضى إلى معرفة طبيعة الأشياء الباطنة " " (3) " (ص 68 - 73 من الترجمة العربية) .
- - - - - - - - - - - - - -
وأما السيطرة - أو قل العجز - فقد تحدثنا عنه فى إحدى فقرات هذا الفصل ، وبينا أنه عجز دائم أصيل لا يؤثر فيه ولا ينقص منه هذا القدر من السيطرة الذى يحققه الإنسان " بالعلم " " والتكنولوجيا " وإن فتت الذرة وأطلق طاقتها ، وإن ركب الصواريخ وطاف بها فى أرجاء الكون ، لأن الذى يرغب فيه الإنسان ، ويحس بالعجز عن تحقيقه هو أمر بالنسبة إليه مستحيل التحقيق : أن يسيطر سيطرة كاملة على الكون . أن يقول للشئ كن فيكون . أن يخلد فى الأرض . أن يعلم الغيب . وبعض هذه كان من المغريات التى أغرى بها الشيطان آدم منذ بدء الخليقة :
{وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ (20)} [سورة الأعراف 7/20]
__________
(1) " " ادنجتون ص 274 .
(2) " " يقصد الدين .
(3) " " ادنجتون ص 303 .(39/41)
ومن هنا فإن الشعور بالعجز شعور دائم ملازم للإنسان فى كل أحواله وفى جميع أوضاعه . وليس إنسان العصر الحديث ناجيا منه حتى يقول جوليان هكسلى إنه قد آن للإنسان أن يأخذ على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل فى عصر الجهل والعجز على عاتق الله ، ومن ثم يصبح هو الله :
{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)} [سورة الروم 30/7]
ونحب أن نضيف إلى ذلك أن الإنسان السوى يعلم أن ما يحققه من تسخير طاقات السماوات والأرض ليس " اغتصابا " من الإله كما تصور ذلك الأساطير الإغريقية المجنونة ، حتى يكون مبررا للخروج على طاعة الله ، بل التبجح بإنكار وجود الله كما تفعل الجاهلية المعاصرة ، إنما هو من قدر الله للإنسان ، ومن رحمة الله بالإنسان ، ومن فضل اله على الإنسان ، لأنه هو الذى سخره ابتداء للإنسان ، ثم أعانه على تحقيقه :
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [سورة الجاثية 45/13]
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [سورة البقرة 2/31]
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [سورة النحل 16/78]
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} [سورة الملك 67/15]
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)} [سورة إبراهيم 14/32-34]
- - - - - - - - - - - - - -
وأخيرا ، فنحن نزعم أن الدين من الفطرة ، وهم يزعمون أنه طلل بال ينبغى أن تزال آثاره ، ليحل محله " العلم " و" الإلحاد " .
ونحن نستشهد عليهم من أنفسهم كما أشرنا من قبل .
نستشهد عليهم برائد الفضاء الأول " يورى جاجارين " الذى قال بعد هبوطه من الفضاء فى المؤتمر الصحفى العالمى الذى أعد لاستقباله : " حين صعدت إلى الفضاء أخذتنى روعة الكون فمضيت أبحث عن الله " !
ولا عبرة " بالتصحيح " الذى أضافته ادولة على تصريحه أو أمرته أن يضيفه ، فقال :
" فمضيت أبحث عن الله فلم أجده " !
إنه تمحل واضح ..
ولا يمكن أن يكون " جاجارين " قد قاله ابتداء ! فما الذى يجعله يتحدث عن الله ابتداء إذا كان قصده هو النفى ، ولا أحد من الحاضرين قد أثار القضية حتى يتعرض لنفيها ؟! إنما المعقول أن يكون ذكره لله ابتداء للإثبات لا للنفى . لإثبات استجابة " الفطرة " الطبيعية لعظمة الكون وروعته حين رآه لأول مرة من خارج الغلاف الجوى ، فرآه فى صورة مختلفة عما تبلد عليه حسه بحكم الألف والعادة .. فاتجهت الفطرة اتجاها تلقائيا إلى فاطر السماوات والأرض ، رغم كل " الإلحاد " الذى صبته الدولة فى قلبه وفكره منذ مولده إلى لحظة انطلاقه فى الفضاء !
وهى شهادة " أفلتت " من المعسكر الملحد بغير قصد منه ولا تدبير :
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فصلت 41/53]
ونستشهد عليهم بما يقوله " علماء " من علمائهم ، تربوا فى " الإلحاد العلمى " ! فألجأهم " العلم " ذاته إلى الإيمان بوجود الله ، ونكتفى بهذه المقتطفات من كتاب " العلم يدعو للإيمان " " (1)" وكتاب " الله يتجلى فى عصر العلم " " (2) " فهى تغنينا عن المزيد .
يقول " أ . كريسى موريسون " رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك :
" فى خليط الخلق قد أتيح لكثير من المخلوقات أن تبدى درجة علية من أشكال معينة من الغريزة أو الذكاء أو ما لا ندرى .. فالدبور مثلا يصيد الجندب النطاط ، ويحفر حفرة فى الأرض ، ويخز الجندب فى المكان المناسب تماما حتى يفقد وعيه ، ولكنه يعيش كنوع من اللحم المحفوظ . وأنثى الدبور تضع بيضا فى المكان المناسب بالضبط ، ولعلها لا تدرى أن صغارها حين تفقس يمكنها أن تتغذى دون أن تقتل الحشرة التى هى غذاؤها فيكون ذلك خطرا على وجودها . ولابد أن يكون الدبور قد فعل ذلك من البداية وكرره دائما ، وإلا ما بقيت زنابير على وجه الأرض .. والعلم لا يجد تفسيرا لهذه الظاهرة الخفية ؛ ولكنها مع ذلك لا يمكن أن تنسب إلى المصادفة !
__________
(1) " " تأليف كريسى مويسون ترجمة محمود صالح الفكلى .
(2) " " تأليف جماعة من العلماء ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان .(39/42)
" وإن أنثى الدبور تغطى حفرة فى الأرض وترحل فرحا ثم تموت . فلا هى ولا أسلافها قد فكرت فى هذه العملية وهى لا تعلم ماذا يحدث لصغارها ؛ أو أن هناك شيئا يسمى صغارا . بل إنها لا تدرى أنها عاشت وعملت لحفظ نوعها ! " " (1) " .
" وفى بعض أنواع النمل يأتى العملة بحبوب صغيرة لإطعام غيرها من النمل فى خلال فصل الشتاء ، وينشئ النمل ما هو معروف " بمخزون الطحن " وفيه يقوم النمل الذى أوتى فكاكا كبيرة معدة للطحن ، بإعداد الطعام للمستعمرة . وهذا هو شاغلها الوحيد . وحين يأتى الخريف ،وتكون الحبوب كلها طحنت فإن " أعظم خري لأكبر عدد " يتطلب حفظ تلك المؤونة من الطعام .. وما دام الجيل الجديد سينتظم كثيرا من النمل الطحان ، فإن جنود النمل تقتل النمل الطاحن الموجود ،ولعلها ترضى ضميرها الحشرى بأن ذلك النمل قد نال جزاءه الكافى ، إذ كانت له الفرصة الأولى فى الإفادة من الغذاء أثناء طحنه !
" وهناك أنواع من النمل تدفعها الغريزة أو التفكير (واختر منهما ما يحلو لك) إلى زرع أعشاش للطعام فيما يمكن تسميته " بحدائق الأعشاش " وتصيد أنواعا معينة من الدود والأرق أو اليرق ، (وهى حشرات صغيرة تسبب آفة الندوة العسلية) فهذه المخلوقات هى بقر النمل وعنزاتها ! ومنها يأخذ النمل إفرازات معينة تشبه العسل ليكون طعاما له .
" والنمل يأسر طوائف منه ويسترقها . وبعض النمل حين يصنع أعشاشه يقطع الأوراق مطابقة للحكم المطلوب .. وبينما تضع بعض عملة النمل الأطراف فى مكانها ، تستخدم صغارها - التى تقدر أن تغزل الحرير وهى فى الدور اليرقى - لحياكتها معا ! وربما حرم طفل النمل عمل شرنقة لنفسه ولكنه قد خدم الجماعة !
" فكيف يتاح لذرات المادة التى تتكون منها النملة أن تقوم بهذه العمليات المعقدة ؟
" لاشك أن هناك خالقا أرشدها إلى كل ذلك " " (2)" .
ويقول عالم الطبيعة " فرانك ألن " .
" ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات الكون تفقد حرارتها تدريجيا وأنها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هى الصفر المطلق ، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة .. ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقة عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضى الوقت .
" أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو أساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة ، فهو إذن حدث من الأحداث ،ومعنى ذلك أنه لابد لأصل الكون من خالق أزلى له بداية ، عليم محيط بكل شئ ، قوى ليست لقدرته حدود . ولابد أن يكون هذا الكون من صنع يديه"(3)".
ونكتفى بهذه المقتطفات ولا نحتاج إلى المزيد . فهى كلها ناطقة بمدى سخف تلك البدعة الضالة التى نشرها الشياطين فى الجاهلية المعاصرة . حين يسرت لهم " الحمر المستنفرة " أن يركبوها ويهيموا بها فى وديان الضلال !
أما الذين يحسون اليوم أن " وجودهم الذاتى " أو مجدهم الذاتى مرتبط باعتناق الإلحاد بدلا من اعتناق الدين ، فهم فقاقيع ستنفثئ غدا حيت تعود البشرية إلى رشدها .. ونحسب أنها - بحكم الظروف كلها - عائدة إليه ، ما لم يكتب اله عليها الفناء ! " (4) " .
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [سورة الرعد 13/17]
================(39/43)
(39/44)
لماذا فشل الفكر القومي العربي في إحداث النهضة؟
[الكاتب: غازي التوبة]
إن أي بحث في المدى الذي أحرزته الأمة في تحقيق أهدافها في النهضة أو عدم تحقيقها خلال القرن الماضي؛ يجب أن يتجه إلى تفحص بنية الفكر القومي العربي وآليات عمله، لأن نظرياته وآراءه؛ هي التي سادت المنطقة وهي التي قادتها، وهي التي رسمت سياساتها التربوية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ.
إن رائد الفكر القومي؛ هو ساطع الحصري، وهو الذي أثرت نظرياته وأقواله وآراؤه في كل الحركات القومية التي قامت بعد ذلك، بصورة من الصور، لذلك يجب أن يتجه البحث إلى أفكار ساطع الحصري القومية؛ عند البحث في أوضاع المنطقة ونجاحات نهضتها أو فشلها.
تحتل الأمة مركزاً جوهرياً في أدبيات الفكر القومي، وقد اعتبر ساطع الحصري الأمة تتكون من عنصرين؛ هما اللغة والتاريخ، واعتبر أن اللغة روح الأمة وحياتها، وأن التاريخ ذاكرتها وشعورها.
فهل كانت الأمة الموجودة آنذاك عند قيام الفكر القومي بدعوته مرتكزة على هذين العاملين فقط - اللغة والتاريخ -؟
لقد كانت الأمة الموجودة آنذاك؛ أمة ترتكز على عاملي اللغة والتاريخ، بالإضافة إلى عامل آخر أساسي؛ هو الدين الإسلامي، وربما يكون العاملان؛ اللغة والتاريخ نتيجة لعامل الدين الإسلامي.
إن نظرة متفحصة متأنية موضوعية إلى واقع المنطقة في القرن التاسع عشر، يقول: إن الدين الإسلامي كان عاملاً رئيسياً في تشكيل الأمة التي كانت تسكن المنطقة العربية.
__________
(1) " " ص 129 - ص 130 من كتاب " العلم يدعو للإيمان " .
(2) " " مقتطفات من كتاب " العلم يدعو للإيمان " ص 131 - 132 .
(3) " " من كتاب " اله يتجلى فى عصر العلم " ص 5 6 .
(4) " " انظر الفصل القادم .
فهو الذي وحّد عاداتها وتقاليدها انطلاقاً من شرائعه.
ووحّد تاريخها الذي دار حول انتصارات المسلمين وهزائمهم.
ووحّد مقاييسها الاجتماعية والأدبية في الواجب والحلال والحرام، انطلاقاً من قيمه.
ووحّد ثقافتها في النظرة إلى الكون والإنسان والحياة، انطلاقاً من أفكاره.
ووحّد حضارتها وجعلها تقوم على التوحيد وعلى إعمار الدنيا والتطلع إلى الآخرة، انطلاقاً من عقائده.
ووحّد اقتصادها، الذي يقوم على تشجيع الكسب الحلال، وعدم الإسراف في الإنفاق، وتحريم الربا، ووجوب أداء الزكاة، انطلاقاً من أحكامه.
ووحّد لغتها، فكانت العربية هي لغتها في العبادة والمعاملة والتأليف، انطلاقاً من قرآنه.
ووحّد مخيالها الذي اتجه إلى تعظيم الرسول والصحابة والقادة الفاتحين... إلخ.
طرح الحصري في بعض كتاباته؛ الشعوبية قديماً، وقيام بعض المنازعات بين الترك والعرب في القرن التاسع عشر حديثاً: دليلين على عدم صلاحية الدين لأن يكون عنصراً رئيسياً في تكوين الأمة.
أما الشعوبية؛ فهي تدل على موقف فئة من رعايا الخلافة الإسلامية نحو الأمة الإسلامية، لكن هذا لا ينفي أن بقية الأمة كانت موحدة في عقائدها وأفكارها وعاداتها وتقاليدها وأخلاقها وثقافتها وحضارتها ولغتها وتاريخها وأرضها وإرادتها، التي تستمدها من الدين الإسلامي.
أما فيما يتعلق ببعض المنازعات بين العرب والترك؛ فهذا أمر طبيعي في كل مجتمع، حتى ولو كان عربياً كله أو تركياً كله، وكانت تلك المنازعات تجد أُطُراً لحلّها، كما حدث في الاتفاق الأخير بين "هيئة الاتحاد والترقي" التركية وبين "هيئة الشبيبة العربية"، غداة الحرب العالمية الأولى، والذي نص على أداء العرب للخدمة العسكرية الإجبارية في ولاياتهم، وزيادة نسبة المسؤولين العرب في الدوائر العليا، وفي إصلاح إدارة الولايات وفق ما يقتضيه نظام اللامركزية... إلخ.
ولكن هذا لا ينفي دور الدين الإسلامي في إيجاد لحمة بين العرب والأتراك؛ خلال تعايشهم مع بعضهم لقرون سابقة.
ويؤكد ذلك؛ اعتراف ساطع الحصري في كتابه السابق "محاضرات في نشوء القومية": أن السواد الأعظم من العرب كان مرتبطاً بالدولة العثمانية، متكلاً عليها، مستسلماً لها، ومعتبراً الخلافة ممثلاً له.
لم يقف ساطع الحصري في كتاباته القومية عند إغفال عامل الدين الإسلامي من تشكيل أمتنا، بل تعداه إلى نفي أن يكون الدين عاملاً من عوامل تشكيل الأمة، وهو في ذلك كان يقرأ الواقع الأوروبي الذي لم يشكّل الدين منه عاملاً من عوامل بناء الأمة عنده، وكان الواجب عليه أن يتفحص واقعنا ومفرداته، دون أن ينظر عليه بعين أخرى، أو يسقط عليه واقعاً آخر، إذا فعل ذلك؛ فسيرى أن الدين عامل رئيسي في تشكيل الأمة التي كانت تسكن المنطقة العربية.
إن إغفال الدين الإسلامي كعامل في بناء الأمة ؛جعل الفكر القومي فكراً بعيداً عن واقع الأمة، وجعله فكراً نخبوياً، لا تتجاوب الأمة معه، لذلك كان عدد أعضاء "حزب البعث" 150 شخصاً عندما قادوا انقلاب عام 1968م في العراق، ووصل أعضاء "حركة القوميين العرب" إلى مائة عضو في جميع العالم العربي؛ بعد عشر سنوات من بداية عملهم، وهي أرقام تدل على قلّة تجاوب الأمة مع هذا الفكر.(39/45)
لم يقف الفكر القومي العربي في مرحلة الاشتراكية التي بدأت في الستينات، والتي زاوج فيها بين القومية والاشتراكية؛ عند نفي كون الدين عاملاً من عوامل بناء الأمة، بل انتقل إلى مرحلة أبعد، هي الدعوة إلى اتهام الدين الإسلامي بأنه أساس التخلف وسبب الجمود والانحطاط، وأنه العقبة أمام النهضة، لذلك لا بد من محاربته وإبعاده وتحطيم البنى الاجتماعية المتصلة به، من أجل أن يتحقق التقدم في المجتمع العربي.
إن عدم اعتراف الفكر القومي العربي بالدين الإسلامي؛ كعامل من عوامل بناء الأمة، ونفيه إمكانية أن يكون الدين بالأصل عاملاً من عوامل بناء الأمة، ثم اتهامه للدين الإسلامي في مرحلة الاشتراكية بأنه سبب جمود الأمة وانحطاطها، كانت له نتائج متعددة.
منها؛ أنه أقام فجوة كبيرة بينه وبين جماهير الأمة، وجعله يغفل عن كثير من خصائص الأمة وصفاتها ومكامن القوة والضعف فيها، وجعله لا يعالج مشاكلها معالجة صحيحة، ولا يحسن مخاطبتها خطاباً مناسباً.
إن كل ذلك وغيره أدى إلى عجز قيادات الفكر القومي العربي عن تحقيق أهداف الأمة النهضوية في الوحدة والاستقلال والرفاه والمشاركة في البناء الحضاري.
بل على العكس...
جعلها تكرس التجزئة والقطرية.
وجعلها تقع فريسة التغريب بدلاً من صياغة النموذج الخاص بالأمة في مختلف مجالات الحياة.
وجعلها تفشل في تعبئة الأمة التعبئة الصحيحة ليكون في مقدورها التغلب على الخطر الصهيوني وصد خطره الداهم.
وجعلها تفشل في إطلاق طاقات الأمة العلمية والإبداعية ليكون لها دورها في البناء الحضاري للبشرية.
وجعلها لا تنجح في بناء الاقتصاد البناء الذي يجعل الأمة غنية عن مدّ يدها إلى المعونات الأجنبية.
لم يعجز الفكر القومي العربي عن إحداث نهضة للأمة فقط، بل أحدث سقوط، وأفقر الأمة، وسبّب النكسة التي أدت إلى احتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية والجولان وسيناء.
وسبب ذلك؛ تنكره للدين الإسلامي، وإغفاله دوره في بناء الأمة وإنشاء كيانها.
ليس هذا فحسب، بل عادى الفكر القومي العربي الدين الإسلامي في مراحل لاحقة، واجتهد في اقتلاعه من حياة الناس والمجتمع، لأنه اعتبره أصل التخلف والجمود، مما جعل الأمة تعيش صراعاً مريراً.
لكن هذا الصراع انجلى؛ بانتصار الصحوة الإسلامية وانهزام الفكر القومي العربي... ولكن بعد أن دفعت الأمة ثمناً غالياً لهذا الصراع؛ من أرضها واقتصادها وأبنائها وقيمها ومبادئها ووجودها.
===============(39/46)
(39/47)
لا للقومية ولا للعروبة، ونعم للعقيدة الواحدة
فى ظلال "الظلال"
سنظل ندور في حلقة مفرغة، ولن تقوم لنا قائمة طالما نحن متفرقين متنابذين متنافسين، نحن اللذين خاطبهم الله العزيز بأننا "كنا خير أمة أخرجت للناس"... نعم كنا خيرأمة حين كنا أمة واحدة.
ودعكم من شعارات المجالس العربية - على اختلاف مسمياتها وتخصصاتها - فكلها قامت بالدور الذى أنيط بها خير قيام! نعم لقد خُدرنا بأن هناك مجالس عربية تبحث وتدرس سبل تحقيق "التكامل العربى"، وخُدرنا بما أسموه "العمل العربي المشترك".
وفاتنا في غمرة تطلعنا وشوقنا لعودة الصف ولم شمل الأمة مرة أخرى؛ أن ننظر على أرض الواقع، لنرى ماذا أُنجز بالفعل - لا بالشعارات - وهل أُزيلت الحواجز المصطنعة التى أوجدوها كجدران شاهقة؟! حتى اذا ما أزالوا لبنة واحدة من تلك الجدران - التى وضعوها بأيديهم هم وبمحض موافقتهم واختيارهم - رحنا نهلل فرحين بأننا نمضى على طريق الوحدة!
كل هذا ومن حولنا يزدادون تماسكا وترابطا!
حول هذا المعنى سأقتطف من فكر الشهيد سيد قطب ما كتبه قبل نحو أربعين سنة، محذرا ومنبها من مغبة الفرقة والتشتت... ولكن تحذيراته كلها كان مصيرها حبل المشنقة وأعدمت معه، ولكن كما أنبأنا الخالق العظيم؛ فان الكلمة الطيبة سيظل أصلها ثابت وفرعها في السماء إلى أن يرث سبحانه الأرض ومن عليها، وحينئذ سيفصل وحده بيننا...
يقول الأستاذ سيد قطب:
(ينبغى أن تكون آصرة العقيدة في المجتمع الإنساني؛ هي آصرة التجمع، فلا دم أو نسب أو عشيرة أو قوم أو جنس أو عنصر أو لون أو لغة.
فكل هذه العناصر فرضت على أي إنسان قبل مجيئه إلى الأرض، ولا يؤخذ له فيها رأي أو مشورة، انما هي تفرض عليه فرضا - سواء أحب أم كره! - فإذا تعلق مصيره في الدنيا والآخرة معا - أو حتى في الدنيا وحدها - بمثل هذه المقومات التى تفرض عليه فرضا؛ لم يكن مختارا ولا مريدا، وبذلك تسلب إنسانيته مقوما من أخص مقوماتها, وتهدر قاعدة أساسية من قواعد تكريم الإنسان، بل من قواعد تركيبه وتكوينه الإنسانى المميز له عن سائر الخلائق!
ومن أجل المحافظة على خصائص الإنسان الذاتية، والمحافظة على الكرامة التى وهبها الله له متمشية مع تلك الخصائص؛ يجعل الإسلام العقيدة - التى يملك كل فرد اختيارها بشخصه منذ أن يبلغ سن الرشد - هي الآصرة التى يقوم عليها التجمع الإنسانى في المجتمع الإسلامي، والتى يتقرر على أساسها مصير كل فرد بإرادته الذاتية، وينفي أن تكون تلك العوامل الاضطرارية، التى لا يد له فيها، ولا يملك كذلك تغييرها باختياره؛ هي آصرة التجمع التى تقرر مصيره طوال حياته).
ويواصل رحمه الله:
(ومن شأن قيام المجتمع على آصرة العقيدة، وعدم قيامه على العوامل الأخرى؛ أن ينشأ مجتمعا إنسانيا عا لميا مفتوحا، يجىء إليه الأفراد من كل الأجناس والألوان واللغات والأقوام والدماء والأنساب والديار والأوطان، بكامل حريتهم واختيارهم الذاتى، لا يصدهم عنه صاد، ولا يقوم في وجوههم حاجز، ولا تقف دونه حدود مصطنعة، خارجة عن خصائص الإنسان العليا.
وأن تصب في هذا المجتمع كل الطاقات والخواص البشرية، وتجتمع في صعيد واحد، لتنشىء "حضارة إنسانية" تنتفع بكل خصائص الأجناس البشرية، ولا تغلق دون كفاءة واحدة، بسبب من اللون أو العنصر أو النسب أو الأرض.
ولقد كان من النتائج الباهرة للمنهج الإسلامي في هذه القضية؛ أن أصبح المجتمع المسلم مجتمعا مفتوحا لجميع الأجناس والألوان واللغات، بلا عائق من هذه العوائق السخيفة!
وصنعت هذه الكتلة العجيبة المتجانسة المتناسقة؛ حضارة رائعة ضخمة، تحوي خلاصة الطاقة البشرية في زمانها مجتمعة - وعلى بعد المسافات وبطء طرق الاتصال في ذلك الزمان -
لقد اجتمع في المجتمع الإسلامي المتفوق؛ العربي والفارسي والشامي والمصري والمغربي والتركي والصيني والهندي والروماني والاغريقي والاندونيسي والافريقي... إلى آخر الأقوام والأجناس.
ولم تكن هذه الحضارة يوما ما "عربية"، انما كانت دائما "إسلامية"، ولم تكن يوما ما "قومية"، انما كانت دائما "عقيدية").
ويعلنها رحمه الله مدوية:
(وما كان الإسلام ليخلص الناس من الأصنام الحجرية والأسطورية، ثم يرضى لهم بعد ذلك أصنام الجنسيات والقوميات والأوطان... وما إليها، يتقاتل الناس تحت رايتها وشعاراتها، وهو يدعوهم إلى الله وحده وإلى الدينونة له دون شيء من خلقه!
لقد كان أشهر تجمع بشري في التاريخ القديم هو تجمع الامبراطورية الرومانية - مثلا - فقد جمعت بالفعل أجناسا متعددة ولغات متعددة وأمزجة متعددة وألوانا متعددة، ولكن هذا كله لم يقم على آصرة إنسانية، ولم يتمثل في قيمة عليا مثلما تمثل في العقيدة، لقد كان هناك تجمع طبقى على أساس "طبقة الأشراف" و "طبقة العبيد" في الامبراطورية كلها من ناحية، وتجمع عنصري على أساس سيادة الجنس الرومانى ـ بصفة عامة ـ وعبودية سائر الأجناس الأخرى، ومن ثم لم يرتفع قط إلى أفق التجمع الإسلامي ولم يؤت الثمار التى آتاها التجمع الإسلامي.(39/48)
وأخبث المعسكرات التى عملت وما زالت تعمل في تخريب القاعدة الصلبة التى كان يقوم عليها التجمع الإسلامي الفريد في التاريخ؛ كان هو المعسكر اليهودى الخبيث، الذى جرب سلاح"القومية" في تحطيم التجمع المسيحي، وتحويله إلى قوميات سياسية ذات كنائس قومية، وبذلك حطموا الحصار المسيحي حول الجنس اليهودي، ثم ثنوا بتحطيم الحصار الإسلامي حول هذا الجنس الكنود.
وكذلك فعل الصليبيون مع المجتمع الإسلامي؛ بعد جهد قرون كثيرة في اثارة النعرات الجنسية والقومية والوطنية بين الأجناس الملتحمة في المجتمع الإسلامي، ومن ثم استطاعوا أن يُرضوا أحقادهم الصليبية القديمة على هذا الدين وأهله.
كما استطاعوا أن يمزقوهم ويروضوهم على الاستعمار الأوروبى الصليبى، وما يزالون... حتى يأذن الله بتحطيم تلك الأصنام الخبيثة الملعونة، ليقوم المجتمع المسلم من جديد، على أساسه المتين الفريد).
رحمك الله يا شهيد الكلمة والفكر.
ترى أكان أحد يجرؤ أن يغتصب أرض المسلمين في فلسطين أو العراق أو أي بقعة إسلامية على وجه البسيطة لو كنا أمة واحدة؟!
ترى متى سنفيق؟! ومتى سنتجاوز محنتنا التى ما كان لها أن تدوم وتتفاقم إلا لجهلنا بما ينفعنا وإلا من بعد ما تركنا ما لو كنا تمسكنا به ما كنا ضللنا أبدا!
بقلم؛ إيمان مصطفى
=============(39/49)
(39/50)
هل ما زالت الناصرية مشروعاً حياً؟
[الكاتب: غازي التوبة]
في البداية وقبل الإجابة على السؤال المطروح للسجال لابد من التقرير بأنّ المشروع الناصري كان فاشلاً، وأبرز دليل على ذلك احتلال إسرائيل لأراض شاسعة من ثلاث دول عربية عام 1967م ، وهي...
سيناء من مصر.
والضفة الغربية من الأردن.
والجولان من سورية.
وهل هناك فشل أكبر للمشروع الناصري من جعله إسرائيل تتوسع على ثلاث جبهات، وهو الذي قام بالأصل على دعوى إزالة إسرائيل من الوجود؟
والآن بعد تدوين الحقيقة السابقة أرى أنه حتى يكون الجواب على سؤال الحوار دقيقاً يجب استعراض الركائز الفكرية التي قام عليها المشروع الناصري ودراستها لأنّ حيوية أي مشروع وعدمها مرتبط بصحة الركائز الفكرية التي يقوم عليها وسلامتها.
قام المشروع الناصري على ركيزتين، هما...
القومية العربية.
والاشتراكية.
أما القومية العربية:
فقد حملت جرثومة مرضها معها منذ ولادتها على يد ساطع الحصري الذي انحاز إلى النظرية الألمانية في القومية والتي تقوم على عنصرين هما؛ اللغة والتاريخ. فقد اعتبر ساطع الحصري اللغة العربية روح القومية، والتاريخ ذاكرتها وشعورها ولم يعتبر الدين بحال من الأحوال عنصراً من عناصر بناء القومية، بل كان علماني التوجه.
وجاء جمال عبد الناصر وسار على نهج ساطع الحصري في الأمرين؛ القومي والعلماني.
والآن طالما أنّ جمال عبد الناصر جرّد القومية العربية من الدين، يتساءل الباحث في المشروع الناصري عدة أسئلة، منها...
كيف يمكن أن نفهم واقع الأمة العربية من المحيط إلى الخليج الفهم الصحيح إذا جرّدناها من الدين الإسلامي؟
كيف يمكن أن نقودها القيادة السليمة إذا تجاهلنا دور الدين الإسلامي في بنائها؟
كيف يمكن أن نعالج أمراضها المعالجة الصائبة إذا أغفلنا قدرة الدين الإسلامي على استنهاضها وإبرائها؟
كيف يمكن أن ننجح في إقامة وحدتها حاضراً إذا تعامينا عن دور الدين الإسلامي في إقامة وحدتها ماضياً؟
كيف يمكن أن ننجح في بناء شخصيتها الحضارية الفاعلة إذا وقفنا موقفاً سلبياً من قيم الإسلام الدينية ومبادئه ومرتكزاته؟
وحتى على صعيد عنصري القومية اللذين تقوم عليهما القومية العربية في نظر ساطع الحصري وهما؛ اللغة العربية والتاريخ، فلا يمكن أن نفهمهما الفهم الصحيح إلا بالإسلام، فالقرآن الكريم هو الذي حفظ اللغة العربية من الضياع والاندثار كما حدث للغات ولهجات أخرى كثيرة، فقد ابتكر المسلمون التشكيل والتنقيط وعلوم النحو والصرف وعلوم البديع والبيان ومعاجم اللغة من أجل ضبط كلمات القرآن الكريم الضبط الصحيح وفهم كلماته وآياته وسوره الفهم السليم وحفظه من كل تحريف أو ضياع.
والتاريخ العربي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإسلام، وهل التاريخ إلا المعارك والفتوحات والانتصارات والهزائم والعلماء والعلوم والطوائف والفرق والعمران والثقافة والفنون... إلخ؟
وهل يمكن أن نؤرخ لأية مفردة من المفردات السابقة بدون الإسلام؟ وهل يمكن أن نفهم نشوءها وتطورها إلا بالإسلام؟ أظن أنه لا يختلف في ذلك عاقلان.
أما الركيزة الثانية في المشروع الناصري فقد كانت الاشتراكية:
وقد أخذت كل مقولاتها من الاشتراكية العلمية الماركسية، لذلك سادت في هذه المرحلة شعارات؛ حتميّة الصراع الطبقي، وتأجيج حقد البروليتاريا على البرجوازيين، وفهم التاريخ من خلال التطور المادي لوسائل الإنتاج، وضرورة إقامة ديكتاتورية البروليتاريا، واعتماد مقولة؛ إنّ المادة أساس الكون وإنّ الفكر انعكاس للمادة، والأخذ بالديالكتيك المادي والجدلي في فهم حركة الكون والمجتمعات... إلخ.
وقد اعتُبر الدين الإسلامي في هذه المرحلة أصل التخلف وأساس وجود الرجعية، لذلك اتجهت الأقلام إلى محاربته، والتشكيك في أصوله وقيمه ومبادئه، والطعن فيها بحجة أنها قيم رجعية تحول دون التقدم، ويستغلها البرجوازيون أصحاب الثروات الكبيرة.
وقد فتح جمال عبد الناصر كل صحفه ومجلاّته وإذاعاته وأجهزته للمعادين للدين لكي ينفثوا أحقادهم فيها، وبالذات للشيوعيين الذين دخلوا الاتحاد الاشتراكي وشكّلوا بعضاً من قياداته الفاعلة والمؤثرة، وقد كانت النتيجة توهين قيم الدين الفاعلة ومبادئه وأخلاقه واهتزازها في نفوس قطاع كبير من أبناء الأمة وهو ما كان سبباً رئيساً في خسارتنا لحرب حزيران عام 1967.
الآن وبعد هذا العرض الموجز لركيزتي المشروع الناصري - القومية العربية والاشتراكية - وتوضيح عدم سلامتهما المنهجية، وتبيان دورهما في إضعاف الأمة وتوهين قيمها ومبادئها ومثلها واحتلال أرضها، هل يمكن القول بعد كل تلك السلبيات التي أشرنا إليها بأنّ الناصرية ما زالت مشروعاً حياً؟
لا أظن ذلك
=============(39/51)
(39/52)
القومية العربية ضيعت العراق
العراق .. ودورة الاستعمار
في ظل العدوان الأمريكي البريطاني على العراق ارتفعت أصوات عالية تتحدث عن العروبة والقومية العربية، وأنها سبيل النصر للعراق في ظل محنته الحالية. وتعامت تلك الأصوات العالية عن الحقيقة الناصعة والسبيل الوحيد للنصر ألا وهو التمسك بالإسلام؛ ولعل هذا يدفعنا إلى توضيح حقيقة القومية العربية.
البداية:
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت أول بوادر ما سمي بالقومية العربية، وقيل إن الذي انزلق إلى لفت الانتباه إلى العصبية العربية هو الشريف حسين، ولكن الحقيقة أن الرجل لم يَعِ خطورة هذا الانزالق بخلاف ابنه فيصل الذي وجد الإنجليز ضالتهم فيه في إرساء هذا التيار؛ لذلك توجه لورانس إليه بدلاً من أبيه في بحثه عن ذلك الزعيم؛ فهو يقول: (وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا وفي الحج وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أوضح: هل تحل المثل العليا السياسية مكان الوحي والإلهام، وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى الوطني؟ هذا ما كان يجول بخاطري طوال الطريق)، وقد كوفئ فيصل وعينه الإنجليز حاكماً للعراق؛ لذلك كان لورانس الضابط الإنجليزي هو مؤسس القومية العربية التي ما لبث أن حمل لواءها نصارى الشام، وأسسوا كثيراً من الجمعيات الأدبية والعلمية في دمشق وبيروت والقاهرة.
وهذا يدفعنا إلى التأكيد على أن ظهور القومية العربية لم يكن كما قيل نتيجة ظهور القومية الطورانية في تركيا، ولكن هذا يؤكد أنه مخطط استعماري لتضيع الهوية الإسلامية قبل القضاء على الخلافة الإسلامية نهائياً؛ ففي نفس الوقت ظهرت أيضاً القومية الكردية.
وانطلت الحيلة والمخطط على كثير من أبناء المسلمين المغفلين خاصة الذين تأثروا بالفكر الغربي الذين آمنوا بالعلمانية وإقامة الرابط القومي بدلاً من رابط الدين الإسلامي.
كما أراد الغرب أن تكون القومية رابطاً لتكوين أمة بديلاً للدين، وبرزت أفكار عديدة من أهمها:
1) وحدة الأصل والعرق.
2) وحدة اللغة.
3) وحدة التاريخ.
4) وحدة الثقافة.
5) المصالح المشتركة.
ولكنهم لما أرادوا تصدير وإرساء فكرة القومية في البلاد العربية الإسلامية جعلوا القومية العربية ترتكز على عنصرين اثنين فقط لا غير:
1) وحدة اللغة: فبغض النظر عن التدقيق في عناصر القومية الأخرى؛ فكل من يتكلم العربية فهو عربي، ولو لم تكن أصوله عربية ومن كانت لغة آبائه العربية فهو عربي.
2) وحدة التاريخ: يقول ساطع الحصري أحد أهم وأبرز مؤسسي ومفكري القومية العربية: (إن وحدة التاريخ هي التي تلعب أهم الأدوار في تكوين القرابة المعنوية).
ويلاحظ أنه لدى تطبيق القوميين العرب عنصر وحدة التاريخ على واقع الشعوب العربية نجدهم يقفزون عن تاريخ العرب المسلمين؛ لأنه لا يمثل وحدة تاريخ بين كل العرب مسلميهم، وغير مسلميهم، بل قد يحقدون عليه وهم لا يعترفون بأنه تاريخ لهم؛ إنما هو تاريخ خصومهم، بل أعدائهم؛ فكيف يكون عنصراً يربطهم بالأمة العربية؛ فهؤلاء لهم تاريخ خاص بهم غير تاريخ العرب المسلمين ولو عاشوا بينهم أقلية.
والعجيب أنهم حين يقفزون عن تاريخ العرب المسلمين يسقطون على تاريخ عصور الجاهلية العربية البائدة والعاربة والمستعربة، ويبرزونه أدبياً وثقافياً على أنه تاريخ العرب. أما بعد الإسلام فلا يظهرون إلا ما كان فيه نقائض في التاريخ الإسلامي أو لا تأثير واضح للإسلام فيه، أو مراحل الضعف، أو ما يتعلق بتاريخ غير المسلمين وتزيينه؛ لذلك نجدهم في عنصر وحدة التاريخ ينحُّون كل ما هو إسلامي مجيد ويسلطون الأضواء على غيره.
ولا يهمل مفكرو ومفلسفو القومية العربية العناصر التالية:
أ) وحدة المشاعر والمنازع.
ب) وحدة الآلام والآمال.
ج) وحدة الثقافة.
ولكنهم يجعلونها نتائج طبيعية لوحدة اللغة ووحدة التاريخ.
وفي ذلك يقول ساطع الحصري إمام القومية العربية: (إن أسس الأساس في تكوين الأمة وبناء القومية هو وحدة اللغة ووحدة التاريخ؛ لأن الوحدة في هذين الميدانين هي التي تؤدي إلى وحدة المشاعر، وحدة الآلام والآمال ووحدة الثقافة؛ وبكل ذلك تجعل الناس يشعرون بأنهم أمة واحدة متميزة عن الأمم الأخرى. ولكن لا وحدة الدين ولا وحدة الدولة ولا وحدة الحياة الاقتصادية تدخل بين مقومات الأمة الأساسية.. كما أن الاشتراك في الرقعة الجغرافية أيضاً لا يمكن أن يعتبر من مقومات الأمة الأساسية، وإذا أردنا أن نعين عمل كل من اللغة والتاريخ في تكوين الأمة قلنا: اللغة: تكوِّن روح الأمة وحياتها، والتاريخ: يكوِّن ذاكرة الأمة وشعورها).
واستناداً إلى ما سبق فالقومية العربية تجمع كل من يتكلم العربية وينتسب إلى البلاد العربية مهما كان دينه أو بلده أو مذهبه أو أصله، والعروبة تشمل المصري، والعراقي، والمغربي المسلم، والمسيحي، والسني، والشيعي، والدرزي، والنصيري، والكاثوليكي، والأرثوذكسي، والبروتستانتي فهم أبناء العروبة.(39/53)
وهكذا استطاعت القومية العربية أن تسلب المسلمين العرب أصحاب الدين الحق والأرض والسيادة، بل والأكثرية العددية من حقهم في السيادة على أرضهم لصالح الأقليات غير المسلمة التي دافعت عن القومية العربية بكل ما تستطيع، ومع ذلك لم تتنازل عن عصبياتها الطائفية المضادة للإسلام والمسلمين مرة واحدة، ووقائع الأحداث في كثير من البلاد العربية تؤكد ذلك في لبنان وسوريا والعراق؛ ليظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن شعار القومية العربية لم يستطع أن يوحد بين أتباع الأديان المختلفة والمذاهب المتعارضة ليثبت سقوط الفكرة من أساسها؛ لأن عناصر القومية غير صالحة لتكوين أمة متحدة؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يكون خالياً على الدوام من مبدأ أو عقيدة يعمل له، ويعطي له ويبذل من أجله، ويستظل بفكره، وينطلق نحو أهدافه.
فساد وضعف رابطة اللغة والتاريخ:
فالرابط اللغوي وذكريات التاريخ بطبيعة مكوناتهما لا يشبعان نهمة العقول حول معرفة كثير من أسرار الحياة والغيب والبعث والنشور والعبادة ولا منهج حياة مستقيم فيه العدل والخير؛ وأجمع جامع للناس في هذا دين رباني حق تدفعهم للأخذ به والاجتماع عليه عدالته وكماله، والرغبة بالثواب العظيم، والرهبة من عذاب أليم أعدهما الرب الخالق منزل الدين.
الجامعة العربية:
لقد سعى أولئك القوميون إلى تقويض كل اتحاد باسم الإسلام، وأخذوا يبذلون كل ما لديهم لاتحاد باسم العروبة.. رفضوا فكرة الجامعة الإسلامية في بداية القرن العشرين، وسعوا إلى الجامعة العربية؛ فماذا صنعت الجامعة العربية التي كانت أهم الصعاب التي تواجهها الاحتلال اليهودي لفلسطين؟ جعلوا القضية عربية وأعدوا الجيوش العربية عام 1948م، فكانت النكبة والهزيمة والخسران، وكان ترسيخ الاحتلال؛ لأنها لم تكن لله ولا جهاداً في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام والمسلمين ولا أرض إسلامية، وقالوا: فلسطين عربية، والصراع العربي الإسرائيلي، ثم ما لبثوا أن قالوا: القضية الفلسطينية.
لقد حافظوا على الجامعة العربية للمحافظة على الشكل بدون أي مضمون أو عمل حقيقي؛ لأن الإسلام بعيد عن أساس وأهداف عملهم.
شعراء القومية العربية:
قال أحدهم:
يا مسلمون ويا نصارى دينكم ……دين العروبة واحد لا اثنان
وقال الآخر:
سلام على كفر يوحد بيننا ……وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
وقال ثالثهم:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له ……وبالعروبة ديناً ما له ثان
القومية في ثوبها الجديد:
ما قدمناه كشف لثوابت وأسس القومية العربية، ولقد سيطرت القومية العربية بتلك الأفكار والأسس على المنطقة العربية فترة الخمسينيات، وتمكنت من السيطرة على بعض نظم الحكم في البلاد العربية، وسيطرت على الإعلام والثقافة لتضمن التحكم في التوجيه الفكري للشعوب.
وظهر حزب البعث العربي الذي أسسه النصراني ميشيل عفلق القائل في كتابه: (سبيل البعث): «إن الأمة العربية تفصح عن نفسها بأشكال متنوعة في تشريع حمورابي، وتارة في الشعر الجاهلي، وتارة بدين محمد (!!) وأخرى بعصر المأمون».
وانقسم حزب البعث إلى شقين: واحد في العراق، وآخر في سوريا، وبينهما عداوة وصراع وبغضاء لا تنتهي.
وتبنى الرئيس المصري جمال عبد الناصر فكرة القومية العربية وعلا صوته بها في الستينيات، وكان من نتائج القومية العربية على مصر أن ذهب الجنود المصريون إلى اليمن لقتال اليمنيين، ثم هزيمة 1967م النكراء، وانقسم القوميون ما بين الشيوعية والرأسمالية والفوضوية والإباحية، ومنهم من عاد للإسلام، ومنهم من ظل تائهاً يتخبط.
ولكن في الآونة الأخيرة ونظراً لظهور المد الإسلامي مع بداية السبعينيات حاول بعض القوميين ارتداء عباءة الإسلام مع القومية العربية كما فعل بداية الشريف حسين، والبعض ظل على موقفه مع الاعتراف بالتواجد الإسلامي، والآخر ـ وهم كثيرون ـ ظلوا يناصبون التيار الإسلامي العداء علانية وخفية.
ولكن المشكلة الحقيقية أن بعض الإسلاميين نظراً لظروف سياسية معقدة يتنازل عن وضوح فكره الإسلامي وعقيدته من أجل العمل السياسي المشترك الذي ظهر باسم العمل أو اللجان القومية، ولقد ظهر ذلك بوضوح في مواجهة الاحتلال اليهودي لفلسطين وانتفاضة الأقصى، والعدوان الأمريكي البريطاني على العراق.
فلقد انبرى القوميون ليعلو صوتهم في الأمرين في شتى المحافل ليظهر على السطح العمل القومي الذي لا يتميز فيه الإسلاميون بفكرهم في تجمع يجمع اليساري الشيوعي العلماني القومي النصراني والناصري؛ والإسلامي مطلوب منه أن ينسجم في تلك البوتقة بدون تمييز ولو حتى بشعار ملفت للنظر لنجد من يخرج من الأزهر الشريف يهتف: يحيا الهلال مع الصليب في مظاهرات تندد بالعدوان على العراق.
ولقد خفف القوميون خطابهم المعادي للإسلام تحت ضغط ارتفاع المد الإسلامي في شتى بقاع الأراضي العربية، ولكنهم استطاعوا أن ينفذوا ببعض المصطلحات على الساحة الإعلامية مثل: العدو الأجنبي، وأعداء العروبة، وشهداء الوطن، والمؤتمر القومي ـ الإسلامي.
موقف الإسلام والعصبية للقومية العربية:(39/54)
لقد قاوم الإسلام العصبية القومية ورفضها واعتبرها نزعة جاهلية منتنة، وأقام بين المسلمين الأخوة الإيمانية الإسلامية.
فالحق ـ تبارك وتعالى ـ يقول في كتابه الكريم: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
فعقد الله بهذه الآية الأخوة بين كل المؤمنين دون استثناء منهم أخوة برابطة وحدة الإيمان بالله الواحد الأحد وبرسولهمحمد صلى الله عليه وسلم .
فالمسلمون في الصين أخوة للمسلمين في المغرب العربي، وكذلك المسلمون في إفريقيا أخوة للمسلمين في أمريكا.. الكل ارتبط بعضه ببعض بوحدة الإسلام التي أوجبت عليهم حقوقاً لبعضهم على الآخر.
فقد روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (1).
فالمسلم في ماليزيا يألم لمصاب إخوته في فلسطين، والمسلم في إفريقيا يحزن لما أصاب إخوانه في العراق.
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمجحفة: فلما خرج ولم يجد مناخاً تنزل على أيدي الرجال فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «الحمد لله الذي أذهب عنكم عصبية الجاهلية وتكبرها بآبائها. الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله؛ والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب. قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]، ثم قال: «أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم» (2).
وفي خطبة الوداع:
عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول ا صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: «يا أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم؛ ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فليبلغ الشاهد الغائب» (3) فالإسلام بكل وضوح يرفض التعصب للانتماء إلى جنس أو لون؛ فلا تاريخ ولا جغرافية ولا لغة ولا جنس ولا لون.
فبلال الحبشي مؤذن الرسو صلى الله عليه وسلم ، وسلمان الفارسي قال عنه صلى الله عليه وسلم «سلمان منا آل البيت» (4).
والبخاري والترمذي أئمة الحديث، وطارق بين زياد قائد لجيوش المسلمين.
العراق ما كان لينتصر إلا بالإسلام:
لقد فرضت الحرب على العراق جدية الاهتمام بالبحث عن أسباب النصر، وبعدما قدمنا عن القومية العربية ونشأتها وأفكارها يتضح لنا كم هي مناقضة ومعادية للإسلام. ولقد بسط الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الحديث عن ذلك في كتابه: (نقد القومية العربية) ولكننا إزاء ما حدث في العراق ينبغي أن نتوقف عند عدة نقاط هامة وحيوية:
أولاً: العراق كنظام وحكومة تدين بالقومية العربية وبأفكار ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث.
ثانياً: الشعب العراقي ينقسم إلى شيعة وسنة، وأكراد. أهل السنة في الأصل بعضهم ينتمي إلى أحزاب علمانية ويسارية موالية للكفار أعداء الإسلام من الأمريكان، وأهل السنة مثل جماعة أنصار الإسلام أو الجماعة الإسلامية وعوام الأكراد.
أما الشيعة فهم يسيطرون على مناطق النجف، وكربلاء. ومعلوم فساد عقيدتهم وبدعتهم، غير أنهم موالون لنظام الحكم في إيران.
وبالنظر لأهل السنة في العراق لا يخفى سيطرة الأفكار البعثية على البعض، والآخر يسيطر عليه شرك القبور وهو شر مستطير منتشر في العراق، ولا يخلو العراق من أقلية من النصارى، وأيضاً فيه قلة من الصابنة، ولكن الإسلام هو دين أغلبية الشعب العراقي.
والنظام االعراقي كم حارب التوجهات الإسلامية الداعية إلى الالتزام بشريعة الإسلام والأخلاق والفضائل، وكان نتيجة ابتعاد الدعاة المخلصين عن توعية الشعب أن انتشرت المنكرات والكبائر والمعاصي؛ غير أن كثيراً من الشعب اكتوى بنار الظلم والاستبداد، ورغم أن الحكومة العراقية عدلت من خطابها السياسي، وأضافت إليه بعض العبارات الإسلامية والاستدلال بآيات القرآن والإفراج عن كل المسجونين قبل سقوطها إلا أن العقيدة البعثية القومية ظلت هي المسيطرة.(39/55)
هذه نظرة سريعة لشكل العراق من الداخل كجبهة أمام جبهة الكفر الصليبي الحاقد التي استعدت لتلك الحرب بكل الإمكانيات المتاحة لها من أرقى أنواع الأسلحة المتنوعة في زيادة القوة التدميرية غير تعبئة الأفراد والتمويل المالي؛ يضاف إلى ذلك السيطرة العسكرية على المناطق المحيطة بالعراق فضلاً عن وضوح الهدف الذي أعلنته الإدارة الأمريكية عقب أحداث 11 سبتمبر أنها حرب صليبية بدأت بأفغانستان المسلمة وهو عنوان لم يضعه المسلمون لتلك الحرب، بل تتحمل تبعته الإدارة الأمريكية؛ وذلك بأسلوبها المعادي لكل نشاط إسلامي على مستوى العالم، وملاحقتها بكافة السبل الجماعات الإسلامية المجاهدة في كشمير، والشيشان، وفلسطين المقطوعة الصلة تماماً بأحداث 11 سبتمبر، وكان اختيار العراق هدفاً للحرب ليس من أجل إسقاط نظام استبدادي، ولا من أجل أسلحة الدمار الشامل أو البترول فقط، ولكن العراق كان هدفاً لما يمثله من تاريخ إسلامي وعاصمة للخلافة في أزهى عصور الخلافة الإسلامية، والعراق كان هدفاً؛ لأنها في تقدير الإدارة الأمريكية هدف ضعيف يسهل التغلب عليه بأقل الخسائر لما يلي:
1) الخلافات والانقسامات الموجودة داخل العراق: سنة، وشيعة، أكراد.
2) الاعتماد على ظلم النظام للشعب مما جعلهم يتوقعون أن يتعاون مع القوات الغازية تحت زعم التخلص من الاستبداد.
3) كثرة الحروب التي خاضها النظام العراقي أضعفت قدراته العسكرية.
4) طول مدة الحصار الاقتصادي الذي أنهك العراق في كل النواحي، وأثر تأثيراً بالغاً على قدراته العسكرية.
كل ذلك يجعل العراق هدفاً سهلاً يسهل على أمريكا أن تجعل منه نموذجاً في التغريب الأمريكي وإقامة نظام حكم موالٍ للأمريكان يعمل على مسح هوية الشعب تماماً، وتغريب أفكاره ومبادئه، وتنحية االفهم الإسلامي الصحيح عن الحياة تماماً، ثم يتجهون بعد ذلك إلى بلد عربي آخر.
[بقلم؛ ممدوح إسماعيل/ عن مجلة البيان]
1) البخاري، كتاب الأدب، حديث، رقم (5552).
2) أخرجه الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان.
3) مسند الإمام أحمد، رقم (22391).
4) رواه ابن سعد في الطبقات، 4/ 83، 7 / 319، وصححه الألباني موقوفاً على علي رضي الله عنه برقم (3272)
=============(39/56)
(39/57)
القومية العربية
[الكاتب: سفر الحوالي]
نشأة القومية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
قد تعرضنا في دروس ماضية بتوفيق الله تبارك وتعالى إلى مسألة المساواة والكرامة، أو ما يسمى بـ "حقوق الإنسان"، ويكفي أن الله تبارك وتعالى منَّ على البشرية جمعاء ببعثةمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبهذا الدين العظيم الذي حررها من العبودية لغير الله، وعلَّمها حقيقة المساواة بين البشر، وأن التفاضل لا يكون إلا بالتقوى.
إن الناظر إلى فكرة القومية - هذه الفكرة التي نشأت مخالفة لما ذكر الله تبارك وتعالى وذكر رسول صلى الله عليه وسلم - فالقومية أو الوطنية أو القبلية أو الحزبية أو النعرات العرقية أو الطائفية أو ما أشبه ذلك من الأفكار تنافي وتخالف هذا الأصل العظيم: التفاضل بين الناس بالتقوى.
القومية عند اليهود:
وإذا أردنا أن نرجع إلى تاريخ القومية القديم، فإننا نجد أكثر الناس غلواً في القومية والعنصرية - ولا يزالون إلى اليوم - هم اليهود، فربما يكون لليهود السبق في تعليم غيرهم من الأمم التعصب العرقي الذميم المغالى فيه جداً، فإن الأمم الأخرى - وإن كانت كل أمة تتعصب لقوميتها - إلا أنها لم تبلغ حداً يفوق اليهود، وإنما أكثر الأمم قوميةً ظهرت تبعاً لليهود، كما حدث للقومية النازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا، فهي قد ظهرت متأثرة بالفكر اليهودي.
واليهود هم أكثر الناس عنصرية وقومية وقد ذكر الله تبارك وتعالى عنهم ما يدل على ذلك في القرآن في مواضع كما قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18]، فيدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
ويدعي اليهود أنهم شعب الله المختار كما ذكر الله عز وجل عنهم قولهم: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]، فيرون استحلال أموال غير اليهود، وأن أموال الأميين هي حلال لليهود!
وهذه القومية عند اليهود إنما جاءتهم من فهم باطل للتوراة وتحريف لبعض نصوصها، أو من ابتداعهم في الكتاب الكبير الذي ابتدعوه، واتبعوه أكثر من التوراة، وهو ما يسمى: "التلمود ".
ومن آثار القومية والعنصرية: اعتقادهم أنه لا يمكن أن يكون نبيٌ إلا من بني إسرائيل، ولذلك كان من جملة أسباب كفرهم برسالة صلى الله عليه وسلم أنه من الأميين! ولهذا يبين الله تبارك وتعالى في سورة الجمعة تفضله وإنعامه على الأميين فيقول عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]، ثم بين أن هذا التفضيل لا يستحقه اليهود، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]، فهذا الفضل من الله تبارك وتعالى على الأميين هو بحكمته، فهو الذي اختارهم لحكمة يعلمها، وأما أولئك فنزع منهم النبوة؛ لأن حالهم أصبح مثل هذا المثل السييء: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] فنزعت منهم النبوة، وهم يرون أنهم أحق الناس بالنبوة، وأن لا نبوة في غيرهم.
ووصل بهم الحد إلى اعتقاد أن أي إنسان غير يهودي - سواء كان نصرانياً أو مسلماً أو من أي دين آخر - إنما خُلِقُوا ليكونوا كالحمير لليهود؛ يركبهم شعب الله المختار! بل يعللون خلقة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لغير اليهود على شكل اليهود؛ فيقولون: هذا من فضل الله على اليهود؛ حتى يستطيعوا استخدامهم؛ وإلا فهم في الحقيقة كالحمير والبغال والجمال وغيرها من الحيوانات، لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلقهم على صورة اليهود، ليستطيع اليهود أن يستخدموهم كما يشاءون، فهم وأموالهم حلال لهم، ولا حرج عليهم في شيء من ذلك!
وكل ذلك ناشئ عن نصوص حرفت من التوراة، أو مما وضعه الأحبار والرهبان في التلمود، وهذا ما بينه الله تبارك وتعالى - وهو معلوم بالتواتر - أنهم حرفوا التوراة.
ومن جملة ما حرفوا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمر الناس في الوصايا العشر التي أنزلها في التوراة: بأن يقوموا بالقسط، وأن يوفوا الكيل والميزان، وألا يزنوا وألا يسرقوا، فحرف اليهود ذلك، وقالوا: إن معنى لا تزن، أي: لا تزن باليهودية، ولا تسرق مالاً، أي: لا تسرق مال اليهودي، ولا تقتل النفس، أي: لا تقتل اليهودي... وهكذا؛ فحرفوا ذلك ليصبح خاصاً باليهود.
أما غير اليهود فقد جاء التلمود وأكمل هذا التحريف، فيقول: "إذا وقع أممي - أي غير يهودي - في حفرة فلا تنقذه منها؛ بل إن استطعت فألقِ عليه حجراً حتى لا يخرج" فإذا وقع في حفرة؛ أو غرق في ماء، أو سقط في أي مكان؛ فلا تنقذه أبداً لأنه عدو لك.(39/58)
فالتفضيل تحول إلى عداوة شديدة مقيتة؛ لأن التلمود كتب في بابل - في العراق - التي كانت مقر حكم الآشوريين الذين سبوا اليهود إلى بابل، فاليهود في ظل ظروف الأَسر وضيقه كان عندهم شعور بالاستعلاء، وأن الله اصطفاهم واختارهم، وأن هؤلاء وثنيون مشركون، فكتبوا التلمود في ظل هذه الظروف، فكانت فيه روح الاستعلاء والكبر واحتقار جميع الشعوب والعداوة لهم، فأي إنسان من غير اليهود لا حرمة له عندهم، مثلما أنهم كانوا لا يرون أية حرمة أو تقدير لهؤلاء الذين أسروهم وقهروهم وسلبوهم ملكهم وآذوهم وعذبوهم، فالنفس الانتقامية لدى اليهود هي التي كتبت هذا التلمود .
وعندما تحرروا من الأسر البابلي، ودخلوا وانتشروا في أوروبا وغيرها كان النصارى يضطهدونهم اضطهاداً شديداً، لأنهم يعتبرونهم قتلة المسيح، والمسيح عند النصارى هو الرب، فهؤلاء قتلة الرب الذين صلبوه وقتلوه وكذبوه، فأخذ النصارى يتفننون في تعذيب اليهود، فازداد اقتناع اليهود بما في التلمود، وكانوا يكتبون عبارات شنيعة جداً في المسيح عليه السلام، ولكن لا يضعونها صريحة؛ لأن التلمود كتاب سري لا يطلع عليه غير اليهود، ومع ذلك كانوا يكتبون هذه العبارات؛ ويضعون مكان اسم المسيح علامات أو نقاط حتى لا يذكروه، لكن الحبر عندما يقرؤه عليهم يقول: المقصود (المسيحيون أو المسيح)، ثم عمم بعد ذلك على غير النصارى في خارج أوروبا .
فهذه الروح كان اليهود - ولا يزالون - ينظرون إلى غيرهم من الشعوب بها!! ولهذا لا يرون لأية أمة فضلاً عليهم مهما أعطتهم وأنفقت عليهم ووقفت معهم؛ لأن هذه الأمة وما ملكت هي ملك لليهود، فمهما فعل معهم الناس أو أسدوا إليهم من معروف، فالفضل لا يزال لهم؛ لأنهم هم الأصل، ومن عداهم فلا قيمة له، وكانت النتيجة أن تعلم من هذا الفكر اليهودي القوميون الغلاة في أوروبا، وأهمهم: النازيون.
فكرة القومية في أوروبا:
بعد الحديث عن هذا الفكر نرجع إلى أصل وجود فكرة القومية في أوروبا، فهي تسبق النازية، وتسبق التأثير الواضح لليهود؛ وذلك أن القومية لم تكن معروفة في أوروبا على الإطلاق إنما كان الأصل في العالم - فيما يسميه المؤرخون في القرون الوسطى - هو الدين، وكانت القاعدة في التعامل هي الدين، وكان الإنسان يسأل أكثر ما يسأل عن دينه، فهو إما مسلم وإما نصراني وإما يهودي وإما مجوسي... إلخ، أما العصبيات والعنصريات فلها اعتبار ثانٍ يأتي بعد الدين، وكان ذلك في أوروبا وفي الشرق وفي كل مكان حتى ظهرت الفكرة القومية .
فلما ظهرت هذه الفكرة بشكل وطني، وذلك بظهور الثورة الفرنسية؛ التي يزعم الغربيون أنها مفتاح الحرية ومشرق النور وفجر المساواة والعدالة والحضارة الحديثة، فعندما ظهرت الثورة الفرنسية لم يكن لها أي طابع ديني، وإنما كانت وطنية تقول: إن الناس جميعاً متساوون في الوطنية، فلا ينظر إلى أديانهم وعقائدهم ومللهم، هذه الفكرة كانت جديدة على الناس سواء في بلاد الغرب أو الشرق؛ لأن الناس إنما يتفاضلون بحسب الدين، وكل إنسان يرى أنه أفضل من غيره ديناً، ومهما كان المخالف له في الدين فإنه يحتقره.
لكن هؤلاء المفكرين الذين وضعوا أفكار الثورة الفرنسية كانوا معادين للدين لأسباب ولظروف خاصة، فكانوا يأخذون من الفكر اليوناني القديم، ومن الأفكار التي ظهرت في أوروبا، ونمت وترعرعت شيئاً فشيئاً بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، فلما كان هذا الفكر بعيداً عن الدين جمعوا الأمة - كما يزعمون - على أساس وطني.
حتى صارت هناك دول أصبحت الوطنية والقومية فيها شيئاً واحداً.. ودول ومجتمعات أخرى أصبحت القومية فيها أوسع وأعم من الوطنية، وأوضح مثال: الدول العربية؛ حيث صارت "الوطنية" فيها أضيق من مفهوم القومية، فهناك مثلاً وطنية مصرية ووطنية عراقية ووطنية سورية، فهذه كلها وطنيات، ولكن يجمعها قومية واحدة هي القومية العربية، لكن بعض الدول قوميتها هي وطنيتها مثل ألمانيا واليابان وفرنسا، فهم شعب يعيش على أرض واحدة؛ ويتكلم لغة واحدة في مكان واحد؛ وله تاريخ واحد؛ فقوميته هي وطنيته.(39/59)
ظهرت وترعرعت الوطنية مختلفة ومندمجة مع القومية، فيمكن أن تعتبر الثورة الفرنسية ثورة وطنية أو ثورة قومية، ثم نشأت بعد ذلك القوميات الأخرى في أوروبا وارتبطت بالحروب الدينية، وأول ما تفتتت أوروبا تفتتت على يد حركة الإصلاح الديني بزعامة مارتن لوثر وكالفن ومن كان معهم ممن ابتدعوا الدين الذي يعتبرونه تصحيحاً للنصرانية وهو البروتستانتية، ومعنى البروتستانت: المحتجون أو المعارضون للبابا زعيم الكاثوليك في روما، فاحتجوا عليه وعلى ما أحدث في الدين من بدع، وأرادوا تصحيح الدين، ولكنهم لم يأتوا إلى القضايا الأساسية، فلم يصححوا التثليث ليصبح توحيداً، ولم يصححوا اعتقاد أن المسيح ابن الله فيقولوا: إنه عبد الله ورسوله، وغير ذلك من الأمور، وإنما اعترضوا عليه في أمور كثيرة؛ من أهمها: توسط رجل الدين بين العبيد وبين الله تبارك وتعالى؛ فالكاثوليك يقوم دينهم على هذا التوسط، فرجل الدين هو الواسطة، فلا يمكن الاستغفار إلا عن طريقه، ولا يمكن الصدقة إلا عن طريقه! حتى إنه يباشر كثيراً من الطقوس وأمور الناس عند الموت، وعند الميلاد، وعند الزواج، وأمور كثيرة لابد أن يقوم بها القسيس، وإن لم تفعل لأي انسان فإنه يعد محروماً من الجنة، ومن ذلك احتكارهم لقراءة وتفسير الإنجيل، فلا يمكن لأحد أن يقرأ الإنجيل أو يفسره إلا رجال الدين، ويقرءونه باللغة القديمة، وليس باللغات المعاصرة واللهجات المحلية التي كانت في أوروبا .
وعندما ظهرت حركة مارتن لوثر أحدثت انفجاراً قوياً وعنيفاً جداً في هذه التركيبة التي كانت أوروبا بأجمعها مجتمعة عليها، وقد تأثرت تأثراً واضحاً بالإسلام والمسلمين نتيجة الحروب الصليبية؛ إذ وجدوا أن المسلمين يقرأ الواحد منهم كتاب الله كما يشاء، ويعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وليس بين العبد وبين الله واسطة، فوجدوا أنهم يمكن أن يعبدوا الله تبارك وتعالى بغير توسط من أحد.
فاجتهد أناس قبل لوثر في زحزحة هذه التقاليد القديمة التي نشأ عليها الغربيون، فنشأت حركة يسموها "حركة تحطيم الصور والتماثيل "، وأخذوا يحطمون الصور والتماثيل في كثير من أنحاء أوروبا ويقولون: إن هذه وثنية؛ لأنه في التوراة مكتوب: " لا تعمل صنماً، ولا ترسم صورةً، ولا تعبد وثناً "، فقالوا: هذا ليس من الدين في شيء.
وهكذا ظهرت حركات من هذا النوع إلى أن بلغت القمة في حركة "مارتن لوثر " الذي كان ألمانياً، فترجم الإنجيل إلى اللغة الألمانية، وجعل كل إنسان يقرأ الإنجيل ويتعبد كما يشاء، ولا يراجع أي قسيس، وأصبحوا يعتقدون كفر الكاثوليك الذين في أوروبا، وفي المقابل يعتقد البابا أن البروتستانت كفار، وحرم كل منهما الزواج من الآخر، فلا يجوز للبروتستانتي أن يتزوج من كاثوليكية، ولا يجوز للكاثوليكي أن يتزوج من بروتستانتية، فصارت بينهما العداوة الشديدة للدين؛ ولأن لوثر لم يضع منهجاً دقيقاً ومنضبطاً بقدر ما وضع خروجاً عن البابوية؛ فقد خرجت فرق وطوائف كثيرة تحت الشعار نفسه وخالفته وخالفت البابا.
أما القومية الألمانية فقد تمحورت حول البروتستانتية عقيدةً والشعب الألماني قوميةً، أما الفرنسيون وهم الأعداء لهم في تلك المرحلة فإنهم بقوا على دين الكاثوليك وهم إلى اليوم كذلك؛ فدينهم الكاثوليكية تبعاً للبابا، ولكن عندما ظهرت الثورة الفرنسية أصبحت دعوتهم لا دينية فثاروا على البابا، ولكن ثورتهم كانت ثورة غير دينية، فبقي عندهم الدين في حدوده المعينة التي رسموها له، والتي لا يتدخل فيها في شئون الحياة، فمجال الدين - الكنائس وما يتعلق بها - أعطوها حرية؛ وبقيت علىمذهب الكاثوليك؛ ومن هنا نشأ الصراع والتنافس الشديد في أوروبا بين هاتين الدولتين وبين غيرها من الدول فيما بعد، وارتبطت القومية بالدين - أيضاً - وأصبح كل منهم يمثل شيئاً واحداً.
وأما الإنجليز فقد أخذوا العقيدة البروتستانتية وادعوا القومية الإنجليزية، وانتشروا وتمددوا في أنحاء كثيرة من العالم خارج بلادهم، فأصبحت العداوة بين الألمان والإنجليز عداوة قومية محضة مع أنهم في الدين سواء، أما الفرنسيون فإنهم كانت العداوة بينهم مختلفة؛ ولهذا نجد أن هذه الدول الثلاث قل أن تتفق في تاريخها، وهذا غير الحروب والخلافات والشحناء بينها، فإذا اتفقت منها اثنتان، فهما ضد الثالثة غالباً.
نشأت وترعرعت الأفكار القومية في كل دولة من هذه الدول، فأصبح لكل دولة شُعراؤها وشعاراتها ورموزها وتاريخها ومفاخرها، وابتعدت كل واحدة عن الأخرى ابتعاداً شديداً بعد أن كانت أوروبا قبل الثورة الفرنسية وقبل حركة مارتن لوثر كلها أمة واحدة، يجمعها دين واحد، فتشعبت تشعباً شديداً.
ظهور القومية في البلاد الإسلامية:
في هذه الفترة كان العالم الإسلامي كله أو على الأقل ما يوازي منه أوروبا - الذي هو منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط - تحت حكم الدولة العثمانية، ولم يكن يعرف المسلمون أي شيء عن الفكرة القومية ولا الوطنية إلى أن ظهرت في مصر .(39/60)
فظهرت الوطنية المصرية والافتخار بمصر وبأمجاد مصر، وبالفراعنة وما قبل الفراعنة تأثراً بالذين ابتعثوا لفرنسا والذين تأثروا بفكرة الوطنية الفرنسية.
ونشأت في مصر دعوة قوية جداً إلى الوطنية، حتى كانت كل الأحزاب على اختلافها تدعو أو تفخر بالوطنية، فحزب الوفد، وسعد زغلول كان وطنياً، وكذلك مصطفى كامل كان وطنياً جداً رغم عداوته لسعد زغلول ورغم ما عنده من مسحة إسلامية، لكن كان هو الذي يقول: (لو لم أكن مصرياً لتمنيت أن أكون مصرياً)، وكذلك أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم من الشعراء كانوا شعراء وطنيين؛ قلّ أن تجد لهم شيئاً من الشعر الذي يفتخر بالعرب أو بالعالم الاسلامي إلا أحياناً، إنما الأصل عندهم في الفخر هو الوطنية ونوع من الامتزاج بالقومية، لكن لم تظهر ملامحه ولم تتضح في تلك المرحلة.
ثم ظهرت فكرة القومية العربية والقومية التركية، وأول من دعا إلى القومية العربية وأظهرها كقومية عربية هم النصارى العرب، وهؤلاء النصارى أكثرهم في بلاد الشام، أما الأقباط الذين كانوا في مصر فلم يكونوا يفكرون في قومية عربية، بل ولا حتى في وطنية مصرية، إنما كان همهم هو التبعية للغرب وللمستعمر.
والذي حدث أن الدولة العثمانية ضغطت على نصارى الشام وآذتهم، فهاجرت طوائف كبيرة منهم إلى مصر، وهناك أسسوا جريدة الأهرام ومجلة المقتطف وغيرها، وبدءوا يبثون الفكر القومي في مصر، فأصبح منتشراً في مصر إلى حد ما، وكذلك في بلاد الشام، وهي مقره، ولا سيما في لبنان؛ لأن النصارى كانوا في منطقة جبل لبنان، وهناك تركزت الفكرة أو الدعوة النصرانية القومية، وأيدها الغرب كما كتب برنارد لويس في كتابه: "الغرب والشرق الأوسط .
وتبنى الغرب القومية العربية لتكون معولاً لهدم الإسلام، ليضرب بها الإسلام، فتختلف آصرة التجمع عند العرب والترك على الإسلام؛ فينفصلون عن الترك وعن الهنود وغيرهم، وتصبح القومية العربية فقط هي التي تجمعهم فيسهل تفتيتهم.
ولذلك كانوا يريدون تفتيت الدولة العثمانية بأي شكل من الأشكال، ففي الدول العربية أظهروا فكرة القومية العربية ونشأت منها جمعيات كثيرة: كجمعية العربية الفتاة وما تفرع عنها، والجمعية القحطانية، وجمعية العهد، والجمعية العربية ...إلخ، فأصبح النصارى العرب يتغنون بأمجاد الأمة العربية وبأشعار ومنشورات وكتب ألفوها.
وكذلك أصبحت الدعوة في تركيا إلى القومية الطورانية التركية، والذين دعوا إلى القومية الطورانية التركية كانوا من اليهود، وهذا شيء ثابت؛ حتى إن أحد المؤرخين الأمريكان اسمه واتسون يقول: (إنه لا يوجد أحد في حركة الاتحاد والترقي - الحركة القومية التركية - من أصل تركي حقيقي، وإنما هم من اليهود وغيرهم! - أي: يدعون إلى القومية التركية وليس فيهم رجل واحد من أصل تركي - والذين يدعون إلى القومية العربية ليس فيهم مسلم، وأكثرهم - أيضاً - أصولهم أعجمية ونصارى).
أخطار الحركة القومية:
من هنا يجد الإنسان المفارقة، ويعلم أنها كانت كلها تهدف لتحقيق التمزق والفرقة بين المسلمين؛ لمعرفتهم بأخطار الحركة القومية في أوروبا التي قد عانت وذاقت الأمرَّين من الفكر القومي والتمزق القومي، فجاءت وصُدِّرت هذا الفكر إلى العالم الإسلامي، في حين بدأت هي تكون التحالفات والتكتلات الأممية والعالمية التي ظهرت في الحرب العالمية الأولى ثم في الثانية، وبعد الحرب العالمية الثانية انتهت القوميات في أوروبا واختفت.
والآن يريدون إخفاء الوطنيات تماماً لتصبح أوروبا أمة واحدة لا وطنية فيها فضلاً عن القومية، ولأنهم ذاقوا مرارة القومية فأرادوا أن يُصدِّروها لتفتيت العالم الإسلامي؛ فظهرت الدعوة الطورانية أو التركية، وأرادت أن تفرض اللغة التركية على جميع العرب، وفي المقابل ظهر الدعاة القوميون العرب - وأكثرهم من النصارى - ثم تبعهم الشيعة والدروز وأمثالهم - ينادون بالعروبة واللغة العربية والأمة العربية.
في الحرب العالمية الأولى كانت البداية عندما اتفق فيما يسمى اتفاقية سايكس بيكو على تقسيم الخلافة العثمانية بين دول الغرب، فجاءت الحركة القومية العربية وجيشت جيوشاً؛ وحاربت مع الإنجليز ضد الدولة العثمانية، فعندما أراد الصليبيون أن يدخلوا إلى القدس كانت رايتهم تضم جموعاً عديدة منها: الإنجليز، والعرب القوميون - الذين انضموا إلى الإنجليز في قتال إخوانهم في الإسلام "الترك" - ودخل الإنجليز القدس، وبانتهاء الحرب العالمية انتهت الخلافة العثمانية تماماً، وتمزق العالم الإسلامي، ونفذت اتفاقية "سايكس بيكو ".
وظهرت الأفكار الوطنية والقومية، وكانت في مصر أكثر ما تكون وطنية، وأما في بلاد الشام فإنها كانت قومية. ثم تطورت الحركة القومية وجمعية العربية الفتاة - كما يسمونها - وحرصت على تأسيس رابطة قومية تجمع العرب، وبارك الغرب هذه الرابطة وشجعها؛ بل إن الذي اقترحها في الأصل كمنظمة هو "أنطونيا إيدن " الذي كان وزير خارجية بريطانيا، ثم أصبح رئيس وزراء بريطانيا، فاقترح فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، فأنشئ بروتوكول الإسكندرية ثم جامعة الدول العربية .(39/61)
وكان الذين أسسوها واجتمعوا ووقعوا ميثاقها هم - قبل قيام هذه الجامعة - كانوا أعضاء في جمعية العربية الفتاة وأشباهها من الجمعيات التي كانت قائمة في ذلك الزمن، وأوضح الكتب على هذا كتاب "نشأة القومية العربية " لمحمد عزة دروزة لأنه كان واحداً منهم، وكذلك الشاعر "خير الدين الزركلي " صاحب الأعلام، واحداً من هؤلاء القوميين، وشعره وحياته يذكر فيها هذا الشيء كذلك.
رئيس بلاد الشام "شكري القوتلي " كان من جمعية العربية الفتاة، ووقع ميثاق جامعة الدول العربية، فنشأ الفكر القومي بعد ذلك حتى قامت ثورة الحزب البعثي، واستطاع بقيادة "ميشيل عفلق " أن يؤسس فكرة عقدية قوية جداً تحكم الآن العراق وسوريا، وله وجود قوي في ليبيا وفي السودان وهم الآن - تقريباً - أقوى حزب في موريتانيا .
وبعد الحرب العالمية الثانية نسيت القوميات تماماً في أوروبا، فأصبحت التكتلات عقائدية وعسكرية، وأصبحت أوروبا في الحقيقة معسكرين: حلف وارسو، وحلف الناتو شمال الأطلسي، فأما حلف شمال الأطلسي فيضم الولايات المتحدة الأمريكية ومعه دول غرب أوروبا كلها على اختلاف مللها ومذاهبها الدينية وقومياتها.
وأما حلف وارسو فيضم الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية الشيوعية على اختلاف أجناسها وأعراقها التي أصبحت كتلة واحدة بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام (1945م).
وبعدها وقع ميثاق جامعة الدول العربية؛ ثم ظهرت هذه الأحزاب وأسس حزب البعث، فلما ظهر المعسكر الشرقي الاشتراكي اندمجت الفكرة الاشتراكية في الحركات القومية والوطنية - لأنها كلها مستوردة من الغرب - فقامت الثورة المصرية وحَوَّلَها جمال عبد الناصر من فكرة وطنية إلى فكرة قومية، وقبل جمال عبد الناصر لا تجد في مصر إلا إشارات إلى العرب أو العروبة ككل، وإنما كانت الفكرة الراسخة في مناهج التعليم وفي الصحافة والإعلام والشعر هي الشعارات الوطنية الفرعونية...إلخ، وبعد أن جاء جمال عبد الناصر أنشأ إذاعة صوت العرب، والصحافة العربية، والفكر العربي، والأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فأجج الفكر العربي القومي.
وفي المقابل - أيضاً - جاء البعثيون بشعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" فكان هذا هو شعار حزب البعث، فبدءوا ينشرون هذا المبدأ، وكان الصراع على أشده بين هؤلاء وهؤلاء، مع أن جمال عبد الناصر دعا إلى الاشتراكية مع القومية العربية، وأولئك مع الوحدة العربية دعوا إلى الاشتراكية؛ إذاً: هؤلاء اشتراكيون وهؤلاء اشتراكيون، لكن الخلافات الحزبية بينهم، واختلاف الولاءات - هذا مع الغرب وهذا مع الشرق - كانت على أشدها، والذي يجمع الجميع أنهم لا يريدون الإسلام، فالغرب - سواء كان شرقاً أو غرباً - لا يريد أن يكون هناك أي تجمع باسم الإسلام، كما عبر لويس وغيره في أوضح ما يمكن، فقال: (إن الغرب أراد ألا يكون هناك أية رابطة أو جامعة إسلامية، وإنما يكون المبدأ القومي هو الذي يجمع هذه الشعوب جميعاً).
نشأة الفكرة الوطنية في البلاد العربية:
وتحت شعار الحركة القومية والحركة البعثية نشأت في دول أخرى - مثل دول الجزيرة العربية - الفكرة الوطنية التي لم تكن معروفة من قبل، ففي هذه البلاد وعمان واليمن - مثلاً - لم يكن الناس يعرفون على الإطلاق فكرة التفاخر بالحضارات القديمة وبالوطنية، ولا يعلمون عنها أي شيء فضلاً عن القومية، فنجد أن القوميين تبنوا إحياء هذه الحضارات والآثار القديمة؛ بل مع أنهم يَدَّعون القومية العربية؛ ويتعصبون للغة العربية، أحيوا ما يسمونه التراث الشعبي والأشعار النبطية وما أشبه ذلك، وهذه كلها عوامل تفتيت للأمة إلى قوميات، فالقومية تفتت إلى وطنيات، والوطنية تفتت إلى قبليات وحزبيات وحضارات مختلفة، وكل هذا بغرض تفريق وتمزيق الأمة الإسلامية ورابطة الولاء فيما بينهم؛ فأصبح الإنسان لا يوالي ولا يعادي إلا فيما يعتقد من قومية أو وطنية.
ولقد كان أكثر - إن لم يكن كل - كلام وأشرطة الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله تصب في حرب الماسونية وهؤلاء القوميين المجرمين، وخاصة عندما رُوِّجَ لشعار القومية، إلى أن بلغ لو أن أحداً يقول: هذا العربي ليس مسلماً، لاستنكر أشد الاستنكار في أي مكان، ورسخت فكرة القومية العربية، حتى قال شاعرهم:
سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا ……وأهلاً وسهلاً بعده بجهنّمِ
هبوني ديناً يجعل العرب أمةً ……وطوفوا بجثماني على دين برهمِ
بلادك قدمها على كل ملةٍ ……ومن أجلها أفطر ومن أجلها صُمِ
والثاني يقول:
داع من العهد الجديد دعاكِ ……فاستأنفي في الخافقين علاكِ
يا أمة العرب التي هي أمنا ……أي افتخارٍ نميته ونماكِ
ولقد كان ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وإيليا حاوي، وإلياس أبو شبكة ...إلخ، هم الشعراء الذين يتغنى الناس بأفكارهم، بل قال أحمد شوقي:
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد ……فلا دين يفرقنا ولا حد يباعدنا(39/62)
وأصبحت المفاخرة بأن أبناء الوطن جميعاً يعملون ضد الاستعمار وضد القوى الرجعية، والرجعية هي الدين في نظرهم، فكانوا يستغلون فكرة القومية والوطنية لإشعال الحرب الضروس على الدين، وعلى كل من يدعو إلى الانتماء إلى الإسلام أو يوالي أو يعادي في هذا الدين، حتى مسخت الأمة - تقريباً - مسخاً كاملاً أو شبه كامل.
وأصبحت نظرة كل الناس إلى الأمة العربية والوطن العربي؛ فإن درست الجغرافيا فهي جغرافية الوطن العربي، وإن درست الثروة فثروة الوطن العربي، وإن درس السكان فهم سكان الوطن العربي، وإن تحدث أحد عن الأخطار فإنه يتحدث عن الأخطار على الأمة العربية، وفي الحقيقة أنه مجاملةً لهؤلاء الحفنة من النصارى في لبنان ومصر تخلى الباقون عن دينهم، والتعبير الذي كان ولا يزال إلى هذه الأيام هو أن يقال: (الأمتين) الأمة العربية والأمة الإسلامية! ومن أجل هؤلاء تجعل الأمة الواحدة التي قال الله تعالى عنها: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:92] تجعل أمتين!!
ونتيجة لهذا الشعور - رسوخ الفكرة القومية عند الناس - أصبح لا يمكن أن تنظر إلى أي إنسان وتقول: هذا مسلم أو نصراني، ولا يمكن أن تسأل عن هذا، ولم يكن أحد يستطيع أن يتحدث بهذا إلا ويُحتقر!! ولا يستطيع أن يكتب في مجلة أو يتكلم في الإذاعة وهو يخالف فكرة القومية العربية، أو الأخوة العربية، أو الرابطة العربية، أو اللغة المشتركة والتاريخ المشترك، وهذا خلاف لما ذكر الله تبارك وتعالى في قوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولما قاله صلى الله عليه وسلم (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى).
وكان العراقي - مثلاً - وإن كان يدَّعي القومية العربية إلا أنه يفتخر بالآشورية والبابلية والكلدانية، وأهل الشام وإن كانوا - أيضاً - يدعون القومية العربية والبعثية إلا أنهم يفتخرون بآثار السومريين والفينيقيين، وفي مصر يفتخرون بالآثار الفرعونية وغيرها.
أما نحن هنا فمع وجود دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والعقيدة السلفية الناصعة التي لا تفرق بين عربي وأعجمي - فهي دعوة سلفية تجمع كل من يؤمن بها - مع ذلك - أيضاً - أصبحت عندنا باسم الآثار وغيرها فكرة الآثار القديمة: كآثار الأخدود، وعاد، وثمود، ومدينة الفاو، واذا اكتشف مكان ما وفيه بيوت قديمة طمرها الطين؛ اعتبروا هذا كشفاً حضارياً ومنقبة عظيمة، وأننا لنا ماضٍ، ولنا تاريخ، ولنا آثار، أي: أننا دخلنا فيما دخل فيه غيرنا من الأفكار التي رفضتها ولفظتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد بقيت النزعة التي تظهر هذه الأيام مثل النازية والفاشية، وهذه ظهرت نتيجة التأثر بالفكر التلمودي اليهودي، وكل ما فعله هتلر أنه قرأ ما في التلمود؛ ووجد الفكر اليهودي يجعل اليهود فوق الجميع، فأراد هتلر مضادة اليهود، فقال: الألمان فوق الجميع، وأخذ كل الخصائص التي يدعيها اليهود وجعلها في الألمان، وتعاون معه موسيليني في إيطاليا بالفاشية، وقامت اليابان على هذا المبدأ أيضا؛ ولذلك لما قامت الحرب العالمية الثانية كانت هذه الدول الثلاث تحارب بريطانيا وفرنسا، ثم بعد ذلك تدخلت أمريكا وكانت النهاية المعلومة لدى الجميع.
هذه العنصرية المقيتة البغيضة هي التي يحاربها الإسلام أشد الحرب، والتي كان أول من رفع راية الحرب عليها هو صلى الله عليه وسلم عندما أنزل الله تعالى عليه هذا الدين العظيم، وأصبح الناس سواسية، فبلال الحبشي وأبو سفيان وسلمان الفارسي ومن أسلم من اليهود، ومن كان أنصارياً أو مهاجرياً فلا فرق بينهم: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
نشأة العنصرية في التاريخ الإسلامي:
ونريد أن نشير إلى قضية موجودة في التاريخ الإسلامي وهي: أن المفاخرة نشأت قبل نهاية القرن الأول الهجري عند المسلمين.
صور من العصبيات في التاريخ الإسلامي:
نشأت بين العرب اليمنية والعرب المضرية في أيام الدولة الأموية، ومن قرأ في فتح الأندلس؛ أو فتح بلاد ما وراء النهر؛ فسيجد أن اشتداد هذه العنصرية والعصبية بينهما أدت إلى هزيمة المسلمين في أكثر من مرة، ففي أثناء الحرب تشتعل بينهم المفاخرة، ثم يتقاتلون وينسون العدو المشترك!! ولقد عانى القائد المشهور قتيبة بن مسلم الباهلي أشد المعاناة من أن جيشه ينقسم إلى قسمين: العرب اليمنية، والعرب المضرية، ونشأت أشعار الهجاء الطويلة الشديدة في دواوين الشعر وكتب الأدب وكتب التاريخ.
فكانت هذه البداية مؤلمة جداً وفي عصر يعتبر مبكراً جداً لنشوء الفكرة الجاهلية العنصرية العصبية، وقد دفع المسلمون ثمنها؛ ومن ذلك ما جرى في معركة بلاط الشهداء عندما انقسم جيش عبد الرحمن الغافقي رحمه الله إلى عرب مضرية وعرب يمنية، وحدث بينهما فرقة وخصومة، وهزم الجيش.(39/63)
ثم نشأت أنواع أخرى من العصبيات بعد ذلك عندما ظهرت الشعوبية التي جاء بها الفرس، وهي تزدري العرب مطلقاً، وتفضل العجم عليهم، وكثير من الشعراء - وإن كانوا شعراء باللغة العربية وتعربت ألسنتهم - كانوا دعاةً للشعوبية - أي: لتفضيل العنصر الفارسي أو غيره من الشعوب على العنصر العربي - وكثر ذلك جداً، حتى قيل: إن الجاحظ يميل إلى الشعوبية، لأنه في كتاب الحيوان وغيره ذكر عن عادات العرب، وكيفية أكل العرب للميتة والحيوانات القذرة!! وهذا من أخبث أنواع الأمراض التي تصاب بها القلوب، وتصاب بها الأمم؛ وهو مرض القومية الذي فيه تفريق الناس وتحزيبهم على غير التقوى.
ثم ظهرت أفكار أخرى، ومزقت الأمة بأنواع كثيرة من التمزقات والعنصريات والجاهليات؛ حتى لا يكون ولاؤها لله وتعتقد - فعلاً - أن أكرمهم عند الله أتقاهم، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى، ونشأت التعصبات الفقهية - أيضاً - وهي نوع من الجاهلية - فأصبح الحنفية والشافعية يتقاتلون قتالاً شديداً في بلاد ما وراء النهر وشرق العالم الإسلامي، كذلك شهدت بغداد والعراق معارك شديدة بين الحنابلة وغيرهم، وكذلك الطرق الصوفية التي نشأت زادت الأمة - أيضاً - انقساماً، وأصبح الناس يعادون ويوالون كلٌ في شيخه وطريقته، فتمزقت الأمة أكثر فأكثر... وهكذا.
أما اختلاف العلماء حول قضايا العبادات: كالتفضيل إذا تعلق بالعبادة؛ فهذا الأمر ليس فيه إشكال - إن شاء الله - وهو من باب تفضيل شعبة من شعب الإيمان على شعبة أخرى أو العاملين بشعبة على شعبة، فأيهما أفضل أهل الذكر أو أهل الجهاد، وأيهما أفضل أهل القرآن أم أهل الحديث؟ فهذه - أيضاً - نشأت، ولكنها أخف؛ لأنها كلها خير وعلم وكلها من الدين والحمد لله، فأينما كان الإنسان فهو آخذ بشعبة من الخير، لكن لا يجوز له أن يفتخر بحيث يغمط الآخرين أي فضل.
والمشكلة تكون أوضح عندما تكون الفرقة بسبب الشعوبية، كما جاء أن الرشيد قضى على البرامكة لأنهم كانوا كذلك، وكانوا يجمعون بين الشعوبية وبين الباطنية، وبعض الناس لا يذكر عنهم إلا شعوبيتهم، وأنهم أعادوها فارسية كسروية، حيث أعادوا شعارات وآثار وقصور كسرى؛ وكل مظاهر الحياة في أيام كسرى، وكانوا وزراء، والرشيد هو الخليفة، فلما رأى الأمر كذلك؛ وكلمة علماء المسلمين فيهم؛ قضى عليهم، وقتل من قتل، وسجن من سجن، وشتت الله شملهم، وفرق جمعهم ولله الحمد.
ثم في العصور التي تلت ذلك، نجد أن وحدة الأمة طمست واندثرت، وتمزقت الأمة إلى دويلات، فصارت حلب دولة، ودمشق دولة، وأنطاكية دولة والموصل دولة.. إلخ، حتى شاء الله عز وجل وجاء الصليبيون، ولقنوا الأمة درساً عظيماً؛ فتوحدت وبدأت ترجع إلى وحدتها، ثم جاء المماليك، وهؤلاء ليسوا عرباً، والسلاجقة ليسوا عرباً في الأصل، والترك كما هو معلوم دخلوا في الاسلام، ولم يكونوا من العرب، فظلوا يحملون راية الإسلام إلى أن ظهرت فيهم القومية الطورانية، وهذا إجمال وإيجاز سريع لنشأة هذه النعرات الجاهلية في العالم، سواء كانت في العالم الإسلامي أو في العالم الأوروبي الذي أخذنا منه القومية العربية الحديثة.
حال القومية العربية في العصر الحاضر:
من نعم الله عز وجل أن القومية العربية تفتتت بحربين:
الحرب الأولى: حرب لبنان، فلو تأملنا تاريخ لبنان التي كانت منطلقاً لتمزيق الأمة الإسلامية والدولة العثمانية، والرابطة التي جمعتهم هي رابطة القومية، فأراد الله عز وجل أن تتمزق لبنان نفسها، وتصبح فئات متناحرة:
فالموارنة طائفة. والأرمن طائفة، والموارنة انقسموا إلى أحزاب وهي: حزب مع شمعون، وحزب مع فرنجيه، وحزب مع الجميل وهكذا.. والدروز لهم حزب، ولهم إذاعة وجيش، والرافضة حزبان وهما: حزب الشيطان الذي يسمونه حزب الله، وحركة أمل نبيه بري، وهم كلهم رافضة ..
فتمزقت البقعة الصغيرة هذه التي من أجلها مزقنا الأمة الإسلامية وجعلناها أمتين، أمة عربية، وأمة إسلامية، حتى إنه إذا عقد مؤتمر الأمة العربية يحضر رئيس لبنان، فإذا عقد مؤتمر إسلامي يحضر رئيس لبنان وهو نصراني!! فمن أجلهم ضيعنا ولاءنا وعقيدتنا وانتماءنا فمزقهم الله.
فبدأت القومية العربية في الانتكاس بهذا الحال، ومزق الله حزب البعث في سوريا والعراق .
إنها عداوة مستحكمة، بحيث يتعجب المرء في أن كل واحد منهم لو مُكّن له لكان أول ما يبدأ يفترس ويبطش بأخيه البعثي الآخر، وكذلك فإن سجون العراق ملئا بالبعثيين السوريين الموالين لصلاح بكداش، وسجون سوريا ممتلئة بالبعثيين المنتمين إلى ميشيل عفلق وحسن البكر وأمثاله.
وفي مصر عندما جاء أنور السادات تخلى تماماً عن القومية العربية، ورجعت مصر وسمت نفسها جمهورية مصر العربية .
كان يريد القذافي - تلميذ جمال عبد الناصر - أن يعمل دولة موحدة ولم يوفقه الله؛ لأنها لا تقوم على أساس الإسلام، فتمزقت - أيضاً - القومية العربية التي كانت تربط ما بين مصر وليبيا .(39/64)
الحرب الثانية: حرب الخليج، فبعض العرب حتى في داخل البيت الواحد؛ وداخل الحزب الواحد؛ وداخل الدولة الواحدة؛ وقف مع العراق، وبعضهم وقف ضد العراق، وتشاحن الطرفان، فالبعثيون السوريون الذين يربطهم بالعراق رابطة القومية والبعثية هم - أيضاً - دخلوا ضمن الجيوش التي دخلت إلى العراق وقتلت من العراقيين ما قتلت! فهذه نعمة - والحمد لله - فبعدما كانوا يتقاتلون في لبنان، ومنهم من يؤيد عون، ومنهم من يؤيد شمعون أصبحوا يتقاتلون بأنفسهم وجهاً لوجه، فالحمد لله لأن القومية العربية في حالة احتضار.
والحمد لله أن المسلمين أفاقوا إلى حد كبير، فنجد ما حدث في أفغانستان أو الفلبين أو البوسنة والهرسك وغيرها؛ جعل المسلمين يشعرون بضرورة الولاء الإسلامي، وأن تكون العقيدة هي الرابطة، فالكل اشتركوا، وجاهدوا ولو بالمال ولو بالدعاء لإخوانهم المسلمين، فهذه المصائب والمحن جعلت المسلمين يشعرون بأننا أمة واحدة في آمالها وآلامها؛ لأنها واحدة في عقيدتها وقبلتها وكتابها وسنة نبيها r وفي كل الأواصر والروابط، ولا يوجد أمة أوغل وأعمق في التاريخ من هذه الأمة؛ لأنها فوق كل القوميات والعنصريات والعصبيات.
ولا فخر بالحجارة والطين كما يفتخرون، فهؤلاء عندهم الأهرمات، وهؤلاء لديهم حدائق بابل وأولئك بنوا مدائن صالح، وهؤلاء بنوا إرم، أما نحن فنفخر وننتمي ونعتز بالانتماء إلى ركب الإيمان والأنبياء، وركب النبي الذي بنى هذا البيت: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:96-97]، هذا هو البناء الذي يجمعنا والذي نفتخر به.
نعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونفتخر بالعبودية له وباستقبالنا هذا البيت الذي بناه وحجه أنبياء الله، فهذه هي حضارتنا وآثارنا التي نفتخر بهما، وانتماؤنا الذي نفتخر به، وما عدا ذلك فكلها جاهليات وعصبيات ممقوته مذمومة، إنما جاء الإسلام للقضاء عليها ولحربها، ويكفيها أنها جاهلية كما سماها الله تعالى وسماها رسول صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
=============(39/65)
(39/66)
حقيقة الارتباط بين العرب والعروبة والإسلام
بحث شرعي مؤصل
[الكاتب: محمد المليفي]
توطئة يعربية..!
ازدادت في الآونة الأخيرة الحديث والكلام عن القومية العربية وأنها هي المحور الذي يجب أن يلتف الجميع حوله.. وهم في هذا النداء القومي قد أهملوا رأس الأمر كله والحصن الحقيقي لكل مجتمع وفرد.. ذلك الحصن المتمثل في الالتفاف الوثيق حول خاتمة الأديان والمهيمن عليها جميعا.. (الإسلام) في بحثنا السريع والشرعي هذا سنسلط الضوء على العلاقة بين العروبة والإسلام.. وسنرى كيف أن الإسلام جاء ليرقى بمفهوم العروبة ويصححه.
لم يعمل الإسلام على تغييب وإلغاء القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان، من حيث وجودها ومن حيث انتساب الإنسان لتلك القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان وما أكثر الأدلة الشرعية الدالة على ذلك، فلم يمنع المرء من أن يقول عن نفسه بأنه عربي أو فارسي أو رومي، أو يمني أو شامي، أو قرشي أو خزرجي.. كما لم يمنعه من التعبير عن الحب والحنين لما ألفه من أوطان وديار.. فهذا وارد، والشارع أقره ولم يلغه، ولا أظنني بحاجة للاستدلال على مشروعية ذلك إذ أنه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.. لا يجادل فيها اثنان.
ولكن الذي منع منه الإسلام وعمل على إلغائه هو تلك العصبيات الجاهلية لتلك القوميات والجنسيات، ولتلك الأوطان، والقبائل، وغيرها من المسميات والانتماءات التي تغيب الولاء والبراء في الله.
كما منع أن يكون التفاضل بين الشعوب على أساس الانتماء لتلك القوميات والجنسيات والأوطان، وجعل ميزان التفاضل والتمايز بين العباد مقصورا ومحصورا على ميزان التقوى، والأحسن عملا بغض النظر عن الجنس أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الموطن، كما قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
لا يجوز أن ننتقص دور العرب كمادة لنصرة قضايا الإسلام وعقيدته، ارتبط مصيرهم بمصير هذا الدين عزا وذلا، عزا إن نصروه، وذلا إن خذلوه وتخلوا عنه، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كنا في الجاهلية أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)، وفي الحديث عن جابر بن عبد الله، قال: حدثتني أم شريك أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: (ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال. قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل).
فسؤال أم شريك عن العرب يومئذ يوحي بما يجب على العرب خاصة من نصرة لهذا الدين؛ وكأنها تريد أن تقول: كيف يؤول أمر الناس إلى أن يلتحقوا بالجبال خوفا من الدجال.. والعرب موجودون.. " فأين العرب يومئذ " يا رسول الله الذين من شأنهم نصرة هذا الدين ودفع طغيان الطواغيت؟! فأجابها عليه السلام " هم قليل "؛ أي هم قليل يومئذ..!
ولعل هناك سؤالا يطرح نفسه: لماذا هم قليل؟!
أجاب علماء الحديث والفقه بالقول هم قليل لأنهم مادة الجهاد والاستشهاد.. فما أن ينادي منادي الجهاد في أي بقعة من بقاع الأرض إلا وتجد من العرب من يلبي ذلك النداء.. وفي كثير من الأحيان يكونون قادة الجهاد وعصبه وركنه وطليعته.
وتعليقا على كلام العلماء الذي صدر منهم في القرن الرابع الهجري أقول: لم يخطأ علمائنا في تفسير هذا الحديث، وأدل شيء على هذا ما نراه ونسمعه حتى في هذه الأيام حيث ما من موقعة ولا ساحة يعلن فيها الجهاد إلا ويفزع لها نخبة من شباب العرب المسلم المجاهد ملبين نداء الجهاد في سبيل الله متحدين الصعاب الجمة التي تعترض مسيرتهم وحركتهم وجهادهم.. وما أن يعلم العدو أن في الساحة مجاهدين من العرب إلا وتراه يحسب لواحدهم ألف حساب لما يرى منهم من الشجاعة، والرجولة، والإقدام.. وما نراه ونسمع عنه في ارض الشيشان مثلا عنا ليس ببعيد.
ومما جاء في الحديث في فضل العرب (أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم ظلمة في الإسلام) ولقد علق كثير من علماء الحديث على هذا الحديث بالقول إن كان قد ضعف سنده فمتنه صحيح لأن مجمل نصوص الشريعة تدل على صحته ومن ذلك ما جاء في فضل الشام وأهله، كما في قوله عليه السلام (عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غدره، فإن الله عزو جل قد تكفل لي بالشام وأهله). أي تكفل الله لنبيه بنصرة هذا الدين بالشام وأهله.. ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه، وقا صلى الله عليه وسلم : (ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام)، وقال عليه السلام : (لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا، لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله، وهم بالشام). وقال أيضا : (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)، وقال عليه السلام : (عقر دار المؤمنين بالشام). وغيرها كثير من الأحاديث الصحيحة التي تدل على فضل الشام وأهله..(39/67)
والشام وأهله جزء من العرب، ولكن ننوه بتنويه أكثر من مهم وهو أن لا يذهب أحد الظن أن البعث السوري مثلا يشملهم هذا الحديث.. كلا والله وألف كلا فالله أكرم وأجل من أن يجعل أولياؤه وجنود دينه من أهل البعث أو النصيرية.. حاشا لله ذلك إنما أولياء الله من أهل الشام هم المؤمنون الموحدون لله حق توحيده..وفي مقالنا القادم بإذن الله سنستكمل معكم العروبة والإسلام..
* * *
تحدثنا في مقالنا السابق عن إلغاء الإسلام للعصبيات الجاهلية وكل أشكال وأنواع الانتماء الجاهلي وكيف أنه أبقى الهوية ولم يشطب الانتماء الشخصي.. {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}.. ثم عرجنا في الحديث عن مكانة العرب في الإسلام وذلك الارتباط الوثيق بينهما.. واليوم سنستكمل الحديث عن تلك المكانة..
هذه المكانة للعرب في الإسلام لا يجوز أن ننكرها أو نجحدها، ولكن لا يجوز أن تكون كذلك مدعاة أو مبررا للدعوة إلى العروبة أو " القومية العربية " التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة والحياة، وعلى تكريس مبدأ عقد الموالاة والمعاداة، وكذلك تقسيم الحقوق والواجبات على أساس الانتماء القومي للجنس العربي بغض النظر عن العقيدة والدين والعمل.. ومبدأ {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فالقومية العربية أو العروبة بهذا المفهوم الآنف الذكر هي دعوة عصبية جاهلية نتنة حرمها الإسلام وحذر منها أيما تحذير، كما في الحديث، فقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن).
وقال عليه السلام : (من ادعى دعوى الجاهلية فإنه جثا جهنم ـ أي من جماعات جنهم ـ فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله التي سماكم: المسلمين، المؤمنين، عباد الله).
وجاء في الحديث المشهور : (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب) وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تحرم العصبيات القومية التي تفاضل، وتوالي وتعادي على أساس الانتماء القومي أو غيره من الانتماءات العصبية الجاهلية.
ومما سبق بيانه فيه رد على بعض الدعاة والكتاب المعاصرين المصابين بلوثة الهزيمة النفسية والفكرية الذين يحاولون تزلفا مداهنة القومية والقوميين العرب على اعتبار أن ما كان من خلاف وتنافر بين الإسلام والإسلاميين من جهة وبين العروبة أو القومية والقوميين العرب من جهة ثانية لم يكن مبررا وليس له داع إذ لا تعارض بين الإسلام والعروبة، ولا بين الدعاة إلى الله تعالى وبين الدعاة إلى القومية العربية أو العروبة.. فكل منهما حاضن للآخر.. لذا فإن المعركة القديمة الحديثة بين الطرفين لا بد من أن تهدأ وتزول، ليحل مكانها التلاقي والوئام!
كثير من الدعاة والكتاب المعاصرين ـ عن قصد أو غير قصد ـ لا يفرقون بين العرب والعربي والعربية وبين العروبة، ولا بين الوطن والموطن وبين الوطنية، ولا بين العشيرة أو القبيلة وبين العشائرية أو القبلية، ولا بين الناس، والإنسان، وكرامة الإنسان وحقوقه وبين الإنسانية كشعار ومبدأ يغيب عقيدة الولاء والبراء في الله.. فيخلطون بينهما عند الحديث عنهما وكأنهما شيء واحد في الدلالة والمعنى، فيخلطون بذلك حقا مع باطل.. فيضلون ويضلون!
تراهم يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى العرب، والعربي، والعربية على شرعية مصطلح ومعنى العروبة الدال على معاني التعصب القومي المقيت والمذموم..! وتراهم يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى الوطن، والموطن، وحب الديار وموطن المنشأ على شرعية مصطلح ومعنى الوطنية الدال على العبودية للوطن من جهة عقد الموالاة والمعاداة، وكذلك الحقوق والواجبات على أساس الانتماء لحدود الوطن.. وتغييب وإلغاء كل ولاء وبراء يتعارض مع الولاء الوطني.. كما هو مشاهد في كثير من الأمصار!
وتراهم كذلك يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى العشيرة أو القبيلة ثم يقلبون مفهومها ويستدلون بها على شرعية أن يكون الولاء والمعاداة من اجل العشيرة أو القبلية، وبأن الحقوق والواجبات تقام على أساس الانتماء القبلي العشائري..! وتراهم كذلك يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى الإنسان، وكرامة الإنسان وحقوقه على شرعية مصطلح ومعنى الإنسانية كمبدأ يعلن الموالاة والمؤاخاة بين الإنسانية جمعاء بغض النظر عن اعتبار العقيدة والدين.. وميزان التقوى وأيكم أحسن عملا.. وهذا من التلبيس والتضليل الذي ينبغي أن نحذره ونحذر منه.. وهو كذلك علامة على حجم الهزيمة النفسية الفكرية التي يعاني منها أولئك الدعاة أو الكتاب أمام التيار القومي العروبي المهترئ المتآكل التي لم تجن الأمة منه إلا الذل والهزيمة، والتخلف والدمار!(39/68)
الاتجاه القومي العروبي ـ منذ قرابة القرن وإلى الساعة ـ إضافة لما جلبه على الأمة من ذل وهزائم، وتخلف ودمار فهو ـ بحكم مناقضته لعقيدة الأمة ودينها ـ لم يستطع أن يحقق شيئا من أهدافه التي ملأ بها الدنيا ضجيجا وعويلا..!
على المستوى الوحدة العربية هل حققوا شيئا..؟ بل هم من تفرق وتشرذم إلى آخر، ومن ضعف إلى آخر، والعجيب حقا أنهم يستدلون بالوحدة الأوربية على إمكانية تحقيق الوحدة العربية على أساس قومي..
ولهؤلاء نقول:
الوحدة الأوربية لم تقم على أساس قومي، فهي من قوميات شتى ومختلفة.. ولكن الذي جمع فيما بينها على تعدد قومياتها أمران: الدين.. والمصلحة، لذا نجدهم إلى الساعة لم يسمحوا بانضمام تركيا إلى وحدتهم رغم أنها دولة علمانية ويعادي العسكر فيها كل ما له علاقة بالإسلام والمسلمين، والسبب أنها لم تصنف كدولة مسيحية كباقي دول الاتحاد الأوربي!
القوميون العرب وإن كانوا قد يظهرون بأنهم حريصون على المصلحة إلا أنهم ليسوا بحريصين على الدين الإسلامي، ولا على التعامل معه كسبب لا يمكن للعرب أن يجتمعوا إلا عليه.. ولا يمكن أن يكون لهم شأن إلا به.. ثم ليتهم انتهى موقفهم عند عدم الاهتمام والحرص.. بل تعدوا ذلك إلى إعلان الحرب الشعواء على الإسلام وأهله وكل ما يمت لهذا الدين من صلة.. فحق عليهم هذا الذل والتفرق والعذاب، والدمار!
وهؤلاء القوميين حتى على المستوى التضامن والدفاع العربي المشترك لم يحققوا شيئا.. فهم بعضهم على بعض أعداء ألداء أكثر مما هم على أعداء الأمة من خارجها.. بل هم يد مع العدو الخارجي المستعمر على بعضهم البعض!
وكذلك على مستوى التضامن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي العربي لم يحققوا شيئا.. فهم من تخلف إلى تخلف، ومن فقر إلى فقر.. ومن جهل إلى جهل!
وحتى دندنتهم ومسرحياتهم عن تحرير البلاد المغتصبة في فلسطين وغيرها لم يفعلوا شيئا فيه خير.. بل هم من خيانة إلى خيانة.. ومن هزيمة إلى أخرى.. إلى أن أوصلوا الأمة إلى موصل لا تحسد عليه!
ومع كل ذلك وبعده نجد بعض الكتاب المعاصرين وبعضهم من ذوي الاتجاه الإسلامي أيضا يمدون لهم حبلا من القوة والحياة بمداهنتهم، والاعتراف بمنهجهم البائد وتوجههم القومي.. على اعتبار أنه لا تعارض البتة بين العروبة والتوجه القومي وبين الإسلام، وأن المعركة بينهما مفتعلة لا مبرر لها.. {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}.
معاشر السادة النبلاء :
كثير من هذا البحث الموجز عن القومية العربية قد أستقيناه من كتابة الشيخ عبد المنعم، فنسأل الله له التوفيق والسداد.
=============(39/69)
(39/70)
العروبة والإسلام
[الكاتب: أبو بصير الطرطوسي]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.
لم يعمل الإسلام على تغييب وإلغاء القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان، من حيث وجودها ومن حيث انتساب الإنسان لتلك القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان وما أكثر الأدلة الشرعية الدالة على ذلك.
فلم يمنع المرء من أن يقول عن نفسه بأنه عربي أو فارسي أو رومي، أو يمني أو شامي، أو قرشي أو خزرجي .. كما لم يمنعه من التعبير عن الحب والحنين لما ألفه من أوطان وديار .. فهذا وارد، والشارع أقره ولم يلغه، ولا أظنني بحاجة للاستدلال على مشروعية ذلك إذ أنه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة .. لا يجادل فيها اثنان.
ولكن الذي منع منه الإسلام وعمل على إلغائه هو تلك العصبيات الجاهلية لتلك القوميات والجنسيات، ولتلك الأوطان، والقبائل، وغيرها من المسميات والانتماءات التي تغيب الولاء والبراء في الله.
كما منع أن يكون التفاضل بين الشعوب على أساس الانتماء لتلك القوميات والجنسيات والأوطان، وجعل ميزان التفاضل والتمايز بين العباد مقصورا ومحصورا على ميزان التقوى، والأحسن عملا بغض النظر عن الجنس أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الموطن، كما قال تعالى:? { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ?} وقال تعالى:? { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور }.
لا يجوز أن ننتقص دور العرب كمادة لنصرة قضايا الإسلام وعقيدته، ارتبط مصيرهم بمصير هذا الدين عزا وذلا، عزا إن نصروه، وذلا إن خذلوه وتخلوا عنه، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" كنا في الجاهلية أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله ".
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله، قال: حدثتني أم شريك أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال:" ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال ". قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال:" هم قليل "[1].
فسؤال أم شريك عن العرب يومئذ يوحي بما يجب على العرب خاصة من نصرة لهذا الدين؛ وكأنها تريد أن تقول: كيف يؤول أمر الناس إلى أن يلتحقوا بالجبال خوفا من الدجال .. والعرب موجودون .. " فأين العرب يومئذ " يا رسول الله الذين من شأنهم نصرة هذا الدين ودفع طغيان الطواغيت؟!
فأجابها صلى الله عليه وسلم" هم قليل "؛ أي هم قليل يومئذ ..!
لماذا هم قليل ..؟!
هم قليل لأنهم مادة الجهاد والاستشهاد .. فما أن ينادي منادي الجهاد في أي بقعة من بقاع الأرض إلا وتجد من العرب من يلبي ذلك النداء .. وفي كثير من الأحيان يكونون قادة الجهاد وعصبه وركنه وطليعته[2] .. ومن كان كذلك لا شك أنه عرضة للقتل والموت والاستشهاد .. لذا فهم قليل[3]!
وفي الحديث الضعيف:" أحبوا العرب وبقاءهم؛ فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم ظلمة في الإسلام "[4].
هذه المكانة للعرب في الإسلام لا يجوز أن ننكرها أو نجحدها، ولكن لا يجوز أن تكون كذلك مدعاة أو مبررا للدعوة إلى العروبة أو " القومية العربية " التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة والحياة، وعلى تكريس مبدأ عقد الموالاة والمعاداة، وكذلك تقسيم الحقوق والواجبات على أساس الانتماء القومي للجنس العربي بغض النظر عن العقيدة والدين والعمل .. ومبدأ ? إن أكرمكم عند الله أتقاكم ?.
فالقومية العربية أو العروبة بهذا المفهوم الآنف الذكر هي دعوة عصبية جاهلية نتنة حرمها الإسلام وحذر منها أيما تحذير، كما في الحديث، فقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ".
وقا صلى الله عليه وسلم :" إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ".
وقا صلى الله عليه وسلم :" من ادعى دعوى الجاهلية فإنه جثا جهنم ـ أي من جماعات جنهم ـ فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله التي سماكم: المسلمين، المؤمنين، عباد الله ".
وقا صلى الله عليه وسلم :" ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية ".
وقا صلى الله عليه وسلم :" إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا ".
وقا صلى الله عليه وسلم :" لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب ".
وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تحرم العصبيات القومية التي تفاضل، وتوالي وتعادي على أساس الانتماء القومي أو غيره من الانتماءات العصبية الجاهلية.(39/71)
وفي ذلك رد على بعض الدعاة والكتاب المعاصرين المصابين بلوثة الهزيمة النفسية والفكرية الذين يحاولون تزلفا مداهنة القومية والقوميين العرب على اعتبار أن ما كان من خلاف وتنافر بين الإسلام والإسلاميين من جهة وبين العروبة أو القومية والقوميين العرب من جهة ثانية لم يكن مبررا وليس له داع إذ لا تعارض بين الإسلام والعروبة، ولا بين الدعاة إلى الله تعالى وبين الدعاة إلى القومية العربية أو العروبة .. فكل منهما حاضن للآخر .. لذا فإن المعركة القديمة الحديثة بين الطرفين لا بد من أن تهدأ وتزول، ليحل مكانها التلاقي والوئام!
كثير من الدعاة والكتاب المعاصرين ـ عن قصد أو غير قصد ـ لا يفرقون بين العرب والعربي والعربية وبين العروبة، ولا بين الوطن والموطن وبين الوطنية، ولا بين العشيرة أو القبيلة وبين العشائرية أو القبلية، ولا بين الناس، والإنسان، وكرامة الإنسان وحقوقه وبين الإنسانية كشعار ومبدأ يغيب عقيدة الولاء والبراء في الله .. فيخلطون بينهما عند الحديث عنهما وكأنهما شيء واحد في الدلالة والمعنى، فيخلطون بذلك حقا مع باطل .. فيضلون ويضلون!
تراهم يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى العرب، والعربي، والعربية على شرعية مصطلح ومعنى العروبة الدال على معاني التعصب القومي المقيت والمذموم ..!
وتراهم يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى الوطن، والموطن، وحب الديار وموطن المنشأ على شرعية مصطلح ومعنى الوطنية الدال على العبودية للوطن من جهة عقد الموالاة والمعاداة، وكذلك الحقوق والواجبات على أساس الانتماء لحدود الوطن .. وتغييب وإلغاء كل ولاء وبراء يتعارض مع الولاء الوطني .. كما هو مشاهد في كثير من الأمصار!
وتراهم كذلك يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى العشيرة أو القبيلة على شرعية مصطلح ومعنى العشائرية أو القبلية التي تعني عقد الموالاة والمعاداة، والحقوق والواجبات على أساس الانتماء القبلي العشائري ..!
وتراهم كذلك يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى الإنسان، وكرامة الإنسان وحقوقه على شرعية مصطلح ومعنى الإنسانية كمبدأ يعلن الموالاة والمؤاخاة بين الإنسانية جمعاء بغض النظر عن اعتبار العقيدة والدين .. وميزان التقوى وأيكم أحسن عملا .. وهذا من التلبيس والتضليل الذي ينبغي أن نحذره ونحذر منه .. وهو كذلك علامة على حجم الهزيمة النفسية الفكرية التي يعاني منها أولئك الدعاة أو الكتاب أمام التيار القومي العروبي المهترئ المتآكل التي لم تجن الأمة منه إلا الذل والهزيمة، والتخلف والدمار!
الاتجاه القومي العروبي ـ منذ قرابة القرن وإلى الساعة ـ إضافة لما جلبه على الأمة من ذل وهزائم، وتخلف ودمار فهو ـ بحكم مناقضته لعقيدة الأمة ودينها ـ لم يستطع أن يحقق شيئا
من أهدافه التي ملأ بها الدنيا ضجيجا وعويلا ..!
لا على المستوى الوحدة العربية قد حققوا شيئا .. بل هم من تفرق وتشرذم إلى آخر، ومن ضعف إلى آخر [5]!
ولا على مستوى التضامن العربي والدفاع العربي المشترك قد حققوا شيئا .. فهم بعضهم على بعض أعداء ألداء أكثر مما هم على أعداء الأمة من خارجها .. بل هم يد مع العدو الخارجي المستعمر على بعضهم البعض!
ولا على مستوى التضامن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي العربي كذلك قد حققوا شيئا .. فهم من تخلف إلى تخلف، ومن فقر إلى فقر .. ومن جهل إلى جهل!
ولا على مستوى تحرير البلاد المغتصبة في فلسطين وغيرها قد فعلوا شيئا .. بل هم من خيانة إلى خيانة .. ومن هزيمة إلى أخرى .. إلى أن أوصلوا الأمة إلى موصل لا تحسد عليه!
ومع كل ذلك وبعده نجد بعض الكتاب المعاصرين من ذوي الاتجاه الإسلامي يمدون لهم ـ بعد أن أذلهم الله وأخزاهم ـ حبلا من القوة والحياة بمداهنتهم، والاعتراف بشرعيتهم وشرعية حكمهم وتوجههم القومي .. على اعتبار لا تعارض بين العروبة والتوجه القومي وبين الإسلام، وأن المعركة بينهما مفتعلة لا مبرر لها!
{ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا }
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[عبد المنعم مصطفى حليمة ؛ أبو بصير الطرطوسي | 5/3/1424]
[1] صحيح سنن الترمذي: 3084.
[2] حتى في هذه الأيام حيث ما من موقعة ولا ساحة يُعلن فيها الجهاد إلا ويفزع لها نخبة من شباب العرب المسلم المجاهد ملبين نداء الجهاد في سبيل الله متحدين الصعاب الجمة التي تعترض مسيرتهم وحركتهم وجهادهم .. وما أن يعلم العدو أن في الساحة مجاهدين من العرب إلا وتراه يحسب لواحدهم ألف حساب لما يرى منهم من الشجاعة، والرجولة، والإقدام!
[3] مما يدل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال:" إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقسَمَ ميراث ولا يُفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحَّاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم.(39/72)
ثم قال: فإذا كان اليوم الرابع ـ أي من المعركة ـ نَهَدَ إليهم بقيةُ أهل الإسلام فيجعل اللهُ الدَّبِرةَ عليهم ـ أي الهزيمة على أعدائهم ـ فيَقتْتُلُون مقتلة لا يُرى مثلها، وإما قال: لم يُرى مثلها، حتى أن الطائر ليمر بجنباتهم فما يُخلِّفهم حتى يخرَّ ميتاً، فيتعادُّ بنو الأب كانوا مائة، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمةٍ يُفرح، أو أي ميراثٍ يُقاسم، فبينما هم كذلك إذا سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلَفَهم في ذراريهم .."!
[3] السلسلة الضعيفة: 578. قلت: الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه صحيح قد دلت عليه مجمل نصوص
الشريعة، من ذلك ما جاء في فضل الشام وأهله، كما في قوله ?:" عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه،
وليستق من غُدره، فإن الله ? قد تكفل لي بالشام وأهله ". أي تكفل الله لنبيه بنصرة هذا الدين بالشام وأهله .. ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه.
وقال ?:" ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ". وقال ?:" لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا، لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله، وهم بالشام ". وقال ?:" إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ". وقال ?:" عقر دار المؤمنين بالشام ". وغيرها كثير من الأحاديث الصحيحة التي تدل على فضل الشام وأهله .. والشام وأهله جزء من العرب.
وهناك أحاديث عديدة كذلك تدل على فضل المدينة المنورة وساكنيها، وكذلك اليمن وأهله .. وكذلك الجزيرة العربية واستثناؤها من أن يسكنها مشرك غير موحد .. وهم جزء من العرب.
[4] يستدلون بالوحدة الأوربية على إمكانية تحقيق الوحدة العربية على أساس قومي .. ولهؤلاء نقول: الوحدة الأوربية لم تقم على أساسٍ قومي، فهي من قوميات شتى ومختلفة .. ولكن الذي جمع فيما بينها على تعدد قومياتها أمران: الدين .. والمصلحة، لذا نجدهم إلى الساعة لم يسمحوا بانضمام تركيا إلى وحدتهم رغم أنها دولة علمانية إباحية معادية للإسلام والمسلمين، والسبب أنها لم تُصنف كدولة صليبية كباقي دول الاتحاد الأوربي!
[5] والقوميون العرب وإن كانوا قد يظهرون بأنهم حريصون على المصلحة إلا أنهم ليسوا بحريصين على الدين الإسلامي، ولا على التعامل معه كسبب لا يمكن للعرب أن يجتمعوا إلا عليه .. ولا يمكن أن يكون لهم شأن إلا به .. ثم ليتهم انتهى موقفهم عند عدم الاهتمام والحرص .. بل تعدوا ذلك إلى إعلان الحرب الشعواء على الإسلام وأهله وكل ما يمت لهذا الدين من صلة .. فحق عليهم هذا الذل والتفرق والعذاب، والدمار!
================(39/73)
(39/74)
الاحتفال بالأعياد القومية
فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 160)
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فى احتفال بعض الدول بأعياد مثل أعياد النصر وعيد العمال وعيد رأس السنة وغيرها ؟
الجواب
فى بحث طويل فى الجزء الثانى من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " جاء أن كلمة الأعياد تطلق على ما يعود ويتكرر ، ويغلب أن يكون على مستوى الجماعة ، سواء أكانت الجماعة أسرة أو أهل قرية أو أهل أقليم ، والاحتفال بهذه الأعياد معناه الاهتمام بها ، والمناسبات التى يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة وقد تكون دينية أو عليها مسحة دينية، والإسلام بالنسبة إلى ما هو دنيوى لا يمنع منه ما دام القصد طيبا ، والمظاهر فى حدود المشروع ، وبالنسبة إلى ما هو دينى قد يكون الاحتفال منصوصا عليه كعيدى الفطر والأضحى، وقد يكون غير منصوص عليه كالهجرة والإسراء والمعراج والمولد النبوى ، فما كان منصوصا عليه فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجه الذى شرع ، ولا يخرج عن حدود الدين ، وما لم يكن منصوصا عليه ، فللناس فيه موقفان ، موقف المنع لأنه بدعة ، وموقف الجواز لعدم النص على منعه ، ويحتج أصحاب الموقف المانع بحديث النسائى وابن حبان بسند صحيح أن أنسًا رضى اللّه عنه قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال " قد أبدلكم اللَّه تعالى بهما خيرا منهما ، يوم الفطر ويوم الأضحى " فكل ما سوى هذين العيدين بدعة ، ويرد عليه بأن الحديث لم يحصر الأعياد فيهما ، بل ذكر فضلهما على أعياد أهل المدينة التى نقلوها عن الفرس ، ومنها عيد النيروز فى مطلع السنة الجديدة فى فصل الربيع ، وعيد المهرجان فى فضل الخريف كما ذكره النويرى فى " نهاية الأرب " وبدليل أنه سمى يوم الجمعة عيدا .
ولم يرد نص يمنع الفرح والسرور فى غير هذين العيدين ، فقد سجل القرآن فرح المؤمنين بنصر اللَّه لغلبة الروم على غيرهم بعد أن كانوا مغلوبين " أوائل سورة الروم " .
كما يردُّ بأنه ليس كل جديد بدعة مذمومة ، فقد قال عمر فى اجتماع المسلمين فى صلاة التراويح على إمام واحد " نعمت البدعة هذه " .
فالخلاصة أن الاحتفال بأية مناسبة طيبة لا بأس به ما دام الغرض مشروعا والأسلوب فى حدود الدين ، ولا ضير فى تسمية الاحتفالات بالأعياد ، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء
============(39/75)
(39/76)
ما رأيكم في الدعوة إلى القومية
مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 4 / ص 167)
س 7 : ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر أو اللغة مقدم على الانتساب إلى الدين ، وهذه الجماعات تدعي أنها لا تمادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه . ما رأيكم في هذه الدعوى ؟
ج7 : هذه دعوة جاهلية لا يجوز الانتساب إليها ولا تشجيع القائمين بها ، بل يجب القضاء عليها . لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها ، وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها . لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة وأدبا وخلقا ، وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها وأدبا وخلقها ، ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه .
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد للإسلام وأهله ، وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته : ( نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ) وإليكم نسخة منه لتنقلوا منه ما شئتم وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه .
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
==============(39/77)
(39/78)
الدعوة إلى القومية دعوة جاهليلة
فتاوى إسلامية - (ج 1 / ص 194)
ص 168 الدعوة إلى القومية دعوة جاهليلة
س ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر أو اللغة مقدم على الانتساب إلى الدين ، وهذه الجماعات تدعي أنها لا تمادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه . ما رأيكم في هذه الدعوى ؟
ج7 هذه دعوة جاهلية لا يجوز الانتساب إليها ولا تشجيع القائمين بها ، بل يجب القضاء عليها . لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها ، وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها . لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة وأدبا وخلقا ، وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها وأدبا وخلقها ، ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه .
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد للإسلام وأهله ، وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته ( نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ) وإليكم نسخة منه لتنقلوا منه ما شئتم وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه .
الشيخ ابن باز
============(39/79)
(39/80)
من القومية إلي الوطنية
مجلة البيان - (ج 10 / ص 42)
ناصر إبراهيم البريدي
احتل الاستعمار بلاد المسلمين سنوات طويلة ، وقد بذل في هذه السنوات من الجهود الجبارة لحرب الإسلام والمسلمين ، ما يعجز القلم عن تسطيره في مثل هذه العجالة ، ولم يخرج منها إلا وقد اطمأن إلى أنه قد خلف جنودًا يحملون رسالته ، ورجالاً يذبون عن أهدافه ، يحيون ويموتون في سبيله ، وإن كانوا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ، كثير منهم يركعون ويسجدون معنا ويصلون في مساجدنا .
ولمواجهة الخلافة الإسلامية - التي كانت قائمة في آخر عهد الدولة العثمانية- تبنى الاستعمار لغة القوميات التي أتت على أمتنا بالشرور والويلات .
وبعد أن قضى على الخلافة العثمانية ، جاءت اتفاقية (سايكس - بيكو) التي قطعت فيها الأمة العربية إلى دويلات ، وشتت شمل المسلمين من خلال تلك المؤامرات. وبعد أن ارتفع صوت القومية طويلاً وأدى جزءاً من الأهداف المرسومة له ، ظهرت دعوة أخرى - لا تقل خطرًا عن مؤامرة القوميين - تلك هي الدعوة إلى الوطنية ، واتخاذ الوطن إلهًا يعبد من دون الله ، وارتفع صوت الوطنيين في كثير من الدول الإسلامية يدعون إلى مبادئ تخالف دعوة الإسلام ، وتدعو إلى الانصهار في بوتقة الوطن ، واعتباره رابطًا قومياً يعلو فوق كل الروابط.
ولم يدر أولئك - ولربما علموا - ما يحمل هذا الفكر الخبيث من سموم ، وما سيجره على الأمة من مصائب ونكبات .
إننا في الوقت الذي تتداعى فيه أمم الكفر على أمتنا ، وتجتمع علينا في إطار عقيدة واحدة ، نجد بيننا من يرفع شعارًا يمزقنا ، ومبادىء تفرقنا .
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث في قوم تحكمهم العصبيات ، وتسودهم الوثنيات ، فكان السلاح الذي رفعه - صلى الله عليه وسلم - في وجه أولئك هو الإسلام ، الذي جمعهم بعد تفرق ، وذابت فيه كل الفوارق والألوان والجنسيات والطبقات .
وفي ظل الإسلام عقدت أعظم مؤاخاة في التاريخ ، جمعت العربي مع الرومي ، والفارسي مع الأوسي ، والحبشي مع الخزرجي ، ولم يكن هناك أي اعتبار لميزان الجنس واللون والوطن .
وإن أخطر ما في مثل هذه الدعوة أن بعض المسلمين يتحمس لها ويدافع عنها بحسن نية وسلامة مقصد ، بل وتجدهم يرددون ما يزعمون أنه حديث نبوي (حب الوطن من الإيمان) وهو حديث موضوع(1) لا يجوز الاحتجاج به ولا الركون إليه .
وأشير هنا إلى أن حب الوطن أمر غريزي جبلي لا يستطيع الإنسان أن ينكره أو ينفيه ، ولكن الخطر الداهم أن كثيرًا من دعاة الوطنية اتخذوه صنماً يعبد من دون الله ، وتخلوا على مبادئهم الإسلامية باسم الوطنية ((ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)) [البقرة:165].
ولنقرأ مقاطع من مقالة كتبها أحد أولئك حيث قال: " ليس أغلى على الإنسان أو غيره من الوطن ، من الأرض ، من التراب الذي يخصه ، وعلاقة الإنسان وغير الإنسان بأرضه علاقة تختلف عن كل علاقة ، فهي أصلب ، وهي أشد".ثم يمضي الكاتب في غلوه ، فيقول:"ليس ثمة ما هو أرقى من العلاقة بين المخلوق وتربته وأرضه ووطنه".
ولم يكتف بذلك ، بل جاءت القاصمة - التي لا تقصم الظهر ، ولكن تقصم الدين-:
" إن كل شيء يذهب ويتلاشى ، إلا حب الأرض ، حب الوطن ، هو الذي يستمر مشتعلاً في الذات دائمًا أبدًا ، كالوشم الذي لا يتغير".
هذه النتيجة المتوقعة من أدعياء الوطنية ، وهذا الكاتب لا يعبر عن نفسه ، ولكنه خريج مدرسة قائمة ، علمته: كيف يحب ، ومن يحب ، ومتى يحب .
نسي هذا الكاتب -أو تناسى-أن الحب في الله ، والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ، وتجاهل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»(2).
ونتيجة لهذا الغلو والإفراط أصبحوا من أجل الأرض يحبون ، وفي سبيل التراب يبغضون ، وفي ذات الوطن يوالون ويعادون .
نعم . . كل إنسان يحب وطنه ، ولكن المسلم يجعل هذا الحب في إطاره الصحيح ، فهو حب طبيعي فطري ولكنه لا يقدمه - بحال من الأحوال - على حب الله وحب رسوله ، ولا يساويه بحب دينه ، بل ولا يرقى حب الوطن إلى حب الوالدين .
إذا هو حب يحكم بحب أسمى منه والعلاقة بالوطن تخضع لعلاقة أقوى منها.
أما أن يصل حب الوطن إلى أن يقول شاعرهم :
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسي
فهذا حب لا يقره الإسلام ولا يرضاه بل يمقته ويأباه.
إن حقيقة الدعوة للوطنية تبرز عندما تتعارض مصلحة من مصالح الوطن - الموهومة - مع مبادئ الإسلام وقيمه الحقيقية ، نجد إن دعاة الوطنية يقدمون تلك المصلحة الظنية على ما يقره الإسلام ويدعو إليه .
ولأولئك نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد ذم المنافقين الذين فضلوا البقاء في الأوطان على الخروج منها للجهاد في سبيل الله فقال :
((ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً)) [النساء:66].(39/81)
وأخبر سبحانه عن النهاية المخزية للذين رفضوا الهجرة وارتدوا عن دينهم إيثارًا لحبهم لأوطانهم ، وتفضيلها على حب الله ورسوله .
((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:97].
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحب مكة ، ولكنه قدم الهجرة فرارًا بدينه على حب وطنه ، وكذلك فعل صحابته الكرام ، وهكذا يكون حب الوطن والولاء له ليس حبًا مطلقًا ولا ولاء محررًا من كل قيد ، كما يريد أولئك الأدعياء .
وأقول بصدق: إن الذي يزعم حب الوطن حبًا مجردًا من مبادئ الإسلام وضوابطه إنه كاذب في زعمه خائن لوطنه وأمته ، هو أول من ينسحب في معركة الذب عنه والدفاع عن حرماته ، وما قصة المنافقين في"أحد" إلا برهان قوي للرد على هؤلاء ، وفي "الأحزاب" خير دليل على حقيقة مواقفهم :
((وإذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ويَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ومَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إن يُرِيدُونَ إلاَّ فِرَاراً * ولَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا ومَا تَلَبَّثُوا بِهَا إلاَّ يَسِيراً * ولَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً))[الأحزاب:13-15].
وأحداث أفغانستان شاهد حي على مواقف المجاهدين الصادقين ، الذين أبلوا بلاء حسنًا في الذب عن ديارهم وبلادهم ، ومواقف الذين يجعجعون بالوطنية ، فلما جد الجد ونادى منادي الجهاد: ((ولَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً))[الإسراء:46].
فبان الصادق من الكاذب (3) والوفي من الخائن ، فاعتبروا يا أولى الأبصار.
__________
1- هذا حديث موضوع ، وانظر تخريجه في :
1 - موضوعات الصنعاني ، ص 47 ، حديث رقم 81 ، بتحقيق نجم عبد الرحمن خلف ، وفي الهامش كلام قيم.
2- المقاصد الحسنة ، ص 173 ، رقم 386 وقال لم أقف عليه.
3- كشف الخفاء ، للعجلوني ، ص345 ، 346? رقم1102 ، وفيه كلام طيب .
4- الموضوعات الكبرى لعلي القاري ، ص181 ، 182? بتحقيق الشيخ محمد الصباغ .
2- أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان .
3- لان المؤمن مطالب بأن يدافع عن وطنه وعن حرماته ، وهو داخل في دفاعه عن دينه وعقيدته ، لأن استباحة الوطن المسلم استباحة للدين .
==============(39/82)
(39/83)
مشكلة الفرات من نتائج العصبية القومية
مجلة البيان - (ج 26 / ص 73)
أبلت الصحف والمجلات العربية بلاء حسناً في عرض قضية "نقص المياه" و "حرب المياه". وقدمت تحليلات كثيرة حول هذا الموضوع الذي أبرزته واهتمت به الصحافة العالمية. وأشارت إلى أن الحرب المقبلة التي قد تنشغل بها الدول العربية فيما بينها ، أو فيما بينها وبين جيرانها في المستقبل قد تكون حروباً على المياه ، وأن تركيا تريد أن تسخر موضوع المياه لتحقيق أغراض سياسية واستراتيجية في المنطقة.
وقدمت هذه الصحف بعض الأرقام الإحصائية التي أصدرتها دول حوض الفرات عما يمكن أن يكون تصوراً أولياً عن نسبة استحقاق كل دولة من ماء الفرات ، وعما تنوي أن تحتجزه تركيا من مائه، وما سمحت بمروره،وعن مستقبل توزيع الحصص. وهناك ملاحظات حول المعلومات والتحليلات التي تضمنتها هذه الصحف ، ومن ذلك :
1 -كان هذا الموضوع متشابهاً حيث عرض ، وكانت أكثر الصحف تنقل عن بعضها الأرقام والنتائج المتوقعة ، وليس من اختلاف إلا في التلاعب في بعض الجمل والألفاظ الرابطة، والتي يظن المحررون بسذاجة أنهم - بمهارتهم وحنكتهم -يستطيعون أن يقنعوا القراء أنهم يحققون سبقاً صحفياً لمطبوعاتهم؛ سواء على مستوى أهمية القضية وما تمثله في الواقع ؛ أو على مستوى تحليلها.
2 -كل التحليلات العربية تقريباً كانت تتكئ على التحليلات الغربية ونظرتها المسبقة المغرضة إلى المنطقة ، أي تناول القضية وكأنها بنت الواقع الحالي دون ربطها بقرائنها التاريخية والجغرافية ، والنظر إلى أن الحالة الراهنة هي حالة مطلقة لن يدركها التبديل ولا التحويل.
ولتوضيح ذلك نقول :
إن الأوربيين - مؤرخين، وصحفيين، ومفكرين - لا ينظرون إلى العالم العربي كوحدة فكرية وتاريخية بينها من الروابط ما بين أقاليم فرنسا ، أو بريطانيا ، أو إيطاليا ، أو غيرها؟ بل ينظرون إلى العرب كما يحبون أن يروهم : منقسمين على أنفسهم ، بينهم من الخلافات العميقة التي يستحيل حلها، ولا شيء يجمعهم، وأن هذه الحدود التي تفصلهم هي حدود أزلية أبدية! وكأنهم ليسوا هم الذين رسموا هذه الحدود على الورق أولاً ، ثم نفذت على الأرض ثانياً ، لا العكس - كما هو الطبيعي في كل البلاد ، ما عدا تلك التي فتحها المسلمون ؛ أو دخلها وانتشر فيها الإسلام!
يتجاهل هؤلاء الأوربيون في تحليلاتهم أن الحدود بين العراق والشام، وبينهما وبين تركيا بل الحدود بين دول المشرق العربي جميعها؛ لم تبرز إلا بعد اتفاقية سايكس -بيكو عام 1916 وأنها لم تنفذ على هيئتها الحالية تقريباً إلا بعد عام 1920.
إن النظرة التي ينظر بها الأوربيون إلى هذه البلاد هي أنها بلاد كانت مشرعة الأبواب على مصاريعها ، تدخلها الموجات البشرية الغازية من جهاتها الأربع. وأنهم إذا حدوا لكل رقعة حدوداً ، ورسموا لها مجالاً لا تتعداه؛ فقد أسدوا إليها معروفاً لا ينبغي أن ينكر أو ينسى.
ولكن ، هل بقيت كلمة حول قضية المياه لم تطرح؟ أو شيء غامض لم يكشف عنه الحجاب؟.
والجواب : نعم ، هناك مسألة يمليها التصور القائم على أساس الإسلام ، وتتهرب الصحافة العربية التي تسير على هدي الصحافة الغربية من تناولها من هذه الزاوية. وسواء كان هذا التهرب جهلاً أو تجاهلاً؛ فالنتيجة واحدة.
هذه المسألة هي مسالة القومية التي استوردناها - عرباً وأتراكاً - من الغرب ، فنفخت في أنوفنا ، وأعمتنا عن رؤية الحقائق كما هي ، وجعلتنا نتعصب للجنس على حساب الحق ، ونبرز الفوارق العنصرية ، ونخفي ما نتفق عليه ، والذي هو مبرر عزتنا ، وعنوان حضارتنا - وهو الإسلام الذي خرجنا بفضله من الظلمات إلى النور ، وقدمنا عن طريقه إلى العالم شيئاً نعتز به ونفتخر ، والذي قد لا تزول كراهية الغرب بتاتا للعرب وغيرهم من أمم الشرق إذا تخلوا عنه؛ ولكن ستكون كراهيتهم لهم ما داموا يعتزون به ولا يرضون عنه بديلاً أكثر وأكبر.
إن القضايا الاقتصادية التي تؤثر على العلاقات بين الشعوب لا تعالج معالجة معزولة عن القضايا النفسية والتاريخية التي توجه هذه الشعوب ، ونعني بذلك هنا قضايا العقائد والمبادئ. هناك عقائد ومبادئ تتصارع على هذه الرقعة من العالم ، هناك قوى ظاهرة تتحرك تحت الشمس ، وقوى خفية تتحرك في الظلام ، والقوى الظاهرة والخفية لم تتوقف يوماً عن محاولات العبث في أمن هذه المنطقة المهمة من العالم ، ولا تريد لها أن تهدأ أو تستقر.
لقد نجح الاستعمار وأعوانه أن يصدروا إلينا "النظرية القومية" ، ويغرسوا العنصرية التي ألوت بمجد العرب والترك ، وأضرت بهم محلياً وعالمياً ، وجعلتهم يتسولون القروض والحسنات من الغرب الصليبي والشرق الملحد ، وغادرتهم مجرد صغار لا قيمة لهم ، وسلعاً للمساومة لا حول لها ولا قوة.(39/84)
إن كل نظرية لا بد لها من ثمار ونتائج ، وإن هذه الثمار والنتائج تقوم بما تعطيه من خير لمصلحة أكبر عدد من المنتفعين بها ، وخير المعنيين بها مباشرة وإن العصبية القومية التي مزقت البشرية ، وكنا نحن - المسلمين - أشد ضحاياها غباءً ، لما نملك من أسباب الهداية؛ لم تثمر لنا إلا مر الثمر ، ولم نجن من ورائها إلا السراب! نعم ، استفاد منها قوم؛ استفاد منها الغرب وأعوانه ، واليهود وأشياعهم ، واستفاد منها من يتاجر بآلامنا وفرقتنا ، ويراهن على زوالنا واندثارنا.
ماذا ينتظر الذين جروا - ويجرون - وراء الغرب الذي طغى في البلاد ، فأكثر فيها الفساد ، ونشر فيها الأوبئة النفسية والجسدية؛ نشر الأفكار الهدامة كالقومية والمبادئ الباطلة كالشيوعية والوجودية ، وضمن حرية التحلل الخلقي وصدر الإيدز وسائر الأمراض "الإفرنجية".. ماذا ينتظرون من نتائج لما صنعته أيديهم التي نفذت خطط "لورانس" ، والتي كانت تهدف - فيما تهدف إليه -إلى دق إسفين سميك عريض في علاقة العرب والترك ، والقضاء على رابطة الدين الإسلامي التي تجمعهم.
لا شيء ينتظر إلا مزيداً من التمزق والحروب والويلات التي تذهب هذه الشعوب الإسلامية وما تثمره وتملكه وقوداً لها.
إن العصبية القومية تستمد غذاءها من الجانب المظلم من الإنسان ، يل من الجزء الحيواني فيه؛ من الأثرة ، والشح ، والحقد ، والكراهية ، والحسد ، ومن حب التسلط والتفاخر والتعالي على الآخرين بقهرهم.. ومن سائر الأهواء الشخصية والجماعية.. في حين أن الرابطة الإسلامية رابطة اختيارية متطلعة إلى الحق ، وتستمد شرعيتها من وعي الإنسان بذاته ، ومن إدراكه لدوره الذي حده خالقه له ، هذا على المستوى الفردي ، أما على المستوى الجماعي؛ فإن الرابطة الإسلامية هي التي جعلت للعرب دوراً تاريخياً على الأرض ، وحملهم هذه الرسالة إلى العالمين هو الذي يحترمهم من أجله من يحترمهم من أهل الحق ، ويكرههم من أجله من يكرههم من أهل الباطل. وفضلهم يتجلى في تضحياتهم وبلاءاتهم الأولى التي دخل بسببها من دخل في الإسلام من الشعوب الأخرى. ومن ينكر فضل العرب في ذلك فهو إما مكابر متعصب؛ أو جاهل يحتاج إلى نصح وتعليم.
على أن كل هذا لا يجوز أن يعطي العرب حق التسلط على غيرهم من الشعوب وهضمهم وتنقصهم ، والنظر إليهم من فوق؛ بل ينبغي للعرب وغير العرب من المسلمين أن يقولوا:((الحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي هَدَانَا لِهَذَا ومَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)) .
إن ما بين العرب والترك من العلائق والروابط الطيبة أكثر بكثير من الاختلافات التي ضخمها أعداؤهم ، ونجحوا في زرع العداوة بسببها بينهم. وإن علاج مشكلة المياه يكون بإبراز تلك العوائق والروابط والتذكير بها ، فالعرب والترك مسلمون ، والعرب والترك كانوا أمة واحدة ، هدفها واحد ، وعدوها واحد ، وهم الآن متجاورون ، لا زال الهدف واحداً ، والمصير واحداً ، والعدو هو هو.
ولست أدري ، بل ولست أعقل : كيف تجتمع دول أوربا على أمور تحرم علينا نحن المسلمين ، ولئن كانت هناك نقاط التقاء بين الطليان الكاثوليك والإنكليز البروتستانت وبين الألمان البروتستانت والإسبان الكاثوليك.. يجتمعون عليها ويستثمرونها في تقوية أنفسهم وفيما يعود بالفائدة على شعوبهم؛ أفليس بين العراق والشام من روابط يبنى عليها؟! أليس بيننا - نحن العرب - وبين الأتراك من العلائق ما بين الأوربيين؟! إي والله بل أكثر!! لو أنصف المتنفذون من هؤلاء وهؤلاء.
بعد أن تفرق المسلمون إلى قوميات ، وانشعبت القوميات إلى وطنيات ، وأشرفت الوطنيات أن تتطاير طائفيات؛ فإن هذا ليس بمقنع أعداءهم ، بل لن ينثنوا عن الانقضاض بكل الوسائل عليهم حتى يستحيل عليهم الخروج مما رموا به.
ومع هذا فإن أخطاء التاريخ قابلة للتصحيح إذا ما صحت العزائم وخلصت النوايا ، ورزقت الأمة برواد تلتف حولهم ، فيخرجون بها من الضيق إلى الرحابة ، ومن التبعية إلى امتلاك القرار.
وإذا كان يصعب علينا أن نطالب بوحدة أقطار حوض الفرات - لأن هذا قد يكون غير واقعي ، وإغراقاً في الخيال ، وأحلام يقظة - فلا أقل أن تتذكر أن بينها أرحاماً قطعت ولا يستحيل وصلها؛ وقدراً مشتركاً من العلاقات التاريخية ، وبعد كل ذلك وقبله؛ جواراً أبدياً. وإن مما أمر الله به الإحسان إلى الجار ذي القربى ، والجار الجنب ، والصاحب بالجنب .
==============(39/85)
(39/86)
القومية والقطرية
مجلة البيان - (ج 71 / ص 4)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
فمنذ أشرقت شمس الإسلام على بطاح مكة المكرمة مؤذنة بظهور هذا الدين الجديد، وصاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم -يعلنها مدوية في سمع الزمان مبيناً عالمية رسالة الإسلام حيث يقول: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي «وعَدّ منها (وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس كافة) «وأكد ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً))، وقوله: ((وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين))، ودخل الناس في دين الله أفواجاً وقامت دولة الإسلام بالمدينة وصدقت نبوءة الرسو صلى الله عليه وسلم باتساع دولة الإسلام حينما جاءه بعض الصحابة يشكون له أذى قريش فبين لهم أن الله سيتم هذا الأمر ،"حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله" ، وفي رواية: "والذئب على غنمه" رواه البخاري.
فلم يكن للمسلم منذ صدر الإسلام وعصوره المتتالية جنسية سوى عقيدة التوحيد ، لا يعرف جواز سفر ، ولا بطاقة تعريف ، سوى أنه مسلم يدين بالإسلام حتى انتهى العالم الإسلامي في عصوره المتأخرة إلى الوقوع في أتون النعرات القومية ، التي كانت بضاعة مستوردة ، أدت إلى نشوء النزعات الجاهلية التي جاء الإسلام لوأدها وهدمها ، لكنها عادت يوم ضعف الدين في النفوس ، ولم يعد له الحاكمية على الناس ، منذ أن دعا القوميون العرب لنعرتهم القومية خلال العشرينات ، التي كانت ردة فعل للقومية الطورانية التركية، مما أدى إلى سقوط جل الدول العربية تحت سيطرة الاستعمار الأجنبي.. وحينما قام المجاهدون يدافعون عن حمى الإسلام ضد التسلط الأجنبي سُرقت ثمرات الجهاد فتحول في أواخره من جهاد في سبيل الله إلى حركات وطنية استقلالية بمنطلقات علمانية وقومية جاهلية ، أطالت من عمر الاحتلال يوم اصطنع المحتلون نفراً من أولئك القوم مكنوا لهم ، فكانوا في عدائهم للإسلام ودعاته أعظم من الأجنبي يوم كان محتلاً لديار الإسلام.
ومن العجيب أن يكون أكثر دعاة القومية العربية من النصارى ومن العجم ويا ليتهم اعتزوا بأخلاق العروبة وآدابها التي هي أقرب ما تكون إلى الإسلام بل إن الإسلام أقر الصالح منها مثل: الكرم ، والوفاء ، بالعهد ، والحفاظ على الجوار وحماية العرض، وكان مِنْ عرب الجاهلية مَنْ لا يقر الظلم والبغي؛ لذا قام نفر من أعيانهم بحلف الفضول، ذلك الحلف الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لقد شهدت بدار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعي به في الإسلام لأجبت«، لكنهم داسوا تلك الخلال ولم يحترموها فضلاً عن أن يطبقوها بوحي من إيمانهم بشريعة الإسلام، فجاؤوا بدساتير أجنبية مستوردة، لا تقيم لشريعة الإسلام أي احترام، بعد أن نَحّاها المستعمر، فلم يبق منها سوى أطلال تتمثل في بعض قوانين الأحوال الشخصية؛ وحينما انتقدت تلك النزعة العلمانية قال بعضهم خداعاً أو جهلاً: (الإسلام تراث من تراث القومية العربية ومحمد - صلى الله عليه وسلم -بطل من أبطالها)،لقد كان التوجه القومي في البلاد العربية مظهر انحطاط وانهزامية لأمتنا ، إذ كانت ثماره المرة ما يلي:
1- خسران الحروب التي دخلها العرب في تلك الحقبة.
2- تنحية شريعة الإسلام عن الحكم.
3- اضطهاد الحركات الإسلامية ورموزها ما بين قتل وسجن وتشريد.
4- لم تسلم دولة عربية مجاورة لأخرى من حروب ونزاعات على الحدود.
5- تشجيع النزعات العنصرية في جل الدول العربية من الفرعونية والآشورية والبربرية، ونشوء أحزاب علمانية تدعو لتلك التوجهات الشعوبية المشبوهة.
6- الانهيار الاقتصادي لاسيما الأخذ بالتوجهات الاشتراكية وما سواها من الاتجاهات الليبرالية التي لم تذق منها الشعوب العربية سوى الجوع والمسغبة.
7- هرب كثير من العلماء التقنيين خارج العالم العربي لعدم احتوائهم من ناحية، أو مخالفتهم لتوجهات أولئك الحكام من ناحية أخرى.
هذه بعض من نتائج ومعطيات الحقبة القومية، التي بليت بها أمتنا ومازالت.
لقد كانت القطرية موجودة في كثير من الدول العربية قبل حرب الخليج وبعدها بكل ما أنتجته من تغيرات استراتيجية وميدانية أخذت وبشكل واضح اتجاهات انكفائية تتلبّس لبوس الوطنية وتنظر من خلالها إلى ذاتها وأمنها نظرة خاصة وتجعل من مصلحة النظام الحاكم المحور المعوّل عليه في بناء سياستها وتوجهاتها، لا تنظر معها إلا لمصالحها فقط، حتى ولو كانت مع العدو نفسه.
إن تلك النزعة الانكفائية، مظهر تخلف ولا شك لأنها لا تتنافى والطموحات القومية المزعومة فحسب، بل إنها قبل ذلك تتصادم مع حقائق الإسلام وأخلاقياته، زيادة على ما تشكله من طعن مباشر في (عقيدة الولاء والبراء).
إن حب الأوطان فطرة تعيش في حنايا النفوس وتعمر بها شغاف القلوب فأوطاننا هي الأرض التي بها ولدنا وعلى أرضها درجنا ونعمنا بخيراتها وتعلمنا في مدراسها وتظللنا بوارف ظلالها.
كان بلال رضي الله عنه يهتف شوقاً لمكة المكرمة بأبيات تسيل رقة منها:(39/87)
وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامةٌ وطفيل(3)
إن تلك العاطفة فطرية في النفوس، لكن يجب أن تكون في إطارها لا أن تصل إلى حد التقديس لتراب الوطن الضيق بعيداً عن الإحساس بواجب الإخاء الإسلامي العام، وبعيداً عن الشعور بواجب النصرة لإخواننا المسلمين، وبعيداً عن تحقيق متطلبات عقيدة الولاء والبراء.
إن أمتنا العربية نكبت مع الأسف منذ نُحّيَتْ (شريعة الله) واستعاضت عنها بالتوجهات القومية، يوم حكمت الدساتير العلمانية وسارت على نهجها فلم تكن ثمارها سوى الهزائم والسقوط، ولن يكون حال التوجهات القطرية الحالية بأحسن حالاً، فحسبها أن تثير الحزازات بين الشعوب العربية حينما يكون كل شعب مشغولاً بنفسه عن إخوانه في العقيدة والدين، فإلى متى تبقى أمتنا تذوق مرارة الحرمان والانهزامية مع كل توجه علماني؟ لقد جربت الأمة شتى التوجهات الجاهلية من اشتراكية وقومية وليبرالية ولم تكن نتائج ذلك سوى حصاد الهشيم وقبض الريح.
إننا لا ندعو إلى تجريب الإسلام، بل إلى فهمه فهماً صحيحاً من مصادره الصحيحة والعودة له شريعةً حاكمة، ثم الاعتماد على النفس وأخذ السبل الموصلة للقوة القائمة على حشد كل الإمكانيات البشرية، وتقوية الاتجاهات العسكرية، والعناية بالبحث العلمي بإنشاء مراكز البحوث، والاستفادة من القدرات الهائلة من العلماء المسلمين الموزعين في شتى أنحاء العالم، وضرورة التكامل الاقتصادي، وزيادة التعاون بين الأقطار الإسلامية، وإعادة النظر في السياسة التعليمية القائمة ليس لصالح سياسة التطبيع وإنما لتخريج الأجيال القادرة على المواجهة ثقافياً وعسكرياً، والمطالبة بأن يكون لنا مكانٌ أكبر في المنظومة الدولية... ولن يتأتى ذلك بدون الانتماء لعقيدتنا الإسلامية الصحيحة قولاً وفعلاً والصلح مع إخواننا قبل الصلح مع أعدائنا.
إن العودة إلى الإسلام الحق ستحمينا من أخطارالاتجاهات المنحرفة وسلبياتها سواء أكان ذلك قومياً أو قطرياً.
============(39/88)
(39/89)
القضية الفلسطينية.. مآس متجددة بين القومية العربية و القومية اليهودية
مجلة البيان - (ج 145 / ص 50)
عبد الناصر الشعراني
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده.. وبعد:
فقد خلق الله - سبحانه وتعالى - آدم أبا البشر - عليه السلام - ثم خلق من آدم حواء، ثم جعل في ذريتهما البنين والبنات، وذلك مذكور في القرآن الكريم، في قوله - سبحانه وتعالى -:((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)) [النساء: 1]، فالنفس الواحدة هي آدم، والزوج هي حواء، أما الرجال فهم الأبناء والأحفاد، والنساء هن البنات والحفيدات.
وقد سار آدم - ومَن بعده - على تقوى من الله، ثم بدأت الفُرقة التي نفث فيها الشيطان - لعنه الله - بعدما كثر الناس، وانتشروا في الأرض، وبدأ التعصب للقبائل في الظهور، حتى أدى إلى الاقتتال بحميَّة الجاهلية، والافتخار بالانتساب إلى المفهوم القبلي الضيق، ولكن الله لم يرضَ عن تلك الجاهلية العمياء التي تجعل الانتماء الفردي للجماعة الصغيرة، أو المجتمع الكبير هو أساس كل شيء، فلا تتعدى ذلك إلى الانتماء الرحب، الذي يتعدى الفرد والجماعة الصغيرة إلى الدولة الكبرى التي تضم الأفراد والجماعات والقبائل؛ ولذلك قال الله - سبحانه وتعالى -:((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)) [الحجرات: 13]، فالتعارف وسيلة من وسائل عمران الدنيا، وأكرم الخلق أتقاهم.
وبدا ذلك جلياً في دولة الإسلام الفتيَّة التي أقامها رسول ا صلى الله عليه وسلم عندما كان يخاطب الأمة كلها، ولم يفرق بين أوس وخزرج ومهاجرين، ويمن وحبشة، بل الكل عباد الله، ولم يترك للشيطان مجالاً أو ثغرة ليجتالهم، وكان خير مثال غضبه من الفتنة التي أُثيرت بين جناحي الأنصار الأطهار (الأوس والخزرج)، واعتبرها دعوة جاهلية، وكذلك نجد الخطاب القرآني موجهاً إلى الناس جميعاً، وإذا خص المؤمنين خاطبهم جميعاً، ولم يؤلب طائفة ضد أخرى، ولم يرفع قبيلة أو جماعة، ويخفض أخرى، بل هي دعوة نورانية تسعى لتوحيد الناس تحت راية التوحيد، وتعتبر أن التعصب الأعمى - للجنس أو العرق أو غيرهما - جاهلية مقيتة، ودعوة مُنْتنة يجب أن توضع تحت أقدام المؤمنين.
ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بصور مدمرة ورهيبة للدعوات الجاهلية، التي أرادت تدمير أمة الإسلام، وقد أطلق عليها كلمة: (الشعوبية)، التي كانت في بدايتها شعوبية فارسية، ثم تعددت أصولها، وهي نزعة - في العصر العباسي - تنكر فضل العرب، وتحاول الحطّ منهم، فتخفَّت تلك الدعوة الجاهلية خلف العلويين والعباسيين؛ لتقوض حكم العرب الذين هم مادة الإسلام كما قال عمر بن الخطاب ؛ فقد كان وجود العرب المسلمين حاكمين من أكبر العوامل المحافظة على انتشار الإسلام، وانتشار اللغة العربية (لغة القرآن الكريم)، وإن حدث منهم تعصب فذلك مردود عليهم، ولا يقره الإسلام.
بل لم يجد المسلمون حرجاً - في الماضي - من أن يقولوا: "نحن عرب"، وذلك بمفهوم الاعتزاز بالإسلام، وليس بغرض الانسلاخ منه، كما تدعو القومية العربية والدعوات القطرية الجاهلية.
بل خاطبهم الرسو صلى الله عليه وسلم محذراً إياهم من قرب خروج "يأجوج ومأجوج"، قائلاً: "ويل للعرب من شر قد اقترب".
إن الإسلام عندما أشرق على شعوب الأرض جمع بين أمرين قد يبدوان متناقضين:
الأمر الأول: إذابة كل الأعراق والأجناس والانتماءات في رسالة واحدة، وهي الإسلام.
والأمر الآخر: عدم إلغاء انتماء الأفراد والجماعات للقبائل والأعراق والأجناس واللغات، فهذا عربي وهذا بربري، وهذا كردي...، لهم لغاتهم ولهجاتهم وأصولهم الموروثة، ولكن كل ذلك في إطار الإسلام، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.
وقد استمرت تلك السُّنَّة في الخلافة الإسلامية، حتى بدأ الوهن يدب في الدولة العثمانية - آخر دول الخلافة الإسلامية - فانقضَّت جماعة "الاتحاد والترقِّي" التركية اليهودية على الدولة العثمانية، فقضت عليها، وأعلنت الجاهلية الطورانية التركية، فكانت دعوة لإحياء التعصب الجاهلي للجنس التركي على حساب العرب والأكراد وغيرهم، فكان رد الفعل في الطرف الآخر (العرب) - المدعوم باليهود والأوروبيين - هو إحياء الجاهلية العربية في النصف الآخر من القرن التاسع عشر الميلادي؛ اتباعاً للأوروبيين الذين قد تعصبوا - في الماضي - لجنسهم، ثم أُزيل التعصب ظاهرياً، وصار تعاوناً على الإثم والعدوان، والله - عز وجل - يقول:((تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)) [الحشر: 14].
وفي الوقت نفسه الذي كان العرب ينْقضون عُرى الخلافة الإسلامية عُروة عروة - كان اليهود يواصلون مخططاتهم التي بدأت منذ العودة من السبي البابلي (586 - 538 ق. المجتمع .)، وسميت الحركة التي تنفذها حركة: (المكابيين)، وأول أهدافها العودة إلى صهيون، وبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى (الأسير).(39/90)
وبعد القضاء على الخلافة الإسلامية ظهرت بوضوحٍ الدعوة القومية العربية الجاهلية، وتقابلها الدعوة القومية اليهودية الجاهلية، وإن كانت تلك دعوات، وليست دعوة واحدة لكلتيهما؛ لأن داخل القومية العربية قوميات صغيرة (وطنية أو قُطرية)، وقد تُختزل تلك الدعوات، حتى نرجع إلى نظام القبائل، الذي صهره الإسلام كما ذكرت سالفاً.
وكذلك نجد تفرق الجماعات اليهودية، وقد ذكر الرسول - عليه الصلاة و السلام - افتراقهم إلى إحدى وسبعين فرقة، وقال الله - تقدست أسماؤه - عنهم:(( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)) [الحشر: 14]،ولكنني أذكرهما بصفتهما كتلتين خاضتا معارك حامية الوطيس، فخسرت الأولى خسراناً مبيناً، أما الآخرة فانتصرت انتصاراً عظيماً - لضعف الأولى - حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
العنصر الأول: الأسس النظرية لكل قومية.
العنصر الثاني: البرامج والشعارات.
العنصر الثالث: حصاد كل قومية.
أولاً: الأسس النظرية:
قبل الحديث عن هذه الأسس لا بد من تمهيد لُغوي ومصطلحي لمعرفة هاتين القوميتين.
يقول صاحب "القاموس المحيط": "القوم: الجماعة من الرجال والنساء معاً، أو الرجال خاصة، أو تدخله النساء على تبعية، ويؤنَّث، (ج) أقوام، (جج) أقاوم وأقاويم وأقائم، وقام قوماً وقومةً وقياماً وقامةً - انتصب، فهو قائم من قُوَّم وقُيَّم وقُوَّام وقُيَّام،.. والقَوَام - كسَحَاب - العَدْل، وما يُعاش به، وبالضم: داء في قوائم الشاء، وبالكسر: نظام الأمر وعماده .."(1).
إن القومية هي مصدر صناعي من (قوم)، وهي: "وعي قومي يمجد أمة معينة، ويضع التوكيد على تعزيز ثقافتها ومصالحها"(2)؛ فهي دعوة لتمجيد أمة معينة من خلال الاعتزاز بكل ماضيها القائم على الباطل، بل هناك قوميات تحارب غيرها؛ لتعيش على أنقاضه، ولا تكتفي بإبراز هويتها، كاليهود والصرب والهندوس والروس والبوذيين والأوروبيين والأمريكيين، أو باختصار: كل الكفار والمشركين والملحدين والمنافقين.
وكما يقول د. محمد السيد سعيد: "القومية تنتمي إلى طائفة من الظواهر التي تتعلق بعملية تحديد هوية أو انتماء جماعات من الناس؛ فالناس قد يحددون أو تتحدد هويتهم على أساس مجموعة من العوامل والعلامات مثل الدين والعنصر العرقي واللغة والمنطقة الجغرافية والحضارة، أو أي تفرعات من هذه العوامل"(3)، وإذا فحصنا تلك العوامل، التي ذُكرت سالفاً فسنجد أن تطبيقها - في غياب الإسلام - يعني القضاء على القومية الأخرى المقابلة، وقد ضربت بعض الأمثلة للقوميات المتعصبة فيما سبق؛ ولذلك يخبرنا التاريخ والواقع أن كل دعوة غير الإسلام وبال على المسلمين، وأفضل مثال على غرابة فكرة القومية قول أحد كبار الدارسين لها - وهو فردريك هرتز -: "ما الذي منح القومية تلك القوة الكبرى في العصر الحديث ؟!"، ويجيب: "نحن - في الحقيقة - لا نعلم !" (4)، ولكننا - نحن المسلمين - في الحقيقة نعلم أنهم اليهود!
1 - القومية العربية:
إن القومية العربية هي: "حركة سياسية فكرية متعصبة تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم على أساس من رابطة الدم والقربى واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين، وهي صدى للفكر القومي، الذي سبق أن ظهر في أوروبا"(5).
وكانت تلك الدعوة الجاهلية الجامحة تدبر وتخطط منذ عام 1847م؛ ولذلك نجد أنها تآمرت من ذلك العام إلى عام 1914م، من خلال خمس عشرة جماعة سرية وعلنية، وكان يقودها الكافرون - وبعض مَن ينتسبون إلى الإسلام - أمثال ميشيل عفلق النصراني الذي أسس حزب البعث العربي الاشتراكي في إبريل (نيسان) عام 1947م في العراق وسورية، وهناك صراع بين جناحيه على حساب البلدين الشقيقين، ومن أكبر دعاة القومية العربية ومنظِّريها ساطع الحصري (1880 - 1968م)، وهو من أصل سوري.
وقد برزت تلك الدعوة - بشدة - في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي استغل بها مشاعر الناس، ثم سقط - وهي معه - سقوطاً مروعاً، وهناك مَن يحاول إحياءها، ولكن هيهات هيهات!
ولم تقم تلك الدعوة إلا على أسس ومبادئ تقوم على محاولة القضاء على الإسلام دون غيره من المِلَل والنِّحَل السابقة، ومن هذه المبادئ:
1 - إعلاء الفكر القومي من شأن رابطة القربى والدم على حساب رابطة الدين.
2 - يرى دعاة الفكر القومي - على اختلاف بينهم في ترتيب مقومات هذا الفكر - أن أهم المقومات التي تقوم عليها القومية العربية هي: اللغة والدم والتاريخ والأرض والآلام والآمال المشتركة.
3 - أن العرب أمة واحدة لها مقومات الأمة، وأنها تعيش على أرض واحدة هي الوطن العربي الواحد الذي يمتد من الخليج إلى المحيط.
4 - كما يرون أن الحدود بين أجزاء هذا الوطن حدود طارئة ينبغي أن تُزال، وينبغي أن تكون للعرب دولة واحدة وحكومة واحدة تقوم على أساس من الفكر القومي اللاديني.
5 - يدعو الفكر القومي إلى تحرير الإنسان العربي من الخرافات والغيبيات والأديان - كما يزعمون.(39/91)
6 - يتبنَّى الفكر القومي شعار "الدين لله، والوطن للجميع" !، والهدف من هذا الشعار إقصاء الإسلام عن أن يكون له أي وجود فعلي من ناحية، وجعْل أُخوّة الوطن مقدَّمة على أخوة الدين من ناحية أخرى.
7 - يرى الفكر القومي أن الأديان والإقليميات والتقاليد الموروثة عقبات ينبغي التخلص منها؛ من أجل بناء مستقبل الأمة.
8 - يقول عدد من قادة هذا الفكر: نحن عرب قبل عيسى وموسى ومحمد!، من أجل إقصاء مبادئ الإسلام التي جاء بها هؤلاء الرسل - عليهم الصلاة والسلام -.
9 - يقرر الفكر القومي أن الوحدة العربية حقيقة، أما الوحدة الإسلامية فهي حُلم!
10 - أن فكرة القومية العربية من التيارات الطبيعية التي تنبع من أغوار الطبيعة الاجتماعية، لا من الآراء الاصطناعية التي يستطيع أن يبدعها الأفراد.
ويتمثَّل دعاة الفكر القومي كثيراً قول الشاعر القروي:
هبوني عيداً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ!
11- يقول بعض دعاة الفكر القومي: إن العبقرية العربية عبرت عن نفسها بأشكال شتى، فمثلاً عبرت عن نفسها بشريعة حمورابي، ومرة أخرى بالشعر الجاهلي، وثالثة بالإسلام ! (وكأن الإسلام دين من وضع البشر!).
12 - قال أحد مشاهيرهم: لقد كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب محمداً!
13 - يرى دعاة الفكر القومي أن من الإجرام أن يتخلى العربي عن قوميته، ويتجاوزها إلى الإيمان بفكرة عالمية أو أممية.
14 - يقول بعض مفكري القومية العربية: إذا كان لكل عصر نبوته المقدسة فإن القومية العربية هي نبوة هذا العصر!
15 - ويقول آخرون منهم: إن العروبة هي ديننا نحن العرب المؤمنين العريقين - من مسلمين ومسيحيين - لأنها وُجدت قبل الإسلام وقبل المسيحية، ويجب أن نغار عليها كما يغار المسلمون على قرآن النبي، والمسيحيون على إنجيل عيسى.
16 - يقرر بعضهم الآخر أن المرحلة القومية في حياة الأمة مرحلة حتمية، وهي آخر مراحل التطور، كما أنها أعلى درجات التفكير الإنساني.
17 - التعاون مع الشيوعيين لمقاومة الرأسمالية الغربية، والعكس صحيح، (عبد الناصر وغيره).
18 - مساعدة أي ثورات أو تمردات أو انقلابات من أي اتجاه.
19 - قمع الإسلاميين ومحاربة الأنشطة الإسلامية.
20 - الاستسلام لليهود (الضفة الغربية، سيناء، الجولان..).
ولتلك الأسس النظرية الكفرية جاء وصف الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في "نقد القومية العربية" أنها "دعوة جاهلية إلحادية تهدف إلى محاربة الإسلام، والتخلص من أحكامه وتعاليمه" و"هي دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد سافر للإسلام وأهله"(6).
2- القومية اليهودية:
اختلطت اليهودية - وهي دين سابق دخله التحريف - بالصهيونية، التي هي: "حركة سياسية عنصرية متطرفة ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فِلَسطين، تحكم من خلالها العالم كله"، واشتُقت الصهيونية من اسم "جبل صهيون" في القدس، حيث تطمع الصهيونية أن تشيد فيها هيكل سليمان، وتقيم مملكة لها تكون القدس عاصمتها، وقد ارتبطت الحركة الصهيونية بشخصية اليهودي النمساوي "تيودور هرتزل" الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم (7)؛ ولذلك يلقى هذا الاختلاط بين اليهودية والصهيونية قبولاً وتأييداً من أحبار اليهود، لكل مَن شارك في إقامة الكِيان المغتصب على أرض فلسطين المحتلة، ولو كان من الملحدين! فالصهيونية هي الجناح السياسي والعسكري لليهود.
وقد ظهرت تلك القومية - الممثِّلة للدين المحرَّف - منافسة للقوميات الأُخرى؛ ولذا فكلمة "يهودي" في أي دولة أوروبية أو أمريكا - تعني "قومية"، أي تقابل كلمة "أمريكي، فرنسي، بريطاني..الخ"، ولا يشعر اليهود بأدنى حرج من إظهار هويتهم، وتعصُّبهم الأعمى لتلك الحركة الصهيونية، وإن كان هناك مَن يعارضها؛ في انتظار عودة مسيحهم المنتظر!
وتنطلق تلك القومية اليهودية الصهيونية من العهد القديم (التوراة المحرفة وأسفار الأنبياء) والكتابات الأخرى (المزامير والأمثال وأيوب..)، والتلمود، وهو روايات شفوية تناقلتها الحاخامات، حتى جمعها الحاخام يوضاس سنة 150م في كتاب سماه: (المشنا)، أي الشريعة المكررة لها في توراة موسى كالإيضاح والتفسير، ثم أضاف إليها يهوذا سنة 216م تدويناً وزيادات شفوية، وقد تم شرح هذه المشنا في كتاب سمي: (جمارا)، ومن هذه المشنا والجمارا يتكون التلمود، وله منزلة مهمة جداً تزيد على منزلة التوراة المحرفة(8).
إن الأسس النظرية لليهود تحدد تعاملهم الوحشي مع غيرهم، ولكنهم فيما بينهم يختلفون تماماً؛ مصداقاً لقوله - تعالى -:(( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)) [آل عمران: 75] .
ومن الأسس النظرية للقومية اليهودية ما يلي:(39/92)
يقول د. عبد المالك خلف التميمي عن بعض أهداف القومية اليهودية: "بدأت فكرة الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل في سويسرا عام 1897م؛ حيث حدد هذا المؤتمر الأهداف الاستيطانية - أقول: وهي من الأسس النظرية للقومية اليهودية، التي بدأت بالسيطرة على مراكز اتخاذ القرارات العالمية، ثم الاستيلاء على فلسطين (مركز الحلم اليهودي)، واتخاذها نقطة انقضاض على العالم كله - على النحو الآتي:
1 - العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة.
2 - تنظيم اليهودية العالمية، وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم مع القوانين المتبعة في كل بلد.
3 - تقوية الشعور والوعي القومي اليهودي وتغذيته.
4 - اتخاذ الخطوات العملية التمهيدية للحصول على الموافقة الحكومية الضرورية لتحقيق غايات الصهيونية.
5 - جعْل اللغة العبرية لغة رسمية للتخاطب بين اليهود في جميع ربوع العالم(9).
6 - تعتبر الصهيونية جميع يهود العالم أعضاء في جنسيةٍ هي الجنسية الإسرائيلية.
7 - تهدف الصهيونية إلى سيطرة اليهود على العالم، كما وعدهم يَهْوَه(10)، وتعتبر المنطلق لذلك هو إقامة حكومتهم على أرض الميعاد التي تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات.
8 - يعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود، وكل الشعوب الأخرى خدم لهم (نظرية نقاء النوع).
9 - الاستعانة بالثورات والانقلابات لتحقيق أطماعهم.
10 - يرون إقامة الحكم على أساس التخويف والعنف.
11 - تسخير الحرية السياسية من أجل السيطرة على الجماهير.
12 - انتهاء سلطة الدين، وظهور سلطة الذهب (المال).
13 - السياسة نقيض الأخلاق، ولا بد فيها من المكر والرياء، أما الفضائل والصدق فهي رذائل في عرف السياسة؛ لذلك يغرقون غيرهم في الرذائل.
14 - بث الرعب في معارضي مؤامراتهم على العالم.
15 - استخدام الشعارات الجوفاء الخداعة (الحرية والمساواة والإخاء).
16 - السيطرة على المال والعلم.
17 - السيطرة على الصحافة والثقافة والنشر لتوجيه العالم من خلالها.
18 - توسيع الشقة بين الحكام والشعوب؛ لكي يلجأ إليهم الحكام للدفاع عنهم ضد ثورات شعوبهم.
19 - جعل السلطة هدفاً مقدساً لكل القوى المتصارعة.
20 - تشكيل أندية وروابط سرية كالماسونية وأذرعها الهدامة (روتاري وليونز..إلخ).
21 - إقامة مجتمعات منحلة مجردة من الإنسانية والأخلاق ناقمة على الدين.
22 - إشاعة المتناقضات وإلهاب الشهوات وتأجيج العواطف.
23 - تفكيك الأسرة، ونفخ روح الذاتية في كل فرد ليتمرد، والحيلولة دون وصول ذوي الامتياز إلى الرُّتَب العالية(11).
ثانياً: البرامج والشعارات:
تمثل البرامج ما يسعى الفرد أو الجماعة لتحقيقه، أما الشعارات فقد تكون كلمات نظرية لغايات معينة (غسيل مخ، خداع، حرب نفسية).
ومن النظرة السريعة للقوميتين العربية واليهودية نلاحظ أن القومية العربية سعت لتحقيق أهداف وأعلنت عن برامج - حققت الكثير منها - ولكن كل ذلك في الاتجاه المعاكس للإسلام، مع ملاحظة أن بعض الأسس قد استُخدمت برامج وشعارات، وكذلك بروز الشعارات الناصرية القومية (الشيوعية)، التي ما زالت تداعياتها إلى الآن، وقد استحوذت على جانب كبير من الدعاية المكثفة، أما القومية اليهودية فقد حققت الكثير من برامجها وأهدافها، وما شعاراتها إلا لخدمة الأهداف اليهودية، وليست للاستهلاك المحلي، كما يقولون، ومن هذه الشعارات:
1 - شعارات القومية العربية:
- الفكر القومي يعلو على الرابطة الدينية.
- الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج.
- القضاء على الرجعية.
- الدين لله والوطن للجميع.
- الحرية والاشتراكية والوحدة.
- القضاء على الاستعمار وأعوانه.
- إقامة جيش وطني قوي.
- معركتنا مع اليهود معركة عسكرية وضد ما يسمونه بالاستعمار، ولا علاقة لها بالدين.
- إزالة آثار العدوان الصهيوني على فلسطين ومصر وسورية والأردن.
- حتمية الحل الاشتراكي.
- تحالف قوى الشعب العاملة.
- حرية المرأة.
2 - شعارات القومية اليهودية:
- العودة إلى أرض الميعاد (فلسطين).
- فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
- الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر.
- ضرب أي قوى عسكرية تمثل تهديداً - ولو بعيداً - لكِيَانهم المغتصِب.
- العناية باليهودي في كل مكان.
- السيطرة على مراكز اتخاذ القرارات في العالم؛ لخدمة أهدافهم.
- إقامة صناعة حربية متقدمة بإدخال السلاح النووي في الصراع مع العرب.
- تحسين صورة اليهود أمام العالم وتكثيف الدعاية ضد العرب المتوحشين الأشرار.
- إقامة الدعايات ضد النازية للزعم بأنها قتلت ستة ملايين يهودي في أفران الغاز (المحرقة أو الهولوكُست) أثناء حكم هتلر، والمطالبة بالتعويضات الباهظة الدائمة من ألمانيا، وكل مَن اعتدى عليهم، كما يزعمون.
- البراءة من الصلب - المزعوم - للمسيح - عليه السلام - لتخفيف كراهية النصارى لهم، ولتجميع القوى ضد المسلمين.
- أن اليهود هم شعب الله المختار، وكل الشعوب الأخرى خدم لهم (نظرية نقاء النوع).(39/93)
- مَن يعاديهم أو يحاربهم فهو معادٍ للسامية، ويجب محاسبته، أو قتله.
- الأخلاق قيد لا معنى له.
ثالثاً: حصاد كل قومية:
إن الحصاد الذي جنته أمتنا من القومية العربية هو حصاد الهشيم، حصاد الدمار، حصاد السراب، حصاد التبعية والذل.
أما القومية اليهودية فقد أقامت لها دولة العلو والفساد، وسيدمرها الله، يقول - تعالى -: ((فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا)) [الإسراء: 5].
1- حصاد القومية العربية:
- نشر الأفكار الإلحادية المناقضة للدين.
- تفرق الدول العربية، بل الحرب الشديدة بين الدول التي أسسها الأفراد أنفسهم (العراق وسورية).
- ولاء للكافرين وبراء من المسلمين ومحاربتهم وقتلهم.
- إعلاء شأن اليهود والنصارى.
- عزل الإسلام عن المعركة، بل محاربة أهله.
- الكبت والشيوعية والانفصال بين الدول المتحدة ظاهرياً وإجبارياً (مصر وسورية).
- تمكين الأعداء من بلاد المسلمين.
- الهزيمة الساحقة لقوة مصر في عام 1967م.
- احتلال سيناء والضفة الغربية (القدس) والجولان.
- الاستسلام للمخططات اليهودية.
- انتشار الأحقاد والعداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع والدول أيضاً بسبب السياسات الشيوعية التي تحرض وتثير طبقات المجتمع بعضها ضد بعض.
- انتشار الرذيلة والدعارة بعد خروج النساء للعمل، وشعور المرأة بالقهر وانتهاك كرامتها في الخارج.
2 - حصاد القومية اليهودية:
- احتلال فلسطين.
- إقامة الجيش الإسرائيلي الذي استطاع إنهاك الجيوش العربية مراراً؛ بسبب ضعف العرب لبعدهم عن الإسلام وإبعادهم له عن المعركة.
- تدمير المفاعل النووي العراقي، وتهديد باكستان بضربها، وتحريض الهند الهندوسية عليها؛ لإنهاك قوتها وإضعافها.
- السيطرة على مراكز اتخاذ القرارات في العالم؛ لخدمة أهدافهم.
- إقامة صناعة حربية متقدمة بإدخال السلاح النووي في الصراع مع العرب.
- تحسين صورة اليهود أمام العالم وتكثيف الدعاية ضد العرب المتوحشين الأشرار.
- الحصول على التعويضات الباهظة الدائمة من ألمانيا، وكل مَن اعتدى عليهم، كما يزعمون، ومحاربة من يشكُّون فيه (الرئيس النمساوي والأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم - والمفكر الفرنسي رجاء غارودي)، بل قتل واعتقال مَن يشكون فيه.
- الحصول على براءة من الصلب المزعوم للمسيح - عليه السلام - من الفاتيكان، وهي كبرى هيئات التنصير الكاثوليكي في العالم.
- بث الرعب في معارضي مؤامراتهم على العالم.
- سيطرة أندية وروابط سرية كالماسونية وأذرعها الهدامة (روتاري وليونز..الخ).
وما ذلك الحصاد المُرّ إلا لأن المسلمين قد تناسوا أن "للأمة الإسلامية أربعة أبعاد لا ينفصل أحدها عن الآخر:
بُعد عقَدي: وهو الأصل والمعيار؛ فكل المسلمين أمة واحدة.
بعد إقليمي: فكل الأرض التي سرت عليها أحكام الإسلام يوماً مَّا هي أرض الأمة الإسلامية، وعلى المسلمين أن يعيدوا ما سُلب منهم، وإلا أثموا جميعاً حتى تعود.
بعد شخصي: فكل مَن دخل الإسلام - أياً كان مكانه على أرض الله - صار من أبناء الأمة الإسلامية، دون نظر لجنس أو عرق أو لون، ودون نظر لعقيدته السابقة على دخوله الإسلام، أو موطنه السابق.
بعد تاريخي: يفيد استمرارية وجود هذه الأمة - دون انقطاع - في كل عصور التاريخ البشري، يقول الحق - جل شأنه -:((شرع لكم من الدين ما وصى" به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)) [الشورى: 13].
ويصف الله - تعالى - الأنبياء ومن اتبعهم من لدن نوح - عليه السلام - حتى بُعث محمد خاتم الأنبياء والمرسلين - عليه الصلاة والسلام - بوصف الأمة الواحدة، فيقول:((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)) [الأنبياء: 92](12).
من أجل ذلك شاء الله - جلت قدرته - أن يعود الكثير من أبناء الأمة إلى دينهم، ويبدؤوا المسيرة المباركة من جديد؛ لكي يسودوا العالم بحكم الإسلام ورحمته وعدله ((ويومئذ يفرح المؤمنون . بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 5 وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) [الروم: 4 - 6] .
__________
(1) القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مكبتة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، عام 1317هـ/ 1925م، ط2، 4/169.
(2) قاموس المورد، منبر البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، عام 1993م.
(3) الشركات عابرة القومية ومستقل الظاهرة القومية، د. محمد السيد سعيد، سلسلة "عالم المعرفة"، وقم 107، الكويت، عام 1407هـ /1968م، ص103.
(4) المرجع السابق، ص127، نقلا عن القومية في التاريخ والسياسة، فردريك هرنز، المؤسسة العربية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، ب.ت، ص19.
(5) الموسوعة الميسرة، مرجع سابق، ص401.
(6) مرجع سابق، ص401، 406.
(7) الموسوعة الميسرة، ص331.
(8) مرجع سابق، ص659. 75.(39/94)
(9) الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي، سلسلة "عالم المعرفة"، رقم 71، الكويت، محرم _ صفر عام 1404هـ، ص 107، نقل عن الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ لجعفر الخليلي، بغداد، عام 1997م، ط2، ص108.
(10) يهوه: هو اسم الإله عندهم.
(11) الموسوعة الميسرة، مرجع سابق، ص332ـ 337، وذلك نقلا عن كتاب بروتوكولات "حكماء" صهيون وغيره، ويعمل اليهود_دائما_ على زرع الشك من نسبة تلك البروتوكولات إليهم، فمنهم من يؤكدها، ومنهم من ينفيها، ولكن الواقع يؤكدها.
(12) كيف نفكر استراتيجيا؟ اللواء_أركان حرب_ الدكتور فوزي محمد طايل، مركز الإعلام العربي، الهرم، مصر، عام 1418هـ، ص134ـ 135.
=============(39/95)
(39/96)
القومية العربية
كتب ومقالات الشهيدعبد الله عزام - (ج 40 / ص 1)
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفأنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا ، وبعد: فلطالما شغلني هذا الأمر كثيرا خاصة بعد أن أصبحت القومية زيا فكريا رائجا تهتف باسمه الحناجر، وتنادي به كثير من الأقلام والصحف والدوريات. وأصبح الإنسان حائرا مع دوي هذه الأصوات والشعارات فأخذ يتلمس طريقه ينشد الحق، ويريد الخلاص من هذا التيه الكبير، ويبحث عن مورد صاف بعد أن اختلطت الينابيع واتصلت الجداول. ولقد طلب مني بعض الإخوة بعد أن كتبت السرطان الأحمر أن أكتب في هذا الموضوع بحثا صغيرا يوفيه حقه، ولطالما تشوقت أن أرى كتابا كتب بيد إسلامية يتتبع الموضوع من الناحية التاريخية ويوفيه حقه مع إلقاء أضواء على هذا الخط التاريخي والأصابع التي كانت تحرك هذا التيار وترسم بقلمها هذا الخط، ولم أعثر على كتاب واف في هذا الموضوع، ولعل الظروف التي مرت بالمنطقة الإسلامية كانت تجعل الكتاب يحجمون عن هذا الموضوع، ولقد حرصت أن أتتبع وباختصار شديد الخط القومي في المنطقة الإسلامية والعربية ثم أبديت رأي الإسلام وحكمه في القومية وحكم الشرع في اعتناقها والدعوة إليها، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان وحسبي أني اجتهدت صادقا وعلى الله قصد السبيل وهو ولي التوفيق وهو حسسبنا ونعم الوكيل. المؤلف
القومية العربية
(A r ABICNATIONALISM ) القومية: مصدر صناعي بإضافة ياء النسبة وتاء التأنيث إلى القوم، والقوم في المصدر قام ثم غلب على الرجال دون النساء لأنهم قوامون علىالنساء. وقوم كل رجل: شيعت وعشيرته(1). [لسان العرب (12/505) والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/124)]. القومية اصطلاحا : مبدأ سياسي اجتماعي يفضل معه صاحبه كل ما يتعلق بأمته على سواه مما يتعلق بغيرها أو هو: عقيدة تصور وعيا جديدا يمجد فيه الإنسان جماعة محدودة من الناس يضمها إطار جغرافي ثابت، ويجمعها تراث مشترك وتنتمي إلى أصول عرقية واحدة(1).[الإسلام والحضارة د. محمد محمد حسين صـ 201]. العرب: نسبة إلى يعرب بن قحطان أبو اليمن كلهم وهم العرب العاربة (الخالصة) ويقابلهم العرب المستعربة الذين سكنوا بلاد العرب (الجزيرة العربية) وتكلموا العربية. والأعرابي: البدوي والعرب، هم الذين استوطنوا القرى والمدن. وقيل سمي العرب عربا لأنهم سكنوا وادي العربات (بفتح العين والراء)، ففي لسان العرب (وأقامت قريش بعربة فتنحت بها وانتشر سائر العرب في جزيرتها فنسبوا كلهم إلى عربة)(2). [لسان العرب (1/588)]. الإسلام والعرب إن بلاد العرب كانت تطلق على الجزيرة العربية فقط وعندما امتد نور الإسلام في الأرض وافتتح جند الله عزوجل من المسلمين العرب نصف الأرض في نصف قرن كان لا بد للشعوب التي دخلت في الإسلام أن تتعلم العربية حتى تؤدي شعائر عبادتها فلا بد من تعلم القرآن الكريم لأن صلاتهم لا تجوز إلا بتلاوة القرآن باللسان العربي المبين، ولا بد من حفظ الأذكار والأدعية بالعربية ولا بد من معرفة أحاديث الرسول (ص) فأصبحت العربية جزء أساسيا من حياة الشعوب الإسلامية فأخذت تتعرب تدريجيا ، فكل مسلم عربي بلغة قرآنه وعربي بنبيه (ص) العربي وقبلته التي يتوجه إليها كل يوم خمس مرات واقعة في بلاد العرب وحجه الذي يسعى إليه من استطاع سبيلا في جزير العرب، وبعد أن عربت الدواوين في زمن عبد الملك بن مروان (56 - 68 هـ ) ونقلت إلى أيدي المسلمين بعد أن كانت باللغة الفهلوية (الفارسية القديمة في العراق) وبالرومية في الشام وبالقبطية (المصرية القديمة في العصر المسيحي)(1) [الإسلام والحضارة الغربية -محمد محمد حسين- ص (215)]. فأصبحت العربية لغة الدولة والشعوب، وبازدياد الإختلاط والإمتزاج بين الفاتحين العرب والشعوب المفتوحة ازداد التعريب وتسابق المسلمون إلى تعلم العربية خاصة الموالي الذين كانوا يعيشون في بلاد العرب ونبغ هؤلاء وفاقوا العرب الأصليين باللغة فاستلموا القضاء ونقلوا الحديث والتفسير وحسبك من هذه الأسماء طاووس ومكحول وعكرمة ومجاهد من تلاميذ ابن عباس الذين نقلوا لنا دين الله وقد سأل عمر بن الخطاب والي مكة من أنبت بعدك على مكة فقال ابن ابزي رجل من موالينا فقال: أمر ت عليهم مولى؟ فقال: إنه أعلمنا فقال عمر رضي الله عنه: (لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين )(1)[رواه البخاري]. ثم كان أبو حنيفة من الفقهاء، سيبويه من النحاة والبخاري وابن اسحق وابن سينا والفرابي وابن حبان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
والرازي والسرخسي، وهؤلاء كلهم ليسوا من العرب أصلا ، ولكن عر بهم الإسلام. ثم حافظ الإسلام والقرآن على العرب والعربية من الإندثار رغم المحاولات المستميتة لمحو العربية، وتوسعت الرقعة العربية فأصبحت(39/97)
تطلق على كل الشعوب التي عر ب الإسلام لسانها وأفصح القرآن بيانها فصارت مصر والشام (بأكملها) والعراق والشمال الإفريقي من العرب، وكان الأعاجم ينظرون إلى العرب نظرة إجلال واحترام لأنهم قادتهم وأساتذتهم ومعلموهم ومنقذوهم فكيف حصل الإنفصام النكد بين الإسلام والعرب في القرن الأخير؟ الأسباب الحقيقية وراء الدعوة القومية 1- السبب الرئيسي: هو محاولة الغرب استبعاد الاسلام كرابطة وحيدة واحلال رابطة جديدة مكانه. بعد فشل الغرب في الحروب الصليبية فاراد أن يستعمل اسلوب الفكر واللسان بدل السنان. وذلك ليسهل للغرب تثبيت أقدامه في بلادنا. خاصة بعد حملة نابليون على مصر.
2 - طموح محمد علي باشا وابراهيم باشا إلى عمل امبراطورية قومية عربية. 3 - التخلص من تركيا المسلمة والقضاء عليه حتى يرث الغرب ممتلكاتها . 4 - محاولة النصارى التخلص من تركيا لأنها كانت تطبق عليهم الجزية وبعض الواجبات الاستثنائيه التي تقابل عند المسلمين دفع الزكاة والقيام بالجندية لحماية الدولة الاسلامية. وطمعا من المسيحيين أن يقودوا المجتمعات التي يعيشون فيها ويوجهوا دفتها ويصبحوا سادتها وعلية أقوامها. التطور التاريخي للفكرة القومية تعتبر حملة نابليون النقطة الأولى في بداية تحويل العرب من الاسلام إلى القومية وقد اختمرت هذه الفكرة في ذهن نابليون على أثر المقاومة التي حركها الأزهر بنداء (الله اكبر) واقتنع الغرب بهذه الفكرة. وخرج الفرنسيون سنة 1904 من مصر و جاء محمد علي باشا. وكان محمد علي ضابطا ألبانيا- لا يعرف العربية جاء مع الحملة التي أرسلها الخليفة إلى مصر لمقاومة نابليون وكان محمد علي يتيما طموحا ذكيا ولكنه كان أميا فكان مصابا بعقدة النقص بسبب أميته فأراد أن يحضر مصر ويطورها فقضى على المماليك ونودي به حاكما على مصر محمد علي باشا والفرنسيون كان محمد علي معجبا بالفرنسيين منذ صغره على صلة بفرنسي اسمه ليون ( Lion ) (1 ) [يقظة العرب جورج النكونيوس هامش ص104]. ثم استقدم إلى مصر د. (كلوت) الطبيب الفرنسليكون مستشاره فأشار عليه بفكرة القومية (وقد عني كلوت بأن يطبع الطلاب في المدارس العليا التي كان يديرها على الشعور الصحيح بالقومية العربية )(2) [مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر/ جورجي زيدان]. وبدأ محمد علي يرسل البعثات إلى فرنسا فرجعت البعثات تحمل بذور الفكرة القومية ومن بين هؤلاء رفاعة الطهطاوي الذي أقام في باريس 1826- 1831 فحمل فكرة الثورة الفرنسية القومية. ابراهيم باشا في بلاد الشام كان محمد علي باشا يطمع في امبراطورية عربية تنفصل عن الحكم العثماني وقد زين له هذا الأمر الغرب (الفرنسيون بالذات) فأرسل ابنه ابراهيم باشا واحتل الشام كلها ومكث حكم ابراهيم في بلاد الشام سبع سنوات 1833 - 1840م.
وقد كان لهذه السنوات أثر عميق في تغيير مجرى الأحداث في الشام ولمدة قرن ونيف. فماذا صنع ابراهيم باشا في الشام؟ 1 - ألغى الأحكام الاسلامية المطبقة على النصارى في الشام ونادى بمساواتهم بالمسلمين وكذلك فعل أبوه في مصر.
2 - شجع الجمعيات التبشيرية ومدارسها وأما أبوه في مصر فكان جلساؤه دائما من السفراء والسائحين والمبشرين (1) [مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر جورجي زيدان يقظة العرب/ جورج انطونيون ص 102].وكان نتيجة هذا التشجيع للمبشرين في الشام. أ- قدوم البعثات البروتستنتية (الأمريكية) وكان من بين رجالاته:- 1 - إيلي سمث الذي مكث يعمل دائبا للنصرانية من 1834 - 185 7 م فنقل المطبعة التي كانت للبعثة م مالطة إلى بيروت وبدأت تطبع بالعربية وهي أول مطبعة من نوعها في بلاد الشام، وأقام سمث هو وزوجته(1)[يقظة العرب هامش 112]. في بيروت مدرسة للبنات وهي أول مدرسة في بلاد الشام من هذا النوع. 2 - الدكتور كورنيليوس فانديك جاء طبيبا مع البعثة الأمريكية وبقي يعمل 55 سنة في بلاد الشام (وربما كانت جهوده أكبر الجهود الفردية(39/98)
الأجنبية قيمة وأكثرها أثرا في التطور الثقافي في هذه البلاد)(2)[يقظة العرب هامش 112]. 3 - ناصيف اليازجي: (1800- 1871م) لبناني نصراني، عمل مع البعثة الأمريكية. وفي مطبعتها مع سمث وفانديك، قام هو وابنه ابراهيم اليازجي بترجمة التوراة وكان ابنه ابراهيم هو أول من اسس (جمعية بيروت السرية) ذات الطابع القومي وشعارها بيت من شعر ابراهيم نفسه. لنطلبن بحد السيف مأربنا فلن يخيب لنا في جنبه أرب وابراهيم هذا كان نصرانيا ، ماسونيا عاش ما بين (1847- 1906 ) مات في مصر و نعته المحافل الماسونية فيها وهو صاحب القصيدتين اللتين تناديان بالثورة على الأتراك. تنبهوا واستفيقوا أيها العرب لقدطما السيل حتى غاصت الركب أقداركم في عيون الترك نازلة وحقكم بين أيدي الترك منتهب والثانية: دع مجلس الغيدا لاوانس وهوى لواحظها النواعس أي النعيم لمن يبيت على فراش الذل جالس فالترك قوم لا يفوز لديهم إلآ المشاكس 4 - بطرس البستاني: 1819 - 1883 وهولبناني كان يعمل مترجما في القنصلية الأمريكية في بيروت وغير دينه من ماروني إلى بروتستنت بسبب صداقته مع سمث وفانديك. وظفه المبشرون مدرسا في مدرسة عبية، ترجمة التوراة مع سمث واستغرق في الترجمة عشر سنوات. أصدر قاموس (محيط المحيط) ومختصره (قطر المحيط) و(دائرة المعارف للبستاني). أصدر في فتنة 1860 (بين النصارى والدروز في لبنان) مجلة اسمها(نفير سورية) يدعو إلى الوحدة القومية. أسس 1863 (المدرسة الوطنية) كان يدرس هو وناصيف اليازجي فيها. أصدر 1870 مجلة (الجنان) صحيفة نصف شهرية سياسية وأدبية - شعارها (حب الوطن من الإيمان).
وأصدر صحيفتي (الجنة) و(الجنينة) (1)[أنظر يقظة العرب ص112 والإسلام والحضارة الغربية 222]. ويعتبر اليازجي والبستاني من الرواد الأوائل لفكرة القومية العربي فلقد قام تلاميذهم بالتنظيمات القومية التي آتت أكلها فيما بعد وأثمرت هذا الإقصاء لدين الله عن الحياة وتربية الرواد الذين يعتبرون القومية مثلهم الأعلى تقدم له القرابين والتضحيات. ومن ثمار البعثة الأمريكية عدا إبراز اليازجي والبستاني أنها قامت بانشاء أكبر معهد لحضانة الفكر القومي وهو:
الجامعة الأمريكية في بيروت 1866 وكان اسمها في البداية (الكلية السورية الانجيلية) وكان أول رئيس لها هو دانيال بلس راهب أمريكي يحمل الدكتوراة في اللاهوت وبقي رئيسا للجامعة حتى 1902 وخلفه ابنه هوارد بلس. وأن أثر الجامعة الأمريكية، في المنطقة لا يوازيه أي أثر في الفكرة القومية. ولقد خرجت الجامعة أجيالا من قادة بلاد الشام على مدى قرن ونيف. ومن أساتذتها المعروفين برعاية الفكر القومي قسطنطين زريق الذي تخرج على يديه جورج حبش. 2 - البعثة الكاثوليكية - اليسوعية ، وقد قامت بإنشاء مطبعة حجرية 1847 وأسست مدرس
القديس يوسف التي عرفت فيما بعد بالجامعة اليسوعية. 3 - اللعازريون: افتتحوا كلية (عين طورة ) في لبنان. الجمعيات القومية ومن الأعمال التي قامت بها البعثات التبشيرية إنشاء الجمعيات التي تنادي بالفكر القومي وأهمها: 1 - جمعية الآداب والفنون 1847 أسستها البعثة التبشيرية الأمريكية وعلى رأسهم سمث وفانديك والبستاني وناصيف اليازجي. لم يمضي عليها عامان حتى بلغ أعضاؤها خمسين عضوا أكثرهم من النصارى السوريين في بيروت ولم يكن فيهم مسلم واحد ولا درزي. وبقيت الجمعية خمس سنوات. 2-الجمعية الشرقية 1850 أسسها اليسوعيون وكان يشرف عليها الأب دبرونر. 3- الجمعية العلمية السورية سنة1857م بلغ أعضاؤها مائة وخمسين عضوا اشترك فيها بالاضافة إلى مؤسسيها النصارى من أتباع البعث الأمريكية، بعض المسلمين والدروز ونالت اعتراف الحكومة بها 1868م. (كان أول صوت ظهر لحركة العرب القومية هو صوت ابراهيم اليازجي أحد أعضاء الجمعية فالقى قصيدة اتخذت صورة النشيد القومي) (1)[يقظة العرب 120]. جمعية بيروت السورية 1875م يقول جورج انطونيوس (يرجع أول جهد منظم في حركة العرب القومية 1875 أي قبل ارتقاء عبدالحميد العرش بسنتين - حين ألف خمسة شبان من الذين درسوا في الكلية البروتستنتينية السورية -الجامعة الأمريكية- ببيروت جمعية سرية وكانوا جميعا من النصارى ولكنهم أدركوا قيمة إنضمام المسلمين والدروز إليهم، فاستطاعوا أن يضموا الى الجمعية نحو اثنين وعشرين شخصا ينتمون إلى مختلف الطوائف الدينية ويمثلون الصفوة المختارة المستنيرة في البلاد وكانت الماسونية قد دخلت قبل ذلك
بلاد الشام على صورتها التي عرفتها أروبا، فاستطاع مؤسسو الجمعية السرية، عن طريق أحد زملائهم أن يستميلوا إليهم المحفل الماسوني الذي كان قد أنشيء منذ عهد قريب ويشركوه في أعمالهم) (1)[يقظة العرب149]. من هذا ندرك:- 1 - أن بداية العمل القومي المنظم كان في بلاد الشام عن طريق النصارى.(39/99)
2 - أن هؤلاء النصارى من تلاميذ البستاني واليازجي أو من محبيهم وكانوا ثمرة جهود البعثة الأمريكية. 3 - ان من بين المؤسسين ابراهيم اليازجي صاحب شعار الجمعية. لنطلبن بحد السيف مأربنا فلن يخيب لنا في جنبه إرب وكذلك كان فارس نمر باشا(نصراني لبناني) وصهره شاهين مكار يوس من مؤسسيها. وهؤلاء الثلاثة من كبار الماسونيين المعروفين. فالأيادي الماسونية - اليهودية - هي التي تبنت فكرة القومية العربية وهي نفس الأيادي التي كانت تحرك في الوقت ذاته القومية الطورانية التي يتبناها يهود الدونمة في سالونيك وتعقد اجتماعاتهم في بيوت اليهود الايطاليين. (وان الذي أوحى بفكرة تأسيس جمعية بيروت السرية هو رجل يسمى الياس حبالي من بلدة ذوق مكايل وكان استاذا للغة الفرنسية يدرسها في الجامعة الأمريكية لطلاب صف فيهم اليازجي ويعقوب صروف وشاهين مكاريوس وكان الأستاذ معجبا بالثورة الفرنسية) (1).[الشعوبية الجديدة لمحمد مصطفى رمضان ص156 نقلا عن كتاب المجتمع العربي كلية الأداب جامعة بيروت]. وقد كان يشك أن مدحت باشا- زعيم الماسونية وكان يكنى بأبي الأحرار - وراء تشكيل الجمعية، فقد جاء في برقية أرسلها القنصل البريطاني في حزيران 1880 (ظهرت في بيروت منشورات تحض على الثورة يشك في أن مدحت هومنشئها)(2) [مكتب السلجالات العامة وزارة الخارجية (F.O) رقم 195: 1306 يقظة العرب ص153]. وكان مدحت أنذاك واليا على الشام. ولكن حزم السلطان عبدالحميد ومتابعته للجمعية ومنشوراتها جمد نشاطها وكان آهم منشورات الجمعية هو المنشور الثالث الذي صدر في 31 ديسمبر 1880 وحدد مطالبهم بأربع نقاط (3) [يقظة العرب ص155]. 1 - منح سوريا مع لبنان الاستقلال. 2 - الاعتراف بالعربية لغة رسمية. 3- رفع الرقابة عن حرية التعليم . 4 - عدم إرسال أبناء العرب للحرب مع الاتراك خارج بلادهم. الهجرة الى القاهرة كانت شخصية السلطان عبدالحميد فذة وفريدة وقد ملأ مكانه وفرض حبه على القلوب إذ أنه كان يعيش عيشة زاهدة دون ترف ولا ترهل مع إقصاء كل مظاهر الترف والتحلل التي وجدها في القصر ولذا لم يستطع المبشرون وتلاميذهم أن ينشطوا في أيامه وجاءت فكرة الرحيل إلى القاهرة حتى تعيش الفكرة القومية في محضن الرعاية البريطانية حيث يجثم كرومر المعتمد البريطاني فهاجرت العائلات النصرانية والكتاب النصارى الى القاهرة لتكون القاهرة منطلقا لمحاربة تركيا ولنشر الأفكار العلمانية والقومية لتحل تدريجيا محل الاسلام ولتكون رابطة عربية بدل الرابطة الاسلامية ومن بين هذه الأسماء التي هاجرت: ــ ابراهيم اليازجي بن ناصيف اليازجي - ماسونيان، وإبراهيم هذا نعته المحافل الماسونية في القاهرة. وأسس جريدة(الضياء). ــ فارس نمر وصهره شاهين مكاريوس صاحب جريدة (المقطم) اليومية ومجلة (المقتطف الشهرية) وهما نصرانيان ماسونيان. ــ سليم تقلا: الذي اسس الأهرام (جريدة يومية) تصدر حتى يومنا هذا. ــ جورجي زيدان: صاحب دارالهلال وله مؤلفات كثيرة. ــ أديب اسحق (مدير صحيفة (مصر) وسليم نقاش (مدير إدارة صحيفة التجارة) وهذان النصرانيان من الشام كانا يعملان بارشاد جمال الدين الأفغاني وهو الذي أسس هاتين الصحيفتين (1)[تاريخ الأستاذ الامام 1/45 أنظر كتاب الاسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين ص66]. ــ روزاليوسف - جاءت من الشام نصرانية ثم تظاهر بالاسلام وسمت نفسها فاطمة اليوسف ولكنها أصدرت المجلة باسمها القديم (روز اليوسف). ــ أحمد فارس الشدياق - ماروني اعتنق البروتستانتيه على يد البعثة الأمريكية ثم جاء مصر وأصدر صحيفة (الجوائب ) ثم أسلم على يد باي تونس. الأفغاني وعبده والكواكبي ولا بد هنا أن نشير إلى ثلاثة من الدعاة ممن كانوا يتزيون بزي العلماء وهم مشهورون في العالم كله كدعاة إلى الوحدة الاسلامية مع أنهم في الوقت نفسه يهاجمون تركيا ويسعون إلى هدم صرح الخلافة . وهم: الأفغاني: وكان يحتضن كثيرا من النصارى واليهود وكان طبيبه الخاص اسمه هارون يهوديا ، وقد حضر موته هو ونصراني آخر اسمه (جورجي كونجي) وكان ينزل في لندن ضيفا على مستر (بلنت) البريطاني صاحب كتاب (مستقبل الاسلام) وعندما حاول الخليفة منع الأفغاني من الخروج من تركيا توسط له السفير البريطاني وخرج. وكان الأفغاني رئيسا لمحفل الشرق الماسوني (1). [كتاب الاسلام والحضارة الغربية فصل الأفغاني ومحمد عبده وكتاب الفكر الإسلامي المعاصر للتوبة]. أما محمد عبده: فكان صديقا حميما لكرومر وصرح كرومر بأن الشيخ عبده سيبقى مفتيا لمصر مادامت بريطانيا فيها، وكان ماسونيا ومن رواد صالون الأميرة نازلي فاضل، ومن تلاميذه: أحمد لطفي السيد العلماني الذي أعلن كفره البواح في صحيفته (الجريدة) وسعد زغلول . وقاسم أمين (صاحب كتاب تحرير المرأة) وهؤلاء كان لهم أثر عميق في مجرى الأحداث في مصر (1) [كتاب الإسلام والحضارة الغربية فصل الأفغاني ومحمد عبده وكتاب الفكر الاسلامي المعاصر للتوبة]. وعبدالرحمن الكواكبي 184- 1903 وأصدقاؤه وتلاميذه من المسلمين واليهود والنصارى . كانت دروسه في مقهى (سبلنددبار) نادى(39/100)
بمبايعة خليفة عربي في كتابه (أم القرى) وله كتاب آخر اسمه (طبائع الاستبداد) ، دعا إلى المساواة بين الأديان لتحقيق التماسك القومي . ويقول (دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم الأخرى فقط، دعونا نجتمع على كلمة سواء، ألآ وهي فلتحيا الأمة، فليحيا الوطن، فلنحيا طلقاء أعزاء). ( هذه أمم اوستريا وأمريكا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري)(1) [طبائع الاستبداد ص 112-113 أنظر العلمانية لسفر الحوالي ص 580 وأنظر يقظة العرب ص 172]. هؤلاء الثلاثة كانت أفكارهم تمهيدا للعلمانية فقد كانت اراؤهم قنطرة عبرت عليها العلمانية إلى العالم الاسلامي كما يقول البرت حوراني(2). [الفكر العربي المعاصر/ البرت حوراني ص 144 وانظر كتاب الاسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين ص83]. وحطم الحاجز النفسي بين الكافرين والمسلمين وأصبحت نفوس المسلمين قابلة لتقبل الأفكار الواردة وعلى رأسها القومية يقول البرت حوراني (ومن الحق أن الذي يقرأ لمحمد عبده في مناظراته مع رينان ومع فرح انطون يحس آنه كان يريد أن يقيم سدا في وجه الاتجاه العلماني يحمي المجتمع الاسلامي من طوفانه ولكن الذي حدث هو أن هذا السد قد أصبح قنطرة للعلمانية عبرت عليه إلى العالم الاسلامي لتحتل المواقع الواحد تلو الآخر) (1)[الإسلام والحضارة الغربية ص 70-83 نقلا عن تاريخ الأستاذ الإمام ص 144-145]. ثم جاء تلاميذ محمد عبده ليعمقوا هذا التيار وليقودوا المجتمع بعلمانتيهم. فمثلا لطفي السيد: عمق الوطنية الاقليمية وتزعم الدعوة الى التاريخ الفرعوني. وجاء سعد زغلول : وسلمه كرومر وزارة المعارف لينادي بالاتجاه الوطني الاقليمي الفرعوني على الصعيدين السياسي والاجتماعي ويقول كرومر بأني سلمته وزارة المعارف لأنه من تلاميذ الشيخ عبده(2)[العلمانية ص605]. وجاء قاسم أمين: ليوضح العموميات ويفصل مجمل ما كان يدعو إليه الشيخ عبده وينادي بخل الحجاب ونزع الحياء من حياة المرأة حتى أن كتاب (تحرير المرأة) نال إعجاب الشيخ عبده وقد اطلع على مسودته هو وتلميذه لطفي السيد في جنيف سنة 1897 كما ذكر ذلك لطفي السيد وقاسم أمين (1)[العلمانية ص628]. ولذا تعزالفصول الفقهية في الكتاب إلى الشيخ محمد عبده -كما يظن- لأن قاسم أمين لا علم له بهذه القضايا. ويذكر في هذا المجال اسماعيل مظهر صاحب (مجلة العصور) وهو صهر لطفي السيد، وكذلك لا بد من الاشارة إلى إصبع من أصابع التخريب وهو عبدالعزيز فهمي -صديق لطفي السيد الحميم، وصديقهم الثالث طه حسين الذي فصل من الجامعة بسبب كفره الصريح في (الشعر الجاهلي) فاستقال لطفي السيد من الوزارة ( وكان وزيرا للمعارف ) احتجاجا على فصل طه حسين من الجامعة المصرية(2)[أنظر العلمانية ص278]. هذه المجموعة قد فر غت الشعب المصري من الاسلام لتحل محله أفكارا جديدة من الفرعونية والعلمانية والوطنية اللادينية. وقد تكون الصداقة الحميمة بين هؤلاء وبين الشيخ محمد عبده إن هي إلا محاولة لتقريب هذه الفئة من الاسلام ولكنه لم يستطع بعد أن تساهل من أجل جذبهم في كثير من القواعد الشرعية التي تحدد الولاية والعداوة والصداقة والمقاطعة وأفتى بكثير من الفتاوي من أجل رفع الحواجز بينه وبين كرومر من جهة وبينه وبين هذه الفئة من جهة أخرى، مثل الفتوى الترنسفالية وفتواه في المرأة والطلاق والتعدد بالاضافة إلى تفسيره كثيرا من الآيات الغيبية في القرآن تفسيرا يكاد يخرجها عن اللسان العربي ويلغي مضمونها بالكلية. جاء في تقرير كرومر سنة 1906 المقدم إلى الحكومة البريطانية - عن حزب محمد عبده ( ... وهؤلاء راغبون في ترقية مصالح مواطنيهم واخوانهم في الدين. ولكنهم غير متأثرين بدعوى الجامعة الاسلامية ويتضمن برنامجهم - إن كنت فهمته حق الفهم - التعاون مع الأوروبيين لا معارضتهم في ادخال الحضارة الغربية إلى بلادهم)(1)[الاسلام والحضارة الغربية ص79]. ويقول كرومر (إني أشك كثيرا أن صديقي محمد عبده كان إلا إدريا Agnostic) (1) [الاسلام والحضارة الغربية ص79]. ويقول صديقه بلنت الانجليزي - (أخشى أن أقول أن محمد عبده - بالرغم من أنه المفتي الأعظم - ليس له من الثقة بالاسلام أكثر ممالي من الثقة في الكاثوليكية)(2) [مذكرات بلنت My Dai r ises ج1/346 (يناير سنة 1900)]. وأصدق كلمة في محمد عبده وشيخه كلمة الشيخ مصطفى صبري شيخ الاسلام (فلعل الشيخ محمد عبده وصديقه أو شيخه جمال الدين أرادا أن يلعبا في الاسلام دور لوثر وكلفن- زعيمي البروتستانت - في المسيحية فلم يتسن لهما الأمر بتأسيس دين حديث للمسلمين، وإنما اقتصر سعيهما على مساعدة الالحاد المقنع بالنهوض والتجديد)(3)[كتاب شيخ الاسلام -مصطفى صبري - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين -4- أجزاء ج1/144 وأنظر كتاب الإسلام والحضارة الغربية ص107]. ويقول شيخ الاسلام مصطفى صبري - كذلك(أما النهضة الاصلاحية المنسوبة إلى محمد عبده فخلاصتها أنه زعزع الأزهر من جموده على الدين فقرب كثيرا من(39/101)
الأزهريين إلى اللادينين خطوات ولم يقرب اللادينين إلى الدين خطوة، وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني. كما أنه هو الذي شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر)(1) [الاتجاهات الوطنية لمحمد حسين ج2/75-85]. الدعوة القومية في بداية القرن العشرين استطاعت شخصية عبدالحميد الفذة أن تجمد الدعوة إلى القومية خاصة وأنه رفع شعار (يا مسلمي العالم اتحدوا). وقبل نهاية القرن التاسع عشر عقد مؤتمر بال سنة 1897 الصهيوني وقرروا انشاء وطن لليهود في فلسطين، وزار هرتزل السلطان عبدالحميد مرتين وعرض عليه مبلغ (150) مليون جنيه وانشاء اسطول عثماني والدفاع عن سياسته في أوربا وأمريكا وسداد كثير من ديون الدولة العثمانية مقابل السماح لليهود بشراء بعض الاراضي في فلسطين. وكان جواب السلطان عبدالحميد قاطعا (بأن قطع عضو من أعضائي أهون علي من أن تقطع فلسطين - من الدولة العثمانية). فبدأت أجهزة البث تعمل ليل نهار ضد السلطان عبدالحميد وقد أصبحت القاهرة وباريس أهم مراكز التآمر على السلطان وقد أشرنا قبل قليل كيف عملت جميع القوى -تقريبا - في القاهرة ضد السلطان - حتى الدعاة المعروفون - أمثال الشيخ جمال الدين ومحمد عبده - على السلطان عبدالحميد. وتجمع في القاهرة كذلك شباب تركيا الفتاة - وهم من أعداء الله وأدعياء القومية الطورانية - تحركهم أصابع اليهودية في سلانيك وايطاليا وأسبانيا. وأما دعاة القومية العربية فبالاضافة إلى نصارى الشام في القاهرة الذين تولوا توجيه الفكر في مصر كلها فهناك في المركز الآخر في باريس (1)[يقظة العرب ص 174]. بعض النصارى السوريين ومنهم: نجيب عازوري. نجيب عازوري وهو نصراني سوري ألف سنة 1904 جمعية (عصبة الوطن العربي) في باريس. وكان هدفها الذي أعلنته تحرير الشام والعراق من السيطرة التركية، ونشر سنة 1905 كتاب (يقظة الامة العربية) باللغة الفرنسية وأصدر بالاشتراك مع الكتاب الفرنسيين مجلة (الاستقلال العربي) صدر العدد الأول منها ابريل سنة 1907 وتوقفت بعد اعلان دستور سنة 1908م يقول ساطع الحصري ( إن القومية ابتدأت بنجيب عازوري الذي يضع آماله العربية السورية في فرنسة أولا وفي انجلترا ثانيا ) وكانت أعمال نجيب عازوري تمهيدا لمؤتمر باريس سنة 1913م مؤتمر باريس سنة 1913م يكاد كثير من كتاب القومية العربية يعتبرون مؤتمر باريس أساسا للقومية الحديثة، وكان عدد المشتركين 24 عضوا نصفهم من المسيحيين ونصفهم من أبناء المسلمين فيقول عنه أنيس الصايغ بأنه كان خاليا من المطالبة بالاستقلال حتى لا تحرج بعض الدول الأوروبية التي كانت تشجع الحركة القومية وتمدها بالأموال. وقد صرح الزهراوي رئيس المؤتمر لمراسل الطان الفرنسية بأنه ليس للمؤتمر علاقة بولايات العرب غير العثمانية - أي الشمال الافريقي - لأن فرنسا تشرف على المؤتمر وهي تحكم الشمال الافريقي وشكر وزارة الخارجية الفرنسية ورفض المؤتمرون اشراك مصر في المؤتمر وقد طالبوا بجعل اللغة العربية رسمية في البلاد العربية. واضطرت الحكومة الاتحادية أن تفاوضهم وترضيهم بادخال 3 وزراء عرب وخمسة من الولاة عرب كذلك في سلك الدولة عوامل هامة في تطور الحركة القومية هنالك عوامل هامة كان لها أثر كبير في تأجيج نار القومية العربية في الربع الأول من القرن العشرين ومن أهم هذه العوامل: 1 - استلام جمعية الاتحاد والترقي الحكم في تركيا بعد اسقاط السلطان عبدالحميد في 27 نيسان سنة 1909 وبدأت المناداة بالقومية الطورانية التركية ومن فلاسفتها خالدة أديب -اليهودية - التي أصبحت فيما بعد وزيرة للمعارف. وكذلك ضياكوك ألب وهو تلميذ اليهودي دوركايم وتلميذ اليهودي الآخر مويزألب (Moizalp) ومن المعلوم أن قادة الاتحاد والترقي كلهم على الاطلاق من الماسون وليس منهم واحد مسلم الأصل أو تركي العرق. فانور بولندي، جاويد -يهود دونمة- كراسو - يهودي اسباني... وبدأت جمعية الاتحاد والترقي بفرض عملية التتريك على جميع المحافظات العربية وغيرها. ففرضت التركية في الدواوين والمدارس والمناهج. وبدأت عملية التتريك كذلك في أجهزة الدولة وقد ظهر هذا واضحا في انتخابات مجلس النواب (المبعوثان) الذي انتخب على أثر إعلان الدستور سنة 1908 فأشرفت جمعية الاتحاد والترقي على الانتخابات لتكون النتيجة في جانب الجنس التركي فكانت النتيجة أن نجح 150 من الاتراك و 60 من العرب بينما العرب متفوقون في عدد السكان بنسبة 5 : 2 وفي غمرة الفرحة بتكبيل أيادي السلطان عبدالحميد أنشئت (جمعية الاخاء العرب العثماني) في 2 أيلول سنة 1908 بعد الدستور بشهر فعاشت هذه الجمعية ثمانية أشهر ثم حلتها الجمعية الاتحادية. وعملية التتريك الجبري على يد يهود الدونمة أدى إلى ردود فعل عنيفة لدى العرب بانشاء الجمعيات السرية والعلنية.(39/102)
2 - تشكيل الجمعيات العلنية والسرية التي تنادي بالقومية العربية وتنادي بفصل الدول العربية عن الاتراك ولو على الأقل الحكم الذاتي في داخل الدولة العثمانية يكون للعرب إدارة أمورهم الداخلية من تعليم واقتصاد وثقافة ومشاركة الدولة العثمانية في الأمور الخارجية كالدفاع وغيرها. وقد تشكلت عدة جمعيات منها: أ- العلنية: منها: 1 - جمعية المنتدى الأدبي في استانبول 2 - حزب اللامركزية الادارية العثماني وقد تأسس في القاهرة سنة 1912م ب- الجمعيات السرية: منها: 1 - : الجمع القحطانية: أسسها عزيز المصري وكان أحد الضباط البارزين في الجيش ومن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي واشترك في الأحداث سنة 1908- 1909 ضد السلطان عبدالحميد . وكان يحاضر في كلية الأركان وهدف الجمعية تحويل الدولة العثمانية إلى مملكة ذات تاجين (تركي وعربي) مثل الأمبراطورية النمساوية (النمسا مع المجر) . وكان الضابط (سليم الجزائري) يعين عزيز المصري في إدارة الجمعية. 2 - جمعية (العربية الفتاة أسست في باريس سنة 1911 على يد سبعة من أبناء المسلمين منهم عوني عبدالهادي وتوفيق التميمي وهذه الجمعية مهدت لمؤتمر باريس سنة 1913م 3- جمعية (العهد) أسسها عزيز المصري سنة 1913 وكل أعضائها من العسكريين عدا اثنين أحدهما عادل أرسلان . ورغم كل البطولات التي نسبت إلى عزيز المصري إلآ أن شخصيتة لا زالت غامضة لدي وفي سنة 1914 اعتقل عزيز المصري في استانبول واتهم بتسليم برقة للطليان وتدخل السفير البريطاني في مصر (كتشز) لانقاذه وكتبت التايمز أربع مقالات افتتاحية تدافع عنه وقامت ضجة كبرى في العالم العربي عندما حكم عليه بالاعدام ولكن بالضغط البريطاني أخلي سراحه ووصل في 12 نيسان سنة 1914 إلى مصر مع استقبال شعبي رائع . 4- تولية جمال باشا واليا على بلاد الشام وكانت خالدة أديب اليهودية أمينة سره. وقد اضطر جمال باشا أن يهادن العرب و يحسن إليهم في بداية الحرب الكبرى لئلا ينضم العرب إلى معسكر الحلفا ضد تركيا وقد استلم جمال باشا قيادة الجيش الرابع في سوريا وقد كان جمال باشا يحس بوجود التجمعات القومية السرية في بلاد الشام وكان يعلم أن العرب ضاقوا ذرعا بتصرفات الاتحاديين وبتعصبهم لتركيا. فكان العرب يبحثون عن مخرج واتصل زعماؤهم بفرنسا. مما جعل جمال باشا يقتحم السفارة الفرنسية في كل من بيروت و دمشق ويضبط وثائق فيها تثبت اتصال قادة التنظميات والجمعيات العربية بفرنسا وتنادي بانفصال سوريا عن العثمانيين إلآ أن جمال باشا أراد أن يغض الطرف عن القضية طمعا في وقوف العرب لجانب تركيا في الحرب. وبعد احساس جمال بنية الشريف حسين بدخول الحرب ضد تركيا والى وجانب بريطانيا استشاط جمال باشا غضبا وأمر بإعدام 11 شخصية عربية في 12 آب سنة 1915 بعد المحاكمة العسكرية في عاليه. وفي (6) أيار سنة 1916 شنق21شخصية عربية أخرى منهم عبدالحميد الزهراوي (رئيس مؤتمر باريس وعضو مجلس الأعيان التركي) وسليم الجزائري مساعد عزيز المصري في الجمعية القحطانية وكانت المحاكمة كذلك للمرة الثانية في عاليه . ولقدأحدثت هذه الاعدامات هزة عنيفة في العالم العربي ولقد نفذ جمال باشا الاعدام بعد توسط الشريف حسين وابنه فيصل إلآ أنه لم يصغ إليهما. وقد كان الأمير فيصل بن الحسين آنذاك في دمشق فرمى كوفيته على الأرض وداسها وقال (طاب الموت يا عرب)(1) [انظر يقظة العرب 276-285]. 4 - العامل الرابع: دخول الشريف حسين الحرب العالمية بجانب بريطانيا ضد تركيا. فلقد بقي الشريف حسين في تركيا ستة عشر عاما إذ كان السلطان عبدالحميد يخشى منه وبعد اعلان الدستور سنة 1908 اختارته جمعية الاتحاد والترقي ليكون أميرا لمكة وعارض عبدالحميد في هذا التعيين(1)[يقظة العرب ص178]. وقد كان اعلان الدستور في 24 تموز سنة 1908 بعد مؤامرة طويلة المدى يديرها أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الذين كان معظمهم من اليهود (الدونمة أو الاتراك المتهودين الذين تلعب بهم أصابع الماسونية في محافل سالونيك وقد كانت الجمعية تعقد اجتماعاتها في بيوت اليهود المنتمين الى الجنسية الايطالية . فقد كتب ستون وتسون يقول (2) [انظر الحلول المستوردة للقرضاوي ص165 نقلا عن كتاب نشوء القومية العربية لزين ص86-87]. (ان الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي انها غير تركية وغير اسلامية، فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من اصل تركي صاف، فأنور باشا هو ابن رجل بولندي مرتد وكان جاويد من الطائفة اليهودية المعروفة دونمة وكراسو من اليهود الاسبان القاطنين في مدينة سالونيكا، وكان طلعت باشا من أصل غجري اعتنق الاسلام دينا ، أما أحمد رضا أحد زعمائهم في تلك الفترة فكان نصفه شركسيا ونصفه غجريا الى جانب كونه من اتباع مدرسة كومت الفلسفية). ويضيف ستون وتسون قائلا ان اصحاب العقول المحركة وراء الحركة كانوا يهودا أو مسلمين من أصل يهودي وأما العون المالي فكان يجيئهم عن طريق (الدونمة) ويهود سالونيكا الاثرياء.... كما أنه كانت تأتيهم معونات مالية من الرأسمالية الدولية - أو الشبيهة(39/103)
بالدولية - من فينا وبودبست وبرلين وربما من باريس ولندن). ويقول هر برت أبري: (كان يهود سالونيكا ويعرفون (بالدونمة) - أي المرتدون- شركاء الثورة التركية الحقيقيين ، وهؤلاء هم من العرق اليهودي، ولكن معتقدهم قد لا يكون يهوديا أصلا .
والاعتقاد الشائع بين الناس هو: أنهم مسلمون بالاسم، أما بالفعل فإنهم من اتباع توراة موسى... وفي تلك الفترة التي نحن بصددها لم يعرف أحد من الناس شيئا عنهم ، سوى قلة من العلماء المختصين بدراسة الشرق الأدنى، ولم يكن أحد من الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه اليهودية المعروفة (بالدونمة) ستلعب دورا رئيسيا في ثورة كان لها نتائج خطيرة في سير التاريخ (1)[الحلول المستوردة ص 165 نقلا عن القومية لزين زين ص207-208]. وقد كان الشريف حسين يتلمس المناسبة للتخلص من الحكم التركي خاصة وأنه أحس أن الاتحاديين سنة 1914 يريدون التخلص منه. وكان عبدالله بن الحسين آنذاك نائبا في البرلمان التركي وقد اتصل بكتشنر (المعتمد البريطاني في مصر) ورونالدستورز المستشار الشرقي في دارالاعتماد البريطاني. وأطلعه على النفور الشديد بين أبيه وبين الاتراك وسأله عن امكانية وقوف بريطانيا بجانب الشريف فيما إذا أعلن الشريف الحرب على تركيا إلآ أنه لم يلق أي تشجيع منهما وقال كتشنر: ليس من المحتمل أن تقف بريطانيا بجانب أبيك (2)[يقظة العرب 206]. (وكان الأمير عبدالله نفسه عضوا في إحدى الجمعيات السرية وكان مؤمنا بفوائد التفاهم الانجليزي العربي متحمسا له) (1) [يقظة العرب 208]. ونشبت الحرب الكبرى في أب سن 1914 وكان عبدالله متحمسا لاعلان الحرب على تركيا، بينما كان الأمير فيصل يرى الوقوف معها. وفي سنة 1915 زار فيصل دمشق واستانبول وفي دمشق إنضم إلى جمعية (العربية الفتاة) وأقسم على نصرتها.
وأعلن الشريف الحرب على تركيا يوم الاثنين 5 حزيران سنة 1916 (وسبحان ربي! كانت هزيمة العرب في 5 حزيران يوم الاثنين سنة 1967) ومن جانب قبر حمزة بن عبدالمطلب بالمدينة أعلن الحرب بعد أن وعدته بريطانيا باستقلال بلاد العرب وبتتويجه ملكا عليها، وكان كتشنر قد أصبح وزيرا للحربية البريطانية واستلم مكماهون معتمدا بريطانيا في مصر، وحدثت المكاتبات المعروفة بينه وبين مكماهون و وعدوه بملك البلاد العربية بعد استقلالها. واندفع الشريف حسين بكل طاقته يؤجح نارالحمية العربية ضد الآتراك وهزم الاتراك.(39/104)
وحصلت اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم البلاد العربية بين بريطانيا وفرنسا واعطيت فلسطين لليهود بوعد بلفور وكان الجزاء الجميل للشريف حسين أن نفته بريطانيا ست سنوات وسلبت ملكه، ولقد كانت الصدمة عنيفة لأعصاب الشريف حتى داهمه الفالج وذاب جسده حسرة وألما وكان يصب جام غضبه طيلة حياته على مكماهون ولويد جورج - الوزير البريطاني المعروف. يقول جورج انطونيوس (1) [يقظة العرب 275]. (لقد زرته قبل موته بأشهر سنة 1931م وقد قلصه الفالج وابيض وجهه الوسيم من شحوب الموت ... فقال لي: الانجليز يا ولدي قوم شرفاء، في أقوالهم وأفعالهم، في السراء والضراء، أقول: شرفاء، ماعدا صاحب السعادة الموقر الهمام لويد جورج فهو أشبه بالبهلوان وبالثعلب. أقول: ثعلب، حاشا مقامك رحم الله صاحب السعادة كتشنر). كانت هذه النتيجة الأسيفة الأليمة للتعاون مع الانجليز وصدق الله العظيم (يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ) (1)[آل عمران: 149-150]. ولقد حذر بعض الصادقين العقلاء الشريف حسين من مغبة غدر الانجليز ومن هذه الفاجعة المتوقعة فقد كتب شكيب أرسلان (2) [الإسلام والحضارة الغربية ص228]. إلى الشريف عندما بلغه عزم الشريف لغزو سوريا مع جيوش الحلفاء قائلا أتقاتل العرب بالعرب أيها الأمير، حتى تكون ثمرة دماء قاتلهم ومقتولهم استيلاء انجلترا على جزيرة العرب وفرنسا على سوريا واليهود على فلسطين). يقول لورنس في أعمدة الحكمة السبعة (لقد كنت أعلم اننا اذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح أوراقا ميتة ولو كنت ناصحا شريفا للعرب لنصحتهم بالعودة إلى بيوتهم. لقد كان قادة الحركة العربية يفهمون السياسة الخارجية فهما عشائريا بدويا وكان البريطانيون والفرنسيون يقومون بمناورات جريئة اعتمادا على سذاجة العرب وصعفهم وبساطة قلوبهم وتفكيرهم ولهم ثقة بالعدو... إنني أكثر ما أكون فخرا أن الدم الانجليزي لم يسفك في المعارك الثلاثين التي خضتها لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت انجليزي واحد) ويقول وايزمان (لقد قدم لنا لورنس خدمات جليلة) هذا هو لورنس الذي كانوا يسمونه - ملك العرب غير المتوج. وصلت جمعية الاتحاد والترقي الى الحكم واستراحت من الغول الرهيب الذي طالما أقض مضجعها وأرق أجفانها (عبدالحميد) وأصبحت تركيا الاسلامية دمية في يد اليهودية تحركها كيف شاءت وأنى ارادت. وأصبحت مقاطعاتها حمى مستباحا للذئاب الغربية من اعداء الاسلام وأصبح هذا المارد الجبار (الدولة العثمانية) يؤكل شلوا شلوا وكما قال الشاعر: رب في الفناء علوا وسفلا واراني أموت عضوا فعضوا فابتلع الغرب أولا دول البلقان النمسا والمجر والبوسنة والهرسك في تشرين الأول سنة 1908 (أي بعد تسلم الاتحاد والترقي) زمام الامور وبعد اعلان الدستور بشهرين فقط وانفصلت بلغاريا واعتدت ايطاليا على ليبيا في خريف سنة 1911 ثم نشبت الحرب البلقانية سنة 1912، وفي هذه السنوات القلية فقدت الدولة العثمانية جميع ولاياتها في اوربا (ماعدا تراقيا الشرقية) (1) [انظر يقظة العرب لجورج انطونيوس ص 181]. وفقدت ذلك الجزء من ليبيا الذي يتألف من ولايتي طرابلس الغرب وبني غازي - بعد - لقد انسحبت تركيا من ليبيا بمؤامرة خيانية مكشوفه لا تخفى على كل ذي عينين ولا يفوتنا أن نذكر أن اليهود الايطاليين هم اساتذة المحافل الماسونية في سالونيك وفي بيوت هولاء اليهود الايطاليين كانت تعقد اجتماعات جمعية الاتحاد والترقي فليس كبيرا أن تعطي جمعية الاتحاد والترقي ليبيا هدية متواضعة الى ايطاليا كرد جميل على صنيعهم السابق الكبير. وفضلا عن هذه الخسارة فقدت كريت وكانت ميزانية تركيا تنوء بأعباء النفقاتالعسكرية. القومية بعد الحرب الاولى تعتبر وقفة العرب بجانب الحلفاء ضد تركيا المسلمة نقطة تحول كبرى في الفكر القومي والتجمع على اساس القومية. اذ لم يكن الانجليز يحلمون في يوم من الأيام أن يقف العرب بجانبهم ككفار ضد بني دينهم وعقيدتهم. يقول لورنس (1)[مجلة المجتمع العدد 433 سنة 1979/20فبراير]. ( رجل المخابرات البريطاني وملك الصحراء العربية كما يسمونه ): (وأخذت افكر طيلة الطريق إلى سوريا وأتساءل هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني المعتقدات الدينية؟ وبمعنى أوضح هل تحل المثل العليا السياسية مكان الوحي والالهام وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى الوطني). ويعتبر الغرب هذا الموقف نقطة تحول الى مرحلة جديدة في التفكير القومي. كتبت الايكونومست في حزيران سنة 1962 تحت عنوان (الاسلام ضد القومية ) (1)[الشعوبية الجديدة لمحمد مصطفى رمضان ص 54]. مايلي: (لقد وضع العرب منذ الحرب العالمية الأولى القومية في المكان الأول حين قاتلوا بجانب الانجليز الكفار - من أجل التحرر من المسلمين الأتراك. وباستثناء البقية الهزيلة من الاخوان المسلمين فليس هناك في العالم العربي اليوم اناس ذوو تفكير سياسي يضعون مجتمع الدول الاسلامية فوق قوميتهم العربية)(39/105)
ولكن بعد الحرب الأولى وإن كانت التجربة القومية مريرة إلا أنه برز عامل جديد وهو: جثوم الاستعمار بثقله على كاهل العالم العربي وأصبح هذا العامل وترا جديدا يعزف عليه دعاة القومية ومفكروها، خاصة بعد ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين وقيام ثورة سنة 1936 الفلسطينية. فهناك نقاط بارزة مابين الحربين الأولى والثانية أدت الى ازدياد التفكير القومي أهمها: 1- الاستعمار البريطاني والفرنسي وقد نقل معه: أ- العلمانية (اللادينية) إلى أجهزة الدولة ورفع الطبقة الممزقة اجتماعيا ، المتفلتة أخلاقيا المستعدة للنفاق وايقاد البخور واشعال الشموع للحاكم الجديد. وأصبحت هذه الطبقة هي المستعمر الجديد وإن كانت من ابناء المنطقة. ب - المناداة بالأفكار القومية كبديل للاسلام وكأساس للتفكير والتجمع والتنفير من الاتجاه الديني وأخذ العبرة من التاريخ الأسود المرير لرجال الدين في العصور الوسطى في أوربا ج - أصبح نغم التحرر من الاستعمار مادة دسمة للطبقات الناقمة على الاسلام والتي تريد أن تجعل من بعض فترات الحكم التركي صورة للاسلام، الذي يمثل الجمود والتأخر والانحطاط!؟؟ 2 - اسقاط الخلافة على يد مصطفى كمال اتاتورك وماتبع ذلك من تفكير جدي بانشاء تنظيم حركي اسلامي لاعادة الخلافة وقيام حركة (الاخوان المسلمين) على يد حسن البنا 3 - بروز التفكير القومي على شكل تنظيمات يقودها المسيحيون وبرز حزب البعث، والقوميون العرب، والقوميون السوريون على السطح، وكانت الجامعة الأمريكية محضنا دافئا لكثيرمن هذه الأفكار). حزب البعث العربي الاشتراكي تكون حزب البعث العربي الاشتراكي من حزبين 1- حزب البعث العربي: وقد أسسه الارسوزي وعفلق. 2 - الحزب العربي الاشتراكي : الذي أسسه سنة 1938 ، عثمان الحوراني ثم آلت قيادته إلى أكرم الحوراني وقد انضم أكرم الحوراني سنة 1936 إلى الحزب السوري القومي وانسحب منه سنة 1938 لينضم إلى حزب الشباب العربي الاشتراكي. وفي 26/1/1952 انضم الحزبان الأول والثاني فكونا حزب البعث العربي الاشتراكي. حزب البعث العربي اختلف في المؤسس فمنهم من قال ميشيل عفلق وصلاح البيطار ومنهم من قال زكي الأرسوزي إلا أن حركة 32 شباط التي عملها صلاح جديد النصيري سنة 1966 في سوريا أحلت الأرسوزي أبا روحيا للحزب والبعث هو وارث (عصبة العمل القومي) وهي عبارة عن نواة تنظيمي كل من عفلق والأرسوزي وقد بقيت هذه العصبة من 1932-1939. سنة 1939 انسحب الأرسوزي منها وشكل الحزب (القومي العربي) (1) [البعث لسامي الجندي من ص 1-27]. زكي الأرسوزي رجل نصيري، ملحد، لا يتكلم العربية متأثر بمباديء الثورة الفرنسية وبالنازية خاصة كتاب نيتشه (هكذا تكلم زرداشت عن موت الإله ونشوء الانسان السوبرمان) بدأ يتعلم العربية بعد سنة 1940، وكان الأرسوزي يرى الجاهلية العربية مثله الأعلى ويعتبرها المرحلة العربيةالذهبية . يقول سامي الجندي (ناقشته سنة 1946 بالقرآن فعاب علي نزعتي الدينية) (1)[البعث ص 28]. مباديء حزب البعث المنقولة عن مبادئ الحزب القومي الذي شكله الأرسوزي سنة 1939 رمزه النمر 1- العرب أمة واحدة 2 - للعرب زعيم واحد يتجلى من إمكانات الأمة العربية يمثلها ويعبر عنها 3 - العروبة وجداننا القومي. مصدر المقدسات، عنه تنبثق المثل العليا، وبالنسبة إليه تقدر قيم الأشياء. 4- العربي سيد القدر ، وفسرها الارسوزي مستشهدا بالانجيل (لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بأمر أبيكم الذي في السموات). يقول الجندي (2)[البعث ص26]. ( وفي 92/11/1940 كنا في غرفة فقال الأرسوزي أرى أن نؤسس حزبا نسميه حزب البعث العربي). أصبحت مبادئ الحزب القومي هي مبادئ حزب البعث العربي هي هي (1)[البعث ص27]. ويقول سامي الجندي: (كنا عصاة تمردنا على كل القيم القديمة، أعداء لكل ماتعارف عليه البشر، الحدنا بكل الطقوس والعلاقات والأديان) (2)[البعث ص34]. (اتهمنا بالالحاد وكان ذلك صحيحا أيضا رغم كل مازعم البعثيون فيما بعد من مزاعم التبرير)(3 )[البعث ص 27]. أما مشيل عفلق فكان متأثرا بنت شه And r ay Geedواندرية وجيد، أعطاه الأول الثورة والثاني الأسلوب وغذيا فيه القلق الذي وسم حياته السياسية بالتأرجح والتردد، كان عفلق كسولا في مظهره، كان الحزب تعبيرا عن انسانيته فتجلت في الحزب منذ الأيام الأولى مواهبه وضعفه، وفي عفلق طيب الفنان وعصبيته وقرفه وسوء ظنه، إن تناقض عفلق قتل الفنان ولم ينقذ السياسي(1)[البعث ص 34]. في آذار سنة 1949 جاء حسني الزعيم فأيده البعث ثم اختلفوا فالقى بمشيل عفلق في السجن فكتب مذكرة استعطاف له فخرج ثم جاء الحناوي بعد حسني الزعيم فاختار ميشيل عفلق وزيرا للمعارف فاغتنمها فرصة ليرسل البعثيين في بعثات دراسية الى فرنسا فعادوا واستلموا الجامعات والادارات. كان الصراع على أشده بين قادة الحزب حتى أنه في انتخابات سنة 1955 للمؤتمر القطري كانوا يقولون (عفلق جاسوس انجليزي والحوراني فرنسي والبيطار عميل لأكثر من دولة ) (2)[البعث ص 71]. أما الاتهامات بالسرقة والجرائم الخلقية فحدث عنها ولا حرج. وهنا نسجل بعض الملاحظات 1-(39/106)
لقد كان الحزب مأوى يتجمع فيه كل الناقمين على الاسلام أوالطامعين في الحكم: فانتبه النصيريون إليه ودخلوه ليكون سلما إلى دولتهم النصيرية، ودخل فيه الاسماعيليون مثل سامي الجندي وعبدالكريم الجندي. والدروز: مثل سليم حاطوم واليهود: مثل أحمد رباح الذي كان رئيسا للحزب في دمشق وإيلي كوهين (1) [إيلي كوهين من جديد/ لمحمد كشك، وجاسوس من اسرائيل لكاتب غربي]. : ضابط المخابرات الاسرائيلي الذي ذهب إلى الأرجنتين وأقام صداقة مع أمين الحافظ ثم دخل سوريا باسم (كامل أمين ثابت) وسكن حي (أبورمانة ) في دمشق وأصبحت شقته الحصن الحصين الذي يأوي إليه قادة البعث وفوق أسرة كوهين شرب نخب النصر سليم حاطوم وعبدالكريم زهرالدين يوم الانقلاب البعثي ( 8 آذار 1963) وعرضت على كوهين الوزارة واستشار بن غوريون رئيس وزراء اسرائيل فلم يوافق. وكان يسمى الشاب الثوري الأول وكان الشخص المدني الوحيد الذي يدخل المطارات والقواعد العسكرية، وأخيرا اكتشفت السفارة الهندية أنه يهودي من خلال الاشارات اللاسلكية التي يرسلها الى اسرائيل يوميا ، وكانت فضيحة عالمية وحوكم كوهين وكان الذي يحاكمه هم تلاميذه وربائب حجره - ولعله وعد بأن يخلي سراحه إذا أخفى مصائب الحزب البعثي الحاكم.. وكان سليم حاطوم هو رئيس المحكمة العسكرية التي حاكمته وبسرعة فائقة طويت القضية وأعدم كوهين ليطوي في صدره مآسي ونكبات الصبية البعثيين الذين تديرهم اليهودية العالمية من خلال المرأة والكأس. 2- إن المؤسسين لحزب البعث ليسوا مسلمين أصلا ، فزكي الأرسوزي نصيري ملحد، وميشيل عفلق مسيحي- قيل أنه يوناني الأصل . 3- إن مبادئ حزب البعث كفر صريح، (العروبة مصدر المقدسات عنه تنبثق المثل العليا، وبالنسبة إليه تقدر قيم الأشياء، العربي سيدالقدر) المثل العليا هي العروبة وليس الاسلام أو القرآن والسنة.
- كان أتباع البعث الأوائل ملحدين، أعداء للأديان جميعا . (لقد كنا خوارج على الشرائع التي تعارف عليها الناس فنسفناها جمعيا ) (1)[البعث لسامي الجندي ص37]. 5 - إن الحزب رغم إدعائه القومية والوطنية لم يعد دراسة عن القضي
الفلسطينية(2)[البعث]. أخطر قضية عربية في العصر الحديث . 6- لقد تسلق النصيريون على سلم البعث فاستطاعوا أن يستلموا البلد عسكريا ومدنيا وفي 32 شباط سنة 1966 قام صلاح جديد - النصيري بحركته التصحيحية - أي إقصاء عناصر اهل السنة من مراكز القوى وفي سنة 1970 عندما جاء حافظ الأسد جعل الدولة نصيرية خالصة. 7 - إن الأحزاب القومية ليس لها أيديولوجية (عقيدة ) تجاه الكون والانسان والحياة ولذا بقيت إطارا فقط دون مضمون ولذا اضطرت أن تملأ فراغها العقائدي بالماركسية والاشتراكية، ولذا فإن الأحزاب القومية كلها أصبحت:- (عربية الإطار والمظهر شيوعية الحقيقة والمخبر) وهذا الذي أقر به جلال السيد في كتابه (حقيقة القومية العربية ) (1) [حقيقة القومية العربية ص 379/ جلال السيد]. بأن هنالك تيار عفوي قام بصياغة المواضيع الاقتصادية لأن الرواسب قد أطلت تحت ستار التقدمية والاشتراكية وبأن الشيوعية هي حقيقة هذا التيار. 8 - لقد انتحر الحزب بمجرد وصوله إلى الحكم ولقد انتقد ميشيل عفلق سنة 1965 في سوريا تسلط العسكريين على الحزب وإقصاء المدنيين من اللجان المركزية للحزب فطرد عفلق بل حكم عليه بالاعدام هو والمؤسس الآخر صلاح البيطار ثم لوحق البيطار حتى اغتالته النصيرية في باريس سنة 1981 وأما عفلق فقد احتضنه البعث العراقي بعد وصوله إلى الحكم في انقلاب 1968 على عبدالرحمن عارف. فجاء به تلميذه صدام حسين الذي أصبح نائبا لرئيس الجمهورية ثم بالتالي رئيسا لجمهورية العراق. وقد سئل الرئيس صدام حسين - في مقابلة صحفية له طبعت ووزعت في الأردن سنة 1981. ما علاقتك بمشيل عفلق؟ فرد صدام: علاقة الابن بأبيه ولولا ميشيل ما كان صدام شيئا . ومن المعروف أن صداما كان حارسا خاصا لميشيل عفلق من بداية الستينات. وكان ميشيل يستعمله لتصفية خصومه السياسيين. وفي سنة 1979 صفى الرئيس صدام حسين - منذ الأيام الأولى لحكمه - معظم قادة الحزب لمعارضتهم المبدئية لرئاسته. وكتب عن مأساة الحزب بعض قادته مثل الدكتور منيف الرزاز (التجربة المرة) ومطاع الصفدي ( حزب البعث مأساة المولد ومأساة المصير). لقد انتهى الحزب في سوريا اذ تسلق عليه النصيريون ثم قتلوه، وأصبحوا يتفكهون بالتعدي على كل الأديان والقيم والمبادئ . فاستعانوا أولا بذراري المسلمين الداخلة في حزب البعث ثم صفوهم تدريجيا .(39/107)
وأصبح الكفر هو شعار الدولة في كل الأجهزة: كتب ابراهيم خلاص في مجلة جيش الشعب السورية 25/4/67 (والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هي خلق الانسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن أن الله والأديان والاقطاع ورأس المال والاستعمار والمتخمين وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمي محنطة في متاحف التاريخ.(1)[مقدمة كتاب العرب والاسلام للندوي]. وقال شفيق الكمالي يمدح صداما : تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال وعندما دخلت قوات البعث حماة سنة 1964 كانت تهزج قائلة: هات سلاح خذ سلاح دين محمد ولى وراح وفي سنة 1980 خرجت سرايا الدفاع والحزبيوين يهتفون (يسقط الله) (الأسد ربنا) (لا إله إلآ الوطن ولا رسول إلآ البعث) (2)[مجلة النذير العدد 17 رجب سنة 1400 هـ شهر أيار سنة 1980م]. وأما النصير يون فكانوا يهتف في جسر الشغور (لا إله إلآساجي - بن سليمان المرشد-) 9 - لقد ابتداء حزب البعث مع بداية الحرب الثاني 9391 وكانت النازية والفاشستية تملأ برنينها العالم ولذا فقد تأثر.. فمثلا زكي الأرسوزي متأثر بنيتشة فيلسوف النازية خاصة كتابه (هكذا تكلم زرداشت عن موت الإله....) وأما عفلق فهو متأثر كذلك (بنيتشه) وجيد. فجاءت أفكارهم تلخيصا للالحاد والقلق الذي كان يعاني منه نيتشه الذي كان يسمي المسيحية (دين الكلاب العرجاء) (1)[تهافت العلمانية د. عماد الدين خليل ص 92 نقلا عن كتاب كولن ولسن (سقوط الحضارة) ترجمة أنيس زكي ص 174-179]. ، وأهم سمات فلسفة نيتشة تتلخص في ثلاث نقاط: 1- الالحاد
2- ان فكرة القيامة هي التي جعلت من المسيحية (أخلاق عبيد) إذ أن حقد الضعفاء تجاه الأقوياء جعلهم يوحون لهم بفكرة الآخرة فاستسلم الأقوياء للأساطير وعم ظلام المسيحية العالم 3 - اليأس والقلق: اللذان هما شرطان دائمان للعظمة الانسانية (2)[المذاهب الوجودية جوليفيس ص 63]. وإليك مقارنة بين كلام عفلق وكلام النازية والفاشستيه(1)[الحلول المستوردة للقرضاوي ص 306-311 نقلا عن كتاب (التجربة والخطأ) لأديب نصور ص46-48]. 1 - (البعث قدر الأمة العربية) يقابل كلام موسوليني (الفاشستية هي قدر الأمة الايطالية) وهو الحق الالهي عند هتلر وهو نفس كلام تروتسكي (ان الحزب الشيوعي لا يخطيء لأنه تجسيد للحتمية التاريخية) 2 - ان عقيدة البعث لا يمكن الوصول إليها بالعقل ولكن بالايمان وحده) يقابل كلام موسوليني (الفاشستية لا تناقش إنها تدرك بالاحساس) 3- ان القدر الذي حملنا رسالة البعث أعطانا الحق في أن نأمر بقوة ونتصرف بقسوة وهو نفس كلام موسوليني (ان القدر الذي حملنا رسالة الفاشستية أعطانا الحق في أن نأمر بقوة، ونتصرف بقسوة) 4 - ان البعث هو الطليعة،وعلى الجماهير أن تمشي وراءها) وهو نفس كلام موسوليني (ان الفاشستية هي حكم الصفوة المختارة وعليها أن تقود الجماهير) الانقلابات العسكرية والقومية ان الأفكار الجديدة لابد لها من قيادات عسكرية تفرض أراءها بالقوة وتستبدل القومية والاشتراكية بالاسلام. ولذا فقد أوصت الدوائر الغربية في بلادنا، والمستشرقون بوجوب المجيء بقيادات شابة عسكرية يفرض من خلالهم ما يريد الغرب من مبادئ. يقول قسطنطين رزيق(1) [الشرق الأدنى ثقافته ومجتمعه ص335 أنظر كتاب الإسلام والحضارة الغربية ص126]. (إن العرب لابد لهم في عهدهم الجديد من قيادة قديرة وتقدمية وأن عليهم أن ينبذوا من تقاليدهم العناصر الرجعية، وعندئذ فقط تستطيع الطائفة المستنيرة أن تواصل كفاحها ضد العناصر الرجعية بالتعاون مع الغرب). ويقول جب (1) :[الشرق الأدنى ص325 أنظر الاسلام والحضارة الغربية 131]. (ان نجاح التطور يتوقف إلى حد بعيد على القادة والزعماء في العالم الاسلامي وعلى الشباب منهم خاصة) وفكرة القومية قضية جذابة براقة تستطيع أن تخدع الجماهير بسهولة باسم التحرر والتقدم والوطنية. يقول جب(2) :[مقدمة الإسلام والغرب والمستقبل لتوينبي ترجمة صبحي الطويل ص9]. (إن الاسلوب الذي استطاعت به طبقة المتغربين تأمين قبضتها الثابتة على السلطة في الدولة.... فالقومية هي فكرة غربية تماما ). ومن المعلوم أن العسكريين لا علم لهم بادارة الأمم ولا رعاية الشعوب ولا سياسة الجماهير ولذا تدارالبلاد من خلالهم. لقد وصف (ستيف ميد) المبعوث من وزارة الخارجية الأمريكية - فئة العسكر لانقلاب سنة 1952 في مصر وصفا دقيقا يصلح لكل العسكريين فيقول:
إن هؤلاء الأولاد يظنون أنفسهم أعضاء عصابة (روبين هود) الهزلية وهم فرحون بأنهم يحملون صفة (أبطال الثورة) ولكني لم أجد واحدا استطاع أن يشرح لي ما هو هدف هذه الثورة... إنهم لا يهتمون بالسياسة..(39/108)
ولعل هذا من حظنا نحن وعبدالناصر معنا... انهم بحاجة إلى من يقول لهم ماذا يفكرون ويعملون)(1)[لعبة الأمم/ مايلزكوبلاند/ 64، وتحليله (الدبلوماسية والميكافيلية د. محمد صادق ص199]. ولقد سأل بعض ضباط الجيش عبدالحكيم عامر-غداة اطلاق النار على عبدالناصر في ميدان المنشية- سنة 1954 عما حققته الثورة وأسباب الحادث فقال في صراحة (انه لا يعرف شيئا عما تحققه الثورة وأن جمال هو الذي خطط ونفذ وهو الذي يعرف خطوات المستقبل) (2) [قصة ثورة 23 يوليو لأحمد حمروش ج2/40 وأنظر كتاب صفحات من التاريخ ج1/ 237 لصلاح شادي]. ويقول مورو بيرجر في كتابه (العالم العربي اليوم) (ان النخبة العسكرية في الشرق الأدنى في مصر والسودان والعراق وتركيا وإيران وباكستان كانت عوامل هامة في جلب التغيير... فأصبح العرب متغربين بدون أن يتكلفوا الذهاب إلى أوربا). يقول مايلزكوبلاند (1) [لعبة الأمم ص 124 وتحليلة (الدبلوماسية والميكافيلية) ص149]. (ان عبدالناصر لو لم يكن قد ولد فإن لعبتنا كان عليها أن تخلقه) أي تربي حاكما دكتاتوريا مثله ولذلك فإن مناداة عبدالناصر بالقومية سنة 1954 كان باشارة أمريكا كما بين ذلك مايلز كوبلاند - رجل المخابرات الأمريكي-
ولقد كان لمناداة عبدالناصر بالقومية أثرا بالغا في العالم العربي وما كان للقومية أن يكون لها هذا الانتشار لو لا مصر وزعيمها ولقد مهد عبدالناصر لهذا الانتشار القومية ونجاح البعث وتغلغل الشيوعية انحسارالاسلام من المنطقة كلها. ولكن الأفكار التي فرضت على المنطقة بالقوة اجتثت من فوق الأرض - كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار- كما يقول برنارد لويس: (إن أخذ أي نظام سياسي جاهز ليس فقط من بلد مختلف بل من حضارة مختلفة وفرضه بواسطة الغربيين أو الحكام المتغربين في الشرق عمل خاطئ، فلقد فرضت الديمقراطية بأوامر وفرامانات الحاكم المطلق... فكانت النتيجة قيام نظام لاصلة له بماضي أو بحاضر البلد ولا صلة له بحاجات مستقبلة ) (1)[الحلول المستوردة للقرضاوي نقلا عن كتاب الغرب والشرق الأوسط 85-86].(39/109)
ولقد نادى كوك ألب بفصل الدين عن لدولة (علمانية الدولة) ونادى بوجوب أخذ مدنية الغرب بحذافيرها مع الاحتفاظ بالثقافة القومية أو بعبارة أدق و يريد اقصاء الاسلام نهائيا عن الحياة مع عدم السماح للناس أن يسموا هذا العمل إلحادا أو زندقة بل على لناس أن يسموا هدم الاسلام اسلاما . ويعتبر الغربيون كوك ألب (واضع الأسس النظرية للدولة التركية لحديثة ) كما يقول هار ولد سمث (1)[وجهة الإسلام هاملتون جب 358، الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ص73 أنظر كتاب الإسلام والحضارة الغربية للدكتور محمد محمد حسين ص147]. القومية التركية ( الطورانية ) لابد قبل أن نغادر جميعة الاتحاد والترقي وهي جمعية شكلها شباب تركيا -تركيا الفتاة- أن نقف هنيهة عند القومية التركية. لقد بذرت البذور الأولى للقومية التركية في داخل الأكاديمية العسكرية في استانبول مع الأساتذة العسكريين الألمان الذين وفدوا إلى الكلية ليدربوا الأتراك الذين كانوا بحاجة الى جيش قوي مدرب على وسائل القوة الحديثة وأساليب القتال العالية خاصة وأن تركيا تقابل العالم بأسره يرميها عن قوس واحدة فقد وصلت بعثة عسكرية ألمانية سنة 3881 يرأسها الكولونيل (فون درجولسن) (1)[يقظة العرب جورج انطونيوس ص/144]. وبقي يعمل قرابة ثلاث عشرة سنة تمت خلالها بذرة القومية. وأما العامل الثاني لنشوء القومية الطورانية هو: هجرة اللاجئين المجريين والبولنديين إلى تركيا بعد فشل ثورتهم سنة 8481، واعتنق هؤلاء الاسلام وأصبحوا من الطبقة المتنفذة في الدولة ومن بين هؤلاء (قسطنطين بورزيسكي) وقد سمى نفسه بعد ذلك مصطفى جلال الدين باشا، فلقد كان هذا الرجل هو رأس الأفعى القومية التي نقلت سمها الى عقول ونفوس الاتراك. يقول برناردلويس. (ولقد عمل يورزيسكي على نقل القومية البولونية ووضعها في قالب تركي. وساعده على هذا العمل ما عرضه من أعمال المستشرقين الغربيين الباحثين في الشئون التركية... وكان لها تأثير هام في تقدير التاريخ التركي القديم، والاعتقاد بالهوية المميزة) (1) [الحلول المستوردة ص/160]. ولا يفوتنا أن نعود فنذكر بأن جمعية الاتحاد والترقي كلهم ماسون (يهودية عالمية ) وأن يهود سالونيك هم اليد المحركة لهذه الجمعية وهم داخلون فيها. ونعود مرة أخرى فنذكر بكلام ستون وتسون (إن الحقيق البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي أنها غير تركية وغير اسلامية) (1)[نشأة القومية، زين زين ص/86-87، انظر الحلول المستوردة ص/164]. فأطاحت بعبدالحميد وبتركيا وبالاسلام. ولقد كان لهذه الدعوة الى القومية التركية أثرا سيئا انعكس في نفوس الشعوب الاسلامية التي تخضع للسيادة العثمانية وبدأوا يطالبون بالاستقلال ويشكلون الجمعيات السرية لمحاربة تركيا خاصة بعد السلوك المشين الغريب الذي سارت عليه جمعية الاتحاد والترقي وعلى رأس هذه الشعوب العرب الذين اتخذوا من هذا السلوك مبررا للوقوف بجانب بريطانية ضد الأتراك في الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين وكان لها من النتائج الوخيمة على العالم الاسلامي. يقول توينبي(2)[الإسلام والغرب والمستقبل لتوينبي ص20 تعريب نبيل صبحي]. : (ان الضباط في تركيا الحميدية هي الطبقة الوحيدة التي استطاعت أن تفتح نافذة فكرية دائمة تنفذ عن طريقها التأثيرات الغربية لذلك ففي سنة 1908 وبعد ثلاثين عاما من حكم استبدادي مظلم كان الجيل التركي الجديد من العسكريين هو رأس الحربة لجوم الليبرالية الغربية على تركيا) مقارنة بين القومية الطورانية والقومية العربية لقد التقت القومية الطوروالعربية على أشياء أهمها: 1- ان الغرض من كل منهما هو القضاء على تركيا المسلمة، وعلى السلطان عبدالحميد بالذات. 2- لقد بدأت القوميتان في وقت واحد تقريبا وإن كانت القومية العربية قد تقدمت قليلا على الطورانية 3- القوميتان علمانيتان اتفقتا على استبعاد الاسلام عن الحياة . 4- إن كلا من القوميتين نشأتا في محاضن أجنبية، فالقومية العربية نشأت في المحاضن الأمريكية وفي الجامعة الأمريكية بينما الطورانية نشأت في المحافل الماسونية اليهودية التي يشرف عليها اليهود الاسبان والبولنديون والايطاليون. 5- إن الرواد الأوائل لكل من الدعوتين لم يكونوا مسلمين أصلا ولا من الجنس الذي يدعون إلى قوميته، فمثلا (بورزيكي) الذي سمى نفسه مصطفى جلاالدين - بولندي الأصل- عمل على نقل القومية البولندية وصبها في قالب تركي، ومنذ تأسيس جمعية الاتحاد والترقي لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من أصل تركي صاف، فأنور باشا- بولندي مرتد- وجاويد من الطائفة اليهودية (دونمة) وكراسو (من اليهود الاسبان) في سالونيك وطلعت باشا من أصل غجري وأما أحمد رضا- فنصفه شركسي ونصفه مجري ومتأثر بكومت(1)[نشوء القومية العربية / زين زين ص 85-86]. والرواد الأوائل للقومية العربية كانوا جميعا من غير المسلمين من بطرس البستاني، وناصيف وابنه ابراهيم اليازجي، والشدياق وأديب اسحق ونقاش وشميل وتقلا وصروف وزيدان ونمر ومشاقة. كل هؤلاء على الاطلاق من النصارى ثم جاء القرن العشرين وكان من قادتهم:(39/110)
زكي الأرسوزي وميشيل عفلق - قادة البعث. وانطون سعادة وجورج عبدالمسيح - من قادة الحزب القومي السوري وجورج حبش- من قادة القوميين العرب. يقول الكاردينال بريتولي للبابا: (1) [الأخبار الكويتية عدد 14 سنة 1979، سنة 1399هـ]. (إن المسيحية في الشرق هي التي زرعت الحرك الثورية وحركات التغيير، وإن أسماء ميشيل عفلق وأنطون سعادة وجورج حبش قد تفسرلك ما أعنيه) 6- إن الأصابع الماسونية - اليهودية- كانت تحرك طلائع الحركتين بل لقد نمت الفكرة وترعرعت في المحافل الماسونية فالخمسة الأوائل الذين أنشأوا (جمعية بيروت السرية) كلهم من الماسون وكذلك كل الذين نادوا بالطورانية هم من الماسون. 7 - هنالك بعض الرؤوس المدبرة للاطاحة بالاسلام في تركيا انتقلت لتواصل عملها في القاهرة. فمثلا عزيز المصري كان في جمعية الاتحاد والترقي ثم أنشأ (الجمعية القحطانية)
و(جمعية العهد) والحاخام اليهودي في استانبول - ناحوم حايم- انتقل إلى القاهرة بعد اسقاط الخلافة في تركيا.(39/111)
ولقد كان لهذا الحاخام تأثير في السياسة المصرية. فلقد كان العقاد محروما من جائزة العلم لفترة طويلة وذات يوم زار ناحوم حايم فأعطى العقاد جائزة العلم في اليوم التالي من قبل عبدالناصر. وكذلك (اسماعيل أحمد أدهم(1) [ذيل الملل والنحل/ محمد سيد كيلاني ص91]. جاء من تركيا إلى مصر وألف كتاب (لماذا أنا ملحد) وأسس (المجمع الشرقي لنشر الالحاد) وكانت مجلة العصور لاسماعيل مظهر تنشر أراءهم. 8- تأثرت القومية العربية بالنظريات السياسية الأمريكي وتأثرت الطورانية بالثورة الفرنسية. يقول فيليب حتى(2) :[الغزو الكفري/ د. علي عبد الحليم محمود ص 182]. (كان من نتيجة الاحتكاك بين العقلية السورية والنتاج الفكري الغربي أن تولدت مبادئ القومية العربية الشاملة، واستمدت وحيها بالأكثر من النظريات السياسية الأمريكية، بخلاف القومية التركية التي جاءت متأخرة عن العربية والتي استمدت الهامها من مبادئ الثورة الفرنسية). 9- لقد كانت الأصابع اليهودية بارزة في القومية التركية، ولا زال اليهود يحرصون على ربط العرب بقوميتهم. كتب سفير بريطانيا في الاستانه (لاوثر) إلى وزير خارجية بريطانيا (هادينغ) بتاريخ 29/5/1910 يقول: (في سالونيكا مقر حركة الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) يسكن حوالي 140 الفا من اليهود ، (08) ألفا من أصل أسباني و (02) الفا من طائفة سبط اللاوي- اللاويين - وهم يهود تظاهروا بالاسلام، ومعظم هؤلاء اليهود الاسبانيون الأصل قد حصل في الماضي على الجنسية الايطالية وهم ماسونيون ينتمون إلى المحافل الايطالية، فاليهودي لوزاتي وسونتيو من رؤوساء الوزارة، وغيرهما من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب هم أيضا فيما يظهر من الماسونيين، وهم يرعمون بأن محافلهم الماسونية هي فرع من المحفل الاسكتلندي القديم وتبع طقوسه، وقبل بضعة أعوام اسس (عمانوئيل قراصو) وهو يهودي ماسوني من سالونيكا ويمثل الآن مدينة سالونيكا في مجلس المبعوثان العثماني (وهو المجلس النيابي الذي يمثل كل الطوائف والطبقات من رعايا الدولة العثمانية مسلمين كانوا أو غير مسلمين) بالتعاون مع الماسونية الايطالية محفلا في سالونيكا سمي (بالمحفل المقدوني). ويبدو أن قراصو قد اقنع رجال تركيا الفتاة ضباطا ومدنيين بالانتماء إلى الماسونية، وهدف من ذلك فرصة النفوذ اليهودي - غير المستساغ- على الأوضاع التركية الجديدة وإن كان يتظاهر بانه انما يريد مساعدة رجال تركيا الفتاة في تضليل جواسيس السلطان عبدالحميد ومنحهم الأمن في محفله الماسوني لأن هذا المحفل الماسوني ينعقد في بيت أجنبي يتمتع بالحصانة الممنوحة للأجانب في الدولة العثمانية ضد الملاحقة والتفتيش) وقد عملت الماسونية على رفع رمزي بك - وهو يهودي ماسوني - تظاهر بالاسلام إلى مركز رئيس أركان حرب السلطان محمد رشاد، وعند ما نقل السلطان عبدالحميد عين أخ لرمزي مشرفا عليه) (1)[مجلة المسلم/ محرم/ صفر سنة 1402هـ (والجماعة الإسلامية ليبيا)]. أما حرص اليهود على بقاء الشعور القومي لدى العرب فهو ظاهر خوفا من عودة العرب إلى الاسلام. يقول أبا إيبان (1) [مجلة المجمع الكويتية العدد 433]. - كان وزيرا لخارجية اسرائيل - في محاضرة له في جامعة برنستون/ أمريكا: (يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبة المد الاسلامي بعد الهزيمة الأخيرة وفي ذلك الخطر الحقيقي على اسرائيل ولذا كان من أولى واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي). حكم الاسلام في القومية العربية جاء الاسلام منذ اليوم البشرية على مبادئ جديدة يتجمعون عليها. ويلتقون في ظلها وجاء لينقل الانسان نقلة بعيدة فيرتفع به من التراب والطين إلى العقيدة والدين وجاء ليقر الحق ويبطل الباطل. ويعطي كل ذي حق حقه وعل م الناس أن يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله. (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وان تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)(1)[النساء: 135]. جاء الاسلام ليقيم العدل في الأرض. فقد قال عبدالله بن رواحة لما بعث رسول الله (ص) يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم، على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض (1)[أنظر مختصر ابن كثير للصابوني 1/447 ومعني يخرص التمر: يقدر كميته]. وعندما سرق بنو أبيرق (طمعة أوبشير) درعا وسلاحا وطحينا من بيت (رفاعة بن زيد) ثم كادت السرقة تظهر عند طعمة فألقى طعمة السلاح في بيت آخر -جاء في بعض الروايات أنه يهودي، وكاد الرسول (ص) يصدق أن السارق هو اليهودي واسمه -زيد بن السمين- نزلت عشر آيات من السماء تبرئ زيد بن السمين اليهودي وتثبت السرقة عند المنافق الذي يظهر الاسلام وهو طعمة بن أبيرق الذي قال عنه رسول الله (ص) عندما جاءته الشكوى: (عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم اسلام وصلاح(39/112)
ترميهم بالسرقة من غير ثبت ولابينة) (1)[انظر مختصر ابن كثير للصابوني 1/434-437، والآيات من سورة النساء من آية (105-115]. وجاء الاسلام ليخرج الناس من حياة الحيوان التي يكون تجمع القطيع فيها على الكلأ والحظيرة إلى التجمع على أساس العقيدة والمبادئ ونزل القرآن يلعن أبالهب- عبدالعزى بن عبدالمطلب - عم الرسول (ص) الهاشمي القرشي، ويرفع بلالا وعمار وصهيبا ويأمر الرسول (ص) أن يصبر نفسه معهم ؛واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا«(2)[الكهف: 28]. ( واذ جاءك الذي يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة ....) (3)[النساء: 54]. جاء الأقرع بن حابس وعيينه بن حصن الغزاري للرسول (ص) وعندما رأوا صهيبا وبلالا وعمارا وخبابا حوله قالوا: يا محمد (إن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ) (1)[مختصر ابن كثير 1/581]. فكاد (ص) يوافق أن يقرر لزعماء العرب مجلسا فنزل جبريل عليه السلام بالقرآن ينهاه ويقول له (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين)(2)[الأنعام: 52].(39/113)
وسمى رسول الله (ص) أبا جهل -عمر بن هشام- فرعون هذه الأمة وإن كان مخزوميا قرشيا . وقتل أبو عبيدة أباه في بدر، وكان رأي عمر أن يقتل الأسرى في بدر وإن كانوا قرشيين ومن أقاربهم الأدنين (جمع أدنى) وانتصر الاسلام بأمثال هولاء الأعبد وطوت عجلة التاريخ القرشيين المعاندين ليبقوا لعنة وعارا في صفحات تاريخ هذه الأمة. واختفت من بين الناس تلك النعرات الجاهلية والأصوات المنكرة التي كانت تؤجج نار حرب البسوس وحرب داحس والغبراء، واختفى صوت الشاعر دريد بن الصمة وما أنا الآ من غزية إنغوت غويت وإن ترشد غزية أرشد اختفى هذا الصوت ليرتفع الصوت الجديد بنشيده: أبي الاسلام لا اب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم واختنقت الأصوات التي تنادي بالانتصار لبكر أو تغلب أو لخزاعة عندما دوى صوت الوحي في جنبات الأرض. (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عندالله أتقاكم، ان الله عليم خبير)(1) [الحجرات: 13]. وأصبحت أنشودة كل مسلم: الهند لنا والصين لنا والعرب لنا والكل لنا أضحى الاسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا دستور الله لنا نور أعددنا القلب له سكنا والآن نأتي إلى القومية العربيةالحديثة لنرى حكم الاسلام فيها. هنالك عدة قضايا نبني عليها حكمنا: 1- القومية العربية تقيم التجمع واللقاء على أساس الجنس والأرض بدل العقيدة. وهذا يصطدم مع الاسلام. 2 - القومية العربية تفضل المسيحي العربي على المسلم الباكستاني أو التركي وهذا يناقض القرآن (إن أكرمكم عندالله أتقاكم...) 3 - القومية العربية تنصر اليهودي العربي أو المسيحي العرب على المسلم الباكستاني أو الأفغاني وإن كان الحق للباكستاني أو الأفغاني أو الايراني. وهذا يناقض (فاصبحتم بنعمته إخوانا....) (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) 4- القومية العربية: توالي الكفار وتتبع القادة الكفار فهي تقدم كلام ميشيل عفلق أو جورج حبش أو اساتذتهم أمثال نيتشة وروسو على أي كلام آخر ولو كان كلام الرسول (ص) . والله يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم...)(1) [المائدة: 51]ز 5 - القومية العربية لا تقبل أن تجعل قانونها من الاسلام خوفا من اثارة النعرات الدينية والطائفية كما يدعون فهي تريد أن تبعد 90% من أبناء الدول العربية عن اسلامهم وتخرجهم عن دينهم مراعاة لشعور فئة قليلة من المسيحيين العرب . (وإذا قيل لهم تعالوا الى ما انزال الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم....)(2)[النساء: 61-62]. 6 -القومية العربية لا ترى أن الاسلام صالح لهذا الزمان ولذلك كثيرا ما تصف الاسلام بالرجعية والجمود والتأخر وتصف العلمانية والتحلل من الدين بالتقدمية والتحرر. 7 - القوميون العرب يرون أن الاسلام وثبة من وثبات الأمة العربية أدت دورها ومضت وأما اليوم فهناك مبادئ أخرى تؤدي دورها دون الاسلام الذي لايستطيع أن يواكب العصر. 8 - القوميون يرون أن القومية العربية دين جديد له سدنته وحواريوه وأتباعه وقديسوه يقول محمود تيمور (1) [أنظر مقدمة كتاب الأستاذ الندوي العرب والإسلام، وكتاب الحلول المستوردة ص170]. : (وان كتاب العرب في أعناقهم أمانة هي أن يكونوا حواريين لتلك النبوة الصادقة - القومية- يزكونها باقلامهم) ويقول علي ناصر الدين (2)[ المصدر السابق]. في مقدمة كتابه (قضية العرب) ط3 (العروبة نفسها دين عندنا - نحن القوميين العرب- المؤمنين العريقين من مسلمين ومسيحيين، ولئن كان لكل عصر نبوته المقدسة، إن القومية العربية لهي نبوة هذا العصر). جاء في مجلة العربي (1)[انظر مقدمة كتاب الأستاذ الندوي العرب والإسلام، وكتاب الحلول المستوردة ص 170]. عدد 2 ص 9 يناير 59 (الوحدة العربية يجب أن تنزل من قلوب العرب أينما كانوا منزل وحدة الله من قلوب قوم مؤمنين). ويقول عمر فاخوري (كيف ينهض العرب): (لا ينهض العرب إلآ إذا أصبحت العربية - أو المبدأ العربي - ديان يغارون عليها كما يغار المسلم على قرآن النبي الكريم وغرضي من هذا الكتاب تشكيل ديانة جديدة هي الجنسية أو العنصرية العربية) 9 - القومية العربية تقديم للجاهلية على الاسلام (أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) والجاهلية : هي كل حكم غير حكم الله. ولقد رأينا أن زكي الأرسوزي (2)[البعث لسامي الجندي ص 28]. يرى أن الجاهلية العربية هي الفترة الذهبية في حياة العرب ويراها مثله الأعلى.(39/114)
01 - القوميةالعربية: طاغوت جديد (صنم جديد) والطاغوت: كل حكم غير حكم الله، وكل ما أطيع من دون الله، وكل من تحاكم إليه الناس دون الله، سواء كان صنما أو كاهنا أو شيطانا أو قانونا أو وطنا أو قوما أو زعيم قبيلة أو عشيرة أو بلدا . وهذا كفر بنص القرآن (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما أنزل من قبل يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزال الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فيكف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا)(1 )[سورة النساء 60-63]. صدق الله العظيم: إنهم يقولون لا نريد إلآ الاحسان والتوفيق بالقوميةلا نريد إلآ الوحدة الوطنية ونريد أن نتلافى الخلافات المذهبية والطائفية والدينية. يقول ابن كثير ( 1)[البداية والنهاية ج13/118-119]. (من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر. فكيف بمن تحاكم إلى الياسا - قانون جنكيرخان - وقدمها عليه - على الاسلام - لا شك أن هذا يكفر باجماع المسلمين. ويقول سيدقطب (إن الذي يحكم على عابد الوثن بالشرك ولا يحكم على الذي يتحاكم إلى الطاغوت بالشرك. ويتحرج من هذه - الحكم بالكفر على من يتحاكم إلى الطاغوت - ولا يتحرج من تلك، إن هؤلاء لا يقرأون القرآن، فليقرأوا القرآن كما أنزل،وليأخذوا قول الله بجد (وان أطعتموهم إنكم لمشركون)(1 ). وبعد: فهذه نقاط عشرة كل واحدة منها تخرج القومي من الاسلام وتكفره كفرا ينقله عن الملة الاسلامية. ولزيادة الطمأنينة أنقل إليك بعض النصوص الكريمة من فم النبوة الشريف. 1 - عن جندب بن عبدالله مرفوعا إلى الرسول (ص) (من قتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية، فقتله جاهلية) (2) . وفي رواية (من قتل تحت راية عمية، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلته جاهلية)(3) 2 - عن جبير بن مطعم مرفوعا (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) (1) . 3 - عن ابن مسعود مرفوعا (2) (من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي في مهواة فهو ينزع بذنبه) (3) . 4- عن أبي مرفوعا (إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) (4) . أعضوه بهن أبيه: أي قولوا له: عض أير أبيك - هكذا في النهاية لابن
الأثير. 5 - عن أبي هريرة مرفوعا (لينتهين أقوام يفتخرون بابائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكون أهون على الله من الجعل الذي يدهده الحزء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبي ة الجاهلية وفخرها بالأباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وأدم خلق من التراب ) (5) . هذه النصوص فيمن يعتز بآبائه الجاهليين، فكيف بمن يقدم الجاهلية على الاسلام ؟ وكيف بمن يقول : (إن العروبة مصدر إلهامنا، ومصدر مقداساتنا، عنه تنبثق المثل العليا، وبالنسبة إليه تقدر قيمة الأشياء ، والعربي هو سيد القدر)(1). وكيف تحكم على البعث الذي كتب في جريدته عن مشيل عفلق الإله العائد وقال شاعرهم: يا سيدي ومعببدي حسبي ألم فتاتكم حسبي وكيف تحكم على البعث السوريين الذين يقولون:(2) (إن الطريق الوحي لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي: هي خلق الانسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن أن الله والأديان والاقطاع ورأس المال والاستعمار والمتخمين وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ) وقد أشرت قبل قليل إلى بعض النصوص التي تعتبر العروبة دينا لها نبوتها والايمان بالعروبة يجب أن يكون كالايمان بالوحدانية لله. إن القوميين يصرحون على لسان قادتهم (ألحدنا بكل الطقوس والعلاقات والأديان، اتهمنا بالالحاد وكان ذلك صحيحا - رغم كل مازعم البعثيون فيما يعد من مزاعم التبرير- لقد كنا خوارج على كل الشرائع التي تعارف عليها الناس فنسفناها)(1) . اعتناق مبادئ القومية كفر ينقل عن الملة وبناء على ما تقدم فإن اعتناق مبادئ القومية العربية وغير العربية كالكرد والايرانية كفر ينقل عن الملة ويخرج من الاسلام. فمن اعتنق مبادئ القومية فإنه يخرج من الاسلام فلا تؤكل ذبيحته، ولا تنكح البنت القومية، ولا يزوج القومي من بنات المسلمين ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يقبر في مقابر المسلمين، ولا يرد عليه السلام، ولا يترحم عليه إذا مات ـفلا نقول يرحمه الله- ولا يرث الشاب القومي من أبيه المسلم، ولا يرثه أبناؤه إن كانوا مسلمين ويخالفونه في مذهبه القومي. وإذا اعتنق الشاب القومية وهو متزوج مسلمة فتطلق منه وتحرم عليه وإذا بقيت على صلة به، فالصلة الجنسية بينهما زنا، وأولادهما أولاد زنا، وعورة المرأة المسلمة أمام الفتاة القومية كعورتها أمام الرجل فلا يحل لها كشف رأسها أمام الفتاة القومية. والمرأة اذا اعتنقت القومية وهي متزوجة مسلما ينفسخ العقد حالا.(39/115)
1- سيقول أناس: ان بعضهم يصلي ويصوم أحيانا فنقول: إن الصلاة والصيام لا يقبلان مع فساد العقيدة والشرك، فلقد كان الجاهليون يصلون ويحجون ويدعون ولكن الله رد أعمالهم كلها لأنها ليست مبنية على إيمان بالله وبرسوله وبدينه، ولأن الأفعال الصالحة لا تقبل من الكفار. 2 - وسيقول آخرون: إن كثيرا من الحزبيين منتفعون من أجل المناصب والأموال يقبلون على الحزب، فنرد عليهم: نحن لا نعلم الغيب ونجري أحكامنا على الظاهر ونحاسبهم على ما يخرج من أفواههم وندع قلوبهم إلى الله- عز وجل- فالقاعدة العامة: أن القومي كافر والاستثناء إنما هو استثناء من عموم القاعدة فلا يثبت إلآ بدليل قوي يرجح على الأصل أي أننا إذا تأكدنا من شاب أنه يكره القومية ويحب انتهاءها ويقاوم في الواقع انتشارها فإننا نحكم له بالاسلام. ولا بد من معرفة أن هؤلاء المنتفعين هم انصار الكفر بهم ينتشر وعلى أكتافهم يقوم.(39/116)
3 - وسيقول فريق ثالث: إن معظم الأفراد جهلة بالحكم الشرعي فنرد عليهم: الجاهل يعلم ويبين له الحكم فإن أصر فإنه يحكم عليه بالكفر. فإذا كتب بعض العلماء الذين يوثق بدينهم مقالات أو كتبا في تكفير القوميين فإن هذا يكفي في التبليغ ولم يبق الجهل عذرا بعد البيان. 4 - وقد يسأل شاب قومي: ما حكم القومي إذا تاب ورجع: هل يقضي الصلواة والصيام؟ فنقول -والله المستعان- (الاسلام يجب (يقطع) ما قبله)(1) فليس عليه أن يقضي الصلاة والصيام. وفي الحديث (2) (إذا أسلم العبد فحسن اسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها (قدمها) . وفي الحديث الآخر(3) (إذا أسلم العبد فحسن اسلامه، كتب الله كل حسنة كان أسلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها) (4) . كلمة أخيرة في القومية وختاما نريد أن نسأل القوميين بعض الأسئلة: 1 - ما هي مبادؤكم؟ وكيف تصوغون قوانينكم، ومن أين تستقونها؟ 2 - ما هي نظرتكم نحو الكون والانسان والحياة؟ 3 - ماهي أنظمتكم الاقتصادية، والأخلاقية، والاجتماعية والعائلية، والسياسية؟ 4- أين يقع الاسلام من دعواتكم؟ 5 - ماهي الأسس التي ستعاملون عليها شعوبكم إذا حكمتم؟ وكيف ستعاملون شعوب الأرض الأخرى.؟ 6 - كيف ستعاملون الشعوب الاسلامية؟ أتكون معاملتهم تماما كالشعوب الوثنية - البوذية والهندوسية، أو كالشعوب النصرانية في الغرب. أما المبادئ : فلم يصلوا حتى الآن إلى تعريف لأحزابهم يقول سامي الجندي: (بدأ الحزبيون يسألون ما هو البعث؟ ما هي وحدة البعث، أيهما أسبق الوحدة أو الاشتراكية؟ لم تجب القيادة ولا تستطيع أن تجيب حتى الآن(1) . أما القوانين: فإنهم سيأخذونها من أي مصدر - عدا الاسلام- أما النظر (العقيدة) في الله، والنظرة إلى الكون والانسان والحياة، فليس عندهم نصوص في هذا، ولذا لجاؤا إلى الماركسية لملأ الفراغ الفكري عندهم. أما الأخلاق: أي بيان قائمة الحلال والحرام في المجتمع العربي فليس هنالك أي شيء من هذا ولذا فأخلاق المجتمعات العربية -بدون اسلام- اخلاق نفعية تبنى على المصلحة والمنفعة المؤقتة العاجلة. والغاية تبرر الوسيلة كما قال ميكافيلي. أما الاسلام: فقد اختلفوا في النظرة إليه في الماضي أما في الحاضر فهم على اتفاق أنه يجب أن ينبذ من الحياة، أما بالنسبة للاسلام في الماضي: 1- فمنهم الجاحد لفضله أبدا : مثل قسطنطين زريق الذي يرى أن العرب هم نقلة لحضارة اليونان والرومان ولم يصنعوا حضارة. 2 - ومنهم المغفل : أمثال علي عبدالرازق (الاسلام وأصول الحكم) وخالد محمد خالد (من هنا نبدأ) الذين يرون أن الدين هو أساس التفرقة والتمزق ولذا يجب إبعاده من المجتمعات. 3- ومنهم المنكر فقط وليس جاحدا بالمرة: مثل ميشيل عفلق : فهو يرى أن الاسلام وثبة من وثبات الأمة العربية ولكن لا يرد ذلك إلى الوحي والنبوة فقدارات الأمة العربية تجمعت في الماضي حتى أنتجت محمدا . 4- ومنهم المذبذب والمنافق: مثل حازم نسيبة - من ذراري المسلمين - فهو يقول (1) : (وقد انصب المستشرقون في القرن التاسع عشر بكل قواهم على بحث النواحي الدينوية أكثر مما اهتموا بالنواحي اللاهوتيه من التاريخ العربي الذي أظهر أن الامة العربية أقامت حضارة متقدمه راقية قبل الاسلام وبعده على السواء، وبهذا لم تكن الحضارة العربية حادثا دينيا صرفا لا يملك النصارى العرب أن يشاركوا فيه، بل العكس هو الصحيح وهو: أن لتلك الحضارة ملامح منقطعة الصلة بالدين كما أثبت الواقع الذي انصب الباحثون الغربيون على كشفه) وليت شعري من سبق حازم نسيبة بهذا الرأي سواء كان من ذراري الصليبين من المستشرقين أو الباحثين أو من ذراري المسلمين - المستغربين - أن ينكر صلة الاسلام بالحضارة العربية أبدا وأين حضارة العرب قبل الاسلام؟ أهي حضارة عنترة أو أبي جهل أو أبي لهب، ولعلها حضارة مسليمة الكذاب. وأخيرا فإنا نقول: إن واقع العرب يدل دلالة واضحة على النتائج التي توصلت إليها الدعوات القومية والاقليمية والعلمانية. 1 - قطع صلة العرب بالدول الاسلامية. 2 - تمزيق العالم العربي الى دويلات هزيلة حتى تبقى في قبضة العالم الغربي والشرقي، تتسابق في ولائها لأمريكا أو إلى روسيا لتحمي أنظمتها في المنطقة. 3 - تضخم الكيان الاسرائيلي الذي أصبح تنينا يفتح شدقيه يبتلع كل فترة جزءا من بلاد العرب. 4 - انهيارات في معظم النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. 5 - نشوء أجيال ليس لها هوية معينة، وليس لها أي مبدأ في الحياة، لا تعلم لماذا تعيش؟ ممزقة خلقيا متفسخة اجتماعيا ، متفككة أسريا ، أفئدتهم هواء، تراهم كل يوم في رأي، يغيرون أفكارهم كما يغيرون أزياءهم في الاعتقاد والاقتصاد والثقافة والاجتماع يقول زويمر - زعيم المبشرين - مخاطبا المبشرين (إنكم أعددتم شبابا في ديار الاسلام لا يعرف الصلة بالله ولايريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الاسلام فجاء النشئ الاسلامي طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يصرف همه في الدنيا إلآ في الشهوات)(1) . إن هذا الشرق لم يشهد في يوم من الأيام وحدة ولا عزة ولم يكن ( له(39/117)
كيان إلآ بالاسلام الذي وحده أول مرة ولن يجد نفسه مرة ثانية إلآ بالاسلام. لقد مزقت القومية أوربا فنقلها العرب ليمزقوا امتهم الاسلامية بل ليفتتوا الشعوب العربية نفسها. كما يقول توينبي(2) (فهل من الضروري حقا أن يتفتت العالم العربي كما تفتت الأمبراطورية الاسبانية في أمريكا لسوء الحظ - إلى عشرين دولة مستقلة عن بعضها تعيش في قوالب ضيقة غربية النمط. هذا هو الوجه الثاني الكالح لحضارتنا الغربية ومن المؤسف أن تقلده الشعوب الناطقة بالعربية تقليدا تاما . إن سحر القومية جذاب في أمثال هذه المجتمعات الاسلامية المبعثرة ولكن القومية لن تقود هذه المجتمعات الى حياة جديدة، بل إلى حكم بالموت والفناء. ان النغمة التي عزفتها الطبقات المتسلطة في العالم الاسلامي والعربي هي نغمة القومية وهي معزوفة جميلة تشنف الأسماع وتبهح القلوب، ولكنها مخدرات تذبح الشعوب من خلالها على مذابح الشهوات قرابين رخيصة في سبيل الطغاة والطاغوت وإن الخرير الذي يعكسه صوت النزيف الدموي قد جذب كثيرا من القطعان لتستاق إلى مذبحها ونهايتها البئيسة الأليمة. يقول جب (1) : ( إن الأسلوب الذي استطاعت به طبقة المتغربين تأمين قبضتها الثابته على السلطة في الدولة... كان القومية... فالقومية هي فكرة غربية تماما ) وإن سبب انتشار القومية في العالم العربي هو سيطرة الغرب نفسه على العالم الاسلامي. (ففي الوقت الحاضر الذي يجد الغرب نفسه منذ الحرب العالمية الثانية ويرى أنه مجزء إلى أكثر من أربعين دولة قومية مستقلة ذات سيادة يهدد با نهيار البيت كله كاملة على من فيه بسبب انقسامه هكذا على نفسه. ومع ذلك فإن اعتبار الغرب لا يزال له من القوة في العالم ما يبقى جرثومة القومية الغربية قادرة على السريان والعدوى. ومن المأمول أن يستطيع العالم الاسلامي على كل حال ايقاف انتشار هذا الداء السياسي الغربي - القومية- عن طريق الشعور الاسلامي القومي بالوحدة) (1) . ان القومية ليست الدواء الناجع لأمراضنا، بل هي داء عضال مما أصابنا. يقول سمث : ( وتاريخ الشرق الأدنى الحديث يدل أن القومية المجردة ليست القاعدة الملائمة للنهوض بالواجب الشاق، ومالم يكن المثل الأعلى إسلاميا على وجه من الوجوه، لن تثمر الجهود البتة) وما أجمل كلمة سيد نا عمر بن الخطاب ننهي بها هذا البحث: (نحن قوم أعزنا الله بهذا الدين ومهما ابتغينا العزة - عن غير طريقه - أذلنا الله). (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) فالمسلمون يذكرون بالقرآن فبسبب من هذا الكتاب تذكر هذه الأمة، ولقد تقدم العرب أول مرة إلى البشرية على هدي هذا القرآن، وأمسكوا بزمان البشرية بعد أن تمسكوا بالكتاب وأقاموه في حياتهم. (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) . (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربكم )(1)(39/118)
. فأهل القرآن ليسوا على شيء، لا وزن لهم ولا قيمة إلآ إذا أقاموه فيهم، وعملوا به في حياتهم، وطبقوه في واقعهم. (... ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهدينا هم صراطا مستقيما )(2) . جاء في تقرير ديلسبس - قنصل فرنسا العام في سوريا في 19/8/1956 الذي كتبه بمساعدة مساعده(بلانس) مايلي (من أبرز الحقائق التي يلحظها من يريد درس هذه البلدان المكانة التي تحيلها الدين في نفوس الناس، والسلطة التي له في حياة الناس، فالدين يظهر في كل مكان وفي كل أمر. ففي المجتمع الشرقي يظهر أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي اللغة وفي الأدب، وفي جميع المؤسسات الاجتماعية. والرجل الشرقي لا ينتمي إلى وطن ولد فيه - الشرقي ليس له وطن- بل إلى الدين الذين ولد فيه، وكما أن الرجل في الغرب ينتمي إلى وطن، فإنه في الشرق ينتمي إلى دين، وامة الرجل الشرقي هي مجموعة الناس الذين يعتنقون الدين ذاته الذي يعتنقه هو، وكل فرد خارج عن حظيرة الدين هو بالنسبة إليه رجل أجنبي غريب) (1) . القوميات والأقليميات الجاهلية لقد حرك الغرب وتلاميذه في كل مكان نغمات الارتباط بالجاهليات التي تسبق الاسلام حتى يقطع الصلة بالاسلام ويتجاوزها. ففي المغرب: حاولت الادارة الفرنسية أن تشد أزر الروح الجنسية بين بربر مراكش فقامت با صدار الظهير البربري في 61 مايو سنة 1930 الذي قضى بتنفيذ الأحكام العرفية البربرية وقانونهم الخاص بالأحوال الشخصية بدل الشريعة الاسلامية وفي اندونيسيا: اكتشفت الحضارة الجاوية - الهندوكية وفي لبنان: أثار سعيد عقل و يوسف السود وفيكتور خلاط شبح الفنيقية وقالوا: بأن لبنان لا ينتمي إلى العرب بل جزء من حضارة البحر المتوسط - ايطاليا، اليونان. وفي مصر : اثيرت الحضارة الفرعونية خاصة بعد اكتشاف توت عنخ آمون وبعد أن حل شاملبيون حجر روزيتا، وتولى سلامة موسى، ولطفي السيد، ثم سعد زغلول، وطه حسين الدعوة إلى الفرعونية وبدأت تظهر أسماء رعمسيس، الأهرام نقمرتيتي، أبوالهول، واتخذ أبو الهول شعارا ليمثل نهضة مصر وفي زمن عبدالناصر أقيم السد العالي فأثارت اليونسكو همة العالم لانقاذ معبد أبي سنبل الفرعوني، ونقل تمثال رمسيس - فرعون موسى- الى القاهرة وكلف الملايين وأصبح الأتراك ينادون بشعار (تركيا للأتراك) ومصر (للمصريين) يقول ؛ كويلرينغ« عن لويس توماس (1) (أنه قد استطاع أن يرسم الخطوط العريضة للظروف التاريخيه والأجتماعية للحركة التي انتهت بالزعماء الآتراك المحدثين إلى تحقيق مبدأ تركيا للأتراك وهذا المبدأ الذي سار عليه أغلب شعوب المنطقة ولذلك كان الكماليون يقولون (2) (نريد أن نبني إسلاما تركيا يصبح ملكا لنا وجزءا في مجتمعنا الجديد على نحو الكنيسة الأنجليكانية التي هي مسيحية على النمط الأنجليزي) وفي مصر العربية كانت أضواء هذه الصيحات تتجاوب فتحرك الببغاوات المصرية التي تلعب بها الأصابع الغربية (الانجليزية بالذات) فتنادي (بفرعونية مصر) فقال طه حسين (المصري فرعوني قبل أن يكون عربيا ) وقال طه (لو وقفا الإسلام بيني وبين فرعونيتي لنبذت إسلامي) وقال شوقي:- وجه الكنانة ليس يغضب ربكم أن تجعلوه كوجهه معبودا ويقول شوقي مخاطبا مصر: أدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا ويقول شوقي متغنيا بالهرم(1) . هو من بناء الظلم إلآ أنه يبيض وجه الظلم منه ويشرق ويقول شوقي في توت عنخ آمون: وطوى القرون القهقري حتى أتى فرعون بين طعامه وشرابه ويقول شوقي في أبي الهول: تحيرت البدو ماذا تكون وضلت بوادي الظنون الحضر ويقول حافظ ابراهيم: أنا مصري بناني من بنى هرم الدهر الذي أعيا الفنا ويقول أحمد شوقي مخاطبا مصر: أدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا وعليه فانه ليس من الغريب أن نفس اهتمام الغرب الكبير بالأثار والمتاحف الوطنية فتأسست قبل قرن تقريبا هيئات غربية للأشراف على التنقيب في العالم الإسلامي ، لربط المسلمين بالآثار وبالقيم والأعلام الذين كانوا قبل مجيء الاسلام فجاء (بوتا) ولايارد إلى العراق BOTTA AND LOYA r D (ومارييت) MA r IET في مص وسشلمان في تركيا SCHLIMAN (1 ) ثم أنشئوا دوائر الأثار والمتاحف الوطنية، وليس عجيبا بعد ذلأن ندرك تبرع مؤسسة ؛رو كفلر اليهودية« بعشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للأثار الفرعونية ومعهد لتخريج رجال الأثار(1 ) ولعلنا بعد هذا نصل إلى سبب النص في صك الإنتداب البريطاني على فلسطين مادة(12 ): يجب أن تضع الدولة المنتدبة وتنفذ في السنة الأولى من تاريخ هذا الانتداب قانونا خاصا بالآثاروالعاديات). كل هذا لقطع صلة المسلمين باسلامهم وربطهم بالجاهلية الأولى حتى يتسنى للغرب أن يستعبدهم ويذلهم تحت يده. يقول الدكتور ؛ولسون« في مؤتمر الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة الذي عقد في جامعة ؛ برنستون « سنة 1952 P r INSTON UNIVE r CITY ( إن في بلاد الشرقين الأدنى والأوسط في هذالأيام نهضة حضارية هي من ناحيه - جديدة- ومن ناحية أخرى بعث القديم ) إن نهضة الغرب المسيحي وحركة إحياء المعارف فيه قامت(39/119)
عمليات التفكير والجدل فيها على الأعمال الكلاسيكية والوثنية). وفي إيران(1 ): قام الصفويون والحكم البهلوي بتوهين العلاقة مع العالم الاسلامي فأنشأ الحكم البهلوي أكاديمية للتخلصمن المفردات العربية في الفارسية واكتشفت الأكاديمية مجد ايران القديمة وبزغ مذهب زرداشت من جديد واحتل مكانا مرموقا في بلاد السبع والشمس وبدأت العمارات الجديدة تبنى على الطراز الأخميني القديم وأقام الشاه محمد رضا بهلوي احتفالا بمناسبة مرور (52 ) قرنا على كورش صانع الأمبراطورية الفارسية وثارتفي ايران قوميات أخرى: مثل : البلوش - الأكراد، العرب وفي العراق: ثارت النعرات، فنادى بعضه بالقومية العربية ونادى الأكراد بقوميتهم الكردية، والأتراك بالتركية وثارت الدعوات الأشورية والكلدانية وفي الهند: تأججت نار العصبية الهندية، وأصبح الهنود يفخرون بالهندية و يرون الانقطاع عن ماء زمزم في مكة إلى نهر (جنجا) ويتغنون بأبطال الهندوس (بهيم أرجن، رام ها)(1 ) . وأصبحوا ينظرون إلى الفتح العربي أناستعمار واستعباد واحتلال الغريب لأرض الوطن وهذا الذي يفخر به المسلمون مما جعل المسلمين ينادون بقيام دولة يعيشون فيها حياة اسلامية، وبفكر اسلامي. تكون فيها جنسية المسلم هي عقيدته ودينه واسلامه. وقد قال إقبال يخاطب المسلم - حيث كان-(2 ) : (لا تقس أمم الغرب على أمتك، فإن أمة الرسول الهاشمي (صفريدة في تركيبها، أولئك إنما يعتقدون باجتماعهم على الوطن والنسل، ولكن انما يستحكم اجتماعك أيها المسلم بقوة الدين). وفي الأردن وفلسطين: 1- ارتفعت الأصوات بالتغني بالأمجاد القبلية القديمة وقامت النزاعات بين قبائل الشمال والجنوب في شرق الأردن وبين الفلسطينيين وبين أبناء شرق الأردن وأصبحنا نسمع مؤاب، فيلادلفيا، عمون. فمزقنا العدو ولاجهاد وشردنا الطغاة ولا عدالة وباتت أمة الاسلام حيرى وبات رعاتها في شرحالة وهم الجمع ثوب أو رغيف وصك من رصيد أو حوالة مؤامرة يدبرها يهود ويرعاها عميل لا أباله(1) لقد صدق فينا قول رب العزة (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين)(2) . (ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)(3) . وصدق رسول الله (ص) (بعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الصغار والذلة على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)(4) . - وفي الحديث الصحيح (1) الذي رواه ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر مرفوعا (كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله (ص) فأقبل علينا رسول الله (ص) بوجهه فقال: يا معشر المهاجرين! خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن.
1- ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى أعلنوا بها الآ ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا. 2 - ولا نقص قوم المكيال إلآ ابتلوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان. 3 - وما منع قوم زكاة أموالهم إلآ منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا. 4 - ولا خفر قوم العهد إلآ سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم. 5 - وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلآ جعل بأسهم بينهم شديدا . فنحن أمة خفرنا العهد مع الله فسلط علينا عدونا من كل جهة، وتداعت علينا الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها. ونحن أمة ترك حكامنا كتاب الله وتاجروا بالغثاء من أفكار الغرب والشرق فجعل بأسنا بيننا شديدا . وصدق الله العظيم (وإن الظالمين لفي شقاق بعيد) (1). يقول سيدنا علي رضي الله عنه (ما نزل بلاء إلآ بذنب ولا رفع بلاء إلآ بتوبة). وقال الحسن البصري (بلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجان عرق إلآ بذنب وما يعفو الله عنه أكثر) (2) لقد ذقنا مرارة بعدنا عن كتاب الله، وتجرعنا آلام تنكبنا لطريق الله، وحصدنا ما زرعنا من بذور القومية ثمار القطيعه والتمزق والضياع والخذلان والخسران (أفلا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) (1) . لقد آن لنا أن نرجع إلى الله ، وننبذ من أيدينا كل أوضار الجاهلية، وندعو أنفسنا بالعودة إلى طريق السعادة (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) (2) . إما الله أو الفناء، إما الاسلام أو الدمار . وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
=============(39/120)
(39/121)
القومية العربية
قال تعالى: "وأنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "ليس منّا من دعا إلى عصبيّة، وليس منا من قاتل على عصبيّة وليس منا من مات على عصبيّة".
من منطلق الآية الكريمة والحديث الشريف، حثّ الإسلام على ترك الروابط الجاهليّة، وجعل القوميّة والعصبيّة لله ورسوله، لا لشعب معيّن أو لجنس معيّن أو لغة أو لون، وجمع الناس على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فجعلها هي القوميّة وهي العصبيّة وهي الجنسيّة وهي العقيدة التي من أجلها يحبون ومن أجلها يبغضون ومن أجلها يحاربون ومن أجلها يسالمون وبها يعيشون وعليها يموتون. وبذلك صهر الأمم كلّها في أمة واحدة ومعسكر واحد هو معسكر الإيمان بالله ورسوله في مقابل معسكر الكفر والجاهليّة، وقد استطاعت هذه الأجناس كلها أن تصنع حضارة عظيمة هي الحضارة الإسلاميّة التي لم تكن يوماً عربيّة ولا تركيّة ولا فارسيّة بل كانت دائماً إسلاميّة.
فزع أعداء الإسلام من الوحدة الإسلامية وسعوا إلى تمزيقها بشتى الوسائل، قال وزير المستعمرات البريطانيّة المدعو اورمس غو: إن الحرب علّمتنا أن الوحدة الإسلاميّة هي الخطر الأعظم الذي ينبغي أن نحاربه.... ومن دواعي فرحتنا أن الخلافة الإسلاميّة زالت.... إنّ سياستنا تهدف دائماً وأبداً إلى منع الوحدة الإسلاميّة أو التضامن الإسلامي.
وفي هذه الأثناء كانت فكرة القوميّات والعرقيّات تشيع في أوروبا مع أفكار مارتن لوثر وكلفن وتمزقها إرباً بعد أن كانت الرابطة هناك تقوم على أساس الدين، وكانت وراء فكرة القوميّة قُوى يهوديّة تهدف إلى تدمير النظام النصراني الاجتماعي الذي كان يقوم في أوروبا على عزل اليهود وتمييزهم واضطهادهم ومنعهم من السيطرة على المراكز الأساسيّة الكبرى في المجتمع الأوروبي، وهنا أظهر اليهود فكرة القوميّة التي ترمي إلى إعلاء شأن الوطن والجنس لإخفاء الفرق بين النصراني واليهودي من ناحية الدين، وأصبح لليهودي نفس حقوق النصراني تحت مظلّة القوميّة.
وتحولت القوميات هناك إلى دين وعقيدة حتى أن ّالألمان حينما أحيوا الآريّة وتعصّبوا لها نظروا إلى الدين النصراني وإلى المسيح كأنه أجنبي عنهم فهو من الجنس السامي وقال أحدهم: ينبغي أن يكون إلهنا أيضاً ألمانيّاً..!!!
وهنا فكر أعداء الإسلام في نقل النزعات القوميّة والعرقيّة للعالم الإسلامي بهدف تمزيقه، فأخذوا يدعون إلى إحياء القوميّة الطورانيّة في تركيا والقوميّة الفارسيّة في إيران والقوميّة العربيّة في العالم العربي والقوميّة البربريّة في المغرب العربي، وجنّدوا لهذه الدعوات رجالاً من بني قومنا وجلدتنا ولكنّهم رضعوا من لبن الغرب وتربّوا على موائده.
استطاع أعداء الإسلام إلى حد كبير إحلال القوميّات محل الدين، وهذا ما كان يحلم به لورنس مُنفّذ سياسة بريطانيا أثناء الحرب العالميّة الأولى حيث قال: وأخذتُ طول الطريق أفكر وأتساءل: هل تتغلّب القوميّة ذات يوم على النزعة الدينيّة؟؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني؟!!
لقد عجزت كل القوميّات بما فيها العربية والاشتراكية العلميّة والشيوعيّة الماركسيّة وكل الشعارات الجوفاء عن جمع العرب وعجزت عن أن تمدّهم بالنصر وهم يواجهون أجبن خلق الله وأحقرهم وأضعفهم، لأن سلاحهم كان سراباً، لقد كان سلاح العرب هو القوميّة العربيّة والمجد العربي، و والله الذي لا إله غيره لو كان سلاحهم القوميّة الإسلاميّة والعصبيّة لله ورسوله لكان للعرب شأن آخر، ورحم الله الفاروق الأعظم والقائد المُلهم عمر بن الخطاب حين قال وكأنه يصف الداء والدواء:
نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام .. ومهما ابتغينا العزّة بغيره.. أذلّنا الله ..!!!
====================(39/122)
(39/123)
القومية وأثرها المدمّر على وحدة الأمة الإسلامية
يذهب هذا المقال إلى أن القومية واقعة نفسية؛ بمعنى أنها ليست قاصرة على الظهور التاريخي للكلمة فقط كما عرفها الغرب، ونعني بأن القومية واقعة نفسية أي أن إحساس أمة بذاتها ووجودها ووحدة مصيرها يكون في اللحظات الحاسمة من تاريخها؛ وبهذا المعنى فإن الإسلام حين ظهر في العرب انتقل بهم إلى مرحلة الأمة التي تقوم على رسالة عالمية، وفي الواقع فإن الأمة العربية التي صنعها الإسلام رغم شعورها بالتميز والخيرية إلا أنها لم تكن تستند إلى العرف في تميزها، وإنما استندت إلى ما يمكن أن نطلق عليه: «وظيفتها الإيمانية والحضارية» ـ فالإسلام كان هو الحدث الأهم في تاريخ العرب، وهو الذي انتقل بهم من الفراغ القبلي إلى أن يكونوا أصحاب رسالة عالمية ووظيفة حضارية، وباعتبارنا ننظر إلى «العروبة» بوصفها عملية حضارية واسعة وكبيرة تفاعل فيها المسلمون مع البلدان المفتوحة عبر آليات عديدة منها العلاقة الوثيقة بين العربية والإسلام، بل بين العرب والإسلام؛ ومن ثَمَّ كان تعريب الدواوين وإقبال الناس على تعلم العربية.
وباعتبار أن «العروبة» عملية حضارية أوسع من مجرد الانتماء إلى العرق العربي، فإنها قد تمَّت بعد ظهور الإسلام؛ أي أن العروبة متأخرة في الحقيقة عن الإسلام، وأن الإسلام كان البوابة والسبب الذي انتشرت العروبة عبره.
وبقراءة التاريخ الإسلامي فإن ظهور الحركة الشعوبية في العصر العباسي الأول التي استندت إلى العرق وتمجيد الحضارات السابقة على الإسلام هي التي فصلت بين العروبة والإسلام لأول مرة ـ فيما أعلم ـ وقد كانت الشعوبية إلى حد ما تعبيراً قومياً يستند إلى العرق في مواجهة العرب بكونه عرقاً أيضاً، وكانت الشعوبية تهدف إلى استعادة الحضارات التي قامت لهذه الشعوب قبل ظهور الإسلام بقصد منازعة الوجود الإسلامي العربي وزلزلته.
ولحكمة إلهية فإن الاجتماع الإسلامي لم ينفرد به عرق معين؛ وإنما تداولته الشعوب الإسلامية الأساسية؛ فالمماليك دافعوا عن الإسلام عقب سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد على يد التتار 1258م ـ 658هـ، والبربر والأكراد كانوا جنوداً للإسلام ومنهم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس من أدران الصليبية المجرمة، وانتصر في معركة حطين سنة 1187م، ثم جاء الأتراك السلاجقة ثم العثمانيون فبدؤوا جهادهم وفتوحاتهم في عالم جديد يتكامل مع عالم الفتوحات العربية الإسلامية، واستطاعوا الانتصار على البيزنطيين الروم وإسقاط «القسطنطينية» عاصمة العالم المسيحي في ذلك الوقت عام 1453م على يد الشاب المسلم «محمد الفاتح» ولمَّا يبلغ عمره حينذاك خمسة وعشرين عاماً. وبمراجعة الثقافة التركية فإنها لم تكن تستند إلى العرق أو روابط الدم؛ ولذا فإن الإسلام كان وجودها وحياتها، ولم يكن العثمانيون في أي وقت يصفون أنفسهم «بالأتراك»؛ إذ كانوا يعتبرون أن ذلك دلالة على التخلف الاجتماعي، أي أن التداول الحضاري في الإسلام لم يستند إلى العرق، وإنما استند بشكل أساس إلى رسالة الإسلام.
كان الإسلام يكسر عنصر الامتناع في القبلية أو القومية؛ بحيث لا تتحول إلى عصبية ينتصر المنتسبون إليها لبني جلدتهم بالحق والباطل على السواء ـ أما الانتصار للعصبية بالحق فأمر ممدوح قد يكون واجباً أو مندوباً ـ وكانت القبائل تخرج تحت راياتها لتتنافس في تحقيق غايات الإسلام ورسالته، فلم يعرف الإسلام برامج القوميات المعاصرة التي تستهدف صهر الأعراق الأخرى لصالح القومية المتسلطة أو السائدة.
القومية الجديدة:
ظهرت القومية (Nation) باعتبارها مصطلحاً في الغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وارتبط ظهورها في الغرب بالقضاء على الإقطاع وظهور الدول الحديثة كألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا وغيرها، وارتبط ظهورها بظهور الثورة الصناعية وطبقة التجار والصناع في الغرب «البرجوازية» ثم الرأسمالية، كما ارتبطت القومية بالعلمانية؛ حيث أدت التطورات التي عرفتها أوروبا منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر إلى الفصل بين الدين والدولة؛ أي أن القومية في ظل التطورات الغربية التي صاحبتها كانت حركة توحيد وتحرر؛ لأنها وحدت الأمم الأوروبية المبعثرة والمتناثرة في دولة مركزية واحدة، فحققت هدف الوحدة، كما كانت حركة تحرير؛ لأنها خلَّصت أوروبا من تسلط الكنيسة الكاثوليكية التي فرضت التخلف على العقل الغربي، وحاولت التحكم في كل الأشياء.(39/124)
وفي إطار موجة التأثر في العالم الإسلامي بالأفكار الغربية ظهرت الفكرة القومية في أوائل القرن العشرين مطلباً أساسياً روجت له النخبة العلمانية في العالم الإسلامي، وكان نفوذ هذه النخبة يتعاظم مع تعاظم التفوق الغربي في المجال المادي وتراجع دولة الخلافة الإسلامية ـ الدولة العثمانية؛ إذ إن الفكرة المهيمنة على عقول النخبة المتغربة في هذا الوقت: إنه لكي نحقق الإصلاح والتقدم في العالم الإسلامي لا بد من انتهاج خط الغرب، ونسي هؤلاء أن ما يصلح في مجتمع ويُنتج خيراً قد ينتج خبيثاً في مجتمع آخر؛ لأنه لا يوجد مجتمع واحد وإنما مجتمعات؛ ومن ثم فلكل مجتمع خط إصلاح مختلف، وكما يقول «زين نور الدين زين» في كتابه الهام: (نشوء القومية العربية): في الغرب كانت القومية السياسية جزءاً من حركة علمنة الحضارة المسيحية، وأسفرت المعركة بين القومية والمسيحية عن انتصار القومية، أما في الشرق العربي فالإسلام لا يزال عميق الجذور؛ فلم تستطع الأفكار القومية أن تحدث ثغرة فيه؛ بل استطاع الإسلام أن يقف في وجه كل محاولة للعلمنة، والمسيحيون القلائل وإلى جانبهم قلة قليلة من المسلمين ممن كانوا يحلمون بإنشاء دولة عربية علمانية تقوم على حدود جغرافية وطنية معينة لا على أساس ديني لم يلقَوْا تشجيعاً ولا تعضيداً من قِبَل غالبية سكان البلدان الإسلامية».
بدأت الحركة القومية تعبيراً رومانسياً في أواخر القرن التاسع عشر عبر عنه أدباء ومفكرون مسيحيون من لبنان مثل «بطرس البستاني» و «أحمد فارس الشدياق» و «إبراهيم اليازجي» و «أديب إسحاق» و «شبلي شميل» وغيرهم، وكانوا جميعاً مرتبطين بالإرساليات النصرانية الغربية، وهؤلاء عملوا على إبراز تاريخ العرب قبل الإسلام وإثارة الشعور القومي العربي، وهؤلاء هم الذين فَصَلوا في العصر الحديث بين العروبة والإسلام فتابعوا فعل الشعوبية في العصر العباسي الأول، ويعترف «صليب كوراني» بذلك فيقول: «الأثر الأول للحضارة الغربية في الحياة العربية بعث القومية العربية، وقيام الحركة الاستقلالية التي تشمل العالم العربي في الوقت الحاضر، وكانت هذه الحركة نتيجة مباشرة للتعليم الغربي».
ثم بدأت الحركة القومية العربية في طور العمل السياسي ممثلة في جمعية (بيروت السرية) التي كان طلبتها من خريجي الكلية البروتستانتية، وكانوا كلهم نصارى، ثم بدأ المسلمون ينضمون إليها.
وبدأت الجمعيات السرية والعلنية القومية المطالبة بإصلاح الوضع في الدولة التركية مطالبة بحق العرب في الحصول على حقوق سياسية وثقافية في إطار الدولة التركية؛ وكان التطرف القومي التركي الذي مثلته جمعية «الاتحاد والترقي الحاكمة» هو الذي أدى إلى ظهور تيار قومي عربي؛ لكنه لم يكن مطالباً بتفكيك الدولة ـ وكما يقول زين نور الدين زين: «إن فكرة الانفصال العربي عن الدولة العثمانية لم تظهر إلا في إطار التطرف القومي للاتحاد والترقي بعد عام 1909م»، وإبَّان الحرب العالمية الأولى، ومع انضمام تركيا إلى ألمانيا بدأت بريطانيا توظف رغبة العرب في الانفصال عن تركيا بقطع عهود على نفسها بإقامة خلافة عربية على رأسها الشريف حسين إذا هم ساعدوا الحلفاء في الحرب، وبعد مساعدة العرب المخلصة للحلفاء وحربهم تركيا ـ وكانوا سبب هزيمتها ـ خدعتهم بريطانيا، وقُسِّمت الدول العربية في الاتفاق المعروف باسم: (سايكس ـ بيكو).
في كل الفترات التي ظهرت فيها القومية قبل الحرب العالمية الأولى كان للنصارى وللأيدي الغربية ولسفارات الدول الأجنبية المعادية للدولة العثمانية دور في تحريك الحركات القومية بقصد تفتيت الدولة العثمانية، ويلاحظ أن القومية في المشرق كانت ترفع راية العروبة حتى تقضي على الدولة العثمانية لصالح الإنجليز؛ حيث كانت الدول المشرقية لا تزال ضمن الدولة العثمانية؛ أما في مصر فإن الإنجليز شجَّعوا الدعوات الطائفية كالفرعونية والمصرية، ولم يسمحوا للعروبة بالظهور؛ لأنها ستكون ضد المصالح البريطانية.
القومية بعد الاستقلال:(39/125)
الجامعة العربية هي صنع بريطانيا؛ لأنها خشيت أن تقوم رابطة قوية للعرب تهدد مصالحها؛ فعملت على إيجاد الجامعة العربية كياناً يحمل بذور فنائه في تكوينه وبنيته، وفي عام 1948م ومع ظهور التحدي الصهيوني في فلسطين هُزمت الجيوش العربية مجتمعة، وبدأ الوعي بأهمية وجود عالم عربي موحد، لما هو مقرر دولياً من حق كل شعب في أن يكون له دولته السياسية التي تعبر عنه، ومع بزوغ دولة ما بعد الاستعمار طرح الفكر القومي مشروع الوحدة العربية استناداً إلى وجود اللغة والتاريخ والمصير المشترك، لكن الوحدة (المصرية ـ السورية) عام 1958م انحلت عام 1961م، ونشبت الخلافات بقوة بين حزب البعث العربي السوري وحزب البعث العربي العراقي، وعقدت اتفاقيات للعمل العربي المشترك مثل معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتعاون الاقتصادي عام 1950م، والوحدة الاقتصادية عام 1957م، والاتفاقيات المنشئة للعديد من المنظمات العربية المتخصصة، والاتفاقيات المنشئة للتجمعات الإقليمية الجزئية كمجلس التعاون العربي، والإنماء المغاربي... إلخ.
ولم تستطع القومية العربية أن ترقى إلى مستوى التحديات المنوطة بأمتها فأخفقت في تحقيق الوحدة العربية، كما أخفقت في تحقيق أي مستوى من مستويات التعاون الاقتصادي فلم تحقق التنمية، كما لم تستطع أن تنجز مهمة التحرير والتحدي للهيمنة الغربية وربيبتها الكيان الصهيوني، ولم تفلح كل محاولات الوحدة حتى الجزئية، لكن النهاية الكارثية القومية كانت مع هزيمة يونيو 1967م؛ حيث كانت الهزيمة مفاجأة للقوميين العرب، كما كانت خاتمة أفول القومية العربية، وبدأ الحديث عن وجود خلل في البنية الذاتية للمشروع القومي العربي، وبدأت النزعة القُطرية في التصاعد إلى حد أن الصراعات (العربية ـ العربية) جعلت بعض الدول العربية تستجدي أمنها من دول غربية، وكان الغزو العراقي للكويت عام 1990م قمة المأساة للقومية العربية وللنظام العربي الذي عرف كثيراً من الصراعات؛ لكنها لم تصل إلى حد غزو دولة من دولة لأخرى.
ولم يعد العرب قادرين حتى على اجتماع القمة بوصفها آلية لحل المشاكل المستعصية لهم؛ لأن قرار هذا الاجتماع لم يعد بيدهم وإنما بيد أعدائهم.
تجاوز القومية:
بالطبع فإن الحركة القومية العربية كانت مقصودة من أعداء الأمة الإسلامية ببث الفكر القومي فيها لما للعرب من ثقل بالنسبة للإسلام، ثم انتشرت هذه الفكرة كانتشار النار في الهشيم في كل البلدان الإسلامية. وفي الواقع فإن الفكرة القومية التي تؤسس للرابطة على أساس العرق تؤدي إلى ظهور أفكار طبقية أقل لشعوب داخلها مثل الفرعونية والقبطية والآشورية والفينيقية وغيرها من أفكار ذات طابع تجزيئي وطائفي، ومع التحديات والهزائم التي واجهتها القومية باتخاذها حركة تستبعد الإسلام بدأ الحديث بين القوميين عن العلاقة بين العروبة والإسلام، وبدأت مراجعات واسعة عند القوميين العرب؛ حيث أصبح الإسلام بالنسبة لهم هو مادة العروبة التي لا يمكن أن تنفصل عنه، وكما يقول جميل مطر في مقاله (مستقبل العروبة): «لم تعد القومية قادرة بظروفها الراهنة وظروف السياسة والسياسيين في العالم العربي على ملء فراغ الفكر السياسي؛ وهو الفراغ الذي تدور فيه النخب السياسية والقوى الحاكمة العربية، وتجر شعوب المنطقة بأسرها لتدور معها في هذا الفراغ المدمِّر».
ويقول محمد حسنين هيكل: «على مدى خمسين عاماً كانت قضية تحرير فلسطين فكرة ملزمة للجميع؛ فالأمَّة العربية سوف تشعر وكأنها كتلة رخوة تنجذب إلى بؤرتها بالمعتقدات الأساسية للدين، وسوف يعود مزيد من الناس إلى الهوية الأصلية للمنطقة؛ ليست هوية قومية ولا عروبية وإنما هوية إسلامية. إن الإسلام هو مركز الثقل في العالم العربي والإسلامي، ولا يمكن لأي مشروع للنهضة أن يتحقق بدونه، وكما قال الشاعر الألماني (غوته): «من كان عليه أن يرفع حملاً ثقيلاً فإنه ينبغي عليه أن يعرف مركز الثقل»، ومركز الثقل في المجتمع العربي هو الإسلام».
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
1 - محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، القاهرة، دار الفرقان، د. ت.
2 - محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، القاهرة، مكتبة الجماميز، ج2، د. ت.
3 - زين نور الدين زين، نشوء القومية العربية مع دراسة تاريخية في العلاقات العربية ـ التركية، بيروت، دار النهار، 1979م.
4 - برهان غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، القاهرة، سينا للنشر، د. ت.
5 - أحمد يوسف أحمد، مصر وتجديد المشروع القومي العربي، رؤية ذاتية، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي العاشر للبحوث السياسية، ديسمبر ، 1996م.
6 - أحمد ثابت، تجديد المشروع القومي في الفكر المصري، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي العاشر للبحوث السياسية، ديسمبر ، 1960م.
7 - جميل مطر، مستقبل العروبة، الهلال، يوليو 1993م، ع 7.
8 - MOHAMMED H. HEIKAL, زIS r EAL & Palestineس The Independent, sep, 13, 1993.(39/126)
9 - كمال السعيد حبيب، الأقليات والممارسة السياسية في الخبرة الإسلامية، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، 1995م، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
10 - محمد أنيس، الدولة العثمانية والشرق العربي (1514 ـ 1914م)، القاهرة، الأنجلو، 1985م.
11 - عصمت سيف الدولة، العروبة والإسلام، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
-----------------
مثال بسيط على معتقدهم
يقول شاعرهم :
بلادك قدمها على كل ملة ...... ومن أجلها أفطر ومن أجلها أصم
هوني ديناً يجعل العرب وحدة ... وسيروا بجثماني على دين " برهم "
سلام على كفر يوحد بيننا ......... وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
يريدون منا أن نسوي بين أبى لهب وأبى بكر وبين أبى جهل وعمر بن الخطاب لأنهم في الميزان القومي سواء, ولكن القرآن يقول : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ) ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون )
وأنظر إلى قول قائلهم عن القومية :
"وتحارب الجهل والفقر والمرض والظلم، وكل عصبية إلا العصبية القومية، وتفصل الدين عن السياسة، وتحرِّم على رجال الدين الاشتغال بها، وتعليم العربي أينما كان أن يتعصب بعنف لأمرين: قوميته والحق ".
أنظر إلى التناقض وتدبر يحاربون كل أنواع العصبية إلا العصبية القومية ؟!
وقارن بينهم وبين قول الرسول ( ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية ).
وروى الترمذي وأبو داود عن أبى هريرة أن صلى الله عليه وسلم قال: ( لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله عز وجل، من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبيبة الجاهلية - أي كبرها - وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب ).
يقول الشيخ القرضاوى واصفاً سفاهة القوم :
ولقد حدثني بعض الثقات أن أحد القوميين الغلاة، سمى ابنه " لهباً " ليناديه الناس بكنية " أبي لهب " فيحيي بذلك ذكر زعيم عربي من زعماء الجاهلية ( تبت يدا أبى لهبٍ وتب ) ( المسد: 1)! وقد نسمع غداً من يسمي ابنه " جهلاً " ليكن " أبا جهل " والجنون فنون.
والحمد لله على نعمة الإسلام
==================(39/127)
(39/128)
القومية العربية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
حركة (*) سياسية فكرية (*) متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم، على أساس من رابطة الدم واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين (*). وهي صدى للفكر القومي الذي سبق أن ظهر في أوروبا.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• ظهرت بدايات الفكر القومي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة (*) العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1912م.
وفيما يلي إشارة إلى أهم الجمعيات ذات التوجه القومي حسب التسلسل التاريخي:
ـ الجمعية السورية: أسسها نصارى منهم: بطرس البستاني وناصيف اليازجي سنة 1847م في دمشق.
ـ الجمعية السورية في بيروت: أسسها نصارى منهم: سليم البستاني ومنيف خوري سنة 1868م.
ـ الجمعية العربية السرية: ظهرت سنة 1875م ولها فروع في دمشق وطرابلس وصيدا.
ـ جمعية حقوق الملة العربية: ظهرت سنة 1881م ولها فروع كذلك، وهي تهدف إلى وحدة المسلمين والنصارى.
ـ جمعية رابطة الوطن العربي: أسسها نجيب عازوري سنة 1904م بباريس وألف كتاب يقظة العرب.
ـ جمعية الوطن العربي: أسسها خير الله خير الله سنة 1905م بباريس، وفي هذه السنة نشر أول كتاب قومي بعنوان الحركة الوطنية العربية.
ـ الجمعية القحطانية: ظهرت سنة 1909م وهي جمعية سرية من مؤسسيها خليل حمادة المصري.
ـ جمعية (العربية الفتاة): أسسها في باريس طلاب عرب منهم محمد البعلبكي سنة 1911م.
ـ الكتلة النيابية العربية: ظهرت سنة 1911م.
ـ حزب (*) اللامركزية: سنة 1912م.
ـ الجمعيات الإصلاحية: أواخر 1912م وقد قامت في بيروت ودمشق وحلب وبغداد والبصرة والموصل و تتكون من خليط من أعيان المسلمين والنصارى.
ـ المؤتمر العربي في باريس: أسسه بعض الطلاب العرب سنة 1912م.
ـ حزب العهد:1912م وهو سري، أنشأه ضباط عرب في الجيش العثماني.
ـ جمعية العلم الأخضر: سنة 1913م، من مؤسسيها الدكتور فائق شاكر.
ـ جمعية العلم: وقد ظهرت سنة 1914م، في الموصل.
• هذا وقد ظلت الدعوة إلى القومية العربية محصورة في نطاق الأقليات الدينية غير المسلمة، وفي عدد محدود من أبناء المسلمين الذين تأثروا بفكرتها، ولم تصبح تياراً شعبيًّا عامًّا إلا حين تبنى الدعوة إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حين سخر لها أجهزة إعلامه وإمكانات دولته. ويمكن أن يقال إنها الآن تعيش فترة انحسار أو جمود على الأقل.
• يعد ساطع الحصري 1880ـ 1968م داعية القومية العربية وأهم مفكريها وأشهر دعاتها، وله مؤلفات كثيرة تعد الأساس الذي يقوم عليه فكرة القومية العربية، ويأتي بعده في الأهمية ميشيل عفلق.
الأفكار والمعتقدات:
• يعلي الفكر القومي من شأن رابطة القربى والدم على حساب رابطة الدين (*)، وإذا كان بعض كتاب القومية العربية يسكتون عن الدين (*)، فإن بعضهم الآخر يصر على إبعاده إبعاداً تامًّا عن الروابط التي تقوم عليها الأمة، بحجة أن ذلك يمزق الأمة بسبب وجود غير المسلمين فيها ويرون أن رابطة اللغة والجنس أقدر على جمع كلمة العرب من رابطة الدين(*).
• حيث إن أساسها إبعاد الدين الإسلامي عن معترك حياة العرب السياسية والاجتماعية والتربوية والتشريعية فإنها تعد ردة إلى الجاهلية (*)، وضرباً من ضروب الغزو الفكري الذي أصاب العالم الإسلامية، لأنها في حقيقتها صدى للدعوات القومية التي ظهرت في أوروبا.
• يصفها سماحة الشيخ ابن باز بأنها: "دعوة جاهلية (*) إلحادية (*) تهدف إلى محاربة الإسلام والتخلص من أحكامه وتعاليمه ". ويقول عنها: "وقد أحدثها الغربيين من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره بزخرف من القول.. فاعتنقها كثير من العرب من أعداء الإسلام واغتر بها كثير من الأغمار ومن قلدهم من الجهال وفرح بذلك أرباب الإلحاد (*) وخصوم الإسلام في كل مكان ". ويقول أيضاً: "هي دعوة باطلة وخطأ عظيم ومكر ظاهر وجاهلية (*) نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله".
• يرى دعاة الفكر القومي ـ على اختلاف بينهم في ترتيب مقومات هذا الفكرـ أن أهم المقومات التي تقوم عليها القومية العربية هي: اللغة والدم والتاريخ والأرض والآلام والآمال المشتركة.
• ويرون أن العرب أمة واحدة لها مقومات الأمة وأنها تعيش على أرض واحدة هي الوطن العربي الواحد الذي يمتد من الخليج إلى المحيط.
• كما يرون أن الحدود بين أجزاء هذا الوطن هي حدود طارئة، ينبغي أن تزول وينبغي أن تكون للعرب دولة واحدة، وحكومة واحدة، تقوم على أساس من الفكر العلماني.
• يدعو الفكر القومي إلى تحرير الإنسان العربي من الخرافات والغيبيات والأديان كما يزعمون.
ـ لذلك يتبنى شعار: (الدين لله والوطن للجميع). والهدف من هذا الشعار، إقصاء الإسلام عن أن يكون له أي وجود فعلي من ناحية، وجعل أخوة الوطن مقدمة على أخوة الدين من ناحية أخرى.(39/129)
ـ يرى الفكر القومي أن الأديان و الأقليات والتقاليد المتوارثة عقبات ينبغي التخلص منها من أجل بناء مستقبل الأمة.
ـ يقول عدد من قادة هذا الفكر: نحن عرب قبل عيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة و السلام.
• ويقرر الفكر القومي أن الوحدة العربية حقيقة، أما الوحدة الإسلامية فهي حلم.
ـ وأن فكرة القومية العربية من التيارات الطبيعية التي تنبع من أغوار الطبيعة الاجتماعية، لا من الآراء الاصطناعية التي يستطيع أن يبدعها الأفراد.
ـ كثيراً ما يتمثل دعاة الفكر القومي بقول الشاعر القروي:
هبوني عيداً يجعل العرب أمةً *** وسيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ
سلام على كفرٍ يوحِّد بيننا *** وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ
ـ يقول بعض دعاة الفكر القومي: إن العبقرية العربية عبرت عن نفسها بأشكال شتى، فمثلاً عبرت ذات مرة عن نفسها بشريعة حمورابي، ومرة أخرى بالشعر الجاهلي، وثالثة بالإسلام.
ـ وقال أحد مشاهيرهم: لقد كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب محمداً.
• يرى دعاة الفكر القومي أن من الإجرام أن يتخلى العربي عن قوميته، ويتجاوزها إلى الإيمان بفكرة عالمية أو أممية، مع أن إبعاد الإسلام عن معترك حياة العرب ينهي وجودهم.
• يقول بعض مفكري القومية العربية: إذا كان لكل عصر نبوته المقدسة، فإن القومية العربية نبوة هذا العصر.
ـ ويقول بعضهم الآخر: إن العروبة هي ديننا نحن العرب المؤمنين العريقين من مسلمين ومسيحيين، لأنها وجدت قبل الإسلام وقبل المسيحية (*)، ويجب أن نغار عليها كما يغار المسلمون على قرآن النبي والمسيحيون على إنجيل (*) المسيح (*).
• ويقرر بعضهم الآخر أن المرحلة القومية في حياة الأمة، مرحلة حتمية (*)، وهي أخر مراحل التطور كما أنها أعلى درجات التفكير الإنساني.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• الدعوة القومية التي ظهرت في أوروبا وتأسست بتأثيرها دول مثل إيطاليا وألمانيا.
• يظهر الواقع أن الاستعمار (*) هو الذي شجع الفكر القومي وعمل على نشره بين المسلمين حتى تصبح القومية بديلاً عن الدين (*)، مما يؤدي إلى انهيار عقائدهم، ويعمل على تمزيقهم سياسيًّا حيث تثور العداوات المتوقعة بين الشعوب المختلفة.
• يلاحظ نشاط نصارى بلاد الشام وخاصة لبنان، في الدعوة إلى الفكر القومي أيام الدولة العثمانية، وذلك لأن هذا الفكر يعمق العداوة مع الدولة العثمانية المسلمة التي يكرهونها، وينبه في العرب جانباً من شخصيتهم غير الدينية، مما يبعد بهم عن العثمانيين.
• من بعض الجوانب يمكن أن يعد ظهور الفكر القومي العربي رد فعل للفكر القومي التركي الطوراني (*).
الانتشار ومواقع النفوذ:
• يوجد كثير من الشباب العربي ومن المفكرين العرب الذين يحملون هذا الفكر، كما توجد عدة أحزاب (*) قومية منتشرة في البلاد العربية مثل حركة الوحدة الشعبية في تونس، وحزب البعث بشقيه في العراق وسوريا، وبقايا الناصريين في مصر وبلاد الشام، وفي ليبيا.
• كثير من الحكام يتبارون في ادعاء القومية وكل منهم يفتخر بأنه رائد القومية العربية ويدعي أنه الأجدر بزعامتها !
• يلاحظ أن الفكر القومي الآن هو في حالة تراجع وانحسار.
-------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ القومية العربية تاريخها وقوامها، مصطفى الشهابي.
ـ اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية، ساطع الحصري.
ـ العروبة أولاً، ساطع الحصري.
ـ الإقليمية جذورها وبذورها، ساطع الحصري.
ـ قضية العرب، علي ناصر.
ـ القومية العربية، د. أبو الفتوح رضوان.
ـ أرض العروبة، عبد الحي حسن العمراني.
ـ بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية، أبو الأعلى المودودي.
ـ تطور المفهوم القومي عند العرب، أنيس صائغ.
ـ حقيقة القومية العربية، محمد الغزالي.
ـ دراسات تاريخية عن أصل العرب وحضارتهم الإنسانية، د. محمد معروف الدواليبي.
ـ الشعوبية الجديدة، محمد مصطفى رمضان.
ـ محنة القومية العربية، أركان عبادي.
ـ معنى القومية العربية، جورج حنا.
ـ نشوء القومية العربية، زين نور الدين زين.
ـ نقد القومية العربية، الشيخ عبد العزيز بن باز.
ـ يقظة العرب، ترجمة د. ناصر الدين الأسد، د. إحسان عباس.
ـ فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام، صالح بن عبد الله العبود.
ـ نشأة الحركة العربية الحديثة، محمد عزة دروزة.
ـ حول القومية العربية، عبد المجيد عبد الرحيم.
===================(39/130)
(39/131)
حزب البعث العربي الاشتراكي
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
حزب البعث حزب (*) قومي علماني، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي، شعاره المعلن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) وهي رسالة الحزب، أما أهدافه فتتمثل في الوحدة والحرية والاشتراكية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• في سنة 1932م عاد من باريس قادماً إلى دمشق كل من ميشيل عفلق (نصراني ينتمي إلى الكنيسة (*) الشرقية) ، وصلاح البيطار (سني) وذلك بعد دراستهم العالية محملين بأفكار قومية وثقافة أجنبية.
ـ عمل كل من عفلق والبيطار في التدريس، ومن خلاله أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب.
ـ أصدر التجمع الذي أنشأه عفلق والبيطار مجلة الطليعة مع الماركسيين سنة 1934م وكانوا يطلقون على أنفسهم اسم (جماعة الإحياء العربي).
ـ في نيسان 1947م تم تأسيس الحزب تحت اسم (حزب البعث العربي)، وقد كان من المؤسسين: ميشيل عفلق، صلاح البيطار، جلال السيد، زكي الأرسوزي كما قرروا إصدار مجلة باسم البعث.
ـ كان لهم بعد ذلك دور فاعل في الحكومات التي طرأت على سوريا بعد الاستقلال سنة 1946م وهذه الحكومات هي:
1 ـ حكومة شكري القوتلي: من 1946م وحتى 29/3/1949م.
2 ـ حكومة حسني الزعيم: استلم السلطة عدة شهور من سنة 1949م.
3 ـ حكومة اللواء سامي الحناوي: بدأ حكمه وانتهى في نفس عام 1949م.
4 ـ حكومة أديب الشيشكلي: استمر حكمه حتى سنة 1954م.
5 ـ حكومة شكري القوتلي: عاد إلى الحكم مرة ثانية واستمر إلى توقيع اتفاقية الوحدة مع مصر سنة 1958م.
6 ـ حكومة الوحدة برئاسة جمال عبد الناصر: 1958ـ 1961م.
7 ـ حكومة الانفصال برئاسة الدكتور ناظم القدسي: وقد دام الانفصال من 28/9/1961م وحتى 8/3/1963م. وقد قاد حركة الانفصال عبد الكريم النحلاوي.
• منذ 8/3/1963م وإلى اليوم فقد وقعت سوريا تحت حكم حزب (*) البعث، وقد مرت هذه الفترة بعدة حكومات بعثية هي:
ـ حكومة قيادة الثورة: 1963م وفيها برز صلاح البيطار كرئيس للوزراء.
ـ حكومة أمين الحافظ: من 1963م وحتى 1966م.
ـ حكومة نور الدين الأتاسي: 1966مـ 1970م حيث لعبت القيادة القطرية للحزب دوراً بارزاً في الحكم، وقد برز في هذه الفترة كل من صلاح جديد الذي عمل أميناً عاماً للقيادة القطرية وحافظ الأسد الذي عمل وزيراً للدفاع.
ـ حكومة حافظ الأسد: من سنة 1970م وإلى يومنا هذا.
• ومن الشخصيات السورية البارزة التي ظهرت في تاريخ الحزب:
ـ سامي الجندي: تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب 1963م.
ـ حمود الشوفي: عمل سكرتيراً عاماً للقيادة القطرية الأولى إلا أنه انشق وجماعته عن الحزب في آذار سنة 1964م، وهو الآن في العراق.
ـ منيف الرزاز: (أردني سني) عمل سكرتيراً عاماً للقيادة القومية للحزب من نيسان 1965م إلى شباط 1966م.
ـ مصطفى طلاس: (سني): ولد سنة 1932م، درس في الكلية العسكرية بحمص، انضم إلى الحزب في سنة 1947م وعمل رئيساً لمحكمة الأمن القومي للمنطقة الوسطى من 1963م، ورئيس أركان اللواء المدرع الخامس من 1964م ـ 1966م ورئيس الأركان للقوات المسلحة من شباط 1968م ونائب وزير الدفاع من 1968ـ 1972م وفي آذار 1973م وصار وزيراً للدفاع .
ـ اللواء يوسف شكور: خلف مصطفى طلاس في رئاسة الأركان وهو من منطقة حمص.
ـ اللواء ناجي جميل: من دير الزور، كان قائداً لسلاح الجو من تشرين الثاني 1970م وحتى آذار 1978م.
ـ سليم حاطوم: حاول أن يقود انقلاباً عام 1966م لكنه فشل في ذلك. وقد أعدم في عام 1967م.
ـ زكي الأرسوزي: (من لواء إسكندرون) مؤسس مع ميشيل عفلق ومنافس له.
ـ شبلي العيسمي: ولد عام 1930م، عمل وزيراً للإصلاح الزراعي ثم وزيراً للمعارف، ثم وزيراً للثقافة والإرشاد القومي 1963مـ 1964م ونائباً للأمين العام لحزب البعث 1965م.
ـ عبد الكريم الجندي: من أنصار صلاح جديد، انتهى منتحراً عام 1969م.
ـ سليمان العيسى: (من لواء إسكندرون) منظّر ومفكّر وشاعر.
ـ أحمد الخطيب: استلم رئاسة الجمهورية من تشرين الثاني 1970م واستقال في شباط 1971م وهي الفترة الانتقالية بين حكومة نور الدين الأتاسي وحكومة حافظ الأسد، وقد كان عضو القيادة القطرية الموسعة من 1965م كما استلم رئاسة مجلس الشعب لفترة قصيرة.
ـ يوسف زعين: مولود في البوكمال 1931م طبيب، عمل وزيراً للإصلاح الزراعي 1963ـ 1964م، وسفيراً في بريطانيا، وفي 1965م انتخب عضواً في القيادة القطرية، ومن شباط 1966م إلى تشرين الأول 1968م، كان رئيساً للوزراء حتى عام 1970م.
ـ جلال السيد: عضو مؤسس في حزب (*) البعث وهو من مدينة دير الزور وقد ترك الحزب لكنه بقي نشيطاً في السياسة السورية.
ـ عبد الحليم خدام: ولد 1932م في بانياس، خريج كلية الحقوق بدمشق تنقل في عدة وظائف حيث عمل محافظاً لمدينة حماة ومحافظاً لمدينة القنيطرة ومحافظاً لمدينة دمشق 1964م ووزيراً للاقتصاد 1969م ووزيراً للخارجية من 1970م وهو عضو القيادة القطرية منذ عام 1969م وقد ارتقى عام 1984م ليكون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية.(39/132)
ـ حافظ الأسد: ولد بالقرداحة من قرى اللاذقية سنة 1930، تخرج في الكلية العسكرية بحمص 1955م عمل قائداً لقاعدة الضمير الجوية 1963م، وقائداً لسلاح الطيران 1964م، انضم إلى المجلس الوطني لقيادة الثورة (*) 1965م، انضم إلى صلاح جديد في انقلاب 1966م وصار وزيراً للدفاع من 1966م إلى 1970م. ومن تشرين الثاني 1970م صار رئيساً للجمهورية بعد قيادته الحركة التغييرية التي أوصلته إلى السلطة.
ـ زهير مشارقة من حلب، عين مؤخراً نائب رئيس الجمهورية لشؤون الحزب.
• لقد اندمج في سنة 1953م كل من (حزب (*) البعث) و (الحزب العربي الاشتراكي) الذي كان يقوده أكرم الحوراني في حزب واحد أسمياه (حزب البعث العربي الاشتراكي).
• أما عن الجناح العراقي من حزب البعث فقد استولى على السلطة في العراق بعد أحداث دامية سارت على النحو التالي:
• استيلاء حزب البعث على ناصية الحكم في العراق:
ـ في الرابع عشر من شهر يوليو عام 1958م دخل لواء بقيادة عبد السلام عارف إلى بغداد قادماً من الأردن واستولى على محطة الإذاعة وأعلن الثورة (*) على النظام الملكي وقتل الملك فيصل الثاني وولي عهده عبد الإله ونوري السعيد وأعوانه وأسقط النظام الملكي وبذلك انتهى عهد الملك فيصل ودخل العراق دوامة الانقلابات العسكرية.
ـ وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر يوليو عام 1958م أي بعد عشرة أيام من نشوب الثورة وصل ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وزعيمه إلى بغداد وحاول إقناع أركان النظام الجديد بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) ولكن الحزب الشيوعي العراقي أحبط مساعيه ونادى بعبد الكريم قاسم زعيماً أوحد للعراق.
ـ وفي اليوم الثامن من شهر فبراير لعام سنة 1963م قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبد الكريم قاسم وقد شهد هذا الانقلاب قتالاً شرساً دار في شوارع بغداد، وبعد نجاح هذا الانقلاب تشكلت أول حكومة بعثية، و سرعان ما نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف من حزب البعث فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق في 18 نوفمبر سنة 1963م وعين عبد السلام عارف أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين المعتدلين نائباً لرئيس الجمهورية.
ـ في شهر فبراير سنة 1964م أوصى ميشيل عفلق بتعيين صدام حسين عضواً في القيادة القطرية لفرع حزب البعث العراقي.
ـ في شهر سبتمبر سنة 1966م قام حزب البعث العراقي بالتحالف مع ضباط غير بعثيين بانقلاب ناجح أسقط نظام عارف.
ـ وفي اليوم الثلاثين من شهر يوليو عام 1968م طرد حزب البعث كافة من تعاونوا معه في انقلابه الناجح على عبد السلام عارف وعين أحمد حسن البكر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للجيش وأصبح صدام حسين نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولاً عن الأمن الداخلي.
ـ وفي 15 أكتوبر سنة 1970م تم اغتيال الفريق حردان التكريتي في مدينة الكويت وكان من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي وعضواً في مجلس قيادة الثورة ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع.
ـ وفي شهر نوفمبر من عام 1971م تم اغتيال السيد فؤاد الركابي وكان المنظّر الأول للحزب وأحد أبرز قادته في العراق وقد تم اغتياله داخل السجن.
ـ وفي 8 يوليو سنة 1973م جرى إعدام ناظم كزار رئيس الحكومة وجهاز الأمن الداخلي وخمسة وثلاثين شخصاً من أنصاره وذلك في أعقاب فشل الانقلاب الذي حاولوا القيام به.
ـ وفي 8 يوليو السادس من شهر مارس عام 1975م وقّعت الحكومة البعثية العراقية مع شاه إيران الاتفاقية المعروفة باتفاقية الجزائر وقد وقعها عن العراق صدام حسين وتقضي الاتفاقية المذكورة بأن يوافق العراق على المطالب الإقليمية للشاه في مقابل وقف الشاه مساندته للأكراد في ثورتهم على النظام العراقي.
ـ في شهر أكتوبر لعام 1978م طردت الحكومة البعثية الخميني من العراق وقامت في شهر فبراير عام 1979م الثورة (*) الخمينية في إيران.
ـ وفي شهر يونيو عام 1979م أصبح صدام حسين رئيساً للجمهورية العراقية بعد إعفاء البكر من جميع مناصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله.
ـ في يوليو سنة 1979م قام صدام حسين بحملة إعدامات واسعة طالت ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من خمسمائة عضو من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي.
ـ وفي اليوم الثامن من شهر أغسطس من العام نفسه أقدم صدام حسين على إعدام غانم عبد الجليل وزير التعليم ومحمد محجوب وزير التربية ومحمد عايش وزير الصناعة وصديقه الحميم عدنان الحمداني والدكتور ناصر الحاني سعيد، ثم قتل مرتضى سعيد الباقي تحت التعذيب، وقد سبق لكل من الأخيرين أن شغلا منصب وزير الخارجية، وقد بلغ عدد من أعدمهم صدام حسين خلال أقل من شهر واحد ستة وخمسين مسؤولاً حزبياً، ولم يبق على قيد الحياة من الذين شاركوا في انقلاب عام 1968م سوى عزت إبراهيم الدوري وطه ياسين رمضان وطارق حنا عزيز.
ـ وفي اليوم التاسع من شهر إبريل عام 1980م قام صدام حسين بإعدام محمد باقر الصدر أحد أبرز علماء الشيعة وأخته زينب الصدر المعروفة باسم (بنت الهدى).(39/133)
ـ وفي يوم 22 سبتمبر سنة 1980م شن صدام حسين حربه على إيران التي أسفرت عن سقوط ما يقارب نصف المليون من أزاهير شباب العراق فضلاً عن سبعمائة ألف من المعاقين والمشوهين، إضافة إلى نفقات الحرب التي تجاوزت المائتي ألف مليون من الدولارات وكذلك تجميد كل تنمية طوال مدة زمنية تجاوزت الثماني سنوات، خرج صدام بعد كل هذه التضحيات ليعلن للعالم أن حربه مع إيران كانت خطأ وأن الحق كل الحق في العودة إلى الاتفاقية المبرمة بينهما ـ اتفاقية الجزائر ـ.
ـ وفي أثناء حربه مع إيران أنزل بالمواطنين الأكراد أبشع أنواع القتل والبطش والتنكيل والإبادة باستخدام الغازات السامة والكيماوية .
ـ وفي 2 أغسطس سنة 1990م (11 محرم سنة 1411هـ) قام باجتياح دولة الكويت واستباحة أرضها وطرد شعبها ، إلى أن تم تحريرها .
ـ قامت أمريكا أخيرًا بإسقاط صدام ونظامه البعثي ، واحتلت العراق ، ونصبت حكومة علمانية موالية لها ؛ وسط مقاومة عظيمة من الشعب العراقي السني المسلم .
• سلوكيات ومبادئ حزب البعث العراقي:
ـ نادى مؤسس الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد لأنه كما يقول: (إن القدر الذي حمّلنا هذه الرسالة خولنا أيضاً حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة) لفرض تعليمات الحزب ومن ثم لا يوجد أي مواطن عراقي يتمتع بأبسط قدر من الحرية الشخصية أو السياسية فكل شيء في دولة حزب البعث العراقي يخضع لرقابة بوليسية صارمة، تشكل دوائر المباحث والمخابرات والأمن قنوات الاتصالات الوحيدة بين المواطنين والنظام.
ـ تركيز سياسة الحزب (*) على قطع كافة الروابط بين العروبة والإسلام، والمناداة بفصل الدين عن السياسة، والمساواة في نظرتها للأمور بين شريعة حمورابي وشعر الجاهلية وبين دين محمد عليه والصلاة والسلام وبين ثقافة المأمون وجعلها جميعاً تتساوى في بعث الأمة العربية وفي التعبير عن شعورها بالحياة.
ـ ادّعت سياسة الحزب أن تحقيق الاشتراكية (*) شرط أساسي لبقاء الأمة العربية ولإمكان تقدمها، مع أن النتيجة الحتمية للسياسة الاشتراكية التي طبقت في العراق لم تجلب الرخاء للشعب ولم ترفع مستوى الفقراء ولكنها ساوت الجميع في الفقر، وبعد أن كان العراق قمة في الثراء ووفرة الموارد والثروات أصبح بطيش حزب البعث عاجزاً عن توفير القوت الأساسي لشعبه.
ـ قيامه بتجريد الدستور العراقي من كل القوانين التي تمت إلى الإسلام بصلة، وأصبحت العلمانية هي دستور العراق ومعتقدات البعث ومبادئه هي مصدر التشريع لقوانينه.
ـ ورد في التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع والمنعقد في بغداد في شهر يونيو من عام 1982م ما يلي:
( وأما الظاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة سلفية (*) ومتخلفة في النظرة والممارسة).
(ومن الأخطاء التي ارتكبت في هذا الميدان أن بعض الحزبيين صاروا يمارسون الطقوس الدينية وشيئاً فشيئاً صارت المفاهيم الدينية تغلب على المفاهيم الحزبية).
( إن النضال ضد هذه الظاهرة ـ يقصد الظاهرة الدينية ـ يجب أن يستهدفها (الحزب) حيث وجدت.. لأنها كلها تعبر عن موقف معادٍ للشعب وللحزب وللثورة وللقضية القومية).
ـ حزب (*) البعث العربي الاشتراكي حزب قومي علماني انقلابي له طروحات فكرية متعددة يتعذر الجمع بينها أحياناً فضلاً عن الإقناع بها، لقد كُتِبَ عنه كثيراً وتحدث زعماؤه طويلاً، ولكن هناك بون واسع بين ممارسات وأقوال فترة ما قبل السلطة، وممارسات وأقوال فترة ما بعدها.
ـ الرابطة القومية عنده هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية حتى قال شاعرهم:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة ديناً ما له ثان
ـ تعلن سياسة الحزب التربوية أنها ترمي إلى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته وخلود رسالتها أخذاً بالتفكير العلمي، طليقاً من قيود الخرافات والتقاليد والرجعية، مشبعاً بروح التفاؤل والنضال والتضامن مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل وتقدم الإنسانية، "والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ".(إبراهيم خلاص ـ فيلسوف الحزب في العراق).
• من التوصيات العامة لمقررات المؤتمر القومي الرابع:
ـ تقول التوصية الرابعة: "يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة ولذلك يوصي القيادة القومية بالتركيز في النشاط الثقافي والعمل على علمانية الحزب، خاصة في الأقطار التي تشوه فيها الطائفية العمل السياسي".(39/134)
ـ التوصية التاسعة تقول: "إن أفضل سبيل لتوضيح فكرتنا القومية هو شرح وإبراز مفهومها التقدمي العلماني وتجنب الأسلوب التقليدي الرومنطيقي في عرض الفكرة القومية وعلى ذلك سيكون نضالنا في هذه المرحلة مركزاً حول علمانية حركتنا ومضمونها الاشتراكي لاستقطاب قاعدة شعبية لا طائفية من كل فئات الشعب".
ـ أما عن الوحدة فهم يقولون: ليست الوحدة العربية مجرد تجميع ولصق لأجزاء الوطن العربي، بل هي التحام فصهر لهذه الأجزاء، لذا فإن الوحدة ثورة بكل أبعادها ومعانيها ومستوياتها، وهي ثورة لأنها قضاء على مصالح إقليمية عاشت وتوسعت وترسبت عبر القرون، وهي ثورة لأنها تجابه مصالح وطبقات تعارض الوحدة وتقف في وجهها (المنطلقات النظرية للمؤتمر القومي السادس).
ـ وأما الاشتراكية فهي تعني تربية المواطن تربية اشتراكية علمية تعتقه من كافة الأطر والتقاليد الاجتماعية الموروثة والمتأخرة لكي يمكن خلق إنسان عربي جديد يعقل علمي متفتح، ويتمتع بأخلاق اشتراكية جديدة ويؤمن بقيم جماعية.
ـ الرسالة الخالدة: يفسرونها بأن الأمة العربية ذات رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ ترمي إلى تجديد القيم الإنسانية وحفز التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم.
• هذا ويمكن ملاحظة ما يلي:
ـ إن كلمة الدين لم ترد مطلقاً في صلب الدستور السوري أو العراقي.
ـ كلمة الإيمان بالله على عموميتها لم ترد في صلب الدستور، لا في تفصيلاته ولا في عمومياته، مما يؤكد على الاتجاه العلماني لديه.
ـ في بناء الأسرة لا يشيرون إلى تحريم الزنى ولا يشيرون إلى آثاره السلبية.
ـ في السياسة الخارجية لا يشيرون إلى أية صلة مع العالم الإسلامي.
ـ لا يشيرون إلى التاريخ الإسلامي الذي أكسب الأمة العربية مكانة وقدراً بين الشعوب.
ـ رغم مطالبة الحزب بإتاحة أكبر قدر من الحرية للمواطنين، فإن ممارساته القمعية فاقت كل تصور وانتهكت كل الحرمات ووأدت كل الحريات وألجأت الكثيرين إلى الهجرة والفرار بعقيدتهم من الظلم والاضطهاد.
ـ القوانين في البلاد التي يحكمها البعث علمانية وحانات بيع الخمور مفتوحة ليل نهار، والنظام المالي ربوي ودعاة الإسلام مضطهدون بشكل سافر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
1ـ يعتمد الحزب على الفكر القومي الذي ظهر وبرز بعد سقوط الدولة العثمانية في العالم العربي والذي نادت به أوروبا، والذي نادى به منظَّر القومية العربية في العالم العربي آنذاك ساطع الحصري.
2ـ يعتمد الحزب على الفكر العلماني إذ ينحي مسألة العقيدة الدينية جانباً ولا يقيم لها أي وزن سواء على صعيد الفكر الحزبي أو على صعيد الانتساب إلى الحزب أو على صعيد التطبيق العملي.
3ـ يستلهم الحزب تصوراته من الفكر الاشتراكي ويترسم طريق الماركسية رغم انهيارها، والخلاف الوحيد بينهما أن اتجاهات الماركسية أممية، أما البعث فقومي، وفيما عدا ذلك فإن الأفكار الماركسية تمثل العمود الفقري في فكر الحزب ومعتقده، وهي لا تزال كذلك رغم انهيار البنيان الماركسي فيما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي.
4ـ لقد كان الحزب واجهة انضوت تحته كل الاتجاهات الطائفية (درزية ـ نصيرية ـ إسماعيلية ـ مسيحية) وأخذ هؤلاء يتحركون من خلاله بدوافع باطينة يطرحونها ويطبقونها تحت شعار الثورة والوحدة والحرية والاشتراكية والتقدمية وقد كانت الطائفة النصيرية أقدر هذا الطوائف على استغلال الحزب لتحقيق أهدافها وترسيخ وجودها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
1 ـ للحزب أعضاء ينتشرون في معظم الأقطار العربية، بعضهم يعمل بشكل علني وبعضهم الآخر سري، ويتفاوت وجودهم وتأثيرهم من بلد إلى آخر على حسب طبيعة البلد ونوعية حكمه.
2 ـ يحكم حزب البعث بلدين عربيين مهمين هما سوريا والعراق، وقد عجز الحزب عن تحقيق الوحدة بين فصائله، بل إن الصراع بين شطري البعث مستمر وعلى أشده، واتهامات الخيانة بين الطرفين لا تنقضي، وإذا كان هذا هو شأن الحزب في بلدين يخضعان له فهو من باب أولى عاجز عن تحقيق وحدة الأمة العربية بكاملها.
والبعثيون يتطلعون إلى استلام السلطة في جميع أرجاء الوطن العربي باعتبار ذلك جزءً لا يتجزأ من طموحاتهم البعيدة، وقد أدت بهم هذه الرغبة العارمة إلى السقوط في حمأة الإنذار المقنع والتهديد السافر والعدوان الصريح وربما يكون حزب البعث في العراق أسوأ ما شهده التاريخ.
ويتضح مما سبق:
أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي سلطوي يحاد الله ورسوله ويسعى إلى قلب الأوضاع في العالم العربي ويتخذ العلمانية وتحقيق الاشتراكية مطلباً يبرر سياسته القمعية، ورسالته التي يصفها، على خلاف الحقيقة، بالتقدمية ويجعل من الوحدة العربية هدفاً ينفذه بالضم والإرغام رغم إرادة الشعوب.
والعلاقة معه يجب أن يحكمها قول الله سبحانه: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله) الآية.
------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ نضال البعث، بشير الداعواق ـ بيروت ـ 1970م.(39/135)
ـ حزب البعث الاشتراكي مرحلة الأربعينات التأسيسية 1940م ـ 1949م، تأليف شبلي العيسمي ـ بيروت 1975م.
ـ التجربة المرة، منيف الرزاز ـ بيروت 1967م.
ـ البعث، سامي الجندي ـ بيروت 1969م.
ـ تجربتي مع الثورة، محمد عمران ـ بيروت 1970م.
ـ حزب البعث، مطاع صفدي.
ـ الصراع من أجل سورية، باتريك سيل ـ لندن 1965م.
ـ أعاصير دمشق، فضل الله أبو منصور ـ بيروت 1959م.
ـ مذكراتي عن الانفصال، عبد الكريم زهر الدين.
ـ الدروز، فؤاد الأطرش.
ـ الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام، محمد منير نجيب ـ ط 1 ـ 1981م ـ مكتبة الحرمين.
ـ حزب البعث تاريخه وعقائده، سعيد بن ناصر الغامدي دار الوطن للنشر.
ـ دراسة عن حزب البعث وردت للندوة من أحد الكتاب "لا يريد ذكر اسمه".
ـ جريدة الحياة البيروتية 10/2/1965م ـ 15/2/1966م ـ 8/9/1966م.
ـ جريدة الرياض، مجموعة مقالات الأستاذ أحمد الشيباني.
ـ جريدة النهار البيروتية 15/2/1964م.
ـ جريدة المحرر البيروتية 13/9/1966م.
ـ مجلة المجتمع الكويتية العدد 231 ـ 24/12/1394هـ ـ 7/1/1975م.
ـ مجلة الدعوة المصرية الأعداد 70، 71، 72، 73، 74.
ـ مقال لفهمي هويدي العدد 572 بتاريخ 23/1/1991م.
=================(39/136)
(39/137)
الناصرية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
الناصرية حركة(*) قومية عربية، نشأت في ظل حكم جمال عبد الناصر (رئيس مصر من عام 1952مـ 1970م) واستمرت بعد وفاته واشتقت اسمها من اسمه وتبنت الأفكار التي كان ينادي بها وهي: الحرية (*) والاشتراكية والوحدة وهي نفس أفكار الأحزاب (*) القومية اليسارية العربية الأخرى.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• أول من أطلق لفظ (الناصرية) محمد حسنين هيكل، الصحفي الذي رافق عبد الناصر إبان حكمه، وأصبح له شهرة في العالم العربي، وذلك بمقال له في جريدة الأهرام في 14/1/1972م.
• جاء بعده كمال رفعت وأصدر في عام 1976م كتيباً بعنوان ناصريون ذكر فيه مبادئ الناصرية وأهدافها.
• وبلور الدكتور عبد القادر حاتم الذي كان وزيراً في عهد عبد الناصر المذهب (*) الناصري في تأبينه لعبد الناصر، كما جاء في جريدة الأخبار (2/10/1970م) حينما قال: " أصبح في العالم اليوم مذهب (*) سياسي متميز ينتسب إلى عبد الناصر ".
• وقد وافق القضاء المصري على إعلان الناصرية كحزب باسم (الحزب الديمقراطي الناصري) وذلك في يوم الاثنين 18/شوال/1412هـ (20/4/1992م) برئاسة ضياء الدين داود المحامي، وعضو مجلس الشعب المصري.
• وهناك من قادة الدول العربية ـ مثل معمر القذافي رئيس الجماهرية الليبية ـ من يصرح بأنه على منهج عبد الناصر !!.
نظرة تاريخية على مؤسس الناصرية:
ـ جمال عبد الناصر: وكان يتردد على مركز الإخوان المسلمين لسماع حديث الثلاثاء منذ عام 1942م. (مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف).
ـ في أوائل عام 1946م بايع الإخوان المسلمين على التضحية في سبيل الدعوة الإسلامية مجموعةٌ من الضباط منهم جمال عبد الناصر. (مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف).
ـ بدأت علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية منذ آذار (مارس) 1952م أي قبل قيام الثورة (*) بأربعة أشهر، كما اعترف بذلك أحد رفاقه وهو خالد محي الدين. وتحدث اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد الثورة عن هذه العلاقة في مذكراته، وأنهم هم الذين كانوا يرسمون له الخطط الأمنية ويدعمون حرسه بالسيارات والأسلحة الجديدة.
ـ في 27 يوليو 1954م عقد اتفاقية الجلاء مع بريطانيا وعارضه فيها الإخوان المسلمون.
ـ في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954م أعفي محمد نجيب من منصبه كرئيس للجمهورية ليصبح عبد الناصر فرعون مصر الجديد ـ على حد تعبير رفاقه ـ كمال الدين حسين وحسن التهامي.ـ
ـ في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1954م (12 ربيع الآخر 1374هـ) نفذ عبد الناصر حكم الإعدام في ستة من قادة جماعة الإخوان المسلمين منهم عبد القادر عودة مؤلف التشريع الجنائي في الإسلام. فضلاً عن الاعتقالات التي شملت الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وذلك بعد اتهامهم بالتآمر على قتله في حادث المنشية بالإسكندرية (في نفس العام) والتي قيل بأنها مسرحية دبرها عبد الناصر مع المخابرات المركزية للتخلص من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشكلون عقبة كبيرة لحكمه الفردي البعيد عن الدين، ولتلميع شخصيته كزعيم وطني حتى تتعلق به الجماهير.
ـ في عام 1956م كان الاعتداء الثلاثي على مصر من قبل انجلترا وفرنسا وإسرائيل.. ولم ينسحب المعتدون إلا بعد استيلاء إسرائيل على شرم الشيخ في سيناء، وجزيرة تيران في البحر الأحمر.
ـ شارك في الحرب اليمنية: التي قتل فيها الآلاف من الشعب المصري المسلم.. وخسرت فيها الملايين.
ـ في عام 1965م أقدم عبد الناصر على إعدام ثلاثة من كبار الإخوان المسلمين منهم سيد قطب مؤلف في ظلال القرآن.
ـ في نفس العام صدر القرار الجمهوري (نيسان ـ أبريل ـ 1965م) بالعفو الشامل عن جميع العقوبات الأصلية والتبعية ضد الشيوعيين في مصر، ودخل الماركسيون في جميع مجالات الحياة في مصر بعد ذلك.
ـ في عام 1967م كانت النكبة الثانية للعرب والمسلمين، فقد احتلت دولة اليهود في فلسطين المحتلة، ثلاثة أمثال ما اغتصبوه عام 1948م (سيناء والجولان والضفة الغربية) وسقطت القدس بلا قتال.
ـ وتوفي عبد الناصر سنة 1970م بعد أن غرقت مصر في الديون وبعد أن خرّب مصر سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، وملأ العالم العربي بالشعارات الجوفاء.
• ومن أخلاق عبد الناصر على لسان رفاق حياته ومعاصريه:
ـ يقول حسن التهامي وهو من أقرب المقربين لعبد الناصر: " إن عبد الناصر هو الذي أمر القوات المصرية بالانسحاب إلى الضفة الغربية من قناة السويس عام 1967م. وأن عبد الناصر هو الذي دس السم لعبد الحكيم عامر، في بيت عبد الناصر نفسه ". الأهرام 5/8/1977م.
ـ حسين الشافعي وهو أحد الضباط الأحرار الذين قاموا بالانقلاب العسكري سنة 1952م يقول في محاضرة له في جمعية الشبان المسلمين: " انقلوا عني: أن الجيش المصري لم يحارب في معركة 1967م بل هزم بسبب الإهمال والخيانة، وأقول الخيانة وأضع تحتها عشرة خطوط ".
ـ خالد محيي الدين: زعيم التنظيم اليساري في مصر وهو أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، يقول: " إن عبد الناصر كانت له علاقة بالمخابرات الأمريكية منذ مارس 1952م أي قبل قيام الثورة (*) بأربعة أشهر ".(39/138)
الأفكار والمعتقدات:
• من مبادئ الناصرية:
ـ الحرية (*) والاشتراكية (*) والوحدة، للقضاء على مشكلات العالم العربي الأربعة: وهي الاستعمار (*) والتخلف والطبقية والتجزئة بين أقطار العالم العربي. (وهي نفسها أفكار حزب (*) البعث القومي اليساري: الوحدة، الحرية، الاشتراكية).
ـ الحرية المطلوبة هي حرية الناصريين وليست حرية الشعب بكامله، إذ أن الناصرية القديمة (في عهد عبد الناصر نفسه) رفعت شعارات لا حرية لأعداء الحرية، وهي تعتقد بأن كل معارض لها من أعداء الحرية.
الاشتراكية أساس التقدم الاقتصادي.. وهي أساس بناء مجتمع الكفاية والعدل، والمجتمع الذي ترفرف عليه الرفاهية كما يزعمون.
ـ ونادت الناصرية بتوزيع الثروة الوطنية لتحقيق التغيير الاجتماعي.
ـ ونادت بالاشتراكية العلمية (*).. وهي خليط من الاشتراكية الماركسية والليبرالية (*) الغربية والأفكار والوطنية مع شيء من الأفكار الدينية.
ـ الوحدة هي أساس القوة العربية.. والعروبة أو القومية العربية هي أساس قيام الوحدة. وأغفلت الناصرية رباط العقيدة التي لا تؤمن الشعوب العربية إلا بها ولا تجتمع إلا حول رايتها. وهي أساس وحدة العرب في الصدر الأول.
ـ نادت الناصرية بالديمقراطية (*) ومفهوم الديمقراطية لديها هو ديمقراطية التحالف السياسي، تبعاً لتحالف القوى الاجتماعية.. أو كما وصفها محمد حسنين هيكل بديمقراطية الموافقة: أي أن الزعيم الحاكم ينفرد بالحكم وبإصدار القرارات المصيرية.. ودور الشعب يقتصر على تأييد هذه القرارات. لأنه يفترض في الزعيم العصمة والصواب والحكمة وتجسيد إرادة الشعب وحقوق التعبير عنها.
ـ العلمانية ـ أو اللادينية ـ من أسس الناصرية أيضاَ.. فليس للدين (*) علاقة بالمجتمع وقوانينه ونظام حياته، وإنما هو طقوس تعبدية في المسجد فحسب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• الناصرية حركة قومية يسارية علمانية برزت بعد وفاة عبد الناصر لذلك فهي تعتمد على الفكر القومي الذي ظهر بعد سقوط الدولة العثمانية.
• الفكر الماركسي المادي (*) أحد روافد فكرها الذي تلبسه الثوب القومي.
• الناصرية أبعدت الدين من كل مبادئها وممارساتها، من هنا جاء وصفها بالعلمانية (أو اللادينية).
النفوذ وأماكن الانتشار:
نشأت الناصرية في مصر وانتشرت في باقي البلاد العربية، وإن كان أتباعها في البلاد العربية قلة من المنتفعين، وقد طالب بعض الذين تعاونوا مع عبد الناصر إبان حكمه بتشكيل حزب ناصري في مصر وقد سمح لهم بذلك.
ويتضح مما سبق:
أن الناصرية تتجسد في حفنة من الذين تعاونوا مع عبد الناصر إبان حكمه وأظهروا الولاء لشخصه فلما سمح بالتعددية الحزبية في مصر اتفقوا على التجمع باسم القومية العربية وتحت لواء الحرية (*) والاشتراكية (*) والوحدة دون تحديد واضح لمضمون هذه الأهداف. ولكنهم على أية حال يدينون بالولاء لعبد الناصر ويعتبرونه رائدهم مشيدين بمواقفه الإيجابية بحكم أنه أنهى الملكية الفاسدة في مصر وأمم قناة السويس، وأنهى الاحتلال البريطاني، وبنى السد العالي، وحرر اليمن الشمالي، وحقق مكاسب للعمال والفلاحين. ولكنهم يتغافلون عن سلبيات حكمه الفظيعة، التي تتمثل في إعلان الحرب على الاتجاه الإسلامي في الداخل والخارج، وتعذيب حملة لوائه عذاباً نكراً، تقتيل فطاحل علمائه من أمثال عبد القادر عودة وسيد قطب وغيرهم بعد محاكمات صورية.
• كما دأب على الوقوف دائماً في صف أعداء الإسلام ومناصرة سياستهم فأيد نهرو في مواقفه الجائرة ضد باكستان، وأيد نيريري الذي قام بمذبحة ضد مسلمي زنجبار، وأيد مكاريوس الذي كافح من أجل إضاعة حقوق المسلمين في قبرص.
وأحيا جاهلية (*) القرن العشرين بإثارة نعرة القومية العربية وإعلان الحرب على ملوك البلدان الإسلامية وتشجيع المؤامرات الانقلابية.
• ورغم أنه في أول حكم الثورة (*) كان قد جعل الديمقراطية (*) أحد مبادئها، إلا أنه لم يسمح ببزوغ فجرها ووأدها في مهدها وقضى على كافة الأحزاب المطالبة بها، وأنشأ الحزب (*) الشمولي وألغى الدستور وجمع السلطة كلها في يده وظل طوال حكمه مثال الحاكم المستبد الذي يضرب خصومه بيد من حديد، دون أدنى مراعاة للقيم الأخلاقية ويفتعل المؤامرات للقضاء عليهم قضاء مبرماً.
وانتشر في عهده التحلل الأخلاقي والتفكك الأسري والتزلف النفعي والفساد، وقام بإلغاء الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية، وأضعف كيان الأزهر، وأصبح للمخابرات والمباحث العامة والأمن القومي السيطرة على كل المؤسسات في الدولة، وقاصمة الظهر في هذا كله أنه عرَّض الجيش المصري لهزيمة ساحقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وضاعت بسببها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان والقدس الشريف وتمكنت إسرائيل من توسيع رقعتها بما لم تكن تحلم به.
• ويعتبر مسؤولاً عن انفصال السودان عن مصر وعن حرب اليمن وعن السماح لإسرائيل باستعمال مضيق تيران.(39/139)
• والمؤمل، إذا تجملت الناصرية ـ بعد أن سمح لها من جديد بتشكيل حزب سياسي في مصر ـ أن تفتح أنصارها عيونهم على هذه الحقائق المؤلمة ويصححوا مسارها نحو فهم جديد مستند للإسلام كأهم عنصر إيجابي في تحقيق حكم نظيف قوامه العدالة الاجتماعية وإنجاز الحرية والشورى كأساس متين لتجمع المسلمين ووحدتهم. ولعلهم بذلك يخفون وجه الناصرية القبيح ويقضون على آثارها المتعفنة ورموزها القذرة، ولهم في ماضيهم عبرة وفيما حدث في الكويت تبصرة وذكرى (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ كنت رئيساً لمصر محمد نجيب.
ـ تاريخ بلا وثائق ـ إبراهيم سعدة.
ـ البحث عن الذات، منير حافظ.
ـ مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف.
ـ الله أو الدمار، سعد جمعة.
ـ الناصرية في قفص الاتهام ـ عبد المتعال الجبري.
ـ الموتى يتكلمون ـ سامي جوهر.
ـ الناصرية وثنية سياسية ـ د. فهمي الشناوي.
ـ من أسرار علاقة الضباط الأحرار بالإخوان المسلمين ـ حسين محمد أحمد حم
==============(39/140)
(39/141)
عراق البعث ... أم عراق الإسلام !!
في التاريخ المعاصر ، شهدت الأمة انحرافا عقديا وفكريا ظاهرا ، فقد صادف الانحطاط الذي أصيبت به الأمة الإسلامية في كل جوانب حياتها من فقدانها للمنظومة الجامعة التي تلم شعثها تحت حكومة واحدة ، إلى تأخرها عن ركب الحضارة والمدنية إلى انتشار البدع والانحرافات في أوصالها ، صادف هذا كله قوة في الحضارة الغازية المتجبرة المتكبرة ، المفتخرة بقيمها ومدنيتها وفكرها ، مما جعل كثيرا من أبناء الأمة الإسلامية يفتنون بهذه الحضارة القادمة ....
ولا شك ان المغلوب مولع بتقليد الغالب ، وهو الأمر الذي أشار إليه ابن خلدون رحمه الله في مقدمته الماتعة النافعة حيث أشار إلى نوع الاستلاب الذي يصيب الإنسان المنكسر المهزوم لمن غلبه وتفوق عليه ، وهذا ما يفسر لنا الكثير من شغف أهل الإسلام في هذا العصر بمشابهة الكفار في سلوكهم ، بينما تقرا في التاريخ البعيد ان الافرنجة كانوا يفتخرون لما ينطق الإنسان منهم كلمة عربية ، فيقولها ثم ينتفش فرحا بها !!
وكان من ابرز ما نكأ في الأمة وفتّ في عضدها هو نشوء التيارات الفكرية والقومية العلمانية في العالم الإسلامي ، حيث حكمت دول في العالم الإسلامي بحكم القوميين البعثيين الفاسدي العقائد والسلوك ، وأذاقوا المسلمين الويلات في تلك الدول التي كانت في يوم من الايام من حواضر العالم الإسلامي ، وخاصة دمشق وبغداد .
اما الأولى فقد حكمت من أناس يشكلون ظلمات بعضها فوق بعض ، فهم على قوميتهم واشتراكيتهم فهم مع ذلك نصيرية حاقدين على الملة والأمة ، حيث فتكوا بالمسلمين وأذاقوهم الويلات ، وما أحداث عام اثنين وثمانين الا شاهد على الحقد الدفين لأهل السنة والإسلام في بلاد الشام موئل الطائفة المنصورة ، ومدينة فضائل اخر الزمان .
ولا تسلني عن حماة وحمص وحلب ، وما جرى فيها من سفك الدماء وقتل الأبرياء ، وإهدار الكرامة والحرمات ،
فقد كنت في ذلك الزمن صغيرا ، ومع هذا فقد كان قلبي يتقطع حين اسمع خطبة الشيخ احمد القطان ، تلك الخطبة التي عرض فيها رسالة لاحدى الحرائر الشريفات القابعات في سجون الطاغوت في الشام ، وكيف انها تريد فتوى لتقتل نفسها حيث لا تطيق ابن السفاح من السجانين العتاة يتحرك بين أحشائها !
في ذلك الوقت اسمع صوت المنشد المترنم يصدح بصوته العذب ويقول :
روحي فداؤك طال البعد يا وطني ** دمي حماة ونوح الجسر اغنيتي
مالي اصطبار فراق الشام اتعبني ** ارجوك ارجوك هذا بعض امنيتي
سورية اليوم بركان سيول دم ** شام الرسول منار نار ملحمتي
فهو يقول هذا .. حيث الم الفراق والبعاد يقطع نياط قلوب المشردين من المؤمنين من الشام .. لا لشي الا انهم يقولوا ربنا الله !
وفي الشرق ، حيث العفلقيون يحكمون بلاد دجلة والفرات ، منارة الإسلام ، ومنبع العلم ، حيث درست معالم الديانة من تلك الأرض الحرة الأبية ، وعقول أبنائها العظام ، فاختفت في جنباتها أصوات المآذن ، واخذ الجيل ينشأ على محددات فكر حزب البعث القومي العربي ....ويترنم بـ
آمنت بالبعث ربا لا شريك له ** وبالعروبة دينا ماله ثاني
قال لي احدهم مرة : زرت العراق ، وكنت اتمشى في ميدانها الكبير في قلب بغداد ، فحانت الصلاة ، فسالت العشرات من الناس عن القبلة ، وخاصة ثكنات الجيش البعثي في الميدان الكبير ، فشرقوا بي وغربوا .. ولم يعرف القبلة منهم احد ، ويبدو انه لم يكن في الجوار مسجد !
يقول : فركبت سيارة احدهم وهو الذي قصدته في المدينة ، فلما صعدت السيارة فاذا شريط أغاني ملصق عليه صورة الفنان العراقي سعدون جابر ، فادخله في المسجل ، فاذا هو شريط للشيخ الداعية عائض القرني ، فقال لي : هذا الرجل كلما سمعته بكيت ، ووالله لا ادري من أي بلاد الله هو ، وكان صاحبنا هذا زميلا للشيخ عائض وفقه الله ، فاخبره بمكانه ، ودعوته في تلك الأيام الخوالي ، قبل أزمة الخليج الثانية ! ، فسر الرجل وسعد لما سمع أخبار الشيخ .
يقول صاحبنا .. فبدأ الرجل يتحدث عن النظام الاستحباراتي العاتي في نظام البعث العراقي ، والتوجس الشديد والرهبة الشنيعة التي خلقها النظام في قلوب الناس ، وخاصة ما يتعلق بالتجمعات التي تاخذ الطابع الديني .
قال صاحبي : فقلت له : الا يوجد لكم أي نشاط دعوي او علمي ، فقال : انا وصاحبي قد اتفقنا على ان يمرني في البيت ونخرج نمشي إلى السوق ، وفي اثناء الطريق اسمّع له سورة من القران او آيات منه في الذهاب وهو يفعل هذا في الإياب موهمين الناس باننا نتحدث حتى نفترق عند بيتي !!
هذه صورة بسيطة من وضع العراق ، والا فان المآسي كثيرة ، والتضييق على أهل الإسلام وقتل العلماء ، وانتهاك الكرامة ، والتضييق على الناس في أديانهم وأموالهم ومعاشهم يطول الحديث عنه !
كان العراق والدول العربية قبل أزمة الخليج يتمحورون في فكرهم وسياستهم حول القومية العربية ، ويجتمعون في مظلة الجامعة العربية التي هي في الأصل صنيعة الاستعمار لمهمهة الأمة عن إعادة دولة الخلافة التي فقدتها ، ولتمرير القرارات التي تراد من قوى الاستعمار الغربي من خلال هذه المنظمة !(39/142)
وفي صبيحة ذلك اليوم دخل صدام الكويت ، وكان دخوله نقطة تحول في فكر العرب ، حيث سقطت القومية العربية ، وسقطت مبادئها ، فمن جهة فقد خان عراب القومية قوميته بانتهاك حرمة جيرانه ، ومن جهة اخرى تجمعت ( العربان ) لقتال عرابهم في معركة تحرير الكويت ، ومنذ ذلك الوقت والفكر القومي العربي يعيش أزمة في الهوية والوجود ، وأصيب كذلك بصدمة قوية في وجدانه وشعوره ، فارتد عن هذه القومية أقوام مؤممين وجوههم إلى الغرب الديمقراطي ، بعد إن فشلت قوميتهم ، وخابت مشروعاتهم !
بعد عام واحد وتسعين ، واندحار صدام حسين وجيشه إلى العراق وطرده من الكويت ، وضرب الحصار الآثم على شعب العراق المسلم ، اختلف الوضع في العراق ، حيث تغير نمط التعامل من قبل النظام العراقي مع الشعب ، وخفت حدة الدكتاتورية ، واتيت فرص كبيرة للتدين في الواقع ، وبدأ الناس يتوافدون إلى المساجد ، وبدأت حلقات العلم في المساجد ، مع توجس شديد وتضييق يختلف عن الوضع العام مما يسمى ( الوهابية ) أو ( السلفية ) في تلك الأرض ، فلم يتح للدعوة السلفية الفرص الكثيرة كما اتيح لغيرها ، مع رجوع عدد كبير من الرافضة إلى السنة وخاصة في جنوب العراق !
هذا الكلام ليس فيه تزكية مطلقة للنظام البعثي في العراق ، فلا شك إن ما يصيبه ألان هو لحاق السنة الكونية بالظالمين المستبدين الغاشمين ، الذين أذلوا الناس واستكبروا في الأرض ، ومآل الطواغيت إلى بواروكساد ، وهي سنة الله في الأرض ( الم تر كيف فعل ربك بعاد ، ارم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، وفرعون ذي الأوتاد ، الذين طغوا في البلاد ، فاكثروا فيها الفساد ، فصب عليهم ربك سوط عذاب ، إن ربك لبالمرصاد ! ) ، والنظام في العراق لا شك يدخل في هذا دخول أولي ، اذ لا ينسى المرء تلك الاشلاء والجثث لأهل السنة في حلبجة ، الذين قتلوا قتلا جماعيا بشعا ، يقرح افئدة وضمائر النفوس المؤمنة !
أقول هذا مع إيماني العميق بان القضية بالنسبة لأمريكا وإدارتها للحرب مع حلفائها ألان ليست قضية طاغية يزال ، اذ لو كان هذا الهدف بصدق فلربما وجد الإنسان المبرر الكافي لأولئك الذين وقفوا في صف أمريكا في عدوانها على العراق ، ولكن العراق حلقة صغيرة من حلقات ( استراتيجية ) أمريكية استعمارية جديدة في المنطقة الإسلامية ، وقد اتخذت من العراق منطلقا لهذه الاستراتيجية التدميرية ، وهي استراتيجية متنوعة الأهداف ، والمطامع ، ما بين أهداف دينية مرتبطة بالدولة الخبيثة اليهودية ، وما بين أهداف اقتصادية نفطية ، وقبل ذلك ( الحرب على الإرهاب ) والذي يستهدف المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل ، وإعادة صياغة النظام العالمي ، وخاصة غربلة نظام هيئة الأمم المتحدة ، ومجلس الامن الدولي ، وإقامة الديمقراطيات في الشرق الاوسط على غرار الديمقراطية الأمريكية الليبرالية ، وتنصيب حكومات تكون تابعة مباشرة للولايات المتحدة ، إلى غير ذلك من الأهداف التي ليس هذا مجال الحديث عنها !
اضف إلى ذلك ، فان المعركة ألان موجهة إلى أهل العراق المسلمين ، والمتضرر منها هم اولئك الشيوخ والأطفال الذين عاشوا سنوات من القهر والتضييق والأمراض والفقر ، وهم الان يواجهون الترسانة الامريكية والبريطانية الفتاكة ، والتي تمطرهم بوابل من الحمم والنار ، فوجب على المسلمين الوقوف في صف اخواننا اهل العراق لرفع المحنة عنهم وصد عدوان المعتدي عليهم !
إن كل صاروخ يدمر في العراق ، وكل قوة تدك فيه هي في المحصلة النهائية تقوية لدولة اسرائيل ، ومد ذراعها الاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة ، وهذا لا شك امر خطير على مستقبل المنطقة كلها .
ولذا فاني ادعو إلى عدم النظر إلى هذه المعركة مع الغرب بنظرة مفككة ومجتزئة ، بل لا بد من النظر الترابطي بين كل الأحداث التي تجري في العالم الإسلامي ، وهذا يعطي الإنسان بعدا جيدا في تحليل الأحداث ، ومن ثم إعطاء الموقف الصحيح مما يجري في منطقة الخليج العربي وفي العالم الإسلامي كله .ولو أدرك الحكام خطورة إن تنجح أمريكا في غزوها العراق ، لوقفوا صفا واحدا لافشال المخطط الأمريكي في العراق ، اذ هي نقطة البداية لبيع هؤلاء في سوق النخاسة ، والتحكم بهم بشكل سافر وعلني ، هم وغيرهم من دول العالم ، فوجب اتخاذ ما يلزم من التحالفات الدولية ، والزج بالناس جميعا للوقوف أمام طغيان أمريكا وتجبرها !!
اسأل الله إن يعز جنده ، ويذل أعداءه ، وان يبرم لهذه الأمة الأمر الرشيد الذي يحمي حماها ، ويصاول أعداءها ، ويحيي دينها وعقيدتها .. والله تعالى اعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين !
D r -estefham
شبكة أنا المسلم
==============(39/143)
(39/144)
الحزب القومي السوري
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
هو حزب(*) يدعو إلى القومية العربية، واعتبار الوطن السوري البيئةَ التي نشأت فيها الأمة السورية، والقول بأن النهضة السورية تستمد روحها وتاريخها السياسي والقومي من مواهب الأمة السورية. وقد اتخذ الحزب اسم " الحزب القومي الاجتماعي " وشعاره زوبعة لها أربعة رؤوس ترمز إلى الحرية (*)، والواجب والنظام والقوة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• في الثلاثينات من هذا القرن، وتحديداً في عام 1932م، ظهر على مسرح السياسة في لبنان شاب عائد من البرازيل اسمه انطوان سعادة ألف حزباً منظماً دقيقاً مركزيًّا يعرف بالحزب القومي السوري.
ـ لقد نشأ هذا الحزب بدعوى محاربة الطائفية والنزعة الانعزالية مستغلاً وجود العديد من الطوائف والديانات (*) في لبنان، داعياً إلى رابطة تلغي جميع الفوارق بين الناس وتربطهم برباط واحد هو رباط الأرض، وقد بارك الغرب هذا الحزب وأمده بالمال والسلاح.
ـ وقد ازدهرت دعوة الحزب بانضمام الشبان المثقفين إليه، وتطور على يدي أكبر شخصية فيه وهو أنطوان سعادة الموجه الروحي والمنظِّر الفكري الذي أعدم رمياً بالرصاص عام 1949م إثر محاولته القيام بثورة (*) مسلحة تهدد كيان الدولة في لبنان.
• من شخصياته البارزة المقدم غسان جديد وهو مقدم سابق في الجيش السوري (نصيري)، وعصام المحايري، ودكتور عبد الله سعادة، وفايز صايل، وجورج عبد المسيح، ومن رؤسائه مؤخراً إنعام رعد.
الأفكار والمعتقدات:
تتركز مبادئ الحزب في الأفكار التي يذكرها أنطوان سعادة في كتابه نشوء الأمم وهي:
ـ فصل الدين (*) عن الدولة.
ـ منع رجال الدين من التدخل في الشؤون السياسية والقضائية والقومية.
ـ إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب (*).
ـ إلغاء الإقطاع، وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج، وإنصاف العامل، وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
ـ إعداد جيش قومي ذي قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن.
• كما أن للحزب (*) منطلقاته التي تعبر عن أفكاره ومعتقداته وتصوراته لحركة التاريخ ومن ذلك:
ـ سوريا للسوريين، والسوريون أمة تامة.
ـ يتميز السوريون عن أبناء الأمة العربية كما يتميز الفرنسيون عن الإنجليز، وكما يتميز الروس عن الألمان.
ـ القضية السورية هي الأمة السورية والوطن السوري.
ـ الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل التاريخ الجلي.
ـ الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة.
ـ مصلحة سوريا فوق كل مصلحة.
ـ القوميون السوريون يعتزون بالماضي السحيق الذي يمثله الفينيقيون بوثنيتهم (*) وخمرهم وآلهتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولذاتهم ويعتزون بالثقافة الروحية والطابع العمراني الذي نشرته سوريا في البحر السوري المعروف بالبحر المتوسط.
ـ الاعتزاز بما خلده العظام من مثل كرينون ـ بيار صليني ـ يوحنا فم الذهب ـ أفرام العمري ـ ديك الجن الحمصي ـ الكواكبي ـ جبران.
ـ الاعتزاز بالمحاربين الخالدين مثل سرجون الكبير ـ أسرحدون ـ سنحاريب ـ نبوخذ نصر ـ آشور بانبال ـ هاني بعل … إلى يوسف العظمة، وهم بذلك يغفلون مشاهير وعظماء الإسلام.
ـ أزهى العصور في تاريخ سوريا هو العصر الفينيقي.
ـ الفتح الإسلامي يعتبر فتحاً أجنبياً ولا يرون في التاريخ الإسلامي في سوريا بعد الفتح إلا تاريخاً سورياً خالصاً، فمعاوية رضي الله عنه أصبح سورياً لإقامته في دمشق عشرين عاماً قبل الخلافة (*)، وأمجاد الأمويين أمجاد سورية محضة، والنزاع بين معاوية وعلي رضي الله عنهما إنما هو نزاع بين القومية السورية والقومية العراقية، ويجعلون للأرض والتراب والجو أثراً سحرياً يحول الإنسان خلال فترة وجيزة من قومية إلى قومية ومن تاريخ إلى تاريخ.
ـ عندما يتحدثون عن سوريا فإنما يقصدون بذلك سوريا الكبرى والتي تضم سوريا الحالية ولبنان و الأردن وفلسطين.
الجذور الفكرية والعقدية:
• رجالات هذا الحزب يحاربون الدين (*) بكل قواهم، ويستنكرون الرابطة الدينية بين الناس، وينطلقون في ذلك من عدة معتقدات وأفكار: من أهمها ما يلي:
ـ الزعم بأن فكرة الألوهية اخترعها الإنسان يوم أن كان رازحاً تحت سلطان الخوف والوهم والخرافة.
ـ النظر إلى الكون والإنسان والحياة نظرة مادية (*) تنكر وجود الله والبعث والرسالات واليوم الآخر.
ـ الزعم بأن الإسلام دين جامد، وإنما الذي جعله متطوراً هم الخلفاء والفقهاء.
ـ ينادون بفصل الدين عن الدولة وهي فكرة غربية يرفضها الإسلام جملةً وتفصيلاً.
ـ يعتبرون التجمع على أساس ديني من أخطر العقبات في سبيل التقدم وينادون بالتخلي عنه حتى يسلم الكيان السوري القومي من التناقضات.
• دعوتهم انعزالية تقتصر على الوطن، فهي تعمل على انكماش العالم العربي والإسلامي إلى عالم صغير محدود في عصر التكتلات العالمية والمعسكرات الدولية والتجمعات الأممية.
ـ هذه الدعوة الانعزالية تخدم مصالح الغرب المستعمر وتخدم الصهيونية في تفتيت الوطن الإسلامي الكبير، وتمزيق القوة المحيطة بإسرائيل.(39/145)
ـ تدعو إلى الاستهتار بالقيم الأخلاقية، وذلك بتهيئة فرص الإغراء للشباب والفتيات بالانضمام إليها في حلقات ماجنة تلعب فيها الخمر بالرؤوس وتنطق فيها الغرائز جامحة مسترسلة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• اتخذ هذا الحزب من لبنان مركزاً له، وصار له أتباع في سوريا، ولكنه لقي اضطهاداً من مختلف الحكام لأنه يتعارض مع فكرة القومية العربية التي كان لها نفوذ أكبر، ومع ذلك ظل يعمل بشكل علني في لبنان متخذاً له اسماً جديداً وهو " الحزب القومي الاجتماعي".
• عبر أنطوان سعادة عن حدود القومية السورية في كتابه نشوء الأمم بأنها البيئة الجغرافية المتميزة عما سواها فهي تمتد من جبال طوروس في الشمال إلى قناة السويس في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة ومن البحر السوري (المتوسط) في الغرب إلى الصحراء في الشرق حتى الالتقاء بدجلة. هذا و الحزب الآن في حالة انحسار كبير.
ويتضح مما سبق:
أن دعوة القومية السورية دعوة انعزالية تفرق ولا تجمع وتدعو إلى العصبية القومية في عصر التكتلات الكبرى ويعيش معتنقوها داخل حدود وهمية وأسرى روابط تمت إلى الماضي السحيق الذي لا يحرك المشاعر. وهم يعتبرون أن الأرض هي أقوى الروابط و من ثم فنظريتهم تدعو إلى فصل الدين (*) عن الدولة.
--------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ نشوء الأمم، أنطوان سعادة.
ـ المحاضرات العشر في الندوة الثقافية، أنطوان سعادة.
ـ تعاليم وشروح في العقيدة القومية والاجتماعية، أنطوان سعادة.
ـ الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، أنطوان سعادة.
ـ جريدة الشهاب الدمشقية لعام 1955م، مقالات للدكتور مصطفى السباعي.
ـ العروبة بين دعاتها ومعارضيها، ساطع الحصري.
ـ حركات ومذاهب في ميزان الإسلام، فتحي يكن.
ـ لبنان في التاريخ، فيليب حتي.
==============(39/146)
(39/147)
فيلسوف القومية العربية ... ( ساطع الحصري ) .. !
سليمان بن صالح الخراشي
هذه آخر دراسة مختصرة عن إحدى الشخصيات الشهيرة المؤثرة في تاريخ المسلمين أضيفت في موقع الكاشف ؛ وهي عن إمام القومية العربية في هذا العصر " ساطع الحصري " :
هو ساطع بن محمد هلال بن مصطفى الحصري " أبو خلدون " ، ولد في صنعاء من والدين حلبيين في 1297هـ الموافق 1880م ، تعلم في إسطنبول زمن الدولة العثمانية ، فتترك ثم تعرب ! وبقي ضعيفًا في العربية ! . لما انفصلت سوريا عن الحكم العثماني دعته حكومة الملك فيصل بن الحسين " القومية " ليُعين وزيرًا للمعارف ، ولما احتل الفرنسيون سوريا سافر إلى بغداد ليعمل مديرًا لدار الآثار ، ورئيسًا لكلية الحقوق ، ثم أجبر على مغادرة العراق سنة 1941م فعاد إلى سوريا مستشارًا في وزارة المعارف . ثم عهدت إليه جامعة الدول العربية إنشاء معهد الدراسات وإدارته . ألف أكثر من خمسين كتابًا ؛ معظمها في التنظير لفكرة القومية العربية ؛ حتى سمي " فيلسوفها " ، وقد صدرت مجموعة أعماله الكاملة في 3 مجلدات عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت عام 1985م . توفي الحصري عام 1968م .
يُنظر للمزيد عن ترجمته : " الأعلام " للزركلي ( 3/70 ) ، و " دعاة الفكر القومي العربي " لشاكر اليساوي ( ص 9-38) ، و " الجمعيات القومية العربية وموقفها من الإسلام " للدكتور خالد الدبيان ( 1/441-463) ، ومجلة " المستقبل العربي " ( العددان 244و248 مخصصان للحديث عنه ) ، و " ساطع الحصري وفلسفة القومية العربية " لمحمد ناجي عمايره ، ومقدمة أعماله الكاملة .
ويُنظر في الرد عليه وعلى فكرته " القومية الجاهلية " : رسالة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - " نقد القومية العربية " ، ورسالة " فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام " للشيخ صالح العبود ، ورسالة الدكتور الدبيان السابقة .
يقول الأستاذ محمد فاروق الخالدي عن الحصري : ( كان من أبرز دعاة الفكر القومي العلماني الحديث ، ويعتبره القوميون فيلسوف القومية العربية . لقد كان الحصرى هو العقل المفكر لفتنة القومية التي لم يأت منها إلا أننا كنا أمة واحدة هي « أمة صلى الله عليه وسلم » فصرنا جمعية أمم ، وكنا إخوة يجمعنا الحب في ظلال الإيمان ، فصرنا أعداء تفرقنا هذه الدعوة الجاهلية ..
وقد أفسد مناهج سوريا لما دعا بعد الاستقلال لإصلاحها ، إذ كان يُعتبر من السابقين والمربين العرب ، وإن عاش حياته الطويلة ومات وهو لا يحسن العربية لا نطقًا ولا كتابة ! كان من المشتغلين بالتربية من عام 1908م في تركيا ثم في الشام والعراق » (1) .
- لقد كان فكر الحصرى يمثل جاهلية جديدة ، باسم القومية العربية .
كان يستمد نظريته القومية من النظرية الألمانية ، التي تقول باللغة والتاريخ ، وكان من أكبر أساتذته « ماكس مولو » وماكس نوردو ، وهما فيلسوفان يهوديان ، كانا يقصدان من وراء نظريتيهما إحياء القومية اليهودية(2) .
- ومعلوم أن الحصرى قد ربي في تركيا ، وتلقى في شبابه التربية لدى جيل تركيا الفتاة ذات التوجه الطوراني اليهودي (3) .
- وكان الحصرى قد شغل مراكز هامة في وزارة التربية العثمانية ، وصار وزيرًا للتربية في حكومة الملك فيصل بن الحسين ، ثم عين وزيرًا للتربية في العراق .
- وكان الحصرى معروفًا بولائه للمبشرين ، ويرى أن الرابطة القومية أقوى وأعم من الرابطة الإسلامية ، وأن الوحدة الاسلامية باتت حلمًا وخيالاً .. وأن الدين طارئ على الأمة العربية ، وكان همه بعث أمجاد العرب قبل الإسلام ، بل كان يدعو إلى دراسة الحثيين والآشوريين والآراميين والبابليين والعبرانيين ، ويشرح أمجاد هذه الأمم البائدة « من خلال آثارها » تلك الأمم التي أهلكها الله بكفرها ، ويدعو إلى الفخر بتلك الوثنيات وآلهتها المتمثلة بعبقرية والاختراع (4) .
- كان الحصرى لا يرى إقحام الدين في السياسة ! ويجب - عنده - أن تُفسر النصوص الشرعية وتنفذ حسب ظروف الزمان والمكان ، فالنصوص شيء ، والتفسير شيء آخر ، « وما كان يصلح للناس في القرن الأول لا يصلح لغيرهم في القرن الرابع عشر ، وما يناسبنا اليوم ، نحن معشر العرب ، هو أن نعلق هذه النصوص وغيرها » !! (5) . فالحصرى يدعو إلى علمانية متطرفة ، يشجب فيها خط القرآن ، خط الافتخار بحملة لواء العقيدة ، عقيدة الإيمان بالله تعالى ونبذ الأمم الكافرة المعادية لمنهج الله .. وهي نكسة إلى الجاهلية الأولى ..
- وقد نفذ الحصرى مفاهيمه هذه ، منذ أن استلم وزارة المعارف في عهد فيصل بن الحسين 1918م بدمشق ، وفي العراق طيلة عهد فيصل أيضًا .. وقد استطاع أن يعمم هذا الخط عن طريق الجامعة العربية ، وعمله من خلالها ومن الاتفاقيات الثقافية (6) .
- يعتبر فكر الحصري مرجعًا أساسيًا لدى القوميين العرب فيما بعد ، وتعتبر الحركات القومية الحديثة استمرارًا لهذا الفكر ، وتطبيقًا لهذا الانحراف ، طوال النصف الثاني من القرن العشرين ) اهـ " التيارات الفكرية والعقدية .. " ( ص 139- 141) .(39/148)
- قلتُ : من أقوال الحصري الدالة على قيامه ببناء فكرته على غير هدى الإسلام ؛ قوله : ( الرابطة الدينية وحدها لا تكفي لتكوين القومية ، كما أن تأثيرها في تسيير السياسة لا يبقى متغلبًا على تأثير اللغة والتاريخ ) " آراء وأحاديث في الوطنية والقومية ، ص 41 " .
ومنها : قوله : ( أما الوحدة الإسلامية فمستحيلة التحقيق ؛ لأنها تضم قوميات مختلفة ) !! " مجلة الرسالة ؛ س 7 م 2 العدد 315 " .
وقوله : ( إن الرابطة الوطنية والقومية يجب أن تتقدم على الرابطة الدينية ) . " الأعمال الكاملة 2/74 " .
ولذا قال عنه الأستاذ شاكر اليساوي : ( أما علاقة الدين بالقومية فقد كانت في فكر الحصري علمانية ؛ لأن القومية نفسها فكرة علمانية ) . " دعاة الفكر القومي ، ص 17 " . ويؤكد هذا أنه عندما قيل للحصري في إحدى الحفلات المقامة لتكريمه ! : ( مرحبًا بالمناضل الكبير في خدمة العروبة والإسلام ) رد : ( عرب نعم .. إسلام لا .. أنا لاييك ) ! أي علماني أو لاديني . " شخصيات اختلف فيها الرأي ؛ لأنور الجندي ، ص 74 " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكريات علي الطنطاوي ، جـ1 ، ص65 - 66 ، دار المنارة للنشر ، جدة ، طبعة ثانية 1409هـ - 1989م .
(2) أخطاء المنهج الغربي الوافد : أنور الجندي ص206 ، دار الكتاب اللبناني عام 1974م .
(3) الفكر العربي في عصر النهضة : ألبرت حوراني ، ص371 ، دار النهار - بيروت ، ترجمة كريم عزقول .
(4) ينظر : الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام : منير محمد نجيب ، مكتبة المنار بالأردن ، ط : ثانية ، 1403هـ . ص9 - 29
(5) العروبة أولاً : ساطع الحصري، بيروت الطبعة الثانية ، 1955م ، ص106
(6) الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام ، ص23 - 24 ، بتصرف وإيجاز
==============(39/149)
(39/150)
لجواب عن شبهات الداعون إلى علمانية العاصمة القومية
د. عبد الحي يوسف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فإن طرح الشبهات وإيراد المشكلات دأب أهل الضلالة من قديم، يفعلون ذلك صداً عن سبيل الله واستجابة لداعي الهوى في نفوسهم التي جبلت على الإعجاب بالرأي وإيثار العاجلة على الباقية، وفي القرآن الكريم نماذج لبعض تلك الشبهات التي طرحها المشركون الأولون على الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كقولهم: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)، وقولهم: (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون)، وقولهم: (أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر)، وقولهم: (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، وجماع ذلك قول الله في القرآن: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)، قال أهل التفسير: نزلت الآية فيمن اعترضوا على تحريم الميتة بقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما قتله الله حرام وما قتلته بيدك حلال؟ وقوله سبحانه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون)، وهم في هذا كله يدّعون أنهم أهل استقامة وسداد وأنهم يرومون الخير للناس: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
وهاهنا نعرض لبعض هاتيك الشبهات التي يروِّج لها الداعون إلى علمانية العاصمة القومية:
[1] قولهم: إن في العاصمة ناساً يدينون بغير الإسلام وفي الحكم بالشريعة تضييق عليهم:
والجواب : أن وجود غير المسلمين في مجتمع يحكم بالإسلام ليس وليد اليوم، ولا هي مشكلة طارئة تحتاج إلى بحث، بل منذ أن بعث الله نبيهمحمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وقامت للإسلام دولة في المدينة، وغير المسلمين ـ من اليهود وغيرهم ـ موجودون يعيشون بين ظهراني المسلمين ويمارسون شعائر دينهم؟ فما الجديد إذن؟ ومتى كان وجود الأقلية في أي مكان أو زمان يمنع الأغلبية من أن تطبق دينها؟ وهل عهد في تاريخ الإسلام كله إجبار غير المسلم على الدخول في الإسلام؟
يقول جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: "وكان يمكن أن تعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة، ويسيئوا معاملة المغلوبين ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم، ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون ـ الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة ـ أن النظم والديانات ليست مما يفرض قسراً فعاملوا ـ كما رأينا ـ أهل سورية ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم تاركين لهم نظمهم وقوانينهم ومعتقداتهم... فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم".
وغير المسلمين ـ تحت حكم الإسلام ـ في حمايةٍ من كل ظلم داخلي أو اعتداء خارجي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه كنت أنا خصمه يوم القيامة))، بل إن الثابت ـ واقعاُ وتاريخاُ ـ أن المسلمين كانوا هم المتضررين من تطبيق غيرهم ما يحسبونه ديناً، حيث عانوا في القديم من محاكم التفتيش في الأندلس ـ وقد اعترف بذلك مفكرو الغرب ومؤرخوه ـ وفي التاريخ الحديث ما أمر البوسنة وكوسوفا عنا ببعيد؟ ونقول أيضاً: إن الالتزام بالتشريع الإسلامي لا يمس حقوق غير المسلمين؛ لأن الإسلام كفل لهم حرية الاعتقاد وتطبيق تشريعهم في الأحوال الشخصية، ومن المعلوم للكافة أن الإنجيل ليس فيه أحكام تشريعية في المسائل المدنية والتجارية، ولهذا يأخذ النصارى في كل دولة بتشريعها في هذا المجال، فضلاً عن ذلك فالقوانين الدولية قد تواترت على إقليمية التشريع في جميع التشريعات إلا في مسائل الأحوال الشخصية، وبمقتضى ذلك يخضع الشخص لقانون الإقليم الذي يعيش فيه.
ثم ماذا يضير النصارى أن تمنع الخمور ويحظر الفجور ويلغى الربا ويحارب البغاء؟ هل يزعم أحدهم أن ديناً نزل من السماء يبيح شيئاً من ذلك؟ اللهم لا. لكن منطق الإستبداد الأرعن الذي تمارسه أمريكا على سائر الأمم هو الذي يحملها ـ ومن وراءها من الأذناب كحركة التمرد ـ على أن يحاولوا منع المسلمين من تطبيق شرائع دينهم تحت ذرائع شتى، والحال كما قال ربنا: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، لكن العجب العاجب هو أن يرضى بعض من ينتسب إلى الإسلام لنفسه أن يكون مروّجاً لمثل تلك الأباطيل، واضعاً في طريق سيادة الشريعة شتى العراقيل.
[2] قولهم: إن تطبيق الأحكام الشرعية يحرم العاصمة من مجيء السائحين، وترك الأحكام الشرعية يجعلها عاصمة جاذبة:(39/151)
والجواب: أن العقلاء وأهل المروءة متفقون على أن الغاية لا تبرر الوسيلة وأن ما عند الله لا يطلب بمعصيته، وقد قال العرب الأوّلون: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها". ثم من الذي يقول: إن العاصمة لا تكون جاذبة إلا إذا أبيح فيها الحرام؟ لو أنصفوا لقالوا: إن الواجب علينا أن نرعى الأخلاق، ونحفظ حدود الله من أن تضيّع فنحلّ الحلال ونحرّم الحرام؛ حتى يأتي إلينا السائحون الملتزمون وهم آمنون على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، ولو أنصفوا لقالوا: إن الواجب أن تتضافر الجهود لترقية الخدمات وتأمين الماء والكهرباء، وتعبيد الطرق وتوسعة المطارات وتجميل المسارات وإنارة الشوارع حتى تكون الخرطوم عاصمة جاذبة، بدلاً من الدعوة إلى العلمانية المنكرة التي تبيح ما حرم الله فنكون ممن لم يحفظ ديناً ولم يصلح دنيا، (وشر الناس من خسر الدنيا والآخرة)، ونذكّر أنفسنا وهؤلاء بقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ولا يحملنكم طلب الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله))، ومن التاريخ القريب يعلم المنصفون أن الخرطوم كانت يوماً ما ـ بوجهها الشائه وخدماتها المتردية ـ عاصمة الموبقات المهلكات فهل جذب ذلك السائحين إليها؟ أو فتح أبواب الرزق عليها؟ اللهم لا هذا ولا ذاك. لكن..
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
ثم ألا يعتبر هؤلاء بحال أمم سارت في ذات الدرب فلم تحصد إلا المرّ والعلقم، فلا أزماتها الاقتصادية حلّت، ولا وحدتها الوطنية حققت، ولا مشاكلها الأمنية زالت، بل زادت، (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى).
[3] قولهم: إن الاستمساك بهذا الأمر ـــ أي تطبيق الشريعة في العاصمة ـــ يفوّت فرصة تحقيق السلام الذي بات وشيكاً بزعمهم:
والجواب : أن أهل الإسلام مجمعون على أن حفظ الدين مقدّم على حفظ النفوس والأعراض والأموال والعقول؛ وعليه فلو كان السلام في مقابل التنازل عن أحكام الله عز وجل فنقول: لا حيّاه الله ولا سقاه ولا مرحباً به ولا أهلاً، وحسبنا أن نذكّر أنفسنا؛ لتكف عن طاعة المبطلين، بتلك الدماء الزكية التي نزفت على أرض الجنوب والشرق لتكون كلمة الله هي العليا، فهل كان ذلك ليأتي آتٍ بعد زمان قريب ليقول: لابأس بالتنازل عن الشريعة في العاصمة من أجل تحقيق السلام، ولو أن امرءاً رضي لنفسه أن يتنازل عن دينه لينال سلاماً متوهماً؛ فلن يبالي بعد ذلك بالتنازل عن عرضه، ومن تتبع تاريخ المتمردين وزعيمهم في نقض العهود ازداد يقيناً بقول الله في القرآن: (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون)، وبقوله سبحانه: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون)، ومن أعطى الدنية في دينه فرضي بتغييب الشريعة في العاصمة اليوم فسيرضى بتغييبها في غيرها غداً.
[4] قولهم: إن علمانية العاصمة علاج للأوضاع وحماية لها من التعصب الديني:
والجواب : هو أن العلمانية ما كانت في يومٍ من الأيام علاجاً للتعصب الديني أو الطائفي أو العرقي، ومن كان في شك من ذلك فليرجع إلى تاريخ بلاد ارتضت العلمانية مبدأً ومنهجاً من قديم ـ كالهند ولبنان وتركيا ـ هل حالت العلمانية دون قيام مذابح الهندوس ضد المسلمين في الهند؟ أم حالت دون قيام الحرب الأهلية التي استمرت سنين عدداً في لبنان؟ أم حالت دون اضطهاد الأكراد في تركيا؟ والتاريخ شاهد بأن حرب الجنوب قامت قبل أن تطبق الشريعة سواء في ذلك التمرد الأول أو الثاني، بل إننا نقول إن المسلمين هم الخاسرون من تطبيق هذا المبدأ الفاسد حيث عهدنا في أكثر البلاد علمانية ـ كفرنسا مثلاً ـ أن تمنع الفتاة المسلمة من ارتداء حجابها في المدرسة، وفي تركيا تمنع نائبة في البرلمان من الدخول إليه إلا بعد خلع حجابها فأين العلمانية هنا؟ إن علاج التعصب لا يكون إلا بنشر الوعي وبث العلم وتربية الناس على فن الحوار مع الغير واحترام النظام وأدب الكلام، ولا أنفع ولا أطيب ولا أحسن من هدي القرآن في ذلك، (وجادلهم بالتي هي أحسن)، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (لا إكراه في الدين)، (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ولو أنصفوا لقالوا: إن العلاج يكمن في إعطاء كل ذي حق حقه، ورفع الظلم وبسط العدل بتطبيق الشريعة.
[5] قولهم: إن العلمانية هي المبدأ السائد الذي يحكم العالم الإسلامي كله، وما ينبغي أن نكون نشازاً بين الناس:(39/152)
والجواب : أنه قد أجمع علماء المسلمين من قديم على أن الشريعة حاكمة على جميع أفعال المكلفين، وأنها حجة عليهم لا العكس، وقد قال الله عز وجل في القرآن: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)، (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، وقال: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، وقال: (وإن كثيراً من الناس لفاسقون)، (وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم)، وأخبرنا رسول ا صلى الله عليه وسلم أن الإسلام ستنقض عراه عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة، وأخبرنا أن الكتاب والسلطان سيفترقان وأمرنا ألاّ نفارق الكتاب، ثم أي عقل هذا الذي يحكم على المكلّف بأن يدع تعاليم دينه ويهمل شريعة ربه ويكون إمعة لأن الناس أو أكثرهم فعلوا ذلك؟ وقد علم الناس أجمعون أن العلمانية ما حكمت العالم الإسلامي برضى المسلمين ولا مشورتهم، بل فرضت بقوة الحديد والنار عن طريق الانقلابات العسكرية التي قام بها أذناب المستعمر ومن ثم مارسوا التضييق على الدعوة وأهلها، وعمدوا إلى تغييب الدين عن حياة المسلمين، ومنذ أن طبقت ما عرف المسلمون تقدماً ولا رقياً بل إن أعرق البلاد المسلمة علمانية ـ وهي تركيا ـ صار همُّ ساستها اللهاث خلف أوروبا، والتوسل من أجل أن يمنحوا عضوية في الاتحاد الأوروبي، وفشلوا في ذلك رغم قول قائلهم من قديم: "لا بد أن نأخذ بحضارة الأوروبيين حتى النجاسات التي في أمعائهم والأوبئة التي في أكبادهم".
[6] قولهم: إن الدين لله والوطن للجميع، فلا بد أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات:
نقول: بل الدين لله، والوطن لله، والحكم لله، والخلق عباد الله، (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)، وماذا يضير غير المسلمين في أن تحكم الأغلبية بشريعتها وترجع إلى أحكام دينها في الأمر كله؟ ثم ماذا لو حدث العكس وكان المسلمون هم الأقلية هل كان يقبل منهم أن يطلبوا إلى الأكثرية التنازل عن هويتهم ومقدساتهم طلباً لمرضاتهم؟ وهاهم المسلمون يعيشون في البلاد الكافرة ـ في أوروبا وأمريكا ـ ويخضعون لأنظمة وتشريعات تتعارض مع بدهيات دينهم، ولا يجرؤون على المطالبة بتغييرها أو تعديلها، ولو فعلوا لقيل لهم: هذا هو حكم الأغلبية، إنه لا يقبل شرعاً ولا عرفاً بل ولا ديمقراطياً ـ وهم أكثر الناس تشدقاً بالدعوة إليها ـ أن تتخلى الأغلبية عن هويتها ومقدساتها وحضارتها طلباً لمرضاة الأقلية، لا سيما إذا كانت هذه المقدسات لا مساس لها بالحقوق الأساسية المشروعة لهذه الأقليات. ثم لماذا يتخلى القوم عن علمانيتهم القاضية بأن القانون الحاكم يجب أن يكون نابعاً مما ترتضيه الأغلبية؟
[7] قولهم: إننا متدينون نصلي ونصوم ومع ذلك نعتقد أن العلمانية هي العلاج الناجع والدواء الشافي:
نقول: إن العبادات والتشريعات وأحكام المعاملات من عند الله ولا يد فيها للبشر، والإسلام كل لا يتجزأ، فليس مسلماً من قال: أصلي على نظام الإسلام وأتخذ منهجاً سياسياً على نظام ميكافيللي، ونظاماً اقتصادياً ماركسياً، كيف يكون الشخص متديناً وهو يرفض حكم الله وحكم رسوله، وصريح القرآن يقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، ويقول: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)، وهذا الفهم المغلوط للتدين هو الذي حمل بعضهم على أن يحج ويعتمر وينتسب إلى بيوتات دينية، ثم لا يبالي بالجلوس على مائدة يدار فيها الخمر أو يراقص الفتيات؛ لأن التدين في فهمه الكاذب الخاطئ قاصر على جانب الشعائر وحدها ولا علاقة له بمعتقد أو سلوك.
[8] قولهم: إن في تطبيق العلمانية ضماناً لعدم استغلال الدين في أغراض سياسية:
ولغرابة هذه الشبهة فإننا نستعمل معهم الدَّوْر فنقول: علينا ألا نطبق العلمانية لنضمن ألا تستغل في أغراض سياسية، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت. هل يعقل أن يمنع المسلمون من تطبيق أحكام دينهم بدعوى عدم استغلاله، ثم يجبرون على نظام مستورد يخالف دينهم وعقيدتهم بل يخالف رغبتهم واختيارهم؟ ما لكم كيف تحكمون؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ إن لكم فيه لما تخيرون.
إن العلمانية ضد الدين لأنها لا تقبل التعايش معه كما أنزله الله بل تريد إقصاءه عن الحياة وحصره في زاوية ضيقة منها، إنها ضد الدين لأنها تريد أن تأخذ منه ما يوافق هواها وتعرض عما يخالفه، ولأنها تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)، إنها ضد الدين لأنها تتعالم على الله عز وجل وتقول له: نحن أعلم منك بما يصلح للناس والقوانين الوضعية أهدى سبيلاً من حكمك.(39/153)