وربما كانت العراق حلقةً في سلسلة ممتدة ترمي إلى القضاء على جميع ألوان الاستقلال في الإرادة والقرار ، أو العمل والتخطيط ، أو التصنيع وامتلاك القوة في المنطقة الإسلامية كلها ، وزحزحة كل مشروع يشكل خطراً حالياً أو مستقبلياً على الوجود الغربي والتفوق الإسرائيلي في المنطقة .
قد تتمكن الآلة المتفوقة من حسم المعركة في نهاية المطاف ، وإقامة الأنموذج الذي تنشده ليكون قدوةً لجيرانه ، ومنطلقاً لحروب أخرى تشن هنا وهناك ...
ولكن تظل السنة قائمة " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"[البقرة:251]
فصاحب الحق أطول نفساً وأمد صبراً ، وأقدر على التضحية والفداء ، وهو إذا مات يورث الأحفاد الوصية بمحاسبة المعتدي والانتصاف منه .
فإذا رأيت جريمة الجاني وما اجترحت يداه
فانثر على قبري وقبر أبيك شيئاً من دماه !
وما زالت ذكريات المقاومة الباسلة للاستعمار ماثلة في الأذهان ، أو ظاهرة للعيان ، في العراق والشام ومصر وبلاد المغرب وغيرها ، وما الاحتلال الجديد عنه ببعيد .
قل للفرنسيس إذا جئته … …
مقالة من ناصح بر فصيح
دار ابن لقمان على حالها … …
والقيد باق..والطواشي صبيح
"وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ"
=============(28/79)
(28/80)
التهديدات الأمريكية لسوريا
الاسلام اليوم/ القاهرة 18/2/1424
20/04/2003
السقوط الرهيب - والغير مبرر - لبغداد واختفاء الرئيس العراقي صدام حسين والظروف التي أحاطت به فرضت نفسها على الصحافة المصرية هذا الأسبوع لدرجة توارت خلفها مجازر شارون ضد الشعب الفلسطيني، وكانت هناك العديد من الموضوعات والتي تعد أقل أهمية ولكنها أهملت أيضا مثل نشر كتاب عن أبرز المرشحين لخلافة صدام حسين أو الدعاوى القضائية التي طالبت بفرض الحراسة على سفارات أمريكا وانجلترا والدول التي سهلت ضرب واحتلال العراق .
الأربعاء الحزين وسقوط بغداد
ففي عدد مجلة "أخر ساعة" عنٌون الكاتب الصحفي إبراهيم قاعود مقاله "الأربعاء الحزين.. سقوط بغداد" حيث أكد أن السقوط المفاجئ لبغداد أصاب الأصدقاء قبل الأعداء بالصدمة فالعاصمة العراقية كانت قوات الغزو تخشى معركتها الحاسمة والفاصلة فإذا بها تسقط مغشيا عليها وتغرق في صمتها بينما تفر فئران السفينة من أركان النظام قبل غرقها.
وتابع " إنه في يوم الأربعاء الحزين فرك الجميع عيونهم غير مصدقين للمشهد الذي يرونه على شاشات التليفزيون والذي اختار الأمريكيون له ساحة فندق فلسطين الذي روعته القوات الأمريكية قبل يوم واحد باستهدافه بالقصف ليلقى ثلاثة من المراسلين مصرعهم في انتهاك سافر لقوانين حماية المدنيين والصحفيين بحجة ساذجة وهي وجود القناصة بالفندق وهي تماثل الحجة الساذجة الأخرى بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل ولابد من نزعها بالقوة!"
ويختتم القاعود مقاله بالقول أنه "تبقى مواجهة العراقيين لواقع الاحتلال الأمل الوحيد في استعادة العراقيين لروح المقاومة التي قد تفرز نماذج قادرة علي حكم البلاد على أسس سياسية تراعي ذلك التنوع العرقي والطائفي حفاظا على كيان حضاري وتاريخي له مكان في قلب كل عربي ومسلم في كل العصور" .
سقوط بغداد... البداية
وفي مقال فهمي هويدي المنشور بصحيفة الأهرام يؤكد أنه إذا كان الذي جرى في العراق قد شابته مفاجآت وألغاز يستعصي فهمها أو تفسيرها , في الوقت الراهن على الأقل , فإن الذي سيجري لم يعد فيه سر , وإنما أصبح أكثره واضحا وضوح الشمس , بعدما ظهرت على المسرح شخوصه , وأعلنت عناوينه على الملأ , وسربت تفاصل الإعلام بقصد أو بغير قصد .
خاصة وأنه باحتلال بغداد تكون قد سقطت أول عاصمة عربية في القرن الحادي والعشرين , وأن الصحف الإسرائيلية تلح علي أن الحرب لم تحقق هدفها ما لم يتم تأديب سوريا وإيران , وهي بذلك تؤلب أمريكا على باقي الدول العربية .
ويواصل هويدي ذكره للمكاسب الصهيونية من وراء هذه الحرب فيوضح حصة إسرائيل هي الأكثر وضوحا حتى الآن , ويقول " كنت قد ذكرت قبلا بعض التفاصيل عن الدور الإسرائيلي في التعبئة للحرب والتخطيط لها وتنفيذها أيضا , وأشرت إلى الوعود الأمريكية بإعطاء إسرائيل الحق في الحصول على النفط العراقي بسعر رخيص , وقد نشر لاحقا أن ملف مد خط أنابيب البترول من الموصل إلي حيفا بإسرائيل قد وضع على الطاولة , وبمضي الوقت بدأت بقية التفاصيل تتكشف , منها إن الجنرال المتقاعد جاي جار نر الحاكم العسكري الأمريكي الذي نصبته الإدارة الأمريكية ليمسك بزمام الأمور في بغداد , رشحه وزير الدفاع رامسفيلد , وزكاه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون ( الحياة اللندنية 4/12) , وذكرت هاآرتس في 4/9 أنه شارك في نصب شبكات الصواريخ بإسرائيل , وفي تطوير صواريخ الحيتس , وقالت التليجراف البريطانية : إن هذه هي المرحلة الأولى التي يحكم فيها العراق رجل معترف" .
خسائر أمريكا من ضرب العراق
أما في أهرام الجمعة فكتب فاروق جويدة عن أمريكا بين الربح والخسارة حيث يرى أنه مهما يكن حجم المكاسب والأرباح التي ستجنيها الإدارة الأمريكية من عدوانها على العراق إلا أن الخسائر ستكون أفدح بكثير وسوف يدفع الشعب الأمريكي ثمن هذه المأساة سنوات طويلة.
ويضيف " إن ما حدث في الأسابيع الثلاثة الأخيرة كان وصمة في جبين القوة العظمي التي تحاول أن ترث العالم وتدير شئونه بعيدا عن القوانين والشرائع لكي تنصب طغيان القوة سلطاني الألفية الثالثة التي يعيشها العالم" ويذكر جويدة خسائر أمريكا من الحرب بقوله " الشعب العراقي استطاع بإمكانياته العسكرية المحدودة والحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي يعيش فيه منذ 13 عاما أن يواجه القوة العظمي ويتصدى لها ببسالة ثلاثة أسابيع كاملة.وأيا كانت النتائج العسكرية للحرب إلا أن العراقيين حرموا الإدارة الأمريكية من نصر كانت تحلم به وهي تضع أقدامها على رأس العالم ".
ويؤكد الكاتب أنه " لا شك في أن الأنظمة العربية سوف تجد نفسها بين فكي الرحى حيث العلاقات الخاصة مع أمريكا و الكراهية الشديدة من شعوبها لكل ما هو أمريكي وعلى الجميع أن يدفع ثمن حماقته فإذا كان لعاب أمريكا قد سال على نفط العراق فإن مصالح أمريكا الحالية أكبر بكثير مما لدي العراق من النفط".(28/81)
ويختم كلامه بالقول " لعل البيان الأخير الذي نشرته الصحف العالمية ووقعه 65 ألفا من المثقفين والفنانين الأمريكيين أكبر دليل علي الخسارة الأمريكية من غزو العراقق، إن احتلال بغداد لن يكون انتصارا أمريكيا .. ولكنه هزيمة لكل الأنظمة العربية".
أمريكا لا تريد الانسحاب من العراق
وفي حوار لمجلة الاهرام العربي مع أمين هويدي رئيس المخابرات ووزير الحربية المصري الأسبق أكد "في تقديري لا يمكن لأي عسكري ولا حتى وزير الدفاع الأمريكي أن يقرر الصورة النهائية لهذه المعركة العبثية التي فرضتها أمريكا وبريطانيا على هذه الأرض العربية , لأنه من السهل جدا الهدم , بينما البناء في غاية الصعوبة " وفي سؤاله عن إتمام عملية الاحتلال أجاب أن "الولايات المتحدة أعلنتها بكل صراحة لن تنسحب قبل أن يكون الوقت مناسبا , وفي تصريح آخر لن تنسحب قبل عامين , ولا أظن أن أحدا بإمكانه أن يحدد المناسب وغير المناسب سوى أمريكا" وأضاف " لعلك تذكر أن أول ما فعلوه هو تأمين حقول النفط والسيطرة عليها , بزعم أن العراق سوف يشعل فيها النيران وهو كذب فاضح ويلي ذلك التحكم عن قرب في موارد الكويت والإمارات وقطر وعمان والسعودية", وفي لحظة يفجر هويدي مفاجأته عندما يقول " قد يكون الوقت مناسبا مثلا لدفن الجامعة العربية وتشكيل نظام تمثيلي جديد لكل المنطقة يضم جميع الدول ويحقق الأهداف الغربية بالكامل وهو ما ألمح إليه البعض"، وبالسؤال عن التهديدات السورية يوضح هويدي " الحسابات بشأن سوريا تختلف , فالنظام السوري مطلوب منه الركوع للمطالب الأمريكية فيما يخص إسرائيل وإيران والتلويح بمعاقبته لا يعني أنه سوف يتلقى ضربة قريبة فالردع والتهديد هو الذي يحقق الأهداف الأمريكية والتي تعتبر إيران أهمها".
النكبة العربية
أما في صحيفة العربي - لسان الحزب الناصري - فقد صٌدرت في عنوانها الرئيسي بـ" النكبة " في إشارة لما جرى عام 1948 عندما سقطت فلسطين في أيدي الصهاينة كما أفردت الصفحة الأولي لعناوين كان من أبرزها أن المقاومة العراقية ترفض الاستسلام أو الاعتراف بحكومة المارينز الخائنة ، أما في صفحاتها الداخلية فلم تختلف كثيرا حيث ذكرت أنه لن تسقط راية المقاومة حيث انتهى العدوان وبدأ التحرير للجبهات العراقية الوطنية حيث يرى الباحثون والمحللون أن " المقاومة سوف تستمر وأيا ما كان مصير صدام حسين فالوطن أبقى من نظام الحكم، وتحرير العراق من الاحتلال قضية مبدأ ورفض حكومة عملاء الاحتلال لا مساومة فيه حيث أن الاعتراف بحكومة العملاء خيانة قومية.
ماذا نحن فاعلون ؟
أما في صحيفة القاهرة - الصادرة عن وزارة الثقافة - فقد طرحت سؤالا وهو ماذا نحن فاعلون والمندوب السامي الأمريكي على أبواب بغداد؟
في البداية أكد د.نبيل عبد الفتاح - رئيس تحرير تقرير الحالة الدينية بمركز العلوم الاستراتيجية بقوله "لا أعتقد أن لدى الدول العربية خاصة التي شاركت في التحالف الانجلو - أمريكي بشكل معلن أو مستتر أي رغبة في فعل أي شيء، ويستطرد قائلا " الحركة العربية على الساحة العراقية محدودة جدا وستقتصر على الجانب الإنساني، أما لعب دور في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة فهذا خط أحمر لن تسمح أمريكا بعبوره لأحد سوى لتركيا".
أما محمود أمين العالم فيؤكد "إننا كأمة عربية لنا حق قانوني وفق ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك أن نشارك في صياغة مستقبل العراق، كما كان ينبغي أن نشارك في الدفاع عنه وفق هذه المعاهدة "، ويطالب العالم مصر بأن تقود التحرك العربي بشجاعة لإنقاذ المشروعية الإقليمية والدولية ودول العالم الرافضة للعدوان الأمريكي " كما يطالب كل العرب بعدم الاعتراف بأي حكومة عراقية تفرضها أمريكا على الشعب العراقي لأن ذلك سيكون مقدمة لإقامة أمريكية طويلة في العراق تسيطر على مقدراته وتستنزف بتروله وتفرض عليه تطبيعا مع إسرائيل بما يخدم مصلحة الأخيرة.
أما الكاتب الصحفي عبد العال الباقوي فيؤكد "إننا إذا كنا قد خسرنا معركة فالحرب لا زالت مستمرة وهي تحتاج منا كعرب إذا كنا مدركين لمصالحنا وعينا للإخطار المحدقة بنا إلى عمل سريع وعاجل ومخطط مؤثر".
ويطالب الباقوري بقمة عربية عاجلة على غرار قمة الخرطوم 1967والتي وضعت اللاءات الثلاث وقالت "عن تحرير الأرض المحتلة مسئولية عربية مشتركة والآن أليس طرد قوات الاحتلال الأمريكي من العراق مسئولية عربية
============(28/82)
(28/83)
ذهب معاوية وجاء ولد الطايع!
إدريس الكنبوري 19/9/1424
13/11/2003
أعطت الانتخابات الرئاسية التي أجريت في موريتانيا يوم الجمعة الماضي فوزا كاسحًا للرئيس الباقي معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في الدورة الأولى، على خلاف التوقعات التي ذهبت إلى أن مواجهة معاوية لدورة ثانية ستكون حتمية بسبب منافسة مرشحين له من العيار الثقيل، أبرزهم الرئيس الأسبق لموريتانيا محمد خونا ولد هايداله المطاح به عام 1984 في إنقلاب عسكري حمل الرئيس الحالي إلى السلطة.
انتخابات في أجواء مشحونة
يرجع تنظيم أول انتخابات رئاسية تعددية في موريتانيا إلى عام 1992 بعد ثماني سنوات على الانقلاب العسكري قاد خلالها الرئيس ولد الطايع البلاد بقبضة من حديد، غير أن المعارضة شككت في نتائجها، وانعكس ذلك توترًا في علاقة النظام بأحزاب المعارضة طيلة السنوات التالية، وفي 1997 جرى تنظيم انتخابات رئاسية ثانية قاطعها جل أحزاب المعارضة تنديدًا بأعمال التزوير التي شابت الانتخابات السابقة لها، وأبقت على ولد الطايع في السلطة بأغلبية 90% من الأصوات.
وقد جاءت الانتخابات الأخيرة في ظرفية شديدة التوتر داخليًا، طبعتها حالة المواجهة الصامتة أحيانًا والصاخبة أحيانًا أخرى بين النظام والمعارضة على خلفية عدة ملفات شائكة بينها، بالخصوص العلاقة التي سار فيها النظام في الأعوام الماضية مع الكيان الصهيوني، والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، والقضية الاجتماعية، وأوضاع حقوق الإنسان وحرية الصحافة، وهي قضايا خلفت استياءً واسعًا وسط الرأي العام الموريتاني والمعارضة في الداخل. فمنذ عام 1992 اختط النظام لنفسه مسارًا سياسيًا جلب عليه السخط الداخلي، وأوقعه في شبه عزلة إقليمية بسبب المواقف التي اتخذها من التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومحاولته الابتعاد عن حظيرة المغرب العربي وقمع الحريات.
وشهد عام 1999 أوج المواجهات الأمنية بين النظام والمعارضة بعد انكشاف قضية النفايات النووية الإسرائيلية التي تم دفنها في الأراضي الموريتانية مقابل مساعدات مالية للنظام الذي كان يتخبط في مشكلات اقتصادية صعبة، وتوقيع الحكومة في واشنطن على اتفاقية لرفع مستوى علاقاتها مع الدولة العبرية وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها. وكان ذلك بمثابة ترسيم للمسار السياسي الذي نهجه الحكم الموريتاني منذ حرب الخليج الأولى عام 1991، التي حسم خياره فيها بالانحياز إلى الولايات المتحدة الأمريكية طمعًا في الدعم الاقتصادي، وسمحت له أيضًا بالتخلص من الناصريين والبعثيين الموالين للعراق الذين كانوا يشكلون أبرز كتل المعارضة الداخلية ويمثلون تهديدًا لاستقراره السياسي.
ولا شك أن النظام الموريتاني وجد نفسه في أوضاع داخلية وإقليمية حرجة من جراء هذه السياسات. فالتوجه ناحية التطبيع مع الكيان الصهيوني خلق له مأزقًا إقليميًا بعدما اتخذت بعض البلدان المغاربية مواقف شاجبة لتلك الخطوة، واعتبرت ليبيا ذلك ضربة موجهة إلى الاتحاد المغاربي، أما التحالف مع الولايات المتحدة فقد دفع فرنسا الحليف السابق لموريتانيا إلى اختيار المواجهة المفتوحة معها عندما اعتقلت باريس ضابطًا موريتانيًا كبيرًا كان في زيارة لها عام 2000 بتهمة التورط في أعمال ماسة بحقوق الإنسان ضد شخصيات معارضة، كما أن الاتحاد الأوروبي نفسه ندد بأساليب التعذيب ضد السجناء الموريتانيين، ليكون ذلك الثمن الذي دفعته نواكشوط مقابل الابتعاد عن باريس والتقارب من واشنطن.
وبعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية التقت مصالح النظام الموريتاني مع مصالح الإدارة الأمريكية في المنطقة. فقد وجدت نواكشوط أن الخطاب العالمي الجديد المعبأ ضد الإرهاب والحركات الإسلامية قابل للتفجير داخليًا لضرب الإسلاميين الذين أصبحوا شوكة في أقدام السلطة، فشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوفهم قادت إلى تضييق رقعة تحركاتهم وتقليص نشاطهم السياسي، ولم تتوقف تلك الحملات على الناشطين الإسلاميين؛ بل تعدتهم إلى الأئمة والدعاة والقضاة ودور القرآن بهدف تجفيف منابع التدين واستئصال كل خطاب إسلامي في المجتمع، الأمر الذي أدخل البلاد دائرة مظلمة من الاحتقان والتوتر الداخلي، وزاد في سجلها السلبي فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.
الجيش: من الصمت إلى الكلام!
بالرغم من كون النظام الحاكم في موريتانيا ينحدر من الجيش، وجاء إلى الحكم عام 1984 إثر إنقلاب قاده الكولونيل ولد الطايع؛ فإن المؤسسة العسكرية ليست منسجمة، إذ تخترقها عدة تيارات سياسية وعرقية وجهوية تجعلها قابلة للتململ باستمرار، وتعكس درجة التقاطب الاجتماعي والقبلي في المجتمع الموريتاني، فهناك القوميون وبقايا البعثيين والناصريين وفئة الحراطين التي تنحدر من الأفارقة الزنوج في الماضي والمتعاطفون مع التيار الإسلامي الواسع. وقد كان الجيش في موريتانيا دائما يلعب اللعبة رقم واحد في شؤون الدولة، إذ إن جميع الانقلابات التي شهدتها البلاد منذ تأسيسها في بداية الستينات من القرن الماضي كان يقف وراءها قادة عسكريون.(28/84)
وبالنظر إلى ما تعرضت له أحزاب المعارضة من حملات قمع خلال السنوات الفارطة، أدى إلى تشتيت صفوفها، وكذا إلى فشل هذه الأحزاب في تشكيل جبهة موحدة بإمكانها إحداث التغيير المطلوب وموازنة قوة النظام؛ فإن الجيش ظل هو القوة الوحيدة القادرة ـ بحسب المراقبين الموريتانيين ـ على التحرك الفعلي وتحقيق اختراق لجبهة الحكم. هكذا شهدت موريتانيا في الثامن من شهر يوليو الماضي، حيث شهدت موريتانيا أولى محاولة انقلابية عسكرية منذ 1984، وقف وراءها "محمد فال" مدير عام الأمن الوطني الموالي للرئيس ولد الطايع، لكن الانقلاب تم إخماده بعد ساعات من بدء المواجهة المسلحة بين الانقلابيين والموالين للسلطة.
وقد أحيط بهذه المحاولة الكثير من الغموض والترجيحات، إذ زعم البعض أنها كانت مدبرة من النظام نفسه من أجل تبرير المزيد من الضغط وإعطاء المشروعية لسياساته الأمنية بعد أن أصبحت تلك السياسات تهدد استقراره، مستدلين على ذلك بسرعة القضاء على الانقلابيين مع أن النظام يوجد في وضع داخلي هش بسبب انفراط الإجماع الداخلي حول مواقفه العزولة، ورجحت أنباء وجود تدخل من الدولة العبرية وواشنطن لإخماد الإنقلاب وأن تيارًا مناوئًا لولد الطايع في الجيش كان وراءه، فيما ظلت غير معروفة الدوافع التي جعلت بعض الوحدات العسكرية التابعة للنظام دون أي ردة فعل، وهل كانت تنتظر المنتصر في النهاية لتقرر، وما إذا كان موقفها نابعًا من رغبتها في نجاح الانقلاب. لكن مهما كانت التقديرات؛ فإن تلك المحاولة فتحت أعين النظام الموريتاني على خطورة التهديدات الداخلية لاستقراره ودفعته إلى رص صفه في مواجهة التيارات المعارضة والقيام بعدة إصلاحات وتغييرات في هرم المؤسسة العسكرية، وبعد ذلك شرع النظام في شن حملة أمنية كثيفة ضد الإسلاميين، وبالتالي ترتيب بيته الداخلي في أفق الانتخابات الرئاسية، وهو ما جعل أحزاب المعارضة على قناعة بأن تلك الانتخابات ستكون حافلة بالمفاجآت.
مفاجآت الانتخابات
اتسمت الحملة الانتخابية الموريتانية بأجواء ساخنة منذ أيامها الأولى، حيث تبادلت أحزاب المعارضة والحزب الحاكم برئاسة ولد الطايع الاتهامات. فالمعارضة أكدت أن النظام عازم على تزوير الانتخابات من خلال أدلة متعددة ساقتها للتدليل على نية التزوير، منها مثلاً تعطيل تسليم بطاقات الانتخابات للناخبين المحسوبين على المرشحين المنافسين، وإقامة تجمعات انتخابية بتمويل من الحكومة لحشد التأييد لولد الطايع، واعتقال بعض أعضاء الأحزاب المعارضة، ثم تأخير فتح مكاتب التصويت يوم الاقتراع لمدة ساعتين في بعض الأقاليم بحسب ما تناقلته المعارضة، وتميزت الساعات الأخيرة قبل اقتراع السابع من نوفمبر باعتقال المرشح ولد هايداله مرشح الإسلاميين والقوميين وابنه وبعض مقربيه بعد اتهامهم بخزن أسلحة في بيوتهم والتبييت لخطة انقلابية، وصرح ولد هايداله قائلا إن: "هناك أعمال تخويف متنوعة، وأخشى ألا تكون الانتخابات تجري في أجواء من الشفافية"، بينما قال مسعود ولد بلخير أول مرشح عن فئة "الحراطين" التي دخلت الانتخابات إن هذه الأخيرة "غير مضمونة النتائج إطلاقًا، وتنطوي على مخاطر جمة"، أما أحمد ولد دادة مرشح تجمع القوى الديمقراطية؛ فقد أشار إلى أن هناك "عمليات تزوير انتخابي مكثف في مجمل أنحاء البلاد". وأكد هؤلاء المرشحون الثلاثة أن النظام الحاكم أوعز إلى بعض المرشحين دخول المنافسة كديكور تعددي وللمراهنة عليهم في حال كانت هناك دورة ثانية، مستدلين على ذلك بأن الترحيب بنتائج الانتخابات التي منحت الفوز لولد الطايع لم يصدر إلا عن هذا الأخير ووعيشة بنت جدانة المرأة الوحيدة التي شاركت في الانتخابات.
وبهذه الانتخابات تكون موريتانيا، الدولة المغاربية الأصغر حجمًا وتأثيرًا أيضًا، قد طوت صفحة أخرى من سجل النقاش السياسي الداخلي الحاد لفترة خمس سنوات أخرى قادمة، وفتحت نقاشًا آخر عن مدى التحديات الملقاة على عاتق الرئيس الباقي في الحكم، والتي تبرز على رأسها قضية الفقر الذي يمس نحو 49% من فئات الشعب الموريتاني، وقضية حقوق الإنسان والعلاقة بين المجتمع والدولة، والاختيارات الإقليمية والدولية الكبرى، وتحدي البناء المغاربي والمشروع المتوسطي، وحسم القضايا الخلافية التي ظلت عالقة على مدى الأعوام الماضية من مثل التوجه الفرنكوفوني للدولة ومسألة التعريب، وهي قضايا ستظل بلا أدنى شك موضوع سجال وجدل داخلي مستمر سيحكم مستقبل البلاد، ويبقي على التقاطب القوي بين الحكم وقوى المعارضة الرئيسة.
============(28/85)
(28/86)
قواعد إدارة الاجتماعات
25/2/1424
27/04/2003
السلسلة :سلسلة الدليل الإداري
الكتاب : قواعد إدارة الاجتماعات
المؤلف : Keet.konan
عدد الصفحات :63 صفحة
الناشر : الدار العربية للعلوم
فكرة الكتاب
تعد إدارة الاجتماعات بفعالية وبشكل مثمر أحد مهام الإدارة الناجحة، وهذا الكتاب يرشدك إلى: كيف تدير اجتماعاتك بشكل مثمر؟
الفصل الأول
لماذا لا تنجح الاجتماعات
تعتبر الاجتماعات وسيلة لتحقيق غاية ( هدف)، وعند انعدام هذه الأهداف أو رداءة الوسيلة تقل فائدة هذه الاجتماعات؛ إن وجدت. قد يشعر بعض الأفراد لسبب أو لآخر أنه لا حاجة لانعقاد اجتماع. لذا من الأهمية بمكان أن تدرك بل وتحدد المشكلة، وتعمل جاهداً لحلها لكي تكون اجتماعاتك فاعلة.
الإدارة الضعيفة للاجتماع
لا بد أن تخضع الاجتماعات للتوجيه بواسطة شخص واحد مؤهل ولديه قدرة في التأثير على الآخرين، وفي حالة انعدام هذا الشخص تفقد الاجتماعات أهدافها، وتتحول إلى شجار دون نتيجة، ولكي يكون الشخص قادراً على إدارة الاجتماع عليه بما يلي:
01 الالتزام بجدول أعمال الاجتماع وتوجيه المشاركين إليه.
02 تشجيع المشاركين على طرح وجهة نظهرهم وآرائهم.
03 ضبط وقت النقاش حتى يطغى على الوقت اللازم.
04 إنهاء الاجتماع بخلاصة، وتوزيع المهام على الأشخاص.
05تدوين وقائع الاجتماع وما تم تقريره؛ حتى ينتفي اللبس.
النقص في تنظيم الاجتماع
يعتمد نجاح أي اجتماع على وجود التنظيم والعكس صحيح، وبسبب عدم تنظيم الاجتماع سيحدث ما يلي:
01 لن يتمكن المشاركون من تحضير أنفسهم بالشكل المطلوب.
02 عدم وجود جدول زمني؛ بمعنى انتهاء الاجتماع بتعب المشاركين.
03 يتم ترديد الموضوع ذاته عدة مرات.
04 تشكيك المشاركين من هدف الاجتماع ودورهم فيه.
عدم تقدير الاجتماع بجديه
يلعب المشاركون في الاجتماع دوراً كبيراً في تحديد أهمية الاجتماع، ومن مظاهر عدم الجدية في الاجتماع.
01 إرسال شخص بديل لحضور الاجتماع.
02 عدم المشاركة في الاجتماع؛ لأنه مضيعة للوقت.
03 عدم التحضير لجدول الأعمال.
04 التكلم والانشغال بالهاتف النقال خلال الاجتماع.
05 عدم إحضار وتوفر المعلومات المطلوبة في الاجتماع.
06 عدم حضور الأشخاص المعنيين بالاجتماع.
الظروف الصعبة
قد تسهم بعض الظروف الصعبة في جعل الاجتماعات أقل نفعاً وفائدة مما يجب، مثل عدم توفر وسائل الراحة والتركيز، والمناقشات الطويلة دون فترة راحة، ووصول بعض المشاركين متأخرين، والذين يثرثرون مع بعضهم خلال الاجتماع .
الحاجة للاجتماع
من المفيد دائماً أن يسبق عقد الاجتماع التساؤل عن الهدف من هذا الاجتماع وما مدى الحاجة له؟
الفصل الثاني
فهم ما يحصل في الاجتماعات
تتباين الاجتماعات من حيث سرعتها وحدتها وظروفها وأهدافها ونوعية المشاركين فيها، ولكي تكون الاجتماعات أكثر فعالية يجب أن تمر بأربع مراحل هي:
01 تشكيل الاجتماع: يتعرف المشاركون على مواقف بعضهم لبعض.
02 المرحلة العاصفة: يختبر المشاركون بعضهم من خلال المناقشات والتحديات.
03 مرحلة التطبيع: الوصول إلى التسويات، ووضع التحالفات لتتجه الأمور إلى الأمام.
04 مرحلة النتائج: الانتهاء إلى نتائج فعالة، ومؤثرة ومرضية للمشاركين.
ديناميكية المجموعة
ضع القرار الجماعي أفضل من القرارات الفردية وسبب هذا هو الفريدة الاجتماعية للمجموعة.
الفصل الثالث
تنظيم الاجتماع
تقاس نجاحات الاجتماعات بدرجة تنظيمها والتي تعتمد على :
نوع الاجتماع
قد تكون هذه الاجتماعات رسمية أو غير رسمية:
01 الاجتماعات الرسمية:
تكون هذه الاجتماعات مصاغة قانونيا،ً وتشتمل على جدول عمل وتقارير وتوصيات وتصويت أعمال أخرى.
02الاجتماعات غير الرسمية:
تعتبر أقل ضوابط وقيودًا، ولا يعني هذا أنها أقل تنظيماً من الاجتماعات الرسمية، وتشتمل على قائمة بمواضيع المناقشة، ويتم تعيين مسؤول للاجتماع وتدوين قرارات الاجتماع، وتعتبر الاجتماعات غير الرسمية أكثر استرخاء من حيث طريقة إدارتها وسلوك المشاركين فيها.
مواضيع النقاش
يجب أن يكون لكل اجتماع جدول أعمال محدد، يعمل كدليل يبقي المشاركين على مسار معين؛ ليقلل من إهدار الوقت، ويتضمن جدول الأعمال هدف الاجتماع، وأسماء المشاركين، ومواضيع النقاش، وتاريخ الاجتماع التالي ... إلخ. وجدول الأعمال المقيد هو الذي يعطي إشارة للمشاركين بضرورة الوصول إلى القرار الذي يجب أن يتخذ؛ مع ضرورة إرسال نسخة من جدول الأعمال للمشاركين مسبقاً.
المشاركون في الاجتماع
كلما قل عدد المشاركين في الاجتماع كان ذلك أفضل؛ لأنه كلما زاد عدد المشاركين زادت الحاجة إلى مزيد من السيطرة والتحكم، ولا بد من أن يكون لكل مشارك في الاجتماع سبب لوجوده في الاجتماع؛ حتى يمكن لنا تقليص عدد المشاركين .
مكان عقد الاجتماع
يتطلب أي اجتماع - خصوصاً إذا كان كبيراً- لعوامل مهمة تتوفر في مكان الاجتماع، مثل: الحرارة المناسبة، والإنارة والتهوية، وتوفر الماء والشاي، والهدوء، وكذلك من أهم العوامل في مكان الاجتماع:
01 أن يكون كل مشارك قادراً على مشاهدة المشاركين الآخرين.(28/87)
02 أن يكون موقع مدير الاجتماع ظاهراً للمشاركين، يمكنهم من رؤيته.
03 التأكد من نوعية المشاركين وجلوسهم في المكان المناسب لهم، ويكون ذلك بكتابة أسمائهم على المقاعد؛ لتجنب المشاكسة أو المجادلة أو أي تصرف سيئ، ويتم ذلك بوضع خطة مسبقة لجلوس المشاركين.
تقسيم المدة الزمنية للاجتماع
من أهم عوامل النجاح في الاجتماعات هو إدارة وتقسيم الوقت حسب الجدول الزمني لأعمال الاجتماع، وأن لا يطغى ويستأثر بندٌ من بنود الاجتماع بوقت أكثر من الوقت المخصص له.
الفصل الرابع
ضبط الاجتماع
عندما يسند إليك إدارة اجتماع ما، فعليك أن تسلك عدة إجراءات أساسية، لا بد من تطبيقها؛ حتى تمُسك بزمام الاجتماع وتُديره بفاعلية أكبر.
افتتاح الاجتماع
هناك أمور أولية لا بد من اتباعها وهي :
01 إلقاء التحية:
الاجتماعات التي تبدأ بالترحيب بالمشاركين تعد أكثر متانة، يليها تعارف بين المشاركين ومراكزهم، خصوصاً عند وجود غرباء، هذه الأمور تهيئ النفوس للاجتماع .
02 مراجعة وقائع الجلسات السابقة:
إذا كان الاجتماع لاحقاً باجتماعات سابقة فإنه يذكر ما تم الاتفاق عليه، أو ما لم يتفق عليه خلال الجلسات السابقة، خصوصاً في الاجتماعات الرسمية.
الالتزام بالمدة الزمنية المحددة
يعد هذه الأمر أهم عناصر الاجتماع، فعلى مدير الاجتماع أن يبدأ وينتهي في الوقت المحدد للاجتماع، وللمساعدة في ضبط وقت الاجتماع يتبع ما يلي:
01 ابدأ في الوقت المحدد ولو لم يكتمل حضور المشاركين.
02 أبلغ المشاركين بقيمة وقت الاجتماع واستغلاله بدقة.
03 وضع ساعة إنذار تطلق إنذارها قبل نهاية الاجتماع بعشر دقائق؛ حتى تتمكن من تلخيص نقاط الاجتماع.
04 وضع فترة استراحة زمنية -خصوصاً في الاجتماعات الطويلة- لاستعادة الحيوية والنفس.
05 وضع مواعيد وتخصيص وقت لطرح آراء وأفكار المشاركين.
06 انتهاء الاجتماع عند الوقت المحدد أو قبله، واحذر أن تنهيه بعد وقته المحدد .
تركيز الانتباه في الاجتماع
على مدير الاجتماع أن يوجه ويركز انتباه المشاركين على موضوع الاجتماع الرئيسي ويكون لـ:
01 إعلان موضوع الاجتماع بوضوح.
02 تذكير المشاركين بهدف الاجتماع.
03 التعريف بالموضوع وجدول الأعمال المحدد له.
توجيه النقاش
مدير الاجتماع بمثابة قبطان السفينة، فعليه عبء توجيه دفة النقاش، ومنعه من الانحراف عن مساره الطبيعي وهدفه الأساسي، ويحصل ذلك بما يلي:
01 الالتزام بجدول الأعمال عند النقاش: وذلك بتذكير المشاركين -بوضوح- البند المشار إلى نقاشه.
02 توجيه الاجتماع إلى الأهداف الأصلية، وذلك عند خروج الاجتماع عن تحقيق أهدافه الأساسية فيتم تنبيه المشاركين إلى هدف الاجتماع الأصلي.
03 إدارك أي علامة تبعد عن سير الاجتماع: وهنا يجب مراقبة المشاركين؛ فربما يشرد أحدهم. أو يفكر خارج الاجتماع.
04 استغلال خبرات الآخرين: هناك عدد من المشاركين لهم خبراتهم الواسعة في أمر من الأمور، والذين هم محل احترام الآخرين؛ لذا يجب أن يستفاد منهم في صنع قرارات الاجتماع.
05 وضع الاقتراحات: وذلك بتشجيع المشاركين على إبداء اقتراحاتهم وأفكارهم ووضعها -عند مناسبتها- محل النقاش.
06 دعم آراء المشاركين في الاجتماع: وذلك بتبني أفكار المشاركين والثناء عليها، مما يزيد النقاش منفعة وفاعلية.
التعامل مع السلوك الاضطرابي
قد تحدث بعض الاضطرابات في بعض الاجتماعات: كالصدمات أو تيار الكلام والمشاجرات بين المشاركين، وهنا يتوجب على مدير الاجتماع أن يتولى زمام المسؤولية والقيادة في ضبط الموقف، وتوجيه المشاركين إلى تجاوز التهجمات الشخصية، وأنها أمر غير مقبول، ويسعى قدماً إلى تحريك الأمور إلى الأمام ويذكَّر المشاركين دائماً بأهداف الاجتماع، أو طلب استراحة، أو أي تصرف يخفف من حدة التوتر في الاجتماع؛ ليتمكن من -كونه مديرًا- أن يستعيد السيطرة على الاجتماع .
مواجهة الانحراف عن الهدف
قد يعمد بعض المشاركين إلى الاستطراد أو الدوران حول نقطة معينة، وهذا وإن كان أقل من الوضع الاضطرابي ولكنه يتطلب جهداً أكثر، وهنا على مدير الاجتماع أن يتبع الديبلوماسية في إقناع هذا النوع من المشاركين، والعودة إلى جادة الاجتماع.
ومن أبرز أساليب هذا النوع من المشاركين:
01 المبالغة في إبراز الصعوبات، والمشاكل والأخطاء والسلبيات.
02 الاعتراضات الدائمة، والتدخل في كل نقطة تثار في الاجتماع.
03 الانحراف عن موضوع النقاش، وتحويله إلى مواضيع لا تمت بصلة لموضوع الاجتماع.
وهنا يأتي دور مدير الاجتماع لمعالجة ما سبق بالحكمة، والقيادية والتوجيه الحسن.
بلورة الاتفاق
على مدير الاجتماع أن يعمد إلى تحويل الأمور إلى الأمام وبلورة النقاش حتى يحصل على إجماع من قبل المشاركين ويكون ذلك بـ:
01 وضع نقاط الاتفاق، ووضع نقاط الاختلاف، وهنا يتم تحديد مواضع اتفاق المشاركين، واختلافهم.
02 توجيه الأسئلة من قبل المدير إلى المشاركين: على مدير الاجتماع توجيه الأسئلة للمشاركين؛ حتى يضمن التأكيد على معلومة، أو إزالة اللبس وزيادة التوضيح.(28/88)
03 الإعلان عن نتائج متوسطة غير نهائية: عند الانتهاء من كل بند، ويُتفق مبدئياً على نتيجة ما يقرر مدير الاجتماع هذه النتيجة، مما يشعر المشاركين بنتائج الاجتماع المثمرة .
04 التأكد من وجود قبول عام للنتائج: على مدير الاجتماع أن يجس نبض المشاركين، ومدى قبولهم للنتائج المقررة، ومن ثم الانتقال للمرحلة التالية:
تلخيص الاجتماع لاتخاذ الإجراءات التنفيذية
في نهاية الاجتماع من الأهمية بمكان التأكد على التزام المشاركين بالنتائج، وإجراءاتها التنفيذية، ويمكن ذلك بفعل:
01 تلخيص النتائج وإعلانها بوضوح، حتى لا يُترك شك أو لبس أو سوء فهم للمشاركين مما يفتح باباً للمطالبة والادعاء.
02 تحديد المهام والحدود الزمنية لتنفيذها، وهذا يجعل كل مشارك في الاجتماع يعرف ما له وما عليه من واجبات ومهام، والجدول الزمني لها: وتفيد هذه الخلاصة في أن يضمن مدير الاجتماع أن نتائج الاجتماع تنفذ بشكل أكيد وفعّال.
الفصل الخامس
توثيق الاجتماع
توثيق الاجتماع يعطيك مؤشراً على ما تم الموافقة عليه من قبل المشاركين وتوزيع المهام عليهم.
تدوين وقائع الاجتماع
يكلف بتدوين وقائع الاجتماع شخص مكلف ( أمين السر أو السكرتير أو غيره) وليس من اللائق أن يقوم بها مدير الاجتماع.
01 تدوين وقائع الاجتماع خلال الاجتماع:
يتطلب ذلك تدوين النقاط الأساسية المتعلقة بجدول الأعمال وما تمت الموافقة عليه ومَن سوف يقوم بها، ومراقبة الجدول الزمني لبنود جدول الأعمال، وعلى ذلك فيجب أن يدرك مدوّن الاجتماع أن دوره هو الاستماع بعناية فائقة، وتدوين كل وقائع الاجتماع بدقة.
02 التدوين بعد الاجتماع (تقرير الاجتماع)
فور انتهاء الاجتماع يجب تدوي نتائج الاجتماع مطبوعة بأسرع ما يمكن وتوزيعها على المشاركين، على أن يصف هذا التدوين القرارات التي تم اتخاذها واتُفِق عليها، والتنفيذ الإجرائي لها بما لا يدع مجالاً للبس أو المغالطة.
تقييم الاجتماع
معظم المشاركين في الاجتماعات يرغبون في الانتهاء منها بسرعة، ولكن على مدير الاجتماع أن يضمن أنه أنجز نتائج الاجتماع، والطريقة السهلة لذلك تعبئة استمارة استبيان توزع على المشاركين لتقييم الاجتماع، وعلى هذا الأساس يتمكن مدير الاجتماع من قياس جودة إدارته للاجتماع.
الفصل السادس
موقف المدير من الاجتماع
يتجلى موقف مدير الاجتماع ليس فقط في كونه مديراً ومسؤولاً عن الاجتماع؛ بل يتعدى إلى اتخاذه مواقف إيجابية تدفع نحو تحقيق الأفضل.
تولي مسؤولية إدارة الاجتماع ( قيادة الاجتماع)
عليك كمدير اجتماع أن تكون مستعداً ومتسلحاً لجعل الاجتماع فعالاً، ولفعل ذلك عليك بما يلي:
01 فرض إرادتك على الآخرين من خلال الأنظمة والقوانين، فلا بد أن تكون حازماً .
02 اقنع نفسك بأنك على قدر تولي المسؤولية واستمتع بذلك .
توقع الأفضل من الاجتماع
توقع أنه دائماً يمكنك تحقيق النتائج الإيجابية من الاجتماعات، وحتى تحصل على ذلك لا بد من :
01 اعتبار الاجتماع مهماً.
02 اعتبار حضور المشاركين فيه ضرورياً.
03 التأكد من استثمار الوقت.
04 النية الحسنة بنتائج الاجتماع الإيجابية.
05 أعط مؤشرات تدل على تفاؤلات من الاجتماع ونتائجه.
تولي إجراءات الاجتماع
إن التعاون المشترك بين المشاركين في الاجتماع هو الذي يحدد نجاح ذلك الاجتماع ولتنفيذ إجراءاته فعلى مدير الاجتماع أن يعمد إلى:
01 قراءة وقائع جلسة الاجتماع، والتأكد على ما هو المطلوب من كل مشارك.
02 وضع الآلية المناسبة للتنفيذ حسب جدول زمني محدد.
03 كونك مدير الاجتماع يجعلك محل قدوة للجميع، فقم بالتزاماتك، وسيقوم الآخرون بالتزاماتهم، وعندها ينجح الاجتماع تماماً.
فوائد الاجتماعات الفعالة
01 اطلاع الأشخاص بشكل مستمر على ما يستجد من معلومات جديدة.
02 قدرة الأشخاص على التعبير عن آرائهم وأفكارهم، ومن ثم تقييمها .
03 الوصول إلى اتفاق وتقليص هوة الخلاف.
04 ضع القرارات الملائمة للجميع.
05 إقبال الأشخاص على القرارات الصادرة من الاجتماع، وحرصهم على تطبيقها.
06 تنفيذ الإجراءات بدون معارضات.
07 كسب التزام الأشخاص بطريقة غير مباشرة.
08 تحفيز الأشخاص على بذل المزيد من العطاء والأداء الجيد
=============(28/89)
(28/90)
(خارطة الطريق) ..أمن لإسرائيل
ياسر أبو هين 4/3/1424
05/05/2003
أكد الأستاذ عدنان عصفور- عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس " في الضفة الغربية - أن الإدارة الأمريكية والدولة العبرية ستستغلان حالة الانهيار والهزيمة التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية بعد سقوط العراق؛ لفرض حلول استسلامية ومجحفة بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .
وقال (عصفور) في حوار خاص مع "الإسلام اليوم" حول آثار الحرب العراقية علي القضية الفلسطينية :إن أكبر خسارة تلقتها القضية الفلسطينية هي إخراج العراق بقوته وموارده من دائرة الصراع، ومن ثم زوال أحد المهددات الرئيسية للكيان الصهيوني، وفيما يلي نص الحوار :
سؤال: برأيكم ما هي أهم المكاسب التي حققتها الحكومة الصهيونية أثناء حرب العراق؛ خصوصاً مع انشغال العالم عن متابعة القضية الفلسطينية ؟
انا أعتقد أن أولى هذه المكاسب والتي تم تحقيقها في غفلة من العالم العربي والإسلامي هي إزالة التهديد القوي والمباشر الذي كان متمثلاً في العراق كقوة ومقدرات، أما ثاني هذه المكاسب فهو الصوت الرادع الذي دفعت به دولة الكيان الصهيوني نحو سوريا من خلال أمريكا؛ لتحقيق أمرين هما: وقف التهديد اللبناني المتمثل في حزب الله، وإزالة المنظمات الفلسطينية في سوريا المتمثلة بمكاتب الحركات والفصائل الفلسطينية المعارضة .
(خارطة الطريق) .. حل صهيوني
سؤال: ألا تعتقد أن حالة الضعف العربي الناجمة عن الهزيمة في العراق ستجعل الإدارة الأمريكية والدولة العبرية تسعيان إلى ترجمتها في فلسطين عبر فرض تسوية مجحفة بالفلسطينيين ؟
لا شك أن الضغط الأمريكي والصهيوني سيبدأ في طريق تحقيقه وتنفيذه مستغلاً الحالة العربية المأساوية التي تمثلت بالانهيار السريع للنظام العراقي، وكذلك الرقابة الذاتية التي أصبحت تسيطر علي الأنظمة العربية الرسمية والتي تتخذ موقف الابتعاد عن كل ما يزعج الدولة العبرية وأمريكا ، وتحقيق كل ما يريدون وما يرغبون ،هذه الحقيقة -التي فهمتها أمريكيا وإسرائيل- تم استغلالها بفرض (خارطة الطريق)، والتي هي عبارة عن تسوية ظالمة ومجحفة للقضية الفلسطينية .
والملاحظ أنه لأول مرة تسعي الحكومة الصهيونية بإلحاح أن يسرع أبو مازن بتشكيل الحكومة الفلسطينية، حتى تقوم أمريكا بطرح (خارطة الطريق)، وبدأنا نسمع أصواتاً من الجانب الصهيوني تنادي بضرورة وسرعة التعامل مع أبي مازن، حيث أعلن رئيس الوزراء الإرهابي شارون أنه سيكون سعيداً بلقاء أبي مازن بعد تشكيله الحكومة، وهذا الأمر إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن (خارطة الطريق) هي حل صهيوني أمريكي خالص تماماً لصالح الاستراتيجية الأمريكية والحلم الصهيوني، والذي يهدف أساساً إلى افتعال وإيقاد الفتنة والحرب الأهلية في الشارع الفلسطيني علي خلفية أن هناك مشروعين في الشارع الفلسطيني لا بد أن يتصادما -ويقصد مشروع المقاومة ومشروع المفاوضات".
سؤال: مع ما نلمسه في الواقع من نقض للمواثيق والمعاهدات التي تبرم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ؛هل يمكننا التوقع من الآن بفشل (خارطة الطريق) علي غرار الاتفاقيات السابقة، خصوصا مع تزايد ثقة إسرائيل بقوتها بعد سيطرة أمريكا علي العراق ؟
هذا أمر بديهي في خلفية الوعي الإسرائيلي في تحلله من العهود والوعود التي يبرمها مع أي طرف، لكن الملاحظ أن هناك نية لدي الكيان الصهيوني في تنفيذ (خارطة الطريق) والسبب أن هذه الخارطة مصلحة محضة للمشروع الصهيوني الاستراتيجي، إذ إنها مبنية علي برنامج أمني. فالمطلوب من الفلسطينيين أن يوفروا الأمن لمن أحتل أرضهم، كما أن (خارطة الطريق) تقوم علي الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ولا يمكن القيام بذلك إلا بناء على استيفاء كامل للشروط المفروضة علي السلطة الفلسطينية، كما أن بداية هذه الخطة تقول أن هناك استحقاقات علي السلطة الفلسطينية، وتم تنفيذها بشكل متسارع ،فتشكيل الحكومة الفلسطينية هو جزء من الخطة ،ولا بد من أن تعلن الحكومة الفلسطينية عن محاربتها للمقاومة، وتصديها لعسكرة الانتفاضة ، وهذا ما بدأنا نلمسه في تصريحات وزراء ومسؤولين في السلطة بضرورة وقف المقاومة وعسكرة الانتفاضة ،فضلا عن أن المسائل التي هي بمثابة الخطوط الحمراء لكل طرف مؤجلة مثل: القدس، واللاجئين، والحدود، والمستوطنات ،والدولة بحد ذاتها دولة مؤقتة ،والأمر كله أصبح لصالح الكيان الغاصب .
إذاً فالخارطة كلها في صالح الكيان، وبالتالي ليس هناك أي مبرر لأن تقف الدولة العبرية موقف الرافض لها ،والعدو لابد أن يحاول أن يُظهر أن هناك خشية علي أمنه ومستقبله ،لكنهم في الحقيقة يدركون أنه لابد من التخلص من المشكلة التي يمثلها الفلسطينيون برؤية أمنية تصفوية، تفرض فرضاً حسب الواقع الذي نعيشه .
الحكومة العراقية وحكومة أبي مازن .. علاقة مشتركة
سؤال: هل يمكننا خلق رابط مشترك بين حكومة السلطة الفلسطينية والتي أصرت إسرائيل علي تشكيلها، وحكومة العراق التي ستشكل من قبل الإدارة الأمريكية في إقامة علاقات تطبيع مشترك بين البلدين؟(28/91)
لاشك أن أول استحقاقات الحكومة العراقية المرتقبة- والتي ستكون مفصلة حسب المقاس الأمريكي- هو الاعتراف بالكيان الغاصب، تماماً مثلما كان الاستحقاق الأول لمجيء منظمة التحرير الفلسطينية وإيجاد كيان لها كسلطة؛ الاعتراف بالكيان الصهيوني. والكل يعلم أن إسرائيل رغم القوة التي تمتلكها ما زالت منقوصة السيادة، حيث إن الدول الإقليمية المجاورة لها مازالت لا تعترف بها، ولا تقر بشرعيتها، فضلاً عن أن الشعب الفلسطيني ذاته - صاحب القضية الأساسي- لا يقر بشرعية هذه الدولة المغتصبة .
سؤال: مصادر في الخارجية الصهيونية أكدت أن الحاكم الأمريكي في العراق سيتخذ قراراً بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وإقامة تمثيل دبلوماسي بين (تل أبيب) و(بغداد)، برأيكم ما تأثير ذلك علي القضية الفلسطينية ؟
أنا أعتقد أنه لن يكون لذلك تأثير كبير، لأنه توجد قبل ذلك تجربتان سابقتان وهما: مصر، والأردن، حيث يوجد للعدو الصهيوني تمثيل دبلوماسي رسمي فيهما فضلاً عن أن هناك ثماني دول عربية يوجد بها ملاحق تجارية صهيونية، فهل أثّر هذا كثيرا علي القضية الفلسطينية؟ بمعني؛ هل أثر علي المقاومة الفلسطينية، والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني؟ أنا أعتقد أنه لم يؤثر؛ لأن هناك مقاطعة شعبية لهذا الكيان ورموزه، المتمثلة في السياسة والتجارة والاقتصاد ،وما الشعب العراقي بغريب عن ذلك، وسيكون هذا هو حاله كما الشعب المصري أو الفلسطيني أو الأردني ،ولا نتوقع تأثيراً كبيراً لهذا الأمر، وإن كان له تأثير معنوي ؛ وهو أن إسرائيل استطاعت فعلاً أن تخترق الأمة العربية كاملة، وأصبح العلم الصهيوني المكروه يرفرف في عواصم وبلدان عربية كثيرة، وأنا أعتقد أن شعبنا لن يتأثر كثيراً بانهيار النظام في العراق ، فالشعب الفلسطيني اعتاد أن يري من الأمة العربية النكسات والهزائم، وهو مصمم الآن على أن يرد حقه بيديه .
============(28/92)
(28/93)
اعتقالات الإسلاميين في موريتانيا( الخلفية والأسباب)
عبد الله بن إسحاق 20/3/1424
21/05/2003
قامت السلطات الموريتانية -في الآونة الأخيرة- بحملة اعتقالات في صفوف الإسلاميين، طالت رمزين من أهم رموز التيار الإسلامي الناضج والمعتدل في (موريتانيا)، ومجموعة من الخطباء، وقبل ذلك اعتقلت ثلة من قيادات حزب البعث، وجاءت هذه الخطوة بارزة في مسلسل غريب بدأته السلطات منذ سنوات قليلة، كان أكثر ما فيه إثارة إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني، في أقسى الظروف التي مرَّ بها الشعب الفلسطيني البطل، وفي ظل أكثر الحكومات الصهيونية تطرفاً، وأشدها مطالاً في وعود السلام المزعوم .
ومن قبل ذلك ومن بعده خطوات أقل ما يقال عنها: إنها تحدٍ صارخ لمشاعر الشعب الموريتاني المسلم الأبي، واستهانة لا تتحمل بمقدساته ومُثله الثقافية، من ضمنها (فَرْنَسَة التعليم)، ومحاصلة البقية الباقية فيه من ملامح الهوية الخاصة والذات الحضارية، والصمت المخزي عن كل ما أصاب الأمة من مآسٍ في فلسطين وأفغانستان، وأخيراً في العراق، والتضييق الشديد على الشعب، ومحاصرته واغتصاب أرضه في التجمع والتظاهر؛ تعبيراً عن تفاعله مع قضاياه وقضايا أمته.
لكن هذا الشعب العريق في أصالته، والقوي في إيمانه رفض الرضوخ لذلك التطويق، وتحدَّى القمع الذي مارسته السلطات ضد قياداته ورموزه الفاعلة، ورحَّب بكل ما أصابه -في هذا السبيل- من أذى، وعبر بأصواته الحرة ومنابره المختلفة وبكافة فاعلياته السياسية والاجتماعية عن رفضه لكل إلحاق واستسلام، وعن وقوفه مع إخوانه المستضعفين في كل مكان، وخاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان.
وكان للإسلاميين في هذا المضمار النصيب الأوفر، والقدح المعلَّى ،ولا غرر في ذلك؛ فهم عمق هذا الشعب الفكري والثقافي وضميره الحي.
وقام الشيخان الجليلان -العلامة الشاب (محمد الحسن بن الندو)، والأستاذ المفكر والكاتب الشاب (محمد جميل بن منصور)- بجهود كبيرة، كان مصيرها أن قلدتها السلطات بوسام الاعتقال.
فأصدر الشيخ (محمد الحسن بن الندو) فتواه المشهورة -التي شاطره التوقيع عليها جمهرة واسعة من أبرز علماء البلد- في حرمة التطبيع مع البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وقاد حملة دعوية واسعة من خلال خطبه ومحاضراته في أنحاء عدة من البلاد. حثَّ فيها الشعب الموريتاني إلى الوقوف إلى جانب الشعب العراقي في محنته الأخيرة، ومده بكل ما يُستطاع.
وقام الأستاذ (محمد جميل منصور) بنشاطات إعلامية وسياسية كبيرة في هذا المجال فأسس -مع جمهور من الشرفاء الغيورين من كل التشكيلات السياسية- الرباط الوطني لمكافحة التطبيع، ونصرة القدس، وعقد الندوات، ونظَّم المظاهرات، وألقى المحاضرات تعبيراً عن هذا المسعى.
وكانت المبررات التي استندت إليها السلطات في عملية الاعتقالات أقل تماسكاً، وأشد تهافتاً من أن تنطلي على من له أدنى إلمام بجهود الشيخين وأقل معرفة بهما، وهي مبررات نمطية لا تخرج عن الموضة الحالية التي تعلو الخطاب الأمريكي، من علاقة بشبكات الإرهاب العالمية، وتجنيد الشباب في المساجد.
والمعروف عن الشيخين -وعلى نطاق واسع- هو الاعتدال والإيمان بالجهود السلمية بالكلمة الطيبة، والتعبير السلمي عن المواقف.
فالشيخ (محمد الحسن) أحد أبرز العلماء الشباب الذين تربوا على الطريقة التعليمية الموسوعية التي كانت تنتجها المحاظر الموريتانية، والتي تعيد إلى الأذهان أناساً عرفوا جنات الأرض مشرقاً ومغرباً، يحملون معهم العلم والنور والتبحُّر في شتى ألوان المعرفة، مضافاً إلى ذلك النهل من ثقافة العصر وعلومه. وعرفته منابر موريتانيا ومساجدها -منذ أكثر من عقد من الزمن- داعياً إلى الله على بصيرة، مرسخاً الوعي الإسلامي الشمولي المعتدل، وعرفه تلامذته وأساتذته في السعودية، حيث يحضِّر الآن لنيل درجة الدكتوراه في الفقه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وأما الأستاذ (محمد جميل بن منصور)، فهو من أبرز المفكرين الإسلاميين والكتاب الشباب، عرفته المنابر الموريتانية محاضراً ومناقشاً وكاتباً يصدع بكلمة الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، مع اعتدال في الطرح وإنصاف الآخر، وجودة في التعبير وجدية في الأفكار، وصدق في التوجهات، وإيمان عميق بالتغيير السلمي والتداول السياسي.
وعرفته الساحات السياسية حاملاً هموم المظلومين، داعياً إلى العدل الاجتماعي والإصلاح السياسي والوحدة الوطنية، وقيادياً في أهم أحزاب المعارضة ( حزب تكتل القوى الديمقراطية) ، ومنتخباً -من طرف جماهير عريضة وبأغلبية ساحقة- عمدة في إحدى أهم بلديات العاصمة.(28/94)
وعلى الحكومة الموريتانية -إذا كانت جادة في توجهها الديمقراطي الذي قطعته على نفسها- أن تقدِّر الظروف الوطنية والإقليمية والدولية، والأوضاع الحرجة على كل النواحي، والتي يمر بها الوطن ويعيشها المواطنون، فتطلق سراح المعتقلين دون تأخر، وتترك الشعب يعبر عن مواقفه على لسان قادته، بعد أن فرضت عليه كثيراً من المواقف والتوجهات، كما على الحكومة بذل الحد الأدنى من الانسجام بين ما تتباهى به من ديمقراطية، وبين مواقفها العملية.
===============(28/95)
(28/96)
الاختراق الإسرائيلي للاقتصاد العربي!
مصطفى عياط 29/3/1428
17/04/2007
ظل رفض التطبيع بأبعاده النفسية والاقتصادية والثقافية، حتى وقت قريب، الحصنَ الأخير والسدَّ المنيع للعرب في مواجهة إسرائيل، ونجح هذا السد في حجز ومحاصرة أي تمددات لأنصار التطبيع داخل المجتمعات العربية، لكن هذا الحصن بدأ يعاني في السنوات الأخيرة من تصدّع أحد أهم جدرانه، والمتمثل في المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، حيث نجحت الأذرع الأخطبوطية لإسرائيل في التمدد داخل الدول العربية، تارة متخفية تحت لافتات مزيفة، وتارة أخرى في إطار تكتلات وتجمعات اقتصادية يتم زرع إسرائيل عمدًا بداخلها، واستخدامها كحصان طروادة لاختراق الأسواق العربية، وتارة ثالثة يكون التواجد علانية بحجج واهية، مثل: استخدام النفوذ الإسرائيلي لفتح الأسواق العالمية، وخاصة الأمريكية، أمام المنتجات العربية، على غرار ما حدث في اتفاقيات الكويز مع مصر والأردن.
وتبدو الإحصائيات الخاصة بالتبادل التجاري بين الدول العربية وإسرائيل - والتي يكون مصدرها دوماً الأخيرة - مثيرة للإحباط والحسرة؛ إذ شهد العامان الأخيران تصاعدًا غيرَ مسبوق في الاختراق الإسرائيلي للاقتصاد العربي، فعلى سبيل المثال أدّت اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز" بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل إلى فتح أبواب الاقتصاد المصري على مصراعيه أمام رجال الأعمال الإسرائيليين؛ ليخترقوا أحد أبرز قطاعاته الاستراتيجية والمتمثل في صناعة الغزل والنسيج.
وهم الكويز
ووفقاً لتقرير أصدره معهد الصادرات والتعاون الدولي الإسرائيلي مطلع العام الحالي، فإن مصر شكلت أكبر وأسرع سوق للصادرات الإسرائيلية خلال عام 2006، حيث سجّلت الصادرات الإسرائيلية لمصر في الفترة من فبراير 2005 حتى فبراير 2006 زيادةً قدرُها 168%، وبمتوسط صادرات شهرية يقدر بـ (8.3) مليون دولار مقارنة بمليون دولار شهرياً قبل فبراير 2005.
وأرجع التقرير هذه الزيادة الطفرة إلى اتفاق الكويز الذى وقعته مصر مع إسرائيل في ديسمبر 2004، والذي ينص على دخول منتجات المنسوجات المصرية للسوق الأمريكية معفاة بالكامل من الجمارك بشرط اشتمالها على مكونات إسرائيلية لا تقل نسبتها عن 11.9% بالنسبة لمصر، و 8% بالنسبة للأردن، وبالتالي فإن أغلب الصادرات الإسرائيلية لمصر كانت عبارة عن مواد خام لصناعة النسيج.
وفي ظل اتفاقية الكويز، صعَد حجم الصادرات الإسرائيلية إلى مصر من (26) مليون دولار عام 2003 الى (125) مليون دولار في عام 2006، بينما ارتفعت صادرات إسرائيل للأردن من (86) مليون دولار عام 2003 إلى (136) مليون دولار في عام 2006.
ومع أن فكرة ما يُسمّى بالمدن الصناعية "المؤهلة" (QIZ)، تم الترويج لها أساساً بصفتها مدخلاً لزيادة صادرات البلدان العربية الموقِّعة عليها - مصر والأردن - إلى الولايات المتحدة من خلال إعفائها من الرسوم الجمركية، بالشرط السابق إلاّ أن ذلك مكّن الإسرائيليين من التحكم في أسعار المواد التي تشكّل المكوّن
الإسرائيلي والمبالغة في تلك الأسعار بشكل كبير، مما قلّل من قدرة المنتجات المصدَّرة من تلك المدن الصناعية على المنافسة في مواجهة المنتجات الواردة من دول مثل الصين وتركيا وبنجلاديش.
الأردن الهدف
وكانت وطأة هذا الأمر على الأردن أشد؛ إذ إن 90% من مصانع المدن المؤهلة متخصصة في صناعة النسيج، وهي صناعة لا ينتج الأردن أي مواد خام أو حتى نصف مصنعة تدخل في إنتاجها، وبالتالي فإنه يعتمد على استيراد المواد الأولية من إسرائيل، وبأسعار تفوق السوق العالمي؛ إذ تمنح نسبة الـ 8% الموردين الإسرائيليين وضعاً شبه احتكاري، وبالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف خبرة رجال الصناعة والأعمال الأردنيين في صناعة النسيج، جعل معظم رؤوس الأموال في تلك المدن إسرائيلية، مع نسبة قليلة للأردنيين كمجرد واجهة لتسيير الأمور.
والاهتمام الإسرائيلي بالتغلغل وإمساك مفاصل الاقتصاد الأردني لم يأت من فراغ، فالأردن يقع ضمن المستوى الأول للنظام الاقتصادي الشرق أوسطي، حسب التصور الإسرائيلي، والذي يستهدف إقامة تجمع اقتصادي ثلاثي يجمع بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، وذلك على غرار الاتحاد الاقتصادي القائم بين دول "البينيلوكس" الأوروبية. ويهدف الإسرائيليون من وراء هذا التجمع الثلاثي إلى:
*أولاً: التغلب على عامل المساحة المحدودة ونقص الأيدي العاملة الكثيفة ذات الأجر المنخفض.
*ثانياً: جعل كل من الأردن والكيان الفلسطيني المنتظر معْبرًا ومركزَ توزيع للمنتجات والسلع الإسرائيلية إلى باقي الدول العربية، خاصة وأنها ستحمل شعار "صنع في الأردن" أو "صنع في فلسطين".(28/97)
وقد اتضحت خطورة التغلغل الإسرائيلي في الأردن، بشكل واضح، بعد احتلال العراق في أبريل 2003؛ إذ أصبح الأردن المعْبر الرئيس لنقل البضائع الإسرائيلية إلى العراق، كما لعب بعض رجال الأعمال الأردنيين- بحكم علاقتهم السابقة مع نظرائهم الإسرائيليين - دور الوسيط بين التجار العراقيين والدوائر الاقتصادية في إسرائيل. وعلى الرغم من نفي بعض الدوائر الرسمية لعبور أي سلع إسرائيلية عبر الأردن إلى العراق، إلاّ أن هذا النفي يتصادم مع الحقائق على الأرض، كما أن التقديرات الخاصة بالصادرات الإسرائيلية إلى الأردن تكشف عن ارتفاع كبير، وغير مبرَّر اقتصادياً في ظل النطاق المحدود للسوق الأردني بملايينه الأربع.
تطبيع عن بُعد
وإذا كانت اتفاقيات الكويز قد منحت إسرائيل منفذًا لتصدير المواد الخام إلى مصر والأردن ليُعاد تصنيعُها ثم تصدُيرها إلى الولايات المتحدة، فإن إسرائيل لم تكتف بذلك، وحاولت بشتى الطرق التغلغلَ في أسواق عربية أخرى، وذلك من خلال ما يمكن أن نسميَه "التطبيع عن بُعد"؛ إذ يلجأ التجار الإسرائيليون ومَن تورط معهم في "وحل التطبيع" من رجال أعمال عرب إلى استيراد سلعٍ وبضائعَ إسرائيليةٍ عبر بلد ثالث، بعد إزالة أي إشارة تدلّ على المنشأ الإسرائيلي لهذه السلع، واستبدالِه بشعار دولة أخرى تحظى منتجاتها بثقة لدى المواطن العربي، الذي يصبح بذلك "مطبّع رغم أنفه".
وتمثل قبرص المركزَ الرئيس لإعادة تغليف السلع الإسرائيلية وتغيير بلد المنشأ الخاص بها، ثم إعادة تصديرها إلى الدول العربية، واختيار قبرص بالذات لتلك المَهَمّة، لم يكن أمرًا عشوائياً، حيث تُعدّ أقربَ الشواطئ الأوروبية للدول العربية؛ ذا تتجاوز المسافة بينها وبين سوريا (90) كم، وأقل من ذلك بكثير بالنسبة للبنان، كما أن الرقابة التجارية والجمركية فيها تعدّ شبهَ معدومة، على العكس من باقي الدول الأوروبية التي تفرض إجراءاتٍ مشددةً على شهادات المنشأ الخاصة بالسلع المصدَّرة عبر موانئها، فضلاً عن أن أسعار الشحن والتفريغ في قبرص تُعدّ منخفضةً للغاية مقاربةً بباقي الموانئ الأوروبية.
وفوق ذلك، فإن قبرص تشكّل مركزًا إقليمياً هاماً لعشرات الشركات العربية والإسرائيلية الكبرى، وهو ما يسهّل إمكانيةَ التعارف وعقد الصفقات بين تلك الشركات، خاصة في ظل تواجد عشرات السماسرة العرب والإسرائيليين الضالعين في هذا النشاط منذ سنوات طويلة، وليس سراً الإشارةُ إلى أن معظمَ هؤلاء، سواء كانوا عرباً أو إسرائيليين، هم من رجال السياسة والمخابرات السابقين، الذين كانت لهم عَلاقة بالملف العربي الإسرائيلي.
ويبرز من الجانب الإسرائيلي كلٌّ من: رئيسِ هيئة الأركان السابق أمنون شاحاك، وجلعاد شير رئيسِ الطاقم الإسرائيلي المفاوض في "كامب ديفيد 2".
وتبدأ عملية "غسيل" السلع والبضائع الإسرائيلية؛ كي يمكنها الدخول إلى الأسواق العربية قبل نقلها إلى قبرص، حيث تتم إزالة العلامات التجارية وأي إشارة تكشف عن هويتها الأصلية، ثم يتم نقلها بالبحر أو الطائرة إلى قبرص، وهناك يتم عمل وثائق وشهادات مزيفة، تشير إلى أن البضائع مصدرُها أي دولة أوروبية أو حتى دولة عربية، ثم تخرج البضائع من قبرص إلى لبنان أو سوريا حيث يتم توزيعُها وتسويقها على كل دول المنطقة العربية.
الثقب التركي
ويلجأ المستوردون إلى عدة طرق للتغلب على عقبة شهادة المنشأ؛ فالبعض يطلب من المصانع الإسرائيلية عدم وضع أي إشارة تدلّ على أن منتجاتِها صُنعت في إسرائيل، ويقوم المصنع بتزويد المستورد بشهادة منشأ غير حقيقية لدولة أخرى، وغالباً ما يستخدم هذا الأسلوب مع المواد الغذائية والمنسوجات والدهانات والمعدات الخفيفة. وفي بعض الأحيان يتم استيراد السلع كما هي من إسرائيل، ثم يتم إزالة أي علامة تجارية تدل على هويتها الحقيقية، ووضع علامة تجارية جديدة، وإعادة تصديرها مرة أخرى على أنها مستوردة من قبرص أو تركيا أو أوروبا.
وتشكل تركيا أيضاً أحدَ " الثقوب" التي استطاع الإسرائيليون "نقبَها " في جدار المقاطعة العربية، وتمتاز تركيا عن قبرص، بكونها دولة مسلمة تحظى منتجاتُها بسمعة لا بأس بها لدى المستهلك العربي، كما أنها تتفوق على الأردن بسوقها الاقتصادية الضخمة، وبالتالي فإن أي سلع إسرائيلية تُهرّب عبرها للوطن العربي لن تكون لافتة للنظر، بحكم العلاقات التجارية المتشعبة بين أنقرة والعديد من الدول العربية.
وقد مثّل العراق نقطة "تقاطع مصالح" بين رجال الأعمال الإسرائيليين والأتراك، فالطرف الأول يريد منفذًا يعبر منه للعراق، وهو ما يتوفر لتركيا عبر كردستان العراق، والتي تُعدّ أكثرَ أماناً من الطريق بين بغداد وعمان، حيث تقع مدن المثلث السني المشتعل، كما أن إسرائيل تتمتع بعلاقة قوية مع أكراد العراق، بل ويتحدث البعض عن شبكة مصالح اقتصادية أقامها الإسرائيليون في شمال العراق خلال السنوات العشر الماضية، مستغلين حالة الحصار والحظر الجوي الذي فرضته الولايات المتحدة على شمال العراق.(28/98)
وبالنسبة للطرف الثاني (الأتراك)، فإنهم يريدون الحصول على جزء من كعكة إعادة الإعمار في العراق، ومفاتيح ذلك في يد الأمريكان، ومفاتيح الأمريكيين أنفسِهم في يد الإسرائيليين.
تساؤلات مريبة
وإذا كانت إسرائيل التي لا تملك مزايا تنافسية في السوق العالمي، سوى في مجالَي إنتاج الأسلحة وأبحاث التكنولوجيا المتطورة، وهما بديهياً غيرُ مطروحين للتصدير عربياً، فإن الإصرار الإسرائيلي على تصدير مواد غذائية ومنسوجات للدول العربية، وهي سلع لا تتمتع إسرائيل فيها بأي مزايا تنافسية، في السعر أو الجودة، يثير تساؤلات مريبة، ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات تكمُن في استعراض بعض ما نُشر في وسائل الإعلام العربية في السنوات الأخيرة، مثل الفضيحة التي تفجرت في مصر بعد الكشف عن استيراد وزارة الزراعة لمبيدات مسرطنة من إسرائيل، كما ناقش البرلمان المصري تقاريرَ أخرى حول استيراد أسمدة إسرائيلية ملوثة بالإشعاع، إضافة إلى تقاريرَ أخرى حول بذور ملوثة تصيب التربة بميكروبات يستمر تأثيرها لسنوات و"ساعات مشعة" وأحزمة تؤدي للإصابة بالعقم، من خلال احتوائها على دوائر مغناطيسية قوية للغاية.
أما بالنسبة للعراق، الوافد الجديد على "مستنقع التطبيع"، فقد نُشرت تقارير عن اكتشاف معلبات اللحوم الحمراء الإسرائيلية التي تم ضخُّها بكميات كبيرة في الأسواق وبأسعار منخفضة تحمل فيروسات "جنون البقر"، إضافة إلى تقاريرَ أخرى عن سلع غذائية إسرائيلية دخلت إلى العراق عبر الأردن، ومعظمُها إما منتهي الصلاحية أو يحتوي على مواد سامة، يؤدي تناولُها إلى الإصابة بأمراض العقم, والكوليرا, والتيفوئيد, والتسمم المعوي. كما تم قبل نحو عامين إحباطُ محاولات إسرائيلية؛ لتسريب أدوات تجميل وصبغات شعر تحتوي على مواد مسرطنة للأسواق العربية، عبر دول أوروبية.
ومن المثير للقلق، أنه وفي مواجهة تلك المحاولات الإسرائيلية التي لا تتوقف لاختراق الأسواق العربية، والتغلغل في الجسد العربي من أجل بث الضعف والوهن في أوصاله، فإن الدول العربية تكاد تكون خاليةً من أي إجراءات حمائية أو رقابية تواجه هذا الخطر. فالدول التي أقامت عَلاقات مع إسرائيل وتخلت عن قوانين المقاطعة، تجاهلت أن المخططات الإسرائيلية لم ولن تتغير، مع وجود السلام المزعوم أو بدونه، وقد جنت ثمن هذا التجاهل ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات الإصابة بالسرطان والفشل الكُلوي بين مواطنيها.
أما بالنسبة للدول التي مازالت تطبق قواعد المقاطعة، فإن الأمر يحتاج إلى تفعيل إجراءات المراقبة بشكل دقيق وإيجاد آليات ديناميكية قادرةٍ على مواجهة التلوُّن والتغيُّر المستمر في خطط التغلغل الإسرائيلية، فالبحث عن عبارة "صنع في إسرائيل" أو "نجمة داود" لم يعُد كافياً، بل يجب البحث عن إجراءات أكثرَ فاعلية مثل تشديد الرقابة على شهادات المنشأ، وتكليف السفارات العربية في الخارج بالتحقق من صحة تلك الشهادات وهوية السلع المستوردة قبل شحنها، إضافة إلى ذلك، فإن معرفة هوية الاستثمارات وحقيقة من يقفون وراءها، بات ضرورياً قبل إبرام أي صفقة مع جهة ما، وهو أمر ليس بالجديد، وطبّقته دول كبرى، مثلُ الولايات المتحدة مع الدول التي تفرض عليها عقوبات اقتصادية، فالمقاطعة يجب أن تكون لرؤوس الأموال الإسرائيلية، بغض النظر عن الهوية التي تتخفى وراءها، وليس فقط لمنتج يحمل "علم إسرائيل" أو سلعة عليها "نجمة داود".
============(28/99)
(28/100)
هل السودان في طريقها نحو المحور الإيراني؟
بيروت/ محمد مصطفى علوش 29/3/1428
17/04/2007
لعل الضغوط التي تتزايد على نظام الحكم في الخرطوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، عبر البوابة الغربية المتمثلة بدارفور، ومن قبلها ومعها البوابة الجنوبية التي استنزفت خيرات السودان، إضافة إلى ما يتعرض له النظام من ضغط داخلي من الأحزاب والحركات المعارضة له، والتي يرتبط بعضها بجهات غربية لا ترغب ببقاء نظام البشير، فضلاً عن التواجد الأمريكي المكثف في القرن الإفريقي بعد عزم البيت الأبيض على إنشاء قاعدة عسكرية له في إفريقية، على غرار القواعد العسكرية المنتشرة لها في آسيا وأوروبا، تدفع بالرئيس السوداني عمر البشير للارتماء في الحضن الإيراني المتنامي النفوذ، بعد أن وجد نفسه محاطاً من كل الجوانب في ظل انعدام الخيارات المتاحة والمترافقة، مع ضعف عربي واضح يحُول دون تشكيل جبهة عربية موحدة في مواجهة النفوذ والمخططات الغربية للمنطقة.
فقد جاء رفض الحكومة السودانية مؤخراً قبول القرار الدولي 1706، القاضي بنشر قوات حفظ سلام دولية في دارفور، بدعوى أن القرار يمثل انتهاكاً لسيادة البلاد، ليدشن لمرحلة جديدة من سياسة البشير، قوامها عودة إلى سابق عهد نظامه من قربه من إيران، وتبنيه للخيار الرافض للسياسة الأمريكية التي لم يجن من خلال الدوران في فلكها إلاّ المزيد من الابتزاز.
فما الذي جناه البشير من توقيع (اتفاق نيفاشا) مع (حركة تحرير الجنوب)، والذي وقّع بمباركة أمريكية، سوى مزيد من الحضور والاعتراف الرسمي بحركة تحرير الجنوب التي لا تزال تنسق مع الأمريكيين في محاولة لفصل الجنوب عن سائر السودان بقوة تقرير المصير الذي منحه اتفاق (نيفاشا) بعد خمس سنوات من توقيعه.
ثم ماذا قدم (اتفاق أبوجا) الموقع بين الحكومة والفصائل المسلحة في دارفور سوى مزيد من الضغط الأمريكي الذي وُصف ما يحدث بدارفور بأنه يعود لأسباب عرقية، في محاولة خبيثة لتسويغ الدعوة لفصل دارفور عن السودان أيضاً، علماً أن جميع سكان إقليم دارفور من المسلمين، وأن ما يدور فيه من صراع ليس وليد الساعة، ويعود معظم الخلافات بين سكانه لقضايا اقتصادية، وليس لأسباب عرقية، بدليل أن الصراعات أحياناً تدور بين القبائل ذات العرق الواحد.
لقد رفض البشير القرار 1706 لأنه يعتقد -كما سائر القيادات السودانية - أن للولايات المتحدة أجندة منه، وهذا ما ظهر في كلامه حين قال: "الموافقة على نشر قوات دولية في السودان سيؤدي إلى ذات النتائج التي حدثت في العراق" أي تفتيت السودان وتقسيمه لفدراليات، فضلاً عن نشوب حرب أهلية؛ إذ إن السودان يحوي أكثر من عشرين عرقية، ويعتنق أهله الكثير من الديانات، وهو بلد واسع، ويحيط به أعداء كثر من دول الجوار.
محاولة الحصول على دعم عربي وإفريقي
بل حاول الرئيس السوداني أن يستبق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بدارفور، من خلال توقيع عدة اتفاقات والقيام بعدة زيارات والتي كان من ثمرتها اتفاق الحكومة السودانية مع الاتحاد الأفريقي بضرورة تسريع تطبيق (اتفاق أبوجا) للسلام في دارفور وإنعاش العملية السلمية في الإقليم والالتزام بمبادرة الأمم المتحدة لتعزيز القوة الأفريقية المنتشرة هناك.
وفي سبيل الحصول على دعم عربي وإسلامي وإفريقي فقد زار البشير العاصمة الليبية للقاء قيادات كل من ليبيا وتشاد واريتريا لمناقشة قضية دارفور، وتطبيع العلاقات بين الخرطوم ونجامينا، إلا أن المتمردين الدار فوريين لم يحضروا على الرغم من الدعوة التي وجهت لهم، مما يثير شكوكاً حول جدية مطالبهم. ثم بعد ذلك توجهه إلى "أديس أبابا" للمشاركة في قمة زعماء «تجمع حلف صنعاء» الذي تأسس عام 2000، والذي يضم إلى جانب السودان إثيوبيا واليمن والصومال لمناقشة نفس القضية.
إلاّ أن لقاء البشير بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد حمل أكثر من دلالة وخصوصاً لجهة القضايا التي طرحت وللتصريحات التي واكبتها، فضلاً عن العلاقات التي ربطت السودان بإيران منذ قيام نظام البشير.
وقد جاء اتفاق الرئيسين على تنسيق الجهود بينهما في المحافل الدولية حول القضايا المطروحة بشأن البلدين، والذي ظهر بدعم البشير لنجاد في موقفه من الملف النووي لبلاده، فيما اتهم نجاد الغرب بالعمل على تفتيت دولة السودان عبر التصعيد الحالي لقضية دارفور، ليطرح تساؤلاً حول ما إذا كنا بصدد بناء حلف إيراني سوداني سوري في مواجهة الولايات المتحدة ومن يقف معها؟
السودان وخيار الانضمام للمحور الإيراني-السوري(28/101)
لقد أبدى نجاد استعداده لتدشين شراكة مع السودان وعلى كافة المستويات حتى العسكرية خلال خطابه الذي ألقاه في قاعة الصداقة بالخرطوم حين قال: ليس أمامنا "أي قيود ومحدودية من أجل تطوير علاقاتنا مع السودان"بل" نعتبر أن تقدم ورقي وعزة السودان واقتداره هي عزة ورقي واقتدار للجمهورية الإسلامية الإيرانية وللأمة الإسلامية برمتها، لذلك فنحن نقف إلى جانبكم من منطلق إيماننا بالدين والعقيدة".ومبشراً بنجاح محوره "إن العالم يواجه نظاماً غير عادل.. إن العدالة لن تتبلور إلاّ في ظل عبادة الله..فعهد الهيمنة الفاسدة يسير نحو الانتهاء".
فهل أراد نجاد دعم حكومة الخرطوم من خلال وساطة بين البشير ونائبه الأول الفريق سلفا كير بعد الأزمة التي نشبت بينهما مؤخراً؟
ثم هل ما حققته سوريا من إنجاز سياسي من خلال انضمامها للمحور الإيراني، في وقت كان يراهن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام على زوال نظامها خلال شهور، سيدفع بالسودان للمغامرة بالانضمام للمحور الإيراني بعد أن وصلت السكين إلى رقبتها، وقد وجدت أن ما يسمى بـ"دول الاعتدال العربي" لم تستطع أن تفعل شيئاً إزاء ما يحدث من انهيار للعراق كدولة وإزاء ما يقع من اقتتال طائفي هناك؟
وماذا ستقدم لها "دول الاعتدال العربي" في حال حاولت الولايات المتحدة تطبيق القرار الدولي 1706 بالقوة سوى الصمت الذي قدمته أمام شنق الرئيس العراقي صدام حسين؟
وهل ستستأنس السودان في محاولة تقربها بإيران بتقرير مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية (جون مايكل ماكونال)، في شهادة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ حين قال عن سوريا بأن تعزيز "علاقاتها مع إيران مع ازدياد ثقتها بسياساتها الإقليمية، أدى إلى نجاحها في تخطي المحاولات الدولية لعزل نظامها"؟
ما كشف البشير عنه في ختام لقائه بالرئيس الإيراني من أن إيران والسودان بصدد "تعاون مثمر في المجالات كافة، وإقامة شراكة اقتصادية قوية بما لدى البلدين من ثروات، وأن يكون التعاون الأنموذج على مستوى دول العالم الثالث عامة والإسلامية بوجه خاص". هو إعلان لانضمام السودان رسمياً إلى المحور الإيراني السوري أم أنها نشوة اللقاء وضرورة التعاطف الذي يظهر حين تكون المصائب مشتركة؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة
=============(28/102)
(28/103)
تقرير (راند).. معايير أمريكية للإسلام المعتدل
القاهرة/علي عليوه 2/4/1428
19/04/2007
منذُ أيام صدر تقرير 2007 لمؤسسة (راند) الأمريكية للأبحاث، وهي المؤسسة التي تتبع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وتلعب دوراً مهمًّا في اتخاذ القرار داخل هذه المؤسسة الأمريكية الهامّة، وأشرف على إعداده (أنجيل سبارا) الذي كان يعمل بوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكية، ويقع في أكثر من مائتي صفحة، ويرسُم ملامح إستراتيجية للتعامل مع المسلمين المقيمين فيما أسماه بـ (العالم المسلم)، وليس الإسلامي، واستخدم مصطلحات ذات مدلولاتٍ جديدة مثل "المسلم المعتدل"، و"المسلم الراديكالي", و"دول الأطراف", و"دول القلب", وغيرها مستفيداً من الخبرة المخابراتية الأمريكية في التعامل مع الاتحاد السوفيتي إبّان الحرب الباردة.
الجديد في التقرير أنه وضع معايير جديدة للاعتدال والراديكالية لم تكن معتادة من قبل، وأهميته ترجع إلى أن توصيات التقارير السابقة لنفس المؤسسة هي التي طُبِّقت في العراق، وأثمرت تلك الحرب الطائفية الطاحنة بين العراقيين، ويوصي بنقل تلك الخبرة إلى البلدان العربية, والإسلامية الأخرى؛ للتسريع بعملية التقسيم والتفتيت.
الاعتدالُ في المفْهُومِ الأمريكي
ومن معايير الاعتدال التي وضعها التقرير رفض تطبيق الشريعة الإسلامية، وتبني منظومة القيم الليبرالية الأمريكية التي تقوم على الفصل بين الدين, والدولة، واعتبار العقيدة شأناً فردياً بين الإنسان وربه، ولا علاقة لها بتنظيم شؤون الحياة, ورفض العنف، وتبني منظومة حقوق الإنسان التي تعتبر الشذوذ و"تغيير الفرد لدينه" ضمن هذه الحقوق، وتمَّ وضع استبيان من أحد عشر سؤالاً؛ لتحديد الشخص المعتدل.
أما الراديكالي أو المتطرِّف فهو من يتمسَّك بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويسعى لإقامة الدولة الإسلامية, ويتبنى الفكر السلفي, ويرفض الديمقراطية، والليبرالية الغربية، وما يرتبط بها من منظومات حقوق الإنسان المنبثقة عن المنظور الغربي، ويرى أن من حقِّه استخدام العنف كأداةٍ للتغيير.
ويتضمَّن التقرير تفاصيل التعامل الأمريكي مع المسلمين بعد تصنيفهم، منها الوقوف إلى جانب العلمَانيين, والليبراليين, والمعتدلين (وفق المفهومِ الأمريكي للاعتدال)؛ لضرب غير المعتدلين, و دعم المعتدلين مالياً, ومعنوياً، وتصعيدهم للمناصب القيادية داخل دولهم؛ ليكونوا أنصاراً للإدارة الأمريكية في سياستها تجاه العالَمَين العربي والإسلامي.
ويشير إلى أن أحد مصادر هذا التمويل سيتمُّ من خلال الميزانيات الضخمة لإذاعتي (الحرّة), و(سوا) الأمريكيتين التي بلغت عام 2007 أكثر من (671) مليون دولار، وهناك مطالب لزيادتها بـ(50) مليون إضافية، يُستخدمُ الجزء اليسير منها؛ لتشغيل المحطتين، والباقي سيُنفقُ بشكلٍ غيرِ مُعلن؛ لدعم المعتدلين والليبراليين, والعلمانيين.
وشدَّد التقرير على ضرورة تشجيع الدعاة الجدد، الذين ينشطون خارج الإطار الرسمي على وضع رؤى إسلامية جديدة، تؤيد الليبرالية, والعلمانية بما يُنتج إسلاماً جديداً منفتحاً, ومعتدلاً، وترويج هذا النوع من الإسلام بين العامة، ونشرِه بكلِّ الطُرُق المتاحة، وتشجيع هؤلاء الليبراليين, والعلمانيين, والمسلمين "المعتدلين" على تكوينِ جمعيّةٍ عالمية للاعتدال، يكون لها فروعٌ, وروابط داخل البلدان العربية, والإسلامية.
أهم ما يلفت الانتباه في التقرير أنه ينقل معركة الإدارة الأمريكية، ضدّ العالم الإسلامي من مستوى الغزو العسكري الحالي، إلى معركة فيما بين المسلمين أنفسهم الذين يُراد لهم أن ينقسموا إلى معتدلين, ومتطرفين، وفق المفهوم الأمريكي ثُمَّ يتمُّ إشعال فتيلِ الصراع بينهم، وبذلك يتمُّ إضافة سببٍ جديدٍ للصراعات الداخلية، والاقتتال إلى جانب الأسباب العِرقية, والطائفية الموجودة بالفعل، والتي يتمُّ تغذيتها لتزداد المنطقة احتقاناً للوصول بشكلٍ أسرع لمرحلة الفوضى الخلَّاقة التي أشارت إليها كوندليزا رايس؛ لتحقيق الشرق الأوسط الجديد.
اختراق الجيوش
ويتضمَّن التقرير توصيات أخرى، منها حجب التمويل عن الجماعات الإسلامية، وتدريب كوادر عسكريّة من المنتمين لجيوش الدول الإسلامية، من المُتّصِفين بالاعتدال على القِيم الأمريكية؛ للاستعانة بهم عند الحاجة, وتغيير المناهج الدينية في البلدان الإسلامية؛ لتكونَ أكثر ليبرالية، وتشجيع إنشاء الجماعات أو الشبكات المعتدلة لمواجهة الدعوات المتطرِّفة، حيثُ يشير التقرير إلى أن المسلمين الليبراليين والمعتدلين لا يملكون شبكات فعَّالة، كالتي أنشأها المتطرِّفون لتوفير الحماية للجماعات المعتدلة.
ويوصي بقيام الولايات المتّحدة بمساعدة المُعتدلين الذين يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإنشاء هذه الشبكات بأنفسهم، وإيجاد مجموعات إسلامية تدعو لما يسميه البعض دين أمريكي جديد، مثل الدعوة لعدم تطبيق الحدود، و جواز إمامة المرأة للصلاة، وقبول التطبيع مع إسرائيل.(28/104)
ويدعو التقرير إلى تمزيق الشبكات المتطرِّفة، ويتطلَّب ذلك معرفة نقاط الضعف التي تعاني منها، ومن ثمَّ وضع إستراتيجية تستهدف تمزيق, وتفكيك هذه الشبكات، والعمل على تمكين المسلمين المعتدلين.
دعم جهود الحكومات, والمُنظَّمات الإسلامية المُعتدلة، للتأكد من أن المساجد لا يتمّ استخدامها منابر للأفكار المتطرِّفة، ودعم الإسلام المدني، ومنح الأولوية لمساعدة جهود المنظمات العلمانية، والمنظمات الإسلامية المُعتدلة؛ للقيام بأنشطة تعليمية, وثقافية ذات طابع جماهيري، و تطوير المؤسسات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني.
=============(28/105)
(28/106)
منظمة التجارة العالمية وآثارها الثقافية وموقف المملكة فيها
أولاً : تعريف عام بالمنظمة :
• نشأت المنظمة مع نهاية الجولة الثامنة من مفاوضات اتفاقية الجات GATT ( جولة الأورجواي : 1986 ـ 1994م ) والتي انتهت في مراكش لتبدأ عملها في 1/1/1995م باسم منظمة التجارة العالمية (WTO) ، فهي الوريث الحقيقي لاتفاقية الجات ( الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة )، التي نشأت عام 1947م فأصبحت المنظمة الجديدة هي المنظم والمنفذ والمراقب الوحيد لأحكام والتزامات واتفاقيات التجارة الدولية.
• تهدف المنظمة إلى تحرير التجارة الدولية بواسطة إيجاد نظام تجاري دولي متعدد الأطراف معتمد على قوى السوق ( العرض والطلب ) ، من خلال إزالة القيود والعوائق التي تمنع تدفق حركة التجارة عبر الدول معتمدة على مبادئ رئيسية هي : تجارة بدون تمييز ( شرط المعاملة الوطنية ، شرط الدولة الأولى بالرعاية ) ، تجارة حرة من خلال التفاوض ( خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية وفتح الأسواق ) ، تعامل تجاري قابل للتوقع ( تثبيت الالتزامات والشفافية ).
• تغطي المنظمة بأحكامها واتفاقياتها مجالات وأنشطة كثيرة ومتنوعة أكثر مما كانت اتفاقية الجات تغطيها وهي : تجارة السلع وعددها / 7177 / سلعة وتحكمها اتفاقية الـ(GATT94) ، وتجارة الخدمات وتشمل 12 قطاعاً رئيسيا و155 قطاعاً فرعيا وتحكمها اتفاقية الـ(GATS) ، وحقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة بالإحالة إلى أربع اتفاقيات رئيسية متعلقة بهذه الحقوق من خلال اتفاقية الـ(T r IPS) وهذه الاتفاقيات الثلاث هي محور اتفاقات منظمة التجارة العالمية(WTO) .
• يحتوي النظام الأساسي للمنظمة على أكثر من 60 اتفاقية ومبدأ وملحق ومذكرة تفاهم ( مطبوعة حاليا في 34 مجلداً ) ، وأهمها (28) اتفاقية متعددة الأطراف تشمل : ( في مجال السلع : الزراعة ، المنسوجات والملابس ، العوائق الفنية أمام التجارة ، الصحة والصحة النباتية ، الفحص قبل الشحن ، شهادات المنشأ ، تراخيص الاستيراد ، الإجراءات الوقائية الخاصة ، مكافحة الإغراق، التجارة ، وفي مجال الخدمات (6 اتفاقيات ) ، وكذلك مجال حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة وغيرها .
• منظمة مستقلة وليست إحدى منظمات الأمم المتحدة ، يحكمها أعضاؤها ومقرها الرئيسي في جنيف وليس لها فروع ، ويعمل فيها حاليا ( 600 ) موظف ، وميزانيتها السنوية تتجاوز / 160/ مليون فرنك سويسري ( حوالي 130 مليون دولار ) ، ويتم تمويلها من خلال اشتراكات الدول الأعضاء .
• يبلغ عدد الأعضاء الحاليين 150 دولة ، منها 127 دولة كانت أعضاء في اتفاقية الجات و23 دولة انضمت فيما بعد وفق أسلوب التفاوض ، وآخر دولتين انضمتا قبل توقيع المملكة هما نيبال وكمبوديا ، وآخر دولة انضمت للمنظمة بعد المملكة هي مملكة تنجا في قارة أوقيانا .
• أعلى سلطة في المنظمة هي المؤتمر الوزاري (Ministe r ial Confe r ecnce ) والذي يمثله وزراء التجارة والاقتصاد في الدول الأعضاء ، ويختص هذا المؤتمر باتخاذ القرارات الحاسمة للمنظمة وينعقد كل سنتين ، ويعمل كحكومة للعالم في مجال التجارة .
• للمنظمة مجلس عام أو مجلس عمومي (Gene r al Council ) يقوم مقام المؤتمر الوزاري في فترات عدم انعقاده ، وأمانة عامة (سكرتارية) ، ومدير عام ، وله أربعة نواب ، يتفرع من المجلس العام ثلاثة مجالس رئيسية ، وهي مجلس التجارة في السلع ، ومجلس التجارة في الخدمات ، ومجلس خاص بالأمور التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ، ويتبع لهذه المجالس العديد من اللجان ومجموعات العمل .
• يجتمع المجلس العام على هيئتين : هيئة جهاز لمراجعة السياسات التجارية ومتابعة المراجعات العادية للسياسات التجارية لكل دولة ، وهيئة جهاز لفض المنازعات التجارية ومتابعة إجراءات حسم المنازعات ، و تؤكد المنظمة على أهمية الحلول الودية بين الدول في المنازعات التجارية ، ولذلك فإن ما يقارب ثلثي القضايا المرفوعة للمنظمة تحل ودياً .
• عقدت المنظمة حتى تاريخه ستة مؤتمرات وزارية الأول في سنغافورة(1996م)، والثاني في جنيف (1998م) والثالث في سياتل (1999م) والرابع في الدوحة (2001م) والخامس في كانكون بالمكسيك ( 2003م ) والسادس في هونج كونج 2005 م ، ويعتبر المؤتمر الوزاري الثالث في سياتل ( 1999م ) ، والمؤتمر الوزاري الخامس ( كانكون 2003م ) من المؤتمرات الفاشلة للمنظمة ، ولم يتم خلالهما اتخاذ أي قرارات حاسمة ، وكان السبب الرئيسي في ذلك تكتل الدول النامية وتنسيق مواقفها أمام تعنت وممارسات الدول المتقدمة ، ورفضها تقديم أي تنازلات في الكثير من القضايا التي تهم الدول النامية .(28/107)
• يعتبر المؤتمر الوزاري الرابع في الدوحة ( 9 ــ 14/11/2001م ) أهم مؤتمرات المنظمة ، حيث تم الاتفاق خلاله على إطلاق مفاوضات شاملة في الكثير من المواضيع ( 21 موضوعاً ) سميت (أجندة الدوحة للتنمية) ، وشكلت لها لجان خاصة ترجع إلى لجنة عامة سميت بلجنة المفاوضات التجارية الشاملة ( TNC ) وهدفها المزيد من تحرير التجارة بطرح مبادرات جديدة أخرى كمعايير العمل / والتجارة والبيئة / والتجارة والاستثمار / وخدمات الطاقة / وتسهيل التجارة / والتجارة والصحة / والتجارة والتقنية / والقواعد الاقتصادية .
• يوجد حالياً اثنتا عشرة دولة عربية عضواً في المنظمة وهي: ( المغرب ، تونس ، مصر، موريتانيا ، جيبوتي ، الكويت ، الإمارات العربية المتحدة ، قطر ، البحرين، الأردن ، وعمان ، وأخيراً السعودية) ، وهناك 24 دولة تفاوض حالياً للانضمام للمنظمة منها أربع دول عربية وهي : ( لبنان ، الجزائر ، السودان ، اليمن) .
• الدول الراغبة في الانضمام تتقدم بطلب للمنظمة ، وعند الموافقة المبدئية يطلب منها تقديم وثيقة شاملة عن سياسيات الدول التجارية والمالية والاستثمارية وحماية حقوق الملكية الفكرية والنظام القضائي العام وطرق التقاضي وسبل التظلم كما تقدم أعضاء فريق التفاوض الذين يجب أن يكونوا من موظفي الدولة الرسميين .
• بعد ذلك يتم تشكيل فريق عمل من ممثلي الدول الراغبة في المشاركة ممن تربطها علاقات تجارية مميزة مع الدول الراغبة في الانضمام ويحدد له رئيس ، وذلك للإشراف على عملية المفاوضات ، ومناقشة تقرير فريق العمل ( وثيقة أو برتوكول الانضمام ) ويختلف عدد الدول في فريق العمل حسب الثقل الاقتصادي للعضو المستجد فبينما كان فريق العمل المعني بانضمام تايوان 26 دولة وعمان 23 دولة والأردن 19 دولة كان العدد في حالة روسيا 63 دولة ، والصين 58 دولة ، والسعودية 52 دولة ، وخلال فترة المفاوضات تمنح الدولة صفة مراقب لحضور اجتماعات لجان المنظمة ومؤتمراتها .
• الانضمام للمنظمة يمر عبر ثلاثة مسارات تفاوضية متوازية ، فبعد تقديم المعلومات اللازمة عن جميع أوجه الاقتصاد والأنظمة وتقديم العروض الأولية الخاصة بالنفاذ لسوق السلع والخدمات تجري مفاوضات بين مجموعة من الدول الأعضاء وبين الدولة المستجدة تسمى مفاوضات عديدة الأطراف ( plu r ilale r al ) للتأكد من تطابق أنظمتها مع اتفاقيات المنظمة الأساسية ، وفي نفس الوقت تجري المفاوضات الثنائية ( Bilate r al) بشأن هذه العروض حتى يتم الاتفاق النهائي الذي يوضع في وثيقة تسمى الجداول الموحدة النهائية للالتزامات في السلع والخدمات ، يُضمن في تقرير فريق العمل الذي يتم إقراره من خلال مفاوضات متعددة الأطراف مع جميع الدول الأعضاء ( multilate r al) بحيث يتضمن بروتوكول الانضمام الوثائق الثلاث المعبرة عن نتائج المفاوضات الثلاث المتفق عليها وهذه الوثائق هي : جداول عروض السلع والخدمات الموحدة للالتزامات( Unified Schedules of Commitments )/ وتقرير فريق العمل ( Wo r k Pa r ty r epo r t ) / والأنظمة واللوائح التنفيذية الصادرة عن الدولة ( Legislation ) .
• تتركز رغبات الدول الأعضاء في المنظمة أثناء المفاوضات مع الدولة المستجدة على فئات السلع التي تنتجها هذه الدول ، حيث تتركز طلبات الوفد الأمريكي عادة على القمح والشعير والذرة والمعدات الثقيلة والأجهزة والطائرات والسيارات ، والإتحاد الأوربي على منتجات اللحوم والألبان والحديد والصلب والمنسوجات ، وسويسرا على الساعات والمجوهرات ، والهند وسريلانكا وتايلاند على الشاي والأرز والفواكه ، واليابان وكوريا وماليزيا على الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والمعادن والأخشاب ، والنرويج على الأسماك ، وتركيا على المنسوجات والسجاد ، ونيوزلندا واستراليا على المواد الغذائية والحبوب وهكذا بقية الدول.
• أصبحت متطلبات الانضمام للمنظمة الجديدة أكثر تعقيداً وأشد تكلفة وذلك لأن الدول المؤسسة لهذه المنظمة خاضت (8) جولات من المفاوضات الشاملة الشاقة عبر نصف قرن (1948-1994م) حتى نجحت في الاتفاق على النظام التجاري العالمي الذي يعظم لها مكاسبها التجارية ويحقق لها النفاذ للأسواق ، ولذا فإن الدول المتأخرة مطالبة بالانصياع لأحكام هذه الاتفاقيات وتقديم التزامات وخوض مفاوضات طوية وشاقة ، فبينما احتاجت الكويت التي انضمت عام (1952م) إلى يوم واحد فقط نجد أن الصين مثلاً استغرقت 15 سنة ، وتايوان 12 سنة وروسيا 10سنوات والجزائر مازالت تفاوض منذ 15 سنة ، أما السعودية فاستغرقت 8 سنوات ، عقد خلالها فريق العمل المكلف بالتفاوض معها 14 اجتماعاً بدأت في مايو 1996م ، وانتهت في أكتوبر 2005 م .(28/108)
• ومن حيث الالتزامات نجد أن الكويت التي انضمت مبكراً لاتفاقية الجات قبل المنظمة ثبتت رسومها الجمركية على كافة السلع عند مستوى 100% بينما اضطرت قطر والإمارات اللتان انضمتا للمنظمة عام (1995م) و (1996م) على التوالي تثبيت سقوفها الجمركية عند مستوى لا يزيد في المتوسط عن 15% وفي مجال الخدمات التزمت البحرين التي انضمت عام (1995م) بفتح 44% من سوق الخدمات للاستثمار الأجنبي في حين عمان التي انضمت عام (1999م) فتحت بنسبة 72% ، أما الأردن والصين اللتان انضمتا عام 2001م فبنسبة 86% ، وقل مثل ذلك في حق استخدام "معايير الحاجة الاقتصادية" في محال الخدمات التي حصل عليها الاتحاد الأوربي بينما لم تحصل عليها الدول المتأخرة في الانضمام .
• المنظمة بهذا العدد من الدول الأعضاء تشكل حوالي 80% من مجموع دول العالم وتستحوذ على 89% من التجارة الدولية في قطاعات السلع والخدمات والأفكار ، وعلى 90% من التعاملات المالية و 93% من خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات و 97% من حقوق الملكية الفكرية و 92% من الخدمات المالية والتأمين ، و 90% من خطوط الملاحة الجوية و 88% من مشتروات العالم في الطاقة والألمنيوم والحديد والبتركيماويات .
• والمنظمة بهذا الهدف - وهو تحرير النظام التجاري الدولي - تعتبر الضلع الثالث من أضلاع مثلث العولمة الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي (IMF) الذي يشرف على تحرير النظام النقدي الدولي والسياسات النقدية ( أسعار الصرف / موازين المدفوعات / العجز والمديونية الخارجية / أسعار الفوائد / السقوف الائتمانية للبنوك ) ومع البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IB r D) والذي يشرف على تحرير النظام المالي الدولي ومساعدة الدول النامية ( تقديم قروض طويلة الأجل / التخصيص / الاستخدام الأمثل للموارد ) .
ثانياً : مجالات التجارة الدولية وموقف المملكة فيها :
مجالات التجارة الدولية لدى المنظمة تتضمن ثلاثة قطاعات هي : قطاع السلع و قطاع الخدمات و قطاع الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ، وفيما يلي تعريف مختصر لهذه القطاعات ، وبيان موجز لموقف المملكة فيها حسب ما ورد في وثائق بروتوكول اتفاق المملكة مع المنظمة :-
1- قطاع السلع :
• السلع الصناعية والزراعية المصنفة لدى المنظمة تبلغ 7177 سلعة ، وتحكم تجارة السلع الاتفاقية العامة بالتعريفات الجمركية والتجارة(الجات1994GATT ).
• يخضع تنظيم التجارة الدولية في قطاع السلع إلى 20 اتفاقية و 3 مذكرات تفاهم وعلى رأسها الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة ( الجات 47 ) والتي أبرمت بين الأطراف المتعاقدة عام (1947م) وعدلت لتكون إحدى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ( الجات 94 ) عام 1994م .
• من أبرز المشكلات بين الدول المتقدمة والدول النامية في تجارة السلع ؛ أن الدول المتقدمة تطالب الدول النامية بتخفيض السقوف الجمركية على الواردات الزراعية بينما تطالب الدول النامية الدول المتقدمة بتخفيض الدعم الزراعي وعدم دعم الصادرات .
• ستنخفض الرسوم الجمركية على 12% من عدد السلع البالغة 7177 خلال خمس سنوات من انضمام المملكة وعددها 870 سلعة ، 6% منها من البداية والباقي خلال خمس سنوات تدريجياً .
• من البداية ستنخفض رسوم بعض السلع من فئة20% إلى 15% مثل البلاستيك والورق والحديد والأثاث ، وإلى 10 % مثل زيوت المحركات ، وإلى 8% مثل الحلويات و الشوكولاتة وأنابيب الحديد.
• بعد خمس سنوات سيتم تخفيض الرسوم الجمركية من فئة 20 % وفئة 12% إلى 6.5 % مثل الأسمدة والبويات والصابون والعطور ومنتجات البلاستيك .
• التزمت المملكة بالإعفاء من الرسوم الجمركية لبعض السلع مثل المواد الصيدلانية وأجهزة تقنية المعلومات وبعد ثلاث سنوات سيتم إعفاء أجهزة الحاسب الآلي ولوازمها وأجهزة الاتصالات الهاتفية ( ثابت وجوال) .
• سوف تلغى جميع الرسوم النوعية ، التي كانت تطبق كحد أدنى للتحصيل الجمركي على بعض السلع باستثناء الدجاج والبيض والتبغ .
• تبلغ السلع الزراعية 1320 سلعة تعادل 18 % من إجمالي السلع منها 165 سلعة صنفتها المملكة سلعاً حساسة نجحت في تحديد سقوف جمركية جيدة لها وهي أهم السلع الزراعية الرئيسية التي تم الاستثمار فيها خلال السنوات الماضية مثل التمور / القمح / الدجاج اللاحم / بيض المائدة / الحليب طويل الأجل / بعض الخضار والفاكهة.
• *90% من السلع الزراعية تزيد رسومها الجمركية الملتزم بها مع المنظمة " المثبتة " على الرسوم المطبقة ، ويبلغ متوسط الرسوم على السلع الزراعية حوالي 15% وهذا يزيد على الرسوم المطبقة بمقدار الضعف .
• بعض الرسوم الجمركية المطبقة على بعض السلع أقل من التزام المملكة تجاهها مع المنظمة والتوجه لعدم رفعها إلا عند الحاجة وبالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي ، كما يوجد 223 سلعة رسومها المطبقة صفر بينما لا يوجد سوى ثلاث سلع مثبتة مع المنظمة بصفر .
2- قطاع الخدمات :(28/109)
• الخدمات هي الأنشطة التجارية في سلع غير حسية ( غير مجسدة ) مثل الاتصالات والتعليم والبنوك وتحكمها الاتفاقية العامة في الخدمات (GATS).
• قطاع الخدمات يغطي جميع الأنشطة الخدمية فيما عدا التي تقع في نطاق صلاحيات الحكومة مثل خدمات المصارف المركزية ، والتأمينات الاجتماعية ، ومعاشات التقاعد والتي لا تقدم على أساس تجاري ولا تنافس الخدمات التي يقدمها الآخرون ، ويصنف قطاع الخدمات لدى المنظمة إلى 12 قطاعا رئيسيا و155 قطاعا فرعيا وأكبر نسبة في فتح أسواق الخدمات حصل في الدول المتقدمة كاستراليا وسويسرا وأمريكا ثم الاتحاد الأوربي والأقل نسبة حصل في الدول النامية مثل مصر والهند وإندونيسيا والأرجنتين وأما في المملكة فقد تم فتح 11 قطاعا رئيسا و 111 قطاعا فرعيا في اتفاق المملكة مع المنظمة وتم حجب الباقي لأسباب دينية وأمنية وصحية وبيئية استنادا إلى المادة (14 ) من اتفاقية الجاتس (GATTS ).
• قطاعات الخدمات الرئيسية هي : خدمات الاتصالات ومن ضمنها الاتصالات الهاتفية والسمعية والبصرية والبريد / خدمات الإنشاءات وما يتعلق بها من خدمات هندسية /خدمات الأعمال ومن ضمنها الخدمات المهنية والعقارية وخدمات التأجير / خدمات التوزيع ومن ضمنها خدمات البيع بالوكالة وتجارة الجملة والتجزئة وعقود الامتياز / الخدمات التربوية وتشمل التعليم بكافة مراحله وتعليم الكبار / الخدمات البيئية ومنها خدمات الصرف الصحي وتصريف النفايات والنظافة الصحية / الخدمات المالية ومن ضمنها التأمين والبنوك / الصحة والخدمات الاجتماعية ذات العلاقة / خدمات السياحة والسفر وما يتعلق بها / الخدمات الثقافية والترفيهية والرياضية / خدمات النقل ومن ضمنها النقل البحري والبري والجوي / خدمات أخرى غير واردة في أي قطاع مثل الخدمات المتصلة بالتجارة الإلكترونية ومثل إدارة الموارد الطبيعية كالطاقة ، والخدمات المقدمة من أجهزة حكومية مثل إدارة الجوازات ، شؤون الطيران المدني ، كذلك القواعد واللوائح الخاصة بالهجرة من بلد إلى آخر .
• تبلغ نسبة مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي في العالم 40% في المتوسط ، وفي الدول النامية 50% بينما في السعودية 40% وهي نسبة تقل بكثير عن مثيلاتها في الدول الصناعية التي تصل إلى 70% حسب إحصائيات عام ( 2005م ) ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة في المملكة تدريجياً بعد الانضمام .
• مثلت التجارة العالمية في الخدمات نحو 23% من إجمالي حجم التجارة العالمية ( سلع وخدمات ) حيث بلغت قيمة الصادرات العالمية من الخدمات عام 2005م نحو (1440) مليار دولار ، وتشير إحصائيات المنظمة في منتصف عام 2003م إلى أن المملكة أحرزت المركز (21) بين الدول في واردات الخدمات لتصل إلى (18.3) مليار دولار وبذلك تحتل المملكة المركز الأول عربياً والمركز الثاني- بعد تركيا - إسلامياً في واردات الخدمات .
• أهم الالتزامات المحددة على القطاعات الرئيسية والفرعية في الخدمات في اتفاق المملكة مع المنظمة هي:
- خدمات الأعمال : الملكية الأجنبية في الخدمات المهنية تصل إلى 75% ( الخدمات القانونية / المحاسبية / الهندسية / الطبية ) ، عدم حضور المحامين الأجانب للمرافعة في المحاكم .
- خدمات الاتصال : الملكية الأجنبية في خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية من 49% - 70% حسب نوع الخدمة .
- خدمات التوزيع : الملكية الأجنبية 51% ترفع إلى 75% بعد ثلاث سنوات ، وبحد أدنى لرأس المال الأجنبي 20 مليون ريال لكل خدمة ، وبما لا يزيد عن منفذ واحد في كل حي ، مع تدريب 15% من السعوديين كل عام ، ويبقى وضع الوكلاء بالعمولة كما هو .
- الخدمات المالية : الملكية الأجنبية 60% (المصارف ، شركات التأمين).
- السفر والسياحة وما له علاقة : التراخيص حسب الحاجة الاقتصادية للبلد .
- خدمات النقل : لم يتم فتح خدمات النقل البري والجوي للاستثمار الأجنبي وقصره على السعوديين لأسباب أمنية واستثناء مصر وتركيا وسوريا ولبنان وتونس من مبدأ الدولة الأولى بالرعاية في نشاط النقل البري حيث تتمتع هذه الدول باستثناءات إضافية وفق اتفاقيات ثنائية.
- الخدمات الترفيهية والثقافية والرياضية : تم فتح خدمات الحدائق العامة والمنتزهات فقط وحجبت خدمات التسلية ووكالات الأنباء والمكتبات والمتاحف والرياضة .
- الخدمات المصنفة بخدمات أخرى تم حجبها لأسباب أمنية وسياديّة .
• التزامات أفقية في قطاع الخدمات :
- الوجود التجاري للخدمات الأجنبية يتم وفقاً لنظام الشركات المساهمة أو ذات المسؤولية المحدودة ، أما خدمات الأعمال فوفقاً لنظام الشركات المهنية .
- جميع مقدمي الخدمات يلزمهم الحصول على التراخيص للعمل التجاري من الهيئة العامة للاستثمار .
- تطبيق الأنظمة واللوائح المحلية على جميع الخدمات الرئيسية والفرعية .
- لا تزيد نسبة العمالة الأجنبية على 25% من إجمالي القوى العاملة في الشركة الأجنبية العاملة في المملكة ، وقصر وظائف الاستقبال ، و إدارة التوظيف ، والمحاسبين ، ورجال الأمن ، والعلاقات العامة ، على السعوديين .(28/110)
- يستطيع المستثمرون الأجانب الاستفادة من جميع الخدمات في المملكة عدا بعض الخدمات المعانة (الخدمات الصحية ، قروض البنك العقاري ، إعانات التعليم ونحوها) ، كما يمكن للشركات الأجنبية المصرح لها تملك العقار وفق نظام تملك العقار لغير السعوديين .
- وجود المستثمرين الأجانب في المملكة غير مقيد ، باستثناء ذوي الإقامات المؤقتة ، فرجال الأعمال الزائرون مدة إقامتهم 180 يوما ، والعاملون في الشركة سنتان قابلة للتجديد ، ومقدمو الخدمات وفق عقود تجارية مؤقتة 180 يوما قابلة للتجديد .
3- قطاع حقوق الملكية الفكرية:
• يقصد بالملكية الفكرية منح أصحاب الأفكار الحق في تملكها والاستفادة المادية منها عن طريق حمايتها خلال فترة معينة ومنع الآخرين من التعدي عليها دون موافقة أو ترخيص من مالكها وقد صارت إحدى مجالات التجارة الدولية خلال مفاوضات جولة الأورجواي التي انتهت بإعلان منظمة التجارة العالمية في مراكش وتضمينها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية " تربسT r IPS"
• تنحصر هذه الاتفاقية في مجالات ثمانية هي : حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بها / العلامات التجارية / المؤشرات الجغرافية/ المعلومات السرية ( الأسرار التجارية ) / النماذج الصناعية ومدة الحماية 10 سنوات / براءات الاختراع ومدة الحماية 20 سنة/ التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة ومدة الحماية 10 سنوات / الأصناف النباتية ومدة الحماية من 20-25 سنة.
• هناك لجنة دائمة لحقوق الملكية الفكرية في المملكة من الجهات ذوات العلاقة برئاسة وزارة التجارة والصناعة وقد عملت كإحدى اللجان الفنية في مفاوضات الانضمام .
• هذه الاتفاقية عبارة عن إحالة إلى الالتزام بأحكام عدد من الاتفاقيات الدولية في هذا المجال وهي :
- اتفاقية ( باريس ) لحماية الملكية الصناعية .
- اتفاقية (بيرن ) لحماية المصنفات الأدبية والفنية .
- معاهدة الملكية الفكرية المتصلة بالدوائر المتكاملة .
- التفاهم بشأن تسوية المنازعات من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة(GATT 94 )
ثالثاً :الاستثناءات المتعلقة بالهوية التي حصلت عليها المملكة :
جاءت جميع نتائج مفاوضات المملكة للانضمام في ثلاث وثائق رسمية هي :
1- وثيقة تقرير فريق العمل wtaccsau61 .
2- وثيقة الجداول الموحدة للسلع wtaccsau61add1 .
3- وثيقة الجداول الموحدة للخدمات wyaccsau61add2.
وهذه الوثائق الثلاث التي تتجاوز عدد صفحاتها 600 صفحة هي الوثائق الرسمية الوحيدة للانضمام ، وليس هناك أي وثائق أو اتفاقات أخرى غير هذه الوثائق ، ويمكن الإطلاع عليها من خلال موقع المنظمة على شبكة الانترنت www.wto.o r g ، وجميعها متعلق بالاقتصاد والتجارة والاستثمار وما يتصل بها من إجراءات وأنظمة ولوائح ، وليس فيها ما يتعارض بشكل مباشر مع الشريعة الإسلامية ، ولا ما يخل بالأمن والصحة والبيئة ، حيث تم الاستفادة من المادة(20) من اتفاقية الجات والمادة ( 14) من اتفاقية الجاتس للحصول على الحماية اللازمة .
من جانب آخر ليس لأحكام والتزامات الانضمام أي علاقة بأمور أخرى اجتماعية أو دينية بشكل مباشر مثل إنشاء دور للعبادة أو وضع الهيئات الدينية والخيرية أو وضع المرأة أو حقوق العمال ، ولم يتم التطرق خلال المفاوضات لجميع لهذه الموضوعات بشكل رسمي وعلى العموم فقد حظيت المملكة في انضمامها لمنظمة التجارة العالمية على بعض الاستثناءات لهويتها الإسلامية ويتضح ذلك من خلال الاستثناءات التالية :
1) في قطاع السلع :
منع استيراد السلع المحرمة (65 سلعة) تمثل الخمور بأنواعها ولحوم الخنزير ومشتقاتها ولحوم الضفادع وجميع الأغذية المحتوية على دماء الحيوانات ، وعدم قبول أي رسوم جمركية عليها حتى ولو كانت مرتفعة جداً .
2) في قطاع الخدمات :
تم استثناء أحد الخدمات الرئيسية المسماة بـ(خدمات أخرى) وعدد من الخدمات الفرعية لأسباب دينية وأخلاقية وأمنية وصحية استناداً إلى الفقرة رقم (14) من اتفاقية الجاتس GATS (الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات) وأهم ذلك :-
أ - فيما يتعلق بخدمات الأعمال السمعية والبصرية Audio- Visual Wo r ks في خدمات الاتصالات ، لم يتم فتح خدمات النشر والمطابع والإنتاج السينمائي والتلفزيوني للاستثمار الأجنبي.
ب - تم حجب أنشطة صالات القمار والبارات والأندية الليلية من الخدمات الثقافية والترفيهية والرياضية والتي تصنف ضمن نشاط فرعي يسمى التسلية ، ولم يفتح سوى خدمات الحدائق العامة والمنتزهات من الخدمات الترفيهية .
جـ - تم استثناء الخدمات الاجتماعية من الصحة والخدمات ذات العلاقة نظراً لحساسيتها في مجتمع مسلم محافظ كمجتمع المملكة.
د- لم يتم فتح خدمات الحج والعمرة للأجانب ، حيث تقتصر هذه الخدمة على السعوديين فقط .
هـ - تم فتح نشاط التأمين في الخدمات المالية أمام الاستثمار الأجنبي وفق نظام التأمين التعاوني (ولا يخفى أن المسمى تأميناً تعاونياً ما هو إلاّ محض تأمين تجاري في الغالب وهناك جهود لتصحيح الوضع).(28/111)
و- تقديم الخدمات الرئيسية والفرعية لجميع المستثمرين وفق الأنظمة والضوابط والإجراءات المحلية.
ز- جميع المستثمرين الأجانب عليهم دفع الضرائب المقررة على أرباحهم، أما المستثمرون السعوديون فعليهم دفع الزكاة الشرعية فقط ، ماعدا الاستثمار في الغاز وإنتاج الزيت والمواد الهيدروكربونية ، فإن الجميع يخضع لنظام الضريبة.
3) في قطاع حقوق الملكية الفكرية :
تضمنت أنظمة ولوائح حقوق الملكية الفكرية التي تم إعدادها لمتطلبات الانضمام نصوصاً بعدم التزام المملكة بحماية ما يتعارض في تلك الحقوق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، ومن ذلك :
أ - عدم حماية المؤشرات الجغرافية للخمور والمشروبات الكحولية لأنها سلع محرمة .
ب - تم حذف الخمور والمشروبات الكحولية من قائمة تصنيف السلع والخدمات الملحقة بنظام العلامات التجارية .
ج - نصت المادة الرابعة في نظام براءات الاختراع على عدم منح الحماية إذا كان الاستغلال التجاري مخالفاً للشريعة الإسلامية ، وكذلك ورد في المادة الثانية من نظام العلامات التجارية .
رابعاً : انضمام المملكة بين المكاسب والتكاليف :
لا جدال في أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية يحمل مكاسب وتكاليف فالمكاسب هي الاستثناءات التي حصلت عليها المملكة وعددها 59 والتكاليف هي الالتزامات التي قدمتها المملكة وعددها 58 ومن أمثلة الالتزامات :
إبقاء الضرائب على أرباح الشركات الأجنبية على حالها وهو 20% دون رفع وكذلك تخفيض الدعم الزراعي المباشر بحدود 13.3% في مدى عشر سنوات , ومن أمثلة الاستثناءات :
بقاء قروض البنوك الصناعية والزراعية وكذلك الإبقاء على إعفاء مدخلات الإنتاج المستورد من التعرفة الجمركية ، ولذا فالجدل قائم في أي من المكاسب والتكاليف أعظم ، وفيما يلي بيان ذلك :
1- المكاسب:
يرى البعض أن مكاسب الانضمام أكثر من تكاليفه ، ويمكن عرض أهم المكاسب في النقاط التالية:
أ - وجود المملكة داخل المنظمة سينعكس عليها إيجابياً من الناحية الاقتصادية ، لأن الانضمام يعطيها القدرة - بمشاركة بعض الدول المستفيدة - على توجيه مسارات القرارات وتفعيل سبل إطلاق المبادرات والتفاوض بشأن مصالحها، من خلال مشاركة فعالة في جميع القضايا التي تطرحها المنظمة للنقاش، مستفيدة من النظام التجاري العالمي ومنها هيئة حسم المنازعات للدفاع عن مصالح المملكة الاقتصادية ومن أهم ذلك تحرير استثناء النفط ومشتقاته من قبل عشرين دولة ( منها أمريكا واليابان وكندا والبحرين والكويت..............الخ ) .
ب - سيتوسع نطاق التبادل التجاري بين المملكة والدول الأخرى الأعضاء وسينفتح اقتصاد المملكة على الاقتصاد العالمي بشكل أكبر، بحيث تتمكن الصادرات السعودية من النفاذ بسهولة إلى أسواق الدول ا?عضاء في المنظمة ، ?ن الرسوم الجمركية ستكون منخفضة أو ملغاة مع عدم التمييز في المعاملة بينها وبين منتجات أي عضو آخر، وعلى هذا فإن الصادرات السعودية سوف تزداد إلى ا?سواق العالمية وكأمثلة على ذلك فإن الصين ارتفعت صادراتها بمقدار 20% سنوياً وعمان 15% والأردن 10% بعد دخول هذه الدول إلى المنظمة .
جـ- إن عضوية المملكة في المنظمة ستحسن مناخ الاستثمار وستدعم برنامج ا?صلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة حاليا، لأنها ستجد نفسها ملزمة بتطبيق مبادئ المنظمة ومن ضمنها مبدأ الشفافية ، ووضوح الأنظمة والإجراءات ، وتوفير الحماية اللازمة ، ومنها حماية الحقوق الفكرية ، الذي سوف يحفز الابتكار والإبداع ،فلقد أصدرت المملكة 42 نظاما جديدا مع لوائحها التنفيذية كمتطلب للانضمام ومن أهمها أنظمة حقوق الملكية الفكرية وأنظمة القضاء الإجرائية ، ومن جهة أخرى فإن إضفاء المزيد من الانفتاح على السوق السعودية أمام السلع والخدمات ا?جنبية من شأنه التعجيل بعملية الخصصة وتعزيز مناخ المنافسة مما يحسن الإنتاجية ويخفض الأسعار ويقلل الفساد الإداري والمالي .
د - حصول المملكة على استثناءات في جداول الخدمات والسلع وحقوق الملكية الفكرية فلم يفتح المجال الرئيسي المصنف تحت اسم " خدمات أخرى " لأسباب أمنية وسياديّة ، وحجبت عدد من المجالات الفرعية مثل نشاط التسلية لأسباب دينية وأخلاقية ومنع استيراد السلع المحرمة ، وتحديد نسبة العمالة ا?جنبية بما لا يزيد عن 25% من إجمالي العاملين ، وتطبيق الزكاة الشرعية على المستثمر السعودي في معظم مجالات الاستثمار وعدم حماية الحقوق الفكرية فيما يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية ، سيخفف من الآثار الثقافية السلبية للانضمام .
هـ- سيكون المستهلك مستفيداً من هذا الانضمام حيث ستتوفر أمامه خيارات أكبر من السلع والخدمات بأسعار أقل وجودة أعلى ، وستزيد ثقته في السلع المتوفرة التي سينحسر عنها الغش التجاري والتقليد والتلاعب با?سعار، حيث تخضع السلع المحلية وا?جنبية إلى قواعد وضوابط قوية.(28/112)
و - فتح ا?نشطة الخدمية أمام الاستثمار الأجنبي سيثري الاقتصاد السعودي ، وسيضمن تدفق ا?موال والتقنية والخبرة في هذه الخدمات ويضاعف القيمة المضافة المحلية وكأمثلة على ذلك فإن القيمة المضافة في أسواق الصين والأردن من جراء تدفق الاستثمار الأجنبي بلغت 22% ، 17% على الترتيب بعد انضمامهما للمنظمة ، وسيسهم الانضمام في تنشيط القطاع الخاص، ويحقق التنوع في الاقتصاد المحلي، كما أنه يساعد على تأمين مزيد من فرص العمل لليد العاملة المتنامية مما يقلل من نسبة البطالة .
ز - الإبقاء على الوضع القائم لبعض السياسات والبرامج التنموية مثل تسعيرة الغاز، ووضع بعض المؤسسات المملوكة للدولة مثل الصوامع ( ومؤسسات أخرى غيرها ) ، والصناديق الاقراضية ( كصندوق التنمية الزراعي والصناعي ) ، والسياسات العامة الزراعية الداخلة تحت ما يسمى بالصندوق الأخضر (G r een Box) والتي تشمل بناء السدود ومكافحة الآفات والأبحاث والتطوير ونحو ذلك ، وتحديد نسبة العمالة الأجنبية بـ 25% ، وتدريب العمالة الوطنية ومجالات دعم أخرى مسموح بها من خلال أنظمة المنظمة أو حصلت عليه المملكة بالمفاوضات مع المنظمة ، كل ذلك من المكاسب للاقتصاد والتجارة المحلية .
2- التكاليف :
يتخوف البعض من آثار انضمام المملكة إلى المنظمة ، ? سيما على المدى المتوسط والبعيد، حيث إن هذه ا?ثار لن تظهر بشكل واضح في المدى القصير؛فالتأثير سيحدث بشكل تراكمي ، ومن ثم يمكن القول إن التكاليف تتزايد بمرور الوقت بعد الانضمام ففي دراسة قدمت لمنتدى الرياض الاقتصادي الثاني تبين أن 91% ممن شملهم الاستفتاء يعتقدون بأن تكاليف الانضمام أكبر بكثير من المكاسب وأن 90% من موردي الخدمات يرون أن قطاع الخدمات سوف يتأثر سلباً وأن 77% منهم لا يؤيدون الانضمام ، وفيما يلي ذكر لبعض هذه التكاليف :
أ - ارتفاع أسعار السلع المحمية بحقوق الملكية الفكرية، مثل: برامج الحاسب الآلي، و ا?دوية ، والحبوب المعدلة جينياً ، لأن القيود على استيراد المملكة للتقنية الحديثة ستزداد تعقيداً في ظل اتفاقيات المنظمة ، حيث ستلجأ كثير من الشركات المالكة لهذه التقنية إلى الحد من بيعها إلا بمبالغ باهظة.
ب - سيصبح للشركات ا?جنبية وجود قوي في السوق المحلية، خاصة في مجال الخدمات ، وهذا بدوره سينعكس سلباً على بعض الشركات والمؤسسات المحلية الصغيرة التي سُتجبر على الخروج من السوق لعدم قدرتها على المنافسة.
جـ - تقليص الدعم المباشر للصادرات الزراعية والصناعية وارتفاع نسبة الملكية الأجنبية في بعض الخدمات و تقلص القائمة السلبية مع الوقت ، ومنح حق المفاوض الأول لبعض الدول على بعض السلع حسب المادة 28 من اتفاقية الجات 94( 2817 سلعة من 7559 سلعة ) سيزيد من أعباء وتكاليف الانضمام على التجارة المحلية .
د - التوجه في المفاوضات الحالية وفق " أجندة الدوحة للتنمية " لتخفيض الرسوم الجمركية على السلع الزراعية والصناعية وتخفيض الدعم الزراعي وزيادة النفاذ لأسواق الخدمات والالتزام باتفاقات جديدة على حساب الاتفاقات السابقة مما يؤثر على الالتزامات والاستثناءات التي حصلت عليها المملكة حال الانضمام .
هـ - فتح بعض قطاعات الخدمات للاستثمار ا?جنبي ونفاذ السلع قد يترتب عليه آثار ثقافية بما تحمل من أنماط اجتماعية وسلوكية غير مرغوبة، وينطبق ذلك خصوصا على قطاع التعليم الذي فتح بلا قيود خاصة ما قبل الجامعي إذ تحمل المدارس ا?جنبية آثارها الثقافية والسلوكية التي تتعارض مع سياسة التعليم الوطنية.
هذه أهم المكاسب والتكاليف ويبقى الجدل قائماً في أي منهما أعظم،فيمكن أن يقال:- من الممكن تفادي هذه السلبيات بالاستعداد الجيد وإنشاء التكتلات الاقتصادية المحلية ا?قليمية، ودمج الشركات الوطنية مع بعضها البعض بما يحقق مزايا نسبية للإنتاج المحلي ، ومنع ظهور آثار ثقافية سلبية بتطبيق الأنظمة المحلية والضوابط المقررة . ويعزو البعض أن سبب المخاوف من آثار الانضمام إلى المنظمة ناجم عن غياب الدراسات وا?بحاث العلمية في هذا المجال التي تشرح طبيعة المنظمة ونشاطها ومميزات الانضمام إليها وسلبياتها ففي دراسة منتدى الرياض الاقتصادي الثاني أجاب 95% بأنهم يجهلون مبادئ واتفاقيات المنظمة ، والسبب الآخر لهذه المخاوف يعود إلى تصور البعض بأن المملكة قد قدمت تنازلات تتعلق بالقيم والثوابت الدينية والاجتماعية ، وهو أمر مبالغ فيه ، وفي كل ا?حوال فإن المادة (15) من اتفاقية المنظمة تعطي الحق ?ي دولة أن تنسحب من المنظمة في الحالات التي يثبت فيها أن قوانين المنظمة وقراراتها تسعى للنيل من سيادة الدولة العضو أو التدخل في شئونها الداخلية .
خامساً : أهم التحديات التي تواجه خطط التنمية والقطاعات التجارية في المملكة :
1 ) التحديات التي تواجه المملكة في التنمية :
- النفط يشكل 87% من إجمالي الصادرات فهو مصدر الدخل الرئيس .
- المواد المصنعة ونصف المصنعة تشكل 95% من إجمالي الواردات .
- تصنف المملكة في المركز الخامس بين أبطأ الدول في النمو الاقتصادي .(28/113)
- وفي المركز السابع عشر بين أعلى الدول نسبة في نمو عدد السكان .
- وفي المركز السادس عشر بين أقل الدول استخداماً للعمالة المحلية .
- وفي المركز الخامس والستون بين الدول في تطوير الموارد البشرية .
- وليست ضمن الدول التي تهتم بالبحث العلمي حتى في المجالات التي تحتل فيها المراكز الأولى كالنفط وتحلية المياة .
- وليست من الدول التي تصدر الخدمات بل هي المستهلك الأكبر ضمن الدول النامية .
- ويختفي اسم المملكة من قائمة الدول التي تحتل أفضل المراكز في قطاعات الاتصالات واستخدام الدوائر الالكترونية العددية واستخدام الأقمار الصناعية والمناطق الحرة .
- تراجع مستوى التعليم وازدحام الجامعات وعدم وجود إستراتيجية واضحة للتعليم الفني والتدريب المهني والإخفاق في اعتماد وسائل علمية في توطين العمالة .
- زيادة أعباء الديون الداخلية لتصل إلى نسب عالية من قيمة النتاج المحلي الإجمالي وانخفاض مستوى دخل الفرد في العقدين السابقين .
- وهناك تحدٍ آخر هو المحافظة على الموارد الطبيعية وترشيد استهلاكها خاصة النفط والماء وحفظ حق الأجيال فيها .
2 ) التحديات التي تواجه القطاعات التجارية في المملكة :
- البطء في تطبيق الأنظمة و إجراءات التقاضي وضعف نظام التحكيم وتأخير إنفاذ الأحكام والقرارات وعدم وجود محاكم متخصصة لبعض الأنشطة التجارية ففي الدراسة المشار إليها سابقاً ظهر أن 100% ممن شملهم الاستفتاء من موردي الخدمات السعودية يعتقدون بأن مستوى القوانين والتشريعات الحالية في المملكة لا تضمن غطاء الحماية لأنشطة منشآتهم الخدمية .
- البيروقراطية الحكومية خاصة في الخدمات بقطاعاتها المتعددة حيث لا يوجد جهة واحدة مسؤولة عن التعامل مع هذا النوع من التجارة ، وإنما تتوزع المسؤولية بين عدد كبير من الجهات الحكومية مما يضاعف من حجم هذه المشكلة .
- ضعف مستوى المعرفة بمبادئ واتفاقيات المنظمة والفرص المتاحة ومواقع المنافسة الحادة / وعدم وجود مراكز وبوابات الكترونية كافية للاستفسارات ، وقد سبق ذكر نتائج دراسة ملتقى الرياض الاقتصادي الثاني بأن 95% ممن شملهم الاستفتاء يجهلون مبادئ واتفاقات المنظمة .
- ضعف كفاءة الأجهزة الحكومية اللازمة لتحقيق المشاركة الفعالة في النظام التجاري العالمي / عدم وجود آليات رسمية وشعبية لحماية الأنشطة التجارية من المخالفات ولمراقبة تطبيق الأنظمة المحلية والعالمية / وعدم كفاءة الموجود منها لمتطلبات الانضمام / وقلة برامج تدريب الكوادر الكافية للقيام بهذه المهام .
- ضعف الشفافية والإفصاح عن ما يخص الجوانب القانونية والإجرائية والتعاقدية من القرارات والأنظمة والتعاميم والأحكام و القصور في نشرها ، وعدم وجود مركز استفسار مدعم بقاعدة بيانات بما يتيح الرد على الاستفسارات وموافاة المنظمة بأي تعديلات تطرأ عليها .
- قلة الدراسات الاقتصادية المتخصصة لتوضيح نقاط القوة ونقاط الضعف في الأسواق المحلية المفتوحة للاستثمار الأجنبي ومن ثم اقتراح السبل المثلى للتعامل مع مبادئ النظام التجاري العالمي وكيفية استثمار الفرص المتاحة والميزات النسبية في الأسواق المحلية والأسواق العالمية .
- إمكانية تقليص المكاسب التي حصلت عليها المملكة في حالة سير المفاوضات المستقبلية حسب أجندة الدوحة والتي تهدف إلى مزيد من تحرير التجارة حسب وجهة نظر الدول المتقدمة .
- احتمال إثارة أسعار الوقود المنخفضة محلياً بالمقارنة بسعر البرميل عالمياً من قبل الدول الأعضاء أو بعضها باعتبار أن أسعار الوقود لها أثر بالغ في سعر بيع المنتج النهائي وعلاقة هذا السعر بأسعار ذات المنتجات في تلك الدول مثل قطاع الكهرباء والماء حيث يعتمدان بشكل كبير على الوقود من النفط ، وقطاعات صناعية أخرى مثل الألمونيوم والأسمنت والأسمدة والبتركيماويات .
- المملكة ليست بحاجة إلى تدفق أموال الاستثمار الأجنبي لأنها مصدرة لرؤوس الأموال للخارج فالتحدي هو في كيفية الاستفادة من الاستثمار الأجنبي في الحصول على التقنيات لتطوير القطاعات المحلية المختلفة .
سادساًً : الميزات النسبية التي تتمتع بها المملكة :
تتمتع المملكة بالمزايا النسبية التنافسية التالية :
أولاً : تختص المملكة بكونها مهبط الوحي وقبلة (25%) من سكان العالم وفيها الحرمان الشريفان ، وبالتالي :
1 ) تمثل المملكة المركز المناسب لقيام السوق الإسلامية المشتركة لتحقق الأهداف التالية :
أ - إنشاء المصارف الإسلامية والبنوك التمويلية الشرعية وتطوير آليات الأسواق المالية .
ب تأسيس شركات تأمين وإعادة تأمين تعاونية متوافقة مع فتاوى المجامع الفقهية .
ج وضع نظام معلوماتي متطور لتشجيع التجارة البينية بين الدول الإسلامية .
د -إقامة اتحادات جمركية وتكتلات تجارية وتحالفات صناعية بين الدول الاسلامية .
2 ) إمكانية استقطاب العلماء العرب والمسلمين في كافة المجالات ومن جميع الدول وتوطينهم لتحقيق الأهداف التالية :
أ إنشاء معاهد التقنية ومراكز الأبحاث .
ب نقل المعرفة وتوطين التقنية .(28/114)
ج توفير الخبراء المسلمين المؤهلين والعمالة المسلمة المدربة في كافة المجالات .
ثانياً : تمتلك المملكة (30%) من المخزون النفطي العالمي . وتحتل المركز الأول في إنتاج النفط وتصديره والمركز التاسع في إنتاج الغاز ، وبالتالي :
1 ) تمثل المملكة المركز المناسب لقيام المنشآت البحثية والتدريبية التالية :
أ معاهد أبحاث الطاقة النظرية والعملية في كافة مجالات الطاقة .
ب معاهد وكليات للتعليم العالي والدراسات العليا في مجال الطاقة .
ج- مراكز التدريب الفني والتعليم المهني في حقل النفط ومشتقاته والغاز واستخداماته .
2 ) قدرة المملكة على اختيار الشركات الكبرى العاملة في نفس المجال والتعاون معها في تحقيق التكامل الصناعي من خلال :
أ إنتاج النفط والغاز وتكريرهما .
ب تطوير الصناعات البتروكيماوية .
ج تسويق هذه المنتجات في الأسواق العالمية .
د توطين التقنية في هذا المجال .
هـ- إقامة مصانع إنتاج أجهزة حفر الآبار وتكرير النفط وإنتاج الغاز وقطع غيارها .
و إقامة المشاريع الصناعية التي تعتمد مقومات تصنيع منتجاتها على الطاقة للاستفادة من هذه الميزة النسبية مثل إنتاج الألمنيوم والحديد و الزجاج و المعادن الفلزية ونحوها .
ثالثاً : تتمتع المملكة بموقع جغرافي مميز حيث يحدها شرقاً دول المجموعة الآسيوية التي تتمتع بالعمالة الفنية المدربة ويحدها غرباً دول الاتحاد الأوربي التي تتمتع بالتقنية والخبرة والمعرفة وبالتالي تستطيع المملكة استغلال موقعها المتميز عن طريق :
1. استخدام التقنية الغربية والعمالة الشرقية المدربة لتصنيع المنتجات اللازمة للأسواق العالمية .
2. استغلال خطوط الملاحة بين المشرق والمغرب في إقامة المناطق الحرة .
3. إنشاء المناطق الاقتصادية في المملكة على غرار المدن الصناعية .
4. تطوير مرافق محطات القوى الكهربية في المملكة عن طريق استخدام النفط والغاز لتوليد الطاقة الكهربية وتصديره لدول الجوار في الجهات الأربع عبر خطوط الكهرباء ذات الجهد العالي .
5. بناء مرافق متقدمة لخطوط السكة الحديدية لنقل الركاب والبضائع والمنتجات من وإلى مختلف مناطق المملكة وخارجها .
رابعاً : تحتل المملكة المركز (30) بين دول العالم من حيث القوة الشرائية كما تحتل المركز (29) من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي . وبالتالي :
1. تستطيع المملكة تعظيم مكاسبها عن طريق تخصيص منشآتها الحكومية في أجواء منافسة حرة وعادلة ومن ثم تشجيعها على إبرام صفقات تحالف إستراتيجية (St r ategic Alliances) مع المنشآت العالمية المماثلة للاستفادة من قوة المملكة الشرائية وقدرتها على النفاذ لأسواق الغير .
2. إمكانية استرجاع رؤوس الأموال المهاجرة (Capital r epat r iation) وتشجيع الاستثمار الوطني والاستفادة من الاستثمار الأجنبي في نقل التقنيات وتطوير الانتفاع من زيادة القيمة المضافة المحلية .
3. توفير فرص العمل للمواطنين وتدريبهم على رأس العمل وبناء قاعدة اقتصادية محلية ذات مركز مرموق لتتفاعل مع التوجه العالمي لتحرير التجارة وتسخير مواردها للصالح العام مباشرة .
4. إعطاء أولوية لترسيخ مبادئ التجارة الإلكترونية وتنميتها في ظل اتفاقيات تقنية المعلومات (214سلعة) في قطاع السلع و اتفاقية الاتصالات الأساسية في قطاع الخدمات.
سابعاً : الآثار المتوقعة على بعض الجوانب الثقافية :
? يمكن الفصل بين تأثير انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية وتأثير ظاهرة العولمة التي تلقي بظلالها على جوانب الحياة الثقافية في السعودية في المرحلة القائمة و القادمة، والمرتبطة بمتغيرات كبيرة على صعيد تطور تقنيات الاتصالات والانترنت، وتركيز الخطاب السياسي الغربي(ا?مريكي خصوصا) على نشر ثقافة المجتمع المدني بالمفهوم الغربي ، وتزايد التدخل من جانب الو?يات المتحدة والدول الغربية في قضايا التعليم في السعودية خصوصاً ( والعالم ا?سلامي عموماً ) بحجة الإصلاح ، وشيوع نظرة غربية متعالية تتهم ا?سلام بالتحيز ضد المرأة وإهدار حقوقها .
وبالرغم من أن كثيراً من الخبراء الغربيين يميلون إلى تجريد العولمة من أي مضامين ثقافية فضلاً عن منظمة التجارة العالمية ، ولا يرون فيهما إلا تجارةً حرةً ، وأسواقاً عالميةً مفتوحةً، ومؤسسات مالية لا تعوقها القيود، وحوارا عالميا حراً غير مباشر عبر الحدود من خلال شبكة الاتصالات والانترنت أو مباشراً عبر المؤتمرات الدولية واجتماعات لجان المؤسسات والاتفاقيات الدولية ، وهم بعد ذلك يفسرون معارضة الدول النامية للتحرير الكامل للتجارة بتدني مهارات العمل لدى مواطني تلك الدول نتيجة لانخفاض مستويات التعليم وسوء مخرجاته وضعف الشفافية ، لكن في المقابل يتخوف باحثو وخبراء العالم الثالث من الأبعاد الكامنة في تحرير التجارة ، ولاسيما بالنسبة لتعميم قيم السوق وثقافة الاستهلاك والمادية المفرطة، التي تزخر بها الثقافة الغربية عموما وا?مريكية خصوصا، والخوف من السيطرة الاقتصادية ، وما تجلبه معها من قيم ثقافية غربية .(28/115)
ويخطئ البعض عندما يظن أن الخشية من تعميم النمط الثقافي ا?مريكي أو" أمركة العالم" قاصرة على الدول النامية فقط ، فدولة كفرنسا بكل ثقلها الثقافي رفعت أثناء مفاوضات الجات شعار "الاستثناء الثقافي " الذي يعني عدم معاملة المنتجات الثقافية وا?علامية باعتبارها سلعا اقتصادية تباع وتشترى في سوق عالمي متنافس ،وإنما باعتبارها منتجا يحمل رسالة ثقافية بحتة، بل إن فرنسا أصدرت قانونا توجيهيا عام 1997 م ، يلزم القنوات التليفزيونية الفرنسية بأن تكون 60% من برامجها التي تبثها من أصل أوروبي،وهو قانون موجه أساسا ضد ا?نتاج السينمائي والتليفزيوني ا?مريكي، وتمثل فرنسا اتجاها داخل المجتمع ا?وروبي يدعو إلى إيقاف مسيرة "أمركة أوروبا" .
والواقع أن ا?ثار الثقافية لمسألة تحرير التجارة لا يمكن أن ُترصد بسهولة ، لأن أساس وجود المنظمة وقوانينها هو اقتصادي ، والأمر الثاني أن الآثار الثقافية لا تظهر مبكراً ، وإنما تحتاج إلى زمن طويل نسبياً حتى تظهر، والدراسات الاستشرافية لمثل هذه الآثار غير متوفرة ، ونحن هنا نرصد بعض المؤشرات التي تسهم في تكوين ملامح عامة عنها ، وسنهتم فيما يلي برصد بعض القضايا الخاصة بالسعودية .
1- التعليم ا?جنبي
يمثل التعليم بكافة مراحله معظم قطاع الخدمات التربوية التي تم الاتفاق على تحريرها في اتفاق المملكة مع المنظمة بلا استثناءات أو قيود في إطار اتفاقية الخدمات (GATS) ، وقد تم فتح هذا المجال للاستثمار الأجنبي ، وفتح هذا المجال بهذه الصورة مثير للجدل فهو من أخطر المجالات التي تتحفظ الدول عادة في فتحه فالدول النامية التي تقع المملكة ضمن منظومتها لم يفتحه منها سوى 20% منها ، بل إن عدداً من الدول المتقدمة لم تفتحه بهذه الصورة التي حصلت مع المملكة ، وبلغت نسبة الدول التي فتحت هذا المجال من مجموع دول المنظمة 31% ولذا يبقى السؤال قائماً كيف حصل هذا ؟
ومعلوم أن أحد أوجه تميز التعليم في المملكة كونه ينبع من عنايته بغرس الهوية ا?سلامية في نفوس الطلاب منذ نعومة أظفارهم حتى بلوغهم مرحلة التعليم الجامعي من خلال المنهج والمدرس والبيئة التعليمية ، وغني عن البيان ما للبيئة التعليمية من تأثير على الهوية ، حيث تضطلع بمهمة ترسيخ مقومات الهوية ، وأهمها العقيدة واللغة والثقافة والتاريخ و تحصين أبناء المجتمع ضد ما يتعرض له من تشويه لهويته ، والرقي بالمجتمع من خلال تطوير مخرجات المناهج الدراسية استجابة لمتطلبات التنمية و تحديات العصر .
وفي المملكة تعليم أجنبي في المستوى قبل الجامعي، حيث بلغ عدد المدارس ا?جنبية 170 مدرسة (منها 40 مدرسة في مدينة الرياض ) ، وثمة شكاوى عديدة من ا?ساليب التي تتبعها هذه المدارس فيما يتعلق بالتجاوزات الشرعية ، والمتوقع أن يزداد الأمر سوأ في حالة دخول مستثمرين أجانب إلى هذا المجال .
ومن ناحية أخرى قد تركز تلك المدارس على اللغات ا?جنبية في تدريس مقرراتها مستغلة رغبة البعض في ذلك ، وهو أمر يؤدي في الغالب إلى إضعاف اللغة ا?م للطالب، وغني عن البيان ما تتعرض له اللغة العربية من أزمة خانقة بسبب تخلف طرق تدريسها وتقصير المتخصصين في العناية بها ، ومن شأن انتشار المدارس ا?جنبية أن يزيد من إعراض الطلاب عن اللغة العربية،وترسيخ شعور لديهم بأن اللغة الانجليزية هي لغة العصر والعلم والبحث التي تعكس رقي المتحدث بها وسعة اطلاعه ، ومن المهم هنا التنبيه إلى الفرق بين تعلم اللغات ا?جنبية وإتقانها الذي يبقى أمرا مطلوبا للبعض في مراحل متقدمة ، وبين تعليم الناشئة اللغات الأجنبية في مراحل تعليمهم ا?ولى وإلزامهم بذلك بما ينطوي عليه من إهمال للغة العربية وفقدان للهوية .
وحيث تم فتح هذا المجال فينبغي أن نفرق بين المستويين الجامعي وما قبل الجامعي ، فما قبل الجامعي خطير جداً لأنه تعليم عام في مراحل بناء الهوية فإذا صعب استثناؤه فعلى الأقل يقيد بأن تكون الإدارة من قبل وزارة التربية والتعليم ولا يكتفى بالمدير فقط مع التأكيد على تطبيق الأنظمة المحلية والحزم في التزام الضوابط المرعية أما الجامعي فيمكن أن يستثمر هذا المجال المفتوح والذي أصبح أمراً واقعاً في التخصصات التقنية والطبيعية للنهوض بمستوى التعليم العالي في المملكة شريطة وجود نظام إشراف ومتابعة فعال على المؤسسات ا?جنبية ، وإيجاد الأنظمة الكفيلة بجعل عمل هذه المؤسسات يصب في صالح البلد من خلال اشتراط توفير التخصصات الناقصة والمطلوبة للمملكة، وا?سهام في تنمية البحث المحلي ، وتقديم المنح الدراسية للمتفوقين والمحتاجين، وعدم تنحية اللغة العربية في التدريس والبحث ، مع التزام الجامعات بالأنظمة المحلية من منع الاختلاط وضبط المحتوى . وعند توفر هذه الشروط تقل إمكانية حدوث اختراق ثقافي .
2- مقاطعة إسرائيل
يتكون نظام مقاطعة إسرائيل على مواد تدور حول حظر التعامل مع إسرائيل أو استيراد البضائع والسلع والمنتجات ا?سرائيلية بكافة أنواعها، وحظر تبادلها أو الاتجار فيها داخل المملكة وحظر التعامل مع الشركات التي تتعامل مع إسرائيل .(28/116)
لكن المملكة قررت بعد توقيع اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في سبتمبر 1993 م ، استجابة لقرار مجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في دورته التحضيرية الثالثة والخمسين التي عقدت في نوفمبر 1994 م إيقاف المقاطعة للكيان ا?سرائيلي من الدرجتين الثانية والثالثة ، وصدر في هذا المعنى قرار مجلس الوزراء السعودي رقم 5 بتاريخ 14/1/1416 هـ.
و قبيل انضمام المملكة إلى منظمة التجارة مباشرة شرعت مصادر أمريكية وإسرائيلية في الترويج لأنباء تفيد أن المملكة تعهدت في اتفاقها الثنائي للتجارة مع الولايات المتحدة الذي ُأبرم في 5/8 /1426 هـ بأن تتاجر مع كل أعضاء المنظمة ومنها إسرائيل ، غير أن مصادر سعودية قالت إن الانضمام للمنظمة يفرض على المملكة أن تتعامل مع جميع الدول ا?عضاء إلا أن التعامل مع إسرائيل والشركات ا?مريكية المتعاملة معها سيخضع ?حكام خاصة جدا تم الاتفاق عليها بين الجانبين السعودي وا?مريكي، وفي حدود النص المعلن من الاتفاقية السعودية الأمريكية لم تأت على ذكر إسرائيل لا من قريب ولا من بعيد، وبعد انضمام المملكة للمنظمة بقي الموقف من المقاطعة كما هو في قرار مجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون المشار إليه سابقاً ، وهو بقاء المقاطعة من الدرجة الأولى وهو عدم التعامل المباشر مع إسرائيل فقط أسوة بأمريكا التي ما زالت تقاطع كوبا مع أنهما عضوان في المنظمة حيث أن قانون المنظمة يسمح بذلك ، واستمر سريان إلغاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة وهما التعامل مع الشركات أو الدول المتعاملة مع إسرائيل .
أما بند مقاطعة الدول المتعاملة مع إسرائيل فهو بند لم ينفذ أصلا ، أما بند مقاطعة الشركات فقد ألغي منذ ذلك التاريخ ومثاله شركة فورد للسيارات وشركة الكوكاكولا التي تمت مقاطعتهما لعقود ثم ظهرتا في الأسواق الخليجية بعد إلغاء المقاطعة بعد توقيع اتفاقية أوسلو ، هناك حالة رابعة وهي مخرجات الاستثمار الإسرائيلي في الدول الأخرى ومنها دول عربية وإسلامية ، وكذلك الاستثمار المختلط مع إسرائيليين في البلدان الأخرى ، ستجد المملكة نفسها ملزمة بفتح أسواقها لهذه المخرجات سواء كانت سلعا أو خدمات باعتبار أنها غير إسرائيلية المنشأ حسب التزام المملكة مع دول المنظمة ، وفي حالة ظهور السلع أو الخدمات الإسرائيلية المنشأ أو الاستثمار ، فينبغي أن يقوم الشعب بمقاطعة هذه البضائع والخدمات ، ويحتسب على من يجلبها من رجال الأعمال وهذه المواقف الشعبية لا علاقة للمنظمة بها ، ومن الضروري المبادرة بإيجاد آليات من خلال مؤسسات المجتمع لمقاومة التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل والتحذير منه ، وبيان الموقف الشرعي من ذلك .
3- دور المرأة
شهدت السنوات الماضية صدور العديد من القرارات الداخلية تتعلق بالمرأة ، كان أبرزها قرار مجلس الوزراء في 31/5/2004الذي تضمن زيادة فرص ومجالات العمل أمام المرأة بإصدار تراخيص للنساء لمزاولة الأنشطة الاقتصادية بدون عوائق . وهو قرار جاء بعد إزالة شرط وجود وكيل شرعي لكي تمارس المرأة العمل التجاري، وكذلك قرار الحكومة بأن تنشئ الجهات الحكومية التي تقدم خدمات ذات علاقة بالمرأة وحدات وأقساما نسائية بحسب ما تقتضيه حاجة العمل فيها. كما تم تخصيص فعاليات الجولة الثالثة للحوار الوطني الذي نظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في المدينة النبوية لمناقشة قضية (المرأة:حقوقها وواجباتها) في 14/6/2004 م والذي جاءت توصياته في الحدود المعقولة ، وتم السماح للمرأة السعودية بالمشاركة في انتخابات الغرف التجارية ، بالرغم أنه يلزم من ذلك الاختلاط بين الجنسين الذي تحظره الأنظمة والتعليمات .
وبالرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين قوانين المنظمة وقضية المرأة إلا أن هناك توجهاً لتوسيع مشاركة المرأة السعودية بعد الانضمام مدعوما بقرارت إدارية وممارسات رسمية ، وبالرغم من أن قرارات توسيع عمل المرأة نصت على الفصل بين الجنسين وعدم الاختلاط غير أننا نشهد دفعاً قوياً نحو تطبيع الاختلاط بين الجنسين في مواقع عديدة وتشجيعاً لذلك من قبل بعض وسائل الاعلام والصحف المحلية ، ومن ذلك الاختلاط الذي يحصل في غالب البنوك في الإدارات العامة وفي الأعمال غير المواجهة للجمهور .
هذه التطورات تأتي استجابة للتأثير الكبير لضغوط البيئة الدولية المطالبة بالإصلاح - حسب رؤيتها الغربية - حيث أصبحت قضية المرأة على رأس اهتمامات بعض المنظمات الدولية وا?قليمية خصوصا تلك التي ُتعنى بالشؤون الاجتماعية والتنموية والحقوقية من منظور علماني غربي .
المصدر الثاني الذي سيفتح المجال أمام المرأة هو ما يمكن أن تجلبه الاستثمارات الأجنبية من أيدِ عاملة نسائية من خلال نسبة الـ25 % المسموح بها حسب اتفاق المملكة مع المنظمة وسواء كانت هذه العناصر النسائية من الداخل أو الخارج فإنها قد تساهم في تغيير سمت بيئة العمل المحلية والتأثير السلبي على مبدأ الفصل بين الجنسين خاصة إذا لم يلتزم بالضوابط المحلية مع ضعف الرقابة أو تهاونها .
4- حقوق المستثمرين(28/117)
في سياق انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية لم تسمح المملكة بإنشاء دور عبادة أو كنائس لغير المسلمين للنصوص الشرعية الواضحة في هذا المجال، مع أن كثيراً من أسئلة الوفود المفاوضة تعلقت بهذا الجانب، وكان الفريق المفاوض يعتمد في إجاباته على أمرين:
أ أن الأنظمة الداخلية لا تسمح بوجود مثل هذه الدور.
ب أن حرية ا?ديان مسألة لم تتطرق لها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
وقد كان الموقف الرسمي تجاه هذه القضية منذ البداية واضحا وجيدا .
ومن المتوقع أن انضمام المملكة إلى المنظمة يفتح الباب لطرح قضية العلاقة مع غير المسلمين من زوايا عديدة ، فالسماح بزيادة أعداد المستثمرين قد يشجع المطالبة في وقت لاحق بإنشاء دور للعبادة ، وممارسة طقوس ذات بعد ديني وإبراز أعياد دخيلة على أهل الإسلام باعتبار أن هذه من حقوق المستثمرين ، الذين قد يستغلون شيوع مسألة انتقاد أوضاع الحريات الدينية في السعودية من قبل بعض منظمات حقوق ا?نسان الغربية و كذلك في تقارير لجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس ا?مريكي لإثارة المطالبات في هذا الشأن ، ولذا فأهمية الوعي بهذه القضية والحذر من التهاون فيها ودعم الموقف الرسمي المعلن تجاه هذه القضية أمر مطلوب ، والمسارعة في الاحتساب على أي بادرة في هذا الجانب ، والحذر من التساهل في بيان الموقف الشرعي منها لأن بقاء هذه الجزيرة خالية من وجود ديني غير الإسلام أحد خصائصها المعلومة .
5- الجوانب التنظيمية والقضائية
كان أحد أهم الجوانب التي كانت مسار المفاوضات مع المملكة، هو مدى تطابق أنظمة المملكة مع اتفاقيات المنظمة المختلفة، وبناء على ذلك صدر قرار مجلس الوزراء رقم (66) وتاريخ 17/3/1421هـ القاضي بأن تقوم جميع الأجهزة الحكومية بمراجعة جميع الأنظمة ذات العلاقة بما يتفق مع ما يقتضيه انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، ورفع ما يتم التوصل إليه لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة وإعداد الدراسات التي تبين المكاسب والتكاليف المترتبة على الانضمام والتهيئة لمرحلة ما بعد الانضمام.
كما نص القرار على تشكيل لجنة فرعية للتحضير للجنة الوزارية المكلفة بمهمة متابعة جميع ما يتخذ من قرارات وما يرسم من سياسات وقواعد في النظام التجاري العالمي، وذلك بالقيام بمراجعة مستمرة لما يتم التوصل إليه من قبل فريق التفاوض السعودي.
وبناءاً على ذلك فقد حُدثت بعض الأنظمة الموجودة استجابة لشروط المنظمة ومنها على سبيل المثال :-
أ - نظام العلامات التجارية.
ب- نظام حق المؤلف.
جـ- نظام براءة الاختراع.
كما استحدثت أنظمة لم تكن موجودة بالأصل مثل:
أ - نظام الأسرار التجارية .
ب - الاستثمار الأجنبي .
وهذه الأنظمة استحدثت قبل التوقيع النهائي لانضمام المملكة إلى المنظمة لكنها تمت كمتطلبات واستعداد للانضمام ، وبعض هذه الأنظمة لا يخلو من مخالفات شرعية خاصة المتعلقة بالاستثمار وسوق المال بسبب عدم حسم مسألة الربا في المعاملات التجارية والمالية .
كما صدر مرسوم بإعادة هيكلة القضاء بشكل جذري ومع ما فيه من إيجابيات إدارية وتنظيمية إلا أنه استثنيت فيه مزيد من اللجان الإدارية ذوات الاختصاص القضائي من القضاء الشرعي مثل نظام الاستثمار الأجنبي والتأمين وسوق المال بالإضافة إلى اللجان السابقة مما يعني مزيدا من تكريس ازدواجية القضاء .
6- الجوانب الأخلاقية والسلوكية :-
كان من ضمن التحديات التي تواجهها المملكة في سياق انفتاحها التجاري والتنموي هو أنها بلد محافظ لا يسمح بأماكن اللهو والترفيه المحرم شرعاً ، وقد أدى وجود الأجانب من غير المسلمين إلى مغافلة المجتمع وإقامة أماكن للهو وشاع بينهم تجارة الخمور ، ونشأت تجمعات سكنية للأجانب لا تخلو من هذه المخالفات المحرمة ، ويخشى أن تزداد هذه التجمعات التي يتاح فيها اللهو غير البريء بمقدار ازدياد عدد المستثمرين الأجانب والاستثمار الأجنبي، والأسوأ هو أن يتمكن بعض السعوديين وغيرهم من المسلمين من الوصول إلى هذه الأماكن بحكم علاقة العمل والتجارة مع سكان هذه التجمعات ، مما يُيسر الوصول إلى اللهو المحرم وتطبيعه في المجتمع .
ثامناً : اقتراحات لمواجهة الآثار السلبية الثقافية والاقتصادية المحتملة :
1 - الآثار الثقافية
- دراسة منظمة التجارة العالمية من كافة جوانبها الثقافية والاجتماعية وضرورة وجود دراسات تبين هذه الآثار ووسائل تلافيها وهذا لن يتم إلاّ بوجود متخصصين فيها من أصحاب الاهتمام بالثقافة الإسلامية .
- استثمار الانضمام إلى المنظمة ومبادئ حرية التجارة لتطوير مؤسسات الاقتصاد الإسلامي وتكثيرها وتحسين مخرجاتها وتقديمها كبديل لمؤسسات الاقتصاد الربوي ، وهذا لن يتم إلاّ بوجود متخصصين في المنظمة والتجارة الدولية من أصحاب الاختصاص بالاقتصاد الإسلامي .(28/118)
- تأصيل قواعد العلاقات الدولية وتنظيم التجارة الدولية على ضوء قواعد السياسة الشرعية وضوابط مشروعية الانضمام إلى المنظمات الدولية للمحافظة على الهوية الاسلامية في خضم عولمة التجارة الدولية وما تحمله من أنماط ثقافية واجتماعية وهذا لن يتم الا بوجود المتخصصين في القانون و التنظيم الدوليين من أصحاب التخصص في السياسة الشرعية.
- العناية بالدراسات الفقهية المتعلقة بالتجارة الدولية كالإغراق والغبن واحتكار السلع والغش التجاري وغير ذلك من المباحث الفقهية ذات العلاقة وإعادة دراستها على ضوء التطورات الاقتصادية المعاصرة ونشرها من خلال المجامع الفقهية و الهيئات الشرعية.
- التجارة كانت وسيلة للدعوة إلى الإسلام في البلدان غير المسلمة في السابق فينبغي العناية بهذا الجانب ، من قبل المستثمرين المسلمين عموماً والسعوديين خصوصاً الذين سينفذون إلى الأسواق العالمية من خلال اتفاقية الخدمات خاصة قطاع التعليم .
- الحذر من بعض أصحاب التوجهات المنحرفة التي تريد أن تستثمر انضمام المملكة إلى المنظمة في تغريب المجتمع بحجة الاندماج في النظام العالمي والعولمة وبيان الموقف الرشيد في كيفية استثمار ايجابيات الواقع العالمي الجديد مع المحافظة على الهوية الاسلامية .
- رصد التغيرات السلبية في المجتمع من جراء الانفتاح والتعولم ، من أجل الاحتساب عليها مبكرا وتقوية الحس الاحتسابي في الوسط التجاري وتفعيل الدعاوى الاحتسابية فإن الدفع أسهل من الرفع.
- تطوير المؤسسات والهيئات الشرعية الرسمية والشعبية كالمجامع الفقهية ولجان الفتوى والهيئات الشرعية في المؤسسات المالية والإعلامية والاجتماعية من اجل ضبط حركة التنمية في الجوانب الشرعية وأهمية مواكبة هذه الأجهزة لذلك من حيث السرعة والتأهيل.
- تطوير التعليم وتحسين مخرجاته سواء كان تعليماً شرعياً أو تعليماً طبيعياً وسواء كان عاماً أو جامعياً في الميدانين الرسمي و الأهلي والحذر من أن يكون التعليم المحلي متخلفاً عن التعليم المؤسس باستثمار اجنبي .
- تخليص المؤسسات المالية والمصرفية من الربا لمخالفته للشريعة أولاً ثم لمخالفته للدستور ( نظام الحكم ) والذي كان سببا في ازدواجية الهوية الثقافية للبلد وما ترتب على ذلك من ازدواجية في النظام القضائي السعودي واعادة جميع اللجان الادارية وذات الاختصاص القضائي الى مظلة القضاء الشرعي .
- تشجيع تخفيض الجمارك وإلغاءها لأنه يتفق مع مقاصد الشارع في تحريم المكوس .
2 - الآثار الاقتصادية
أ - تطوير البيئة القانونية والقضائية والتشريعية الحالية من أجل ضمان غطاء قانوني لحماية أنشطة المؤسسات الخدمية المحلية ، وسرعة تطبيق الهيكلة القضائية الجديدة ، وتسهيل إجراءات التقاضي ودعم المؤسسات القضائية بمزيد من القضاة المؤهلين .
ب- تطبيق الأنظمة وسرعة إجراءات التقاضي وإنفاذ الأحكام والقرارات وإيجاد المحاكم المتخصصة / تقليص البيروقراطية الحكومية / تدريب العمالة المحلية من خلال برامج تدريبية فعالة ، ففي دراسة ملتقى الرياض الاقتصادي الثاني كانت نسبة من يعتقد أن هذه تحديات لسوق الخدمات هي 53% ، 55% ، 60% على التوالي .
ج- رفع مستوى المعرفة بمبادئ واتفاقيات المنظمة والفرص المتاحة ومواقع المنافسة الحادة / وإنشاء مراكز و بوابات الكترونية للاستفسارات .
د إيجاد آليات لحماية الأنشطة التجارية من المخالفات / وإيجاد الهيئات الرقابية لمراقبة مدى الانضباط بقواعد وأنظمة التجارة داخلياً وخارجياً / وتدريب الكوادر الكافية للقيام بهذه المهام.
هـ- توفير الشفافية والإفصاح عن جميع ما يخص الجوانب القانونية والإجرائية والتعاقدية من القرارات والأنظمة والتعاميم والأحكام ونشرها ، وإنشاء مركز استفسار مدعم بقاعدة بيانات بما يتيح الرد على الاستفسارات .
و إعداد الدراسات الاقتصادية المتخصصة لتوضيح نقاط القوة ونقاط الضعف في الأسواق المحلية المفتوحة للاستثمار الأجنبي واقتراح السبل المثلى للتعامل مع مبادئ النظام التجاري العالمي وكيفية استثمار الفرص المتاحة والميزات النسبية في الأسواق المحلية والأسواق العالمية .
ز إنشاء التكتلات ( الاتحادات الجمركية / الأسواق الحرة ) لتبادل عناصر الإنتاج من سلع وخدمات وتقنية وحقوق ملكية فكرية بحرية تامة والاستفادة من المادة (5) من اتفاقية الجاتس التي تستثني دول التكتل من تطبيق مبدأ حق الدولة الأولى بالرعاية مع الدول خارج التكتل .
ح تطوير الأجهزة الحكومية ذات العلاقة كالإدارات الجمركية لأنها صارت مسئولة عن تنفيذ عدد من الاتفاقيات التجارية واستحداث أجهزة جديدة تعنى بالتجارة الخارجية وتأهيل العاملين فيها لتحقيق المشاركة الفعالة في النظام التجاري العالمي ولمواجهة تحديات انضمام المملكة إلى المنظمة .
ط- دراسة الآثار التجارية السلبية والإيجابية على بعض الدول التي مضى على انضمامها مدة كافية للاستفادة من ذلك ، واستشراف المستقبل لتعظيم المصالح وتقليل المفاسد .
خلاصة الموقف:(28/119)
مما سبق يتبين أن المملكة حصلت على استثناءات جيدة فيما يتعلق بالهوية الإسلامية من خلال استثناء السلع المحرمة وعدم فتح أنشطة الخدمات المحرمة واشتراط عدم مخالفة الشريعة في أنظمة حقوق الملكية الفكرية ، ويبقى بعد ذلك مدى الالتزام بهذه الاستثناءات والمكتسبات من قبل أجهزة المراقبة على الحدود أو داخل الأجهزة الحكومية والمحاسبة على المخالفات ، أما في ما يخص المسألة التجارية فهناك استثناءات (مكاسب) وهناك التزامات (تكاليف) متعادلة إلى حد ما ولكن نظراً لأن سوق المملكة مفتوح من قبل والتعرفة الجمركية لمعظم السلع المطبقة أقل من المثبتة مما يرشح قدرة السوق السعودي على امتصاص آثار الالتزامات السلبية ، أما إذا أحسن الاستفادة من قوانين المنظمة ووظفت الموارد توظيفا جيداً واستثمرت المزايا النسبية للمملكة فسيكون انضمام المملكة إلى المنظمة مفيدا من الناحية التجارية .
أما الآثار الثقافية التي يخشى منها فهي خطيرة إذا تم الاختراق الثقافي من خلال أنشطة ومتطلبات الاستثمار وانفتاح الأسواق الذي سيحدث مثل هذه الآثار تدريجياً إلا أنه يمكن التقليل منها بالحزم في تطبيق الأنظمة والتعليمات المحلية ، وتمكين أجهزة الرقابة الإدارية والاحتسابية من مراقبة مخالفة الضوابط العامة ومنع ذلك سواء حصلت من أجانب أو من سعوديين وعدم إعطاء الأجانب - خاصة الغربيين - تمييزاً على الآخرين عندما يتجاوزون النظام العام .
المراجع:
• أوراق منتدى الرياض الاقتصادي الثاني ( 2- 4 ذي القعدة1426هـ).
• أوراق المنتدى الاقتصادي الرابع لدول مجلس التعاون الخليجي ( دبي 17-21 ديسمبر 2005 ).
• موقع وزارة التجارة والصناعة السعودية على الانترنت .
• موقع منظمة التجارة العالمية (WTO) على الانترنت وفيه وثائق انضمام المملكة إلى المنظمة .
• موقع محامون على شبكة الانترنت .WWW.MOHAMOON.COM
• أبحاث ومحاضرات مسجلة عن المنظمة د. فؤاد العلمي نائب رئيس الفريق السعودي المفاوض .
• مقالات منشورة وغير منشورة عن المنظمة د.عبدالله العبيد وكيل وزارة الزراعة وعضو الفريق المفاوض .
• كتب مطبوعة عن المنظمة .
=============(28/120)
(28/121)
الجامعة العربية في مهب ريح عاتية..فمن تقتلع؟!
طلعت رميح 28/3/1424
29/05/2003
- فك إطار الجامعة والتحول إلى إطار واحد اسمه "الكودي " الشرق أوسطية ضمن خطط (سايكس بيكو).
- في إطار "خارطة الطريق" سيتم التحول بالجامعة إلى طريق آخر..طريق من يذهب بلا عودة!.
أهم ما استفاده الناس من الخلاف بين الأمين العام للجامعة العربية وبعض حكومات الدول العربية مؤخراً هو كشف المؤامرة التي تجرى ضد وحدة العرب والمسلمين، وضد الجامعة العربية -التي هي في وضعها الراهن في أدنى أشكال التعبير عن العلاقات الرسمية العربية - الأمر الذي أبحر بالناس في عالم المؤامرات الكئيب.
فبعد احتلال العراق وبينما الأنظار تتجه إلى فلسطين وسوريا ولبنان إذا أمر الجامعة العربية يتفجر، ويكشف النقاب عن مخطط يهدف إلى إنشاء منظمة شرق أوسطية كبديل لفكرة العروبة والجامعة العربية، فما بالنا بفكرة الأمة والوحدة الإسلامية؟!
وليصبح ملخص تاريخ الحكومات العربية في القرن السابق وبداية القرن الحالي في خطوتين:
الأولى: خطوة فصل العروبة عن الإسلام، وإنشاء كيان عربي بديلاً للكيان الإسلامي بالبناء الاضطراري على نتائج خطة ومؤامرة "سايكس بيكو" خلال الحربين العالميتين- العدوانيتين- الأولى والثانية، حيث لم تكن "سايكس بيكو" تقسيما للأمة إلى دول فقط، وإنما كان أساسها ضرب فكرة الخلافة والدولة الإسلامية الموحدة.
وها هي الخطوة الثانية على الأبواب تستهدف فك إطار الجامعة -على سوء حالها- والتحول إلى إطار تجتمع فيه الصهيونية مع الدول العربية والإسلامية في تنظيم واحد اسمه "الكودي " الشرق أوسطية !
وإذا كان البعض يصور ما يجرى الآن كقضية خلاف حول شخص الأمين العام للجامعة، أو حول تصريح هنا أو تصريح هناك، أو حول موقف هنا أو موقف هناك، أو حتى خلاف حول الموقف من قضية العدوان على العراق؛ فالأمر أبعد بكثير من هذا وذاك، الأمر يرتبط بخطة -على غرار "سايكس بيكو"-جرى الترتيب لها منذ فترة طويلة، بدأت بإنهاك الأمة في معارك طرفية بين العراق وإيران ثم بين العراق والكويت، وتنتهي الآن في الدخول إلى القلب عبر "خارطة الطريق"؛ لإنهاء القضية الفلسطينية، وإغلاق ملفها وإدخال الكيان الصهيوني داخل جسد الأمة، وبغطاء من دخول تركيا وربما إيران والأخيرتين تبحثان عن دور في محيط إقليمي، حيث كل منهما بلا محيط إقليمي يمكنهما التحرك خلاله.
وقد جرت مقاومة هذه الخطة طوال الفترة الماضية، أو على أكثر من 10 سنوات مضت -أي منذ أوسلو- وهانحن الآن نشهد مراحل إعلانها بعد أن خرج العراق من التوازن الاستراتيجي، وأصبح تحت الاحتلال وسيصبح في ظل استمراره قوة ضغط معادية.
القادم الآن عبر "خارطة الطريق" هو إنهاء القضية الفلسطينية والخروج من إنجاز فكرة الدولة الممسوخة أو مسمى الدولة الفلسطينية، والانتقال منها إلى ترديد مزاعم بأن الخلاف التاريخي انتهى، وأن الصراع بين الشعبين انتهى، وأن لا حجة للعرب في الاستمرار في عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأن الجامعة العربية انتهى دورها، وأن المنطقة في حاجة إلى تنمية وديموقراطية..إلخ، وأن البديل هو نظام جديد للشرق الأوسط.
الجامعة العربية..تاريخ مرير
ليس هناك من شك -بعدما فضح التاريخ معظم أسراره- أن الجامعة العربية جاء إنشاؤها على خلفية إنهاء فكرة الدولة الإسلامية في آخر أشكالها (دولة الخلافة في تركيا) وكامتداد لنفس الاستراتيجية التي اعتمدتها بريطانيا وفرنسا في دعم جهود (محمد على) في مطلع القرن التاسع عشر؛ لإنهاء دولة الخلافة وإضعافها؛ ولضرب الحركات الإسلامية التي جاهدت لإعلاء الدين وإقامة الدولة الإسلامية الواحدة على أسس صحيحة تنقذها من الضياع والانهيار.
كانت الجامعة فكرة بريطانية؛ لوضع إطار مؤسسي لنهاية فكرة الدولة الإسلامية، وكان وقود هذه الخطة البريطانية -خلال الفترة من الحرب الأولى إلى الثانية، وما بعد كل منهما- هو (كمال أتاتورك) والدولة القومية في تركيا، وفكرة القومية العربية كبديل للأمة والدولة الإسلامية، وقد تطورت الأمور والأوضاع السياسية بعد عمليات "الاستقلال" للدول العربية -كان القلب في فكرتها هو تفتيت الجسد الإسلامي والعربي- كان أبرز هذه التطورات والأوضاع هو المحاولة التي جرت لجعل الأمة العربية كيان واحد -بحق- عبر الجامعة العربية (أو هكذا أمل الذين أملوا)، غير أن الجامعة العربية لم تتمكن عبر تاريخها من التحول إلى مؤسسة حقيقية كما لم تخرج من خلالها أية أنشطة تكاملية أو توحيدية، وظل النمط العام هو أن الدول العربية دول متفرقة، وأن الجامعة لا تخرج عن كونها جمع حاصل طرح مواقف الدول العربية، وليست حاصل جمع لقوة الأمة أو قوة وحداتها المكونة!.(28/122)
لقد كان من صمموا فكرة تفتيت الأمة إلى دول ومن صمموا فكرة التحالف مع القومية العربية هم أول من قدر وقرر ضرورة جعل هذا وذاك مجرد شعارات غير قابلة للتنفيذ، وهو أمر طبيعي، ولا يطلب منهم غير ذلك، غير أن المشكلة هي في من صدقوا كل ذلك، وإذا كانت القضية الفلسطينية أحد أبرز ملامح توحد الموقف العربي خلال المرحلة الماضية، وإذا كانت أبرز المواقف التي حققت الجامعة فيها بعض الإنجاز -ولو حتى كلامي أو سياسي-كانت بشأن هذه القضية فإن الضربة الآن تأتي من هنا تحديداً؛ ففي إطار "خارطة الطريق" سيتم التحول بالجامعة إلى طريق آخر..طريق من يذهب بلا عودة!.
ماذا يجرى بالضبط؟
ما يجرى الآن -بالضبط- هو تكرار-للأسف- لنفس السيناريو المتبع في كل حالات إضعاف الأمة، سيناريو إعطاء الأمة، أو بعض دولها، أو بعض قادتها كل على حده وعوداً براقة، واللعب على مصالح كل طرف على حده مع إتاهة الجميع في سفاسف الأمور في الوقت الذي يجرى فيه إخفاء الأبعاد الاستراتيجية أو التمويه عليها.وإذا كنا أشرنا إلى حكاية بريطانيا والقومية العربية، ثم فكرة الجامعة العربية؛ فإن الأهم هنا أن نورد هنا أن اتفاق بريطانيا وفرنسا على تقسيم المنطقة في إطار "سايكس بيكو" كان الأهم فيه هنا: أن بريطانيا كانت عقدت عدة اتفاقات في آن واحد بشأن سوريا ولبنان وفلسطين مع أطراف مختلفة، ففي الوقت الذي أعطت وعوداً لبعض القيادات العربية -خلال الحرب- بتولي حكم هذه البلاد؛ كانت وعدت في نفس الوقت فرنسا بحكم سوريا ولبنان، كما وعدت الصهاينة واليهود بفلسطين، ورتبت لنفسها بعد احتلال العراق أن تظل محتفظة بميناء حيفا في فلسطين؛ لتنقل بترول العراق إليه عبر البحر المتوسط، وما إن انتهت الحرب حتى أطاحت بآمال من تعاونوا معها من العرب، وسلمت فرنسا سوريا ولبنان، وسلمت اليهود فلسطين!.
وسبب إيراد تلك القضية هو أننا نعيش سيناريوهات شبيهة منذ لعبة (أوسلو) وحتى "خارطة الطريق". ففي إطار النجاح في العدوان الأول على العراق، حيث وعد العرب بإجازة "خارطة الطريق" وإعلان دولة فلسطينية بعد الانتهاء من العدوان على العراق واحتلاله، بينما يجرى الترتيب لإدخال تركيا وإيران والكيان الصهيوني في نفس الوقت الذي يجرى الترتيب لإحياء خط أنبوب نقل نفط العراق عبر الأردن إلى حيفا؛ لإكمال مخطط عمره 100 عام، ولإدماج الكيان الصهيوني على جميع المستويات السياسية والاقتصادية، أو -بالضبط- لجعله سيداً عليها.
هذا في الوقت الذي تنشغل الأمة بخلافات وتصريحات بين الأمين العام للجامعة مع هذا الطرف أو ذاك حول هذه القضية أو تلك!
===========(28/123)
(28/124)
الشيخ محمد الحسن: لا علاقة لنا بالانقلابيين وبالصور
حوار/ أمين محمد 20/1/1426
01/03/2005
عندما نتحدث عن الشيخ محمد الحسن ولد الددو تتسابق الصفات والأوصاف،.. قدم راسخة في العلم، ونفس مرتفعة بالتواضع الجم، وصيت عالمي سيّار، ومجلس إفتاء، وتدريس يغسل ريْن النفوس، وتنتقى فيه أطايب الكلام، ولأمر ما تقفز إلى الذهن عند رؤية سمت الشيخ في مجلسه وبين طلابه أبيات الشاعر القديم:
يدع الكلام فلا يراجع هيبة
والسائلون نواكس الأذقان
سيما الوقار وعز سلطان التقى
فهو المهيب وليس ذا سلطان
الحديث إلى الشيخ محمد الحسن بن الدوو حديث متعدد الأبعاد والزوايا، مفتوح على كل الاتجاهات، شائق لا يُمل رغم المشاغل الجمة والارتباطات الدعوية المتعددة، فضلاً عن استقبال الزوار والمهنئين بإطلاق السراح، لذا ليس من السهل إطلاقا أن تحصل خلال هذه الأيام على وقت من الشيخ ..لكن بالعزم والتصميم..وقدر كبير من تواضع الشيخ وتحمله كانت هذه المقابلة..
في البداية لماذا تم اعتقالكم أصلاً؟ ولماذا أُفرج عنكم أيضا دون محاكمة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على من بُعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد فإن هذا السؤال جدير أن تسأل عنه الجهات التي قامت باعتقالنا فنحن لا مشاركة لنا لا في قرار الاعتقال، ولا في قرار الإفراج.
أما التهم التي وُجهت إلينا أو التي كان السؤال عنها والتحقيق فيها فهي في المرة الأولى: هل لنا علاقة بالذين دعموا الانقلابيين، وفي المرة الثانية: هل لنا علاقة بنشر صور لبعض الأشخاص المعذبين.
تعرضتم في الفترة الأخيرة للاعتقال مرتين: الأولى على خلفية "الانقلاب" أما الأخيرة فكانت بتهمة فبركة صور عن التعذيب، كيف تردّون على كلتا التهمتين؟
الأولى لم تكن تهمة قضائية، وإنما كانت مجرد اشتباه، وقد حققت فيه الجهات الأمنية فعرضت علينا بعض المدنيين الذين ذكروا أنهم كانت لهم علاقة ببعض الانقلابيين، وسألونا: هل لنا علاقة بهم أو نعرفهم؟ فنفينا ذلك ونفوا هم هم أيضاً فعرفوا أنه لا علاقة لنا بالانقلابيين ولا صلة بيننا وبينهم.
أما في المرة الأخيرة فكانت التهمة التي حددها وكيل الجمهورية هي الترويج لصور تظهر عرياً ومظاهر مخالفة للشريعة الإسلامية والأخلاق القويمة؛ فهذه هي التهمة التي كيفوا لنا، وكان التحقيق في أغلبه حولها وربما جاءت فيه أسئلة أخرى عن غير هذا.
ومن المعلوم أنه لا علاقة لنا بالإعلام؛ فليست لنا مواقع إلكترونية، وليست لنا مراكز تصوير، ولا علاقة لنا بالصور ووسائل الإعلام التي تنشرها، فهذه أمور نحن أبعد الناس عنها وهم يعرفون ذلك جيداً، ولذلك لم تكن الأسئلة الموجهة إلينا من هذا القبيل مباشرة..فتعليقنا على التهمتين أن كلتيهما كانت مسرحية هزيلة ضعيفة الإخراج، ويبدو أنها لم يكن قبلها الكثير من التروي ولا استشارة أهل الخبرة؛ إذ لو كان الحال كذلك لاستخرجت -على الأقل- من وجه يمكن أن يصدقه عقل.
دعوتم - قبل اعتقالكم الأول - لمصالحة وطنية ..هل مازلتم مصرين على هذه الدعوة..وما هي أسبابها وشروطها في نظركم؟
لقد دعونا إلى مصالحة وطنية في وقت تكاد المشكلات والأزمات تعصف فيه بهذا البلد وسكانه في مهب الرياح، وقد تكرّرت في هذه الآونة الأخيرة الانقلابات العسكرية سواء كانت حقيقية أم كانت دعوى، وكثر التذمر في مختلف الجهات وكادت تحصل فتنة طائفية وجهوية، بعد أن تم القيام بالكثير من الاستهدافات لبعض القبائل والجهات، ونشر الكثير من المناشير التي تدعو إلى الكراهية بين أفراد هذا الشعب ..وهذا الشعب لا يتحمل مثل هذا النوع من الأمور؛ فلأجل ذلك دعونا لمصالحة وطنية تلتئم فيها الكثير من الحساسيات، وتقوم على أساس ترجيح المصلحة على المفسدة، والتعقل والإيثار،على الأنا والعواطف.(28/125)
فما لم يقع الحوار ويطلع كل طرف على ما لدى الآخر عن كثب لا يمكن أن تقع مصالحة، فالمصالحة لا تكون إلا بعد المصارحة؛ فلذلك دعونا أولاً إلى حوار شامل ليس فيه إقصاء لأي طرف، يقدم فيه كل طرف اقتراحاته، والحلول التي يراها، وتناقش على حد سواء، على أن يكون كل طرف مستعداً للتنازل عن بعض آرائه في هذا الوقت الحرج للمصلحة الكبرى للوطن، ولابد قبل الحوار من إيجاد أجواء من الثقة المتبادلة، التي تستدعي من كل طرف بعض الخطوات الضرورية ..فمن طرف النظام لا بد من الاعتراف بشركائه في هذا الوطن والبلد من مختلف الحساسيات السياسية، ولا بد أن يدرك أيضا أنهم وطنيون، وأنهم يريدون مصلحة الوطن، وأن لهم أطروحاتهم وآراءهم في مختلف القضايا، ولا بد أن تُسمع هذه المقترحات وتُناقش على محك العدل والإنصاف..وفي مقابل ذلك يتحتم أيضاً من طرف المعارضة بمختلف أطيافها القيام ببعض الخطوات المطمئنة اللازمة ..تقتضي أولاً تهدئة ونقصاً من حدة الخطاب، ولغة التشنّج ..حتى تتوفر أرضية صلبة للتفاوض،.. وإذا حصل ذلك فينبغي أن تعقبه خطوات أخرى بناءة تؤدي إلى جمع الشمل من مثل إصدار عفو عام، وتحقيق انفتاح، وديمقراطية حقيقية ينال فيها كل طرف حريته في تشكيل ما شاء من الأحزاب والجمعيات والنوادي، وكذلك حرية الصحافة وعدم مصادرتها، وكذلك إتاحة الفرصة للجميع على حد سواء أثناء الانتخابات وبإشراف هيئة أو لجنة مستقلة عليها، ،كل ذلك خطوات نراها بناءة إذا حصلت، وحينها سيكون سكان هذا البلد مستعدين للتعاون والتشاور، وهذه المصالحة لا يظهر في الأفق أي انفراج ما لم تقع، ولا يمكن أن يستمر هذا الاختلال؛ فلابد أن يغلب العقل الهوى، وأن تغلب المصلحة المفسدة،كما لابد أن يتراجع عقلاء كل طرف حتى يجتمعوا على كلمة سواء لتحقيق مصلحة هذا البلد؛ فالاستمرار في الخطأ أعظم ضرراً من أصل من وقوعه، ولذلك فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-كتب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك، فهُديت فيه إلى رشدك أن ترجع فيه إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل وقد قال أحد الحكماء:
ليس من أخطأ الصواب بمخط … …
أن يؤب لا ولا عليه ملامه
إنما المخطئ المسيء إذا ما … …
ظهر الحق لجّ يحمي كلامه
حسنات الرجوع تذهب عنه … …
سيئات الخطا وتنفي الملامة
ونحن ما زلنا نؤكد على هذه الدعوة إلى المصالحة الوطنية ولا يتأثر موقفنا بمثل هذه الأحداث والضغوط؛ فمواقفنا إنما نتخذها في ضوء ديننا، وما يدعونا إليه الإسلام والحق، فلذلك لا يُخشى أن نتأثر بمثل هذه المضايقات.
التقارير الطبية أكدت أنكم بحاجة ماسّة للعلاج في الخارج ..ما حقيقة وضعكم الصحي، وهل أثرت فيه ظروف الاعتقال سلباً؟
نحمد الله على كل حال ..فأنا أعاني منذ فترة من قرحتين في المعدة و إحداهما على العرق الأساسي فيها، ولذلك ينشأ عنها في الكثير من الأحيان نزيف داخلي يؤدي إلى تقيّؤ الدم، وليس لذلك علاج هنا، فالمستشفيات ما زالت متخلفة إلى حد بعيد، ولا يوجد فيها علاج لهذا النوع من الأمراض، ولا شك أن الاعتقال يؤثر في هذا النوع من الحالات؛ لأن القرحة المعدية من أسبابها النشاط البكتيري الذي يؤدي إليه السهر، وكذلك روائح الدخان ونحوه وهذه أمور لابد للمعتقل منها، فلذلك تأثرت فعلاً في المعتقل جراء السهر ورائحة الدخان؛ مما أدى لزيادة عمق هذه القرحة وزيادة المرض، وإلى الآن ما زال جوازي محجوزاً لدى إدارة أمن الدولة، وغير مسموح لي بالسفر إلى أي بلد من بلدان العالم، رغم كون هذا مخالف للقانون ..ولم يصدر فيه أمر من المحكمة كما أنه مخالف لدستور البلاد الذي ينص على كفالة حرية التنقل لجميع أفراد هذا الشعب.
كيف كانت ظروف الاعتقال (لدى الشرطة والقضاء معاً)؟ وهل كنتم تقومون بأنشطة دعوية داخل السجن؟ وما حجم التجاوب معها في أوساط السجناء؟
كانت الفترة الأولى وهي 15 يوماً في مفوضية الميناء رقم 2 في زنزانات انفرادية، في العشر الأواخر من رمضان وبداية شوال، لم يكن فيها -ولله الحمد- كثير عناء لأننا كنا نريد الاعتكاف والزنزانة الانفرادية أقرب شيء إلى الاعتكاف، فلم يكن فيها ما يشغل الإنسان عن الاعتكاف إلا بعض الأمور اليسيرة مثل: محاولتهم منع الأذان الذي كنا نرفعه ليسمع بعضنا بعضاً، وبالأخص في التراويح حيث كان بعض الإخوة يقتدون بي، وكذلك بعض أهل الشارع إذا كان بعضهم يصطف في محال تجارية مجاورة للمفوضية فيصلون معنا التراويح، ولولا الأذان لما أدركوا ذلك، ولما علموا به، ولكن الشرطة لم يفلحوا في ثنينا عنه، فلم يكن منهم إلا الإذعان لذلك وقبوله، ولم يكن تعاملهم معنا على درجة واحدة، وإن كان في أغلبه يطبعه الاحترام.(28/126)
أما ظروف الاعتقال في المرحلة الثانية في السجن المدني وهو السجن المركزي في نواكشوط، وهو سجن قديم يجمع كثيراً من المعتقلين، كثير منهم من سجناء الحق العام كالقتلة وأصحاب المخدرات والخمور وفيه المسلمون وغير المسلمين والمواطنون والأجانب، وهو عبارة عن معتقلات كبيرة، وقد كنا في المعتقل الثالث منها، وأكثر الذين فيه من المحكوم عليهم قصاصاً في القتل ونحوه، وهذه الأحكام تصدر عن المحاكم ولكن لا تنفذ، فكل الحدود موقوفة عندنا تحكم بها المحاكم ولكن لا تنفذ؛ فلذلك كثير من الذين حكم عليهم بالقتل في حد من حدود الله أو بالقصاص أو الذين حكم عليهم بقطع اليد، ونحو ذلك هم مسجونون سجناً طويلاً، لا يدرون ما نهايته؛ لأن الحدود موقوفة، والسجناء أنواع منوعة، فمنهم المظلومون الذين أدخلوا وأودعوا السجن،فنُسي أمرهم أو تنوسي، ومنهم مجرمون محترفون مشاهير، ومنهم الذين تعرضوا لتصفيات سياسية فليست لديهم قضايا، وهكذا فهم أنواع منوعة، والمعتقل الذي كنا فيه بداية كان فيه واحد وخمسون معتقلاً سوانا كان أغلبهم لا يصلّون، ولا اهتمام لهم بأمر الدين، فقمنا ببعض الأنشطة، ومنها إقامة الصلاة والجمعة، وكانت لأول مرة تُصلّى في السجن، وكانوا يصلون معنا جميعاً،و بعضهم يقوم الليل، ونظّمنا دروساً يومية دائمة، وصلاة الجمعة والجماعة، وكانت تلك الأنشطة سبباً لتوبتهم ورجوعهم، وأسلم في هذه الفترة شخصان من السجناء كانا كافرين، وحصل فيها انسجام تام مع السجناء حتى من خارج المعتقل الذي نحن فيه؛ فالسجن يضم سبع معتقلات وتفتح أبوابه الداخلية ساعتين يومياً ليزور كل أصحاب المعتقل المعتقلات الأخرى؛ ليسأل من هو محتاج للسؤال، وليعمل من يجد عملاً، ووجدنا -ولله الحمد- طرقاً لإطلاق سراح الكثير منهم عن طريق المحامين المتطوعين؛ لأن الكثير منهم اعتقلوا وأُودعوا السجن، ونُسيت قضيتهم فينقضي زمن لا يُحكم فيها، ولا تُعرض على القضاء وهم مظلومون،وتمّت محاكمة البعض الآخر ممن كان لا يطمع في المحاكمة، وكنا أيضا نكتب الدروس لبعض السجناء لتقديمها لزملائهم، ،وقد اشترينا بعض الألواح من أجل تعليمهم، وقمنا كذلك بتوزيع بعض الأشرطة والكتب الصغيرة، واستفادوا كثيراً من هذه الأنشطة، إلى جانب ذلك كان هناك عمل اجتماعي، وبعض المساعدات العينية التي وزّعناها على المعتقلين، وكنا نحن أنفسنا في ضيافة سكان هذه المدينة الكريمة نواكشوط وفي كل يوم هناك ضيافة من أسرة كريمة أو قبيلة من القبائل..وبعد إخراجنا من هذا المعتقل بعد شهر تقريباً جُعلنا في غرف مستقلة عن المعتقلات، وحُرمنا لقاء السجناء، وصُودرت منا الأجهزة والأشرطة، وصُودر كذلك أكثر من (57) جهاز تسجيل من السجناء خشية أن يسمعوا الدروس والمحاضرات، وحُرمنا من تسجيل الدروس والخطب، وكنا لا نلتقي مع المساجين إلا من خلال تعاون بعض أفراد الحرس، أو بالتعاون المتبادل بينهم وبين بعض السجناء.
والطابع العام للسجناء أنهم يعيشون ظروفاً صعبة جداً؛ فكثير منهم يشكو الجوع والأمراض، ويحتاجون إلى من يمد لهم يد المساعدة والعون، وللأسف لا يجدون إلا بعض المنظمات التنصيرية التي لها انتقاء واختيار، فتختار بعض الأشخاص فقط ولا تعتني بالبقية، وقد علمنا فيما بعد أن هذه المنظمات تدخلت فعُزلنا في غرفة مستقلة وحتى في فترة العزل هذه أسلم أيضاً بعض الأفراد، ونوقش مع البعض الآخر، ولم يدخل بعد الإسلام، ولكن قطعنا معهم خطوات في سبيل ذلك.
هل تأثير المنظمات التنصيرية ملموس في السجن؟ أي هل تحوّل بعض السجناء إلى اعتناق غير الإسلام؟
بالنسبة للتحول فالله أعلم به، ولكن كثير من المظاهر التي شاهدناها تدل على ذلك، فبعض السجناء يعلقون بعض الشعارات ويرسمون بعض الصلبان على أجسامهم بواسطة الوشم، ويعلقون بعضها أيضاً ومع ذلك فإن اعتناق البعض للعقيدة التي تدعو لها هذه المنظمات لا يعني أنه ملتزم بالديانة المسيحية أو غيرها؛ فالالتزام لا يُطلب من السجناء فهم غير ملتزمين بشيء بل يوجد بينهم من أنواع الأخلاقيات أشياء رهيبة جداً، فمثلاً كان أحدهم محكوماً عليه بخمس سنوات في جريمة وفي الأسبوع الذي سيخرج فيه من المعتقل سرقت له أحذية من البلاستيك الرخيص فاتهم بها سجيناً آخر فضربه على رأسه حتى قتله، وآخر آذاه أحد السجناء فأخذ قدراً فيه بقايا الزيت الذي يطبخ به فوضعه على النار حتى غلا ثم صبه على هذا السجين وهو نائم ... ناهيك عن المخدرات وأنواع الفساد الأخرى، وفي الآونة الأخيرة كان بعض السجناء يُستغلون لتنظيف مخزن قديم من مخازن السجن فوجدوا بعض حبوب المخدرات التي قد انتهى تاريخها منذ فترة فبيعت في السجن فاستعملها عدد من السجناء فأثرت فيهم تأثيراً كبيراً .
يتهمكم النظام بالتطرف والغلو والتحريض على الكراهية من خلال محاضراتكم، وأنشطتكم الدعوية، وفتاواكم؛ خصوصاً تلك المتعلقة منها بحرمة التطبيع، ووجوب المقاطعة الشاملة للعدو؟(28/127)
هذه التهمة لم تُوجّه إلينا قضائياً وإن كانت المعاملة تدل عليها، وطبعاً ليس لها أي أساس؛ فنحن منهجنا منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن فالله تعالى يقول: (ادفع بالتي هي أحسن) ويقول: (وقل لعبادي قولوا التي هي أحسن) ولا نعادي أحداً من المسلمين، إنما نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وليس لنا حقد على أحد ولا كراهية لجنس من الأجناس أو شعب من الشعوب، وإنما ننطلق مما جاء به رسول الله -صلى اله عليه وسلم- من عند الله تعالى فمن كان يكره ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك أمر يعنيه أما ما يتعلق بالفتاوى فهي أمانة ويجب على الإنسان أن يجتهد في قول الحق فيها وألاّ يخاف في الله لومة لائم، وقد قال تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
فيجب على من ائتمنه الله على شيء من العلم أن يقوم فيه بالحق وأن يؤديه على وجهه الصحيح، وقد قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه).
بعد قرابة سنتين من صدور ما يعرف ب"قانون المساجد"..كيف تقيمون الأداء الدعوي ي موريتانيا، وهل ساهم قانون المساجد فعلاً في تحجيم هذا الأداء، أو الحد منه؟
هذا القانون في ظاهره أريد به تحجيم الدعوة في المساجد، على خلفية ما يذكر من أن المساجد تستغل للسياسة، وهو ادعاء يفتقد الصدقية والأساس الصحيح؛ فالمساجد إنما فيها تعليم ودعوة، وهذا الذي شُرع القانون على خلفيته، وإلى الآن لم يطبق هذا القانون تطبيقاً حازماً، وقد اتخذ ذريعة لمضايقة بعض الدعاة دون بعض، والتركيز على بعض المساجد دون البعض الآخر فأغلقت مراكز جماعة الدعوة والتبليغ في نواكشوط وانواذيبو، وضويقت بعض المساجد التي كانت فيها دروس منتظمة وبعض الليالي التربوية التي يفد إليها الناس من كل حدب وصوب..ومع ذلك فلم يزد ذلك الدعوة إلا رسوخا وقوة؛ حيث انتشرت في البيوت والمساجد وفي كل مكان وأصبحت الدعوات العامة وحتى حفلات الزفاف ونحوها وسائل جديدة للدعوة، وقُدمت فيها البدائل الإسلامية والدروس، فهذه الدعوة لا يمكن أن يقف في وجهها مثل هذا النوع من بناء العنكبوت؛ لأنها أمر الله تعالى وهي صفته التي وصف بها نفسه فقال:(والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وقال: (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس) ووصف بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) وقال:( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) وهي أحسن الأقوال فقد قال الله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فلا يمكن أن تزيدها المضايقات إلا انتشاراً ولا تزيد الناس عليها إلا إقبالاً .
انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض الدول الإسلامية مظاهر عنف(اغتيالات، تفجيرات...الخ) ما هي نظرتكم لها، وما هو الموقف الشرعي منها؟
لا يُقبل شرعاً ولا طبعاً قتل المسلم لأخيه المسلم، وقد قال تعالى :(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وصح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وصح عنه صلى الله وسلم أنه قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال: أليس كان حريصاً على قتل صاحبه" وصح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" وصح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" فلذلك لا بد أن تُوضع الأمور في نصابها، وأن يُعلم أن قتل المسلم أمر عظيم وقد بين الله تعالى خطره وضرره وبين ذلك رسول صلى الله عليه وسلم . فعلى المسلمين أن يبتعدوا عن مثل هذا النوع من الأعمال المخالفة للشرع، وأن يعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة حجة الوداع: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" فلذلك لا بد من الابتعاد عن مثل هذا النوع من الأعمال والحذر منه مطلقاً، وهذا التحذير موجّه للجميع، ليس للتيارات التي تقوم به فقط، بل في المقابل هو أيضاً موجّه للحكومات؛ فعلى الجميع أن يحذروا من القتل، وأن يعلموا أن قتل المسلم أمر خطير، وأنه لا يأتي بخير بل القتل لا يؤدي إلا إلى القتل.
هل من كلمة أخيرة؟(28/128)
أشكر موقع (الإسلام اليوم) والقائمين عليه جميعاً، وأسأل الله أن يوفقهم ويسددهم وينفع بهم، وأن يجعل عملهم خالصاً لوجهه الكريم، ولا شك أن اهتمامهم بقضايا المسلمين وبواقعهم هو الذي أدّى إلى مثل هذه المقابلة، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم، ويبارك في جهودهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
===========(28/129)
(28/130)
حمى التطبيع والحالة الاستباقيّة العربيّة
إدريس الكنبوري 20/1/1426
01/03/2005
لا ندري أي منطق ذاك الذي بات يتحكم في السياسات العربية ويوجهها حالياً، حتى إن أي محاولة للبحث عن هذا المنطق أصبحت نوعاً من المجازفة في وقت لم تعد فيه السياسات العربية تنضبط لمنطق معين، هذا إذا كان لها منطق معين في السابق.
المتأمل في الأحداث التي تجري في الوقت الراهن في المسرح العربي سوف يُفاجأ بأن الأمور لم تعد مسثقرة، ولا أحد بإمكانه التكهن بسيناريوهات المرحلة القادمة، أقله بسبب افتقاد القرار السياسي العربي لبوصلة يهتدي بها. لكن الذي يلوح في المشهد العربي الحالك هو أن هناك حالة استتبت وأصبحت مُعطًى بديهياً، وهي حالة ماضية في التكريس بحكم التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي لا يمسك العرب بواحد من أزِمّتها، باعتباره الحالة التي أصبحت ممكنة للتعاطي مع هذه التطورات.
هذه الحالة السياسية الجديدة هي انكماش كل قطر عربي حول ذاته، وتحوّل العرب إلى جزر صغيرة معزولة يتم الاستفراد بها واحدة بعد الأخرى، الأمر الذي ولّد نوعاً من التسابق على دخول القفص دخولاً "استباقياً"، كعربون على"حسن" التعاطي مع التطورات العالمية الجديدة التي تقودها وترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، وتجنباً لأي مواجهة محتملة مع العرّاب الأمريكي.
الغريب أن كل ما يحدث في المنطقة العربية، تعاطياً مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل، يكاد يكشف غموض المواقف العربية بشأن المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي في المنطقة، بل يكاد يقود إلى خلاصة من احتمالين، إما أن هناك جهلاً عربياً مخيفاً بهذا المشروع الخطير الذي يستهدف المنطقة وشعوبها في النفس والماء والكلأ، أو أن هناك مسايرة له بإرادة واعية تخوفاً من العواقب، وفي الحالتين نبقى أمام نفس النتيجة، وهو أن الاستهداف قائم والمرحلة ماضية نحو توزيع جديد للمنطقة بالمسطرة والبيكار.
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تسويق نتائج مؤتمر قمة شرم الشيخ في الشهر الماضي على أساس أنها بداية حلحلة الموقف الإسرائيلي من الفلسطينيين، وانطلق العرب يبتهجون بهذا المنتوج الأمريكي ـ الإسرائيلي الذي لم يقدم في واقع الأمر للفلسطينيين شيئاً قدر ما زاد في إضافة المزيد من الأغلال التي تقيّدهم، وأراد أن يجعل من السلطة الوطنية الفلسطينية موظفا أمنياً تابعا لوزارة الأمن الإسرائيلي، فيما ظلت التوابث الإسرائيلية غير منقوصة، وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الاستيطان تزايد بوتيرة أسرع كحيلة إسرائيلية لإيجاد حقائق جديدة على الأرض تدفع الفلسطينيين إلى تقديم المزيد من التنازلات، كما لا تزال التحفظات الأربعة عشر التي أعلنها أرييل شارون بشأن ورقة خريطة الطريق دون تعديل، بل إن الاتجاه الحالي يسير ناحية شطبها أصلاً، إذ كان الدافع إليها في حينها من جانب الإدارة الأمريكية هو الإيحاء للاتحاد الأوروبي وروسيا بأن لهما دوراً في الشرق الأوسط، ولم يكن خروجاً عن التقليد الفعلي الذي ترسخ في العقود الماضية، والذي يقضي باستبعاد أي دور أوروبي إلى جانب الوكيل الأمريكي، كما أن إسرائيل لم تقبل أبداً التدخل الأوروبي في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، بل إن شارون صرح بذلك علناً قبل أشهر، ولذا فقد ولدت الورقة لكي تموت.
وخطورة الأمر أن العرب ابتلعوا الطعم بسهولة، وانطلت عليهم التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، فانتشرت حمى التطبيع من المحيط إلى الخليج تحت وهم أن هناك مرحلة جديدة ترتسم معالمها في المنطقة والعالم، ناسين أن إسرائيل لم تعطِ شيئاً في الماضي لكي يتأكد أنها سوف تعطي الآن أو في الغد، وأن أولى البراهين على عدم رغبتها في تحقيق سلام ـ حتى بمفهومه الأمريكي ـ أنها ترفض وضع دستور للدولة يعين حدودها باعتراف دولي.
في الحوار الذي أجرته يومية"الأهرام" المصرية يوم 19 فبراير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بدا أن هناك توجهاً جديداً بدأ يلوح في سماء المنطقة العربية. فلا يمكن الجزم بأن ما قامت به الجريدة كان اختياراً داخلياً، لأن"الأهرام" معروفة بقربها من دائرة القرار المصري، وكثير من الاختيارات السياسية الرسمية يجري التعبير عنها من خلال افتتاحيات الصحيفة قبل صدورها أو بعده للدفاع عنها وتسويغها. وفي مراكز القرار في إسرائيل استقبل إجراء الحوار في واحدة من كبريات الصحف العربية الرسمية على أنه انتصار إسرائيلي، والبعض تحدّث عن اختراق إسرائيلي للموقف العربي من الدولة الصهيونية، كما أننا نعتقد أن شارون نفسه كان يدرك ماذا يريد عبر الحوار ولمن كان يتوجه. وفي الأسبوع الماضي أعاد شارون توجيه الدعوة مجدداً للرئيس المصري حسني مبارك لزيارة إسرائيل، بعد المرة الأولى في لقاء شرم الشيخ.(28/131)
الاستثمار السياسي لشرم الشيخ دفع وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم إلى التصريح متبجحاً بأن هناك عشر دول عربية ستفتح ممثليات لها في تل أبيب، علاوة على ما قامت به كل من الأردن ومصر اللتين أعلنتا عن عودة سفيريهما إلى إسرائيل بعد أربع سنوات من تعليق العلاقات الديبلوماسية بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، وأعلن شالوم الذي زار المغرب قبل عامين تقريباً بهدف إعادة تطبيع العلاقات مع المغرب وإقناع الرباط بإعادة القائم بالاعمال المغربي إلى تل أبيب وفتح"مكتب الاتصال الإسرائيلي" في الرباط، أن المغرب من بين هذه الدول العشر، الأمر الذي دفع الوزير الأول المغربي إدريس جطو إلى عقد لقاء مع الصحافيين المغاربة وإبلاغهم بأن المغرب لن يعيد علاقاته مع إسرائيل.
وبعد تصريحات شالوم أقدم الرئيس التونسي على توجيه دعوة مكتوبة إلى شارون لزيارة تونس وحضور القمة العالمية للمجتمع والمعلومات التي ستعقد في نوفمبر القادم بالعاصمة التونسية، وهذا الأسبوع أيضا كشفت مصادر صهيونية عن اجتماع سري عقده مدير المخابرات الليبية، اللواء موسى كوسا، مع رئيس الوزراء الصهيوني، أرييل شارون، تمهيداً لاجتماع سري آخر يعقد في لندن بين وزير الخارجية الصهيوني، سلفان شالوم، ونظيره الليبي، وجاءت هذه المعلومات بعد المعلومات التي كُشف عنها النقاب قبل أشهرقليلة حول لقاءات سرية بين مسؤولين ليبيين وإسرائيليين في العاصمة البريطانية؛ إذ باتت طرابلس تؤمن بأن الطريق إلى واشنطن يمر عبرالتطبيع مع الدولة العبرية.
هذا في وقت تستعد فيه قطر لإرسال ممثل عنها إلى تل أبيب للاجتماع بشارون بعد دعوة وجهها الأخير، بهدف إعادة فتح المكتب التجاري بين البلدين، وتمهيداً للوصول إلى تمثيل دبلوماسي كامل، وذكرت مصادر صحفية إسرائيلية أن هذه الدعوة حملها نائب وزير التربية الصهيوني مؤخراً خلال زيارة سرية له للدوحة بدعوة من عقيلة أمير قطر.
لا نعرف كيف ستتعاطى القمة العربية المقبلة مع الموضوع؟ وهل سيتم التصديق على جميع هذه الخطوات التطبيعية، هي التي أُعلنت في بيروت قبل ثلاث سنوات اعترافاً عربياً رسمياً بإسرائيل، أم ستعمل على لجم هذه الاندفاعة الكبيرة، حتى لا تكون عوناً على المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، الخاسر الأول في الحالة السياسية العربية الراهنة، حالة الانكماش العربي القطري على الذات والاستفراد الأمريكي ـ الإسرائيلي
=============(28/132)
(28/133)
قناة البحرين.. تجديد المياه أم تطبيع العلاقات؟
رضا عبد الودود 4/2/1426
14/03/2005
يأتي إعلان الكيان الصهيوني يوم 6مارس الجاري عن اتفاقه مع الأردن على بدء فعاليات التعاون المشترك مع الأردن والولايات المتحدة من أجل حفر قناة "البحرين"، التي تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت كخطوة أولى نحو إنشاء الجزء الثاني من القناة التي ستسير غرباً لتصل إلى البحر المتوسط عند منطقة حيفا. وقد اجتمع النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في تل أبيب مع وزير الخارجية الأردني هاني الملقي، وقد بحث الجانبان مختلف أوجه التعاون بين الجانبين، حيث تم الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالي السياحة والمياه وغيرها، ومن ضمن ما اتّفق عليه، بحسب الإذاعة العبرية، حفر قناة بين البحر الأحمر والبحر الميت "لمنع وقوع كارثة بيئية في هذه المنطقة". وقال بيريز: إن الأردن يمكنه أن يكون نموذجاً ناجحاً يحتذي به الفلسطينيون في مجالات الأمن والاقتصاد والتربية والتعليم.
وفي الحقيقة فإن مؤسسات البحث والدراسة الصهيونية تعكف -بعيداً عن أي صخب إعلامي- على البدء بتنفيذ مقررات المؤتمر الدولي لإدارة الطلب على المياه الذي عُقد في الأردن في يونيو 2004، والتي ناقشت بشكل صريح فكرة توصيل مياه البحر الأحمر بمياه البحر الميت كمرحلة أولى من مشروع قناة تربط بين البحر المتوسط بالبحر الأحمر تطمح لتنفيذها الأوساط الصهيونية، وكانت البداية العلنية لتلك الفكرة خلال مؤتمر قمة الأرض للتنمية المستدامة، المنعقد آنذاك في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، حيث تقدم وزير المياه الأردني بمشروع أردني إسرائيلي لربط البحر الميت بالأحمر بغرض إنقاذ الأول من الجفاف.
تاريخ فكرة قناة البحرين
وفكرة ربط البحرين.. الأحمر والمتوسط.. تعود إلي عام 1850 حينما بدأت انجلترا بوضع الخطط للوصول إلى قناة تربط البحر المتوسط بالأحمر بوساطة البحر الميت انطلاقا من خليج العقبة, إلا أن سهولة إنشاء قناة السويس أفقدت المشروع أهميته.
ولكن الحركة الصهيونية لم تسقط هذا المشروع من اهتمامها حيث أكّد تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية أهمية هذه الفكرة, وطوّرها فيما بعد المهندس السويسري «ماكس يوركارت» الذي تهوّد وأخذ اسم أبراهام بن أبراهام، ووضع بدايات الخطة إلى أن وضع المهندس «كوتون» الخطط العملية لهذا المشروع في الفترة من 1950 - 1995.
وبناء على هذه الاقتراحات قررت الحكومة الصهيونية في 24 أغسطس 1980 ربط البحرين, ووضع مناحم بيجن حجر الأساس لهذا ا لمشروع في 28 مايو 1981, إلا أن حزب العمل جمّد المشروع؛ لأنه يحتاج إلى مبلغ (800) مليون دولار ونحو «8 - 10 سنوات» منها ثلاث سنوات للتخطيط.
ويرجع مخطط شق قناة تربط البحر الأحمر عند خليج العقبة والبحر الميت إلى أواسط القرن التاسع عشر عام 1840م عندما سعى الاستعمار البريطاني لتسهيل الاتصال مع الهند, ومع قيام الكيان الصهيوني في فلسطين تلقفتها الصهيونية العالمية بقيادة مؤسس الدولة العبرية تيودور هرتزل الذي تحمّس لها وعرضها في كتابه "أرض الميعاد" الصادر عام 1902، ثم بقيت الفكرة راكدة إلى أن جاء قرار تأميم قناة السويس 1956 حيث بدأ الحديث يدور في الأوساط الاستعمارية والصهيونية المتضررة من قرار التأميم حول إمكانية شق قناة صهيونية تربط البحر المتوسط بخليج العقبة وتكون بمثابة قناة بديلة للقناة المصرية, إلا أن فشل العدوان الثلاثي على مصر أجّل تنفيذ الفكرة إلى حين، ثم جرت لاحقاً محاولة تنفيذها إبّان رئاسة مناحيم بيغن، تحديداً عام 1981، إلا أن العمل بها قد توقف عام 1985 لأسباب غامضة.
ويمكن القول: إن مشروع قناة البحرين الذي يخطط له الصهاينة يأتي في إطار إستراتيجية طويلة المدى لتأمين الكيان واحتياجاته من المياه والطاقة, حيث نجح الصهاينة في 1964 في تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب التي كانت تشكل ثلثي مساحة الكيان الصهيوني بهدف الإسراع في تهويدها عن طريق توجيه مجرى الهجرة والاستيطان إليها.
كما استطاع الصهاينة السيطرة على عدة مصادر من المياه العربية باحتلال الجولان والسيطرة على جزء من البحر الميت والوصول إلى مياه نهر الأردن في 1967.
وعقب حرب 1973 ونجاح العرب في استخدام سلاح النفط في المعركة مع الصهاينة, ظهرت الحاجة الصهيونية الملحة لتنويع مصادر الطاقة وتخفيف عبء الاعتماد على البترول, واستقر الرأي على تنفيذ مشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت مستغلة انخفاض مستوى البحر الميت عن سطح البحر 400م لتوليد الطاقة الكهربائية, بالإضافة إلى إقامة مشروعات لتحلية المياه.
سيناريوهات ومسارات القناة
وتطرح الدراسات الصهيونية عدة سيناريوهات لحفر هذه القناة:
الأول: قناة تمر من إيلات «قرية أم الرشراش المصرية» متجهة ناحية الشمال مستغلة وادي عربة ومخترقة صحراء النقب وصولاً إلى وادي غزة على البحر المتوسط بطول (280)كم.
والثاني: قناة تقع إلى شمال من الأولى متصلة بالبحر المتوسط عند ميناء أشدود بطول 300كم.(28/134)
والثالث: قناة تسير في خط مستقيم من إيلات بامتداد وادي عربة شمال البحر الميت ومنكسرة ناحية الغرب لتتصل بالميناء الفلسطيني حيفا بطول (390)كم.
وقد أشار شيمون بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» إلى نفس السيناريوهات ولكن بصورة أخرى وهي توصيل البحر المتوسط بالبحر الميت عن طريق قناة ثم توصيل البحر الميت بخليج العقبة, وبهذا يصبح البحر الميت شبيهاً بالبحيرات المرة المتصلة بقناة السويس.
تعريب فكرة القناة
بيد أنه تم مؤخراً تعريب هذه الفكرة بالكامل بعد تنقيح وتعديل بواسطة الأردن، على اعتبار أنها وسيلة للخلاص من مشاكل عديدة متفاقمة بالبلاد. غير أن تكلفتها المادية الباهظة (4 مليارات دولار) اضطرت الأردن لتدويلها وتسويقها عالمياً. ومن هنا ورغبة في الحصول على دعم العالم لها، تم إلباسها أكثر من زي بأكثر من لون، في البداية ارتدت الفكرة زياً أخضر وعُرضت كقضية علمية بيئية في مؤتمر الأرض (جوهانسبرج، سبتمبر 2002)، ثم تم لاحقاً صبغها باللون الإنساني ونُوقشت في مؤتمر المياه (كيوتو، مارس2003) على أساس أن حل مشكلة العوز المائي في المنطقة يُعدّ مطلباً إنسانياً ملحاً، ثم اصطبغت بعد ذلك بالصبغة الاقتصادية، وطُرحت في المنتدى الاقتصادي العالمي (عمان، يوليو 2003) على أنها فرصة جيدة لبدء شراكة اقتصادية بين أطراف النزاع في المنطقة، وأخيراً بالصبغة السياسية عندما نوقشت في المؤتمر الدولي لإدارة الطلب على المياه (عمان، يونيو 2004) باعتبارها مشكلة سياسية مائية.
وحقيقة يحار المرء بسبب تعدد الأسماء الحركية للمشروع في تصنيفه، هل هو مثلا "مشروع بيئي" يهدف للحفاظ على المنظومة البيئية الفريدة للبحر الميت كما يدلل شعار "إنقاذ البحر الميت"؟ أم هو "مشروع اقتصادي" بحت لا يُرجى منه سوى تطوير المنطقة وتخليصها من بعض المشاكل المتفاقمة فيها، وهو ما قد يعنيه مصطلح "مشروع قناة البحرين"؟ أم هو "نموذج للتطبيع والمواءمة" مع إسرائيل كما يفيد مسمّى "قناة السلام"؟، أم هو "ترانسفير" جديد تنعقد عليه آمال الدولة العبرية في استقطاب وتوطين ملايين إضافية من يهود العالم المشتتين في الأرض؟ أم هو كل ذلك؟
والواقع أن كثرة الشعارات وتنوع الأقاويل والتصريحات المقترنة بهذا المشروع، إضافة إفراط الجانب الأردني في الدعاية له قد أثار لدى البعض حساسية وريبة، كما أنه ذكّر كثيرين بحالة الهرولة نحو إسرائيل التي أصابت عدداً من الدول العربية إبان العقد الماضي.
إسرائيل قتلت البحر الميت
والبحر الميت عبارة عن بحيرة فاصلة للوادي المتصدع الأردني الذي يقع على حد نهر الأردن المتدفق من الشمال لوادي «عربة» جنوبًا, ويتكون من حوضين: الحوض الشمالي الذي يبلغ عمقه (320)م والحوض الجنوبي الضّحل, ويفصل بين الحوضين شبه جزيرة ليسان ومضايق الموت التي بها تل من الطّمي يبلغ ارتفاعه (400)م, ويصل تركيز الأملاح في البحر الميت نحو 32%. ويعاني البحر الميت تناقصاً حاداً في منسوب المياه به بنسبة (80) سم سنوياً، ويعد السبب الرئيس لهذا التناقص الشديد هو تقلص كمية المياه الواردة للبحر, فمنذ منتصف القرن العشرين والمياه المتدفقة للبحر من نهر الأردن التي كانت تبلغ حوالي (972) مليون م3 تتقلص كميتها لتصل إلى ما يقارب (125) مليون م3 عام 1985.
ولعل هذا التناقص في المياه الواردة للبحر الميت سببه الأساسي هو ممارسات الاحتلال الصهيوني الذي يقوم باستمرار بتجفيف منابع الأودية والأنهار التي تغذّي البحر الميت, حيث أقام ما يزيد على (18) مشروعاً لتحويل مياه نهر الأردن المغذي الأساسي والرئيس له, وتحويل الأودية الجارية التي تتجمع فيها مياه الأمطار وتجري باتجاه البحر الميت إلى المناطق المحتلة وخاصة للمستوطنات, وقد وصلت نسبة المياه المحجوزة والمحولة عن البحر الميت حوالي 90% من مصادره, كما قامت سلطات الاحتلال بحفر ما يزيد على (100) بئر غائرة لسحب المياه الجوفية من المناطق القريبة التي تغذّي البحر الميت, علاوة على المصانع المُقامة عليه، والتي تُنتج المواد المعدنية ومستحضرات التجميل التي تدر سنوياً (7.4) مليون دولار, مما زاد من نسبة التبخر إضافة إلى استيلاء الكيان الصهيوني على أكثر من حصته من مياه نهر اليرموك الذي يصب مع رافده في البحر الميت, نظراً لحاجته المستمرة للمياه بسبب مستعمراته في النقب والساحل الفلسطيني المحتل.
رؤى وحجج صهيونيّة(28/135)
وعبر كتاب (المياه والسلام - وجهة نظر إسرائيلية) للمهندس الصهيوني "إليشع كالي" الصادر في 1991 عن مخطط المشروع وتضمن نقل المياه عبر فتحة في البحر الأحمر (أخدود) إلى الجنوب من العقبة إلى بركة على ارتفاع (2250)م وسعة (5.1) مليون متر مكعب, وتتدفق المياه من البركة في قناة مفتوحة (القناة العليا) على امتداد (160) كم وطاقة (50)م3 في الثانية, وعلى بعد (80 )كم تتجاوز القناة أعلى نقطة في عربة على ارتفاع (100)م, وذلك عبر مسافة قصيرة ضمن حدود الكيان الصهيوني. وعلى بعد (150) كم تُقام بركة لتنظيم تدفق المياه سعتها (3) مليون م3 وعلى ارتفاع (2080)م, وتحتها محطة طاقة (المحطة الأردنية) بقوة إنتاج (400) ميجاوات مع بركة أخرى بالسعة ذاتها, وتنقل المحطة المياه إلى القناة (السفلى) عبر ناقل, وفي هذه القناة تتدفق المياه مسافة نحو (60)كم من ارتفاع (100)م إلى ارتفاع (1120)م, ومن حدود الأردن إلى حدود الكيان الصهيوني، وتمرّ في مقطع واحد عبر نفق طوله (4) كم حتى منطقة معاليه غرب سدوم، وتُقام هنا المحطة الثانية الصهيونية التي يبلغ إنتاجها (400) ميجاوات. وتُقام فوق المحطة بركة تخزين سعتها (3) ملايين م3 وعلى ارتفاع (1120)م وتحتها القناة النهائية, حيث يكون ارتفاع المياه فيها مثل ارتفاع مستوى المياه في البحر الميت. ويقطع مسار القناة نحو (170) كم في الأراضي الأردنية, وتمتلك السلطة الفلسطينية نحو 25% من مساحة سطح البحر الميت (الجزء الشمالي الغربي) والصهاينة نحو 25% (الجزء الجنوبي الغربي) وللأردن 50% (كامل النصف الشرقي).
ويتضح من المشروع أن هدفه ليس إحياء البحر الميت ومنع اندثاره (بسبب الممارسات الصهيونية التي صنعت الأزمة في الأساس) بل أيضاً إحياء المناطق التي تحيط به ثقافياً وصناعياً وزراعياً وسياحياً, وتوفير المياه للمناطق المحرومة منها, في محاولة لابتزاز الأردن وإغراء السلطة الفلسطينية, حيث من المخطط له إنشاء محطات لتحلية المياه بكميات تصل (850) مليون م3 سنوياً يمكن أن يستفيد منها الفلسطينيون بنحو الثلث، والأردنيون بالإضافة إلى الصهاينة أصحاب الحظ الأوفر.
وإزاء هذا الوضع يؤكد عبد الغفار شكر نائب رئيس معهد البحوث العربية بجامعة الدول العربية أن الكيان الصهيوني يهدف بمشروع إحياء البحر الميت كمرحلة أولى لاستكمال مشروع ربط قناة البحر الأحمر - البحر الميت - البحر المتوسط لتكون قناة بديلة تضرب قناة السويس، وتستأثر بالنقل البحري في منطقة ملتقى قارات العالم.
بل إن الأخطر من ذلك تطبيع العلاقات الصهيونية مع دول المنطقة التي قد يشارك بعضها في دعم المشروع انطلاقًا من حسابات اقتصادية بحتة دون النظر إلى أبعاد ذلك التعاون على الأمن القومي العربي, في ظل تركيز الإستراتيجيات الأمريكية على تغيير معالم خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة بما يخدم أهدافها الاستراتيجية.
فيما يرى خبراء الجغرافيا السياسية أن محاولات الكيان الصهيوني للإسراع بتنفيذ المشروع عبر كافة المؤتمرات الدولية في دافوس وفي قمة الأرض وقمة التنمية المستدامة يرجع بالأساس إلى أن احتياجات الكيان الصهيوني من المياه تبلغ (2600) مليون دولار عام 2005 أي أن العجز الصهيوني في المياه العذبة سيصل نحو (800) مليون م3 في ذلك العام مع احتمال نضوب المياه الجوفية التي تشكل ما يزيد على نصف رصيدها المائي, علاوة على تعرض تلك الآبار للتملح قبل نضوبها.
ويحلّل خبراء العسكرية تلك القناة إلى أن الكيان الصهيوني يرى أن إقامة أي حاجز أو مسطح مائي بينها وبين الدول العربية يعتبر حداً أمنياً إستراتيجياً وعسكرياً يمنع تقدم الجيوش العربية والعمليات العسكرية ضد الكيان الصهيوني. وعندما ينجح الصهاينة في إتمام المشروع فإنهم سيملكون صمام أمان في إسالة المياه كيف يشاؤون وبالمنسوب الذي يريدونه مما يشكل حداً أمنيًا من جهة الأردن.
فوائد للصهاينة وأضرار بيئيّة للعرب
وتشير الدراسات إلى أن هذا المشروع الذي طُرح للتنفيذ هذه الأيام يمكن أن يؤدي إلى توليد طاقة بقدرة تصل إلى (600) ميجاوات قابلة للزيادة إلى (800) ميجاوات, علاوة على توفير المياه لمحطات الطاقة النووية التي تمكن إسرائيل من تشغيل مفاعل نووي ذي طاقة تقدر بـ «990» ميجاوات, وإنتاج ما يعادل ملياري طن من وقود الزيت الحجري، كما يؤدي حفر القناة إلى تنشيط الاستثمار السياحي وتأمين المياه العذبة لفترة طويلة قادمة، وذلك بتحلية مياه البحر, وقُدّر لهذا المشروع أن يضيف لخزينة العدو دخلاً سنوياً يقدر بـ (900) إلى (1250) مليون دولار.
ومن الناحية الجيوستراتيجية يؤدي حفر هذه القناة إلى تطوير منطقة النقب لاستقدام المزيد من المستوطنين وجذب يهود العالم للهجرة إلى فلسطين.(28/136)
ويعتبر هذا المشروع من أهم الأخطار الإستراتيجية التي تواجه الأمة العربية في صراعها مع العدو, حيث يلحق هذا المشروع الكثير من الضرر بالأراضي العربية في فلسطين والأردن بعد غمرها بالمياه حيث يتم غمر «330» هكتاراً من الأراضي جنوب البحر الميت ونحو (100) كم2 في المنطقة الشمالية الشرقية من البحر الميت, بل ويُعد طرح هذا المشروع في هذا الوقت بالذات رسالة للشعب الفلسطيني مفادها أن قضية تبادل أرض «جالوتسا» الواقعة في صحراء النقب مقابل بناء مستوطنات في الضفة الغربية قد انتهى إلى غير رجعة, بل وإنهاء الأمل لدى السلطة الفلسطينية باستعادة أراضيها التي تم احتلالها عام 1967 بواسطة المفاوضات.
ورغم بعض الحوافز الاقتصادية التي تروّج لها (الميديا) الصهيونية من حل أزمة الأردن وفلسطين المائية والاقتصادية ينطوي المشروع أيضاً على مخاطر عديدة على البحرين الميت والأحمر، وفي هذا الإطار قد يكون من المفيد الاستماع لبعض أصوات المعارضة المتزنة، فالأمر يبدو من وجهة نظرهم عامراً أيضاً بالمضار والمحاذير، من أبرزها:
-سوف تتغير طبيعة البحر الميت كلية من حيث خواص مياهه الفيزيائية وتركيبها الكيميائي ومكوناتها البيولوجية، وهو ما سيترتب عليه فقد البحر الميت لهويته البيئية المميّزة.
-سوف يؤدي تخفيف ملوحة البحر الميت كذلك إلى تداخل المياه العذبة الجوفية مع المياه المالحة لاسيما في المناطق المتاخمة للبحر الميت، وكذلك في زيادة معدلات التبخر في المنطقة وهو ما سيترتب عليه حدوث أضرار وتداعيات اجتماعية وبيئية غير مأمونة العواقب.
-قد تتسبب الضغوط الهائلة الناتجة من زيادة كميات المياه الواردة للبحر الميت في وقوع زلازل قوية بالمنطقة، أو في تنشيطها على أقل تقدير، كما قد يتسبب ارتفاع مستوى المياه بالبحر في غمر مساحة عريضة من الأراضي الزراعية بالمنطقة ما سيعرضها للتدهور وفقدان غطائها النباتي.
-كذلك هناك مخاوف من تضرر بيئة البحر الأحمر هي الأخرى من عملية نقل المياه حيث من المحتمل أن يتعرض الميزان المائي بينه وبين المحيط الهندي للاختلال، كما قد يهيّئ هذا الوضع الفرصة لبعض كائنات البحر الميت لأن تستوطن البحر الأحمر، وهو ما قد يسبب ضرراً لعدد من العوائل الثرية والمميزة للأحمر.
قناة السويس والنقل الدولي
وينتقد الدكتور جمال زهران رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الصمت المصري خاصة والعربي عامة إزاء مشروع قناة البحرين والتي يسعى الصهاينة لأن تكون بديلة عن قناة السويس للضغط على مصر وتهميش دورها الإقليمي, حيث يخطط الصهاينة إلى عدم إفساح الباب لمصر للتفرد بإدارة ممر مائي دولي مهم كقناة السويس.
وأكّد زهران أن مشروع القناة مشروع قديم جدّدته وبقوة الحرب الأنجلو أمريكية على العراق, لأن قناة السويس مثّلت ورقة ضغط قوية لمصر, وطالبت منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية مصر بإغلاقها. ويرى زهران أن القناة الجديدة التي ستبدأ مرحلتها الأولى من البحر الأحمر إلى البحر الميت وتمتد لاحقًا إلى البحر المتوسط سوف تضعف من قناة السويس وتقلل من إيراداتها التي تبلغ (2) مليار دولار سنوياً. وسوف تدشن تلك القناة شراكة مستقبلية تجمع الأمريكان والصهاينة وفلسطين والأردن ومن خلالها يتم عزل سوريا ولبنان.
ولعل ما يدور في العقلية الصهيونية يتجاوز إيجاد بديل لقناة السويس إلى السيطرة التامة على البحر الأحمر, بعد أن طورت حكومة شارون ميناء إيلات على رأس خليج العقبة، والذي مثّل قاعدة تحرك صهيونية في اتجاه الغرب إلى السويس ومنطقة الحقول النفطية وإلى الشرق عبر ميناء العقبة الأردني الذي ينفتح على الشرق وشمال الخليج العربي وجنوب خليج العقبة الذي يحمل 25% من واردات الكيان البترولية و9% من خاماته المستوردة, ولهذا اتجهت الإدارة الصهيونية لطرح فكرة تدويل باب المندب ومجموعة الجزر العربية التي تتحكم في المضيق - الأمر الذي تنفذه واشنطن تماماً مع اليمن وجيبوني حالياً - وأخيراً اتجهت لتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية الواقعة على البحر الأحمر والقريبة منه مثل إثيوبيا وكينيا، الأمر الذي أتاح لها إقامة قواعد عسكرية ونقاط مراقبة في عصب ومصوع وجزر دهلك وحالب وفاطمة, وركزت على إريتريا التي تملك شواطئ يبلغ طولها (2000) كم على البحر الأحمر. بما يهدد الأمن القومي العربي خاصة للدول التي يمثل البحر الأحمر منفذها الرئيسي للعالم الخارجي في السودان واليمن ودول الجنوب ومصر, في ظل تأرجح ميزان القوى العسكرية والبحرية لصالح الكيان الصهيوني، وفي ظل تعطّل القدرات العسكرية لمعظم دول الخليج العربي بسبب دخولها في تحالفات عسكرية مع واشنطن.
============(28/137)
(28/138)
اتحاد المغرب العربي أمام اختبار المستقبل
إدريس الكنبوري * 5/2/1426
15/03/2005
يمثل اتحاد المغرب العربي حالة فريدة بين جميع التجمعات الأقليمية العربية، فقد بدأ من حيث انتهى، ولم يستطع أن يبقى على قيد الحياة سوى أربع سنوات تقريباً لم يحقق خلالها الشيء الكثير من الطموحات الكبرى التي تأسس عليها طبقاً لمعاهدة مراكش عام 1989. وأحد الأسباب في أنه ظل موجوداً حتى هذا الوقت هو أن قادة البلدان المغاربية الخمس المنشئة له بقيت وفية لذكرى التأسيس، فكانت برقيات التهاني المتبادلة لدى كل مناسبة محطّة للتذكير به، والتطلّع إلى بعثه من جديد، أما خارج هذه المناسبة السنوية فقد ظلت مؤسساته مجمّدة وهياكله بدون روح.
وقبل أسابيع مرت مناسبة التأسيس بدون أن تثير كثير اهتمام، ولم تفعل الصحافة المغاربية أكثر من نشر برقيات التهاني والتعبير عن الأسف لعدم قدرة الاتحاد المغاربي على تجاوز معوقاته الداخلية واستئناف المسيرة مجدداً، في وضع إقليمي ودولي مختلف تماماً في معطياته عن مرحلة التأسيس. فقد أُنشئ الاتحاد في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي متزامناً مع مرحلة مخاض دوليّ وقارّي، أهم معالمه انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المنظومة الاشتراكية، مع ما جره ذلك التحول من تحريك لبعض الأنظمة العربية والمغاربية التي كانت تسير على النمط الاشتراكي، فبدأت تميل تدريجياً ناحية اقتصاد السوق وخصخصة القطاع العام، وترافق ذلك مع بزوغ رغبة أمريكية في الهيمنة على مقاليد الأوضاع في العالم وفرض القطبية الأُحادية، وبروز القناعة لدى عدد من البلدان العربية والأفريقية بأن العصر الجديد سيكون عصر التكتلات، مستضيئين آنذاك بالنقاش الذي فُتح داخل المجموعة الأوروبية حول التمدّد شرقاً والتحول إلى الاتحاد الأوروبي، وظهور النقاش بشأن العملة الأوروبية الموحدة التي أصبحت في بداية القرن الحادي والعشرين واقعاً ملموساً.
ضمن هذه الزاوية كان التفكير في إنشاء الاتحاد المغاربي في تلك الفترة استجابة معقولة ومنطقية لأسئلة المرحلة ومحاولة بدت جادّة لوضع قطيعة مع مرحلة هيمنت فيها المصالح الضيقة على بعض أنظمة المنطقة على حساب مصالح شعوبها، وأدّت إلى خسائر سياسية مكلفة، وكان على رأس تلك الخسائر قضية النزاع المفتعل على الصحراء الغربية الذي استثمرت فيه كل من المغرب والجزائر رصيداً هائلاً من الجهود الداخلية للبلدين، وأوجدت سباق تسلح استنزف موارد الدولتين، وأحدث شرخاً في المنطقة بين المشروع الأمريكي والمشروع السوفياتي لفترة استمرت طيلة أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، وسرعان ما أظهرت أنه لا جدوى من المواجهة السياسية والعسكرية بين البلدين، وأرهقت التكاليف المالية والعسكرية كاهل الدولتين، مما خلّف مجموعة من الآثار السلبية على بلدان المنطقة وشعوبها. وقد بدا لأول وهلة أن إنشاء الاتحاد كان بمثابة توديع للمرحلة الثقيلة هذه والدخول في عصر الاندماج الإقليمي الذي يضع النّجاعة والمردود أساساً للحكم على أي نهج سياسي جديد، في حقبة تتميز بغلبة الاقتصادي على السياسي وإعطاء الأولوية لسياسات التنمية عوض تنمية السياسات.
وفي واقع الأمر فإن الاتحاد المغاربي قد انتهى عملياً في بداية التسعينيّات من القرن الماضي، أي بعد أقل من ثلاث سنوات على إطلاقه. فالأزمة الجزائرية التي اندلعت في عام 1991 والدخول في دوّامة الحرب الداخلية وانتشار العنف، بعد انقلاب الجيش الجزائري على الانتخابات البلدية والتشريعية التي شهدتها البلاد وفازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أوقفت محرك الاتحاد عن الاشتغال، وأدخلته غرفة الانتظار التي استمرت طويلاً بفعل التحوّلات السياسية السريعة في الجزائر وظهور المؤسسة العسكرية كفاعل رئيس في إدارة الصراع السياسي في الداخل والخارج، ومجدداً كانت قضية الصحراء الغربية هي الورقة المركزية في كل هذه التحولات بحيث لم تخضع لقانون التحول هذا في السياسات الجزائرية المتقلبة، فقد نشأ الصراع في الأصل كمحاولة من الجيش الجزائري للحيلولة دون تمدّد المغرب إلى الصحراء جنوباً ليصبح بذلك أكبر دولة مغاربية، وكان هدف الجزائر في عهد بومدين ألاّ يتحول المغرب إلى لاعب رئيس في المنطقة، في الوقت الذي كان النظام الجزائري يرى أنه داعية الاشتراكية في المنطقة وعدو الأنظمة الملكية، ومناصر حركات التحرر العالمية الاشتراكية في تلك المرحلة.
وقد ظل اتحاد المغرب العربي منذ اندلاع الأزمة الجزائرية مجرّد مشروع على الورق بانتظار أن تتجاوز الجزائر أوضاعها الداخلية، إلى أن جاء العام 1994 وطلب المغرب تجميد مؤسسات الاتحاد احتجاجاً على المواقف الجزائرية من الصحراء الغربية، وكان ذلك بمثابة استصدار لوثيقة رسمية تعتبر الاتحاد ميتاً، بعد فترة انتظار.(28/139)
بعد هذه المرحلة الصعبة يبدو أن الاتحاد في طور إعادة الانطلاق مجدداً. فتأكيد حضور العاهل المغربي محمد السادس للقمة العربية التي ستنعقد في الجزائر نهاية شهر مارس الجاري، كأول زيارة لملك مغربي إلى هذا البلد المغاربي منذ ثلاثة عقود، تنهض مؤشراً- بحسب الكثير من المراقبين في المنطقة- على قرب انعقاد قمة مغاربية في المرحلة القادمة تطوي ملف الخلاف المغربي ـ الجزائري، وتقود إلى إعادة تحريك قاطرة الاتحاد المعطلة؛ إذ لا شك أن القمة العربية القادمة ستكون مناسبة لعقد لقاء بين زعيمي البلدين وتمهيداً لرفع أجواء الاحتقان؛ فقد انعقدت آخر قمة مغاربية على مستوى زعماء البلدان الخمس في بداية العام 1994.
غير أن الواجب يقتضي القول بأن الاتحاد المغاربي الذي احتفلت به بلدان المنطقة قبل ست عشرة سنة ليس هو الاتحاد المأمول في انبعاثه مستقبلاً، فأسئلة مرحلة النشأة ليست نفس أسئلة وتحديات مرحلة العطب الراهنة. لقد انضافت تحديات جديدة وطرأت تحولات عميقة على مستوى المنطقة والعالم لم يكن ممكناً وضعها في الحسبان قبل عقد ونصف، أهم ما فيها أنها تأتي في مرحلة صار يُطلق عليها مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001، أي مرحلة الانخراط في منظومة إقليمية ودولية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب بمفهومه الأمريكي، وتسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى هندسة المنطقة بحسب الأولويات الأمنية، وتريد لبلدان المنطقة أن تنخرط فيها أسوة بما يجري في مختلف بقاع العالم. وتوجد المنطقة في الوقت الراهن أمام حقائق جديدة من شأنها أن تساهم في رسم صورة المستقبل فيها، ربما بشكل لا يكون للمنطقة دخل فيه إذا لم يتم التوصل إلى صيغة حقيقية للاندماج الإقليمي يفوّت بعض المزالق ويرسم الأهداف المشتركة لبلدانها الخمس. فمن جهة هناك محاولات من حلف الناتو للتمدّد والانتشار في المنطقة القريبة من المتوسط، والتي يرى أنها تمثل تهديداً مفترضاً لمصالحه، بحسب التعريف الجديد الذي وضعه الحلف للتهديد الأمني قبل أربع سنوات في قمة هلسنكي، وقد أصبح المغرب حليفاً له من خارج أعضائه في السنة الماضية برغبة أمريكية واضحة، ويجري في الوقت الحالي التباحث مع الجزائر بشأن إيجاد صيغة محدّدة للتعاون الأمني بين الطرفين، وهو ما حدث بالفعل مع موريتانيا، كل ذلك في إطار الحوار الذي يقوده الحلف مع بلدان غرب المتوسط تخوفاً من انبعاث تهديدات أمنية من المنطقة المتوسطية أو من منطقة الساحل والصحراء. وإلى جانب هذا المعطى يوجد أيضاً تحدي الشراكة الأوروبية ـ المغاربية التي انطلقت عام 1995 في مؤتمر برشلونة الأورو ـ متوسطي، والذي سيتم الاحتفال هذا العام بمضي عشر سنوات عليه، وفتح أجندة جديدة له لتتضمن البعد الأمني، وكذا تحدي الشراكة الأمريكية ـ المغاربية التي بدأت عام 1998 بالمشروع الذي أُطلق عليه اسم"مشروع إيزنستات"، نسبة إلى نائب كاتب الدولة الأمريكي في التجارة آنذاك. أما المستوى الثالث من التحديات فهو يهم الموقف من التطبيع مع إسرائيل، فبلدان المغرب العربي يبدو أنها أصبحت في الآونة الأخيرة ضمن دائرة الاستدراج نحو التطبيع بتوصيات أمريكية، بغية فتح الطريق نحو أفريقيا التي لا يخفى أنّ لإسرائيل مصالح متعددة فيها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً؛ إذ إن بلدان المنطقة المغاربية الخمس جميعها دخلت بشكل أو بآخر في نسج علاقات مع الدولة العبرية، وإذا كانت المغرب وتونس وموريتانيا قد وصلت إلى حد فتح مكاتب لها في تل أبيب إبان التسعينيات من القرن الماضي، وفي طريقها اليوم إلى استئناف هذه العلاقات بعد انقطاعها بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000، فإن الجزائر وليبيا هما الأخريان قد بدأتا في رفع أي تحفظات بشأن هذا الموضوع. وهذه التحديات كلها علاوة على التحديات الأصلية التي كانت في صلب إنشاء الاتحاد قبل عقد ونصف، وتخص النهوض بأوضاع المنطقة اقتصادياً وصناعياً وإيجاد قنوات لتبادل المنافع وفتح الحدود، هي التحديات المطروحة اليوم في أجندة الاتحاد.
الاتحاد المغاربي اليوم يوجد أمام اختبار حقيقي سوف يحدّد إلى درجة كبيرة صورة المستقبل الذي تريده بلدان المنطقة لشعوبها ولنفسها أيضاً أمام العالم، فقد مضت فترة طويلة وضع فيه الاتحاد داخل الثلاجة، وتمّ التعرّف اليوم على ما حصل بفعل جموده، وحان الوقت للتفكير في تفعيل مؤسساته لمعرفة ماذا كان ينبغي أن يحصل، وماذا يجب أن يحصل من اليوم؛ إذ من المؤكد أن حصيلة الفشل تكون عوناً في الغالب على التطلّع إلى النجاح.* كاتب وصحافي مغربي.
-==============(28/140)
(28/141)
تغيّر الفتوى ..لماذا ؟
تغيُّر الفتوى المشروع بين سوء الفهم وسوء القصد
( محاولة لتقريب الصورة نحو وعي فقهي )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه.. أما بعد ..
فإنَّ من الموضوعات السهلة الممتنعة أن تجيب على سؤال ظاهره الوجاهة وباطنه قلّة المعرفة.. ومن ذلك أن يسألك مثقّف!
لماذا تختلف فتوى العالم الفلاني في المسألة ذاتها إذا كان اجتهاده لم يتغيّر ؟
فتجيبه : هناك صور كثيرة لهذه المسألة ، تكلّم عنها العلماء في القديم والحديث ، فحدِّد سؤالك ؟
عندئذ يجيبك بطرح أمثلة مُدْرَكَة ؛ وحينها تتنفّس الصَّعداء، لأنَّ المسألة صارت أهون بكثير من أن تشرح له أسس فنَّ الفتوى وأصول الاستدلال، ولا سيما أنّ كثيراً من موضوعات أصول الفقه تستعصي على بعض طلبة العلم ؛ بلْه مدَّعي الثقافة ، ومعظِّمِي الروم ، ممن لا يعرفون مراتب الدِّين ، ولا يحسنون وصف الوضوء لغير المسلمين، ولا يخجلون من خدمة أطروحات العدو المتربِّص ، حتى لكأنَّك أمام مقطع حيّ، لمشهد بعنوان: حشفاً وسوء كيلة رغم أنف الوطنية !
ولأهمية هذا الموضوع، واستشكال بعض العامة له ، وتشويش بعض الكتَّاب به، وغضب بعض الشباب منه، فقد اجتهدت في محاولة كشفه بأسلوب تطبيقي، يوضِّح المراد - بعون الله تعالى - وذلك بياناً لفضل العلم على أهله، وفضل أهله على الأمة ؛ وتوضيحاً لسببٍ من أسباب سوء الفهم لدى بعض الخيِّرين من طلبة العلم ، فضلاً عن غيرهم، وتظهر أهمية ذلك بجلاء ، حين يفرز هذا الاستشكال ، فرقةً بين بقية الأمة، وخلخلة لثقة جيل الشباب بجيل الشيوخ ؛ كما آمل أن يكشف هذا المقال شيئاً من فقد الموضوعية - قصداً أو تغريراً - لدى عدد من الكتاب، ممن جعلوا همهم الأول نقد العلم وأهله . كما اجتهدت في عرض هذا الموضوع وفق النقاط التالية:
1) من الأمور المقرّرة في الشريعة أنَّ الحكم الشرعي ذاته ثابت لا يتغيّر متى اتفقت الصور المسائل واتحد مناطها؛ وإنَّما قد يتغير مناط الحكم تبعاً لتغير الصور أو دخول العوارض المعتبرة في الشرع ، ومن ثمَّ تتغيّر الفتاوى عند تنزيلها على المسائل والوقائع ، تبعاً لذلك . وهذا أمر معقول ، ومعمول به حتى عند أهل القانون- الذين يستشهد به بعض الكتّاب - فتجد القاضي البريطاني مثلا- وهو يعتمد السوابق القضائية وفق المدرسة الأنجلوسكسونية- يحكم في قضية بحكم ، بينما يحكم هو أو قاضٍ آخر في صورة مماثلة بحكم مختلف ، لسبب يرى أهمية مراعاته في الصورة الجديدة عند تطبيق المبدأ القضائي الذي يستند إليه في حكمه! وحينئذ فعدم تغيّر الحكم مع تغير صور المسائل ومناطاتها - عند التأمّل- هو الأمر المُشكِل الذي يحتاج إلى جواب .
2) ولكي تتضح المسألة أكثر، أبيِّنها بالتعريج على شيءٍ مما يضربه بعض الناس- مثلاً- في المجال العام والتنبيه على سببٍ للتفريق بين الفتوى في أمرٍ، وما يظنّ خلافاً لها فيه ، مثل: تعليم المرأة، والموقف من دمج تعليم البنين والبنات إداريا، وفتح بنوك إسلامية ، ومنع أطباق البث الفضائي ، ومنع الاستكتاب في شركة ما ثم إجازته ، ونحو ذلك مما يفتي فيه علماء معروفون بالعلم والفقه واليقظة وحسن الدِّيانة ، مهما اختلف معه غيرهم ممن لا يُعرف بما يعرفون به ..
أ) فتعليم المرأة في المملكة العربية السعودية ،لم يحرمه أحد من العلماء المعتبرين- كما يزعم بعض النَّاس- وغاية ما في الأمر أنَّ الاختلاط- في بعض البلدان- بين الجنسين كان هو السِّمة العامة لتعليم النساء نظاميا في تلك الحقبة التي مُنِع فيها، ولذلك استنكره- حينها- كثير من المواطنين حميَّة وغيرة من غير فتوى ؛ فلمَّا اتفق العلماء والولاة على ضمانات خلو التعليم من مفسدة الاختلاط وتوابعها ، مثل قلة الاحتشام وما يترتب عليه -لم يكتف العلماء بالسماح بتعليم المرأة، بل قادوا هم مؤسستها الحكومية، وأشرف عليها مفتي الديار ورئيس القضاة حينها الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله ، فلمّا رأى النّاس ذلك اطمئنوا إلى التعليم الحكومي وسلامته من الاختلاط وتوابعه ، فألحق كثير منهم بناته بتلك المدارس ، وانتشرت في البلاد حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ولله الحمد والمنة ؛ فكان المنع في حينه مستنداً إلى سبب وجيه لا يتعلق بالتعليم ذاته، بل إلى آليته، وسلامته من المحظور، وكان الإذن به وتنفيذه مستنداً إلى ضمان خلوه من المحظور؛ فلكلٍ علّته وحكمه؛ ومن يرجع إلى فتاوى الشيخ رحمه الله يجد ذلك واضحا غاية الوضوح، فقد صرح بالعلة - كعادته - تصريحا لا لبس فيه، فتأمّل أخي- المبارك - كيف يحاول بعض المستغربين خطف شرف رفع شأن المرأة في بلادنا، بمثل هذه الأساليب التي يفضحها التاريخ.(28/142)
ب) وأمَّا دمج تعليم البنات مع تعليم البنين فشغّب به بعض الكتّاب؛ والحق أنَّه لم يستنكره من استنكره من العلماء والدعاة المخلصين الغيورين لمجرد كونه دمجاً إدارياً، ومن الظلم أنَّ نظنَّ بأنَّهم بهذا المستوى من النظر، ولا سيما أنَّ كثيراً ممن نعرف حالهم من أولئك ليسوا أهل طيش ، ولا دعاة خروج على أولي الأمر ولله الحمد.. بل أجزم أنَّ من أعرفه منهم لا ينفك في الأمور العامة عن رأي العلماء الكبار.. ثم إنَّ من أعضاء هيئة كبار العلماء من أفصح عن تخوفه من قرار الدَّمج ، وعلَّل ذلك بعدد من الأسباب والظروف المحيطة، والزخم الإعلامي المريب الذي سبق الحدث وصاحبه، وما تضمنه من مطالبات تغريبية تزيد الموضوع توتراً، وغير ذلك من الأمور التي لا تخفى على من عاش الحدث وتابعه ..
فالموقف المعروف حينها يمكن إيجازه في التخوف من الحال التي يخشى النَّاسُ أن يؤول إليها الأمر، من مثل الاختلاط في المدارس بين البنين والبنات، والمعلمين والمعلمات، ولو تدرجا بالبدء من دمج الجنسين في الصفوف الدنيا.. وقد كان هذا التخوف ظاهراً وجلياً، وواضحاً لدى ولاة الأمر، فبادر ولي العهد حينها بالتعهد للأمة أنّ ما يخشونه من قرار الدمج لن يقع بإذن الله؛ وعبّر عن ذلك بتعبيرات أوجدت ارتياحا عاما لدى النَّاس، وهذا ما آل إليه الأمر بحمد الله تعالى وظهر جلياً في المدّة الأخيرة بعد أن اتخذت القرارات الضابطة لذلك ، نسأل الله عز وجل أن يديم علينا نعمته، ويوفق ولاة الأمر لما فيه خير العباد والبلاد.
ج) وأمَّا ما يقال حول الفتوى بمشروعية فتح البنوك الإسلامية ، فيقال: يجب أن يُعلم أنَّ العلماء لم يُحرِّموا التعامل مع بعض البنوك لكونها بنوكاً، وإنَّما لقيامها في الجملة على النسق الغربي الربوي، فلمَّا وُجِد البديل الإسلامي، وأمكن فتح بنوك ومصارف وبيوت تمويل تتحرّى التعامل الشرعي، كان الدعم لها من أهل العلم ولاسيما ممن بذلوا جهداً عظيماً وسنين عديدة في إيجاد البديل الإسلامي، حتى وصل الحال إلى ما نحن فيه من تقدّم في المصارف والبنوك ذات المعاملات الإسلامية، وهي بحاجة إلى مزيد من الفطنة والورع ومراقبة تنفيذ قرارات اللجان الشرعية كما هي ..
د) وهكذا الشأن في منع أطباق البث الفضائي ، فلم يمنعها من منعها من العلماء لمجرد كونها أطباقاً توضع على أسطح المنازل أو يُستجلب بها المفيد ! وإنَّما منعها من منعها من أهل العلم الكبار في حينه، لانحصار استعمالها في الشرّ في وقتٍ، وغلبته فيما بعد؛ ثم لمَّا ظهرت القنوات النافعة، لم نجد الفتوى التي تأذن فحسب، بل وجدنا الفتوى التي تحض على الاشتراك في القنوات الصادرة عن لجان شرعية ، كقناة المجد مثلاً، التي يكرر شكرها والحثّ على مشاهداتها قمة الهرم الشرعي الرسمي سماحة المفتي العام حفظه الله، وهذا كلّه من حرص أهل العلم على فتح الذرائع المشروعة، وتشجيع البَدَل المشروع، ونشر الخير نشراً آمناً من الخلط والمزج بالشرّ ما أمكن ذلك ..
هـ) ومن الفتاوى التي فهمت في غير إطارها فتوى شيخنا العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله- في الصلح مع اليهود، فقد نال منه بها قومٌ، ظنّاً منهم أنَّ الشيخ قد أخطأ، مع أنَّ فتواه رحمه الله جاءت على الأصول الفقهية المعتبرة في مشروعية الصلح بمعنى ( الهدنة )؛ وشغّب بها آخرون بإيعاز صهيوني ليسوِّغوا ما لم يقصده الشيخ رحمه الله فأوهموا بعض النّاس أنَّ الشيخ يرى مشروعية وجود الكيان الصهيوني والاستسلام لشروطه، وهو ما لم يَدر بخلد الشيخ رحمه الله، بل إنَّ فتاواه الصريحة بعكس ذلك في غاية القوّة والوضوح، والشيخ رحمه الله قد بيّن حرمة الصلح الدائم مع اليهود، وأكَّده في الفتوى ذاتها، وفي بيانه لمراده - رحمه الله في فتاوى لاحقة، ولعلّ من أسباب سوء فهم بعض طلبة العلم، عدم إدراكهم للفرق بين مصطلح الصلح في الشريعة الإسلامية، وفي القانون الدولي، وبيانه: أنَّ المراد بـ ( الصلح ) بالمعنى القانوني الدولي، هو: عقد اتفاق دائم بين الأطراف المتصالحة ، بخلاف معنى الصلح في المصطلح الشرعي الذي يعد رديفا للهدنة في المصطلح الشرعي الفقهي الإسلامي وفي القانون الدولي، وقد بينت ذلك بتفصيل في الجواب على سؤال عن حكم التطبيع مع الكيان الصهيوني نشر في موقع المسلم في العام الماضي.
وهذا الفرق يدركه العلماء ورجال السياسة، ولذلك نجد اللجان الشرعية في حركة حماس الإسلامية، تبني موقفها الحالي من الامتناع عن الصلح على موقف الكيان الصهيوني من عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة المسلمة، وهو ما يفسِّر عدم جنوح قيادات الكيان الصهيوني للسلم ؛ بينما لو فعل ذلك، فلن تجد حركة حماس ما يمنعها شرعا من الصلح ( الهدنة ) مع هذا الكيان.(28/143)
و) ويمكن تقريب مسألة تغيّر الفتوى لمن قد لا يستوعبها جيداً، بالمثال السادس في مسألة فقهية عامة، لا ترتبط بالولاية ، ولكن يكثر الحديث عنها، و يتردّد فيها ذات السؤال، فتجد من يقول: لماذا منع الشيخ فلان الاستكتاب في الشركة الفلانية، ثم أباحه بعد ذلك ؟ فتجيبه: فلان منعها من أجل الربا ، فلما تخلصت من الربا - في نظره - أجازها.. فمدار الحكم على وجود الربا، من عدمه، ففتواه لم تتغير، بل تغير وضع الشركة ! ولذلك لو عادت الشركة إلى ما كانت عليه لعاد لما أفتى به فيها من قبل.. وهكذا..
وليس عسيرا على الباحث عن الحق سؤال صاحب الفتوى: لم منعت الاستكتاب في الشركة ثم أجزته ؟ ليجد الجواب المنضبط في الحالين كما أسلفت، وإنَّك لتعجب ممن ينتسب للثقافة ! ثم يسود صفحته وصحيفته بالنيل من أهل العلم دون أن يكلف نفسه عناء الأمانة التي تحمّلها ليسأل صاحب الفتوى: لم أفتيت بالمنع ثم بالجواز أو العكس ؟
ويُلحظ في هذه الصور وأمثالها أنَّ العالِم لم يتغير في منهجه أو يتراجع عن فتواه؛ وغاية ما في الأمر أنَّ مناط الحكم قد تغيّر لتغيّر الحال، فوجدت حال جديدة لها حكم مختلف، وإن كانت الصورة مشابهة في الظاهر، لكن الفتوى لا زالت ثابتة في الحال الممنوعة؛ وهنا ظنّ من لا علم عنده بفنّ الفتوى وأصول الاستدلال : أنَّ الحكم تغيّر ، ومن ثمّ تساءل- لجهله أو تجاهله -: كيف يُحَرِّم العلماء كذا وكذا، ثم يحللونه بعد ذلك مع مرور الزمن ؟!
والخلاصة: أنَّ العلماء الربانيين هم الذين ردَّ اللهُ المسلمَ إليهم عند عدم العلم، فهم ضمان الشرعية في الطرح والنصح والتعامل، فعلى المسلم الصالح ، أن يرتبط بأهل العلم والديانة، وعلى رأسهم في بلادنا أعضاء هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، وغيرهم ممن عرفتهم الأمة وشهدت لهم بالعلم والفضل والاعتدال، من العلماء الناصحين والدعاة المخلصين في جميع البلاد .
ولو رجعنا إلى أهل العلم وكانت صلتنا بهم صلة قوية، لدفعنا الكثير من الخلط الذي قد يفتن بعض النّاس عن الحق، ويزهدهم في العلماء الربانيين، ولما احتجنا في معرفة الحقيقة إلى التاريخ، ليثبت لنا صحة نهج من أحالنا الله إليهم، فكم ضاعت من أوقات، ونيل من شخصيات، في غير حقٍّ، وربما تبيّن زللُ طالب العلم ولكن بعد عسر الرفع، مهما حاول تداركه .
ومن هنا أجد أنَّ من النصح لنفسي، ولشبابنا الكرام، ولزملائنا الأفاضل من طلبة العلم بخاصة، ولغيرهم من أهل الكتابة عامّة : التمهلَ في تقييم فتاوى العلماء الربانيين المصلحين، وعدم الاعتراض المتعجِّل على جهود الناصحين، دون دراسة جادة متعمِّقة ندرك بها الدوافع، ونعرف تفاصيل بنائها في أرض الواقع، مع الحرص على التقاء من يُستَغرب قولُه من أهل العلم والديانة أو الاتصال به، ومناقشة صاحب الرأي على سنن أهل الأناة والحكمة، حتى لا ننال من مجتهد قد بذل وسعه فنال أجراً إن أخطأ وأجرين إن أصاب، أو نؤذي مؤمناً حكم الله على من آذاه بأنَّه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا، في قوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً )) (الأحزاب:58).
هذا ما جال في الخاطر حول هذا المعنى في ظلّ نقدٍ عاطفي يصل إلى درجة التسفيه الممقوت، ورأيت في تدوينه ونشره خيراً لمن أراد لنفسه النجاة، وحفظها من شرِّ حظوظها، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.
==============(28/144)
(28/145)
القمّة العربيّة بين الإصلاح ودعم القضايا الساخنة
عاصم السيد 6/2/1426
16/03/2005
يتطلع كثير من العرب إلى القمة العربية القادمة في الجزائر، وكيف ستعالج قضية إصلاح الجامعة وإصلاح الأنظمة العربية، ولمعرفة أيضاً كيف ستتصرف أمام قضايانا الساخنة في العراق وفلسطين وسوريا والسودان، وهل تضعف أمام الضغوط الأمريكية أم تواجهها؟
في هذه السطور نستطلع آراء عدد من خبراء السياسة لتعميق وعينا حول هذه الملفات، وتقديم المطالب للقمة عسى أن تعمل على تنفيذها.
يرى د. صلاح عبد االحافظ أستاذ الإدارة بجامعة عين شمس أن أنظمتنا السياسية مشبعة بالقطرية، ولا تنطق باسم شعوبها، ولا تحترم حتى مصالح هذه الشعوب، وهي أنظمة تحتاج لإصلاح جذري وشامل ومتعدّد الجوانب، ولا تستطيع إصلاح النظام العربي القائم، وربما لا تستطيع الحفاظ عليه، ويبدو أن كل ما يُقال عن إصلاح النظام العربي ما هو إلا خطابات خادعة، وأوهام لا شك فيها، فكيف يتسنى لمن يرفض إصلاح نظامه بنفسه أن يصلح نظاماً جماعياً؟!
لم تقتنع أنظمتنا السياسية بعد بحاجة العرب لنظام عربي جديد في عصر العولمة، حيث لم يعد أي نظام سياسي وحده قادراً على الوقوف في وجه المصاعب، ولذلك أقامت معظم دول العالم أنظمة إقليمية تؤهلها للوقوف في وجه العولمة الأمريكية من جهة، وتوحيد إمكانيات دولها لتستطيع المشاركة في هذه العولمة وترشيدها، والتأثير في النظام العالمي برمته سياسياً واقتصادياً، وفي كل مجال من جهة أخرى، وها نحن نرى أن قيام أنظمة إقليمية في أوروبا، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية دون أن يحرضنا ذلك على إقامة نظام عربي خاص بنا، نظام فعّال وجدّي قادر على تأهيلنا كأمة وكدول للتضامن، وحل مشاكلنا والمشاركة في النظام العالمي الجديد. إنه لمن العدل القول: إن إصلاح النظام العربي لن يتحقق دون إصلاح الأنظمة السياسية العربية.
إصلاح الداخل أولاًً
يرى د. عبد الخبير عطا أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط أنه لا جدوى من النظر في أمر إصلاح الجامعة العربية على المستوى الجماعي ما لم يسبقه تحقيق الإصلاح الداخلي في الدول الأعضاء على المستوى الانفرادي. وفي كل الأحوال فإن الإصلاح السياسي على مستوى الدول الفردي لن يتحقق بقرار من اجتماع قمة، كما أنه ليس من المتصوّر أن تبتدر الأنظمة الحاكمة طوعاً حركة تغيير حقيقي. أما الدعوة الإصلاحية الخارجية الصادرة عن الولايات المتحدة فلا ينبغي أن تُؤخذ مأخذ الجد. فالظاهرة الاستبداديّة العربية هي جزئياً -على الأقل- من صنع أمريكي.
إن الإصلاح الداخلي الجادّ يتضمن عنصرين أساسيين:
أولاً: إفساح المجال للشعوب المشاركة في الحكم عن طريق إطلاق الحريات العامة والتمثيل النيابي الصحيح والقضاء المستقل.
وثانياً: إعادة بناء الاقتصاد الوطني بما يسمح بإعادة توزيع الثروة بصورة عادلة. وكلا العنصرين مرفوض تماماً لدى الطبقات الحاكمة في الوطن العربي.
ورغم أن الإصلاح على هذا النحو شأن داخلي إلا أنه ليس معزولاً عن الظروف الخارجية الجيوسياسية، وأهمها بالنسبة إلى العالم العربي التحالف الاستراتيجي القائم بين الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا التحالف سيكون الطرف المتضرر بالدرجة الأولى من انتشار الديمقراطية الليبرالية في البلدان العربية؛ لأن الطرف الذي سيكون المستفيد الأول يتمثل في القوى الشعبية التي تتبنى أجندة لمناهضة النفوذ الأمريكي والوجود الإسرائيلي في المنطقة.
ولإدراك قيمة هذا الاستخلاص الواضح علينا أن ننظر في الصورة البانورامية الراهنة؛ فالقمع العربي يطال المنظمات المتعاطفة مع فصائل المقاومة ضد الاحتلال في كل من فلسطين والعراق.
وعلى الصعيد الاقتصادي نرى أن السياسات الاقتصادية والتجارية الرسمية تُرسم وكأنها من وحي مصالح الشركات العملاقة متعدّدة الجنسيات وفي مقدمتها الشركات الأمريكية. ومع تطبيق هذه السياسات لمدى عقود فقدت الدولة سيطرتها على حركة الاقتصاد الوطني مع الانحسار التدريجي لهيمنة القطاع العام.
ويقول د. عبد الخبير عطا أن غالبية الاقتصادات العربية تخضع الآن لبرامج خصخصة متجدّدة. ويتعاظم وجود هذه الظاهرة بصورة خاصة في البلدان غير النفطية.. أو بلدان نفطية مثقلة بمديونية خارجية. وما يحدث عادة هو أنه كلما عجزت الدولة عن مواصلة سداد الديون تتدخل الولايات المتحدة والدول الأخرى التي لها بنوك أو شركات مالية دائنة لحمل الدولة العربية المدينة على تبني برنامج خصخصة يتم بموجبه بيع شركات تابعة للقطاع العام إلى الدائنين.
ومن ناحية أخرى تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لإجبار حكومات الدول العربية غير النفطية على إطلاق حرية التعامل بالنقد الأجنبي؛ مما يسمح للشركات الأجنبية بتهريب الأرباح ورؤوس الأموال.(28/146)
وتدرك الولايات المتحدة أن إحلال الديمقراطية في العالم العربي سوف يسمح بظهور قوى شعبيّة على مسرح العمل السياسي المشروع، ويمكن أن تتولى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع أو تشكل معارضة شرعية فاعلة.. وفي كلا الحالين فإن أجندة هذه القوى غالباً ما تشتمل على رد اعتبار القطاع العام وهيمنة الدول على حركة الاقتصاد الوطني.
وإذا أخذنا في الاعتبار النفوذ الذي تتمتع به الولايات المتحدة فإن من المبالغة التفاؤل بأن حلول الديمقراطية الليبرالية الشاملة في العالم العربي بات قريباً. فما يحرك السياسات الدولية الأمريكية هو المصالح الإستراتيجية الحيوية، وليس المبادئ المثالية.
معوّقات إصلاح الجامعة
يستعرض د. أحمد يوسف أحمد مدير معهد الدراسات والبحوث في الجامعة العربية قضية جهود إصلاح الجامعة منذ العام 1948، ويرى أن الأوضاع التي تشهدها الساحة العربية لا تبشر بالخير، وأن هناك قدراً يُعتدّ به من التشاؤم في ظل تراكم محاولات الإصلاح التي باءت جميعها بالفشل ولم يرَ أياً منها طريقه إلى التنفيذ العملي. ويستعرض د. أحمد يوسف المعوقات التي حالت دون تحقيق خطط الإصلاح مرجعاً ذلك إلى سببين رئيسين يتعلقان بالطبيعة القطرية للدولة العربية، والخصائص البنيوية للنظام العربي حيث تتسم الدولة القطرية بسمات معينة منها مركزية القرار مما يعوق محاولات التطوير، كما أن المؤسسات العربية غير مكتملة النضج؛ حيث لا نستطيع الحديث عن برلمان عربي في حين تعاني البرلمانات العربية القطرية من مشكلات أساسية كبيرة.
ويشير الدكتور يوسف إلى أن الخصائص البنيوية للنظام العربي ساهمت في عرقلة مسيرة الإصلاح ضمن الجامعة. فهناك مشكلة الدول الكبيرة والصغيرة حيث عجز النظام العربي عن إيجاد حل ينظم العلاقة بين الدول بل على العكس من ذلك فإن النظام العربى زاخر بالصراعات العربية ـ العربية التى أدّت في النهاية إلى تفكيك مسيرة العمل العربي المشترك.
وحول المناخ الراهن للإصلاح قال الدكتور يوسف: تواجه جهود الإصلاح الحالية التي تتم في ظل احتلال العراق والهيمنة الأمريكية على المنطقة- مصاعب حقيقية؛ إذ يستبعد التصور الأمريكي للمنطقة أي دور فاعل للجامعة ومؤسساتها، وفي نفس الوقت فإن مقترحات الإصلاح لم تكن على المستوى المطلوب فهي تعاني من مشكلات كبيرة منها وفرة هذه المقترحات مما يصعب من عملية تنفيذها دفعة واحدة.
إن مشكلة الازدواجية وتركيز خطط الإصلاح على إنشاء كيانات قانونية على الرغم من فشل النهج القانوني للإصلاح إلى جانب أن بعض المقترحات جاءت غامضة وغير واضحة المعالم، كل ذلك يؤكد صعوبة خطط الإصلاح.
ويرى د. يوسف أنه للتصدي لهذه المعوقات لا بد من اعتماد سياسات عملية تتمثل في عدة نقاط منها تطبيق عمليات الإصلاح بدءاً من القاعدة؛ حيث لا يمكن الحديث عن سوق عربية مشتركة دون العمل على تنسيق سياسات التنمية الاقتصادية العربية، كذلك اعتماد فكرة القاطرة التي تتمحور حول البدء بمجموعة من الدول العربية تكون جاهزة للتكامل فيما بينها على غرار الاتحاد الأوروبي.
مطالب للقمة العربية
الخبير الاستراتيجي اللواء إبراهيم جاد يحدّد المطالب من القمة العربية القادمة ويحلل الموقف من القضايا العربية الرئيسة بقوله: على القادة العرب أن يتخلوا عن سلبيتهم تجاه الملف العراقي ولو مرة واحدة، وعليهم هذه المرة دعم موقف السنة في العراق الذين تحالف الجميع ضدّهم وحمّلوهم أخطاء وجرائم صدام حسين، وينتقمون منهم، ويهدمون مدنهم.(28/147)
وبالنسبة لسوريا فقد بدأت في سحب قواتها من لبنان، وقد زاد من ضرورة القيام بهذا الانسحاب على نحو عاجل، أن الموقف العربي الذي كان بالإمكان المراهنة عليه في إبداء أية حجج أو علل لتأخير الانسحاب أو التلكؤ فيه، بات موقفًا مزايدًا على المواقف الأمريكية والفرنسية في مطالبة سوريا بالامتثال لقرار 1559 - الذي يستهدف تركيع لبنان وسوريا في ضربة واحدة - وهو موقف يحتل أهمية قصوى بالنسبة لسوريا في القضية اللبنانية تحديدًا، بالنظر إلى سابق ضمان هذه الدول لاتفاقية الطائف. كان بالإمكان في حالة كان الموقف العربي مختلفًا عما نراه الآن، أن تتحدث سوريا عن أن جيشها دخل إلى لبنان باتفاق وقرار عربي وأنه يجب أن يخرج بقرار عربي، وأن تأخذ وقتًا - على الأقل حتى لا تبدو منسحبة تحت الضغط الأمريكي - تحت حجة إجراء مشاورات عربية، وأن تطلب عقد لقاءات عربية تصدر هي قرارًا بسحب الجيش السوري بعد انتهاء مهمته التي كُلّف بها في لبنان... الخ، لكن الموقف العربي صدر دون الأخذ بالاعتبار لأية مواقف أخرى: يجب على سوريا سحب قواتها فورًا', ما جعل الموقف السوري يزداد حرجًا. لقد قدّرت سوريا أن عواصم عربية رأت في الوضع اللبناني فتحًا لبوابة تحريك تجمعات طائفية أو حزبية بدفع أمريكي وفرنسي، ما يهدّد بالانتقال كعدوى الأنفلونزا إلى المجتمعات التي تحكمها هذه النظم، وأنها لذلك بادرت - وخارج حدود اللياقة الدبلوماسية- بالإعلان عن موقفها أمام أجهزة الإعلام، كما قدرت أن محصلة الموقف العربي ستكون ضاغطًا على سوريا لا داعمًا لها، فأخذت قرارها العاجل بالانسحاب العاجل، مع الاكتفاء بموقف رمزي لإعلان استيائها من الموقف العربي بعدم إرسال وزير خارجيتها إلى اجتماعات وزراء الخارجية العرب، وعدم الطلب من أي طرف عربي آخر طرح القضية على هذا الاجتماع، حتى لا يخرج عنه قرار عربي بسحب القوات السورية من لبنان.
لكل ذلك نطالب القمة العربية القادمة بدعم سوريا، وعدم التخلي عنها ومساندتها أمام الضغط الأمريكي الإسرائيلي الفرنسي.
أما بالنسبة لأزمة السودان فإن الموقف العربي منها موقف متخاذل كما هو الحال مع أي قضية تخص الدول العربية. فهم ينتظرون أن يأتي الحلّ من قبل أمريكا ولن يستطيعوا اتخاذ أي إجراء أو قرار دون الرجوع إلى أمريكا. وحتى لو اتفقوا على رأي فسيكون رأي أمريكي. ونطالب القمة بالتقدم خطوة للأمام، ولعب دور أكثر حيوية في أزمة دارفور؛ فالتدخل الإسلامي والعربي ضروري لحل أزمة دارفور خاصة أن إقليم دارفور إقليم إسلامي. ولهذا فإن التدخل الاسلامي والعربي مجدٍ وأفضل من التدخل الغربي الاستعماري .
وبالنسبة للقضية الفلسطينية فهي تمثل فشل الموقف العربي الرسمي خير تمثيل، وعلى القادة العرب ألا يتسابقوا في التطبيع قبل جني أية ثمار سياسية، وعليهم أن يدعموا محمود عباس وسلطته دون خوف من بوش وشارون، وعليهم أن يتبنّوا خطة لتعمير ما تهدّم على أيدي الصهاينة، وأن يدعموا الاقتصاد الفلسطيني، وقبل هذا وذاك يضغطوا من أجل عقد مؤتمر دولي جادّ يحقق التسوية السياسية المقبولة للمشكلة.
==============(28/148)
(28/149)
الجامعة العربيّة وظاهرة القِمم
نايف ذوابه 11/2/1426
21/03/2005
على طريقة الإنجليز في استباق الأحداث و ركوب الموجة؛ فإنهم بدهائهم المعهود، أدركوا بعد الحرب العالمية الثانية أن عهد الاستعمار القديم قد ولّى، وأن أمريكا -التي تحلّب ريقها على ثروات الشرق بعد دخولها الحرب العالميّة الثانية- قد دخلت منافسًا خطيرًا لهم بما تملك من إمكانيات اقتصاديّة وعسكريّة هائلة، فضلاً عن الدعاية القويّة التي دخلت بها على المستعمرات البريطانيّة والفرنسيّة، ومنها: حقّ الشعوب في تقرير المصير، والحريّة، وحقوق الإنسان، وأمريكا بلد الازدهار والرفاهية؛ بمعنى أن أمريكا أصبحت قبلة لمن ينشدون الحرية والتقدّم والازدهار والتحرّر من الاستعمار!!
لهذا رأت إدارة المستعمرات البريطانية ومعها وزارة الخارجية توظيف نضال العرب الوحدوي لصالحها، مستفيدة من وجودها في كل من مصر وسوريا وفلسطين والعراق والأردن والخليج العربي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنها تريد أن تحرف مسيرة الوحدة عن مسارها الصحيح، لا سيما أنه كان هناك في العالمين العربي والإسلامي من لا يزال يتحرق أسفاً على زوال دولة الخلافة الإسلامية( الدولة العثمانيّة)، ويفكّر في إعادتها في أماكن أخرى غير تركيا، ومن يرجع لقصيدة شوقي في رثاء الخلافة بعد أن هدمها مصطفى كمال أتاتورك، يدرك أي حزن جاشت به نفوسهم على ضياعها، ويدرك عمق الرابطة التي كانت تربط المسلمين بدولتهم، ويدرك أي إخلاص كان المسلمون يخلصون فيه لرمز وحدتهم، ومناط عزتهم، والتي أصبحوا بغيابها كالأيتام على مآدب اللئام؛ رغم أنها كانت في حالة احتضار، ولم تكن المثل الأعلى لما ينبغي أن تكون عليه دولة الخلافة الإسلاميّة قوّة وهيبة ووعيًا ونقاءً والتزامًا صحيحًا بالإسلام؛ لكنها -على أية حال- كانت كالأسد المهيب الرابض في عرينه الذي يعيش على ذكرياته المهيبة، وكان أعداؤها يخشون غضبة المسلمين إذا مُسّت خلافتهم، كما أن ذكرياتها المهيبة في نفوس أعدائها كانت تحول دون هدمها والقضاء عليها؛ فهي الدولة التي وقف جنودها على أسوار فينّا عاصمة النمسا؛ فضلاً عن أن الموقف الدولي لم يكن يسمح بزوالها نتيجة الصراع المرير بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي، وقد استفادت دولة الخلافة العثمانيّة من هذا التوازن في الموقف الدوليّ، مما حافظ على وجودها وحال دون غيابها.
ولقد ناضلت الدولة العثمانية نضالاً شرسًا ومشرّفًا للحفاظ على فلسطين، وكلمات خليفة المسلمين عبد الحميد- رحمه الله - ما زالت تدوّي في سماء فلسطين بعد أن ألحّ عليه زعماء اليهود ليمنحهم وطنًا قوميًّا فيها؛ ورغم كل المحن التي كانت تمر بها الدولة العثمانيّة، ورغم الديون التي كانت تثقل كاهلها، فإنه أبى " هذه الأرض ليست ملكي؛ إنها أرض آبائي و أجدادي، ولعمل المبضع في جسدي أهون عليّ من أن أتنازل عن شبر واحد من أرض المسلمين!!"
في هذه الأجواء وُلدت جامعة الدول العربية؛ إذ حاولت بريطانيا إيقاف تقهقرها أمام الزحف الأمريكي في المنطقة، والاحتفاظ بما أمكن من نفوذها فيها؛ لذا أعلن أنطوني إيدن وزير خارجيّة بريطانيا في أيار مايو1941م ما يلي:
"يسعى العديد من المفكرين العرب إلى تحقيق درجة أكبر من الوحدة بين الشعوب العربيّة عما هو متحقّق حتى الآن، وهم في تطلعهم إلى الوحدة العربيّة يأملون الحصول على دعمنا، ويصعب ألاّ نستجيب لمطلب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي والصحيح العمل على تقوية الروابط الثقافيّة والاقتصاديّة بين البلاد العربيّة فضلاً عن الروابط السياسيّة، وإن حكومة جلالته سوف تقدّم من جانبها كلّ تعضيد من هذا القبيل يلقى تأييد الرأي العام العربيّ".
وهكذا وُلدت فكرة جامعة الدول العربيّة بفكرة بريطانيّة خبيثة، وبريطانيا نفسها هي التي مزّقت أوصال المسلمين، وقطّعتهم إربًا إربًا، وأشرفت على إنشاء جيوش تحرس الحدود المصطنعة التي أقامها المستعمر الكافر، وتحميها، وأصبح كل من يحمل فكر الوحدة متّهماً، وأصبح طريدًا تتقاذفه الحدود الوهميّة، ومطلوبًا لدى الأجهزة الأمنيّة التي كانت أكثر قسوة عليه من الاستعمار نفسه!!
وفرضت القوى الأجنبيّة على كل دولة علمًا، وجعلت لها نشيدًا وطنيًا، وأشارت على وكلائها بأن يحفظ التلاميذ هذا النشيد، مع أنه رمز فرقتهم، ودليل هوانهم، وسمٌّ يجري في عقيدتهم وأفكارهم!!
وهكذا كان تصريح "إيدن" يهدف إلى تكريس التجزئة تحت شعار الوحدة، وكانت الفكرة الإنجليزيّة الخبيثة في حقيقتها قطعًا للطريق على الوحدة الحقيقيّة!!
وكانت الجامعة العربيّة جزءًا من المؤسسة الرسميّة العربيّة، لا مؤسسة شعبيّة, ولا تجسّد طموحات الشعوب؛ لأنها وُلدت من رحم النظام العربي الرسمي، وكانت في خدمته، واعترفت في ميثاقها بواقع التجزئة، وحافظت عليها، ووفّرت شرعيّة لها، كما وفرت شرعيّة - في أحيان أخرى- للتدخل الأجنبي في البلاد العربيّة، وبمعنى آخر كانت الجامعة العربيّة ضرورة من ضرورات النظام الرسمي الدولي وفي خدمته .(28/150)
وهكذا أصبحت الجامعة العربيّة ميدانًا للتنافس بين القوى الدوليّة لتسخيرها للترويج للأفكار التي تريد القوى الدوليّة صناعة رأي عام لها، وكان من الطبيعي لأمريكا -بالذات- التي أصبحت تهيمن على المنطقة، وتروّج لأفكار الشرق الأوسط الكبير الذي يجري فيه دمج إسرائيل في المنطقة، أن تسخّر الجامعة متى شاءت وأن تشلّ قدرتها متى تشاء - ونظام التصويت في الجامعة يخدمها وهو ضرورة الإجماع على أي قرار هام يُتخذ فيها - وهكذا فإنه يستحيل اتخاذ قرار ذي بال فيها ما دام موضع خلاف، فأصبحت عاجزة عن حل أي خلاف مهما كان، وما القضية الفلسطينيّة والأزمة العراقيّة الكويتيّة، والخلاف المغربيّ الجزائري- بخصوص قضية الصحراء الغربية-، والخلاف القطري البحريني... إلا أمثلة على شلل الجامعة، وإفلاسها السياسي وضعفها، وأنها ليست سوى صورة خاوية للنظام العربيّ، و المسمّى "العمل العربي المشترك"!!
وليس سرًا ولا مبالغة أن أيّ مؤتمر من مؤتمرات القمة العربيّة تأتي أجندته جاهزة من الولايات المتحدة التي هيمنت على كل شيء في المنطقة، ويأتي في صورة: "ما تتوقع الولايات المتحدة " أن يبحثه مؤتمر القمة العربي، و"ما تتمنى" أن يتخذه من قرارات، ويسبق المؤتمر ترويج لذلك، كما يُروّج الآن لما يُتوقّع أن يبحثه مؤتمر الجزائر القادم يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين 22/3/2005 وَ 23/3/2005 في تصريحات لمسوؤلين كبار ورؤساء دول تردّدوا على واشنطن أو تلقّوا تعليمات من سفاراتها من تطوير للمبادرات العربيّة للسلام والإسراع في عملية التطبيع ما دام السلام هو الخيار الإستراتيجي، أي السير في عملية تطبيع سريعة ولو كان ذلك قبل التوقيع إثباتًا للنوايا الطيبة نحو إسرائيل المغلوب على أمرها!! و يتطلب ذلك تجاهل حق العودة للفلسطينيين، وعدم التطرّق لموضوع القدس والاستيطان، وغيرها من المواضيع الشائكة على طاولة المفاوضات، والدعوة إلى ضرورة تطبيق سوريا للقرار الدولي 1559، ثم ما قامت به مصر من رعاية لقاء الفصائل الفلسطينية للاتفاق على هدنة طويلة مع إسرائيل، كل ذلك سيُبحث وسيُوفّر له غطاء عربي يمنحه الشرعيّة فضلاً عن الاستمرار في الحديث عن عملية الإصلاح السياسي في المنطقة؛ وبذلك تزداد الضغوط على سوريا، وتزداد الضغوط على الفلسطينيين، وطبعًا كل ذلك في خدمة أمريكا، وخدمة إسرائيل، وخدمة المشروع الذي يجري صهر المنطقة فيه، وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير، وقد جاءت البِشارة على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شلوم بأن هناك ثماني دول عربية جديدة على وشك إقامة تمثيل دبلوماسي مع إسرائيل، أو إعادة التمثيل الدبلوماسي معها!!
=============(28/151)
(28/152)
التطبيع مع اليهود
في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير دعت (إسرائيل) قادة الدول العربية والإسلامية إلى (إعلان) اتصالاتهم المتزايدة معها " على الملأ ", معتبرة أن ما أسمته الجدار الحديدي الذي حدد العلاقات على مدى أجيال بدأ في الانهيار
وقد قال وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ، " تشرفت هذا الأسبوع في نيويورك بلقاء أكثر من عشرة من زملائي من العالم العربي والإسلامي , الأمر الذي كان لا يمكن تصوره قبل عامين فقط". !!
فهل نرى في الأيام القادمة مزيدا من فتح العلاقات الدبلوماسية مع العدو الصهيوني ؟
وما هو دورنا في مثل هذه القضية ؟
==============(28/153)
(28/154)
انتظار التسوية وتشجيع الإسرائيليين
ياسر الزعاترة 10/2/1426
20/03/2005
حين نستعيد موجة التطبيع التي أعقبت اتفاق أوسلو عام 1993، فلا بد أن نتذكر ذلك الجدل الذي ثار بين فريقين عربيين (كلاهما رسمي بالطبع)؛ يرى الأول أن التطبيع مع الدولة العبرية يشجع قادتها على التنازل في تفاصيل المفاوضات، فيما يرى الآخر ضرورة ربط التقدم في عمليات التطبيع بالتقدم على صعيد المفاوضات، ليس على المسار الفلسطيني فحسب، بل والسوري أيضاً.
من الواضح أن أصحاب الرؤية الثانية لم يكونوا معنيين بتشجيع عمليات التطبيع المبالغ فيها مع الطرف الإسرائيلي، أكان قبل المفاوضات أم بعدها، وقد حدث ذلك بعدما أدركوا أن المشروع الإسرائيلي لا يقوم على تسوية عادية بين عدويين، بل ينطوي على أحلام عريضة بالهيمنة على المنطقة برمتها وتهميش الكبار فيها وعلى رأسهم مصر، كمقدمة للتلاعب بأوضاع الجميع، كباراً وصغارا.
لكن قصة ربط التطبيع بتقدم عمليات التفاوض كان حلاً معقولاً لعدم الظهور بمظهر العداء لعملية السلام، لاسيما بالنسبة لمصر؛ الدولة الأولى التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية، فيما حرصت بعد ذلك على عمليات تطبيع بارد، ليس فقط بقرار شعبي، بل بقرار وتوجه رسمي أيضاً.
والحال أن من تبنوا هذا الطرح، والذين تمثلوا بالثلاثي العربي (مصر، السعودية، سوريا)، بل وربما أكثر المتشائمين بمستقبل التسوية في الأوساط الرسمية العربية لم يتوقعوا أن تنتهي المفاوضات بتلك النهاية التي تابعها العالم في قمة كامب ديفيد، صيف العام 2000، ويوم تبين أن ما يعرضه الإسرائيليون هو من الهزال بحيث يستحيل على أي زعيم فلسطيني أن يقبله، فضلاً عن أن يجري تمريره من قبل الدول العربية المعنية مباشرة بالصراع ومستقبله.
هكذا فشلت اللعبة، وما هي سوى ثلاثة شهور حتى اندلعت انتفاضة الأقصى، وبالطبع بعد خمسة شهور على انتصار الجنوب اللبناني الذي كان لاستمرار المقاومة فيه دوراً بارزاً في إفشال عمليات التطبيع ونشوء مقاومة واسعة لها في الأوساط الشعبية. لم تمض أسابيع، وربما شهور قليلة حتى كان هرم التطبيع يهوي ويتحول إلى هباء منثور، ليس على الصعيد الشعبي فقط، وإنما على الصعيد الرسمي بفعل قوة الضغط الشعبية، ومستوى التفاعل غير المسبوق مع المقاومة الفلسطينية الباسلة.
على أن ذلك لا يقلل بحال من قيمة الاختراقات الإسرائيلية التي تحققت خلال السبع العجاف التي امتدت ما بين توقيع أوسلو وقمة كامب ديفيد، وهي اختراقات وقعت رغم المجهود الرسمي المناهض لذلك و الذي تبنى النظرية التي أشرنا إليها (ربط التطبيع بالمفاوضات).
في قراءة ما جرى وتبعاً لعودة جدل التطبيع من جديد، فإن بالإمكان القول إن نظرية التشجيع- تشجيع الإسرائيليين بالطبع-من خلال التطبيع قد فشلت، فقد حصل التطبيع في المرحلة السابقة، لكنه لم يشجع الإسرائيليين على التنازل، مع أن الطرف الفلسطيني والعربي قد تنازل لهم عن 78% من فلسطين بطولها وعرضها، كما أعلن نوايا واضحة لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين بعيداً عن التجسيد الفعلي لحق العودة إلى الأراضي المحتلة عام 48.
أما حكاية الطمأنة، طمأنة الإسرائيليين على مستوى قبولهم من قبل المجتمع العربي، فلا تبدو مقنعة هي الأخرى، لسبب بسيط هو أن الدولة العبرية لا تشعر في واقع الحال بالخوف من أحد سوى الفلسطينيين أنفسهم، ومن أعادها إلى مخاوف التهديد الوجودي هم الفلسطينيون وليس العرب، لاسيما الطرف الرسمي من بينهم، ذلك الذي لم يقدم الكثير على صعيد دعم المقاومة، بل إن بعضهم قد وقف مواقف معاكسة يعرف المعنيون حيثياتها.
من هنا يمكن القول إن تبني النظرية الأخرى القائمة على ربط التطبيع بالمفاوضات يظل أسلم بكثير من فتح باب الهرولة على نحو مجاني، أكان خضوعاً للضغوط وتقرباً من السيد الأمريكي، أم فراراً من قصة الإصلاح التي تحولت إلى وسيلة الابتزاز الأهم في يد المحافظين الجدد، وبالطبع لحساب الدولة العبرية.
لعل ذلك هو ما دفع من صاغوا خريطة الطريق إلى التأكيد على هذا البعد، حيث نص بند في المرحلة الثانية (مرحلة الدولة المؤقتة) على أن "تستعيد الدول العربية مع إسرائيل ما كان لها من روابط قبل الانتفاضة".
هل سنشهد تبعاً لذلك موجة تطبيع أكثر سخونة من تلك التي تابعناها في المرة الماضية؟ من المؤسف أن ذلك هو ما يلوح في الأفق، ودعوة شارون إلى تونس هي المقدمة، فيما يبدو جدل قمة الجزائر إرهاصاً آخر، الأمر الذي يستدعي تحركاً شعبياً لمواجهة الموقف قبل استفحال الظاهرة.
============(28/155)
(28/156)
الجامعة العربية ستون عاماً من الفشل والتعثّر
أمين محمد / نواكشوط 12/2/1426
22/03/2005
يتزامن انعقاد القمة العربية هذه السنة بالجزائر مع حلول الذكرى الستين لإنشاء الجامعة العربية (22/ مارس1945) هذه القمة - وهي السابع عشرة في تاريخ الجامعة - تثير من المخاوف أكثر مما تبعث من الآمال، وتطرح من التساؤلات أكثر مما تقدّم من الإجابات ، في الوقت الذي يزداد إحباط العرب من جامعتهم الشائخة المترهلة، ويزداد غضب المواطن العربي، وهو يرى تجارب التوحد والتكتل من حوله.. وعن يمينه وعن شماله، ثم يقلب النظر في "الستين الخوالي" فلا يرى إلا الفرقة والتناحر، فيفيض به الأسى ويعود إلى نفسه، وإلى التاريخ يسائله بعد ستين عاماً من " العمل العربي المشترك": ما الذي تحقق؟ هل تحرّرت الأوطان من نير الاحتلال؟ وهل تحرّر الإنسان من سعير القمع والاستبداد ؟ وهل تحققت النهضة التنموية الشاملة ؟ وأين هي أحلام الوحدة والتكتل ؟
لنعد أولاً إلى النشأة الأولى وظروف التكوين.
الولادة غير الشرعيّة
عند ما اقترحت وزارة الخارجية البريطانية تشكيل جامعة عربية خلال أربعينيات القرن الماضي انقسمت القوى العربية آنذاك مابين مؤيد معتبر أن الأمر في أصله جزء من مطالب حركات التحرر العربية..ورافض يرى أن الفكرة، وإن كانت في أصلها ومنشئها مطلب عربي أصيل، إلا أنها في ظروفها وتوقيتها لا تعدو أن تكون جزءاً من الآليات الإنكليزية لخدمة مصالحهم وزيادة نفوذهم وتغلغلهم داخل المنطقة العربية، إضافة إلى أن الإنسان العربي يجب أن يطرح أكثر من تساؤل، وأكثر من نقطة استفهام أمام المبادرات الإنكليزية وبشكل أكثر تفصيلاً رفضوا الفكرة للمبررات التالية:
1- إن بريطانيا زرعت إسرائيل في قلب العالم العربي وسلّحت بكل حماس عصابات الصهاينة أثناء وضعية الانتداب التي تعيش تحتها فلسطين، وكانت الاستخبارات البريطانية - عن طريق الضباط اليهود النافذين فيها- تطبق الجانب التحتي من الوفاء بوعد بلفور من أجل تسليم فلسطين ليهود العالم.
2- إن بريطانيا وهي تنتصر في الحرب ضد ألمانيا إلى جانب الحلفاء تمارس حكماً استعمارياً قاسياً على المنطقة العربية، وتحتفظ لها الذاكرة العربية بكثير من نفاد الصبر والارتياب، وتحمّل المسؤولية في إجهاض التجارب النهضوية العربية، ومن الطرف الإسلامي كانت من بين الدول التي قضت على الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1914-1918 م فهي مريبة عربياً، مريبة إسلامياً.
3- إن بريطانيا خرجت من الحرب وهي قوة من الدرجة الثانية بعد أن كانت قوة أولى، ولهذا فليس لمبادراتها السياسية البريق الذي كان لها من قبل.
رغم كل تلك المبررات التي تصب كلها في خانة التحفظ على المبادرات البريطانية في تلك الظروف فإن الجامعة ولدت في النهاية .. ولكن في ظروف صعبة، وعلى مرمى حجر من دخان معارك الحربين العالميتين، وتحت ليل الانتداب، وبين أنياب الاحتلال الإسرائيلي..فولدت ولادة مشكوك في شرعيتها، مقطوع بأبوة الإنكليز لها..
الأهداف الضائعة
رغم أن مشروع جامعة الدول العربية قد انطلق ب(7) دول فقط إلا أنه استطاع أن يستقطب فيما بعد جميع الأعضاء المنتمين جغرافياً وسكانياً وثقافياً للعالم العربي، خصوصاً بعد الحرب مع الصهاينة 1973؛ إذ رغبت دول عديدة في الانضمام لهذه الجامعة، ولو لم تكن ناطقة بالعربية.
وبعد هذه الفترة بدأت الجامعة تسترجع مشاكلها، وبدأت تدير ظهرها لأهدافها التي أُنشئت من أجلها، والتي كان يتلخص أهمها فيما يلي:
1- تحرير كامل فلسطين بطرد المعتدي الصهيوني من الأرض.
2- تحقيق وحدة عربية شاملة في مجال السياسة والاقتصاد.
3- تحقيق الرفاه للشعوب العربية، والوصول بالإنسان العربي إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي الكريم.
4- تحقيق أمن وطني وعربي داخلي.
5- ضمان الاستقلال بصورة لا رجعة فيها لكل بلد عربي، وإذا تعرض أي بلد عربي لمحاولات الاستفراد الاستعماري تدخلت الجامعة العربية فوراً لحمايته مادياً ومعنوياً.
6- ضمان عدالة اجتماعية وسياسية تضمن حكما عادلاً للشعوب العربية ...، فما الذي تحقق من هذه الأهداف السامية ؟
باستثناء ضمان الاستقلال لكل قطر عربي ؛ إذ ساهمت الجامعة إلى حد ما في استقلال الأقطار العربية إبان فترات الاستقلال الأولى عن القوى الاستعمارية ، وإن كان هذا الاستقلال بقي منقوصاً ومشلولاً، ودون ما يطمح إليه المواطن العربي، حيث رحل الاستعمار بشخصه وبقي بأثره : مناهج دراسية ، وجيوشاً من العملاء الذين تولى صياغتهم وتدريبهم ثم سلمهم مفاتيح إدارة الدولة من بعده.(28/157)
أما بقية الأهداف فظلت حبراً على ورق بل أكثر من ذلك ظلت المنطقة العربية تشهد تراجعاً وتقهقراً في بعض تلك الأهداف، وإذا أخذنا على سبيل المثال موضوع الوحدة العربية كأحد أهم هذه الأهداف فسنلاحظ بكل مرارة وأسف أن التفرق والتشرذم، والخلافات الثنائية بين الأقطار العربية ظلت تتعزّز باستمرار، ولئن كان الحديث عن الوحدة إبان إنشاء الجامعة وخلال فترتها الأولى مباحاً؛ فإن مجرد التفكير فيه اليوم قد صار ضربا من الخيال، ونمطاً متقدماً من الجنون... وقس على ذلك بقية الأحلام الوردية الجميلة الأخرى..مثل تحرير فلسطين، وطرد المعتدين، وحماية الأقطار العربية من أي استهداف، وتحقيق العدالة الاجتماعية....الخ
أما الإصلاح السياسي، وبسط الشورى والديمقراطية فقد اعتبرته الأنظمة العربية من المؤجلات إلى الأبد، وطالبت شعوبها الانتظار لتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية بانتهاء مهلة "التنمية"، ولهذا حكم الحكام كما يهوون، ومارسوا مختلف أنواع القمع، واستنزفوا رصيد الثقة الذي تمتعوا به بادئ ذي بدء.
من حجم إحباط الشارع العربي من قمم قادَتِه أن بات "حسبه من الغنيمة بالإياب"، وحسبه من القمم ألاّ ينجلي غبارها عن معارك بين قادتها أو عن تكريس مزيد من التبعية والاستسلام ، حيث تنعقد قمة الجزائر في وضع عربي منهار بكل المقاييس بعد أن احتل العراق من طرف الأمريكان، وجرى استهداف سوريا، وتوحّدت كل القوى الغربية على إدانتها و الضغط عليها ظاهرياً من أجل سحب قواتها من لبنان و فعلياً من أجل التطبيع مع الصهاينة والمساهمة في نزع سلاح حزب الله، وحماية حدودها مع العراق من تسلل المقاتلين إليه.
أما بقية العرب فسيف الإدارة الأمريكية مسلط عليهم لمكافحة الإرهاب، وللدخول في مسيرة "السلام" مع الصهاينة، ولتحقيق ما تسميه الإدارة الأمريكية "إصلاحات ديموقراطية".
ويخشى بعض المراقبين أن تكون قمة الجزائر قمة للتطبيع والهرولة نحو الصهاينة؛ إذ يقوم حالياً أحد أهم عرابي التطبيع في المنطقة "الأردن" بمحاولة جرّ المنطقة العربية برمتها، بعد أن تسللت فرادى إلى خطيئة التطبيع مع الصهاينة، وذلك من خلال مشروع تقدمت به من أجل تعديل مبادرة السلام التي أقرّها العرب في قمتهم ببيروت 2002 م ويبدو أن الأمر غير مستبعد لدى أغلب القادة العرب خصوصاً بعد ما فتح مؤتمر شرم الشيخ الباب مشرّعاً وواسعاً أمام هذا الخيار، ومن أجل ذلك قرّرت مصر والأردن إرجاع سفيريهما إلى إسرائيل. كما جرت اتصالات وعُقدت لقاءات عربية إسرائيلية على هامش مؤتمر الديموقراطية والإرهاب المنعقد مؤخراً بمدريد، حيث تحدثت مصادر إعلامية متعددة عن لقاء جمع بين بيريز وبوتفليقة، وآخر بين بيريز ومعاوية ولد الطايع الرئيس الموريتاني، كما ستبحث القمة وتناقش موضوعاً يحكي هو الآخر فصلاً من فصول الانحناءات العربية- وما أكثرها- أمام أسياد الخارج، ويرسم صوراً من صور الاستجابة والاستسلام للضغوط الخارجية؛ يتعلق الأمر بالإصلاحات السياسية المفروضة من الأمريكان والتي تعهد القادة العام الماضي في قمة تونس بالقيام بها كلٌّ حسب ظروفه وإمكانياته الخاصة، والتي يبدو أنها ما زالت تراوح مكانها، ولم تتقدم أي خطوة إلى الأمام .. ومن المؤكد أن الأمريكان - الحاضر الغائب في القمة - سيدفعون دفعاً في اتجاه التسريع بالقيام بخطوات ملموسة في هذا السياق، وهو ما يتحفظ عليه القادة العرب معتبرين أن التسرع في تلك الخطوات من شأنه أن يزعزع استقرار الأنظمة، ويهز كيانها..
أما الملف الفلسطيني فسيكون موجوداً وحاضراً - وإن بشكل أقل من مرات سابقة- وستكون التطورات الحاصلة على مستواه ومشاركة محمود عباس للمرة الأولى في قمة عربية بعد وفاة عرفات، ستمثل تلك التطورات - إضافة إلى موضوع الهدنة التي وقّعتها الفصائل الفلسطينية مع السلطة- مبرّرات إضافيّة للهرولة نحو الصهاينة.
وباختصار تأتي قمة العرب في الجزائر في لحظة استهداف حقيقية لهم من طرف قوى الهيمنة على العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تحجب دعوتها إلى تفكيك المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج لتعيد تركيبتها في "كانتونات مهترئة" أشبه ما تكون بدويلات ملوك الطوائف في الأندلس منذ قرون، ولم يخجل الساسة المحافظون الجدد في أمريكا في كشف حقيقة نواياهم، بل جاهروا بأجندتهم الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
إن القمم العربية- ومن ورائها الجامعة العربية- أثبتت فشلها خلال الستين سنة الماضية وأكّدت أنها غير قادرة على الارتفاع إلى مستوى تطلعات وأمال الشارع العربي..وعليه فإن الأمر يستدعى إصلاحاً عربياً حقيقياً، ليس هو -بكل تأكيد- ما يتحدث عنه العرب على استحياء في الفترة الأخيرة
=============(28/158)
(28/159)
قمة الجزائر:بين الفعل وردّ الفعل
نايف ذوابه 16/2/1426
26/03/2005
رغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس الجزائري لتجميل الصورة، وتهوين الخطْب، ليعطي الشعار الذي رفعته القمة بعض الفرصة في النجاح -على الأقل من ناحية إعلاميّة- وهو شعار " قمة الإصلاح والتصالح"، رغم كل ذلك لم يستطع الرئيس الجزائري تغطية الشمس بغربال، حين قال: إن هذه القمة قمة دول لا زعماء ليغطي على غياب أكثر من ثلث زعماء الدول العربية عن حضور المؤتمر!!
أما شارون فقد سبق صدور قرارات المؤتمر بتصريح فيه قدر كبير من الاستخفاف بالمؤتمر والمؤتمرين فقد قال: إنه لا يقبل من مؤتمر الجزائر بأقل من قرارات تنهي الصراع العربي الإسرائيلي!!
وقد وجد شارون فعلاً من يتبنى وجهة نظره في النظام الرسمي العربي ممن دعا إلى التسريع في التطبيع مع إسرائيل قبل التوقيع، ما دام السلام في النهاية هو الخيار الإستراتيجي العربي الوحيد على طريقة " أن يكسب الزعماء "بياض الوجه مع شارون"!!
وهكذا فلا بد من الإسراع في التطبيع قبل التوقيع أسوة بالدول العربية التي كان بينها وبين إٍسرائيل اتفاقية سلام غير موقعة، وترتيبات أمنية قبل حوالي أربعين عامًا، أي كان هناك تفاهمات محترمة بينهم وبين زعماء إسرائيل منذ قيامها، وما كانوا يقولونه لشعوبهم طيلة نصف القرن الماضي هو من قبيل التضليل السياسي، وترويض الشعوب للقبول بوجود إسرائيل، والاستسلام للأمر الواقع شيئًا فشيئًا!!
بيان المؤتمر
نجح عمرو موسى في حلّ معضلة الجامعة المالية بدفع الدول العربية أو بعض منها اشتراكاتها، وأقرّ المؤتمر الورقة التي قُدّمت لتفعيل وتسويق المبادرة العربية التي تبناها مؤتمر بيروت 2002، وأُعلن عن تشكيل وفد ترويكا عربية من تونس والسودان والجزائر-مبدئيًا- لتسويق المبادرة العربية دوليًا من جديد لإقناع العالم بأن الدول العربية مستعدة للسلام الشامل، والاعتراف بإسرائيل، والتطبيع الكامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية. وأعلن المؤتمر وقوفه مع سوريا في مواجهة قانون معاقبة سوريا، ويبدو أن الجامعة تجهل أو تتجاهل أن الكونغرس الأمريكي قد صدر عنه ثلاثة قوانين أخرى تستهدف سوريا نظامًا وكيانًا ووجودًا، وأول هذه القوانين سماح الكونغرس بالعمل ضد الدول التي يصنفها بالديكتاتورية، وتقويضها وجعَل ذلك رسالته إلى العالم، ومهمةً للسفارات الأمريكية التي هي - في نظر الكونغرس- قلاع للديموقراطية في العالم!! والقانونان الآخران هما " قانون تحرير سوريا" الذي يذكِّر بقانون تحرير العراق، وقانون "لبنان الأسير" الذي اعتبر لبنان بلدًا أسيرًا لسوريا.
الشارع العربي: خيبة أمل
الشارع العربي كان يبدي لامبالاة مروّعة تجاه المؤتمر، فكأن المؤتمر في واد والشعوب العربية في واد آخر، وفي جولة للميكرفون والكاميرا في عواصم العالم العربي، كُشِف عن الهوة السحيقة بين الأنظمة السياسية وشعوبها، ولم يُخْفِ المواطنون العرب -في جملتهم- خيبة أملهم من القمة وقراراتها؛ وأن القمة ليست أكثر من "مائدة للخلاف العربي" يجتمع عليها الزعماء العرب ليختلفوا، كما خطط لها وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن منذ ستين عامًا على إنشائها، وأن قرارات الجامعة لا تساوي الحبر الذي تُكتب به، وأنها تتجنب الملفات الساخنة، موضع الخلاف، وتجعلها خارج منطقة القصف والقصف المضادّ حتى تستطيع أن تتخذ قراراتٍ تحفظ ماء وجه الزعماء المجتمعين الذين خاب ظنّ شعوبهم بهم؛ لكثرة ما قالوا وما فعلوا، حتى غدا العرب أضحوكة الأمم!!
ولقد صرخ مواطن عربي من لبنان مخاطباً الزعماء العرب الذين خيّبوا ظنون مواطنيهم قائلاً: " فليرحلوا، ملِلناهم، نريد وجوها جديدة تحقق طموحات شعوبنا، وتشعر بنا"!!
أما العجوز الثمانيني الفلسطيني الذي عاصر القمم العربية كلها منذ نشأتها، فقد عبّر عن خيبة أمل الفلسطينيين في القمّة؛ لأن القمم السابقة كلها لم تصنع شيئًا للفلسطينيين الذين انفرد بهم شارون ترويعًا وتجويعًا، وإذلالاً تحت سمع وبصر الجامعة والزعماء العرب الذين أصبح بعضهم يعمل "عرّابًا"، و"سمسارًا" لترويج السياسة الإسرائيلية، وأعلن العجوز بصراحة " الشعوب العربية معنا لكن الحكام ليسوا معنا"!!
أما على صعيد الصحافة والإعلام فقد كانت توقّعات الإعلاميين متواضعة جدًا وقال أحد الإعلاميين المرموقين في إحدى الصحف العربية المرموقة بأسى بالغ في لقاء مع فضائية عربية: لقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي المرجعيّة الوحيدة للوحدة العربية؛ فهناك سقف محدود للبنود التي تسمح الولايات المتحدة ببحثها في المؤتمر، وهناك سقف محدود للبيان الختامي للمؤتمر!!
الزعيم القذافي "فاكهة المؤتمر"..!!(28/160)
الرئيس القذافي عميد الحكام العرب؛ لأنه أقدمهم(35عامًا على الكرسي)، كعادته "خالفْ تُعرَف" فقد أتى بتحليلات غريبة، وليست أقل غرابة من كتابه الأخضر الذي ادّعى يومًا أنه يحل مشاكل العالم رغم أنه -كما قالت صحفيّة إيطاليّة للقذافي في مقابلة معه- بأجزائه الثلاثة يمكن حشره في زاوية من حقيبتها النسائية مع علبة المكياج، وسائر مستلزماتها الضرورية!!
التحليل السياسي الذي ابتدعه العقيد القذافي والذي رفّه عن الزعماء العرب، وأضحكهم، هو وصفه للفلسطينيين والإسرائيليين بالغباء، وأن حلّ المشكلة يكون بدولة واحدة علمانية للفلسطينيين والإسرائيليين، ثم ألقى نظريّته السياسيّة العبقريّة في المدعو شارون بأنه عميل مندسّ للفلسطينيين والعرب بين الإسرائيليين؛ لأنه يتسبب في قتل المئات من الإسرائيليين!! وهنا غرق الزعماء العرب في نوبة ضحك، وكانوا ما بين مصدّق ومكذّب فيما يسمع، وحقا.. شر البلية ما يضحك !
=============(28/161)
(28/162)
من لشارون
إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونسعينهُ ونستهديه، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً. أما بعد:
أمةَ الإسلام : ألوانٌ من الدمارِ، وصورٌ من الإرهاب، طائراتٌ تقصف، ودباباتٌ تدمر، وأصواتُ القذائفِ تصمُ الآذانَ بالليلِ والنهار، البيوتُ تتهاوى على رؤوسِ أصحابِها الآمنين، الحرائقُ تشتعلُ في كلِ مكان، والدخانُ يكّون سحائبَ تحجبُ الرؤية .
طفلٌ حائرٌ يتلفتُ حولَه لا يدري أين يسير ؟ والدهشةُ تعقدُ لسانَهُ من الهولِ الذي أطارَ صوابَه ؟!! وامرأةٌ عجوزٌ تسيرُ في كلِ اتجاهٍ والرعبُ والخوفُ يملأُ جوانِحَها، لا تدري ماذا تصنع ؟ وانجلى الغبارُ عن أسرٍ كاملةٍ تحتَ الأنقاض ، وأشلاءٍ ممزقةٍ في الأزقةٍ والطرقات، والجرحى ينزفُون وقد مُنعت سياراتُ الإسعافِ من الوصولِ إليهم، والجثثُ لم تجدْ من يُواريها، وجنودُ الاحتلالِ ودباباتُهم منتشرةٌ في أنحاءِ المدينة، نموذجٌ متكررٌ على أرضِ فلسطين الأبيةِ الصامدة، أرضُ الأنبياء ،ومسرى محمدٍ r ، الأرضُ المباركة، يعبثُ فيها إخوانُ القردةِ والخنازيرِ فساداً ودمرا .
دمُ المصلين في المحرابِ ينهمرُ *** والمستغيثونَ لا رجعٌ ولا أثرُ
والقدسُ في قيدها حسناءُ قد سُلبتْ *** عيونُها من عذابِ الصمتِ تنتظرُ
سلوا الملايينَ من أبناءِ أمتنِا *** كم ذُبِحوا وبأيدي خائنٍ نُحِروا
سلوا بلادي سلوا لبنانَ *** ما برحتْ دماؤنا في ثراها بَعدُ تَستعرُ
تُساءِلُ الليلَ والأفلاكَ ما فعلتْ ؟ *** جحافلُ الحقِ لما جاءَها الخبرُ ؟
هل جُهزت في حياضِ النيلِ ألويةٌ *** هل في العراقِ ونجدٍ جلجلَ الغير
هل قامَ مليونُ مهديٍّ لنصرتِها *** هل صامِتُ الناسِ هل أودى بها الضجرُ
هل أجهشتْ في بيوتِ اللهِ عاكفةٌ *** كلُّ القبائلِ والأحياءِ والأسرُ
أما لنا من صلاحِ الدينِ يعُتِقُنا *** فقد تطاولَ باستعبادِنا الغجرُ
إذا تطاولَ بالأهرامِ منهزمٌ *** فنحنُ أهرامُنا سلمانُ أو عمرُ
أهرامنُا شادَها طه *** دعائِمُها وحيٌ من الله لا طينٌ ولا حجرُ
أهرامنُا في ذرى الأفلاكِ شامخةٌ *** هي السماحةُ وهي المجدُ والظفرُ
أمة الإسلام : لقد ملّت الأمةُ من النواحِ والبكاء، ولم يجدْ شيئاً، وآن لها أن تنظرَ في قضيتِها بوعيٍ وإدراك، وتتجهَ باتجاهِ الحلِ الصحيحِ الناجعِ لمشكلتِها مهما كانَ قاسياً ومُكَلفا، ومهما ترتبَ على ذلكَ من خصوماتٍ وعداواتٍ، وتجدولَ حركتَها بالاتجاهِ الصحيحِ بحيثُ لا تتراجعُ إلى الوراء.
أيُّها المسلمون : إنَّ ما يجري الآنَ على أرضِ فلسطين مؤامرةٌ محليةٌ وإقليميةٌ ودولية .
إنَّ المخلصين من أبناءِ فلسطين يُشكلون عقبةً أمامَ الحلولِ الاستسلاميةِ، وأطروحاتِ الانبطاحِ لليهودِ، وأمامَ مشاريعِ التطبيعِ، ومسخِ الأمةِ المسلمةِ لصالحِ إخوانِ القردةِ والخنازير، ومن أجلِ عيونِ عُبَادِ الصليب ، ولذا تواطأتِ القوى المحليةُ والإقليميةُ والدوليةُ للقيامِ بهذه المسرحيةِ لتحقيقِ ما يلي :
أولاً : تلميعُ القياداتِ المتصيهنةِ وإبرازُها على أنَّها رموزٌ وطنيةٌ مجاهدةٌ، تعرضتِ للموتِ على يدِ يهود ، وهُم في حقيقتِهم من بطانةِ يهودٍ وأولياءِهم .
ثانياً : تصفيةُ القياداتِ المخلصةِ من الإسلاميين والوطنيين، لينفتحَ الطريقُ أمامَ مخططاتِ الأعداء .
ثالثاً : تدميرُ البنيةِ التحتيةِ للشعبِ الفلسطيني، حتى ينتشرَ الجهلُ والفقرُ في صفوفِه، وحتى يكون دائمَ الحاجةِ إلى إعانةِ يهود ، ممَّا يعني حياةَ الذلِ والضعفِ والهوانِ، تحت سيطرةِ اليهودِ الغاصبين.
رابعاً : القضاءُ على الوجودِ الإسلامي، وتدميرُ الصحوةِ الإسلامية ، ومنعُ أيِّ نشاطٍ إسلامي ، وعلمنةُ الشعبِ بالقوةِ حتى لا ينتجَ الكوادرَ الإسلامية، والتي تقفُ في وجهِ المخططاتِ الصهيونيةِ والصليبيةِ في المنطقة، وتقفُ وراءَ هذه المسرحيةِ وترعاها، وتتابعُ فصولهَا رائدةُ الصليبةِِ العالمية، ودولةُ الاستكبارِ العالمي، راعيةُ السلامِ أمريكا، راعيةُ السلام !! عجباً من التلاعبِ بالمصطلحاتِ !! واستغلالِ الآخرين والتضليلِ الإعلامي، أيُّ سلامٍ ترعاه ؟ أهُو ما حصلَ في هيروشيما ونجازاكي، حين ألقت القنبلةَ الذريةَ فقتلتِ الآلاف ، وأصابت مئاتُ الآلافِ بأنواعٍ من الدمارِ وأهلكتِ الحرثُ والنسل ؟!!أو ما حصلَ في فيتنامِ أو الفلبينِ أو أندونسيا؟!
إنَّ ما يجري اليومَ على أرضِ العراقِ الأبية، وفي فلسطينَ الصامدةِ، شاهدٌ حيٌ على مدى الإرهابِ الذي بلغتُهُ هذه الدولةُ الكافرةُ الباغيةُ الظالمة، ويدلُ على مدى الحقدِ الذي يحملُهُ عُبَّادُ الصليبِ للمسلمين فوقَ كلِ أرضٍ وتحتَ كلِ سماء، سواءٌ كانوا عرباً أو عجما .
لقد أفرزتْ هذه الأحداثُ عدداً من الدروسِ المهمةِ التي لابدَّ من الوقوفِ عندها، فمن تلك الدروسِ والعبر :(28/163)
أولاً : كشفتْ هذه الأحداثُ أنَّ الذين يلهثونَ وراءَ سرابِ السلامِ لم يجنوا سِوى الخيبةِ والخسارةِ، والذلِ والهوان ، فها نحنُ نرى ما جناهُ جنودُ الأجهزةِ الأمنيةِ للسلطةِ الذين طالما لاحقوا المجاهدين، وترصدوا لهم ، ودلُّوا عليهم جنودَ الاحتلال، بل قتلُوا وسلِموا بعضَهم للعدو، ولطالما تربَّصوا بالمجاهدينَ الدوائر، فماذا جَنوا ؟ وماذا استفَادوا من خيانةِ أرضهِم ودينهِم وأبناءِ قومهم ؟!! فهل يعتبرُ هؤلاء ؟!!
ثانياً : كشفت الأحداثُ العملاءَ والمنافقينَ والخونةَ على المستوى المحلي والإقليمي، فالقياداتُ التي تتغنى بالوطنيةِ تواطأتْ مع اليهود، وسلَّمت عدداً من المجاهدينَ السجناءِ إلى اليهود ، والدولُ العربية التي اتخذتْ من قضيةِ فلسطين مسرحاً للدعايةِ واستثماراتِها على مدى خمسينَ عاماً، لتخدعَ بها شعوبَها!! ظهرت اليومَ وقد تعرَّت أمامَ شعوبهَا ، وانكشفَ الذلَ والهوانَ الذي تغرقُ فيه الدولُ العربية ، فضلاً عن التواطؤِ من قبلِ دولِ الطوقِ التي تُحْكِم قبضَتها على الحدودِ، وتشددُ الحصارَ لمنعِ دخولِ الرجالِ والسلاحِ وبخاصةٍ في هذه الأزمة ؟!!
ثالثاً : الوعي بالعدوِّ الحقيقي الذي يقفُ وراءَ مصائبِ المسلمينَ، وأنَّ مشكلةَ فلسطين ليست من اليهودِ، ولكن هُنالكَ من هُو أخبثُ من اليهودِ، فاليهودُ أجبنُ وأحقرُ أن يواجهوا أمةَ الإسلام، فقد كتبَ اللهُ عليهم الذلةَ والصغارَ إلى يومِ القرار، ولكن هُناكَ من زرعَ هذا الجسمُ الغريب، وظلَّ يرعى هذهِ النبتةُ الخبيثةُ حتى أتت ثمارَها المرّة ، ولازالت تقفُ وراءَها في تحدٍ صارخٍ لمشاعرِ العربِ والمسلمين ، ففي الوقتِ الذي يُقتلُ فيه المئاتُ من المدنيين، فإخواننُا هُناكَ ما بين قتيلٍ وأسير، ونساؤُهم ما بين أرملةٍ وثكلى، وأبناؤُهم ما بينَ يتيمٍ ومفجوعٍ بوالدةٍ، وفي كلِ بيتٍ بكاءٌ أو دماءٌُ، أو أشلاء، يصرحُ رئيسُهم المجرمُ بأنَّ على الفلسطينيين أن يتخلوا عن الإرهابِ، ويُعلنُ بأنَّ شارونَ رجلُ السلامِ الأول ، وأنَّهم يتفهمونَ ما تقومُ به إسرائيلُ في الدفاعِ عن نفسِها، من مجازر وممارساتٍ ظالمة ،إنَّ هذه النبتةُ الخبيثةُ سيئةٌ، واحدةٌ من سيئاتِ أمريكا ، وما أكثرَ سيئاتِها، نسألُ الله أن يُمزقَها كلَ ممزق وأن يجعلَ ولا يتَها دولا .
أين النظامُ العالميُ أما لَهُ *** أثرٌ ألم تنعقْ به الأبواق
أين السلامُ العالمي لقد بدا *** كذبُ السلام ، وزاغتِ الأحداق
يا مجلسَ الخوفِ الذي في ظلِّه *** كُسِرَ الأمانُ ، وضُيِّع الميثاق
أو ما يحركُكَ الذي يجري لنا *** أو ما يُثيركَ جرْحُنا الدّفاق ؟!
كُشِف الستارُ وبان كلُّ مخبأٍ *** فإلى متى تتطامنُ الأعناق ؟
رابعاً : إنَّهُ لا عهدَ لمن ينقضُ العهدَ في كلِ يومٍ مرات، (( الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ )) (سورة الأنفال :58:56) ، وفي صنعِ اليهودِ هذا ردٌّ على كلِ من قدّم مبادرةَ استسلامٍ وجوابٌ بليغٌ لمن كانَ لهُ قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد، كما أنَّ التطبيعَ مع اليهودِ إقرارٌ لهم على احتلالهِم الأرضَ والمقدسات، ووضعٌ للجهاد، وبونٌ واسعٌ وفرقٌ شاسعٌ بين صلحٍ يضعُ الحربَ إلى أجلٍ أو غايةٍ، وبين التنازلِ عن أرضِ الإسلام!
أتحالفونَ عدونا ولسانُهُ *** ما زالَ من دمِنا المُضمَخِ يَلعقُ
هلاّ سألتم قدسَكم ، كم أسرةٍ *** فُجعتْ ، وكم روحٍ هنالك تُزهقُ
هلاّ سألتم ألفَ ألفِ خيانةٍ *** قطعوا بها حبلَ الإخاءِ وفرقوا ؟!
أو هكذا تُنسى الحكايةُ كلُّها *** تنسى الضحايا والدمُ المتدفق ؟!
أو هكذا تنسونَ غدرَ عدوِكم *** وهو الذي بوعودِهِ لا يوثقُ
أنسيتمُ القرآنَ فيه شهادةٌ *** أنَّ اليهودَ إلى الخيانةِ أسبقُ
ولشدةِ وضوحِ ذلك ومنافاتهِ للبديهيات والضروريات ، فقد رفضتهُ الشعوبُ التي ابتُليت به ، وهي اليومَ أشدُ رفضاً بعد تجربةِ التطبيع .
خامساً : أنَّ المخرجَ الشرعيَ والواقعيَ من تلك الأزمةِ هو الجهادُ في سبيلِ الله ، وأنَّ لا خيارَ آخرَ للأمةِ في التعاملِ مع أعدائهِا الذين يكيدُونَ لها، ويتربصُون بها الدوائر .
الجهادُ الذي ما تركتْهُ أمةٌ من الأممِ إلا نزلَ بها الذلُ والهوانُ ، يقو صلى الله عليه وسلم : (( إذا تبا يعتم بالعينةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتم بالزرعِ، وتركتم الجهادَ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعهُ حتى ترجعوا إلى دينكم )) رواه أبو داود.
يقول الله تعالى: ((وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)) (سورة النساء :75) .(28/164)
ويقول سبحانه: ((قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ)) (سورة التوبة :14) .
يقو صلى الله عليه وسلم : (( لغدوةٌ في سبيلِ الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها)) رواه مسلم ويقو صلى الله عليه وسلم : ((رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها)) رواه البخاري
يا فتيةَ الإسلامِ هذا يومُكم *** فالكفرُ أجمعَ حولَكم مُتَحَلِّقُ
فلترفعوا علمَ الجهادِ فليسَ مِن *** حلٍ سواه، هو العلاجُ الأصدقُ
لن يغلبَ الكفارُ من قد آمنوا *** باللهِ رباً والرسوللِ وصدقوا
حزوا الرقابَ بسيفِ حقٍ قاطعٍ *** أبداً وبالكفارِ لا تترفقوا
لا تَرهبوا الكفارَ مهما أو عدوا *** وتجبروا وتظاهروا وتشدقوا
فالنصرُ موعودُ الإله لحزبهِ *** والوعدُ من ربي الكريمِ مُحقَقَّق
أيُّها المسلمون :
إنَّ لدينا سلاحاً عظيماً لا يزالُ رغمَ قدمهِ يطاولُ أعتى ما اخترعتْهُ قِوى الشرِ من وسائلِ الفتكِ وأدواتِ التدمير، وهو سلاحٌ لا يمكنُ لتقنيتِهم أن تخترعَ له مضاداً، ولا يُمكنُ لوسائلهِم الشيطانيةِ أن تُبطلَ أثرَهُ ومفعولَه، أعني به سلاحُ الشهادةِ والحرصُ عليها، ذلكم السلاحُ الذي يحملُ صاحبَهُ على بذلِ نفسِه والتضحيةِ بها، طلباً للشهادةِ ورغبةً في إحداثِ نكايةٍ في عدوٍ، أو تحقيقِ مصلحةٍ للمسلمين ، قال تعالى : (( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) (سورة آل عمران :169) .
ولذا فإنَّ سلفَنا الكرامَ لمَّا علموا عظمَ مكانةِ الشهيدِ في الإسلامِ، تسابقوا لنيلِها، وإن كانوا ممن عذرَ الله
قال القرطبي في تفسيره (8/226) : " قالَ العلماء: فعذرَ الحقُ سُبحانَهُ أصحابَ الأعذار ، وما صبرتِ القلوبُ؛ فخرجَ ابنُ أمِ مكتومٍ إلى أُحد ، وطلبَ أن يُعطى اللواءُ ،فأخذَهُ مصعبُ بنُ عمير، فجاءَ رجلٌ من الكفارِ فضربَ يدَهُ التي فيها اللواءُ فقطعَها فأمسكَهُ باليدِ الأخرى ، فضربَ اليدَ الأخرى ، فأمسكَهُ بصدره وقرأ : (( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)) (سورة آل عمران :144) ، هذه عزائمُ القوم، والحقُ يقول : (( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )) وعمرو بنُ الجموحِ من نقباءِ الأنصارِ أعرجٌ، وهو في أولِ الجيشِ ، قالَ لهُ الرسو صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللهَ قد عذركَ فقال: والله لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة". وتالله لو لم يكن للشهادةِ من فائدةٍ إلاَّ نيلُ رضا اللهِ والجنةِ لكانَ ذاك سبباً كافياً للحرصِ عليها، والعملِ على نيلها، ومع ذلكَ فإنَّ حوادثَ التاريخِ والواقعِ يدلانِ على أنَّ للتضحيةِ بالنفسِ أكبرَ الأثرِ في الحطِ من عزيمةِ الأعداءِ، وإشعارهِم بالهزيمة، إذ ما عساهُم أن يفعلوا مع شخصٍ يطلبُ الموتَ كما يطلبونَ الحياة.
سادساً : أنَّ الذين يُحررون مقدساتِ المؤمنين، هم المؤمنونَ الصادقونَ المجاهدونَ في سبيل الله ، أمَّا المرتدونَ والمنافقونَ الذين لا يُفرِقُون بين الإسلامِ والكفر، ويُوالون أعداءَ الله ويتولونهم، ويرفعونَ شعارَ العلمانيةِ لدولتهِم المنتظرةِ، فهؤلاءِ شرٌ من اليهود .
أيُّها المسلمون :
لقد آنَ للأمةِ أن تستفيقَ من غفلتها، وتتحركَ بالاتجاهِ الصحيحِ لحلِ قضاياها، وأن تعلمَ أنَّ ما أُخِذَ بالقوةِ لا يُستردُ إلاَّ بالقوة، وأنَّ العدوَ لا يفهمُ مصطلحَ السلامِ ولا المفاوضات، وقد تعودَ المسلمون من ربَّهم أنَّهم حين يُحققون أسبابَ النصرِ في أنفسهِم فإنَّهُ ينزلُ النصرُ عليهم مع قلةِ عددهِم وعُدتِهم، يقول الله تعالى : ((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)) (سورة الحج :41,40) .
وتاريخُ الإسلامِ حافلٌ بالبطولاتِ ، وصورِ الصمودِ والثباتِ والتضحيات، فمنَّا خالدُ بنُ الوليدِ الذي شهدَ أكثرَ من مائةِ زحف، وليس في جسدهِ موضعُ شبرٍ إلاَّ وفيه طعنةٌ برمحٍ أو رميةٌ بسهمٍ أو ضربةٌ بسيف ، وما أُثَّرَ عنه أنَّهُ هُزمَ في معركةٍ قط، وحين موتهِ يندبُ نفسَهُ فيقول: وها أنا ذا أموتُ على فراشي كما يموتُ البعير، فلا نامت أعينُ الجبناء !! إي واللهِ فلا نامت أعينُ الجبناء !!!(28/165)
وبناءً على ما تقدمَ ، فلابدَّ للأمة ِأن تتربى وتُربي أجيالَها على الجهادِ في سبيلِ الله مادياً ومعنوياً، وذلك من خلالِ: إحياءِ روحِ الولاءِ والبراءِ في نفوسِ الناشئة، وتحديدِ الأعداءِ بشكلٍ واضحٍ لا لبَس فيه، وأنَّ الجهادَ في سبيلِ الله ذروةُ سنامِ الإسلام ، والزهدِ في الدنيا والتقللِ منها، ومعرفةِ قدرِها عندَ الله،، وأنَّها معبرٌ إلى الآخرة. وبناءِ الأجسامِ وتعويدِها على الصبِر والتحمل، وتربيةِ الناشئةِ على آياتِ الجهادِ، وغزواتِ المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأهازيجِ الجهادِ ،وحين تصلُ الأمةُ إلى هذا المستوى، وتغيرُ ما بها فإنَّ الله سينصرُها ويمكنُ لها في الأرضِ، لتعودَ لها القيادةُ والسيادةُ، ويتحققَ وعودُ الله لهذا الأمة، حيثُ إنَّ ظهورَ الكفارِ على المسلمين وضعٌ استثنائي كما قال تعالى : (( وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)) (سورة النساء :141) .
بارك الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
يقول الله تعالى : (( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )) مع عظمِ النازلةِ وشدةِ الكربِ، إلاَّ أنَّ لله منناً في طياتِ المِحن، فكم في هذهِ الأحداثِ من النعمِ العظيمة ، والآثارِ الحسنةِ، ومن ذلك :
أولاً : ظهورُ عداوةِ اليهودِ للمسلمين بعد أن كادَ المسلمون يذوبونَ في المجتمعِ اليهودي، نتيجةً للتمازجِ بينهما وكثرةِ التعامل، فجاءت هذه الأحداثُ لتميزَ بين المسلمين والكفار، وتُظْهَرَ اليهودَ على حقيقتهِم الحاقدة ، ممَّا أعادَ الروحَ العدائيةَ لليهودِ إلى قلوبِ أبناءِ الشعبِ الفلسطيني المسلم .
ثانياً : كشفتِ الأحداثُ عن معدنِ الشعبِ الفلسطيني الصامدِ، وأنَّهُ على استعدادٍ للمقاومةِ إلى آخرِ قطرةٍ من دمه، والبطولاتُ والمواقفُ العظيمةُ التي وقعت في جنين وسائرِ الأرضِ المباركةِ ، تبينُ أنَّ الحقَ لا يُغلَبُ ولا ينحني ، لقد شاركَ الأطفالُ والنساءُ في المقاومةِ ، وصبروا على شدةِ الكربِ وعظمِ البلاءِ الذي نزلَ بهم ، وكان بإمكانِهم تسليمُ المخيمِ، والاستسلامُ للعدو، ولكن كان إيمانُهم يأبى عليهم ذلك، ومروءُتهم وشهامتُهم لا تحتملُ الذلَ لأحفادِ القردةِ والخنازير .
لقد هُزِم اليهودُ في جنين مع ما يملِكُون من ترسانةٍٍ ضخمةٍ من الدباباتِ والطائراتِ الأمريكيةِ وأنواعِ السلاح، هُزموا عسكرياً وأخلاقياً، هزموا بجميعِ المقاييس، لقد عجزوا عن اقتحامِ المخيمِ لمدةِ تسعةِ أيام، وهُم الذين قد هَزموا الجيوشَ العربيةَ في ستةِ أيام !! ولم يتمكنوا من دخولِ المخيمِ إلاَّ بعد نفاذِ الذخيرة، وهُزموا أخلاقياً حين قَتلوا المجاهدين بعد نفاذِ ذخيرتِهم وذبحهِم للمئاتِ من المدنيين من أطفالٍ وشيوخٍ ونساءٍ، في مذابحَ جماعيةٍ بدمٍ بارد ، وغدرهِم بالأسرى، وتدميرِهم للبيوتِ والمنشآتِ، وهذا يبرهِنُ أنَّهم كانوا وحوشاً ضاريةً بلا دينٍ ولا خلقٍ، ولا ضمير، ومنعهُم إسعافَ المصابيَن وحرمانُ المسلمينَ من دفنِ شهدائِهم، والحظرُ الإعلامي على نقلِ صورةِ المعركةِ يدلُ على أنَّهم هُزموا .
ثالثاً : كانت الأحداثُ فرصةً لتربيةِ الشبابِ وتدريبهم، وإعدادهِم للمعركةِ من أرضِ الواقع، وبدأ الشبابُ ينضجُ في أتونِ المحنة، ويتدربُ ويكسبُ المهاراتِ القتالية، وأصبحَ الجهادُ واقعاً حياً ، وقوافلُ الشهداءِ تمرُ مسرعةً لتُحيي مَنْ ورائَها أعداداً كبيرةً من الشبابِ يسيرون في إثرهِا .
رابعاً : لقد استطاعَ أبطالُ الجهادِ أن يحققوا مكاسبَ عظيمة ، وإنجازاتٍ باهرة ، مع قلةِ الإمكانات، وضعفِ الأسلحةِ المتداولةِ بينهم، فقد استطاعوا أن يُرحِّلوا في غضونِ الأحداثِ الماضيةِ قرابةَ المليونِ من بني صهيون، لفقدانِهم الأمن، فكلُ فلسطينيٍ يمشي على الأرضِ أصبحَ يرعبُهم، زادهم اللهُ رعباً وهلعاً، ولأنَّ حكومةَ يهودٍ تمنعُ من الرحيلِ خارجَ فلسطين، فإنَّ قُرابةَ مائتي ألفِ يهوديٍ انتهزَ عيدَ الفصحِ ليخرجَ من فلسطين بحجةِ المشاركةِ في هذا العيد، وبالرغمِ من الملاحقاتِ والمضايقاتِ، إلاَّ أنَّ أبطالَ الجهادِ لا يزالون يحاولون تصنيعَ الأسلحةِ لمقاومةِ الدروعِ والدباباتِ، فنسألُ الله تعالى أن ييسرَ أمرَهم ، ويفرَج همهم .
خامساً : وبالرغمِ من عظمِ المصاب ، وجلالةِ الخطب إلاّ أنَّ في ذلك إشارةً لبشارةٍ أخبرنا الله تعالى بها فقال : (( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) (سورة آل عمران : 142,141).(28/166)
فالابتلاءُ سنةُ قائمةٌ لعبادِ الله المؤمنين، يقول الله تعالى : (( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) (سورة العنكبوت :1/3) ،هذا في عصرِ النبوةِ وفي أرضِ المدينة: ((هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)) (سورة الأحزاب :11) ، حتى قال بعضُ المنافقين: كيف يعدُنا كنوزَ كسرى وقيصر، ولا يستطيعُ أحدُنا أن يقضي حاجتَه؟ (( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)) (سورة الأحزاب :12) .
ويقول منافقوا اليوم ما قالهُ الأولون : كيف ينطقُ الحجرُ والشجر؟!! لابدَّ من التطبيعِ ، فلا قِبلَ لكم بيهودٍ وحِلفها أمريكا، ((وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (سورة البقرة : 118) .
يا أمة المليار:
يا من حيلَ بينكم وبين ما تشتهون، لئِنْ سُدَّ بابٌ لنصرةِ إخوانكم فقد شُرِّعت أبواب، فقد بدا المخلصون، وانكشفَ العملاءُ والبطّالون، فاعملوا على دعمِ إخوانكم في فلسطين، في كافةِ المجالاتِ الماديةِ والتقنيةِ العسكرية، فهم أعرفُ الناسِ بها، وأهلُ مكةَ أدرى بشعابِها، ولن يُغلبَ اثنا عشرَ ألفاً من قلّة.
وأخيراً أيُّها المسلمون : لقد عاصرنا عشراتِ النكبات، وشهدنا مئاتِ المجازر، ففي كلِ نكبةٍ وكارثة، هل تغيرتْ أوضاعُ بيوتنِا وأحوالِنا ؟ هل تغيرتِ اهتماماتُنا وغاياتُنا ؟ هل أصلحنا أنفسَنا وبيوتنا ؟
يا قومنا : لو تصورَ الواحدُ منَّا أنَّهُ ونساءَه وأولادَه في جنينَ أو نابلس ، وقد حاصرهُ العدو من كلِ مكان ، ولا سلاحَ لديه ، وأنَّهُ هو وأطفالُه عرضةٌ للقتلِ والتعذيبِ، والحرقِ والتمزيق ، وأنَّ محارمَهُ عرضةٌ للاغتصاب، ومطلوبٌ منهُ للنجاةِ من هذا المأزقِ أن يتوبَ إلى الله تعالى توبةً نصوحا، لرأيتَ كثرةَ التائبين ، وكثرةَ المنيبين، فما لنا لا نتوبُ نصرةً لإخواننا المحاصرينَ الآنَ في فلسطين ؟ ولماذا لا نتوبُ الآن قبلَ أن تحلَ بنا كارثةٌ من الكوارث؛ فنكونَ في ذاتِ المواقفِ الذي يعيشُه إخوانُنا الآن ؟!!
ولماذا لا نفسحُ الطريقَ لنصرِ الله تعالى بتوبتِنا وإنابتنا ؟ ولا يحقرنَّ أحدُكم ذنباً ولو كان صغيراً ، فعسى أن يتوبَ منهُ فيرضى الله عنه ، ويقبلَ دعاءَه ، ويُنصرَ عبادَه، عاهِدوا الله تعالى على التوبةِ النصوح، وأقيموا شرعَ الله في بيوتكم، وفي أعمالِكم، وفي كلِ شؤونكم ، يكتبُ اللهِ لكم العزَّ والتمكين ، ويكتبُ لإخوانكم المحاصرينَ النصرَ والفوزَ المبين .
اللهمَّ يا غوثَ المستغيثين ، ويا ناصرَ المظلومين ، ويا جابرَ المنكسرين ، أغث إخواننا المُحاصرين في فلسطين، اللهمَّ احقن دماءَهم ، واحفظ أعراضهم ، وأمن فزعهم، وثبِّت أقدامهم ، وانصرهم على القوم الظالمين، اللهمَّ تقبل قتلاهم في الشهداء، واخلف على الأحياءِ منهم يا رب العالمين، اللهمَّ ضعفَ الناصرُ إلاَّ بك ، وتقطعت الأسبابُ إلاَّ سببُك، اللهمَّ فأمدهم بجندك، وانصرهم بنصرك .
اللهمَّ إن طاغيةَ اليهود وجنده، ومن وراءِهم من عبَّاد الصليب قد طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد، اللهمَّ فصبَّ عليهم سوطَ عذاب، اللهمَّ اشف صدورَ المؤمنين منهم يا قويُّ يا عزيز .
=============(28/167)
(28/168)
آخر أوراق الهيمنة الأمريكية
على المهدي 5/4/1424
05/06/2003
- يؤكد المراقبون أن خطة بوش تقوم على نفس الأسس القديمة لخطة إسرائيلية قديمة بدأت منذ مؤسس الدولة الصهيونية "تيودر هرتزل.
• هذه الخطة - التي توهم الجميع بتدفق الخيرات الأمريكية على المنطقة كلها- تستهدف في النهاية توفير الأمن للدولة الصهيونية.
يبدو أن بوش أراد أن يدق مسماراً في ملك غيره على طريقة (جحا) ليتردد على المكان من وقت إلى آخر ..، والمسمار الذي بدأ بوش بدقه في المنطقة العربية هو ما أسماه "منطقة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط في غضون عشر سنوات"، بحيث يظل بوش يروج لهذا المسمار الذي يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى، وحتى تتحقق الأهداف الأمريكية في المزيد من التفكك العربي والتبعية، وعودة فكرة الشرق أوسطية الصهيونية الأصل..، فخطة بوش التي أعلنها في خطابه بجامعة كارولينا الجنوبية في كولومبيا ذات بعد اقتصادي ظاهري، فهو يقترح إقامة منطقة حرة للتبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط في السنوات العشر المقبلة، لكنها تتضمن أبعاداً سياسية خطيرة تصب في خانة تحقيق المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة العربية.
ولم ينكر بوش بعض هذه الأهداف أو الشروط لتحقيق الرفاهية الاقتصادية الموعودة، مثل: قيام الدول العربية بما اسماه "إصلاحيات ضرورية، كمكافحة الفساد والإرهاب، وحماية حقوق الملكية، وتحسين مناخ الاستثمار، وأن تقر وتعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية تعيش بسلام مع جيرانها، مع القيام بتغيرات في النظام القضائي العربي. فيما تولت مصادر أخرى الكشف عن أهداف خطة بوش الشرق أوسطية، والتي هي أهداف إسرائيلية في المقام الأول، ومحاربة جديدة لإحياء مشروع السوق الشرق أوسطية الذي أعلنه شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وألف كتابا خصيصا له.
وفي هذا السياق أعلن بوش أن بلاده ستنظم بالتعاون مع مملكة البحرين منتدى لمناقشة الإصلاحيات القضائية في المنطقة العربية، وعين بالفعل القاضية في المحكمة العليا "ساندرا أكونار" لرئاسة الإصلاحيات القضائية في الشرق الأوسط في إطار مبادرته لإقامة منطقة للتجارة الحرة بالمنطقة خلال 10 سنوات.
تغيير مناهج التعليم وتوفير الأمن لإسرائيل
كما كشفت صحف أمريكية عن أن مشروع الشراكة هذا يتطلب تغييرات في مناهج التعليم العربية، وفي النظم الاقتصادية والقضائية العربية؛ كي تتواكب مع الشروط الأمريكية للشراكة الاقتصادية.
وقالت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية يوم 10 مايو الماضي: "إن من ضمن الشروط الأمريكية لانضمام الدول العربية إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة؛ إنهاء المقاطعة العربية مع إسرائيل، تمهيدا للتطبيع الكامل، وإلغاء أو تخفيض الحواجز التجارية في عمليات التجارة والاستثمار مع الشركات الأمريكية، والحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية.
وأعلن روبرت زوليك - الممثل التجاري الأمريكي - أن اتفاقيات التجارة الحرة تستلزم قيام الدول بتطبيق برنامج إصلاح اقتصادي كبير، وأن التبادل التجاري الحر في المنطقة يعني تنشيط التبادل التجاري العربي مع إسرائيل (أي: إلغاء المقاطعة، وهو ثاني مطلب في نص اتفاقية خارطة الطريق )، وقال: "إ نه سيتم عقد منتدى اقتصادي عالمي في الأردن في يونيو 2003 "منتدى دافوس" يحضره وزير الخارجية كولن باول لهذا الغرض.
ويؤكد المراقبون أن خطة بوش تقوم على نفس الأسس القديمة لخطة إسرائيلية قديمة بدأ الحديث عنها منذ مؤسس الدولة الصهيونية "تيودر هرتزل"، واستمرت حتى المشروع الذي أطلقة "شيمون بيريز" في أعقاب توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 حول شرق أوسط جديد يقوم على ثلاثة أسس، هي : التكنولوجيا الإسرائيلية والمال والأسواق الاستهلاكية والعمالة العربية الرخيصة .
خطة قديمة
والواقع أن الخطة التي طرحها بوش ليست جديدة ، فقد سبق أن أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية في 3 أبريل الماضي، كما نوه لها المسؤولون الإسرائيليون، وأكدوا أنها ستوضع موضع التنفيذ فور سقوط نظام الحكم في العراق .
فقد سبق أن أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 3 أبريل 2003 "بيان حقائق" عن الخطة المسماة "مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط" وتتضمن تقديم أكثر من ألف مليون دولار من المساعدات من الحكومة الأمريكية للدول العربية سنوياً، وتخصيص 29 مليون دولار كتمويل مخصص لبرامج المبادرة لدعم الإصلاح السياسي.
وحدد البرنامج ثلاثة محاور سوف تتحرك فيها الولايات المتحدة مع الدول العربية، وهى :
1- التعليم: ويركز على ربط التعليم العربي بالبرامج الأمريكية، وتعليم البنات، والتركيز على الإنترنت.
2- الإصلاح الاقتصادي: ويشمل مساعدة المشروعات الصغيرة، وزيادة الشفافية، ومحاربة الفساد.(28/169)
3- تقوية المجتمع المدني: ويتضمن مساعدة المنظمات غير الحكومية، والأفراد المنتمين إلى جميع الفئات السياسية العاملين في سبيل الإصلاح السياسي من خلال آليات؛ كصندوق ديمقراطية الشرق الأوسط، وبرامج ستزيد من شفافية الأنظمة القانونية والتنظيمية وتحسين إدارة العملية القضائية. وعلى الخط أعلن (زلمان شوفال) السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون- قبيل سقوط نظام صدام حسين في التاسع من أبريل 2003- أن الأحداث المتسارعة في بغداد، والسقوط القريب لنظام صدام يمكن أن يوجد الظروف المناسبة لقيام شرق أوسط جديد أكثر سلاماً , نأمل أن يكون له تأثير إيجابي على قوى أخرى إرهابية أو تدعم الإرهاب في المنطقة، وكأنه يعلم بتفاصيل الخطط الأمريكية .
والأكثر أهمية أن هذه الخطة المتعلقة بإنشاء "شرق أوسط" - تنخرط فيه الدولة العبرية- يرجع أساسهاً إلى آباء الصهيونية الأوائل: هرتزل (الذي دعا لضرورة قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن فاعل، ودور اقتصادي قائد)، وبن جورين (الذي اقترح على الرئيس الأمريكي أيزنهاور إقامة سد منيع ضد التيار القومي العربي، يضم إسرائيل وتركيا وإيران وإثيوبيا، وذلك في رسالة وجهها إليه عام 1958)
وكان آخرها مشروع "شمعون بريس" الذي طرحة خلال زيارته للولايات المتحدة في نيسان 1986 على نمط مشروع مارشال لأوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، والذي نتج عنه قيام السوق الأوروبية المشتركة، ثم أعيد تسويقة عام 1992 عقب اتفاقية أوسلو.
سياسية الجزرة
ويرى المراقبون في ظل حالة النشوة الأمريكية عقب احتلال العراق، وفرض أمر واقع جديد في المنطقة العربية أن الحاجة نشأت لمد المنطقة بـ (جزرة) تشجع القادة العرب الانخراط في الخطة الأمريكية للشرق أوسطية، وتوازن (العصا) التي رفعها بوش في وجه هذه الحكومات عقب اجتياح العراق؛ مهدداً المعرضين بالويل والثبور...
خاصة أن هذه الخطة -التي توهم الجميع بتدفق الخيرات الأمريكية على المنطقة كلها- تستهدف في النهاية توفير الأمن للدولة الصهيونية؛ باعتباره (كما قالت كونداليزا رايس) مفتاح أمن العالم كله، وتسليمها قيادة المنطقة العربية خصوصاً أن اليمين المسيحي المتصهين هو الذي يهيمن على مقاليد الأمور في الإدارة الأمريكية الحالية، ويتبنى المخططات الإسرائيلية للمنطقة
==============(28/170)
(28/171)
المحاولة الإنقلابية في موريتانيا ..ومستقبل الأوضاع العربية/ الإسلامية!
فضاء الرأي 22/4/1424
22/06/2003
المحاولة الإنقلابية التي شهدتها موريتانيا في الأيام الماضية .. جاءت بعد سلسلة من الإجراءات التعسفية بحق مجموعة من أنصار التيار الإسلامي هناك ..
وجاءت رفضا لسياسة معاوية ولد الطايع وعلاقاته الدبلوماسية المعلنة مع دولة الكيان الصهيوني..
وتأتي هذه المحاولة الإنقلابية وسط ظروف شبه متباينة في المواقف والاجراءات في الدول العربية/ الإسلامية
فالتضييق على أنصار التيار الإسلامي .. والحد من الأراء التي تعتبرها الدول متطرفة وتنتج في الأخير أعمالا إرهابية هو سمة عامة في عدد ليس قليل من الدول العربية/ الإسلامية
ونداءات الاعتراف السياسي بدولة الكيان الصهيوني .. التي أطرتها خارطة الطريق .. وإصرار إسرائيل ألا يتوقف الأمر على مجرد الاعتراف بل لابد من تطبيع يشمل جميع النواحي الحياتية ..!!
في ظل تداعيات المحاولة الإنقلابية الفاشلة في موريتانيا ..
وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها الإسلاميون في دولهم..
وفي ظل مفاوضات السلام العربية/ الإسرائيلية الجارية حاليا..
كيف تحلل الواقع والمستقبل العربي في الفترة القريبة أو البعيدة القادمة...؟؟
وهل تتصور أن ماحدث في موريتانيا قد يتكرر في دول أخرى ..؟؟
وما دور الشعوب العربية/ الإسلامية في ظل المتغيرات السياسية المنتظرة ..؟؟
==============(28/172)
(28/173)
انقلاب شنقيط (موريتانيا) خفايا وأسرار
الحدث
انقلاب يطيح بولد الطايع في شنقيط - موريتانيا- نفذه كبار مساعديه.
التقرير
دخل الإسلام شنقيط (موريتانيا) مع فتح موسى بن نصير سنة 89 هـ وعرفت موريتانيا في القديم باسم بلاد شنقيط ثم أطلق عليها الأسبان فيما بعد باسم موريتانيا بمعنى الرجال السمر، وكانت الموطن الأصلي لكثير من الدول التي امتد حكمها إلى بلاد المغرب والجزائر وأسبانيا كالدولة المرابطية.
* أبرز المدن في شنقيط : هي شنقيط ، وودان ، وتيشيت وولاتة .
وتقع موريتانيا في الشمال الغربي لإفريقيا، يحدها من الشمال المغرب، ومن الشمال الشرقي الجزائر، ومن الشرق والجنوب الشرقي جمهورية مالي، وجنوبا جمهورية السينغال، وغربا المحيط الأطلسي. مساحتها تقارب 1.5 مليون كلم²، وعدد سكانها مليونين و800 ألف نسمة حسب آخر الإحصاء .
وتتكون موريتانيا بشرياً من عنصرين : العربي والزنجي الإفريقي، أما قبائلها العربية فتصنف إلى (عرب بني حسان) الذين يشكلون النسبة الغالبة من السكان، وهم من قبائل معقل التي زحفت مع الهلاليين وبني سليم بأمر من الخليفة الفاطمي في مصر، في حين نجد فروع أخرى ذات أصول بربرية.
* طبيعة أرض شنقيط وثرواتها : تتكون البلاد من صحراء كبيرة رعوية بها بعض الجبال في الشمال والشمال الشرقي، وأراضي زراعية خصبة في الجنوب والجنوب الشرقي ممتدة على طول نهر السنغال الذي يفصلها عن السينغال. في حين تمتد واجهتها البحرية لتقارب 600 كلم² على المحيط الأطلسي.
تحتوي موريتانيا على ثروات متنوعة أهمها، الثروة المعدنية كالحديد والجبس والذهب والنحاس ومؤخرا البترول والغاز .
* ويعتبر الإسلام هو الدين الوحيد السائد بحيث يعتنق الشعب الموريتاني كله الإسلام, ويغلب على أهلها التصوف الأشعري.
وقد شهدت موريتانيا أحداثا عديدة في تاريخها السياسي الحديث، وتعرضت كغيرها من دول المنطقة لأطماع المستعمرين الأجانب لفترات عديدة تميزت بالمقاومة والسكون أحيانا. ومنذ 1338هـ , تمكن الاستعمار الفرنسي من فرض سيطرته على البلاد، وتركز وجوده على الساحل الأطلسي لاحتوائه على مناجم الذهب والحديد، والموريتانيين بمقاومتهم المتواصلة للاستعمار على مدى سنوات عديدة. ونظراً للظروف الدولية بعد استقلال اغلب المستعمرات، اعترفت فرنسا باستقلال موريتانيا في الإثنين 9 جمادى الآخر 1380 هـ
تاريخ موريتانيا الانقلابي:
تعد موريتانيا من الدول ذات الميول الانقلابية، حيث أن التاريخ الحديث لم يسجل انتقالا سلسًا للسلطة إلا في مرات معدودة، كما أن هذه الانقلابات دومًا ما تنطلق من داخل الجيش الموريتاني في إشارة واضحة على الخلافات السياسية التي تعترى الجيش الموريتاني.
والرئيس المخلوع ولد الطايع كما جاءه الحكم بانقلاب كسابقه خرج منه بانقلاب والذي جعله يستمر أطول فترة حكم من سابقيه هو استخدامه القبضة الأمنية المشددة ضد المعارضين، فضلا عن تصفية قادة الجيش الذين لا يثق بهم، حيث مات العديد منهم في ظروف غامضة، ومن ذلك مقتل قائد أركان الجيش الموريتاني العقيد محمد الأمين ولد انجيان في المحاولة الانقلابية الأحد 8 ربيع الثاني 1424 هـ حيث أعلن أحد الدبلوماسيين الموريتانيين بالخارج أن القوات الحكومية المساندة للرئيس معاوية هي التي قتلت قائد أركانها بعدما ظهر منه جنوح إلى الانقلابيين.
وبالتأكيد لم ينجح معاوية ولد الطايع في البقاء طوال تلك الفترة في حكم البلاد إلا عبر سيطرته القوية على الجيش، والعمل على إضعاف قوى الجيش حتى لا تشتد عليه وتلحقه بسابقيه،
غير أن ذلك لم يحؤول دون وقوع عدة محاولات انقلابية في عهد ولد الطايع، أقواها ما شهدته موريتانيا في ربيع الثاني 1424 هـ حيث كادت فرقة من الجيش الموريتاني أن تطيح به ودفعته للهرب خارج قصره ثلاثة أيام إلا إنه نجح في إحباطها، ومنذ ذلك الحين وتأتي الأنباء من موريتانيا وهي تحمل أخبارًا عن إحباط محاولات انقلابية، غير أنه لا يتضح إذا كانت الأنباء صحيحة أم أنها وسيلة لتصفية المعارضة وتبرير للقمع السياسي،
حتى كان صباح يوم الأربعاء 28 من جمادى الأخر 1426هـ , حيث تواترت الأنباء عن محاولة انقلابية جديدة يقودها ضباط ينتمون للحرس الرئاسي، فهل صح قول من الحاكي فنقبله أم كل ذاك أباطيل وأسمار، هذا ما سوف تسفر عنه الأيام القادمة، إلا إن بالتأكيد أن لهذه المحاولة أسباب كما كان للمحاولات السابقة دوافع وأسباب، فما هي أسباب هذه المحاولة الانقلابية الجديدة.
جاء في مقال نشرته صحيفة القدس العربي أن الانقلاب العسكري الموريتاني الأبيض ألقى صخرة كبيرة في مياه مؤسسة القمة العربية الراكدة المتعفنة، واثبت أن تغيير الأنظمة الدكتاتورية لا يشترط أن يتم من خلال قوات الغزو الأميركي، مثلما هو حادث في العراق، وإنما من خلال قوى داخلية حية تضع مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات الأخرى.(28/174)
ورأى كاتب المقال عبد الباري عطوان أن هذا الانقلاب أعاد الاعتبار للمؤسسة العسكرية العربية التي جرى تهميشها وإلغاء دورها الذي تأسست من أجله وهو الدفاع عن الأمة وقضاياها المصيرية، وأنه إذا كانت الشعوب هي المعيار الذي لا يخطئ، فإن مهرجانات الفرح التي عمت المدن الموريتانية هي استفتاء حقيقي عفوي على هذا التغيير.
وتساءل في هذا السياق، أيهما كان أفضل أن يتم التغيير في العراق من الداخل، ومن قبل قوى شعبية أو حتى عسكرية، أم على غرار ما هو حادث حاليا، حيث دفع الشعب العراقي ثمنا باهظا جدا، تجاوز 100 ألف شهيد و400 ألف جريح على الأقل، وخلف حالا من الفوضى وعدم الاستقرار، وانهيارا شبه كامل للوحدة الوطنية.
وقال عطوان "إننا نأمل أن تنتقل عدوى الانقلاب الموريتاني هذا إلى دول عربية أخري، استعصت أنظمتها الدكتاتورية على الإصلاح، خاصة تلك التي نفت وجود شيء اسمه الشعب، وبدأت تحضر نسلها للخلافة، وكأن البلاد باتت مزرعة خاصة لها ولأبنائها وأحفادها والبطانة الفاسدة الملتفة حولهم.
أسباب الانقلاب:
لم يعلن قادة الانقلاب الجديد الذين لم تكشف هويتهم بعد عن أسباب قيامهم بهذه المحاولة، غير أن سياسات 'معاوية ولد الطايع' على الصعيد الداخلي والخارجي أوجدت بيئة وظروف وأسباب تهيئ للانقلاب ونستطيع أن نحصرها فيما يلي:
التضييق على الحريات الدينية والمدنية :
1- شهد عهد معاوية ولد الطايع قمعًا سياسيًا شديدًا، ورغم التعددية الحزبية في موريتانيا، إلا إن ذلك لم يعد كونه ديكورًا سياسيًا يتزين به نظام معاوية ولد الطايع، وبعد المحاولة الانقلابية في ربيع الثاني 1424 هـ شهدت موريتانيا حملة اعتقالات غير مسبوقة، طالت المئات بل الألوف من أبناء الشعب الموريتاني بتهمة المشاركة في الانقلاب، وكان النصيب الأكبر من هذه الاعتقالات للإسلاميين الموريتانيين وذلك لتيقن ولد الطايع من أن المعارضة الحقيقية لحكومته تتمثل في الإسلاميين، لذلك شن عليهم حملة شعواء طالت جميع فئات الإسلاميين وجميع رموزهم، ورغم المناشدات الخارجية والداخلية لم ينج منها العالم الإسلامي محمد ولد الددو، إضافة إلى الإجراءات التي استهدفت الشعائر الإسلامية ومنها منع الدروس والخطب عدا خطبة الجمعة، وتغيير الإجازة الأسبوعية، وبالتأكيد فإن مثل هذه الأمور أشعلت الغضب في نفوس الموريتانيين المشهورين بالتزامهم الديني.
إضافة إلى ذلك، لا نستطيع تجاهل رفض الحكومة الموريتانية خيار الحوار والحل السلمي مع المعارضة، وهو الخيار الذي طرحته طوائف من المعارضة على رأسهم الإسلاميون إلا إن رد الحكومة على هذا الطرح كان المزيد من الاعتقالات والمزيد من المحاكمات لقادة المعارضة، مما جعل الشعب الموريتاني يوقن أنه لا سبيل للتغيير عبر الطرق السلمية، خاصة مع لجوء الحكومة الموريتانية لتزوير الانتخابات الرئاسية قبل عامين من أجل تفويت الفرصة على مرشح الإسلاميين 'محمد خونا ولد هيدالة' والذي لم تتردد في اعتقاله عقب إعلان نتائج الانتخابات.
ومن أبرز الشواهد على ذلك إن السلطات الموريتانية حظرت الخطب والدروس الدينية في المساجد ما عدا خطبة يوم الجمعة. وقالت مصادر مطلعة إن الحظر يهدف لوقف ما أسمته الفوضى في المساجد. وامتد الأمر إلى إغلاق المعاهد والمراكز الإسلامية واتخذت الحكومة الموريتانية كذلك إجراءات متشددة ضد العديد من المنظمات الخيرية.
2- الأوضاع الاقتصادية:
بالتأكيد أنه عندما يسوء النظام السياسي، فإن ذلك يؤثر بالتبع على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فمعاوية ولد الطايع سعى لإيجاد قاعدة من المنتفعين حوله يستند إليهم ويعتمد عليهم، ومقابل ذلك فتح لهم الباب من أجل استنزاف ثروات البلاد، مما تسبب في أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية، إضافة إلى عدم تجاوب الحكومة مع تحقيق المطالب الاجتماعية المتزايدة التي ظهرت مع تحول المجتمع الموريتاني من مجتمع بدوي إلى مجتمع حضري، ما تسبب في أوضاع اقتصادية لا يرى عنها الشعب الموريتاني.
2- التطبيع مع إسرائيل:
تختلف كل الشعوب الإسلامية والعربية مع حكوماتها بشأن الموقف من إسرائيل، فبينما ترى بعض الحكومات العربية أن السلام من إسرائيل أمر لابد منه إلا إنه يتزايد رفض الشعوب لهذا الأمر، ويتجلى الأمر واضحًا لدى الشعب الموريتاني الذي لا يجد أي مبرر أو دافع لعلاقة موريتانيا مع إسرائيل سوى محاولة النظام الاستقواء بالخارج، وهو ما زاد من الحنق الشعبي تجاه نظام 'معاوية ولد الطايع'، وهو من الدوافع كذلك التي أعلنها منفذو المحاولة الانقلابية في ربيع الثاني 1424 ، وفي ذلك يقول وزير الخارجية الإسرائيلية سيلفان شالوم قبل زيارة قام بها إلى موريتانيا في مايو الماضي: 'إنها زيارة مهمة إلى بلد رفض قطع علاقاته مع إسرائيل مع بدء الانتفاضة في شعبان من العام هـ1420، على عكس مصر والأردن والمغرب وقطر وتونس، لقد تحملت موريتانيا ما لا يمكن تحمله، بما في ذلك محاولتان انقلابيتان طالب مدبروهما بقطع العلاقات مع إسرائيل'، وبالتأكيد فإن مثل هذه الكلمات كافية لتأجيج الغضب لدى الشعب الموريتاني.(28/175)
وربما كان أحد دواعي الانقلاب الأخرى ، تلافي حالة العداء التي جلبها النظام السابق مع الشعب الموريتاني بالتطبيع المباشر مع الصهاينة .. فقد تحولت موريتانيا في عهد الطايع إلى مزار للصهاينة ومقر لاستخبارات أمريكا ، وفتحت أول سفارة "إسرائيلية" في المنطقة هناك يتحرك فيها السفير الصهيوني بحرية في حين وضع قادة الحركة الإسلامية في السجون ، وتم قمع أي مظاهرات مناهضة ، وبلغ الأمر حد أن "إسرائيل" تدخلت لإجهاض انقلاب على ولد الطايع في يونيو 2003م قام به العقيد "ولد صالح حننا" لاعتراضه على نمو العلاقات الموريتانية "الإسرائيلية"، وتناقلت بعض المصادر والتقارير الصحفية وقتها أن "إسرائيل" قدمت مساعدة مباشرة لإحباط هذا الانقلاب .
3- الأوضاع السيئة داخل الجيش:
عمل ولد الطايع منذ وصوله إلى الحكم في 1404 هـ على استنزاف الجيش الموريتاني والتخلص من قادته المتميزين وذلك خوفًا من أن يتعرض لأية محاولة انقلابية مثل سابقيه، حيث قُتل وطرد مئات الضباط والجنود من الأفارقة الموريتانيين في التصفيات العرقية التي مارسها الرئيس معاوية ضدهم، بعد اتهامهم بمحاولة الانقلاب عليه عامي 1407 هـ 0، كما سجن وطرد مئات آخرين من الضباط على إثر محاولات انقلابية بعضها حقيقية وأكثرها وهمي لم يكن إلا محاولة للتخلص من الضباط المشكوك في ولائهم.
الانقلاب على الطايع هل جاء من داخل القصر أم من خارجة أم أنها ثورة :
يبدو أن الانقلاب الأخير تغيير في رموز الحكم فقط بينما يبقى النظام كما هو ولن يطأ تغيير جذري على الصف الأول والثاني من قيادات الدولة التي ترعرعت في ظل حكم الطايع وليس أدل على ذلك من أن قادة الجيش والمقربين منه هم من دبر ونفذ الانقلاب , وفي تطور آخر أعلن الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الذي كان يرأسه الطايع، دعمه للمجلس العسكري.وقال محمد عبد الله بليل المستشار الإعلامي للحزب إن المكتب التنفيذي للحزب عقد اجتماعا بعد لقاء قادة الأحزاب السياسية برئيس المجلس العسكري العقيد فال، «وبناء على تقييم فحوى اللقاء، قرر الحزب دعم المجلس العسكري وتأييده في برنامجه الانتقالي الذي أعلن عنه».
"منذ أن استولى بعض الضباط الموريتانيين على السلطة في بلادهم وأطاحوا بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع وشكلوا مجلسا عسكريا أطلقوا عليه المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، والشارع العربي يتساءل عن هوية هذا المجلس وهوية هؤلاء الضباط الذين قادوا هذه المحاولة, لقد انتظرنا كثيراً معرفة هوية هؤلاء الضباط وتساءلنا هل قادوا ثورة أم انقلابا عسكريا؟ ولكن حتى هذه اللحظة ونحن حائرون في معرفة أهدافهم ونواياهم وخططهم والشيء الوحيد الذي عرفناه إنهم يرغبون في تحقيق العدالة والديمقراطية وهذا يسجل لهم بشكل «لفظي» فقط , إن المجلس العسكري الموريتاني للعدالة والديمقراطية مطالب اليوم وقبل الغد أن يكشف للعرب عن وجهه الحقيقي وهل هو ثورة أم انقلاب، فإذا كان ما قام به من عمل عسكري هو عمل ثوري فهذا يعني تغيير السياسة الموريتانية تغييراً جذرياً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولعل أبرز معالم التغيير الثوري المطلوب هو طرد السفير الإسرائيلي من نواكشوط فورا وعودة السفير الموريتاني من تل أبيب ,أما إذا استمرت تلك العلاقة مع هذا العدو فهذا يعني انه انقلاب «مرفوض» وتغيير وجوه غابرة بوجوه غابرة أخرى، «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت»!"من مقال لفواز العجمي في صحيفة الشرق القطرية بتصرف" .
من الواضح أن قادة موريتانيا الجدد سيكونون أقرب إلى فرنسا وأوربا، منهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا أمر في صالحهم، داخليا على الأقل. كما أن الإسلاميين الموريتانيين -وقد كانوا رأس الحربة في مقاومة علاقات ولد الطايع الخارجية- يرون في الأوربيين شريكا أكثر انفتاحا عليهم وقبولا بهم من الأميركيين، مما سيجعلهم أقل اعتراضا على علاقة القادة الجدد بفرنسا وأوروبا" هذا هو راي رئيس المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان محمد بن المختار الشنقيطي.
علاقة الانقلابيين بفرنسا
فرنسا كانت لها اليد الطولى في صنع نظام ولد الطايع ابتداء، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى تعاونها تحديداً مع الرئيس السابق، والحالي! فلم يكن من الحكمة إثارة الشغب على رجالها أو من تعدهم كذلك والعلاقات بين الرئيس المخلوع وباريس لم تتحسن منذ عام 1410 هـ وهو العام الذي اعتقل فيه في مدينة "مونبلييه" الفرنسية عسكري موريتاني متهم بارتكاب أعمال تعذيب في بلاده، وبعد عدة أيام من اعتقاله اختفى الأخير في ظروف غامضة.
العلاقات الموريتانية الأمريكية توطدت في أعقاب اعتداءات الثلاثاء 23 جمادى الآخر 1422 هـ وأصبح ولد الطايع الحليف الأول لواشنطن في حربها على الإرهاب بغرب إفريقيا في إطار الخطة الطموح التي وضعتها واشنطن للقضاء على الإرهاب في هذه المنطقة.(28/176)
وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد قام في جمادى الأول 1424 هـ بزيارة إلى عدة دول إفريقية شملت السنغال وجنوب إفريقيا وبتسوانا وأوغندا ونيجيريا من أجل إقامة ما أسماه خبراء بالجدار الواقي ضد الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن الذي ينشط -على حد قولهم- في بعض الدول الإفريقية.
واعتبرت "ليبراسيون" أن علاقة ولد الطايع بواشنطن قد أثرت على علاقته بباريس. وفى دليل آخر على توتر العلاقة بين ولد طايع وباريس قالت الصحيفة الفرنسية إن الرئيس الموريتاني المخلوع حاول في صفر 1426 هـ لقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك خلال زيارته لفرنسا لكن دون جدوى.
كما أشارت الصحيفة إلى أجواء التوتر التي سادت في محرم 1426 هـ ما بين الفرنسيين والأمريكان حيث رشح الأمريكان موريتانيا كمنطقة لإجراء التدريبات القادمة لقوة الرد السريع التابعة لحلف شمال الأطلسي إلا أن باريس رفضت ذلك.
يبدو أن انقلاب موريتانيا الأخير مدبر من جانب فرنسا، وأنه نموذج لما قامت به فرنسا في عهد (الرئيس السابق) فرانسوا ميتران مع "ولد الطايع" عام 1404 هـ، عندما جاءت به في انقلاب شهير عقب مغادرة (الرئيس السابق) ولد هيداله للبلاد بدعوة فرنسية، وجاء انقلابها مرة أخرى على ولد الطايع بنفس الطريقة ولنفس الهدف..تحقيقاً لمصالح غربية !
الإسلاميون ..الضحية
ومع أن الإسلاميين - الذي أفرج النظام الانقلابي الجديد عن بعض قادتهم من السجون التي وضعهم بها الرئيس المخلوع بهدف ضمان تأييدهم للانقلاب - لم يكن أمامهم سوي الترحيب بالإطاحة بولد الطايع الذي تمادى في مطاردة وقمع الحركة الإسلامية ، وتمادى أكثر في رهن موريتانيا للصهيونية والإمبريالية الأمريكية ضارباً عُرض الحائط بإرادة الشعب الموريتاني الرافضة للتطبيع مع الصهاينة والتورط في حرب بوش على المسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب .. مع هذا فهم ألمحوا إلى أن الرسالة وصلت وفهموا ما حدث !؟
فأحد قادتها القلائل خارج السجن (جميل منصور) قال: إن شعور الإسلاميين بالفرح والانتصار على "ديكتاتور" عانوا في حكمه القمع والتعذيب ومصادرة الحريات "لم يخف حالة القلق التي تخيم على علاقتهم المستقبلية مع الحكام العسكريين الجدد الذين كانوا مقربين من ولد الطايع، وشاركوا في قمع الإسلاميين ومطاردتهم ".و(الناشط الإسلامي) عبد الله ولد يوسف قال بوضوح: إن الإسلاميين سيكون عليهم مواصلة كفاحهم من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية؛ لأن "الحكام الجدد غير ديمقراطيين وسيعمدون إلى مطاردة الإسلاميين وقمعهم تقرباً للأمريكيين والأوربيين الذين أصبحوا يتوجسون من كل ما هو إسلامي". وأضاف ولد يوسف أن كل هذه العوامل قد تدفع العقيد ولد محمد فال إلى "السمسرة" بالإسلاميين ونعتهم بالإرهاب إرضاء للغرب وطمأنته على أنه لن يكون مهادناً للإسلاميين ولا أقل حماية لمصالح الغرب من سلفه ولد الطايع.
أيضاً تعكس تشكيلة المجلس الانقلابي المؤلف من 17 عسكرياً غياب أي تمثيل للتيار الإسلامي أو أي حضور فعال للشخصيات ذات التوجه القومي أو العروبي ، وبالمقابل يسيطر أنصار الثقافة الفرنسية، مثل: (رئيس المجلس) العقيد إعلي ولد محمد فال، والعقيد عبد الرحمن ولد بوبكر نائبه، والعقيد محمد ولد عبد العزيز الذين قاموا بدور أساسي في التخطيط له وتنفيذه.
والأخطر أن العقيد ولد محمد فال يعده محللون من "رجال فرنسا" وأحد المتحمسين لنشر اللغة والثقافة الفرنسيين على حساب اللغة العربية التي يجهلها تقريباً ، كما أنه ينتمي إلى مدرسة تدعو إلى ارتباط موريتانيا بالثقافة الفرنسية وبالفضاء الفرانكفوني بدلاً من المحيط العربي ، والاستثناء النسبي يتمثل في العقيد ولد بوبكر، الذي يتردد أن يشتهر بالتدين دون أن يكون مصنفاً من الإسلاميين .
ولا شك أن التوقعات عن صدام قادم لا محالة بين الحكم الانقلابي الجديد والتيار الإسلامي هي أخبار عادية ، ولهذا لا يمكن التعويل على وعود العسكريين أن يمكثوا عامين فقط في الحكم - كما وعدوا - لحين تدشين الديمقراطية ؛ لأنه قبل هذين العامين سيفتحون جبهات الصراع مع التيار الإسلامي ويتراجعون عن الديمقراطية وتسليم الحكم للمدنيين خشية سيطرة الإسلاميين كما هي التهمة الجاهزة كالعادة .
وقد بدأت خطة استمالة التيار الإسلامي والقبائل العربية القريبة من هذا التيار في صورة إطلاق قادة الانقلاب سراح قيادات بالحركة الإسلامية الموريتانية، من بينها الشيخ محمد الحسن ولد الددو، و(السفير السابق) محمد المختار ولد محمد موسى ، حيث اعتقل النظام السابق عشرات من نشطاء المعارضة الإسلامية ربيع الأول 1426 هـ ، واتهمهم بالتآمر مع "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بالجزائر المتحالفة مع تنظيم القاعدة !.
العلاقة من الصهاينة ..تجميد مؤقت(28/177)
ويبدو أن المعضلة الأكبر في القريب العاجل ستكون هي العلاقات الوثيقة التي دشنها الرئيس السابق مع الصهاينة ، والتي بلغت ذروتها مع زيارة (وزير الخارجية الإسرائيلي) سيلفان شالوم للعاصمة نواكشوط يوم الثلاثاء 24 ربيع الأول 1426 هـ ، والتي أثارت غضباً شعبياً كبيراً ، والمتوقع هنا تبريد لهذه العلاقات وإخفاؤها عن أعين الشعب كي لا تثير جدلاً ، وربما تجميدها بحيث تبقي علي ما هي عليه .
وربما لهذا أسفت "إسرائيل" لوقوع الانقلاب ، وربما عدم قدرتها هذه المرة على إنقاذ النظام ومساعدة ولد الطايع في وأد الانقلاب الأخير كما فعلت بنجاح عام 1424 هـ مع انقلاب آخر، وقالت الخارجية الصهيونية : "نأسف لمبدأ الانقلابات العسكرية في كل الدول، وننتظر لنرى طبيعة العلاقات التي ستقيمها السلطة الجديدة مع المجتمع الدولي وخصوصاً إسرائيل" !
غير أن أوزي مانور (سفير إسرائيل في نواكشوط) صرح بـ"أن العلاقات الأمريكية والإسرائيلية مع موريتانيا لن تتضرر في ظل الحكم الجديد" كما قال .
والخلاصة :
أنه يبدو أنه مثلما أصبحت التضحية بالديمقراطية "موضة " في العالم العربي والإسلامي بحجة الخوف من "فزاعة" التيار الإسلامي، واحتمالات سيطرته على السلطة بالديمقراطية ، أصبح الكثير من الانقلابات الداخلية - لتحقيق مصالح غربية غالباً - تقع أيضاً باسم التيار الإسلامي ودعاوى الخشية من قيامه بها ، وبالتالي تبرير مبادرة قيام آخرين بها كأن هناك انقلابات "غير دستورية" ، وأخرى "خلاقة" !؟
والله المستعان ,,,
============(28/178)
(28/179)
الإعلام الأمريكي الموجه .. وتكريس الهيمنة
عاصم السيد / القاهرة 25/8/1426
29/09/2005
في محاولة لبسط النفوذ الإعلامي الفضائي الأمريكي على العالم، تستعد الولايات المتحدة لإطلاق قناة فضائية إلى أمريكا اللاتينية؛ فهي ترغب في استنساخ تجربة قنواتها (الحرة) الموجهة إلى العرب، و كذلك راديو (سوا) لكي تطلق محطة إلى أمريكا اللاتينية، وربما بعد ذلك، تطلق شقيقة صغرى لها، أي المخصصة لفنزويلا. ففي شخص هوغو شافيز، تتكثف الكراهية اللاتينية للسياسة الأمريكية. والرجل، لا ترضي عنه أمريكا، لكنه يحظى بشعبية عارمة تحميه. ففي فنزويلا، هناك وسائل إعلام خاصة، ووسائل إعلام تملكها المعارضة الموالية لواشنطن. لكن الديمقراطية في البلاد، تقدم نموذجاً، يؤكد أن صيغة الحكم الديمقراطي، في بلدان الجنوب، أو في البلدان التي تعاني شعوبها من السياسات الأمريكية، لا يمكن أن توائم واشنطن. بل إن واشنطن، لا يناسبها في كراكاس وفي غيرها، سوى الديكتاتورية، التي تعاند ميول الشعب، وبالتالي فإن هوغو شافيز، قوي بالديمقراطية الحقيقية، وبالرأي العام الفنزويلي، ولا يخشى الإعلام المضاد، في بلاده. بل إنه علّق -باستهتار- على أنباء التهيؤ الأمريكي لإطلاق قناة مخصصة لشعوب أمريكا الجنوبية، فقال: إنها فكرة إمبريالية سخيفة، لا ينبغي أن تدهشنا. فنحن نعرف ما تستطيع واشنطن أن تقوم به، وليس هناك أخطر من عملاق يائس!
وبينما تتأهب واشنطن، لإطلاق مشروعها المتلفز، بعد أن أتمت دراسته، ولم يتبق سوى إقرار الكونغرس، أطلقت كراكاس قناتها اللاتينية (تيليسور) التي بدأت البث مؤخراً. وقدمت القناة نفسها، بأنها ظهرت لكي تقدم وجهة نظر أمريكية لاتينية (توافق الرأي العام الشعبي) في الأحداث، وإنها على ثقة بقدرتها على مقاومة السيطرة الطاغية، للشبكات التجارية، المحلية والأمريكية، التي تغطي أحداث القارة. ولم يدع هوغو شافيز، المناسبة تمر دون الإدلاء بدلوه شخصياً، فقال: إن إطلاق (تيليسور) يعكس يقظة شعوب أمريكا اللاتينية الراغبة في تكامل المصالح والسياسات. وأكد شافيز على أن القناة التي تمولها الحكومة الفنزويلية، تمثل ضربة استباقية لجهود بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي من أجل شن حرب إلكترونية وإعلامية ضد الديمقراطية الفنزويلية. أما وزير إعلام شافيز، الذي هو نفسه، رئيس (تيليسور) فقد أوضح بأن القناة الجديدة تهدف إلى كسر احتكار النظام الإعلامي الدولي، وتقديم رؤية وصوت ما زالا غائبين. وفسر إعلاميون لاتينيون إطلاق هذه القناة بإعلان الحرب على الإمبريالية الثقافية التي تمثلها وسائل الإعلام الأمريكية والغربية.
انحياز رغم الحرية!
الإعلام الأمريكي - في غالبيته- حر ومستقل، وهو الإعلام الذي كشف- ولا يزال يكشف- فضائح الإدارة الأمريكية، من أبو غريب إلى غوانتانامو. لكن الحرب العالمية الرابعة، ضد الإرهاب الدولي والدول المساندة له، هي حرب تعتمد أكثر على «التنظير» أو «التأويل» السياسي والإعلامي أكثر مما تعتمد على المعلومات الموضوعية التي قد يجمعها المراسلون الصحافيون، أو حتى عملاء الاستخبارات. ففي مقابل بضع عشرات من الإعلاميين الأمريكيين الذين يغطون الأحداث في الشرق الأوسط، هناك آلاف المنظرين والمعلقين السياسيين الأمريكيين الذين يفسرون الأحداث والوقائع على طريقتهم، بمعزل عن الحقائق على الأرض. وبهذا المعنى فإن الانتصار أو الهزيمة في الحرب الأمريكية على الإرهاب الدولي والدول المساندة له، سيعتمد، بشكل كبير، على مدى نجاح أو فشل الحملة التي يشنها الإعلام الأمريكي، بحسب انحيازاته واستقطاباته الجمهورية أو الديموقراطية.
ممارسة الهيمنة بالإعلام
التجربة الأمريكية في توظيف الإعلام قد عادت إلى نقطة البداية، وربما أبعد من ذلك، وهي اليوم تكرر أسلوب الإعلام الرسمي الموجه الذي اعتمدته الدول الشمولية والاتحاد السوفيتي السابق على وجه الدقة .
وكانت أولى الخطوات التجريبية قد تمت على مستوى الصحافة المقروءة؛ إذ عملت إدارة مجلة (نيوزويك) الأسبوعية على إصدار هذه المجلة بطبعة عربية، إلا أن المجلة كمطبوعة وبشكل عام لم تعد تحتل الترتيب المتقدم في وسائل الإعلام الأخرى، وفي منافسة الصحافة والتلفزيون، بل تراجعت منذ توسعت الصحف اليومية في نشر الدراسات والتقارير التي كانت حكراً -نوعاً ما- على المجلة كمطبوع دوري.
وإذا كان الهدف الأمريكي الآخر من تأسيس قناة (الحرة) الفضائية وإطلاق راديو (سوا) ومجلة (هاي) هو تجميل صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الوطن العربي فإنها بذلك قد خسرت نصف المعركة مقدماً.(28/180)
وإذا كان إنشاء قناة (الحرة) نابعاً -ربما- من اعتقاد المسؤولين الأمريكيين بأن مواقفهم وآراءهم وتصريحاتهم السياسية لا تصل بشكل جيد إلى المواطن العربي، أو بأن وسائلهم التي تعمل بالنيابة وبتوجيه غير مباشر أضحت مكشوفة وعاجزة عن أداء تلك المهمة أيضاً، فإن الشيء الذي لا يمكن تداركه ومعالجته بعد ذلك هو فشل (الحرة) وغيرها من الوسائل الدعائية الأمريكية الموجهة إلى الوطن العربي في تحسين صورة الأمريكي القبيح الذي احتل العراق ومارس الظلم والقهر والتدمير.
وغير هذا وذاك فإن التعددية الفضائية ستكون أوسع كثيراً من فكرة ممارسة الهيمنة بالإعلام على الآخر.. وإن المتلقي في الوطن العربي حين يتجول بين الفضائيات العربية سوف يلغي اختيار التوقف لمشاهدة (الحرة)؛ لأنها أضحت في قناعته (حرة) التعبير عن الرأي الأمريكي فقط الذي يعكس مواقف وتوجهات اللوبي الصهيوني واليمين المسيحي المتطرف ( المحافظون الجدد ) ذلك الرأي الذي يعرفه مسبقاً، ولا يرغب في متابعته أو التعاطف معه.
نموذج الدعاية الرخيص
بالرغم من معرفة العالم أجمعه أن العراقيين يرفضون الاحتلال والسلطات التي عينها، إلا أننا نجد أن وسائل الإعلام الأمريكية تشير إلى الوطنيين العراقيين الذين يدافعون عن بلدهم ضد الغزاة المستعمرين بلفظ "المتمردين"، في محاولة للتقليل من شأن المقاومة العراقية الوطنية الشجاعة. ويتمثل استخدام ألفاظ غير واقعية في الإشارة باستمرار إلى قوات الاحتلال الأمريكية، إضافةً إلى المرتزقة من الجنود الخاضعين لتوجيه وسيطرة هذه القوات بـ "قوات التحالف" كأحد المظاهر الرئيسة للحملة الدعائية الأمريكية المقصود منها خداع الشعب العراقي بأن القوات الأمريكية هي "قوات متحالفة مع العراق" وليست قوات احتلال له. فلماذا تلجأ واشنطن ووسائل الإعلام المرتبطة بالإدارة الأمريكية إلى إخفاء الحقائق وإلى الكذب المنظم ومحاولة استخدام ألفاظ جميلة تخفي جرائمها ضد الإنسانية؟
إن الهدف الأساس من ذلك هو تعزيز الدعم الإعلامي الداخلي لعمليات القتل الجماعي التي تتم في العراق على أيدي الجيش الأمريكي والقوات الأمنية العراقية المرتبطة بها؛ إذ تختلق وسائل الإعلام شبكة من الأكاذيب لتأمين بريق مشروعية الطرق الإرهابية والإجرامية حتى تتمكن قوات الجيش الأمريكي من متابعة عملية تدمير المدن العراقية في ظل حصانة ضد محاسبتها على ذلك.
والطريقة التي أتقنها (غوبلز) في ألمانيا اتبعتها الولايات المتحدة قبل وبعد احتلالها للعراق، حيث إنها تنطوي على الكذب المستمر ومحاولة استخدام ألفاظ جميلة لجرائم مروعة يندى لها جبين الإنسانية حتى تصبح "حقائق" مقبولة، ويتم تداولها في اللغة اليومية للمواطن الأمريكي. وقد تولت قوات الاحتلال الأمريكية في العراق شرح الاهتمامات التكتيكية التي تهم قادة عمليات القتل والرعب والإرهاب الأمريكي في العراق أو ما يسمونه "إحلال الأمن" للمراسلين الإعلاميين المنساقين معها والمرتبطين بها، وكذلك مراكز الأخبار المشهورة لكي يتداولها ملايين الأشخاص سواء بالاستماع إليها أو بمشاهدتها. ولقد تم توحيد الهدف بين وكالات القتل الإعلامي الجماعي والحياة العامة اليومية للأمريكيين من خلال "التقارير الإخبارية" وخصوصاً تلك التي يشاهد فيها المواطن الأمريكي الجنود الأمريكان يكتبون أسماء الزوجات والحبيبات على الدبابات والمدرعات التي تدمر مساكن العائلات العراقية، وتحول مدينة كالفلوجة أو تلعفر إلى أطلال.
وبعيداً عن الاستثناءات، فإن وسائل الإعلام المرتبطة بالإدارة الأمريكية تتبع عدة أساليب، من أجل "تهدئة" روعة "ضمير" الجنود والمواطنين الأمريكيين. ويتمثل أحد هذه الأساليب في "خلط الأدوار" بحيث تُعزى الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال إلى الضحايا وعلى النحو التالي: الجنود الأمريكيون ليسوا هم المسؤولين عن تدمير المدينة، ولكن العائلات العراقية هي التي فعلت ذلك لقيامها "بحماية الإرهابيين" وبذلك "جلبوا لأنفسهم عمليات القصف"!!!
أما الأسلوب الثاني فيتمثل في الإعلان فقط عن مقتل وإصابة الجنود الأمريكان من حاملي الجنسية الأمريكية التي تحدث نتيجة عمليات المقاومة الوطنية، والتي يشاهدها مراسلون مستقلون أو مواطنون عراقيون، وبذلك لا يرد أي ذكر لمقتل وإصابة الجنود "الأمريكان" من حاملي "البطاقة الخضراء" المرشحين للحصول على الجنسية الأمريكية، أو لآلاف القتلى من المواطنين العراقيين جراء القصف الأمريكي وإطلاق النار العشوائي.
وحول الشبه بين القوات النازية وقوات الاحتلال الأمريكية، فإن القوات الأمريكية تعد أن كل مبنى مدني هو عبارة عن "مخبأ" لـ "الإرهابيين"، وهذا بالطبع يُعدّ خرقاً كلياً وفاضحاً لكل قوانين الأرض، ومنها قوانين جنيف الخاصة بالحروب، وأن تدمير تجمعات سكنية ومدن بأكملها من قبل كل من ألمانيا النازية والولايات المتحدة هو نفس الإجراء العسكري الذي تتبعه إسرائيل ضد الفلسطينيين.
غزو فاشل(28/181)
ولذلك فلم يكن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بتقييم فعالية الدور الذي قامت به إذاعة (سوا) و قناة (الحرة) لتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مفاجئًا لأحد من حيث إعلانه أن قناة (الحرة) وإذاعة (سوا) قد أخفقتا إخفاقاً ذريعًا في أداء مهمتهما وتحسين صورة واشنطن في عيون شعوب المنطقة.
فقد نبه التقرير إلى أن محطة (سوا) المتخصصة في إذاعة الأخبار والأغاني والموسيقى العربية الشعبية لم تبذل الجهد المطلوب أو تحقق نتائج مقبولة فيما يتعلق بتعزيز الديمقراطية في المنطقة، أو حشد الدعم للمواقف المؤيدة لأمريكا، وفشلت في جذب الجمهور للاستماع لبرامجها أو التأثير في عقول شباب المنطقة، وهي الفئة المحددة لنشاط الإذاعة.
كما شكك التقرير في مصداقية بعض الأبحاث التي قدمها مجلس أمناء إذاعة (سوا) وقناة (الحرة) إلى الكونجرس الأمريكي، والتي تظهر نجاحهما مشيرًا إلى أن هناك لجنتين مستقلتين، تضم خبراء اللغة العربية قد أصدرتا تقريرًا بتمويل من مكتب المفتش العام الأمريكي، أكد أن تأثير القناة والإذاعة ضعيف جدًا بالمقارنة بقناة (الجزيرة) و(العربية)، لاسيما فيما يتعلق بالجودة والمصداقية، فضلاً عن أن الآباء لا يفضلون أن يستمع أبناؤهم إلى قناة (الحرة) أو إذاعة (سوا) ؛ لافتقاد مذيعيها للكفاءة والمصداقية والخبرة وضعفهم الشديد في اللغة العربية .
وقد جاء هذا التقرير ليؤكد إخفاق المساعي الأمريكية في إيجاد صوت مباشر لها في المنطقة بعدما اعتمدت لسنوات طويلة على أسلوب ضخ الأموال وتقديم المعونات للقنوات والصحف العربية ووسائل إعلامها للترويج لوجهات النظر الأمريكية، ولكن هذا الأسلوب لم يفلح في فتح نوافذ التواصل بين واشنطن وشعوب المنطقة، وكانت إدارة الرئيس بوش قد أعلنت منذ مدة إطلاق فضائية أمريكية تحت مسمى (الحرة) تستهدف المجتمعات العربية لنشر القيم الأمريكية والديمقراطية في المنطقة، وتبث العديد من البرامج التعليمية للغة الإنجليزية والبرامج الإخبارية بالإضافة إلى برامج عن الصحافة الأمريكية، وعادات وتقاليد المجتمع الأمريكي، وبرامج حوارية تستهدف تغييرًا كاملاً لعادات العالم العربي.
ونبه التقرير على أن الإقبال من المشاهدين والمستمعين العرب على متابعة برامج إذاعة (سوا) وقناة الحرة لا يزيد على 5 % من الشعوب العربية فقط، وهذه النسبة القليلة غير منتظمة في مشاهدتها، وأن هذا الرقم في تراجع؛ لأن هناك أباء يمنعون أولادهم من مشاهدة وسائل الإعلام الممولة أمريكيًا، وكذلك وجود فتاوى من مرجعيات دينية بتحريم مشاهدة هذه القنوات أو التعامل معها، ورفض العديد من الشخصيات التي تتمتع بقبول ومصداقية لدى الرأي العام العربي الظهور فيها.
ولكن ليست هذه الأسباب وحدها وراء عزوف المشاهدين العرب، فإذاعة (سوا) وقناة (الحرة) تفتقدان إلى الموضوعية والصدق، وهدفها فقط ترويج السياسات والقيم الأمريكية في المنطقة.. فمثلاً هناك تجاهل تام للمذابح الصهيونية في فلسطين والمجازر الأمريكية في العراق، والتركيز على الأوضاع والقضايا التي تثير نقمة المواطن العربي على وطنه وأمته.. أضف إلى ذلك انحياز القناة التام للسياسات الأمريكية وتبنيها لوجهة النظر الصهيونية في حال مناقشتها للصراع العربي الإسرائيلي.
إن (سوا) و(الحرة) قد حاولتا أول الأمر إثارة قضايا جديدة ومشوقة تتجنب وسائل الإعلام المحلية وبعض القنوات الفضائية الخوض فيها، والتركيز على قضايا الرفاهية التي ينعم بها بعض العرب في أمريكا ومحاولة القائمين عليها الظهور بمظهر الحيدة والموضوعية، علاوة على استخدام أحدث الأساليب التكنولوجية.. لكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً فهذه الموجة لم تستمر، وبدأت الأهداف الحقيقية للقناة تظهر عبر أسلوب "دس السم في العسل" الذي تستخدمه في مناقشة القضايا الحيوية التي تخص المنطقة وشعوبها، وهو ما أنهى حالة الاستهواء المؤقت، التي جعلت بعض شباب المنطقة يقبلون عليها، واكتشفوا أن ما يُقدّم سطحي تافه، ويستند إلى أجندة حقبة لا ترغب الخير للمنطقة.
وإذا نظرنا إلى البرامج التي تقدمها إذاعة (سوا) وقناة (الحرة)، فمثلاً برنامج (سوا شات) وهو برنامج لا هدف له إلا الترويج للأفكار الإباحية التي تخالف المنظومة القيمية لشعوب المنطقة، وكذلك - سؤال اليوم- باختراع أسئلة وهمية يتم من خلال الإجابة عنها تبرير السياسيات الأمريكية والإسرائيلية، مهما كانت مستفزة وعدائية.. ناهيك عن (الحرة) التي تعرض تمثيليات أمريكية مدبلجة تروج لمفاهيم الزواج المتطور الأمريكي مثل مسلسل الأصدقاء الذي يروّج للحرية الجنسية بدون زواج بين مجموعة من الأصدقاء، ويمجد الشذوذ الجنسي، بالإضافة إلى إعداد مسلسلات تليفزيونية باللغة العربية تروّج للتطبيع مثل قصة مصطنعة ومختلقة عن مهاجر فلسطيني في أمريكا، وتعمل ابنته راقصة وتتزوج من يهودي أمريكي، ويعيشان في سعادة وتفاهم.. فضلاً عن (الفيديو كليب) العربي والأمريكي الذي يعتمد على الترويج لأجساد وعورات الفتيات ومشاهد القبلات الحارة الساخنة.(28/182)
كما أن القناة لا تفتأ تحرّض على النظم العربية للتمهيد لإعادة رسم خريطة المنطقة من خلال برنامج يُسمى "المنطقة الحرة".
لكل الأسباب السابقة نرى غياب المصداقية والشفافية عن أداء (سوا) و(الحرة).. كما أن أغلب من يعملون في هذه القنوات أناس لا علاقة لهم بالعروبة ولا بالإسلام، فقد تم اختيارهم بعناية من بعض دول الشام وأغلبهم من الموارنة الذين يعادون الإسلام واستقلال العالم العربي عن النفوذ الأجنبي.. ناهيك عن ترويجهم لمفهوم التطبيع مع إسرائيل وانبهارهم بأسلوب الحياة الغربية - والأمريكية تحديدا - في الثقافة والسلوك ونمط الحياة !
=============(28/183)
(28/184)
التطبيع .. عبر البوابة الفرانكفونية
إدريس الكنبوري / الرباط 27/8/1426
01/10/2005
في الوقت الذي تمر فيه القضية الفلسطينية بمنعطف شديد الدقة بعد العدوان الإسرائيلي على حركة حماس والإعلان المتكرر للمسؤولين العسكريين في الدولة العبرية عن استعداد الجيش الصهيوني للعودة إلى مرحلة استهداف قادة الحركة، وتغوص فيه المنطقة في الوحل من خلال ما يجري في العراق وفي لبنان وسورية وإيران، لا يسع المراقب إلا أن يرى أن التوجه الحالي في السياسات الأوروبية والأمريكية يسير نحو فرض الدولة العبرية في التربة العربية والإسلامية بالقوة أو بألاعيب السياسة.
ويلحظ المراقب أيضا كيف أن وتيرة التطبيع مع إسرائيل في المنطقة العربية والإسلامية باتت تجري باحتفالية منقطعة النظير، كما لو أن إسرائيل "اكتشفت" متأخرة بأنها توجد في قلب العالم العربي. إذ أصبحنا أمام خيط يمتد من المغرب وموريتانيا غربا إلى باكستان في آسيا .. يركض جريا خلف تطبيع علاقات لم تكن موجودة أو أخرى كانت سرية وانتقلت إلى العلن أو ثالثة هدأت فترة قصيرة أثناء الانتفاضة الفلسطينية وانتهت مع انتهاء مراسيم"العزاء".
آخر تقليعات التطبيع، والتي لا تخلو من غرابة، هي الإعلان عن إدخال الدولة العبرية نادي منظمة الفرانكوفونية التي تضم نحو خمسين دولة من البلدان الناطقة بالفرنسية المتحلقة حول زعامة دولية لفرنسا، تثير الحنين إليها أكثر مما تعكس واقعا قائما، وهي إحدى الابتكارات العجيبة لهذه المنظمة التي تحاول أن تخوض معارك نيابة عن فرنسا في مختلف الاتجاهات، أقلها داخل حظيرة الاتحاد الأوروبي نفسه لتأكيد الزعامة الفرنسية، وفي مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تبق لباريس مواطئ أقدام محترمة في القارة السمراء وشمال إفريقيا، وأمام هذه الأخيرة للتدليل على أنها قادرة باللغة على ضمان مصالح لها لم تعد تضمنها بالوزن الدولي في الموازين الاستراتيجية.
الدور هذه المرة لم تلعبه فرنسا بل قامت به كندا الفرانكوفونية، حيث أعلن جاك سعادة الوزير المسؤول عن الفرانكوفونية في الحكومة الكندية عن أن هذه الأخيرة تقدمت باقتراح أمام مؤسسات المنظمة الفرانكوفونية من أجل قبول عضوية كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية داخلها بطلب منهما. وتظهر غرابة مثل هذا الاقتراح في خرقه لأهم بنود المنظمة المذكورة، والتي تنص على اعتبار حضور اللغة الفرنسية في مؤسسات الدولة أو كلغة للتخاطب معيارا لقبول العضوية داخلها، والحال أن هذا المعيار مفتقد في الجهتين المقترحين للعضوية الجديدة، وهو ما لم يجد له تفسيرا حتى الوزير الكندي نفسه الذي رد على سؤال كهذا بأن"في إسرائيل نحو مليون متكلم بالفرنسية"، وأن "داخل السلطة الفلسطينية لا نتوفر على إحصاءات ومن الصعب تحديد نسبة المتفرنسين لكن يجب توسيع المفهوم"، هكذا ببساطة بغرض خدمة أغراض التطبيع. وردا على سؤال آخر يتعلق بافتقاد السلطة الفلسطينية إلى كيان مستقل لكي تقبل في المنظمة الفرانكوفونية التي لا ينخرط فيها سوى الدول المعترف بها في الأمم المتحدة أجاب جاك سعادة بأن المنظمة منحت العضوية لمنطقة"فال دواست"الإيطالية مع أنها جزء من إيطاليا، فهل معنى ذلك أن المنظمة الفرانكوفونية تعتبر السلطة الفلسطينية"جزءا من إسرائيل" أيضا ؟؟
الوزير الكندي ساق ثلاثة دوافع رئيسية وراء قبول عضوية إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تبين لنا حقيقة الغرض من هذه السياسة الغريبة التي باتت المنظمة الفرانكوفونية تنهجها اتجاه المنطقة: الدافع الأول هو"فك العزلة الدولية عن إسرائيل"، لأن هذه الأخيرة "عانت كثيرا من التهميش في المؤسسات الدولية"، لذلك قال المسؤول الكندي إن مثل هذا التهميش"ليس مقبولا وغير منتج، وينبغي توجيه رسالة واضحة، وهي أن إسرائيل دولة مرحب بها في منظمة عالمية متعددة المشارب كالمنظمة الفرانكوفونية". الدافع الثاني أن السلطة الفلسطينية"تقود أقلية بشرية(لاحظوا العبارة، وليس شعبا) ستصبح ذات يوم دولة بكامل الحقوق"، وأضاف قائلا"وأعتقد أن المنظمة ستوفر المجال لكي تبدأ السلطة الفلسطينية في المشاركة في أنشطة الفرانكوفوية"، أما الدافع الثالث فهو رغبة المنظمة في لعب دور التقريب بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي داخلها.
السينغالي عبدو ضيوف، رئيس المنظمة الفرانكوفونية، والحكومة الفرنسية وافقتا على الاقتراح الكندي الذي من المقرر بحسب المسؤول الكندي أن يبحث في القمة المقبلة للمنظمة في خريف 2006 برومانيا.(28/185)
لقد فشل الاتحاد الأوروبي نفسه في لعب دور مؤثر في منطقة الشرق الأوسط رديف للدور الأمريكي حتى لا نقول منافس له، وفشل بنفس الوقت مشروع برشلونة الأورو متوسطي الذي انطلق عام 1995 في لعب نفس الدور، فكيف يمكن القول إن المنظمة الفرانكوفونية التي تضم البلدان الإفريقية الفقيرة والتي لا تملك نهيا ولا أمرا ستلعب هذا الدور المطلوب؟. الهدف الحقيقي يبدو واضحا من وراء هذه المبادرة، وهو توفير دعامة سياسية لفرنسا للحصول على "صفقة" في المنطقة العربية بعدما باتت على الهامش، وأظهرت التطورات الحاصلة في المنطقة هيمنة النفوذ الأمريكي الذي أقصى فرنسا في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، ولم تعد باريس توجد في الساحة. والمؤكد أن فرنسا تجاوزتها الكثير من الأحداث في المنطقة والعالم، وتفكك حتى التحالف الذي كانت باريس تراهن عليه لتحصيل التوازن داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد هزيمة المستشار الألماني جيرهارد شوردر في الانتخابات الألمانية الأخيرة، ولم يعد هناك سوى المنظمة الفرانكوفونية لتأكيد الحضور الدولي لها، ولكن هذه المنظمة أيضا منقسمة على نفسها وسوف تتعمق انقساماتها أكثر بسبب التغلغل الأمريكي في القارة الإفريقية، وعجز باريس عن لعب دورالدركي في القارة كما كانت تفعل سابقا لصالح تحول هذا الدور إلى واشنطن، ولعل تداعيات أزمة ساحل العاج خير مثال على ذلك !!
===============(28/186)
(28/187)
وقفات مع قضية فلسطين
أطرقتُ حتى ملّني الإطراقُ وبكيتُ حتى أحمرتِ الأحداق
سامرتُ نجمَ الليلِ حتى غابَ عن عيني ، وهدَّ عزيمتي الإرهاق
يأتي الظلامُ وتنجلي أطرافُه عنا ، وما للنومِ فيه مذاق
سهرٌ يؤرقني ففي قلبي الأسى يغلي ، وفي أهدابي الحُراقُ
قتلٌ وتشريدٌ وهتكُ محارمٍ فينا، وكأسُ الحادثاتِ دِهاقُ
يا أمة المليار :
لقد طفحَ الكيلُ وعمَ البلاء ، وعظمتِ المصيبةُ في فلسطينَ الحبيبة ، حرماتٌ تُنتهك ،ودماءٌ تُسفك ، وأرواحٌ بريئةٌ تُزهق ، لأطفالٍ رضع ، وشيوخٍ ونساءٍ ركع ، لقد بلغ السيلُ الزبى ، وجاوز المجرمون من اليهودِ المدى ، هدمٌ للبيوتِ على الرؤوس وحرقٌ للقرى والحقول ، و أتلافٌ للمزارع ، وضربٌ للمصانع ، وقتلٌ لكل مظاهرِ الحياةِ .
يا أمة المليار :
ماذا نحن فاعلون ، والمستهدفون إخواننا ؟!! ماذا نحن فاعلون والأرضُ المعتدى عليها أرضنا ؟!! ماذا نحن فاعلون والحرماتُ حرماتنُا والقدسُ قدسنا ، والأقصى مسجدنا، وفلسطين أمانةٌ في أعناقنا ؟!!بماذا نعتذرُ لربنا ؟! ماذا نقولُ عند سؤالنا ؟ وبأي شيء نُعذِرُ إلى اللهِ تجاهَ ديننا وأعراضنا وحرماتِنا ؟!!كيف السبيلُ والعدو هو أشدُّ الناسِ عداوةً ، ومَنْ وراءَه هم أغلظُ البشرِ قلوباً ، وأعنفهُم ضراوةً وحقداً .
إلى من نشتكي والحكامُ ساكتون ، والحكماءُ عاجزون، والعلماءُ صامتون ـ إلاَّ من رحمَ الله - والشعوبُ مخدوعةٌ بالأماني ، والجماهيرُ مستنْفَرةٌ بلا خُطة ، ومستفزةٌ إلى غير وجهه، ومنساقةٌ كما كان عهدُها دائماً إلى ثورةٍ تعقبُها غورة ، بفعلِ إعلامٍ يهيّجُها ولا يوجهُها، ويستثيرُها ولا يوظفُ قواها ، وبفعلِ أنظمةٍ تقمعُها ولا تدفعُها ،تُخِرسُها و لا تستفيدُ من شجاعتها ، تحَجِزُها عن الفداءِ والبطولةِ لتقتلَ فيها الشجاعةَ والرجولة .
يا أمةَ المليار : إننا نعيشُ واقعاً مأزوماً مهزوماً منذ أكثرَ من خمسةِ عقودٍ من الزمان ، بسببِ عدوٍ حقيرٍ ذليل ، تمثلهُ أمةً ملعونةٌ على ألسنةِ الرسل، (( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ )) ولكن ماذا دها بعضُ المسلمين وقد أصبحوا أذلةً لهؤلاءِ الأذلاء ، يستجدون السلامَ معهم ، ويُتوِهون الوئامَ في جيرتهم ، ويستجيرون بنارهِم من الرمضاء ، ويستجيزون إرضاءَهم بإغضابِ ربِ الأرضِ والسماء ، مع أنَّ اللهَ وعدَ المسلمينَ بالنصرِ عليهم، والتمكُنِ منهم،ألم يقل الله تعالى: (( وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ)) (سورة الحشر : 12) فما الذي جعلنا نولى الأدبارَ أمامهَم ؟ فيهزمون الجيوشَ العربيةَ في أكثرِ الحروبِ التي خاضوها معهم ، حتى أصبحَ تاريخنُا معهم نكبةً في عامِ ثمانيةٍ وأربعين ثم نكسةً في عام سبعةٍ وستين ، ثم خديعةً كبرى وإجهاضاً للنصرِ العربي في عامِ ثلاثةٍ وسبعين ، ثم غزواً واجتياحاً للبنانَ في عامِ اثنتينِ وثمانين، ثم اجتياحاً مستباحاً لما تبقى من أراضٍ للفلسطينيين في هذا العامِ الذي نعيشُه الآن؟!ماذا جرى لأمةِ الإسلام حتى يستذلَها هؤلاءِ الطغامِ اللئام، لابُدَّ لنا من وقفاتٍ نتحسسُ فيها أخطائَنا ، ونراجعُ أنفسَنا ، ونكشفُ اللثامَ عن مواضعِ ضعفنِا وسرَّ هوانِنا ، وفي الوقتِ نفسهِ ، نفتشُ عن مكامنِ القوةِ المفقودة ، والعزةِ المنشودة
الوقفةُ الأولى : كيف تعامَلْنا مع قضيةِ فلسطين ؟
لقد أجمعنا جميعاً شعوباً وحكوماتٍ على أن قضيةَ فلسطينَ هي القضيةُ المركزيةُ الأولى، التي ينبغي أن تجتمعَ حولَها الجهود، وتتكاملُ لأجلهِا الإمكانات ،وتستنفرُ لها الطاقات، ولكن الواقعَ يشهدُ أنَّ ذلك الإجماعَ الإسلاميَ العربي ، قد خرقَه وهمُ السلامِ مع اليهود ، حتى تحولتِ القضيةُ بعد أن كانت ذاتَ بُعدٍ إسلاميٍ عالمي ، إلى قضيةِ صراعٍ عربيٍ إسرائيلي، يوجَّهُه اتجاهٍ علمانيٌ لا ديني ، ثمَّ لم تلبثِ القضيةُ الكبرى أن تحولت إلى نزاعٍ فلسطيني إسرائيلي ، وهاهي الآن تكادُ تختصرُ في مسألةِ زعامةٍ وقيادة ، يرادُ من ورائهِا استبعادُ أيِّ احتمالٍ لعودٍ حميد ،وتحولٍ رشيدٍ بالقضيةِ إلى وجهتهِا الإسلامية .(28/188)
لقد خدعَ العلمانيون الأمةَ دهوراً بشعاراتِهم الثوريةِ عن تحريرِ فلسطين ، كلِّ فلسطين ، وأوهموها بعدمِ التفريطِ في شبرٍ من الأرضِ، أو حبةٍ من الرمل ، ثم فاجئوها باعترافهِم لليهودِ بملكيةِ ثلثي فلسطين ، وبحقهِم في العيشِ فيها بسلام ، وذلك عندما أبرمتْ مصرُ معهم معاهدةَ كامب ديفيد، التي خرجت بمقتضاها من دائرةِ الصراعِ مع اليهود، معترفةً بهم كدولةٍ مستقلةٍ ذاتِ سيادةٍ على ما استولت عليه من أرضِ فلسطين ، ثم تتابعتْ الدولُ العربيةُ الواحدةُ تلو الأخرى في هذا الاعتراف ، حتى أصبحَ من لا يعترفُ بذلك خارجاً على الإجماعِ العربيِ، المتوجهِ بإصرارٍ حولَ ما يُسمى بـ الخيارِ الاستراتيجيِ للسلام )، وتجاهلَ هؤلاءِ أنَّ السلامَ الدائمَ والشاملَ مستحيلٌ مع قومٍ قال الله تعالى عنهم: (( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) (سورة المائدة :64) .
وتناسى هؤلاءِ أنَّ اليهودَ الذي أرادوهم جيراناً وأصدقاءَ، هُم أخبثُ الألداءِ ، وأشدُّ الأعداء، (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ )) (سورة المائدة :82) ، نسىَّ العربُ هذا أو تناسوهُ، وساروا جادين في طريقِ السلامِ عَقْداً كاملاً من الزمان .
وتسببَ هذا الوهمُ المزعومُ عن حتميةِ السلامِ مع اليهود،ِ في حالةٍ من الاسترخاءِ على المستوى السياسي، والترهلِ على المستوي العسكري ، وعدمِ الجدِّ على المستوى الاقتصادي، والانهزامِ على المستوى الثقافي، استعداداً لعصرِ السلامِ والتطبيعِ مع أبناءِ العمومةِ !! وأصحابِ الجوار، وشركاءِ الشرقِ أوسطيةِ الجديدة ، حتى فاجأهم اليهودُ بنقضِ كلِّ العهود .
الوقفة الثانية : ماذا تغيرَ من اليهود ؟
نقولُ هُنا أيُّها الأخوةُ في الله : إنَّ الأفاعيَ قد تُغَيرُ جلدَها ، ولكن لا تتنازلُ عن السمومِ بين أنيابِها ، وما لم تُنزعْ تلك الأسنانُ أو تفرغْ تلك السموم ، فإنَّ تلك الأفاعيَ تظلُ خطراً قائماً، إنَّ اليهودَ منذُ جاءوا إلى فلسطين ، وهم يعرفون لم جاءوا ، ويعزمون على المضيِ فيما لأجلهِ قدموا ، فلماذا جاءوا ؟ وهل لا يزالونَ جادين فيما جاءوا من أجله؟
أيُّها الأخوة في الله :
إنَّ اليهودَ ما جاءوا إلى فلسطينَ إلا لأهدافٍ دينيةٍ اعتقاديه، مستمدةٍ من توراتهِم المحرفة ، وتلمودهِم المخترع ، إنهم يزعمون أنَّ نبياً لهم سيخرجُ في آخرِ الزمان، وأنَّ من واجبهِم أن يُهيئوا الدنيا لمخرجهِ، وذلك لن يتمَّ ـ كما هو مسجلٌ في كتبهِم القديمةِ والمعاصرة ـ إلاَّ بأن يعودوا إلى الأرضِ المقدسةِ التي سكنُوها أيامَ داودَ وسليمانَ- عليهما السلام- ، ثمَّ يقيموا فيها دولتَهم ، ويتخذوا في القدسِ عاصمتَهم ، ثُمَّ يتهيئون بعد ذلك لاستعادةِ قبلتِهُمُ التي كانوا عليها، والتي هُدِمت قبل ألفي عام، والتي يدعونَها بالهيكلِ الثالث، هيكلِ سليمانَ- عليه السلام- ، ذلك المعبدُ الذي يعتقدُ اليهودُ أنَّهُ كان قائماً مكانَ المسجدِ الأقصى، ولذا يعلنون في عزمٍ جازم ، وحسمٍ مُؤكد أنهم لابدَّ أن يستعيدوا بناءَهُ لإعادةِ تلك القبلةِ المنسوخةِ، التي نُسِخت بنسخِ ديانتهِم الباطلة .
أمةَ الإسلام :
إنَّ اليهودَ قد عادوا في القرنِ الماضي إلى الأرضِ المقدسة، وأعلنوا فيها دولتَهم، واتخذوا فيها عاصمتَهم، وهم يتهيئون الآن لإعادةِ قبلتهم، وما الأخبارُ التي سمعناها منذُ مدةٍ قريبةٍ عن سماحِ الحكومةِ الإسرائيليةِ للمتدينينَ اليهودِ بوضعِ حجرِ الأساسِ لما يسمى بـ الهيكلِ الثالثِ إلاَّ دليلاً على جديةِ هؤلاءِ في إكمالِ ما جاءوا من أجله ، استعداداً لمقدمِ مسيحهِم المنتظرِ المزعوم .
أيُّها الأخوة في الله : بماذا واجه العربُ والمسلمون هذا المشروعَ الدينيَ الاعتقادي،َ الأسطوريَ الخرافيَ في منطقتنِا الإسلاميةِ، لقد واجهوهُ بإطروحاتِ العلمانيةِ اللادينيةِ ، ومرةً ًباسمِ القوميةِ العربية ، ومرةً باسمِ التقدميةِ الثورية، ومرةً باسمِ الحريةِ الليبرالية، وظل الإسلامُ محجوباً مغيباً عن المعركةِ مع اليهود، حتى استفحلَ خطرُ هؤلاء ، ووصلنا نحنُ إلى ما وصلنا إليهِ اليومَ من عجزٍ تام، أمامَ الوقوفِ لمواجهتِهم، وتهربٍ كاملٍ من تحملِ المسؤوليةِ تجاهَ التصديْ لتهديداتهِم لكلِ دولِ المنطقة، بدءاً من سوريا ولبنانَ والأردن ، ومروراً بمصرَ والعراق ، وانتهاءً بإيرانَ وباكستان، فقد أدَّى تفرقُ الصفوف، وتنازعُ الأطراف ، واختلافُ السياساتِ والممارساتِ على المستوى العربيِّ والإسلاميِّ إلى فقدانِ الأمةِ لعناصرِ قوتِها ، وأسبابِ وحدتهِا .
الوقفة الثالثة : ماذا عن الحبلِ الممدود لدولةِ اليهود ؟(28/189)
إنَّ أعداءنا أيُّها الأخوةُ لا يقفون في ساحةِ الصراعِ وحدهم، بل إنهم يجدون من يقفُ معهم بحكمِ عواملَ مشتركةٍ من العقائدِ الدينية ، والمصالحِ الاستراتيجيةِ ، والأهدافِ المستقبليةِ، وهذا يزيدُ من خطرِ اليهود، إذ مُدَّ إليهم حبلٌ من الناسِ أخرجَهم إلى حينٍ من الذلةِِ والمسكنةِ المضروبةِ عليهم، ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ )) (سورة آل عمران :113) نعم أيُّها الأخوة ؛ فالذين باءُوا بغضبٍ من الله ، قد حَظُوا بتأييدٍ ممن أضلَ الله ، فاجتمعَ كيدُ المغضوبِ عليهِم والضالينَ على أمةِ الموحدين ، ولم يعدْ أمامَ أهلِ التوحيدِ حيالَ هذا الحبلِ الممدودِ لليهودِ إلاَّ الاعتصامَ بحبلِ الله جميعاً ، فوا الله الذي لا إله إلاَّ هو لو استمسكنا بهذا الحبلِ لما خسرنا الجولةَ ، ولا صمدتْ لليهودِ دولةٌ، ولا استمرتْ للنصارى علينا تلك الصولة، إنَّه الإسلامُ الذي فيه عزنا، إنَّه القرآنُ الذي فيه ذكرُنا وشرفُنا، (( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) (سورة الأنبياء :10) .
قال ابنُ عباسٍ- رضي الله عنهما- : فيه ذكركم : أي فيه شرفكم وعزكم . فما بالُنا تركنا هذا العزَ والشرفَ في معركتنِا مع اليهود ، حتى آلت أمورنُا إلى ما آلت إليه.
أيها الأخوةُ الأعزاء :
لا ينبغي أن ننسى أن عداوةَ النصارى ستظلُ مصاحبةً لعداوةِ اليهود ، فقد أخبرنا الله تعالى بذلك في قوله عز من قائلٍ : ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (سورة البقرة :120) وقولِه : (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )) (سورة البقرة : 217) .
وقد أُخبرنا أيضاً في الكتابِ المبين أن الولاءَ الواجبَ بين المسلمين لابد أن يواجِهَ الولاءَ القائمَ بين الكافرين ، لأن الكفارَ بعضُهم أولياءُ بعض ، فلذا وجبَ على المؤمنين أن يكون بعضُهم أولياءَ بعض ، قال تعالى ((وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) (سورة الأنفال : 73) والفتنُ القائمةُ في عالمنا والفسادُ الكبيرُ المنتشرُ في زماننا ، إنما هو من أعراضِ الولاءِ الموجودِ بين الكافرين ، والمفقودِ بين أكثرِ المسلمين (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) (سورة المائدة :51) .
أيها الأخوةُ الكرام : إن الولاءَ القائمَ بين اليهودِ والنصارى مبعثُه دينيُّ في الأساس ، وأيُّ ادعاءٍ بخلافِ ذلك إنما هو وهمٌ وهراء ؛ صحيحٌ أنهم يختلفون فيما بينَهم في الكثيرٍ من العقائد ، إلا أن هناكَ عقائدَ أخرى مشتركةٌ تجمعُهم على عَدَائِنا ، وتربطُ بين مخططاتِهم في أرضينا ، فالنصارى الذين كفروا بمحمدٍ r كما كفر اليهود ، يزعمون ألا حقَ للمسلمين فيما زعموها عاصمةَ المسيح ، أي مدينةَ القدسِ ، فالقدسُ عند النصارى هي عاصمةُ المسيحِ عندما يعود ، وهم جميعاً يؤمنون بعودته، وبأن دعوتَه ستكون في الأرضِ المقدسة ، وأنها ستكون في زمانِ قيامِ دولةٍ لليهود،عاصمتُها القدسُ ،وقبلَتُها الهيكل ، ذلك الهيكلُ الذي يزعمُ النصارى أن عيسى عليه السلام سيخاطبُ العالمَ من منبره ، وأن اليهودَ هم الأداةُ القدريةُ لتهيئةِ الأرضِ المقدسةِ له ، لأنهم سيؤمنون به هذه المرةَ عندما يعود .
أيها الأخوةُ في الله :
لا تخدعنكم العلمانيةُ الظاهرةُ في السياساتِ الغربيةِ فيما يتعلقُ بعالمنِا الإسلامي ، فإن وراءَها برامجَ دينيةً تتطبقُ بانتظامٍ على أرضِ الواقع ، كان أُولهُا إسقاطَ الخلافةِ العثمانية ، ثم تلاها احتلالُ الانجليزِ النصارى لفلسطينَ ثم تسلميُهم إياها لليهود ، ثم تمكينهُم من إعلانِ الدولةِ فيها ، والوقوفِ معهم لاغتصابِ القدس ، ثم هاهم يقفون معهم بتواطؤٍ مفضوح،ودعمٍ مفتوحٍ لاستكمالِ بقيةِ برنامِجهم الدينيِّ المستقبليِّ في المنطقة ، فعلى المستوى السياسيِّ هم أولُ من اعترفَ بدولتهِم ، ووقفَ بكلِ صلابةٍ للدفاعِ عنها في المحافلِ الدولية ، والمنتدياتِ العالمية ، رغم ظلمهِم الواضحِ وعدوانهِم المتكرر ، أما على المستوى الاقتصادي فلم تقمْ دولةُ اليهودِ إلاَّ على الدعمِ الاقتصادي الغربي بدءاً من المعوناتِ وحتى تمويلِ الهجراتِ اليهودية .(28/190)
وأما على المستوى العسكري فيكفينا أن نعلمَ أنَّ النصارى ضمنوا لليهودِ تفوقاً مضاعَفاً من الناحيةِ العسكريةِ على مجموعِ الجيوشِ العربيةِ والإسلاميةِ المحيطةِ بهم ، حتى غدتْ دولةُ اليهودِ ترسانةً عسكريةً غربيةً بأيدٍ يهودية ، تشتملُ على كافةِ أسلحةِ الدمارِ الشاملِ من نوويةٍ وجرثوميةٍ وكيماوية ، هذا في الوقتِ الذي تقفُ دولُ الغربِ بكلِ صلابةٍ وصلَِفٍ أمامَ أيِّ محاولةٍ من أيِّ دولةٍ عربيةٍ أو إسلاميةٍ لحيازةِ مثلِ تلك الأسلحةِ ولو لمجردِ الردعِ أو الدفاعِ عن النفس .
الوقفة الرابعة : ماذا عن التوجهِ الإسلامي في إدارةِ الصراع ؟
أيُّها الأخوةُ في الله :
بالرغمِ من كلِ ما يظهرُ من أبعادٍ دينيةٍ في حربِ اليهودِ ضدنا منذُ أكثرَ من قرنٍ من الزمان ، فإنَّ البعدَ الدينيَّ الإسلاميَّ لمواجهةِ هذا الخطرِ ، يَلقى مع الزمانِ صَداً ورداً ، فقد ابتُليتِ الأمةُ بمنافقين يتخذون من اليهودِ والنصارى أولياء ، كانت مهمتُهم الأولى منذُ بدأ الصراع ، هي التفننُ في كيفيةِ تمييعِ هذا الصراع ، ونزعِ المستطاعِ من طبيعتهِ الدينية ،وحقيقتهِ الاعتقاديةِ من جانبِ المسلمين ، مع أنَّ اليهودَ من جانبهِم يصرحون من خلالِ اسم دولتهِم وشعارهِا، ودستورهِا وبرامِجها عن توجهِ دينيٍ صريح ، حيثُ سموا دولتهَم باسمِ نبيٍ هو يعقوبُ أو إسرائيل، واتخذوا لهذه الدولةِ شعاراً هو نجمةُ داودَ التي ترمزُ للهيكلِ الثالث، وداودُ الذي سميتْ باسمهِ هذه النجمةُ هو نبيٌ أيضاً، وكذلك جعلوا من التوراةِ دستوراً لهذه الدولة ، ثُمَّ حددوا لها برنامجاً دينياً مستقبلياً، ينطلقُ من آيةٍ من سِفْر التكوينِ بالتوراةِ، تقولُ في خطابِ إبراهيمَ- عليه السلام- : ( لنسلِكَ أُعطي هذه الأرضَ ، من نهرِ مصرَ الكبيرَ إلى نهرِ الفرات ) ومع هذا الوضوحِ المفضوح ، فإنَّ المنافقين من العلمانيين أصرُّوا طيلةَ سنواتِ الصراعِ على أن يحجبوا الصبغةَ الإسلاميةَ عنه من طرفِ المسلمين ، مُصرِّين على رفعِ الراياتِ العلمانيةِ الجاهليةِ، التي لم ترفعْ الأمةُ بها رأساً، ولم تكسبْ عزةً أو بأسا .
لقد حوربَ التوجهُ الإسلاميُ في بلدانٍ عربيةٍ كثيرةٍ، لصالحِ الأمنِ الإسرائيلي ، وكان آخرُ ذلك ما جرى داخلَ فلسطينَ، منذُ ما يُعرفُ باتفاقيةِ (أوسلو )، حيثُ أوكلتْ إلى السلطةِ الفلسطينيةِ مهمةَ القضاءِ على الحركاتِ الجهاديةِ الإسلاميةِ داخلَ فلسطين ، وقد تَّم ذلك على الوجهِ المرضيِّ لليهود، حتى قالَ وزيرُ الخارجيةِ الحالي، ورئيسُ الوزراءِ الأسبقُ شمعون بيريز : إنَّ دولةَ إسرائيلَ عاشت أزهى عصورِها الأمنيةِ، في ظلِ السلطةِ الفلسطينية .
لقد أوصلتْ اتفاقيةُ أوسلو المنفردة،ُ بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى ما يجري الآن ، فاليهودُ يستبيحون القرى والمدن ، ويدكون المبانيَ والمرافق ، ويوغلون في القتلِ وسفكِ الدماء ، ولا يجدون إلاَّ رجالاً وأطفالاً شرفاءَ عظماء ، ولكنهم عزل،ُ إلاَّ من سلاحٍ قليل، وإعدادٍ هزيل ، وتنظيمٍ سبق إنهاكُه، وإمكاناتٍ سبقت محاصرتهُا ومحاربتُها، هل علمتم يا أمةَ الإسلام كيف سقطتْ جِنِين؟ تلك المدينةُ الصامدةُ المجاهدة، إنَّها صفعةٌ في وجهِ الأمةِ المليارية، حيثُ نفذتْ ذخيرةُ المجاهدين، فلم يجدوا ما يقاومون به عدوَهم ، ويدافعون به عن حرماتهِم، فمن المسؤولُ عن ذلك ؟!!
مليارُكم لا خيرَ فيه كأنما كُتِبتْ وراءَ الواحدِ الأصفارُ
من يتحملُ اليومَ مسؤوليةَ إضعافِ المقاومةِ الإسلاميةِ الجهاديةِ في فلسطين ؟ من يحملُ وزرَها ويبوءُ بإثمها ؟ إننا نقولُ : وبكلِ صراحةٍ، إنهم القوم الذين يستغيثون اليومَ بالعالمِ للخروجِ من الحصار، إنهم أصحابُ أسلو .
الوقفةُ الخامسة : الخذلانُ العربي !
لقد تصدّرَ ثلةٌ من العلمانيين، لينوبوا عن العربِ والمسلمين والفلسطينيين في إدارةِ آخرِ فصلٍ من فصولِ المعركة ، وهو أخطرُ الفصولِ وأطولُها ، ومع ذلك كانت المساندةُ لهم فيها من الوهنِ والضعفِ، أضعافَ أضعافَ ما فيه من القوةِ والجدية ، وقد انعكسَ ذلك على الشعبِ الفلسطيني الصابرِ الصامدِ ، الذي لم يعدْ يحصي التحدياتِ والمؤامرات ، فمن يواجه ؟ وضد من يقف؟ هل يقفُ ضدَّ عدوٍ قريبٍ متربصٍ رابض ؟أم ضدَّ بعيدٍ متحفزٍ ناهض ؟ هل يشكو من جفاءَ الأولياءِ أم من غباءَ الأصدقاءِ ، أم من غيابِ الزعماء ، أم من قلةِ الشرفاءِ الأسوياءِ الجادين في التصدي للأعداء ؟!!(28/191)
لقد قررتْ القمةُ العربيةُ المنعقدةُ في عمانَ في العامِ الماضي، إنشاءَ صندوقين لدعمِ انتفاضةِ الأقصى ، يحملُ الأولُ اسمَ صندوقِ القدسِ، بحيثُ يُخصصُ له مبلغُ ثمانمائةِ مليونِ دولار، لتمويلِ مشاريعَ للمحافظةِ على الهويةِ العربيةِ والإسلامية ِللقدس ، والثاني باسمِ صندوقِ انتفاضةِ القدسِ، برأسِ مالٍ قدرُهُ مئتا مليونِ دولار ، يخُصصُ للإنفاق على أسرِ الشهداءِ ، وتهيئةِ السبلِ لرعايةِ أبنائهِم، وعلى الرغمِ من أنَّ المبالغَ المقترحةَ لا توازي سُدسَ الخسائرِ المباشرةِ وغيرِ المباشرةِ، التي تكبدَها الشعبُ الفلسطينيُ بسببِ انقلابِ اليهودِ على عمليةِ السلام ، إلاَّ أنَّ الدولَ العربيةَ لم تفْ بتعهدِها في المؤتمرِ بتخصيصِ هذه المبالغِ فضلاً عن صرفهِا الفعلي ، فبعد المؤتمرِ خُفِّض المبلغُ المقررُ من مليارِ دولارٍ إلى ستمائةٍ وخمسةٍ وتسعين مليونا ، ولم تدفعِ الدولُ العربيةُ من المبلغِ المذكورِ حتى وقوعِ أحداثِ أمريكا سوى ثلاثمائةٍ وثمانيةٍ وثمانين مليونِ دولار ، وكانت الحجةُ في ذلك المنعِ، انتشارَ الفسادِ في أجهزةِ السلطةِ، فدفعَ الشعبُ الفلسطينيُّ الثمن !! ُثمَّ حدثَ شبهُ انصرافٍ عن الوفاءِ بما تقررَ في مؤتمرِ القمةِ بعد أحداثِ أمريكا، بسببِ الضغوطِ والتهديداتِ الأمريكيةِ ضدَ الدولِ العربيةِ والإسلامية، وتحذيرِ الأمريكيين لها مما أسموه (دعمَ الإرهاب )، فقد سارعَ اليهودُ إلى إصدار إعلانٍ أمريكيٍ باعتبارِ الجهادِ الفلسطينيِ إرهابا ، فاستجابَ الأمريكيون، وأدرجوا حركاتِ المقاومةِ المشروعةِ ضمن لائحةِ الجماعاتِ الإرهابية .
وبالرغمِ من أنَّ الأموالَ المخصصةَ في مؤتمرِ القمةِ لم تكن لدعمِ تلك الجماعاتِ وإنما لعلاجِ آثارِ العدوانِ الإسرائيلي على الشعبِ الفلسطيني، إلاَّ أنَّ ذلك لم يتمَّ حتى جاءتِ الأحداثُ الأخيرةُ لتزيدَ البلاءَ بلاءً ، ويزيدَ معهُ الخذلانُ العربيُ والإسلاميُ لذلك الشعبِ المهضومِ المظلوم ، وإضافةً إلى خذلانِ بعضِ الدولِ العربيةِ، فقد كان هُناك خذلانٌ من أكثرِ الدولِ الإسلامية، فهناك خمسُ دولٍ فقط من ضمنِ ما يزيدُ على خمسين دولةً، هي التي ساهمتْ في تنفيذِ مقرراتِ مؤتمرِ القمةِ الإسلاميِ لدعمِ الشعبِ الفلسطيني ؟!!
ومن المؤسفِ حقاً أنَّ هذا التقصيرَ على مستوى الدول ، تبعَهُ استرخاءٌ على مستوى الشعوب، فقد كان أداؤها في دعمِ الانتفاضةِ دون المستوى المطلوب، ومن الغريبِ أنه كلَّما زادتِ المحنةُ تأقلمَ الناسُ على سماعِ أخبارِها، دون مزيدٍ من التأثرِ بها ، فعلى مدى أشهرِ الانتفاضةِ الثمانيةَ عشر ، لم تتحركِ الشعوبُ إلاَّ بعد أن رأتْ العمارَ دماراً ، والدماءَ أنهاراً ، ومما يزيدُ الأسى والحزنَ أن نعرفَ أنَّ بعضَ المؤسساتِ الدوليةِ في الدولِ الأوربيةِ قدمت مساعداتٍ تفوقُ المساعداتِ العربيةَ ، وهي مساعداتٌ لم تقدمْ بداهةً للانتفاضةِ، وإنما لدعم السلطةِ الفلسطينيةِ في مسئوليتِها الشعبيةِ ، فقد قدمَ الاتحادُ الأوربيُّ مبلغَ مئتي مليونِ يورو ، ومنحةً بقيمةِ ستينَ مليونَ يورو !!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الخطبة الثانية
أيُّها الأخوةُ الفضلاء :
يجبُ أن تتحركُ الأمةُ لنصرةِ دينِها ،و أن تنفضَ الغبارَ عنها ، فقد آنَ الأوان ، ومضى الزمان، وأمتُنا لا تزالُ تعاني الذلَ والهوان، آن للإعلامي أن يتحركَ من خلالِ موقعه ، فيكشفُ الأعداءَ الحقيقيين للأمة ، ويُبيُن صورَ العِداء ، ويستنهضُ همم الأمة ، فكم حركتْ عدسةُ ذلك الإعلامي الذي التقطَ صورةً لمحمدِ الدرة، فأثارت لهيبَ الأمة ، وفتتْ أكبادَها، إننا نناشدُ أهلَ الإعلامِ أن يقدموا للأمةِ برامجَ إعلاميةً متنوعةً تُثيرُ في الأمةِ نخوةَ الجهادِ في سبيلِ الله تعالى ، وتُحي فيهم حبَ الشهادةِ والفداءِ، بدلاً من التضليلِ والإغواءِ الذي يُساهمُ فيه عددٌ من الإعلاميين .
متى يا أيَّها الإعلامُ من غضبٍ تبثُ دما ؟ عقولُ الجيلِ قد سقمت، فلم تتركْ لها قيماً ولا همما، أتبقى هذه الأبواقُ يُحشى سمها دسَماً ؟(28/192)
وأما العالمُ والمربي فينبغي عليهم أن يسعوا بكلِ إمكاناتهِم، لتربيةِ الأجيالِ القادمةِ على الجهادِ في سبيل الله تعالى، وإعدادِ كوادرِ الأمةِ علمياً وتربوياً، ليكونوا على استعدادٍ للتضحيةِ في سبيل الله ، فالأمةُ التي يتربى أفرادُها على آياتِ الجهادِ وأخبارِ الغزواتِ ومعاركِ المسلميَن وبطولاتهِم ، ويرددُ أبناؤها أهازيجَ الجهاد، لا يمكنُ أن تغلب، إنَّه ينبغي ألاَّ ننسى هذه العداوةَ، وتذوب في بحارِ التطبيعِ، سواءً مع اليهودِ أو الأمريكان ، ولا ينبغي أن نفرحَ بكلمةٍ من عدونا، يخدرُ بها حماسَنا ، ويطفئ ُبها لهيبَ غيرتنِا لديننا، ينبغي أن توعى الأمةُ بأعدائِها الحقيقيين، وأن تُملئَ قلوبُ الأمةِ ولاءً للمؤمنين ، وبراءً من الكافرين، بحيث إن لم يستطعْ هذا الجيلُ المقاومةَ ودفعَ العدوِ الصائل ، وتلقينَهُ درساً لا ينساه، فإننا نُورثُ هذه المعانيَ لأبنائنا والأجيالِ القادمة، فلعلهم يكونون في وضعٍ ُيمكّنُهم من تأديبِ الأعداء ، وردِ كيدهِم إلى نحورهم .
أما التاجرُ المسلمُ فينبغي أن يساهمَ بما آتاه الله تعالى في نصرةِ الجهاد،ِ وتجهيزِ المجاهدين ، ليكن لك أسوةٌ برسولِ ا صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، ولما سمع عثمانُ بنُ عفان- رضي الله عنه- النبيَّ r يخطبُ ويحثُ على تجهيزِ جيشِ العسرة ، قال عثمان : عليّ مائةُ بعيرٍ بأحلاسِها وأقتابِها، ثم حثَّ صلى الله عليه وسلم على الإنفاق ، فقال عثمان : عليّ مائةً أخرى بأحلاسهِا، ثم حثََّ صلى الله عليه وسلم مرة ًثالثةً فقال عثمان : عليّ مائةً أخرى بأحلاسهِا وأقتابها !! فرأيتُ صلى الله عليه وسلم يقولُ بيدهِ يحركُها ما على عثمانَ ما عملَ بعد هذا!! يقولُ ابنُ عمرَ- رضي الله عنه- : لما جهزَ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم - جيشَ العسرةِ، جاءَ عثمانُ بألفِ دينارٍ فصبَها في حجرِ صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما على عثمانَ ما عملَ بعد هذا)) [1]
أما المرأةُ المسلمة، فإنَّه ينبغي لها أن تربي أبناءَها على حبِّ الجهادِ والاستشهاد، و أن تُنشِّأَ أبناءَها على التضحيةِ والفداء، وتعودَهم على البذلِ والعطاء ، وتساهِمَ بقدرِ وسعهِا وطاقتهِا أن تذكرَ بهذه القضية، وأن تُنفقَ من مالِها، أو تساهِمَ في جمعِ ما تجودُ به أيادي الأخواتِ الفاضلاتِ من أموالٍ وحليٍ ونحوها .
أما أنت أيُّها المجاهد، أيُّها المناضل، أيُّها البطل الأشم، أيُّها الفارس الذي جدت بأغلى ما تملك، جدت بروحك التي بين جنبيك .
يجود بالروح إن ضنَ البخيل بها والجودُ بالروح أعلى غايةَ الجود
فهنيئاً لك هذا الفضل، هنيئاً لك هذا الجهاد، هنيئاً لك هذا الرباط، يقول صلى الله عليه وسلم (( رباطُ يومٍ في سبيل الله خيٌر من الدنيا وما عليها )) نعم خير من الدنيا وما فيها، إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى، وتحت رايةٍ إسلاميةٍ خالصة ، لا عميّلةٍ ولا قوميةٍ وطنيةٍ علمانية جاهلية .
وأخيراً .
هذه صرخةٌ، نطلقُها من على منبرِ صلى الله عليه وسلم إلى أمةِ المليار .
يا أمةَ المليار: هذه الأيدي المكبلةُ التي لا تستطيعُ أن تدفعَ عن إخوانها، تستطيعُ أن ترتفعَ لتطرقَ أبوابَ السماء ، وهذه الأفواه الملجمةُ التي أخرستْها الضعةُ وشلَها الهوانُ تقدرُ أن تجلجلَ ساعاتِ السحرِ بالضراعة ، وهذه الأجفانُ التي خدرتها الدنيا، وأغلقتْها المادةُ، تستطيعُ أن تضحي بلذةِ النومِ قليلاً لتبذلَ الدموعَ شفاعاتٍ بين يدي الدعاء .
يا أمةَ المليار :
إنَّ سلطوا علينا الدباباتِ والمجنزراتِ، سلطنا عليهم سهامُ الليلِ التي لا تخطئهم بإذنِ الله، وإذا أغاروا علينا بالطائراتِ النفاثةِ، صبحناهم بروائعِ الأسحارِ، حتى يكونوا كهيشمِ المحتضر ، وإن تكالبوا علينا من كلِ حدبٍ وصوبٍ قذفناهم بمطارقِ الدعاء، ولا يعني ذلك القعودُ عن العملِ الإيجابي، كما قال القائل :
إسلامنا لا يستقيمُ عمودُه بدعاءِ شيخٍ في زوايا المسجد
إسلامنا نورُ يضيءُ طريقنا إسلامنا نارٌ على من يعتدي
وكأني بكم تتذكرون فعلَ رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فعندما قابلَ الأعداءَ ليلةَ بدرٍ ، رفعَ الأكفَ الشريفةَ يطاولُ السماءَ حتى سقطَ الرداءُ من على عاتقيه ، وحتى أقلقَ عليه صاحبَه ، فاستغرقَ في ذلك الدعاءِ اللحوحِ الواثقِ بنصرِ الله : اللهم نصرك الذي وعدتني.
أُهيبُ بكم جميعاً أن تجتهدوا في الدعاءِ لإخوانكم ، وأقدموا عليه بعد التوبةِ من الذنوب، والتحللِ من الخصوم ، والتطهرِ من المالِ الحرام ، وليُتَحرَ في ذلك الأسحار، وأثناءَ السجود، وليكنْ بقلبٍ ممتلئٍ بالثقةِ بالله واليقينِ من الإجابة ، وليكنْ بلذعةِ المقهور، ولهجةِ المضطر، وليكتنفْه الصدقُ ،ويزينُه الإخلاصُ ، وليقوه الإلحاحُ ، ولترطبْه الدموع ، وبعد هذا كلِهُ لا تُضعْفه بالمعصية ، ولا تُذهبْ ببريقهِ بالمحقرات ، وأهمُّ من ذلك كلِه لا يفترْ منهُ المللُ أو الفتورُ، فإنَّه يستجابُ لأحدكم ما لم يستعجل. يقول الله تعالى : ((حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ )) (سورة يوسف : 110) .(28/193)
[1] حلية الأولياء (1/59) .
=============(28/194)
(28/195)
رؤيةاستراتيجية في القضية الفلسطينية
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر 22/4/1424
22/06/2003
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
أمّا بعد :
يعيش إخواننا في فلسطين هذه الأيام مرحلة عصيبة من تاريخهم ، فالاستكبار اليهودي قد بلغ أوجه، وكشف شارون عن وجه بني صهيون الحقيقي ؛ فالقتل ، والتشريد وهدم المنازل والحصار الاقتصادي الرهيب، وخامسها : الخذلان المخزي من لدن المسلمين عامة ، والعرب خاصة لإخوانهم في فلسطين ، كل هذه الأحوال تطرح سؤالاً مهماً : هل لهذا الأمر من نهاية؟ وهل لهذه البلية من كاشفة ؟ ويتحدد السؤال أكثر : أين المخرج ؟ وما السبيل ؟ وبخاصة وقد بلغ اليأس مبلغه في نفوس كثير من المسلمين ، وبالأخص إخواننا في فلسطين ، وأصبح التشاؤم نظرية يروج لها البعض ، مما زاد النفوس إحباطاً ، والهمم فتوراً .
وأقول : مع مرارة الواقع ، ووجهه الأسود الكالح ، وامتداد هذا الليل ، وتأخر بزوغ الفجر ، مع ما يحمله هذا الليل من فواجع ومواجع مصحوباً بالرعود والبروق والصواعق والرياح العاتية ، كل ذلك لا ينسينا سنن الله في الكون ، وأن الظلم مهما طال فلن يستمر ، وأن تقدم مدة الحمل مؤذن بالولادة ، وساعات الطلق الرهيبة تعلن نهاية المعاناة "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " .
إننا من أجل أن نعرف كيف يتحقق النصر ، لابد أن ندرك كيف وقعت الهزيمة ، ومن أجل أن نرسم طريق الخلاص لابد أن نعرف كيف حدثت المعاناة ، وما بني في عشرات السنين ، لا تنتظر زواله بين غمضة عين وانتباهتها ، لأن السنن الكونية تدل على غير ذلك ، فكما أن هناك أركاناً للهدم ، فهناك أسس للبناء ، وما شيدته الجاهليات المتعاقبة على مرور الأزمان اقتضى وقتاً ليس باليسير حتى هدمه الأنبياء والمصلحون ، وأقاموا مكانه بناء راسخاً لا تهزه الرياح ، وسأسوق هذه الرؤية مسلسلة بنقاط مستقلة ، تؤخذ النتيجة من مجموعها ، لا من آحادها حيث يكمل بعضها بعضا ً، ويأخذ بعضها برقاب بعض.
* أرض فلسطين أرض أسلامية :
المسجد الأقصى على مرّ التاريخ كان مسجداً إسلامياً ، ومن قبل أن يوجد اليهود ، ومن بعد ما وجدوا "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" وفلسطين أرض الأنبياء منهم: إبراهيم وموسى وعيسى وزكريا ويحيى وغيرهم - عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- وكلهم مسلمون "إن الدين عند الله الإسلام" ، " لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون" إذاً فلسطين أرض إسلامية ، لا حق لأحد غير المسلمين فيها، "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" .
وهذا منطلق مهم ، وأرضية صلبة يبنى عليها ما بعدها من مواقف وتضحيات .
* يهود الأمس ويهود اليوم :
بنو إسرائيل الذين آمنوا بموسى - عليه السلام - غير يهود اليوم ، فأولئك كانوا مسلمين مؤمنين ، وهؤلاء كفار مشركون تبعاً لمن كفر بموسى وخرج عن شريعته ، وبنو إسرائيل هم نسل يعقوب - عليه السلام - الذي قال الله عنه : "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" .
أغلب يهود اليوم ليسوا من بني إسرائيل ، بمعنى أن الذين يحتلون فلسطين اليوم ليسوا من نسل بني إسرائيل الذين كانوا مع موسى عليه السلام أو سلالتهم ، حيث إن اليهود الذين يعتبرون من نسل بني إسرائيل وهم المعروفون بـ (السفارديم) لا يزيدون عن 20% من عدد اليهود في العالم ، مع ما داخل هذا العدد من امتزاج وتزاوج مع جنسيات وسلالات أخرى بمعنى أن هذه النسبة القليلة ليست نسبة خالصة من نسل بني إسرائيل ، أمّا النسبة الكبرى من يهود اليوم 80% فليسوا من نسل اليهود الأصليين ، بل هم من أصول أوروبية وشرقية ومن مختلف بلدان العالم، وهم المعروفون بـ (الاشكنازيم) حيث دخلوا اليهودية بالتحول من دياناتهم الوثنية وغيرها.
* الصراع في فلسطين صراع قديم :
الصراع هناك لم يكن وليد اليوم ، وإنما له جذوره في التاريخ ، ولم يكن ذلك الصراع صراعاً عرقياً أو قومياً ، وإنما هو صراع بين الحق والباطل ، وبيت المقدس كان على مرّ التاريخ ملكاً للمسلمين ، وهم الأنبياء وأتباعهم الموحدون ، وعندما تزيغ طائفة عن هذا الطريق يبعث الله من المؤمنين من يعيد الحق إلى نصابه ، والبيت إلى أهله ، بل قد يبعث الله من يؤدب أولئك الذين خرجوا عن دينه ، وانحرفوا عن سبيله ، وطغوا واستكبروا .
إن المتأمل لهذا الصراع في جميع فتراته يدرك طبيعة المعركة ، وأنها بين الحق والباطل ، بين التوحيد والشرك ، بين الكفر والإيمان ، لم تكن المعركة - أبداً - عرقية ، أو قومية ، أو وطنية ، لم تكن بين جنس وجنس ، وقبيلة وقبيلة من أجل أرض أو تراب ، إن إدراك هذه الحقيقة، يبين لنا كيف حدثت الهزيمة ، ولماذا تأخر النصر ، وكيف يتحقق الانتصار .
* فكرة الدولة اليهودية :(28/196)
عندما انحرف اليهود عن الدين الصحيح الذي جاء به موسى - عليه السلام - لم يستقروا في أرض ، ولم يملكوا وطناً ملكاً شرعياً ، وإنما كانوا يتنقلون في أصقاع الأرض ، فالتشرد من طبيعتهم والتفرق من خصائصهم .
وكانوا يستغلون ما معهم من بقية دين ونصوص توراة يستفتحون بها على الذين كفروا ، وبهذا دخلوا يثرب، وتمكنوا من السيادة عند الأوس والخزرج، "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" وهكذا ديدنهم فالمكر والخديعة سفينتهم ، واستغفال الشعوب مطيتهم ، وعندما تم إجلاؤهم من المدينة أولاً ، ثم من جزيرة العرب ثانياً ، لم يستقروا في أرض ولم يجتمعوا في بلد ، بل تفرقوا أيدي سبأ.
لقد عاش اليهود أقليات مستضعفة في أرجاء المعمورة ، لم يدخلوا بلداً إلا أحدثوا فيه فساداً ، ولم يستوطنوا بلداً إلا كانوا مصدراً للقلاقل والفتن ، يستمدون أمنهم من خوف الآخرين ، ولذلك كرهتهم الشعوب ، لكن لديهم قدرة عجيبة مبنية على الخداع والدسائس والمؤامرات في إقناع الآخرين بحاجتهم إليهم ، ولذلك سيطروا على كثير من مقدرات الأمم وبخاصة الاقتصادية منها ، لما جبلوا عليه من حبِّ المال ، وعدم التورع عن أي وسيلة تحقق أهدافهم ومآربهم ، والذي يتأمل في تاريخ اليهود منذ قديم الزمان يصل إلى حقيقة لا مراء فيها بأنهم : إما أن يكونوا مستعلين جبارين ظالمين ، أو أقلية محتقرين مستضعفين ، والأخيرة هي السمة السائدة في تأريخهم إلا عندما كانوا أهل ذمة في حمى الإسلام ، فقد كفل لهم حقوقهم ومنع الآخرين من ظلمهم ، ولكنهم يخربون بيوتهم بأيديهم ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .
ولقد وطن اليهود أنفسهم على هذا الأمر ، ولم يكونوا يحلمون بأن يعودوا أمة لها شأن ، أو دولة لها كيان ، ولذا فإن فكرة الدولة اليهودية فكرة طارئة ، لم يجتمع اليهود على الإيمان بها ، بل هناك معارضة قوية لدى كثير منهم ، لإقامة الدولة اليهودية ، وكان على رأس المعارضين اليهودي الألماني إنشتاين ، صاحب نظرية النسبية المشهور ، ويصل الذين يعارضون فكرة الوطن القومي لليهود إلى أكثر من ثلاثة ملايين يهودي ، حيث يرون أنها وسيلة لاجتماعهم ليقتلوا ، كما يعرفون من نصوص التوراة ، ويرون أن بقاءهم أقليات تسيطر على مراكز النفوذ وأصحاب القرار ، دون أن يكونوا هم البارزين والظاهرين للناس أولى وآمن ، مما يمكنهم من اللعب على المتناقضات ، دون أن يضعوا بيض الثعبان في سلة واحدة .
إذاً صاحب فكرة الوطن القومي هم الملاحدة من اليهود ، وعلى رأسهم الصهيوني المعروف "هرتزل" ولم تكن فلسطين هي الخيار الأول لهم ، وإنما كانت هناك عدة دول منها أوغندا ، ولكن بعد دراسات دعمها الغرب النصراني وجدوا أن أرض فلسطين هي الأرض المناسبة لإقامة دولتهم ، وبخاصة أن هناك نصوصاً من التوراة تخدمهم ، كالنصوص الواردة في يهودا والسامرة ، وأرض الميعاد ، وهيكل سليمان وهلم جرّا .
ويكفي أن نعلم أن نسبة اليهود الذين في فلسطين بعد الهجرات المتوالية التي نظمتها الوكالة اليهودية وتعاونت معها الدول الكبرى لم تتجاوز 20% من عدد اليهود في العالم ، ولولا التعاون الدولي والاعتماد على النصوص التوراتية لترغيب الهجرة إلى فلسطين لما تحقق نصف هذا العدد ، ومما هو جدير بالذكر أنه إلى قبيل نهاية القرن التاسع عشر - أي قبل المؤتمر اليهودي الذي قرر إقامة الدولة اليهودية في فلسطين - لم يكن يوجد في فلسطين من اليهود سوى 24 ألف يهودي فقط . وهنا سؤال مهم : هل إسرائيل دولة دينية أو علمانية ؟، والجواب باختصار : إن إسرائيل دولة علمانية عنصرية قامت على فكرة دينية ، أي إن حكومات إسرائيل حكومات علمانية استغلت الدين اليهودي لتحقيق اهدافها .
* مراحل قيام إسرائيل :
قامت إسرائيل على ثلاث دعائم : -
1- التخطيط اليهودي الماكر .
2- التآمر الدولي .
3- الخيانات العربية الثورية الضالعة بالولاء للشرق والغرب .
وهيأ لنجاح هذا الثالوث ضعف المسلمين وتفرقهم ، بل وتناحرهم وبخاصة بعد سقوط الدولة العثمانية ، بل إن القوميين العرب ضالعون في مؤامرة إسقاط الدولة العثمانية. ويُمكن أن تختصر مراحل قيام إسرائيل بما يلي :
1- المؤتمر اليهودي في سويسرا عام 1897م الذي أقرّ قيام وإنشاء وطن قومي لليهود .
2- وعد بلفور - وزير خارجية بريطانيا - عام 1917م الذي وعد اليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
3- قرار عصبة الأمم عام 1922م بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مما ساعد بريطانيا - بدعم دولي - على الوفاء بوعدها بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
4- مؤتمر سايكس بيكو وتقسيم الدول إلى مناطق استعمارية للدول الكبرى بعد الحرب العالمية .
5- قيام دولة إسرائيل عام 1948م .
وبين تلك المراحل أحداث كبرى لا تخفى على من يعنى بتلك القضية.
* هل كان هناك جهاد في فلسطين ؟ ونظرية الدولة التي لا تقهر:(28/197)
منذ دخل اليهود إلى فلسطين وبدؤوا في تنفيذ مخططهم لإقامة دولتهم ، بدأ الجهاد هناك ، واتخذ أشكالاً عدة ، وعلى رأسها القتال المسلح وغالباً بصورة ما يسمى حرب العصابات وكان يقوى حينا ويضعف أحايين أخرى ، كل هذا من داخل فلسطين ، أما من خارجها فلم يكن هناك أي مواجهة مع اليهود إلا الجهاد الذي قام به المسلمون بعد قيام إسرائيل وهو ما يسمى بكتائب الإخوان وهي مواجهة محدودة أحبطها القوميون قبل اليهود ، وكذلك كانت هناك معارك خاطفة كما حدث في الكرامة ونحوها ، أما ما عدا ذلك فلم تدخل إسرائيل في أي حرب حقيقية مع العرب سوى عام 1973م وهي حرب ذات أهداف محددة ، ولذلك لم يسمح بتجاوزها عندما تحققت تلك الأهداف وأهمها :
1- تحريك الوضع الذي كان يسيطر عليه الجمود آنذاك .
2- إعادة سيناء إلى مصر عربوناً لأن تتزعم مصر محادثات السلام.
3- تهيئة المنطقة لمرحلة السلام مع اليهود.
4- أما ما عدا ذلك فلم تكن هناك مواجهات حقيقية مع اليهود .
إذاً فنظرية الدولة التي لا تقهر حدثت مع الهزيمة النفسية التي حلّت بالعرب، وهي من صنع الإعلام العَربي قبل غيره، وكانت جزءاً من الاستراتيجية اليهودية في حرب المسلمين ، وإشاعة الرعب في قلوبهم ، نمّاها وقوّاها الخيانات العربية المتوالية التي تزعمها القوميون والعلمانيون وحلفاء اليهود من المنافقين ، انسجاماً مع ولائهم للشرق والغرب ، حيث كانوا ينفذون ما يمليه عليهم أسيادهم حماة دولة إسرائيل وصنّاعها.
وما فعله ويفعله أطفال الحجارة مع اليهود ، من أقوى البراهين المعاصرة على تعرية تلك المزاعم وسقوط دعوى إسرائيل التي لا تقهر .
* استراتيجية حماية إسرائيل :
إسرائيل دولة عنصرية غريبة غير مندمجة مع من حولها ، فهي خليط من شعوب يهودية غير متجانسة ، متفاوتة في بيئتها الاجتماعية ، متعددة الأعراق والديانات والمذاهب ، تنخر فيها الطبقية والحزبية ، مجتمعة الأجسام مختلفة القلوب " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" ومع ذلك فهي أقلية في وسط بيئة غير بيئتها ، وأرض غير أرضها ، مع ما يحمله ذلك الشعب - صاحب الأرض - من عداء تاريخي لها ، له أسبابه ودواعيه ، وتلك الدولة واقعة بين دول تتوجس منهم ، ويتوجسون منها وهي تعلم أن شعوب تلك الدول تنتظر اللحظة التاريخية للانقضاض عليها ، وإعادة الحق إلى نصابه ، وإسرائيل تفقه هذه الحقيقة مهما حاول بعض حكام المنطقة أن يشعروها بالحماية والأمان .
وهي مع ذلك لا تملك مقومات الدولة المستقرة الآمنة ، وإنما تعتمد على الدعم الخارجي اللامحدود ، عسكريا واقتصادياً وسياسياً من الشرق والغرب. وتعاملاً مع هذه الحقيقة ، وإدراكاً لهذا الواقع من قبل إسرائيل وحلفائها ، طرحت عدة مشاريع استراتيجية لحماية إسرائيل وترسيخ أقدامها ، وتجنيبها المخاطر والمفاجآت أهمها :
1- إسرائيل الكبرى .
2- تفتيت المنطقة (الدويلات والطائفية) .
3- مرحلة السلام .
4- الشرق أوسطية .
أما النظرية الأولى فقد ثبت فشلها واستحالتها ، وذلك أنها لم تستطع أن تحافظ على أمنها واستقرارها وسيطرتها على رقعة صغيرة ، لا تعادل إلا نسبة صغيرة من مخطط إسرائيل الكبرى ، فكيف تستطيع أن تحافظ على أضعاف ذلك .
أما النظرية الثانية ، فمع ما تحقق فيها من نجاح محدود ، فقد أدرك الجميع صعوبة الاعتماد عليها ، وبخاصة بعد حرب لبنان التي كانت منطلقاً لتحقيق تلك الاستراتيجية ، ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية ، ثم حرب الخليج، ومحاولة تفكيك العراق كل تلك الأحداث ونتائجها أثبتت فشل هذه الاستراتيجية وصعوبة تحقيقها ، وأنها لم تكن بالسهولة التي رسمها المخططون لها ، ولذلك فلا يمكن الاعتماد عليها لحماية أمن إسرائيل واستقرارها.
أما مرحلة السلام ، فسيأتي الحديث عنها لاحقاً .
بقيت النظرية الرابعة "الشرق أوسطية" وهي نظرية سياسية حديثة ، جاءت من قبل حلفاء إسرائيل عندما ادركوا صعوبة نجاح الاستراتيجيات الأخرى ، وقد تزعمها "شمعون بيريز" رئيس وزراء إسرائيل سابقاً ، ووزير خارجيتها حالياً ، زعيم حزب العمل ، والمرشح للعودة لرئاسة حكومة إسرائيل مستقبلاً حيث إن شارون جاء لمهمة محدودة سيرحل بعد تنفيذها كما رحل سلفه "نتن ياهو" .
وقد بدأت هذه النظرية قبل عدة سنوات ، وكان من أبرز ميادينها المؤتمر الاقتصادي .
والعولمة القادمة ، وبالأخص منظمة التجارة العالمية قد تساهم في دفع هذه الاسترايتجية إلى الأمام .
وهي تقوم على أن تندمج دول المنطقة على استراتيجية اقتصادية ، وسياسية لا ترتكز على القومية أو الدين ، بل على رقعة جغرافية محدودة "الشرق الأوسط". وهذه النظرية يصعب الجزم بمستقبلها ، حيث إن المؤتمرات السابقة لم تحقق النجاح المنشود ، ونجاحها يعتمد على شكل ما ستكون عليه المنطقة بعد إعادة ترتيبها في ظل المتغيرات الدولية الجديدة.
* هل اليهود والنصارى حلفاء ؟
الدارس للتاريخ يدرك شدة العداء بين اليهود والنصارى .(28/198)
وقد شهد التاريخ صوراً مروعة من بطش النصارى باليهود ، لأن اليهود أقلية والنصارى أكثرية ، وبخاصة العداء مع الكاثوليك ، وعندما دخل الرومان بيت المقدس جعلوه مقبرة لليهود ، وعندما سقطت الأندلس - وكان اليهود يعيشون بأمان في ظل الحكم الإسلامي - بطش بهم النصارى حتى فروا إلى تركيا ، وهم المعروفون بيهود الدونمة . وفي أوروبا بطش بهم كثير من حكام الغرب ، وبخاصة هتلر ، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها ، لكن اليهود بالغوا فيها وفي وصفها من أجل استغلال الغرب ، واستجلاب عطف العالم ، ودفع الإتاوات وبخاصة من ألمانيا ، وإنكار هذه الحقيقة ليس منهجاً علمياً ، والاعتدال هو الصحيح.
أما الآية الكريمة ( بعضهم أولياء بعض ) فتعني أنهم أولياء بعض في العون والنصرة إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين ، أو أن اليهود بعضهم أولياء وأنصار بعض ، والنصارى بعضهم أولياء وأنصار بعض ، لا أن اليهود أولياء وحلفاء النصارى والنصارى أولياء وحلفاء اليهود ، ولا تعارض بين الوجهين ، وبهذا يستقيم تفسير آية البقرة وآية المائدة، وأحداث التاريخ. إذاً العداء متأصل بين الفريقين وهذا لا يمنع من اتحادهم ضد المسلمين ماضياً وحاضراً .
وقد حدث التغيُّر الكبير في العلاقة بين اليهود والنصارى بعد ظهور حركة الإصلاح الديني التي قام بها "مارتن لوثر" و "كالفن" وأضرابهما ضد الكنيسة الكاثوليكية البابوية التي كانت تفرض هيمنتها على الدين والحياة ، ومن ذلك احتكار تفسير النصوص الدينية ، فقد طالبت الحركة الإصلاحية البروتستانتية بالرجوع المباشر إلى النصوص ، وترجمة التوراة والإنجيل إلى اللغات الحية كالألمانية والفرنسية والإنجليزية ، وهنا اعتقد البروتستانت حرفية تلك النصوص ، ومنها ما يتعلق بوعد الله لإبراهيم عليه السلام وذريته بأن يعطيهم الأرض الواقعة بين الفرات والنيل ، وغير ذلك من النصوص التي تفضِّل اليهود على غيرهم وتعطيهم الحق في العودة إلى فلسطين حسب ما هو في التوراة المحرفة ، ومن هنا نشأت الحركة الصهيونية في أول أمرها نصرانية لا يهودية ، وقد تفاقم خطر الصهيونية الإنجيلية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وأصبحت من أكبر قوى الضغط في أمريكا وأصبح لزعمائها مكانة متميزة لا سيما في الحزب الجمهوري ، ولا يزال اليهود غير الصهاينة ومعهم الكاثوليك وغيرهم يعادون هذه الحركة كما أن الاتجاه الليبرالي يعاديها بشدة لأسباب أخرى ، لكن كثيراً من الزعماء يداهنونها لمآرب سياسية وغيرها.
* لماذا لم ننتصر ؟ :
إنه من السهل جداً أن نعيد عوامل الهزيمة إلى عدونا ، ولكن ليس هذا هو الطريق الذي يوصل إلى تحقيق أهدافنا ، وإنما هو تسلية للذات وتبرير للهزيمة.
لا يستطيع أحدٌ أن ينكر دور أعدائنا فيما حل بنا ، ولكن هل ينتظر من الأعداء والخصوم إلاّ ذاك ؟ ، هل نتوقع من خصمنا أن يسلّم لنا فلسطين على طبق من ذهب ، أو يمكننا من رقابه نتصرف بها كيف شئنا ؟
إننا من أجل أن نحقق النصر الذي ننتظر لابد أن نكون صرحاء مع أنفسنا ، صادقين مع بعضنا ، نشخّص الداء دون مجاملة أو مواربة أو تبعيض.
وخلاصة الأمر ، أننا أضعنا فلسطين لإضاعتنا لأمر الله ، فما وقع بلاء إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" . وقا صلى الله عليه وسلم : (إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع ، وأخذتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد ، سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) الحديث .
أمّا تأخر النصر فأسبابه كثيرة أهمها ما يلي : -
1- أننا لم نتلاف أسباب ضياع فلسطين ، وبقينا على بعدنا عن الله وتفريطنا في أوامره ونواهيه ، سواء في داخل أنفسنا وبيوتنا وأسرنا ، أو في عموم حياتنا ومجتمعنا .
2- تفرق المسلمين ، وبالأخص الجماعات الجهادية .
3- عدم وجود خطة استراتيجية شاملة لمواجهة اليهود ، وإنما هي ردود أفعال، أو استجابة لظروف معينة.
4- ضعف المنهج وعدم خلوصه من الشوائب لدى كثير من الدعاة والجماعات الإسلامية والجهادية منها بالأخص .
5- عدم إدراكنا لطبيعة المعركة مع اليهود ، وأنها معركة عقيدة ودين ، والانخداع ببعض الاستراتيجيات الغربية ، والمساهمة في تنفيذها كالسلام والتطبيع والتعايش السلمي ، مما أضاع علينا زمناً طويلاً .
6- انشغال الشعوب المسلمة بقضايا أخرى صرفتها عن القضية الأساس ، واشغلتها بنفسها عن عدوها .
7- عدم الأخذ بأسباب القوة الحقيقية ، والتخبط في هذا الأمر ، مما مكن العدو من أن يحقق أهدافه بيسر وسهولة .
8- الهزيمة النفسية ، والاستجابة لما يبثه الإعلام الغربي والعربي من أن دولة إسرائيل دولة لا تقهر.
* في الاتجاه الصحيح:
ومع كل ما ذكر من مآس وجراحات وآلام ، فإن هناك بشائر أصبحت تلوح في الأفق ، تبشر بأن الأمة بدأت تسير في الاتجاه الصحيح ، وتحققت انتصارات لا يستهان بها هي من أهم الخطوات نحو الانتصار الحقيقي ، بل لا يمكن أن يتحقق ذلك الانتصار بدونها . وأهم هذه المكاسب ما يلي : -(28/199)
1- كانت بعض المنظمات الفلسطينية قبل ثلاثين سنة تملأ الساحة ضجيجاً وصراخاً بأنها ستحرر فلسطين ، وهذه المنظمات خليط عجيب من المنظمات المنحرفة عن الصراط المستقيم ، فمنها: القومية والبعثية والشيوعية والوطنية ، وقليل منها الإسلامية وكان كثير من الناس يحسن الظن بهذه المنظمات ، ويرى أنها قد تساهم في تحرير فلسطين ، ولذلك وجدت الدعم والتأييد البشري والمالي والسياسي من قبل بعض المسلمين ، وظلوا ينتظرون تحرير بيت المقدس على أيدى تلك المنظمات ، وقد وقع هؤلاء الذين أحسنوا الظن بها في الخطأ . والانتصار الذي تحقق هو سقوط تلك المنظمات ، وسقوط برامجها الكاذبة ، ومن ثم سقوط الثقة بها وانكشافها على حقيقتها ، ولم يبق إلا البرامج الجهادية الجادة التي تشبث بها الجميع ، ويتبع هذا الانتصار سقوط دعوى الحكومات الثورية التي كانت تزعم أنها ستحرر فلسطين ، بل وترمي إسرائيل في البحر.
2- بعد سنوات طويلة من المعارك الوهمية والهزائم المتوالية أمام إسرائيل ، وبعد الصراخ وبيانات الشجب والاستنكار ترسخت لدى الشعوب قناعة بأن إسرائيل دولة لا تقهر ، ومن هنا كثر الحديث بأنه يستحيل إخراج إسرائيل من فلسطين وأن استمرارنا بهذا الطريق يعني مزيداً من الخسائر والهزائم ، ولذلك بدأت مرحلة خطيرة ، حيث طرحت استراتيجيات كبرى تطالب بالسلام والتعايش مع العدو ، وتطبيع العلاقات مع الصهاينة ، وما كان أحد يستطيع أو يجرؤ على الحديث عنها قبل ثلاثين سنة تقريباً ، ولو فعل لاتهم بالخيانة وبيع القضية .وبعد حرب رمضان بدأت مرحلة السلام "سلام الأقوياء" - زعموا - من أجل ترويض الشعوب وامتصاص غضبها ، ثم تهيئتها للمرحلة المقبلة ، وهكذا كان ، وأصبحت مصطلحات السلام ، والتطبيع ، والتعايش مع اليهود مصطلحات تتكرر على مسامعنا ، ويشدو بها الإعلام صباح مساء ، وتعقد لها المؤتمرات - ولا تزال - وكانت هناك أصوات أخرى تبين أن هذا ليس هو الطريق لتحرير فلسطين ، وإنهاء القضية ، ولم يسمع لتلك الأصوات في حينها ، وما هي إلا سنوات محدودة فإذا أركان السلام تتهاوى ، والعهود تنقض من قبل اليهود أنفسهم . والانتصار الذي بدأ يتحقق هو الفشل المبكر لتلك الاستراتيجيات ، حيث لم يعد لها تلك القوة والزخم الذي طرحت به وتراجع منظّروها إلى الخلف بعد أن أوقعتهم إسرائيل في حرج شديد أمام شعوبهم .
3- من الإنجازات المهمة التي تحققت في معركتنا الطويلة مع اليهود تهاوي دعوى "إسرائيل التي لا تقهر" على أيدي أطفال الحجارة ، وتحقيقهم لما عجز عنه الجنرالات وأصحاب الأوسمة والنياشين . وأعجب من ذلك وأقوى أثراً هذا الصمود العجيب من قبل أولئك الأطفال ، بالرغم من البطش والتنكيل والعذاب الذى يصبّه اليهود صباً على هؤلاء الفتية وأسرهم وبيوتهم ولم يكن الأقربون - فضلاً عن الأعداء- يتصورون استمرار تلك المواجهة أكثر من أيام أو بضعة أسابيع ، فإذا هو- وقد مرّ عليها بضعة أشهر- تزداد اشتعالاً وقوة ، علماً أن المواجهة الأولى لم يمض عليها إلا عدة سنوات ، مع ما حدث فيها من مآس وآلام وجراحات توقع المراقبون ألاّ تعود إلا بعد سنوات طويلة لقسوة بطش العدو وخذلان الصديق ، ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم .
4- وأهم تلك الانتصارات ، وأبعدها أثراً هو الوصول إلى أن الطريق الوحيد لتحرير بيت المقدس وتخليص فلسطين من اليهود هو الجهاد في سبيل الله ، وهذه القناعة لم تكن تحدث عند كثير من المسلمين إلا بعد فشل جميع النظريات والاستراتيجيات الأخرى.
* الجهاد هو الطريق :
الجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وتخليص بيت المقدس ، وهذه هي الحقيقة على مرّ التاريخ ، فما خرج الجبارون ودخل المؤمنون إلى الأرض المقدسة إلا بالجهاد ، وما فتح المسلمون بيت المقدس إلا بالجهاد ، وما أخرج الصليبيون من فلسطين إلا بالجهاد ، ولن يخلص بيت المقدس من اليهود إلا بالجهاد في سبيل الله .
و الجهاد يتحقق بطرق من أهمها :
1- الجهاد من الداخل ، وذلك بإعداد المجاهدين من أهل فلسطين وتربيتهم التربية الإسلامية الصافية ، ودعمهم بالمال والعدة والعتاد ، ونواة هذا الأمر موجودة الآن عبر ما يقوم به إخواننا المجاهدون من داخل فلسطين .
2- تربية الأمة على الجهاد الشامل للإعداد العلمي والتربوي والمادي ، وإبعاد شباب الأمة عن سفاسف الأمور ومهلكات الأمم ، وانتظار اللحظة الحاسمة ، واستثمار الفرص ، ومحاولة فتح جبهة مع العدو ، وما فعله الرافضة في جنوب لبنان يدل على أن الأمر ليس بمستحيل ، فإذا علم الله صدقنا وجهادنا فتح لنا من الأبواب مالا نحتسب .
* دعم المجاهدين في داخل فلسطين :
إنّ أهم بنود معاهدة السلام كما تسمى ضرب قواعد المجاهدين في الداخل ، وتعقبهم أينما كانوا ، وتقليم أظافرهم على يد أبناء جلدتهم عندما فشل اليهود في ذلك ، وهذا يؤكد لنا أهمية الجهاد من داخل أرض فلسطين ، وهي نظرية صحيحة نادى بها بعض السياسيين من قادة العرب قبل أكثر من خمسين عاماً .(28/200)
ولذلك فإنني أرى أن من أهم الخيارات الاستراتيجية المتاحة دعم المجاهدين في الداخل بكل وسيلة ممكنة ، ومن أهمها :
1- الدعم البشري إن أمكن وبخاصة من يستطيع من المسلمين دخول أرض فلسطين ، بعد تهيئة الأسباب لذلك ، وعلى إخواننا الفلسطينين الذين يقيمون خارج فلسطين مسؤولية عظمى ، أكبر من غيرهم تجاه هذه القضية.
2- الدعم المادي - وهو أهم الوسائل المتاحة - وذلك بدعم المجاهدين في أنفسهم وأسرهم ، وذلك أن سياسة التجويع وهدم المنازل وتفريق الأسر قد أوهنت من عزائمهم وهدت من قوتهم ، والدعم المادي له صوره التي لا تخفى.
3- الدعم الإعلامي ، ويكفي للدلالة على هذا الأمر ، أن نشير إلى قضيّة محمد الدرّة ، حيث هزت العالم أجمع ، وهي لقطة من مصور استثمرها أيما استثمار ، فكانت آثارها الباهرة التي شاهدناها ولا تزال إلى اليوم ، إن من الخطأ أن نتصور أن العالم كله مع اليهود ، وذلك أن البشرية فطرت على كره الظلم والوقوف مع المظلوم ، ولذلك برع اليهود في استثمار هذا الأمر في قصتهم مع هتلر ، فبالغوا في تصوير ما حدث لهم ؛ ليستجلبوا عطف العالم وتأييده وهكذا كان ، فلو استطعنا أن نستثمر الإعلام بوسائلة المتعددة ، ونقدم للعالم صورة عما يفعله اليهود في فلسطين لتغيرت المعادلة .
4- ترشيد الانتفاضة ، وتوجيهها إلى الطريق الصحيح ، ليكون قتالهم خالصاً لله ، لا من أجل عصبية أو حمية.
5- الدعاء ، وحسبك به سلاحاً وقوة ، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعنى بهذا الأمر قبل المعركة وأثناءها ، فقد ثبت عنه في الصحيح أنه كان يدعو قبل دخوله المعركة ، وكان من دعائه ( اللهم منزل الكتاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم ، وانصرنا عليهم ) .
إن الوقوف مع إخواننا في الداخل ودعمهم بوسائل الدعم المتعددة له ثمرات عظيمة ، من أهمها : -
1- القيام بالواجب الشرعي تجاه هؤلاء المجاهدين ، وبيان أننا أمة واحدة وجسد واحد .
2- إحياء فريضة الجهاد ، وحسبك بهذه الفريضة شرفاً وعزة ورفعة ومنعة .
3- إضعاف إسرائيل وتعميق مشكلاتها ، مما يوهن من عزيمتها ويسهل القضاء عليها ، ويوقف الهجرة إليها.
4- ترسيخ مفهوم أن القضية إسلامية ، ولن تحلّ بغير الإسلام ، والجهاد ذروة سنامة.
5- إيقاف المهرولين والمتنازلين عند حدهم، وليس كمثل الجهاد لهم ردعاً وسلاحاً .
6- استمرار جذوة القضية حيّة ، فخمودها مما تقرّ به أعين الظالمين والمنافقين ، فلا نامت أعين الجبناء .
7- بيان أن هذه الأمة أمة معطاء ، وأن الضربات المتلاحقة لا توهن من عزيمتها ، ولا تفتّ في عضدها ، وإن سكنت حيناً فما هي إلاّ استراحة المحارب ، سرعان ما ينفض الغبار عنها ، وتعيد الكرة تلو الأخرى .
وإنني أقترح لتحقيق هذا الدعم وإخراجه إلى حيز الواقع مفصَّلاً ، أن تتعاون الجهات ذات العلاقة في الأرض المحتلة وخارجها على وضع برامج تنفيذية تفصيلية يجري تعميمها ونشرها بين فئات المجتمع الإسلامي كله ، وتُهيأ لها الطاقات البشرية المتخصصة والمتفرغة قدر الإمكان ، يبيّن فيها واجب المجاهدين في الداخل ، وما يجب على إخوانهم في الخارج ، من الدعم المادي ، وكفالة المجاهدين ، وإعالة الأسر ، وإقامة المشاريع التي تضمن استمرار الجهاد وقوته بالإضافة إلى المشاريع الدعوية والتعليميّة ، مع العناية بإقامة المؤسسات الإعلامية المستقلة التي تعطي الصورة الحقيقية عما يجري في داخل أرض فلسطين وتربط المسلمين بقضيتهم الكبرى في مشارق الأرض ومغاربها ، وما يقدمه المسلمون لإخوانهم هنا ليس تبرعاً ولا صدقة ، بل هو جزء من الواجب .
وأشير هنا إلى أن هناك بعض السلبيات التي حدثت وتحدث من جراء استمرار الانتفاضة واشتعالها ، فلابد من دراستها وتلافيها ، واتخاذ الأسباب المانعة من تكرارها ، وليس الخلل في الانتفاضة ذاتها ، وإنما هي أمور قد تحفّ بها ، مما يتيح الفرصة للمتاجرين والمنافقين لاستثمارها ، وتشويه القضية من خلالها ، فلابد من الوعي والحذر ، "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
* معالم على الطريق :
1- لابد من العودة الصادقة إلى الله والرجوع إليه ، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة .
2- تربية الأمة على الإسلام ، وتنشئتها على المنهج الصحيح، وتخليصها من البدع والانحراف، وترسيخ المفاهيم الصحيحة في نفوسها .
3- الإيمان المطلق بأن الاسلام هو المنطلق الوحيد لتعاملنا مع قضية فلسطين ، ومنه تستمد جميع الأحكام المتعلقة بتلك القضية ، وفي ضوئه تعالج جميع المستجدات .
4- توعية الأمة بأن الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين .(28/201)
5- وحدة الكلمة واجتماع الصفوف على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " ونبذ التفرق والاختلاف والتنازع " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " فالخلاف شرّ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه مع سعة الأفق ، وعدم حصر المواجهة وتحمل أعباء المعركة بفئة من المسلمين دون غيرهم ، فكل مسلم له حق المساهمة والمدافعة عن حقوق المسلمين ، بعيداً عن أي تعصب أو حزبية ، والقاعدة هنا قول صلى الله عليه وسلم : ( ارجع فلن أستعين بمشرك ) فمن كان داخل دائرة الإسلام فله حق الولاء والنصرة ، ومن عداه فلا .
وهنا مسألة مهمة ولها ارتباط وثيق بموضوعنا ، وهي : هل القتال خاص بالصالحين والأخيار، ولا يجوز أن يشارك فيه العصاة والفساق من المسلمين ؟ وسبب هذا السؤال ما نسمعه بين فينة وأخرى من القدح في المجاهدين في كثير من بلاد المسلمين ، ووصمهم بالفسق والفجور ونحو ذلك، وتبرير عدم مساعدتهم بمثل هذه التهم، والجواب على ذلك من شقين،
الأول : خطورة تعميم الأحكام ، مع ما يترتب على ذلك من مفاسد لا تحصى ، والواجب على المسلم التزام العدل والقسط "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا" وعندما ذكر الله بني إسرائيل وما وقعوا فيه من انحراف قال : " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " فلم يعمم الحكم على الجميع فتعميم الحكم على شعب أو بلد بأنهم مبتدعة أو فساق من البغي والظلم الذي نهى الله عنه إلا إذا كانوا كلهم كذلك بعد التثبت والتحقق ، وهذا بعيد ، حيث لا يخلو بلد من الصالحين والأخيار .
الثاني : أن وجود الفسق والفجور ليس مبرراً لترك الجهاد ، حتى لو كان القائد فاسقاً أو فاجراً ، فضلاً عن أن يكون فرداً من أفراد المسلمين ، ولذلك بوّب العلماء في كتبهم لهذه المسألة [ ويغزى مع كل برّ وفاجر ] قال الإمام أحمد حينما سئل عن الغزو مع بعض الظلمة وأئمة الجور ، فقال عن هؤلاء الذين يعتذرون عن الجهاد بسبب ذلك : سبحان الله ، هؤلاء قوم سوء هؤلاء القعدة مثبطون جُهّال ، فيقال : أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم ، من كان يغزو ؟ أليس كان قد ذهب الإسلام ، ما كانت تصنع الروم ؟ . وقال ابن قدامة : ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطع الجهاد ، وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم ، وظهور كلمة الكفر ، وفيه فساد عظيم ، قال سبحانه: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".
وما زال المسلمون منذ عهد الصحابة يقاتل معهم البر والفاجر ، وقضية أبي محجن في القادسية مشهورة معروفة حتى قال ابن قدامة معقباً عليها : وهذا اتفاق لم يظهر خلافه، بل كانوا يقاتلون مع البر والفاجر ، قال علقمة : كنا في جيش في أرض الروم ، ومعنا حذيفة بن اليمان ، وعلينا الوليد بن عقبة ، فشرب الخمر ، فأردنا أن نحدّه فقال حذيفة : أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم ؟ (ولم ينقل عنهم أنهم عزلوه أو تركوا الجهاد معه) وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -أنه قال : (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) متفق عليه . أمّا صاحب البدعة ، فقد ذكر العلماء قاعدة جيدة في حكم القتال معه ملخصها :
____ أن من قاتل من أجل بدعته لنشرها أو الدفاع عنها فلا يجوز القتال معه .
____ أمّا من يقاتل الكفار لا من أجل بدعته ولكنه متلبس بالبدعة ، فيجوز القتال معه .
ومن الواجب أن نسعى لإصلاح إخواننا في كل مكان ، وألاّ نرضى بالواقع السَّيِّء ولا نقره ، فإن من الجهاد تربية الأمة على المنهج الصحيح ، وأن يتولّى عليها خيارها ، ولكن هذه مسألة وتلك مسألة أخرى ، فالسعي إلى الكمال مطلوب وهو من أعظم وسائل النصر ، ولكن الكمال عزيز ، ومراعاة قاعدة المصالح والمفاسد من أهم ما يجب أن نعنى به وبخاصة في هذا الباب ، فمن الحكمة أن نعرف خير الخيرين ، وشرّ الشرين .
ومن المسائل التي أكتفي بالإشارة إليها هنا هي أن العلماء وهم يتحدثون عن الجهاد وشروطه وآدابه ، يفرقون بين جهاد الطلب وجهاد الدفع ، فيتوسعون في الثاني ، ويسقطون كثيراً من الشروط التي يجب توافرها في جهاد الطلب ، فلابد من مراعاة ذلك في قتالنا مع اليهود لأنه من جهاد الدفع .
6- وجود خطة محكمة ، واستراتيجية واضحة ، تراعى فيها الظروف والإمكانات ، وتدرس فيها العوائق ، ويراعى فيها التدرج ، بحيث تكون خطة عملية واقعية ، بعيدة عن الفوضى والاستعجال ، مع تجنب الصدام والمعارك مع غير العدو الحقيقي وألاّ يُستدرج المجاهدون إلى معارك جانبية تخدم العدو وتؤخر النصر .(28/202)
7- هزيمة الأمة ليست في الميدان العسكري فقط وإنما هي هزيمة شاملة في أغلب الميادين الإعلامية والتقنية والإدارية والعلمية وغيرها ، وإسرائيل لديها من التفوق في هذه الميادين ما يفوق الخيال ، وهناك جامعات تقنيّة في إسرائيل تُعدّ من أرقى الجامعات في العالم كجامعة (وايزمان) وانطلاقاً من قوله تعالى : "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة" وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية لابد من الأخذ بأسباب القوة الحقيقية المتنوعة ، سواء أكانت بشرية أو اقتصادية ، أو تقنيّة أوإدارية أو إعلامية أو غيرها والقوة لا تتجزأ ، والأخذ بسبب منها دون الآخر خطأ فادح ، وهزيمة محققة، ومخالفة لأمر الله سبحانه.
8- إيجاد مدرسة لإعداد القادة ، وتربية الرواد الذين يقودون الأمة إلى سبيل النجاة ، فإن من أشد ما تحتاجه الأمة اليوم وجود القادة الصادقين ، والأئمة الربانيين .
9- نحن نؤمن بأن الانتصار على اليهود قضاء قدري كوني وشرعي ، ومقتضى الإيمان بهذا النصر أن نعمل بجد ويقين ، لا أن نتكل ونتخاذل ، فترك القتال والاستعداد له بحجة أن تلك المعركة الفاصلة لم يحن وقتها خطأ؛لأننا لا نعلم متى تقع المعركة الفاصلة،ولا ما مقدماتها،ولم نُتعبَّد بانتظارها،وإنما تعبدنا الله بالجهاد والإعداد لليهود وغيرهم .
10- من المهم أن نركز على ما ورد في القرآن حول اليهود ، فلن نجد مَنْ وَصَفَ اليهود ، وعَرّف بنفسياتهم ثم حكم عليهم بما هم أهل له مثل القرآن ، وحيث إن منطلقنا في التعامل معهم هو كتاب الله ، فلابد من دراسة القرآن ، وما ورد فيه من آيات عن بني إسرائيل دراسة معمّقة ، حيث نبني على ذلك رسم خطط المستقبل وقواعد التعامل في الحرب والهدنة.
ولنأخذ لذلك مثلاً يبين هذا البرهان ، فمنذ بدأ العرب في عقد معاهداتهم مع اليهود ، كلما عقدوا عقداً مع حكومة سقطت تلك الحكومة ، وجاءت أخرى فنقضت العهد ، وعقدت معاهدة أخرى ، فما تعقده حكومة الليكود تنقضه حكومة العمال وما تعقده حكومة العمال تنقضه حكومة الليكود ، وهكذا دواليك ، وهذا مصداق قوله تعالى : " أوَ كلما عاهدوا عهداً نبذه فريقٌ منهم". ولكن العرب لا يتعظون ولا يتعلمون ولا يعقلون.
لابد من التفاؤل والبعد عن اليأس والتشاؤم ، حيث لا مكان لذلك في حياة المسلم ، ولا ينبغي أن تكون الظروف المحيطة ومرارة الواقع وبطش الأعداء وخذلان الأصدقاء مبرراً لليأس والقنوط .
إن الصبر والمصابرة وعدم الاستعجال هو منهج الأنبياء والرسل والمصلحين على مدار التاريخ، وقضية فلسطين من أصعب القضايا التي واجهتها الأمة منذ قرون طويلة "فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم". ولقد ورد الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً ، مما يدل على أهميته وأثره في تحقيق المراد ، وما يجري في فلسطين ابتلاء وامتحان للأمة ليعلم الله صدقها وصبرها ، وتميزها .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين ، ودمّر أعداءك أعداء الدين ، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، وطهر بيت المقدس وجميع بلاد المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين .
والحمد لله رب العالمين
============(28/203)
(28/204)
دمشق..الانحناء أمام العاصفة
ياسر الزعاترة 22/10/1425
05/12/2004
من المؤكد أن الخناق قد ضاق على سوريا على نحو لم يسبق له مثيل منذ مدريد ولغاية الآن، إذ إن عودة المحافظين الجدد إلى السلطة بولاية ثانية أكثر قوة وشرعية قد دفعت الجميع إلى التراجع أمام سطوتهم. وحين يحدث ذلك مع الدول الكبرى؛ فإن مأزق الدول الصغيرة يكون أكبر، خاصة بعد تحالف المصالح الامريكية الفرنسية؟!
حدث ذلك في قصة مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي يمكن القول إن فرنسا هي صانعه بامتياز، تبعاً لحسابات لبنانية، حيث ترى باريس أن دمشق قد تجاهلتها تماماً في سياق ترتيب الأوراق اللبنانية، سيما حين بادرت إلى التمديد للرئيس لحود.
منذ ذلك الحين وسيف القرار الدولي يلاحق دمشق ويضطرها إلى إعادة النظر في طبيعة وجودها السياسي والعسكري على الأرض اللبنانية، من دون أن يبدو أن هناك توجه نحو الخروج الحقيقي من لبنان، وهو ما أكدته مسيرة التنديد بالقرار الدولي التي قيل إنها مليونية، لكنها لم تكن كذلك، وإن بقيت مسيرة ضخمة بكل المقاييس.
على أن ذلك لم يكن كل شيء في سياق الضغوط الأمريكية على سوريا، فالتلويح بإجراءات سياسية واقتصادية أخرى، بل وحتى عسكرية أيضاً لا يزال واضحاً في النبرة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى دفع دمشق نحو برمجة عملية تراجع منظم، على أمل أن يفضي ذلك إلى تجاوز المرحلة بأقل الأضرار الممكنة.
في قمة شرم الشيخ المخصصة للعراق، تراجع الجميع كباراً وصغاراً، وعلى رأسهم الدول العربية، وذلك كعنوان مهم للمرحلة الجديدة، مع أن ما جرى لا يعني أن اللعبة الأمريكية في العراق قد دخلت طور النجاح؛ لأن المواقف في القمم وبياناتها الختامية شيء، والمواقف التالية شيء آخر.
لا ينفي ذلك بالطبع دلالة الموقف، وحيث يتجنب الجميع استفزاز ثور هائج لا يحتمل الكثير من الإثارة، الأمر الذي تبدى تالياً في التراجع الإيراني في الملف النووي، ويتبدى الآن في الموقف السوري الجديد من المفاوضات مع الدولة العبرية، وحيث تتقدم دمشق خطوة مهمة وتعرض الدخول في مفاوضات جديدة من دون شروط.
لا حاجة هنا للإكثار من الجدل حول ماهية العرض السوري، وما إذا كان مشروطاً أو من دون شروط، وما إذا كانت المفاوضات ستأخذ في الاعتبار "وديعة رابين" أم ستتجاهلها، فالمسألة هنا رمزية ليس إلا، والإسرائيليون، وكما حلفاؤهم الأمريكان، يدركون تماماً جوهر الخطوة السورية، وقد ردوا عليها بما يليق بها من زاوية نظرهم، أي المطالبة بوقف المساعدة السورية للإرهاب قبل الدخول في أية مفاوضات جديدة.
لم تكن الخطوة السورية الجديدة هي الأولى على صعيد محاولة امتصاص الهجوم الأمريكي عليها، فقد سبقتها خطوات أخرى، من بينها تلك الخاصة بالوجود العسكري في لبنان، ومن بينها أيضاً حل الإشكال الحدودي مع الأردن، لكن أهمها حتى الآن ربما جاء في سياق تطبيع العلاقة مع حكومة إياد علاوي، وهو الفتى المدلل الثاني لواشنطن في المنطقة؛ بل لعله الأول هذه الأيام، إلى جانب "رجل السلام" شارون، الأمر الذي انسحب على تلبية مطالب الحكومة العراقية المؤقتة بشأن الحدود والدعم السياسي، إلى غير ذلك من الخطوات المشابهة.
لكن ذلك لا يشكل الكثير بالنسبة لواشنطن، فقائمة مطالبها قد تكون بلا نهاية، فما قدمه السوريون حتى الآن للقضية الأمريكية في العراق لا يعدو كف الأذى مع قليل من الدعم السياسي الظاهري، أما المطلوب فهو دعم الجهد الأمريكي لإنجاح مشروع الاحتلال، الأمر الذي تدرك دمشق أنه المشروع الأخطر عليها، حتى من الاحتلال الإسرائيلي الذي تعايشت معه لعقود طويلة.
هنا تنهض المطالب الإسرائيلية من لعبة القط والفأر مع سوريا، وهي التي تتلخص في ضرب حزب الله والتوقف عن دعم منظمات المقاومة الفلسطينية، إلى جانب توفير مختلف أشكال الدعم للفتى المدلل الجديد (محمود عباس)، ومعها عودة المفاوضات السورية الإسرائيلية بنبرة مختلفة عن السابق، وذلك بهدف إفساح المجال لموجة تطبيع عربية إسرائيلية مميزة كتلك التي شهدتها السنوات الأولى بعد أوسلو؛ بل إن المطلوب سيكون تطبيعاً أكثر دفئاً مما مضى.
والحال أن دمشق لن تقول (لا) لأي من هذه المطالب، وإنما ستتعامل معها جميعاً بأساليب مختلفة، فمحمود عباس سيحظى بمعاملة خاصة في سوريا، وقوى المقاومة الفلسطينية الموجودة في دمشق ستمارس بعض التهدئة في خطابها السياسي وفعلها الميداني لتجاوز المرحلة الصعبة، فيما سينسحب ذلك على حزب الله أيضاً. أما المفاوضات فلن تمانع دمشق في استئنافها إذا لم يضع الإسرائيليون المزيد من الشروط المذلة لذلك، فيما يبدو مهماً بالنسبة لدمشق أن تظهر تل أبيب في صورة المتشدد أمام الوضع الدولي.(28/205)
من المؤكد أن هذه المطالب جميعاً ستتحرك مع مطلب مهم آخر يستخدم لأغراض الضغوط وتسريع المطالب الأخرى، وليس من أجل تطبيقه بالفعل، أعني ملف الإصلاح الداخلي الذي بات العصا الأمريكية السحرية التي تدفع الدول العربية إلى تقديم التنازلات الأغلى. وهنا بالضبط يمكن للقيادة السورية أن تغرد خارج السرب العربي فتبادر إلى تصليب موقفها مع الأمريكان والإسرائيليين من خلال تمتين الجبهة الداخلية بتنازلات معقولة للشارع الشعبي الذي يبدو متفهماً لصراعها مع الخارج ومستعداً لمواجهته إذا ما تقدمت خطوات ملموسة باتجاهه.
خلاصة القول هي إنه إلى جانب التماسك السياسي واستمرار المناورة التي يجيدها السوريون، ليس أمام دمشق كي تتخلص من المأزق الراهن سوى التنازل للداخل كي تكون قادرة على مواجهة غطرسة الخارج، سيما وأن المؤشرات المتوفرة لا تزال تؤكد أننا إزاء لحظة اختلال في ميزان القوى الدولي من المرجح ألا تطول في ظل تعمق المأزق الأمريكي في العراق
=============(28/206)
(28/207)
المغاربيون والتطبيع العسكري في الناتو!
الرباط/ إدريس الكنبوري 25/10/1425
08/12/2004
العلاقات بين دول المغرب العربي الخمس والدولة العبرية ليست بنت الساعة، بل تمتد تاريخياً إلى فترات متقدمة من القرن الماضي، حتى إن المراقب قد يتساءل عن المفارقة الموجودة بين بعد المنطقة عن مسرح الشرق الأوسط جغرافياً، وبين تسارع وتيرة التطبيع بين دولها الخمس، وبين الدولة العبرية.
فقد قطعت كل من المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس خلال العقدين الماضيين أشواطاً كبيرة في التطبيع مع إسرائيل، وكان توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بمثابة آلة الضخ في وتيرة التطبيع تلك، إذ سارعت بعض تلك الدول إلى إقامة علاقات ديبلوماسية مكشوفة مع الدولة العبرية مثلما فعلت كل من المغرب وموريتانيا، ولم تتوقف تلك العلاقات على المستوى الديبلوماسي بل طالت المستويات الاقتصادية والتجارية، وأخيراً وصلت إلى مستوى التعاون العسكري داخل نادي حلف شمال الأطلسي.
واللافت في هذه المعادلة أن الاختراق الإسرائيلي للمنطقة ظل يتصاعد بالتوازي مع الاختراق الأمريكي ورغبة واشنطن في التمدّد في المنطقة وإقامة شبكة من المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية، وجعل المنطقة بوابة استراتيجية للتمدّد في العالم العربي.
إسرائيل والنادي المتوسطي
في 17 نوفمبر الجاري شاركت أربع دول مغاربية هي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، إلى جانب بلدين عربيين مشرقيين هما مصر والأردن ـ المرتبطين باتفاقيتي سلام مع الدولة العبرية عامي 1978م و1994م، هما اتفاقيتا"كامب دفيد" و"وادي عربة"ـ في أول قمة لرؤساء أركان ووزراء دفاع بلدان حلف الأطلسي في بروكسل ببلجيكا، ضمن ما يسمى بـ"مجموعة الحوار المتوسطي" التي تتشكل من البلدان العربية المذكورة إلى جانب الدولة العبرية. وتُعتبر تلك القمة الأولى من نوعها التي تجمع أعضاء الحلف مع بلدان الحوض المتوسطي، وتأتي تمهيداً للقمة التي ستنعقد في 8 ديسمبر القادم في العاصمة البلجيكية تحت عنوان"مستقبل علاقة الحوض المتوسطي مع حلف الناتو"، لكنها تعتبر الأولى التي يتم فيها إشراك الكيان الصهيوني منذ الإعلان عن انطلاق مشروع"الحوار المتوسطي" الذي دعا إليه الحلف عام 1994م.
المفاجأة أن هذا اللقاء جرى بعيداً عن الاهتمام الإعلامي الذي كان يتوجب أن يلقاه لدينا نحن في العالم العربي، وبالأخص في منطقة المغرب العربي التي أصبحت في الآونة الأخيرة مسرحاً لعديد من المناورات الأمريكية والصهيونية، الرامية إلى تطويعها والتأسيس لمشروعها الاستراتيجي الجديد لما بعد احتلال العراق في المنطقة العربية والعالم الإسلامي. فقد تزامنت تلك القمة مع التحضير لعقد"منتدى المستقبل" في الرباط في منتصف الشهر القادم، وهو المنتدى الذي يُعد الخطوة الأولى في إطلاق مسلسل الإصلاحات التي دعا إليها مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا في العالم العربي والإسلامي قبل عام، بما يشير إلى أن هناك مرحلة جديدة وفاصلة تبدأ في المنطقة عنوانها الأبرز اختراق أمريكي ـ إسرائيلي أكبر.
حماية عربية لإسرائيل؟
منذ الإعلان عن مشروع الحوار المتوسطي عام 1994م، وانطلاق المفاوضات لإقناع الدول العربية والمغاربية للانضمام إليه، كان الهدف المرسوم لحلف شمال الأطلسي هو التركيز على الضفة الجنوبية للمتوسط وقضايا الإرهاب الدولي والسلام والتعايش. وقد أصبح ذلك المشروع يكتسي أهمية أكبر لدول الحلف والولايات المتحدة الأمريكية بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ورفع واشنطن لافتة "محاربة الإرهاب الدولي"، منذ ذلك الوقت برز الحوض المتوسطي كواجهة أمامية لتطبيق الاستراتيجية الأمنية الجديدة للحلف، والتي جرى تسطيرها في قمة روما بإيطاليا قبل عامين.
الدول العربية المشاركة في الحوار المتوسطي ليس أمامها سوى التصديق على الاستراتيجية الأمنية الجديدة لحلف الناتو والسير على خطوطها، في ضوء المفهوم الجديد للتحديات الأمنية بالنسبة لبلدان الحلف ما بعد مرحلتي نهاية الحرب الباردة وتفجيرات 11 سبتمبر، الأمر الذي يُلقي عليها أعباء أمنية، على رأسها ضمان الحماية لأعضاء الحلف كلما كانت هناك تهديدات تواجهها، باعتبار أن ذلك هو أحد المبادئ الكبرى التي حددتها قمة روما.
وقد جرى الحديث في اللقاء الأخير بين أعضاء الحلف وبلدان الحوار المتوسطي ـ ومن ضمنها إسرائيل ـ عن إمكانية مشاركة هذه الدول في أي قوات عسكرية يرسلها الحلف إلى العراق وفلسطين، لاستتباب الأمن في الأولى وضمان انسحاب إسرائيلي هادئ في الثانية، في حال ما إذا نفّذ شارون خطته الانسحاب من غزة.
ويبدو أن القضية لا تقتصر على التعاون العسكري والأمني بين البلدان العربية المشاركة في الحوار المتوسطي وبين بلدان حلف الناتو، وإنما تتعداه إلى التوافق حول مبدأ ضمان أمن إسرائيل والتوقيع بالمصادقة على واقع الاحتلال الأمريكي والبريطاني في العراق، وذلك هو النفق الذي يتم جر الدول العربية الست إليه.
==============(28/208)
(28/209)
التّنين الصيني يتغلغل في القارّة السمراء
الرباط / إدريس الكنبوري 22/4/1427
20/05/2006
في نهاية شهر أبريل الماضي قام الرئيس الصيني (هو جينتاو) بجولة لعدد من البلدان الإفريقية، سبقها بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، ثم زار المغرب العربي حيث حط بالرباط، قبل أن يزور نيجيريا وكينيا محطته الإفريقية الأخيرة، وتُوّجت هذه الجولة بتوقيع اتفاقيات تجارية عدة، خاصة مع نيجيريا؛ إذ وُصفت الاتفاقيات التي وقّعها الجانبان بكونها استثنائية بالنسبة لبكين في إطار سعيها المتنامي لتأكيد نفوذها في القارة السمراء.
الجولة الأخيرة يمكن أن تُعدّ حلقة في مسلسل متطور تشتغل عليه الديبلوماسية الصينية بهدوء، وهي تأتي بعد أقل من عامين على الجولة التي قام بها نفس المسؤول الصيني ووفد تجاري واقتصادي هام في القارة قادته إلى كل من الغابون والجزائر، وتُوّجت بتوقيع عدد من الاتفاقيات للتعاون والاستثمار والتنقيب عن النفط. كما أنها تأتي أيضاً بعد أقل من أربعة أشهر على إصدار بكين لأول وثيقة رسمية تتضمن رؤيتها الإستراتيجية للعلاقة مع بلدان القارة الإفريقية يوم 12 يناير الماضي، وتُعدّ الأولى من نوعها منذ إنشاء جمهورية الصين الشعبية، والثانية في تاريخ الديبلوماسية الصينية بخصوص علاقاتها الخارجية، بعد الوثيقة التي أصدرتها بكين عام 2003 حول سياستها اتجاه الاتحاد الأوروبي.
وقد حقق التغلغل الصيني في القارة السمراء خطوات كبرى في إطار سياسة التقارب والتعاون مع بلدان القارة خلال السنوات القليلة الماضية، مما بات يشكل تهديداً واضحاً للنفوذ الأوروبي والأمريكي، بخاصة وأن الصين تقدم نفسها على أنها صاحبة نهج مختلف في الديبلوماسية الاقتصادية عن الغرب الذي باتت جميع شعوب القارة ترى فيه عنواناً للنهب والاستغلال، مضافاً إلى ذلك الماضي الاستعماري القديم بالنسبة لأوروبا، والذي لا يزال يلقي بثقله على بلدان القارة.
ويرى معلقون غربيون أن النفوذ الصيني المتزايد في القارة الإفريقية يشير إلى أن"العلاقات التجارية الإفريقية أصبحت تتحول بالتدريج من الشمال ناحية الشرق"، ذلك أن الشركات الصينية للتنقيب عن النفط أصبحت حاضرة في عدد كبير من البلدان الإفريقية، كالسودان وأنغولا والكونغو الديموقراطي والبرازافيل ونيجيريا والنيجر ومالي وموريتانيا والجزائر، وأخيراً المغرب حيث وقّع الجانبان عقوداً للتنقيب عن النفط، كما أن شركات النسيج الصينية حقّقت حضوراً قوياً وملحوظاً في مختلف المدن المغربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وقد بنت الصين إستراتيجيتها في القارة على تأكيد حضورها في المناطق التي لا توجد بها الشركات الغربية إما بسبب خطورة الأوضاع الأمنية أو بسبب خضوع تلك البلدان لعقوبات اقتصادية دولية، وهذا ما جعلها تحضر في السودان الذي هو على علاقات غير جيدة مع واشنطن، وتغيب في خليج غينيا حيث الحضور القوي للشركات الأمريكية. كما أنها استغلت غياب الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي لتحتل مواقعه السابقة في بعض البلدان الإفريقية التي كانت في الماضي ذات توجه اشتراكي وتدور في الفلك السوفييتي.
ثلاث مراحل
وقد مرت العلاقات الصينية ـ الإفريقية بثلاث محطات رئيسة منذ العام 1949، تاريخ الثورة الاشتراكية، حين كانت بكين تدعم حركات التحرر في القارة خصوصاً ذات التوجه اليساري والاشتراكي. لكن هذه المرحلة الأولى شهدت تطوراً بعد انعقاد المؤتمر الأفرو ـ آسيوي المنبثق عن مؤتمر باندونغ عام 1955، فشهدت الفترة ما بين 1960 و 1970 تحوّلاً في الديبلوماسية الصينية نحو القارة؛ إذ بدأت تدعم بعض حركات التحرير الإفريقية مثل الجبهة الوطنية الإفريقية في زمبابوي، ووفرت الدعم للأنظمة السياسية الجديدة لما بعد مرحلة الاستعمار في القارة، من خلال المساعدة في إقامة البنيات التحتية وبناء المدارس والمستشفيات، كما كانت تمد الحكومات الإفريقية بالأسلحة.
وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي بدأت المرحلة الثانية، بعد موت الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ) ودخول الصين إلى صندوق النقد الدولي محتلة مقعد تايوان، ثم في البنك العالمي، وتميزت هذه المرحلة بالانتقال من الخطاب الأيديولوجي الاشتراكي إلى التغلغل التجاري وإقامة علاقات تجارية واقتصادية مع البلدان الإفريقية. أما المرحلة الثالثة فبدأت في التسعينيات من القرن الماضي؛ إذ بدأت الصين في هذه المرحلة تقدم القروض للحكومات الإفريقية لإقامة البنيات التحتية وبناء سكك الحديد، و أخذت تستثمر في القطاعات التجارية والاقتصادية المختلفة، وتميزت هذه المرحلة بالجولة التي قام بها عام 1996 رئيس الوزراء (زيانغ زيمين)، وقد أعلنت بيكين خلال ذلك معارضتها للسياسة الأمريكية في القارة، ورفعت خمسة مبادئ في علاقاتها مع بلدان القارة، كشكل من أشكال الرد على الديبلوماسية الأمريكية، وهي: الثقة، واحترام سيادة بلدان القارة، وعدم التدخل، التنمية والمصالح المتبادلة ثم التعاون الدولي.(28/210)
غير أن الطفرة النوعية في العلاقات الصينية ـ الإفريقية حدثت عام 2000 لدى تأسيس "المنتدى الصيني الإفريقي" للحوار والتعاون الذي شهد انضمام (45) دولة إفريقية و(17) منظمة دولية وإقليمية كملاحظين، بينها الاتحاد الإفريقي، بهدف"محاربة الهيمنة الغربية"، والسعي إلى"إنشاء نظام عالمي جديد"، وفي الدورة الثانية للملتقى التي عقدت بأديس أبابا عام 2003 تم توقيع أزيد من (250) اتفاقاً بين الصين ومختلف الدول والمنظمات الإقليمية في القارة لتشجيع التبادل التجاري والتعاون العلمي والتقني.
البحث عن النفط
أدركت الصين خلال العشرين سنة الماضية أن حاجياتها من النفط سوف تتزايد بشكل كبير مع الوقت، وأن المطلوب منها البحث عن مصادر بديلة لنفط الشرق الأوسط مستقبلاً، بخاصة وأن المنطقة العربية فيها من القلاقل السياسية ما يستبعد معه أن يكون هناك حضور اقتصادي وازن من غير حضور سياسي بمستواه، وهو ما ليس حاصلاً في الحالة الصينية حتى الآن، والتي تسعى لجلب المنافع الاقتصادية ودفع المضار السياسية. فعقدان من النمو المطرد للصين جعلاها تبحث عن مصادر متنوعة للتزود من الطاقة؛ إذ تضاعفت حاجتها من النفط والغاز الطبيعي خلال العشرين عاماً الماضية ثلاث مرات، وارتفعت وتيرة استهلاك النفط داخل الصين ما بين 1990 و 2001 بنسبة 100%، بينما ارتفع استهلاك الغاز الطبيعي لنفس الفترة بنسبة 140%، مما جعل الصين المستورد الثالث عالمياً من الطاقة بعد الولايات المتحدة واليابان، وعلى الرغم من أن الصين تنتج (3.4) مليون برميل من النفط يومياً، فإن ذلك لا يلبي حاجتها من الاستهلاك، لذا فهي تضطر إلى شراء خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، أي ما يعادل 6% من حجم الاستهلاك العالمي، وربع الاستهلاك الأمريكي، وتستورد الصين 20% من احتياجاتها النفطية من القارة الإفريقية التي تنتج نسبة 11.4% من الثروة النفطية في العالم، 70% منها تتواجد في خليج غينيا الذي يُعدّ النفط الموجود فيه من النوع الجيد نظراً لعدم احتوائه على مادة الكبريت، وهي المنطقة التي تتواجد بها الاستثمارات النفطية الصينية. لكن السودان يبقى البلد الذي يشهد أكثر الشركات النفطية الصينية منذ عشرة أعوام؛ إذ إنه من أصل (15) شركة أجنبية للتنقيب عن النفط في السودان هناك (13) شركة صينية، وهي تستورد من السودان 50% من حاجاتها النفطية، ما يعادل 7% من إجمالي إيراداتها. تلي السودان أنغولا؛ إذ استوردت الصين في العام الماضي ما يعادل 25% من حاجاتها النفطية، كما حققت الصين حضوراً ملحوظاً في مجال التنقيب عن النفط في كل من موريتانيا والغابون وغينيا الاستوائية ومالي والنيجر ونيجيريا وإثيوبيا والتشاد.
وقد شهد العام 2004 قفزة نوعية في المبادلات التجارية ما بين الصين والبلدان الإفريقية، حيث ارتفعت الصادرات الصينية نحو القارة بنسبة 36%، بينما قفزت وارداتها من القارة بنسبة 81% في تطور غير مسبوق، ووصل حجم المبادلات في العام 2005 إلى (37) مليار دولار، كما ارتفع عدد الشركات الصينية العاملة في القارة إلى (600) شركة تشغل أزيد من (78) ألف عامل صيني علاوة على العمال الأفارقة.
الديبلوماسية الناعمة
وبخلاف السياسة الأمريكية في القارة، لم تعمل الصين على رهن علاقاتها بالبلدان الإفريقية بأي شروط سياسية معينة، مثلما تصنع واشنطن عندما تركز على قضايا حقوق الإنسان والديموقراطية مثلاً، الأمر الذي جعل الحكومات الإفريقية تميل إلى الترحيب بالوجود الصيني"غير المزعج"، والذي يقتصر على المجال التجاري والاقتصادي. بيد أن الصين سعت أيضاً إلى انتهاج سياسة مغايرة لواشنطن من خلال تأكيدها المستمر على احترام خصوصيات كل بلد، ورفع شعار"الربح المشترك" أو"الربح للجميع" في علاقاتها التجارية مع الأفارقة. ولأجل محاربة النفوذ الصيني المتزايد في القارة تلجأ الولايات المتحدة إلى الضغط السياسي عبر التلويح بأن تطبيع العلاقات التجارية يجب ألاّ يكون على حساب حقوق الإنسان والديموقراطية، الأمر الذي ترفضه بكين.(28/211)
لكن النفوذ الصيني في القارة الإفريقية بدوره لا ينجو من التشكيك في نواياه، فخلف هذا الاندفاع التجاري القويّ يرى البعض رغبة مبطنة لدى التنين الصيني في مصارعة الثور الأمريكي على حساب الشعوب الإفريقية نفسها، والتي لا يزال ينظر إليها من لدن الجميع حتى اليوم على أنها المجال الحيوي للقوى الدولية النافذة من دون أن يكون لها مكان تحت الشمس، أي أداة لتصفية الحسابات الإستراتيجية والسياسية بين القوى العظمى في الرقعة الدولية، دون أن يكون لها حساباتها هي. تدرك الصين بسياستها المتحولة ناحية إفريقية أن هذه الأخيرة مرشحة لأن تكون مسرحاً للصراعات الدولية بين القوى العظمى مستقبلاً بسبب ما تعد به من ثروات مخزونة في باطن أراضيها كقارة واعدة، كما تلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تتحرك باستمرار لإيجاد مواطئ قدم لها وبناء شراكات أمنية واستراتيجية انطلاقا من رؤية استراتيجية بعيدة، الأمر الذي لا تريد بكين التخلف عنه، خصوصاً وأنها تُعِدّ نفسها لكي تكون قطباً قوياً في المنطقة الآسيوية، ولاعباً يُحسب له حسابه في السنوات القادمة في الساحة الدولية.
==========(28/212)
(28/213)
حم لا ينصرون
سلمان بن فهد العودة 22/4/1424
22/06/2003
مواجهة اليهود مع الإسلام قديمة قدم هذا الدين ، فقد أجلبوا في وجه الرسالة وروجوا التهم وصنعوا النفاق وحزبوا الأحزاب وتحالفوا حتى مع الوثنية الجهلاء وهم أهل الكتاب ، ونكثوا العهود والمواثيق التي أبرموها والتزموها ، وليس أشد صلفاً ولا أعظم جرماً من السعي لقتل رسول ا صلى الله عليه وسلم أو تعويق دعوته بالتأثيرات السحرية وغيرها .
وبهذا حق عليهم وعد الله بالإخراج والتشريد في أصقاع الأرض " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم " حتى صاروا يعرفون بشذاذ الآفاق ، فهم أقليات مشتتة تحت كل نجم منهم شريد أوطريد ، وشرهم مع هذا باق بالمكر والحيلة والاستحواذ ، ولهذا حقت عليهم اللعنة ، وختم عليهم بالبوار .
" وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب " .
حينما أعلن اليهود عن قيام ما يسمى بـ [ إسرائيل ] كسبوا تعاطف العالم من خلال الخدعة القائلة بأن العرب يريدون أن يلقوا بهم في البحر ، وربطوا بذكاء بين ما يمكن أن يصنعه لهم العرب وبين ما صنعه لهم النازيون فيما يعرف بـ [الهولوكست] .
وانتقلوا بعدها إلى دعوى جديدة مفادها أنهم شعب ديمقراطي متحضر يريد السلام والأمن في جزيرة متوحشة من العرب المتبربرين العطاش إلى الدم .
ومع فاعلية هذه الدعاوى إلا أنهم ـ يبدو ـ لم يعودوا يشعرون بكبير أهمية لها ، ولذا انتخبوا حكومة الحرب وقالوا بلسان عبري ألكن " لا " للسلام " لا " للتعايش مع العرب أو الفلسطينيين .
ويكفي أن تظل أمريكا حليفةً أبديةً لهم تحتويهم تارة ويحتوونها تارات .
إن الحرب ذات أهمية للمجتمع الإسرائيلي ذي النسيج المفكك غير المتلاحم ، وقد كان واضحاً أن لا نجاة لهم مع وجود سلام حقيقي ، وهذا ينسجم مع الخبر القرآني الصادق عنهم " كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين " .
ولذا فالحرب أو التهديد بالحرب هو الشيء الوحيد الذي يبقي على المجتمع الإسرائيلي متلاحماً في مواجهة العدو المشترك .
وفي أيام الشيوعية كانت إسرائيل تتطلع إلى دور مقاومة الزحف الشيوعي على الشرق الأوسط ، نيابةً عن الأمريكان ، وبتعبير أعم : إلى دور المدافع عن المصالح الغربية .
ولهذا ظن البعض ( د . عبد الوهاب المسيري مثلاً ) أنه مع سقوط الشيوعية وظهور تيار العولمة ربما تتقلص أهمية إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة للغرب .
لكن يبدو أن الأمر لن يكون بالضرورة كذلك خصوصاً بعدما تعاظم الشعور الأمريكي بالخطر الإسلامي ، فقد استطاعت إسرائيل أن تجعل من نفسها أداةً رئيسةً لمواجهة التهديدات الجديدة ، وأهمها هذا الخطر الإسلامي والتيارات الأصولية ، وما يسمى بالتطرف والإرهاب ، فحجزت لنفسها مقعداً جديداً في غاية الأهمية .
وبهذا تبدو الحرب الإسرائيلية على مناطق السلطة الفلسطينية جزءاً من الحرب الأمريكية على الإرهاب وتصفية لقواعد المقاومة الإسلامية والوطنية في فلسطين ، وربما لبنان مستقبلاً .
هذا الدور الذي لم تقم به السلطة كما يريدون ، هم يريدون شرطياً يلاحق عناصر المقاومة ويقتل أو يأسر لا ليسجن أو يحاكم بل ليسلم المعتقلين إليهم .
إنهم لن يقبلوا بأقل من دور [ العملاء ] ، أما التنازلات مهما كبرت فهي لا تكفي ، لقد سقطت جنين ومخيماتها ، ودفنت إسرائيل الشهداء في مقابر جماعية ؛ لإخفاء جريمتها البشعة وقامت الدبابات والطيارات والجرافات بهدم منازل المخيم بيتاً بيتاً على رؤوس من تبقى من الأهالي ، ونسفت الجوامع والمساجد والمستوصفات وكل المؤسسات المدنية ، وقامت قوات الاحتلال بحملة إعدامات وحشية بعدما نفدت ذخيرة المقاتلين ، وظلت مئات الجثث المتفرقة في الشوارع لا يسمح بنقلها ، وتشتت شمل الأسر بسبب النزوح الكامل ، فالآباء يبحثون عن أبنائهم والأبناء يبحثون عن آبائهم ...
يا أيها اليهودْ
لا تسكروا بالنصرْ
إذا قتلتم خالداً
فسوف يأتي عمرو
وإن سحقتم وردة
فسوف يبقى العطرْ ..
× ×
يا أيها اليهود
لن تفلتوا من يدنا
فنحن مبثوثون في الريح .. وفي الماء .. وفي النبات
ونحن معجونون بالألوان والأصوات
لن تفلتوا .. لن تفلتوا ..
فكل بيت فيه بندقية .. من ضفة النيل إلى الفراتْ
لن تستريحوا معنا ..
كل قتيل عندنا
يموت آلافاً من المراتْ
× ×
يا آل إسرائيل لا يأخذكم الغرورْ
عقارب الساعة إن توقفت .. لابد أن تدورْ
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط من أجنحة النسورْ
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقى دائماً في باطن الصخورْ
من كل باب جامع .. من خلف كل منبر مكسورْ
سينهض القتلى إليكم .. حاملي أكفانهم
قد أيقظتهم نفخة في الصورْ
وثم عبرتان بالغتا الأهمية من عبر الحرب الضارية والمقاومة الباسلة :
(الأولى ) : إن هذه الحرب على ضراوتها لتؤكد أن إسرائيل مشروع قلق قابل للهزيمة ، وأن الهالة الإعلامية التي تحاط بها أكذوبة غير بريئة ، إن انتصارات إسرائيل السابقة لا تعكس قوتها بقدر ما تعكس ضعف العرب والمسلمين .(28/214)
والشبان الذين تصدوا لإسرائيل هم الجيل الذي تعرض للترويض والتهجين ، وتربى على [ثقافة السلام ] وظن أن أدمغتهم غسلت من مفردات الجهاد والمقاومة والتضحية والاستشهاد .
والجماهير التي خرجت في كل بلاد الإسلام متضامنة مع هذا الشعب الباسل هي التي تخرجت من مدارس صيغت مناهجها على وفق أوهام التطبيع والسلام .
لقد هزم الجزائريون فرنسا ، وهزم الأفغان السوفييت ، وهزم الفيتناميون أمريكا ومن الضرورة أن نضع في الاعتبار الخلل في توازن القوى ، إلا أنه لكي تكتمل الصورة علينا أن نتذكر أننا نملك الكثير :
1ـ نملك الاستعداد للتضحية والموت في سبيل الله ، وشهادة القرآن عن عدونا " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة " .
إن بطولات الاستشهاديين شيء لم يكن للناس به عهد إلا في دنيا الأساطير .
فكل الذي شاد الطواغيت باطل ومادام عشاق الشهادة في الحمى
يريدون عمراً ثانياً كي يقاتلوا ويرحل قتلانا وفي الحلق غصة
فمخزوننا من هذه النار هائل سنُهدي كما أهدوا ونشوي كما شووا
إن شهداء الانتفاضة الثانية حتى الآن يزيدون على (1500) بينما الجرحى يزيدون على (36000 ) غالبهم دون سن العشرين .
2ـ ونملك الإيمان بعدالة قضيتنا ، فقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا بغير حق ، وحوربنا في رزقنا وأهلنا وولدنا .
3ـ ونملك سحب اليد من أي علاقة مع إسرائيل ، وهاهي وزيرة خارجية السويد تطالب بإصرار بقطع علاقات بلادها مع إسرائيل ... بينما دول عربية لا زالت تحتفظ بهذه العلاقة .
4ـ ونملك تفعيل المقاطعة الاقتصادية رسمياً وشعبياً ضد إسرائيل وحلفائها ، وقد خسرت الشركات الأمريكية ملايين الدولارات بسبب المقاطعة ، وتعرض بعضها للإفلاس .
ومن الحكمة أن لا نمنحهم طمأنينة فيما يتعلق بالنفط فإن مجرد ( التلويح ) سيكون له أثره الفعال ، دعك من الإقدام عليه .
5ـ ونملك تفتير العلاقات مع أمريكا ، والبحث الجاد عن بدائل أخرى في التحالف المناوئ للغرب كالصين وكوريا الشمالية وفتنام وبعض دول الاتحاد السوفييتي .
6ـ ونملك المال الذي نشد به أزر الشعب الصابر ، ونمكن به المقاومة من الحصول على السلاح ، فضلاً عن لقمة العيش ، وجرعة الدواء وقطعة الكساء والكتاب المدرسي .
إن حملات التبرع التي تنظم في عدد من الدول الخليجية لهي بادرة طيبة ، وسوف تكبر وتنمو كلما اطمأن الناس إلى وصول هذه الأموال لأهلها الجديرين بها .
إن المال سلاح فعال في هذه المعركة ، وإسرائيل تجني سنوياً مليارات الدولارات من اليهود المتعاطفين معها في العالم ، فضلاً عن الدعم الحكومي الأمريكي ... والتعويضات وغيرها .
فلماذا يظل أثرياء المسلمين محجمين ؟
والله تعالى جعل الجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس ، بل مقدماً عليه " وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم " .
نعم نحن ندرك العين الأمريكية المتلصصة على التبرع ، والمتسرعة إلى التهم بدعم الإرهاب ... ولهذا نقول لكل خائف : فليدعم الأعمال الخيرية ، وليساهم في رفع المعاناة عن المضطرين من أبناء هذا الشعب ... وما أكثرهم !
إن الشعب الفلسطيني يقاتل بالنيابة عن المسلمين جميعاً وإذا كان هذا الشعب ضحى بحياة أبنائه وبذل من روحه وقوداً لهذا الجهاد ، فيجب على بقية الشعوب المسلمة أن تنصره بالمال أداءً لفرض فرضه الله علينا ، ليس تبرعاً أو تطوعاً ، وإذا كان قصارى ما تتمناه في لحظة اندفاعك أن تكون مع المقاتلين في الميدان فيكفي أن تدفع ديتك ، وتبقى حيث أنت تجاهد في محاور أخرى .
7ـ ونملك التعبير عن الرفض والاحتجاج بكل الوسائل المشروعة ، بالكلمة ، بالخطبة ، بالدرس ، بالقصة ، بالقصيدة ، بالبرنامج ...
هناك من يقدرون على إقامة الأمسيات والمهرجانات التضامنية ، وهناك من يستطيعون أن يوصلوا صوتهم إلى العالم عبر وسائل الإعلام أو الفضائيات أو الإنترنت .
وهناك من يعملون المسيرات الاحتجاجية ... والكثير يتساءلون عن حكمها .
وهي عندي من المسكوت عنه في الشريعة ، والمسكوت عنه من العادات والمعاملات هو في دائرة العفو كما قرره جماعة أهل العلم ، فهي إذاً من المباحات ، والذين يقومون بهذا العمل لغرض صحيح دون إفساد ولا أذية ولا تجاوز لما حرمته الشريعة هم موفقون راشدون .
لكن هذه المسيرات تظل وسيلة لا غاية .
فإذا كانت الأنظمة في بلد ما ( كهذا البلد ) تمنع استخدامها بحكم عدم الاعتياد ، أو لاعتبارات أمنية أو تاريخية ...فلا ضرورة إذاً للوقوف عندها وثمت وسائل أخرى تقوم مقامها .
8ـ نملك سلاح الوحدة وتجاوز خلافاتنا وأنانياتنا أما الخلاف الشرعي الذي لا يقبل التجاوز فنملك أن نتفق على المنهج الشرعي في التعامل معه ، نملك أن نتفق على مجملات الشريعة وقواعدها وعصمها الكبار لنتحرك في الأزمات باعتبارنا أمةً واحدة ، بدلاً من أن تكون سهامنا مصوبةً إلى نحورنا ، وجهودنا مثل جوادِّ الغنم يطأ بعضها بعضاً !
9ـ ونملك الدعاء الصادق الذي يقرع أبواب السموات لا يحجزه بغي ولا ظلم في هدأت الأسحار ، وخشعات السجود ، ولحظات الرقة ، وساعات الاستجابة ، في قنوت فردي أو جماعي ، في نفل أو فرض .(28/215)
10ـ ونملك مليار ونصف المليار من المتعاطفين الذين يحتاجون إلى شحذ الهمة وتقوية العزيمة ، وتهيئة المضمار ، وتيسير الأسباب ، ولو أن يشاركوا بالعاطفة الحية ، والوعي الرشيد ، والكلمة المساندة ، والإعداد للمستقبل ، فالمشوار طويل .
(الثانية ) : إن المعركة مع اليهود وحلفائها ممتدةٌ زماناً ومكاناً وميداناً ، ممتدة إلى الوعد الآخر ( يا مسلم ... يا عبد الله ...) وهي ممتدة جغرافياً إلى كل منطقة خطر يظنون أن سيأتيهم منها تهديد يوماً من الدهر ... سوريا ، إيران ، العراق ، اليمن ، ...الخ
وهي ممتدة ميداناً في محاور متداخلة من السياسة إلى الاقتصاد إلى الإعلام إلى السياحة إلى الأمن ...
إن منطقة الخليج بنفطها وخيراتها وثرواتها وموقعها الاستراتيجي حجر أساس في المعادلة المطروحة إسرائيلياً وأمريكياً ، والحلم اليهودي بالجمع بين رأس المال الخليجي والعقل الإسرائيلي ، الذي يروجون له كخيار وحيد يكفل أمن المنطقة واستقرارها... لا يزال مطروحاً لديهم بقوة .
وفي هذا الإطار يأتي القضاء على القوى الإقليمية (كالعراق وإيران ) ويبدو أن هذا خطر لا يمكن تناسيه ، وربما لا يكون بعيداً والله أعلم ، إن صدقت ظنوني .
إن دوائر الحرب على الإرهاب ـ زعموا ـ تتسع ، فسوريا في مرمى التهديد ، ولبنان على حافة الحريق ، وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي بأن السعودية تدعم الإرهاب ، وهو يرمي إلى دعم الفلسطينيين .
هم يريدون سلاماً يفصلونه وفق مقاسهم ، يسمح بتصفية من يعكر عليهم ، ويمنحهم فرصة التنعم بخيرات المنطقة وثرواتها ، والمشاركة في مشاريعها وخططها وصناعة عقلها وثقافتها .
يعتقد العدو أن ليس لدينا أوراق جادة نستطيع أن نحركها ، ولهذا فلا معنى أن نطرح نحن السلام كخيار استراتيجي وحيد .
لماذا نحن متهالكون على السلام ؟ " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون " المعركة طويلة وعلينا أن نعيد ترتيب أوراقنا وأن نعمل بجد وبنفس الطويل ونتلافى المعارك الخاصة ، المعارك الذاتية .
كل المخلصين لأمتهم ولمستقبلهم يجب أن يشاركوا في التفكير الواعي الذي نعيد به صياغة حياتنا وفق المتغيرات والمخاطر القائمة .
لعلي انتهيت ولم أبدأ بعد ... فإلى حديث آخر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبه / سلمان بن فهد العودة
2/2/1423
=============(28/216)
(28/217)
قمة الجزائر.. نتائج لا تتناسب مع التحدّيات
رضا عبد الودود 18/2/1426
28/03/2005
نتائج قمة الجزائر جاءت متوافقة تماماً مع حالة الترهل والضعف العربي، حيث جاءت احتفالية الجزائر -إن صح التعبير- دون مستوى طموح المواطن العربي الذي يعوّل كثيراً على النظم العربية الرسمية التي باتت لا تراعي غير أهداف مؤسسات الحكم فقط، وقد خيّبت القمة ظن كثير من المحللين والمراقبين الذين هلل بعضهم لها انسياقاً وراء تطمينات وتصريحات الوزراء والرؤساء والقادة العرب الذين نجحوا في توصيل الرسالة الصحيحة، وهو أن مجرد اجتماع القادة العرب مع بعضهم هو انتصار يسجله التاريخ ويتغنى به المتنبئ والمواطن العربي.
قمة التطبيع
فرغم ما أكده عبد العزيز بلخادم وزير خارجية الجزائر من أن قمة جزائر الشهداء لن تكون قمة للتطبيع جاء تبني القمة لمبادرة السلام العربية ببيروت 2002 ، ونجحت الأردن في تسليط الضوء على موضوع التطبيع بقوة، وعدم اشتراط مبادراتها تنفيذ الصهاينة التزاماتهم الدولية من الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجاء موضوع التطبيع باهتاً من قبل القادة العرب بعدما رفض مكتب رئيس الوزراء الصهيوني شارون المبادرة العربية للسلام متذرعاً بأنها جاءت متأخرة بعدما عاد السفير المصري والأردني لتل أبيب، وبعد وصول أبو مازن للسلطة، وركوع معظم الدول العربية لسيف التطبيع؛ إذ إن الجزائر نفسها التي نفت أن تكون القمة للتطبيع لن تخرج عن الإجماع العربي في إقامة علاقات مع الصهاينة آجلا أم عاجلاً.. بدأت التطبيع منذ سنوات على عدة الخطوات..منها خطوة السماح لمجموعة من الصحفيين بزيارة الكيان الصهيوني، ومصافحة بوتفليقة لرئيس الوزراء الصهيوني باراك، إبان تشييع جنازة العاهل المغربي الحسن الثاني، فيما وُصف حينها بدبلوماسية الجنائز، ثم مؤخراً معانقة بوتقليقة لشيمون بيريز في مدريد، وتبادلهما كلمات وديّة.ومع أن القمة اتفقت على رفض مشروع الورقة الأردنية للتطبيع، والتأكيد على مبادرة السلام العربية المتّفق عليها في بيروت، ورفض التطبيع المجاني، إلا أن المراقبين يعتقدون أن الأمر لا يعدو أن يكون نفاقاً سياسياً؛ فالتطبيع يجري على قدم وساق في الدول العربية، التي تهرول لفتح المكاتب الاقتصادية والسفارات والقنصليات على أراضيها، وتبادل الزيارات السرية والعلنية بين العرب والصهاينة.
ومن الواضح أن الإدانة للتطبيع مع الصهاينة تتولاه القمم العربية، أما التطبيع الفعلي فتتولاه كل دولة على حدة، وقد صرح وزير الخارجية الصهيوني بأن عشرة من الدول العربية تقف في طابور التطبيع، تنتظر دورها بشغف.
قمة إجراءات إدارية
كما أن قراءة نتائج القمة يشير بكل وضوح إلى أنها قمة إجراءات إدارية تتعلق بإصلاح بيت العرب؛ إذ تبنّت القمة تعديل بعض مواد الميثاق التي تسمح بإنشاء البرلمان العربي، وقواعد التصويت على قرارات الجامعة لتكون القاعدة الأساسية هي التوافق في الآراء بدلاً من قاعدة الإجماع التي جمّدت العمل العربي المشترك على مدى (60 )عاماً. وستقتصر قاعدة التصويت على قرارات الجامعة بالإجماع على حالتين فقط هما قبول عضو جديد في الجامعة أو فصل عضو، وإنشاء هيئة لمتابعة تنفيذ والتزام الدول بالقرارات، والتي تعني اتخاذ إجراءات ضد الدولة التي لا تلتزم بتنفيذ القرارات.
إذ أن الجامعة العربية التي وُلدت قبل الاتحاد الأوروبي والمنظومة الأفريقية، لا تزال منذ ما يقارب الستين عاماً كما هي، لم تمسسها يد التغيير أو التطوير، ولأكثر من عقد من الزمان يحاول البعض إدخال تعديلات على نظامها الأساسي أو إصلاحات تجعلها مواكبة للعصر من دون جدوى، ومنذ ثلاث سنوات تمّ إعداد الكثير من المشروعات والتعديلات والإضافات بوساطة الأمانة العامة للجامعة، ولكنها كانت تُجمّد وتُرحّل من قمة إلى أخرى تارة بسبب خلافات، وأخرى بسبب إجراء المزيد من الدراسات والمشاورات، وطوراً لدواعي المكايدات. وكل ذلك أدّى إلى تفشّي اليأس في نفوس غالبية العرب بأنه لا رجاء في إصلاح حال الأمة طالما يعجز قادتها عن مجرد إصلاح هياكل الجامعة التي تجمعهم، فكيف الحال في مواجهة المصاعب الداخلية، ناهيك عن الأزمات الخارجية؟!(28/218)
وبنظرة تقييميّة لخطط إصلاح الجامعة وبالرغم من أهمية تلك القرارات الإدارية فالأمر في حقيقته لا يتعلق فقط بإصلاح الجامعة وحده، وإنما يتعلق بالدرجة الأولى بتغيير الأسلوب الذي يتعامل به القادة العرب مع القضايا التي تُطرح على القمم؛ لأن الأسلوب المتّبع هو أن تُعقد القمة بعد أن يتفق وزراء الخارجية على الأجندة والمشاريع المعروضة، ومن ثم يُصاغ البيان المشترك الذي يجيزه القادة. وكل ما لم يتفق عليه يُستبعد أو يُجمّد أو يرحّل إلى قمة أخرى. وبهذا الأسلوب فإن القادة يتحاشَوْن أية خلافات أو مواجهات، وبالتالي أية مداولات قد تفضي إلى اتفاق حول ما استعصى على وزراء الخارجية أو كان فوق صلاحياتهم. لا ينبغي أن يتعالى القادة عن مناقشة ما هو موضع خلاف؛ لأن المسائل المختلف عليها لن تُحلّ من تلقاء نفسها بل إن تركها يفاقم من الخلافات، ولكن المداولات وحدها هي التي تقرِّب بينهم وبين الحلول المنشودة. ولهذا فإن التقاليد المتّبعة في القمم العربية تحتاج إلى تغيير حتى تكون ذات أثر فعّال على كل المستويات الإقليمية والدولية.
كما أن إصلاح نظام الجامعة العربية وتنفيذ قراراتها التي تظل حبراً على ورق يواجهه ملف الأزمة المالية التي أعاقت عمل الجامعة بجوار غياب الإرادة العربية.
الإصلاح السياسي حسب الظروف
وهذا الشعار حجة وذريعة للهروب من استحقاقات الشعوب، ووسط حالة الخلافات التي حكمت انعقاد القمة السابعة عشرة بالجزائر وضغوط الجانب الأمريكي الذي يطالب العرب بالإصلاح الديمقراطي ورفع سيف الاستبداد السياسي عن الشعوب العربية بغض النظر عن مدى شفافية التوجهات الأمريكية في العالم العربي حاول القادة العرب تأكيد التزامهم بخطوات إصلاحية هامشية وصورية تم تفريغها من محتواها؛ إذ قدّمت 14 دولة تقارير عن جهودها الإصلاحية، والتي أقرتها قمة تونس فيما عُرف بوثيقة التطوير والتحديث في العالم العربي، والتي دعت إلى تعزيز مسيرة الديمقراطية والشفافية، وإقرار حقوق المرأة والتنمية الشاملة، وحقوق الإنسان وإدخال مؤسسات المجتمع المدني العربي في العمل العربي المشترك.
لا مصالحة عربية
ومن أصداء القمة أيضاً زعم المسؤولون الجزائريون والعرب أن قمة الجزائر ستكون قمة المصالحة، بين الإخوة الأشقاء والقادة المتخاصمين، في هذا الصدد ذكر وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم: أن القمة ستخلو من الملاسنات والصدمات الكلامية، التي شهدتها القمم السابقة، كما أن وزراء الخارجية وقادتهم سيلتقون فيما بينهم، ليعتذر بعضهم لبعض عما بدر منهم من أخطاء. إلا أن المراقبين لتحضيرات القمة وبدايتها أكّدوا عدم تصالح أحد مع أحد، ولم تُحلّ المشاكل العالقة بين الفرقاء؛ لأنها ببساطة قمة تتجنب الخوض في المشاكل، بأسلوب وضع الرؤوس في الرمال، أي أن المشاكل التي سبّبت الخلافات العربية أُجّلت لإشعار آخر، فالقمة العربية فضلت تعاطي المسكنات، بدل تقديم أي علاج. والأشد من ذلك أنه عند بداية الاجتماعات التحضيرية، لاحظ الصحفيون وغيرهم كيف كان المسؤولون العرب يتفادى بعضهم البعض في أروقة القمة وردهاتها، وبالنسبة للقادة فإن ثلثهم غاب، والحاضرون اشترطوا لحضورهم عدم إدراج قضايا مهمة تزعجهم، مثل الرئيس السوري الذي هدّد بالتغيّب إذا أُدرجت قضية الانسحاب من لبنان على جدول أعمال القمة.
تبريد القضايا العربية
ومن الغريب كذلك أن البيان الختامي أغفل التطورات السلبية الخطيرة للوضع الفلسطيني، التي حدثت بعد قمة بيروت، منها وعد بلفور الثاني الذي قدمه بوش لشارون بعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، والتهام الجدار العنصري لآلاف الهكتارات من أراضي الضفة الغربية، وزيادة عدد بؤر الاستيطان، كان آخرها عندما وافق وزير الدفاع الصهيوني على بناء (3000) مسكن جديد في الضفة، مما يوشك على تهويد مدينة القدس نهائياً، فالعرب يتحدثون عن مبادرة سلام قديمة، هزيلة، لا تغني ولا تسمن من جوع، أمام الإصرار الشاروني الذي لا يعرف التراجع إلى الوراء. واكتفت القمة بالدعم المعنوي للفلسطينيين، كما خشيت إغضاب أمريكا فأكّدت في بيانها دعمها للعراق، وإدانتها لعمليات العنف التي أسمتها الانتحارية، والتي هي بالأساس أعمال مقاومة ينبغي دعمها، وتجاوز القادة العرب حالة الغليان التي يعيشها الشعب العراقي والعربي من جراء الاحتلال الأمريكي الغاشم في العراق، وتناسوا أن كل ما يُنتج من قرارات وسياسات في ظل الاحتلال باطلة ، وأعلنوا ترحيبهم الكبير بنتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، وأشادوا كذلك بدور الأمم المتحدة كمحلل للانتهاكات الأمريكية بالعراق، كما وضُح في البيان عدم التجرؤ على دعم سوريا بصورة جادّة في مواجهتها مع أمريكا، واكتفى العرب بدعم حقوق سوريا في الجولان مثل كل قمة بلا تحرك إيجابي وحيد ضد أعداء سوريا وأعداء العرب المعروفين، وأكّدت دعم وحدة الصف اللبناني.(28/219)
وأخيراً -وفي إطار قراءة نتائج القمة العربية- نستطيع أن نؤكد أن القمة العربية قد تناست المحنة العراقية، والمحنة الفلسطينية، والمحنة السورية، والمحنة اللبنانية، والمحنة العربية بشكل عام، وراحت تبحث عما يدعم النظام الرسمي العربي، والذي لن يُكتب له الخلود إلا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لأنّ ذلك سيجلب الرضا الأمريكي، والذي هو ضروري لبقاء هذا النظام أو ذاك في عرشه وعرينه.
===========(28/220)
(28/221)
دعوات الإصلاح السياسي في السعودية متعثرة
الرياض / عبد الله الرشيد 18/4/1428
05/05/2007
…من دعاة التدرج في الإصلاح
…الدعوة الدستورية بالسعودية كانت سابقة لوقتها
…نهدف إلى تطوير رؤية شرعية لأنظمة بناء الدنيا
…المظالم السياسية أوجدت العنف
…القضاء السعودي بحاجة إلى أن يدوّن الفقه من جديد
…لن نقدم رسالة الدين إلاّ بقراءة كلية للفقه
كانت مشاركته في الحركة الإصلاحية بالسعودية مبكرة جداً.. فهو أحد المساهمين في تحرير (خطاب المطالب) الذي وُجّه للملك فهد بن عبد العزيز آنذاك في شوال 1411 هـ (مايو 1991) الذي وقع عليه مجموعة من علماء السعودية، وطالبوا بإنشاء مجلس للشورى، وتحقيق المساواة بين المواطنين، وعدالة توزيع المال العام، وبناء جيش قوي متكامل، وسياسة خارجية بعيدة عن التحالفات المخالفة للشرع، و كان أحد المشاركين في تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية في أيار (مايو) 1993، والتي تمثلت أهدافها المعلنة في "رفع الظلم والدفاع عن حقوق الإنسان التي تقررها الشريعة". ونتيجة لذلك ألقت السلطات السعودية القبض عليه، وبقي في السجن فترة قصيرة لم تتجاوز الأربعين يوماً.
ولكن في عام 1995 اعتُقل مرة أخرى، ضمن الاعتقالات الجماعية التي طالت بعض الإسلاميين الذين كان من بينهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي، والشيخ ناصر العمر، وبقي في المعتقل قرابة ثلاث سنوات ونصف.
كان قاضياً في المنطقة الجنوبية من السعودية إلى أن قدم استقالته من سلك القضاء، وهو الآن يمتلك مكتباً للمحاماة في العاصمة الرياض.
الشيخ عبد العزيز القاسم، بعد 11 سبتمبر، وبعد عاصفة أحداث العنف الداخلي في السعودية، وبعد تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز لمقاليد الحكم، يؤكد في حديث مطول لشبكة (الإسلام اليوم) أن دعوات الإصلاح السياسي في السعودية تمر بمرحلة تعثر لعدم وجود رؤية واضحة بين الإصلاحيين أنفسهم، "فلديهم رؤيتان إحداهما متشددة ذات مطالب إصلاحية غير واقعية، و الثانية معتدلة، انتصرت المتشددة فأدت إلى صدام مبكر أجهض نضوج الحركة الإصلاحية".
وفي الوقت الذي يُتّهم فيه القاسم بأنه عصراني، يؤصل لليبرالية إسلامية، يقول القاسم: إن إخضاع الإسلام لقيم العصر و معاييره أمر مرفوض بل هو تحريف للدين، وتراثنا الفقهي كنز نفتخر به و علينا أن نستوعبه"، مشيراً إلى أن الطرح الإسلامي التقليدي قد يتسبب بحسن نية في تعطيل الشريعة، "حين يعجز عن تقديم الشريعة كحلول و أنظمة بناء و إصلاح، و النتيجة الطبيعية لهذا العجز هي تمكين المشاريع الأخرى من العبور لملء الفراغ".
وحول ما أُشيع مؤخراً بأن "القاسم" يمتلك مركزاً للتنوير في بيروت، ويتلقى مساعدات من دول أجنبية، أكد "القاسم" وبشكل قاطع أن حكاية مركز التنوير مختلقة لا أساس لها من الصحة، وأضاف مازحاً: ما رأيك، سوف أعطي المساعدات الخارجية لمن يعثر عليها.
ويرى القاسم أن الصحوة الإسلامية كانت تنتج خطاباً حالماً بعيداً عن الواقع ، "فجاءت الأحداث من 11 أيلول و ما بعدها لتعيد الخطاب الإسلامي إلى مسئولياته الواقعية المحلية و العالمية ، فبدأ يستعيد نفسه من الخطاب العاطفي إلى خطاب سياسي و إصلاحي أكثر مسئولية ."
(الإسلام اليوم) التقت الشيخ عبد العزيز القاسم، وفتحت معه ملفات ساخنة في حوار مطول تناول حركة الإصلاح السياسي في السعودية، ومعالجة ظاهرة العنف والإرهاب، وتقنين القضاء السعودي، وضرورة تنمية الفقه المقاصدي.
فإلى تفاصيل الحوار ...
من دعاة التدرج في الإصلاح
أين اختفى عبد العزيز القاسم (السياسي الإصلاحي، والناقد الفكري)؟ وأين وعوده ومشاريعه الفقهية التي انتظرها الكثير؟ هل تخلى القاسم عن مشاريعه؟ أم أن الواقع استعصى على التغيير؟(28/222)
طبيعة المطالبة بالإصلاح في المملكة أنها حركات عفوية و فردية و هذه ميزتها، فهي تنشط تارة و تخبو تارة أخرى، من ناحية ثانية فإن دعوات الإصلاح السياسي تمر بمرحلة تعثر بسبب عدم وجود رؤية واضحة بين الإصلاحيين أنفسهم، فلديهم رؤيتان: إحداهما متشددة ذات مطالب إصلاحية غير واقعية وبسقف مرتفع و الثانية معتدلة تؤمن بالتدرج في الإصلاح، انتصرت المتشددة فأدت إلى صدام مبكر أجهض نضوج الحركة الإصلاحية، و لو كُتب للرؤية المعتدلة أن تظهر لأنضجت حركة إصلاحية متدرجة بحيث تطالب بالممكن أو ما يقترب من الممكن، و بذلك يكون للإصلاح جبهة عريضة تدفع بالإصلاح بواقعية، للأسف هذا ما لم يحدث، و أنا من أنصار التدرج في مطالب الإصلاح لتتكون شريحة إصلاحية قادرة على تطوير رؤية للإصلاح و المطالبة به. أما النقد الفكري فهو نشاط يأتي بمناسباته، و أنا لا أمتهن هذا النقد بل أمارسه في مناسبته، أما عملي الفقهي فإني أتابعه بنشاط و دأب، لكنه بطبيعته من الأعمال طويلة المدى، و أخالفك الرأي في أن الواقع مستعص على التغيير، بل قد أفاجئك بالقول إن الواقع يتغير أسرع مما كنت أتوقع، خصوصاً في مسار الفكر الإسلامي، خذ مثلاً تطبيع فكرة الانتخابات، مشاركة الدعاة في قنوات كانت مقاطعة، نوعية الكتب المستهلكة في المملكة أصبحت نقدية، و لم تعد رسالة صوت واحد، كذلك الفتوى تغيرت مصادرها، و صارت أكثر انفتاحاً، هذه متغيرات كبيرة ستترك آثاراً ملموسة في واقع المجتمع.
انغمس القاسم مؤخراً في مشاريع الإصلاح التشريعي، وطرحتم ورقة عن البنية التشريعية، ما الذي يدفعكم للتوجه بقوة نحو هذا المجال، وكيف ترون تعامل الإسلاميين مع قضية الإصلاح التشريعي بصفتها أحد جوانب الإصلاح؟
عنايتي بالإصلاح التشريعي سببها تخصصي المهني، و التشريع وسيلة إصلاح للمصالح اليومية التي تمس حياة ملايين من البشر، و لهذه الأهمية جذبني هذا النشاط بقوة، و قد أهمله كثير من الإسلاميين على الرغم من خطورته من الناحيتين الشرعية و العملية، و للمفارقة فإن أكبر منجزات المسلمين مجالها الفقه لكن الإسلاميين في المملكة أهملوا هذا الجانب بشكل كبير، حتى صارت هشاشة أداء المؤسسات الفقهية الشرعية تثير الفتنة مقارنة بتطور التشريعات الحديثة.
هل يمكننا أن نقول إن انشغال القاسم بالقضايا التشريعية هو نوع من الهروب عن معترك السياسة؟ ألا يُعدّ ذلك تحاشياً لجوهر الأزمة، وهو غياب الحرية وطغيان الاستبداد؟
صحيح أن الاستبداد هو أم كبائر التخلف؛ لأنه يحجب الأخطاء، و يحميها من النقد و التصحيح، لكنني أعتقد أن مستوى الحريات حالياً أكبر من قدرة الإصلاحيين على مواكبته؛ قد يبدو هذا القول غريباً بعض الشيء؛ لكن لنقارن بين مستوى النقد الذي نقرؤه الآن في الصحافة المحلية خصوصاً في صحف الاقتصادية و الحياة و الوطن، و بين ما كان متاحاً قبل سنوات قليلة، و لنقارن بين مستوى النقد في منتديات الاقتصاد بالرياض و جدة، و بين خطاب الإسلاميين، علينا أن نعترف بأن خطاب الإصلاح انتقل من المعارضين السياسيين إلى النقاد التكنوقراطيين، شخصياً لدي قناعة بأن دعوات الإصلاح إن لم تكن واقعية ستوأد في مهدها، و تفوت المصلحة الوطنية.
الدعوة الدستورية بالسعودية كانت سابقة لوقتها
طرحت مجموعة الدستوريين أفكارها ورؤاها لإصلاح الوضع السعودي، لكن طروحاتها لم تحفل بتفاعل من قطاعات الشعب العامة، ألا تعتقد أن جزءاً من مشاريع الإصلاح هي نخبوية وبعيدة عن اهتمامات الشارع البسيط الذي يفكر في الخدمات اليومية البسيطة: كالمسكن، والصحة، والتعليم، والوظيفة، ومستوى الأسعار دون أن تعنيه صياغة الدستور أو المشاركة في صنع القرار؟
بالفعل المجتمع تهمّه التطبيقات، و ماذا تنفعنا دستورية شكلية لا يتغير معها مستوى المعيشة، و ترتقي حقوق الإنسان، الدعوة الدستورية كانت سابقة لوقتها بدرجة مميتة، لهذا ذهبت صيحتها إلى صحف التاريخ، و إن بقي منها وميض الجرأة و شجاعة التعبير، ما يهم الناس هو أداء الحكومة، و هذا لا تصلحه مجرد صيحات الجرأة مهما كانت نبيلة و صادقة، الحياة اليومية لا يصلحها إلاّ شعور بالمسؤولية يحققه تواصل دعوات الصدق و الإصلاح لتتحول إلى حياة يومية يرتقي بها الذوق الأخلاقي للمجتمع ليتحول من خطاب المجاملة و التزلف إلى خطاب المسؤولية و الصدق، بهذا تتكاثر منابر الدعوة الإصلاحية لتكون الأمة حية تأتمر بالمعروف، و تتناهى عن المنكر في حياة العامة فما من خطأ إلاّ و يجد من يستنكره، و ما من خير إلاّ ونجد من يدلنا عليه.
المشاريع الاقتصادية والأنظمة الجديدة على الساحة السعودية.. هل تعتقد أنها أضعفت من قوة مطالب الإصلاح؟
قوة الدفع في الحركة الإصلاحية تأثرت بثلاثة عوامل أساسية:
أولها: ارتفاع سقف المطالبة.
وثانيها: حركة السوق المالية التي لفتت الأنظار إلى مكان آخر يجلب أملاً في الثراء السريع، فأوجد مسرحاً مثيراً اشتغل به الناس مؤقتاً.(28/223)
و ثالثها: انبعاث نوع من الأمل بسبب مبادرات الدولة الإصلاحية مثل الانتخابات البلدية، و الحوار الوطني، و الحساسية الجديدة تجاه المال العام و غيرها، فالمجتمع يترقب مصير هذه المبادرات.
نهدف إلى تطوير رؤية شرعية لأنظمة بناء الدنيا
تشاكس القاسم مع الصحوة ومع التيار الإسلامي السائد في نجد تحديداً ـ والذي كنت أحد رموزه ـ واتُّهمت بأنك تنويري عصراني وتمهد لأرضية تغريبية .. وشاعت دعوات التحذير من أفكارك .. بكل وضوح .. ما موقفك من مخالفيك؟
المسألة اختلاف في الاجتهاد، و أصدقك القول إنني أرى أفعالهم تخالف أقوالهم، بمعنى أن التيار الإسلامي نفسه يتغير؛ فالقناعات اليوم ليست قناعات الأمس، أتذكر أن الأخ الدكتور محسن العواجي أثناء نقاش بيني و بينه عام 1412هـ لمزني بالليبرالية على الرغم من أن الرأي الذي قلته له كنت أنقله عن ابن تيمية، و كان يتعلق بالموقف من المخالف، الآن لم تعد لدى الإسلاميين مشكلة جدية مع المخالفين، فقد تكاثرت المواقف و المبادرات باتجاه تصحيح الموقف السابق، و رأينا الشيخ سفر الحوالي - شفاه الله - يقف في صورة واحدة إلى جوار الأستاذ محمد سعيد الطيب للتعاون في مشاريع سياسية.. من أجل ذلك فإنني أقرأ موقف الإسلاميين من بعض ما طرحته كجزء من اختلاف مشروع، و بيننا فقه السلف و أدلة الشرع، و من يثبت لي مخالفة واحدة لذلك فإن الرجوع إلى الحق واجب عليّ و على غيري. لقد لاحظت أن بعض مواقف التحذير لا تعدو كونها مزايدة يتبعها تأكيد على الاتفاق في المجالس الخاصة، و أنت تدرك أهمية الجمهور لدى الصحوة.
يتهمك المحافظون من الإسلاميين بأنك تحاول أن تخضع الإسلام لقيم العصر، وتسعى إلى إسقاط مرجعية التراث، وأن أفكارك تؤدي إلى التحلل من سلطة النص من أجل التقدم واللحاق بالحضارة الغربية .. ما هو ردك؟
أنا رجل مؤمن بالوحي، و بأن الإسلام رسالة الله تعالى الخاتمة للبشرية، و لا يمكن أن أقبل التحلل من النصوص، أما الموقف من التراث فلا يوجد تراث واحد كما تعلم، بل توجد اجتهادات متعددة، و لا أحد من الإسلاميين يؤمن بقدسية التراث ككتلة واحدة، و لو كانت صياغة سؤالك عن الاجماع بدل التراث لكان جوابي أنني أعتقد حجية الإجماع بشروطه المعروفة في أصول الفقه، تراثنا الفقهي كنز نفتخر به و أن نستوعبه، لكن يجب علينا أن نتعامل معه وفقاً لواقعنا المعاصر، و هذا الموقف محل إجماع بين الإسلاميين و ينحصر الخلاف في التفاصيل.
والفهم العصري للإسلام مصطلح غير دقيق بل غير علمي؛ إذ قد يحتمل إخضاع الإسلام لقيم العصر و معاييره، و هذا مرفوض بل هو تحريف للدين، أما إذا كان المقصود هو تصحيح الفهم الديني للإسلام بما يتفق مع ما تتطلبه المتغيرات وفق معايير الشريعة و أصول الفقه المقررة في التعامل مع الاجتهاد فهذا أمر مقبول، لكن له تسمية شرعية هي التجديد، فلماذا نتخلى عن المصطلح الشرعي، و نوظف مصطلحاً غامضاً يزيد المسألة تعقيداً بدلاً من ضبطها و إصلاحها، و هذا المصطلح متداول في الفقه و تاريخه و علوم الشريعة، و إذا أردنا إدانة تجديد ما فلماذا لا نبرهن على مخالفته للأصول الشرعية بدلاً من اختراع مصطلحات وضعية لإدانته.
هل يمكنك أن تختصر لنا الرؤية التي تطرحها وتسير وفقها في مشاريعك؟
الرؤية التي نطرحها يمكن اختصارها في جملة واحدة هي: تطوير رؤية شرعية لأنظمة بناء الدنيا، فهي مشاريع بناء و إن تضمنت رؤية نقدية لبعض الجوانب، خذ مثلاً مشروعنا الكبير في تحليل البنية التشريعية و القضائية السعودية، هذا العمل بنائي فقد وضع تصوراً واضحاً لبناء النظامين: التشريعي و القضائي، و إن تضمن نقداً لبعض جوانبهما. لقد أكدنا في هذه الدراسة أن مشاورة كوادر النظامين شرط لنجاح الإصلاح، و قد اقترحنا إصلاح ازدواجية النظام التشريعي بحيث تكون مشاورة المؤسسة الفقهية جزءاً أساسياً من نظام التشريع بدلاً من حالة الاضطراب الحالية، و قد تفرع عن دراستنا الأم مجموعة كبيرة من الدراسات الفرعية لجوانب الإصلاح التشريعي و القضائي، بعضها متعلق بالشفافية التشريعية، و بعضها متعلق بالتدريب التشريعي و القضائي. و هكذا لدينا مشروع في المشاركة الأهلية و تنميتها استغرق منا جهداً و وقتاً أكبر من نقد الصحويات، فالنقد لدينا وسيلة لتطوير الخطاب الإسلامي باتجاه فاعلية دنيوية أعلى و ليس هدفاً نسعى إليه.
يرى بعض مخالفيك بأن منهجيتك الفكرية تؤدي إلى العلمانية. ألا ترى في ذلك قسط من الواقعية؟(28/224)
لا أرى ذلك بالطبع؛ لكن دعني أناقش هذا، العلمانية بالتعريف الفقهي هي النظرية التي تدعو إلى تعطيل أحكام الشريعة الملزمة فيما يتعلق بأعمال الدولة، منهجيتي التي تتحدث عنها هي أبعد ما تكون عن هذا بل هي عكسه، نحن نعمل بدأب على إعمال أصول الشريعة و قيمها في الحياة العامة، و لهذا تقدمنا بمشاريع عديدة في هذا الاتجاه، تقدمنا مثلاً بورقة عمل في منتدى الرياض الاقتصادي لتحليل البنية التشريعية و القضائية، الورقة قائمة على تفعيل تطبيق الشريعة، و جادلنا عن هذا بأن التجارب الدولية لإصلاح التشريع و القضاء تثبت أن من شروط الإصلاح أن يتلاءم الإصلاح مع ثقافة المجتمع، لم نجد مقاومة تذكر بل كانت اللجنة المنظمة للمؤتمر متحمسة لهذا الطرح، تقدمنا بعدد من المشروعات في الإسكان و التمويل و الأنظمة المصرفية، اقتراحنا فيها يقوم على تفعيل أنظمة شرعية تستثمر التطبيقات الفقهية التراثية بوسائل جديدة، و طرح مقترحات تتعلق بحماية الأخلاق، و مكافحة التحرش الجنسي، و استغلالها، و مثل هذا يمكن أن نقوله في مشاريع الإصلاح السياسي و الاقتصادي، كانت الرؤية المطروحة تعتمد على الشريعة و احترام و تفعيل مبادئها و أحكامها، كل هذا يعني أننا في اتجاه تفعيل الشريعة و ليس تعطيلها، تعطيل الشريعة قد يتسبب فيه بحسن نية الطرح الإسلامي التقليدي الذي كان متمرساً في مواجهة المخالفين، لكنه عاجز عن تقديم الشريعة كحلول و أنظمة بناء و إصلاح، و النتيجة الطبيعية لهذا العجز هي تمكين المشاريع الأخرى من العبور لملء الفراغ، قد يُقال في هذا السياق الحجة التقليدية، و هي أن الإسلاميين لا يُمكّنون من الفرصة لتقديم الحلول، و هذه الحجة في ظني باطلة إلى حد بعيد؛ فالمبادرة يجب أن تكون ممن يملك رؤية ما، فعليه أن يتقدم بشرح لرؤيته و إقناع الناس بها، الإسلاميون ما قاموا بذلك، خذ مثلاً جامعة الإمام هذه المؤسسة تحت تصرف الإسلاميين - بالمصطلح العام - ماذا قدمنا في كلية الشريعة و كلية أصول الدين لمعالجة المعضلات المعاصرة في التنمية، النظام الاقتصادي، عدالة توزيع الثروة، الشورى، دور المجتمع في المشاركة السياسية و الأهلية، العلاقات الدولية، فلسفة المعرفة، قراءة و نقد العلوم الاجتماعية... هذه هي مداخل تفعيل الشريعة في المجتمع بصيغة أخرى هذه هي وسائل طرد العلمانية التطبيقية. أين الإسلاميون من هذا، نعم هناك مبادرات رائدة في المعهد العالي للقضاء، لكن صاحب المبادرة في تدريس الأنظمة في المعهد هي الدولة للأسف بهدف إعطاء شرعية للأنظمة و تدريب القضاة عليها، و ليس المبادر هم الإسلاميون بل هي مبادرة حكومية تشبه الإكراه، و جاءت القناعة الإسلامية تالية، واقع الإسلاميين هذا جاء ثمرة لثقافتهم الاحتجاجية أي المعارضة السلبية، و هذا النوع من المعارضة يعرف ما لا يريد، لكنه لا يعرف ما يريد، و لم تتجه الطاقات لاستطلاع ما نريد بقدر اتجاهها إلى ما لا نريد، و لهذا انغمسنا في علم الكلام و دقائق الفقه و تجاهلنا الواقع، خذ كم في أصول الدين من رسالة تدرس عقيدة فلان و فلان من القدامى، في المقابل كم تجد من رسالة تدرس المبادئ النظرية لخطط التنمية في المملكة. هذا مثال صارخ للعجز و العزوف و تحوّل الإسلاميين الذين كانوا في الأساس مشروع إصلاح تحولوا إلى مباراة و منافسة لإثبات من أكثر تقليدية وفقاً للمعايير الكلامية و التقليدية، و انصبت جهود التربية الإسلامية على المتون الكلامية من جديد، انكب على دراستها حتى علماء الطب و الفيزياء، و لهذا يستحق مشروع الصحوة أن يُسمّى بمشروع الإحياء الكلامي، و قد نجحت في الإحياء الكلامي، لكن هذا الإحياء أبعد ما يكون عن مشروع الصحوة أو النهضة الإسلامية التي هي في النهاية مقاومة للعلمانية ببناء دنيا متوافقة مع الشريعة.
ألا توافقني أن حدة وشدة موقف الإسلاميين منكم قد ساهمت في تعطيل الكثير من مشاريعكم؟
مواقف المخالفين في نظري طاقة دفع للعمل و تسويقه كما تعلم و ليست مثبطة، و أختلف معك في كونها سبب تأخري، فالتعطيل سببه انشغالي بعملي المهني، الذي وجدت فيه وسيلة فعّالة و ممتعة للتطوير و الإصلاح، و أطمح أن أتخفف من مسؤوليات عملي المهني بعد هذه السنوات من العمل لألتفت إلى اهتماماتي الفكرية و الفقهية، و أسأل الله تعالى أن يسهل ذلك.
طرأت متغيرات جديدة على ساحة الإسلاميين في السعودية، وبدأت تظهر أصوات معتدلة من داخل التيار الإسلامي، كيف تنظر لهذه التغيرات؟
الصحوة الإسلامية كانت تنتج خطاباً حالماً بعيداً عن الواقع، و جاءت الأزمات لتعيد الاعتبار إلى معطيات الواقع، و أنت تعلم أن الخطاب العاطفي يتحلل من الواقعية ليلامس الأوتار الحساسة لدى الجمهور، فجاءت الأحداث من 11 أيلول، و ما بعدها لتعيد الخطاب الإسلامي إلى مسؤولياته الواقعية المحلية و العالمية، فبدأ يستعيد نفسه من الخطاب العاطفي إلى خطاب سياسي و إصلاحي أكثر مسؤولية.
المظالم السياسية أوجدت العنف(28/225)
دعني انتقل إلى شق آخر من الموضوع، إلى قضية العنف والإرهاب ولكم نشاط ملحوظ في معالجة هذه الظاهرة .. لكن دعني أسألك .. هل صحيح أنك تحرض الأمراء السعوديين ـ كما أشيع عنك ـ على تراث الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، باعتبار أن تراثهم نواة للعنف والإرهاب؟
لقد دعوت إلى تصحيح الخطاب الديني، و تنقيته من آثار المعارك الكلامية و السياسية التي أوجدتها فتنة تعامل المأمون مع القول بخلق القرآن الكريم، و المحن التي تعرض لها ابن تيمية، و صراعات محمد بن عبد الوهاب مع خصومه، سواء في دراستنا للمناهج التعليمية أو غيرها من المقالات المنشورة، لكني لا أربط بين العنف و هذا التراث، العنف سببه سياسي، الدولة أخفقت في إنجاز مشروع وطني يتلاءم مع طموحات المجتمع، و شدة قبضة الدولة الأمنية و السياسية على المجتمع السعودي أدت إلى تصدير آثار هذا الضغط إلى الخارج في أفغانستان و غيرها، و قد أدى ذلك إلى استيراد ثقافة السلاح و التنظيم الجهادي، أما قصة الأمراء المشار لها في سؤالك فهي غير صحيحة بالطريقة التي وردت في السؤال؛ ذلك أنها بدأت مع اعتراض سماحة المفتي على نشر مقابلتي مع عبدالعزيز قاسم في مكاشفاته بجريدة المدينة، و حجته أنني تعرضت للشيخ محمد بن عبدالوهاب في المقابلة، فاتصل بي سماحته طالباً وقف نشرها، فذكرت له أن معظم كتب التيار الجهادي تستشهد بكتب أئمة الدعوة، و أبناؤنا الذين انخرطوا في التيار الجهادي يقرؤونها، فما موقفك من استشهادهم بكتب الدعوة النجدية إن كنت توافق على ذلك فعليك أن تدافع عن هؤلاء الشباب أمام الدولة، و إن كنت تعترض على هذه الاستشهادات فعليك أن تنتقدها، ثم تحدث معي بعض الأمراء مستفسراً عن المقابلة فأجبته بالإجابة نفسها، و الذي أعتقده أن لدينا تناقضاً كبيراً في مواجهة الشبان الجهاديين حين ندين توجهاتهم التكفيرية، و نسكت عن مصادرهم، و نتستر على ما فيها من تكفير، و لا أستثني من هذا إلاّ محاولات خجولة بدأها الشيخ عايض القرني في مؤتمر الحوار في مكة حين انتقد الدرر السنية و ما فيها من محتوى تكفيري، و كذلك الشيخ عوض القرني في جريدة الوطن .
المحرر يتحدث مع الشيخ عبد العزيز القاسم
في سبيل معالجتكم لظاهرة العنف، هل صحيح أن لديكم (مركز التنوير) في بيروت، وتتلقون (مساعدات خارجية)؟
ليس لي اهتمام بمعالجة ظاهرة العنف إلاّ من خلال سياقها السياسي، أما فكرياً فإنني مهتم بظاهرة التشدد و ليس العنف؛ لأنني مقتنع أن العنف أساسه سياسي، و إن كان يؤصل لنفسه بتراث تكفيري ينبش من المصادر السلفية هنا أو هناك، و العلاج الحقيقي للعنف هو فتح آفاق المشاركة السياسية و الرقابة الشعبية و تطوير الدولة لرؤية وطنية للتنمية تفتح آمال الإصلاح أمام الموطنين و تنتظمهم في مشروع وطني يعيد لحمة ولاء المواطن لدولته و مشروعها، أما الحديث عن مركز للتنوير في بيروت فهو محض اختلاق ليس له أي أساس، و الذي يؤسفني في اختلاق هذا الخبر أنه يوحي بمستوى أخلاقي في الاختلاف، لا يليق بمن يؤمن أن المؤمن لا يكذب، و لا يختلق كذبة، و يسعى لتطييرها في الآفاق، و هو يعلم حكم هذا العمل.
طيب .. ماذا عن مركز (مسبار) للبحوث والدراسات؟ هل لكم علاقة به؟
مركز مسبار يملكه الأخوان تركي الدخيل و عبد الله بن بجاد العتيبي، و لا تربطني به أي علاقة.
أنت تقول إن الجماعات الجهادية تستشهد كثيراً بنصوص الوهابية، وخصوصاً ما يرد في الدرر السنية، وتطالب بمراجعة التراث الوهابي، لكن ماذا تقول عن النصوص القرآنية والنبوية التي يمتلئ بها خطاب القاعدة وجماعات العنف؟
الإسلام ليس دين ضعف و استسلام، و لا يقبل الدنية مع محاربيه، و من حق المسلمين أن تكون لهم ثقافة عسكرية، و نصوص الكتاب و السنة هي أساس هذه الثقافة، و لا يعترض عليها مسلم، بل هي دعامة أمنه و حمايته، الخلاف ليس في هذا، بل في تسخير نصوص التراث التي ذهبت إلى تكفير المسلم و مقاتلته، و هذه مسألة أخطأت فيها مصادر تراثية، و هي محل الاعتراض، و لذلك كلنا نمجد العمل الجهادي في فلسطين مثلاً، و هو مستند إلى فقه الجهاد في الكتاب و السنة، لكن قتل المسلمين بذرائع تكفيرية مردود بأدلة عصمة دماء المسلمين.
ظهرت ظاهرة جديدة في الداخل الإسلامي معنية بالاحتساب على "المخالفين وتعريتهم وفضحهم وإسقاطهم" كما يعبرون في أدبياتهم، وربما كنت أحد ضحايا هذا الاحتساب، ألا توافق أن انتهاء الجهاد كأداة فعلية على الأرض، وبقاء بذور التطرف، أنتج مثل هذه الظواهر التي وجدت في هذه الوسيلة الجديدة متنفساً لها؟(28/226)
هذه الظاهرة قديمة، و هي ثمرة لفقه التشدد، المستغرق في جزئيات الشريعة و دقائقها الخلافية، و لهذا لا تجد في هذه الأدبيات التزام بآداب الاختلاف و الجدل الفقهي أو الشرعي، و لهذا السبب انجرفت نحو التجريح، و أنت تعلم أن المجتمع اليوم لا تنطلي عليه هذه الأدبيات، فهو يقرأ و يقارن و يكتشف الحقائق ، و ستبقى هذه الممارسات كجزء من أي مجتمع، و الأهم ألاّ نلتفت إليها، و نتوقف عن أعمالنا إلى التشاغل بها، خصوصاً أنها تشبه فرقعات الصحافة الصفراء، آثارها وقتيه ثم يطويها النسيان.
القضاء السعودي بحاجة إلى أن يدون الفقه من جديد
ما حقيقة دعوتكم إلى تقنين الفقه؟ وما تأثيراتها على سلك القضاء في السعودية؟
الذي أدعو إليه تدوين الفقه، و الفرق بينه و بين التقنين في رأيي أن التدوين يقوم به جهاز القضاء بنفسه، و له حق تعديله بناء على إجراءات داخلية، مثل أن يتولى القاضي تقرير مبدأ يخالف المدونة بشرط أن يقنع المحكمة الأعلى منه بحجته و دليله، ثم يستقر القضاء على المبدأ الجديد، و الغرض من ذلك ألاّ يكون للقضاء في قاعدة واحدة رأيان؛ لأن وجود هذا الاختلاف يؤدي إلى إرباكٍ لحقوق الناس خصوصاً في اقتصاد ضخم مثل اقتصاد المملكة؛ ذلك أن مستثمراً ما لا يستطيع أن يقوم بمشروع ما إذا كانت حقوقه فيها قولان للقضاء أو أكثر، فالمشاريع الآن تقوم على حسابات دقيقة للجدوى و المخاطر، و لا تحتمل فوضى الأحكام، و ليس هذا النوع من التدوين بجديد على الفقه الإسلامي، فقد قنن الخلفاء الراشدون عشرات المبادئ إن لم نقل المئات، و ذلك لتحصيل مصالح أدنى من مصالح التقنين الآن.
ألا تعتقد أن المؤسسة الدينية السعودية قد مثلت نقطة توازن في كثير من الأزمات المحلية؟
التوازن في الأزمات لا يحققه إلاّ قناعة المجتمع بشرعية الدولة و قيامها بحقوقهم، أما سيطرة الدولة على المؤسسة الدينية فإنه يؤدي إلى انهيار صدقيتها أمام المجتمع، و هو ما تعاني منه الآن.
الفقه المقاصدي ضرورة لنشر رسالة الدين
برأيكم ما أسباب غياب الفقه المقاصدي وبروز العقل النصوصي المعتمد على وسيط الذاكرة في الاستدلال والاستشهاد؟(28/227)
غياب الفكر المقاصدي و بروز الفقه الظاهري ظاهرة قديمة بدأت منذ معارك أهل الرأي مع أهل الحديث، و جاءت جاذبية القياس الشافعي لتدفع بفقه المقاصد إلى زوايا ساحة الفقه، لكن المقاصد عادت مع الباقلاني و الجويني و ابن عبد السلام، و أكبر مستثمر لفقه المقاصد ابن تيمية فهو الذي نقل هذا الفقه من التنظير إلى الاستثمار، لكنه لم يُقرأ قراءة عميقة من هذه الزاوية، نحن اليوم في أمس الحاجة إلى فقه المقاصد؛ لأننا أمام نظم منافسة، و لسنا أمام جزئيات فقهية، لن نتمكن من بيان الدين للناس إلاّ من خلال قراءة كلية للفقه، و وسيلة هذه القراءة هي الفقه المقاصدي، أما ما يمكننا فعله لتنشيط الفقه المقاصدي فهو مجموعة وسائل منها تنشيط التطبيقات المقاصدية بحيث نجد بحوثاً في مقاصد الشريعة في الاقتصاد، و التنمية، و الترفيه.. هذه الدراسات ستقدم الرؤية الكلية بدلاً من النظرات الجزئية التي يغيب معها المعنى الكلي للشريعة، و من وسائل التنشيط إعادة قراءة نشوء المذاهب الفقهية و استكشاف الظروف التي أثرت في نشأتها بحيث نتمكن من فرز تأثير النص الشرعي و تأثيرات البيئة السياسية و الاجتماعية و غيرها في نشوء هذا الفقه أو ذاك، و من الوسائل تنشيط دراسة القواعد الفقهية، و تنظير الفقه فهذه تستكشف كليات الشرع و تتجاوز المعاني الفرعية التي قد تُستغل لتبرير كل اتجاه تقريباً، و من وسائل تنشيط فقه المقاصد توجيه العناية بتغيير المجتمع بروح إيجابية، بعبارة أخرى حين نعمل لنقدم ما نريده، نحن سنضطر إلى تقديم فقه مقاصدي كلي باعتبار الواقع يتضمن مناطات كلية، و ليست مناطات جزئية أكاديمية، أما حين نعمل عملاً سلبياً أي حين نقدم نقداً للموجود دون قراءة للبديل فإن هذا لا يطرح تحديات كلية لنتأمل كيف ننقد الواقع؛ ذلك أننا حين نعترض سنستشهد بأقرب النصوص دلالة ضد محل النقد، فإن تعذر استعنا بالفتاوى، و إذا ضاق الأمر لجأنا إلى سد الذرائع، هذه الأعمال جزئية لا تضطرنا إلى تكوين منظور كلي، و قد اعتدنا في الصحوة على هذه المنهجية فأضعف ذلك فقهنا الكلي المقاصدي. المشاريع التي قُدّمت حتى الآن في فقه المقاصد كبيرة، منها تنظير لفكرة المقاصد، و منها قراءة لفقه المقاصد لدى بعض الفقهاء، و منها قراءة لفقه المقاصد في موضوعات معينة، هذه جهود كبيرة قفزت في العشرين سنة الماضية بفقه المقاصد بكمية كتابة لم يبلغها التراث، و ربما تنافس في جودتها كثيراً مما كُتب في التراث، و في السنوات الأخيرة بدأت تنشط دراسات في الفقه المقاصدي الموضوعي خصوصاً في الجزائر حيث تناول الباحثون وحدات موضوعية مقاصدية، مثل مقاصد الشريعة في الاقتصاد و الترفيه .. بيد أن المسيرة لا تزال في البداية، ستكون أبحاث المقاصد فعّالة حين تقترب مما يُسمّى الآن بالسياسات بحيث تقدم دراسات المقاصد منظورات كلية لقطاعات محددة تتفاعل فيها الرؤية الشرعية مع المعارف الدنيوية، مثلاً مقاصد الشريعة في القطاع النقدي، هل يكفي أن نبتكر عقوداً مبنية على المخارج الفقهية أم أن علينا العمل على وضع عقود تؤسس لتداول المال و توزيع الربح بعدل، وضع رؤية في هذا المجال يتوقف على علم مقاصد الاقتصاد في الشريعة، إضافة إلى علم سياسات النقد بحيث تمتزج الخبرة الدنيوية بالهدي الشرعي لتقدم رؤية قابلة للتطبيق عبر منظور شرعي و واقعي، هنا تصبح مقاصد الشريعة مثمرة ميدانياً، و لا يمكن أن نصف إنتاجاً فكرياً بأنه نموذج صحيح؛ لأن الحق لا يمكن أن يتمحض لدى جهة ما بل الفقه تراكم يعتريه الخطأ و الصواب، المهم صدق النية و بذل الجهد و احترام نصوص الشريعة و إجماع الأمة، و تحري مصالحها بتوازن و دأب، من الطبيعي أن تقع أخطاء، إلاّ أن النقد البناء كفيل بالتصحيح، و هذا شأن الفقهاء لننظر مثلاً إلى مدونات الفقه المقارن و أدوات الجدل و البحث كانت جميعا موجهة لتصحيح الأخطاء أو نصر المذاهب المهم أنها أدوات حوار فقهي ينتهي إلى فقه أكثر نضجاً و تماسكاً نتعبد الله به، و نقيم به دنيانا.
اتفقت مؤخراً الدعوات السياسية والعلمية في التحذير من الاختراق الشيعي للمدى السني، ماذا تقرأ في هذه التحذيرات؟ وكيف تقيمون جهود التقارب بين السنة والشيعة في ظل ما يفعله التيار الإيراني في سنة العراق؟
بكل أسف إن الدول العربية تعيش أحد أسوأ فترات وجودها، و هي عاجزة عن حماية مصالحها، هذه هي المشكلة. إيران ستبقى دولة محدودة القدرات، و لا تشكل تهديداً حقيقياً للدول العربية، بشرط أن تعالج هذه الدول مظالم الأقليات الشيعية فيها، و هذه المظالم يجب أن تُعالج شرعاً بغض النظر عن المصلحة السياسية التي تستدعيها، و لا أظن أن شيعة الخليج لهم طموح في أن يكونوا إيرانيين، و الذي يحاول تضخيم هذا الخطر هم بعض الحكام ليوجدوا لأنفسهم دوراً إقليمياً أمام أمريكا، و إيران جربت تصدير الثورة و أخفقت، و الحل يكمن في تعزيز الدولة السنية و تقويتها بقليل من التنازلات السياسية من الحكام لمصلحة شعوبهم لتعزيز المساءلة و المشاركة؛ لتستطيع الحكومات إدارة شؤون شعوبها بقدر أقل من الأخطاء.(28/228)
ما رأيكم في النقد الذي يمارسه (التيار الليبرالي الحكومي) في الصحافة السعودية للفكر الديني وللتيار الإسلامي بشكل عام؟ هل تشعر بأنها ظاهرة نقد صحية ومهمة؟
للأسف التيار الليبرالي الحكومي وضع نفسه في زاوية ضيقة حين ينتقد الإسلاميين بفم مليان، و يتدثر بصمت مظلم عن أسباب أخطاء الإسلاميين المتعلقة بأداء الحكومة أو حتى بالأفكار التي روّجتها الحكومة بنفسها، و الأخطر من ذلك هو التناقض الأخلاقي في الجرأة على الإسلاميين و التجابن عن أخطاء الدولة و مؤسساتها، لذلك لا أعتقد أن هذا النقد يتمتع بمصداقية معتبرة.
ما مدى رضاك عن التغييرات الجديدة التي طالت المناهج الدينية المحلية، خصوصاً وأنكم قدمتم ورقة سابقة في نقد المناهج؟
التعديلات الحالية في المقررات مجرد تنقيحات جزئية، و التصحيح يبدأ من كتابة المناهج على أساس ما يُعرف في الفقه الإسلامي بفكرة كليات الشريعة و مقاصدها لتؤسس لمكارم الأخلاق، بحيث يخرج الطالب برؤية عامة واضحة، بدلاً من إقحامه في جزئيات الخلافات الكلامية و تفريعات الشريعة، ثم يُقدّم للطالب قدر من التفصيل لا يتعارض مع ما يحتاجه من وقت و طاقة لمعرفة العلوم و المهارات و الصناعات التي يحتاجها في حياته العامة، أما الموضوعات الحساسة مثل الجهاد و الموقف من الكفار و غيرهم فيجب أن توضع في إطارها العام الصحيح، بحيث تتضح الصورة العامة لأحكامها، بدلا من تركها مجملة، حمّالة أوجه، فيؤدي ذلك إلى إنزال أحكامها في غير مواضعها، كما هو شائع اليوم .
هناك شعور متنامٍ بأن المصرفية الإسلامية هي مجرد ظاهرة شكلية، ما رأيك؟
المصرفية الإسلامية تدخل حالياً أزمة تشغيلية؛ لأن جوهر عملياتها قائم على النموذج الربوي، و تلتمس البنوك أقرب الصيغ للنموذج الربوي، مثل المرابحة و التورق، و نقل المخاطر إلى طالب التمويل، هذا النموذج بعيد عن تحقيق مقاصد الشريعة في تحريم الربا بألاّ تؤدي المعاملة إلى ظلم بين المتعاملين، و قد تجنبت الممارسة المصرفية الطريق الصحيح إلى عدالة المعاملات، و تجنب نموذج الربا، و هي العدالة التي تتحقق من خلال توزيع المخاطر بعدالة إما من خلال المشاركة أو غيرها من وسائل تجنب نموذج الربا، و أظن أن هذه المشكلة قد تجد محاولات جادة لتجاوز النموذج الربوي من خلال مبادرات شركات الاستثمار أو إدارة الأصول.
كثير من دعاة الإصلاح في السعودية يشعرون باليأس والإحباط والتشاؤم من المستقبل .. هل ترى نفسك منهم؟
بالعكس تماماً أنا شديد التفاؤل بتحقق انفراجات متوالية باتجاه الإصلاح السياسي و الديني؛ فالظروف التي أوجدت الخلل في هذين المجالين قد تغيرت إلى غير رجعة، قد يستغرق الإصلاح بعض الوقت، و قد تتعرض مسيرته لعثرات لكن النهاية لا بد أن تكون التقدم المستمر، يتضح هذا الاستشراف من خلال العودة إلى الوراء للظروف التي أوجدت البيئة السياسية و الدينية الراهنة، فقد تحولت تلك الظروف إلى عكس ما كانت عليه في كثير من جوانبها، انظر إلى الإرهاب تحول إلى حمى عالمية، و البطالة تمثل تحدياً مثيراً للحكومات الهشة، و النمو السكاني الهائل يدفع باتجاه تذويب خصائص الاقتصاد الريعي المفسد للمجتمعات، و الحرب الباردة صارت جزءاً من الماضي، و الغرب يكتوي بنيران تحالفاته البشعة مع أنظمة المنطقة.
============(28/229)
(28/230)
أجندة الأردن الداخليّة.. وأدواره الخارجيّة!
طارق ديلواني / عمان 3/10/1426
05/11/2005
في موازاة أدوار الأردن الخارجية في العراق وفلسطين، ثمة حراك سياسي داخلي أصبح حديث الساعة لدى الأردنيين المقبلين على تغيّرات بمعنى الكلمة، فيما يتعلق بالسياسة الداخلية الأردنية؛ وفقاً لمتغيرات الخارج .
اليوم يدور الحديث في الأردن عن عدة أجندات داخلية سترسم شكلاً جديداً لهوية الأردن، وستفرز تبعات جديدة لحالة الاستقطاب والحراك في الشارع الأردني بشكل يبعث على التفاؤل والتشاؤم معاً.
فثمة إصلاح للإعلام، وتقسيم للمملكة إلى أقاليم، وثمة تغوّل لإرادة البنك الدولي، وسياسات التصحيح الاقتصادي، وثمة خطط لإعادة إحياء العلاقات مع"إسرائيل"على أسس جديدة غير اتفاقية وادي عربة الموقعة في 1994، فضلاً عن تبني نموذج اقتصادي محدد، وإعادة هيكلة الأردن بأكمله وفق منظور أمريكي خالص!
منذ سنوات بدأت شعارات الإصلاح تأخذ لها مكاناً في الشارع الأردني مطعمة بحديث كبير عن إصلاح شامل يتناول كافة مناحي الحياة بما يضمن إعادة قولبة الحياة في الأردن لتنسجم مع المتغيرات السياسية والإقليمية.
أبرز هذه الأجندات تلك التي تتعلق بتقسيم الأردن إلى أقاليم أقرب إلى نموذج"الحلم الأمريكي"، إضافة إلى أجندة إعادة هيكلة الإعلام الأردني بما يتناسب مع حجم دور الأردن الاقليمي واشتعال الساحة في كل من العراق وفلسطين.
اقتصاديا ثمة توجّه بتحويل الأردن إلى سنغافورة الشرق الأوسط، وعلى الأرض ثمة ما يشير إلى تسارع وحمى اقتصادية سبقت حتى ثورة الاقتصاد في دبي من تضخم لسوق العقارات والاستثمارات والاستقطاب الاقتصادي ومحاولة إنعاش اقتصاد بلد صغير من لا شيء.
ولا يمكن لنا إلا الربط بين الأجندة الداخلية هذه وتلك الخارجية مع قضايا التوطين، والوطن البديل، وقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يضم الأردن أغلبهم على أراضيه.
ببساطة تمثل الأردن الحليف القوي للولايات المتحدة والنموذج الأمثل للسياسات الأمريكية في المنطقة عربياً بكل المقاييس، والمطلوب أن يتم تفكيك الدولة الأردنية
وإعادة صياغتها وهيكلتها، وهو أمر يحدث وسيحدث في باقي الدول العربية الأخرى قريباً. فهل أخفق المشروع الأمريكي في العراق حتى يُسوّق اليوم في بلادنا؟!
إن أخطر ما يُرسم من أجندة داخلية للأردن هو تفكيك مؤسسات الدولة الأهلية منها والحكومية وعلى رأسها النقابات المهنية - وتحديداً نقابة الصحفيين- التي باتت تشكل في السنوات الأخيرة الحصن الأخير في وجه حملات التطبيع والتمييع والأمركة للأردن ..
فقبل سنوات كان إعلام الحكومات الأردنية هو السائد والمسيطر فيما كان يقبع الرأي الآخر في المجهول وسط غياب المهنية والموضوعية وشيوع الأعطيات الحكومية والتملق والنفاق والمحاباة والاسترضاء.
..لكن مع خُطا الإصلاح في الأردن أصبح لزاماً على الإعلام الرسمي أن يتراجع لصالح مزيد من الانفتاح والحريات الإعلامية الأمر الذي يفسر حُمّى النشاط الإعلامي في الأردن الذي يعجّ هذه الأيام بعشرات الفضائيات والمحطات الإذاعية والمواقع الإلكترونية والصحف اليومية والأسبوعية والمجلات ..الخ.
إلا أن هالة هذا الانفتاح الإعلامي ظلت حبراً على ورق، ومجرد شكليات لا تأثير لها بالنظر إلى حقيقة ما يُراد من وراء دعوات الإصلاح الإعلامي هذه.
مؤخراً تصاعد الحديث في الأردن عن مشروع أمريكي «لتطوير» الإعلام الأردني!
وهو حديث جد خطير لا يمكن فهمه إلا على أساس أن ثمة محاولات لـ "أمركة" الإعلام الأردني ليصبح رأس حربة في تمرير الرؤية والمشروع الأمريكيين في المنطقة، والتبشير بالديموقراطية الأمريكية الزائفة بل، وتجميل وجه أمريكا القبيح جنباً إلى جنب مع " كارين هيوز" مستشارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لشؤون الشرق الأوسط!
وتحت ذرائع إعادة الهيكلة والتطوير تبنت لجنة الأجندة الوطنية، وهي لجنة مدعومة من القصر الملكي، و تضطلع بدور خطير في رسم السياسة الداخلية الأردنية، تبنت الدعوة إلى إلغاء إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين الأردنيين وإلغاء المجلس الأعلى للإعلام مما حدا بالكثير من إعلاميي الأردن أن يضعوا أياديهم على قلوبهم خوفاً من الآتي المجهول.
وفي خضم هذا الحراك برز دور كثير من "مراكز التمويل الأجنبي" التي تتلقى تمويلاً من الولايات المتحدة والدول الغربية لدعم هذه التوجهات في محاولة منها للسيطرة على الجسم الإعلامي في الأردن بدعاوى خصخصة الإعلام وإصلاحه وإعادة هيكلته.
في موازاة ذلك ..ثمة خطة طرحتها الحكومة الأمريكية بشكل علني لإعادة تطوير الإعلام الأردني، ورصدت لهذا المشروع ستة ملايين دينار، و طُرِح العطاء في إعلان نُشر في صحف يومية.
أولى خطوات تحرير الإعلام الأردني كانت بتحرير الجسم الإعلامي وإلغاء كافة الجهات المشرفة عليه على المستويين الرسمي، وعبر مؤسسات المجتمع، وذلك بإلغاء إلزامية عضوية نقابة الصحفيين، وإلغاء المجلس الأعلى للإعلام، بمعنى آخر عدم السماح بوجود جهات إشرافية وتنظيمية للإعلام الأردني.(28/231)
والهدف كما هو ظاهر إحلال مراكز التمويل الأجنبي وجمعيات السلام والتطبيع لتمرير ثقافة تبرر الاحتلال الأمريكي في العراق، وتسهيل مهمة التطبيع الإسرائيلي مع كافة الدول العربية والإسلامية ..
و فكرة إلغاء الإلزامية النقابية التي كانت على الدوام سلاحاً تشهره الحكومات المتعاقبة، وهي تحاول تقليص حضور الإسلاميين والمعارضين عموماً في المؤسسات النقابية.
واليوم يُشهَر هذا السلاح في وجه الصحافة والإعلام الأردنيين في مرحلة حافلة بالمتغيرات الإقليمية مما يشير إلى مدى إدراك الأمريكيين لأهمية الإعلام العربي في مسألة تمرير مشاريعهم.
في الأردن ثمة صحف ناشئة تروّج للمشروع الأمريكي في المنطقة علناً ..وأخرى تسوّغ جرائم الاحتلال في العراق ..وفي الأردن إعلام يحاول عبثاً تجميل القبح الأمريكي..في الأردن هوس إعلامي وتراخيص مجانية لاحتلال الأثير عبر محطات إذاعية لا تبث إلا ثقافة الترفيه، ومجلات لا تلتفت إلا لكل ما هو أمريكي!!
وفي الأردن أيضاً خطط وندوات وورش عمل لإعادة قولبة الإعلام الأردني بما يتناسب مع مهمته الجديدة بموازاة مهمة الدور الأردني في المنطقة، ومن ذلك المؤتمر الإعلامي الأخير الذي نظمته منظمة "انترنيوز" الأمريكية في عمان وحضره ما يصل إلى (500) صحفي وإعلامي من مختلف دول العالم ليناقش "تحرير الإعلام الأردني" ولا ندري تحريره ممن ومن ماذا؟!
الأكثر صراحة ما قاله رئيس شبكة (انترنيوز) الأمريكية،( دافيد هو مان) في المؤتمر: إن الأردن يأخذ مبادرة القيادة في الإصلاحات الإعلامية في المنطقة! الرجل -ببساطة- يريد إعلاماً يمارس الدعاية للاحتلال الأمريكي وسط جمهور من المتلهفين للقيام بهذا الدور.
يبدو البيت الأبيض اليوم أكثر إدراكا لحقيقة تغيير وهيكلة الدول العربية بدءاً بالإعلام . فهل يكون الإعلام العربي رأس حربة لـ"أمريكا"؟!
============(28/232)
(28/233)
إسرائيل وتنشيط التطبيع مع العالم الإسلامي
مع مصر:
بينما تجاهلت وسائل الإعلام المصرية زيارته للقاهرة.. قال وزير الزراعة الإسرائيلي حاييم اورون: إن الزراعة هي جزيرة التعاون في عقدين من السلام الفاتر بين مصر وإسرائيل، وأضاف اورون قائلاً في مقابلة مع رويترز في القاهرة أثناء زيارته لها في 12 فبراير 2000: أفضِّل أن تكون هذه الجزيرة لها جسران؛ أحدهما يصل إلى قطاعات أخرى في مصر مثل الصناعة، والآخر يربط مصر وإسرائيل بالدول الأخرى في المنطقة.
كان اورون يتحدَّث بعد أن وقَّع مع نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة المصري يوسف والي اتفاقية لتوسيع التعاون بين البلدين ليشمل مجالات جديدة، مثل استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وإنتاج البذور لنوعيات جديدة من المحاصيل، ومكافحة الآفات والإدارة الاقتصادية والتدريب.
وتوجد بالفعل برامج تدريب بين البلدين تهدف إلى توطين ألوف من خريجي الجامعات في الصحراء الغربية في مصر، ويخطِّط البلدان أيضًا لإقامة وحدات تجريبية في المزارع الأسرية في مصر يدعمها خبراء إسرائيليون ومصريون.
وقال اورون: إن التعاون الاقتصادي لا يمكن أن ينتعش بشكل مناسب دون الوصول إلى سلام شامل بين إسرائيل وجيرانها من الدول العربية، مشيرًا إلى أن توقيع اتفاقات سورية ولبنان سيعطي الاتفاقيات المبرمة بالفعل مع مصر والأردن معنى جديدًا.
وأضاف: إن الوصول إلى سلام شامل قد يفتح آفاق تعاون إقليمي في مجالات حيوية مثل المياه والطاقة، وأيضًا الطرق والسكك الحديدية ومشاريع القطاع الخاص، ومضى قائلاً: مصر تريد بيع الغاز إلى دول أخرى، وسيكون من المنطقي للغاية إقامة خط أنابيب إلى تركيا يزوِّد الدول التي يمرّ بها.
وقال: وقد ينقل خط أنابيب من تركيا المياه إلى إسرائيل وسورية والأردن والمناطق الفلسطينية.
وأشار إلى مصنع الدلتا للمنسوجات الذي يملكه مستثمرون إسرائيليون في مصر على أنه مثال لتعاون ناجح بين التمويل والإدارة والتقنيات العالمية الإسرائيلية والعمالة المصرية. وقال: إن العقبات الأساسية ذات طابع سياسي، موضحًا أن إسرائيل ربما تكون بالفعل قد أثَّرت على الزراعة المصرية أكثر من أي دولة أخرى، واستطرد قائلاً: التقنيات الإسرائيلية تناسب احتياجات مصر بسبب المناخ والري والبذور والأشجار والخبرة، إنه تعاون طبيعي للغاية.
يُذكر أن الوزير الإسرائيلي تناول الغذاء مع والي في مقر إقامة السفير الإسرائيلي بالقاهرة، في الوقت الذي تعرَّض فيه والي لانتقادات حادة من المعارضة المصرية بسبب تطبيعه العلاقات مع إسرائيل.
ومع باكستان:
من ناحية أخرى اعترف الوكيل المساعد في وزارة التجارة الباكستانية "نسيم قرشي" بأنه ليس من الصعب أن تصل البضائع الإسرائيلية إلى السوق الباكستانية عبر وسيط ثالث، معللا ذلك بالفجوات القائمة في نظام التجارة العالمية -والتي يمكن استغلالها من قبل الشركات العالمية والتجار المحليين على حد سواء- إذا غيّروا شهادات المنشأ في الدولة الوسيطة واستصدروا شهادات جديدة ليتم تصديرها إلى باكستان أو العكس.
وأكد عدد من المسؤولين الرسميين وتجار كبار في تصريحات لصحيفة "ذي نيوز" اليومية: أن البضائع الإسرائيلية تصل إلى السوق الباكستانية وكذا العكس، إذ كشف تاجر تصدير مختص بتجارة القطن والصوف في مدينة فيصل آباد الصناعية في إقليم البنجاب الباكستاني: أن التبادل التجاري عبر دولة ثالثة قد بدأ منذ عام 1992 خلال حكومة نواز شريف الأولى، وأنه في تلك الفترة قدمت الإدارة الأمريكية خلال رئاسة جورج بوش احتجاجًا للسفارة الباكستانية في واشنطن مفاده: تضرر الصادرات الأمريكية من القطن والصوف لإسرائيل بسبب كبر حجم الصادرات الباكستانية من الصوف والقطن للسوق الإسرائيلية عبر دولة ثالثة، غير أن السفيرة الباكستانية في واشنطن آنذاك عابدة حسين (من أوائل الذين دعوا في باكستان للاعتراف بإسرائيل)، بعثت للإدارة الأمريكية ما مفاده: أنه لا توجد علاقات رسمية بين باكستان وتل أبيب، لذا فإن الحكومة الباكستانية غير معنية بالاحتجاج الأمريكي.
وذكر مظهر صديقي، وهو المدير التنفيذي لشركة زيب للاستيراد والتصدير، وهي من الشركات التي تتمتع بتقدير واسع في السوق الباكستانية ومقرها مدينة لاهور- أن العديد من المراكز التجارية والشركات الكبرى التي تريد أن تحصل على ربح طائل تقوم بلعب دور الوسيط، وأشار إلى أن عددًا من المراكز التجارية العالمية والشركات الكبرى في الخليج وفي دبي تلعب هذا الدور، إذ تقوم باستصدار شهادات منشأ جديدة لحظة وصولها للدولة الوسيطة ووضع أغلفة جديدة غير التي تشير إلى أنها من إسرائيل من أجل خداع سلطات الجمارك التي تنظر للبضائع ولشهادات المنشأ الأصلية.(28/234)
وأضاف محمد خالد موكاشي مدير المبيعات الإقليمي السابق في باكستان لشركة "آي سي آي" متعددة الجنسيات للمنتجات الكيميائية: أنه من المعلوم في السوق العالمية أن تغيير شهادات المنشأ أمر متكرر وتستخدمه الكثير من الشركات العالمية لتسويق بضائعها في دولة أو أخرى، وأوضح أنه من السهولة بمكان لأي تاجر باكستاني أن يستورد بضائع إسرائيلية بنفس الطريقة.
وكشف موكاشي أن الأرز والسكر والقطن والصوف هي البضائع التي تحتل الصدارة من بين الصادرات الباكستانية لإسرائيل عبر دولة ثالثة غالبًا ما تكون الهند، وأوضح أنه بسبب حاجة الدولة (الباكستانية) للعملات الأجنبية ربما تغض الطرف عن الأمر.
ونقلت الصحيفة عمن دعته ضابطًا كبيرًا برتبة عالية في الشرطة الباكستانية فضل عدم ذكر اسمه قوله: إنه خلال فترة بي نظير بوتو الثانية التي امتدت من أواخر 1992 وحتى 1996 تم استيراد قنابل غاز مسيلة للدموع من إسرائيل عبر دولة ثالثة، وأوضح أن الشرطة استخدمت بعض هذه القنابل المسيلة للدموع خلال المظاهرات التي قامت بها الجماعة الإسلامية كبرى الأحزاب الدينية الباكستانية في أكتوبر ونوفمبر عام 1996 والتي أدت إلى حلّ الرئيس فاروق ليغاري لحكومة بي نظير في نوفمبر من العام نفسه. وكشف الضابط الباكستاني أن القنابل كانت قد انتهت مدة صلاحيتها عندما استلمتها الشرطة من حكومة بي نظير بوتو.
وذكرت أن حكومة نواز شريف حاولت إقامة علاقات تجارية غير مباشرة وغير رسمية مع إسرائيل، ونقلت عن مصادر وصفتها بأنها عليمة جداً أن عددًا من الصادرات الإسرائيلية تصل إلى السوق الباكستانية بطرق غير مباشرة مثل: المنتجات الكيميائية والبلاستيكية والميكانيكية، إضافة إلى منتجات ذات تقنية عالية مثل الإلكترونيات، إذ صنعت خصيصا للسوق الباكستانية. وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد ذكرت في تقرير لها أخيرًا أن حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الباكستاني يصل إلى ملايين الدولارات، وأنه يتم عبر دولة ثالثة.
ومع دول البلقان:
من ناحية أخرى ذكرت مصادر عبرية أن إسرائيل تسعى حالياً لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول البلقان؛ تمهيدًا لتنفيذ مشروعات تنموية فيها. ومن المقرر أن يقوم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي "نواف مصالحة" هذه الأيام بزيارة عدد من دول البلقان على رأس وفد من رجال أعمال إسرائيليين لفحص إمكانيات التعاون الاقتصادي وتنفيذ مشروعات البنية التحتية بما فيها الطرق والكهرباء ووسائل الاتصال والتقنية الحديثة.
وقال مصالحة للإذاعة العبرية: إن محادثاته مع زعماء دول البلقان كانت حول آخر ما استجد من تطورات وتوتر في منطقة الشرق الأوسط، موضحًا أنه أطلع الزعماء الذين التقى بهم على تقرير مفصل حول المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين وإسرائيل وسورية وعن الأحداث الأخيرة في جنوب لبنان. وقالت الإذاعة: إن من المقرر أن يلتقي نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بالرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش وبنوابه ووزير خارجيته، وبقادة الديانات الثلاث ورئيس الجالية اليهودية في البوسنة والهرسك
==============(28/235)
(28/236)
بعد عشر سنوات..ماذا حقق مشروع برشلونة؟
إدريس الكنبوري/ الرباط 25/10/1426
27/11/2005
قبل عشر سنوات انطلق ما بين بلدان الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة، واثنتي عشرة دولة من جنوب المتوسط- حوار متعدد الأبعاد انتهى إلى إرساء مشروع أُطلق عليه مشروع برشلونة الأورومتوسطي، نسبة إلى عاصمة كاتالانيا الإسبانية التي احتضنت المؤتمر الأول للشراكة الأورومتوسطية في نوفمبر من عام 1995. ومنذ ذلك الوقت بدأ الحديث عن مشروع الشراكة هذا، وانتهى ما كان معروفاً في السابق بالحوار العربي الأوروبي الذي خلص إلى الإحفاق قبل ذلك بوقت طويل؛ بسبب العجز الأوروبي عن منافسة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وبسبب عدم استعداد العالم العربي للمراهنة على أوروبا، بينما هو يتسابق إلى وضع كامل البيض في السلال الأمريكية، مستعيداً مقولة السادات الذي كان يقول بأن 99% من أوراق الحل في الشرق الأوسط توجد بيد الولايات المتحدة.
وتُعدّ مدة عقد من الزمن من عمر هذا المسار بين الشمال والجنوب كافية لاستخلاص أهم ما طبع تلك المرحلة، والتأمل في المردود السياسي والاقتصادي للتجربة، وما إن كانت قد حققت أهدافها التي رسمتها في البداية، وجوانب الاستفادة العربية منها.
عودة إلى الجذور
بدأ المشروع الأورومتوسطي الذي انطلق في النصف الأول من تسعينيّات القرن الماضي في سياق حزمة من التحولات الدولية والإقليمية التي أفرزتها مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وبروز طموح أمريكي للعب دور أكبر على المستوى الدولي، يوازيه تطلّع أوروبي إلى مزاحمة الزعامة الأمريكية من خلال السعي إلى المزيد من الارتباط، وإنشاء عملة نقدية موحدة، والتوسع شرقاً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية.
وقد أُريد لمشروع برشلونة أن يكون تتويجاً لطموح أوروبي في لعب دور أوسع في العالم العربي والضفة الجنوبية للمتوسط، انطلق منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. ولكن التحديات والاضطرابات التي كانت تعيشها بلدان المنطقة في النصف الأول من التسعينيات أقنعت الزعماء الأوروبيين بضرورة المسارعة إلى إيجاد إطار يجمعها ببلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، من بين تلك التحديات وعلى رأسها بالدرجة الأولى المسألة الأمنية التي ظهرت مع الأزمة الجزائرية في بداية التسعينيات، وظهور المد الإسلامي في المنطقة؛ إذ باتت أوروبا متخوفة من أن تتسع دائرة ذلك المد
ليشمل باقي بلدان المنطقة، وبروز مشكلة الهجرة السرية التي كانت حتى ذلك الوقت ظاهرة جديدة، وكذلك المسألة السكانية بين ضفتي المتوسط التي كان الأوروبيون يرون فيها قنبلة موقوتة تهددهم ، تزداد مخاطرها مع ظروف الفقر وانعدام فرص التنمية الحقيقية في بلدان الجنوب، وما يعنيه ذلك من انعكاسات على الأمن والاستقرار في بلدان الشمال، وهذا ما يفسر تركيز إعلان برشلونة الأول على قضايا الأمن والتعاون الأمني بين الضفتين، ووضع سياسة أمنية مشتركة بين الجانبين. وإلى جانب هذه التحديات والاضطرابات كان هناك أيضاً التوجس الأوروبي من الدور الأمريكي في المنطقة بعد مؤتمر الدار البيضاء عام 1994 حول الشرق الأوسط وشمال إفريقية، وبعده مؤتمر عمان. فقد بدا للأوروبيين أن الأمريكيين يحثون الخطا لجني ثمار الفراغ الذي خلفته مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وشيوع الحديث عن نظام دولي جديد يجري البحث في سيناريوهاته المختلفة وأهم الفاعلين داخله.
ميزان غير متكافئ
وتظهر لنا قراءة هذه الجذور التي كانت خلف قرار الاتحاد الأوروبي بإنشاء إطار للشراكة مع دول الجنوب نوع التوازن الذي ساد وظل سائداً طيلة المرحلة الفائتة من عمر المشروع الأورومتوسطي ما بين بلدان الضفة الجنوبية والضفة الشمالية. ذلك أنها تبرز لنا بداية أن الأوروبيين كانوا واعين بما يريدون من مشروع الشراكة، ويتوفرون على أجندة خاصة بهم، ويحدّدون أهدافهم ضمن سياقين، الأول: تحصين القلعة الأوروبية في مواجهة بلدان الجنوب التي تسير بشكل لا يقدم أي تصور واضح لما يمكن أن يكون عليه مستقبلها، بالنظر إلى استشراء الفساد فيها ، ووجود فجوة بين الحكام والشعوب ، وانتشار الفقر والبطالة مما يهدد استقرارها على المدى المنظور.
والثاني: الوقوف في وجه التقدم الأمريكي الذي كان يسعى هو الآخر إلى وضع أسس علاقة جديدة مع بلدان المنطقة، بدأت مع مؤتمر الدار البيضاء، وتجلت بوضوح لدى الإعلان عن الشراكة الأمريكية ـ المغاربية عام 1998، أو ما سُمّي وقتها بمشروع "إيزنستات"، نسبة إلى نائب كاتب الدولة الأمريكي في التجارة وقتذاك.(28/237)
أما على الجانب الآخر، فلم يكن هناك تنسيق بين بلدان الضفة الجنوبية من شأنه أن يشكل عامل توازن مع الأوروبيين، ويحدد أجندة خاصة بها بالتوازي مع الأجندة الأوروبية. فالاتحاد المغاربي كإطار إقليمي وحيد يجمع أكثر البلدان الاثني عشر التي وقّعت على إعلان برشلونة كان إطاراً جامداً بسبب الخلافات المغربية ـ الجزائرية، والخلافات الليبية ـ المغاربية على خلفية تخلي الأعضاء الآخرين في الاتحاد عن دعمهم لها في ملف (لوكيربي) وطائرة (يوتا) الفرنسية، وفوق ذلك تم استبعادها من المشاركة في قمة برشلونة نظراً لوجودها تحت طائلة العقوبات المفروضة عليها من
الأمم المتحدة منذ العام 1992، وحضرت فقط بصفة مراقب ، فشاركت كل دولة من الدول الأربع المتبقية ( المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس ) منفردة لا كجزء من إطار إقليمي مشترك. ومن جهة ثانية تم إقحام إسرائيل في مشروع الشراكة المتوسطية من طرف الأوروبيين ، كدليل على رغبتهم في لعب دور في مسلسل السلام في المنطقة، وكان ذلك أحد عناصر الهدم المبكرة في ضوء الإخفاق المتكرر لمشاريع التسوية السياسية، وعدم حصول ميل عربي ـ علني على الأقل ـ إلى التطبيع مع الدولة العبرية وقتها. كل هذه المعطيات جعلت مسلسل برشلونة حوارًا ناقصاً بين طرفين يوجدان في وضعية غير متكافئة، طرف يستمع فقط ، وآخر يتحدث أو يملي.
ثلاثة مسارات
تمحور مشروع الشراكة الأورومتوسطي كما صاغه إعلان برشلونة عام 1995 حول ثلاثة مسارات: المسار السياسي والأمني، من خلال السعي إلى إقامة منطقة مشتركة للسلام والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويرتبط بهذا الهدف تقوية التعاون الأمني بين الأطراف، وتنسيق السياسات لمحاربة الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة والقيام بإصلاحات سياسية.
ثم المسار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي يرمي إلى بناء منطقة مشتركة للازدهارمن خلال حل معضلة المديونية التي تثقل كواهل بلدان الجنوب، وتشجيع التعاون بين الأطراف، ومساعدة الأوروبيين لدول الجنوب من أجل تحقيق النهوض الاقتصادي، وإيجاد فرص الشغل، وإدخال الإصلاحات الهيكلية على مؤسساتها الاقتصادية، وتعديل القوانين الموجودة لجلب الاستثمار، عبر آلية أطلق عليها برنامج "ميدا" للدعم المالي، ويسعى هذا المسار إلى إنشاء منطقة للتبادل الحر بحلول عام 2010. أما المسار الثالث والأخير فهو الجانب الثقافي والاجتماعي، ويرتبط بذلك إصلاح البرامج التعليمية، وتنمية الموارد البشرية، وإيجاد ثقافة للتسامح واحترام الهوية الثقافية للدول.
وبالرغم من أنه أريد لهذه المسارات الثلاثة أن تسير متلازمة مع بعضها، إلا أن الواقع أظهر في السنوات القليلة التالية للتوقيع على إعلان برشلونة، وطيلة المؤتمرات التي عُقدت حتى اليوم ( مالطا 1997، شتوتغارت 1999، مرسيليا 2000، فالنسيا 2002، نابولي 2003 واللوكسمبورغ 2005) أن الأوروبيين غير مستعدين للوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم أمام بلدان الجنوب، سواء من خلال عدم الجدية في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية تحديدا ؛ إذ بقيت علاقة أوروبا بالمنطقة قاصرة على الدعم المالي دون لعب أي دور سياسي، وفي حالات كثيرة كانت تتهرب من إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولا تتخذ قرارات واضحة وصريحة، أو من خلال ضعف المعونات المالية المرصودة ضمن برنامج (ميدا) التي لم ترق إلى طموح بلدان الضفة الجنوبية؛ إذ لم تكن تمثل قيمة ما يقدمه هذا البرنامج في الفترة ما بين (1995 -2000) سوى خمسة
مليارات يورو، وظل نفس الغلاف المالي تقريباً مخصصاً للمرحلة الثانية من البرنامج للفترة ما بين (2000 -2006)، مما أعاق -بحسب العديد من المهتمين الأوروبيين أنفسهم- تحقيق أهداف مشروع برشلونة فيما يتعلق ببلدان الجنوب، الأمر الذي دفع الأوروبيين إلى إعادة النظر في البرنامج، فأعلن وزير الخارجية الإسباني (ميغيل أنخيل موراتينوس) لوكالة (أوروبا بريس) قبل أسبوع أن الاتحاد الأوروبي سيرفع الدعم المالي المخصص ضمن برنامج (ميدا) للفترة ما بين (2007 -2013) إلى (1500) مليون يورو، الأمر الذي يؤكد أن الأوروبيين ـ بعد عشر سنوات من انطلاق المسلسل ـ باتوا يدركون محدودية الشراكة كما تم وضعها في إنفاذ أهدافها المرسومة.
الأجندة الأمريكية في مقابل الأجندة الأوروبية
لقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 منعطفاً حاسما بالنسبة لمسار الشراكة الأورومتوسطية، وللسياسات الأوروبية حيال الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط الذي أصبح أكثر فأكثر جسراً لعدم الاستقرار ومنطقة مليئة باحتمالات التهديد المستقبلي.(28/238)
خلطت السياسة الأمريكية التي قادها اليمين الأمريكي المحافظ الأوراق في المنطقة وفي الكثير من مناطق العالم، إذ سعت الإدارة الأمريكية بزعامة الجمهوريين والمحافظين الجدد إلى تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، "تحالف الراغبين" في الالتحاق به حسب مقولة الرئيس الأمريكي جورج بوش، كان أحد أهدافه -وبشكل واضح- إبعاد أي نفوذ أوروبي في المنطقة المتوسطية وباقي جهات العالم، والتمكن من جر الأوروبيين وراء واشنطن تحت لافتة محاربة الإرهاب، واسترجاع النفوذ الأمريكي في أوروبا إبان مرحلة الحرب الباردة حينما كانت الإدارة الأمريكية تسير أمام الأوروبيين بدعوى محاربة الشيوعية وتتزعم حرب النجوم ضد الاتحاد السوفياتي. فظهر التنافس على أشده بين الاتحاد الأوروبي ممثلاً في الثنائي الفرنسي ـ الألماني؛ إذ أدرك البلدان أن واشنطن تحضر من وراء رفع شعار محاربة الإرهاب المزعوم خططاً جديدة تنفرد بوساطتها بمقاليد الأمور في السياسة الدولية. وصار التنافس أكثر شراسة عندما هاجم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قبيل الحرب على العراق كلاً من برلين وباريس، واصفاً إياهما بـ"أوروبا العجوز" التي لا تحتاج إليها واشنطن بقدر ما تراهن على البلدان الأخرى الملتحقة حديثاً بالاتحاد الأوروبي كقوى صاعدة وحليف قوي للأمريكيين.
في أعقاب تلك الأحداث وضعت الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا عام 2002، الذي شمل هو الآخر البعد الاقتصادي والسياسي والثقافي والأمني، وفق تقسيم معين لبلدان العالم العربي والإسلامي. وقد لقي هذا المشروع في بدايته ردود فعل أوروبية غير مرحبة، خاصة
من لدن فرنسا وألمانيا، وتم وضع ورقة أوروبية حول الإصلاحات السياسية في العالم العربي ودمقرطة الأنظمة العربية، وأخيراً انتهى الأمر عند نقطة تقاطع بين الأوروبيين والأمريكيين الذين اضطروا ـ لتحصيل الدعم الأوروبي ـ إلى إدخال تعديلات على ورقتهم، وعقد أول مؤتمر لتسويق المشروع في العاصمة المغربية الرباط.
وقد أظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير أن العالم العربي والإسلامي أصبح مرتهناً بين نوعين من الأجندة: الأجندة الأمريكية التي تتجلى في مشروع الشرق الأوسط الكبير، والأجندة الأوروبية الممثلة في مشروع الشراكة الأورومتوسطية، وبالقدر الذي كان الأول يتقدم بخطوات محسوبة عبر إجراءات أقدمت عليها الإدارة الأمريكية مع عدد من البلدان العربية والإسلامية من المغرب إلى باكستان، شملت كافة الجوانب من الأمن والتعليم إلى الاقتصاد والتحالفات العسكرية، مرفقة بضغوط خفية أو ظاهرة، كان المشروع الثاني يتراجع تدريجياً ليصبح مجرد ذكرى، وتحولت اللقاءات التي كانت تُعقد في إطاره إلى شكل من الندوات أو حلقات النقاش أو لقاءات المجاملة.
الأمن أولاً... الأمن أخيرا ً
من الواضح أن السنوات العشر الماضية لم تكن في مستوى توقعات بلدان الجنوب التي راهنت عليها في البداية؛ إذ بالرغم من الخطابات الأوروبية المتكررة استمرت الفجوة الواسعة بين بلدان الضفتين نسبة إلى الدخل الفردي وحجم النمو الداخلي، وأخفقت هذه الدول في التوصل إلى صيغة للتنسيق أو التعاون الاقتصادي فيما بينها كما هو محدد في إعلان برشلونة الذي يتحدث عن تكامل اقتصادي جنوب ـ جنوب قبل الدخول في مرحلة 2010، وكمثال على ذلك فإن المبادلات بين بلدان الاتحاد المغاربي الخمس، وهي المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ، لا تتجاوز 3% من حجم مبادلاتها مع الخارج. واستمر الوضع في بلدان الجنوب خلال هذه الفترة مستقراً في مكانه تقريباً؛ إذ لم تتجاوز نسبة النمو 3.9% ما بين (1995 -2003)، أما نسب البطالة فلا تزال تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ولا تزال بلدان الجنوب بعيدة عن طموح الوصول إلى (90) مليون منصب شغل في أفق عام 2020. ولكن المفارقة في مسلسل الشراكة أن الأوروبيين في الوقت الذي يتحدثون فيه عن تنمية الجنوب يغلقون الباب أمام منتجاته الفلاحية في اتفاقيات التبادل الحر، ويدعمون الفلاحة الأوروبية، مما يكشف أن الأوروبيين لا يضعون في أولوياتهم النمو الاقتصادي لبلدان الجنوب بقدر ما يهتمون بالجانب الأمني فحسب، ويتساءل بعض الخبراء الأوروبيين: إذا كانت أوروبا قد
أخفقت طيلة السنوات الماضية في منح شيء للجنوب عندما كان الاتحاد يتشكل من (15) دولة، فكيف تستطيع فعل ذلك اليوم بعد أن أصبحت منشغلة بالبلدان العشرة من شرق أوروبا واتسعت إلى (25) دولة؟(28/239)
ويظهر جلياً أن مرحلة ما بعد تفجيرات الدار البيضاء ومدريد واستانبول ولندن وعمان قد دفعت الاتحاد الأوروبي إلى الإقرار بأن الأولوية للأمن وتحصين ذاته في مواجهة المخاطر المحتملة، فالأوروبيون اليوم باتوا منشغلين أكثر بقضيتين: قضية الأمن والإرهاب، وقضية تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وإذا كانت تفجيرات بعض العواصم الأوروبية تعطي مصداقية لهذا الاهتمام بنظر الأوروبيين، فإن ما حصل من مآس على الحدود بين سبتة ومليلية المحتلتين في شهر أغسطس الماضي وفي جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، وما حدث في بعض الأحياء الشعبية بالعاصمة الفرنسية قبل أيام- يزيد في قناعة الأوروبيين بمخاطر الهجرة غير المتحكم بها، ويحفزهم إلى إيجاد سياسات للتصدي لهاتين القضيتين، بينما على بلدان الجنوب الوقوف في الطابور، بانتظار أن تسحقهم مقتضيات التبادل الحر عام 2010، إذ لا أحد ـ وعلى رأس هؤلاء الأوروبيون أنفسهم ـ يستطيع الزعم بأن الخمس سنوات المتبقية ستكون كافية لدول الجنوب من أجل حسم قضايا ثقيلة مثل: رفع نسبة النمو، ومحاربة البطالة، وجذب الاستثمار، وتأهيل الاقتصاد الداخلي
==============(28/240)
(28/241)
التسامح الإسلامي
د.سلمان بن فهدالعودة 23/12/1427
13/01/2007
"التسامح" كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراق، والأمم كلها، ولذلك علينا أن لا نضع أيدينا على قلوبنا، وأن لا نخشى من طرح هذا الموضوع، بل يجب أن نلح عليه لنكسب أنفسنا والآخرين .
"التسامح " يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده، أو اختلف معك اختلافاً غير أخلاقي، فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى، وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان.
"التسامح" هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفض التسامح فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين، وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب يموج بذكريات مؤلمة عن الآخرين .
وكثيراً ما نسمع عن التسامح في التعامل مع الأديان الأخرى ونحن نجد أن نبيّ الإسلام r يقول : (ألا من ظلم معاهداً أو انتقض أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) أخرجه أبو داود.
ومن المتواتر المشهور أن أصحاب الديانات من اليهودية والنصرانية والمجوس والصابئة عاشوا في ظل الحكم الإسلام قروناً طويلة محفوظةً كرامتهم، مرعيةً ذممهم وعهودهم، ولو شاءت الحكومات الإسلامية عبر العصور لصنعت معهم كما صنع (فرناندو) مع المسلمين في الأندلس حينما قام بطردهم وقتلهم خلال مجزرة بشعة سموها (محاكم التفتيش)، أو كما صنع لويس الرابع عشر الذي اعتبر البروتستانتية ديانة محرمة يعاقب عليها القانون أو يصفي أهلها، أو كما صنع البريطانيون الذي حرّموا على اليهود أن يدخلوا إلى أرض بريطانيا لأكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة، بينما المسلمون لم يستخدموا في تاريخهم هذه اللغة ولم يقوموا بمثل هذه التصفيات، مع أنهم كانوا أسياد الموقف عبر قرون طويلة تزيد على عشرة قرون، فأي قيمة عملية ونظرية أعظم من هذا التسامح الذي جسّده الإسلام، يقول الله تعالى: " قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ .."[الجاثية:14]، فالمؤمنون يغفرون للمشركين الذين لا يرجون أيام الله، يقول الله جل وتعالى: "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ"[الزخرف:89]، وقال سبحانه: "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"[الحجر:85]، وقال سبحانه وتعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"[الأعراف:199]، وقال عن صفة عباد الرحمن المؤمنين: "...وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"[الفرقان:63].
فهذه معاني قرآنية محكمة من قطعيات الدين تدل على أن التسامح لغة إسلامية أصيلة، ومعنىً أخلاقي شرعه الإسلام، وحث عليه قبل أن تولد فلسفة التسامح في الفكر الغربي الحديث.
لقد كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتى مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك، ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل فلقد عفا رسول ا صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سلول مراراً، وزاره لما مرض، وصلى عليه لما مات، ونزل على قبره، وألبسه قميصه، وهذا الرجل هو الذي آذى رسول ا صلى الله عليه وسلم في عرضه يوم حادثة الإفك؛ فيقول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتصلي عليه وهو الذي فعل وفعل؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا عمر، إني خُيّرت فاخترت قد قيل لي : "اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ"، ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت) أخرجه البخاري، فنسخ جواز الصلاة عليهم بقوله تعالى: "وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ"[التوبة:84]، لكن التسامح لم ينسخ أبداً.
ولما جاء رجل ورفع السيف على صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني يا محمد؟ ثم سقط السيف من يده، ثم أخده صلى الله عليه وسلم وقال: (من يمنعك مني؟) أخذه إلى أصحابه وأخبرهم الخبر، فتعهد للنبي r أن لا يحاربه، ولا يكون مع قوم يحاربونه، فالتسامح أحرجه وأخذ منه كل قلبه.
وفي الصحيحين يقول ابن مسعود: كأني أنظر إلى صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
والإمام أحمد بن حنبل يقول أشهد أني قد عفوت عن المأمون، وما يضرني أن لا يعذّب أحد بسببي.
وإذا أردت أن تعرف قيمة العفو والصفح والتسامح تذكر الأخطاء التي وقعت منك تجاه الآخرين وحاجتك للعفو من الله عز وجل: "أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ"[النور:22]، وقد نزلت هذه الآية في قصة الصديق وإيلائه ألا ينفق على مسطح بن أثاثة بعد وقوعه ومشاركته في حادثة الإفك.(28/242)
إن على العلماء والدعاة وأصحاب الخطاب الإسلامي أن يقوموا بإشاعة هذا المبدأ الإسلامي العظيم: مبدأ "التسامح"، وتطبيعه بين الناس بشرائحهم وتياراتهم وصنوفهم وأشكالهم وحاكمهم ومحكومهم، في الخطب والدروس والمحاضرات والعلاقات؛ ليكونوا مضرب المثل في التسامح والتدرب على هذا الخلق النبيل.
إن من المهم أن نتحدث عن التسامح مع الذين نتفق معهم، وأيضاً مع أولئك الذين نختلف معهم أو ننتقدهم، فيجب أن نسامحهم.
أنت محتاج إلى المسامحة من نفسك ومن الآخرين، وكثير من الناس يتألم لأخطائه الماضية ويظل يحملها، فلا بد أن يكون متسامحاً مع نفسه، وقادراً على نسيان أخطائه الماضية، ومسامحة كل الناس، وجرّب أن تتصدق بعرضك عليهم؛ فسوف تجد أن قلبك يتسع ويمتلئ بالسرور، وسوف تتنفس الصعداء، ولا تأنف من قولهم، فقد لا يقابلونك بالمثل:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ……
وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ……
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ……
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ……
وليس كبير القوم من يحمل الحقدا
salman@islamtoday.net
سلمان بن فهد العودة
22/12/1427
=============(28/243)
(28/244)
الموتى لا يتكلمون
د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري 19/12/1423
20/02/2003
ينتهي موسم الحج مودعاً دائماً بعبارة: (نجاح موسم حج هذا العام)، ويتكرر النجاح دائماً وكاملاً، وأما ما يحفل به من حوادث وأحياناً كوارث فإن التعامل الإعلامي معها يتم بطريقة غاية في الغرابة والعجب!!
إننا بحاجة - بعد كل موسم- إلى أن نواجه الحوادث بالبحث عن أسبابها، والحديث الصريح عن جدوى الخطط المعمول بها، وعن أخطاء التنفيذ، وعن التجاوزات التي تعكر روحانية النسك، وتشوه ضخامة الإنجازات، وكم من أخطاء تبدو صغيرة لكنها تحجب أعين الحجاج عن رؤية كثير مما يفعل من أجلهم.
في الأعوام السابقة تعاقبت حوادث كانت الوفيات فيها بالمئات، وكان آخرها حادث هذا العام الذي انكشف عن وفاة أربعة عشر حاجاً - نسأل الله لهم الرحمة والغفران- طالعنا الخبر وما قيل عما حدث، وقرأنا الحروف ونقاطها، والسطور وما بينها؛ نبحث عن عبارات تدل على فداحة زهوق الأرواح، وشناعة الميتة التي واجهها هؤلاء الحجاج في هذا الصعيد المعظم فلم نجد! بحثنا عن وعد بالتحقيق فيما جرى ومتابعة للأسباب، وعلاج لها في المستقبل فلم نجد!
قرأت الخبر فإذا هو يتضمن:
(أ) نعياً لأولئك الحجاج.
(ب) تحميلهم المسؤولية عمّا جرى، وأن السبب في ذلك الطبيعة الإنسانية التي لا يمكن التحكم فيها؟!.
(ج) الافتراض المسبق بأن الإجراءات سليمة، ولا خطأ فيها بحال، وليست سبباً، ولا يمكن أن تكون.
شعرت بالفجيعة، وتساءلت:لماذا نتعامل مع هذه الحوادث الكارثية بطريقة
(المرحوم كان غلطان؟)
إن من المسلّمات التي يدركها العقلاء جميعاً أن (الموتى لا يتكلمون) ولن يستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم، ولا أن يبرّروا ما حصل منهم، ويدينوا ما حصل لهم.
كيف سيكون شعور كلٍّ منّا لو كان أحد المتوفَيْن قريبه القريب، أو صديقه الحميم؟ بل هل نتصور حالنا مكان واحد من هؤلاء الذين ماتوا بتلك الطريقة الشنيعة ركلاً بالأرجل ودهساً بالأقدام؟ هل نقبل أن يكون السبب هو السبب، والخبر هو الخبر؟
إن هلكة أكثر من ألف نفس في نفق، أو المئات حول الجمرات، أو أربعة عشر في طريق سالكه من طرق المشاعر يجب أن يتعامل معه بما يليق بعظم الفاجعة، وحجم الكارثة، وحرمة النفس المسلمة، وإن نفساً واحدة من هؤلاء هي أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة التي يحج إليها الملايين من عباده.
إن الحج ليس مفاجأة في وقته ولا في مكانه ولا في شعائره، فهذه أيامه وأماكنه وأحكامه منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، فلماذا تتكرر هذه الأخطاء والحوادث والكوارث المروعة حتى أصبحت جزءاً من شعائر الحج؟!
إن التكتّم على الأخطاء خطيئة، وأخطر من ذلك تبرير الأخطاء، وتهوين المصائب، وتطبيع الحوادث، والتبري من وصف ما حدث بأنه خطأ أو تهاون، ولا ندري
ما الكلمات التي ستسعفنا لوصف ما حدث بغير ذلك؟
إن علينا أن نتجاوز العبارات التي مضى عليها الزمن، وقتلها التكرار حتى فقدت معناها مثل: (نجاح موسم حج هذا العام) (تم تصعيد الحجاج إلى عرفات بيسر وسهولة) (تمت نفرة الحجاج إلى مزدلفة في وقت قياسي)؟ ونحوها، لماذا لا نتجاوز ذلك إلى ما هو أجدى وأنفع، لماذا لا نستنفر الناس لا إلى الإشادة والإطراء ولكن إلى النقد والمصارحة، واكتشاف الأخطاء، وتسليط الضوء على مكامن الخلل وأنواع التجاوز، وأسباب الكوارث، وأن ننقد أنفسنا قبل أن ينتقدنا غيرنا، وأن نعترف بأخطائنا قبل أن ننبز بها؟.
وبذلك يقصر عُمْر الأخطاء، وتحاصر السلبيات، وتتسع رقعة الإيجابيات، وبدون ذلك ستستمر الأخطاء وتنمو وتتشعب، في ظلمة الصمت، ومغالطة التبرير، والتنصل من أن يقال للمخطئ: أخطأت، كما يقال للمصيب: أصبت.
إن ضوء الشمس يقتل الجراثيم، ونور المصارحة يُحجِّم الأخطاء، ويحاصر التجاوز، ونحن أحوج ما نكون إلى فتح القلوب والآذان لسماع المصارحة الصادقة، والنصيحة الخالصة، بعيداً عن ملق الثناء وإطراء المديح.
==============(28/245)
(28/246)
القمة العربية ونتائجها ..وهجوم وترحيب لزيارة شيراك
الإسلام اليوم - القاهرة الإسلام اليوم ـ الرباط ـ إدريس الكنبوري 3/1/1424
06/03/2003
اهتمت الصحافة العربية هذا الأسبوع بتداعيات أحداث القمة العربية، كما انشغلت بزيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للجزائر وبقي الصراع العربي - الإسرائيلي محوراً أساسياً لبعض النقاشات.
الصحف المصرية
الصحف الجزائرية
الصحف المغربية
الصحف المصرية
فرضت القمة العربية والظروف التي أحاطت بها نفسها على الصحافة المصرية هذا الأسبوع، لدرجة توارت خلفها مجازر شارون ضد شعبنا الفلسطيني ، وكانت هناك موضوعات أقل أهمية مثل مد العمل بقانون الطوارئ، وقائمة بأسماء الصهاينة في إدارة بوش .
ففي عدد الجمهورية الأسبوعي الذي صدر قبل انعقاد القمة، قال سمير رجب إنه بكل المقاييس، كان الموقف "العربي" محيراً ومثيراً للدهشة والاستغراب لدرجة أن كلا من المستشار الألماني شرويدر والرئيس الفرنسي جاك شيراك وقفا ذات يوم، واحد في برلين، والثاني في باريس، يطلقان صيحة واحدة تساءلا من خلالها: "أين الدول المجاورة للعراق"؟
ويمكن القول إن العرب قد أدوا واجبهم، وتحركوا في الوقت "المناسب" من خلال نهج حضاري، وراق، بعد أن نفضت كل الأطراف عن كواهلها نزعات الذات. والهوى الشخصي، لتبقي المصلحة العربية العليا هي الجوهر والأساس والمضمون، بل الحاضر. والمستقبل أيضاً.
وقال سمير رجب لقد حرضت أطراف بعينها صاحب القضية الأساسية، ألا وهو العراق على عدم المشاركة، وكأن المصير ليس مصير أرضه وسمائه وعرض وكرامة أبنائه وبناته.
لقد أوحت تلك الأطراف للعراقيين بالمطالبة بتأجيل موعد القمة لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، يقومون خلالها بإثبات تعاونهم مع المفتشين الدوليين وتقديم مستندات وأدلة جديدة تثبت هذا التعاون، لكن سرعان ما اكتشف الإخوة في بغداد، أن الذين قدموا لهم النصح ليسوا "خالصي النوايا"، وبالتالي عادوا لمراجعة موقفهم وأعلنوا أنهم سيشاركون في أعمال القمة وفقاً للموعد الذي حددته مصر .
أما في جمهورية الأحد وبعد انعقاد القمة قال سمير رجب : هل أقدم "الوفد الإماراتي" على تقديم تلك الورقة دون تنسيق مع أطراف أخرى، أم أن ثمة "تخطيطاً" قد تم إعداده مسبقاً، روعيت فيه كافة ألوان السرية خصوصاً وأن مؤتمر وزراء الخارجية الذي أنهي أعماله أول أمس وسط مناخ من التفاؤل لم يناقش مثل ذلك الاقتراح من قريب أو من بعيد؟؟
طبعاً هناك من قالوا إن دولة الإمارات قبل أن توزع الاقتراح "القنبلة"، لابد وأن تكون قد تشاورت مع بعض "زميلات" مجلس التعاون الخليجي..!!
وأضاف سمير رجب : لكن المشكلة الأكبر تجسدت في ذلك الاشتباك "الكلامي" بين الأمير عبد الله ولي عهد المملكة العربية السعودية، والعقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية، حيث لم يرق الأمير عبدالله ما ذكره القذافي حول الاستعانة بالقوات العسكرية الأمريكية عن طريق اتصال هاتفي قال القذافي إنه أجراه وقتئذ مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.
لقد أدى هذا الالتحام بين القائدين "العربيين" داخل القمة العربية إلى خلق موجة عارمة من التوتر داخل قاعة المؤتمر الكبير، ولولا الجهد الذي بذله الرئيس مبارك شخصياً لحدثت تداعيات بالغة الخطورة.
أسفين شارون
أما مصطفى بكري في صحيفة " الأسبوع " فقال : إن البوادر الأولية لاجتماع وزراء الخارجية تؤكد مجددا أن هناك من يصر على وضع العقدة في المنشار وإفساد أية خطوة للخروج من المأزق الراهن، وأمثال هؤلاء أدمنوا التبعية، ارتهنوا إرادتهم، وفتحوا بلدانهم للمحتل الأمريكي الجديد، حتى أصبحوا شوكة في ظهر الأمة ودمي يجري تحريكها علنا وليس من خلف ستار.
نعم نحن لسنا في حاجة إلى بيانات وقرارات تضاف إلى أطنان منها ترقد في المكاتب والأدراج، نحن في حاجة إلى موقف تاريخي، ينقذ العراق وينقذ الأمة من خطر التتار الجدد .
وقال مصطفى بكري : لقد اختار السفاح شارون 'التوقيت بدقة، وسعى قبيل ساعات من انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ إلى توريط مصر، ودق أسفين في القمة العربية بإعلانه زيارة شرم الشيخ خلال الأيام المقبلة.
وقد أحسنت مصر صنعا بالنفي الذي ورد علي لسان أحمد ماهر وزير الخارجية، والذي قال فيه إن موعدا لم يتحدد بعد لزيارة شارون لمصر، أو اجتماعه بالرئيس مبارك، وهو الأمر الذي وصفه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بأنه يكشف سوء نية رئيس الوزراء الإسرائيلي تجاه قمة شرم الشيخ.
ونحن من جانبنا لا نستغرب محاولات شارون، فأهدافه ونواياه معروفة للكافة، وأي رهان على تبدل موقفه يتصادم مع تاريخه الدموي المعروف، والذي أثبت على مدى السنوات والعقود الماضية أنه لا يجيد سوى لغة الموت والذبح وسفك الدماء.(28/247)
وعن مظاهرة أستاد القاهرة الضخمة قال مصطفى بكري : كانت مظاهرة الشعب المصري يوم الخميس الماضي حدثا تاريخيا بكل المقاييس، فقد أعادت مجددا اكتشاف الأصالة الوطنية للشعب المصري الذي احتشد بكافة قواه وأحزابه وفصائله السياسية والوطنية في دفاع أصيل عن قضايا الأمة وثوابتها، لقد تدافع المصريون منذ الصباح الباكر رافعين اللافتات ومرددين الشعارات الوطنية، معربين عن تضامنهم الكامل مع أشقائهم في العراق وفلسطين، ملتحمين بقضاياهم المصيرية على مدار يوم مشهود في التاريخ المصري.
لقد أثبت الشعب المصري حضاريته، وحرصه على أمن بلده، فرغم كل التحذيرات السابقة التي كانت تبدي تخوفها من تجمع المصريين تدفق عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع، ولم يحدث ما يعكر صفو الأمن، بل كان سلوك المصريين مبعثا للفخر.
أن يجتمع العرب .. هذه هي القضية !
وفي مجلة " آخر ساعة " قال فاروق الطويل : لا يهم أين يجتمع القادة العرب..
ولا يهم: ماذا يقولون..
المهم أن يجتمعوا، المهم أن يراهم العالم مجتمعين، المهم أن تعرف الدنيا كلها أنه من الممكن أن يجتمعوا.
أوروبا تجتمع كل دولة منها تتكلم بلسان مندوبها، وقد يقول هذا المندوب كلاما يضايق مندوب الدولة الأخرى، لكنه لا يضيق ولا يتبرم، وإنما ينبري في الرد عليه، ويطول الكلام، وتمتد الجلسات، قد تمتد لأيام عديدة لكنها تنتهي إلى قرار محدد، يصبح هذا القرار واحدا تتحدث به أوروبا كلها، أو أمريكا كلها، حتى دول شرق آسيا كلها..
المهم أن الناس يجتمعون، ولا يتباعدون ولا ينتحي كل واحد منهم ناحية، يقول كلاما يرضيه هو، ويسيء إلى الآخرين..
بترول العراق هو السبب
وفي عدد صحيفة " الوفد " الأسبوعي قال عباس الطرابيلي : فى أزمة الشرق الأوسط الحالية - المسماة حرب العراق - تعددت لافتات مظاهرات الألف مدينة، ولكن كان أبرز اللافتات والهتافات: لا للحرب من أجل البترول، ولا للدماء من أجل البترول، وهكذا اكتشفت جماهير العالم أن الحرب القادمة سببها الرئيس هو البترول..
إذن هذا البترول هو بيت القصيد، وأن هذا البترول هو الذي يحرك أمريكا الآن، وليس هناك من يفهم أهمية هذا البترول أكثر من المجموعة التي تدير سياسة واشنطون الآن، وهى مجموعة الصقور ذات الصوت الأعلى فى البيت الأبيض، من ديك تشينى إلى رامسفيلد، إلى كونداليزا رايس، إلى الجنرال كولين باول الذي كان رئيسا للأركان الأمريكية خلال حرب الخليج الثانية، وإذا به الآن ونحن على أبواب حرب الخليج الثالثة وزير خارجية واشنطون الذي يقود السيناريو، أو ينفذه على الأقل، وحتى بوش نفسه الأب الذي قاد حرب الخليج الثانية، وابنه الذي يقود الآن حرب الخليج الثالثة، كلهم من رجال البترول، إما بالمولد في تكساس، أو بالعمل في الشركات، ليس الآن، ولكن منذ سنوات بعيدة..
على البترول، دوَّر. ولكن لماذا بترول الشرق الأوسط بالذات؟! هل لأن دول بترول الشرق الأوسط هي "الحيطة المايلة" وأنهم أضعف من أن يقاوموا المخططات الاستعمارية، هكذا كان قدرهم منذ تفجر البترول من أراضيهم وبحارهم، أم أن ذلك لأن بترولهم هو الأرخص، وهو الأكثر، وهو الأضمن، وأن شعوب هذه المنطقة الغنية بالبترول هي أقل شعوب العالم استهلاكاً لهذا البترول، بسبب وفرة الإنتاج أم لأسباب أخرى؟!
لأسباب عديدة. لعل أهمها أنها شعوب أخذت من عصر البترول ظاهره، وفرحت بالثروة ولم تنجح فى إحداث ثورة حضارية جعلت لهم كلمة فى عالم اليوم، رغم مرور 3 عقود على الطفرة البترولية، التي حدثت بسبب حرب أكتوبر 1973.
البترول إذن أصبح نقمة، ولم يعد نعمة على شعوب المنطقة وعلى المنطقة: شعوباً ونظماً حاكمة، أرضاً وحكومات أن تدفع الثمن الذي يصل إلى حد التقسيم وإعادة ترسيم الحدود، بل وتهديد الأمن القومي لكل دول المنطقة.
هؤلاء خطفوا أمريكا
وفي أخبار اليوم كتبت مها عبد الفتاح موضوعاً مهماً كشفت فيه أسماء اليهود الصهاينة المؤيدين لإسرائيل في الإدارة الأمريكية فقالت : في السنوات العشر أو الأثنتي عشرة الأخيرة تغلغل أنصار إسرائيل المتشددون بطرق شتى والليكود يبين منهم على نحو خاص، وانتشروا بين أركان واشنطن وتمكنوا من عجلة القيادة.. الانحياز الذي كنا نشكو منه فيما مضى تحول إلى تحالف في السياسة بل إلى تطابق في الآراء والأهداف، وهو ما لا يمكن السكوت عنه بعد الآن خاصة مع المنعطف الحالي الذي يأخذ بمبدأ الغزو والاحتلال ولو كان إلى حين، ونقدم إليكم قائمة بتشكيل حكومة بوش الحالية أمدتنا بها مصادر في واشنطن، ونترك للقارئ استخلاص حقيقة ما يجري فما يحتاج الأمر إلى شرح أو بيان ونعددهم واحدا بعد الآخر حسب القائمة أمامي، وجميعهم من اليهود الصهاينة المؤيدين لإسرائيل بتشدد!(28/248)
(1) ريتشارد بيرل يودي: 'الأب الروحي لغزو العراق' ويرأس المجلس السياحي للبنتاجون 'وزارة الدفاع' وأحد مستشاري الرئيس الأمريكي، وماضيه يشهد عليه بأنه رفت من هيئة مكتب سناتور هنري جاكسون في عام 1970 بعد أن ضبط من قبل وكالة الأمن القومي وهو يمد السفارة الإسرائيلية بوثائق عن الأمن القومي على أعلى قدر من الحساسية، بعدها عمل لدى شركة إسرائيلية لإنتاج السلاح 'صولتام'.. وبيرل هذا هو الذي سبق ونصح نتنياهو عندما كان هذا رئيسا لوزراء إسرائيل بأن يلغي اتفاقيات أوسلو من أساسها الذي يقوم على مبادلة الأرض بالسلام وعلى العرب أن يعترفوا بالحقوق التوراتية لليهود في أرض الضفة الغربية.
(2) بول وولفويتز: نائب وزير الدفاع وعضو في المجلس السياسي الذي يرأسه بيرل، ومقرب منه وله اتصالات معروفة بدوائر العسكرية الإسرائيلية، وشقيقته تعيش في إسرائيل ويعتبر ثاني أعلى الأصوات في كورس الحرب ضد العراق.
(3) دوجلاس فيث: وكيل وزارة الدفاع ووثيق الصلة مع بيرل، وكان مساعدا له ومتطرفاً مثله في تأييد سياسات إسرائيل، وله كتابات عديدة على مدى السنين عن الصراع العربي الإسرائيلي، وهو مؤيد أيضا لفكرة ضم إسرائيل للضفة الغربية باعتبار حيازتها لها خلال حرب الأيام الستة.
(4) ادوارد لوتواك: عضو مجموعة دراسات الأمن القومي بوزارة الدفاع، وسبق له التدريس في إسرائيل ويتردد أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وكثيرا ما يكتب مقالات في الصحف الإسرائيلية، ويعتبر من غلاة الداعين إلى ضرورة شن الحرب على العراق.
(5) هنري كيسنجر: وحاليا هو من مستشاري وزارة الدفاع أي عضو في المجلس السياسي 'إياه' التابع للبنتاجون الذي يرأسه بيرل، ولمن يريد أن يطلع أكثر على ماضي كيسنجر فليقرأ كتاب 'ثمن السلطة' لمؤلفه 'سيمور هيرش'.والمعروف عن كيسنجر أنه كان مستشارا من خلال مكتبه يقدم النصح والمشورة إلى السفاح سلوبودان ميلوسيفتش.. كما أنه من المتحمسين لضرب العراق.
(6) دوف زاكهايم: وكيل وزارة الدفاع المسئول عن المالية، وهو في حكم رجل دين يهودي 'رابي' ولديه جنسية إسرائيلية. سبق والتحق بكلية يهودية في لندن عام 1973، وتم ترسيمه فيها كرجل دين 'راباي' أورثوذوكس أي 'متشدد، وفوق منصبه الحالي يعمل مساعد أستاذ غير متفرغ بجامعة 'يشيفا' اليهودية بنيويورك.. ومن أقرب المقربين إلي اللوبي الإسرائيلي في واشنطن ونيويورك.
(7) كينيث اديلمان: أحد مستشاري البنتاجون وعضو بالمجلس إياه الذي يرأسه بيرل 'كل الطرق تؤدي إلي بيرل' وهو الآخر متطرف الآراء ومتحمس للحرب ضد العراق، غير أنه متعدد الظهور في التليفزيون خصوصا في شبكة فوكس، ولا يخفي آراءه التي يسفه فيها من الإسلام ويسخر من العرب، ومنها ما ينم عن جهل فاضح مثل اتهاماته للعرب بأنهم مضادون للسامية وهي دلالة على أن معلوماته قاصرة ولا بعرف أن العرب ساميون!.
(8) لويس ليببي: مدير مكتب ريتشارد تشيني نائب الرئيس الأمريكي، ومن أهم الأصوات التي تؤيد إسرائيل وأقربها إلى أذن تشيني، وليببي هذا كان محامي رجل الأعمال الأمريكي المليونير اليهودي النصاب الجاسوس 'مارك ريتش' الذي حكم عليه بعقوبة السجن ثم أفرج عنه الرئيس السابق كلينتون بعفو خاص في أواخر أيام حكمه، وأثار ذلك ضجة كبرى واتهامات شتى.
(9) روبرت ساتلوف: عين في عهد هذه الإدارة مستشارا بمجلس الأمن القومي وكان في التسعينيات مديرا لأهم مركز دراسات وبحوث يموله أغنياء الأمريكيين اليهود، وهو معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهذا المركز يعتبر معقل الفكر الإسرائيلي الأمريكي.
(10) اليوت ابرامز: مستشار بمجلس الأمن القومي وكان مساعدا لوزير الخارجية على عهد الرئيس ريجان وله ضلع في فضيحة إيران كونترا، ولأنه خدع ثلاث من لجان الكونجرس فقد حكم عليه عام 1991 مع وقف التنفيذ، ووضع تحت الرقابة لمدة عام بالإضافة إلى أن العمل لمائة ساعة في عمل تطوعي من أجل المجتمع، بعدها بعام منحه الرئيس بوش 'الأب' عفوا شاملا، ومعروف عن هذا الرجل تأييده العارم لإسرائيل.
(11) مارك جروسمان: وكيل وزارة الخارجية للشئون السياسية وهو واحد من اليهود العديدين الموالين لإسرائيل في إدارة كلينتون ولكن الإدارة الحالية استبقته.
(12) ريتشارد هاس: مدير التخطيط السياسي بالخارجية ومدير برامج الأمن القومي وهو من المعروف عنهم تأييدهم القوي لإسرائيل منذ إدارة بوش الأب، ومن المؤيدين بشدة لضرب العراق كما أن له مقعدا في مجموعة دراسات الأمن القومي بالبنتاجون.
(13) روبرت زويلك: منصبه في وزارة التجارة يعادل درجة وزير، وهو من غلاة الصقور وأحد المنادين بغزو العراق واحتلاله إلى حين إقامة حكم موالٍ لأمريكا.
(14) آري فلتشر: المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، وهو من المرموقين في الجالية اليهودية ويتردد أنه يحمل هو الآخر الجنسية الإسرائيلية وله علاقة وثيقة مع جماعة يهودية متطرفة معروف تعصبها إلى درجة رمي غير اليهود بنعوت مهينة، وحصل على جائزة من جماعة يهودية متطرفة في شهر أكتوبر 2001.(28/249)
(15) جيمس شليزنجر: أحد مستشاري البنتاجون وعضو في المجلس الذي يرأسه بيرل ومؤيد بشدة لإسرائيل ولضرب العراق.
(16) مل سمبلر: رئيس بنك الاستيراد والتصدير المسئول عن التسهيلات التجارية مع الدول الأجنبية.
(17) مايكل تشرتوف: مساعد المدعي العالم الجنائي.
(18) جوشوا بولتون: مدير السياسات لدى الرئيس بوش.
(19) ستيف جولدسميث: أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي.
(20) آدم جولدمان: ضابط الاتصال بين البيت الأبيض والجالية اليهودية.
(21) مارك واينبرجر: مساعد وزير المالية.
(22) صامويل بودمان: نائب وزير التجارة.
(23) روث دافيز: مدير معهد السياسة الخارجية التابع لمكتب وكيل وزارة الخارجية المسئول عن تدريب جميع موظفي الخارجية بما فيهم السفراء.
(24) لنكولن بلومفيلد: مساعد وزير الخارجية للشئون السياسية العسكرية.
(25) كن ميلمان: مدير السياسات في البيت الأبيض.
(26) براد بليكمان: مسئول المواعيد في البيت الأبيض.
(27) بوني كوهين: وكيل وزارة الخارجية للشئون الإدارية.
(28) جوزيف جيلدنهورن: المسئول المالي عن حملة بوش الانتخابية وله وظيفة حاليا في البيت الأبيض.
(29) كريستوفر جيرستن: مدير سابق لشئون التحالف اليهودي مع الحزب الجمهوري وهو نائب مساعد وزارة العائلة والأطفال.
(30) جاي ليثفكويتز مستشار لمكتب إدارة الميزانية
(31) دافيد ويرمزر: مساعد وكيل الخارجية.. فإذا أضفنا إلى هؤلاء ريتشارد تشيني نائب الرئيس ورامسفيلد وزير الدفاع وكوندوليسا رايس ثم بوش ذاته سنعرف أي نوعية من حكم نواجه الآن.
هجوم على تمديد قانون الطوارئ
وفي صحيفة " الأسبوع " كتب عصام عبد الواحد معلقاً على قرار البرلمان المصري مد العمل بقانون الطوارئ لثلاث سنوات جديدة : في عز التهديدات الأمريكية بضرب العراق واجتياح العالم العربي، قررت حكومة الدكتور عاطف عبيد طعن الشعب المصري في الظهر من خلال مد العمل بقانون الطوارئ لمدة ثلاث سنوات جديدة، وبموافقة مجلس الشعب الذي يسيطر عليه نواب الحزب الوطني الحاكم، وقد جاءت هذه الطعنة في الظهر حقا لأنها جاءت منتهزة انشغال الجميع بأزمة ضرب العراق ومررت القانون في ليل الأحد 23 فبراير، هذا علاوة على أن حالة الطوارئ السارية الآن مازال لها ثلاثة شهور، حيث إنها ستنتهي رسميا في 31 مايو القادم، بينما يبدأ المد الجديد من 1 يونيو 2003 ويستمر حتى 31 مايو 2006، والمعروف أن هذا القانون الذي تم البدء في العمل به منذ عام 1981 كان يتم تجديده كل عام ثم كل عامين منذ 1984 ثم ثلاثة أعوام منذ1994.
كان من الواضح أن الحكومة قد أعدت القانون في الخفاء منذ وقت طويل بحيث تقوم بتمريره بأول فرصة وفي انتظار انتهاز أي حادث مثل أزمة العراق، وهكذا فوجئ الجميع في الجلسة الصباحية يوم الأحد الماضي بقدوم الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء ومعه عدد كبير من الوزراء، وبعدها فاجأ الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الجميع بالإعلان عن صدور قرار جمهوري بطلب المد للعمل بقانون الطوارئ لمدة ثلاث سنوات جديدة، ثم قام عبيد بتلاوة القرار وأعقبه بيان روتيني تبين فيما بعد أنه تقريبا نفس البيان الذي تلاه في عام 2000، ثم أحال سرور البيان بصورة أوتوماتيكية متفق عليها إلى لجنة عامة قامت هي الأخرى بالموافقة الأوتوماتيكية على القرار الجمهوري.
ميكرفونات المساجد تغيظ عبد العظيم رمضان
وفي " الجمهورية " مارس عبد العظيم رمضان المعروف بفكره العلماني هويته في الهجوم على الثوابت الإسلامية قائلا : كنت قد كتبت على صفحات هذه الجريدة مقالاً بعنوان "مصادرة الميكرفونات هي الحل". تناولت فيه ما يفعله القائمون على المساجد في بلدنا من إزعاج لسكان الأحياء التي يعيشون فيها، عن طريق إذاعة الخطب والمواعظ وأداء الصلوات بالميكروفونات وتشويش بعضها على بعض! تحت حجة الدين والدين الإسلامي براء!
فليس في الدين الإسلامي إزعاج للمواطنين! ولم يكن في مصر قبل بدعة استخدام الميكروفونات حاجة إلي هذه الميكروفونات! لقد كان الناس الحريصون على الصلاة يعرفون مواقيت الصلاة ويؤدونها في مواقيتها في الجوامع أو في البيوت أو في أي مكان طاهر على ظهر الأرض!
ثم جاء عهد الإرهاب الديني في أثناء حكم الرئيس السابق السادات، عندما تولت الجماعات الإسلامية الإرهابية وجماعات التكفير الدعوة لاستخدام الميكروفونات. ووصل الأمر إلى حد استخدامها في الجامعات المصرية أثناء المحاضرات والمطالبة بأن تتوقف المحاضرات عند آذان الصلاة لكي يخرج الطلبة والأساتذة من المدرجات لكي يؤدوا فريضة الصلاة! وهو ما لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الإسلامي الطويل!(28/250)
وقد اتصل بي الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، وأبلغني أنه قرأ مقالي وأنه يتفق معي في الرأي فيما أوردته من حجج، وأنه أبلغ مديري إدارات المساجد أن الإسلام عاش ثلاثة عشر قرنا بدون ميكروفونات ولم ينقص ذلك منه! وإن ما يفعله أئمة المساجد من إطلاق الميكروفونات على آخرها في كل أوقات النهار والليل لأذان الصلاة وإذاعة الخطب والمواعظ وغيرها إنما هو خروج عن الدين ولم يأمر به الإسلام!
فعلى مدى ثلاثة عشر قرنا والمسلمون يؤدون الصلوات الخمس في أوقاتها. دون حاجة إلى أصوات الميكروفونات المزعجة المنفرة بصوتها العالي من الدين.
وقد أبلغني السيد الوزير أنه أصدر تعليماته إلى كل مديري إدارات المساجد في مصر بمراعاة عدم إطلاق الميكروفونات، والأكثر من ذلك أنه حملهم المسئولية ومعاقبة المخالفين!
الصحف الجزائرية
أهم ما طغى على الصحف في الأسبوع الماضي الاهتمام بزيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي جاك شيراك للجزائر، والتي دامت ثلاثة أيام ، وهي الأولى من نوعها لرئيس فرنسي منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام1962 بعد أزيد من قرن وربع القرن من الاحتلال، وقد بدأ اهتمام الصحف بالزيارة قبل ثلاثة أيام من موعد الزيارة دليلا على ما تشكله في العلاقات بين بلدين لم تختف من سمائهما غيوم مخلفات الاستعمار الفرنسي المديد، وهكذا اختلفت عناوين الصحف بين"الجزائر وفرنسا يطويان الصحفة" ـ" زيارة تاريخية" ـ"تحول تاريخي في العلاقات بين البلدين" ـ"رمزية قوية" ـ"بداية جديدة للعلاقات بين الجزائر وفرنسا"ـ "ساعة الحقيقة"ـ"معنى الزيارة" ...إلخ. واختلفت ردود الفعل على الزيارة بين الترحيب والهجوم بسبب التصريحات والمواقف التي عبر عنها الرئيس الفرنسي في خصوص بعض الشؤون الداخلية والإقليمية، لكن ذلك لم يخرق الإجماع على أن الزيارة في حد ذاتها شكلت فاصلا في العلاقات بين الدولتين تتجاوز "الشراكة الاستراتيجية"التي أعلنها شيراك إلى آفاق أوسع.
أولويات باريس
وقد أجرت يوميتا"الخبر" و"الوطن" يوم 1 مارس حوارا مطولا مع الرئيس الفرنسي حول قضايا متعددة تشغل الجزائر في ملف العلاقات مع باريس، والعلاقات الثنائية بين البلدين، ووصف جاك شيراك زيارته بأنها ذات طابع رمزي وسياسي في نفس الوقت" ومليئة بالمعاني" وقال"ما يشغلني هو السير إلى الأمام والتقدم بعيدا في علاقاتنا، والانتقال إلى الفعل بدون نسيان ماضينا المشترك"، وأشار إلى أن زيارته التي هي الأولى لرئيس فرنسي للجزائر تدخل ضمن التوجه الجديد في العلاقات الثنائية منذ زيارة عبد العزيز بوتفليقة لفرنسا في شهر يونيو 2000، وعن مدلول عبارة"إعادة بناء العلاقات" الذي ورد في أحد تصريحاته للصحف الفرنسية قبل التوجه إلى الجزائر قال شيراك" ماذا أعني بـ(إعادة بناء العلاقات)؟ إنه أولا تعميق الحوار السياسي فيما بيننا" منوها في هذه النقدة بالمشاركة الجزائرية الأولى في مؤتمر الفرنكوفونية ببيروت في أكتوبر الماضي قائلا" لقد حان الوقت لتقوية وتعميق هذا الحوار، وثانيا دعم الجزائر في جهودها للقيام بالإصلاحات".
وقال شيراك إن التعاون بين البلدين في مواجهة ما سماه بالإرهاب الدولي يتزايد باستمرار"خصوصا في الإطار الذي حددته الأمم المتحدة"، وحول الحصار المضروب على الجزائر في مجال التسلح وتزودها بالأسلحة قال " إننا نعالج هذه المسائل حالة بحالة "، وردا على سؤال حول ضحايا الجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي، وهو أحد الملفات الشائكة في علاقات البلدين، قال شيراك" ينبغي تجنب المواقف التبسيطية، ولنترك المؤرخين يشتغلون ليصلوا إذا كان ذلك ممكنا إلى رؤية موضوعية ومشتركة لهذه المرحلة التراجيدية من تاريخنا المشترك"، أما عن قضية الصحراء والخلاف المغربي ـ الجزائري بشأنها فقد اعتبر الرئيس الفرنسي أن هذه القضية مهمة جدا بالنسبة لبناء اتحاد المغرب العربي وأنها إحدى القضايا التي تشكل جزءا من مباحثاته مع الرئيس الجزائري، مضيفا"أعتقد أن جميع الأطراف يجب أن تبحث حلا سياسيا واقعيا في إطار الأمم المتحدة لإيجاد مخرج لهذا النزاع الذي يعطل تقدم الإندماج المغاربي"، وعبر عن رغبته في أن تتوصل الرباط والجزائر إلى "حوار معمق" بما يقود إلى الاتفاق على حل للأزمة، كما دعا جبهة البوليساريو المطالبة بالانفصال في الصحراء إلى إطلاق سراح جميع الأسرى المغاربة وعددهم 1160. وفيما يخص الشراكة الأورو ـ متوسطية ومستقبلها أمام التوجه الأوروبي ناحية بلدان أوروبا الشرقية طالب شيراك بإعطاء"نفس جديد لمشروع برشلونة" مؤكدا أن التوجه شرقا لا ينبغي أن يكون عامل تخوف بالنسبة لبلدان الاتحاد المغاربي الخمس في علاقاتها بالاتحاد الأوروبي.
الحاجز السيكولوجي(28/251)
وأفردت "لوماتان" يوم 1 مارس نحو ثلاث صفحات للزيارة، وقالت في افتتاحية بعنوان"الجزائر الأخرى" إن زيارة شيراك يجب أن تؤدي إلى"طي صفحة ماض مؤلم وعلاقات مطبوعة بكثير من التوترات والشكوك التي مردها هذا التاريخ المؤلم"، وأنه بالرغم من أهيمتها التاريخية إلا أن ثقل المرحلة الكولونيالية لا يزال يضع "حاجزا سيكولوجيا" كبيرا بين البلدين، وشبهت شيراك لمواقفه من القضية الفلسطينية والأزمة العراقية بموقف الجنرال شارل دوغول في حرب عام 1967، وقالت إن فرنسا هي اليوم"القوة الإسلامية" الأولى في الغرب بالنظر إلى عدد المسلمين المتواجدين بها، ونشرت الصحيفة رسالتين موجهتين إلى الرئيس الفرنسي، الأولى من نجل أحد شهداء حرب الجزائر عاتب فيها شيراك على التأخر أربعين عاما لتنظيم " سنة الجزائر" في باريس هذا العام، ووجه إليه فيها سؤال: "لماذا تدعمون المصالحة الوطنية التي يدافع عنها السيد بوتفليقة مع الذباحين الذين يريدون إذلال الجزائر؟"، والثانية لأحد ضباط الجيش الجزائري تحت عنوان"ضرورة الاعتراف بجرائم المحتل" قال فيها إن رغبة باريس في تطبيع العلاقات مع فرنسا تصطدم بالجرائم الفرنسية الماضية ضد الجزائريين، وتساءل عما يختفي وراء صمت السلطات الفرنسية حول حالة أحد الجزائريين الذي لم يحدد مصيره ولا مكان رفاته ، وقال"إذا كانت زيارة رئيس الدولة الفرنسية ستلقي الضوء ولو رمزيا على موت بوغارا ورفاقه وتقود إلى كشف مكان رفاته، فإنها ستكون قد حققت شيئا ما".
وفي عنوان ليومية"ليبرتي" يوم 1 مارس" معنى الزيارة" قالت الصحيفة " لقد تطلب الأمر أربعين سنة لكي تجد فرنسا نفسها مضطرة للرضا على أن يكون مصير الجزائر في يد أبنائها، وأن أسطورة الجزائر الفرنسية ليست سوى أسطورة"، مضيفة" بمقدار ما فهمت فرنسا أنها لا يمكنها أن تدير ظهرها إلى الجزائر للأبد، فهمت الجزائر أيضا أنها لا يمكنها أن تتجاوز فرنسا، هذا هو المعنى الذي ينبغي إعطاؤه للزيارة"، واتهمت الرئيس بوتفليقة بأنه يريد أن يحول الحماس الذي أثاره حضور شيراك للجزائر لصالحه في الحملة الانتخابية لضمان ولاية رئاسية ثانية.
أما يومية"لا تريبون" فقد كتبت يوم الأحد 2 مارس أن العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية ظلت دائما تتأثر بثقل المرحلة الاستعمارية السوداء، وبالملفات الثقيلة المعلقة بين البلدين طوال أربعين عاما، وقالت إنه جاء الوقت لبناء علاقات طبيعية، وأن " السياق الدولي هو الآن لصالح علاقات مبنية على المصالح الاستراتيجية التي تربط البلدين بسبب الانتماء إلى نفس المحيط الجيوـ ستراتيجي وكذلك العلاقات التاريخية والثقافية".
الاقتصاد أولا*
وقالت يومية"ليبرتي" في افتتاحيتها ليوم 2 مارس إن الزيارة ترسم أبعادا جديدة للعلاقات بين البلدين"ليأخذ كل طرف نصيبه"، لكنها أشارت إلى أن"الجزائر النافعة" أي جزائر المحروقات والطاقة هي التي ظلت تشد اهتمام الفرنسيين حتى اليوم، واعتبرت أن الجزائر تظل دائما بالنسبة لفرنسا"عنصرا مهما في الرقعة المغاربية المعقدة، وفضاءً إقليميا لا يمكن الاستغناء عنه كما تم تحديده في اتفاقيات برشلونة، وتشكل رأس الجسر الذي يمتد إلى جنوب إفريقيا، إنه التقسيم العالمي الجديد كما تراه العولمة واقتسام الثروات".
أما يومية"لكسبريسيون" فقد عنونت افتتاحيتها لنفس اليوم بـ"الجانب الخفي للزيارة"، وجاء فيها أن البعد الاقتصادي هو الأكثر بروزا في برنامج هذه الزيارة أكثر من البعد السياسي ، وأن دفع الإصلاحات الاقتصادية والتجارية والتخصيص الذي تسير فيه حكومة بن فليس هو هدف شيراك الذي كان مرفوقا بوفد كبير يضم مستثمرين واقتصاديين ورجال أعمال.
الفيزا.. والعراق
وكتبت"النصر" تحت عنوان" مليون جزائري خرجوا لاستقبال شيراك" أن الحفاوة التي لقيها الرئيس الفرنسي غير مسبوقة ولم يلقها حتى في فرنسا نفسها، واعتبرت أن حجم وطبيعة الاستقبال"كسرا حقيقة حاجزا نفسيا بين البلدين ظل من ضمن أكبر معوقات قيام تعاون وتقارب فعلي وحقيقي بين بلدين مازالت رواسب الماضي تتحكم في قنوات علاقاتهما"، وقالت إن هذه الزيارة لو أنها جاءت قبل هذا الوقت لكانت"مخاطرة كبيرة؛ لأن فرنسا نفسها ساهمت بقسط وافر في فرض حصار أو حظر عليها تحت تأثير يسار لم يعمل أبدا على نزع فتائل التوتر الثنائية لما كان في سدة الحكم وكانت له اليد الطولى في النزول بعلاقات الجزائر وفرنسا إلى أدنى مستوياتها على مدار 40 سنة"، وقالت إن الجماهير الجزائرية التي خرجت لاستقبال شيراك كانت تهتف مطالبة بالفيزا واستعمال الفيتو في مجلس الأمن ضد القرار الأمريكي بشن الحرب على العراق.
عائلات المختفين:لا علاقات بدوننا!(28/252)
وقالت"لكسبريسيون" يوم 2 مارس إن عائلات المفقودين في أعمال العنف تظاهروا بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي رافعين شعارات ولا فتات كتب فيها بالفرنسية"لا إعادة بناء للعلاقات بدوننا"، ونقلت عن رئيسة"منظمة إس أو إس. مختفون" نسيمة يوس في ندوة صحفية بمناسبة الزيارة قولها" لقد عانينا من استعمار الفرنسيين واليوم نعاني من استعمار العساكر"، وقالت "بدلا من يجمع(شيراك) غرفتي البرلمان ليخاطبهما يجب أن يخاطبنا نحن"، وقال علي يحيى عبد النور في نفس الندوة" على فرنسا أن تتخذ موقفا من قضية المختفين، موقفا سياسيا، وإلا فإن نفس فرنسا الاستعمارية ما نرى"، وتساءل أحد المشاركين"هل يمكن محاكمة جنرال؟" مضيفا بأن الجيش هو الذي يسيطر على القضاء في الجزائر.
شيراك يعظ الجزائريين!
وهاجمت صحيفة "لوماتان" الرئيس الفرنسي بسبب تصريحاته في الندوة الصحفية ، فكتبت في مقال بعنوان" لقد تجنب المواضيع المحرجة" يوم 3 مارس بأن شيراك "التزم الصمت في جل الأسئلة التي طرحت عليه" في الندوة الصحفية التي عقدها يوم 2 مارس في"قصر الأمم"، وأنه تجنب"الموضوعات الحساسة" مثل قضية الصحراء والعلاقات بين المغرب والجزائر والمختفين والأزمة في منطقة القبائل ، حيث إن"تنسيقية العروش" وجهت رسالة بمطالبها إليه، وقال شيراك في الندوة"لقد أحطت علما بوجود هذه الرسالة، ولكن بما أن برنامج زيارتي حافل جدا فإنني لم أتمكن من قراءتها". وبخصوص ملف الرهبان الفرنسيين الذين قتلوا في الجزائر والمعروفة بقضية"تبحيرين" والتوضيحات الجديدة التي نشرتها الصحف الفرنسية مؤخرا، والتي أفادت أن الجيش الجزائري متورط فيها، قال شيراك إن "الأخبار الواردة ليست لها أي حجية قضائية" قبل أن يواصل بأن هناك تحقيقا جاريا في الموضوع، وعلقت الصحيفة قائلة" بمعنى آخر فإن الشكوك حول منفذي المذبحة لا زالت باقية".
وتحت عنوان"شيراك يعظنا" كتبت الصحيفة في نفس العدد أن شيراك طالب الجزائريين في الندوة الصحفية" بلملمة جراحهم، جراح الأمس واليوم، والسماح لقتلة 1830 و1954 و2003، خالطا بين الجلادين والضحايا"، وأنه طلب منهم أيضا"تقديم تنازلات كبيرة حتى يمكن إعادة بناء العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية على أسس جديدة، الهدف المحدد في إعلان الجزائر، إن شيراك يدعو الجزائريين إلى طي صفحة تاريخهم، بمعنى إدارة ظهورهم له والتنكر له وهجرة ذاكرتهم والانحناء للعقلية الاستعمارية القديمة"، واعتبرت أن الرئيس الفرنسي فاه بما يشكل طعنا في كرامة الشعب الجزائري حين قال في مستهل خطابه أمام النواب الجزائريين:" إنه لشعور مؤثر بالنسبة لي أن أجد نفسي اليوم أستقبل من طرف البرلمانيين الجزائريين في قصر الأمم على بعد كيلومترات فقط من مدخل سيدي فرج، حيث بدأ الوجود الفرنسي قبل 173 عاما"، وقالت الصحيفة إن شيراك بعبارة"الحضور الفرنسي" يتجنب تسمية الأشياء بأسمائها، وأن هذا المنطق"هو ما تعنيه المصالحة الجديدة اليوم".
أما "مساء الجزائر" فقد كتبت يوم 4 مارس تقول بأن شيراك في الندوة الصحفية كان يتهرب من الأسئلة الحرجة ويقدم"إجابات حذرة"، وأنه حول الندوة إلى مناسبة لتوضيح مواقف فرنسا من الأزمات الدولية كالأزمة العراقية والقضية الفلسطينية أكثر من الأمور التي تهم الزيارة، وأنه اكتفى فيما يخص العلاقات بين الرباط والجزائر بالقول" رغبتي هي أن أرى هذه الخلافات وقد تم حلها، لقد سجلت أن هناك رغبة في تطوير الحوار، وليس عندي أي ميل إلى التدخل (في الشؤون الخاصة للبلدين) لا فيما يتعلق بالجزائر ولا فيما يتعلق بالمغرب".
الصحف المغربية
أما الصحف المغربية فقد اهتمت الأسبوع الماضي بقانون مكافحة الإرهاب الذي وضعته الحكومة، وقدمته أمام البرلمان لمناقشته والتصديق عليه، حيث واصلت انتقاداتها لمحتوياته، والتسلل المخابراتي الإسرائيلي والإسباني والأمريكي للمغرب بعد 11 سبتمبر 2001، والموقف الرسمي للمغرب من الحرب على العراق.
لا لقانون مكافحة الإرهاب(28/253)
خصصت صحيفة"الأحداث المغربية"يوم 2 مارس صفحتين لمشروع قانون مكافحة الإرهاب المعروض أمام البرلمان المغربي، والذي أثار موجة من السخط والنقد، ونقلت آراء عدد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين فيه. وقالت الصحيفة تحت عنوان"نحو توافق وطني حول قانون الإرهاب يحفظ أمن الدولة وحريات المواطنين" إن التصريحات الأخيرة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن التي"دعا فيها أنصاره بالمغرب إلى الانتفاض على الأنظمة(الكافرة) كما وصفها" كانت مؤشرا إضافيا بعد قضية خلية جبل طارق"على أن المغرب يعد كغيره من بلدان الشمال الإفريقي هدفا مفكرا فيه للتنظيمات المتطرفة"، وأضافت أنه"قد يكون أسلوب التوافق الوطني حول المشروع سبيلا لاعتماد قانون وطني يجسد إرادة الدولة والمجتمع على السواء في محاربة الإرهاب والتصدي له، وحفظ استقرار الدولة"، مؤكدة أن هذا التوافق ينبغي أن يأخذ في الاعتبار:إدانة الإرهاب بكافة أشكاله، استحضار أمن الدولة واستقرارها، وقف تجاوزات الدولة ومسلسل الاختطافات ومراعاة القانون في متابعة الشبكات الإرهابية، البناء الديمقراطي وتعزيز المؤسسات الديمقراطية وجعل السياسة قاعدة لتدبير الشأن العام.
وقال عدد من الفاعلين السياسيين وفي حقل حقوق الإنسان إن القانون يعد تراجعا في الحريات وتهديدا لدولة الحق والقانون، وقال عبد الحميد الأمين رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن القانون يدخل ضمن تفعيل شعار"لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطيين"، وأن" الموقف الواقعي والديمقراطي والذي ينسجم مع حقوق الإنسان هو سحب المشروع من البرلمان"، وطاب عدد منهم بالتدقيق في تعريف مفهوم الإرهاب في نص المشروع واستثناء المقاومة، وقال رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عبد الله الولادي"إذا صودق على القانون على حالته فسوف يكون تهديدا خطيرا للحريات الفردية" وأن مبادرة الحكومة بإعداد هذا القانون"غير مسبوقة منذ الاستقلال".
وتحت عنوان"باسم القانون" كتبت أسبوعية"لاغازيت دو ماروك" يوم 3 مارس تقول" من المؤكد أن يد الأمريكيين تقف وراء مشروع قانون محاربة الإرهاب، أو الظن بأن من يقف وراءه هو(شيخ) الأمن العنيكري هو الذي يقف وراءه" وحميدو العنيكري هو المدير العام لجهاز المخابرات المغربية، ورأت أنه "من الواضح أن الحرب الأمريكية في أفغانستان قد ولدت وضعية جديدة في عدد من البلدان، والمغرب بلعبه بالنار الأمريكية في حملته الشعواء ضد المغاربة الذين قاتلوا إلى جانب الأفغان يجد نفسه اليوم ربما في نفس ظروف الجزائر بالأمس، في الصف الأمامي للدول المهددة"، وقالت إن الشريط الذي بثته قناة"الجزيرة "القطرية لأسامة بن لادن وورد فيه التلميح إلى المغرب"يعني جيدا أن المغرب مستهدف"، وأشارت إلى الديمقراطية في المغرب"ما تزال هشة ولم تصل بعد إلى عتبة اللارجوع" وأن القانون "يفتح الباب أمام الذين يحنون إلى الوراء" عندما كانت الاختطافات والقمع عملة رائجة في البلاد في الستينات والسبعينات، وقالت إن هذا القانون قد جاء نتاج"نقاشات داخلية في جهاز الأمن" وأنه يشكل ضربة قوية لحقوق الإنسان والقانون "لأن الطريق إلى الجحيم قد تكون مفروشة بالنوايا الطيبة".
المخابرات الأجنبية بالمغرب(28/254)
صحيفة"الاتحاد الأسبوعي" في عدد 28فبراير كتبت على غلافها"الموساد ،المخابرات الإسبانية والأمريكية:أي دور لها في المغرب؟"، وتساءلت عن التقارير الواردة من مدريد وواشنطن ومصادر إسرائيلية وماذا يقف وراءها؟، وذكرت بما حدث منذ سنوات"حين احتج الملك الحسن الثاني على تجاوزات جهاز مخابرات أجنبي في عمله داخل المغرب وكان لذلك معناه السياسي"، وقالت"إن من المجالات التي لا بد أن يصبح من حق الرأي العام المغربي معرفتها عبر صحافته هو العمل الأمني في كامل أبعاده، والذي لا بد أن يحكمه ويحميه عمل القانون والمصلحة العليا للبلاد، حتى نتجنب جميعا فخاخ الطريق ومنزلقات حسابات الآخرين الخارجية". وحذرت الصحيفة من خطورة اتفاقية التعاون العسكري والأمني والاستخباري بين الولايات المتحدة وإسبانيا بعد أحداث 11 سبتمبر التي تعني"أن يد الولايات المتحدة ستصبح مطلوقة خصوصا في الجانب الاستخباراتي ، حيث سيمكن للولايات المتحدة العمل بكل حرية داخل إسبانيا، ليس فقط لحماية منشآتها وقواتها العسكرية، ولكن أيضا لحماية المصالح الأمريكية والمواطنين الأمريكيين المكلفين بمهام محددة"، وقالت إن الاتفاقية الجديدة مرفوقة بملحق خاص وسري لن يعرض على أنظار البرلمان الإسباني ، وأن ذلك"يؤكد أن تفاصيل هذه الاتفاقية تتعدى العمل الميداني بالتراب الإسباني لتشمل دولا ومناطق أخرى انطلاقا من إسبانيا، وهنا يأتي الفضاء المغاربي كواحد من أرض العمليات الاستخبارية الأمنية المفضلة". واعتبرت الصحيفة التابعة للحزب الاشتراكي المغربي أن ما نشرته صحيفة"الواشنطن بوست" الأمريكية قبل أسابيع من أن عددا من ضباط المخابرات الأمريكية حلوا بالمغرب لتدريب نظرائهم المغاربة في مجال" مكافحة الإرهاب القاعدي المحتمل"، وأن خمسة من رجال الموساد الإسرائيلي حلوا بالمغرب"في إطار استمرار التحقيق حول الهجوم الصاروخي الذي استهدف طائرة إسرائيلية كانت تقلع يوم 28 فبراير 2002 من مطار مومباسا بكينيا دون إصابتها" وكذا كون أحد المتهمين في ذلك الحادث قد قدم من كينيا عن طريق المغرب، كل ذلك ترى الصحيفة أنه"يفسر تعاون السلطات المغربية بشكل واسع مع الموساد للكشف عن كل الروابط بين المهاجمين ومرورهم عبر المغرب"، وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل بالنظر لمشاكل استيعاب المهاجرين قد استفادت من القانون المغربي الذي يسمح بازدواجية الجنسية وجعلت من المغرب"عمقا مخابراتيا بتغطية رسمية متسامحة، واستفادت من العناصر اليهودية المقربة من سلطة القرار".
المغرب والحرب على العراق
صحيفة"الأيام" تعرضت للموقف الرسمي للمغرب من الأزمة العراقية، وكتبت يوم 27 فبراير تحت عنوان"النظام المغربي عمليا مع الولايات المتحدة وسياسيا مع فرنسا" بأن الأزمة العراقية زادت المشهد السياسي الداخلي انقساما"بين رأي عام قلبه مع الشعب العراقي ونظام يقف بين المنزلتين حفاظا على المصالح العليا للبلاد"، وقالت أن هناك طلاقا دائما بين الرأي العام والنظام في المغرب بشأن القضايا الدولية وخاصة القومية والإسلامية، وأن ذلك يعود" إلى انفراد المؤسسة الملكية بالسياسة الخارجية واتخاذ القرارات في بعض الأوقات بعيدا عن رغبة الشعب"، وقالت الأزمة تضع المغرب في وقف حرج للغاية بين مصالحه وتوجهاته الليبرالية الموالية للغرب، وبين انتمائه العربي الإسلامي، فهو عمليا مع الولايات المتحدة حيث أجرى عدة مناورات عسكرية معها مؤخرا؛ لأن المغرب"يرفض أن يغضب العم سام الذي وقف إلى جانبه في أزمة الصحراء محاولا فرض الحل الثالث الذي يعني الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية"، ويدرك أن وقوفه ضد إرادة واشنطن"يعني فقدان بعض الأوراق لصالح إسبانيا في غرب البحر الأبيض المتوسط"، وأشارت الصحيفة إلى أن المغرب رغم ذلك يخشى من الانعكاسات السلبية للحرب ضد العراق على اقتصاده وخاصة على السياحة الداخلية التي يراهن عليها، حسب وزير المالية والاقتصاد فإن خسائر الحرب المتوقعة على المغرب قد تقدر بحوالي مليار ونصف مليار دولار
============(28/255)
(28/256)
حرب من أجل الهيمنة
إدريس الكنبوري 19/1/1424
22/03/2003
بعد الوعيد والتوعد المتكرر - وفي أكثر من اتجاه- أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية حربها المنتظرة ضد العراق. لقد أصاخ العالم إلى لعلعة الرصاص، وأزيز الطائرات في الوقت الذي كان العالم كله يريد أن يعطي للدبلوماسية حظها، وأن يمنح الفرصة لشيء يسمى الشرعية الدولية تجاوزا، لكن إدارة بوش -الغارقة حتى الإذنين في حمأة الخطاب الصهيوني والمسيحي المتطرف- فاجأت العالم بجموحها ووضعت كل شيء خلف ظهرها لتذهب إلى الغزوة.
أتوقع كثيرا: أن يكون أرييل شارون، صاحب اليد الملوثة بالدماء النظيفة، قد فرك يديه عدة مرات وهو يتلقى الخبر، فهذه الحرب بقربه ولحسابه أولا -حتى لو كانت لحساب الإدارة الأمريكية- فهي وجوبا تمر عبر إسرائيل المرابطة في المنطقة ككلب الصيد والعين الحارسة للمصالح الأمريكية فيها. وقد نشرت"يديعوت أحرونوت" العبرية - يوم 20مارس الحالي- قبيل ساعات فقط على الضربة الأمريكية للعراق، أن الولايات المتحدة منحت إسرائيل مليار دولار مساعدات مالية أمنية، من جملة التسعة مليارات التي طلبتها إسرائيل، عربونا على الحرص الأمريكي على أمن إسرائيل، وأبرقت (كوندوليزا رايس) بهذه البشارة إلى وزير المالية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الليلة السابقة على العدوان الأمريكي، حسب الصحيفة المذكورة.
مهمة أمريكية جديدة
إن هذه الحرب تتجاوز المدى المعلن، وهو تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل، بالرغم من أن بوش صرح بُعيد بدء الضربات العسكرية على العراق أن"حرب تجريد العراق من أسلحته قد انطلقت"، فهذه لم تكن سوى أكذوبة أمريكية من بين أكاذيب عديدة؛ وظفتها الإدارة الجمهورية الجديدة - منذ 11 سبتمبر 2001- لتحقيق أغراضها. فهذه الحرب هي الحلقة الثانية في سلسلة الأهداف الأمريكية المتبلورة بعد أحداث 11 سبتمبر، تنتهي بحشر العالم في زاوية ضيقة وإعلان عصر "السلام الأمريكي".
لقد بدأت هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، الساعية إلى فرض الهيمنة بالقوة العسكرية الغاشمة ليلة 7 أكتوبر 2001 مع بدء العدوان العسكري ضد أفغانستان، وتجلت بوضوح في خطاب حالة الاتحاد يوم 29 يناير 2002 الذي قال فيه الرئيس الأمريكي أن العالم منقسم إلى ثنائية لا تقبل التصالح: الخير والشر. فأحداث الحادي عشر من سبتمبر وفرت لواشنطن الغطاء الإيديولوجي لهذه الاستراتيجية، وهو ما عبر عنه (ويليام كريستول) أحد المنظرين البارزين في التيار المسيحي المحافظ في عهد رونالد ريغن، والذي يلعب دورا بارزا آخر في عهد الإدارة الحالية عندما قال بصراحة لا يحسد عليها:"إن الإدارة الجمهورية الجديدة تريد بلا حرج لعب دور الصقر، وحدث 11 سبتمبر جعلها غير مبالية بأي تشكيك أوروبي، فالذين ليسوا معنا هم ضدنا".
طيلة العقود الخمسة الماضية، كان العراق في مركز التفكير الاستراتيجي الأمريكي حيال منطقة الشرق الأوسط والخليج، ولكن بما يشكله كورقة في الجغرافية السياسية وليس بما هو. فخلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي لعب العراق بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية دور الحاجز دون التمدد الشيوعي، وشكل الحلقة المركزية فيما سمي بحلف بغداد أو السنتو. وخلال سنوات الثمانينات أدى العراق وظيفة الستار المانع من تمدد إيران الشيعية على عهد الخميني، أما في بداية التسعينات فقد جعلت منه الولايات المتحدة الورقة الضاغطة على بلدان المنطقة. واليوم تريد الولايات المتحدة أن يلعب العراق دورا آخر رسم له بالقلم والبركار في دوائر النفوذ النفطي والتسلحي الأمريكي، دور المعبر أو الجسر إلى بلدان المنطقة وثرواتها، أي أن العراق الذي لعب سابقا أدوار"السدّادة" يراد له اليوم أن يلعب دور"الفتّاحة" للمنطقة أمام النفوذ الأمريكي. ففي منظور الإدارة الأمريكية الحالية، يشكل العراق مفتاح"دمقردة المنطقة"، والدومينو الأول الذي ستتساقط بعده الدول الأخرى في الشرق الأوسط والخليج.
وقد عبر (روبير كاخان) -أحد الوجوه المعروفة في المعسكر اليميني المحافظ في أمريكا- عن هذا التوجه الأمريكي حيال العراق وبلدان المنطقة بقوله:"على الأمريكيين أن يعرفوا نوع المهمة التي سيباشرونها في العراق، ذلك أن إدراة بوش جادة، فالولايات المتحدة الأمريكية عازمة على البقاء على المدى البعيد في العراق والشرق الوسط، وهي مهمة لا تختلف عما قمنا به في اليابان قبل نصف قرن، إن الهدف لم يكن قلب نظام حكم ياباني عدواني وقهري، بل إعادة بناء السياسة والمجتمع اليابانيين كليا على صورة الولايات المتحدة".(28/257)
فبعد أحداث 11 سبتمبر، باتت الولايات المتحدة ترى في منطقة الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة، تحتاج إلى خلخلة من الداخل لتعديل النظام الإقليمي القائم، وتعويضه بنظام آخر يكون أكثر ضمانة للسياسية الأمريكية أمنيا وإقتصاديا بالنتيجة، وذلك بما يضمن أن لا تتكرر تلك الأحداث التي أصابت أمريكا في صميمها وجعلتها للمرة الأولى مكشوفة. صحيح أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نشأة إسرائيل في المنطقة عام 1948 كانت تضع نصب أعينها هذه الحقائق، ولكن الإدارة الجديدة قلبت المعادلة التقليدية في السياسة الأمريكية الشرق أوسطية بعد الهزة الكبرى لـ11 سبتمبر، لتركز على المسألة العراقية كمدخل وليس على الصراع (العربي ـ الإسرائيلي) كما كان الحال في الماضي.
فالإدارات الأمريكية السابقة كانت تعتبر أن حل الصراع (العربي ـ الإسرائيلي) أو (الفلسطيني ـ الإسرائيلي) هو المدخل الرئيسي إلى تعديل المنطقة، بحيث يقود حل ذلك الصراع المذكور إلى التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل وجيرانها، باعتبار ذلك في عرف الإدارات الأمريكية عامل عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة. وقد أثبتت هذه السياسة - منذ مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991- على الأقل أنها مراهنة على الجواد الخاسر، بالرغم من محاولة التشبث بهذا الطموح من خلال تنظيم القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الدار البيضاء بالمغرب عام 1994 التي حضرها (اسحق رابين) -رئيس وزراء الدولة العبرية رسميا- والتنظير الممجوج للمشروع (الشرق ـ أوسطي) من قبل عرابه شيمون بيريز. فهذه المراهنة كانت خاسرة منذ البداية بسبب قوة الحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية الثابتة، ثم ايضا بسبب قدرة إسرائيل على التحلل من جميع الالتزامات الموقعة.
وأمام صدمة 11 سبتمبر، تبدلت أولويات السياسة الشرق أوسطية للإدارة الأمريكية الحالية، فوضعت حل الصراع (الفلسطيني ـ الإسرائيلي) في نهاية القائمة بعد العراق والدول المجاورة. الأمر تأكد من خلال التعاطي مع الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وعدم التدخل في الصراع بين السلطة الوطنية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، ثم الإعلان المتكرر عن مشروع خارطة الطريق وتأجيلها إلى ما بعد الحرب ضد العراق. لقد اقتنعت الإدارة الجمهورية الجديدة التي يقودها أقطاب اليمين المسيحي المتطرف وقادة اللوبي اليهودي في أمريكا والتيار الإنجيلي، أن أسباب 11 سبتمبر كامنة في البنيات الثقافية والسياسية لبلدان المنطقة، وأن التغيير ينطلق بداية من زحزحة هذه البنيات وتحريك الأنظمة القائمة والقضاء على حالة"الستاتو كو" القائمة منذ عدة عقود، بحسبان ذلك "الستاتو" هو المولّد لـ"التطرف الديني" والأصولية"البنلادنية".
خمس أولويات...!
بالنسبة لصقور الإدارة الأمريكية، فإن هناك خمس أولويات هامة في منطقة الشرق الأوسط:
ـ العراق: وتقضي الخطة الأمريكية بالتخلص من نظام صدام حسين البعثي وتعويضه بنظام فيدرالي يتقاسم فيه السنة والشيعة والأكراد السلطة، أو نظام ملكي مرتبط بواشنطن.
ـ المملكة العربية السعودية: ويقول محافظو الإدارة الأمريكية أنها محضن التطرف الإسلامي في العالم العربي، وقد وقف هؤلاء واللوبي اليهودي في ولايات المتحدة خلف الحملة القوية التي شنت عليها في العام الماضي. وتدعو خطة هؤلاء إلى تغيير العلاقة التي ربطت بين واشنطن والرياض منذ 1945 في عهد روزفلت، لأنها من جهة موطن أسامة بن لادن، ومن جهة ثانية قاعدة الوهابية، وتطالب الخطة بدفع النظام السعودي إلى تلقي جرعات إضافية من الليبرالية السياسية واتخاذ مسافة معينة من المذهب الوهابي المغذي للتطرف الديني حسب هؤلاء.
ـ إيران: وبالنسبة لإيران يرى المحافظون - في البيت الأبيض- أنها سوف تبدأ في التململ بسبب تطويقها بـ"أصدقاء واشنطن" في افغانستان وفي العراق ما بعد صدام حسين في حالة نجاح السيناريو الثاني، ويرى هؤلاء أيضا أن إيران قلقة من سيطرة الأمريكيين على النفط العراقي، لأن ذلك سيؤدي إلى هبوط أسعار النفط في الأسواق ومن ثم تهميش الدور الإيراني، وينصحون بالحوار مع النظام الحاكم حتى لا تضيع من الأمريكيين الفرص النفطية التي تذهب إلى الأوروبيين بسبب الحصار الاقتصادي عليها.
ـ (الصراع العربي ـ الإسرائيلي): حيث يتم فرض حل على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ويقول هؤلاء: إن معسكر شارون رافض لاتفاقية أوسلو وغير راغب في السلام، لكنهم يراهنون على إزالة النظام العراقي، لإقناع إسرائيل بالتسوية السياسية بعد إنهاء المخاطر في المنطقة.
ـ سوريا: والتُّهم الموجهة إلى سوريا هي: دعم حزب الله اللبناني الشيعي وإيواء عناصر تنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وقد قال (أفرايم هليفي) -الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي-:" بعد صدام، هناك أعداء آخرون سيختفون: عرفات، بشار الأسد ونصر الله زعيم حزب الله".
حسابات الحقل والبيدر(28/258)
لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تذهب إلى حرب العراق دون خريطة في اليد، وقد أصبح واضحا أن الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والخليج هي الهدف النهائي من هذه الحرب. لنتذكر أولا أن المقاتل الأمريكي في التراث الحربي للولايات المتحدة كما تعكسه أفلام هوليود لا يعود من ساحة القتال إلا وقد وضع قواعد النظام الجديد بقوة الرصاص وحمل معه الكنز، فقط هناك فرق في الشكل: فقد حلت طائرات بي 52 محل الحصان والسرج.
وفي هذه الحرب تلتقي المصلحة الأمريكية بالمصلحة الإسرائيلية، أي بناء شرق أوسط جديد على الوجه الذي تريده تل أبيب وواشنطن: أنظمة موالية لأمريكا، انبطاح أمام الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة التي سيبقى لها وحدها حق امتلاك أسلحة الدمار الشامل دونما الحاجة إلى"أنموفيك" أخرى.
آبار نفط مفتوحة، سوق كبيرة لتسويق السلع الأمريكية والإسرائيلية، وأخيرا وليس آخرا، فرض دويلة فلسطينية مقطوعة الأوصال جنب الكيان الصهيوني الذي يراد له أن يكون الأصل.
ربما كان هذا حلما على الورق، ولكنه من النوع الغبي. وربما لا تدرك واشنطن أنها بكل ما تحركه من أساطيل وطائرات قاصفة بالمنطقة تفتح الباب أمام مستقبل غامض مفتوح على جميع السيناريوهات، فحسابات الحقل لا تتطابق دائما وحسابات البيدر. لقد قيل بأن الثورات تأكل أبناءها، هذه نعرفها، ولكن من تأكل الحروب؟!.
===============(28/259)
(28/260)
سياط المستضعفين (1/2)
محمد عبد الله بن الشيباني * 24/8/1423
30/10/2002
أعلنت حالة الطوارئ في المستشفيات الإسرائيلية وأقسام الشرطة والأجهزة الأمنية في كافة أرجاء القدس المحتلة والمناطق المحيطة بها بعد سماع انفجار قوي وتبين في ما بعد -حسب وكالة عيتيم" الصهيونية" التي أوردت الخبر- أن الانفجار ناتج عن عجلة سيارة"باص" تجاوزت السرعة العادية(1).
وقبل ذلك بيومين أعلنت حالة الاستنفار القصوى في صفوف هذه الأجهزة والجيش وبعد 24 ساعة على إعلان حالة الطوارئ، هزَّ الجامعة العبرية دوي انفجار مريع.
هذان الحادثان جاء أولهما ليترجم حالة الهلع والذعر والخور التي خلفتها سنتان من انتفاضة الأقصى، والتي تسود الدولة العبرية
أما الثاني فأطار مع الريح أسطورة "الأمن "ومعجزة "الموساد"فضلاً عن هيبة الجيش وعيون التكنلوجيا"الباصرة"، وإلاَّ فأي معنى لكل هذه الأجهزة، إذا كانت تستنفر كافة أفرادها إضافة إلى المستشفيات لمجرد انفجار" إطار" سيارة؟ ثم يسفر استنفارها واستعدادها عن مثل هذه العملية التي وضعت بدقة فائقة في موقع حرج وفجرت بتقنية عالية.
هذه الحادثة ليست سوى واحدة من آلاف الحوادث التي أرغمت المتعاطفين مع الكيان الغاصب -وحتى أخلص أهله له - أن يطلقوا صرخات آيسة تنذر بزوال الكيان بعد انهيار كافة مقومات بقائه.
وما المقال الذي نشرته صحيفة (يدعوت احرنوت) بقلم الإرهابي "نتنياهو"بعنوان" وجود إسرائيل بات مهددًا "وما ذكر من (وهن وضعف القوة الإسرائيلية الفعلية والمعنوية في عيون العرب)، وقول أخيه في الإرهاب "بيريز":(إن الصراع وصل إلى مرحلة حرجة وأن مستقبل الصراع أصبح يلفه الغموض)(2)، وقول أحد الصحف الإسرائيلية وكان الأكثر صراحة:"عن عيد اغتصاب فلسطين": (إن الاستقلال الذي نحتفل به لم يعد له معنى).. تلك شهادات أماطت اللثام عن بعض الإنجازات الكبرى "التي حققتها انتفاضة الأقصى المباركة وعن ومضة من الأذى البالغ ، والهزة الشنيعة التي أصابت بها المجتمع الصهيوني، حقائق ناطقة وإن لم يصدقها المدجنون بقدرات الموساد الخارقة والمؤمنين ببشارة "الكيان" الذي لا ينال منه.
لقد كانت انتفاضة الأقصى بمثابة رحمة وزعت الصمود والتحدي على كافة الشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية من ورائه،وأصاب كل المجتمع الإسرائيلي بأذى .
وقد ساعدت عدة عوامل في إنجاح هذه الانتفاضة رغم "الصفقات" المربحة "والصفعات" المؤلمة التي استهدفت زعزعتها والنيل منها:
أولاً: ارتفاع روح التضحية والجهاد/
لاشك أن دعوات الحكومات الإعلامية للتطبيع وهرولتهم "العملية "إليه،ودعوة "حكماء " العلمانية إلى تحكيم العقل بدل العواطف الجياشة واعتماد المصالح بدل المبادئ في تحديد العلاقات والتحالفات، لاشك أنها كانت أكثر زخمًا، وأجهر صوتًا وأكثر صخبًا،إلا أن انتفاضة الأقصى أثبتت أن الصوت الرافض للتخلي عن الذات مقابل "أوهام" السلام كان أصدق قيلاً وأكثر نصيراً، فما أن انطلقت حجارتها الأولى حتى أصبح التطبيع - وكما هو الواقع- أشد المصطلحات مقتًا لدى الشعوب ، والمدافع عنه خائنًا ، والعمليات الإستشهادية خيارًا إستراتيجيًا لا يقبل النقاش، والدعوة إلى المقاطعة فخرًا، وأصبح جل شباب فلسطين مشاريع استشهادية ،وزاحمت الفتيات الفتيان وانتقل وجدانهم من أرض فلسطين المباركة إلى فسيح جنة عرضها السماوات والأرض.
ثانيًا: توازن الرعب..المبادرة الفلسطينية/
اكتشف المجاهدون أن لكل سلاح متطور سلاحًا بدائيًا مساويًا له في التأثير مشابها له في النتائج، وأن سياط المستضعفين مع الإيمان و التحدي تفعل مالا يفعله سيف المستكبرين مع الخواء الروحي والإفلاس النفسي فظهرت من سياط المستضعفين ضروب نقف عند آلمها بإيجاز:
السوط الأول:الحجارة والمقلاع والصدور العارية .
وهذه آية الإيمان وعلامة التحدي الكبرى، وما طالعتتا وسائل الإعلام بصور اليهود مختبئين عن حجارة الأطفال في مصفحاتهم ودباباتهم أو وراء الأبنية الإسمنتية والحواجز الرملية إلا دوى في وجدانتا قوله -عز وجل- (لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر)
السوط الثاني:العمليات الاستشهادية:
لم يكن (جمال سليم) مبالغًا حين قال:"إن القنبلة البشرية- الاستشهاديون- ستنتصر على القنبلة النووية التي تتباهى بها إسرائيل"(3) وحسب إحصاءات إسرائيلية، رسمية فإنه تم تنفيذ 130 عملية استشهادية، 95 منها ناجحة"(4) إلا أن الذي لم تذكره الشرطة الإسرائيلية أن هذه العمليات كانت تجمع في توقيتها ومكانها بين البعدين السياسي والعسكري الأمني، مما أربك أجهزة دولة العدو وأرهب مواطنيها وما لم تذكره أيضًا هو أن طلعة الفتيان والفتيات البهية على شاشات وسائل الإعلام وهم يبتسمون للموت وهم في مقتبل العمر، أشاعت جوًا عامًا من التوق للشهادة في سبيل الله، وبشَّرت المسلمين أن هناك من يبذل دمه نصرة للإسلام و أهله وأقنعت الرأي العام العالمي أن هناك أذى بالغًا دفع هؤلاء إلى مثل هذه الأعمال .
السوط الثالث: مصانع الأسلحة :(28/261)
بعد عدة دلائل أشارت إلى وجود مصانع سرية لدى الفلسطينيين، حسمت قناة(أم بي سي) الأمر في الشهر (3-2002) بعرضها تقريرًا مصور ومفصلاً عن أحد هذه المصانع حيث قام المهندسون بشرح خطواتهم لصناعة الأسلحة وتعبئة العبوات والأحزمة الناسفة للاستشهاديين ، ووحدات لتطوير الصواريخ الصغيرة، ومدافع الهاون،وفي خبر عاجل أوردته (يدعوت أحرنوت) يوم (28-08-002)) "أن جنود العدو عثروا في جنين على مختبر كبير لتصنيع المتفجرات، وعثروا على عدة عبوات ناسفة جاهزة مختلفة الأحجام(5).
السوط الرابع: السيارات المفخخة:
وهي أقدم الأساليب وأشد هذه "السياط " فتكًا وكانت عنوان العام الأول من الانتفاضة، قبل أن تزاحمها الأحزمة والعبوات الناسفة وتحد من فاعليتها الحواجز الأمنية.
السوط الخامس: الصهاريج الملغومة:
وقد تمت عمليتان -على الأقل- إحداهما في مجمع " بي غليلو" وتزامنت مع اجتماع أمني للحكومة الإسرائيلية لبحث جاهزية الدولة الصهيونية للتعامل مع عمليات كبرى، كما لو أن هذه العملية نجحت، والثانية وقعت (08-08-002) في أكبر مجمع للغاز في الكيان وقالت الشرطة الإسرائيلية إن 3000 شخص -على الأقل- سيموتون لو لم تنفجر الشاحنة المحملة بـ 15طنًا من الوقود(6) قبل المكان المحدد بأمتار ووصفتها بالكارثة التي لا يمكن تصورها، ومنذ بداية العام 2002 بلغت تكاليف الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الشركة 17مليون شيكل/.
السوط السادس:الأسلحة الرشاشة:
وعنها تقول مصادر الشرطة الصهيونية- حسب مجلة العصر- أنه تمت 13 ألف عملية بمختلف أنواعها، لقي فيها 660 مستوطنًا وجندياً حتفهم وأصيب 3500 بجروح متفاوتة، وقال المفتش العام لشرطة العدو "شلومو اهرونيتشي": وقع منذ يناير 2002 حتى يوليو 1071 عملية أصيب جراؤها1935، توفي منهم 238 وأحبطت 50 وأبطل مفعول 148 عبوة ناسفة (7) ويضيف "هذه ليست معطيات شرطة جافة بل هي صورة للوضع الاجتماعي في إسرائيل" الحالة التي اختصرها الصحافي الإسرائيلي "فيرد لويتش من" يدعوت"بالعنوان:(إسرائيل : يهود أقل زواجًا أقل عمالاً) .
السوط السابع: نهب المستودعات:
لم يعد يشغل بال الصهاينة وصول الفلسطينيين إلى مستودعات الذخيرة ومخازن الأسلحة الإسرائيلية، فهذا أمر أصبح شبه شهري، وإنما أصبح شغلهم الشاغل ما آذنت به هذه العمليات من احتمال وصول الأيادي الفلسطينية إلى المواد المشعة والكيماوية بعد وصولهم إلى المستودعات الصهيونية عن طريق اختراق التحصينات الأمنية وشراء ذمم الضباط ، ونقلت محطة التلفزة الإسرائيلية "الثانية" الجمعة (11-5-2001) أن سرقة لمستودع إسرائيلي أسفرت عن نهب42 قذيفة هاون و10 قذايف مضادة للدبابات و 4000 طلقة رشاش و 10000 رصاصة بندقية والطريف أنه تم نقل هذه "الغنيمة" على الحمير إلى غزة حسب القناة الإسرائيلية الثانية (8)
السوط الثامن: جيش الرعب:
أسفرت سنتان من انتفاضة الأقصى عن انكشاف ضعف اليهود النفسي وخلفت حالة هلع وذعر أصبحوا معها يحسبون كل صيحة عليهم، وفي هذا المنحى ذكرت الشرطة الصهيونية أنها تلقت منذ (يناير-2002) وحتى فاتح يوليو أكثر من مليون و700 ألف اتصال هاتفي منذر بوقوع عملية أو الاشتباه بجسم غريب(9) أي بمعدل 9239 اتصالاً يوميًا، هذا ولم يسفر اتصال واحد عن كشف عملية واحدة.
السوط التاسع: المقاطعة :
وهي التعبير الحقيقي عن صحوة الضمير العالمي وازدياد الوعي الإسلامي بالقضايا الكبرى، ولم تعد المقاطعة مقتصرة على المسلمين في الدول الإسلامية، بل ولا على المسلمين عمومًا وفي هذا المعنى وقّع أكتر من 750 أكاديميًا غربيًا على دعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ودعت جمعية النقابات البريطانية الكبرى إلى مقاطعة إسرائيل. وقد انخفضت صادرات العدو -حتى إلى أمريكا- فقد انخفضت بنسبة 10% (10).
عاشر السياط:
أخيرًا نعرج على أشهر إبداعات الانتفاضة: سلاح التحدي.
إن شعبًا شاهد بعينيه ما وقع في جنين، ثم فكر في التحدي لشعب صمود، فكيف إذا رأيت الذين عايشوا فصول مجزرته المرعبة، وهم يتعالون على كل هذا الأذى فيخرجون من هذا الجحيم بهمة أقوى وعود أصلب ؟
لكن ..ما النتيجة؟
أصوات المغالين بأسطورة" الأمن "الدائم وأكذوبة "الرادع "النووي" و الجيش الذي لا يقهر قد بحت تحت مطارق الحقائق الواقعية المتتالية ، وأبان الصمود الفلسطيني- وبوسائل بدائية- أن الكيان كله نقطة ضعف وكله ثغرة أمنية .
صحيح أن الصهاينة يتبعون من أساليب المخادعة والعمل في الظلام والوسائل القذرة مالا يستخدمه المسلمون ولا يستحلونه ، وأن جل الإعلام والساسة الغربيين يخشون تلك الأساليب، وكل ذلك لم يمنع الشعوب أن تكتشف زيف دعوتهم،ولم تمنع اقتصادهم أن ينهار ولا الأصوات المنددة بهم أن تعلو ولا الانتفاضة أن تعبث بمقومات وجودهم وتستنزف مواردهم ،ولنستعرض شهادات من صحائفهم التي يصدرون عن حقيقة الواقع الذي يعيشون ، لنقف على مدى الانهيار الكلي والإفلاس العسكري والسياسي فضلا عن الضغط العصبي والنفسي، الذي أصبح إخوان القردة يصطلون به من لذع انتفاضة الأقصى المباركة(28/262)
الاقتصاد الصهيوني ...وفقدان المناعة.
أصيب الاقتصاد الإسرائيلي بـ"داء" فقدان المناعة المكتسبة من جراء إصابته بفيروس"الذعر" وبكتيريا "الخوف من" مستقبل يلفه الغموض" فرصدت أموال الدولة لتغطية نفقات الحرب، وهربت رؤوس الأموال إلى الخارج ،وقيل على السياحة السلام، ولم تجد أمام هذه الحالة مضادات"المساعدات الخارجية " الحية السخية خصوصًا الأمريكية.
عناوين وأرقام:
ثمن السلام مع بدء مسيرة التنازلات السلمية91 بدأ الاقتصاد الصهيوني يتطور وأعطته أوسلو93 دفعة قوية، وكادت سنوات التطبيع بعد ذلك أن تخلق له موطئ قدم ثابتة في الأسواق العربية، لولا أن تداركنا الله برحمة انتفاضة الأقصى، فعصفت بمكاتب رعاية "المفاسد" الصهيونية وبينت أن التسوية بين الظالم والمظلوم والمعتدِي والمعتدَى عليه، والمحتل والمحتلة أرضه لا يمكن أن تكون تسوية سلمية .
خسائر بالجملة قال مدير شركة ميتاف الصهيونية إن خسائر الاقتصاد الصهيوني بلغت في هذا العام2002 وحده: 28 مليار دولار وهو ما يساوي -حسب المصدر- 10% من أملاك الإسرائيليين (11) وبشكل أوضح قال : بلغت خسائر هذا الشهر 14 مليون دولار، وبلغت البطالة 11%حسب cnn وكان مما ترتب على هذه الخسائر العامة ما يلي:
1) إغلاق المشاريع الاستثمارية: وفي هذا الصدد أعلنت دائرة الإحصاء المركزية أن 37 مشروعًا استثماريًا أغلقت من أصل 42 تم افتتاحها سنة 2001 وعزت السبب إلى "الأوضاع الأمنية المتدهورة"(12)
2) تحويل الأموال إلي الخارج: ولكي تتصور حجم هذه الأموال المهربة إلى الخارج استمع إلى راديو"الكيان" وهو يقول في شهر مايو 2002 وحده حول للخارج مبلغ 133 مليون دولار، وسحب من صناديق الائتمان مبلغ ملياري شيكل حسب مدير شركة" ميتاف" (13) بل قال رئيس قسم مراقبة العملة الأجنبية البنك المركزي للكيان أنه حول من 20-9-01 إلى يوليو-2002 مبلغ مليار دولار(14)
3)التسريح الجماعي للعمال : وهو نتيجة طبعية لأي تباطؤ وركود اقتصادي فضلاً عن انهيار شبه شامل، وتوالت إعلانات التساريح للعمال، وقالت صحيفة معارف الإسرائيلية إن 20 ألف سيتم تسريحهم من قطاع التكنلوجيا وحده و أن ألفًا سيتم تسريحهم من شركة الصناعات العسكرية(15) و65 ألفًا من شركات السياحة فضلاً عن شركات البناء وقطاع الزراعة .
القطاعات الحيوية وبنظرة سريعة إلى القطاعات المهمة في اقتصاد الدولة العبرية تبين ما يلي :
قطاع السياحة: تم إغلاق 25 شركة سياحية ،والاستغناء عن خدمة 65 ألف عامل في القطاع وتدنت السياحة ب70% حسب cnn نقلاً عن (للآسوشيتد برس) ،وانخفض عدد السواح بـ65%.
قطاع النقل: وبلغت خسائره 500 مليون دولار(16) وبلغت أرباح شركة "العال" العكسية 240 مليون(17) ولأن هذا القطاع استهدف زعزعته عاملان :أولهما العلاقة الغرامية بين الاستشهاديين والباصات.
الثاني: تأثر النقل الجوي أولاً والبري ثانيًا بانهيار قطاع السياحة.
قطاع التكنلوجيا: وفيه تراجعت قيمة الأسهم المعلنة في "ناسداك" ل80 شركة إسرائيلية من 54 مليار دولار إلى34 مليار دولار(18) وهذا ما يفسر توقع (يدعوت احرنوت) بفصل هذا العدد الهائل 20 ألف عامل من هذا القطاع.
القطاع المالي: ونقتصر على هذه العناوين البارزة، فمن موقع صحيفة يدعوت "وتيرة التضخم المالي ترتفع إلى10.7%(19).."تراجع الشيكل أمام الدولار وباقي العملات "وبلغ تراجع الشيكل أمام الدولار منذ بدء الانتفاضة 36%" حجم إيرادات الدولة تراجع بنحو مليون دولار "وانحفض معدل الأجور بنسبة 5.8% (19*)
قطاع الزراعة: وبلغت خسائره 127 مليون دولار(20) من جراء أجواء الحصار وضعف القدرة الشرائية للفلسطينيين والصهاينة واتساع دائرة المقاطعة
شركة الصناعات العسكرية : جاء في عنوان ليدعوت أحرنوت :عمال "الصناعات العسكرية يغلقون الشوارع وأعلنت إذاعة العدو السبب في نشرتها 28-08-02 حيث قررت "الصناعات العسكرية بيع كافة مصانعها وأن الدولة ستقدم لها دعمًا بقيمة 300 مليون دولار شريطة بيع بعض المصانع وتسريح عدد كبير من العمال(21)
إبداع وخصخصة : ذكرت إذاعة الجيش المحتل أن الجيش سيتنازل عن حراسة المستوطنات لصالح شركات خاصة وأن مستوطنة "غوش عيسون " ستكون أول المستوطنات المتخلى عنها وعلى ذمة إذاعة جيش العدو قال قائد القوات البرية " إن عدم وجود خبرة لدى كثير من أفراد الجيش في الحراسة والتعامل مع المقاومين الفلسطينيين، الذين أصبحوا قادرين على اختراق أقوى التحصينات الأمنية وتنفيذ عملياتهم هو السبب في اللجوء إلى إبداع الخوصصة هذا. (22)
الصحة والتعليم وذكرت (يدعوت) أن مستشفيات الكيان تعاني من حالة عجز في الأجهزة والأدوية وأزمة في السيولة المادية التي لا تمكنها من سد ديونها البالغة 80 مليون دولار(23) أما في التعليم فقد قلصت ساعات الدراسة 40 ألف ساعة دراسية (23)
ليس سرًا " براك" والجيش والعفونة(28/263)
الجيش: ولن نزيد في شأن الجيش على هذه الكلمات من "براك" استمع إلى هذا الصوت التعيس من وسط وزارة الدفاع وهو يخاطب ضباطه :إن الحالة المتقدمة للعفونة وترهل القيم تقوض معنويات الجمهور الإسرائيلي، ويضيف "وليس سرًا أن قوات الاحتياط والتي تمثل ثلث القوات المقاتلة في انهيار تام "(24)وقول" يدعوت" الجيش يتعرض لموجة انتحارات منذ أربعة أشهر.
الشرطة(2500 ) هاربون
ولذلك طلبت الشرطة العسكرية بزيادة مخصصًا تهم (25) من أجل إنشاء سجن حربي" لا تحزن" ليس لاستقبال الفلسطينيين الذين خططوا لهجمات- بل لاستقبال المجندين الإسرائيليين الذين اختاروا غياهب السجون الإسرائيلية على جحيم غزة الذي لا يطاق.وقال (عوزي دايان) رئيس مجلس الأمن القومي للكيان الأربعاء 4-9-02 :( إن الاقتصاد الإسرائيلي لن يتمكن من توفير ميزانيات الأمن لمدة طويلة) وفقا لتقرير ل"شمدار سمويلمن يدعوت الصهيونية".
وللرياضة نصيب: ألغى اللاعب "الرماني "تاناس" عقدًا مع نادي" مكابي نتانيا" قائلاً: لقد انفجرت القنابل على بعد أمتار مني، وأنا أتناول الطعام فقررت التخلي عن عقد بقيمة 185مليون دولار سنوياً والعودة سالماً.
وهاجر الشباب:نبهت (معاريف) إلى ما دعت ظاهرة هجرة الشباب وذكرت أن 22% من الشباب ينوون الهجرة وذكرت ديل اشبيكل " الألمانية"أن 60 طالب هجرة تقدموا للسفارة الألمانية(26) وبلغ عدد المهاجرين من الكيان بالجملة مليون مهاجر وانخفضت نسبة المهاجرين إلى الكيان ب35% عام 2001 (27) وفي القدس - وهي المحك الحقيقي للصراع- هاجر 16 ألف يهودي بينما انتقل للسكن فيها وفي المناطق التابعة لها 10آلاف فلسطيني حسب أسبوعية (يروشلايم) الصهيونية /قدس برس/15-06-2002.
أزمات نفسية :قالت الجمعية الإسرائيلية لتقديم الاستشارات النفسية "عيران" إن عدد الموجهين إليها زاد بنسبة 12% سنة 2001 وأن 3900 من بينهم كانوا ينوون الانتحار (28).
الرد :شاروني .عسكري وشعبي.
أسقطت الانتفاضة باراك وسواءً أسقطت شارون أو أخطأته فقد سحبت منه كل الأوراق ،وأيست شعبه من أي أمل فيه ، فاستنفد كافة الوسائل السياسية ،والدبلوماسية والعسكرية" الأمريكية والصهيونية" وبدا عاجزًا عن فعل أي شيء لا يهمه إلا الكرسي، مما اختصرته (هآرتس) بعنوان "فشل شارون هو العنوان البارز على كل المسارات" يذكر أن شارون جاء ليوقف الانتفاضة فرد عليه الشهيد (فؤاد إسماعيل الحوراني) ببرود أعصاب وأيقظه على معزوفة الانتفاضة تعزف في فندق لا يبعد عن مخدعه 50 مترًا مخلفًا عشرات القتلى والجرحى بعد أن بلغ الرسالة.
استراحة : قد يجد بعض الإسرائيليين وسائل خاصة بهم أيامًا ريثما يرحلوا:
فينقذ شارون بورصتهم بإقالة زعيم حزب شاس ليغير عناوين الصحف ويشغل المحتلين عن وطأة الاقتصاد كما اعترف به رئيس مكتبه ، وأمام المجندين أن يستريحوا في غياهب السجون،ويجنح بعضهم إلى المهدئات من لفح الحقائق المرة وقد بيع في ثلاثة أشهر150 ألف دواء مهدئ حسب معاريف الصهيونية. ولآخرين أن ينحدروا إلى وحل المخدرات وعددهم حسب معا ريف عدد الخميس 06-07-02 يبلغ 300 ألف متعاط .بينما لجأت فتيات وفتيان إلى الوشم تفاديًا للعنة العمليات الإستشهادية (29)، حسب (يديعوت أحرنوت) 11-07-02 ويبدو أنهم لجأوا إلى الوشم لينقذهم من "بركة" العمليات الإستشهادية بعدما يئسوا من سياسة شارون التي فرغها ما أبان عنه الفلسطينيون من الصمود والتحدي، وما أسفر عنه ذلك من حالة الجيش والاقتصاد- من أي معنى.1-وكالة عيتيم الصهيونية للأنباء 04-08-2002.
2-طلال فخري /مجلة الجندي المسلم/10-11-1422هـ
3-أحد قادة حماس "حفل تأبين الشهيد محمود مرمش/الأخبار/islamonline.net
4-معطيات رسمية للشرطة الصهيونية/وسام عفيفة/WWW.ALAS صلى الله عليه وسلم WS
5- الأخبار العاجلة/يدعوت أحرنوت/الموقع العربي بتاريخ:28-08-2002م
6- قسم الأخبار-bbca r abic.com
7- أشلومو أهرونتشي" المفتش العام لشرطة الكيان-08-08-2002م/ISLAMTODAY.NET
8- المحطة الثانية في التلفزة العبرية بتاريخ الجمعة 11-05-2001م
9-تقرير رسمي للشرطة الصهيونية/قدس برس/البشير للأخبار
10- رئيس شرجا باروش"رئيس معهد التصدير بالكيان02-09-2002م
11- تسفي ستيفاك رئيس شركة ميتاف الصهيونية /gihadonlineo r g
12-إدارة الإحصاء المركزية في الكيان /قدس برس/الجزيرة
13- تسفي ستيفاك رئيس شركة ميتاف الصهيونية /qassam.o r g
14-قسم الإشراف على العملة الأجنبية في المصرف المركزي في الكيان -نشرة بتاريخ الثلاثاء 82-08-2002*-وأيضا حسب أمنون أطاد /يدعوت أحرنوت الموقع العربي/اقتصاد
15-"ارييه مرزاحي نقلا عن رئيس المجلس الإداري للشركة صحيفة هآرتس "11-8-2002م
16- نشرة لرمكز الدراسات الإستراتيجية 10-08-2002/حسب gihadonlineo r g
17- نشرة لمركز الداسات الاستراتيجية 10-08-2002
18- المصدر السابق
19- معطيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية للكيان يوم الثلاثاء 20-08-2002
19*- أمنون أطاد/يدعوت أحرنوت
20-- مجلة البيان/مقالات ملف الانتفاضة/الموقع
21-الإذاعة العبرية صباح الأربعاء 28-08-2002م البشير للأخبار(28/264)
22- إذاعة الجيش الصهيوني /عوض الرجوب/المستوطنات بداية الدولة ونهايتها
23- يدعوت أحرنوت/قدس برس
24- يهود براك" في خطاب بوزارة الحرب العبرية 25-أكتوبر2000/مجلة "نتيف" الصهيونية
25- الإذاعة العبرية مساء الاثنين 22-05-2001
26-ديل أشبيكل" نقلاً عن السفارة الألمانية بتل أبيب/البشير 05-08- 2002
27-نشرة لمركز الدراسات الاستراتيجية 10-08-2002/حسب gihadonlineo r g
28- نشرة لمؤسسة عيران /حسب a r abnews.com/ashaab
29- يدعوت أحرنوت العدد الصادر بتاريخ 01-07-2002م
* كاتب وشاعر شنقيطي
=============(28/265)
(28/266)
الترجمة إلى العبرية..بين رغبة المقاومة وشبح التطبيع *
2004/06/21
معتز الخطيب**
ماذا يعني أن يترجم الإسرائيليون أدبنا إلى العبرية؟ وماذا يعني أن يتصل ناشرون إسرائيليون بكتاب وأدباء عرب للحصول على موافقتهم على الترجمة؟ وهل لهذا التوقيت الحرج دلالة في هذا السياق؟ وهل الترجمة هي عملية "نقل" -مجرد نقل- من لغة إلى أخرى أو أنها حوار ثقافي؟ وهل الحوار الثقافي يتبع القرار السياسي أو أنهما منفصلان؟ وهل صحيح ما قيل: "إن إسرائيل تقتل بيد وتترجم بالأخرى"؟
ترجمة الأدب العربي إلى العبرية بدأت -كما يؤكد د.رشاد الشامي أستاذ الأدب العبري في مصر- منذ الثلاثينيات، ولا تزال تحظى باهتمام حقيقي في الأوساط الإسرائيلية، وبدأت الترجمة برواية توفيق الحكيم "يوميات نائب في الأرياف"، وتواصلت لتشمل العديد من الروائيين العرب. لكن أثير موضوع الترجمة إلى العبرية من خلال تحقيق في "أخبار الأدب" القاهرية، حمل عنوانًا مثيرًا "إسرائيل تقتل بيد وتترجم بالأخرى".
في مناقشة هذا الموضوع يجب استبعاد فكرة "الخيانة"؛ لأن القضية في أقل تقدير "ملتبسة"، والخلاف الفكري -أيًّا كان- لا يبرر الوصول إلى هذا المستوى المعهود في كثير من خلافاتنا!
يؤكد عبده وزان على أن فعل الترجمة "حوار مع الآخر ومع نصه وأفكاره"، ويرى أن الإشكال يكمن في طبيعة العلاقة بين الأدباء العرب والناشرين الإسرائيليين، وربما في طريقة الترجمة ومنهجها، ثم إن اللغة العبرية -حسب قوله وقول محمد البساطي- شبه ميتة.
أما جمال الغيطاني فيرى في الترجمة "شكلا من أشكال القرصنة التي تستهدف استكشاف الشخصية العربية، لكنه الآن يبحث عن شرعية الاعتراف بجدواه، وهذا هو الخطر"، على حد تعبيره، ويتفق مع عبده وزان على أن "التوقيت حرج وغريب، ويحمل علامات استفهام عدة حول أهدافه".
ويعكس محمد البساطي حالة اليأس والإحباط لدى بعض المثقفين حين لا يرى جدوى لوجود أعمال لأدباء مصريين في اللغة العبرية؛ لأن ذلك "لن يسهم في تبديل أو تغيير صورة الإنسان العربي في إسرائيل، ولن يسهم في إرغام إسرائيل على تغيير سياستها الدموية إزاء الشعب الفلسطيني"، على حد قوله.
إن الهدف من اتصال الناشرين الإسرائيليين بأدباء عرب -من وجهة نظر د.رشاد الشامي- "إحداث ارتباك في أوساط المثقفين، وخلخلة موقفهم فيما يتعلق بالتطبيع".
هذه مجمل الإشكالات التي طرحت حول قضية "الترجمة إلى العبرية" باعتبارها "تطبيعًا ثقافيًّا"، وأول ما نلحظ على تلك الإشكالات أنها تنطلق من مسلّمة أن الترجمة هي تطبيع ثقافي يرتكز على نظرية "المؤمراة"، ونحن نحب في البداية أن نسائل مصطلح "التطبيع الثقافي" قليلا، وهل تعتبر الترجمة تطبيعًا ثقافيًّا؟
إن الترجمة عملية "إيصال" و"تبليغ" ثقافية، ضمن سياق معرفي؛ فهل نحن نخشى من هذا "التبليغ" ذاته، أو نخشى من تبعات هذا التبليغ، أو نخشى من "التواصل" بين الناشرين الإسرائيليين وبعض الأدباء العرب؟
إن هذا "التبليغ" إن هو إلا محاولة تعريف بالثقافة العربية، وإبلاغها داخل المجتمع الإسرائيلي، وليس -كما يرى الغيطاني- "شكلا من أشكال القرصنة يستهدف استكشاف الشخصية العربية"؛ لأن ذلك الاستكشاف متاح، بل وحاصل منذ زمن من خلال مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية. إن هذا الاستكشاف يتم بسهولة على مستوى مراكز البحث والدراسات، ومن دون إذن بالترجمة، وليس على نطاق شعبي.
وإذا كنا نخشى من تبعات هذا "التبليغ"، أو بتعبير آخر من حدوث حراك ثقافي؛ فإن هذا حاصل من قَبلُ، من قِبَل السياسيين وأجهزة الإعلام، بل والمفكرين؛ فهل منعتنا يهودية فرويد من أن نفيد منه، وندرس مدرسته في التحليل النفسي؟
أما إذا كنا نخشى من "التواصل" المَخوف بين الناشرين الإسرائيليين والأدباء العرب؛ فإن هذا فيه نوع مبالغة وتعمية؛ فمحاولات النشر هذه تمت في مجملها من خلال "قرصنة" من دون استئذان، والأمر نفسه بالنسبة للترجمات العربية، والدار التي استأذنت هي "دار الأندلس" التي قدمت نفسها من خلال رسالة مكتوبة بالعربية، ومن خلال مجموعة من الأسماء الفلسطينية المشاركة والمساندة للمشروع، وبعض اليهود المؤيدين للقضية العربية أو المتعاطفين معها (انظر ما كتبه محمد برادة في الحياة الخميس 10-5-2001)، وبهذا يغدو هذا التخوف غير مبرّر.
الأمر الذي نودُّ لفت النظر إليه هو أن الفعل الثقافي "المحايد" كالترجمة لا يدخل فيما يسمى "بالتطبيع"، بل إن المقاومة والاستمرار في النضال يقتضي توظيف الإمكانات الأدبية والفنية المختلفة لغة ووسائل في عملية الصراع من أجل نيل الحقوق.
وإن ثمة تساؤلات ملحة تطرح نفسها: لماذا لم تُثر المشكلة حين ترجمت الروايات العبرية إلى العربية كما حدث في "ميخائيل وحنة" لعاموس عوز (القاهرة)، و"الطريق إلى عين حارود" لعاموس كينان (بيروت)، و"غبار" ليائيل دايان (دمشق)، و"الهواء الأصفر" و"ابتسامة الجمل" لدايفيد غروسمان (فلسطين)؟(28/267)
لماذا لم تُعتبر تلك الترجمات محاولة "غزو" ثقافي للمجتمع العربي؟ بل لماذا لم تعتبر الترجمات العبرية للأدب العربي نافذة للتأثير في الوعي المتصهين، ومحاولة لتصحيح بعض التزوير اليهودي للتاريخ العربي؟ لماذا لم تُثر القضية من خلال ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية وهي لغة عالمية؟ ألا يمكن للإسرائيليين استكشاف الشخصية العربية من خلال الترجمة الإنجليزية؟
وإذا كانت المشكلة المفتعلة مبررة؛ لأن إسرائيل "مستعمرة"؛ فنقول: ألم يكن الغرب مستعمرا؟ وإذا كانت السياسات درجت على استخدام مصطلح "تطبيع" مع الآخر الإسرائيلي فقط.. أفلم يكن الأجدر بالمثقفين أن يتجاوزوا ذلك إلى كل من يعتدي على حقوق الأمة وينهب خيراتها؟
ثم هل الأمر يقتصر على رؤية "عنصرية" حتى يستنكر عدد من الأدباء ترجمة الأدب العربي إلى العبرية، ولا يستنكروا ترجمة الأدب العبري إلى العربية؟ ألم يكن من الأولى للمثقفين أن يوجهوا ثورتهم هذه نحو التطبيع القائم الآن على مستوى دبلوماسيين واقتصاديين؟
وهل لنا أن نعتبر تدريس الأدب العبري في الجامعات العربية تطبيعًا؟ ثم لماذا تكون العبرية لغة شبه ميتة في الترجمة، ولا تكون كذلك في التدريس؟ هل يعكس هذا القلق ترددا في أن الثقافة العربية قادرة على تحدي الوعي المتصهين وإحداث تصدعات داخله؟
إن ما قيل حول إشكالية ترجمة الأدب العربي إلى العبرية لا يعدو -في نظرنا- مجرد شكوك تعكس مأزومية بعض المثقفين، وعدم القدرة على اتخاذ موقف حاسم، وربما يتصل ذلك بعجزهم عن مداخلة الفعل السياسي أو التأثير فيه؛ الأمر الذي يؤكد هذا الاضطراب وعدم وضوح الرؤية، ذلك الاكتفاء بإثارة الأسئلة "المفتعلة"، وربما تكلف تأويلات متمحلة لعملية ترجمة "بسيطة" لا تحتمل كل هذه التأويلات والتهويلات التي وقع فيها كل من جمال الغيطاني ومحمد البساطي وعبده وازن (انظر مقولاتهم في الحياة 10/5/2001).
إنها مجرد انفعالات رهينة للأثر النفسي، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة، والواقع أن هذه المرحلة الحرجة ليست للترجمة؛ لأن الترجمة -كما ذكرنا- بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي، وإنما هي حرجة بالنسبة لرد الفعل تجاه الترجمة؛ فمثلا يعبّر محمد البساطي بأنه "لا يتخيل أدبه في لغة دولة تحتل أراضي عربية"، وبأن ذلك "أمر يدعو إلى الخجل"، بينما تكتفي سلوى بكر بالقول: إن الرفض "موقف بديهي". إن هذا الموقف هو موقف نفسي مأزوم لا يستند إلى مبررات معرفية أو حتى واقعية.
============(28/268)
(28/269)
تطبيع ترجمة أم تطبيع سياسة
2001/05/29
رياض أبو عواد
كلمة واحدة قد تجعل كلَّ القِدر يغلي!
والساحة العربية مهيأة لذلك الآن، وهو ما جرى مؤخرًا في الأوساط الأدبية؛ فبمجرد أن عرض الناقد المغربي "محمد برادة" على بعض الأدباء في مصر ترجمة أعمالهم إلى العبرية، انطلقت آراء متعارضة من كافة الأنحاء، حتى نكاد نسمع لها (قعقعة)؛ فبعضهم ثائر.. صارم.. رافض لمجرد مناقشة الأمر، وبعضهم يفنّد أسباب رفضه، وبعضهم يوافق إذا كانت الترجمة عبر دار نشر يملكها مناصرو السلام والديمقراطية في إسرائيل، ولا تعني تعاملاً مع كيانات إسرائيلية أو تطبيعًا، وبعضهم يظن أنه يجب أن يصل للآخر.. ببساطة.
مفاد هذا أن أي شيء له علاقة بإسرائيل أصبح مصدرًا لقلق كبير، وتزداد التوترات إذا اتصل الأمر بالمثقفين، وهم الأقدر على صناعة كمٍّ هائل من وجهات النظر المتباينة، والمواقف المتناقضة، وإن كان أغلبهم يرفضون بإصرار أية علاقة قد تؤدى للتطبيع، كما تعارف الجميع على تسميته.
والمسألة ليست جديدة؛ فقد ثارت مرات عديدة قبل الآن؛ فيُذكر مثلا أن الكاتب الراحل "عبد الحكيم قاسم" كان قد تجاهل رسالة وصلته من دار النشر الإسرائيلية "هاريس"؛ تأكيدًا لموقف المثقفين المصريين، ودعوتهم إلى مقاطعة إسرائيل، على الرغم من اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، وكذلك فعل الروائي "محمد البساطي".
إلا أن توجيه دعوة مماثلة، وصلت من قِبَل دار النشر الإسرائيلية "الأندلس" التي تملكها "ياعيل ليرر" مساعدة عضو الكنيست العربي "عزمي بشارة" السابقة، أثارت الحوار، خصوصا أنها - كما يرى المعارضون - حققت خرقًا كبيرًا في وسط المثقفين العرب، بتقديمها الدعوة عبر الناقد والروائي المغربي "محمد برادة"، صاحب المواقف المشهورة في مساندة القضية العربية فلسطين.
لقد استند الناقد المغربي في تقديمه الاقتراح الذي قدّمه لعدد من الكُتّاب العرب إلى أن صاحبة الدار تتخذ موقفًا ديمقراطيا مساندًا للعرب، وتعمل مساعدة لعضو الكنيست العربي، إضافة إلى تأكيد الرسالة التي حملها من صاحبة الدار على أن "جميع المشاركين العرب والإسرائيليين في هذا المشروع يُعلقون أهمية استثنائية؛ للإشارة بأننا لا نتحدث عن مشروع للتعاون المشترك، ولا نقصد في شكل من الأشكال أية علاقة من التطبيع أو التبادلية بقصد عدم توفير فرصة للجهات الإسرائيلية لاستغلال النشاطات الثقافية وتجنيدها في العملية السلمية".
واستخلص برادة من هذا التوجه، ومن علاقته بعزمي بشارة، في حديث له مع الروائي المصري "صنع الله إبراهيم"، "أن الروايات المتميزة المقترح ترجمتها في هذا المشروع قد تُسهم في تفتيح العقلية الإسرائيلية على المنطقة العربية".
واستجاب لهذا المنطق عدد من المثقفين العرب؛ منهم الروائي المغربي "محمد شكري" الذي لم يرَ مانعا لترجمة أعماله إلى العبرية، عن طريق دار الأندلس الإسرائيلية التي قامت فعلا بترجمة روايته "الخبز الحافي"، والتي حصل المؤلف على 500 دولار أمريكي كدفعة أولى من حقوقه كمؤلف.
وأعلن ضمن السياق الروائي المصري "إبراهيم عبد المجيد" أنه "خوّل مركز النشر في الجامعة الأمريكية في القاهرة حق توقيع عقود ترجمة أعماله التي قام المركز بترجمتها إلى لغات أجنبية، وهي الجهة صاحبة قرار بيع حقوق ترجمة رواياته إلى العبرية".
ولكنه، وبعد أن كشف مدير المركز عن موافقته وتوقيعه على عقد ترجمة أعماله للعبرية، تراجع عبد المجيد عن موقفه، وسحب توقيعه؛ متعهدًا بدفع ما عليه من التزامات مالية يقتضيها نقض التعاقد مع الجامعة الأمريكية.
وبرّر المحرر الثقافي لمجلة "الوسط" الأسبوعية "بيار أبي صعوبة" هذه المواقف بالدعوة إلى "غزو إسرائيل أدبيا من خلال سماح الكُتّاب بترجمة أعمالهم إلى العبرية، وتحويل حقوقهم المالية إلى صندوق دعم الانتفاضة الفلسطينية من خلال وسيط عربي".
وقام الروائي اللبناني "إلياس خوري"، المعروف بولائه لياسر عرفات، بشن هجوم شرس على معارضي الترجمة؛ متهمًا إياهم "بالقومجية" وضيق الأفق، وخاصة على المثقفين المصريين الذين لم يستطيعوا منع حكومتهم من التطبيع الاقتصادي والسياسي مع العدو في تبرير هجومه على رفض هؤلاء ترجمة أعمالهم عبر الدار الإسرائيلية.
وعبّر الكاتب اللبناني عن اقتناعه بضرورة الترجمة والحوار مع الأفراد والنوعيات التي تمثلها دار الأندلس، باعتباره جزءًا من النضال من أجل الحق العربي في فلسطين.
ولكنه في الوقت نفسه لم يقم بالتوقيع على ترجمة روايته "باب الشمس" التي تدور أحداثها حول النكبة الفلسطينية، احترامًا لقوانين بلاده، التي هاجمها مداورة في سياق الهجوم الأول على مواقف المثقفين "القومجية"، إضافة إلى تفريقه في النضال المشترك بين الديمقراطيين في العالم (ومن بينهم طبعًا الديمقراطيون الإسرائيليون)، وبين دولة تحتل أرض فلسطين وأجزاء من أراضي بلاده وسوريا.(28/270)
وتناقض حوري ليس غريبًا؛ لأنه ينسجم مع كتاباته الأخيرة، خصوصًا دعوته في روايته "باب الشمس" إلى إقفال منطقة التواصل بين فلسطيني الداخل والخارج بإغلاقه مغارة في منطقة الجليل، كان يلتقي فيه المناضل الفلسطيني بطل الرواية الذي يعيش في لبنان وزوجته التي بقيت على أرض فلسطين بعد أن تُوفّي، ضمن إطار تبريره للاتفاقيات التي وقّعها عرفات في أوسلو، إضافة إلى الموقف الذي احتوته الرواية تجاه الإسرائيليين واليهود.
يقابل هذه المواقف المحدودة والقليلة مجموع أكبر من الرافضين الذي يرتكزون في رفضهم للتطبيع على الحق الفلسطيني والعربي، وممارسات إسرائيل العنصرية والقمعية المرعبة ضد الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة بها.
ومن أبرزهم الروائي المصري صنع الله إبراهيم الذي عبّر عن احترامه لرأي الآخر، وأكد في الوقت نفسه "على رفض هذه العلاقة من حيث المبدأ؛ حتى زوال العدوان الإسرائيلي"، إضافة إلى أن "اللغة العبرية لغة ميتة، لن تضيف لي ككاتب شيئا إذا ما تُرجمت أعمالي إليها".
في حين كان موقف الروائي المصري "يوسف أبو رية" أكثر تشددًا برفضه الكلي لأي تعامل مع إسرائيليين، "بغض النظر عن تصنيفاتهم حركة السلام الآن أو الديمقراطيين الإسرائيليين أو راكاح أو غيرها".
ولم يشذ عن هذه المواقف العديد من الروائيين الذين تمّ الحديث معهم حول الموضوع، وخصوصًا الروائي محمد البساطي الذي قال: أعتبر هذا الموضوع ليس مهما من حيث الأساس، فهم أرسلوا لي العام الماضي رسالة تطالب بترجمة أعمالي، ولكني تجاهلت الموضوع تماما؛ لأنه لا يهمني سوى الحفاظ على موقفي المساند كلية للشعب الفلسطيني، ولن يكون لي أية صلة مع إسرائيليين، طالما بقيت فلسطين تحت الاحتلال، وبقيت عذابات الشعب الفلسطيني قائمة".
واستغرب البساطي "طرح هذا الموضوع الآن، خصوصًا ونحن بحاجة إلى الالتفاف حول الانتفاضة الفلسطينية في مواجهة عدو فَقَد عقله، ويتجه إلى تصفية شعب بكل ثقل قوته العسكرية".
واعتبر الكاتب السوري "فيصل جلول" "أن بيع حقوق المؤلف العربي لدار إسرائيلية تساوي بيع أرض إلى العدو"، واستكمل متسائلاً: "هل كان محمود درويش سيبيع أرضه لحركة السلام الآن، أستبعد ذلك، وهذا ما يلزم مواقفنا تجاه الملكية الفكرية".
وأعرب العديد منهم عن رفضهم لإقامة دعوى قضائية ضد إسرائيل في حالة قرصنتها على الأعمال الثقافية بمختلف فروعها؛ فهي "تستطيع كما استولت على الأراضي الفلسطينية أن تقوم بقرصنة الأعمال الفكرية العربية، وكذلك الأغاني والأفلام وغيرها".
============(28/271)
(28/272)
أولويات واشنطن الأربع في العالم العربي..حقيقة أم تزييف ؟
الإسلام اليوم - السيد أبو داود 4/10/1423
08/12/2002
حددت الخارجية الأميركية أربعة أهداف دبلوماسية ستعمل الحكومة الأمريكية على تحقيقها أو التركيز عليها في جهودها بمنطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام المقبلة، وهى القضاء على الإرهاب ونزع أسلحة العراق والسلام العربي الإسرائيلي ومساندة الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
حيث قال (وليام بيرنز) مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، في كلمة ألقاها بمجلس الشؤون العالمية بميريلاند، أنه يتعين على الولايات المتحدة " المضي في تحقيق تلك الأهداف الأربعة في نفس الوقت من خلال استراتيجيات طويلة الأجل ومتسقة تبنى على الجهود التي تبذلها شعوب وحكومات المنطقة".
وأضاف بيرنز في محاضرته "شرق أوسط تسوده الصراعات الداخلية يمثل تهديدا للشعب الأميركي ولشعوب المنطقة ذاتها بدرجة متساوية". وأضاف أن الشرق الأوسط يمثل وطنا لأقرب أصدقاء الولايات المتحدة، وثلثي احتياطي النفط في العالم وكذلك وطنا لمنفذي هجمات 11 سبتمبر 2001، مشيرًا إلى أن "المخاطر كبيرة وعدم التحرك سيكون له آثار أشبه بالكارثة".
وأكد بيرنز أن الولايات المتحدة سوف تعمل كذلك على مساندة المشاركة السياسية في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، مشيرًا إلى اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الأميركي كولين باول منذ عدة أيام مع مجموعة من السيدات من العالم العربي يزرن واشنطن للتعلم من العملية الانتخابية والتدريب على اكتساب مهارات خوض الحملات الانتخابية في دولهن في المستقبل.
هذا هو ظاهر كلام الساسة الأمريكيين لكن من السذاجة التوهم, ولو للحظة واحدة, بأن ما تبتغيه الولايات المتحدة في علاقتها بالعالم العربي, هو كما تدعي :تغيير الأنظمة والمجتمعات العربية والإسلامية, من أجل إقامة نظم حكم ديمقراطية سليمة. ذلك بأنها لو تفعل تكون قد (حرثت ودرست لغيرها) وهو ما لا يمكن أن تفعله, في أي حال, خصوصاً بالنسبة إلى فلسطين والعراق.
تعزيز الديمقراطية خدعة ... أمريكية
وفي إطار إيهام العرب بأن واشنطن تسعى إلى تعزيز الديمقراطية في بلادهم، صرح مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة تعتزم مراجعة جميع المساعدات التي تقدمها للعالم العربي لتحدد إلى أي مدى يمكنها إعادة توجيهها إلى برامج تشجع الديمقراطية وسيادة القانون.
وأضاف أن هذه المراجعة تشمل كل المساعدات لمصر ثاني أكبر دولة تحصل على مساعدات أميركية بعد إسرائيل وإحدى أفضل أصدقاء واشنطن في العالم العربي.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "إننا حاليا بصدد إجراء مراجعة شاملة لكل برامجنا للمساعدات في العالم العربي بما في ذلك مصر، وذلك في إطار مبادرة أميركية للشراكة في الشرق الأوسط". وأضاف "أحد أهدافنا زيادة حصة صندوق المساعدات الذي يدعم تشجيع الديمقراطية وسيادة القانون. هذا يشمل مجموعة من الأنشطة تهدف إلى تعزيز المجتمع المدني والمناقشة المسؤولة في مصر".
ومبادرة شراكة الشرق الأوسط برنامج تبلغ تكاليفه 20 مليون دولار لتشجيع التفكير الإصلاحي في العالم العربي يستند إلى افتراض بأن توفير مزيد من الديمقراطية سيجعل موقف العرب أكثر إيجابية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتحصل مصر على نحو 1.9 مليار دولار سنويا من المساعدات الأميركية وهو مبلغ لم يتغير تقريبا منذ أواخر السبعينيات عندما وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات على معاهدة للسلام مع إسرائيل.
ولم يقل المسؤول ما إذا كان مجمل حجم المساعدات الأميركية سيتغير ولكن أحد الأهداف هو زيادة حجم المساعدات المخصصة لبرامج الديمقراطية وسيادة القانون. وتذهب معظم المساعدات الأميركية لمصر إلى مشروعات البنية الأساسية مثل شبكة الصرف الصحي بالقاهرة ومشروعات لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية للمصريين.
سجل حافل بالدكتاتورية
إن سجل أمريكا وتاريخها مليء بتشجيع الديكتاتوريات والوقوف ضد الديمقراطية العربية التي من شأنها الإتيان بالإسلاميين إلى سدة الحكم . والحقيقة أن من يعتمد على سخاء الوعود التي تقدمها أميركا وهي تحضر للعدوان على العراق عليه أن يتذكر ما بقي من وعودها لروسيا وباكستان وإيران ولكل من لم ينزل تحت لوائها من معارضي الشمال بعدما أنجزت حربها على أفغانستان وانتهت المهمة التي قدمت الوعود من أجلها.(28/273)
ويخطئ من يتصور أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى إلى إقامة نظام صديق لها في فلسطين أو في العراق, وهي التي تدخل الآن في صراع شديد مع حلفائها وأصدقائها التقليديين, بمن فيهم حلفاء الأطلسي, لتقلب ما كان مقبولاً من صداقة ومعادلة تحالف منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى عام 2000, مما يوجب التأمل بعمق في الأزمة الأميركية - الأوروبية راهناً, أو في أزمة أميركا مع عدد من الأنظمة العربية التي ذهبت بعيداً في العلاقة الإيجابية معها, والتقاء المصالح, وبعضها لعشرات السنين, بما في ذلك قبول وجود عسكري أمريكي فوق أراضيها, أو القيام بمناورات عسكرية مشتركة, ومنها من خطا باتجاه ما كانت تطالب به من علاقة بالكيان الصهيوني.
إن القياس على أمريكا الحرب الباردة, أو قبلها, أو حتى أمريكا كلينتون لم يعد مطابقاً للحال الأمريكية تحت إدارة جورج بوش الابن. فالمطلوب الآن من حلفاء الأطلسي تبعية كاملة بلا قرارات جماعية, أو حق النقض, ومن الفلسطينيين والعرب تبعية كاملة للمشروع الصهيوني, بما يتخطى الاعتراف والتطبيع إلى القبول بالشرق أوسطية والهيمنة الصهيونية وتصفية القضية الفلسطينية وفقا لشروط أسوأ مما أفصح عنه حتى الآن.
وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا كل هذا التأزم مع الأصدقاء والحلفاء والمجتمعات العربية - الإسلامية؟.
أمريكا الصهيونية
إن من يتمعن جيداً في تقرير (استراتيجية الأمن القومي الأمريكي) الذي أطلقه الرئيس الأمريكي بوش في 20 (سبتمبر) 2002, وفي سلسلة تصريحات بوش, وديك تشيني, ورامسفيلد, ورايس, وفي كتابات منظري الإدارة الأمريكية أمثال بول ولفوفيتر, وريتشارد بيرل, وروبرت كاغان وغيرهم, وفي الدور الذي يلعبه داخل الإدارة قساوسة ما يسمى بـ(المسيحية الصهيونية) يدرك أننا إزاء أمريكا غير تلك التي عرفت حتى أيلان,أمريكا اليوم ضاعفت سعيها إلى الهيمنة, بل أخذ كثير ممن اعتبروها زعيمة العالم الحر أو محررة أو ديموقراطية, يبدون قلقهم مما راح يسعى إليه الفريق الحاكم الآن من نزعة حرب, وعقلية عسكرية - أمنية, وروح تسلطية انفرادية, وممارسة هيمنة استعمارية مباشرة, ومن سعي إلى إقامة نظام دولي تحكمه دكتاتورية عسكرية, ومن ثم سياسية واقتصادية وثقافية، أما في منطقتنا فالتبني شبه كامل من جانب الإدارة الحالية للمشروع الاستراتيجي الصهيوني.
من هنا ندرك لماذا تريد أمريكا أن تحتل العراق بقواتها العسكرية وتضعه لأمر طويل تحت تهديد بالصواريخ والطائرات فضلاً عن إعادة بناء نظام عسكري - أمني من خلال جيش وقوات أمن لهما (تراث عريق) في ضبط الشارع العراقي وقمعه, وتنفيذ الأوامر. وهذا النظام يجب أن تكون قيادته, بالضرورة, لا صديقة ولا حليفة وإنما عميلة وجزءاً من المشروع الذي يستهدف فلسطين والمشرق العربي وإيران: تغيير الأنظمة والمجتمعات (وربما بعض الخرائط) وفقاً للصورة التي في ذهن صقور الإدارة الأمريكية. بل لتكون جزءاً من مشروع إقامة نظام الديكتاتورية العسكرية الأمريكية في العالم. ولهذا عندما يسأل ما الذي تريده أميركا من العراق? ينبغي للجواب أن يقرأ من خلال ما تريده على المستوى العالمي والإسلامي والعربي, وما تريده للدولة العبرية من دور في المنطقة, وإلا فهمنا السياسة الأمريكية في العراق, وفي فلسطين, وفي أي بلد عربي, بتبسيطية مخلة حين يقال إنها تريد تغيير هذه القيادة أو تلك، وإقامة ديموقراطية وحكومة صديقة تتبادل وإياها المصالح (المشتركة).
إن واشنطن غاضبة من الدول العربية لأنها لم تسر إلى نهاية الطريق المطلوب أمريكيا - صهيونياًً في تصفية القضية الفلسطينية والتمكين للصهيونية فيه على رغم ما قدم من تنازلات وأبدى من رغبة في التفاهم، ولأنه لم يسلم كل سياساته الخارجية والداخلية, الاقتصادية والثقافية لواشنطن, بما في ذلك السياسات البترولية والعلاقات الدولية. فعلى سبيل المثال ثمة عدم إدراك للسياسات الأمريكية النفطية في استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية. فقد شاع بين خبراء النفط أن أسواقه استقرت منذ 1975 وأن الوضع النفطي الراهن يحقق مصالح أمريكا ويحظى على رضاها الكامل. ولكن التدقيق في الاستراتيجية العالمية الأمريكية الجديدة يفترض تغييراً في الاستراتيجية النفطية, كما هي الحال بالنسبة إلى اتفاقيات دولية كثيرة يراد إعادة النظر فيها وتغييرها, فأمريكا إذا أرادت تركيع الدول الكبرى فهي بحاجة إلى سياسة نفطية جديدة إلى جانب الاعتماد على ميزان القوى العسكرية،. ولهذا فإدارة بوش تريد نمطاً جديداً من السيطرة على النفط يسمح لها باستخدامه كسلاح في صراعها الدولي مع الصين وروسيا وأوروبا واليابان. الأمر الذي يتطلب سيطرة عسكرية وسياسية (من خلال أنظمة عملية) على النفط. والبداية الآن من العراق لنسف المعادلة النفطية التي استقرت خلال العقدين الماضيين.
تآمر أمريكي روسي على بترول العراق
وبالنسبة لملف النفط فقد كان موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محرجاً للإدارة الأمريكية التي رأت في معارضته لمهاجمة العراق سبباً لتحسين مستوى التعاون معه.(28/274)
وتوقع بوش أن يأخذ هذا التعاون طابع الإغراء الاقتصادي بحيث تقدم موسكو على إلغاء العقد الذي وقعته مع بغداد سنة 1997. أي العقد الذي يمنح شركة (لوك أويل) إضافة إلى وكالتين حكوميتين, حق تطوير حقول النفط الواقعة غرب منطقة القرنة على امتداد 23 سنة. وتقضي شروط العقد أن تُمنح شركة (لوك اويل) نصف الإنتاج في حين ينال العراق نسبة الربع مثله مثل الوكالات الحكومية الروسية، وتقدر استثمارات هذه الصفقة بعشرين بليون دولار هي حصيلة إنتاج تتوقع الدراسات أن يقفز عن كمية 667 مليون طن من النفط الخام. واعتبرت الصفقة مجزية للفريقين, خصوصاً أن موسكو كانت تأمل في تحصيل ديونها البالغة ثمانية بلايين دولار ثمن أسلحة. وبسبب نظام العقوبات بقي المشروع مجمّداً. ولكن إغراءات العراق ظلت ناشطة بدليل أن صدام حسين أعطى روسيا عقداً آخر بمبلغ بليون وثلاثمائة ألف دولار ضمن برنامج الأمم المتحدة (النفط مقابل الغذاء), إضافة إلى تعهد بمنح الشركات الروسية عقوداً بأربعين بليون دولار فور رفع الحظر والعقوبات.
وكان واضحاً أن سخاء المشاريع العراقية هو الثمن الاقتصادي الذي يدفعه صدام حسين من أجل دعم موقف بوتين, وتشجيعه على الاستمرار في سياسة مقاومة الحرب.
من أجل تغيير هذا الاتجاه السياسي, قررت واشنطن تقديم عروض مغرية لروسيا بهدف استمالتها وتحييدها في الحرب المقبلة ضد العراق. وظهرت مؤشرات هذا الاتجاه في اجتماعات (هيوستن) التي عقدت بطلب من الرئيس جورج بوش وضمت جميع ممثلي شركات النفط الأمريكية والروسية. وتبين من محاضر الجلسات أن موسكو تختلف مع واشنطن على الذرائع المطروحة لتبرير العمل العسكري ضد العراق, ولكنها تتفق معها على موضوع واحد هو النفط. ولقد نقل هذا التصور أهم ثلاثة يعملون في حقل الطاقة هم رئيس شركة (لوك أويل) العملاقة فاجيت الكبيروف, ومدير شركة (يوكوس) ميخائيل كودور كوفسكي, ورئيس مؤسسة (روسنفت) سيرجي بوغدانتشيكوف. هؤلاء الثلاثة أرسلهم بوتين إلى عاصمة النفط الأمريكية هيوستن لإجراء محادثات تتعلق بتعاون البلدين في هذا المجال، ونشرت الصحف الأمريكية بعض محاضر الجلسات الخاصة وما تسرب عنها من اتفاقات تؤكد تعهد روسيا تأمين ما نسبته عشرة في المائة من استهلاك السوق الأمريكية أي ما يساوي 60 مليون طن من النفط سنوياً. ووضع رئيس شركة (لوك أويل) أمام ممثلي الشركات الأمريكية تصميماً لمصفاة ضخمة في مرفأ (مورفسك) يمكنها استقبال الناقلات العملاقة المعدّة لنقل النفط إلى موانئ أمريكا الشمالية، وبما أن روسيا لا تملك مصاف ضخمة من النوع المطلوب, فإن خطة التغيير تحتاج إلى وقت طويل وإلى استثمارات الشركات العملاقة، ويقدر الخبراء أن هذا المشروع سيكلف سبعة بلايين دولار, في حين يحتاج المشروع المتكامل الرامي إلى تجديد المصافي العتيقة وتنشيط عمليات التنقيب وحفر الآبار في سيبيريا إلى 157 بليون دولار على أن يتم الإنجاز خلال ثلاثين سنة.
الكذب الأمريكي في تضخيم قدرات العراق
إن أمريكا تكذب على العالم بتضخيم قدرات العراق العسكرية وخطورتها في تهديد أمن العالم ، بما فيه أمن أمريكا نفسها .
وواقع الحال فإن العراق لا يملك أسلحة كيماوية، وهذا ما ذكرته لجان التفتيش في عام 1998، والتي أكدت عدم امتلاكه، وليس قدرته على الامتلاك، لأن القدرة معناها احتمالات امتلاك هذه الأسلحة في المستقبل، والعراق لديه القدرة على ذلك من خلال القدرات المادية، وكوادر بشرية قادرة على العمل في هذا المجال، والحصول على بعض المواد الأولية للإنتاج والعصابات الدولية لها دور مهم في هذا المجال، إضافة لهذا فالعراق قد امتلك هذه الأسلحة من قبل، وجربها بالفعل في حربه مع إيران وكذلك ضد الأكراد، ومعنى أنه استخدمها فهذا دليل قوي على مدى إمكانيات العراق، وقدرته على تصنيع هذه الأسلحة من جديد.
لكننا لا نعتقد أن العراق يمتلك سلاحا نوويا ولكن لديه إمكانيات ولو قام بتطوير إمكاناته لاستطاع تصنيع القنبلة النووية خلال ثلاث أو أربع سنوات.
كما لا نعتقد أن صدام سيتمكن من استخدام هذه الأسلحة في حالة وقوع هجوم أميركي على العراق، لأن هذا الموقف هو نفس الموقف في حرب الخليج الثانية، وكنا متأكدين أن هناك احتمالات قوية لاستخدام السلاح الكيماوي ضد الجيوش المقاتلة ولكن الأمر مستبعد تماما نظرا لوجود أسباب في التقنية العسكرية العراقية أولها: أن هذه الأسلحة يجب أن تحمل على صواريخ متطورة، والعراق ليس لديه هذا النوع من الصواريخ، لأنه لو كان لديه هذه الإمكانيات لقام باستخدامها في حرب الخليج الثانية.
بالإضافة إلى أن استخدامها عن طريق القوات الجوية أمر مستبعد، نظرًا لضعف السلاح الجوي العراقي، مقارنة بالقوات الجوية الأميركية التي ستسيطر على ميدان العمليات العسكرية عند قيامها.
كما أن الولايات المتحدة تمتلك التكنولوجيا العسكرية الحديثة القادرة على ضرب فاعلية الصواريخ، وهي في الجو وقبل إصابتها لهدفها.(28/275)
وأيضاً فإنه في حالة إقدام العراق على استخدام مثل هذه الأسلحة، حتى لو كانت في حالة الدفاع عن النفس، سيزيد من حالة العداء الدولي له.
ويعتقد المحللون أن حالة الجيش العراقي حاليا أسوأ مما كان عليه سنة 1990، لأنه في سنة 1990، وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، خرجت بغداد وهي قوية عسكريا نظرا للدعم الضخم الذي حصلت عليه من دول الخليج والذي وصل إلى ما يقرب من 36 مليار دولار، وقامت بتنمية هذه القدرات وتم تدميرها في حرب الخليج الثانية ولا أعتقد أن العراق قد تمكن من إعادة التوازن لهذه القوات مرة أخرى، فلم نسمع عن صفقات سلاح مع أي دولة من الدول، نظرا للحظر المفروض عليها منذ حرب الخليج، والجيش العراقي يحتوي على 54 فرقة واستكمال كل فرقة لا يزيد على 40% عن السابق وهذا معناه أنها أقل من قدراتها. إضافة إلى أن العراقيين ليس لديهم خبرة القتال على بعض الأسلحة، مثل القوات الجوية
============(28/276)
(28/277)
التطبيع كلمة مغلوطة..ولا أرحب بمسرح جاد!
محمد دنيا
يحيى الفخراني ممثل مصري ترك مجال الطب ليتجه إلى التمثيل، قام بالعديد من الأدوار الناجحة التي لاقت إقبالاً وقبولاً جماهيريًا خصوصًا المسلسلات التي منها: "بابا عبده" "ليالي الحلمية"، وكانت آخر أعماله التلفزيونية مسلسل "التعلب فات"، وكلها أعمال تطرح قضايا الأخلاق والفساد والأسرة وتغير المجتمع؛ فتثير كثيرًا من التساؤلات مما دفعنا لفتح حوار معه عن الفن وأشياء أخرى.
في البداية: على أي الأسس تختار أعمالك الفنية؟
- أولاً: أقرأ الموضوع كاملاً لأعرف إذا كان مهمًّا أم لا.. ثم أفكر.. هل توقيت مناقشة هذا الموضوع مناسب أم لا.. وفي المرحلة الثالثة: أهتم ببعض التفاصيل مثل أن يكون الإنتاج متميزًا ويود استعداد للإنفاق عليه بالشكل المناسب وكذلك التنفيذ من ناحية المخرج والممثلين.
وفي النهاية: اهتم بقراءة دوري لأتأكد من أنه دور جديد لم أقدمه من قبل، وأسأل نفسي هل أفضل تأجيله لوقت آخر وهكذا..
هذا يؤكد أنك تقوم بعمل دراسة للدور وللمسلسل، فما السر في كل هذا الهجوم على مسلسلك الأخير "التعلب فات"؟
- أغلب الهجوم كان على عملية التطويل وبطء الأحداث، مما أدى إلى هذا الهجوم بالرغم من إشادة النقاد في بداية عرضه.
ما هي الأشياء التي جذبتك في هذا العمل؟
- لقد كنت سعيدًا بهذا العمل الذي ألتقي فيه لأول مرة بالفنان محمود مرسي وهذا شيء رائع؛ لأنني كنت أتمنى أن أشاركه بطولة أحد أعماله. وهذا المسلسل عمل جديد للمؤلف المبدع أسامة أنور عكاشة من حيث البناء الدرامي واللون الكوميدي، وهو مسلسل بسيط ومسلي وفيه عمق وراء البساطة.
ماذا أضاف لك هذا المسلسل؟
- لا أستطيع الحكم.. فالناس هم الذين يحددون ذلك، لكن بشكل عام هذا العمل شدَّني وجعلني مقبلاً عليه منذ البداية لاعتماده على المفاجأة والتشويق والإثارة.
هل يوجد "دويتو" بين يحيى الفخراني وأسامة أنور عكاشة حاليًا؟
- الكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة لا يكتب لي بصفة خاصة، وهو مثل أي مؤلف في الدنيا عندما يتخيل أقرب ممثل يقدم هذه الشخصية أو ذاك، وأحيانًا الظروف التي لا تسمح باللقاء.
وما هو تقييمك لمستوى المسرح المصري؟
- في رأيي أن سبب تدهور حال المسرح هو المسرحيون أنفسهم وبخاصة الجادون! لأنهم قدموا أعمالاً فنية جافة تحت زعم كونها جادة؟ ولهذا أنا لا أقول أبدًا: مسرح جاد، وإنما أقول جيد.
فالمسرح لا بد أن تكون فيه متعة وفن وفكر وقيمة في وقت واحد.. ولهذا تجد أن مسرحي أنا مثلاً كامل العدد، في الوقت الذي تعاني فيه بعض مسارح القطاع الخاص من عدم الإقبال الجماهيري.. فالجمهور يريد عملاً جيدًا ومحترمًا وممتعًا ليستمتع به.
وماذا عن مسرحية "كيمو والفستان الأزرق" التي تقوم ببطولتها؟
- تجربة رائعة.. وكلينتون مشكورًا أعطانا مفتاح القضية لكي نستفيد منها، ونحن الوحيدون الذين استفادوا من هذه القضية الشهيرة التي وصلت للرأي العام في كل مكان في العالم. وقد فتحت لنا مجالا لمناقشة شيء كانت هناك حساسية من مناقشته من قبلي، وما أثارني في هذا العمل هو كيف أناقش موضوع "الجنس" والعلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة بدون وجود لفظ يجرح مشاعر وحياء المشاهد وهذا هو التحدي، والحمد لله تحقق. وهذه القضية موجودة في عالمنا العربي وحدثت كثيرًا في تاريخنا والإعلام لم يكن يركز عليها مثلما حدث في أمريكا، وقد شغلت الرأي العام العربي عن أي قضية كانت تمس حياتهم.
بعيدًا عن المسرح ما سر ابتعادك عن السينما مؤخرًا بعد فيلم "مبروك وبلبل" الذي قمت ببطولته منذ أربع سنوات؟
- السينما حاليًا في حالة ركود.. فعدد الأفلام التي تنتج سنويًّا قليل جدًّا، وليس من بينها الفيلم الذي أطمع في أن أمثله.. وهذه أزمة عالمية، وليست أزمة مصرية أو عربية فقط.. وسببها الرئيسي وجود كمّ كبير من القنوات الفضائية العربية التي تنبع بشكل مكثف.. وبالتالي لا بد أن يكون العمل الذي يعرض في السينما مختلفًا ومتميزًا؛ لكي يجبر المشاهد على الذهاب إليه.. لكن المشكلة في مصر والعالم العربي أن الدراما أصبحت مستهلكة ولم يَعُد هناك جديد.. فمثلاً كل العلاقات الدرامية قدمت في ليالي الحلمية مثلما قدمت أيضًا في المسلسل الأمريكي "الجريء والجميلات" لكن السينما الأمريكية استطاعت أن تتغلب على هذه المشكلة بطريقتين:
الأول: إنتاج ضخم جدًّا يتجاوز الملايين من الدولارات - وهو ما لا يقدر عليه التليفزيون.
الثانية: مشاهد الإثارة والجنس التي يقدمها بعض النجوم المعروفين هناك، وبرغم أن الأفلام ذاتها لا تحمل أي مضمون وهذا لا نقبل أن نفعله.(28/278)
فالسينما لا تستطيع أن تقدم أكثر مما يقدمه التليفزيون.. بل إن هناك أفلامًا سينمائية مستواها يقل كثيرًا عمَّا يقدمه التليفزيون كما أن التليفزيون - كوسيلة انتشار أفضل للممثل فلماذا أذهب للسينما؟! هذا بالإضافة إلى أن جمهور السينما أصبح جمهورًا خاصًّا.. بدليل أن أفلامًا لي لم يستمر عرضها لأكثر من 4 أسابيع (أي لم تنجح جماهيريًّا)، وبرغم ذلك تعتبر محطات مهمة في تاريخي الفني، وعندما اختار النقاد أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما اختاروا لي 3 أفلام منها، وفي نفس الوقت لي أفلام ناجحة جماهيريًّا، واستمر عرضها لأكثر من 24 أسبوعًا، لكني أخجل منها. إلى جانب كل هذا فأنا أعمل ممثلاً.. ولست سينمائيًّا.. ومن ثَمَّ فإن ما يهمني هو أن يصل فنِّي للناس بغض النظر عن القناة التي يصل من خلالها سواء أكانت سينما أو تليفزيونًا أو حتى مسرحًا صغيرًا في الشارع.
في رأيك.. هل ينجح المستثمرون في النهوض بصناعة السينما؟
- بدأ المستثمرون يدخلون مجال صناعة السينما بإنشاء دور عرض جديدة، ولكن هذه ليست هي مشكلة الفيلم المصري، المشكلة أن تنتج مستوى جيدًا من السينما ونوزعه على دور العرض المختلفة، لكن عندما نبني دور العرض الآن فسوف نعرض فيها الفيلم الأمريكي أيضًا.
ما رأيك في الجيل الجديد من فناني الكوميديا (محمد هنيدي، علاء ولي الدين، أشرف عبد الباقي)؟
- شباب من الفنانين متميز جدًّا؛ لأنهم مجتهدون، وأنا أعتبر أفلامهم الكوميدية أدَّت إلى عودة بعض جمهور السينما.
هل صحيح أنك كنت مرشحاً لبطولة فيلم المصير.. ثم اعتذرت عنه؟ ولماذا؟
- نعم هذا صحيح، وسبب اعتذاري هو خلاف في الرأي مع الأستاذ يوسف شاهين، فقد أعجبتني فكرة الفيلم؛ فهي جيدة وكنت متحمسًا للدور، وأعجبني أن يعرف الجمهور أن الإرهاب الفكري قديم جدًّا، وأنه كان موجودًا في القرن الثاني عشر، وأعجبني أن يكون في مصر إنتاج سينمائي ضخم هكذا - بغض النظر عن كونه إنتاجًا مشتركًا مع فرنسا - لكن الحوار في الفيلم لم يعجبني، وكان يوسف شاهين مستعدًا لتعديل بعض أجزاء الحوار التي طلبتها، لكننا اختلفنا في بعض بنود العقد. ولم أشعر براحة نفسية؛ فاعتذرت.
تستعد حاليًا لتقديم مسلسل عن الملك فاروق.. من وجهة نظرك ما هي الصعوبة في تناول الشخصيات التاريخية؟
- الصعوبة ليست في الملك كشخصية، ولكن كفترة زمنية، وأنا أعتقد أن ظهوري سوف يكون بعد الحلقة التاسعة أو ما بعدها، فهناك فاروق طفلاً وتاريخ مصر في هذه الفترة، وهو قريب من الدراما التسجيلية؛ لأنه لا توجد شخصية مؤلفة أو حدث لم يحدث.
من المعروف أن لك اهتمامات ثقافية، فما رأيك في عملية التطبيع بين العرب وإسرائيل؟
- أنا غير مقتنع بعملية التطبيع بالمرة.. فحتى الآن لم نسترد حقوقنا من إسرائيل على الرغم من وجود اتفاقيات سلام بين بعض الدول العربية وإسرائيل، فالتطبيع الذي يحدث حاليًا غير طبيعي، فهو مفروض على الحكومات العربية من قبل أمريكا من أجل عيون إسرائيل. فحتى الآن لم تتغير وجهة نظر العرب من إسرائيل. فكلمة تطبيع "كلمة مغلوطة" فلا يجوز أن نبقى أنا وأنت أصدقاء وبيننا مشاكل فهذا لا يجوز بالمرة.
إذن بماذا تفسر اشتراكك صوتيًّا في دوبلاج فيلم كارتون من إنتاج شركة والت ديزني "الأمريكية" رغم اتهامها بالإساءة للعرب؟
- أنا لا أعرف شيئًا عن مسألة إساءة الشركة للعرب.. وعندما بلغني هذا الأمر سألت وعرفت أنه يقال: إن الشركة تستغل أصوات الممثلين العرب في أعمال أخرى.. لكني لم أقتنع بهذا الكلام.. فهم يستطيعون تسجيل أصواتنا من أي فيلم في السوق.. لكن هذا الفيلم الذي علقت عليه بصوتي واسمه "قصة لعبة" له قصة.. فقد كنت أشاهد فيلمًا في سينما التحرير وعرض قبله فيلم كارتون من إنتاج هذه الشركة ولم يكن مترجمًا، وأدهشني اهتمام الأطفال وتركيزهم فيه.. ثم عرضت عليَّ الشركة فيلم قصة لعبة، فطلبت مشاهدته، وكان إنتاجه ضخمًا جدًّا. وكانوا يريدون أن يسجله مجموعة من الممثلين المعروفين بل المشاهير كلٌّ في بلده.. فاختاروني من مصر.. واختاروا "توم هانكس" من أمريكا، وكان وقتها صاحب أعلى أجر هناك.. المهم أن الفيلم أعجبني وأحسست بأهميته أن يراه الطفل المصري والعربي فسجلت الحوار، وقد خرج بالشكل الذي كنت أتمناه.. ولم يكن في الحوار أو الفيلم أية إساءة للعرب.. وقد شاركني فيه من الزملاء أحمد بدير.
بصراحة ما هي رسالة الفن من وجهة نظرك؟
- رسالة الفن عامة في الأساس "إنسانية"، لكن الرسالة تكون مرحلية بمعنى أنها مرهونة بالوقت التي تقدم فيه.
هل الفن أصبح عبارة عن عري وإثارة؟
- الفن ليس عبارة عن عري وإثارة، إنما هو أقرب للوصف الوجداني، ولكن لا تفهمني بصورة خاطئة - الفن عبارة عن سلام للنفس والروح، تعمل على إصلاح الإنسان وجدانيًّا فأيضًا هذا هو هدف الفن.. والفن ليس هدفًا أخلاقيًّا فقط، بل هدفه أيضًا رسم الابتسامة على شفاه المتفرجين.
ما هي العالمية؟(28/279)
- من وجهة نظري هي الإمعان في المحلية، بمعنى أن العمل الفني عندما يكون جيدًا سيوزع عالميًّا، وقد حدث ذلك مع فيلمي "عودة مواطن" الذي يعرض حاليًا على القناة الفرنسية الألمانية "آرتين"
أما آن للعرب أن يقدموا عملاً فنيًّا يؤكد أن مصيرنا واحد؟
- "ضحك" وقال عندما يتفق الزعماء العرب أولاً، لكنني أتمنى أن أقدم مثل هذا العمل، ويا ليته يأتي قريبًا.
==============(28/280)
(28/281)
المغرب وإسبانيا وما وراء ديمقراطية أميركا
الإسلام اليوم/الرباط- إدريس الكنبوري 21/10/1423
25/12/2002
الصحف المغربية
الصحف الجزائرية
الصحف المغربية
موضوعات الصحف المغربية خلال الأسبوع الأخير (17- 24 ديسمبر) كانت عديدة ومختلفة، شأنها دائما في كل حال، وإن كانت قضايا معينة هي التي تخترق اهتمامات جل الصحف في بعض الأحيان، والمعروف في المغرب أن صحافة الأحزاب بدأت تخلي مكانها منذ وقت قريب للصحافة المستقلة، أو الشائع أنها كذلك، لأن وراءها جهات معينة تمولها وتقدم الدعم لها، فقد أصبحت الصحف الحزبية تحتل المؤخرة في قائمة المبيعات لفائدة الصحف المستقلة اليومية والأسبوعية التي تطرح قضايا لا تستطيع الصحف الحزبية الاقتراب منها، هذه الوضعية زادت انتشارا بعد تولي أحزاب المعارضة"التقليدية" الحكم عام1998 ، إذ أصبح المواطن يبحث عن الخبر بعيدا عن صحافة تلك الأحزاب التي انخرطت في ترديد الخطابات الرسمية.
وتعددت موضوعات الصحف المغربية خلال الأسبوع الأخير(16-23ديسمبر) بين قضية التعيينات الملكية الجديدة في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان(هيئة حقوقية رسمية)، والعلاقات بين الرباط ومدريد ،والمشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، وتدخل السفيرة الأمريكية بالرباط في الشؤون المغربية الداخلية، وظاهرة الفقر والهجرة السرية نحو أوروبا وحرائق السجون.
المجلس الاستشاري:استمرار المعركة
ولا يزال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يستقطب اهتمام الصحف المغربية المستقلة بوجه أخص للأسبوع الثاني على التوالي بعد التعيينات الملكية الجديدة به، تلك التعيينات التي أدخلت إلى المجلس بعض أقطاب المعارضة من اليساريين ، حيث اعتبرت "الأيام" في مقالها الرئيس الذي حمل عنوان"نظام سياسي يتغذى من معارضيه" أن أحد ابتكارات النظام الملكي المغربي هو"اعتماد أسلوب استقطاب اعتبره البعض تدجين وإرشاء النخب الحزبية ودفعها لهجر تنظيماتها والتزاماتها السياسية والالتحاق بالتصور الملكي للعمل السياسي والإداري"، وكان قصد الصحيفة هو تعيين إدريس بنزكري، أحد وجوه اليسار المغربي المتطرف ومؤسسي حركة"إلى الأمام" الشيوعية بداية السبعينات الذي اعتقل 17 سنة وأفرج عنه بعفو ملكي قبل إتمام مدة الحكم(30سنة) عام 1988، أمينا عاماً للمجلس المذكور، وهو الذي كان -إلى وقت قريب- أكبر معارضيه داخل "منتدى الحقيقة والإنصاف" الذي أسسه برفقة عدد من اليساريين المسجونين سابقا لمطالبة الدولة بتقديم الحساب، حيث قالت الصحيفة عنه" من كان يتخيل أن زعيم منتدى الحقيقة والإنصاف سيتحول إلى أمين عام مجلس استشاري لحقوق الإنسان القريب من سجن ولعلو بالرباط؟، إنها تحولات نخبة كانت على مدار عقود تحت مجهر السلطة التي أصبحت تتغذى من معارضيها بعد أن كانت ترسلهم إلى السجن أو القبر"، وزادت قائلة"دخل بنزكري إلى مجلس طالما انتقده، وأصبح اليوم يمني النفس بإمكانية إنجاز شيء ما داخل قبة مجلس استشاري لا يتحرك إلا بأمر من القصر".
وأجرت الصحيفة المذكورة لقاء مع الأمين العام الجديد للمجلس قال فيه إنه ليس ملكا لأحد، وأن تغيير موقفه من المجلس حصل بعد التطور الذي حدث داخله، وقال"إنني اليوم مقتنع بإمكانية العمل داخل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لأن لديه ما يكفي من بعد النظر والمرجعيات الحقوقية لتقديم مختلف التوصيات والمشورات في العديد من المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان واقتراح الحلول العملية".
أما أسبوعية "الصحيفة " فقد نشرت ملفا خاصا تضمن وقائع الندوة التي أقامها "منتدى الحقيقة والإنصاف" الذي رأسه خلال الأعوام الماضية بنزكري نفسه قبل إسقاطه في مؤتمر النتدى في الصيف الماضي، وجدد المشاركون في الندوة التذكير بمبادئ المنتدى وأهدافه الاستراتيجية ومنها تصفية ملف الاعتقال السياسي والتعويض المادي للضحايا وتسليم رفات المتوفين إلى عائلاتهم وكشف مصير المختطفين مجهولي المصير، وإعلان الدولة رسميا عن مسؤوليتها عن كل تلك الانتهاكات السابقة التي وقعت خلال أعوام الستينات والسبعينات والثمانينات وتقديم اعتذار رسمي للضحايا، وضرورة مساءلة المسؤولين عنها ممن تقلدوا مهام داخل أجهزة الدولة، وهي كلها مطالب لقيت في السابق تجاهل الدولة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الأمر الذي بات يبشر بحدوث صدام بين المنتدى والمجلس في حلته الجديدة، والتي أصبح فيها رئيس سابق للمنتدى المذكور أمينا عاما له.(28/282)
وفي علاقة بالموضوع نفسه، نشرت صحيفة"الأسبوع" الواسعة الانتشار والمثيرة للجدل "رسالة إلى الحسن الثاني" بدأها كاتبها "عبد الحميد العوني" بقوله"لم أرسل إليك في حياتي خطابا، وفي موتك أرسله،لأرى أنك تركت رجالا تنكروا لك من خلف حجاب؛ لأنهم خدموك من وراء قلوبهم، لا أدري كيف تحمل الأمور، كل الأمور، للحسن الثاني وكأنه حكم بملائكة"، وجاءت هذه "الرسالة" في سياق الوضع الجديد الذي أصبح عليه المغرب بعد وفاة الحسن الثاني في يوليو 1999، حيث برزت عدة أقلام تطعن في عهده وتلصق به سلبيات الماضي، ومنهم مسؤولون سابقون عملوا معه طويلا، حتى إن أحد المراقبين وصف المرحلة الحالية بالمغرب بـ"عهد انطلاق الألسنة"، وأضافت الرسالة تقول:"الحسن الثاني تحمل مسؤوليته واعترف بأخطاء قبل موته، وإن كان ذلك نبراسا لاعتراف الآخرين بأخطائهم لو كان بهم نبل، فإن خساستهم دفعتهم إلى طمر الحقيقة مع قبره، ما دام أنه تحمل المسؤولية وعلى هذا التقى الأصدقاء، فهل تخاف الدولة من الاعتذار، والاعتذار أتى من الملك نفسه بطريقة لم نعرفها من الجلادين المباشرين، أولها هذا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، فإن كان ديوان المظالم للأحياء فإن هذا المجلس للأموات والمعطوبين نفسيا وجسديا، ولذلك يجب أن يموت ليس بإعطاء دور جديد له، ما دام استشاريا إلى جانب المؤسسات، إنما بحل كل ملفاته العالقة".
المغرب وإسبانيا: ثقل الجوار
وإلى العلاقات المغربية الإسبانية الحاضرة هذه الأيام في المشهد السياسي الداخلي، بعد مبادرة الملك في الأسبوع الماضي بالسماح للسفن الإسبانية بالصيد في المياه المغربية بعد أزمة سفينة"بريستيج" والتلوث البحري الذي خلفته في المياه الإسبانية، وهي مبادرة أبرزتها جميع الصحف المغربية الصادرة هذا الأسبوع كتعبير عن التضامن الإنساني مع الجارة الشمالية للمغرب، ودعت حكومة مدريد إلى تفهمها وتجاوز الأزمة القائمة بين البلدين على اعتبار أن المغرب هو الذي بدأ بـ"مد اليد"أولا.
واهتمت الصحف المغربية يوم الإثنين الأخير23ديسمبربالحوار الذي أدلى به الوزير الأول المغربي إدريس جطو ليومية"إيل باييس"الإسبانية، وهو الأول من نوعه للوزير المعين قبل أشهر قليلة ، إذ دعا "جطو" حكومة مدريد إلى التفهم الأعمق للمشاكل القائمة بين البلدين كالهجرة السرية والمخدرات وسبتة ومليلية، وردا على سؤال عن اتهامات إسبانيا للمغرب بالتهاون مع ظاهرة تهريب المخدرات من شمال المغرب نحو أوروبا عبر أراضيها والهجرة السرية قال الوزير المغربي"نتفهم قلق إسبانيا، فالمغرب يطبق إجراءات شجاعة ومكلفة لوضع حد للظاهرتين وحماية أوروبا، لكن المشاكل أعمق وأكثر تعقيدا، فإيجاد حلول لها لا يقتصر فقط على المغرب، نتمنى أن تكون لإسبانيا نظرة شمولية لهذه القضايا؛ لأن المسؤولين والمتورطين وضحايا هذه الآفات يوجدون في ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وعليه يجب أن نوحد جهودنا لمكافحتها"، وقال "جطو" إن إسبانيا مدعوة لأن تصبح"الشريك الأول للمغرب"، وهو الموقع الذي تحتله فرنسا حاليا ولا ترضى به إسبانيا، كما أنه أشار إلى أن ملف سبتة ومليلية، أعقد ملف في العلاقات، "لا يمكنه أن يعرقل علاقات صداقة البلدين".
لكن "لافيريتي"، الأسبوعية الفرنكوفونية، تجاوزت هذا الأفق لتدعو في مقال حمل عنوان"تحضير عهد ما بعد أزنار"إلى الاستعداد لعلاقات جديدة أكثر إيجابية مع إسبانيا بعد الانتخابات الرئاسية الإسبانية المقبلة، معتبرة أن رئيس الوزراء الحالي "خوسي ماريا ازنار" لن يكسب هذه الجولة قبالة منافسه من الحزب الاشتراكي "خوسي لويس زباطيرو"، وكان هذا الأخير قد زار المغرب قبل أزيد من سنة في أوج الأزمة بين البلدين مما أثار عليه حملة قوية من الحزب الحاكم"الحزب الشعبي". وقالت الأسبوعية إن جميع الأحداث الأخيرة في إسبانيا لا ترشح "أزنار"لولاية ثانية لأنه أثبت فشله في معالجة القضايا الداخلية المطروحة، وعلى رأسها حركة"إيتا"الباسكية التي تطالب بانفصال إقليم الباسك جنوب إسبانيا، والأزمة الاقتصادية الداخلية، ومؤخرا غرق السفينة"بريستيج" في عرض مياه إقليم غاليسيا.
وكتبت أسبوعية"الصحيفة" تحت عنوان"محمد السادس يفتح الطريق أمام المصالحة" مبرزة أن ديبلوماسية الملك انتصرت عبر مبادرة"إنسانية واستراتيجية"، وقالت إن إسبانيا بالرغم من تعزيز ترسانتها وتخصيص 7 مليون
يورو لنفقاتها العسكرية، إلا أنها برزت في كامل ضعفها أثناء غرق ناقلة النفط ، مما فجر معارضة داخلية قوية وتظاهرات شعبية عدة.(28/283)
وتحت عنوان"المنطق الاستعماري ورهانات المستقبل" قالت صحيفة"الاتحاد الاشتراكي" لسان حزب الاتحاد الاشتراكي المشارك في الحكومة،إن ملف المستعمرات الإسبانية شمال المغرب مثل سبتة ومليلية والجزر المحاذية لهما شاهد على استمرار منطق الاستعمار لدى إسبانيا عوضا عن منطق الجوار والتعايش السلمي والشراكة، وأشارت إلى أن الأسباب التي كانت وراء احتلال هذه الأقاليم أسباب"تنصهر ضمن الإيديولوجية الصليبية:الحرب بين دارالإسلام ودار الكفر"، مضيفة:"وبديهي ونحن على أبواب القرن الواحد والعشرين أن تواجد هذه البقايا الأخيرة من آثار الاستعمار في إفريقيا يمس بسمعة إسبانيا كدولة ديمقراطية"، وقالت"إن رجوع هذه الأراضي إلى أصحابها الشرعيين هي مسألة وقت وسيكون محبذا أن يتم ذلك في أقرب الآجال وفي إطار تفاوضي يضمن مصالح الدولتين، ويحافظ على علاقة الصداقة وحسن الجوار بين البلدين".
المشروع الأمريكي "الديمقراطي"
ونعود إلى صحيفة"الأسبوع" وصاحبها الصحافي المخضرم "مصطفى العلوي" الذي كتب في زاويته الثابتة"الحقيقة الضائعة" عن خطاب وزير الخارجية الأمريكي يوم12ديسمبر حول نشر الديمقراطية في العالم العربي، وخطاب "ريتشارد هاس" المسؤول الأعلى في وزارة الخارجية الأمريكية حول الموضوع نفسه ، حيث قال العلوي إن مجاملة "هاس"للأنظمة الملكية العربية ومنها النظام الملكي في المغرب حين كرس مبدأ أفضليتها على النظم الجمهورية هي "إشارة إلى الرغبة الأمريكية في إقامة نظام ملكي في العراق"، وتساءل في مقاله"فكيف سيتصرف النظام العالمي الجديد، وهاهم خبراؤه يمهدون لتعرية هذه الأنظمة؟ وأي طريق سيسلكونه ونحن لا نرى في هذه التقارير كلها أي تلميح لإمكانية إمتاع شعوب هذه الأنظمة بأي حق في ممارسة حقها في التغيير أو الإصلاح، بل إن كل الخبراء الأمريكيين يريدون إطلاق اليد للسيد الأمريكي في تغيير الأنظمة العربية بأساليبه الخاصة التي لم يعلن عنها ؟".
وذكر "مصطفى العلوي" حادثة تاريخية تعكس ما يعتمل حاليا في المنطقة، ففي 22 نوفمبر من العام 1949 اجتمعت نخبة من الديبلوماسيين الأمريكيين في استنبول حين كان هناك نظام عالمي جديد ما بعد الحرب العالمية الثانية يجري الترتيب له لإعادة تغيير الخارطة العربية آنذاك، وأصدر الاجتماع مخططا جاء فيه" اعترف الحاضرون بانتشار الفساد في الدول العربية، ولكنهم وجدوا أن الاستقرار في مصر ودول المنطقة أهم من الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي " وقدم الخبراء الأمريكيون نموذج مصر التي كتبوا عنها"وفي مصر ملك ضعيف وسياسيون متشاحنون، وفقر مدقع، بجانب صفوة مرفهة وسخط شعبي وجماعات يسارية وإسلامية متطرفة آخذة في النمو"، وفي 24 فبراير 1950 قدم كاتب "مجموعة استنبول" كاتب الدولة الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأوسط"بريتون بيري" تقرير المجوعة الديبلوماسية وعلق عليه بهذه الكلمات:" يوجد في العالم العربي والإسلامي موقف سياسي غير صحي، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تسبح فيه، إلا إذا أبعدت العناصر التي تسيطر على الموقف"، ولكن ما حدث بعد ذلك في مصر- يختم العلوي مقاله - كشف عن أن الولايات المتحدة "كان لها دور في تشكيل الضباط الأحرار الذين مهدوا لإسقاط الملك فاروق في مصر، وإسقاط الملك فيصل في العراق ، وإعدام الملك عبد الله في الأردن".
سفيرة أم مقيم فرنسي جديد؟
وانتقدت "الصحيفة" في مقال مطول بعددها الأخير أيضا السفيرة الأمريكية بالرباط"مارغريت توتوايلر" بسبب ما عدته تدخلا سافرا في القضايا المغربية الداخلية في الفترات الأخيرة، حيث كتبت تحت عنوان"هل تحولت السفيرة الأمريكية بالرباط إلى لعب أدوار المقيم العام الفرنسي"؟ تقول :"يبدو أن السفيرة الأمريكية بالرباط لم تعد مقتنعة بمجرد القيام بمهمة تمثيل بلادها بالمغرب، لتتطلع إلى لعب دور سياسي أكبر من ذلك وأخطر بكثير، وهو ما يظهر أن هذه المرأة الديبلوماسية التي تقلبت في مناصب كثيرة، في وزارة الخارجية كما في مجالس إدارات بعض الشركات الكبرى التي تشكل نواة اللوبي الاقتصادي المتنفذ في دوائر القرار الأمريكي، أصبحت تقوم به منذ تقلدها هذا المنصب قبل حوالي سنة ونصف، ليصبح تدخلها في شؤون المغاربة الداخلية مثيرا للشك والاستغراب، خاصة بعد تعدد أنواع هذا التدخل وأشكاله، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل بالفعل عن حقيقة تحول السفيرة الأمريكية بالرباط إلى لعب أدوار شبيهة بتلك التي كان يقوم بها المقيم العام الفرنسي بالمغرب أو المندوب السامي البريطاني في عهد الاستعمار المباشر".(28/284)
وبعد أن لاحظت الصحيفة أن تعيين السفيرة بالرباط تزامن مع أحداث 11سبتمبر 2001 بدأت تعدد أشكال تدخلها في الشؤون المغربية الداخلية، ومن ذلك:جمع ممثلي الطبقة السياسية بكافة ألوانها الإيديولوجية والمذهبية بعد تلك الأحداث في كنيسة"سانت بيير" بالرباط "وإلزامهم عبر طقوس مسيحية بالقيام بإحياء ذكرى أحداث الثلاثاء الأمريكي"، والتدخل لدى وزارة التربية والتعليم في الحكومة السابقة لتقديم حصص دعائية في المؤسسات التعليمية لشرح وجهة النظر الأمريكية"التي تسعى إلى نشر سلامها المزعوم"، والتدخل لدى وزارة الداخلية لمنع التظاهرات التضامنية مع فلسطين والعراق، والتنديد بالإرهاب الأمريكي والصهيوني، والتدخل لدى الوزارة نفسها لمنع خطباء المساجد من انتقاد الممارسات الأمريكية بعد غزوها الهمجي لأفغانستان، وكذلك لمنع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المغربي من جمع التبرعات لفائدة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي، والضغط على المغرب للخروج عن حياده السلبي الذي لا يخدم المصالح الأمريكية، وتمثل ذلك في تصويت المغرب لأول مرة في إحدى الهيئات الأممية لحقوق الإنسان إلى جانب قرار أمريكي يدين جمهورية كوبا باعتبارها بلدا ينتهك حقوق الإنسان، والضغط على المغرب الذي يرأس ملكه لجنة القدس لشل عملها حتى لا تتحرك ضد قرارالكونغرس الأمريكي القاضي بتحويل المدينة المحتلة إلى عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، وعددت الصحيفة من جملة تدخلات السفيرة الأمريكية "شراء ذمم بعض أفراد النخبة السياسية والثقافية والإعلامية ببلادنا عبر تمويل بعض مشاريعها"، و"فبركة"سيناريوهات تقوم بها خلايا تابعة لتنظيم القاعدة بالمغرب لنسف الاستقرار الداخلي للبلاد.
وبعد أن ذكرت الأسبوعية بنماذج من التدخل الأمريكي في القضايا العربية والإسلامية تساءلت:" فهل تعي الطبقة السياسية ببلادنا خطورة هذا التدخل وتبادر إلى مواجهته بكل الوسائل دفاعا عن سيادة شعبنا وحرية بلدنا "؟، مذكرة أن السفيرة الأمريكية بالرباط كانت عام 1991 ضمن الفريق المسؤول مع وزير الخارجية الأمريكي السابق "جيمس بيكر" حينما أبلغ هذا الأخير نظيره العراقي طارق عزيز بأنه سيعيد العراق إلى عصر ما قبل الحضارة إذا لم يقبل بالشروط الأمريكية.
الصحف الجزائرية
وكانت قضايا الصحف الجزائرية متعددة وأكثر محلية، بالنظر إلى الظروف الداخلية التي يمر منها هذا البلد. وعلى رأس تلك القضايا مسألة العنف المتواصل والمواجهات الأمنية، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يحمل أخبارا جديدة عن حوادث قتل متفرقة أو مجازر، وكانت هناك قضية التهريب والاضطرابات التي تشهدها منطقة القبائل، وموضوع الاتصالات السرية مع الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ "علي بلحاج" الموجود قيد الاعتقال بالسجن العسكري في البليدة، وحرائق السجون الجزائرية ومخلفاتها الكارثية التي تنضاف إلى مآسي الجزائريين الأخرى، لترسم واقعا سوداويا وغير ذلك من القضايا التي شغلت بال الرأي العام في الجزائر.
العنف ينتشر إلى الملاعب
وقد تناقلت صحف الأسبوع الأخير أخبارا عن عمليات قتل جديدة خلفت مقتل مدنيين وعسكريين في بعض مناطق الجزائر الشرقية، حيث ذكرت يومية"الوطن" في عددها ليوم 23-12-2002 أن مجموعة مسلحة هاجمت ليلة السبت الماضية معصرة للزيتون بقرية"رباحية" في سكيكدة شرق الجزائر، كما ذكر المصدرنفسه أن قوات الأمن اشتبكت مع مجموعة مسلحة أخرى في جبال"بوراس" بولاية "جيجل"(360كلم شرق العاصمة)، وأن عددا من قوات الأمن أصيب بجروح في هذه المواجهات المسلحة، كما ذكرت صحيفة"اليوم" أن عشرات الأشخاص تجمعوا أمام مقر الدرك والولاية في "الشلف" غرب الجزائر مطالبين بتعويض ضحايا الاعتداءات المسلحة الأخيرة واسترجاع أسلحتهم التي سلموها للدولة عام 1993.
وقالت يومية"لوماتان" يوم 22 ديسمبر أن رجال الأمن قاموا بأكبر عملية تمشيط في ناحية بين بومرداس والبويرة غرب الجزائر العاصمة، حيث توجد غابة كثيفة قالت الصحيفة إنها أصبحت تأوي منذ عدة أعوام شبكة من الأفراد المسلحين الذين يقودهم "الإخوان حمزاوي"، وذكر المصدر أن الأمن الجزائري استعمل في هذه العملية الأسلحة الثقيلة والمروحيات وآليات عسكرية ضخمة لفتح معابر للمرور في عمق الغابة، وفي هذه العملية لقي اثنان من رجال الأمن مصرعهما بسبب انفجار قنبلتين تقليديتين ، وتمكن رجال الأمن من تدمير عدد من المعاقل التي كان المسلحون يتحصنون فيها حسب ما ذكرته اليومية.
لكن الذي شغل الصحف الجزائرية طوال الأسبوع هو العنف الذي كان ملعب لكرة القدم مسرحا له في وهران يوم الخميس الماضي، أسابيع معدودة فقط بعد أحداث مماثلة شهدتها ملاعب منطقة"تيزي وزو" القبائلية، ولاحظت الصحف أن الجزائر أصبحت مهددة بفقد استقرارها بانتشار العنف حتى عم جميع نواحي الحياة، بما في ذلك الأماكن التي تعتبر فسحات للشباب .(28/285)
وردا على هذه الأحداث التي خلفت ضحايا وسط اللاعبين والجمهور الذي حضر المقابلة واستعملت فيها الحجارة والأدوات الحادة وإشعال النيران، أقدمت الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم على اتخاذ إجراءات صارمة للقضاء على أحداث الشغب داخل الملاعب، من جملتها إخلاق هذه الأخيرة في ظروف معينة، وإجراء مقابلات مغلقة، وتنظيم دورات تحسيسية للاعبين الجزائريين بمخاطر العنف. وكتبت"ليبرتي"الفرنكوفونية يوم21-12-2002 متسائلة"هل ينبغي إغلاق الملاعب "؟، داعية إلى التفكير في الظاهرة الجديدة على المستوى الوطني لإنقاذ الجزائر والجزائريين، وتحت عنوان"غير قابل للتسامح" قالت الصحيفة في افتتاحيتها العدد نفسه أنه"من الضروري تحصين الجزائر من موجات القتل التي أبعدت الملاعب الجزائرية عن العالم " محذرة من أن مثل هذه الأحداث المتكررة يهدد بعزل الجزائر دوليا.
أما يومية"النصر" الناطقة بالعربية فقد قالت في افتتاحية عددها يوم24-12-2002 إن الملاعب الجزائرية تحولت إلى" ساحات شغب وتخريب تسيل فيها الدماء ويتعرض بها الناس على عمومهم إلى الأذى والاعتداءات"، وقالت إن هذه الأحداث التي أصبحت معتادة في جل المدن الجزائرية لا تبقى محصورة داخل الملاعب، بل تطول الأحياء المجاورة لها، كما حدث في حجوط وتيزي وزو وبسكرة وزبالة، يعبر فيها الشباب الجزائري عن"انتقام غريب وغل مكبت، يعبر عن إحدى حالات المجتمع الجزائري الذي يبقى حبيس ظاهرة عنف عامة يفوق عمرها العشر سنوات هي عنوان الأزمة التي تتخبط فيها البلاد".
استمرار الغليان في منطقة القبائل
ومن المواجهات المسلحة وعنف الملاعب إلى إضطرابات منطقة القبائل المستمرة منذ شهر نيسان/أبريل من عام 2001 والتي خلفت حتى الآن حسب المصادر الصحافية الجزائرية وجمعيات حقوق الإنسان مقتل 120 شخصا في المواجهات مع رجال الأمن.
وقد انتقدت يومية"لوسوار دالجيري" السياسة الرسمية التي ينهجها الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" ووزير داخليته" نور الدين يزيد زرهوني" اتجاه هذه الاضطرابات قائلة إن"الثنائي بوتفليقة- زرهوني ، المعتمد على القمع المنهجي اتجاه حركة المدنيين ، لا يبدو أنه يحاول التوقف أو تصور حل آخر سوى المطرقة والغاز المسيل للدموع والاعتقالات" مستدلة بالمنع الأخير الذي طال مؤتمرا للولايات في بومرداس، معتبرة أن سياسة بوتفليقة هذه "تطيل الأزمة"
بعد أن استمرت للعام الثاني على التوالي، وقالت إن الانتخابات الرئاسية القادمة ربيع العام 2004 التي يحرص بوتفليقة على الترشح لها للفوز بولاية ثانية ستكون انتخابات مطبوعة بأحداث القبائل" إن المنافسة الانتخابية لعام 2004،مثلها مثل الانتخابات التشريعية والبلدية السابقة(قاطعتها القبائل)، ستحددها منطقة القبائل في جميع الأحوال، مهما كانت مواقف سكانها، سواء صوتوا أو قاطعوا أو قرروا منع الانتخابات".
وتحت عنوان"الرئيس وخراب القبايل" كتبت يومية(ليبرتي) تقول إن بوتفليقة لم يستطع بعد"ابتلاع" مقاطعة سكان المنطقة للانتخابات البلدية والتشريعية السابقة فقرر"مضاعفة شراسته في قمعه لها"، وقالت إن السلطة "بالموازاة مع سياسة العصا هذه حاولت استعمال طريقة الخداع لتصفية ملف أزمة القبايل؛ لأنها تريد بكل السبل إقناع مندوبي(العروش) بالجلوس حول طاولة المفاوضات وفق شروط تمليها هي"، وأنها تحاول عبر فرض ممثلين محسوبين عليها إلهاء (العروش) للقضاء على مصداقية المندوبين لدى سكان القبائل، وأضافت الصحيفة أن الملف يزداد سخونة بالنسبة لبوتفليقة ووزيرالداخلية ، وأن منطقة القبائل بدأت"تخلط أوراق رئيس الدولة إلى حد أنه يرغب في"تطبيع" الوضع في أفق انتخابات 2004 التي بدأت تحتدم منذ الآن في أوساط النخبة السياسية"، وقالت إن بوتفليقة الذي طرح مشروع"الوئام المدني" مع جماعات"الإسلام السياسي" بما في ذلك"المتطرفين" فشل على جبهة القبائل "وهكذا بين القبائل وبين بوتفليقة يستمر الطلاق النهائي".
حقيقة الاتصالات السرية مع بلحاج(28/286)
وأفردت يومية"لوماتان" صدر صفحتها الأولى لقضية الاتصالات السرية مع الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ "علي بلحاج" الموجود رهن الاعتقال في السجن العسكري للعام الثاني عشر على التوالي، حيث كتبت تحت عنوان" توضيحات جديدة عن تحرير علي بلحاج: حقيقة ما جرى" وقالت إن"أسرار"تحرير بلحاج ما زالت تنكشف شيئا فشيئا، كان آخرها اعتراف مصادر قريبة من وزارة العدل الجزائرية بحقيقة الاتصالات السرية بين الرقم الثاني في الجبهة ورئاسة الدولة، بعد أن أنكرت الناطقة الرسمية للحكومة في الأسبوع الماضي وجود مثل هذه الاتصالات، وقالت المصادر نفسها إن الذي قام فعلا بهذا اللقاء السري مع الشيخ بلحاج هو شقيق للرئيس الجزائري يدعى"سعيد بوتفليقة" بمساعدة النائب العام للمحكمة العسكرية للبليدة الذي أقيل من منصبه في الأسبوع الماضي بعد معرفة جنيرالات الجيش بما وقع، وأن اللقاء تم وجها لوجه بين شقيق الرئيس وبلحاج لمدة نصف ساعة داخل سجن البليدة في ساحة واسعة لتجنب أي احتمال للتنصت على الحوار بين الرجلين، مما يوضح السرية التامة التي كان يراد إحاطة هذا اللقاء بها، خاصة وأن القوانين العسكرية الجزائرية تمنع كلية على المدنيين- مهما كانت درجة مسؤولياتهم في الدولة- الدخول إلى السجن العسكري إلا بإذن من السلطات العسكرية العليا، وقالت اليومية الفرنكوفونية المستقلة إن شقيق الرئيس الجزائري اتخذ نائب المحكمة العسكرية واسطة لإجراء اللقاء؛ لأنه كان يعرف مسبقا أن القيادة العسكرية سترفض السماح له بذلك، وعلقت الصحيفة أنه منذ كشف حقيقة تلك الاتصالات دخلت العلاقة بين المؤسسة العسكرية ورئاسة الدولة مرحلة "البرود"، وأن هذا البرود هو الذي
" يفسر صمت رئيس الجمهورية" حول وقائع ما جرى، وأن جهات نافذة طلبت من شقيق بوتفليقة "أن يذهب إلى الريف للاستجمام" وأن "ينسى الموضوع".
4000 قتيل و40ألف جريح بحوادث الطرق
ولا تتوقف محنة الجزائريين على حوادث العنف المتفرقة والتي لم تتوقف عن حصد الأرواح، وعنف الملاعب، بل تنضاف أسباب أخرى تجعل الجزائريين يخشون على حياتهم وبلادهم، فها هي "يومية وهران" تنقل لنا معلومات وأرقاماً رهيبة عن ضحايا حوادث السير خلال العام الجاري وحده، حيث قتل "إرهاب الطرق" كما أطلقت الصحف على الظاهرة 4000شخص وخلفت 40000ألف بين جريح ومعاق، وهو رقم تقول الصحيفة إنه يفوق إيطاليا ب 12 مرة والولايات المتحدة ب 13 مرة وفرنسا ب10 مرات، حيث سجلت بالجزائر 35 ألف حادثة سير خلال العام 2002 بزيادة 30%عن عام1991 ، وكلفت هذه الحوادث المصالح الطبية ومؤسسات التأمين ما يزيد على 35 مليار دينار.
===========(28/287)
(28/288)
التطبيع (ثعلبُ شوقي)
فلسطين- شعر: أحمد إسماعيل
اسم بَالَ عليه الدهرُ وجلَّلهُ النسيانْ
يتخفَّى اليوم على صورة ناسِكْ
يحمل مِنْسأةً
أطولَ من مِنْسأة - عليه سلامُ الله - سليمانْ
وتحفُّ به كوكبةُ الرهبانْ
يحلُمُ أن يُنقذَ هذا العالمَ من أحزان الخوفِ
ليَنْعَم "بِسَلامِ الشجعانْ"
لكن الوجه الآخرَ للصورة شيطانْ
يَتَزيّا بثياب امرأةٍ فائقةِ الحُسنِ
كغانيةٍ في لوحةِ فنانْ
ونَحْنُ نُقاوِمُ كُلَّ ضُغُوطِ الدُّنْيا
لَكِنَّا - عُذْرًا -
فامرأة ٌواحدةٌ تَقْدِرُ أَنْ تُسْقِطَنا مِنْ عَرْشِ السُّلْطانْ
ويلوِّحُ للحُكَّامِ بِبَسْطِ وِصايَتِهِ
مِنْ بَطْشِ المَقْهُورينَ
فَيَنْتَعِشُ الخِصْيانْ
لُعْبَتُهُ الكُبْرى تحْريرُ المرأةِ مِنْ عَنَتِ التَّشْريعِ
وَمِنْ قَهْرِ السَّجَّان
وكثعلبِ "شوقي" يتبدَّى للعالمِ
داعيةً لحقوقِ الإنسانْ
وملايينُ الأطفالِ ببغدادِ النَّكِبَةِ
تشهدُ أنَّ ثعالبَ شوقي في كل مكانْ.
=============(28/289)
(28/290)
حوار خاص مع سفير السودان بالقاهرة
الإسلام اليوم - عبد الرحمن محمد 1/11/1423
04/01/2003
- دعم المتمردين أبلغ دليل علي العداء الأمريكي للسودان.
- إريتريا تشن حربا بالوكالة على السودان نيابة عن واشنطن وتل أبيب.
- تكريس انفصال الجنوب ومكافأة جارا نج الهدف الوحيد لقانون الكونجرس الأمريكي.
- المبادرة المصرية الليبية أفضل الوسائل للحفاظ علي سودان موحد.
أكد السفير السوداني لدي القاهرة البروفيسير أحمد عبد الحليم أن قانون سلام السودان الذي أقره الكونجرس الأمريكي يعد انحياز سافراً للمتمردين في الجنوب وتشجيعاً لهم علي التآمر علي مسار التفاوض وعرقلة التوصل إلي اتفاق سلام عادل وشامل.
وأضاف السودان في حديث خاص لموقع " الإسلام اليوم " أن هذا القانون يعكس التدخل السافر في الشئون الداخلية لدولة ذات سيادة وتخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وأن هدف القانون هو خدمة المصالح الصهيونية وزيادة الضغوط والتآمر علي وحدة السودان.
وأشار سفير السودان إلى أن إريتريا تشن عدوانا صارخا على بلاده فتدعم قوات جار انج وتشن حربا بالوكالة عن واشنطن وتل أبيب ضد السودان.
قضايا عديدة وتهم الشأن السوداني والعربي نناقشها مع السفير السوداني بالقاهرة في الحوار التالي.
سؤال:كيف ينظر السودان إلى القانون الأمريكي الذي أصدره الكونجرس بمجلسيه حول الأوضاع في السودان ومسيرة السلام ؟!
جواب:أولا هناك توضيح في البداية فالقانون الذي أصدره الكونجرس الأمريكي ليس قانون سلام لسودان بل حرب على السودان خصوصا بعد أن صدق عليه ووقعه الرئيس الأمريكي بوش في الحادي والعشرين من أكتوبر وقد يكون هذا القانون مقبولا ومحمودا إذا ما تأسس علي الحقيقة والصدق ولكنه لم يكن سوى قرار متحيز ويغالط الواقع ويعكس جوراً وظلماً والأغرب من هذا أن أعضاء الكونجرس الأمريكي لم يقم واحد منهم بزيارة الخرطوم أو اللقاء بأي مسئول حكومي بل رفض الكثير منهم الدعوات التي وجهت إليهم لمقابلة مسئولين سودانيين بينما يزور هؤلاء المناطق التي يحتلها المتمردون من وقت لأخر ولسوء الحظ فقد عمد الكونجرس إلى إصدار 39 قراراً حول السودان كان معظمها علي هذا النحو من الظلم حيث كان الكونجرس يعطي الأولوية للتيارات المعادية للسودان بينما لم يحدث أن وجهت الدعوة للمسئولين السودانيين أو من يتسمون بالموضوعية وبهذا يكون حال السودان حال من يواجه قاضياً وهيئة محلفين وشهوداً من جانب واحد أو من يواجه الخصم والحكم.
تشجيع المتمردين
سؤال:باعتقادك ما أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من إصدار هذا القانون في هذا التوقيت ؟؟
جواب:إن هذا القانون من أبرز القرارات المغرضة والظالمة التي أصدرها الكونجرس بينما كان المرجو من حكومة الولايات المتحدة أن تصبح قوة دافعة للتوسط من أجل إنهاء الصراع في جنوب السودان عبر المفاوضات السلمية إلا إن هذا القانون يخول بوش منح المتمردين 100مليون دولار كل عام من الأعوام الثلاث القادمة بغض النظر عن الوضع السياسي للأراضي الواقعة خارج سيطرة الحكومة السودانية حسبما ورد في البند الخامس من القرار وهنا يطرح تساؤل كيف يكون الحال إذا اتفق الطرفان علي أن تظل البلاد موحدة .. أليس إنفاق هذه المبالغ علي حركة التمرد تشجيعا لها علي تقطيع أوصال السودان وتفتيته عن طريق الانحياز إلى المتمردين وتشديد الضغوط علي الحكومة السودانية وليس أدل علي ذلك الانحياز من اشتراط القرار تشديد العقوبات علي الحكومة السودانية إذا كانت مسئولة عن انهيار المحادثات .. أما إذا تورطت جماعة المتمردين في انهيار المحادثات فليس عليها شيء ولكن حكومة السودان تتعرض للعقوبات .. ونحن نعتقد أنه لا هدف لواشنطن إلا تكريس انفصال الجنوب من وراء هذا القرار .
سؤال:وهل سيؤدي هذا الانحياز إلى تراجع تبني الحكومة السودانية لخيار السلام ؟!
جواب:السلام خيارنا واجبنا كسودانيين ومسئولين ونحن لا نقبل عليه نتيجة الضغوط أو الترهيب أو الاملاءات وغني عن القول أن أمريكا جربت جميع وسائل الضغط علي الحكومة السودانية حتى وصلت إلى قصف السودان بصواريخ كروز وطبقت إدارة كلينتون سياسة الاحتواء ضد السودان وفشلت هذه السياسة باعتراف مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن وسعت أمريكا إلى فرض عقوبات علي السودان من خلال مجلس الأمن عام 1997 وحرضت جار انج على إسقاط النظام وانتقدت الإدارة الأمريكية السابقة عدم تعاون دول الجوار مثل إثيوبيا وأوغندا في التخلص من النظام السوداني وتواصل حاليا إدارة بوش السياسة العدوانية ضد السودان والتي لا تتوافق مع معايير القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وتعتبر تعدياً وتداخلاً في شئون دولة ذات سيادة.(28/291)
وإن هناك تطوراً في مسلك الإدارة الحالية يختلف عن إدارة كلينتون , فقد اتسم عصر كلينتون في مراحله الأولى بالسلبية ثم تطور إلى الاحتواء ثم العدوان ولم يحقق أهدافه ثم جاءت إدارة بوش وكان موقفها إيجابيا حيث وجهت رسالة سلام وعينت مبعوثا خاصا لها بالشأن السوداني هو السيناتور السابق دان فورش الذي أصدر تقريراً أكد صعوبة انفصال الجنوب عن الشمال واستبعد حق تقرير المصير ولكن أمريكا تراجعت عن ذلك وتبنت في اتفاق مشاكوس حق الجنوبيين في تقرير المصير بالاستفتاء واعتقد أن هذا جاء استجابة لضغوط اللوبي المسيحي في دوائر الحكم الأمريكية وحالة الغموض التي تسود أركان الإدارة الأمريكية حيال وحدة السودان.
سؤال:انسحبت الحكومة السودانية من مفاوضات مشاكوس ثم عادت إليها .. نرجو توضيح عوامل الانسحاب وأسباب العودة ؟
جواب:لقد ارتدت حركة التمرد عما تم الاتفاق عليه وصعدت عدوانها علي مناطق تحت سيطرة الحكومة وقدمت الحكومة السودانية شكوى إلى سكرتارية اتفاق مشاكوس ورعاة البروتوكول لكن الجميع لاذا بالصمت وعلي رأسهم أمريكا وبريطانيا واعتبرتا أن ذلك تصعيد للعداء وتشجيع للمتمردين علي العدوان وهو ما نرفضه جملة وتفصيلاً فهل هذا تحريض أم عدم اكتراث بمصير المفاوضات وكأنه مكأفاة لحركة التمرد ولهذا انسحبنا.. أما عودتنا إلى المفاوضات فحدثت بعد العديد من الوساطات وطرحت مبادرات ايجابية وقدمت ضمانات بمعاقبة الطرف الذي يتراجع عن ما يتم الاتفاق عليه وعودتنا هذه تؤكد حرصنا علي خيار السلام العادل والمنصف.
سؤال:ما موقفكم من قيام وزارة الخزانة الأمريكية بتجميد أصول 15 شركة سودانية ؟؟
جواب:هذه الخطوات تأتي في إطار الانحياز الأمريكي لطرف حركة التمرد ضد الحكومة الشرعية وتشجيعها للمتمردين علي عدم الاستمرار بإخلاص في المفاوضات ولكني اعتقد أن لهذا القرار تأثير محدود فهذه الشركات تخضع لعقوبات منذ عام 1997 وقد حذرت الحكومة السودانية شركات القطاع العام والخاص من التعامل في السوق المالية الأمريكية لأن هذا الأمر محفوف بالمخاطر .
وقد نفي وزير الإعلام السوداني وجود أي أموال للتليفزيون السوداني طرف شركات أمريكية إلا ثمن بعض أجهزة التقوية لمحطات الإرسال وحجزت منذ عام 1997 ونحن لا نخشى من آثار هذا القرار الاقتصادية إلا من التشويش علي المستثمرين الأجانب وتحذيرهم من أن استثمار أموالهم في السودان غير مأمونة الجانب لذا فالمشكلة ليست في آثار العقوبات ولكن في الآثار غير المباشرة لها وعلى المدى البعيد.
إسرائيل المستفيد الأول
سؤال:فمن هي القوة المستفيدة من العداء الأمريكي للسودان ؟!
جواب:وهل يوجد غير إسرائيل ؟ .. هي المستفيدة من أي موقف عدائي أمريكي ضد أي دولة عربية وقد سعت واشنطن إلى تلوين مسألة الصراع في السودان وحاولت صبغ القضية بصبغة دينية وعنصرية وهي في الحقيقة قضية تنموية وسياسية لكن أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة يحاولون التأثير في صانع القرار الأمريكي بخصوص السودان ناهيك عن التورط الصهيوني المباشر في الحرب الدائرة في الجنوب والشرق بدعمها للمتمردين أو وجودها العسكري في اريتريا في جزر دهلك وآليتها العسكرية موجودة في الجبهة الاريترية من البحر الأحمر التي كثفت فيها الوجود العسكري بشدة في الفترة الأخيرة .. فالصهيونية العالمية تكشف عدائها في هذا الوقت ضد السودان بطريقة مباشرة وغير مباشرة عبر أصدقائها في الكونجرس.
سؤال:ركزت فعاليات سودانية علي اتهام اريتريا بالتورط في المعارك لدائرة في الشرق السوداني .. فما أدلتكم علي هذا التورط ؟!
جواب:إريتريا وقواتها متورطة في القتال الدائر في الشرق السوداني وقد دعمت قواتها ومدفعياتها جار انج لاحتلال ثماني قري في شرق السودان وهذا ليس بجديد علي اريتريا التي نفذت اعتداءات علي دول الجوار منذ وجودها في بداية العقد الماضي .. فقد دعمت المتمردين وتواصل حفر خندق علي الحدود مع السودان لخلق أمر واقع وهي تواصل العداء السافر للسودان وأظنه يحدث بتوجيهات أمريكية بعد توقف إثيوبيا وأوغندا عن ذلك وهو أمر تأسف له واشنطن وهنا فهمت أسمرة الرسالة وقد اشترك سلاح الجو الاريتري وأغلب طائراته إسرائيلية الصنع في الاستيلاء علي همشكوريب وهناك أسري اريتريون لدي قوات الحكومة السودانية وقد قمنا بتسليم وثائق وأدلة تورط اريتريا إلى لجنة تقصي الحقائق التابعة للاتحاد الإفريقي ولا أدل علي التورط الاريتري من إعلان الرئيس أفورقي إننا سندعم أي قوى تحاول إسقاط هذا النظام ويقصد النظام السوداني ولا ندري سببا واحداً لعداء اريتريا رغم ما قدمه السودان من دعم للثورة والشعب الاريتري والروابط بين الشعبين ...
لقد ورط افورقي ونظامه الشعب الاريتري في حالة عداء مع أقرب الناس إليه وهذا ليس جديداً علي نظام افورقي الذي أودع كل رفقاؤه في النضال بالسجون واستولي علي السلطة بمفرده .
وهناك معارضة قوية له فهو يريد إشعال صراع خارجي حتى يجمع الشعب حوله مرة أخري .
سؤال:كلامك يشير إلى أن خط الرجعة قد قطع مع اريتريا ؟!(28/292)
جواب:لا ... نحن لا نريد أن نعادي أحدا لكن يجب علي اريتريا أن تعود عن مسلكها العدواني ضد السودان ودعمها لقوات جار انج وساعتها تكون فرص تطبيع العلاقات قوية.
سؤال:لقد أبدت جهات في المعارضة الشمالية ترحيبها بقانون سلام السودان الذي اقره الكونجرس .. ما رؤيتكم لهذا الأمر ؟!
جواب:نحن نأسف جداً لهذا الموقف غير الوطني ولكني أتساءل ألا يعد هذا خروجاً من معارضة الحكومة إلى معارضة الشعب السوداني وكذلك هل سيأتي الغرب للسودانيين بالخير أو للأمة العربية وهل العداء الأمريكي للسودان قاصر علينا وحدنا .. إن أمريكا تجيش الجيوش للعراق ولمصلحة إسرائيل وتتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان في السودان .. لماذا تقم واشنطن بتجيش الجيوش لنا فقط وتغض البصر عن كوريا الشمالية الأخطر عليها من العراق .. وهذا لا يعني أننا نؤيد العدوان ضد كوريا ولكننا ضد أي عمل عسكري أمريكي ضد أي دولة ذات سيادة .. وكذلك قيام واشنطن بتحريك الملف الفلسطيني وفي هذا التوقيت بالذات ما هو ألا تحذير للشعب العربي والاستعدادات لضرب العراق.
سؤال:لماذا اعترضت الحكومة السودانية علي وقف إطلاق النار في المناطق الشرقية ؟
جواب:قضية وقف إطلاق النار كانت مسعى سودانياً في الجولة الأولي لمفاوضات مشاكوس ولكن أمريكا وبريطانيا والنرويج فأجاونا بالقول إن وقف إطلاق النار يجب أن يكون نتيجة الاتفاق وليس بندا من بنوده وهذا أمراً غريباً لأنهم يصدعون العالم بالحديث عن أضرار الحرب في السودان وقيامها بتشريد أربعة ملايين سوداني وقتل ملايين فلماذا لم تقم هذه الإطراف علي وقف إطلاق النار يوماً واحداً ؟
وهل ضغطت هذه الإطراف علي جار انج من أجل وقف إطلاق النار بالطبع لا لأنهم لو طالبوه بذلك لاستجاب فوراً .. أما رفضنا لشمول المناطق الشرقية في وقف إطلاق النار لأننا نواجه حرب من النظام الاريتري وليس من أطراف سودانية لذا فنحن لا نخالف وقف إطلاق النار.
سؤال:يتحدث الكثيرون عن برود يسود العلاقات المصرية - السودانية منذ توقيع اتفاق مشاكوس ؟؟
جواب:لا يوجد برود ولا أي مشاكل في العلاقات المصرية السودانية وهناك تنسيق تام مع مصر وتتم موافاة مصر بكل التطورات والمسئولين السودانيين يزورون مصر بوتيرة متسارعة ... والمصريين مهتمين .
جداً بالشأن السوداني لدرجة أنهم يطالبوننا بإطلاعهم علي جميع التطورات ولا ينتظرون قيامنا بذلك وهناك دور مصري وكذلك للجامعة العربية في تهدئة الأجواء مع اريتريا وقد قدمت الجامعة طلباً بتعيين مبعوث لها خاص باتفاق مشاكوس وخاطبت سكرتير عام المفاوضات الكيني سامبيو حيث ترغب الجامعة في الوجود كمراقب في المفاوضات واعتقد أن هذا الطلب سيقبل لكي يكون للجامعة لها دور كبير في تفعيل صندوق دعم الجنوب وكان هناك اجتماع في الجامعة أواخر الشهر الماضي في هذا الإطار.
سؤال:لكنك لم تتحدث عن المبادرة المصرية - الليبية .. هل يعني أنها انتهت ؟
جواب:المبادرة المصرية - الليبية هي المبادرة الأفضل لحل المسألة السودانية وهي قائمة بالفعل ولن تنتهي والحكومة السودانية ترغب في تفعيلها ولكن حركة التمرد وقفت حائلاً دون ذلك ووضعت العراقيل أمامها لأنها كانت توفر وجودا فاعلاً لجميع الأطراف السودانية.
ولا أقول سراً إن جمع الفرقاء السودانيين حول اتفاق ماشاكوس لا يتم إلا بتفعيل هذه المبادرة لكن جارانج لا يرغب في ذلك بل سعى لانفراد بالمفاوضات وتهميش المعارضة الشمالية .. وقد أبلغ الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل وزير الخارجية السوداني ذلك للسيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع المعارض وكذلك برغبة الحكومة السودانية في مشاركة فاعلة للمعارضة الشمالية في المفاوضات.
===========(28/293)
(28/294)
وثيقة الأردن أولاً ... ونقاش حول العمليات الاستشهادية
الإسلام اليوم - محمد عبد الفتاح - عمان 9/11/1423
12/01/2003
" اكتبوا واحداً بالألف مما تهمسون به لأصدقائكم، واكتبوا واحداً بالمليون مما تبطنون، فالأعمار تتسرب من بين الأصابع ولحظة الصدق مع الذات والاعتراف تنأى، كأنما اكتشفها الإنسان كي يتستر وراءها ويحولها إلى قناع في حفلة تنكرية قد تستمر مدى الحياة !!
إننا نكتب كما لو كنا جاهزين لالتقاط الصور، نبتسم بمقدار، ونعبس بمقدار، وكأننا من طينة أخرى معصومة لا تخطئ، ولا تجازف ولا تعتريها نوبات الصرع لفرط الشك والقلق، إننا مهذبون جدا حتى ونحن نتدافع في ملجأ تحت غارة جوية، ومستقيمون كالعصا، رغم أن حياتنا اليومية ثعبانية المسعى، لهذا لا يمتاز منا إلا ذلك الذي يكتب ولا ينشر؛ لأن ما يكتب لا يقوى منبراً مهما زعم على احتماله ونشره، وقد لا يكون الكثيرون منا أقل موهبة من زملائهم في العالم، أو أقل ثقافة، لكنهم بالتأكيد أقل حرية و مغامرة وشجاعة " .
بهذه الكلمات تحدث الكاتب والأديب " خيري منصور " في صحيفة الدستور اليومية ، معبرا إلى حد كبير عن حالة الصحافة الأردنية - وربما العربية - بشكل مثير للدهشة، وهو بهذه الكلمات يتماهى إلى حد كبير أيضا مع ما قاله الإمام النفري يوما : " كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة "، ولهذا فإن مطالعة صحف الأسبوع في الأردن تحمل بين ثناياها الكثير مما يسعى إليه الإنسان العربي بصورة أو بأخرى، بحيث يتداخل الخاص مع العام، والمحلي مع القومي والعربي مع الإسلامي .
" وثيقة الأردن أولاً " ، تشعل حرباً بين الإسلاميين والحومة :
لم يكد رئيس الوزراء الأردني المهندس " على أبو الراغب " يعلن عن تشكيل خمس لجان منبثقة عن وثيقة " الأردن أولا " حتى بدأت أزمة جديدة مع الإسلاميين الذين عارضوها لأسباب عديدة، فقد أعلن أبو الراغب عن تشكيل خمس لجان هي : ( لجنة دراسة إنشاء المحكمة الدستورية، لجنة دراسة الكوتا النسائية، لجنة مراجعة قانون الأحزاب، لجنة دراسة سبل محاربة الفساد والمحسوبية، واللجنة المسؤولة عن النقابات ومؤسسات المجتمع المدني ) وقد ظهرت أسماء أعضاء اللجان خالية من أسماء الإسلاميين مما زاد من حدة الأزمة، الأمر الذي دفع عدد من الصحفيين للمغامرة بالكتابة حول الموضوع، كما أصدرت جبهة العمل الإسلامي مذكرة قوية حول الوثيقة .
وفي هذا السياق كتب " سميح المعايطة " صاحب التوجهات الإسلامية في صحيفة "العرب اليوم" اليومية : ( إن هناك شعوراً يتراكم إلى درجة القناعة في أوساط أصحاب الرأي داخل "الإخوان المسلمين "بأن نهجا جديدا يجري تكريسه في التعامل مع الجماعة، وهذا النهج يقوم على الرأي الذي يتبناه البعض بأن الجماعة ليست تنظيما سياسيا، وأنها جماعة دينية لا يحق لها ممارسة العمل السياسي، وأن السياسة من صلاحيات
و أدوار الأحزاب فق، وأن تجاوز الحكومة للإخوان في قصة اللجان لم يكن تجاوزا إجرائيا لمصلحة أحزاب المعارضة كإطار، ولكنه رسالة مقصودة بأن المراحل السابقة التي كانت فيها الجماعة تأخذ موقفا من مؤسسة الحكم، ولها تعامل يليق بوزنها السياسي، كل هذا تعتقد هذه الأوساط أنه قد تم تجاوزه، ويضيف المعايطة : ( إن قراءة هادئة في تصريحات قيادة الحركة الإسلامية تكشف بوضوح عن حجم الإحباط من التعامل الذي لقيته الحركة خلال السنوات الخمس الأخيرة، والأكثر شعورا بالإحباط تلك الأوساط التي تتعامل باعتدال يوصف أحيانا بالمهادنة ) ويذهب في نهاية مقاله إلى أن ( الجماعة لم تبذل جهدا فكريا وسياسيا منهجيا ومنظما وواقعيا في قراءة التحولات الكبيرة التي شهدتها الساحة المحلية والدولية، ابتداءً من الموقف الحقيقي للحكومة من قرار المقاطعة للانتخابات عام 1997، ومن ثم التغيرات في بنية مؤسسة الحكم بكل ما يعنيه ذلك من تغيير بعض الرؤى والتقييمات وغيرها من الأحداث التي تتعلق بالموقف الأردني من مفردات القضية الفلسطينية والتي كان آخرها أحداث 11أيلول التي أحدثت تغييرا في واقع العمل الإسلامي ومكانته سواء كان معتدلا أو متطرفا ) .
أما الكاتب ذو التوجهات الوطنية " محمود الريماوي " فقد كتب في صحيفة الرأي اليومية - لسان الحكومة - قائلا : ( إن الظروف الدولية وظروف المنطقة غير خافية على أحد، تملي على الأحزاب تعزيز شرعيتها والاندماج في السياق الوطني العام، درءاً لأي توجه تدخلي من الخارج، والتيار الإسلامي هو تيار أصيل في المجتمع والحياة العامة، هو أحوج من غيره لتعزيز شرعيته والابتعاد عن المواقف السلبية ) وأضاف الريماوي ( وإذ يلاحظ بعض قادة الحركة الإسلامية أن الدعوة لم توجه إليه للمشاركة في الحوار المنتظر فإن الرد على ذلك لا يكون من قبيل "لن نشارك حتى لو عينا"، إذ الأصح من ذلك كله هو التشديد على الحق والواجب في المشاركة التي تتعدى صياغة قانون جديد، إلى تكريس مبدأ الاتصال والتواصل، ووقف تلك الظاهرة غير المبررة التي تكون فيها الأحزاب في وادٍ وبقية مكونات الحياة السياسية في وادٍ آخر ).(28/295)
وبعيدا عن عشرات المقالات التي تطرقت إلى ذات المسألة، فقد تمحورت معظم هذه المقالات حول المدح والهجاء من قبل كتاب الحكومة " كتاب التدخل السريع حسب وصف المعارضة " وبين مقربين من الإسلاميين وهي في مجموعها لا ترقى إلى حالة حوار متزنة وعقلانية، ولهذا سنذهب مباشرة إلى مذكرة حزب " جبهة العمل الإسلامي " التي نشرتها كاملة صحيفة السبيل الإسلامية الأسبوعية، حيث رفض الحزب ما ورد في وثيقة " الأردن أولا " ومما جاء في هذه المذكرة : " جاء الشعار استباقا للأحداث وتوقعات في غاية الخطورة في فلسطين والعراق يجعل منه مقدمة لتبرير مواقف وسياسات قادمة " وأشارت إلى أن الوفاق الوطني لا يحققه شعار، وإنما الالتزام بالحقوق والواجبات ومصالح الوطن العليا التي قررها الدستور واتفق عليها الناس " وقالت " إن الآليات التي اقترحتها الوثيقة تمثل فرصة لبعض الجهات التي ضاقت ذرعا بالعقائد والمبادئ لتحقق رؤيتها في إفراغ المجتمع الأردني من الأيدلوجيا لتصبح مجرد كتلة سياسية أو اجتماعية بغير لون فكري أو امتداد قومي أو إسلامي تتفكك و تتركب حسب المصالح المتقلبة " كما أن الوثيقة أهملت من حيث المنطلق الاستناد إلى دين الأمة وعقيدتها الناظمة لهوية الوطن الحقيقية، وحول وضع الشباب ذكرت ورقة جبهة العمل الإسلامي "من العجب أن الوثيقة تتحدث عن تنمية الشباب وإشراكهم في الشؤون العامة، بينما تصر الحكومة على مصادرة حق الشباب في اختيار مجالسهم واتحاداتهم " وختمت الجبهة حديثها بالقول : ( لقد جاء شعار " الأردن أولا " في سياق تاريخي وسياسي في المنطقة العربية يجعل منه دعوة للقطرية والانعزالية والانكفاء على الذات، وأن الوثيقة التي عبرت عنه مفهوما وآليات تؤكد هذا البعد جليا، بل إن ما يشاهد من ممارسات رسمية في إدارة شؤون الوطن وما يصدر من الحكومة من تشريعات يؤكد منهجية الوصايا والاستخفاف بالشعب وحقوقه ومؤهلاته، وكل ذلك يجعل المستقبل محفوفا بالشك والقلق ) .
عملية " تل أبيب " الاستشهادية ، وضمانات القروض الإسرائيلية :
للعمليات الاستشهادية في فلسطين مذاق خاص على الساحة الأردنية، فما أن تحدث عملية حتى تبدأ جولة تحليل حول جدوى وتوقيت وأهداف العملية بين مؤيد ومعارض، وقد حظيت عملية " تل أبيب " الأخيرة بهذا التحليل، فقد كتب " سلطان الحطاب - المؤيد للتطبيع مع العدو الصهيوني - في صحيفة الرأي اليومية : ( عملية تل أبيب في توقيتها جاءت لتنسف لقاءات القاهرة وتبطل مصداقيتها، كما جاءت لتضرب الدور المصري فيها وتقطع الطريق عليه، كما أنها نسفت جهودا فلسطينية كبيرة استهدفت توحيد الصف الفلسطيني، كما أن العملية استهدفت في تأثيراتها السلبية التي يوظفها شارون واليمين الإسرائيلي بمواصلة الهجوم على الشعب الفلسطيني، وضرب قواه المختلفة والتفريق بينها )، ويبلغ الشطط بالحطاب حدا يجعله يصور شارون وكأنه بحاجة لمن يدفعه للإرهاب والقتل، حيث يقول : ( العملية الأخيرة تفضح أكثر من موقف وستكون لها نتائج كبيرة وخطيرة لا يجوز أن يستمر شارون في توظيفها خاصة وأن هذه العملية قد تمكن شارون من رسم سيناريوهات هي الأسوأ ضد القيادة الفلسطينية، وتفتح شهية العدوان الإسرائيلي على إجراءات خطرة ترتبط مع ما سيقع في العراق، وقد تفتح العملية بوابة جديدة للاحتلال لاجتياح قطاع غزة ) .
من زاوية أخرى، أعلن الإسلامي " عاطف الجولاني " رئيس تحرير صحيفة السبيل الأسبوعية الإسلامية عن سروره من العملية قائلا إنها
" ناجحة وأكثر من مهمة،ليس لأن حجم الخسائر البشرية التي ألحقتها العملية بالصهاينة المحتلين كبيرة، ولكن لأنها جاءت في الوقت الصحيح" ويضيف الجولاني " على صعيد شارون وأركانه وحكومته، أكدت العملية لهم خطأ رهاناتهم على إمكانية إلحاق هزيمة نفسية بالفلسطينيين، مهما تعاظم حجم الجرائم التي ترتكب بحقهم، وأن الذين غرهم بعض الهدوء النسبي الذي شهدته الأسابيع الأخيرة، وكادوا يصدقون ادعاءات شارون بأن المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين يمكن أن يحقق لهم الأمن والسلامة وطيب المقام، فجاءت العملية لتنسف كل أحلامهم وأوهامهم، ولترفع من جديد درجة رعبهم وتوترهم النفسي" .(28/296)
أما الأستاذ الكبير " طارق مصاروة " فقد أختار أن يتحدث في زاويته اليومية في صحيفة الرأي عن طلب " إسرائيل " للقروض من الولايات المتحدة، حيث أكد أن " لا شيء يمنع من عودة الوفد المالي الإسرائيلي من واشنطن خائبا !! فهناك مؤشرات ثلاثة تجعل من طلبه 12 مليار دولارمن القروض وضماناتها أمرا مقضيا، فالتدهور في الاقتصاد الإسرائيلي حقيقة لم يعد من الممكن التستر على أسبابها، كما أن الولايات المتحدة ستوافق على تقديم 12 مليار دولار قبل انتخابات الكنيست؛ لأنها حريصة على إنجاح الليكود وحلفائه، أما المؤشر الثالث - وهو أمريكي هذه المرة - يقول إن بوش الابن يعرف أنه سيتعرض إلى ما تعرض له بوش الأب "ساوم على 12 مليار دولار" ، فقد خسر والده معركته الرئاسية رغم انتصاره الأسطوري في حرب الخليج؛ لأنه تصور حينها أنه يستطيع فرض شروط على إسرائيل قبل موافقته مع كفالة قروض بـ10 مليارات دولار " ويختم مصاروة حديثه بالقول "مشكلة الفلسطينيين والعرب - إن كان الاحتلال مايزال مشكلة -هي ليست مع إسرائيل إنما أصبحت ومنذ سنوات طويلة مع الولايات المتحدة، فهي الحريصة على إنجاح شارون في الانتخابات، والحريصة على إدامة الاحتلال، والحريصة على قمع الفلسطينيين، وهي التي تحشد لتدمير الجميع" !! .
وبدوره قدم الدكتور " إبراهيم سيف " المحلل الاقتصادي رؤيته في صحيفة الدستور قائلا : " نتساءل هل إسرائيل بحاجة إلى تلك المبالغ لإنعاش اقتصادها، أم أنها تمارس ضغوطا على
الإدارة الأمريكية في إطار انشغالها بحربها هي الأخرى على الإرهاب "؟ لا شك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول الاستفادة من هذا الأمر كورقة انتخابية، إلا أن هذا لا يلغي عمق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي، خلال العام الماضي تشير إلى أن نسبة البطالة تقترب من 12% ومن المرجح تسريح 240ألف عامل خلال النصف الأول من العام الحالي، كذلك فإن الناتج الإجمالي الإسرائيلي تراجع خلال العام الماضي وفقا للتقديرات الرسمية بنسبة 1% ويعني نقصان دخل الفرد السنوي في إسرائيل بمقدار 1200دولار من حوالي 17184 دولاراً عام 2001إلى 15985 عام 2002، ومن المتوقع أن يتراجع الناتج خلال السنة الحالية أيضا بنسبة مشابهة " .
هموم أردنية في التعليم والسياحة :
برزت الأسبوع الماضي "صحيفة اللواء" -ذات التوجهات الإسلامية إلى حد ما أيام مؤسسها- وتحولت إلى الصبغة الحكومية في عهد ابنه " بلال حسن التل " من خلال نشرها لتقرير حول " الفشل السياحي الإبداعي في البتراء " حيث أكد التقرير أن الفشل السياحي أقوى من أن يجري إخفاؤه وعلى كل المستويات، فقد بلغ عدد المنشآت الفندقية 44 منشأة تحوي 2204غرف، وهي فنادق من ذات النجوم المختلفة من واحدة إلى خمس، ويقول أحد المستثمرين "إن التوجه السياحي تركز على العقبة على حساب البتراء، وحتى الكلام عن إقامة الندوات والمحاضرات وورش العمل في فنادق البتراء هو كلام للتخدير، والدليل على ذلك أن وزير سياحة سابق اصطحب مجموعة من المديرين وموظفي منطقته لإقامة خلوة عمل في طابا بدلا من العقبة أو البتراء "، وهكذا تراجع عدد السياح الذين دخلوا البتراء إلى أكثر من النصف، فقد بلغ عددهم عام 2000م حوالي 449ألف سائح، بينما وصل عددهم عام 2002م إلى 118 ألف سائح، ويقول التقرير إن المسؤولين يزعمون أن انتفاضة الأقصى وأحداث 11 أيلول في أمريكا هي السبب، في حين يذكر التقرير على لسان عاملين في قطاع السياحة أن الآلاف من السياح يعبرون نحو سوريا ولبنان وتركيا ومصر نتيجة الارتفاع الهائل في أسعار الفنادق والتنقلات وغير ذلك، ويُختتم التقرير بالقول : " لا بد من الاعتراف بأننا فشلنا بتقدير امتياز في ترويج السياحة الأردنية وبخاصة منطقة البتراء، وها هي أوضاع الفنادق هناك تسير من سيئ إلى أسوأ، فمن المسؤول عما يجري في بلادنا في هذا القطاع يا ترى ؟.(28/297)
وعلى صعيد آخر وفي تحقيق طريف ومؤلم في آن واحد، قام " زياد الشلة" من صحيفة "الرأي اليومية" بمتابعة مسألة " التعليم في المدارس هل يصبح صيفيا فقط " ؟0 نظراً للبرودة الشديدة في الشتاء مع عدم توفر وسائل التدفئة للطلبة، وتساءل زياد " هل تقتصر الدراسة على شهور الصيف، والشهور التي لا يتوقع فيها هطول الأمطار أو تساقط الثلوج، ليتمكن الطلبة من التجاوب مع المعلمين والمعلمات واستيعاب المواد ؟ ، وخاصة في هذه الأيام من اشتداد الموجات الباردة، مما يؤثر سلباً على الطالب، ويذهب زياد بالقول : " يبدو أننا بصدد تطبيق نظرية جديدة في أساليب التعليم، وهي أن إحساس مدراء ومديرات المدارس والمعلمات والمعلمين بالدفء يبعث الإحساس بدفء الطلبة تلقائيا !! وذلك لأن التقرير كشف عن وجود المدافئ في الإدارات المدرسية وغرف المعلمين والمعلمات فقط، وعندما يتوجه السؤال إلى المسؤولين عن موانع شراء وسائل تدفئة تحدث هؤلاء بأن المدارس لا تملك الموارد المالية لتوفير وسائل تدفئة، مع اعترافهم بأن التبرعات المدرسية أحيانا تذهب لشراء ستائر للنوافذ أو بعض الحاجيات الكمالية،في حين تعيش المدارس الحكومية حالة من الجمود بسبب الأحوال الجوية، إضافة إلى حالة الجمود المعرفي والسلوكي الموجودة أصلا هنا وهناك "
============(28/298)
(28/299)
جولة رايس.. "تطويع" المبادرة العربية لـ"تطبيع مسبق"
محمد جمال عرفة
رايس تقود سباق التطبيع بالمنطقة
رايس تقود سباق التطبيع بالمنطقة
لا يمكن فصل الجولة الثالثة "الأخيرة" لوزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس" للمنطقة العربية خلال عام واحد عما سبقها ولحقها من تطورات سياسية ذات مغزى، يمكن القول إنها تصب في خانة "تلميع" الدور السعودي على حساب الدور المصري في عملية السلام، بهدف "تطويع" مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية منذ عام 2001 وتحولت لمبادرة رسمية في قمة بيروت 2002.
فما سبق ولحق الزيارة من مواقف وتصريحات أمريكية وإسرائيلية يثير الريبة ويدعو للشك في أن هناك "سياسة" أمريكية ترمي هذه المرة لمحاولة تحقيق أي مكسب لإدارة بوش الفاشلة في الشرق الأوسط عبر فكرة "الدولتين" الفلسطينية والإسرائيلية، عبر مبادرة السلام العربية التي ستعيد القمة العربية في الرياض تأكيد تمسك الدول العربية بها.
ولا يمكن أن نفصل تصريحات رايس في القاهرة عن دور سعودي جديد في عملية السلام، ودعوتها الدول العربية لـ"ترك الباب مفتوحًا لمتابعة نشطة للمبادرة"، عن دعوة وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، العرب لأن يكونوا "منفتحين على إمكانية إجراء تعديل على مبادرة السلام العربية 2002"، أو عما زعمته صحف إسرائيلية عن جهود دبلوماسية لعقد لقاءات سعودية إسرائيلية، وما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت عن ترحيبه بقمة تضم "دولاً عربية معتدلة".
كذلك لا يمكن إغفال العلاقة ما بين الضجة المفتعلة التي أعلنها مسئولون أمريكيون وإسرائيليون بشأن ضرورة تعديل مبادرة السلام العربية، ثم نفيهم طلب تعديلها، ثم العودة لتأكيد -على لسان رايس وأولمرت- أنها تشكل "أساسًا وقاعدة" للتفاوض، وبين ما يجري الترتيب له فعليًّا بشأن بنود المبادرة التي ترفضها تل أبيب، خاصة مسألة اللاجئين، لحد تأكيد "مسئول عربي في القمة" لصحيفة الأهرام 26 مارس 2007 أن "المبادرة العربية للسلام تتحدث عن حل تفاوضي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، وليس عودة شاملة لهم".
هدفان متكاملان
بعبارة أخرى، تبدو أهمية جولة رايس هذه المرة من زاويتين مترابطتين: الأولى تتعلق بلقاءاتها مع عدد من مديري المخابرات العربية والتي يعتقد محللون سياسيون عرب أن لها علاقة بتدابير حرب خاطفة أمريكية وشيكة ضد منشآت إيران النووية، والثانية تتعلق بلقاء وزراء خارجية لتنشيط فكرة الدولتين (فلسطين وإسرائيل) عبر مبادرة السلام العربية.
أما المغزى والرابط بين محوري اللقاءات التي تضم دولاً تطلق عليها واشنطن "تحالف المعتدلين" أو "تحالف البنائين"، فيبدو واضحًا في فكرة حصول الدول العربية على مقابل (حل قضية فلسطين) لمباركتها للخطط الأمريكية في العراق وضد إيران؛ إذ لا يمكن إغفال كل هذا القدر من التسريبات الإعلامية الأمريكية والروسية والبريطانية عن خطط عاجلة لضرب إيران تستمر 6 ساعات تطال كل مراكزها النووية، وما تزعمه ذات التقارير عن السعي الأمريكي للحصول على موافقة القادة العرب في قمة الرياض على ضرب إيران وتقديم الدعم لهذه الخطط، وعلاقة كل هذا بالنشاط الأمريكي المفاجئ وجولة رايس لطرح خيار الدولتين مرة أخرى، وظهور بوادر تنازلات عربية عن بعض بنود مبادرة السلام بدعوى أن هذا "ينسجم" مع التطورات الجديدة في العالم، كما قال وزير خارجية السعودية.
واللافت أن واشنطن تحرص على وصف هذا التحالف مع الدول العربية المعتدلة الذي يضم مصر والأردن والسعودية والإمارات بأنه "تحالف المعتدلين"، وتسعى لترسيخ هذا الحلف العربي الجديد عبر تعدد اللقاءات مع كبار مسئولي هذه الدول، مما يحرج العديد منها، وربما دفع هذا المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر لتأكيد أن مصر ترفض سياسة المحاور والأحلاف؛ ردًّا على ما أثارته وسائل الإعلام التركية بشأن إقامة محور سني في مواجهة إيران ، ووصفه هذا الكلام بأنه "عارٍ من الصحة تمامًا".
ورغم ذلك لم يمنع هذا النفي من تصدر الصحف العربية والأجنبية لعناوين تؤكد أن: "رايس تحشد حلف المعتدلين العرب وراء خطة بوش"، وأن: "وراء الخطة الجديدة للرئيس جورج بوش مشاكله الكبيرة داخل الولايات المتحدة بسبب معارضة الديمقراطيين لخططه في العراق"، وأن: "الهدف هو تمييع أو إضعاف مبادرة السلام العربية وكسر الهالة التي تحيط بها؛ تمهيدًا للتعاطي معها بمرونة وتعديل بعض بنودها التي ترفضها تل أبيب، خاصة مسألتي عودة اللاجئين والانسحاب من كل أراضي 67".
ويبدو أن الهدف الأمريكي هو البحث عن إنجاز سياسي أخير في المنقطة العربية قبيل مغادرة الرئيس بوش لمقعده، خاصة بعد التعثر الكبير للمشروع الأمريكي في العراق، والمشاكل الكبيرة مع إيران وقرار الكونجرس بالانسحاب من العراق في أغسطس 2008 الذي رفضه بوش ونائبه ديك تشيني.
رايس تفجر القمة(28/300)
وربما كان هدف رايس من لقاء بعض مسئولي الدول العربية "المعتدلة" التي تؤيد ضمنًا تعديل المبادرة العربية -مثل الأردن والمغرب وتونس- هو تفجير القمة العربية في الرياض عبر إثارة خلافات -سبق أن تكررت في قمتي 2005 و2006- بشأن تعديل المبادرة، أو على الأقل الحصول على نص يظهر نية العرب في التعديل مستقبلاً مثلما ألمح لهذا وزيرا خارجية مصر والسعودية في لقاء رايس.
فقد سبق طرح فكرة هذا التعديل والتغيير في بنود المبادرة في قمة الجزائر، وخرج الخلاف العربي بين المؤيدين والرافضين للعلن، رغم أن الاقتراح الأردني ربما استهدف -كما تقول مصادر دبلوماسية عربية- استكمال خطوات التطبيع التي بدأت في أعقاب قمة شرم الشيخ فبراير 2005 حول التفاهمات الإسرائيلية الفلسطينية، وإضفاء مشروعية عربية عليها.
ثم تكرر نفس الأمر في قمة الخرطوم 2006، وقوبل بمعارضة عنيفة قادها أمين عام الجامعة العربية (ومعه سوريا والسودان) حينما قال بوضوح: "إنه لا سلام بدون ثمن"، وإنه: "لا سبب للتعجل في إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل". لكن الجديد الذي ربما يطرح في هذه القمة هو إظهار الرغبة العربية في التعديل مسبقًا في المبادرة وعدم جمودها على ما بها من بنود.. والمهم أن تبدأ المفاوضات.. أما الهدف النهائي فهو الحصول على "التطبيع" قبل حسم الملفات.
ربما يكون الهدف الأمريكي الإسرائيلي هو السعي في نهاية الأمر لتمييع المبادرة العربية بحيث تدخل ضمن المقترحات العديدة والمبادرات المتصلة بحل قضية فلسطين، وبالتالي العودة للدخول في نقاش مشترك -مدخله المبادرة- ينتهي بالتنازل عن بعض بنودها، وفي حالة نجاح هذا المخطط سيكون ذلك مكسبًا كبيرًا لإدارة بوش تعوض بها فشلها.
وربما يكون الهدف أيضًا هو تخدير العالم العربي بتحرك أمريكي في فلسطين؛ لطلب مساندة عربية فيما يخص ملفات العراق وإيران، أي توفير تحالف عربي في الشرق الأوسط مرتبط بالمصالح الإقليمية الأمريكية، ومتصل بفكرة إحياء مشروع الشرق الأوسط الأمريكي عبر ما أطلق عليه العام الماضي "تحالف البنّائين" بالمنطقة ضد "تحالف المدمرين".
الكرة بالتالي أصبحت في الملعب العربي لتحسمها القمة العربية في الرياض، والمخاوف الحقيقية تنبع من الخشية من ابتلاع الجانب العربي للطعم الأمريكي الإسرائيلي لتعديل المبادرة تمهيدًا لتفريغها من محتواها، وتحويل الاتصالات واللقاءات مع الدول العربية -تحديدًا السعودية ودول الخليج هذه المرة- إلى فخ للتطبيع المسبق قبل حسم أي ملفات، إن لم يكن الاستفادة من هذا التحالف العربي ضد طهران.
المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت
=============(28/301)
(28/302)
تطبيع الحالة اللبنانية.. توافق عبر الأطلنطي
هناء عبيد**
سلاح حزب الله أصبح إشكالية لبنانية داخلية ودولية أيضا
فيما بين واقع عسكري أكد تمكن حزب الله من الصمود أمام العدوان الإسرائيلي ومنع إسرائيل من تحقيق اختراقات برية من ناحية، وواقع قانوني ينطق بخرق إسرائيل لقواعد القانون الدولي الإنساني في عدوانها الذي دام أكثر من شهر على لبنان من ناحية أخرى، كان التوافق الدولي حول المسألة اللبنانية هو المحرك الأساسي للتعاطي الدولي مع الأزمة وتداعياتها. وقد تمثلت الملامح الأساسية للموقف الدولي في تحميل حزب الله مسئولية العدوان، والتوصل إلى قرارات دولية جوهرها الحد الفعلي من نفوذه العسكري في لبنان وإن لم تصل إلى حد نزع سلاحه بالقوة في المرحلة الحالية.
كما تميز الموقف الدولي إزاء الملف اللبناني بتوافق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا، وذلك على خلاف الصدع الذي اتسمت به المواقف الأمريكية/الأوروبية تجاه العديد من قضايا المنطقة في ظل إدارة الرئيس بوش الابن والذي تجلى في أقصى صوره إبان الحرب الأمريكية على العراق.
توجه مسبق
وتعكس قراءة قرارات الأمم المتحدة إزاء لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة هذا التوافق حول ما يمكن تسميته بالمسألة اللبنانية بتعقيداتها المختلفة بما في ذلك الحد من النفوذ السوري في لبنان، وتقليص دور الميليشيات المسلحة اللبنانية وغير اللبنانية وأهمها حزب الله في الجنوب والميليشيات الفلسطينية داخل مخيمات اللاجئين وخارجها، أو ما يسمى بازدواجية السلاح والسلطة في لبنان. وتشير القرارات المتتالية في هذا الصدد بوضوح إلى منهج دولي متدرج وإن كان متصاعدًا تجاه نزع سلاح الحزب مثلت الحرب الأخيرة والقرارات المترتبة عليها محطة بارزة في إطارها.
فقد أدى التوافق الوثيق بين الولايات المتحدة وفرنسا، والذى ظهر على وجه الخصوص إبان جدل الانتخابات الرئاسية اللبنانية وتعديل الدستور اللبنانى للسماح بالتمديد للرئيس لحود، إلى هندسة مجموعة من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن تصب في معظمها في تحجيم النفوذ السوري في لبنان وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بما يعنيه ذلك ضمنا من تحجيم نفوذ حزب الله خاصة من الناحية العسكرية. كما قامت المنظمة الدولية بتشكيل لجان دولية ترفع تقارير دورية حول التطورات على أرض الواقع في هذا السياق.
ومن أهم القرارات التي صدرت في هذا السياق قرار مجلس الأمن رقم 1559 في 2 سبتمبر 2004 والذي دعا إلى انتخابات رئاسية تتمتع بالحيدة والنزاهة، وهدف بشكل أساسي إلى إنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان، وتقليص نفوذ حزب الله؛ وهو ما أدى إلى انسحاب القوات السورية من لبنان، بينما ظلت قضية حزب الله والوجود الاستخباراتي السوري أهم القضايا المعلقة وفقا لتقارير تيري رود لارسن إلى المنظمة الدولية.
ومن ثم كانت قضية سلاح حزب الله هي موضوع قرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر في 17 مايو عام 2006، والذي دعا سوريا إلى الاستجابة إلى المطلب اللبناني بترسيم الحدود وتبادل التمثيل الدبلوماسي، وهو الموضوع الرئيسي للقرار فضلا عن التأكيد مجددا على ضرورة بسط نفوذ وسلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها؛ الأمر الذي يشير إلى تبلور الموقف الدولي قبل نشوب الأزمة الأخيرة حول ما يمكن تسميته بتطبيع الحالة اللبنانية، بما يتضمنه ذلك من نزع سلاح المقاومة في الجنوب وحصر السلطة العسكرية بيد الدولة اللبنانية. وقد شكل هذا التوجه الدولي عاملا حاسما في رد الفعل على الحرب الإسرائيلية على لبنان وانعكس في قرارات المنظمة الدولية تجاهها ممثلة في مسودة القرار 1701 والتي تم تعديل بعض بنودها ليصدر القرار في شكله الأخير، مراعيا لبعض المطالب اللبنانية.
فعلى الرغم من جريمة العدوان التي ارتكبتها إسرائيل بحق لبنان وجرائم الحرب المتتالية في هذا السياق من اعتداء على فئات مشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني وتدمير منهجي للبنية الأساسية بغير ضرورة عسكرية أو خرق ما يسمى بمبدأ التناسب العسكري المستقر في القانون الدولي، فضلا عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا وارتكاب المجازر الإنسانية وغيرها من الخروقات الجسيمة، جاء القرار الدولي ليحمل حزب الله مسئولية العدوان، ويتضمن من الإجراءات التنفيذية ما يصب مباشرة في نزع سلاحه وتقليص وجوده على الأقل عسكريا في الجنوب.
ملامح التوافق
فمن ناحية أولى نص القرار 1701 الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع في 11 أغسطس 2006، في ديباجته صراحة على تحميل حزب الله مسئولية العدوان. كما جدد القرار في الفقرة التنفيذية الثالثة التأكيد على هدف "بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية، في شكل لا يترك أي مجال لأسلحة أو سلطة غير سلطة الدولة اللبنانية". ومن ثم يعكس القرار رؤية مفادها أن الوضع الاستثنائى في لبنان والذي لا تسيطر فيه الدولة على السلوك العسكري لحزب الله هو السبب المباشر في العدوان.(28/303)
ومن ناحية ثانية فقد تضمن القرار للمرة الأولى النص على إجراءات وقائية مستقبلية تمنع إمداد حزب الله بالسلاح منها ضرورة أن تتخذ جميع الدول الإجراءات اللازمة لمنع دخول الأسلحة أو أية معدات عسكرية إلى لبنان دون موافقة الحكومة اللبنانية، وأن تمتنع الدول عن إمداد أي طرف داخل لبنان بتدريبات أو مساعدات تقنية ذات تطبيقات عسكرية (فقرة تنفيذية 15-16)؛ وهو ما يفتح الباب أمام فرض إجراءات عقابية على الدول التي يثبت معاونتها في تسليح حزب الله مستقبلا.
ومن ناحية ثالثة فإن تعزيز وانتشار القوة الدولية الإضافية في الجنوب اللبناني التي نص عليها القرار والمهام الموكلة إليها تصب مباشرة في تحقيق هدف نزع سلاح حزب الله، وتضييق الخناق عليه. ومن المهام التي أنيطت بها القوة الدولية في هذا السياق: مرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية المرتبطة بإنشاء منطقة خالية من المسلحين والمعدات العسكرية في الجنوب، فضلا عن مساعدة القوات المسلحة اللبنانية في تأمين حدودها ومنع الدخول غير المشروع للأسلحة إلى أراضيها.
ومن ثم تصبح معظم مهام القوة الدولية فيما يتعلق بنزع سلاح حزب الله ذات طبيعة وقائية أو احترازية تهدف إلى منع حصول حزب الله على مزيد من السلاح مستقبلا، فضلا عن تقليص وجوده العسكري وسحب أسلحته من الجنوب.
بعبارة أخرى فإن الخطوات التنفيذية التي نص عليها القرار الدولى الأخير تشير في مجملها إلى تطور التوافق الدولي حول نزع سلاح حزب الله، وتحديد خطوات تنفيذية لذلك الهدف باعتبار التضييق على فرص تسليحه وسحب وجوده المباشر في المناطق الحدودية مع إسرائيل عناصر رئيسية للتصور الدولى حول "حل دائم" ليس فقط للأزمة الأخيرة وإنما لمستقبل المنطقة بوجه عام.
رأب الصدع عبر الأطلنطي
ويأتي هذا الموقف المشترك في أحد أبعاده كجزء من محاولات رأب الصدع عبر الأطلنطي والتي تلت الحرب الأمريكية على العراق، وأبدى الطرفان فيها مرونة لتقريب وجهات النظر حول قضايا المنطقة العربية على وجه الخصوص، وكانت أبرز محطاتها الإعلان عن خطة الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا خلال مؤتمر قمة الثماني في الولايات المتحدة في يونيو عام 2004، والتي أدخلت فيها أوروبا بعض التعديلات على المبادرة الأمريكية الرئيسية الموسومة الشرق الأوسط الجديد لتجعل نهجها أكثر مقبولية بالنسبة للأطراف العربية. وبالرغم من أن التركيز الأساسي للمبادرة هو دعم جهود التنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطي في المنطقة، فإن افتراضًا ضمنيًّا أساسيًّا يقوم على ارتباط رؤية الشرق الأوسط الجديد باحتواء الصراع فيها والقضاء على دور المقاومة المسلحة.
إلا أن الموقف تجاه الحالة اللبنانية يمثل حالة خاصة في ذلك الإطار، حيث يحظى بسقف أعلى من التنسيق فيما بين القوى الكبرى مقارنة بغيره من قضايا المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية أو الملف النووي الإيراني، وذلك لعدد من الأسباب لعل أبرزها العلاقات الفرنسية الخاصة بلبنان والتي تميل إلى دعم المعارضة اللبنانية وتقليص النفوذ السوري في لبنان إلى حد التصريح المباشر للرئيس الفرنسي بأنه "لا يثق في سوريا". وقد مثّل هذا التوجه الفرنسي خطا ثابتا تصاعد بشكل كبير عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. ومن ثم فإن فرنسا التي تلعب في الغالب دورًا مناوئًا للسياسة الأمريكية في المنطقة، تتفق إلى حد كبير مع الإدارة الحالية حول نزع سلاح حزب الله والقضاء على النفوذ السوري في لبنان.
تباين الرؤى والهدف واحد
ولا ينفي هذا الاتفاق العام حول ضرورة تحجيم حزب الله أو نزع سلاحه، وجود بعض الاختلافات فيما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصدد تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، ووسيلة ومدى نزع سلاح حزب الله والأفق الزمني لذلك الهدف.
ففي إطار هذا التوافق العام والذي عبّرت عنه سلسلة القرارات الدولية المشار إليها، تقدم الولايات المتحدة طرحا أقسى من الطرح الأوروبي، حيث تصنف حزب الله كمنظمة إرهابية، بما يعني ضمنا إمكانية نزع سلاحه قسرًا وملاحقته عسكريا، بينما تعتبر العدوان الإسرائيلي على لبنان دفاعا عن النفس ودورا تؤديه إسرائيل في إطار الحرب على الإرهاب وفقًا لتصريحات الرئيس الأمريكي. ويندرج ذلك الطرح الأمريكي في إطار رؤية أشمل للمنطقة تحكمها نظرة الإدارة الأمريكية لحربها على الإرهاب وموقفها من دول محور الشر والدول المارقة بما فيها سوريا وإيران، خاصة على خلفية العلاقات الارتباطية بين حزب الله من ناحية وبين هاتين الأخيرتين.
على الجانب الآخر، فإن الاتحاد الأوروبي يرفض إدراج حزب الله في إطار قائمة المنظمات الإرهابية، بينما يدرج حماس على هذه القائمة، حيث أعلن المسئول الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد خافيير سولانا في أثناء الحرب على لبنان أنه لا توجد أدلة تربط بين حزب الله والإرهاب؛ وهو ما دفع أكثر من 200 عضو بالكونجرس الأمريكي لإرسال خطاب إلى سولانا يحثه على مراجعة موقف الاتحاد الأخير، وهو ما رفضه مجددا الاتحاد الأوروبي على لسان الرئاسة الفنلندية الحالية.(28/304)
وينعكس ذلك بدوره في اختلاف النهج الأوروبي المقترح للتعامل مع حزب الله عن النهج الأمريكي، وهو ما يظهر من الطرح الفرنسي المؤثر على مجمل الموقف الأوروبي في هذا السياق، والذي يؤكد على أهمية الحل الديمقراطي في لبنان بما يحقق اندماج حزب الله ضمن إطار القوى السياسية الشرعية، ويعكس اندماج حزب الله في التركيبة الطائفية والنسيج الاجتماعي اللبناني.
ومن ثم فإن الطرح الأوروبي بوجه عام أقرب إلى استيعاب دون استئصال حزب الله، مع خلق الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى تقليص نفوذه العسكري عمليا. ويرتبط ذلك بدوره برؤية أوروبا الأوسع لقضايا المنطقة ونهجها البرجماتي الذي يتجنب التصعيد المفتوح، ويعطي الاستقرار السياسي للمنطقة المتاخمة جغرافيا لأوروبا أولوية أكبر من التي يحظى بها في السياسة الأمريكية.
ومع انتهاء الحرب، والتوافق حول إرسال قوات دولية إضافية إلى لبنان تشارك فرنسا وإيطاليا بالنسبة الكبرى فيها، والتي بدأت طلائعها في الوصول إلى لبنان، يصبح تنفيذ تلك القوة لمهامها على أرض الواقع عاملا محددا لمستقبل المسعى الدولي لنزع سلاح حزب الله وبسط نفوذ الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وهما في واقع الأمر وجهان لهدف واحد. ويشكل هذا الهدف قاسما مشتركا بين مواقف القوى الدولية الكبرى تجاه حزب الله، وإن اختلفت فيما بين رؤية أمريكية تصمه بالإرهاب، ورؤية أوروبية لا تنزع عنه صراحة صفة المقاومة المشروعة أو تخلع عليه صفة الإرهاب، وإنما تتفق مع الرؤية الأمريكية في ضرورة "تطبيع الحالة اللبنانية"، وقصر الاستخدام المشروع للقوة العسكرية على الدولة اللبنانية.
** خبير إستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية
=============(28/305)
(28/306)
التطبيع مع إسرائيل تفرضه حسابات "مشرف"
05/09/2005
د. مصباح الله عبد الباقي**
الرئيس الباكستاني برويز مشرف
التقى وزير خارجية باكستان "خورشيد محمود قصوري" بنظيره الإسرائيلي "سلفان شالوم" في أحد فنادق مدينة "إستانبول" بتركيا يوم 1 سبتمبر 2005، وقد تم ذلك بوساطة من "رجب طيب أوردغان" رئيس وزراء تركيا. وقال وزير الخارجية الباكستاني في مؤتمر صحفي بعد اللقاء: "إن الحكومة الباكستانية قررت أن تكون على صلة بإسرائيل"، بينما قال الوزير الإسرائيلي: "تريد إسرائيل أن تنشئ صلات جديدة بالعالم الإسلامي".
وحاولت الحكومة الباكستانية أن تخفي هذا اللقاء إلى آخر اللحظات؛ لخوفها من ردود الأفعال الشديدة من قبل الجماعات الدينية والسياسية لحساسية الموضوع، إلا أن وسائل الإعلام رتبت أكثر من برنامج حول قضية تطبيع العلاقات بين باكستان والكيان الصهيوني قبيل اللقاء، وكان يتوقع الناس حدوث شيء من ذلك؛ نظرا لهذا الاهتمام الإعلامي غير العادي.
الخلفية التاريخية
أسست باكستان سياستها تجاه إسرائيل على تصريحات مؤسسها الأول القائد "محمد علي جناح" التي أكد فيها حق الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه المحتلة عام 1948. وألقى وزير خارجية باكستان آنذاك "السير ظفر الله خان" خطبا مؤثرة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ولم تعترف الحكومة الباكستانية حتى وقت اللقاء الأخير بأي نوع من العلاقات بين باكستان وإسرائيل، وكانت تكذب كل الأخبار التي تنشر بهذا الخصوص.
لكن الأحداث التاريخية تثبت أنه كلما حدث تقارب بين باكستان وأمريكا أثّر ذلك إيجابيا على العلاقات الباكستانية الإسرائيلية على بعض المستويات. وكلما بعدت باكستان عن أمريكا انقطعت تلك الصلات.
ففي عام 1960 شارك السفير الإسرائيلي في "هولندا" في الاحتفالات باليوم الوطني الباكستاني بدعوة من السفيرة الباكستانية آنذاك "بيغم رعنا لياقت علي خان" زوجة "نواب لياقت علي خان" أول رئيس وزراء باكستاني.
وفي عام 1961 عندما كان ذو الفقار علي بوتو -والد بنظير بوتو- وزيرا للمعادن والبترول، وكان يرأس وفدا باكستانيا في اجتماع للأمم المتحدة، التقى بالمندوب الإسرائيلي، لكن قيل إنه لقاء غير رسمي؛ لأن والد المندوب الإسرائيلي كان قاضيا في "لاركانه" مسقط رأس بوتو في عهد الإنجليز، وكان صديقا للسير شاه نواز بوتو، والد ذو الفقار علي بوتو.
وقد ابتعدت باكستان عن أمريكا، ومالت إلى روسيا في عهد وزارة "ذو الفقار علي بوتو" في أوائل السبعينيات من القرن الماضي؛ حيث أيدت باكستان موقف الدول العربية في حرب 1973، وقطعت جميع صلاتها السرية بالكيان الصهيوني، وحظيت سوريا بتأييد كبير من الحكومة الباكستانية في ذاك الوقت لكون الحكومتين مرتبطتين بالاتحاد السوفيتي حينذاك.
ولما تولى زمام الأمور الرئيس "ضياء الحق" في أواخر السبعينيات، وبدأ الجهاد الأفغاني إثر الاحتلال السوفيتي، اقتربت باكستان من أمريكا لأنها في خط المواجهة الأول، وبدأت العلاقات الإسرائيلية الباكستانية تتحرك نحو التقارب، وكتبت وسائل الإعلام في حينه أن الاستخبارات الأمريكية (CIA) اشترت الأسلحة الخفيفة روسية الصنع التي كان الكيان الصهيوني استولى عليها أثناء حربه ضد الدول الإسلامية، خاصة ضد مصر في عامي 1967 و1973، وسلمت للاستخبارات الباكستانية لتسليمها للمجاهدين الأفغان، وتم شراء الأسلحة المصرية روسية الأصل بكمية كبيرة من قبل الاستخبارات الأمريكية، ونقلت إلى باكستان لتسليمها للمجاهدين.
وعندما اعترفت مصر بدولة الكيان الصهيوني، وقاطعتها الدول العربية، وألغيت عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي.. كانت باكستان هي الوسيط بين مصر والدول العربية والإسلامية لإزالة الخلافات، وإعادة مصر إلى عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي.
ولم يختلف الحال في عهد "نواز شريف" و"بنظير بوتو"؛ لأن الحكومتين كانتا قريبتين من أمريكا، وقد صرح بعض السفراء في عهدهما بوجود علاقات غير رسمية بالكيان الصهيوني، والتقاء "بوتو" بنفسها ببعض الوزراء الإسرائيليين.
ولما جاء انقلاب "برويز مشرف" في عام 1999 على حكومة "نواز شريف" المنتخبة، كان بحاجة ماسة للتأييد الأمريكي للاستمرار في الحكم. ومن هنا بدأت الحكومة الباكستانية بقيادته تتقدم نحو إقامة العلاقات بالكيان الصهيوني بخطى حثيثة؛ فقد صرح "مشرف" يوم 2 يوليو 2003 بعد لقائه بالرئيس الفرنسي في باريس: "إنني أريد إيجاد وحدة فكرية بين الشعب الباكستاني حول العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل..."، ثم التقى "مشرف" برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "شمعون بيريز" في سويسرا أثناء المؤتمر الاقتصادي العالمي يوم 24 يناير 2004، ثم ألقى "مشرف" كلمة أمام البرلمان الآذري في أذربيجان يوم 9 يوليو 2004، قال فيها: "إننا نعترف بوجود إسرائيل على الأراضي التي كانت تحت تصرفها وسيطرتها قبل 1967، ونؤيد إنشاء دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل، ونؤكد على التعايش السلمي بين الدولتين".(28/307)
وقد قبل الجنرال "مشرف" دعوة المؤتمر العالمي لليهود لحضور مؤتمرهم في أمريكا أثناء وجوده للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2004، وقال رئيس المؤتمر المذكور: "استطعنا أن نقنع الجنرال مشرف بذلك بعد بذل جهود كبيرة"، واعتبر ذلك خطوة على طريق التطبيع مع إسرائيل، وتفاءل بأن يصبح الجنرال "مشرف" مثالا لباقي رؤساء الدول في العالم الإسلامي بترك التعنت وإيجاد العلاقات والصلات باليهود. ثم اكتملت الصورة بلقاء وزيري خارجية البلدين يوم 1 سبتمبر 2005 في تركيا.
الأسباب والدواعي
خورشيد قصورى يسارا يصافح سيلفان شالوم
يرى المحللون الباكستانيون أن ثمة أسبابا عديدة تدعو حكومة "مشرف" إلى إيجاد الصلات بالكيان الصهيوني، ومن أهم هذه الأسباب:
أولا: دور الولايات المتحدة الأمريكية:
يرى كثير من المحللين أن الولايات المتحدة لها دور كبير في الضغط على الحكومات الباكستانية المختلفة وعلى الحكومة الحالية بالذات للاعتراف بالكيان الصهيوني، وتطبيع العلاقات معه؛ ذلك لأن الكيان الصهيوني هو الحليف الطبيعي لأمريكا، ووجوده في قلب العالم الإسلامي يحفظ لأمريكا مصالحها الإستراتيجية والتكتيكية، كما تريد أمريكا أن يلعب الكيان الصهيوني دورا أكبر في الشرق الأوسط الكبير الذي تخطط له، وهذا لا يمكن أن يتم بدون تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول العالم الإسلامي.
وباعتبار باكستان من كبريات دول العالم الإسلامي من الناحية العسكرية والاقتصادية، وتتمتع باحترام جميع الدول في المنطقة، وتملك قوة نووية؛ فإنه يمكنها أن تكسر الحاجز النفسي للدول الإسلامية خارج نطاق العالم العربي أمام التطبيع مع الكيان الصهيوني كما فعلت مصر قبل ذلك داخل نطاق العالم العربي.
وقد صرح "مشرف" على ما أوردته إذاعة (BBC) على موقعها باللغة الأردية يوم 2-9-2005 بما يفيد أن باكستان أقدمت على هذه الخطوة بناء على الطلب الأمريكي؛ حيث قال مشرف: "إن العالم -المراد به أمريكا- يريد من باكستان أن تلعب دورا في قضية الشرق الأوسط".
ثانيا: الرغبة الجامحة لدى مشرف للبقاء في السلطة:
ينظر البعض إلى هذه الخطوة في سياق المصالح الذاتية للجنرال مشرف؛ إذ لديه رغبة جامحة للبقاء في السلطة، ومن المعلوم أن حكومته قائمة على التأييد الأمريكي. ومن هنا يقدم الجنرال تنازلا إثر تنازل لأمريكا، ولما بردت العلاقات إلى حد ما بين حكومة مشرف والحكومة الأمريكية مع كل ما قدم من الخدمات والتنازلات أراد أن يزيل ذلك بهذه الخطوة خاصة في ظل التقارب الأمريكي الهندي المشهود مؤخرا.
ثالثا: السعي لإقناع الغرب بأن باكستان دولة منفتحة:
تريد حكومة باكستان بهذه الخطوة أن تثبت للعالم الغربي أنها دولة منفتحة، وأن مثل هذه الخطوات سيزيل ما يلحق بالمجتمع الباكستاني من تهم التشدد والإرهاب. ويبذل "مشرف" بهذا الخصوص جهودا كبيرة، ولأجل ذلك يدعي أنه قدم للقضاء على الإرهاب والتشدد والتطرف نظرية الوسطية المستنيرة (Enlighten Mode r ation)، ويردد هذه الكلمة في جميع خطبه مئات المرات، ويدعي دائما أن المتطرفين والمتشددين لا يتجاوزون 2% في المجتمع الباكستاني، ويرى أن من بنود نظريته هذه حل المنازعات السياسية الكبرى في العالم الإسلامي مثل قضية كشمير وقضية فلسطين.
رابعا: تحييد إسرائيل في الصراع بين الهند وباكستان:
يرى بعض المحللين أن الحكومة الباكستانية تريد بهذه الخطوة تحييد إسرائيل في المنازعات التاريخية والإستراتيجية بين الهند وباكستان؛ لأن التقارب بين الهند وإسرائيل كان يهدد الأمن القومي الباكستاني؛ فقد كتبت الجرائد الباكستانية في عام 1999 أن إسرائيل كانت تريد الهجوم المباغت على المفاعلات النووية الباكستانية وتدميرها بمساعدة الهند كما فعلت بالمفاعل النووي العراقي، ويرى هؤلاء المحللون أن تعاون الدولتين في المجال النووي أجبر القوى الرئيسية في باكستان على التفكير في التخلص من خطر التحالف الهندي الإسرائيلي، فجاءت هذه الخطوة التي توسط لأجلها بين باكستان والكيان الصهيوني رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان.
خامسا: زيادة الضغوط على الهند بخصوص قضية كشمير:
تريد باكستان بهذه الخطوة أن تبحث عن حل لقضية كشمير؛ فعندما تنسحب القوات الإسرائيلية من جزء صغير جدا من أراضي فلسطين، سيقوي ذلك موقف باكستان -في نظر حكومة مشرف- في الضغط على الهند لسحب قواتها عن بعض أراضي كشمير المحتلة.
تبريرات الحكومة الباكستانية(28/308)
ترى الحكومة الباكستانية أنها أقدمت على إيجاد الصلة بإسرائيل لأداء دور في حل القضية الفلسطينية. وقد برر "مشرف" موقف حكومته بما نقلته عنه الجرائد الباكستانية يوم 2 سبتمبر 2005 من القول: "إننا أقدمنا على إجراء المحادثات وإيجاد الصلات مع إسرائيل للحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني.. يجب أن تغير باكستان سياساتها الخارجية حسب مقتضيات الزمان.. ستخف وطأة الإرهاب عن العالم كثيرا بحل قضيتي كشمير وفلسطين.. استشرنا الفلسطينيين، واستشرنا الملك عبد الله ملك السعودية حول إجراء المحادثات مع إسرائيل وهم يؤيدون موقفنا.. هناك تقدم ملموس نحو حل القضية الفلسطينية بعد انسحاب إسرائيل من غزة، وقد تقوم باكستان في هذه الظروف بأداء دور في حل القضية الفلسطينية.. إذا حلت القضية الفلسطينية لا يمكن في هذه الحالة أن تبقى باكستان منعزلة، ولا بد أن تعترف بإسرائيل".
وقال وزير خارجية باكستان في حوار له مع إذاعة "BBC" يوم 2 سبتمبر: "إن الخطوة التي خطتها إسرائيل بإخلاء غزة لم تكن خطوة عادية، ومن هنا أردنا أن نساهم في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بعد الخطوة المذكورة، وهذا لا يمكن بدون العلاقات والحوار، ولذلك قررنا أن يكون لنا نوع من العلاقة العلنية بإسرائيل، إلا أننا لم نعترف بها".
ودفاعا أيضا عن إجراء هذه المحادثات مع إسرائيل، ذكر رئيس الوزراء الباكستاني "شوكت عزيز" أمام البرلمان الباكستاني: "إننا أقدمنا على ذلك بناء على طلب محمود عباس الرئيس الفلسطيني الذي كان قد طلب من الجنرال مشرف في زيارته إلى إسلام آباد أن يلعب دورا في حل القضية الفلسطينية"، وأشار إلى أن باكستان تفاهمت مع الحكومة السعودية حول هذه الخطوة، وأن الحكومة السعودية أيدت ذلك.
ويدافع الكتاب الحكوميون في الإعلام الرسمي بقولهم: إن العالم قد تغير، وإن الدول العربية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والحكومة الفلسطينية تجري المحادثات منذ سنوات طويلة؛ فلماذا تتأخر باكستان خاصة في إقامة العلاقات بإسرائيل، وهى التي أيدت الفلسطينيين والعرب؟ فهل يصح أن نكون ملكيين أكثر من الملك نفسه؟!.
لكن السلطة الفلسطينية نفت أن تكون لها أدنى علاقة بالمحادثات الإسرائيلية الباكستانية، وأما عن الحكومة السعودية فكيف يمكن أن تشير على باكستان بما لا تفعله هي بنفسها؟ الظاهر يؤكد أن هذه التبريرات هدفها إسكات الشعب الباكستاني، وليس لها علاقة بالواقع.
ردود الأفعال والاحتجاجات
بمجرد أن نشر خبر هذا اللقاء في وسائل الإعلام، ظهرت ردود أفعال عنيفة من قبل الجماعات الإسلامية؛ فقد طلب القاضي "حسين أحمد" رئيس مجلس العمل الموحد عقْد مؤتمر صحفي في مدينة "نوشهره"، وقال: "إن الحكومة داست تحت أقدامها الأصول التي وضعها القائد الأعظم محمد علي جناح للتعامل مع الكيان الصهيوني، وما دام العالم لا يعترف بالاحتلال الغاشم لإسرائيل للأراضي الفلسطينية؛ فلماذا تقدم باكستان تنازلا إثر تنازل؟". وأضاف قائلا: "إن إيجاد العلاقات بالكيان الصهيوني حلقة من حلقات الاتفاقية السرية التي تمت الموافقة عليها في كامب ديفيد بين مشرف وبوش". وقال أيضا: "إن الشعب الباكستاني يغلي غضبا على مثل هذه التصرفات للحكومة".
وأعلن أن مجلس العمل الموحد سينظم مسيرات ومظاهرات في كل المدن الباكستانية إثر صلاة الجمعة (2 سبتمبر 2005) احتجاجا على هذا اللقاء، وقد خرجت المظاهرات بالفعل في جميع المدن الباكستانية الكبيرة في هذا اليوم، واحتج المتظاهرون على تفريط الحكومة الباكستانية في القدس الشريف وفي حقوق الشعب الفلسطيني.
وطالب أعضاء البرلمان الباكستاني التابعون لمجلس العمل الموحد بأن يفتح المجال لمناقشة علاقات الحكومة الباكستانية بالكيان الصهيوني، وقاطعوا جلسات البرلمان احتجاجا على انحراف الحكومة عن الموقف التاريخي تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الكيان الصهيوني الذي كانت الحكومات تتبعه منذ نشأة باكستان في 1947، وقال قياديو مجلس العمل الموحد: إن الكيان الصهيوني لم يتمكن من إحكام سيطرته على الأراضي الفلسطينية بالقوة العسكرية، ولذلك يريد أن يفعل ذلك سياسيا عبر تحييد العالم الإسلامي خاصة الدول المؤثرة فيه، كما يستفيد من مصر في الجانب العسكري لمنع تهريب الأسلحة إلى داخل الأراضي الفلسطينية.
وأما الأحزاب السياسية الأخرى؛ فكان موقفها محايدا، لكن الكل كان يؤكد على أن المحادثات إن كانت في صالح الشعب الفلسطيني، وتخدم القضية الفلسطينية فلا بأس بها. أما إذا كانت لا تخدم القضية الفلسطينية فلا يصح إجراء المحادثات، ولا إيجاد العلاقات مع إسرائيل.
ماذا يتوقع في المستقبل؟
لقد وصلت حكومة "مشرف" إلى المرحلة العلنية في العلاقات بإسرائيل بعد المرور بمراحل سابقة من لقاءات عابرة في بعض المؤتمرات الدولية للقيادة الباكستانية بممثلي الكيان الصهيوني منذ استيلاء "مشرف" على السلطة في عام 1999، وعلاقات سرية بالكيان الصهيوني منذ أول أيامه في السلطة، كانت أخبارها تسرب إلى الإعلام عمدا لجس نبض الشارع الباكستاني.(28/309)
ثم طرح "مشرف" موضوع تطبيع العلاقات بالكيان الصهيوني للنقاش في وسائل الإعلام داخل باكستان في عام 2004، ويقول "خورشيد قصوري" عن نتائج هذه المناقشات كما نقلت عنه إذاعة "BBC" يوم 2 سبتمبر: "توصلنا من خلال النقاش الذي دار في وسائل الإعلام إلى أن الشعب الباكستاني ليس مستعدا للاعتراف بإسرائيل، لكن الشعب مع ذلك مقتنع بأن باكستان -إن أمكن لها- يجب أن تؤدي دورا في إعادة الأمن إلى العالم الإسلامي والشرق الأوسط".
ويتوقع الناس أن الحكومة ستراقب الوضع كما فعلت قبل ذلك؛ فإن كانت المعارضة شديدة إلى حد تهديد الحكومة ومستقبلها؛ فإنها لن تقدم على تطوير الأمر أكثر من هذا، ولذلك كانت تصريحات جميع المسئولين تؤكد على أن باكستان لم تعترف بإسرائيل، وأن اللقاء مجرد فتح قناة لتبادل وجهات النظر وإجراء المحادثات. ولكن إن كانت ردود الأفعال ضعيفة ولا تهدد الحكومة؛ فسوف تقدم الحكومة الباكستانية على خطوة أخرى، من المتوقع أن تكون هذه الخطوة لقاء بين الرئيس "مشرف" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "إريل شارون" على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة المزمع عقدها في 14 سبتمبر 2005 في نيويورك، ويتوقع البعض -كما ادعى وزير الخارجية الإسرائيلي نفسه- أن تعلن الحكومة الباكستانية الموافقة على إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل.
لكن يبقى مستبعدا أن تقوم علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني بهذه السرعة؛ نظرا لحساسية الموضوع وارتباطه بالمشاعر الدينية للشعب الباكستاني، ويظل خيار "مشرف" هو اتباع سياسة جس النبض الشعبي، والتقدم خطوة خطوة نحو تطوير هذه العلاقات.
===========(28/310)
(28/311)
قراءة في هموم العمل الدعوي (1/3)
سلمان بن فهد العودة 15/11/1423
18/01/2003
( هذه ورقة كتبتها قبل أكثر من سنتين , وأعدتُ صياغتها مرات , وآثرتُ نشرَها على رغم الأحداث المتجددة في العالم الإسلامي) .
الحمد لله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على النبي محمد، وآله وصحبه .
أما بعد :
فإن الأصل في هذه الأمة الاجتماع على كتاب الله ، وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وهذا وإن كان هو الأصل الشرعي ؛ إلا أن الواقع التاريخي للأمّة تمثّل فيه كثير من الافتراق والصراع وهذا شأن تطول قراءته ، إلا أننا في هذه المرحلة المعاصرة من تاريخ الأمة يجب أن نقدّر طبيعة الواقع الذي نعيشه ، وذلك في مشاريع النهضة التصحيحية التي أضحت البشرية اليوم بأشد الحاجة إليها .
والحضارة المعاصرة وإن تمكنت من ضبط الحركة العالمية بصورة لا نظير لها في التاريخ ؛ إلا أنها تفتقد النظرة الشمولية للإنسان .
وإذا تعاملنا مع هذا الواقع بهدوء ؛ أدركنا أن الإسلام وحده هو المؤهّل لتقديم الصياغة العامة للبشرية .
وهذه الورقة ذات طابع أخوي إسلامي . نعم ! يجب أن نتحدث وأن نكون صرحاء ؛ لنتعارف فيما بيننا بشكل أفضل وليعرفنا غيرنا .
إن أخص مشاريع الإعلام الغربي إقصاء الوجود الإسلامي في العالم الإسلامي نفسه ، ومحاولة وضع صورة ضبابية - على أقل تقدير - عن الإسلاميين , ومن حق الإسلام علينا أن نكون واضحين ؛ فإن الوضوح من مقدّرات البناء والإيمان .
جاءت هذه الورقة ؛ لتتحدث عن جملة من المشاعر والاجتهادات في الرؤية المنهجية . جاءت هذه الورقة ؛ لتكون بداية أو تأسيساً ، لصياغة مشاريع تصحيحية تمثل الرؤية والتطبيق معاً .
العالم الغربي يطرح ورقة ( العولمة ) اليوم وهو يمتلك مقدرات ، بل ومؤهلات قوية التأثير ، ويحاول أن يوحّد شكله الحضاري في رؤية واحدة .
ونحن- أهلَ الإسلامِ - يجب أن نقدم اليوم ( عَوْلَمَتَنا الإسلامية ) ، وهي رؤية الإسلام للحياة كلها . ألسنا نؤمن برسالة الإسلام وعمومها للبشرية وأبديتها ؟!
وحين ننادي بالوحدة الإسلامية لسنا نقع في دائرة التأثير الغربي فنفرض عولمتنا ؛ لكونه فرض عولمته ؛ إن الإسلام عالمي من حين بدأ ، وهو الرسالة السماوية الباقية للعالم كله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107] ، ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) [يوسف: من الآية104].
إن اجتماعنا ليس محاكاة للمحاولة العالمية في مشروع ( العولمة ) ، لكنه تجديد للأصالة ؛ فإن من أصول ديننا الاجتماع (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: من الآية103] .
إن العمل الإسلامي في البلاد الإسلامية أو غير الإسلامية له وجود مؤثر بحمد الله , وهو وإن كان يصطدم بكثير من العقبات ؛ إلا أن الله - سبحانه - يهيئ له أسباب القوامة على الناس ، وهذا ما نراه واضحا في واقع الأمة - بحمد الله - .
وكثيراً ما نتحدث عن معوقات العمل الإسلامي هنا وهناك ، ونتحدث عن الصراع مع غير الإسلاميين ، ولكني على يقين أن أثر المعوقات داخل الصف أكثر بكثير في التأثير على إنتاجية العمل الإسلامي وقوامته .
وكثيراً ما نتحدث عن الأعداء ، وهذا له ما يبرره، لكن يفترض ألا يكون خطونا استجابة لهذا العدو أو ذاك ، إنهم يشعرون بالنصر كثيراً حينما يرون أن أصحاب العمل الإسلامي يعرفونهم أكثر من معرفتهم بأنفسهم وواقعهم .
أيُّ نصر يعطيه كثيرون منا لأعدائنا حينما يكون العدو مؤثراً بمجرد ذكر اسمه ولو على المستوى النفسي , وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يقول أحدنا تعس الشيطان !
من أزماتنا اليوم عدم قدرة الكثيرين منا على المعادلة والموازنة الصحيحة , ومع ذلك فإن من الاعتدال أن ندرك أن في الأمة خيراً كثيراً وبركة من رب العالمين .
ويجب أن ندرك أن الإسلاميين اليوم لهم واقع يعترف به العالم كله .
وحين نتحدث عن بعض السلبيات في العمل الإسلامي , فإن هذا يعني الإيمان بالإيجابيات في هذا العمل ، وأن واقعنا ليس سلبياً محضاً ، كما أنه ليس سليماً من الخطأ والتقصير . وإذا تأملنا في الجانب السلبي في واقعنا الإسلامي أدركنا أنه ممكن التجاوز ، ولا يمثل تعقيداً ذاتياً في أكثر الأحوال ، وإن كان الكثير منا ينظرون إليه على أنه كذلك .
إن بعض المشكلات في واقعنا ليس تعقيدها ذاتياً بقدر مانشارك من حيث نريد أو لا نريد في ترسيم ذاك التعقيد .
يجب أيها الإخوة أن نكون وسطاً كما شرع ربنا لنا ذلك : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[البقرة: من الآية143] فالوسطية هي شريعة الله لهذه الأمة , والحكم على أي قضية يرتبط ارتباطاً ضرورياً بالوسطية ؛ ولهذا جاء قوله : ( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) .
وكما ندرك من سياق الشهادة على الأمم ؛ فأحق الناس بهذا العدل والوسطية هم إخواننا المسلمون .(28/312)
وهذه الورقة لا تتحدث عن مجموعة ، أو منهج معين ، أو تتخاطب مع واقع في بلد أو إقليم خاص ، بل هي حديث ينطلق من المنهج الإسلامي العام المنزّل في كتاب الله المشرّع, وفي سنة رسول ا صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يقع تحت هذا المنهج الرباني الخالد المتمثل في هذين المصدرين ( القرآن والسنة ) فنحن نعترف بإخواننا المسلمين، ولكننا لا نعترف بالخطأ أياً كان مصدره .
وهذه الورقة ليست وصاية تتخاطب مع وحدة منهجية معينة , بل هي جملة من المخاطبات ، ولغة من الحوار مع إخواننا في العمل الإسلامي ؛ لنحاول أن نتقدم أكثر ، وأن نقدم الوعي للجيل الإسلامي القادم الذي ينتظر منا الكثير .
ومن هنا يجب علينا أن نتخلص من أنانيتنا ، وخصوصيتنا ، وأن ندرك أن الجيل القادم - حسب واقع ( العولمة الغربية ) - يصعب عليه أن لا يرى الصراع محتدماً إلا في التجمعات الإسلامية وحدها ، وهذا يعني أن علينا أن نحاول أن نكون على مستوى المسؤولية ، وأن ندرك حجم التأثير الذي يتمثله المشروع الغربي على شعوبنا المسلمة ، وأن هذه الشعوب غير مستعدة ، بل غير قادرة على استيعاب لغة الصراع أياً كان مبررها فيجب أن نمتلك أكثر من لغة , وهذا لا يعني تجاوز المبادئ وإلغاء الصراع الحضاري والديني مع أعداء الأمة , هذه حقيقة مسلّمة , لكن يجب أن نتجاوز صراعاتنا الخاصة التي لا تمثل قيمة جادة في أكثر الأحوال والمواقف .
وبعد هذه المقدمة العامة أدخل في أحاديث حوارية بكلمات مرقومة ، هي إشارات وتنبيهات لإخواننا في الله أصحاب العمل الإسلامي بأصنافهم العلماء والدعاة ، والشباب والعامة .
إنه خطاب دعوي اجتماعي يتناول كل فئات المجتمع أو التجمع الإسلامي ، وأسأل الله حسن القصد ، وسداد القول .
وإنني لآمل من الأحبة القراء أن يشاركوا في هذه الورقة المتواضعة بتعليقاتهم ومداخلاتهم التي ستثري هذا الموضوع وتكمِّله وتصوّبه ، وأخص أهلَ الرأي والعلم والخبرة .
1/ جاء الإسلام رسالة عامة للبشرية ، وهو دين الله الخاتم في هذه الأرض , و يجب علينا أن ندرك هذه القيمة الشرعية لرسالة الإسلام , وأنه يصلح منهجاً لحكم البيئات المختلفة وصياغتها .
ومن أخص الإشكاليات اليوم في التجمعات الإسلامية تشبّع كثير منها بالرؤية الإقليمية للإسلام حتى أصبحت هذه الرؤية المخصصة هنا وهناك من موجبات الصراع بين الإسلاميين أنفسهم .
إن كثيراً من المناهج والمشاريع الإسلامية المقدمة اليوم تتأثر بواقعها وظروفها الخاصة أكثر من اللازم ، ويصبح التواصل معها خارج هذه الظروف أمراً صعباً ، بل تتسارع في بعض الأحوال إلى التواصل التصادمي مع الآخرين .
إن اجتهادنا ضمن دائرة معينة , ولو كان اجتهاداً مشروعاً إلا أنه ليس من الضرورة تصور أنه يمثل الإسلام نفسه الذي من أخص أصوله مناسبته لكل زمان ومكان , ربما كان اجتهاد مجموعة من أصحاب العمل في رسم رؤيتهم الخاصة تحت دلالة الشريعة وعنايتهم الخاصة بالاستدلال يمنحهم تسليماً شعورياً أن رؤيتهم شرعية ، وهذا يعني أن التقاطع معها أو الاختلاف يعني التقاطع والاختلاف مع الشريعة نفسها حين لا يدرك هؤلاء الإخوة غلطاً شرعياً في رؤيتهم ، فمن غير الممكن السماح لأحد بالاختلاف أو عدم التسليم لهذا الاتجاه ، وهذا محل نظر ، فربما كان في الاستدلال من أصله خطأ خفي ، وربما كانت هذه الرؤية شرعية في واقعها الذي درست فيه ، لكن الشريعة لا تقضي بها في كل الأحوال التي تحمل اختلافاً في واقعها .
من المهم أن نعرف أن التقاطع مع خياراتنا الخاصة التي نجتهد في رسمها رسماً شرعياً ليس بالضرورة تقاطعاً مع الشريعة .
صحيح أنه يجب أن نقدم لواقعنا المختلف صياغات تعددية تستوعب هذا الاختلاف، لكن مع اصطحاب الفرق بين الرؤية الخاصة المتناسبة مع واقع خاص، والرؤية الشمولية في التخاطب مع إخواننا المسلمين .
يجب أن ندرك أن الرؤية المكونة من معطيات اجتماعية وتربوية خاصة ، إضافة إلى اجتهاد نسبي هي رؤية مؤهلة للتخاطب مع واقع تتمثل فيه مقومات هذه الرؤية ، وأن الرؤية الإسلامية الربانية تتجاوز هذا الإطار الخاص .
2/ ومن الامتداد المنهجي هنا أن نقف يسيراً مع إشكالية الموازنة بين النظرية والتطبيق فكثيرون يظنون أن صحة النظرية يعني صحة التطبيق ، وهذا وهم ابتُلي به كثير من أصحاب العمل الإسلامي اليوم ، وربما صحّ عند كثيرين التلازم بين النظرية والتطبيق في الشمولية والصحة , وغير ذلك .
ولست هنا أريد أن أعطي تقاطعاً بين النظرية والتطبيق ، بل المقصودُ أن العلاقة بينهما غير لازمة إلى حد كبير ، وبعبارة أقرب إلى مفهومنا العلمي إن النظرية أحد مؤهلات التطبيق، لكنها ليست وحدها المرسّم له، ولهذا نرى ارتباط التكليف الشرعي بالقدرة والاستطاعة.
إن فقدان الإمكان للتطبيق يعني كثيراً خللاً في المطالبة .(28/313)
يفترض أن نؤمن بحقيقة شرعية عقلية تعني هذا المعنى، محصلها أن المطالبات الممكنة ليست بالضرورة هي الأفضل من حيث المبادئ النظرية , وحديث بناء الكعبة خير مثال على ذلك ، وحتى في أصل التشريع ، فإن اقتضاء الأدلة الشرعية للأحكام يكون على وجهين- كما ذكره الشاطبي في الموافقات (3/51) , ونحوه في إعلام الموقعين (3/2) - :
أحدهما : الاقتضاء الأصلي قبل طروء العوارض , وهو الواقع على العمل مجرداً عن التوابع والإضافات ، كالحكم بإباحة الصيد والبيع والإجارة وسن النكاح وندب الصدقات غير الزكاة , وما أشبه ذلك .
والثاني : الاقتضاء التبعي, وهو الواقع على المحل, مع اعتبار التوابع والإضافات ، كالحكم بإباحة النكاح لمن لا أرب له في النساء , ووجوبه على من خشي العنت , وكراهية الصيد لمن قصد به اللهو , وكراهية الصلاة لمن حضره الطعام , أو لمن يدافعه الأخبثان .
وبالجملة : كل ما اختلف حكمه الأصلي لاقتران أمرٍ خارجي .
إننا نؤمن بأهمية التناسب بين النظرية والتطبيق , ولئن كانت النظرية تؤثر في التطبيق فمن المنطقي ـ ونحن نضع (نظرية اجتهادية) في أي مجال : دعوي، اجتماعي، أخلاقي، اقتصادي ـ أن نحاول الاعتراف بالتطبيق , بمعنى أن نقدم نظريات تطبيقية , أي :يتدخل التطبيق في صياغة شكل النظرية ، وأقف مع هذا أكثر في الامتداد الثالث :
3/ من غير المنطقي أن تضع نظرية ، أو رؤية في أي مجال تأثيري في التربية ، في المنهج العلمي ، في المنهج الحركي ، في الدعوة وحركتها , أو غير ذلك وأنت لا ترى إمكانية التطبيق لهذه الرؤية أو النظرية , ومن حكمة التشريع أن أصول الدين توحيد الله ، والإيمان به وبرسله ، ونحوها ، لا يمكن أن تقع تحت عدم الإمكان؛ ولهذا اتفقت عليها الرسل والأنبياء ، وخوطب بها سائر بني آدم .
إن من الأزمات اليوم أن ثمت كماً كبيراً من النظريات المجردة غير المؤهلة للتطبيق أو القابلة له ، وكثير من أصحاب العمل الإسلامي اليوم يواجهون هذه الإشكالية ، وربما تجاوز كثير منهم هذا بالإصرار على الصراع مع الواقع لفرض نظرية ، أو رؤية اجتهادية وربما قضى الكثير من الوقت في هذه الدائرة ، وحاول تهدئة نفسه بشعور مجاهدة يتمثل في هذا الصراع .
وهنا يقع تمكين الأزمة وتعميقها ، وهو حين يلقي بشكل عفوي أو حماسي جلباباً شرعياً على مشكلة منتجة طارئة يجعل الاحتكاك بها أو محاولة كشفها وتصحيحها نوعاً من العدوان على قداسة شرعية !!
إن التصحيح الإسلامي في أي مجال يجب ألا يكون متعالياً على الواقع ، إن هذه القضية ذات تعقيد نفسي أكثر من كونها ذات تعقيد معرفي أو عقدي .
هناك نصوص شرعية كثيرة في ذكر الطائفة الناجية إلى قيام الساعة ، فيأخذها كثيرون بغير فقه مع ما عشقوه في نفوسهم من الصفائية الخاصة ، ثم يقدمون رؤية صفائية ذات طابع خصوصي ، وترسيم اجتهادي ، وتكون هذه الرؤية متعالية على الواقع ، وربما مثلت لمجموعة معينة نوعاً من الاصطفاء الشرعي الخاص يتجاوزون بها واقعهم ومجتمعهم ، وربما الأمةَ بنوع من الاعتذار النفسي كتصنيف الأمة التي لا تتعامل مع هذا الرأي الخاص تصنيفاً عقدياً , أو اجتماعياً أو نحو ذلك ، قد يكون شيء من ذلك صحيحاً ، لكن من الصعب إلزام الناس الخطأ وتعويق تجاوزهم له .
والفرقة الناجية - التي خصها الرسو صلى الله عليه وسلم - منهجها هو منهج الإسلام الذي بعث به الرسو صلى الله عليه وسلم أي أنها هي التي تمثل الوضوح الإسلامي ، ومن خصائصه إمكانية تطبيقه في كل زمان ومكان .
يفترض أيها الإخوة ! أن نكون واقعيين ، وهذا لا يعني أن نتجاوز القواعد الشرعية من أجل الواقع .
إن الإسلام جاء ليحكم على الواقع ويقدم التصحيح , وفي حديث بناء الكعبة على قواعد إبراهيم السابق إشارة إلى الرؤية الشرعية النظرية المجردة ( إلحاق الحِجْر , فتح بابين للكعبة ... الخ ) جنباً إلى جنب مع الرؤية الشرعية العملية الواقعية ( بقاء الكعبة على ما هي عليه إلى اليوم وإلى أن يشاء الله ...) وكلاهما دين وشريعة فما تمنا صلى الله عليه وسلم كان شريعة , وما فعله من تركها على ما هي عليه مراعاة لواقع معين هو شريعة أيضاً , وأمثال هذا كثير . فهكذا يجب أن ندرك ونفكر ، لكن مع هذا ليس من الحق أن نضع امتيازنا على حساب أمتنا التي مر عليها تاريخ طويل من الصراع ، والضعف والجهل بالشريعة ، مع التسلط الثقافي الغربي المعاصر .
4/ أيها الإخوة يجب أن نتجاوز الخطاب الخاص الموجه إلى التجمعات الخاصة ذات الطابع الموحد باسم ( جماعة ) ، أو ( منهج ) أو ( حزب ) ، أو ( علاقة ) أو نحو ذلك ، وليس معنى هذا ضرورة رفض التجمع الذي يقع به خير كثير أو تقتضيه أسباب مختلفة . إن وجود التجمع لا يلزم منه الاقتصار عليه .
إن العالم الغربي - ضمن مشروع ( العولمة ) - واضح في مخاطبة كل فرد أياً كانت ظروفه وأياً كان واقعه ، ونحن أحق بها وأهلها ، يجب أن نخاطب إخواننا المسلمين أياً كانت ظروفهم الواقعية في التربية والأخلاق والثقافة ، وغير ذلك .(28/314)
إننا نمضي كثيراً من الوقت والجهد في ترتيب تسابقنا الخاص ، وتصنيف بعضنا بعضاً، وهذه فيما أحسب سذاجةٌ يعاني منها كثيرون . نعم ! إننا حين نضع الرؤية الخاصة بنا ميزاناً لنفوسنا ولغيرنا , فإننا نكون سذّجاً ؛ لأننا نعيش تقابلية غير ممكنة الاستيعاب , ومن هنا كان المفترض أن نخضع جميعاً للإسلام ولحكمه وميزانه ، وأن ندرك واقعنا الخاص بشكله البشري المعقول , وأن من غير العدل قصر دين الله ورسالة الإسلام أو حصرها في رؤية أو محاولة خاصة , ولو كانت تتمتع بمشاعر ومقاصد فاضلة ، ونيات حسنة ، وأهداف نبيلة .
وفي تقديري أن من الإشكاليات اليوم تلخيص الإسلام برؤية يرسمها شخص أو أشخاص ربما لم يصلوا رتبة الفتوى , فضلاً عن الاجتهاد !
أيها الإخوة والأخوات! يفترض أن نتخلص من النظرة الجاهلية لمجتمعاتنا ، وأن ندرك أن في مجتمعاتنا خيراً كثيراً ، وقابلية للتصحيح ، وأنها محل الدعوة والمجاهدة والصبر على التواصي بالبر والتقوى والحق والصبر ، وأن نهدّئ من الطرح الخاص الذي يرسخ الحدود والفواصل بين فئات الأمة لمصلحة الخطاب العام الذي يعيد الثقة بالأمة الواحدة كما يسمها الله سبحانه في كتابه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92] .
من الصعب أن ينقلب الإسلام إلى مفهوم حزبي واحد , أو رؤية لجماعة إسلامية واحدة ، فيكون مشروعها بتمام صياغته هو الإسلام أو أرقى رؤية للإسلام .
إن كثيراً من إخواننا قد يعترضون كثيراً بالحقيقة النبوية ( الفرقة الناجية , أو الطائفة المنصورة ) صحيح أنه تواتر عن رسول ا صلى الله عليه وسلم في الصحاح والسنن والمسانيد أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين ، لكن هذه الطائفة يجب أن تعرف من منهاج النبوة نفسه أنها الطائفة القائمة بأمر الله ، كما وصفها الرسو صلى الله عليه وسلم أي القائمة بالإسلام كما جاء من عند الله المتمثل بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة .
وهذا يتطلب قدراً من الفقه للإسلام ، ومعرفة الحقائق الشرعية على وجهها الصحيح ، ولئن كان علماء الأمة وأئمتها الأوائل وضعوا قواعد الاعتقاد ، وقواعد الشريعة ؛ فإن صور التطبيق في الحكم على الأحوال الطارئة لا يزال بحاجة إلى فقه ورؤية شرعية .
إن إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الفرقة الناجية لم يكن من أجل أن تتخذ شعاراً يصادر به المسلم أخاه المسلم ، أو يجتاح عرضه ، وربما دمه أحياناً ، أو ليكون ذريعة للقطيعة مع الأمة التي تحقق لها وصف الإسلام ، وإن أخلّت بكثير من أحكامه وواجباته ومقوماته .
لقد كان من أُسُسِه - عليه الصلاة والسلام - ( المسلم أخو المسلم ) ، (كل المسلم على المسلم حرام ) ، ( وكونوا عباد الله إخواناً ) وعليه يجب أن ندرك أنها من أسس الفرقة الناجية .
يجب أن نفرق - كما جاءت الشريعة بذلك - بين ثوابت الإسلام ، والاجتهاد الخاص الذي يستعمله من هو أهل للاجتهاد ، فضلاً عمن هو دون ذلك .
إن الإشكالية تقع في كون بعضنا ينتج رؤية مبنية على جملة من الثوابت الشرعية ، مع جملة من الحركة المعرفية الاجتهادية التي تكون - في كثير من الأحيان - هي المنتج للصياغة المنهجية ، فيتمثل عند كثيرين أن المخالفة للحركة المنهجية ، أو لهذه الرؤية يمثل مخالفة للإسلام ؛ ولهذا يعيش كثيرون روح الجهاد الخاصة في مثل هذه الظروف ، وكأن الفرقة الناجية المخبر عنها في الأحاديث النبوية يجب أن تكون مجموعة دعوية خاصة ، أو جماعة ذات علاقة واقعية بشرية قائمة وارتباط ذاتي في التعامل .
أو كأنه يجب أن تكون - من خلال منهج اجتهادي خاص في التصحيح والتربية والدعوة - وحدها الممثل للفرقة الناجية ، وربما حاولنا ( عند ظهور من يحاكينا في الرؤية والفهم ) إضافة أو ترسيم مسائل اجتهادية جديدة بالطابع الثبوتي لنبقى أصحاب الاختصاص الشرعي الاصطفائي وحدنا ، حتى ليغدو التميز عن غيرنا هدفاً نسعى إليه ولو بالإلحاح على بعض الفروع والأحكام , أو حتى الفتاوى الفقهية الخاصة في مسائل يسيرة كصدقة الفطر , أو جلسة الاستراحة , أو استخدام لغة معينة في الفقه والصياغة ، مع أن التميز المحمود المشروع إنما هو عن غير المسلمين أو عن الفجار ، أما المسلم العدل فقد يفضي تقصّد التميز عنه إلى نوع من الشهرة .
كان في مقدمة رسالة الإمام ابن تيمية ( الواسطية ): ( أما بعد : فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ... ) .
وفي المناظرة قال له بعض علماء الفرق المخالفة لهذا المعتقد المفصل: يكون أئمتنا غير ناجين لمخالفتهم هذا المعتقد ؟! فقال الإمام ابن تيمية: أنا أقول: كل من اعتقد هذا المعتقد فهو ناج عند الله ؛ لكونه هو المذكور في النصوص الصريحة ، ومن خالفه فلا أحكم عليه بعدم النجاة في الآخرة ، بل هو وربه ، والله لا يعذب إلا من عصى من بعد ما تبين له الهدى .(28/315)
إننا نؤمن تماماً بعقيدة أهل السنة والجماعة ، ونؤمن كذلك بمنهج أهل السنة والجماعة ، لكن يجب أن ندرك أن هذه العقيدة هي حقائق شرعية صريحة ، وكذلك قواعد المنهج ، هي حقائق شرعية صريحة وليس نظراً واجتهاداً تحاوله جماعة أو حركة .
لقد نعى الإمام ابن تيمية كثيراً على الذين يرسمون مذهب السلف بأوجه من نظرهم ، واجتهادهم ، وذكر أن هذه طريقة مخالفة لطريقة السلف أنفسهم ، بل هي من طرق مخالفيهم ، وأن طريقة السلف تكون بالتواتر ، والإجماع في الحقائق الشرعية المتمثلة في عقيدتهم ومنهجهم . هذه حقيقة علمية يجب أن ندركها .
نعم . إنك حين تقول عن مقالة أو فعل : إنها موافقة لمذهب السلف أو مخالفة له ، فيجب أن تكون المقالة أو الفعل موافقة أو مخالفة لأئمة السلف ، أو صريح النصوص .
ولم يكن من شأن أئمة الإسلام _ الصحابة ثم الأئمة بعدهم _ إدخال مسائل الخلاف والاجتهاد في الإضافة السلفية ، أو عصمة الصحة بأي شعار أو مفهوم ، أو حتى إيحاء ، ولا شك أن الاختصاص برؤية معينة قد لا يمثل معضلة كبرى ؛ إذا ما أدركنا الاختصاص والمحدودية في هذه الرؤية ، وإن كنا نفضل أن تكون رؤيتنا أكثر استيعاباً حتى تكون أكثر هداية .
5/ يجب أن نحدد الثوابت بشكل واضح ، وأن نتجاوز إشكالية الربط بين هذه الثوابت وبين الصور الإلحاقية لها التي هي إنتاج للاجتهاد والنظر ، وأن ندرك أن هذا الربط لا يمثل عصمة ضرورية لهذه الإلحاقات الاجتهادية .
والتخريج على الثوابت أصبح اليوم يمثل معضلة علمية ، لقد استعمل الفقهاء في مذاهبهم التخريج الفقهي على القواعد ، أو حتى على قول الإمام , وطرأ في المعرفة السلفية المعاصرة عند بعض فضلاء الدعاة التخريج على الثوابت ، فأنتجوا فروعاً كثيرة ألحقت في القيمة المبدئية بالثوابت السلفية ، وهذا في الغالب هو سبب الانقسام اليوم في الرؤية السلفية ، بل وعدم وضوح الاتصال السلفي في عدد من المناهج المنتسبة للسلفية اليوم .
إن السلفية يفترض ألا تكون متجاوزة للهدي الإسلامي ، وهذه حقيقة شرعية وعقلية لازمة ، ويجب أن يبقى الأصل أصلاً ، والخلاف خلافاً ، والاجتهاد اجتهاداً .
ولئن كان بعض الإخوة اليوم ينقمون على من يريد أن يحوّل الأصل إلى اجتهاد ، فكذلك يقع اللوم على من يحول الاجتهاد والخلاف إلى أصل .
6/ أيها الإخوة يفترض أن تكون الدعوة قادرة على استيعاب كل إشكاليات العالم المعاصر , وليس غريباً أن نكون منقسمين تجاه هذه النظرة قبولاً أو رفضاً ، ولكن ربما كان من الخير أن نفكر في سببية انقسامنا أمام وجهات النظر ، والأطروحات المقدمة من داخلنا أو خارجنا .
إن الاختلاف ينبغي أن يكون مقبولاً ، نعم ! لكن ليس من الخطأ أن نعرف سبب اختلافنا ، بل هذا هو حقيقة الفهم للخلاف .
يتفق الإسلاميون على رفض المشروع العلماني فكراً أو تطبيقاً مع إدراك أن الرؤية العلمانية تعترف بدائرة مخصصة للدين ، ولكنها تفرغ الدوائر الأخرى من الأثر الديني وفي الرؤية الإسلامية: ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )(الأنفال: من الآية39) وهذا الموقف الواضح يمثل رؤية شرعية مشرقة وعمقاً إسلامياً ، ولكن حينما تتحرك في داخل المشاريع الإسلامية تجد في كثير من الأحوال إشكالية البناء على وفق هذا الموقف ، وهنا ربما استعمل كثير من الإسلاميين محاولة جادة للهيمنة الشرعية على الدوائر التي تمثل شكلاً استقلالياً : الاقتصاد ، الإعلام ، المجتمع وحركته ، التربية ، النظم ، والتعامل ، تتمثل في الاقتصار على لغة الحكم على الأشياء , خاصة أحكام الرفض والمنع دون رسم واضح للبديل الشرعي, أو الصياغة الشمولية لهذه الدوائر القائمة التي تزاحم العلمانية عليها لفرض وجودها ، وقد نجحت في بعض الأحوال ، ومن أسباب فرض العلمانية وجودَها أو حتى تأثيرها الذي قد لا يدرك كثيرون من العامة مبادئه الأولى الفراغ الذي تركه الإسلاميون في هذه الدوائر .
إن إعطاء أحكام المنع والتحريم لصورة في الاقتصاد والاجتماع ونحوها ليس كافياً .
لتكن هناك مبادرات إسلامية يعيش الناس في ظلها اقتصادياً واجتماعياً ، وهذا شمولية الرسالة .
فالإسلام لم يأت ليلاحق أشكال التجاوز البشري فقط في أي مجال من مجالات الحركة البشرية ، والرسالة الإسلامية تضمن صياغة مشاريع النهضة الشمولية في أي دائرة .
يفترض - أيها الإخوة - أن نمتلك صياغة ذات قيمة عملية في كل الدوائر : الثقافية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، التربوية .
والحركات الإسلامية اليوم تعاني مشكلة في تبشيرها بالمشروع الإسلامي ، من حيث عجزها عن مواكبة التبشير العقدي بصياغة حياتية تقدم البديل الشرعي , بينما هي تواجه مشاريع علمانية متمكنة في الواقع ، وربما كان من أهم الأسباب هنا القصور في المرجعية العلمية القادرة على التعامل مع الحال القائمة .
إن امتلاك مشروع تطبيقي يعني كثيراً من الواقعية في الطرح الإسلامي ، وأنت لم تفعل شيئاً كثيراً بمجرد الحكم على الواقع بالتجاوز أو النقص ، أو حتى بتجاهل الواقع الثقافي والاجتماعي والتربوي .(28/316)
يفترض أن نتجاوز مرحلة الحديث المجرد عن الحدود الثقافية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية إلى صنع مشاريع النهضة ، وأن نتجاوز مرحلة التخصص الضيقة في دعوتنا، بل علينا أن نفلح في تجاوز أزمة المفهوم الضيق للدعوة والإسلام ، والطرح الذي يمارسه بعض الدعاة اليوم يمثل تقنيناً حدودياً للأثر الإسلامي حتى أصبح كثير من الإسلاميين لا يملك إلا خطاباً واحداً يناسب أنموذجاً واحداً من المجتمع والبقية في دائرة الصراع أو التجاهل .
والملاحظ أن لغة كثيرين منا ومشاريعهم المقدمة غير كافية لاستيعاب حركة المجتمع ، وظروفه القائمة ، والإسلام جاء واقعياً في خطابه ، وفي تشريعاته ، ولهذا صارت الشريعة متدرجة في كثير من الأحكام .
بعضنا اليوم يتجاهل هذه القيمة أو لا يفقهها تماماً ، والإسلام ليس ورقة تمنحنا الوصاية على الناس ، أو حركة لمراقبة الفرد من الداخل البشري ، إنه مراقبة بين العبد وربه ، ولهذا يجب أن يكون مقصودنا تديين الناس لرب العالمين ، وليس أن نحظى بالتبعية والالتفاف حولنا .
7/ من إشكاليات الرؤية عند بعض الإسلاميين تقديم المطالبة الكمالية للإسلام ، ورسم صورة مثالية للالتزام والتدين ، والمطالبة بالنموذج الكلي في التدين ، وتمييز الدعاة أنفسهم بلغة خاصة ومظهرية خاصة , وربما صعبت الحركة داخل المجتمع أو بعبارة أظهر أصبحنا إلى حد كبير غير قادرين على الاندماج داخل مجتمعاتنا الإسلامية، وأصبح المجتمع الإسلامي في كثير من الأقاليم عاجزاً عن فهم التطبيق الإسلامي ، فإنه لا يشاهد إلا حركتنا الخاصة ، وهي حركة لها واقع محدود , وغير مؤهلة للتطبيع الاجتماعي ، وأصبحنا نتعاطف مع مجتمعاتنا في الأزمات فقط ، وربما نظرنا إلى الواقع الاجتماعي نظراً معقداً يتعذر علينا أن نندمج معه بشكل صحيح .
أيها الإخوة هذه في تقديري من مشكلات عملنا اليوم ، ولئن كانت هناك بداية رؤية إسلامية واعية تجاوزت هذه العقدة فما زال الواقع تحت سيطرة (النظرة الكمالية) في المطالبة .
من المهم أن نعي أن مجتمعاتنا قد تعجز عن الانتظار والإملاءات الخاصة التي بعضها ليس له وضوح شرعي .
والإسلام الذي يتعلق به حق الأخوة والحقوق الإسلامية ليس مقصوراً على التمسك الخالص التام ، بل هو تحقيق أصل الإسلام ، ويفترض أن نفتح علاقات ولائية صادقة مع كل أشكال المجتمع وطبقاته مع الدعوة إلى التمام والإيمان ، وترك منكر القول والفعل ، وألا نكون وحدنا وننتظر أن يتحول المجتمع إلى رؤية نقدمها .
إن هذه الرؤية لو كانت تمثل الإسلام تماماً لم يكن من الشرعي ولا من العقلي الوقوف في العلاقة الولائية التعاملية عندها ، فضلاً عن كونها محاولة خاصة قد تكون أحياناً غير مؤهلة للتطبيع الاجتماعي لكونها تقف وراء إلحاح معين في مفهوم نسبي ولو كان ذا قيمة مبدئية عالية .
8/ بعض صيغ العمل الإسلامي اليوم تتعلق بإلحاح نسبي يصبح في كثير من الأحوال هو قوامها الحركي والثقافي ، وربما ساعد على هذا التأكيد ما يحمله هذا المفهوم من قيمة مبدئية ، أو قدرة على تجاوز المرحلة عند نجاحه ، وخذ مثلاً: (المفهوم السياسي) إنه مفهوم نسبي ؛ لأن الإسلام ليس لغة أو رؤية أو نظرية سياسية فحسب ، ومن هنا كان مفهوماً نسبياً ، وهذا لا يعني أنه لا يحمل قيمة مبدئية خاصة .
إن المفهوم السياسي أساس في الإسلام ، بل أكثر المعارك ضراوة في العصر الحديث هي معركة الإسلام والعلمانية ، وأيضاً فإن المشكلة السياسية اليوم على مستوى الأمة مشكلة عميقة ومتداخلة مع غيرها ، لكن مع هذا القدر من الصدقية ؛ فإن من الصعب أن نتحول إلى إلحاح خاص على هذه المسألة ونحن نقدم الإسلام .
فرق - أيها الإخوة - أن نتكلم من واقع كوننا سياسيين فحسب ، أو أن نتكلم من واقع كوننا إسلاميين , والسياسة جزء من الإسلام .
وهذا المثل ( المفهوم السياسي ) يقال في غيره أياً كان هذا الغير . لماذا ؟
لأن الإسلام ليس رؤية نسبية ، ولأن مشكلة الأمة اليوم لا تتسم بالنسبية ، ولئن كان أهل الكتاب نسوا حظاً مما ذكروا به ؛ فإن هذا في الغالب هو الوجه الآخر للإلحاح على بعض جوانب الشريعة ومنحها فوق حقها .
9 / إذا نظرنا في واقعنا الإسلامي وصيغ العمل الإسلامي وجدنا قدراً كبيراً من الاختلاف والتمايز ، وإني أجد أن من غير المهم أن نشتغل كثيراً في التنظير لتوحيد العمل الإسلامي في هذه المرحلة ، لماذا ؟
لأننا لا نملك آلية التوحيد ، وأيضاً فإن هذا الواقع من غير المهم أن نسعى لتوحيده ، فربما كان توحيد العمل يمثل إلغاءً عند كثيرين ، وهذا يعني توليد الصراع من أجل توحيد العمل .
يفترض أن نكون واقعيين ، ونعرف قدر إمكانيات العمل التي نمتلكها ، لكن ربما كان من الخير أن نعي أنفسنا كثيراً , وندرك أن هذا الاختلاف يمكن أن يتحول إلى تعددية إسلامية حميدة تستوعب الواقع كله .
إن المجتمعات بل والأفراد تختلف عقولهم ونفوسهم والمؤثرات التي يقعون تحتها، وهذا يجعل التعددية مطلباً ملحاً مع المحافظة على أصول الدين وثوابت الشريعة وجعلها مرتكز الاجتماع .(28/317)
والعمل الإسلامي اليوم رغم اختلافه وتمايزه في كثير من الأحوال ؛ إلا أنه يملك تجمعاً مؤهلاً للصياغة الشمولية إذا استطعنا الاعتراف والإيمان بثلاث حقائق :
أولاً: تجاوز خلافاتنا الخاصة ، والتخلي عن المطالبة الذاتية .
ثانياً: عقد وفاق ولائي على مستوى المشاعر، والثقافة العمومية للإسلاميين، وذلك بإقرار حق الاجتهاد الشرعي بحدوده ، فالاجتهاد من أهم الثوابت وهو روح المتغيرات ، وأساس الاختلافات .
ثالثاً: القدرة على الإيمان بالترقي، والتجديد في الصياغة ، والتطبيق الذي نمثله ، والتخلص من الرؤية السرمدية لمشاريعنا الخاصة .
أيها الإخوة حين ندرك مقدراتنا التي نملكها ندرك أننا أقوياء فعلاً ، وأننا نؤثر في المجتمعات كلها، ومن أخص مقدراتنا تحويل الواقع الخلافي إلى تعددية رشيدة قابلة للحوار والتصحيح مع الاحتفاظ بحق الاجتهاد الشرعي ، والمحافظة على الثوابت والأصول.
من غير المنطقي عقلاً وشرعاً أن تتحول اجتهاداتنا الخاصة إلى قرارات ملزمة لغيرنا من إخواننا ، ومن غير العقلي والشرعي ألا ّ نؤمن إلا برؤيتنا الخاصة ، ومشاريعنا الاجتهادية، إننا هنا نقع في غلط شرعي ونحن نمثل العمل الإسلامي .
يجب أن تكون الأصول الشرعية واضحة ، وثوابت الإسلام متاحة لكل فرد في المسلمين وما عدا ذلك فهو صياغة خاصة تجريبية ، قابلة للمعارضة والتجاوز والتطوير والمخالفة وفق ضوابط الاجتهاد الشرعي المحكم ، مع أني أُفضل كثيراً أن نتجاوز لغة المعارضة في داخلنا ، وأن نُربي الجيل القادم على التعددية والحوار ضمن القواعد الشرعية المنضبطة .
إن المدارس الفقهية الأربع في التاريخ الإسلامي (الحنفية ، المالكية ، الشافعية ، الحنبلية) كانت استجابة للواقع الإسلامي اللاحق لعصر الأئمة ، وقدمت رؤية علمية عالية في الفقه الإسلامي ، لولا بعض حركة التعصب التي تطرأ أحياناً في صفوف الأتباع, وهكذا الأمة اليوم ، إنها تطالبنا بتنويع الطرح والمشاركة الجادة في كل المجالات لنصنع أمة متكاملة الرؤية والتأثير ، ولنحقق قدراً من القواسم المشتركة بين فئاتها يصح معها أننا أمة واحدة .
إن التفاوت والاختلاف - مهما تعاظم في نفوسنا - لايعد شيئاً ذا بال إذا قورن بمساحة الاتفاق العريضة المستندة إلى محكمات هذه الشريعة وأصولها .
10/ هذه الرؤية لا تعني أن نقع في الخلط الشرعي أو ألاّ نميّز الحق من الباطل ، إن التمييز بين الحق والباطل أصل في الإسلام ، بل هو من حقائقه الشرعية والقدرية ، لكن يجب أن نقدر أن الباطل هو ما يخالف الإسلام نفسه وليس ما يخالفنا نحن ، ومن هنا يفترض ألا نركب لغة الصراع بين الحق والباطل إلا ونحن متحققون من واقع الحال ، إن ثمت أصولاً شرعية كثيرة أحياناً يساء استخدامها حتى لدى بعض الخيرين .
11/ يفترض بعض إخواننا أن من الصواب الإسلامي أن يقدم رؤية تطبيقية اجتهادية خاصة به تحظى بروح سرمدية البقاء ، وهذا في تقديري ليس مهماً ، ولا يمثل إمكانية التطبيق العملي ، بل يبقى ظلاً له رسمه ، وليس له أثره .
يفترض ألا نصر على تقديم مشاريع طويلة الأمد من المشاريع ذات البعد التغييري الشمولي، وحين نمضي جهداً وعمراً في رسم مشروع يحظى بروح طويلة للبقاء ، فنحن هنا نخسر الواقع أكثر مما نتصور , ولهذا لا ترى لكثير منا أثراً في الواقع الحضاري للأمة ، بل هذا موقع يتسم بجفاف التأثير الإسلامي اليوم .
وتسارع التغيرات العالمية يعني أننا نعيش لغة المرحلية في المشاريع الاجتهادية ، نظراً لتعدد مقومات تحريك المجتمع الإسلامي والتأثير عليه ، ونحن يجب أن نتعامل مع هذه المحركات المؤثرة على مجتمعاتنا بواقعية يلمسها الناس ويدركون تناسبنا مع الواقع , بل ومع متطلباتهم انطلاقا من تأصيل الشريعة .
إن هذا العصر الذي نعيشه يمتاز بسرعة في الآلية الإنسانية انعكس على سرعة الذهنية الإنسانية نفسها ، ومن هنا أصبح الإنسان أكثر استعداداً للتطور , وصار لديه قابلية كبيرة للتجديد ، هذه القابلية تفرض علينا أن نقدم مشاريع تحمل روحاً تطويرية ، ولغة تجديدية في الرؤية الثقافية والفكرية والأشكال الحضارية كلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية سواء على مستوى القرار ، أو على مستوى التعامل .
لكن يفترض ألا يكون التجديد ثورة على المجتمع من داخله .
ويجب أن نسعى في تحقيق الأصالة الثقافية مع الواقعية التأثيرية , وكما أنه من غير المنطقي أن ننقطع عن تراثنا وتاريخنا فإن من غير المنطقي أن ننقل الصور التاريخية كما هي ليعرفها من لم يكن يعرفها ، التاريخ يعطينا الفكرة ويدع لنا رسم إطارها ، والتاريخية المطلقة شكلت عقبة في تطور فكر الأمم ، ونحن - أهل الإسلام - وإن كنا نمتلك تاريخية أصيلة إلا أننا يجب أن نكون معتدلين ، وأن ندرك أن الإسلام المنزل من عند الله ليس هو التاريخ الإسلامي بكل إشكالياته ، وتطوراته الثقافية والسياسية والاجتماعية.(28/318)
يجب أن يستعمل الإسلاميون ورقة جادة في هذه المواقع الاتصالية وهذه الحركة الإعلامية المتطورة ، وهذه اللغة الثقافية القائمة للتخاطب مع العالم كله, أوعلى أقل تقدير للتخاطب مع شعوبنا المسلمة، وإخواننا المسلمين في العالم كله .
يجب أن نؤمن بالتواصل الثقافي بين الإسلاميين ، وتطبيع لغة الحوار ، والاستعداد للتصحيح حسب قواعد الإسلام ونصوصه ، وأن نخرج في هذه الآلية العالمية ونحن نقدم شكلاً صادقاً عن ديننا وإسلامنا حتى على مستوى المظهر العادي ، فضلاًَََ عما وراءه .
12/ يفترض أن نكون سباقين أمام مجتمعاتنا وأمتنا ، وأن نمارس التحدي الحضاري في كل أشكاله ، فمن الصعب أن ترى بعض الدعاة الإسلاميين لا يعرف مظاهر التحدي الحضاري إلا بعد تطبيعها في مجتمعه .
يجب أن نتجاوز عقلية الانغلاق ، وأن نعرف بصورة إسلامية كل شيء في الحركة الحضارية المعاصرة ، وأن نقدم الرؤية الإسلامية الواعية في كل شيء مع الإيمان بحق التخصص ، والتعددية التفسيرية الممكنة شرعاً ( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً)(الإسراء: 12) (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون َ) (الأعراف:181)
13/ من أخص الإشكاليات القائمة غياب الوعي داخل الأمة ، ليس على مستوى العامة بل على مستوى كثير من أصحاب المواقع والمخاطبة .
إن هذه الأمة - بحمد الله - تحمل قيمة مبدئية لا يمكن لأي تغيير بشري أن يغيبها ، حتى يأذن الله بخراب هذا العالم ، لكن مع هذا ندرك كثيراً أن المشاريع العالمية التي صنعها أعداء الأمة في شتى المجالات في غفلة الأمة وسباتها زادت من تغييب الوعي بحقائق الإسلام وشموليته .
ومن صور الوعي الغائبة ( عالمية الإسلام ) فهذه الحقيقة ليست حاضرة في أذهان كثيرين حينما تضع رصداً أو قراءة للمناهج الإسلامية المعاصرة تدرك هنا الاختصار لهذه العالمية .
يفترض أن يكون الإسلام كما هو من عند الله ، وألا يتحول إلى ممارسات تقفز على الحقائق الشرعية والواقعية .
أيها الإخوة هنا قضية مهمة وهي أن من الصعب أن ندرك حضور الهيمنة الشخصية في عدد من المشاريع الإسلامية , وأن كثيرين يتدخلون بشكل شخصي من وحي وأثر طباعهم الخاصة لصياغة الرؤية المنهجية لمشروع إسلامي ما .
من الحرج الكبير أن تكون طبيعتنا النفسية والتعاملية والظروف الخاصة بنا هي الحاكم على رؤيتنا في قضايانا الخاصة والعامة .
قد ترى رؤية ما فتدرك بشكل واضح أنها إنتاج لطبيعة خاصة أكثر من كونها إنتاجاً علمياً ذا طابع معتدل ، ومن الصدق أن نحاول الاعتراف بتجاوزنا في الصياغة لمشاريع العمل الإسلامي في بعض الأحيان .
14/ لعل من الصواب أن ندرك أن التكوين النفسي الخاص يمارس هيمنة داخل قراراتنا العامة والخاصة .
صحيح أن الإسلام ليس أحكاماً مجردة ، وطبيعة الاجتهاد يقتضي استصحاب الحال ، والطبيعة الخلقية للمجتهد والناظر ، وقد اختلف الخيّران ( أبو بكر وعمر ) في شأن أسرى بدر ، وعلق رسول الله صلى الله عليه السلام بأن الله يقوي قلوب رجال فيه , ويلين قلوب آخرين فيه, وهذا متصل بصفة فطرية لكل منهما , فأبو بكر كان مألفاً محبباً في قومه , وعمر كان أيّداً شديداً ؛ ولذا سمي هذا بالصديق وهذا بالفاروق .
ولعل من غير الممكن الانفكاك عنه ، بل وليس من الشرعي أن نقصد هذا القصد ، لكن مع هذا تبقى ضرورة الاحتفاظ بعلاقة متناسبة بين الحقيقة الشرعية وبين الأثر النفسي الخاص .
من غير المنطقي أن تكون رؤيتنا تتمتع بذوقية خاصة متأثرة بشكل رئيس بالطبيعة التي نتمتع بها ، ونحن ندرك أن كثيرين يحكمون بالذوق النفسي والعقلي المنتج للعلاقة مع الواقع ، ولذا فإن تباين المواقف في كثير من الأحوال ليس نتيجة اجتهاد شرعي ، بل هو نتيجة ذوقية غائبة عن الإدراك .
15/ حين نحاول الوصول إلى قناعة عمومية بأهمية الوعي داخل صفوف الأمة كلها ، ينبغي أن نكون واقعيين ، وأن ندرك أن غياب الوعي ظاهرة لا تتعلق بالعامة والجماهير، بل هي ظاهرة داخل صفوف النخبة في التقدير الاجتماعي القائم .
والجلوس في المقاعد الأمامية ( الرموز ، الدعاة ، المربّون ،... ) لا يمثل بشكل ضروري حصانة خاصة بتدني مستوى الوعي والإدراك .
ولعل المركزيات لدى كثير من الإسلاميين متأثرة بالواقع الاجتماعي القائم في الرسم القيادي ، فكثيرون يكتشفون أنفسهم في مواقع التأثير ، وهم لا يملكون الأهلية الخاصة بهذه المواقع التي يفاجئون بها .
ولهذا تولد التسابق على السلطة الدينية ، وهي حق تبعية المجتمع وهذه إشكالية تربوية حادة التأثير على المجتمع .(28/319)
16/ هناك إقبالية ظاهرة متزايدة لدى الإسلاميين ، بل لدى الأمة كلها في رفض التعصب الفقهي والتقليد ، ومحاولة إيجاد علاقة شمولية على مستوى الخاصة والعامة مع الدليل ، وهذا تطلع حسن وجميل ، لكن من حيث الحقيقة فإن هذه المحاولة مختصرة في تجاوز صورة أو صور معدودة للتقليد والتعصب ، كتجاوز التقليد والتعصب لمذهب فقهي من المذاهب الأربعة ، أو بعض الأشكال المعاصرة ، لكن تجد على مستوى الخاصة والعامة ممارسات للتقليد والتعصب ربما رسم كثير منها باسم الدليل والاجتهاد ، واتباع الحق وأمثال ذلك ، والألفاظ غير المعاني .
وكثيرون ينتقلون من التعصب الفقهي لمذهب حنفي أو حنبلي أو شافعي إلى التعصب لفقيه أو منهج معاصر , أو ينتقل من التعصب الفقهي إلى الذوبان في منهجيات دعوية تقوم على الاجتهاد .
ربما كان هذا واقع الجمهور والأتباع ، لكن يجب أن ندرك أن هناك تناسباً بين طرح الخاصة سواء في المجال الفقهي أو الدعوي أو التربوي وبين الأتباع ، قد ينظر كثيرون إلى علاقة عفوية في هذا الواقع ، لكني على يقين أنها علاقة تأثيرية جادة , وإن لم تتم بصورة قصدية هادفة .
حين نتكلم عن التعصب والتقليد فإننا كثيراً ما ننظر بشكل تلقائي إلى الأمام لنتعرف على الطرف المقلَّد الذي نتواصل معه ، لكن ربما يحسن أن ندرك أن التعصب والتقليد ليس بالضرورة ثنائي القوام، وكثيرون من الدعاة وطلاب العلم وأشكال المتخصصين يتعصبون لنفوسهم وهم لا يشعرون .
أحياناً يكون الإلحاح في تقديم الاجتهاد - في أي مجال أو تخصص- ممارسة غير واعية لتكريس التعصب ، بل وتطبيقه بشكل صارم , والشأن القضاء على التعصب والتقليد المذموم ، وليس في الانتقال من صورة إلى صورة أخرى مماثلة لها أو دونها !
17/ أيها الإخوة حينما نتحدث عن نشر الوعي ، فأول صور الوعي نشر العلم الشرعي والأخلاق الفاضلة ، فبهذين تحرك عقول الناس ونفوسهم في مشاريع الإصلاح الشرعي ؛ ولهذا فإن الرسل وأولي العلم الربانيين كذلك ، وفي قول الله تعالى عن الخضر صاحب موسى : (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف:65] ، يذكر الإمام ابن تيمية عن هذه الآية أن من خصائص الأنبياء وأتباعهم أولي العلم الجمع بين العلم والرحمة ؛ لأن الناس لا يُدَيَّنون بواحد منهما فقط ، ولهذا جاء قوله تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر)[آل عمران: 159] .
نعم! على المصلحين أن يعرفوا العلاقة مع العامة ، وأن يدركوا أنهم ليسوا سادة على السواد من الأمة ، وليسوا أوصياء على الناس ، بل هم دعاة , ومن حق الأمة أن تشاركهم الرأي والتأثير والدعوة .
علينا تجاوز عقدة مركزية الدعوة والرأي والمشورة ، وتفعيل التجمع الإسلامي كله ، وفتح العلاقات والحوار ، والتربية عليه داخل الدوائر الإسلامية ، وتجاوز عقدة الزعامة والوصاية ، وتطبيع الحوار بين الخاصة والعامة ، وتأمين حركة الدعوة وحرية الكلمة والمشاركة والنقد التي تقع داخل حدود الشريعة ومقاصدها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==============(28/320)
(28/321)
"الخليج".. الحلقة الأضعف في مقاومة التطبيع تتعافى
11/06/2001
…
شعبان عبد الرحمن - الكويت
التطبيع الأمريكي كان مقدمة للتطبيع الإسرائيلي
ظلت منطقة الخليج لفترة طويلة حلقة ضعيفة في مسلسل مقاومة التطبيع الشعبي حتى جاء يوم الثامن من أبريل عام 2000م موعد تأسيس "المؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني" في دولة الكويت.. يومها بدأت تلك المنطقة تنبض ببعض القوة، مؤذنة بتوديع حالة الضعف التي اعترتها، خاصة أن ذلك المؤتمر تبعه تأسيس لجان فرعية لمقاومة التطبيع في كل من البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما واكبته - وهذا هو الأهم - حركة شعبية على صعيد المجتمع تجهر بمقاومة التطبيع وتحذر من ألاعيبه.
وبين انعقاد الدورة الأولى للمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع في الخليج (8/4/2000م) والدورة الثانية (31/5/ 2001م) ازدادت حركة المقاومة الشعبية مدًا، وأصبحت القضية واضحة ومستوعبة في الساحة التي شهدت في الأشهر الثمانية الماضية تعبئة ساهمت في شحنها أجواء انتفاضة الأقصى.
وقد بدا ذلك واضحا في الحضور المكثف من قبل الوفود العربية والخليجية لاجتماعات الدورة الثانية، وكذلك في طبيعة الشخصيات المدعوة للحديث في المؤتمر مثل د. "سليم الحص" رئيس وزراء لبنان السابق، و"خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، والراحل "فيصل الحسيني".
كما كانت لغة الخطاب في المؤتمر أكثر تشددا منها في مؤتمر العام الماضي، بل إن بعض الحضور من الجماهير الغفيرة لم يترددوا في الهتاف بـ" الموت لإسرائيل .. الموت لأمريكا".
وتحولت منطقة الخليج لأنشط مناطق العالم العربي والإسلامي في تفعيل حملة المقاطعة الشعبية للبضائع الأمريكية؛ احتجاجا على المساندة الأمريكية المطلقة للكيان الصهيوني خلال انتفاضة الأقصى الدائرة الآن، وتصاعدت الدعوات لقطر وعمان بإغلاق المكاتب التجارية الإسرائيلية على أراضيهما لتصبح أكثر قوة من ذي قبل. ولا شك أن كل ذلك يؤشر على أن الحلقة تقوى وتضيق أمام محاولات اختراق المنطقة.
العدو يخسر منطقة إستراتيجية
ولا يماري أحد في أن منطقة الخليج تأتي في مقدمة المناطق التي يرنو العدو الصهيوني إلي إقامة علاقات تطبيعية مع شعوبها وحكوماتها منذ القدم؛ فالمنطقة -إضافة إلى موقعها الإستراتيجي- تمتلك أكبر ثروة نفطية، كما تمتلك سوقا استهلاكية يمكن أن تكون عمقا مهما للاقتصاد الصهيوني؛ ولذا فإن إسرائيل تهدف - وفقا للدكتور "عبد الله النفيسي" أحد مؤسسي "المؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع في الخليج" - إلى تحقيق ثلاثة أهداف:
الأول: النفط الخليجي (القريب والرخيص).
الثاني: السوق الخليجية ذات النمط الاستهلاكي المتسارع، وترويج السلع الإسرائيلية.
الثالث: أن تكون لها يد مباشرة في التأثير على النظام الإقليمي في الخليج وأطراف الجزيرة العربية.
ويقول النفيسي: فعلت إسرائيل الكثير لاختراق هذا الإقليم وتوظيفه لصالح مقوماتها الإستراتيجية، فقد تقدمت عام 1975م وعلى إثر الحظر النفطي الخليجي عام 1973م للإدارة الأمريكية بخطة لاحتلال كل آبار النفط ما بين الكويت ومسقط، وفعلاً ناقش الكونجرس الأمريكي هذه الخطة، لكنه خلص إلى أنها خطيرة واستفزازية وربما تثير القلاقل في الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة - وهذا هو الأهم - تستطيع أن تحقق أهدافها دون اللجوء إلى ذلك.
ويشير النفيسي إلي أن تفاصيل تلك الخطة موجودة الآن ومتاحة لمن يريد الاطلاع عليها في مكتبة الكونجرس الأمريكي.
ويؤكد أن إستراتيجية مقاومة التطبيع على امتداد العالم العربي يجب أن تقوم على معادلة بسيطة تتلخص في: كلما اتسعت مساحة تنفُّس الكيان الصهيوني ازداد اختناق العالم العربي.
وانطلاقا من هذه القاعدة فإن مقاومة الشعوب والحكومات العربية والإسلامية للتطبيع مع العدو وتأييدها في نفس الوقت لانتفاضة الشعب الفلسطيني لا تعد - في رأي خالد مشعل- مساندة للشعب الفلسطيني فقط، وإنما تعد أيضا دفاعا عن الوجود العربي والإسلامي حيال المشروع الصهيوني الطامع في كل شيء، فالعدو طامع في نفط الخليج وأمواله وأسواقه.
وحسب د. "عبد الله النبياري" أحد مؤسسي المؤتمر الشعبي، فهو (العدو) يعتبر نفسه صاحب نصيب في هذا النفط وهذه الأموال، "ولا نستبعد أن يفرضوا أنفسهم أوصياء علينا".
المسألة إذن ليست تأييد القضية والانتفاضة الفلسطينية بقدر ما هي دفاع عن الوجود والاستقلال العربي في مواجهة الهجمة الصهيونية، وهذا الحس كان موجودا منذ سنوات ليست بالقليلة لدى منطقة الخليج، وكل ما في الأمر أنه وُجد من يوجهه لمكانه الطبيعي ويحشده.
فقد حفلت المنطقة بمواقف مشرّفة في مساندة الشعب الفلسطيني ومناهضة المشروع الصهيوني منذ الثلاثينيات؛ فشهدت الكويت في الخمسينيات إنشاء لجنة "كل مواطن خفير في الكويت" ضد الصهاينة، كما أن مكتب مقاطعة إسرائيل في الكويت حفل بنشاط ملحوظ، ورغم الظروف السياسية والدولية التي تعيشها الكويت بعد الغزو العراقي، فإن غرفتها التجارية رفضت حضور مؤتمر السوق الشرق أوسطية الذي انعقد في الدوحة.(28/322)
ومن هنا يمكن القول: إن انطلاق حركة المقاومة الشعبية ضد التطبيع في الخليج مؤخرا تستند إلى رصيد تاريخي، ووعي مجتمعي بخطورة هذا التطبيع على المنطقة ذاتها، بنفس مقدار الخطورة على القضية الفلسطينية، ولا شك أن استمرار الانتفاضة يعدّ وقودًا يمد حركة المقاومة بمزيد من القوة والانطلاق، هذا بعكس مرحلة المفاوضات التي تصيب الشعوب بالإحباط، وتفتح الباب على مصراعيه أمام مشاريع العدو السياسية والاقتصادية.
ويكفي أن نعلم في هذا المجال أن الكيان الصهيوني بعد توقيع اتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 1993م تمكّن خلال عام واحد من إقامة علاقات دبلوماسية مع عشرين دولة بينها دول عربية، وزاد حجم الاستثمارات الأجنبية داخل الكيان الصهيوني من 400 مليون دولار عام 1991م إلى 3.6 مليارات دولار عام 1997م، وخاصة بعد إلغاء المقاطعة العربية من الدرجة الثانية عام 1995م.
وكل ذلك وضعته حركة التطبيع الشعبي الخليجي في حسبانها، فالبيان التأسيسي للمؤتمر الشعبي كان واعيا بأبعاد المشروع الصهيوني: السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ ولذا كان واضحا في النص -في مشروع بيانه التأسيسي- على: "مقاومة كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني؛ حفاظا على هوية وأمن ومصالح دول الخليج، وحتى لا يتم توريطها في أية مواجهات يخطط لها العدو في إقليم الخليج العربي، ويتخذ المؤتمر كل الوسائل السلمية المشروعة في إطار القوانين السارية في دول الخليج، معتمدا على توعية المجتمع بخطورة هذا التطبيع، عاملا على استنهاض همم شعوب الخليج المخلصة لمعارضة اتجاهات التطبيع على جميع المستويات".
=============(28/323)
(28/324)
كوريا الشمالية .. صفعه على وجه أمريكا
الإسلام اليوم - فاطمة الرفاعي 25/11/1423
28/01/2003
وجهت كوريا الشمالية صفعة جديدة للولايات المتحدة بعد قرارها بالانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية في الوقت نفسه الذي تستعد فيه أمريكا لتوجيه ضربة عسكرية للعراق، والذي لم يثبت حتى الآن امتلاكه للسلاح النووي، حول هذه الأزمة الراهنة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية عقد مركز البحوث والدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ندوة تحت عنوان " الأزمة الراهنة وتوتر العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية ".
في البداية أكد السفير محمود فرج, سفير مصر السابق في كوريا الشمالية , أن قرار انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة حظر الأسلحة النووية سبقه تاريخ من العلاقات المتوترة بينهما، وهو تاريخ مشرف لتحدي كوريا الشمالية للغطرسة الأمريكية، مضيفا أن كوريا تهدف بهذا القرار إلى الحصول على تنازلات جديدة من أمريكا، منها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا وكسر العزلة المفروضة عليها وتحقيق مكاسب اقتصادية كالحصول على الوقود والمساعدات البترولية، وأكد أن كوريا الشمالية تتعامل مع أمريكا معاملة الند، مما أثار أمريكا ضدها وإدراجها ضمن دول محور الشر إلى جانب العراق وإيران، وأن كوريا اختارت هذا التوقيت نظرا لانشغال أمريكا في ملف العراق لتحقيق أكبر قدر من أهدافها وللضغط على أمريكا ومحاولة من كوريا للخروج من المأزق مع أمريكا بعد أن طلبت توقيع معاهدة عدم اعتداء من واشنطن بعد تعهد بيونج يانج بتجميد منشآتها النووية من عام 1994 التي كانت تنتج مادة البلاتينيوم مقابل حصولها على شحنات بترولية ومفاعلات تنتج الكهرباء، مضيفا أن هذا القرار أسقط عن كوريا أي التزامات تجاه المعاهدة أو وكالة الطاقة الذرية، حيث إن كوريا دائما تسعى للحفاظ على خصوصيتها ودفاعها عن مصالحها ضد الاختراق الأمريكي، وأن هذا القرار ربما يشجع الكثير من الدول على الانسحاب من هذه المعاهدة التي تنطوي على تمييز واضح لصالح أمريكا وحلفائها الاستراتيجيين حيث تسمح لهم بإنتاج السلاح النووي بينما تعمل على تقييد الدول الأخرى ومنعها من امتلاك ذلك.
وسيلة ضغط على الأمريكان
وأضاف د.علي حجازي , سفير مصر الأسبق في كوريا ونائب مساعد وزير الخارجية السابق, أننا يمكننا فهم منطلقات كوريا الشمالية وقرار انسحابها وتطورات الأزمة الحالية من فهمنا لأهداف كوريا وسياساتها العامة تجاه أمريكا، فكوريا تركز مواردها لتدعيم قدراتها العسكرية وإجراء التجارب الصاروخية والتلويح الدائم باستخدام المعامل النووية والتهديد بالتوسيع في بيع الأسلحة لدول العالم الثالث كورقة ضغط على أمريكا، وفي الوقت نفسه تسعى كوريا الشمالية إلى توسيع دائرة الحوار مع أمريكا وتقديم تنازلات تكتيكية لإضعاف العلاقات القوية بين كوريا الجنوبية وأمريكا والسيطرة على شبه الجزيرة الكورية مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية الكورية ضد الاختراق الأمريكي ، وذلك لإحساس الكوريين الشماليين أنهم مستهدفون، وأنهم يواجهون خطرا دائما لذلك، فإنهم يسعون لتطوير قدراتهم العسكرية والنووية ويتعاملون من منطلق مصالحهم وبالفعل قرار انسحابهم من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية نابع من أن هذه المعاهدة عبء عليهم، وهو في الوقت نفسه وسيلة ضغط للحصول على مساعدات من أمريكا والإفراج عن أرصدتها المجمدة وتحييد دور القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة والتوصل لاتفاق عدم اعتداء.
استبعاد الحرب
وأكد السفير المصري أن العلاقة بين أمريكا وكوريا الشمالية تأخذ شكل الفعل ورد الفعل وخصوصا في الفترة الأخيرة، وأنه يستبعد احتلال أمريكا لكوريا الشمالية كما استبعد قيام حرب في هذه المنطقة؛ لأن هناك مصالح وتوازنات خاصة بالصين واليابان وكوريا الجنوبية، مؤكدا أن التسويف الأمريكي في تطبيق بنود اتفاقية جنيف لعام 1994 عقب تجميد كوريا الشمالية لمنشآتها النووية هو سبب تفجر الخلافات بين أمريكا وكوريا، وأن هذه الأزمة هي أزمة ثقة بين الطرفين، فأمريكا تصر على أن كوريا تسعى لتطوير برنامجها النووي، والمسئولون في كوريا يؤكدون أنهم يقتصرون على حفظ أمنهم القومي ولا يسعون إلى تهديد أي دولة مضيفا أن كوريا لم تسع لتفجير الأزمة، وإنما أمريكا هي السبب وذلك بتسويفها في القيام بتعهداتها في اتفاقية جنيف، وكان رد الفعل من جانب كوريا الشمالية في خطوات متتابعة ومتلاحقة، مثل طرد المفتشين وتشغيل المفاعل والانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة وفقا لنص المادة 10 والتهديد ببدء التجارب الصاروخية.
وأضاف السفير حجازي أن كوريا الشمالية لا تمثل خطرا حقيقيا لأمريكا، وإنما الأمريكان لهم هدف أساسي استراتيجي في هذه المنطقة هو تطويق الصين والسيطرة على منطقة آسيا وبترولها، ويتضح ذلك من وجود أمريكا في أفغانستان وجنوب شرق آسيا خوفا من تصاعد القوى الصينية خلال العشر سنوات القادمة، ووجود صراع بين الصين وأمريكا على السيطرة على شبه الجزيرة الكورية.
تحصين كوري(28/325)
ويتفق السفير سمير خطاب, سفير مصر السابق في غانا ورومانيا , مع وجهات النظر السابقة مؤكدا أن أمريكا تسعى من خلال سياسات العولمة ومنظمة التجارة العالمية إلى بسط نفوذها وسيطرتها على كل المناطق الحيوية في العالم، ونشر الثقافة الأمريكية والقضاء على ثقافة المجتمعات الأصلية كما تفعل في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق ووسط آسيا مؤكدا أن كوريا الشمالية تدرك جيدا هذه المخططات، وتحاول بكل السبل تحصين نفسها ضد الاختراق الأمريكي، والذي حدث لدول الاتحاد السوفييتي السابق ودول جنوب شرق آسيا وخصوصا أن كوريا تتمتع بثقافة خاصة تقوم على المذهب الشيوعي، وتعتمد على العقيدة الكونفوشية وتتمتع بتوحيد غير عادي بين الشعب وحكومته وبدرجة عالية من الانضباط الاجتماعي، ولذلك فهي ترفض الانفتاح على دول تهدد ثقافتها ولكنها تنفتح اقتصاديا مع الدول المجاورة مع الحذر الكامل، فلديها خمس مناطق اقتصادية حرة، وهناك تزايد في معدلات الاستثمار بين اليابان وكوريا الشمالية، وكذلك فإن الميل إلى توحيد الكوريتين يقف حجر عثرة في وجه الأطماع الأمريكية.
دور العراق في الأزمة
وفي رد من الدكتور محمود فرج سفير مصر السابق في كوريا حول وجود دور للعراق في تفجير الأزمة بين كوريا الشمالية وأمريكا، أكد أنه لا يعتقد وجود أي دور للعراق في هذا الأمر، وإنما هناك أسباب منها خوف كوريا من الغزو الثقافي الأمريكي، وعدم التزام أمريكا باتفاقية جنيف مؤكدا أن تعامل كوريا الشمالية مع أمريكا بهذه الندية وإعلانها الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وسياسات أمريكا ومبرراتها الواهية لضرب العراق تؤكد أن أمريكا لا تسعى لإزالة الأسلحة، وإنما تسعى للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية وبسط السيادة الأمريكية وتحقيق الأمن الإسرائيلي، وفي رده على سؤال حول إمكانية تطبيع العلاقات بين كوريا الشمالية وأمريكا قال إن هناك نية من الطرفين لحدوث هذا، وأن هناك إمكانية ظهرت في مواقف عديدة منها زيارة أولبرايت لبيونج يانج، وسعي الكوريين إلى إصلاح العلاقات مع أمريكا، وكذلك رغبة أمريكا في احتواء البرنامج النووي والصاروخي الكوري، وفي الوقت نفسه رغبتها في تطويق الصين وإضعافها.
============(28/326)
(28/327)
قمة أغنياء العالم (دافوس) تقرر مصير العراق والحوار مع الإسلام !؟
الإسلام اليوم/ خاص /محمد جمال عرفة 26/11/1423
29/01/2003
قد لا نكون نبالغ إذا قلنا لمن يريد أن يعرف هل ستضرب أمريكا العراق أم لا، إن عليه أن يرجع إلى نتائج قمة دافوس الاقتصادية كي يخرج بنتيجة ملموسة! فمن عجائب تلك المدينة السويسرية (دافوس) التي تقع في حضن الجبال الثلجية، أنها تضم كل عام مئات الاقتصاديين وأغني اغنياء العالم، لا ليناقشوا أمور (البزنس) فقط ، ولكن ليرسموا خريطة العالم تحت شعارات مختلفة .
ومن عجائبها أيضا أنها كانت محور العديد من التحولات السياسية الكبرى في العالم، ما يؤكد مقولة إن الاقتصاد هو قاطرة عربة السياسة، ففيها جري التحول الرأسمالي الروسي بعد الشيوعية، وفيها جرى تحويل دفة المعارك في الشرق الأوسط إلى سلام أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتطبيع بين العرب والاسرئيليين ، وفيها تقرر مصير العديد من الدول .
ولهذا يبدو - والمؤشرات قوية على هذا - أن القمة الحالية سوف تشهد بدورها نوعاً من رسم خريطة منطقة الخليج بعد ضرب العراق المحتمل بقوة، كما ستشهد استكمالا للحوار بين الغرب والإسلام الذي بدأ في آخر قمة عام 2002 ( والتي عقدت استثناء في أمريكا كمساندة لها عقب هجمات 11 سبتمبر).
أما أطرف ما يرتبط بقمة الأغنياء والعولمة في دافوس، فهو ما فعله معارضو العولمة بعقد قمة موازية للفقراء في البرازيل تحت أسم (بورتو اليجري ) أو (المنتدى الاجتماعي العالمي ) التي بدأت عام 2001 وتعقد هذا العام 2003 ثالث قمة لها في البرازيل للتنديد بخطط الأغنياء والعولمة والسيطرة على العالم، وبحث مسائل تتعلق بالفقر والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات ومنع الحروب ووقف استغلالها في استنزاف ثروات الشعوب !.
والقمة الحالية (دافوس) التي بدأت يوم 23 يناير 2003 واستمرت أسبوعا، كان شعارها "بناء الثقة" ، وحضرها حوالي 2.300 من كبار السياسيين ورجال الأعمال والمصرفيين والأكاديميين، وشهدت مناقشات عديدة لموضوعات مثل الاقتصاد والأمن والأعمال والتمويل والبيئة.
ولكن الملفت أن أعمال العديد من الطاولات المستديرة والندوات (حوالي 270 ندوة) في هذه القمة الفريدة من نوعها التي يحرص كبار المسئولين الأمريكيين على حضورها (كولن باول)، والإسرائيليين ( شيمون بيريز) قد جرى تخصيصها لموضوع العراق ولخطر اندلاع حرب وانعكاساتها على المنطقة، حتى إنه تمت دعوة مسؤولين من المعارضة العراقية إلى دافوس للبحث في احتمال فترة انتقالية للاتجاه نحو الديموقراطية في بلادهم، وبالطبع بحث تكاليف عملية انتقال السلطة في العراق بعد صدام!.
وهو ما دعا (خوسيه ماريا فيغيريس) أحد المنظمين للقمة للقول إن "قرب اندلاع نزاع (مع العراق) سيحتل المرتبة الأولى في لائحة مشاغل المشاركين" هذه السنة.
الإرهاب وحوار الأديان
ومن بين الـ 270 ندوة وطاولة نقاش التي أجراها 2150 مدعوًا من 99 دولة بينهم 29 رئيس دولة أو حكومة و81 وزيراً وألف من مسئولي الشركات، سوف تناقش القمة موضوعات سياسية وأمنية مهمة وأخرى سياسية.
فعلى اللائحة السياسية والأمنية مواضيع مثل "القاعدة.. الأجزاء المفقودة" و"كيف ستغير مكافحة الإرهاب العالم؟" و"العلاقة بين النفط والنزاع" و"هل بإمكان السياسة الخارجية الأميركية أن تعمل منفردة؟" ، بالإضافة إلى "تصادم الحضارات"، وهو الموضوع الذي يتكرر الحديث عنه منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.
وهذه الجزئية تحديداً يركز عليها المنتدى الاقتصادي العالمي منذ أحداث 11 سبتمبر، حيث جرى إختيار ما يسمى "مجلس المائة".
الذي يضم مائة شخصية، نصفها من العالم الغربي والنصف الآخر من العالم الإسلامي، سوف يبحثون مسألة الخلاف بين الغرب والإسلام.
وكان قد أُعلن أن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (شرق سويسرا) سوف يعلن تشكيل "مجلس" يضم مائة شخصية، نصفها من الدول الغربية ونصفها من العالم الإسلامي بهدف إطلاق حوار حول نقاط التباين بين الغرب والإسلام. وأوضح بيان صدر عن المنتدى في مقره في جنيف أن "مجلس المائة" (سي-100) سيضم مائة شخصية موزعة بالتساوي على خمسة قطاعات اجتماعية: خبراء، ورجال دين، ومسؤولون سياسيون، ومسؤولون اعلاميون، وجامعيون ومثقفون معروفون.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد بحث المنتدى في آفاق إعادة تحريك النمو الاقتصادي في العالم في ضوء حالة الكساد العالمي، حتى إن قمة هذا العالم سميت "إعادة الثقة" للدلالة على هذا المعنى، وهو معنى أمريكي في الدرجة الأولى بعد الفضائح التي تسببت فيها عمليات التلاعب في الحسابات لدى كل من مجموعتي "انرون" و"وورلد كوم" الأميركيتين.
ولهذا شارك في المنتدى بعض كبار رؤساء الشركات الأمريكية من "بيل غيتس" مؤسس شركة مايكروسوفت إلى رؤساء مجالس إدارة بوينغ (فيليب كوندي) وكوكا كولا (داغلاس دافت) وهيولت-باكارد (كارلي فيورينا).
قصة دافوس(28/328)
ويعود تاريخ قمة دافوس التي يٌطلق عليها (المنتدى الاقتصادي العالمي) إلى العام 1971 الذي تأسست فيه، حيث عقدت أول قمة، ثم استمرت بشكل شبه سنوي حتى إن القمة الحالية هي رقم 33 في سلسلة هذه القمم.
ومنذ تأسيسه تحوَّل منتدى دافوس السنوي خلال الاثنين وثلاثين عامًا منذ نشأته من نادٍ صغير لرجال الأعمال الأوروبيين أسّسه بروفيسور في الاقتصاد في جنيف، إلى مؤسسة للنخبة من رجال الأعمال في العالم، وموضع انتقاد لأعداء العولمة، بسبب سعيه لتشكيل سياسات الدول الفقيرة والتدخل فيها لصالح الأغنياء.
حيث يشارك في هذا اللقاء قرابة 50-60% من كبار رؤساء الشركات و15% من العلماء والخبراء و15% من القادة السياسيين (رؤساء دول أو حكومات) و15% من رؤساء التحرير أو كتّاب الافتتاحيات في كبرى وسائل الإعلام.
ويهدف المنتدى إلى خلق شبكات غير رسمية ولكن دائمة لتبادل المعلومات الأولية حول الاتجاهات الجديدة في عالم الأعمال والاقتصاد والسياسة والعلوم ما يسمح له بالتأثير في أحداث العالم، ولهذا يقول "كلاوس شواب" رئيس المنتدي (وهو ألماني يحمل الجنسية السويسرية): إن "هذه هي روح دافوس" مشيرًا إلى أن المنتدى ساهم في إرساء المصالحة في جنوب إفريقيا أو بناء السلام في الشرق الأوسط عبر تشجيع عقد لقاءات قمة في إطار غير رسمي.
قمة الفقراء تناطح قمة الأغنياء !
ولأن اسم دافوس ارتبط بالعولمة في السنوات الخمس الماضية وما يتصل بها من زيادة فقر الفقراء وغنى الأغنياء ،فقد بدا المنتدي يشهد مظاهرات صاخبة من أعداء العولمة ورافضي الحروب في العالم، وشجع هذا بعض المنظمات غير الحكومية على تأسيس منتدى اجتماعي لفقراء العالم لمواجهة منتدى أغنياء العالم في دافوس أسموه ( بورتو اليجري) .
وكما كان منتدي دافوس يركز علي قضية العراق ومستقبل المنطقة من زوايا سياسية ونفطية وأقتصادية، سعى منتدى (بورتو الليجري) للتركيز هذا العام على خطر اندلاع نزاع في العراق باعتباره الموضوع الساخن في المنتدى الاجتماعي العالمي الثالث، والذي يعتبر الملتقى الكبير لمعارضي الليبرالية الجديدة والهيمنة الأمريكية.
وفي هذا الصدد صرح أحد أبرز منظمي المنتدى الذي عقد في الفترة من 23 إلى 28 يناير الجاري 2003 أن "الحرب في العراق ستكون في صلب واحد من النقاشات الأربعة الكبرى في المنتدى"، الذي سيستضيف عددًا كبيراً من الهيئات والمنظمات السلمية.
ولهذا عُقدت مناقشات هذا المنتدى المعارض لدافوس يوم 27 يناير (اليوم الذي سيسلم فيه خبراء الأمم المتحدة لنزع الأسلحة تقريرهم بشأن مهمة التفتيش في العراق"، كما أوضح المنظم كانديدو غريبوفسكي) تحت عنوان "في مواجهة حروب القرن الحادي والعشرين: كيف يبنى السلام" .
والملفت هنا أن المفكر الأمريكي اليهودي "ناعوم تشومسكي" يشارك في المحاضرات التي يجري إلقاؤها في منتدي بورتو الليجري ويهاجم بشدة العولمة وأمريكا، وسبق له أن انتقد العام الماضي بحدة التصعيد الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ومن أهم الموضوعات التي تجري المناقشات حولها في هذا المنتدي المعارض لدافوس موضوعات مثل : "أي نمط من العولمة وكيف يجب حكم العالم؟" و"أمام الأزمة المالية العالمية الكبرى، أي بدائل لمحاربتها"؟ و"توترات وخلافات في الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية: كيف يمكن بناء الديمقراطية الفعالة؟".
ويقدر عدد ندوات هذا المؤتمر بحوالي مائة ندوة تتمحور حول خمسة مواضيع هي: "التنمية المستديمة والديمقراطية"، "المبادئ والقيم، حقوق الإنسان، التنوع والمساواة"، "وسائل الإعلام، الثقافات وبدائل المركنتيلية والهيمنة الثقافية"، "السلطة السياسية، المجتمع المدني والديمقراطية" و"النظام الديمقراطي العالمي في مواجهة العسكرة وفي السعي إلى السلام".
وقد دفع تنوع موضوعات المنتدى لاكتسابه صفة جديدة وترسيخ وجوده ليس فقط كمنتدى يعارض دافوس ولكن كبديل له، وهذا ما دفع عضو المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي الدولي (بينوا بيرجيه) للقول: إن الدورة الثالثة لهذا المنتدى "غيرت لهجتها" و"استقلت عن دافوس" ، وأنه "بقدر ما برز المنتدى الاجتماعي العالمي الأول مناهضا لدافوس، بقدر ما اكتسب اليوم دينامية ذاتية وسيستمر بالوجود حتى ولو توقف دافوس"، وأن الذين يرغبون في المشاركة فيه الآن "يذهبون إليه سعيًا وراء بدائل ليس (ضد العولمة) بل (من أجل عولمة أخرى) تضع الإنسان في صلب اهتماماته" !؟.
ولعل عدد الحضور يكشف لنا أهمية المؤتمر، حيث ينتظر قدوم حوالي مائة ألف شخص من 157 بلداً (مقابل أكثر من 55 ألفًا من 130 بلدًا في العام 2002)، ويتوقع أن تكون دول أوروبا الشرقية وأفريقيا ممثلة بشكل أفضل. كما شارك، وفد أمريكي من1800 مشارك بينما كان الفرنسيون والإيطاليون العام الماضي الأكثر عدداً.
مواجهات مصرية إسرائيلية في دافوس(28/329)
ومع أن منتدى دافوس يعود له الفضل في تدشين ما يمكن أن نسميه (الحوار العربي - الإسرائيلي) وما تبعه من تطبيع في التسعينات، كما كان له الفضل في توفير أرضية الحوار والاتفاقات اللاحقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين (أوسلو)، فقد أدى التوتر في عملية التسوية في المنطقة العربية وكشف الصهاينة عن وجههم الحقيقي لتحول بعض دورات المنتدى إلى ساحات للمواجهات خصوصا بين المسئولين المصريين والاسرائيليين.
ومن أشهر هذه المواجهات تلك التي جرت في فبراير 2000 والتي أطلقت عليها الأوساط السياسية المصرية تسمية "المواجهة المصرية الإسرائيلية" 2000 بعدما انبرى وزير الخارجية المصري السابق وأمين الجامعة العربية الحالي "عمرو موسى" متصديا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز ( عراب فكرة شرق أوسط تقوده إسرائيل تكنولوجيًا!!) الذي عاب على الدول العربية فقرها وتخلفها وعدم نظافتها - حسبما قال - وطالب برفع كل القيود التي تضعها حكومات المنطقة على التطبيع بما في ذلك تغيير مناهج التعليم العربية لتواكب التغيير في عصر العولمة! .
إذ رد موسى بعنف على بيريز، وعقب على كلمته أكثر من مرة منتقدا مزاعم بيريز عن "إسرائيل الجزيرة الثرية وسط بحر من الفقر "!، كما رد على محاولاته تقرير واقع غير حقيقي، والسعي لوضع مخطط للشرق الأوسط يحدد حركة دولة ( العربية ) من دافوس للعقود القادمة.
وكان هذا الحوار المفتوح الذي نوقشت فيه العلاقات العربية - الإسرائيلية على هامش منتدى دافوس، وشارك فيه نحو مائة من الوزراء وكبار المسئولين ورجال الأعمال ،قد شهد تصريحات استفزازية من جانب شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق .
إذ طالب بيريز بسرعة تغيير مناهج التعليم في الدول العربية والدخول في تطبيع تعليمي كامل مع إسرائيل، وإعادة تقسيم المياه والطاقة بين إسرائيل والعرب!.وقال بيريز بالحرف الواحد:" من الضروري الاتفاق على نظم التعليم ومناهج التعليم لدول الشرق الأوسط، وأن يجري اتفاق على تقسيم المياه في المنطقة التي تعاني من شح المياه وكذلك الاتفاق على كيفية استغلال الطاقة.
وسعي الجانب الإسرائيلي يسانده عدد من الوفود الأمريكية والأوروبية المؤيدة له إلى حشد التأييد لهذه الموضوعات متجاوزا مصر وضاغطا على الدول العربية المشاركة لاستئناف التطبيع السريع، قائلين إنه من المهم إذا تعثر السلام أن تسير هذه الموضوعات ( التطبيع والمفاوضات المتعددة ) دون انتظار حتى لا تبقى المنطقة متخلفة وتلهث وراء قطار العولمة!.
ولم ينتظر بيريز أي رد عربي وإنما واصل هجوم السلام والتطبيع ساعيا لفرض أمر واقع على الدول العربية، مدعوما بمؤيديه من الدول الأجنبية الحاضرة أو لإحراج العرب على الأقل أمام قادة دافوس الأغنياء، بزعم أنهم هم الرافضون للسلام، فأعلن بيريز عن تشكيل ما يسمى مجموع رجال عمال دول الشرق الأوسط، تضم مستثمرين عرباً وإسرائيليين، تتولى التحضير للقمة الاقتصادية السنوية وإعداد جدول اعماله ثم تجتمع بعد انعقاد المؤتمر للمتابعة والتنفيذ.
وهنا تدخل عمرو موسى قائلاً إن الملاحظ أن الحديث ينطلق من مخطط للشرق الأوسط يحدد حركتها للعقود القادمة، وأن هذا الكيان (أي المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا) يطرح وكأنه مؤسسة مسئولة عن سياسات المنطقة لعقود طويلة، وهو ما لا يمكن أن يحدث.وقال موسى: نحن في مرحلة تفاوض نهائي لتحقيق السلام الشامل في المنطقة، واعتقد أنه خلال عام ونصف العام أو عامين سيتحقق هذا السلام، وهذا الإطار الزمني الذي مداه عامان عليكم أن تعملوا في إطاره ومن خلاله، وأنتم كرجال أعمال في المنطقة أو خارجها ليس من حقكم أن تتدخلوا في شئون التعليم والمياه والطاقة، فهي ليست من اختصاصكم ولكن من اختصاص الدول.
وأضاف أن المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا تم إنشاؤه من أجل دفع عملية السلام وليس العكس، والسير بالمؤتمر في اتجاه آخر بعيدًا عن السلام وكأنه مؤسسة قائمة بذاتها، وشدد موسى على أن ذلك" ليس واردًا ولن يسمح لأحد به".
وبالطبع يشارك بيريز في مؤتمر هذا العام في حين لن يشارك أي مسئول مصري بارز، ولا حتى الرئيس الفلسطيني "ياسر عرفات" الذي سبق له المشاركة، ما سيعطي بيريز الفرصة للطعن في الدول العربية بحرية !
==============(28/330)
(28/331)
لجنة إماراتية لمقاومة التطبيع
دبي- أحمد حسين- إسلام أون لاين/4-2-2001
أعلن عدد من المثقفين والنقابيين والأكاديميين في الإمارات تشكيل لجنة شعبية لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأعلنت الهيئة التحضيرية للجنة الإمارات الوطنية لمقاومة التطبيع أنها انتهت من إعداد النظام الأساسي للجنة الذي تم إقراره في الاجتماع الأخير، والذي ينص على أن هدف اللجنة مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني بشتى أشكاله وبالوسائل السلمية.
وتعقد لجنة مقاومة التطبيع مؤتمرها التأسيسي الأول في الرابع من إبريل المقبل؛ حيث سيتم انتخاب الهيئة الإدارية وإعلان بداية النشاط.
وتضم اللجنة التحضيرية عددًا من أبرز المثقفين ورجال الإعمال في المجتمع الإماراتي، من بينهم: "محمد أحمد خليفة السويدي" أمين عام المجمع الثقافي في أبو ظبي، و"أحمد بالحصا" رجل الأعمال المعروف، و"د.عبد الخالق عبد الله" أستاذ العلوم السياسية، و"د.سعيد حارب" نائب مدير جامعة الإمارات، و"د.محمد عبد الله الركن" رئيس جمعية الحقوقيين، و"عائشة سلطان" رئيسة جمعية الصحفيين، و"صالح المرزوقي" من جمعية المعلمين.
وقال "د.عبد الله الشامسي" مقرر الهيئة التحضيرية: إن النظام الأساسي يتضمن 34 مادة تتناول طرق عمل اللجنة وعضويتها، مشيرًا إلى أن اللجنة ستفتح عضوية منتسبة لغير مواطني دولة الإمارات من المقيمين على أرضها، وتقبل اللجنة التبرعات لدعم نشاطها الذي يُركِّز على مقاومة التطبيع بكافة أشكاله مع العدو الصهيوني.
وأوضح أن اللجنة تشكلت عقب انتفاضة الأقصى، وتستهدف حشد الجهود في كافة التجمعات المهنية والأكاديمية لدعم نضال الشعب الفلسطيني، ووقف أية محاولات للتطبيع مع دول الخليج.
وتسعى اللجنة الإماراتية عقب تدشين نشاطها للتعاون مع اللجان الشعبية في الدول العربية الأخرى؛ لمقاومة التطبيع خصوصًا في الخليج، وبعد أن تشكلت لجنة مماثلة في الكويت.
ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى شهدت الإمارات تحركًا شعبيًّا كبيرًا لمقاطعة البضائع الأمريكية؛ حيث تعاني الشركات الأمريكية من انخفاض مبيعاتها، كما تتلقى الجمعيات الخيرية تبرعات كبيرة من رجال الأعمال والأفراد لدعم الانتفاضة.
وجاء تشكيل لجنة شعبية لمقاومة التطبيع استجابة لدعوات عدد من المثقفين، خصوصًا بعد سريان أنباء عن سعي الكيان الصهيوني إلى التغلغل في دول الخليج عبر النشاطات التجارية.
============(28/332)
(28/333)
حُمَّى التطبيع تجتاح المنطقة المغاربية
الرباط - د.مصطفى الخلفي
7/11/1999
شكلت الخطوة الموريتانية برفع درجة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني إلى مستوى السفراء، تعبيرًا جديدًا عن حالة التشرذم في العلاقات المغاربية فيما يتعلّق بمسألة التطبيع، وانضافت إلى الخطوات الجارية على صعيد باقي دول المنطقة.
لقد أثارت هذه الخطوة مفاجأة عدد من الأطراف، إلا أنها جاءت محصلة موضوعية لتراكم عدد من الخطوات طيلة السنوات الثلاث الماضية، وقد ساهم فوز "إيهود باراك" في الانتخابات الإسرائيلية في مايو المنصرم، ثم الديناميكية التطبيعية التي واكبت جنازة العاهل المغربي الراحل أواخر يوليو الماضي، في إعطاء دفعة لمسلسل التطبيع.
لماذا يتقدم المغرب وموريتانيا هذا المسلسل؟ وما هو وضع باقي الدول المغاربية؟ وما هي أبعاد وحيثيات هذه التطورات؟
رهانات جيوستراتيجية واقتصادية كبرى
قبل الانخراط في دراسة حالة كل دولة مغاربية على حدة، يجدُر بنا استيعاب الإطار العام المحدد للتطورات آنفة الذكر؛ فمنذ منتصف عقد التسعينات، تبلورت معالم سياسة أمريكية جديدة تجاه المنطقة المغاربية، وتمثلت في مبادرتين؛ الأولى: من خلال الحلف الأطلسي، وهي مبادرة الحوار المتوسطي والذي بدأ منذ سنة 1994 ، ويضم الناتو وست دول متوسطية هي: مصر، والأردن، وموريتانيا، والمغرب، وتونس، وإسرائيل، وذلك في إطار برنامج " الشراكة من أجل السلام ". وفي سنة 1997 تشكلت قوات إفريقية للتدخل السريع بتأطير الولايات المتحدة ضمت تونس في أفق إلحاق باقي دول المنطقة.
المبادرة الأمريكية الثانية هي مبادرة الشراكة المغاربية - الأمريكية المسماة بمبادرة إيزنستات والتي أُعلن عنها في يونيو 1998، وتستهدف المغرب والجزائر وتونس من أجل تأسيس منطقة للتجارة الحرة بين هذه الدول والولايات المتحدة ، وترى فيها الدول المغاربية الثلاث منفذًا للخلاص من الأزمة الاقتصادية المستحكمة، ولا سيما بعد تعثر مشروع الشراكة الأورو متوسطية ، وإعلان الولايات المتحدة عن تخصيصها ما يُناهز ملياري دولار للبداية في تنزيل المشاريع الاستثمارية لبرنامج الشراكة.
بالإضافة إلى هذه المبادرة الأمريكية، هناك رهان اقتصادي أكبر يحتوي هذه المبادرة، وهو رهان لإعداد والتحضير لاستئناف عقد القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد أعلن وزير التجارة الأمريكي "وليام ديلي" أثناء جولته في أواسط أكتوبر 1999 في المنطقة العربية- والتي زار فيها ثماني دول وهي: الأردن، والسلطة الفلسطينية، ولبنان، ومصر، والمغرب، والإمارات، والسعودية ثم إسرائيل- أن القمة الاقتصادية من المرتقب عقدها في ربيع 2000.
يمكن القول إن السعي الأمريكي لتقرير مكانة الدولة العبرية عبر إحكام القبضة العسكرية على المنطقة المغاربية من جهة، وتقوية الهيمنة الاقتصادية على المنطقة ورهنها بمسلسل التطبيع الاقتصادي من جهة أخرى، يمثل الإطار الجيوستراتيجي/ الاقتصادي لحُمَّى التطبيع.
حيثيات التسابق المغاربي نحو التطبيع
حالة التسابق الرهيب بين الدول المغاربية -مع استثناء ليبيا- لتطوير علاقاتها مع الدولة العبرية، تكشف عن وجود حيثيات خاصة بكل دولة على حدة.
بخصوص الجزائر:
فقد شكلت مصافحة بوتفليقة لباراك بالرباط، يوم جنازة الملك الحسن الثاني، تعبيرًا جليًّا عن وجود إرادة جزائرية للانخراط في مسلسل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، "المصافحة/ اللقاء" تمت بإعداد محكم من طرف اليهود المغاربة، ورغم أن بوتفليقة نصّ على الحقوق المشروعة للشعوب العربية، إلا أن نفَس التطبيع كان طاغيًا على خطابه.
وعلى إثر انتقادات وجِهت له، اعتبر أن قبوله المصافحة كان من باب "وإذا حييتم بتحية فحيوُّا بأحسن منها أو ردّوا بمثلها" وأنه لا توجد هرولة أو مزايدة من طرف الجزائر. وتطور الأمر في حوار صحفي ليُعلن أن المصافحة كانت مصيدة، إلا أنه في 24 أكتوبر المنصرم أجرى مقابلة مع صحف إسرائيلية، أعلن فيها عن "أن هناك آفاقًا واسعة للتعاون الاقتصادي بين إسرائيل والجزائر" ، وأنه لا يشعر بأي عداء لإسرائيل، كما سيلتقي بوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "شلومو بن عامي" و"شمعون بيريس" على هامش مؤتمر "حوض البحر الأبيض المتوسط- عشية الألفية القادمة" وقد انعقد المؤتمر نهاية الأسبوع الثالث من أكتوبر الماضي، وقد كشفت مصادر إسرائيلية عن أن هناك اتصالات مع الجزائر منذ سنة، وتهم المجالات العلمية والثقافية والإعلامية.(28/334)
و قد فسر هذا التأرجح بكون الجزائر/بوتفليقة، وبعد تصاعد الحضور الديبلوماسي لها في الساحة العربية والإفريقية، وجدت في وفاة الملك الحسن الثاني فرصة لاحتلال موقعه في مسلسل التسوية بالشرق الأوسط، إلا أن الإصرار الأمريكي على الحفاظ على مكانة دور المغرب في هذا المسلسل، والذي برز في تصريحات أولبرايت، بعد زيارتها للرباط في 2 سبتمبر الماضي من جهة، وتوتر العلاقات المغربية - الجزائرية، وعودة الجمود إلى الاتحاد المغاربي من جهة أخرى، خفّض من وتيرة السعي الجزائري للتطبيع دون أن يؤدي ذلك إلى التراجع، لا سيما وأن الرئيس الجزائري كان يخوض حملته حول قانون الوئام المدني. وفي المرحلة الحالية طُرح ملف التطبيع على أجنده الديبلوماسية الجزائرية، خاصة بعد خلاف بوتفليقة مع المؤسسة العسكرية.
بالنسبة لتونس:
فحضورها يبدو خافتًا أو بالأصح متواريًا، ففي 29 يوليو الماضي، عين الكيان الصهيوني رئيسًا جديدًا لمكتب الاتصال الإسرائيلي بتونس، حيث انتهت مهمة "شالوم كوهن" وعوّضه "بني عمير" وكلاهما يهودي مغربي. حفل التوديع نُظِّم في مقر إقامة السفير المصري بتونس، وهو ما يكشف عن ضلوع الديبلوماسية المصرية في هذا المسار المتقدم من التطبيع. وقد اعتبر تغيير القائم بأعمال المكتب بمثابة إشارة سياسية من "باراك" للنظام التونسي للخروج من فترة الجمود في العلاقات التي سادت في مرحلة "نتنياهو"، وهو ما تفاعلت معه الديبلوماسية التونسية إيجابيًا.
بخصوص موريتانيا:
فهي تمثل حالة استثنائية في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث بلغت مستويات متقدمة لم تتأثر فيها بسياسات "نتنياهو"، كما قبلت بأجندة تطبيعية متعددة.
بدأت العلاقات رسميًا في 27 نوفمبر 1995 بفتح مكاتب لرعاية المصالح، وفي نهاية أكتوبر 1998 قام وزير الخارجية الموريتاني، آنذاك "شيخ العافية ولد محمد خونا" بزيارة إلى الكيان الصهيوني عقد خلالها مباحثات سرية، إلا أن مصادر ديبلوماسية بواشنطن كشفت أن موريتانيا "اقترحت استقبال نفايات نووية من مفاعل ديمونة الإسرائيلي" فضلاً عن تمكين الكيان الصهيوني من إجراء اختبارات عسكرية للصواريخ طويلة المدى عبر إطلاقها من الكيان لإصابة أهداف في صحراء موريتانيا، وتعهد الكيان الصهيوني بتمويل مشاريع زراعية بها. وبعد ذلك بأسبوعين تم تعيين وزير الخارجية "ولد محمد خونا" رئيسًا للحكومة الموريتانية من طرف الرئيس "ولد الطايع"، مما اعتبر مكافأة له على حصيلة زيارته إلى إسرائيل، هذا في الوقت الذي كانت فيه موريتانيا تعيش أزمة سياسية عميقة تُوِّجت بإعلان أحزاب المعارضة عن مقاطعتها للانتخابات البلدية في يناير 99. وقد تم اعتقال اثنين من قادة المعارضة: أحمد ولد دادة، ومحمادين ولد باباه في منتصف ديسمبر 98 بسبب احتجاجهما على فضيحة دفن النفايات النووية بالصحراء الموريتانية، ومطالبتهما بتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع، وقد انتهت المحاكمة بتبرئتهما في أواخر مارس99. كما توالت طيلة سنة 1999 برامج التطبيع على مختلف الأصعدة، رغم التحركات الشعبية المضادة التي قادتها لجنة مناهضة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقد جاءت خطوة تبادل السفراء بعد مدارستها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر الماضي، برعاية أمريكية مباشرة.
تفسير هذه التطورات يعود لعدة أسباب منها: الأزمة الاقتصادية الحادة بموريتانيا؛ والتي وصلت إلى مستوى تهديد وجود النظام الحاكم، فحسب مؤشر تقرير التنمية البشرية لسنة 1999 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، تُوجد موريتانيا ضمن لائحة الدول الأكثر تخلفًا في الرتبة 149، ولم تتجاوز نسبة نمو الناتج الوطني الخام في العشرين سنة الماضية 2.5 في المائة. ورغم أن مديونيتها لا تتعدى مليارين ونصف المليار دولار؛ إلا أنها عجزت عن تسديدها، واعتبرت من الدول المُثقلة بالديون؛ مما اضطرها إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي لتطبيق برنامج التقويم الهيكلي للاستفادة من غلاف مالي بقيمة 500 مليون دولار لمرحلة 1998-2000 ، ثم طلبت إعادة جدولة ديونها من نادي باريس في الخريف الحالي. ومما عمَّق من الأزمة الاقتصادية استثناؤها من مبادرة الشراكة المغاربية، وتأجيل بحث انضمامها إلى حين إنشاء الشراكة بشكل أفضل. كما عززت حالة الجمود الراهن للاتحاد المغاربي إحساس النظام الموريتاني بالعزلة والتهميش.
وهذا كله ما دفع النظام الموريتاني إلى الارتماء في أحضان الكيان الصهيوني لضمان الموافقة على طلبات القروض ونذكر هنا أن إسبانيا - الوسيط الرئيسي في التطبيع الرئيسي مع إسرائيل - قدمت في الأشهر الثلاثة الأخيرة 4600 طن كمساعدة غذائية، منها 1300 طن قدمت يوم التوقيع على تبادل السفراء.
وقد شهدت موريتانيا تحركات احتجاجية شعبية قوية ضد الاعتراف الديبلوماسي بإسرائيل، كما دعت أمريكا رعاياها بموريتانيا إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وقد خلّفت الخطوة الموريتانية اعتراضات قوية من طرف العراق - الذي قطعت العلاقات معه- وليبيا والجامعة العربية.
حالة المغرب:(28/335)
أما المغرب فقد ارتبط دوره الفعال في مسلسل التطبيع بشخصية الملك الراحل من جهة، وحساسية المرحلة التأسيسية لعملية التطبيع من جهة أخرى، وقد أدى اعتلاء العرش من طرف ملك شاب، تعترضه تحديات اقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد، فضلاً عن حداثة تجربته في معالجة المعضلات الديبلوماسية، إلى إعطاء الانطباع ببداية تراجع الدور المغربي في مسلسل التسوية، لا سيما وأن هناك بدائل جاهزة كمصر وبدرجة أقل الجزائر، إلا أن الأحداث التي تلت أكدت استمرار المغرب في نفس المسار.
الحيثيات المتعلقة بهذه الخلاصة متعددة، نجملها في:
الحضور المكثف للإسرائيليين يوم جنازة الملك الحسن الثاني (200 شخصية رسمية و1800 مرافق)، وحسب السفير الأمريكي بالرباط فإن " اللقاء المفتوح والحار" و"المحادثات التي عقدت بين الوفدين الإسرائيلي وعدد من الوفود الأجنبية " كلها تؤكد أن "المغرب سيواصل لعب دور فعال وإيجابي بالنسبة لمسلسل التسوية".
تأسيس "الاتحاد العالمي لليهود المغاربة" بهدف خدمة مشاريع التسوية والتطبيع، وقد تأسس في 3 مايو 1999 بمراكش بالمغرب، ويتوفر على 12 مندوبية في 12 بلدًا، وقد عقد وفد هام منه لقاءً على أعلى مستوى مع الملك الجديد، وهذه المؤسسة ليست إلا واحدة من أربع مؤسسات تعمل في مجال التطبيع: جمعية " هوية وحوار " (1974) و" التجمع العالمي لليهودية المغربية " (1985) و" المركز العالمي للأبحاث حول اليهود المغاربة " (1995).
زيارة وفد هام من اللجنة اليهودية الأمريكية للمغرب، والتقاؤه بالملك الجديد وإعلانه عن دعم الوحدة الترابية للمملكة.
الديناميكية اللافتة لليهود المغاربة تجاه الملك الجديد، وإعلان تجنيدهم للمساعدة في حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
لقد عرف المغرب في العهد الجديد تعاظم مكانة النفوذ اليهودي، وقوة إمكاناته في إدماج المغرب في مختلف أجنده التطبيع، لا سيما وأن المغرب محتاج لدعم ديبلوماسي يجلبه اليهود لصالح تدعيم موقف المغرب في قضية الصحراء المغربية، كما يتوجس من هاجس تحريك ملف أملاك اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى الكيان الصهيوني.
من هنا نفهم النفي الشديد للمغرب لمضمون قصاصة صحفية عبرية ادَّعت أن المغرب تحفَّظ على زيارة باراك إليه، كما نفهم الحرية المفرطة التي يتحرك بها مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط وسط النخبة الاقتصادية والسياسية والإعلامية وحتى الإدارية بالبلاد، وقبول المغرب عقد اتصالات مع المسئولين الإسرائيليين، فضلاً عن توفيره لنوع من التغطية للموقف الموريتاني الأخير بعد استقبال العاهل المغربي للوزير الأول الموريتاني في بداية هذا الشهر، وحرص هذا الأخير على التأكيد على الموقف الموريتاني من عملية التسوية والتطبيع مباشرة بعد وصوله للرباط، رغم أن وزير الخارجية المغربي اعتبر أن هناك تسرُّعًا في القرار الموريتاني
-==============(28/336)
(28/337)
مكاسب التطبيع من وجهة نظر موريتانية
الحدث-علي بوراوي
فوجئ الرأي العام العربي بقرار الحكومة الموريتانية تطوير علاقاتها مع إسرائيل إلى مستوى تبادل السفراء. وتابع الرأي العام الموريتاني والعربي بنوع من الذهول توقيع كل من وزيري خارجية إسرائيل وموريتانيا اتفاقًا بهذا الخصوص في واشنطن يوم الخميس الماضي إلا أن المتابع للتحوّل الذي عرفته السياسة الخارجية الموريتانية خلال سنة على الأقل، وللنسق الذي سارت عليه خطوات التطبيع الموريتاني مع الكيان الصهيوني خلال نفس الفترة، وللطريقة التي تتعامل بها السلطات الموريتانية مع مثل هذه القضايا، يدرك أنّ هذه الخطوة كانت مقرّرة من قبل، وأنّ الإعداد لها كان يجري منذ فترة.
فقد انطلقت مسيرة التطبيع الموريتاني عام 1995 عندما رعت إسبانيا هذا المسعى، ووقّع وزيرا خارجية إسرائيل ونواكشوط اتفاقية بهذا الخصوص في مدريد. وافتتح الجانبان سنة 1996 مكاتب لرعاية المصالح بينهما.
ولا يخفي المسؤولون الموريتانيون إلحاح الولايات المتحدة عليهم للقيام برفع العلاقات مع الكيان الصهيوني إلى مستوى تبادل السفراء، مقابل وعود محدّدة قدّمتها لهم. ويضيفون أنّ رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، كان قد كتب إلى الرئيس ولد الطايع بعد توقيعه اتفاقية واي بلانتيشن، يدعوه إلى رفع العلاقة مع إسرائيل إلى مستوى السفراء "لخدمة السلام في الشرق الأوسط". لذلك لم تكن زيارة محمد الأكحل وزير الزراعة الموريتاني إلى تل أبيب في سبتمبر الماضي، وقيام وفدين صحيين إسرائيليين بزيارة موريتانيا وإجرائهما "فحوصات طبية وعمليات جراحية في العينين" لعدد من المرضى، ووفود أخرى لم يعلن عنها سوى تمهيد لهذه الخطوة، ولتهيئة الأرضية السياسية لها. وهي خطوة، ستستغلها الولايات المتحدة وإسرائيل لمحاولة إقناع دول عربية أخرى للنسج على منوالها.
وكانت الولايات المتحدة تخطط منذ فترة لتطوير علاقاتها مع موريتانيا، ومزاحمة النفوذ الفرنسي في هذا البلد. بل إنها لجأت إلى دعوة زعيم المعارضة الموريتاني قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، للضغط على ولد الطايع، وإقناعه بخياراتها في المنطقة.
فلم يخف الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع تضايقه من حديث زعيم عربي عرض عليه قبل خمس سنوات تقوية علاقات بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتخفيف من الاتكال على المستعمر السابق فرنسا في عديد من القضايا. واعتبر الرئيس الموريتاني ذلك إساءة له ولبلده، وتجاوزًا لحدود كان على ذلك الزعيم العربي أن يدركها. ولم يكن حرص الأمريكيين على تطوير علاقاتهم ببلاد شنقيط (الاسم القديم لموريتانيا) على حساب علاقاتها مع باريس خافيا على الساسة الفرنسيين. لذلك حرص الرئيس جاك شيراك على تقديم ما يمكنه من دعم للرئيس ولد الطايع. وفي هذا الإطار كانت زيارته إلى موريتانيا في سبتمبر 1997، ليعطي شهادات كان الرئيس الموريتاني في حاجة إليها وهو يتهيّؤ لخوض انتخابات الرئاسة بعد ثلاثة أشهر فقط، حتّى إن عددًا من الساسة الفرنسيين انتقدوا رئيس بلادهم على هذا السخاء مع بلد لا يمكنه أن يقدّم كثيرًا لفرنسا.
لكن رياح السياسة الدولية جرت بما لا تشتهي باريس في هذا البلد. فقد أصبحت البوصلة الحكومية في نواكشوط تغيّر ولاءها غربًا باتجاه واشنطن بدل باريس. ولعلّ الرئيس الموريتاني وجد بعض ما سبق أن نبّهه إليه الزعيم العربي، فأعطى الضوء الأخضر لحكومته لتنهل من نصائح واشنطن ومقترحاتها. وبعد فترة وجيزة أثمرت هذه العلاقة عن قرار الرئيس الموريتاني بتطوير علاقات بلاده مع إسرائيل إلى مستوى السفارة.
فما هي المصالح التي ستجنيها نواكشوط من هذه الخطوة الخطيرة؟.
يقول مسؤول موريتاني: إنّ بلاده تعاني من مشكلات كثيرة، وفقر مدقع، رغم أنّها تتوفّر لديها ثروات معدنية هائلة. ويضيف: "لقد فتحنا الأبواب مشرعة لإخواننا العرب ليستثمروا ويعملوا في البلاد، ولينقّبوا على الثروات، ولينشئوا شركات لصيد السمك، وينشطوا في مجال الثروة الحيوانية، ولكنهم لم يلتفتوا إلينا أصلا ". ويضيف المسؤول: إنّ الدول العربية لم تتضامن مع بلاده حتى وهي تواجه عدوانًا حقيقيًا من السنغال، عندما اندلعت بينهما أزمة بلغت حدّ المواجهة المسلّحة في أبريل 1989، ولم يصل البلاد أي دعم من أي بلد عربي باستثناء العراق. وحتى دول المغرب العربي وفرنسا، التي لموريتانيا مع كلّ منها اتفاقية تعاون عسكري في الدفاع المشترك، لم يتحرّكا لنصرة حكومة نواكشوط ضد اعتداء السنغال عليها. ويخلص المسؤول الموريتاني إلى أنّ الحصيلة هي أنّ موريتانيا تعالج قضاياها والمشكلات التي تعترضها بمفردها دون مساعدة جادة من أي طرف. لذلك جاء التفكير في تطوير العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. فالعلاقة معهما ستجذب للبلاد استثمارات حقيقية، وستنطلق رحلة التنقيب عن البترول وغيره من المعادن. وستجد الثروة السمكية الموريتانية الأموال التي تستثمر فيها بالشكل المطلوب. وبذلك يمكن للبلاد أن تحقق في ظل هذا الودّ الجديد، نموًا اقتصاديًا مريحًا (!).(28/338)
ويجب ألاّ ننسى هنا ملفّين داخليين ظلا محلّ إزعاج للسلطات الموريتانية خلال السنوات الأخيرة، بسبب ما تثيره منظمات حقوق الإنسان، حتى أصبحت البلاد مهدّدة بتسليط عقوبات عليها نتيجة ذلك. والملفان هما: مسألة حقوق الإنسان وممارسة التعذيب. وهذا ما أثار أزمة حادة بين سلطات نواكشوط وباريس في الصيف الماضي، عندما اعتقلت السلطات الفرنسية ضابطًا موريتانيًا متهمًا بممارسة التعذيب، كان يزورها لتلقي تدريب هناك. أما الملفّ الثاني، فهو يتعلّق بالرق الذي تزعم بعض الجهات الغربية أنّه ما زال يمارس في هذا البلد. ويعتقد المسؤولون الموريتانيون أنّ تلبية بلادهم لمطالب أمريكا ومقترحاتها، وتقوية علاقاتهم مع إسرائيل، سيساعدهم أيضًا في تجاوز هذين الملفين، وإهمالهما مستقبلا من تقارير تلك المنظمات. ويقولون: إن دولاً عربية معروفة بانتهاكاتها لحقوق الإنسان وغيرها من التجاوزات، أصبحت محلّ إشادة تلك المنظمات -نتيجة اللوبي اليهودي النشط- عندما طوّرت علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويروّج الساسة الموريتانيون أنّهم قدّموا لبلدهم بهذه الخطوة ما يحسّن أداءه الاقتصادي، ويخدم قضاياه.
لكن معارضة الرأي العام الموريتاني لهذه الخطوة كانت شديدة. ويقول الموريتانيون: إن حكومتهم تريد أن تأكل من ثدييها، رغم أنها بعيدة كل البعد عن مخاطر الجوع
============(28/339)
(28/340)
تطبيع يمني بحريني مع إسرائيل .. والمنامة تنفي
القدس - (اف ب)
ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أمس الخميس أن إسرائيل تجري مفاوضات سرية مع اليمن والبحرين بغية إقامة علاقات دبلوماسية محتملة مع هذين البلدين.
وأوضحت الصحيفة أن مسؤولين أمريكيين يمارسون "ضغوطا على هاتين الدولتين لكي تقيما علاقات مع إسرائيل في إطار التقدم الذي سجل في عملية السلام".
وأضافت أن مسؤول شؤون منطقة الخليج في وزارة الخارجية الإسرائيلية بروس كاشدان قام مؤخرًا بزيارة سرية إلى كل من اليمن والبحرين؛ حيث التقى مسؤولين في هذين البلدين وأشارت الصحيفة إلى إجراء اتصالات مع الكويت، بدون إيضاحات أخرى.
وردا على سؤال وجهته وكالة فرانس برس رفض متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية الإدلاء بأي تعليق على هذه المعلومات.
وقد نفت دولة البحرين بشكل قاطع أن تكون قد أجرت اتصالات سرية مع إسرائيل تمهيدًا لإقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين على حد ما ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية أمس.
وصرح متحدث رسمي بحريني لوكالة فرانس برس أنه "ليس هناك أي اتصالات سرية، ونحن نحترم قرارات دول الخليج العربية في خصوص العلاقات مع إسرائيل".
وقد أعلنت موريتانيا وإسرائيل أمس الخميس في واشنطن عن إقامة علاقات دبلوماسية بينهما. ووقع وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي مع نظيره الموريتاني أحمد ولد سيد أحمد الاتفاق حول فتح سفارتين.
وبذلك تصبح موريتانيا البلد العربي الثالث الذي يقوم بتطبيع علاقاته مع الدولة العبرية بعد مصر في 1979 والأردن في 1994 في إطار اتفاقيتي سلام.
ويقيم البلدان منذ 1996 علاقات عن طريق شعبتين لرعاية المصالح الاقتصادية عبر السفارة الأسبانية في كل من نواكشوط وتل أبيب. لكن الحكومة الموريتانية أسدلت ستارًا من الكتمان على علاقاتها مع الدولة العبرية.
يشار إلى أن أربع دول أخرى أعضاء في الجامعة العربية، هي المغرب وسلطنة عمان وقطر وتونس، تقيم مع إسرائيل علاقات على مستوى بعثات تمثيلية تجارية
============(28/341)
(28/342)
مراجعات في خطاب الحركة السلفية
الإسلام اليوم /محمد سليمان - زايد إبراهيم 6/6/1423
15/08/2002
- على السلفيين استبدال قمصهم البيضاء بأخرى سوداء!
- لا يصح ان يقال: إسلام سلفي، وإسلام غير سلفي.
- إن على الأمة كلها أن تعيد مفهوم الجهاد إلى واقع حياتها.
الشيخ (محمد إبراهيم شقرة) أحد أبرز رموز الحركة السلفية في العالم، وأينما شرّقت وغربت في ميادين الدعوة والمراكز الإسلامية في أرجاء المعمورة تسمع عن (الشيخ) وتجد عدداً من مؤلفاته•
أبو مالك، هو مرجع لأعداد كبيرة جداً من الشباب في الأردن، والرئيس الفخري لجمعية الكتاب والسنة السلفية الإصلاحية، وقد شغل عدداً من المناصب الرسمية الكبيرة، وله كم هائل من المؤلفات العلمية في صنوف مختلفة من العلوم الشرعية والفكر الإسلامي والدعوة•
طرحنا على الشيخ أسئلة أجاب عليها برؤية نقدية عميقة لواقع الحركة السلفية الأردنية وطبيعة خطابها الفكري، وطرح رؤية جديدة تعيد ترتيب أوراقها ، وتساهم في نقل الحركة إلى معمعة الحياة الثقافية والسياسية بخطاب إسلامي جديد•
كما أن الشيخ قرأ في مناقشته التالية وبلغته الرفيعة - التي يصعب أن يجاريه فيها أحد - ما في صدور وعقول الشباب المتعطش لهذا الكلام المنهجي•.. فإلى الحوار :
سؤال:كيف ترون وتقرأون - فضيلة الشيخ - واقع الصف السلفي الداخلي والخارجي ، وما هو تقويمكم للتيارات السلفية الموجودة، ومدى قدرتها على النهوض بالخطاب الإسلامي؟
جواب:إن الحديث عن الحركة السلفية هو حديث عن الإسلام العظيم في كل جوانبه وأصوله، وأحكامه؛ إذ الحركة السلفية في حقيقتها وذاتها هي الإسلام ذاته، فالواقع الصحيح يفرض هذا ويقتضيه، ولا يجوز عقلاً، ولا شرعاً، ولا تاريخاً، ولا تصوراً؛ أن يقال: إسلام سلفي، وإسلام غير سلفي، فتلكم تسمية باطلة مردودة، لا تصلح إلا في عقول الذين يلجون بالإسلام الصحيح موالج الفرق التي ذمّها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمثل قوله: (وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة) وهذه الفرقة الواحدة الناجية هي التي ظل أمرها قائماً على الطريقة التي أنشأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثبتت على السبيل التي وضعها النبي الأعظم -عليه الصلاة والسلام-، وحتى لا تكون فتنة بين الأمة، فقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التسمية للطائفة التي تبقى قائمة ثابتة على تلكم السبيل السوية له وحده فقال واصفها: (طوبى للغرباء) وهي ظاهرة في الأمة في كل قرن، تراها الأمة بعينها، وتعرفها بوصفها وهديها وسمتها•
والله - جلّ وعلا - سمى الأمة اسماً واحداً، ولم يأذن بغير هذا الاسم لها، وليس يصلح لها سواه فقال: (إنما المؤمنون إخوة) و(إنما) أداة حصر وتفيد القصر، وهي هنا في قصر الصفة (المؤمنون) على الموصوف (إخوة)، والكلام كلام الله - سبحانه-، والإيمان من وضعه -سبحانه- وهدايته وحكمه، فهل لأحد من الخلق أن يعدل عن هذا الاسم، فيختار غيره، بعذر أنه يجب تمييز أهل الحق من سواهم؟ فإن كان ولا بد من الاختيار، فيرجع الأمر إلى الله فيه فيقال: طائفة الغرباء، وبذلك يسلم لنا الاسم الذي سمّانا الله به، وهو (المؤمنون)، والوصف الذي وصفنا رسول الله به (الغرباء)•
فيقال: المؤمنون الغرباء، أو الغرباء المؤمنون، وبمثل هذا لا يكون حقّ لأحد من الناس أن ينازع الله في أمره•
لذا، فإن من ألزم الطاعة على الأمة لله، أن تنبذ هذه الأسماء، وأن تعفي على آثارها، وأن تتخلص من أوضار هذه الأسماء التي لم يأذن بها الله -سبحانه-، ومن شرها وسوئها التفرق في الدين، والاختلاف على أصوله وشرائعه كما جاء في قوله سبحانه: (وأن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، وبذلك يكون الحكم لله وحده (إن الحكم إلا لله) حتى في الأسماء والأوصاف• وكنت من قبل نيف وعشرين عاماً كتبت مقالة نشرت في عدد من الصحف مرات بعنوان: (إن هي إلا أسماء فرّقت فدعوها) أرجو أن أجعلها أصلاً لبحث أخرجه للناس قريباً•
وأحسبني بهذه التقدمة قد أتيت على شيء من تقييم واقع الصف السلفي، وحسب من يريد الإنصاف في الحكم على الصف السلفي أن يبصر الواقع السيئ المتردي المتداعي الذي صار إليه السلفيون، فقد صاروا حزماً، ومزقاً، وفرقاً، ولست أخالهم إلا يقرؤون قول الله سبحانه: (فتقطّعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون)، نعم، هذه الآية أنزلها الله في ذم عصائب الكفر والشرك، وهل يريد الله بهذا الوصف إلا التحذير من عواقب التفرق؟ وهل كان التفرق بين المسلمين، وبخاصة الموصوفين بالسلفية منهم إلا باللهاث وراء السمعة، وحب الرياسة، واستحكام أغلال الأهواء، وإطباق الجهل بالتعالم، والتسافه برغائب الزور والإفك السافك، و(البرطعة) وراء التكسّب بانتهاب العلم وسرقة الكتب، والجور على السطور والأقلام•(28/343)
فخير لمن يتوارون من بعيد أو من قريب (بالدعوة السلفية) أن يسارعوا إلى قمصهم البيضاء، فيلقوا بها في النار ليحرقوها، ويروا قمصاً سوداء غيرها بدلاً منها، حداداً عليها، فإنهم إن لم يسفكوا دمها، فقد أعملوا فيها كل حيلة بعجز عنها حتى الأشرار، والأعداء، ليوهنوها، ويقطعوا أنفاسها، ويضعفوا مرّتها، وكان ذلك منهم سراً وعلانية، وأخذ العهود على أنفسهم أن يكونوا عوناً للأشرار والأعداء على قطع الطريق على الطائفة التي بقيت من وراء رموزها الخالفين من بعد كهفها الواسع وثوبها السابغ، ولسانها الذرب الكاسح (ابن تيمية) -رحمه الله-، وأحسبهم قد نالوا مما يشتهون، وأنالوا الأشرار والأعداء أيضاً أزيد مما يشتهون ويريدون، فهل يكون منهم توبة، يفكرون من بعدها بعودة إلى مرابع دعوة الحق، بغربة إيمانية، يتفوقون بها على شهوات أنفسهم ويقصونها عن ركائب أهوائهم، ويعملون عقولهم بالنظر المتدبر. إن دعوة الحق الحق غنية - بحفظ الله لكتابه وسنة نبيه - عنهم، بل عن الملايين من أمثالهم، ويعزمون على الترفق بمن افتتن بهم، وصاروا على مشاقة بما زُين لهم من سوء القول والعمل•
وإني لفي عجب من العجب لا ينقضي وأنا أنظر في الأسباب التي أوقدت نار الفتنة والشقاق بين من تسموا بالسلفيين، أو نسبوا أنفسهم إلى السلفية وهم يرون الأمة تزداد وهناً على وهن في كل يوم، وذلاً إلى ذل في كل ساعة، وبلاء يحط بين ظهرانيها في كل دقيقة، وهم يزدادون إمعاناً في عداوة بعضهم بعضاً، واستكباراً على الحق الذي أتاهم بينهم ويظنون أنهم يحسنون صنعاً ثم يقولون في أنفسهم وعلى ملأ: إنهم على نهج محمد في اتباعه وإحياء سننه، ألا إنهم من إفكهم ليقولون: ألا إلى الله تصير الأمور•
وأمر الدعوة السلفية (أقول: الدعوة السلفية جرياً مع الواقع) في الخارج ليس بأحسن حالاً، أو أرجى منالاً منه في الداخل ، واسألوا المواقع الكثيرة من مواقع الإنترنت ودور النشر والطباعة، واسألوا الشباب الضائع على أيدي ما سميتموه : بالأطياف•••، أين هم من هذه الفواجع العلمية الأخلاقية التي يدعي كل واحد أنه بريء منها ومن آثارها اللعينة التي زادت من إضلال الشباب وحيرة أولي الألباب؟
أرجو أن يعلم أولئك الأطياف أن من لم يحط علماً بآداب العلم والتعلم، فهو عاجز بل أعجز جداً من أن يدرك شيئاً مما أخذ الله العهد به على أهل العلم، ولو كان بأدنى قدر من مسائل العلم في الدين•
ولقد كان حقاً على جموع السلفيين أن تكون منهم مباهلة، يقفون بها أنفسهم على الحق المرتضى لله -سبحانه-، بفهم صحيح لمعنى قوله -سبحانه-: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعدون)، وهل يكون من هذه المباهلة أن يُدَّعى أن الأمة في هذه الآية - أي الملة والدين - ليس دين الإسلام، أو أنه دين الإسلام ودين غيره، أو أنه يشاب الأمر فيه بشك؟ فإن كان شيء من مثل ذلك يكون؛ فهو اليقين بالكفر، ولا ينجيه منه إلا أن يؤوب بتوبة، يصدِّق فيها مباهله أنه لا إسلام إلا الإسلام الذي أنزله رب العالمين على قلب نبيه -عليه الصلاة والسلام-•
وإني لأخشى أن يصدق الظن في بعضهم - لا قدّر الله - بمثل شطر هذه المباهلة، وإلا، فلمَ الإصرار من بعض مدعي السلفية، الذين يزعمون أنهم قائمون على الأمر، وبالأمر، وفي الأمر، ومن الأمر، وعلى بينة من الأمر، وهم لا يزالون يلقون بحطب الفتنة على نارها، من غير ورع ولا خوف من عاقبة، وبإصرار على تدمير جسور المودة، وتقطيع أواصر المعروف، وهم بهذا وبمثله قائلون: (والعاقبة للظالمين !!) (ولا عدوان إلا على المتقين !!) إنه فقه الكفر، أو هو كفر الفقه•
سؤال:ما رأيكم في التسميات من نحو "التيار السلفي الجهادي" و " التيار السلفي العلمي"، وما مدى دقة هذه الأوصاف وصحة إطلاقها ؟
جواب:حسبك من شر سماعه، وأي شر أعظم من أن يطرق سمعك مثل هذا السؤال الذي يفضي بتفكيرك إلى صعدات مظلمة تحبس الدم عن قلبك، وتمنع الأنفاس عن صدرك، وتود إن بلغت نهاية الشوط أن يكون الله قد قضى عليك بالموت، وألا تكون قد سمعت ما سمعت، إذ ما يكاد يبلغ بك الظن أن تسمع أو أن يلقى إليك مثل هذا السؤال؛ فأي بلاء أشد من أن تقطع أواصر جماعة من المسلمين، فيصار بهم إلى أن يحمل فئة من المسلمين مسؤولية الجهاد، سواء أكان ذلك بدعوى من هذه الفئة نفسها، أم بإلصاق هذه الدعوى إلصاقاً ظنياً ظالماً أو صادقاً، من غيرها، ممن يتربصون بها الدوائر ويترقبون لها الفساد والسوء، وينتظرون أن تدور عليهم رحى الهلاك والفتنة•(28/344)
فالجهاد شعبة من شعب الإيمان، وهو ذروة سنام الإسلام، وهو والهجرة ماضيان في الأمة إلى يوم القيامة، وقد استطاع أعداء الإسلام أن يجعلوا من الجهاد خطراً تحركه الأهواء المستطيرة بدافق الشر والرعب والخطر، يهدد الأمة المسلمة، وينذرها عواقب السوء، حتى في عقر دارها، ومعلوم أن الجهاد إحياء لموات الأمة، وإعلاء لكلمة الله في الأرض، وبعث لعزيمتها في نشر كلمة الحق، ودعوة التوحيد، ورفع الظلم عن المستضعفين، ووأد للفتنة في مهدها من قبل أن تشيع، وتوطيد لدعائم العدل، وكفٍّ لغوائل المكر السيئ والعدوان الباهظ، عن أن تنتقص بها حقوق المظلومين، إلى غير ذلك من كل ما يرتجى به تحقيق السعادة للعالم كله، وبالجملة فرسالة الجهاد والمجاهدين مجموعة في كلمة ربعي بن عامر: (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)•
فشعبة الإيمان هذه - على ضخامتها، واتساع دائرتها، وتعدد أجزائها وشعبها، وبهاظة نفقاتها - ليس في وسع طائفة من الأمة القيام بها، وتصريف أمورها وشؤونها، وبخاصة إن كانت هذه الطائفة مترعة بالفقر، محاطة بانقطاع الرجاء، مثقلة بأغلال القهر والاستكبار والاستعباد المرعب•
إذاً: فإن يقال قول، أو إن ينطق بكلمة، تقطع به أو بها طائفة من الأمة عن الأمة، كما يقطع فرع من الشجرة عن جذعها؛ فذلك زيادة في ضعفها، وتفتيت لقوتها، وإذهاب لبأسها وشدّتها، وهو من قبل ذلك ومن بعده، تصديق لدعوى جديدة من الدعاوى الكثيرة، التي يذيعها أعداء الأمة، ويلصقونها بالإسلام والمسلمين، ولست بالقائل قولاً يزيد في باطل هذه الدعوى، بل إني قائل: إن على الأمة كلها أن تعيد مفهوم الجهاد إلى واقع حياتها، فيكون رجاء أو أملاً، يمضي بها أو يحملها على تحقيق ذاتها فتفوز فوزاً عظيماً، وتصل الناس بحبل الإسلام ورسالته وأصوله وأحكامه، وهذا جزء من رسالة المسلمين•
سؤال:كيف ترون مستقبل الحركات السلفية في ضوء التحديات التي تواجهها ؟
جواب:أحسبني بما أوردت في جوابي عن السؤال الأول كفاية وغنية عن جواب هذا السؤال، ويحسن أن يفقه من يسمون بالسلفيين وغيرهم الأخلاق النبوية التي ورثتها أمته، ليعودوا إلى ما كانوا عليه يوماً من رجاء فيهم أن يكونوا ممن قال الله فيهم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فهل يكون منهم ذلك، ليعلموا معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه) وإلا كان منهم استكبار ومكر سيئ، وإيغال في ظلام لا ينقطع سواد أكنافه، لا يظهر منه حتى بصيص من نور خافت•
سؤال:أفتيتم - فضيلة الشيخ - ببعض الفتاوى حول مؤتمر السلام والتطبيع ، وقد أثارت جدلاً واسعاً. هل لكم أن تبينوا موقفكم من هذا ؟
جواب:واقع صار المسلمون فيه إلى مثل ما يعلمون من حالهم المأساة الفادحة، بضعفهم المستخذي، وعجزهم المردي، وتفرقهم المزري، والفتن الدائرة برحاها، تأكل من أطرافهم، وتوردهم موارد البغضاء الصارفتهم عن دينهم، المذهبة لكرامتهم وعزتهم، التي أنستهم دينهم أو نسوا هم فيها دينهم بأنفسهم بهجرهم كتاب الله وسنة نبيه حكماً، وتحكيماً، وقضاءً، وتشريعاً، ودعوةً، وتعليماً، وصرفاً للفضائل وإعلاءً للرذائل، وإشاعة للفحشاء والمنكر، وإذاعة للسوء والفساد، وارتضاء للحرام واستغناء به عن الحلال•
وليس يخفى على ذي لب وبصيرة أن كثيراً من أفراد الأمة المسلمة اليوم أعلنوا الحرب على الله إما فعلاً وإما تركاً، أما بالترك فشرائع الله وأحكامه - وهي المقتضى الحق لكلمة التوحيد - مهجورة ملقاة من وراء الظهور، على علم منها أنها مهجورة•
وأما بالفعل فيكفي أن نستذكر قول ربنا -سبحانه-: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)، فهل يكون في وسع الأمة أن تمتنع من هزيمة شنعاء يوقعها الله -سبحانه- بنفسه عليها•
والعقلاء المؤمنون يعلمون أن الأمة وقد استبدلت هذا بذلك، أنه لا يجوز الاستفتاء في هذه الأمور وغيرها وقد باءت بإثم ما هي فيه من تحكيم شرع غير شرع الله، و واقعها ينبئ بما لم يعد خافياً أنها في منأى عن قول الله -سبحانه-: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)، وقوله: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً)•
كل ذلك وسواه ليس فيه مكان أو موضع أو حتى مناسبة لأن يكون يوماً ما طمع حتى في أن يستفتى في هذه الطامات الراجفات المرجفات•
ثم ومن قبل أن يكون استفتاء فيها فهناك استفتاء فيما هو أهم وأعظم، فإذا ما كان جواب عليه حسن الاستفتاء فيها وهو: هل يجوز لأمة استأمنها الله على شريعته وحماية دينه، وإقامة حدوده، والحكم بكتابه وسنة نبيه، أن تعرض عنهما وتعطل الحكم بهما وتحكم شرائع الأرض، وتستبدل الذي هو أدنى (قوانين البشر) بالذي هو أعلى (دين الله)؟(28/345)
لذا، فإنه لا يصلح الاستفتاء في مثل هذه الأمور (مؤتمر السلام)، (التطبيع)، من قبل أن يكون استفتاء في حكم تعطيل شرع الله، إذ إن تعطيل شرع الله هو السبب في نشوء الآثار السلبية السيئة كلها، ومنها هذه البلايا الطامات ولا أدري لم، ولا كيف، ولا بم يجيب الشقي المستضعف إن استفتي في شيء كان حقاً على الأمة كلها أن تجيب عنه، بتوحيد صفها واجتماع شملها، والإعداد الذي أمر الله به (وأعدوا)، ورفع راية الجهاد في سبيله، بمثل هذا يجاب عن هذا السؤال•
أما الجواب الذي يكون بالإخلاد إلى الترف المدمر، ونسيان مفهوم الجهاد، والرضى بالدون من الكرامة والتنصل من المسؤولية الخاصة والعامة، فسيكون الجواب ما قال ذلك الشاعر:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً … …
أبشر بطول سلامة يا مربع
والمسلمون في إثمهم بهذا الواقع على مراتب، لأنهم جميعاً رعاة لدين الله -سبحانه-• فالأعلون منهم - وهم طائفة الحكام والأمراء - أعلاهم إثماً• والمتوسطون منهم - وهم طائفة العلماء - آخذة بحظ من حظ الأعلين، وحظ أنفسهم أكبر من حظ الأولين• والأنزلين منهم - وهم عموم الأمة الذين لا سلطان بأيديهم ولا علم عندهم - هم أقلهم إثماً•
والله -سبحانه- (لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال)، (والله يحكم لا معقب لحكمه)، وهو يقضي بينهم يوم القيامة بالحق، فأين الهروب من نار جهنم؟ وأين الملاذ من سوء المصير؟ وأين الاختفاء من الوقوف بين يدي الله للحساب؟ يوم يعرض الناس على الله، (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين)•
=============(28/346)
(28/347)
الإسرائيليون كلهم شارون !!
سهيلة زين العابدين 12/5/1423
22/07/2002
يعد رد شارون على المبادرة العربية التي أقرَّتها قمة بيروت باحتلال الأراضي الفلسطينية،ومحاصرة الشعب الفلسطيني ،وإقامة المذابح في جنين ورام الله،وبيت لحم ، ونابلس ،والخليل ،وهدم البيوت على أصحابها ،وتجريف أراضيهم ،واعتقال الآلاف ومحاصرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقره بالدبابات ،وإلقاء النار عليه ،وغير ذلك من الجرائم البشعة،التي قام بها شارون وجنوده، رأى بعض المحللين السياسيين أنَّ هذه المبادرة العربية لن تتم في عهد شارون؛لأنَّ شارون لا يعرف السلام،وأنَّ هناك أملاً بعد شارون في تنفيذ هذه المبادرة.
ومع احترامي الشديد لأصحاب هذا الرأي ،إلاَّ أننَّي أرى أنَّهم قد جانبوا الصواب فيما ذهبوا إليه ،لأنَّه فاتتهم حقائق جد مهمة تكشفها لنا تركيبة الشخصية اليهودية المنطوية على العنف والدموية والاستعلاء والرغبة في بسط النفوذ والسيطرة ،وإقامة دولة يهودية كبرى لا تقتصر على امتدادها من النيل إلى الفرات فقط ،وإنَّما تشمل العالم كله،والمتعمق في دراسة الصهيونية العالمية ومخططاتها ،وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين يدرك تماماً أنَّ كل مسؤول إسرائيلي ،وكل يهودي صهيوني هو في الحقيقة شارون ،فشارون ليس نسيج وحده،بدليل كل اليهود داخل إسرائيل وخارجها مؤيدون لشارون ، وما مظاهرات اليهود في نيويورك،وفي جامعة بيركلي ، وفي موسكو إلا شاهدًا على ذلك ،ولا تغرنَّنا مظاهرة القلة القليلة من اليهود التي تدَّعي رغبتها في السلام، فهؤلاء يرون على كره الأمميين من غير اليهود واستباحة أعراضهم وأموالهم ودمائهم ،وخاصة كراهية المسلمين والعرب ،كما يدرسون أطفالهم في مدارسهم أنّ دولة إسرائيل الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات ،ومن الأرز إلى النخيل أي من لبنان إلى خيبر والمدينة المنورة ،وأعتقد أنَّ وليم شكسبير كان أكثر فهماً للشخصية اليهودية عندما كتب مسرحية تاجر البندقية!فها هو مناحيم بيجن الذي وقعت معه اتفاقية كامب ديفيد يصرح في كتابه " التمرد" بالآتي :
(إسرائيل لا تستطيع العيش إلاَّ بقوة السلاح) (أنا أحارب إذن أنا موجود) ( لن يكون هناك سلام لشعب إسرائيل ،ولا في أرض إسرائيل ،ولن يكون سلام للعرب أيضاً مادمنا لم نحرر وطننا بأكمله حتى ولو وقعنا مع العرب معاهدة صلح ) ( أنتم الإسرائيليون يجب ألاَّ تأخذكم شفقة أو رحمة عندما تقتلون عدوكم ،يجب أن تقضوا عليه حتى ندمر ما يسمى بحضارة العرب التي سوف نشيد على أنقاضها حضارتنا اليهودية) (عنصر العنف والقوة جزء لصيق بالحركة الصهيونية ،والعدوان مسألة جوهرية وليست مسألة عارضة) ... إذن هل هذه التصريحات تختلف عن تصريحات شارون؟ إن هذا يعني أنه لو وقَّعت إسرائيل معنا بعد شارون معاهدات صلح أو سلام ،فهم لن يتنازلوا عن أهدافهم ،وسوف يستخدمون هذه المعاهدات لتحقيقها ،والتعجيل في تنفيذها ،فهم يستفيدون من تنازلاتنا كالاعتراف بهم ،وتطبيع العلاقات معهم فينفذون إلى مجتمعاتنا من خلال هذا التطبيع ،ويسيطرون على اقتصادنا كما هو المعهود من اليهود ،فتاريخهم يروي لنا أنّهم - دائماً- يمسكون بزمام الاقتصاد في أي بلد يذهبون إليه ،وهاهم يسيطرون على الاقتصاد العالمي ،وأصبحوا من خلال هذه السيطرة يوجهون دفة السياسة العالمية لصالحهم ،ولا سيما السياسة الأمريكية ،ومن يريد أن يفقد مستقبله السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ،بل من يريد أن يفقد حياته فما عليه إلا أن يؤيد الفلسطينيين أو يتعاطف معهم ،ولعل اغتيال الرئيس الأمريكي جون كندي أكبر دليل على ذلك، ولم يكتف اليهود بهذا ،فهم يعملون على تخريب الزراعة ، وتدمير الصناعة، وانهيار اقتصاد البلد، وتدمير شبابنا بتغييب عقولهم بإغراقهم في المخدرات ،وإفساد صحته بنشر الإيدز عن طريق تسليط بناتهم الحاملات للفيروس على هيئة مجموعات سياحية ،وهذا ما قام به اليهود في مصر رغم رفض الشعب المصري للتطبيع ،ولكن من خلال استغلال اليهود الصهاينة لقلة قليلة من ذوي النفوس الضعيفة المريضة، استطاعوا أن ينفذوا إلى المجتمع ،وقد أنشأوا ستين مصنعاً في مصر قضي به على الصناعة المصرية المحلية ،كما خرَّبوا الزراعة والتربة الزراعية في مصر عن طريق الخبراء الإسرائيليين الذين فرضتهم على مصر اتفاقية كامب ديفيد ،وعن طريق البذور الإسرائيلية الفاسدة ،لذا نجد إسرائيل لم تقبل من المبادرة العربية إلاَّ بنداً واحداً هو التطبيع ،لأنَّها من خلاله تستطيع أن تحقق ما تسعى إلى تحقيقه وفق مخططات وضعها ساسة وزعماء صهيون،أما ما يتنازلون عنه لنا وفق معاهدات واتفاقيات فسيكون تنازلاً مؤقتاً ،يسترجعونه متى أرادوا ،ونحن لا نستطيع عندئذ الرد عليهم عسكرياً؛ لأننا مكبلون باتفاقيات معهم ،بل لا نستطيع حتى قطع العلاقات الدبلوماسية معهم ، ولعل ما يحدث الآن أكبر دليل على صحة ما أقول ،فهاهم يحتلون المدن التي منحت للفلسطينيين وفق اتفاقيات أوسلو وغيرها من اتفاقيات عقدت مقابل تنازلات كاعتراف بدولة إسرائيل وتنازل عن الأراضي التي تم احتلالها في عام 1948م.(28/348)
إن نقض اليهود لاتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقيات أمر طبعي فاليهود أمة لا تحترم العهود والمواثيق ،وقد بيَّن الله لنا ذلك في كتابه العزيز إذ يقول -تعالى- : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية) وقد نقض اليهود عهدهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وعلينا أن نستفيد من قراءتنا للتاريخ ونعتبر.
وإسرائيل دولة نووية ،وتملك ترسانة مسلحة،وأسلحة الدمار الشامل ،والفلسطينيون عزَّل لا يحق لهم امتلاك السلاح ،وإسرائيل تتحكم في مصادر الماء والكهرباء ،وفي جميع وسائل الاتصال في الأراضي الفلسطينية،فمن الطبعي أن تؤدي تنازلات العرب هذه إلى الوضع الحالي في أراضي السلطة الفلسطينية. إن مجرد قبولهم أن يعيش الفلسطينيون عزلاً مجردين من السلاح بين أنياب الدولة الصهيونية المدججة بالسلاح يجعلني أقول: إنَّ ما يتعرض له الفلسطينيون الآن أمر طبعي ،والغريب أنَّ المبادرة العربية الأخيرة نصت على التطبيع ،ولم تنص على نزع أسلحة الدمار الشامل من إسرائيل كشرط أساس لهذه المبادرة . فإسرائيل تريد أن تمتلك كل أنواع السلاح ، بما في ذلك القنابل النووية ،وكل أنواع سلاح الدمار الشامل ،ولا تريد أية دولة عربية أن تمتلك أي نوع من أنواع السلاح كالصواريخ البعيدة المدى.
لستُ أدري لماذا بتنا نجزئ الرؤى ،ولا نربط بين الأحداث؟ لماذا لا نأخذ في عين الاعتبار تصريحات المسؤولين الإسرائيليين السابقين ؟ولماذا لا نأخذ في الاعتبار المخطط الصهيوني للسيطرة على العالم ؟ هناك من يشكك في بروتوكولات صهيون ،ويزعم أنها مزورة ونسبت لليهود الصهاينة ،ولا يعتبر بأنَّ تسعة عشر بروتوكولاً قد تمَّ تنفيذها ،وما جاء في البروتوكول التاسع الآتي نصه:
( إنَّ لنا طموحاً لا يحد ،وشرهاً لا يشبع ،ونقمة لا ترحم وبغضاء لا تحس ،إنَّنا مصدر إرهاب بعيد المدى ،وإنَّنا نسخِّر في خدمتنا أناساً من جميع المذاهب والأحزاب من رجال يرغبون في إعادة الملكيات ،واشتراكيين وشيوعيين وحالمين بكل أنواع الطوبيات ،ولقد وضعناهم جميعاً تحت السرج ،ويحاول أن يحطم كل القوانين القائمة ،وبهذا التدبير تتعذب الحكومات ،وتصرخ طلباً للراحة ،وتستمد ـ من أجل السلام ـ لتقديم أي تضحية ،ولكننا لن نمنحهم أي سلام حتى يعترفوا في ضراعة بحكومتنا الدولية العليا) ، ولنقارن بين هذا النص وبين تصريح الدكتور ناحوم غولد مان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في محاضرة له في مدينة منتريال في كندا سنة 1947م ، فلقد صرَّح (بأنَّ اليهود اختاروا فلسطين ليس لمعناها التوراتي والديني بالنسبة إليهم ،ولا لأنَّ مياه البحر الميت تعطي بفعل التبخر ما قيمته ثلاثة آلاف مليار دولار من المعادن ،وأشباه المعادن ،وليس أيضاً لأنَّ مخزون أرض فلسطين من البترول يعادل عشرين مرة مخزون الأمريكيتين مجتمعتين ،بل لأنَّ فلسطين هي ملتقى طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا ،ولأنَّ فلسطين تشكل بالموقع نقطة الارتكاز الحقيقية لكل قوى العالم ،ولأنَّها المركز الاستراتيجي العسكري للسيطرة على العالم) عند مقارنتنا بين النصين نجد أنَّ السيطرة على العالم مخطط إسرائيلي صهيوني تسعى الصهيونية العالمية لتحقيقه ،أيضاً لو قارنا بين نص البوتوكول التاسع الذي أوردته سابقاً وبين تصريحات مناحيم بيجن في كتابه التمرد نجد أنَّ تلك التصريحات لا تختلف عن مضمون البروتوكول التاسع ،ممَّا يؤكد أنَّ هذه البروتوكولات من وضع الصهاينة ،وليست كما يزعم البعض أنها منسوبة زوراً إليهم .
أيضاً عند تأملنا في تصريحات مناحيم بيجن نجده يتحدث عن دولة إسرائيل الكبرى ،وأنَّهم لن يتنازلوا عنها حتى لو عقدوا معاهدة صلح مع إسرائيل ،إذاً علينا أن نضع في الاعتبار أنَّ دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ،ومن الأرز إلى النخيل ،مع ضم خيبر والمدينة المنورة إليها ،كذلك مكة المكرمة هو هدف يسعى الإسرائيليون إلى تحقيقه حتى لو وقعنا اتفاقيات سلام مع إسرائيل ،وستكون هذه الاتفاقيات مجرد هدنة مؤقتة تجعل العرب يركنون إلى السلام ،ويوجهون جيوشهم إلى أعمال مدنية فيفقدون لياقتهم البدنية وقدراتهم القتالية ،إضافة إلى إهمال القادة العرب تسليح جيوشهم في حين يركز الإسرائيليون على التسليح ،وتدريب جنودهم ،إضافة إلى ما يقوم به اليهود من تخريب اقتصاديات البلاد العربية ،وإفساد سلوكيات وصحة الشعوب العربية من خلال تطبيع العلاقات معهم؛ ممَّا يسهل عليهم الانقضاض على البلاد العربية والسيطرة عليها .(28/349)
عند تأملنا -أيضًا- لتصريحات بيجن نجده أشار إلى مخطط الشرق أوسطية الذي يستهدف فرض الهيمنة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل على منطقة الشرق الأوسط عندما أشار إلى القضاء على حضارة العرب ،وإحلال ما أسماه بالحضارة اليهودية ،ومشروع الشرق أوسطية تقوم عليه الولايات المتحدة وإسرائيل كمشروع متمم للعولمة ،ومرتبط بها ولكنه خاص بمنطقة الشرق الأوسط بعد السلام ،وقد عبَّر عنه بشكل سافر وقوي ومباشر من خلال كتابات ورؤى بعض الزعماء الإسرائيليين مثل شمعون بيريز في كتاب( الشرق الأوسط الجديد ) ،وكتاب بنيامين نيتانياهو ( مكان تحت الشمس) وهما ينظران إلى قيام شرق أوسط جديد بعد السلام، محوره إسرائيل التي ستصبح المركز الاقتصادي والثقافي للشرق الأوسط الذي سيتحول إلى سوق اقتصادي للمنتج الإسرائيلي يسمح لها بتحقيق الهيمنة الاقتصادية ،وما يتبعها من هيمنة ثقافية.وهذا ما يجعل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تصران على تطبيع العرب علاقاتهم بإسرائيل؛ ليتحقق من خلاله هذا المشروع الذي يستهدف محو حضارتنا وثقافتنا وجعلنا تابعين خاضعين لإسرائيل ،وإذا ما فقدنا مقومات حياتنا وحضارتنا وتراثنا وشخصياتنا سَهُل. السيطرة علينا سياسياً وعسكرياً.
علينا أن ندرك أنَّ إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية ،فهي تخطط لطرد كل الفلسطينيين من أرض فلسطين ،وهذا ليس مخطط شارون ، وإنَّما هو مخطط صهيوني ينفِّذه شارون ،صرَّح به مدير الصندوق القومي اليهودي المكلف بامتلاك الأراضي في فلسطين سنة 1940م ،إذ قال ( بالنسبة لنا يجب أن يكون واضحاً أن لا مكان لشعبين في هذه البلاد ،إنَّها تكفينا إذا غادرها العرب،وليس ثمة وسيلة غير ترحليهم جميعاً ،ولا يجوز ترك بلدة واحدة ،ولا قبيلة واحدة ،يجب أن نشرح إلى روزفلت ،وإلى رؤساء جميع الدول الصديقة أنَّ أرض إسرائيل ليست ضعيفة ،إذا رحل جميع العرب،وإذا وسعت الحدود قليلاً نحو الشمال حتى محاذاة الليطاني ونحو الشرق إلى مرتفعات الجولان ).
كل هذه الحقائق تؤكد أنَّ إسرائيل لا تريد السلام ،وأنَّها تستهدف السيطرة على الأراضي العربية كلها ،ولو استمرينا نمني أنفسنا بالسلام مع إسرائيل فسيكون مصيرنا هو المصير الذي يلقاه الآن الشعب الفلسطيني ورئيسه ياسر عرفات الذي كان يردد دائما عبارة ( سلام الشجعان) والذي أدرك الآن أنَّ الإسرائيليين لا يريدون سلاماً، وبات يصرخ بأعلى صوته( ما بدهم سلام!
============(28/350)
(28/351)
القرضاوي يحذر من التطبيع المسبق مع إسرائيل
عبد الرحمن أبو رومي
Image
القرضاوي
الجزائر - حذر الشيخ العلامة يوسف القرضاوي رئيس مؤسسة القدس الدولية الدول العربية من التطبيع المسبق مع إسرائيل، أو اتخاذ أي خطوة في هذا الشأن ما لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة وتسمح بإقامة دولة فلسطينية.
وقال القرضاوي اليوم الأربعاء على هامش المؤتمر الخامس لمؤسسة القدس الذي حضرته شخصيات إسلامية ومسيحية تزامنا مع افتتاح القمة العربية بالسعودية: "هناك اتجاهات في القمة.. بعض الناس (دول عربية) قامت بالتطبيع مع إسرائيل، وبعضها يرفض الفكرة.. لن نطبع ولا نقبل التطبيع ما دام الاحتلال قائما".
وأضاف القرضاوي: "نحن لا نقبل التطبيع مع إسرائيل إلا إذا قامت دولة فلسطينية.. عندما تقام دولة فلسطينية يمكن أن نفكر في التطبيع".
ووقعت مصر والأردن على معاهدة سلام مع إسرائيل بينما وافقت بعض الدول عربية على إقامة مكاتب اتصال معها، كما أقامت موريتانيا علاقات دبلوماسية معها.
وتبنى الزعماء العرب في قمتهم بالرياض اليوم دعوة لإعادة تفعيل مبادرة السلام العربية مع إسرائيل، والتي تمت الموافقة عليها عام 2002 في بيروت. وتقضي المبادرة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في حال انسحابها من كل الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وموافقتها على إنشاء دولة فلسطينية، وإيجاد "حل عادل" لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
من ناحية أخرى، قال الشيخ القرضاوي: إن مؤسسة القدس لا تتدخل فيما يقرره القادة العرب، إلا أنه شدد في الوقت نفسه على رفضه التطبيع مع الإسرائيليين قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية.
وتسعى مؤسسة القدس الدولية التي تأسست عام 2001 إلى الحفاظ على الهوية العربية للقدس.
ولفت القرضاوي إلى أن الجزائر وافقت على استضافة المؤتمر بعد رفض عدة بلدان عربية إقامته على أراضيها بسبب الضغوط التي مورست ضدها.
============(28/352)
(28/353)
الحرب الفضائية بين اليهود والعرب
الفضائية الصهيونية تروج أفكارها؛ لتضليل الرأي العام
الإسلام اليوم - القاهرة 18/5/1423
28/07/2002
بدأ هذا الأسبوع بث أول قناة فضائية إسرائيلية ناطقة باللغة العربية عبر القمر الإسرائيلي " عاموس " ، ويتوجه إرسالها إلى البلدان العربية حاملاً وجهة النظر الإسرائيلية ، في محاولة من حكومة شارون ؛ لتجميل صورة إسرائيل ، بعد أن لطختها دماء الضحايا من الأطفال والنساء فى جنين ورام الله.
القناة التي تحمل اسم " الشرق الأوسط " وصلت تكاليفها إلى 14 مليون دولار ، ويرأسها يهودي من أصل مصري هو يوسف برائيل ، وأغلب العاملين فيها - من مذيعين وفنيين - ينتمون إلى عرب 48 ، ويأمل مؤسسو القناة أن تسهم في الدفاع عن سياسات شارون العدوانية وتجملها، وتحاول إقناع العرب بها بوسائل جذب عصرية كمن يضع السم في العسل .
ويعترف مديرو القناة بأنها لن تتورع عن استخدام أي شيء في سبيل تحقيق أهدافها ، بما في ذلك " الكذب " إذا رفعت القناة شعار خريطة إسرائيل الكبرى لتهيئة المشاهد العربي نفسياً ، وإقناعه بقبول الدولة الإسرائيلية " الكاملة " .
والقناة الإسرائيلية تبث باللغتين العربية والإنجليزية؛ لضمان أكبر مشاهدة ممكنة ولمدة 8 ساعات يومياً، تزيد فى أيام العطلة الرسمية - الجمعة - فى البلدان العربية لتصل إلى 12 ساعة
وفى حين توقع خبراء الإعلام المصريون الفشل للقناة الإسرائيلية الوليدة ، كما فشلت من قبل إذاعتهم الناطقة بالعربية ، نتيجة للأسلوب الدعائي الفج الذي تتخذه ، وللوعي العربي الذي لا يمكن أن يصدق الأكاذيب الإسرائيلية مهما جاءت مغلفة في وسائل جذابة، لكن لازالت الخلافات العربية مستمرة حول أسلوب الرد والردع الإعلامي ، وظهرذلك في الاجتماع الأخير لوزراء الإعلام العرب في دورتهم الـ 35 التي عقدت مؤخراً بالقاهرة ، إذ تراوحت الآراء بين تأجير قناة غربية؛ لتحمل وجهة النظر العربية ، وبين إنشاء قناة جديدة وتخصيص مبلغ 22 مليون دولار؛ لتنفيذ استراتيجية إعلامية عربية للتصدي لحملات التشويه أو تفعيل وتطوير الفضائيات العربية الموجودة بالفعل؛ لتلعب الدور نفسه.
القناة تكشف قلق إسرائيل
يرى أمين بسيوني رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للأقمار الصناعية : أن المشكلة ليست في وجود قناة فضائية إسرائيلية ناطقة بالعربية؛ لأن تلك القناة ستقوم بتذكير الأمة بما نراه من إسرائيل فكلنا نشاهدها وهي ترتكب الجرائم الواحدة تلو الأخرى والخطاب الإعلامي لهذه القناة لا يرجى منه شيء في ظل ارتكاب حكومتهم للمجازر اليومية، وانتهاك حقوق الإنسان، وتدمير المساجد والكنائس .
بأي منطق يمكننا أن نصدق الرسالة الإعلامية لتلك القناة التي ستلجأ إلى تشويه الحقائق التي لن تؤثر فينا نهائيًا؛ لأننا أصحاب قضية وأصحاب حق لا يستطيع أن ينكره أحد .
وأتصور أن تفكير الحكومة الإسرائيلية في إطلاق مثل هذه القناة تعبير عن مأزق تمر به إسرائيل فالاتفاقيات والمعاهدات قد دمرتها إسرائيل، ولعلها تريد أن تخاطب الأمة العربية لإعادة مصداقيتها لدى تلك الدول العربية ، ولن تقوم إسرائيل بمثل تلك الخطوة رغبة منها في التطبيع مع الدول العربية، وإعادة العلاقة التي دمرت، ولن يستطيع أحد أن يجعلنا نعدل عن موقفنا الثابت تجاه القضية الفلسطينية .
وعمومًا وجود مثل هذه القناة دليل على مظهر قلق داخلي في إسرائيل ضد ما يراه العالم كله وما نراه كشعب عربي من عربدة العسكرية الإسرائيلية وغطرستها ضد الشعب الفلسطيني ، وذلك يجعلنا نتساءل عن أية رسالة ستوجهها تلك القناة إلى العالم العربي ؟
ويضيف بسيوني قائلاً: أنا كرجل إعلام أرى أن تلك القناة لن تستطيع مخاطبة الناس مهما كانت الحيل البراقة التي لن تستطيع أن تجعل الشخص يغير قناعته وتمسكه بقضيته خصوصًا أنه يرى مشهدًا يوميًا للبطش الإسرائيلي .
فالصورة الحقيقية التي نراها للإسرائيليين أنهم عدو محتل متغطرس لا غير، يزيف الحقائق ويسرق التاريخ .
ويجب علينا أن نقوم بتوفير منابر تواجه الادعاءات والأكاذيب الإسرائيلية ، وأن تحتوي رسالتنا الإعلامية على كلام علمي يستند على الواقع؛ لمواجهة تلك القناة الفضائية .
كما أن أغلبية الدول العربية تمتلك قنوات فضائية يصل عددها إلى 75 قناة فضائية تخاطب العالم والمجتمع الغربي، وذلك حتى لا نتوه عن الحقائق ولا يمكن للقاتل أن يغير الواقع .
الرد على الأكاذيب الإسرائيلية
بينما تؤكد الدكتورة جيهان رشدي عميدة كلية الإعلام جامعة القاهرة -سابقًا- قائلة: نحن الآن نواجه ما يسمى بالحرب الإعلامية فانطلاق قناة فضائية إسرائيلية موجهة للعرب هدفه كسر الاحتكار الإعلامي الموجود في القنوات الفضائية العربية، فمعظمنا لا يسمع غير الآراء المعادية لإسرائيل، وبالتالي ستحدث نقطة تحول من خلال هذه القناة ؛ لنعرف ماهية الرسالة الإعلامية التي ستقدمها ، وقد تلجأ تلك القناة إلى مشاركة عرب إسرائيل في تقديم البرامج والتحليلات، وتسمح لهم بانتقاد إسرائيل كي يجعلونا نعتقد أن هناك حرية إعلامية في إسرائيل .(28/354)
وأتصور أن تأثير القناة لن يكون قويًا؛ لأنها ستلجأ إلى تكثيف الأخبار والتعليقات السياسية الموجهة للتخفيف من حدة العداء لإسرائيل .
ويجب على وسائل الإعلام العربية الرد على الأكاذيب التي قد يواجهها المشاهد العربي في القناة العبرية، ويمكننا أن نواجه تلك القناة من خلال العمل على تحسين القنوات الإخبارية الموجودة لدينا وإتاحة مساحة من النقد؛ لكي تخلق مصداقية لدى الجمهور العربي وتواجه العدو المغتصب والمخطئ ، ويجب أن يتوفر في قنواتنا عوامل الديمقراطية والحرية والفورية في نقل الحدث كل تلك العوامل تخلق جمهورًا مخلصًا يتابع قنواتنا الإخبارية والفضائية .
مطلوب قناة عربية موحدة
ويضيف الكاتب الصحفي محمود سلطان قائلاً: لا ينقصنا شيء عن معرفتنا لوسائل إعلام العدو، فنحن نعرف فيما يفكرون من خلال صحافتهم ، وكيف نتعامل مع الرأي العام الإسرائيلي ونرد على أكاذيبهم .
وللفلسطينيين دور قوي جدًا في تغيير الرأي العام الإسرائيلي ، فعليهم أن يحددوا موقفهم من تلك القناة بكل صراحة .
وفيما يخاطب الإعلام العربي بعضه في حلقة مفرغة كان علينا أن نوجه رسالة إعلامية واضحة وصريحة إلى العالم الغربي من خلال قناة عربية موحدة يجب أن تظهر بسرعة إلى النور ، ويمكن أن نخترق الجدار الإسرائيلي من خلال شركات العلاقات العامة داخل إسرائيل، والتي يكون لها دور سريع في الدفاع عن العرب والمسلمين في الصحافة والتليفزيون. وأنا أعتبر جيل ما بعد السلام هو الجيل الذي أيقظته الانتفاضة، وخلقت بداخله شيئًا جديدًا أعاد القضية الفلسطينية إلى أذهانهم، والآن لا يوجد عربي واحد يتكلم عن التطبيع، وخرجت الحكومات قبل الشعوب للاحتجاج على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين
===========(28/355)
(28/356)
وصفة أمريكية لتطبيع إسرائيلي خليجي
إسلام أون لاين.نت - صالح النعامي
Image
وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، ومفوض العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، اتفقا على إقناع قادة دول الخليج وإسرائيل بالمشاركة في قمة تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الجانبين بما يسهل التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
جاء ذلك في الوقت الذي حثت فيه رايس خلال اجتماعها مساء السبت 24-3-2007 في أسوان (جنوب مصر) مع وزراء خارجية 4 دول عربية (مصر والأردن والسعودية والإمارات) على اتخاذ خطوات تطبيعية مع إسرائيل.
وأفادت الصحيفة في عددها الصادر اليوم الأحد أن رايس وسولانا اتفقا على أن يتولى الأخير مهمة إقناع قادة دول الخليج بحضور تلك القمة، في حين أخذت رايس على عاتقها إقناع الإسرائيليين بالمشاركة في القمة التي ستحضرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويشارك فيها أيضًا قادة كل من مصر والأردن ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
وأضافت "يديعوت أحرونوت" أن سولانا قال في محادثات مغلقة: إن هناك بالفعل خطة مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتنظيم مثل هذه القمة.
وبحسب الصحيفة، فإنه في حال موافقة الأطراف المعنية على المشاركة في القمة، فمن المقرر أن تعقد في نهاية إبريل المقبل، أو مطلع مايو.
مطالب رايس في أسوان
ونوهت "يديعوت أحرونوت" إلى أن رايس حثت وزراء خارجية وقادة الأجهزة الاستخباراتية بالدول العربية الذين التقتهم بأسوان (جنوب مصر) مساء أمس السبت على الشروع في خطوات للتطبيع مع إسرائيل.
كما طالبت بوقف ما أسمته بـ"الدعاية المعادية" والتحريض ضد إسرائيل بوسائل الإعلام ودور العبادة بالعالم العربي، وفتح مكاتب تجارية وممثليات دبلوماسية إسرائيلية في الخليج وأخرى خليجية في إسرائيل، إضافة إلى إقامة علاقات، ولو على مستوى منخفض، دون أن تربط هذه المطالب بأفق سياسي يضمن إعادة الحقوق العربية كاملة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ورأت الصحيفة الإسرائيلية أن رايس تبنت في الواقع وجهة النظر الإسرائيلية التي عرضتها مرارا وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، باعتبار أن مثل هذه الخطوة ضرورية ويجب أن تكون لها "الأولوية" لتشجيع عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولفتت الصحيفة إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية التي ستصل الإثنين 26-3-2007 إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ستطلع قادة إسرائيل على توجهها بعرض أفق سياسي يتضمن خطوات محدودة من جانب الدول العربية المعتدلة.
ومن بين هذه الخطوات إرسال مبعوثين من السعودية والأردن ومصر إلى إسرائيل لعرض المبادرة العربية للسلام التي تبنتها قمة بيروت 2002 والتي تقترح إقامة علاقات عربية كاملة مع إسرائيل، مقابل انسحاب الأخيرة إلى حدود ما قبل حرب يونيو 1967، والسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
ويتزامن تقرير "يديعوت أحرونوت" مع ما كشفته صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية بخصوص لقاء عقد مؤخرًا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت والأمير بندر بن سلطان، مستشار الأمن القومي السعودي.
شروط إسرائيلية مسبقة
وتشدد إسرائيل على أنها ستبلغ رايس بضرورة مطالبة الدول العربية قبيل عقد القمة العربية، المقررة في 28 مارس الجاري في الرياض، بحذف البند المتعلق بعودة اللاجئين من المبادرة العربية، إضافة إلى الانسحاب كلية إلى حدود ما قبل حرب 1967.
كما تطالب إسرائيل بالتزام العالم العربي بمقاطعة حكومة الوحدة الفلسطينية لحين التزامها بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام، وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل.
لكن البروفيسور موطي كريستال، أستاذ علم المفاوضات في معهد "هرتسليا"، حذر من مغبة عدم إسراع إسرائيل بخوض غمار التسوية بشكل جدي قبل أن تعلن الولايات المتحدة فشلها في العراق.
واعتبر في مقال نشرته "هاآرتس" اليوم أن "هذا الفشل في حال حدوثه سيمثل ضربة قوية للمصالح الإسرائيلية، وسيفرض قيودًا إستراتيجية على استخدام القوة في الساحة الدولية".
وأضاف أن "فشل الولايات المتحدة في بلورة منظومة سياسية مستقرة في العراق، وانزلاق العراق والخليج إلى حالة من الفوضى الإقليمية، سيؤدي إلى إضعاف الشرعية الدولية بشأن استخدام القوة كأداة للتصدي للدول المارقة"، حسب قوله.
فشل ذريع
وفي قراءة للسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة قال تسفي بارئيل، معلق الشئون العربية في "هاآرتس": "إن جهود الولايات المتحدة وإسرائيل لإيجاد شرق أوسط جديد فشلت فشلاً ذريعاً".
ولفت بارئيل إلى أن وزراء الخارجية وقادة الأجهزة الاستخبارية العربية الذين التقوا رايس في أسوان مؤخرًا لم يتمكنوا من إعطائها أية وصفة لحل مشكلة العراق، ولم يعرفوا ماذا يقولون لها بشأن مشروع إيران النووي، أو كيفية حل المشكلة اللبنانية التي تهدد بالانفجار من جديد.(28/357)
ووجه بارئيل انتقادًا حادًّا لسياسة تل أبيب وواشنطن وتعاملها بشكل فوقي مع دول المنطقة، وقال: إن إسرائيل والولايات المتحدة "تحملان ملفات جاهزة يتوجب على دول المنطقة أن تنفذها قبل دراسسة أي بديل، مثل شروط الرباعية للحكومة الفلسطينية، وشروط مسبقة للحوار مع سوريا، وشروط لإيران"، واعتبر أن طرح هذه الشروط بحد ذاته "هو استعراض للقوة".
============(28/358)
(28/359)
كراهية الغرب للمسلمين .. متى تنتهي ؟
الإسلام اليوم - القاهرة 11/4/1423
22/06/2002
قضية العلاقة بين الإسلام والغرب .. شائكة وحساسة ومليئة بالمرارات والعداوات ..
فما هي المحطات التي أدت إلى هذه الحال المعقدة من الكراهية ؟!
وهل يمكن التغلب على هذه الحال وإقامة علاقات أكثر رشدا وأكثر عدالة ؟
" محطات الكراهية "
في البداية نقف مع المحطات الرئيسة للاحتكاك بين الإسلام والغرب، والتي أدت إلى هذه الكراهية مع الدكتورة نادية مصطفى أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة التي تقول إن المحطة الأولى كانت بعد ظهور الإسلام مباشرة وانتشاره في شبه الجزيرة العربية وكانت قسمين .. القسم الشرقي البيزنطي وكان موجودا في الشام ومصر وأماكن شرقية أخرى وكان الأقوى .. وقسم غربي في أوروبا بين الفرنسيين والألمان نتج عنه ممالك جزئية صغيرة .
وهكذا فقد احتك الإسلام بالجزء الأقوى من الدولة الرومانية المسيحية الأوروبية وهو الجزء البيزنطي الشرقي وأجلاه عن الشام ومصر بعد معارك طاحنة وطويلة وممتدة .
والمحطة الثانية كانت في وصول الإسلام إلى الأندلس جنوبي أوروبا في عهد الخلافة الأموية .. واستقر الإسلام في هذه المنطقة الأوروبية لحوالي ست مئة عام، وكان يمكن أن يتوغل في فرنسا وألمانيا .
هذا الوجود والانتصار الإسلامي ثم المعارك التي خاضها الأوروبيون ضده .. وإبادة المسلمين الذين بقوا بعد زوال دولتهم .. أوجد كراهية للإسلام والمسلمين .
أما المحطة الثالثة فجاءت في الحروب الصليبية الحاقدة التي رفعت الصليب واستمرت لأكثر من مئتي عام، واحتلت بيت المقدس وكثيرًا من البلاد العربية، ولقيت هزيمة كبيرة وارتكب فيها الصليبيون مجازر مروعة ضد المسلمين .
والمحطة الرابعة كانت في فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية المسيحية وما أعقب ذلك من قيام الدولة العثمانية التي وصلت إلى غرب ووسط أوروبا وحتى حدود النمسا الحالية لدرجة أن الوجود الإسلامي في وسط أوروبا مثل ألبانيا وكوسوفا ومقدونيا والبوسنة هو بفضل الوجود العثماني ، ووقفت الدولة العثمانية طيلة خمس مئة عام في وجه الأطماع الأوروبية ومنتصرة عليها ..
أما المحطة الخامسة فكانت في حركة الاستعمار الأوروبي للعالم العربي والإسلامي التي جاءت في أعقاب عصر النهضة والكشوف الجغرافية .. ونتج عن ذلك إحاطة الاستعمار الأوروبي المسيحي بالعالم الإسلامي واستيلائه على هذه البلاد واستعماره لها ونهبه لثرواتها .
وكانت المحطة السادسة في حركات التحرر التي قامت في العالم العربي والإسلامي للتخلص من الاستعمار وما نتج عن ذلك من صراع دموي راح فيه الملايين من المسلمين كما حدث في الجزائر .
وكانت المحطة السابعة في إنشاء الغرب الأوروبي والأمريكي لإسرائيل كرأس حربة في قلب العالم العربي والإسلامي .. وكيان صهيوني يحافظ على المصالح الغربية الاستعمارية ويقف ضد وحدة العالم العربي والإسلامي .
أما المحطة الثامنة والأخيرة فهي معركة مكافحة ما يسمى بالإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا ضد العالم العربي والإسلامي في أعقاب تفجيرات سبتمبر الماضي .. واستهداف أمريكا لكل حركات المقاومة في العالم الإسلامي .
هذه المحطات هي محطات صراع متواصلة ساعدت على تضخم حالة الكراهية المتبادلة بين الطرفين .
" صورة ذهنية مشوهة "
أما د. صلاح عبد المتعال الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فيقول: إن نوعية الحياة في الغرب ارتبطت أساليبها بوحشية النظام الإنتاجي الرأسمالي ، وضرورة ضمان أسواق له في شتى بقاع العالم ، وابتداع نظام الشركات متعددة الجنسية وحمايتها بكل السبل ، إلى درجة تبرير التدخل العسكري السافر .. وأخيرا قهر الدول للانضمام إلى اتفاقية (الجات) التي ستؤول فوائدها بشكل جوهري إلى الدول الأكثر تقدما على حساب الأخرى المتخلفة والأقل نموا .
أهم من ذلك أن الغرب يتصور واهما أن حضارته ومدنيته أسبق وأفضل الحضارات والمدنيات .. ولها الحق في قيادة غيرها من سائر البشر .. يساعدهم على ذلك تمكنهم بسيطرة القوة والإرهاب بالتهديد والوعيد لمن لا يكون معهم أو في صفهم كما مؤخرا في تداعيات 11 سبتمبر 2001 والأزمة الأفغانية .. والصمت القاتل عن جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين .
وهكذا فإن الشقة بين الحضارتين الغربية والإسلامية بعيدة ، وأسباب ابتعادها تكمن في تضارب المصالح أولا ، وفي الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام بفعل كثير من المفكرين والمستشرقين ، وخيرات الشعور بالعداوة التاريخية الصليبية ، وسلوكيات مخالفة للإسلام وروحه بين المجتمعات الإسلامية ودولها وحكامها .(28/360)
وبالتالي تأتي أهمية تصحيح الصورة الذهنية لدى الغرب عن الإسلام .. ولكن يسبق ذلك ضرورة تصحيح المفاهيم الأساسية في العالم العربي والإسلامي ، وتنقية التراث من شوائب البدع والغلو .. والاتجاه نحو الوسطية والاعتدال .. والسير قدما نحو تحقيق دعائم الاستخلاف وتنمية المجتمعات العربية والإسلامية والأخذ بأسباب القوة بالتقدم المعرفي والعلمي والتقني ، وتطوير المنظومة التربوية والتعليمية يف إطارها الإيماني .
وخلاصة القول أن الإسلام بقيمه الإنسانية في العدل والحرية والمساواة يجب أن ينعكس في ضروب السلوك الاجتماعي والسياسي لدى الشعوب والحكام .
وهذا هو السبيل الموضوعي لقناعة الآخر بإنسانية وعالمية الإسلام وجدوى حضارته .. وحتى يتحقق ذلك فلا يخلو الأمر من أهمية الدراسة والبحث والتخطيط المحكم لتنشيط حركة السياسية والاجتماعية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني على المستويات الإقليمية والدولية .. وتوثيق الروابط والخبرات بين الشخصيات والمنظمات الثقافية والجامعية في الغرب والشرق ، وهذا كله وغيره لا يغنى عن جهود مستمرة لتطوير السياسة الإعلامية الفضائية ، ووضع منهجية ملائمة للخطاب الإسلامي الموجه للشعوب الغربية والآسيوية والأفريقية وغيرها .
"حلم بعيد المنال "
بينما يرى الدكتور محمد أحمد الصادق (أستاذ العلوم السياسية بجامعة عين شمس) أن الحديث عن خطة طموحة لترشيد العلاقات الإسلامية الغربية وتحسينها هو أمر صعب التحقيق في الواقع ؛ لأننا إذا كنا نتحدث عن حوار الحضارات والتعاون والتفاعل بدلا من الصراع والإلحاق والتبعية .. فمن سيسمح لنا بذلك ؟
إن الغرب الآن تستولي عليه تماما فكرة صراع الحضارات وإذلال الآخر، وضرورة إلحاقه بالركب الغربي وإعادة صياغته لتلائم النموذج الغربي .. وبالتالي فإننا يجب أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة في هذا السياق ..
السؤال الأول: هل الغرب سيتقبل الحديث عن علاقة متوازنة ومحترمة ؟
السؤال الثاني: هل نحن في موقع يسمح لنا بطرح الموضوع أساسا ؟
السؤال الثالث: أيُّ القوى في بلادنا ستقوم بالحديث عن هذا الموضوع مع الغرب والتفاوض بشأنه ؟
والإجابة عن السؤال الأول تقول إن الغرب القوى لن يتقبل من الحديث عن هذا الموضوع .. لأن له مصالح في بلادنا .. والموضوع تحكمه موازين القوى وهي في صالحه .. ولذلك فسوف يستمر في استخدام قوته واستغلال ضعفنا لفرض ما يريده بالقوة والقهر .. وتحكمه في ذلك مواريث العداوة التاريخية .
أما السؤال الثاني فهو محور القضية .. فنحن في موقع الضعيف المتهالك الذي لا يستطيع أن يجبر خصمه على احترامه والخوف منه والجلوس معه على مائدة المفاوضات . إننا من الضعف بمكان لدرجة أننا نقف في الخندق الأخير للدفاع عن هويتنا .
إننا لا يمكن أن نطرح هذا السؤال الثاني إلا إذا كانت ذاتنا حقيقية ولها وجود حقيقي وحضور .
أما السؤال الثالث والمتعلق بمن سيتحدث باسمنا ويفاوض الغرب .. والإجابة معروفة فالقوى الوطنية والإسلامية مقهورة في عالمنا العربي والإسلامي .. بينما العلمانية المنهزمة أمام الغرب والعميلة له هي المسيطرة وسوف تتعاون مع الغرب ضد الإسلام .
" إرهاب صليبي فاق كل الحدود "
ويزيد الأمر تعقيدا أن المحطة الأخيرة في الاحتكاك والعداء بين الغرب والإسلام وهي ما يسمى بمكافحة الإرهاب .. قد فاقت كل المحطات واستوعبتها .. ففيها من مذابح الصليبين في القدس كما نرى في الدعم اللا متناهي لليهود في فلسطين لتنفيذ مذابح مخيم جنين وغيره .. وفيها من الاستعمار الاستيطاني في القرن الثامن عشر ومن الكراهية والحقد ضد الإسلام في العصور الوسطى وعصر النهضة .. وفيها من الإمبريالية في بداية القرن العشرين، ويزيد من خطورة الهجمة الحالية أن الهجمات السابقة كانت هناك مقاومة لها متعددة الأشكال والدرجات، وكنا نكسب الكثير منها أو كسبنا معظمها .. أما الآن فلا توجد مقاومة .. وإذا وجدت ففينا من يسعى لوأدها .. وانتشر بل مفهوم التطبيع في مواجهة المقاومة .
============(28/361)
(28/362)
تطبيع إلكتروني.. تهنئة إسرائيلية برمضان
القاهرة- محمد جمال عرفة- إسلام أون لاين.نت/ 3-10-2005
سيلفان شالوم
فوجئ عدد من المصريين والعرب برسالة تصلهم عبر البريد الإلكتروني تحمل تهنئة أستاذ جامعي إسرائيلي لهم بقدوم شهر رمضان وتدعو "للتعايش السلمي والاحترام المتبادل" بين أتباع الأديان السماوية، والتعامل "بروح من التسامح والتعددية"، وهو ما وصفه قراء بأنه محاولة للتطبيع الإلكتروني الشعبي بين إسرائيليين وعرب، يواكب التوجه الحكومي الإسرائيلي الحالي لتسريع وتيرة التطبيع الرسمي مع الدول العربية خصوصا الخليجية والمغاربية.
وبعث الرسالة د. مردخاي كيدار الذي عرف نفسه بأنه من قسم الدراسات العربية في جامعة بار إيلان-إسرائيل. وتوجه في رسالته -التي بعث بها عدد ممن وصلتهم إلى "إسلام أون لاين.نت" للاطلاع عليها- إلى "جميع المؤمنين من مسلمين ومسيحيين ويهود".
وقال: شهر رمضان سيواكب هذا العام شهر "تشري" عند اليهود وهو شهر الأعياد الكبرى -كما يقول- مثل رأس السنة ويوم الغفران وعيد المظلة، وهي أعياد "واردة في العهد القديم وتهم الكثير من المسيحيين أيضا".
وحرص "مردخاي" على أن يتوجه في رسالته "إلى جميع أبناء مختلف الديانات بأحر التهاني بأن يكون الشهر المقبل حافلا ببركات الله تعالى، أبينا جميعا، وأن يهدينا صراطه المستقيم بتعاليمه السمحاء لنبحث جميعا عن طرق للتعايش السلمي والاحترام المتبادل وأن نعامل بعضنا البعض الآخر بروح من التسامح والتعددية، وما أحوجنا إليها لنواجه بها موجات التطرف والحقد والعنف التي تهدد سلامة الإنسانية جمعاء". كما حرص على أن يسمي نفسه "أخوكم في الإنسانية" في ختام الرسالة.
يذكر أنه منذ تنفيذ الانسحاب العسكري الإسرائيلي من قطاع غزة تجري محاولات رسمية إسرائيلية لإنجاز مزيد من الخطوات التطبيعية مع الدول العربية والإسلامية.
وفي هذا السياق أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2005 أنه "تشرف بلقاء أكثر من عشرة من زملائه (وزراء الخارجية) من العالم العربي والإسلامي"، ودعا قادة الدول العربية والإسلامية إلى إعلان اتصالاتهم المتزايدة مع إسرائيل "على الملأ".
وشدد على أن "الجدار الحديدي الذي حدد العلاقات الإسرائيلية مع معظم الدول العربية والإسلامية على مدى أجيال.. بدأ ينهار".
هجمات
وتأتي هذه الاتصالات واللقاءات التي أشار إليها شالوم في الوقت الذي شنت فيه إسرائيل خلال شهر سبتمبر هجمات عسكرية مكثفة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الفلسطينيين بينهم أطفال رضع، كما قامت إسرائيل بحملة اعتقالات واسعة ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية.
============(28/363)
(28/364)
في حوار مع الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الأردنية
محمد عبدالفتاح 18/4/1423
29/06/2002
يشكل حزب جبهة العمل الإسلامي حالة متقدمة في العمل السياسي الإسلامي في الأردن، وهو صاحب الثقل الأكبر بين الأحزاب الأردنية ، وحرصاً من (الإسلام اليوم) على التعرف على رؤية الحزب لآخر المستجدات على الساحة الأردنية والعربية والدولية. فقد أجرت الحوار التالي مع سعادة الشيخ الأستاذ حمزة منصور الأمين العام للجبهة.
سؤال:ما هي آخر تطورات مسألة الانتخابات البرلمانية، وما موقفكم من المشاركة في ظل الظروف الحالية، وكيف سيكون رد فعلكم على تأجيلها، أو إلغائها؟
جواب:توقف البحث في حزب جبهة العمل الإسلامي بشأن المشاركة في الانتخابات النيابية لاعتبارين، أولهما: حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على الأهل في فلسطين، حيث استحوذ هذا الموضوع على اهتمام المواطنين وفي مقدمتهم أعضاء الحزب.
وثانيهما: عدم جدية الحكومة وترددها وعدم إعلانها عن موعد محدد لإجراء الانتخابات مما أفسح المجال أمام إشاعات التأجيل أو دعوة المجلس السابق أو تشكيل مجلس استشاري الأمر الذي جعل بحث الموضوع غير ذي بال إلى أن يتم تحديد موعد إجراء الانتخابات . ونحن نعدُّ تردد الحكومة ومماطلتها إمعاناً منها في التجاوز على الدستور الذي يوجب إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر وهو شهر تشرين الثاني من العام الماضي 2001م . أما مسألة المشاركة فسيتم حسمها بعد استكمال الخطوات الشورية في ضوء قانون الانتخاب والمستجدات والتجربة السابقة والحكومة التي ستشرف على الانتخابات .
سؤال:في ضوء ورؤية ممارسات الحكومة الحالية ( وسابقاتها )، ما هو انطباعكم في حزب جبهة العمل الإسلامي تجاهها وموقفكم منها حيث ما تزال سفارة العدو الصهيوني في عمان، وانتفاضة الأقصى مستمرة، ووحشية شارون تتزايد يومياً؟
جواب:الحكومة الحالية كما هي الحكومات السابقة منذ عام 1994م ما زالت محكومة بمعاهدة وادي عربة والاتفاقات المستندة إليها الأمر الذي وسع الفجوة بينها وبين المواطنين الرافضين للمعاهدة والاتفاقيات وسياسات التطبيع وصيغ العمل المشترك مع العدو الصهيوني خلافاً لقيم الشعب الأردني وثوابته الوطنية، وقد نتج عن هذا التباين الكبير بين الحكومة والشعب مزيد من التضييق على الحريات العامة وحقوق المواطنين وأفرغ الديموقراطية من مضمونها وأضعف دور مجلس النواب وفتح الباب على مصراعيه أمام عشرات القوانين المؤقتة التي ما كان لها أن تقر في ظل مجلس نيابي ممثل للشعب الأردني .
سؤال:هل لكم أن تخبرونا عن نظرتكم للقضايا الإسلامية المعاصرة، وما هي الرؤية الحضارية التي يمكن من خلالها التعامل مع هذه القضايا على الصعيد السياسي أو الاقتصادي او الاجتماعي أو الثقافي ( سواء في الداخل العربي والإسلامي أو مع قضايا فلسطين وأفغانستان، وكشمير، وغيرها )؟
جواب:قضايا العالم الإسلامي متعددة ومتشابكة ومعقدة ومزمنة والقوى المسؤولة عن هذه القضايا قوى كبرى ومتفوقة عسكرياً وتكنولوجياً، كما أنها شرعت -في الآونة الأخيرة - تكشف عن تحالف وتنسيق فيما بينها، بحيث بات واضحاً أن الإسلام هو المقصود وصدق رب العزة القائل (( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان إستطاعوا )) فالتحالف الأمريكي الصهيوني إزاء الشعب الفلسطيني تحالف استراتيجي والتنسيق بين الهند والولايات المتحدة والكيان الصهيوني إزاء الباكستان وكشمير لا تخطئه العين، والاتحاد الروسي تم جره إلى حلف الناتو، والهدف من وراء كل ذلك: القضاء على مراكز النهوض في الأمة، بضرب الحركات الجهادية والقوى الفاعلة في الأمة ومشاريع النهوض فيها، وفرض الثقافة الأمريكية وبسط السيطرة الأمريكية الصهيونية على الأرض العربية والإسلامية، ونهب ثروات الأمة ومصادرة قرارها، وربطها بالسياسة الأمريكية الأمر الذي يفرض على العرب والمسلمين حكاماً ومحكومين إدراك التحديات والأخطار المحدقة بهم وتعزيز قوى وقيم الصمود في الأمة، والاستناد إلى استراتيجية تقف وراءها القوى الحية والفاعلة لتفويت الفرصة على المشاريع المعادية للأمة، وتحقيق أهداف الشعوب الساعية لنيل استقلالها والدفاع عن ثقافة الأمة وهويتها ومصالحها .
سؤال:كيف تقرؤون الهجمة الإعلامية الأمريكية على الإسلام بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر، وبالذات مع أصدقائها في المنطقة ( مصر، والسعودية ) حتى وصلت المسألة إلى التدخل في مناهج التعليم؟(28/365)
جواب:لقد كشفت الولايات المتحدة عن أهدافها في الوطن العربي والإسلامي، واستثمرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أبشع استغلال، حيث ربطت ربطاً ظالماً بين الإسلام والإرهاب، واستعدَتْ الشعب الأمريكي وكثيراً من الشعوب ضد العرب والمسلمين، وألحقت أذى بالغاً بالمسلمين في أمريكا وأوروبا وفلسطين وأفغانستان، وأقامت حلفاً بهدف ضرب الحركات الجهادية، ووظفت الأحداث في ابتزاز بعض القادة العرب والمسلمين لإعطاء مزيد من التنازلات لصالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني والتضييق على الشعوب العربية والإسلامية من خلال تشريعات عرفية، وممارسات غير إنسانية، وتدخل سافر في المناهج التعليمية كما حصل في الباكستان والسعودية واليمن؛ بدعوى أن المناهج الإسلامية والخطاب الإسلامي تحفز على العنف وتثير مشاعر الكراهية، والهدف من ذلك واضح، وهو هدم جدار الصمود الإسلامي أمام حملات العولمة والتغريب وفرض الثقافة الأمريكية على المجتمعات العربية والإسلامية .
سؤال:: لقد خرج تقرير وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً حول ما تسميه إرهاباً بتناقضات، وادعاءات عديدة، إلى درجة أن 23 منظمة من أصل 33 منظمة تصنفها ضمن المجموعات الإرهابية هي من منظمات عربية وإسلامية، وبالذات في فلسطين، فما تعليقكم على ذلك ؟
جواب:تنطلق الإدارة الأمريكية من قناعة أن عدوها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي هو الخطر الأخضر (الإسلام) الذي يقف في وجه أطماعها وسياساتها، وهي بذلك تنسق مع حليفها الاستراتيجي الكيان الصهيوني العدو الأول للعرب والمسلمين بشكل عام وضد حركات المقاومة والتحرير الوطني في فلسطين وكشمير والشيشان والفلبين، وضد الدول التي لم تعلن انصياعها للإملاءات الأمريكية والتي سمتها محور الشر.بينما تقدم دعمها غير المحدود للإرهاب الرسمي الذي تمارسه حكومة السفاح شارون بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وتطلق عليه اسم رجل السلام، وتحول دون تنفيذ قرارات مجلس الأمن بحق الكيان الصهيوني وآخرها إرسال لجنة تقصي الحقائق الى مخيم جنين. إن السياسة الأمريكية العدوانية إزاء كل ما هو عربي وإسلامي تؤكد افتقار الإدارة الأمريكية لأبسط المعايير الأخلاقية. كما تكشف عن حقدها إزاء العرب والمسلمين وأطماعها في بلادهم. وتخطئ الإدارة الأمريكية كثيرًا إن هي ظنت أن هذه السياسة ستحقق للشعب الأمريكي ما يتطلع إليه فهذه السياسة تعزز مشاعر العداء والكراهية بين الشعوب وتزيد من أسباب العنف التي لن يكون أحد بمنأى عن آثارها .
سؤال:ما قصة القوانين المؤقتة في الأردن، وهل لهذا علاقة بترتيبات تجري في المنطقة، أم أن المسألة مجرد قوانين تحكمها ظروف داخلية معينة؟
جواب:فاقت الحكومة الحالية أية حكومة سابقة في جرأتها على إصدار القوانين المؤقتة مستغلة غياب مجلس النواب الذي سنبت بحله كما نبتّ بتأجيل إجراء الانتخابات النيابية. والقوانين المؤقتة تشكل اعتداء على حقوق الشعب الاردني كما تشكل اعتداء على الدستور الذي اقسمت على احترامه، والذي أكد في مواضع عدة أن الأمة مصدر السلطات وأن اللجوء إلى القوانين المؤقتة لا يكون إلا عند الضرورة القصوى، وأخطر ما في هذه القوانين المؤقتة القوانين المتعلقة بالحريات العامة كقانون الانتخاب والاجتماعات العامة ومحكمة أمن الدولة وقانون العقوبات؛ بهدف الحيلولة دون إفراز مجلس نيابي معبر عن إرادة الشعب الأردني، ومصادرة حقه في التعبير وتجريم بعض الأعمال التي أقرتها الشريعة الغراء، وكفلها الدستور الأردني كممارسة حق التعبير والنقد البناء ودعم الأشقاء الذي يخوضون مقاومة وطنية مشروعة، أو يتصدون لعدوان يستهدف سيادتهم ومصالحهم .
سؤال:ما دور الحركة الإسلامية في الأردن -ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي- في دعم ونصرة القضية الفلسطينية، والتواصل مع التجمعات الإسلامية الأخرى في الخارج؟(28/366)
جواب:جبهة العمل الاسلامي تنطلق في مواقفها من مبادئ الإسلام العظيم التي قررت أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للمسلمين، وأن نصرة الأخ واجب يمليه علينا ديننا، وأن رفع الظلم عن المظلوم فريضة، ومن هنا فإن حزب جبهة العمل الإسلامي يرى في المشروع الصهيوني خطرًا ماحقًا يتهدد فلسطين والأمة العربية والإسلامية، ويرى في الانتفاضة الباسلة والمقاومة الفلسطينية طليعة الأمة في الدفاع عن مقدساتها ووطنها ومصالحها، وتأخذ مساندة حزب جبهة العمل الإسلامي لانتفاضة الأقصى والمقاومة الباسلة أشكالاً عدة، في مقدمتها الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني المجاهد من خلال المسيرات، والاعتصامات، والمهرجانات، والندوات، والمحاضرات، والدعم الإعلامي، بإبراز جهاد المجاهدين ومعاناتهم، وفضح جرائم الاحتلال، والدعوة إلى مؤازرة المقاومة المشروعة والدعم الاقتصادي، بدعوة المواطنين إلى تقديم كل أشكال الدعم لشعب يعيش أقسى الظروف وأصعبها، ولانتفاضة تنوب عن الأمة في الدفاع عن الوطن والمقدسات، والتصدي للاختراقات الصهيونية، ومقاومة كل أشكال التطبيع مع العدو التي تشكل تقبلاً للعدو، وتعاونًا معه، وتوفيرًا للظروف التي تمكنه من توسيع مشروعه على حساب العرب والمسلمين، وبالإضافة إلى ذلك العمل على مقاطعة المنتجات والسلع والخدمات الأمريكية بسبب الموقف الأمريكي المتحالف مع العدو الصهيوني، والمعادي لأمتنا حتى لا يصبح العرب والمسلمون مشاركين في العدوان على الشعب الفلسطيني؛ بسبب استمرار التعامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة الامريكية، والذي يصب في خدمة المشروع الصهيوني ودعمه .
============(28/367)
(28/368)
التطبيع عبر "الجودو" يثير جدلا بمصر
القاهرة- محمد جمال عرفة- إسلام أون لاين.نت/ 13-9-2005
شيخ الأزهر
أثارت مشاركة منتخب الجودو الإسرائيلي في بطولة العالم التي استضافتها مصر في الفترة من 5-12 سبتمبر 2005 الجاري، بجوار فرق من 13 دولة عربية، جدلا على الساحة المصرية بعدما اعتبره البعض نوعًا من التطبيع بين العرب والدولة العبرية، في حين قالت مصادر رسمية: إن الأمر لا يعدو كونه رضوخًا لشروط إقامة البطولات الدولية.
هذا الجدل تصاعد أكثر عندما قال الشيخ علي أبو الحسن، مساعد شيخ الأزهر لشئون الفتوى، بتحريم استقبال منتخب إسرائيل للجودو أو أي منتخب إسرائيلي آخر للعب في مصر أو أي دولة مسلمة.
وقال أبو الحسن لصحيفة "المصري اليوم" الثلاثاء 13-9-2005: المشاركة الإسرائيلية في البطولة التي أقيمت على أرض مصر "حرام شرعا، واللعب معهم نوع من التودد المحرم؛ لأنهم خصوم اغتصبوا الأرض والمال والعرض، واللعب والتعاون معهم يعني الرضا بما يفعلون ضدنا".
وتبدو هذه الفتوى متعارضة مع ما سبق أن صرح به شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي يوم 9 سبتمبر 2005 لصحيفة "الجمهورية" الرسمية من أنه "لا يوجد في الدين الإسلامي ما يحرم التطبيع مع الدول الأخرى ومنها إسرائيل، طالما كان التطبيع في غير الدين وفي مجالات تخدم شئون الحياة واحتياجاتها".
نوع من التطبيع
واعتبرت أوساط سياسية وصحيفة مصرية معارضة للتطبيع استضافة سبعة أفراد من فريق الجودو الإسرائيلي في القاهرة "نوعا من التطبيع"، وخصوصًا أن السفير الإسرائيلي بالقاهرة شالوم كوهين حرص على إعلان أن "هذه المشاركة هي خير تجسيد للتطبيع والعلاقات التي تربط مصر بإسرائيل".
كما استغربت صحف مصرية معارضة ومستقلة مشاركة 13 دولة عربية بجوار الدولة العبرية. والدول العربية المشاركة هي: تونس والجزائر والمغرب والسودان والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات والعراق وسوريا وفلسطين ومصر.
قرار دولي
وفي المقابل قالت مصادر رسمية مصرية: إن البطولة عالمية، ومن الصعب أن ترفض مصر استضافة أي فريق فيها، وخاصة أن هناك علاقات دبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب.
وقال اللواء سامح مباشر رئيس اتحاد الجودو المصري: إن قرار مشاركة إسرائيل في البطولة خاص بالاتحاد الدولي كمشرف على البطولات الدولية، وليس بإمكان مصر الاعتراض، وإلا كان الاتحاد سيلغي البطولة.
ولوحظ أن وسائل الإعلام الرسمية المصرية تعمدت التعتيم على البطولة لتفادي الحرج، وربما التخوف من حضور ناشطين مناهضين للتطبيع للبطولات والهتاف ضد الدولة العبرية.
وانتقدت صحيفة "صوت الأمة" المعارضة ما أسمته "إغماض مصر والدول العربية أعينها" عن أن إسرائيل ممنوعة من المشاركة في عدد كبير من البطولات الدولية بسبب توصيفها كدولة احتلال.
وشرحت ذلك بالقول: "اتحادات رياضة الجودو العربية تجاهلت أن خريطة إسرائيل المعتمدة لدى الاتحاد الدولي للجودو، تظهر فيها إسرائيل خلافا للواقع، في حدود عام 1948 فقط، وكأنها انسحبت من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة. وبهذا التدليس والتواطؤ تمكن المنتخب الإسرائيلي للجودو من المشاركة في بطولة العالم المقامة بمصر".
حراسة مشددة
وذكرت الصحف العبرية أن المنتخب الإسرائيلي أقام بأحد فنادق القاهرة تحت حراسة مشددة منذ وصوله، وأن لاعبي المنتخب الإسرائيلي اشتكوا من كونهم "محبوسين" داخل جدران الفندق المحاط هو الآخر بحراسة أمنية مشددة بسبب وجودهم فيه، وأن هذه الحراسات امتدت حتى غرف نومهم.
وتعمدت اللجنة المنظمة للبطولة إخفاء العلم الإسرائيلي بين أعلام الـ100 دولة المشاركة كإجراء أمني كي لا يثير حضور الإسرائيليين حفيظة الجمهور المصري الرافض للتطبيع.
الطريف أن كافة الفرق العربية والفريق الإسرائيلي خسرت بشكل مهين ولم تحصل على أي ميداليات باستثناء حصول لاعب الجزائر عبد الرحمن بن حمادي على الميدالية الفضية في وزن أقل من 81 كيلوجراما.
===========(28/369)
(28/370)
وحدة الصف لا وحدة الرأي (1/4 )
سلمان بن فهد العودة 13/3/1423
25/05/2002
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
في محكمات الكتاب الكريم ، وسنة صلى الله عليه وسلم الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة البليغة الآمرة بالاجتماع ، والناهية عن التفرق ، حتى أصبح هذا الأمر من البدهيات المستقرة عند كل مسلم ، يقول الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 103 ـ 105] .
ويقول الله تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: من الآية46] ، ويقول الله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )[العصر: 1ـ3] إلى غير ذلك من النصوص ؛ ولهذا أصبحت الجماعة والاجتماع على الخير والطاعة من ضروريات الدين ومحكماته ، والعبادات العامة كالصلاة ، والصوم والحج ، والأعياد وغيرها دليل عملي على ذلك .
ووصايا صلى الله عليه وسلم والأحاديث في هذا كثيرة جداً ، لعل من أشهرها حديث مسلم (1715) ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً (وذكر منها) أن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) فهذه الحقيقة واضحة وبدهية ومستقرة في حس كل مسلم ، لكن الشأن في تفعيلها ؛ لأن كثيراً من الإخوة يكون عندهم غيرة شديدة جداً على الدين ، وحرص عظيم على الوحدة ، لكن يفتقدون آلية تطبيق هذه الوحدة ، وبذلك يصبح الإنسان ـ وهو يتباكى على وحدة المسلمين ، وعلى اجتماع كلمتهم ، واجتماع صفهم ـ كأنه يريد من الناس أن يجتمعوا على قناعاته ، وآرائه ، واختياراته ، واجتهاداته ، وهذا أمر متعذر ؛ لأن الناس لم يجتمعوا على من هو خير منه ؛ فأولى أن لا يجتمعوا عليه .
إنما الشأن في القدرة على وجود منهجية نتقبل فيها الخلاف ، بحيث تكون فيها الوحدة على أصول شرعية صحيحة ، وليست على آراء أو اجتهادات خاصة لفرد أو فئة أو طائفة من الناس .
أما وحدة الصف فتعني في الأصل أمة واحدة تحت سلطان واحد يحكمها بشريعة الله سبحانه وتعالى ، وهذا كان منذ عهد صلى الله عليه وسلم ، ثم عهود الخلفاء الراشدين ، ثم عهود الأمم والدول الإسلامية المستقرة التي كانت تحكم المسلمين في مشرق الأرض وفي مغربها ، ويدين لها بالطاعة أهل الإسلام كافة .(28/371)
ولهذا جاء في السنة النبوية من الأحاديث ، والأحكام الصارمة في هذا ما يتعجب منه الإنسان ، منها على سبيل المثال قول صلى الله عليه وسلم : ( من فارق الجماعة شبراً فمات فَمِيتَةٌ جاهلية ) والحديث متفق عليه عند البخاري (7054) ومسلم (1849) من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وكذلك قول صلى الله عليه وسلم : ( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ) و المعنى أن الرسو صلى الله عليه وسلم قد بالغ في التحذير من الخلاف والفرقة ، والحث على الاجتماع والوحدة بحيث إن من خالف ذلك لقي الله ـ تعالى ـ يوم القيامة وليس له حجة ، ( ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم (1850) عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ وكذلك الحديث الثالث ( إنه ستكون هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ـ أي: أحوال وفتن ـ فمن أراد أن يُفَرِّق أمر هذه الأمة , وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ) رواه مسلم (1852) عن عرفجة ـ رضي الله عنه ـ ، وإذا كان هذا أمراً مضى ، وعقد المسلمين قد انفرط منذ فترة طويلة ، وتحولت الدولة الإسلامية الكبيرة إلى دول كثيرة تحكم بأجزاء من الشريعة ، ولا تحكم بأجزاء أخرى , ويكون بينها من الاتفاق ومن الاختلاف ما هو معروف مشهور ، فلا شك أن ذلك الواجب المطلوب من المسلمين في الأصل ، ينتقل إلى المحافظة على المعنى الذي ترمي إليه الشريعة ، وهو صلاح دين المسلمين وصلاح دنياهم ؛ لأن أصل نظام الخلافة ، ونظام الحكم في الإسلام إنما شرع من أجل حفظ الدين وحفظ الدنيا ، كما قال ابن تيمية في السياسة الشرعية : إن المقصود هو حفظ الدين وسياسة الدنيا به .
فينتقل الواجب إلى المحافظة على المعنى ، وهو صلاح دين المسلمين وصلاح دنياهم ، فمما يدخل في هذا ويجب على المسلمين السعي في تحصيله :
أولاً : سلامة الصدور والنفوس من الأغلال ، والأحقاد ، والكراهية ، والضغائن ، والبغضاء وأن يحل محلها التسامح والتغافر والتعاذر والرحمة والشفقة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بينهم) [الفتح: من الآية29] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ثانياً : التعاون على البر والتقوى , وترك التعاون على الإثم والعدوان ، كما أمر الله ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
ثالثاً : العمل ما أمكن في خطوط متوازية ومتعاضدة غير متقاطعة ولا متعاندة ؛ لأن في الناس من لديه همة لإحياء شعيرة من شعائر الدين ، وفيهم من لديه همة لإحياء شعيرة أخرى ، وفي كل خير ، وافتعال الخصومة أو التعاند بين هذه الأعمال الإسلامية المختلفة قد يضيع كثيراً من الجهود ، ويهدر كثيراً من الطاقات ، ويُقعِد الناس عن العمل ، ويحدث عند كثير من العوام ـ بل عند بعض المبتدئين من طلبة العلم ـ نوعاً من البلبلة ، والاختلاط ، والتردد ، والضعف ، وقد يؤثر كثيرٌ منهم أن يبتعد عن المجالات الإسلامية ، والعمل الإسلامي ، والخير والدعوة ، والعلم لما يرى من العداوات ، والبغضاء والتناحر ، ويطلب السلامة لقلبه والسلامة لنفسه في أجواء آمنة هادئة مستقرة ، حتى ولو لم يكن فيها عمل ولا خير ، ولكنها أجواء طبعية بعيدة عن مثل هذا التوتر .
رابعاً : إحياء مبدأ النصيحة ، ومبدأ النصرة كما في الحديث الذي رواه البخاري (6952) عن أنس رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً ؛ أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال: ( تحجزه أو تمنعه من الظلم ؛ فإن ذلك نصره ) ، وفي لفظ ( تأخذ فوق يديه ) عند البخاري (2444) من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ ، وفي لفظ ( تأخذ من نفسه لنفسه ) أي : تأخذ منه ولا تنصره على الباطل ، ولا تواليه ولاءً مطلقاً عاماً في الخير والشر ، وفي الحق والباطل ، وإنما تكون معه على الخير ، وتكون ضده على الخطأ ؛ فلا عصبية لشيخ ولا لمتبوع ، ولا لإمام ، ولا لشخص ، ولا لداعية ، ولا لجماعة ، ولا لطائفة ، ولا لمذهب ؛ وإنما الولاء للحق ، والحق يكون تارة مع هذا وتارة مع هذا ، وأحياناً يكون في الموقف الواحد جزء من الحق مع هذا ، وجزء من الحق مع ذاك ، ويمكن للإنسان مع التدرب أن يتعود كيف يستطيع أن يبحث عن الحق ، لا يلزم أن يصيبه دائماً , لكن أن يبحث عنه هنا وهناك ، حتى لو كان في مقتبل تكوينه ودراسته .
خامساً: ومما يدخل في ذلك الاجتماع على محكمات الشريعة كما يسميها العلماء ، التي أجمع عليها السلف الصالح ، وقبول الخلاف فيما اختلفوا فيه .
فنتفق ونُجمع على ما اجمعوا عليه من محكمات الشريعة ، ونقبل الاختلاف فيما اختلف السلف الصالح فيه ؛ فإذا ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا ، أو الأئمة من السلف الصالح فلا تثريب ولا غرابة أن يقع هذا الاختلاف فيمن كان بعدهم .
وهناك أشياء تناقض هذا المعنى ، وهي كثيرة منها:(28/372)
أولاً : تنزيل النصوص على غير وجهها واعتبار أن الأحاديث الواردة بلزوم الجماعة تنطبق على جماعة خاصة ، أو تنظيم معين ، أو حزب ، أو طائفة ؛ فهذا لا شك أنه قلب للحديث النبوي من كونه دعوة للمسلمين للاجتماع على هذه السلطة العامة المتفق عليها إلى أن يكون اختلافاً ؛ فكل طائفة أو جماعة أو حزب يعتبر هذه الأحاديث خاصة به ، ويلزم الناس بالاتفاق عليه وبيعته وطاعته واتباعه ، ويعتبر من ليس كذلك ؛ أنه قد نزع يداً من طاعة ، وخلع ربقة الإسلام من عنقه ، وإن مات على ذلك فميتته جاهلية ، ويلقى الله يوم القيامة ولا حجة له إلى غير ذلك مما يقع للناس كثيراً ، وهذا مصداق ما أخبر الله ـ تعالى ـ به (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(المؤمنون:53) ؛ فكل طائفة أو جماعة ترى نفسها واجبة اللزوم واجبة الاتباع ، ولا ترى هذا الحق لغيرها .
ثانياً: أن يقوم وجود المرء على أساس تقويض جهود إسلامية أخرى صحيحة ، ليست جهوداً ضالة ، ولا مبتدعة ، ولا محاربة للإسلام ؛ وإنما جهود صحيحة ، وعلى منهج ـ في الجملة ـ سليم ، لكنه يختلف معها في مسائل وجزئيات واجتهادات في تنزيل بعض النصوص على بعض الأحوال ، وهذا مما لا سبيل إلى الفرار منه ؛ فمن الخطأ أن يكون الجهد في ما يكتب ، وما يقال يصب في محاولة مصادرة الآخرين ، أو القضاء عليهم ، أو التحذير منهم أو ما أشبه ذلك من المعاني ، حتى لو افترض أن عندهم شيئاً من التقصير ؛ فهناك من هو أشد تقصيراً منهم ، هناك الكفار الأصليون الظاهرون وجوداً ، والظاهرون قوة وتمكيناً ، وهناك أهل البدعة الظاهرة المتحزبون على بدعهم ، فالاختلاف والتناحر داخل الإطار العام ، الذي أجمع عليه السلف الصالحون ، ليس من المصلحة في شيء .
ثالثاً : الاجتماع على معان خاصة ، أو فروع اجتهادية محتملة ، قد تفصلنا عن الآخرين ، وتجعلنا عرضة للانشقاق ولو بعد حين ؛ لأنها بطبيعتها ليست ثابتة ، بل متغيرة ، و ليست أصولاً بل فروع حولناها إلى أصول بالإلحاح عليها ، وتكبيرها ، وإلا فهي في ابتداءها قد تكون فروعاً اجتهادية ، أو محاولات دعوية لها جوانب خير ، لكن لا يصح أن تتحول إلى أصول
محكمات الشريعة
المحكم في المعنى اللغوي يشمل ثلاثة معانٍ :
أولاً: أن هذا المحكم محفوظ لا يمكن تغييره ولا تبديله فتقول: هذا شيء محكم أي : ليس بمنسوخ فهو ثابت لا يمكن تغييره ولا استبداله.
ثانياً: الواضح البين المفسَّر الذي ليس فيه غموض ولا خفاء.
فهذه المحكمات مع كونها ثابتة مستمرة؛ فإنها واضحة ظاهرة سهلة الفهم، سهلة القبول، سهلة التلقين لعامة الناس .
ثالثاً :كون هذه المحكمات أصولاً ثابتة، ومراجع ترجع إليها الفروع، ويعاد إليها ما خرج منها ؛ فهي أصول ثابتة يتفرع عنها أشياء أخرى .
فهذه المحكمات التي نطلب أن يكون الاتفاق عليها وليس على غيرها هي المسائل الواضحة البينة الأصلية التي جاءت بها الشريعة الربانية، وأجمع عليها الصحابة - رضي الله عنهم - والسلف الصالحون من وجوب عبادة الله - عز وجل - وتحريم الكفر والشرك والنفاق، وتحريم الظلم والربا والفواحش، ومن أركان الإسلام الخمسة المعروفة، وأصول الإيمان الستة المعروفة، وقواعد الأخلاق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم بل جاء بها الأنبياء كلهم كوجوب الصدق، وتحريم الكذب ووجوب العدل وتحريم الظلم، ووجوب البر وتحريم العقوق، وما أشبه ذلك.
ومن ذلك جوامع المنهيات الثابتة في القرآن والسنة كما في حديث السبع الموبقات وغيرها.
ويتحقق من خلال هذه المحكمات أمران عظيمان :
الأول: المحافظة على الدين، على الإيمان بالله ـ تعالى ـ والملائكة، والكتب، والرسل، والنبيين، والإيمان بالقدر، والإيمان بالجنة والنار وما يتعلق بذلك كله، والمحافظة على طاعة الله - عز وجل -، بتطلب رضى الله - تعالى - عن المسلم في الدنيا، وتحقيق النجاة في الدار الآخرة من النار ودخول الجنة .
وهذا يتحقق للمؤمنين المسلمين الذين آمنوا بالله ورسوله واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، وهم الذين يتحقق لهم هذا الأمر على سبيل التحقيق، ولا يتحقق لغيرهم.
الثاني: المحافظة على الدنيا، وهذا ما يعبر عنه العلماء والأصوليون بحفظ الضروريات الخمس التي لابد من حفظها وهي : حفظ الدين، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ النفس، وحفظ العقل.
وكل الأوامر الشرعية والنواهي ؛ فهي تدور حول تحقيق هذه الأشياء الخمسة. وهذه الأشياء تتحقق للمؤمنين ولطوائف من غير المؤمنين ممن عمتهم رحمة الإسلام كالذين يقعون تحت سلطة الإسلام أو يدفع الله - تعالى - عنهم بالإسلام بعض الضرر، والتاريخ زاخر بالأخبار كما قال سعد بن محمد بن الصيفي المعروف بحيص بيص :
ملكْنا فكان العفو منّا سجيةً … …
فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ
وحلَّلتم قتل الأسارى وطالما … …
غدونا على الأسرى نعف ونصفح
فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا … …
وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ(28/373)
ومن أمثلة المحكمات ما رواه الترمذي (3070) وحسنه والبيهقي في شعب الإيمان (7539) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : من سره أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه ؛ فليقرأ هؤلاء الآيات (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [ الأنعام:151-153].
ولذلك أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (35844) عن كعب الأحبار أنه قال : كان أول ما نزل من التوراة عشر آيات، وهي العشر التي أنزلت في آخر سورة الأنعام، وهي ما يسمونها بـ " الوصايا العشر " وعليها مدار الرسالات السماوية، والرسل ـ صلى الله عليهم وسلم جميعاً ـ اتفقوا في أشياء واختلفوا في أشياء، ومما اتفقوا عليه هذه الوصايا العشر التي عليها مدار صلاح الدين والدنيا، وأما ما اختلفوا فيه، فمن الفروع، في الأحكام، والحلال والحرام وغير ذلك من المسائل المؤقتة القابلة للتغيير والتبديل والنسخ، ولهذا قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " إن في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب" ثم قرأ: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)[الأنعام: 151] " رواه الحاكم(3291) وابن أبي حاتم في التفسير، فكأنه سئل عن قول الله - عز وجل - : (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) فأجاب بذلك، [آل عمران: من الآية7] ؛ ومثل ذلك ما رواه الطبري في تفسيره أنه قال ـ يعني ابن عباس ـ : المحكمات هي الآيات الثلاث من سورة الأنعام، وكذلك من سورة الإسراء (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) إلى قوله تعالى :(ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) [الإسراء:39] فهذه الآيات فيها تحديد للمحكمات والقطعيات والضروريات، التي عليها مدار الاجتماع، ومدار وحدة الكلمة .
والمحكمات الواردة في هذين الموضعين من القرآن الكريم عشرة :
أولاً: وجوب عبادة الله وتحريم الشرك به .
ثانياً : وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما .
ثالثاً : وجوب حفظ النفس، وتحريم القتل بغير حق سواء كان قتلاً للقريب كالأولاد، أو للبعيد.
رابعاً : تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
الفواحش الظاهرة كالزنا، وشرب الخمر، والربا وغيرها.
والفواحش الباطنة كالفواحش القلبية مثل: الغل، والحقد، والحسد، والنفاق، وغيرها من المعاني الباطنة، ومثله ما يقع في الخفاء من الفواحش .
خامساً : حفظ المال وأداء الحقوق فيه للمحتاجين، ومن ذلك عدم العدوان على أموال اليتامى وغيرهم.
سادساً : وجوب الوفاء بالعهد والميثاق سواء كان عهداً مع الله - تعالى - أو عهداً مع خلقه، وكلما كان هذا العهد أوثق كان الوفاء به أعظم .
سابعاً : وجوب العدل - وهذا من أعظم الأصول - في الأقوال والأعمال، ووجوب الوزن بالقسط (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) [الرحمن:9].
ثامناً : تحريم الكبر، وتحريم الأخلاق المذمومة كلها بعامة، والأخلاق المذمومة تعرف بالشريعة، وتعرف بالعقل، وتعرف بالفطرة.
تاسعاً : وجوب اتباع صراط الله المستقيم وتجنب السبل المضلة (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]
عاشراً : ترك قفو الإنسان ما ليس له به علم، واستشعار الإنسان المسؤولية عن السمع والبصر والفؤاد واللسان (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36].
ومما يدخل في هذا أن كثيراً من الناس ينهمكون في ضرورة تكوين رأي عن كل قضية، وقد لا يكونون متأهلين لذلك، إما بحكم حداثة السن، أو قلة الفقه في المسألة، أو قلة الاطلاع على تفاصيلها، أو للانشغال بما هو أولى وأهم منها، ومع ذلك قد يصر على أن يكون له رأيٌ في كل مسألة يرى الناس يصطرعون حولها أو يختلفون فيها، وكان الأولى به أن يتجاوز هذه النقطة ويتركها إلى ما هو أولى وأهم منها.(28/374)
يقول ابن تيمية : إن الرسل كلهم - عليهم الصلاة والسلام - متفقون في الدين الجامع في الأمور الاعتقادية والأمور العلمية كالإيمان بالله تعالى والملائكة والكتاب والنبيين ... إلى غير ذلك وكذلك الأصول العملية كالأعمال المذكورة في سورة الأنعام ؛ فهذا من الدين الجامع الذي اتفق عليه الرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام
التأسيس لوحدة الصف
إن بناءَ الوحدة الأُخَويَّة الإيمانية بين المسلمين بعامة، والدعاة وطلبة العلم بخاصة على هذه العِصَم الكبار من أصول الشريعة، ومحكمات الدين ضمانٌ لديمومتها واستمرارها وحماية لها من التصدع والانشقاق والانهيار؛ لأن هذه المسائل واضحة لا لَبْس فيها، وهي أصول وقواعد يرد إليها غيرها، وهي -أيضاً- ثابتة مستقرة لا مجال للخلاف، أو التردد، أو الشك، أو الطعن فيها، فلا يمكن -بعد أن تمضي علينا سنوات ونقطع جزءاً من الطريق- أن نعود أدراجنا لنجادل في هذه المحكمات -مثلاً- أو في هذه الثوابت، أو في هذه القواعد المستقرة؛ فينشق منها مجموعة تخالف في أصل أو ثابت، فهذا يعدُّ نوعاً من الضلال، ولذلك إذا كانت الوحدة مبنية على هذه الأصول الكبار العظيمة، ووفق الفهم الشرعي السليم البعيد عن الانحياز فإنها تكون وحدةً راسخة ثابتة مستقرة لا تتغير بالمتغيرات؛ والمتفقون عليها بمأمن من الخلاف الذي يُحْدِث الفرقة والانشقاق، بينما بناء الوحدة على غير هذه الأسس أو عليها، ولكن مضافاً إليها شروط، وفروع، وتفاصيل، واجتهادات، ومفردات أخرى يجعل هذه الوحدة عرضةً للخلاف كلما مر جزء من الوقت، وكلما تنوعت الاجتهادات، وكلما كثر الناس، وكبرت عقولهم، واتسع علمهم، وبحثوا وحققوا.
ولذلك تجد الطلبة -مثلاً- حينما يتلقون عن شيخهم أول الأمر؛ فإنهم يأخذون اجتهاداته وترجيحاته مأخذ التسليم؛ لأنه ليس عندهم تأهل علمي للبحث، والتحري، والمراجعة، والتصحيح، والتحقيق، لكن عندما يكبرون، وتتسع علومهم ومداركهم، ويتحولون إلى نوع من الاجتهاد، والبحث في الكتب، والنظر في أقوال أهل العلم، يبدؤون بمخالفة شيوخهم في الاجتهادات أحياناً، وقد يختارون من الأقوال غير ما اختار شيوخهم، وقد يوافقونهم على بعض الأمور، وقد يوافقونهم على جزء من القول، ويخالفونهم على جزء آخر منه، فهنا لم تكن الوحدة، ولم يكن الولاء مبنياً على هذه المفردات، أو على هذه الفروع، أو على هذه الاجتهاديات القابلة للمراجعة، وللنظر وللتصحيح، فلو كانت الوحدة مبنية على هذا لكان بناءً على غير أساس، أو على أساس من الملح إذا جاءه المطر ذاب وانهار، أما إذا كان البناء مبنياً على قواعد راسخة وصلبة من البناء القوي المتين المحكم فإنه يكون بمنجاة من التعرض للخلل أو الاهتزاز يوماً من الأيام.
فإذا كانت الوحدة وكان الولاء مبنياً على اختيار قول فقهي خلافي، ومنابذة من خالف هذا القول سواءً كان في مسائل العبادات أو المعاملات أو غيرها، أو بنيت الوحدة على فرع ينتج من تطبيق مبدأ على محلّه، فقد يكون المبدأ متفقاً عليه، لكن تطبيقه على المحل موضع اختلاف بين النظار والفقهاء، كذلك إذا بنيت على رأي خاص في بعض النوازل وبعض المسائل الاجتهادية الطارئة.
فمثلاً: قوم اجتمعوا وتحالفوا على التزام جلسة الاستراحة في الصلاة، واعتبار أن من الشروط الإيمان بأن هذه الجلسة مطلوبة، بل يبالغ بعضهم ويقول: إن هذه الجلسة وإن كانت مستحبة إلا أنها أصبحت شعاراً لنا يميزنا عن غيرنا من الناس من المسلمين، مع أن التميّز عن عامة المسلمين ليس مطلوباً في الأصل إلا أن يكون تميّزاً بحقٍ لابد للإنسان منه، من غير أن يتقصد أو يتعمد التميّز أو الشهرة عن جماعة المسلمين، وإذا كان الاتفاق والولاء والوحدة مبنية على الجهر بالبسملة في الصلاة، أو الإسرار بها، أو على وضع اليدين على الصدر أو أسفل من ذلك، أو على القنوت في الصلاة أو ترك القنوت، أو على القول بإبطال الحجامة للصيام، أو على الحكم بتكفير شخص أو جماعة، أو فئة، أو طائفة، أو بدعية هؤلاء مما ليس أمراًً قطعياً ولا ظاهراً؛ وإنما قد يكون -على أحسن الأحوال- محلَّ نظر وتردد واجتهاد، وقد يكون خطأً من قائله؛ فإذا كان الاجتماع مبنياً على مثل هذه المعاني فإن معنى ذلك أن الوحدة عرضة للتغيّر بعد حين، وهو اجتماع -لا محالة- آيل إلى الفراق؛ لأن هذه الأمور مع تقدم الوقت، وسماع الإنسان أدلة أخرى ووجهات نظر أخرى تتغير قناعته، ويبدأ التحرير والبحث والتحقيق؛ خصوصاً إذا كان عنده قدر من الولاء للحق والرغبة في الوصول إليه؛ فيؤول الأمر إلى انشقاق طويل عريض.(28/375)
والاجتماع لا يكون إلا على قبول الاختلاف، فقد اختلف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في حالات متعددة والوحي يتنزل عليهم صباح مساء، ومن ذلك قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- لما ذهب إلى ربه وترك أخاه هارون مع قومه، وقال له:"اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"[الأعراف:142]؛ فعبد بنو إسرائيل -من بعد موسى- عجلاً "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ"[الأعراف:148]؛ فنهاهم هارون -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك وقال: إنما هذا من الشيطان وإنما فتنتم به, وأمرهم باتباع موسى -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه بقي معهم، فلما جاء موسى -عليه الصلاة والسلام- ورأى ما رأى غضب "وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ"[الأعراف:150]، وعاتبه على ذلك: "قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي"[طه: 92, 93] فكان موسى يعتب على هارون، ويطالبه بموقف آخر مختلف غير الذي فعل؛ فيقول له هارون:"يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي"[طه:94] أي: أنا نظرت إلى الموضوع من زاوية ثانية رأيت ألاّ أفرق هؤلاء، وأن أبقى معهم حتى تعود وترى فيهم رأيك وأمرك؛ ولهذا قال قتادة عند هذه الآية: قد كره الصالحون الفرقة قبلكم.
فهارون -عليه الصلاة والسلام- كان مأخذه الحرص على بقائهم واجتماعهم حتى يأتي موسى -عليه الصلاة والسلام- فيعالج الأمر بما يراه، مع أنه بذل لهم النصيحة والوسع, فهذا نموذج للاختلاف في معالجة بعض المواقف الطارئة أو المستجدة, أو ما يسمى -لدى الفقهاء- بالنوازل, حتى بين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
وذلك أنه اختلاف اجتهادي إجرائي مبناه على تحصيل مصلحة الإسلام العليا, وليس توحيد الله -تعالى- محل خلاف, بل هو دعوة الأنبياء جميعاً, ولا رفض الشرك وأهله محل خلاف, بل هو جزء من شهادة أن لا إله إلا الله, وإنما الاختلاف جرى في طريقة تحصيل أعلى المصلحتين, ودفع أعلى المفسدتين, ونعوذ بالله أن يبلغ الجهل بأحد أن يصنف هذا التفاوت على أنه خلاف في الأصول والثوابت, فهذا تنقيص من مقام الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
ومن هذا الباب قصة موسى والخضر، التي حكاها الله -تعالى- في كتابه في سورة الكهف وقد اعترض موسى على الخضر ثلاثًا فقال:"أخرقتها لتغرق أهلها" "أقتلت نفساً زكية بغير نفس" "لو شئت لاتخذت عليه أجرا" وبيَّن له الخضر بعدُ سرَّ ما رآه , محتجاً بالوحي "وما فعلته عن أمري".
وهذا درس عظيم رفيع في فقه الصحبة والتعامل مع الخلاف والتراجع, ودرس رديف في الصبر وطول النَّفَس؛ لأن كثيرًا من الناس لا يصبر على ما لم يُحِطْ به خُبْرا.
وموسى -عليه الصلاة والسلام- كان نبياً رسولاً من أولي العزم, وكانت الأولى منه نسياناً, والثانية إنكاراً على ما ظهر له مخالفته للشريعة... ويتأمل ماذا كانت الثالثة؟ فالله أعلم.
وكذلك قصة احتجاج آدم وموسى، وهي في البخاري (6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة! قال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده, أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فحج آدمُ موسى, فحج آدمُ موسى" ثلاثا, وهذا الحديث ليس هذا محل تفصيله, ولابن تيمية رسالة لطيفة بعنوان (الاحتجاج بالقدر) يمكن مراجعتها، وإنما المقصود هنا أنه حصل بين آدم وبين موسى -عليهما السلام- نوع من المراجعة والاختلاف, فموسى -عليه السلام- عاتب آدم -عليه السلام- على شيء، وآدم -عليه السلام- رد بجوابٍ آخر, والنبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بينهما وبين أن حجة آدم -عليه السلام- أغلبُ وأصوب؛ لأنه احتج بقدر على أمرٍ مضى وانقضى وعلى أمرٍ قد تاب منه وأناب و اجتباه ربه وتاب عليه وهدى.
وفي قصة موسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- في حادثة المعراج, وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر على موسى -عليه السلام- وأخبره بالصلوات الخمسين وفرضيتها, قال: إني قد عالجت بني إسرائيل قبلك أشد المعالجة, وإن أمتك لا تطيق ذلك, ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان آخر ذلك أنه قال - صلى الله عليه وسلم - له راجع ربك, فقال - صلى الله عليه وسلم -:"قد استحييت من ربي" انظر ما رواه البخاري (349) ومسلم (162) من حديث أنس -رضي الله عنه-.(28/376)
فهنا مراجعة, ومحاولة إقناع واقتراح وإلحاح، لكنها -أيضاً- في حدود معينة, ولا شك أن موسى -عليه السلام- كان له مأخذ من خلال تجربة ومعايشة مع بني إسرائيل, ورأى في بني إسرائيل من التلوّم، والضعف، والتراجع، والتردد ما جعله يقول هذا, والنبي - صلى الله عليه وسلم - استجاب له أولاً، وثانياً، وثالثاً, حتى استحيا من ربه, وكان في هذا حكمة بالغة؛ لأن في هذه الأمة المحمدية الخاتمة من الفضل والمكانة، والسؤود والرفعة ما ليس لبني إسرائيل.
فهذا أمرٌ جبل الله -تعالى- عليه العباد, ومن الخطأ أن نظن أن فلاناً أتقى لله -تبارك وتعالى- لأنه أشد في الدين أو في المواقف؛ فالشدة هنا قد تكون في طبعه، وهي خارجة عن اللزوم الشرعي.
عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟" قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومُك وأهلُك، استَبْقِهِمْ، واستأْنِ بهم، لعل الله أن يتوب عليهم، قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذَّبوك، قَرِّبهم فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة:يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم أَضْرِم عليهم ناراً. قال: فقال العباس: قَطَعْتَ رَحِمَك. قال: فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يرُدَّ عليهم شيئاً، قال: فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إن الله لَيُلِيْنُ قلوب رجالٍ فيه، حتى تكون أَلْيَن من اللبن، وإن الله ليشُدُّ قلوب رجال فيه، حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مَثَلَك يا أبا بكر كَمَثَل إبراهيم -عليه السلام-، قال:"فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" ومَثَلُك يا أبا بكر كَمَثَل عيسى، قال:"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" وإن مثلك يا عمر كمثل نوح، قال:"ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" وإن مثلك يا عمر كمثل موسى، قال:"ربِّ اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" ..." الحديث رواه الترمذي (1714) وأحمد (3632).
فاللين هنا محمود؛ لأنه في الله -سبحانه وتعالى- لكنه تكويني وجبلي, فقد يكون من طبعي أنني لين, وأحب أن يسلم الناس, وأن يؤمنوا وأن يتقوا الله -سبحانه وتعالى- فأرفق بهم، وأوسع عليهم رغبة في تأليفهم على الإسلام، وهذا نموذجه أبو بكر -رضي الله عنه-, ولهذا قال:"إن الله ليلين قلوب رجال فيه"، وليس هذا اللين خارجاً عن الشريعة, مثل أن يكون إقراراً لهم على معصية، أو موافقة لهم على مخالفة شرعية صريحة، أو ما أشبه ذلك من المعاني، كذلك التشديد لما قال:"ليشدد قلوب رجال فيه" هذه الشدة ليست مذمومة، فليست تنطعاً ولا غلواً، ولا إجحافاً، ولا إهداراً لحق الآخرين، وإنما هي شدة في الله -تبارك وتعالى- ولهذا قال:"حتى تكون أشد من الحجارة" فلا يفهم أن هذه قسوة مذمومة كقوله -تعالى-:"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً"[البقرة: 74], وإنما هي شدة في الحق سببها الغضب لله -عز وجل-, والخيمة لدينه, فاللين مثاله أبو بكر -رضي الله عنه-, والشدة مثالها عمر -رضي الله عنه-، وأبو بكر أفضل من عمر -رضي الله عنهما- فلو وزن إيمانه بالأمة لوسعهم، وهو صدّيق هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاء في مدحه من الفضائل ما لم يأت لغيره من الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-.
فليس اللين -في حد ذاته- علامة على صدق التدين، كما أن الشدة والقوة ليست علامة على صدق التدين أيضاً.
التدين قد يكون سواء, لكنني عبرت عن التدين من خلال تكويني الذي جبلني الله -تعالى- عليه، وهو اللين، وأنت قد تكون عبرت عن هذا التدين بما جبلك الله -تعالى- عليه وهو القوة والشدة، وفي كلٍّ خير.
فها نحن نرى الخلاف -بعد ما رأيناه مع أنبياء الله ورسله- بين أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في مسألة اجتهادية تتعلق بالأسرى، ولهذا نظائر كثيرة جداً لا يمكن إحصاؤها، كاختلافهم في بني قريظة وهو معروف، واختلافهم في تولية بعض الأمراء كقصة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في سورة الحجرات، واختلافهم فيما لا يحصى من المسائل الفقهية في العبادات، والبيوع، والأنكحة، وغيرها.
وهذا كله مما لا حيلة في دفعه ، فهو أمر واقع لا مفرَّ منه؛ لأنه مترتب على طريقة تفكير الناس وتكوينهم وطبيعتهم وما جَبَلَهُم الله -تعالى- عليه، وأيضاً على علمهم ومدى ما وصلوا إليه من تصحيح نصٍ أو تضعيفه، ومن فهمه على وجهه أو على وجه آخر, أو ما أشبه ذلك من الاعتبارات التي ذكر كثيرًا منها الإمام ابن تيمية في كتابه "رفعُ الملامِ عن الأئمةِ الأعلامِ".(28/377)
والمعاندة لهذا الاختلاف مما لا مصلحة فيه؛ لأنها معاندة للفطرة, ومعاندة للجبلة والطبيعة التي فطر الله الناس عليها، فلم يبق إلا تسويغه وقبوله وفق ضابط أصلي وهو ألاَّ يقع هذا الخلاف في الضروريات وفي المحكمات التي أجمع عليها السلف -رضي الله عنهم-، ولا مانع من استقراء ضوابط أخرى في بعض الأحيان مما يكون في حدود الاعتدال، وتكون للمدارسة والمراجعة، ولا يكون هذا إخلالاً بالمحكمات، وهذا مما لابد منه، وهو أمر واضح مستقر -كما أسلفنا-.
(في الفروع لا الأصول)
ويكون الخلاف في الفروع وليس في الأصول، فالسلف متفقون -مثلاً- على أن الصلاة ركن من أركان الإسلام, وأن من جحد وجوبها فهو كافر؛ لكنهم مختلفون في صفة الصلاة وتفاصيلها، وفي بعض شروطها، وفي بعض واجباتها، وفي حكم تاركها؛ فلا يجوز أن تحوّل نقطة من هذه النقاط إلى محل وحدة، وأن الخلاف فيها يفضي إلى فرقة، وتنازع، وتحزب، واتهام.
جاءني سؤال من بعض الإخوة يقول: إن عندنا قوماً في بعض الدول الإسلامية -دول المغرب العربي- يقولون: إن من جادل في كفر تارك الصلاة فهو ليس من الفرقة الناجية, وهذا الكلام ليس بصحيح لعدة أمور:
أولاً: هذا القول لم يقل به أحد من السلف.
ثانياً: هذا القول يترتب عليه أن يكون الإمام مالك والشافعي وأبو حنيفة ليسوا من الفرقة الناجية؛ لأنهم لا يقولون بكفر تارك الصلاة.
ولذا فقد أُرَجِّح أن تارك الصلاة كافر, أو أرجح كما رجَّح الإمام ابن تيمية أن التارك بالكلية الذي يترك ولا يصلي ليلاً ولا نهاراً، ولا في رمضان ولا غيره، ولا جمعة ولا جماعة، ولا بالمناسبات بل هو مقاطع للصلاة مقاطعة تامة أن هذا يكون في عداد الكافرين؛ للنصوص الواردة.
ولكن تبقى المسألة من مسائل الفقه التي وقع فيها الخلاف بين السلف, فكوني أرجح قولاً وأختاره, هذا لا تثريب فيه , لكن كوني أنقل اختياري وترجيحي وأدخله ضمن المحكمات التي لا تكون الوحدة ولا الاجتماع إلا عليها, ومن خالف فيها أخرجته من الفرقة الناجية أومن السلف الصالح، فهذا غلط ظاهر, وفيه مصادرة لاجتهادات ربما كانت أصوب من غيرها.
وكذلك نجد أن السلف متفقون على ربانية القرآن الكريم, وأنه من عند الله -سبحانه وتعالى- وأنه منزل غير مخلوق, ومتفقون على مرجعية القرآن, ولكنهم قد يختلفون في تفسير آية من القرآن الكريم، هل الآية محكمة أو منسوخة؟ وقد يختلفون في بعض الحروف والقراءات الواردة في القرآن الكريم.
وكذلك هم متفقون على مرجعية السنة النبوية "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"[الحشر:7] ولكنهم قد يختلفون في تصحيح حديث أو تضعيفه, أو الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، ويختلفون في فهم بعض النصوص؛ ولهذا جرى الخُلْف بينهم -رضي الله عنهم-، حتى في بعض الأشياء الظاهرة التي قد يستغرب البعض كيف اختلفوا فيها؟!
فقد اختلفوا في الأذان, وهو يُردَّد كل يوم وليلة خمس مرات منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك اختلف النقل في صفة الأذان، وفي صفة الإقامة، وفي القنوت، وفي الجهر بالبسملة، وفي مواقيت الصلاة، وفي حروف القراءات، وفي أنواع التشهد، وفي صفة الحج وغيرها من أحكام الأنساك، وفي مقادير الزكاة، والأموال الزكوية وغير الزكوية.
واختلفوا من ذلك في شيء عظيم، كما هو معروف في مظانّه من كتب الفقه. ووجود هذا الاختلاف لا يعني أن الإنسان ينتقي حسب ما يشتهي، بل يدع هذا لطلبة العلم الذين يرجحون وفق ضوابط وقواعد مقررة معتبره.
(في الوسائل لا المقاصد)
ويكون الخلاف في الوسائل وليس في المقاصد, فالمقاصد شرع متفق عليه كما ذكرنا , مما هو في حفظ الضروريات الخمس, والدعوة إلى الله -تعالى- كمثال هي من المقاصد الشرعية المتفق عليها, وأجمع المسلمون على وجوب الدعوة إلى الله -تعالى-، وأنها فرض إما عيناً أو كفاية:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"[النحل: 125]، "وَادْعُ إِلَى رَبِّك"[الحج: 67]، "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ"[يوسف:108] لكن وسائل الدعوة تختلف من زمان إلى زمان، ومن بلد إلى بلد؛ لأن الأصل في هذه الوسائل الإباحة, وقد يجدُّ للناس وسائل جديدة, وتنتقل بعض الوسائل من الإباحة إلى الوجوب أحياناً لعارض يجعل الدعوة والتبليغ لا يتحقق إلا بواسطتها؛ فنجد أن الاختلاف في وسائل الإعلام اليوم، أو وسائل الاتصال من الاختلاف السائغ الذي لا يوجب الاجتهاد فيه نوعاً من المغاضبة ولا التفرق, بل يجب أن ندرك أن الهدف والمقصد هو نشر الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، وإيصالها إلى الناس وإلى المحتاجين وإلى من يجهلونها، ومخاطبة شرائح عريضة بمثل هذا الأمر دون حجر، أو تثريب، أو تشغيب.
(اختلاف تنوُّع)(28/378)
ويكون الاختلاف في أمور مما يسميه العلماء اختلاف التنوع, فهناك -مثلاً- فروض الكفايات، هناك من يقوم بأمر الدعوة إلى الله وتبليغ الدين، وهناك من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول:"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"[آل عمران:104] أي: أمة من مجموعكم, فينبري لهذا العمل طائفة من الناس, وهناك فروض يقوم بها أقوامٌ آخرون، والجهاد أيضاً هو من الفروض التي ينبري لها أقوام سخرهم الله -سبحانه وتعالى- واستعملهم في ذلك ممن يجودون بأرواحهم إذا ظن الناس وأحجموا, وهناك العلم والتعلم تقوم به طوائف من العلماء، والمتفقهين، والمعلمين الشرعيين وغيرهم, وهكذا جميع متطلبات الحياة, بل إن الذين يقومون على معاش الناس، وعلى مصالحهم وصحتهم وعلاجهم، وسفرهم وإقامتهم وحمايتهم، كل هؤلاء يقومون بفروض كفايات تحتاجها الأمة, ولا بد لها منها سواء عرفوا هذا أم لم يعرفوه، احتسبوا فيه أم لم يحتسبوا إلا أنهم في الجملة يقومون بأشياء من فروض الكفايات، ولا يلزم لمن فتح الله -تعالى- له باب خير أن يزدري ما لدى الآخرين؛ لأن هذا يدخل في قول الله -تعالى-:"وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"[المائدة: 13]، فالشريعة والملة لا يستطيع أن يحيط بها فرد واحد, وإنما لابد فيها للأمة كلها, فيقوم أقوام بجانب، ويقوم آخرون بجانب، ونسيان حظ مما ذكرنا به هو من أسباب العداوة والبغضاء.
يقول الإمام ابن تيمية -مجموع الفتاوى (1/12 ـ 17)-:"فأخبر الله -تعالى- أن نسيانهم -يعني أهل الكتاب- حظاً مما ذُكِّروا به، وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به كان سبباً لإغراء العداوة والبغضاء بينهم, وهذا هو الواقع في أهل ملتنا, مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها وكثير من فروعه، ومثلما نجده بين العلماء والعباد ممن يغلب عليهم الموسوية، أو العيسوية -يعني: التشبه باليهود، أو التشبه بالنصارى- حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين اللتين قالت كل واحدة ليست الأخرى على شيء -يعني كما قال الله -تعالى-:"وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ"[البقرة:113]، وهكذا النصارى قالوا:"لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ"[البقرة:113]؛- ثم قال: كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة، والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة، كل منهما ينفي طريقة الآخر, ويدعي أنه ليس من أهل الدين، أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من أهل الدين- أي: إما يدعي هذا بقوله أو بفعله- فتقع بينهما العداوة والبغضاء، وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- أمر بطهارة القلب، وأمر بطهارة البدن, وكلا الطهارتين من الدين الذي أمر الله به وأوجبه... فنجد كثيراً من المتفقهه والمتعبده إنما همه طهارة البدن فقط ويزيد على المشروع اهتماماً وعملاً ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجاباً أو استحباباً، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك- يعني: طهارة البدن- ونجد كثيراً من المتصوفة والمتفقرة -أي : الفقراء- إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماماً وعملاً، ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجاباً أو استحباباً, فالأولون -الذين هم المتفقهة- يخرجون إلى الوسوسة المذمومة في كثرة صب الماء، وتنجيس ما ليس بنجس, واجتناب ما لا يشرع اجتنابه, مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسد والكبر والغل لإخوانهم -ولا يقصد التعميم وإنما طائفة من الناس- وفي ذلك مشابهة بينة لليهود, والآخرون -يعني: المتصوفة- يخرجون إلى الغفلة المذمومة؛ فيبالغون في سلامة الباطن حتى يجعلون الجهل بما تجب معرفته من الشر الذي يجب اتقاؤه، يجعلون ذلك من سلامة الباطن، ولا يفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهي عنه وبين سلامة القلب من معرفة الشر المعرفة المأمور بها، ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات ، ولا يقيمون الطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى، وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به، والبغي الذي هو مجاوزة الحد إما تفريطاً وتضييعاً للحق، أو عدواناً وفعلاً للظلم, والبغي تارةً يكون من بعضهم على بعض، وتارةً يكون في حقوق الله -تعالى- وهما متلازمان، ولهذا قال الله -تعالى-:"بَغْياً بَيْنَهُمْ"[آل عمران:19]، فإن كل طائفة بَغَتْ على الأخرى فلم تعرف حقها الذي بأيديها، ولم تكُفَّ عن العدوان عليها... فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمعُ الدين, والعمل به كله, وهو عبادة الله وحده لا شريك له, كما أمر به باطناً وظاهراً.
وسبب الفرقة: ترك حظٍّ مما أُمِر العبد به, والبغي بينهم.
ونتيجة الجماعة: رحمة الله, ورضوانه, وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة, وبياض الوجوه.
ونتيجة الفرقة: عذاب الله, ولعنته, وسواد الوجوه, وبراءة الرسول منهم" انتهى كلامه -رحمه الله-.(28/379)
وإذا كان الشيخ -رحمه الله- تكلم بهذا المثال الذي ينبع من صميم واقعه ومعاناته؛ فإن بإمكانك أن تنقل هذا المثال إلى كثير من المتنافسين اليوم حتى من أهل الخير، وأهل الاتباع، وأهل السنة، فتجد بينهم من المنافسة في الأمور العلمية، أو العملية، أو التعبدية، أو أصناف الخير ذلك ما يفضي إلى هذه المجافاة، وإلى ازدراء وتحقير ما عند الآخرين، وإلى البغي والعدوان والاستطالة عليهم, وما أشبه ذلك من مصادرة الجهود والتقصير في حقوق الأُخوّة(28/380)
(28/381)
(قسمة ثلاثية)
هناك قسمة ثلاثية دارجة في كثير من الأشياء : أعلى وأدنى ووسط .
يقع هذا في المال، هذا غني وذاك فقير وهذا وسط، وغالب الناس يقعون في منطقة الوسط، ويقع هذا في الجمال؛ فهناك من هو مفرط الجمال، وهناك من هو دميم وهناك الوسط وهم غالبية الناس، ويقع هذا في القوة فهناك الأيّدُ الشديد، وهناك الضعيف، وهناك الوسط بينهم، ويقع ذلك في العلم؛ فهناك العالم المتبحر، وهناك الجاهل المركب، وهناك الوسط وهم غالب الناس، ويقع هذا في الدين وفي الصدق وفي الأخلاق وفي البر ...
ففي كل الأشياء أوجلّها هناك قسمة ثلاثية تقريبية يمكن أن يقسم الناس أو يصنفوا إليها، فمن الناس من يستولي على الذروة العليا، ويكون في أسنى المقامات، ومنهم من يكون في أحط المنازل وأقلها، ومنهم الوسط وهم الغالب الكثير السواد الأعظم وقد يكون من ذلك الاعتدال، فهناك من يكون في غاية الاعتدال وهناك من هو ضعيف الاعتدال، وهناك من هو متوسط في ذلك .
فلم لا نقبل بأن يتكامل الصف الإسلامي ويتشكل في ثلاث دوائر عريضة ؟
الدائرة الأولى : دائرة الوسط، وهي الكثرة الكاثرة من العلماء والمصلحين والدعاة والعامة، التي لديها قدر من الاعتدال وقدر من التوسط وإن كانت تتفاوت فيما بينها، فهي ليست على قلب رجل واحد، لكن يحكمها هذا الإطار العام .
الدائرة الثانية : الدائرة التي تأخذ بالقوة والشدة وهي دائرة تنبري للمواقف الصعبة وتتصدى لها يتناسب هذا مع تكوينها الشخصي وبنائها النفسي ويحقق في الوقت ذاته القيام بجوانب من الشريعة قد يفوت غيرهم القيام بها لكن شريطة ألاّ تشتمل هذه القوة والشدة على خروج عن الحد الشرعي عن المحكمات التي ذكرناها إلى نوع من الغلو في الدين.
ونجد أن الحاجة إلى هذه الدائرة ضرورية؛ لأن هناك قطاعاً من الناس لا يصلح لهم ولا يتجاوب مع تكوينهم وعقولهم إلا هذا، ولأنك تجد أيضاً في عدوك وخصمك من المتطرفين والغلاة والمبالغين في الشدة والقسوة من لا بد أن يواجهوا بمثلهم، وكما يقال :
الشرُّ إن تلْقَه بالخير ضِقتَ به … …
ذرعاً وإن تلْقَه بالشرِ ينحسمِ
والناسُ إن تركوا البرهان واعتسفوا … …
فالحرب أجدى على الدنيا من السَلَمِ
الدائرة الثالثة : هي التي يغلب عليها اللين والتسامح , وربما شيئاً من التساهل، لكن شريطة ألاّ يتحول هذا إلى تشكيك في الثوابت , ولا زلزلة للقناعات الضرورية والمحكمات المتفق عليها , وهذا لا بد من القبول به ضمن الإطار العام الذي قررناه وأصّلناه .
ويشترط لهذه الدوائر الثلاث - لكي تؤدي دورها بصدق - شروط أهمها:
أولاًَ : عدم نسيان ما عند الآخرين، بحيث لا تفرض دائرة من هذه الدوائر نظامها وبرنامجها على الآخرين, فترى أن ما تقوم به أو ما تتجمع عليه هو المنهج والحق الذي يجب على الآخرين اتباعه والانسياق معها عليه , بل تكتفي باعتقاد أن هذا هو المناسب لها ولتكوينها ومواهبها وطاقاتها , وغيرها على خير أيضاً, بحيث نقول: هذا هو الدور الذي ننتدب أنفسنا للقيام به, وهذا هو المتوافق مع تكويننا العقلي والنفسي, وهذا جزء من الحكمة الإلهية في التنوع البشري في الأعمال والمهمات, والآخرون أيضاً لهم أدوار مماثلة , وقد تكون فاضلة أيضاً, فيكون الشعار أن كلاً منا على ثغر من ثغور الإسلام, فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبله، ولا يكون الشعار أن هؤلاء ليسوا على شيء , وأولئك يقولون : هؤلاء ليسوا على شيء , كما قال أهل الكتاب من قبلنا .
ما أنا عليه أو ما أنت عليه هو صورة من صور الحق، ولكن الحق ليس منحصراً فيما عندك أو فيما عندي، بل الحق أوسع من ذلك .
ثانياً: ويشترط التزام كل طائفة بضوابط شرعية لابد منها , وأقل ما يقال في هذه الضوابط أن تكون التزاماً بمحكمات الشريعة التي ذكرناها , فلا يتحول الأمر إلى فوضى أو تسيب أو غلو مذموم أو تضييع وتمييع للدين وأصوله ومحكماته , أو حتى ادعاء الإنسان للوسطية في غير مصداقية , وفي البخاري (39) ومسلم (2816) من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الدَّين يسر ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقارِبوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلْجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا) فهذا يشهد لما ذكرنا .
وينبغي أن تكون الردود ـ وإن شئت قل التراشق ـ فيما بينهم على أضيق نطاق ممكن , وحبذا ألاّ يكون تراشق , وأن يكون التحاور بالحسنى , وتقديم حسن الظن , وحفظ الحقوق ومعرفة الثغرة التي هم عليها , والجهد والجهاد الذي يقومون به , وعدم تشاغلهم ببعض , ويمكن لمن يعتقد حقاً أن يبينه ولا يلزم أن يكون هذا البيان من خلال التقاطع مع الآخرين , أو الرد على زيد أو نقض ما جاء به عبيد, وإن كنت أرى -من وجه آخر - ضرورة تطبيع شباب الصحوة وطلبة العلم وعموم الناس على تقبل الخلاف في الرأي , وأن الخلاف لا يفسد للود قضية , وأن تنوع آراء العلماء لا يعني الوقوع في الخلاف المذموم بالضرورة, ولا يعني انشطار الصف, وإنما المشكلة هي فيما زاد على الخلاف من تحول الخلاف إلى بغي وعدوان وفجور في الخصومة.(28/382)
والمشكلة الأعظم هي في الأتباع الذين يتعصب بعضهم لهذا، وبعضهم لهذا ويضخمون الأمور ويبالغون في النقل ويكذبون؛ ولذلك يقول الإمام ابن تيمية : " ومن نصب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً , وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قومٍ من المؤمنين مثل أتباع الأئمة والمشايخ؛ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم المعيار فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم، فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به فهذا زاجر , وكمائن القلوب تظهر عند المحن ... وليس لأحدٍ أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها؛ لكونها قول أصحابه, ولا يناجز عليها بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله , أو مما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي للداعي أن يقدم فيما استدلوا به إلا القرآن الكريم أولاً؛ فإنه نور وهدى، ثم يجعل كلام إمام الأئمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم كلام الأئمة , ولا يخلو الداعية من أمرين :
الأول: أن يكون مجتهداً؛ فالمجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة , ثم يرجِّح ما ينبغي ترجيحه .
الثاني: المقلِّد يقلد السلف أيضاً؛ إذ القرون المتقدمة أفضل مما بعدها، إذا تبين هذا؛ فنقول كما أمرنا ربنا (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:136)، ونأمر بما أمرنا به, وننهى عما نهانا عنه في نص كتابه, أو على لسان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه) (الحشر: من الآية7)؛ فمبنى أحكام هذا الدين على ثلاثة أقسام : الكتاب، والسنة، والإجماع . انتهى كلامه .(محاذير وتنبيهات)
وفي سياق هذا الموضوع هناك محاذير ينبغي التنبه لها :
أولاً: من المحاذير المهمة البحث عن نقاط الاتفاق , وليس عن نقاط الخلاف؛ لأن الذي يدخل بروح التفحص والاختبار سيجد إما في عمومية اللفظ أو ملابسة الموقف أو ظروف الاجتهاد ما لا يروق له , وأمور الناس ينبغي أن تؤخذ بالستر والعافية وحسن الظن .
ثانياً : اجتماع الكلمة والولاء بين المؤمنين عامة مبني على أصل الإيمان , وأصل الإسلام , فكل من ثبت له الإسلام والإيمان ثبت له أصل الإخاء، والإيمان يزيد وينقص، وكذلك الإسلام يزيد وينقص , فلكل مؤمن ومسلم من الحقوق العامة القدر الذي جاءت به النصوص الشرعية , ويكمل الحق بكمال الإيمان وكمال الإسلام , أما ما تراه خطأً يحتاج إلى تصحيح وتصويب؛ فإن الأخوّة لا تمنع التصحيح والتصويب والاستدراك المشفق الرحيم الناصح , والتصويب والتصحيح والاستدراك لا يمنع من القيام بالحقوق الأخرى , وقد يجتمع في المرء الواحد إيمان ونفاق , ويجتمع له ولاء وبراء، ولذلك يضرب العلماء ـ مثلاً ـ بالفقير السارق تقطع يده لسرقته , ويعطى من الزكاة لفقره، ولا ينبغي إقامة أحد الأمرين أعني: ( الولاء، والبراء ) للمؤمن بتقويض الآخر , بل يجمع بينهما كما جمع بينهما ربنا قال الله ـ تعالى ـ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض)[التوبة: 71] فأصّل وأسّس لقاعدة الإخاء الديني بين المؤمنين، فكل من صح له وصف الإيمان تم له وصف الأخوة، وهكذا الآية الأخرى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] ثم أصَّل لقاعدة النصيحة والتصحيح بقوله - سبحانه وتعالى -: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، فالإيمان لا يمنع النصيحة والإصلاح, والنصيحة والإصلاح لا تمنع أداء حقوق الإخاء الديني بين المؤمنين .
ثالثاً : التصحيح مطلب , لكن بالرحمة والشفقة، وبقلب محب ناصح يتحرى الخير، ويؤثر حسن الظن، ويقدم العذر، ويحفظ حقوق الأخوّة , ويجب الحذر من حظوظ النفس الخفية التي قد تحدث فرحاً بالغلط الذي قد يقع من أخيك .
رابعاً: إياك أن تظن أن المقصود بهذا الكلام غيرك فرداً أو جماعة أو شريحة , أنا أقصدك أنت شخصياً، وبذاتك وعينك , فالذي نعانيه ونواجهه أن الداء مستحكم في الأمة، ومصاب الأمة بكل وضوح، هو من ذاتها قبل عدوها، والمشكلة تقع في داخلنا وفي ضمائرنا، وما لم نُعْمِل مبضع الجراح في عقولنا وقلوبنا وتصرفاتنا وأقوالنا وأعمالنا فلن نفلح .
إننا ننتظر دائماً من الآخرين أن يغيروا مواقفهم , ولكننا لا نقوم نحن بهذا الدور، ونخلط بين الثبات على الدين وبين التمسك برأي؛ لأنه سبق إلى آذاننا أو تلقيناه عن شيخ أو معلم، حتى لو كان رأياً مرجوحاً .(28/383)
خامساً: خطورة الاشتغال بالتصنيف , وهو داء أمم قبلنا، وداء كثير من الجماعات، فإذا رأيت من شخصٍ ما لا يروق لك أو ما لا يعجبك سارعت بتصنيفه ووضعه ضمن جماعة معينة أو قائمة من القوائم المعدة سلفاً في عقلك, وكأنك فرغت منه وحاولت أن تضع حاجزاً بينك وبينه أن تتعاون معه , وبينه وبين الآخرين أن يستفيدوا منه بأن تقول : هذا سلفي، أو إخواني، أو تبليغي، أو قطبي، أو هذا من المجموعة الفلانية، أو من الطائفة الفلانية، أو من المدرسة العلانية , وهذا يكون بغير علم أحياناً , ويكون ببغي أحياناً كثيرة، ويتم دون أن تعرف ما عند هذا الإنسان على سبيل التفصيل , ودون أن تعرف من نسبْتهم إليه أيضاً , والحكم في مثل هذا يتطلب تحقيق ثلاث صفات :
أولاً : أن تكون من أهل العلم والرأي والبصيرة والإنصاف .
ثانياً : أن تكون عالماً بما عليه هذا الشخص من الجمل والمبادئ العامة لتتمكن من الحكم فالحكم على الشيء فرع عن تصوره .
ثالثاً : أن تكون عارفاً بالمدرسة أو الجهة أو الجماعة التي نسبته إليها , وهذه الأمور مما تنقطع دونها أعناق المطي , لكن الكثيرين من أسهل الأمور عليهم إذا رأوا شخصاً وافق أو ظنوا أنه وافق جماعة أو فئة أو طائفة في جزئية معينة صنفوه أنه منهم ثم فرغوا منه وتركوه .
وفي ختام هذا الموضوع، ولأنه في غاية الأهمية والخطورة، ولما رأيت من كثرة المادة فيه فإني أشير إلى شيء من المراجع المهمة في هذا :
ـ كتيب لشيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان ( قاعدة في جمع كلمة المسلمين ) وهو مطبوع طبعة مستقلة, وهو موجود في الفتاوى لكن طباعته مستقلة جيدة .
2ـ في مجموع الفتاوى (22/ 350 ) في باب صفة الصلاة قال : قاعدة , صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها تنازع بين الأمة , وهذا يمكن مراجعته ضمن مجموعة الفتاوى الكبرى .
3ـ كذلك في أصول الفقه (20/5) رسالة في (اتفاق الرسل في الأصول الاعتقادية والعلمية والعملية) .
4ـ في العقيدة (1/ 12 ) كتاب توحيد الألوهية قال: قاعدة في الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته .
5ـ في الفقه الصلاة باب الآذان والإقامة (22/ 64 ) مسألة حكم الأذان وما يتعلق بها .
6ـ في الصلاة باب صفة الصلاة (22/ 368 ) قال :قاعدة , صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها تنازع بين الأئمة .
7ـ كذلك هناك كتاب جيد مطبوع اسمه (رسالة الألفة بين المسلمين) وفيها أمر الإسلام بالتوحد والائتلاف، وحظر التنازع والتفرق عند الاختلاف، ورسالة في الإمامة في جواز الاقتداء بالمخالف في الفروع، وهذا أيضاً لشيخ الإسلام ابن تيمية، وملحق لابن حزم الظاهري .
8ـ في الفتاوى (3/ 341 ) فصلٌ قال: وإذا كانت الشهادتان هي أصل الدين وفرعه إلى آخر ما ذكر ـ رحمه الله تعالى ـ.
9ـ كتاب مفيد اسمه المحكمات في الشريعة الإسلامية وأثرها في حفظ وحدة الأمة وحفظ المجتمع . للدكتور عابد بن محمد السفياني .
10 ـ رسالة (تصنيف الناس بين الظن واليقين ) لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين ..
============(28/384)
(28/385)
تكتيك دبلوماسي" إسرائيلي لتشجيع التطبيع
أيمن شوقي- إسلام أون لاين.نت/ 6-9-2005
الرئيس المصري حسني مبارك خلال أحد لقاءاته بوزير خارجية إسرائيل سيلفان شالوم
على مدى الأيام القليلة الماضية أطلقت إسرائيل سلسلة تصريحات رسمية، أو تسريبات صحفية عن خطوات تطبيعية ستتخذها أو اتخذتها بالفعل دول عربية، من بينها زيارات متبادلة بين الجانبين؛ الأمر الذي نفته في مجمله تقريبا تلك الدول.
واعتبر خبير في الشئون الإسرائيلية تلك التصريحات والتسريبات بمثابة "تكتيك دبلوماسي إسرائيلي يهدف لتشجيع الأطراف العربية المترددة على التطبيع مع إسرائيل، في إطار استثمار الدولة العبرية لعملية إخلاء مستوطنات غزة"، وأعرب عن اعتقاده بأن إسرائيل ستحقق "نجاحات" على هذا الصعيد برغم النفي الرسمي الذي صدر عن أكثر من عاصمة عربية بشأن خطوات تطبيعية مقبلة.
فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوم الجمعة 2-9-2005 أن إسرائيل افتتحت مؤخرا ممثلية دبلوماسية وتجارية لها في دبي، دون أن يُعلن عن ذلك بشكل رسمي، ورددت صحيفة "هاآرتس" الأحد 4-9-2005 الأنباء نفسها. إلا أن الإمارات نفت ذلك رسميا فيما بعد.
ثم أعلنت الإذاعة الإسرائيلية الإثنين 5-9-2005 أن الرئيس المصري حسني مبارك سيقوم قريبا بزيارة شبه أكيدة لإسرائيل للمشاركة في إحياء ذكرى مرور 10 سنوات على اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وأن العاهل الأردني عبد الله الثاني سيصل هو الآخر إلى إسرائيل في زيارة رسمية غدا الأربعاء 7-9-2005، غير أن القاهرة وعمان نفتا تلك الأنباء في اليوم نفسه.
وفي سياق الحملة نفسها صرح وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم الإثنين 5-9-2005 أنه سيقوم بعد شهرين على رأس وفد إسرائيلي بزيارة إلى تونس -مسقط رأسه- للمشاركة في قمة المعلوماتية الدولية بناء على دعوة رسمية. وذكرت أنباء أخرى أن وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية رون برؤسؤور قام مؤخرا بزيارة سرية للمغرب لبحث إمكانية إعادة العلاقات بين البلدين.
جاءت كل هذه التصريحات في أعقاب إعلان باكستان رسميا الخميس 1-9-2005 عن قرارها بـ"الارتباط" دبلوماسيا مع إسرائيل.
تكتيك
عماد جاد خبير الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
وفي معرض تفسيره لتلك التسريبات والخطوات الإسرائيلية، أوضح الدكتور عماد جاد -الخبير في الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة- أن إسرائيل لجأت إلى إطلاق تلك التصريحات والتسريبات "كتكتيك يهدف لكسر حاجز المقاطعة العربية والإسلامية لها الذي لا يزال قائما إلى حد ما، وتشجيع بعض الدول المترددة على التطبيع معها".
وقال جاد في تصريحات خاصة لإسلام أون لاين.نت اليوم الثلاثاء 6-9-2005: "الغرض من تلك التسريبات أيضا هو تحسين الصورة الذهنية لإسرائيل، وتهيئتها للتطبيع مع الدول العربية والإسلامية بصورة يقبلها الرأي العام العربي والإسلامي".
ولفت جاد في الوقت نفسه إلى أن "عملية التهيئة هذه انطلقت بعيد التسويق الإعلامي لعملية إجلاء المستوطنين من قطاع غزة".
كما ذكر بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت في وقت سابق أنها بدأت بالفعل اتصالاتها مع 10 دول لتطبيع العلاقات معها.
ولفت جاد إلى أن صورة إسرائيل قبل عامين تختلف تماما عن صورتها الآن بعد الانسحاب من قطاع غزة، وقال: "لم تصبح إسرائيل -على الأقل في نظر الإعلام الغربي بوجه عام- بعد الانسحاب دولة معادية؛ بل وصف رئيس وزرائها إريل شارون الذي كان يقال عنه مجرم حرب بأنه رجل شجاع".
وأضاف: "تغيرت صورة إسرائيل من دولة معتدية إلى دولة تنسحب من أراض محتلة، ومن دولة ترفض التفاوض لأنها لم تجد شريكا فلسطينيا إلى دولة تتفاوض وترتب أمور الانسحاب".
غير أن جاد شدد على أن كل ذلك لا يعني أن إسرائيل نجحت حتى الآن في تحقيق "اختراقات تطبيعية جديدة على الصعيد العربي".
وأشار إلى أن إسرائيل قبل انتفاضة الأقصى التي بدأت في عام 2000 كان لها تمثيل دبلوماسي تجاري معلن في البحرين وعمان في الخليج وتونس والمغرب في المغرب العربي، وهي تسعى في المرحلة الحالية إلى استعادة نشاط تلك المكاتب.
وأعرب عن اعتقاده بأن إسرائيل ستحقق قريبا خطوات ناجحة في هذا الاتجاه، وأرجع ذلك إلى حسابات الدول التي تريد التطبيع مع إسرائيل في تحقيق مكاسب في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. وأشار إلى أنه "من المعروف أن إسرائيل إحدى البوابات الرئيسية للعرب إلى البيت الأبيض"، وأن "الدول العربية الراغبة في التطبيع عادة ما تتحجج بأن اتصالاتها مع إسرائيل ستساهم أكثر في خدمة القضية الفلسطينية".
وخلص إلى أن هدف إسرائيل الإستراتيجي من قضية التطبيع مع الدول العربية يتمثل في "كسر حاجز المقاطعة" من يد المفاوض الفلسطيني الذي يرجئ مع الدول العربية الحديث عن التطبيع مع تل أبيب إلى ما بعد إعلان دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وفق حدود 1967.
وتقيم إسرائيل حاليا علاقات دبلوماسية كاملة مع ثلاث دول عربية هي مصر والأردن وموريتانيا.(28/386)
============(28/387)
(28/388)
قريبون من التطبيع مع 7 دول عربية
بسيوني الوكيل- إسلام أون لاين.نت/ 18-8-2005
وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم
كشف وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم عن وجود اتصالات سرية "تقترب من التطبيع" بين بلاده وعدة دول عربية، وتواصل زيارات رجال أعمال عرب خاصة من الكويت والعراق إلى إسرائيل.
وفي حوار نشرته صحيفة "الرأي العام" الكويتية الخميس 18-8-2005، قال شالوم: "إننا نستطيع أن نقيم علاقات طبيعية مع 10 دول عربية وإسلامية على الأقل لدينا الآن مع ثلاث منها هي مصر والأردن وموريتانيا... ونحن قريبون جدا من تطبيع العلاقات مع دول أخرى ولدينا اتصالات جيدة مع أقطار إسلامية".
وأشار شالوم إلى وجود ممثليات تونسية ومغربية وقطرية وعمانية في إسرائيل، واعتبر أن ما وصفه بجهود السلام "بدأت تثمر بخاصة ثمار ما بعد الانسحاب من غزة".
ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي إلى استثمار فرصة الانسحاب من غزة "واستغلالها لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بأننا بحاجة إلى السلام مع العالم العربي أكثر من أي وقت مضى وأننا مستعدون لتقديم خبراتنا" للدول العربية.
وأشار إلى الإصرار الإسرائيلي على مواصلة التطبيع بقوله: "سنواصل عملية التطبيع والأمر مجرد وقت وستساعدنا خطة الانفصال في إنجاز المزيد من عمليات التطبيع".
اتصالات سرية
ورغم ترحيب شالوم بالاتصالات مع الدول العربية فإنه أبدى استغرابه من أن تظل في شكل سري قائلا: "إنني أستغرب من إصرار بعض الدول وحتى من بعض الفلسطينيين على اللقاء معنا بصورة سرية في بعض الدول الأوربية ولا سبب لذلك".
وأوضح شالوم أن ما تفعله الدول العربية من إحاطة علاقتها مع إسرائيل بالسرية يمارسه العديد من رجال الأعمال العرب وبخاصة من الخليج والكويت الذين يزورون إسرائيل.
وقال: "إنهم (رجال أعمال عرب) لا يرغبون في الكشف عن أسمائهم ولم تتوقف زياراتهم وقابلت عددا منهم وبعضهم حضر للعلاج ويأتون من دول عدة خاصة الكويت والعراق".
وأوضح أن رجال الأعمال العرب يزورون إسرائيل على مدار السنة لأسباب متعددة منها العلاج، كما أنهم يتطلعون إلى التجارة والاستثمار بخاصة أنهم يتوقعون تحسن فرص الاقتصاد الفلسطيني بعد الجلاء عن غزة.
واعتبر شالوم أنه لا توجد مشكلة لتطبيع دول خليجية علاقتها مع إسرائيل بقوله: "ما هي المشكلة بيننا وبين الكويت أو البحرين أو أبو ظبي أو المملكة العربية السعودية ليس لدينا أي نزاع معها يجب أن تستغل هذه الفرصة لمصلحة السير قدما نحو تحقيق السلام ونتطلع إلى التوصل إلى مشاريع مشتركة مع هذه الدول".
موريتانيا وسوريا
وعن تأثر علاقات إسرائيل مع موريتانيا بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع يوم 3-8-2005 قال شالوم: "الجواب لدى نواكشوط.. لكني لا أعتقد أن هذه العلاقات ستتغير أو تتأثر بصورة سلبية".
وعلى مسار التفاوض مع سوريا قال شالوم: "لا يمكن للرئيس (بشار) الأسد أن يقول إنه يريد سلاما مع إسرائيل بينما لا يزال يحتضن منظمات.. مثل حماس والجهاد وحزب الله"، مشيرا إلى أن الإيرانيين يمررون مساعداتهم إلى حزب الله عبر سوريا. وأضاف: "لا يمكن للأسد أن يطلب عقد سلام معنا ويمد يده بينما اليد الأخرى تدعم من يريد قتلنا".
وردا على سؤال حول إمكانية استئناف المفاوضات مع سوريا من النقطة التي انتهت إليها مفاوضات واي بلانتيشن بالولايات المتحدة عام 1998 قال: "لا يمكننا التوجه إلى المفاوضات بشروط مسبقة". وأشار إلى أن تلك المفاوضات أجريت مع حكومة إسرائيلية سابقة مختلفة تماما عن الحكومة الحالية، معتبرا أن الحكومة السابقة لم تكن مخولة صلاحيات ولم تحظ بدعم غالبية الإسرائيليين.
وكانت آخر مفاوضات بين السوريين والإسرائيليين جرت في الولايات المتحدة في يناير 2000. وتطالب سوريا باسترداد كامل هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في يونيو 1967 مقابل إقرار السلام معها.
============(28/389)
(28/390)
"التطبيع" ثمن انسحاب إسرائيل من غزة
غزة- علا عطا الله- إسلام أون لاين.نت/ 28-7-2005
جنود إسرائيليون يتدربون على إخلاء المستوطنين اليهود من منازلهم
توافق محللون فلسطينيون على أن إسرائيل ستسعى إلى تطبيع علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية "ثمنا" لانسحابها من قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية المزمع في أغسطس 2005، وفقا لما تسميه خطة "فك الارتباط".
وفي تصريحات الخميس 28-7-2005 لـ"إسلام أون لاين.نت" حذر هؤلاء المحللون من أن تحقيق التطبيع يضعف الطرف الفلسطيني ويعزله عن محيطه العربي، ولن يعود بالنفع سياسيا واقتصاديا إلا على إسرائيل.
ومؤخرا كشفت مصادر صحفية إسرائيلية عن أن وزارة الخارجية الإسرائيلية كثفت خلال الأشهر الأخيرة جهودها لإقامة علاقات دبلوماسية بين الدولة العبرية ودول عربية وإسلامية معوّلة على أن يعيد تنفيذ خطة فك الارتباط فتح أبواب التطبيع مع دول عربية سبق أن أقامت علاقات مع إسرائيل قبل اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، إلى جانب فتح أبواب أخرى مع دول إسلامية مثل باكستان وإندونيسيا.
واعتبر "برهوم جرايسة"، الخبير في الشئون الإسرائيلية من الناصرة شمال فلسطين المحتلة عام 1948، أن هذه الخطوة أخطر المؤامرات ضد القضية الفلسطينية. وعلل ذلك بقوله: "شارون بعد الانسحاب سيسوق للعالم وللرأي العام الداخلي الإسرائيلي أنه تقدم خطوة باتجاه السلام، وأنه حان الوقت للانفتاح على الدول العربية، رغم حقيقة أن خطة فك الارتباط ما هي إلا تنازل إسرائيلي عن أقل القليل من أجل الكثير".
ويرى مسئولون وخبراء قانونيون فلسطينيون أن قطاع غزة سيبقى أرضا محتلة ما دامت إسرائيل تحتفظ بسيطرتها على المعابر وعلى المجال الجوي والبحري للقطاع عقب إخلائها لمستوطنات القطاع.
وحذر "جرايسة "من أن هناك رغبات وصفها بالخطيرة داخل الدول العربية لإقامة علاقات مع إسرائيل. وقال: "للأسف الشديد هناك في العالم العربي من يعي مغبة هذا الأمر، بيد أنهم يريدون شراء رضا شارون لنيل رضا السيد الأكبر.. أمريكا".
وشدد على أن الدول العربية مطالبة بإعادة النظر في الفائدة من وراء هذه العلاقات وآثارها السلبية على القضية الفلسطينية.
جباية إسرائيلية
وواصفا التطبيع المرتقب مع إسرائيل بـ"الخطير" قال "أشرف العجرمي" المحلل الفلسطيني والخبير في الشئون الإسرائيلية إنه "عبارة عن ثمن تجبيه إسرائيل من الدول العربية مقابل خطة إسرائيلية هي بالأساس نابعة من حسابات إسرائيلية أمنية وسياسية فقط ولا دخل لها بعملية السلام".
وقال "العجرمي": إن "إسرائيل ستستفيد سياسيا واقتصاديا جراء الانفتاح على الدول العربية، بينما سيؤثر ذالك سلبا القضية الفلسطينية؛ فالعلاقات العربية الإسرائيلية ستعمل على إضعاف الطرف الفلسطيني، وعزله عن إطاره العربي الضاغط، وبالتأكيد التطبيع سيثقل كاهل السلطة، فبدلا من أن تتوجه الضغوط العربية صوب إسرائيل لوقف مخططها الاستيطاني الإجرامي بالقدس المحتلة وفي الضفة الغربية سيدور حديث الدول العربية حول التطبيع مع إسرائيل".
وأوضح أن خطوة التطبيع مدعومة من الولايات المتحدة، مدللا على ذلك بتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي أدلت بها خلال زيارتها الأخيرة للمنطقة، وأعربت فيها عن اعتزام واشنطن عقد مؤتمر دولي لاستئناف العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
ودعا الرئيس المصري حسني مبارك اليوم الخميس إلى عقد قمة عربية طارئة بشرم الشيخ يوم 3-8-2005 تبحث بلورة موقف عربي موحد للضغط على الحكومة الإسرائيلية لاستكمال الانسحاب من غزة بانسحابات أخرى واتفاقات تسوية شاملة مع السلطة الفلسطينية ضمن خطة خارطة الطريق، في ضوء المخاوف من أهداف شارون في تحويل غزة لسجن كبير وتوسيع الاستيطان في مدن الضفة الغربية.
ضغوط أمريكية
ومتوافقا مع "جرايسة" و"العجرمي" حول تأثير تطبيع إسرائيل علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية بالسلب على القضية الفلسطينية، اعتبر الدكتور "عاطف عدوان" أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية بغزة أن "خطورة هذا الموضوع تكمن في أن انصياع الدول العربية للتطبيع لا ينبع من مصلحة عربية إنما سيأتي بضغوط أمريكية متواصلة لدفع العرب إلى القبول بإسرائيل".
وتوقع أن تنجح إسرائيل بعد الانسحاب في إقامة علاقات مع الدول العربية، لكنه استدرك قائلا: "ربما لن يكون ذلك على نطاق واسع نتيجة لضغط الشعوب، بيد أن الأشهر القادمة ستشهد بالتأكيد انفراجا في العلاقات الإسرائيلية العربية".
ورأى "عدوان" أن إسرائيل نجحت في استغلال خطة فك الارتباط الأحادية الجانب في التسويق لسلام زائف، وفتح باب التطبيع مع الدول العربية.
مساع إسرائيلية
سيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي
وحتى قبل تنفيذ خطة فك الارتباط شرعت إسرائيل في إجراء اتصالات مع العديد من الدول العربية والإسلامية لتطبيع العلاقات معها.(28/391)
وفي محاضرة ألقاها بتل أبيب نهاية الأسبوع الماضي أكد وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم أن إسرائيل تكرس جهوداً خاصة لتحقيق "اختراق" في العلاقات مع 15 دولة عربية، وقال : إن هناك الكثير من الفرص الجيدة ستتاح أمام إسرائيل خلال الأشهر القريبة بعد تنفيذ خطة فك الارتباط لتطبيع علاقاتها مع العالم العربي.
وأعرب شالوم عن ثقته أنّه بعد تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية المزمع تنفيذها في أغسطس 2005 سيكون هناك انفراج بين إسرائيل والدول العربية، وقال: "سيحين الوقت الملائم لإقامة علاقات بين إسرائيل ودول عربية أخرى وخطة فك الارتباط هي التي ستحدد مصير المنطقة".
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مؤخرا عن أن وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية "رون بروسؤور"، ورئيس الطاقم السياسي في الوزارة "ييكي ديان" قاما بزيارة سرية إلى المغرب لبحث مسألة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كما كشفت الصحيفة عن قيام العديد من الزيارات السرية إلى معظم الدول العربية في إطار السعي إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية، مشيرة إلى وجود اتصالات مع غالبية الدول العربية.
يشار إلى أن إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر والأردن وموريتانيا، وأخرى على مستوى منخفض مع قطر، وكانت عُمان والمغرب وتونس جمدت علاقاتها الدبلوماسية بعد اندلاع انتفاضة الأقصى.
وتقول مراسلة "إسلام أون لاين.نت": إن إسرائيل تبذل جهودا حثيثة منذ فترة طويلة لفتح ممثلية دبلوماسية لها في الإمارات، فيما تجري اتصالات دبلوماسية بينها وبين باكستان، أما الاتصال مع إندونيسيا فيتم عبر السفارة الإسرائيلية في سنغافورة.
============(28/392)
(28/393)
ارتباك شديد.. في الكيان الصهيوني
طلعت رميح 15/3/1423
27/05/2002
تعاني السياسة الصهيونية من ارتباك شديد والمظاهر متعددة أبرزها إلغاء أو تأجيل أو تعديل خطة العدوان العسكري على غزة أحد المؤشرات.
ومظاهرة الستين ألفًا في قلب تل أبيب مؤشر آخر، وتصويت الليكود برفض قيام دولة فلسطينية مؤشر ثالث، وانهيار خطة شارون لعقد مؤتمر إقليمي مؤشر رابع إرجاء العدوان العسكري على غزة جاء في ظل تحذير من الرئيس المصري حسني مبارك ، ويبدو أن الولايات المتحدة شعرت بقلق حقيقي من احتمالات انفجار الوضع في المنطقة، بما يهدد كل خططها خاصة وأن التحذيرات المصرية استندت إلى بنود اتفاقية كامب ديفبد التي تحظر حشد القوات على طرفي الحدود، والتي تمثل بالنسبة لخططها أهم خطوة في السيطرة على الشرق الأوسط .
التأجيل أو الإرجاء أو التعديل ، عكس -أيضًا- ارتباك الجيش الصهيوني وتردده نظرا للتأكيدات المتعددة على فشل عملية السور الواقي في تحقيق أهدافها ، حيث تتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية يوما بعد يوم، وكذلك بسبب قلق هذا الجيش الصهيوني من شدة عنف المقاومة المتوقعة في غزة بما يفوق - بمراحل- ما لاقاه في جنين، إذ ذكرت التقارير العسكرية الصهيونية أن خسائر الجيش ستفوق كل التوقعات .
" الفشل الذريع في توفير الأمن "
كما أن مظاهرة الستين ألفًا في تل أبيب مؤشر على استبداد القلق بالجمهور الإسرائيلي الذي بات مؤكدًا أن كل خطط الحسم العسكري (حقل الأشواك- جهنم - السور الواقي) فشلت في توفير الأمن له وأن شارون يقودهم نحو كارثة، والأهم أن المظاهرة طالبت بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وأنها الأولى من نوعها بهذا الحجم بما يذكَّر بمؤشرات الانهيار الداخلي التي سبقت الاندحار من جنوب لبنان .
أما آخر مؤشرات الارتباك فهو تصويت الليكود على رفض قيام الدولة الفلسطينية، الذي يحمل دلالات مهمة ومؤثرة، فهو من ناحية مؤشر على ارتباك حتى داخل الليكود نفسه، وعلى بداية ضعف موقف شارون وصعود نتنياهو في مواجهته، ومؤشر على أن نتنياهو يحاصر شارون في أية مفاوضات قادمة، وبما يفقده حتى لعبة المؤتمر الإقليمي التي هي المشروع السياسي الوحيد لديه ، كما يمكن القول أيضًا إنها مؤشر على شدة الانقسام داخل الكيان الصهيوني تحت ضغط الانتفاضة - مقارنة بشعارات مظاهرة الستين ألفًا - وهى كذلك مؤشر على احتمالات ضعف وتفكك التحالف الحاكم حاليا من جانب حزب العمل، الذي سيدفعه هذا التصويت إلى زاوية الطاولة سياسيا داخل التجمع الصهيوني .
لكن الارتباك يبدو أشد فيما يتعلق بالموقف العربي والدولي من الخطة السياسية لشارون - خطة عقد مؤتمر إقليمي - والتي أرادها مكملة لعدوانه العسكري .
لقد أراد شارون الإسراع بعقد مؤتمره السياسي الإقليمي؛ بهدف جني نتائج سياسية لعدوانه .
ويبدو أن شارون قد بنى نجاح خطته على أساس أن الولايات المتحدة التي دعمت خطته العسكرية بلا حدود، ووفرت لها الغطاء السياسي الدولي ستدعم خطته السياسية بنفس الطريقة ، وأن تهديداته بالعدوان على دول الجوار قد أرهبتها حتى أصبحت جاهزة لتنفيذ توجيهاته أو طلباته ، فإذا به يواجه بموقف أمريكي يطرح آلية دولية تختلف عن خطة شارون الذي أراد مؤتمرًا إقليميًا يملي فيه شروطه، وإذا به يواجه بموقف عربي يقدم رؤية لمؤتمر مختلف كليًا عن مؤتمر شارون ، فإذا أضفنا البعد الداخلي في الليكود بعد التصويت برفض قيام دولة فلسطينية فالأرجح أنه لن يجد أمامه سوى أن يسقط فكرة المؤتمر التي طرحها ويقف مجاهرًا برفض التسوية أو أن يرحل .
لقد طالب شارون بعقد مؤتمر إقليمي على مقاس إسرائيل، أو بالدقة مؤتمر لا يتعدى إحضار الدول العربية التي يحددها هو لتفعل ما يريد هو، فطرحت الولايات المتحدة آلية دولية - أيًا كانت تسميتها أو صلاحياتها - فمجرد الإشارة إلى مشاركة دولية أمر يرعب الحاكم في إسرائيل، وطرح العرب في شرم الشيخ عقد مؤتمر دولي يرتكز إلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة عام 67 .. كتطوير للمبادرة العربية (السعودية) في قمة لبنان وهكذا وجد شارون نفسه في مأزق ستتصاعد حدته داخليًا وخارجيًا في الفترة القصيرة المقبلة .
" لعبة شارون "
هو جزء من الخطة العسكرية في اجتياح المدن الفلسطينية، أو هو إكمال لضرب البنية التحتية للسلطة الفلسطينية وحصار عرفات بعزلها عربيًا ودوليًا، وبالأدق هو جزء من خطة شارون لضرب المقاومة الجهادية الفلسطينية (حماس والجهاد وشهداء الأقصى) . لقد قامت خطة شارون السياسية على الإسراع بتحقيق نتائج سياسية للعدوان العسكري .
هذه النتائج هي -بالتحديد- إنهاء تمثيل الشعب الفلسطيني في أية مفاوضات وحشد عدد من الدول العربية في مواجهة مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني المسلحة تحت شعار محاربة الإرهاب ، والعودة بالمنطقة إلى ما قبل أوسلو ومدريد من زاوية عدم الاعتراف بوجود ممثل للشعب الفلسطيني .(28/394)
ولذلك قام مؤتمر شارون على استبعاد عرفات، واستبعاد مشاركة سوريا ولبنان، وقصر المشاركة العربية على مصر والأردن بصفتها دول موقعة على اتفاقيات مع إسرائيل، واختيار دول أخرى يعتبرها على علاقة طيبه بإسرائيل مثل المغرب ودول مستهدفة بالعلاقات والتطبيع مثل السعودية .
أي أن شارون استهدف تقسيم الأمة من خلال عزل سوريا ولبنان باعتبارها دول تدعم الإرهاب، وتخييرها بين دعم المقاومة الجهادية أو الانعزال عن التسوية .
والتحالف مع مصر والأردن والمغرب من خلال طرح شعارات تتماشى مع الحملة الأمريكية ضد ما تسميه الإرهاب، وجاء استبعاد عرفات لإعادة المنطقة إلى ما قبل أوسلو ومدريد .. أي عدم الاعتراف بممثل للشعب الفلسطيني ليصبح التفاوض بين الدول العربية وإسرائيل مباشرة حول العلاقات والتطبيع والسلام والحرب على الإرهاب أساسًا .
" اجتماع أمريكا "
شارك في اجتماع أمريكا حول الشرق الأوسط ممثلون لكل من الاتحاد الأوربي وروسيا والأمم المتحدة تحت رئاسة أمريكا.
ومن الطبيعي أن أمريكا تستهدف بشكل لا لبس فيه وضع جميع هذه الأطراف تحت السيادة الأمريكية، وكذا الخروج من دائرة مجلس الأمن لعدم الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة لصالح العرب والهروب كذلك من القوة النسبية للموقف الصيني والفرنسي في مجلس الأمن .
لكن واقع الحال أن الأطراف الأخرى المشاركة لكل منها أهدافه الخاصة - لا يقلل من ذلك اعتقاد الولايات المتحدة أنها ستكون تحت السيطرة - وسيحاولون هم تحقيق هذه الأهداف .
لقد حاولت إسرائيل والولايات المتحدة -وبكل الطرق- إبعاد أوروبا عن المشاركة في أية مفاوضات حول الشرق الأوسط ، لكن الموقف الأوروبي الملوَّح بفرض عقوبات على إسرائيل وتنفيذ بعضها بالفعل والرفض العربي والفلسطيني لانفراد أمريكا وحدها بالتسوية، دفع أمريكا للقبول بالمشاركة الأوروبية وإن كان الرفض الإسرائيلي متصاعدًا لمشاركة أوروبا فالأهم هنا هو فشل لعبة مؤتمر شارون الإقليمي الذي بناه أيضًا على إبعاد أية مشاركة وربما تركيا حليف إسرائيل .
" قمة شرم الشيخ "
يمكن النظر إلى نتائج القمة الثلاثية المصرية السعودية السورية في شرم الشيخ من ثلاث زوايا :
الأولى: أن انعقاد القمة حدث له أهمية في ذاته .. وهو إشارة إلى استخدام العرب لورقة التضامن التفاوضي الموحد . هو تركيز على قوة العلاقات المصرية السعودية وإنهاء لما تردد من قبل وكالات الأنباء الغربية حول تسابق مصر والسعودية لقيادة العرب، وهو رد على اللعبة الإسرائيلية التي تحاول استبعاد سوريا من المشاركة في المؤتمر الدولي الذي يجرى الترتيب له حاليًا، إضافة إلى إنهاء لعبة الإعلام العربي التي أشاعت أن ثمة توترا في العلاقات المصرية السورية .
والثانية: أن القمة هي امتداد لمؤتمر بيروت، فقمة شرم الشيخ هي الاستكمال والتطوير للموقف السياسي والدبلوماسي العربي في مواجهة الهجوم الأمريكي والإسرائيلي، وأيضا هي امتداد لمؤتمر بيروت من زاوية تآكل الموقف الإستراتيجي العربي - لمصلحة الحل التكتيكي - فإذا كان مؤتمر قمة بيروت قد أبدى بعض من التنازل فيما يتعلق بموقف إستراتيجي من قضايا الحل النهائي وهو حق العودة ، الذي جاءت عبارات التمسك به موحيا لإمكانيات قبول بعضا من التنازلات ، فإن مؤتمر شرم الشيخ أدان " الإرهاب" بطريقة رأى فيها الكثيرون أنها بدورها تحمل معاني ضمنية لكبح المقاومة الجهادية المسلحة في زاوية الأعمال الاستشهادية في الأرض المحتلة في عام 48 وهو بلا شك إفقاد لقدرة الرعب أو للقدرة التي شكلت توازن الرعب مع العدو الصهيوني .
أما الزاوية الثالثة فهي متعددة الجوانب منها أن اللقاء الثلاثي المصري السعودي السوري يعيد الأمة إلى استخدام الرافعة الإستراتيجية الأقوى في مجال التضامن وقوة الموقف العربي، ومنها أن اللقاء أنهي فعليًا - وليس صحيحا ما يشيعه الإعلام الصهيوني عن ارتياح تل أبيب لنتائج اللقاء - فكرة مؤتمر شارون ووضعه أمام العالم مطالبا بالإجابة عن السؤال الذي يتهرب منه دوما : هل تريد تنفيذ قرارات الأمم المتحدة أم لا ؟ ووضع البيان الختامي خطًا أحمر في مواجهة لعبة شارون حول الحل المرحلي، إذ أكدت القمة أن الشرط الأول هو انسحاب القوات الصهيونية إلى ما قبل عدوانها، وبناء ما دمرته وأن المؤتمر الدولي إذا عقد فهو على أساس تنفيذ قرارات الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو وهو ما ينهي كل لبس ورد في القرار 242 حول النص الفرنسي( الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 ) والنص الإنجليزي ( الانسحاب من أراضٍ محتلة عام 67 ) .
" الارتباك الصهيوني ..ومستقبل المقاومة "
تعاني السياسية الصهيونية من ارتباك داخلي وخارجي في هذه المرحلة إذن ، ويمكن القول بأن الأيام المقبلة حبلى بتصاعد عوامل التوتر الداخلي وبالعزلة الخارجية .
لكن الإشكالية المقابلة في الموقف العربي تتعلق بمستقبل المقاومة الجهادية المسلحة في الأرض المحتلة .. تلك المقاومة التي لعبت الدور الأساس والأكبر في إحداث الارتباك العسكري والسياسي الحادث للكيان الصهيوني .(28/395)
والسؤال الذي سيحدد على أساسه احتمالات تطور الموقف العربي .. والموقف الصهيوني أيضا هو : هل ستظل الأمة قادرة على توفير الغطاء السياسي والمعنوي والمالي للعمل المجاهد في فلسطين ؟أم أن المساومة والتآكل الإستراتيجي للموقف الرسمي العربي سيصل حد إفقاد الأمة أهم عوامل قدرتها على ضرب العدو في العمق، وإفقاده عوامل قدرته الإستراتيجية في المواجهة ؟!
===========(28/396)
(28/397)
لجنة لتطبيع العلاقات بين السودان وأمريكا
الخرطوم - وكالات - إسلام أون لاين.نت/ 6-7-2005
الرئيس السوداني عمر البشير (يمينا)يناقش وزير خارجيته خلال اجتماعات الاتحاد الإفريقي في سيرت
أعلن السودان عن اتفاق مع الولايات المتحدة لتشكيل لجنة لتطبيع العلاقات بين البلدين ورفع التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى درجة سفير.
يأتي هذا الاتفاق في وقت يقف فيه السودان على أعتاب مرحلة هامة في تاريخه بالتصديق على الدستور المؤقت السبت المقبل 9-7-2005 إيذانا ببدء مرحلة انتقالية من ست سنوات قد تنتهي بانفصال الجنوب.
فقد أعلن وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في سيرت بليبيا الثلاثاء 5-6-2005 عن اتفاق بين الخرطوم وواشنطن بشأن رفع التمثيل الدبلوماسي بينهما لدرجة سفير وتكوين لجنة مشتركة من وزارتي خارجية البلدين لوضع رؤية لتطبيع العلاقات بين الدولتين.
وألمح إسماعيل في تصريحات نقلها راديو أم درمان السوداني اليوم الاربعاء 6-7-2005 إلى اتفاق مع واشنطن على رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وفيما يتعلق بموعد بدء التطبيع أوضح وزير الخارجية أن الموعد وترتيبات التطبيع تركت للجنة المشتركة بين البلدين.
وعلى الصعيد الداخلي تترقب الساحة السودانية يوم السبت المقبل الدخول في المرحلة الانتقالية بمقتضى الاتفاقية التي وقعت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في 9 يناير 2005 والتي أنهت 21 عاما من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.
ويقضي هذا الاتفاق بتقاسم السلطة والثروة خلال فترة انتقالية مدتها ست سنوات يجري بعدها استفتاء لتقرير مصير الجنوب، الغني بالنفط، يحدد ما إذا كان سيبقى ضمن سودان موحد أم ينفصل.
وسوف تدار الدولة خلال هذه الفترة بمقتضى دستور انتقالي أعدته لجنة مشكلة من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومن الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة السابقة في الجنوب، كما سيؤدي زعيم الحركة جون جارانج السبت 9 يوليو الجاري اليمين الدستورية كنائب أول لرئيس الجمهورية، كما سيشغل جنوبيون مواقع رئيسية في الحكومة السودانية الانتقالية.
ومن المقرر أن تتولى الحكومة الانتقالية مهامها في نفس اليوم لمدة ثلاث سنوات تنظم بعدها انتخابات عامة في البلاد.
معركة صعبة مع الجنوبيين
وأشار تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية باللغة الإنجليزية الأربعاء 6-7-2004 إلى أن القادة السودانيين سيخوضون معركة صعبة خلال سنوات الفترة الانتقالية الست لإقناع سكان الجنوب -الذين يؤيد عدد غير قليل منهم الانفصال- بالبقاء ضمن السودان الموحد.
وتوقع مراقبون ومحللون أن يختار الجنوبيون الانفصال وأرجعوا ذلك للإرث الطويل من العلاقات المتوترة مع الشمال، مشيرين إلى أن الجنوبيين يعتقدون أن الحكم الذاتي الذي سيتمتعون به في المجالين السياسي والاقتصادي خلال الفترة الانتقالية سيعزز خيار الانفصال.
وقال المحلل السياسي السوداني مرتضى الغالي: "إن الشماليين يريدون أن يبقى الجنوب جزءا من السودان، لكن الجنوبيين سيصوتون من أجل الاستقلال لقناعتهم بأنه في مصلحتهم".
واعتبر الغالي أن اتفاقية السلام التي أكدت على وحدة السودان مهدت في الوقت نفسه لانفصال الجنوب.
وأشار في المقابل إلى أن محاولة تدعيم الوحدة تحتاج إلى إجراءات لبناء الثقة من قبل الحكومة ومن بينها إعادة إعمار وتأهيل الجنوب بشكل سريع.
ولفت إلى أن تلك المهمة لن تكون سهلة بالنسبة للمسئولين في شمال السودان الذين سيعملون على تدعيم الوحدة.
وأوضح الغالي أن بعض الجنوبيين ما زالوا يستخدمون كلمة "عدو" لوصف حكومة الخرطوم وقواتها المسلحة التي يحملونها مسئولية تدمير الجنوب، بينما يطلق عليهم آخرون "الجلابة" أو "العرب".
وخلفت الحرب بين الشمال والجنوب التي اندلعت عام 1983 نحو مليون ونصف المليون قتيل وشردت 4 ملايين آخرين.
===========(28/398)
(28/399)
المقاطعة الاقتصادية سلاح الشعوب المسلمة ..
في مواجهة أمريكا وإسرائيل
الإسلام اليوم - القاهرة : 9/3/1423
21/05/2002
كشفت الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية عن عمق أصيل في الجماهير المسلمة بالترويج لقضية جهادية لا تقل بحال عن الجهاد بالنفس والمال ، وهي قضية المقاطعة للبضائع الإسرائيلية والأمريكية ، مما اعتبرها الكثيرون من الدعاة والعلماء فريضة على كل مسلم .
وتؤكد الوقائع والأحداث اليومية أنه في ظل هذه الظروف الراهنة فإن العجز الرسمي من الحكومات في سلبية مقاطعتها للمنتجات والبضائع الإسرائيلية والأمريكية ، خاصة في ظل العولمة الاقتصادية التي تسعى إلى إزالة الحدود التجارية بين الدول بما لا يسمح لأي دولة أن تتصرف في مصالحها .
والمؤكد أنه لا يمكن لأية ضغوط رسمية أن تؤثر على إرادة الشعوب المسلمة في تنفيذ مقاطعة هذه المنتجات التي ينقذ بها المسلمون في دول العالم إخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة من القتل، حيث لا تستطيع هذه الضغوط أن تجبر المستهلك على شراء بضاعة معينة دون الأخرى .
وبالرغم من أن هناك عشرات النماذج التي طبقت فيها المقاطعة الاقتصادية بنجاح منقطع النظير ، إلا أن الدول العربية فشلت على مدى نصف قرن - منذ قيام الجامعة العربية في العام 1945 - في المقاطعة الرسمية الإسرائيلية ، عندما تبنت الجامعة قرارات وتوصيات تنص على ضرورة المقاطعة الاقتصادية العربية للمستعمرات اليهودية في فلسطين .
وألزمت هذه القرارات الشعوب العربية جميعها ، ولم تقتصر على الشعب العربي في فلسطين وحده .
وفي عام 1950 كانت إسرائيل قد أعلنت قيامها، واعترفت بها الولايات المتحدة ، وأقرّ مجلس الجامعة العربية توصيات بإنشاء مكاتب للمقاطعة العربية للسلع الصهيونية في كل البلدان العربية ، وكان عدد الدول الأعضاء في الجامعة وقتها سبع دول ، ونصت التوصيات كذلك على إنشاء مكتب للمقاطعة مقره دمشق ، فضلا على إنشاء مكاتب للمقاطعة في كل بلد عربي ، وأكدت القرارات على أن تتم المقاطعة الاقتصادية على درجتين :
الأولى : تطبق على إسرائيل ذاتها والسلع التي تنتجها والمقاطعة من الدرجة الثانية وتوجه إلى الدول المتعاملة مع إسرائيل وشركاتها ومصالحها ، وكذلك السلع والخدمات المتعاملة فيها بما في ذلك الاستثمارات وكل ما من شأنه أن يدعم قوة إسرائيل .
واستمرت المقاطعة الاقتصادية العربية خلال عقدي الخمسينات والستينات بكفاءة كبيرة خصوصا وأن إسرائيل لم تكن نجحت في نشر جواسيسها في الدول العربية إلا أن جدار المقاطعة تعرض لاختراقات كبيرة خلال السبعينات والثمانينات ، وانتهت المقاطعة عمليا مع بداية مفاوضات السلام مع إسرائيل وعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 لدرجة أن مكتب المقاطعة لم يستطع عقد اجتماع واحد خلال عشر سنوات .
" الانتفاضة حركت سلاح المقاطعة "
إلا أن قيام شارون بتدنيس المسجد الأقصى واندلاع الانتفاضة الفلسطينية أدى إلى عودة الحديث مرة أخرى عن المقاطعة العربية لإسرائيل ، ورغم عقد قمة عربية في القاهرة خلال شهر أكتوبر 2000 ، إلا أن القمة لم تتخذ رسميا قرارات بضرورة مقاطعة إسرائيل أو حتى تفعيل أساليب المقاطعة التي كانت مطبقة من قبل بعض الدول التي مازالت تعتبر في حالة حرب مع إسرائيل ، واستمر الحديث عن المقاطعة مجرد كلام لم يخرج إلى إطار التنفيذ إلاّ على المستوى الشعبي .
وخلال قمة عربية في الأردن أخذت القمة رقم 202 والخاص بتفعيل المقاطعة العربية لإسرائيل ومقاومة التغلغل الإسرائيلي في الوطن العربي .
ويؤكد المحللون أن هذا القرار قد تم اتخاذه لامتصاص غضب الشارع العربي والإسلامي بسبب عجز الحكومات عن مواجهة الصلف الإسرائيلي ، وتصعيد أعمال الإبادة ضد الشعب الفلسطيني .
ويدلل المحللون على كلامهم هذا بأن هناك طبيعة خاصة لعلاقات بعض الدول العربية بإسرائيل لا يمكن معها تنفيذ هذا القرار ، فمصر والأردن مرتبطان باتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل، بغض النظر عن آفاق تنفيذ هذه الاتفاقيات على المستوى الاقتصادي .
كذلك تتبادل إسرائيل وموريتانيا علاقات دبلوماسية عادية على مستوى السفراء ، كما تتبادل مع تونس والمغرب بعثات دبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال ، وتحتفظ إسرائيل في قطر بمكتب للتمثيل التجاري . وكما يقول المحللون أنه بصرف النظر عن أن تونس والمغرب قد قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية بإسرائيل منذ قمة القاهرة في أكتوبر 2000 تضامنًا مع انتفاضة الأقصى واحتجاجًا على سياسة القمع الشارونية فالثابت والمؤكد أن إسرائيل لم تعد في حالة حرب مع مصر والأردن وتونس والمغرب وموريتانيا وقطر . ومما يؤكد هذا الكلام ، وعدم قدرة الدول رسميا على مقاطعة إسرائيل هو أن مكتب المقاطعة الاقتصادية التابع للجامعة لم يستطع عقد اجتماع واحد منذ 1991 وحتى عام 2001 ، أي على مدى عشر سنوات ، وعندما أفلح في عقد اجتماع خلال يومي 30 و31 يوليو الماضي حضر الاجتماع 13 دولة عربية ، فيما تغيبت 9 دول عربية ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل .
" رفض عربي وإسلامي.. للبضائع الصهيونية "(28/400)
ويذهب عبد الله طايل - رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري - إلى أن الشعب العربي والمسلم يرفض التعامل مع أي بضاعة إسرائيلية أو حتى أمريكية ، ويمارس ذلك من منطلق عقائدي .
ويؤكد طايل أن الشعوب العربية والإسلامية لا تحتاج إلى توجيه أو تنظيم للقيام بالمقاطعة .
ويقول : إن مصر بينها وبين إسرائيل معاهدة سلام شاملة تقضى بالتعامل بين الشعوب على جميع المستويات ، إلا أن الشعب المصري المسلم رغم وجود هذه الاتفاقية يرفض تماما التعامل مع أي سلعة إسرائيلية .
ويشير رئيس اللجنة الاقتصادية إلى أن الأحداث الأخيرة فجرت مشاعر العداء لإسرائيل ، ويجب أن نستغل مشاعر الكراهية هذه في توصيل رسالة إلى إسرائيل بأنها دولة منبوذة ومرفوضة من جميع الشعوب العربية والإسلامية .
ويقول طايل: إن الضمير العربي واع للغاية وكل مواطن عربي يعرف حاليا ما هي السلع التي يجب عليه أن يقاطعها ، وينصح بعدم نشر بيانات أو قوائم ، وترك الضمير العربي هو الذي يحرك المقاطعة الاقتصادية ، فالهدف من المقاطعة هو إحداث خسائر نفسية لإسرائيل ، ومن يساند إسرائيل عن طريق توصيل رسالة مفادها أن تشعر إسرائيل أنها دولة مكروهة ومنبوذة من كل شعوب المنطقة .
" الشعوب المسلمة ترفض التطبيع"
أما النائب الإسلامي في مجلس الشعب المصري الدكتور محمد مرسي فيؤكد أن المقاطعة الاقتصادية حتى تؤتي ثمارها بسرعة فلابد أن تتم من خلال الحكومات ، أما إذا تمت من خلال الشعوب فإن أثرها سيكون بطيئا ، ورغم ذلك يؤكد أن الشعوب أقوى وأشد في بعض الحالات، مثل مقاطعة الشعوب العربية للتعامل مع كل ما هو إسرائيلي .
ويدلل على كلامه بقوله : إن إسرائيل كانت حريصة في اتفاقيتي السلام اللتين تم توقيعهما مع مصر والأردن، على أن يكون هناك تطبيع شامل على مستوى الشعوب . ويقول : رغم موافقة الحكومات على التطبيع الكامل إلا أن الشعوب مازالت ترفض مجرد فكرة التعامل مع أي يهودي .
ويؤكد أن المقاطعة الشعبية للسلع الإسرائيلية والأمريكية سيكون لها واقع السحر في تغيير المواقف والسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، مشيًرا إلى أن المقاطعة ستؤدي إلى توصيل رسالة إلى الإدارة الأمريكية مفادها أن مصالحها في الشرق الأوسط مهددة بسبب انحيازها الكامل والأعمى لإسرائيل .
ويطالب د. محمد مرسي وسائل الإعلام بضرورة تبنى قضية المقاطعة الشعبية للسلع والبضائع الإسرائيلية والأمريكية حتى يتم إعداد ثقافة مجتمعية مفادها أننا يجب ألا نستخدم السلع والبضائع الأمريكية التي ستتحول أثمانها إلى آلة حرب توجه إلى إخواننا من الشعب الفلسطيني الأعزل .
وكان من نتائج المقاطعة للبضائع الإسرائيلية والأمريكية على سبيل المثال في مصر أن توقف العمل داخل البنوك وشركات الصرافة بالشيكل الإسرائيلي تماما داخل الأسواق المحلية بسبب الاعتداءات الوحشية التي يقوم بارتكابها الكيان الصهيوني ضد الأشقاء الفلسطينيين .
"منع تمويل المشروعات الإسرائيلية "
ويؤكد محمد البربري مستشار محافظ البنك المركزي المصري أن البنوك قررت عدم تمويل أية عمليات مصرفية لها صلة من قريب أو بعيد بإسرائيل . مشيرا إلى أنه لا توجد رغم ذلك تعليمات رسمية من قبل البنك المركزي للبنوك ، خاصة بوقف أية عمليات تتم مع رجال أعمال لهم علاقة بإسرائيل سواء استيرادا أو تصديرا ما دامت تخضع لقوانين العمل المصرفي .
ويقول : إنه رغم ذلك فإنه لا يوجد بنك واحد في مصر الآن يمول أي عملية لها علاقة بإسرائيل وذلك من باب الإحساس بجسامة الجرم الذي ترتكبه قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني .
ويضيف أن بنوك مصر في الوقت الحالي توقفت تماما عن تمويل أية أنشطة لها علاقة بإسرائيل ، وهو الأمر الذي وجد استجابة كبيرة من جانب العملاء ، وبخاصة العرب الذين اتخذوا بدورهم قرارات بعدم التعامل التجاري مع إسرائيل في إطار استراتيجية عربية لمواجهة قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني .
" اليورو بدلا من الدولار "
وكان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد قد طالب بإيجاد عملة جديدة تسمى " الدينار الإسلامي " تستخدم بين الدول الإسلامية كبديل للدولار الأمريكي ، وذلك كجزء من المقاطعة للعملة الأمريكية .
وهنا يرى خبراء الاقتصاد أن اتخاذ هذه الخطوة لم يعد مجرد مسألة عاطفية وإنما هي مطلوبة سواء كوسيلة ضغط على أمريكا أو حتى في الأحوال العادية لتنويع عملات احتياطية من أجل تقليل المخاطر التي تتعرض لها في حالة انخفاض قيمة الدولار أو انهياره .
ويرى على نجم محافظ البنك المركزي الأسبق في مصر : أن الاتجاه لاستخدام اليورو كبديل عن الدولار يعد توجها جيدا بدون مقاطعة الدولار أو غيره ، لأن المسافر إلى أوروبا في الوقت الحالي ليس من مصلحته أن يأخذ دولارات ، لأنه سيتعرض لخسائر لتحويل هذه الدولارات إلى اليورو كما أن اليورو متاح كتحويل وبنكنوت وعملة ، وهذا يحقق مصلحة مستخدم اليورو .
===============(28/401)
(28/402)
تطبيع سوداني مع المخابرات الأمريكية
لوس أنجلوس- وكالات- إسلام أون لاين.نت/ 29-4-2005
صورة نشرتها لوس أنجلوس تايمز الجمعة مصاحبة لتقريرها وفيها يظهر الرئيس السوداني عمر حسن البشير أيام كان متحالفا مع الشيخ حسن الترابي إلى اليمين
كشفت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" قيام علاقة شراكة وثيقة بين المخابرات السودانية والمخابرات المركزية الأمريكية، اعتبرها مسئول سوداني "تطبيعا كاملا" برهن خلاله السودان على أنه حليف مفيد ومهم في الحرب الأمريكية على ما تصفه واشنطن بـ "الإرهاب".
ونسبت الصحيفة الأمريكية الجمعة 29-4-2005 إلى اللواء يحيى حسين بابيكر الذي وصفته بأنه مسئول رفيع في الحكومة السودانية أن "المخابرات الأمريكية تعتبرنا أصدقاء لها".
وخلال مقابلة مع "لوس أنجلوس تايمز" في القصر الرئاسي بالخرطوم قال بابيكر إن السودان حقق "تطبيعا كاملا لعلاقاتنا مع المخابرات المركزية الأمريكية". وأضاف بابيكر وهو نائب المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السوداني سابقا للصحيفة أن المخابرات المركزية الأمريكية تسعى إلى تليين العلاقات السياسية الأوسع نطاقا بين إدارة بوش ونظام الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
كما أقر مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية السوداني في مقابلة مع الصحيفة أن المخابرات السودانية عملت بالفعل كآذان وعيون للمخابرات الأمريكية في دول مجاورة من بينها الصومال وهو ملاذ للمتشددين الإسلاميين.
وقال اللواء صلاح عبد الله المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السوداني للصحيفة: "لدينا علاقة شراكة قوية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. إن المعلومات التي قدمناها للولايات المتحدة أفادتها كثيرا".
وذكرت "لوس أنجلوس تايمز" أن مسؤولي الحكومة الأمريكية أكدوا أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أرسلت طائرة إلى الخرطوم لنقل اللواء صلاح عبد الله إلى واشنطن الأسبوع الماضي لعقد اجتماعات سرية في إقرار لشراكة الخرطوم الحساسة التي كانت مستترة في السابق مع الإدارة الأمريكية.
وأضافت الصحيفة أن السودان يريد مقابل ذلك رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، وأن ترفع واشنطن العقوبات الاقتصادية عنه.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي بشأن الإرهاب يوم الأربعاء 27-4-2005 إن السودان حسن تعاونه في مجال مكافحة الإرهاب على الرغم من التوتر مع الولايات المتحدة بشأن العنف في إقليم دارفور.
من أكبر الشركاء
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية شريطة عدم نشر اسمه: "إن السودان أعطانا معلومات محددة. . مهمة وعملية وسارية"، وقال المسئول إن المخابرات السودانية يمكن أن تصبح من أكبر شركاء المخابرات المركزية الأمريكية.
وأضاف هذا المسئول الرفيع أن "مستوى كفاءة المخابرات السودانية عال للغاية. لا يمكن للمرء أن يحيا في هذا الجزء من العالم بدون جهاز مخابرات جيد. وهم في وضع يتيح لهم تقديم مساعدات مهمة".
وقال مسئولون أمريكيون آخرون إن التعاون بين المخابرات السودانية والأمريكية أسفر عن نتائج ملموسة أوجزوها في اعتقال المخابرات السودانية لأشخاص يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة، وسلمتهم إلى المخابرات الأمريكية للتحقيق معهم. كما أن المخابرات السودانية سلمت لمكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي بعض الوثائق التي عثرت عليها في مداهمات لمنازل من يشتبه في أنهم إرهابيون ومنها جوازات سفر مزورة.
وإضافة إلى ذلك طرد السودان المتطرفين ووضعهم تحت تصرف أجهزة مخابرات عربية تتعاون عن قرب مع المخابرات المركزية الأمريكية. كما أن النظام السوداني أحبط هجمات على أهداف أمريكية واعتقل متشددين أجانب كانوا في طريقهم للانضمام إلى القوات التي تقاتل الأمريكيين في العراق.
وقالت "لوس أنجلوس تايمز" إن المفارقة في علاقة الشراكة الاستخبارية بين السودان والولايات المتحدة تتجسد في اللواء صلاح عبد الله، مشيرة إلى أن أعضاء بالكونجرس الأمريكي اتهموه هو وغيره من كبار المسئولين السودانيين بإدارة الهجمات على المدنيين في دارفور. وفي التسعينيات كان اللواء عبد الله مكلفا بملف القاعدة بحسب الصحيفة الأمريكية. وهذا الدور أتاح له إجراء اتصالات منتظمة مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي استضافه السودان في الماضي.
وقال مهدي القطبي وهو مدير سابق لجهاز المخابرات السوداني ويعمل حاليا مستشار الرئيس السوداني للشئون السياسية إن "بوسع البلدين إقامة علاقة شراكة استخبارية قوية. لكن هناك بعض التردد لأن العلاقات الدبلوماسية ما زالت فقيرة".
حساسية سياسية(28/403)
لكن هذا التعاون أمر حساس للغاية من الناحية السياسية بالنسبة للطرفين. فحكومة البشير تواجه معارضة داخلية تتضمن منتقدين من داخل النظام نفسه لتعاونها مع الولايات المتحدة . وردا على ضجة ثارت في السودان تتعلق بشائعات تقول إن الحكومة السودانية تعاونت مع الإدارة الأمريكية في أواخر 2001، أقسم البشير في مؤتمر صحفي بالخرطوم أول إبريل 2005 أنه لن يسلم أي مطلوب سوداني من قبل المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة خارج السودان بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور.
كما أن مسئولين أمريكيين أقروا أن مثل هذه العلاقة مع السودان يمكن أن يكون لها مردود سياسي سيئ في الولايات المتحدة. فحكومة السودان متهمة بارتكاب انتهاكات حقوق إنسان على نطاق واسع، والإدارة الأمريكية في صدارة منتقديها.
=============(28/404)
(28/405)
على هامش انتفاضة الأقصى العدو الصهيوني يهتز من الداخل
محمد عبدالفتاح 16/2/1423
29/04/2002
يمكن القول بشيء من المجازفة أن العدو الصهيوني يعيش منذ بداية انتفاضة الأقصى حالة من التخبط والفوضى وانعدام الرؤية السياسية لا يعرفون إلى أين ستقودهم ، وإذا كان الحديث عن تزايد نسبة البطالة ، وتضخم الهجرة المعاكسة بشكل يومي، وهبوط سعر (الشيكل) مجرد أحداث على هامش الانتفاضة وتأثيراتها على الأوضاع الداخلية لهذا العدو، نتيجة إمكانية التعريض والابتزاز سواء على مستوى الأموال الأوروبية أو من الولايات المتحدة ، فإن مما لا شك فيه أن هنالك فجوة كبيرة وقابلة للتطور تظهر بشكل جلي في معظم مناحي الحياة يمكن رصدها ساهمت انتفاضة الأقصى في دفعها وهي مؤهلة أن تتعمق مع الأيام مع ملاحظة أن التعويل بشكل كبير على الانهيار الداخلي للعدو الصهيوني مسألة تدعو إلى الركون والانتظار أكثر مما تقود إلى العمل ضمن مسارات أخرى موازية لهذه الإصابات لدى العدو .
وأولى هذه التأثيرات التي نتجت عن الانتفاضة المباركة هي فقدان الأمن الذي طالما سعى إليه الصهاينة بشتى الطرق ، فقد بات معلوما أن لغة جديدة بدأت بالتبلور لدى هؤلاء في جميع أراضي فلسطين المحتلة مفادها أن القوة العسكرية لا يمكن أن تقود إلى الأمن بمقدار أن استخدام هذه القوة يعبر عن ضعف وهشاشة هذا العدو، إضافة إلى أن الإرهابي "أرئيل شارون" الذي اختاره الصهاينة لإيقاف حالة التدهور الأمني، لم يفشل فحسب بذلك، بل إن الأمن الشخصي لدى رجل الشارع بات مفقوداً .
من جانب آخر، فقد بلغ - حسب تقرير أركان جيش الاحتلال - عدد عمليات المقاومة الفلسطينية قرابة (أربعة آلاف ومئتين وخمس ) عمليات ، كما قتل (مئتان وثلاثون) صهيونياً حتى أواخر شهر آذار مارس الماضي ، وبذلك يصبح "شارون" أقل رئيس وزراء يحافظ على أمن جنوده على الرغم من حجم العنف والقتل والتدمير الذي يمارسه بحق الشعب الفلسطيني ، علاوة على أن عمليات المقاومة وثقافة الاستشهاديين تكرست وتجذرت في عهده بشكل لم يسبق له مثيل ، إلى الدرجة التي أصبح فيها الصهاينة يخشون من دخول مراكز المدن التي احتلوها عام 1948م فضلاً عن الضفة الغربية وقطاع غزة .
وجدير بالذكر أن هذا التدهور انعكس بصورة كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والتي تفاقمت بصورة متسارعة منذ بداية الانتفاضة رغم وعود "شارون" المتكررة بتحسين الأوضاع، فقد قفزت نسبة البطالة عن (10%) ليرتفع بذلك عدد العاطلين عن العمل إلى حوالي ربع مليون عامل، إلى جانب تدهور قيمة العملة الصهيونية مقارنة بالدولار واليورو، ناهيك عن الخسائر الكبيرة جداً في السياحة والمطاعم والفنادق والزراعة والبناء ، كما تعرضت صناعة التقنيات المتقدمة إلى ضربة كبيرة كما تؤكد ذلك صحفهم بشكل شبه يومي .
ولعل من أبرز آثار انتفاضة الأقصى كشفها لحقيقة حاول الصهاينة أنفسهم ودعاة التطبيع العرب طمسها وهي سيطرة العقلية العسكرية والاستئصال الأمني على جميع الأطياف السياسية لدى العدو الصهيوني، وإلا فما هو تفسير بقاء حزب العمل في حكومة شارون حتى الآن إذا كان قادة هذا الحزب يدّعون الحرص على عملية "السلام" ؟ ويؤكد المراقبون أن جميع العسكريين يتولون بعد تقاعدهم مناصب سياسية إذا لم يصلوا إليها أثناء الخدمة.
ويبدو أن الإرهابي "شارون" يدرك تماماً أبعاد اللعبة داخلياً وخارجياً ، ليساعده في ذلك الماكر "شمعون بيريز" ، فعندما يغضب اليمين الصهيوني يبدأ "شارون" حملاته العسكرية ، ويكثف سياسة الاغتيالات ، ويعلق أن القدس هي العاصمة الأبدية والموحدة ، وإذا غضب اليسار والأوروبيون أرسل "بيريز" ليقوم بمهمة التزيين والتزييف ، بل إن "بيريز" أعلن في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه " في كل بحث في الحكومة يحضر الجيش فرقة من الضباط إلى الجلسة تتألف من رئيس الأركان ونائبه ورئيس الاستخبارات العسكرية و... يأتون يحملون رأياً واحداً وقد أصبحوا خبراء سياسيين" وهذا يعطي مؤشراً بالغ الدلالة عن حجم الاتفاق بين هؤلاء حول القضايا المتعلقة بفلسطين رغم خلافاتهم الظاهرية حول بعض المكاسب السياسية أو الحزبية .
ويرى د. "إبراهيم أبو جابر" مدير مركز الدراسات المعاصرة في أم الفحم أن الشعب الفلسطيني ضحية الأهداف الإجرامية للصهاينة بمقدار ما هو ضحية خلافاتهم السياسية إذ يؤكد أن إصرار "شاؤول موفاز" - رئيس هيئة الاركان - على اتخاذ مواقف أكثر تطرفاً من الحكومة في مواجهة الانتفاضة ، وللإصرار على الإعلان عن موقفه بشكل تظاهري عبر وسائل الإعلام إنما هو نتاج تفاهم بينه وبين رئيس الوزراء السابق "بنيامين نتنياهو"، ينص على أن يعمل "موفاز" على إحراج "شارون" بدفعه إلى اتخاذ مواقف متطرفة جداً، حتى لا يجد حزب العمل مفراً من الانسحاب من الحكومة، وبالتالي تقديم موعد الانتخابات".(28/406)
أما ثالثة الأثافي بالنسبة لنتائج الانتفاضة المجيدة فهي التزايد المستمر لأعداد الجنود الصهاينة الذين يرفضون الخدمة في جيش الاحتلال ليس لأسباب أخلاقية كما يروج بعض عشاق (السلام) في بلادنا، وإنما نتيجة الصمود الأسطوري، والمقاومة الرائعة والبطولية التي أظهرها الشعب الفلسطيني، كما برز بصورة لا تقبل التشكيك أن ثقافة الاستشهاديين ولغة المقاومة هما السبيل الوحيد لدحر الاحتلال .
فقد رفض (اثنان وخمسون) عسكرياً الخدمة في داخل الضفة الغربية وقطاع غزة مؤكدين أن ما يقومون به من عمليات ( لا تحقق الأمن لإسرائيل) وما لبث أن تبعهم (خمسمائة) ضابط، يقول أحدهم - وهو من الجنود المهاجرين الشباب الذي كان يحلم وهو في الخارج بواحة الأمن والديمقراطية حيث تعلم العلوم العسكرية في الخارج-: (تعلمنا أن نكون ضباطاً أنقياء كالبلّور ولكنهم حولونا إلى غزاة (فاشست)، يريقون الدماء ويرتكبون جرائم حرب" وقد وقع هؤلاء الجنود على عريضة يرفضون فيها الخدمة في فلسطين المحتلة عام 1967م مؤكدين استعدادهم للقتال في حرب واضحة المعالم تظهر فيها الدبابات وطائرات (إف 16) والأباتشي ولكنهم لا يمكن أن يفعلوا شيئاً أمام شاب أو فتاة يحمل متفجرات لمقاومة الاحتلال .
ويبدو أن هذه التطورات تشكل صدمة للعدو الصهيوني الذي طالما افتخر بتماسكه ولهذا لم يكن مستغرباً أن يعلن وزير الحرب السابق "موشيه أرنز" عن غضبه على هذه التصرفات مؤكداً أن " الدفاع عن البلاد هو أهم واجب لأي مواطن، وإذا بدأ كل جندي يرفض أمراً ما، أو يختار المكان الذي يريد الخدمة فيه ، فإن هذه تكون نهاية جيش إسرائيل" مستذكراً كيف أدت حملة الأمهات الأربع التي اتسعت لتشمل غالبية أمهات جنود العدو الصهيوني في جنوب لبنان والذي أجبر "ايهود باراك" على الانسحاب بأقل من أربع وعشرين ساعة دون قيْدٍ أو شرط بفعل عمليات المقاومة التي أذاقت جيش الاحتلال طعم الهزيمة لأول مرة بصورة مذلة .
في ضوء جميع هذه الحقائق والتطورات يمكن القول: إن أوضاع القوى العربية والإسلامية والدولية التي تتحرك على مسارات انتفاضة الأقصى وامتدادها في الوطن العربي والعالم الإسلامي كله ومحاولة فهم علاقاتها ومصالحها المتشابكة والمعقدة بصورة مدهشة تدلنا بوضوح أن المقاومة والعمليات الاستشهادية هي القوة الوحيدة التي تتحرك وتؤثر وتحصد النتائج ، وأن أغلب الجهود الدولية والعربية الرسمية في هذا الصدد ما هي إلا انقاذ لمصالحها أولاً ثم نتيجة حرصها على إنقاذ العدو الصهيوني ( من نفسه) .
وخلاصة القول ، إن علينا -أولاً- أن ندرك حقيقة ما يحدث ، وأن أسطورة القوة الصهيونية التي لا تقهر -فقط- صنعتها حالة العجز والارتهان والاستلاب العربية والإسلامية ، والتي قهرتها - فقط - ثقافة الاستشهاديين ، إذ أصبح أمن العدو الصهيوني بيد شباب الانتفاضة أكثر مما هو قرار بيد الإرهابي" شارون" ، في نفس الوقت الذي ينبغي أن ندرك فيه أيضاً أن التعويل على ما ذكرناه سابقاً ليس انهياراً للعدو بمقدار ما هي مؤشرات على بداية السقوط الذي يجب أن يرافقه تعظيم لجهود المقاومة لزيادة هذه المؤشرات وهل كانت الجبال إلا من الحصى؟
============(28/407)
(28/408)
أوهام الرخاء الاقتصادي للعرب . .في ظل التطبيع مع الصهاينة
الإسلام اليوم - خاص : 10/2/1423
23/04/2002
ظلَّت الدول الغربية تروج لمقولة الرخاء الاقتصادي للعرب إن هم أقدموا على السلام مع الصهاينة، وتم الضحك على العرب حتى ذهب فريق منهم تجاه التطبيع وإنهاء المقاطعة، وتم فتح العديد من أسواق البلدان العربية والإسلامية أمام المنتجات والاستثمارات الصهيونية، فضلاً عن فتح مكاتب التمثيل التجاري، وإبرام الاتفاقيات الاقتصادية مع دولة الاحتلال .
فما أسباب عدم تحقق الرخاء للعرب رغم السلام الجزئي والتطبيع مع الصهاينة ؟ وهل يستطيع العرب تحقيق الرخاء في وجود الصهاينة وبالتعاون معهم ؟
سحب الأموال العربية من الخارج ضرورة
يقول د. "إبراهيم السبيلي" الخبير الاقتصادي : لقد فتحت أزمة الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من حرب الإرهاب الأمريكية، وتدهور الاقتصاد العالمي الباب أمام التفكير في عودة الأموال العربية المهاجرة، خصوصًا في أعقاب التضييق على الاستثمارات العربية في الدول الغربية والمخاوف من تجميد أرصدة بدعوى مساندة أصحابها للإرهاب.
وكانت الأموال العربية قد عرفت طريقها للاستثمار في الخارج في السبعينيات مع تعاظم الطفرة النفطية في الخليج وزيادة ثروات العائلات الحاكمة ورجال الأعمال الباحثين عن فرص لزيادة الثراء في الخارج، في وقت كانت الاقتصاديات العربية طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات تمر بأزمات حادة؛ إذ كانت معظمها مرتبطة بالفكر الاشتراكي، والحكومات مهيمنة على كافة الأنشطة الاقتصادية، ناهيك عن تعقيدات الجهاز الحكومي من روتين وبيروقراطية وفساد خانق؛ وهو ما خلق بيئة عربية طاردة للاستثمار وشجعت الأموال العربية المهاجرة على البقاء خارج الوطن.
ورغم أنه طوال العقود الماضية ومع كل ضربة كانت تتعرض لها الاستثمارات العربية في البورصات العالمية كان الحديث يكثر حول ضرورة عودة (الأموال الهائمة) في الخارج (أزمات داو جونز، وناسداك، وأزمة الاقتصاديات الآسيوية عام 1998)، -فإنه سرعان ما كانت تخفت أصوات المنادين بعودة الأموال العربية ما إن تتلاشى هذه الأزمات، وتعود الأمور إلى طبيعتها.
ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أَوْجَدَت معطيات مختلفة تمامًا، ولم تعد الأزمة اقتصادية كتلك التي واجهتها الأموال العربية المهاجرة في العقود الماضية؛ فالقضية التي تواجهها هذه المرة تهدد مصيرها، وربما تجعلها تتلاشى كتطاير الأوراق في البورصات؛ لذلك فإن صوت العودة هذه المرة يبدو قويًا، ويلقى آذانًا صاغية من بعض أصحاب الثروات الذين بدؤوا بالفعل في تحويل جزء من أموالهم؛ إما إلى بلادهم أو إلى دول تبدو فيها المخاطر أقل؛ إذ بات عامل الأمن -الآن- أهم من عامل العائد على رأس المال، فهناك خوف ينتاب المستثمرين العرب في الخارج، خصوصًا في أمريكا من أن تمتد يد الإدارة الأمريكية بتجميد أموالهم على غرار ما فعلت مع أصحاب الأموال بدعوى مساندتها لجماعات متشددة.
والمشكلة أنه ليست هناك أرقام أو إحصائيات دقيقة حول الأموال العربية المهاجرة (يقدرها العديد من المصرفيين بأنها تتراوح بين (سمائة إلى ثمانمائة مليار دولار)، بل هناك من يقدرها بحوالي (تريليون دولار) لكن أحدث تقرير صدر مؤخرًا عن شركة "ميريل لينش" و"كاب جيمني أرنست آند يونج" يقول: إن عدد أصحاب الثروات من العرب بنهاية عام 2000 بلغ مائتين وعشرين ألفَ شخص، إلا أن التقديرات الخاصة بحجم ثرواتهم تتفاوت بين تريليون دولار حسب تقرير "ميريل لينش" وثلاثة تريليونات دولار حسب تقديرات أخرى.
وحسب التقرير أيضا، فإن مجموع الثروات العربية سوف ينمو بواقع 54% خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى (ألفي مليار دولار) بنهاية عام 2005. ويعتقد عدد من المسؤولين المصرفيين في البنوك الخليجية أن القيمة الحقيقية لمجموع الأموال العربية المهاجرة قد يصل إلى ألفين وخمسمائة مليار دولار، وهناك من يقدرها بحوالي (ثمانمائة مليار دولار.
فحبذا لو أضيف إلى ذلك المقاطعة الإقتصادية الشاملة للصهاينة واستغلال هذه الأموال العربية المهاجرة في الاستثمارات العربية والتنمية العربية .
التخلف ملازم للعرب مابقي الصهاينة متحكمين
أما د. "سامي الصالحي" أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية فيقول: "إنه من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 2001 الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يُلاحظ أن سبع دول عربية سجلت تراجعاً عن العام الماضي .
ويخلص التقرير الذي اعتمد محور مساهمة التقنيات في جهود التنمية البشرية كمعدل لقياس تقدم الدول بالإضافة إلى محاور التنمية البشرية الأساسية -إلى أن الدول التي ستفشل في تحقيق استغلال فعّال للتقنية غالباً ما ستجد نفسها تتراجع وتتخلف في التنمية البشرية ومهمشة أيضاً في الاقتصاد العالمي.(28/409)
و بينما تتسابق العديد من دول العالم لرفع مستويات التنمية البشرية لديها يتضح أن أغلب الدول العربية ما زال أداؤها ضعيفاً في محاور التنمية البشرية الأساسية، بينما يكشف عن خلل خطير في مجال مساهمة التقنيات الحديثة في التنمية البشرية، إذ أظهر التقرير أن الدول العربية ما زالت في مواقع مهمشة على الصعيد العالمي فيما يتعلق بتقنية المعلومات والاتصالات وجميع التقنيات الحديثة إنتاجاً واستخداماً .
ويضيف د. "سامي الصالحي" إنه من خلال التفكير في طبيعة العلاقة مع الكيان الإسرائيلي المحتل في إطار "عقلية الوهن" من قبل العرب والمسلمين، استطاع اليهود أن يحققوا العديد من المكاسب، منها أنهم أحسنوا توظيف الجانب الاقتصادي في إدارة الصراع. فعندما تسير الأحداث حسب هواهم ومصالحهم يتوغلون بتوسيع ملكيتهم لبعض المشروعات الإنتاجية المقامة في البلدان العربية والدخول في اتفاقيات اقتصادية تلتزم بها الدول العربية، وقد لا يلتزمون هم بها، أما في حالة توقف المحادثات، فإنهم يدعون إلى مبدأ الفصل بين المسارين السياسي والاقتصادي ليستطيعوا تحقيق ما يريدون من خلال الاقتصاد.
وأصحاب "عقلية الوهن" يجعلون أنفسهم أمام تناقض صريح؛ فإذا كانت دولنا لن تحارب فلماذا توجه المليارات للصرف على الجيوش والتسليح، في الوقت الذى تحتاج فيه مشروعات التنمية إلى هذه الأموال، فضلاً عن تخفيف عبء المديونية وتسول المعونات؟ وإذا كانت عقلية الدفاع هي المسيطرة، فإن العداء "الأمريكي الصهيوني" أصبح اليوم يستهدف العراق وإيران بعد "حزب الله" وأيضًا سوريا، واحدًا تلو الآخر.
* إن دولة الاحتلال وهي تمارس أعمالها الإجرامية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م، قد منيت بخسائر كبيرة على مختلف أنشطتها الاقتصادية، وهي غير حريصة على ذلك؛ لأنها تثق في الدعم غير المحدود من قبل أمريكا، ولكن الأمور هناك توزن بموازين أخرى، فكيف لدولة مثل هذه الدولة تشير كل الدلائل الاقتصادية إلى أنها منيت بخسائر كبيرة ، ورغم ذلك تستمر في هذه الحرب أو الإبادة؟
إن العدو الصهيوني لا يعبأ بالوضع الاقتصادي بالصورة التي تصيب أبناء أمتنا الإسلامية والعربية بالهلع بمجرد الحديث عن أوضاع اقتصادية يمكن توظيفها للضغط على أمريكا، بل والصهاينة من أجل تخفيف الحصار على الفلسطينيين العزل.
المقاطعة العربية فعالة ومؤثرة
يقول الباحث الاقتصادي "يوسف كمال: " إن كثيراً من العرب قللوا من النتائج المترتبة على استخدام وسائل المقاطعة الاقتصادية الشاملة كأدوات ضغط، وساقوا أسبابًا منها: أن البترول العربي والإسلامي لم يَعُد مؤثرًا على الأوضاع في أمريكا، وأنها بإمكانها الحصول على البترول من أماكن أخرى، وأن المقاطعة الاقتصادية غير مجدية؛ لأن حجم التجارة العربية والإسلامية مقارنة بالتجارة العالمية غير مؤثرة، وهي لا تمثل سوى رقم ضئيل.
وفي المحصلة النهائية لم يدرس أحد ما أحدثه البترول من آثار في انتصار أكتوبر 1973م، وأن أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت بالوجود الأمريكي في أفغانستان هو بترول بحر قزوين، وحرصها على التواجد في منطقة الخليج؛ لتؤمن إمدادات البترول، فلا يزال سلاح البترول يمكن استخدامه، وسوف يؤتي ثماره في الأجل القصير.
وبالنسبة للمنتجات فتجربة محلات "سنسبري" في مصر وغيرها من الشركات التي يعرف عنها مساهمة الصهاينة بها ماثلة في الأذهان؛ إذ تمت مقاطعتها حتى اضطرت إلى إغلاق كافة الأفرع في مصر والرحيل
============(28/410)
(28/411)
استقبال عربي فاتر لاقتراح التطبيع الأردني
الجزائر- وليد التلمساني- إسلام أون لاين.نت/ 19-3-2005
أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري
أثار المقترح الأردني الجديد للسلام في الشرق الأوسط، والداعي إلى اتخاذ القمة العربية بالجزائر قرارا بإقامة علاقات رسمية بين الدول العربية وإسرائيل حتى قبل إقامة الدولة الفلسطينية.. زوبعة في أروقة اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب التي بدأت بالجزائر السبت 19-3-2005، تمهيدا للقمة العربية المقررة يومي الثلاثاء والأربعاء 22 و23 مارس 2005.
وفيما تمسك الوفد الأردني بنفي رغبة بلاده دفع الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل، تعاملت أغلب الأطراف المشاركة في الاجتماعات ببرود شديد مع المقترح الأردني الذي يدعو لعدم ربط التطبيع العربي مع إسرائيل بانسحاب الأخيرة بشكل كامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وربطه بدلا من ذلك بالانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة المقرر في يوليو 2005، وهو ما يعني -حسب مراقبين- تضاؤل حظوظ رفع هذا المقترح إلى القمة العربية المقبلة بالجزائر.
إعادة صياغة
وقال أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر في تصريحات صحفية السبت: "الأردن طرح فكرة، ونعتقد أن وزير خارجية فلسطين هو المعني المباشر بها".
وأشار إلى قرار وزراء الخارجية العرب بإعادة صياغة المقترح الأردني "حتى يكون مقبولا من جميع الأطرف".
كما أكد أبو الغيط أن مصر ما زالت متمسكة بالمبادرة السعودية للسلام في الشرق الأوسط، والتي تم الكشف عنها في قمة بيروت (2002)، قائلا: "إنها لا تزال قائمة، ولا تراجع عنها".
وردا على سؤال لـ"إسلام أون لاين.نت" حول ما إذا كانت إسرائيل مستعدة للتعاطي إيجابيا مع المبادرة السعودية قال وزير الخارجية المصري: "الكرة الآن في مرمى الإسرائيليين، وفلسفة المبادرة تقوم على مبدأ إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل إذا انسحبت من الأراضي العربية التي تحتلها، ووافقت على حل عادل لقضية اللاجئين وعلى قيام دولة فلسطينية في كامل التراب الفلسطيني.. هذا هو الجوهر، ولا تهم الصياغة التي تتضمنها أي مبادرة أخرى".
وتابع: "العرب في حاجة إلى توافق عربي جديد بشأن مقترحات السلام مع إسرائيل".
وعلمت "إسلام أون لاين.نت" من مصادر مطلعة على المناقشات أن وزراء الخارجية -الذين واصلوا مناقشاتهم في جلسة مغلقة- تعاملوا ببرود شديد مع وزير خارجية الأردن حين عرض عليهم مقترح بلاده.
"لا داعي للتطبيع"
وفي تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" حول المقترح الأردني بالتطبيع مع إسرائيل قال أبو بكر القربي وزير الخارجية اليمني قبل دخوله قاعة الاجتماع: "اليمن لا يرى أن هناك داعيا للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتل أبيب تريد استغلال الشرخ الحاصل بين العرب بخصوص هذه القضية لخدمة مشروعها الاستيطاني".
وتابع: "هناك دول عربية فرض عليها التطبيع من خلال اتفاقيات وقعتها مع إسرائيل مثل مصر والأردن، ودول عربية أخرى قررت التطبيع؛ لأنها رأت أن إقامة علاقات مع إسرائيل يخدم مصالحها، كما يفيد موقف الدول العربية المحتلة بعض أراضيها".
"ليس قرآنا"
وحول مبدأ تدوير منصب أمين عام الجامعة العربية على أعضائها، والذي أثارته الجزائر وأثار حساسية مصرية، قال القربي: "اليمن يرى أن بقاء شخصية من بلد معين في المنصب ليس قرآنا منزلا، والمهم في نظرنا أن يختار الأعضاء الأفضل من بين الراغبين في تولي هذا المنصب، ولا يهم أن يكون مصريا أو من جنسية أخرى".
وقد أثارت الصحافة المصرية قبل القمة ضجة كبيرة حول مقترح التدوير الذي أرادت الجزائر طرحه للنقاش في هذا القمة، ولم يهدأ القلق المصري من هذه الرغبة الجزائرية إلا بحصولها على تعهد من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالتنازل عن هذه الفكرة.
=============(28/412)
(28/413)
مقاطعة إسرائيل اقتصاديا ..مطلب عاجل
الإسلام اليوم - خاص : 18/2/1423
01/05/2002
في خطوة فعالة لمساندة الانتفاضة الفلسطينية أعلن اتحاد الغرف التجارية العربية بالقاهرة مقاطعة جميع الأنشطة الاقتصادية المساندة لإسرائيل، وأكد الاتحاد أنه يتم حاليًا دراسة كيفية التعامل مع الاقتصاديات المساندة لإسرائيل .
جاء ذلك في الوقت الذي طالب فيه رؤساء جمعيات المستثمرين بوضع استراتيجية عربية للتفاهم مع الولايات المتحدة، وأكد خالد أبو إسماعيل رئيس اتحاد الغرف التجارية العربية أنه تم بالفعل إعلان مقاطعة جميع الأنشطة الاقتصادية الإسرائيلية ، ويتم حاليًا دراسة كيفية التعامل مع الأنشطة الاقتصادية الأخرى المساعدة لإسرائيل .
وقد استطلعت صحيفة "عالم اليوم" المصرية أمس الثلاثاء آراء رجال الأعمال المصريين والمستثمرين العرب حول مقاطعة إسرائيل اقتصاديًا مساندة للانتفاضة الفلسطينية إذْ طالب "محمد فريد خميس" رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى المصري بحتمية مقاطعة إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا ، وقال: "إنه فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية فالأمر يحتاج لوضع استراتيجية عربية للتفاهم معها على أن تكون استراتيجية عربية وتعلن بشكل جماعي إن أمكن ذلك" .
وأوضح "خميس" أن حجم التبادل الاقتصادي المصري مع الولايات المتحدة مهم لمصر ولا يمكن أن تتم مقاطعة تلك القوة الاقتصادية الكبرى .
كما طالب "محمود سليمان" رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان بالقاهرة المجتمع
الاقتصادي العربي بجميع طوائفه وشرائحه بمقاطعة إسرائيل اقتصاديا .
وقال: "إن جميع منتجات مدينة العاشر من ملابس وأغذية ومواد طبية جاهزة بالفعل لإرسالها للشعب الفلسطيني ".
وقال: "إنه من الضروري أن يقوم القطاع الخاص بدوره وأن يساند ويدعم الموقف المصري تجاه النازية الجديدة في المجتمع الدولي" .
أشار سليمان إلى أن الموقف الأمريكي السلبي والمساند والمتحيز لإسرائيل أصاب الشارع المصري بالإحباط ، ولابد من إعادة النظر في التعامل التجاري معها .
وقال رجل الأعمال المصري "مصطفى السلاب" عضو مجلس الشعب: "آن الأوان للمقاطعة الشاملة لكل صور المعاملات الاقتصادية مع إسرائيل بجميع صورها" .
وأكد "السلاب" على حتمية أن ينبع ذلك من داخل منظمات الأعمال وجمعيات المستثمرين .
وقال "السلاب" إنه لابد من وقفة اقتصادية مع أمريكا .. ونحن لن نجوع ولن نموت .
وأضاف د. "حسن راتب" رئيس جمعية مستثمري شمال سيناء على حتمية أن يكون للعرب والمسلمين وقفة ، ولابد لهذه الوقفة أن تكون موجعة ليس لإسرائيل فحسب ولكن أيضا لمن يقف خلفها ويساندها ويشجعها على هذه العربدة .
وطالب "راتب" بوجود إعلام عربي مجمع تشارك فيه كل القوى لوضع فكر استراتيجي لمواجهة الآخر شريطة التحدث بنفس لغته، وفي محافله ولابد أن يتم ذلك بالتعاون والتنسيق مع القطاع الخاص .
وقفة اقتصادية عربية جادة
ومن جانبه أكد "محمد أبو العينين" عضو مجلس الشعب المصري ورئيس الشعبة العامة للمستثمرين باتحاد الغرف التجارية على حتمية اتخاذ وقفة اقتصادية عربية جادة أمام هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة وأن تتم هذه الوقفة فورًا .
وأشار إلى أنه لابد أيضا من اتخاذ موقف من أي عربي يتعامل مع إسرائيل، وأن يكون الموقف حاسمًا ، وأن تتوقف التعاملات بجميع الصور .
ومن جانبه قال "ممدوح ثابت مكي" عضو اتحاد الصناعات أنه يجب سحب جميع الأموال العربية من البنوك اليهودية أو البنوك التي يسيطر عليها اليهود في الخارج .
وأشار إلى اتصالات عاجلة تجري بين اتحادات الصناعات والغرف التجارية والتجمعات الاقتصادية العربية لاتخاذ موقف موحد لمساندة القضية الفلسطينية.
وقال د. "عبد المطلب محمد عبد المطلب" نائب رئيس شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة أنه تقرر منع التعامل مع المستلزمات والأجهزة الطبية القادمة من إسرائيل .
وأشار في اجتماع الجمعية العمومية لتجار المستلزمات الطبية أول أمس أن هناك إنذارات من الشعبة لأي تاجر سوف يتعامل مع السلع الإسرائيلية .
وقال "إسماعيل عبده" رئيس شعبة تجار ومستوردي السلع والأجهزة الطبية أن وقف التطبيع التجاري والاقتصادي مع الدول المساندة لإسرائيل لابد أن يأتي بالتدريج مع ضرورة حصر السلع التي يمكن الاستغناء عن استيرادها في الوقت الحالي من هذه الدول التي تساند إسرائيل .. وأكد أهمية البحث عن أسواق جديدة لاستيراد سلع مثيلة .
ودعا د. "مدحت شعبان" عضو شعبة المستلزمات الطبية جميع التجار لوقف التعامل مع الكيان الإسرائيلي ، والدول المساندة له .. مؤكدا على أهمية إنشاء آلية لمساندة هذا الاتجاه .
ومن جانبه قال "محمود العربي" رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة أن تجار محافظة القاهرة أوقفوا التعامل نهائيًا مع إسرائيل .. ونحن بدورنا أكدنا على الشعب التجارية لتنفيذ ذلك ومحاربة السلع المهربة من إسرائيل .
============(28/414)
(28/415)
لا تطبيع حاليا مع إسرائيل
الجزائر- وليد التلمساني- إسلام أون لاين.نت/ 12-3-2005
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة
نفى رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى بصفة قطعية أن يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد صافح أو التقى أصلا نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز، على هامش الملتقى الدولي حول مكافحة الإرهاب الذي اختتمت أعماله في العاصمة الأسبانية مدريد الجمعة 11-3-2005.
وأكد أويحيى خلال مؤتمر صحفي بالجزائر العاصمة الجمعة على موقف الجزائر "الثابت" من قضية التطبيع مع إسرائيل، والذي يرهن التطبيع "بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وباستعادة سوريا لهضبة الجولان" المحتلة.
وقال أويحيى: إنه لم يُجرِ اتصالا بالوفد الجزائري الذي شارك في ملتقى العاصمة الإسبانية، "ومع ذلك أستطيع أن أجزم بأن بوتفليقة لم يلتق بيريز".
وكانت وسائل إعلام دولية قد نقلت عن صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أنباء مفادها أن بيريز وبوتفليقة شاركا في حفل استقبال خلال مؤتمر دولي ضد الإرهاب بمدريد، وأن الاثنين توجها نحو بعضهما البعض وتعانقا.
وجاء في الموقع الإلكتروني لـ"هاآرتس" يوم 10-3-2005 أن "بيريز التقى في مدريد الرئيس الجزائري، وأنهما تعانقا في حفل استقبال بمناسبة المؤتمر الدولي حول الإرهاب".
وقالت الصحيفة: أكد الرجلان على أهمية اللقاء بينهما وعن أملهما بأن يسود السلام في الشرق الأوسط.
انتقد أويحيى الأطراف التي تتعاطى بحماسة مع كل ما يتصل بالجزائر وإسرائيل، قائلا: "هناك أقطاب عربية غيرت من مواقفها 360 درجة تجاه إسرائيل، وعندما نفعل نحن نفس الشيء يصبح حراما علينا!".
وقرأت أوساط سياسية تصريح أويحيى على أنه إشارة إلى عواصم عربية كانت تقود حملة مقاطعة إسرائيل، ثم بدلت موقفها وأقامت اتصالات دبلوماسية مع الدولة العبرية.
وعاد رئيس الحكومة إلى المصافحة التي وقعت في 22 يوليو 1999 بين بوتفليقة وإيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، بمناسبة تشييع جنازة الملك المغربي الحسن الثاني بالرباط، فقال تحديدا: "لقد صافح بوتفليقة باراك فعلا، وهذا لا يعني أن السماء سقطت".
ونتجت عن مصافحة بوتفليقة لباراك آنذاك ردود فعل معادية من طرف التيار الإسلامي والمحافظ في الجزائر، كما تصاعدت موجة قوية لمناهضة التطبيع مع إسرائيل.
هرولة "الثوار"
شيمون بيريز
وأشار أويحيى الجمعة إلى أن "أكبر الثوار في العالم العربي" تورطوا في الهرولة إلى التطبيع مع إسرائيل، وفي رسالة إلى الرافضين إقامة علاقات بين إسرائيل والجزائر قال أويحيى: "هل يوجد بلد قدم لصالح الفلسطينيين مثلما قدمته الجزائر؟".
وأورد موقع "هاآرتس" الإلكتروني أن بيريز التقى أيضا الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، كما التقى الأمير مولاي رشيد شقيق العاهل المغربي محمد السادس. ونقل ذات المصدر عن الطايع قوله إن موريتانيا كانت الدولة الوحيدة في العالم العربي التي استمرت في علاقاتها مع إسرائيل طوال سنوات انتفاضة الأقصى الأربع الماضية، بينما أشاد الأمير المغربي، استنادا إلى "هاآرتس" بالعلاقة بين بيريز والعائلة المالكة في المغرب.
ويضيف المصدر أن مولاي رشيد أعرب عن أمله بأن تتوفر الظروف الملائمة في الوقت القريب لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قد كشفت يوم 25-2-2005 عن أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وجه برقية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون يدعوه فيها لحضور المؤتمر حول "المعلوماتية" مقرر عقده في نوفمبر 2005.
وقالت الصحيفة في موقعها الإلكتروني: إن الرئيس بن علي قال في برقيته لشارون إنه من بواعث سروره دعوة شارون للمشاركة في أعمال المؤتمر، وإنه على ثقة تامة بأن مشاركة إسرائيل ستثري المناقشات وتساهم في إنجاح المهام التي يتطلع المؤتمر إلى إنجازها". بحسب الصحيفة.
كما أعلنت كل من الأردن ومصر في فبراير الماضي عن الموافقة على عودة سفيريهما إلى تل أبيب، ووقعت الدولتان في الشهور القليلة الماضية اتفاقيات للتبادل التجاري مع إسرائيل كان من أشهرها اتفاقية "الكويز".
==============(28/416)
(28/417)
تحية لمجاهدي فلسطين وبيان للمسلمين
أ.د/ناصر بن سليمان العمر 2/2/1423
15/04/2002
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأكتب هذه الكلمات تبرئة للذمة، فقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيّننّه، ولئن لم يبين العلماء وطلاب العلم عند نزول الملمة، فمن الذي ينصح الأمة؟ ومن الذي يوجه العامة؟ ومن الذي يواسي الشعوب المكلومة؟ أينطق بقضاياها كل رويبضة؟ أيقودها لحتفها كل منافق؟ أيواسيها كل عدوٍ مُمَازق؟ لا والله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون).
إن ما يعيشه إخوتنا في بيت المقدس وما حوله من أراضٍ بارك الله فيها أمر تتفطّر له القلوبُ والأكباد
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر … …
فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر
إخواننا هناك مابين قتيلٍ وأسير، ونساؤهم مابين أرملةٍ وثكلى، وأبناؤهم مابين يتيم ٍومفجوع بوالدة، وفي كل بيت بكاء أو دماء أو أشلاء، يسومهم أخابث الناس وأراذل القوم سوء العذاب:
ولو أني بليت بهاشمي … …
خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن … …
تعالي وانظري بمن ابتلاني
بمَنْ ضربتْ عليهم الذلة والمسكنة إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس، وباءوا بغضب من الله.
فسبحان من جعل الأيام دولاً، بالأمس الغابر يسوم فراعنةُ العصر الأول اليهودَ سوء العذاب، واليوم يسوم اليهودُ إخواننا كل خطة خسف، فرحماك ربي رحماك. وبالرغم من عظم المصاب إلاّ أن في ذلك إشارة لبشارة (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين ~ وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ~ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، لا والله فالابتلاء سنة قائمة لعباد الله المؤمنين(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ~ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، في عصر النبوة وفي أرض المدينة (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً)حتى قال بعض المنافقين: كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يقضي حاجته؟ (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً)ويقول منافقوا اليوم ما قاله الأولون: كيف ينطق الحجر والشجر، كونوا واقعيين، لابد من التطبيع فلا قبل لكم بيهود وحِلفها أمريكا (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون).
- إخوة الإسلام: إن من فوائد هذه الأزمة معرفة حال الأمة وما يمكن أن يعول عليه لحل قضيتها، كما أنها عرّتْ من تستّر بالشعارات والعبارات رغم فصول التمثيل والتدليس التي يمارسها الإعلام.
- يا أهل أرض الإسراء، لقد غدا قول ربنا: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)آية عيانية مرئية، فلم يرضَ اليهودُ عن قوميةٍ عربية، ولا اشتراكية بعثية أو شيوعية، فاحسموا خياركم الذي من أجله تقاتلون، ولتنحّوا الرايات العُمِّية والعلمانية فلطالما خذلتكم "ومن قاتل تحت راية عميةّ يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل، فقِتْلَةٌ جاهلية" [صحيح مسلم]، وقد سئ صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل غضباً ويقاتل حمية ويقاتل للمغنم ويقاتل للذكر ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله، قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" [صحيح البخاري]. وقد بدا أن من أهل العلمنة عملاء ما فتئوا يسلمون المجاهدين من أبنائكم لعدوكم، وأن دعاة القومية والاشتراكية حَدُّ دعواهم الفرجة والتنديد أما وظيفتهم فحماية اليهود وحراسة الحدود، وأمثال هؤلاء (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم والله عليم بالظالمين)وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
- إخوة الدين والعقيدة اعلموا أن الكفر ملة واحدة، وصدق الله (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون)، فهاهو ذا الغرب النصراني ينظر ويتفرج، وربما استنكرت ألوف تضيع في خضم الملايين من المتفرجين، وقد علمنا أن تلك الدول تنزل على رغبات شعوبها، فلا تصيبنكم الكلمات والبيانات بالتخدير، فما أُريدَ بها إلاّ التخذيلُ أو ليلهث الناس خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ومما يدل على ذلك أن أقل القليل ألا وهو التلويح بسلاح المقاطعة الاقتصادي خيار بعيد عند الغربيين، وهل عزَّ اليهودُ إلاّ بحبل من هؤلاء وأعوانهم؟(28/418)
- يا أهل فلسطين لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، واعلموا أنّ "مَنْ قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"، وإنما النصر مع الصبر (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم لعلكم تفلحون)وإن يمسسكم قرحٌ فإن عمليات المجاهدين الفدائية أصابت القومَ بقروح، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، وإن ما يقذفه جهادُكم من رعب في قلوب اليهود يدل على أنكم ماضون في الطريق الصحيح الذي أشار إليه الصادق المصدوق بقوله: "تقاتلون" أو "تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم".
والشر إن تلقه بالخير ضقت به … …
ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم
فامضوا على درب الجهاد فإن الله ناصركم، والله يكلؤكم، وما أصابكم:
فذلك في ذات الإله وإن يشأ … …
يباركْ على أوصالِ شلوٍ ممزع
- يا أهل الأرض المقدسة التي كتب الله لكم كما قال: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)ثقوا في موعود الله لكم "تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله"[صحيح البخاري]، ولا تستبطئوا النصر فقد كان من كان قبلكم يجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف، (وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ~ وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ~ فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ~ سيهديهم ويصلح بالهم ~ ويدخلهم الجنة عرّفها لهم)
* أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يا من حيل بينكم وبين ما تشتهون، لئِنْ سُدَّ بابٌ لنصرةِ إخوانكم فقد شُرِّعت أبواب، فقد بدا المخلصون وانكشف العملاء والبطّالون، فاعملوا على دعم الطيبين من أبناء ذلك البلد في كافة المجالات المادية والتقنية العسكرية، فهم أعرف الناس بها، وأهل مكة أدرى بشعابها، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة.
* إخوةَ الإسلام لن تعدم الأمّةُ أمَةٌ من إماء الله الصالحات و عبد من عبيد الله الطيبين تجاب دعوتهم لأمّة مستضعفة مظلومة، فاجتهدوا في الدعاء لإخوانكم، وضجّوا به في الصلوات، وأيقنوا بأن نصر الله آت.
* أيها المسلمون اعلموا أنه لا عهد لمن ينقض العهد في كل يوم مرات، (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ~ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)وفي صنع اليهود هذا ردٌّ على كل من قدّم مبادرة استسلام وجواب بليغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كما أن التطبيع مع اليهود إقرارٌ لهم على احتلالهم الأرض والمقدسات، ووضعٌ للجهاد، وبونٌ واسع وفرقٌ شاسع بين صلحٍ يضع الحربَ إلى أجل أو غاية، وبين التنازل عن أرض الإسلام، وأي أرض! إرضاءً للغرب، وفراراً من أرض المعركة، وخذلاناً للمجاهدين.
* معاشرَ المسلمين هيئوا أنفسكم بالعلم والعمل، وأعدوا ما استطعتم من قوة، فإن دعى داعي الجهاد كنتم رجاله، وإن دُهمتم كنتم أجبرَ الناس عند مصيبة وأحلمهم عند فتنة، واعلموا أن من واجبكم أن توحدوا صفوفكم على كلمة سواء ليرتفع وصف الغثاء، (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
وختاماً: أذكّر قادة الدول الإسلامية بأنّ نصرةَ إخواننا في فلسطين واجب شرعي (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)واعلموا أن أطماع اليهود بعيدة، يجب ألا يغفلَ عنها عاقلٌ يرقب ما يفعلونه بإخواننا:
أتهويمَةٌ في ظلِّ أمنٍ وغبطة … …
وعيشٍ كنوار الخميلةِ ناعمِ!
و إخوانكم بالشام يُضْحِي مَقِيلهم … …
ظهور المَذَاكِي أو بطون القَشَاعِمِ
وكيف تنامُ العينُ ملئَ جُفُونها … …
على هفواتٍ أيقظت كلَّ نائمِ؟
وتلك حُروبٌ من يَغب عن غِمَارِها … …
ليسلم يقرعُ بَعدها سِنَّ نادمِ
سُلِلْنَ بأيدي المشركين قواضباً … …
ستغمدُ منهم في الكُلى والجَمَاجِمِ
أسأل الله أن يصلح حال المسلمين وأن ينصر إخواننا المجاهدين، وأن يعلي راية الدين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين(ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
=============(28/419)
(28/420)
"التطبيع" بالـ"يخوت" بعد السفراء والاقتصاد
إبراهيم عبد الله- إسلام أون لاين.نت/ 22-2-2005
منتجع شرم الشيخ المصري
الجمعة 3-3-2005 سيكون يوما مميزا في "التطبيع الإقليمي" بين العرب وإسرائيل؛ حيث من المقرر أن تنطلق مسابقة يشارك فيها نحو 50 يختا، تبدأ من ميناء "إيلات" الإسرائيلي، مرورا بـ"العقبة" الأردني بالبحر الأحمر، ووصولا إلى "بورسعيد" المصرية المطلة على قناة السويس والبحر المتوسط.
المسابقة التي اتخذ منظموها الفلسطينيون والإسرائيليون لها عنوان "مهرجان سلام البحر الأحمر" تعد سابقة فريدة، رغم مشاريع تطبيع إقليمية عديدة في مجال السياحة بشرت بها اتفاقات إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية والأردن في عقد التسعينيات، وإن تعثر معظمها مع الحصاد المتواضع لعملية التسوية.
ويتزامن "التطبيع باليخوت" مع إعادة مصر والأردن لسفيريهما لتل أبيب، بعد أكثر من 4 سنوات مضطربة سياسيا تلت اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000.
احتفال سنوي
وكانت الصحافة الإسرائيلية هي أول من يكشف عن مثل هذه المبادرات التطبيعية. فنشرت صحيفة "هاآرتس" الصادرة يوم 21-2-2005 أن السلطات المصرية والأردنية قدمت التسهيلات اللازمة لتنظيم السباق الذي سيأخذ طابعا احتفاليا، ويتحول إلى مهرجان ينشط حركة سياحية تربط بين الأطراف المشاركة فيه.
ونقلت الصحيفة عن منظمي المهرجان أن هذه المبادرة غير المسبوقة سوف تتحول إلى احتفال يجري كل عام.
وقالت "هاآرتس": إن المشاركين في مهرجان الجمعة يبلغ عددهم 500 شخص، كما سيجرى تنظيم رحلات لمئات الإسرائيليين انطلاقا من بورسعيد إلى القاهرة.
وأشارت إلى أن رياضيين إسرائيليين وفلسطينيين قد بادروا بالتنظيم، يتقدمهم "عوزى سويسه" رئيس مجلس إدارة "منتدى دعم الرياضات البحرية" في إسرائيل، والإسرائيلي "إيتان بريدلاندر" بطل العالم السابق في مسابقات اليخوت ورياضيون فلسطينيون من قطاع غزة.
ووفق منظمي المهرجان الإسرائيليين الذين عقدوا مؤتمرا صحفيا في تل أبيب، فستشارك يخوت أوربية وأمريكية في السباق. إلا أن الطابع السياحي كان حاضرا في هذا المؤتمر عندما قال "بريدلاندر": "مسابقة اليخوت تجرى في أروع مكان بالعالم حيث الطبيعة الساحرة.. ولا شك أنها ستشجع السائحين على الحضور لهذا المكان.. والجميع يحدوهم الأمل في أن تتوافر دعاية كافية تحث السائحين على الحضور إلى أماكن خلابة كإيلات والعقبة وطابا".
ومن المقرر أن يتخذ منظمو المسابقة (المهرجان) من توقف المتسابقين والجمهور المرافق لرحلتهم في بورسعيد والإسماعيلية على قناة السويس نقطة انطلاق لرحلات برية لزيارة معالم القاهرة وأهرامات الجيزة، فضلا عن منتجع شرم الشيخ جنوب شبه جزيرة سيناء.
ولا تخلو هذه المبادرة من رموز سياسية واضحة؛ حيث جرى الإعلان في المؤتمر الصحفي بتل أبيب عن مشاركة مجموعة من الجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة من الجيش الإسرائيلي ممن أصيبوا في حرب عام 1973، فضلا عن رياضيين فلسطينيين من جرحى ومصابي الاعتداءات الإسرائيلية اليومية من قطاع غزة.
600 ألف يخت
من جانبها ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن المسابقة تتكلف ربع مليون دولار أمريكي سيتكفل بها المنظمون والشركات الراعية للمهرجان.
وقال المنظمون: إنهم يهدفون إلى "التقريب بين شعوب المنطقة ودعم السياحة والاقتصاد في الدول المطلة على البحر الأحمر". ولم يفت هؤلاء المنظمين إحصاءُ سلاحهم التطبيعي الجديد فقالوا: "إن أكثر من 600 ألف يخت تمخر عباب البحر الأحمر".
حقائق الاحتلال
إلا أن حقائق الاحتلال على الأرض لم تختفِ تماما من مشهد الإعداد لهذا الحدث التطبيعي، فأقدمت السلطات الإسرائيلية على منع المتسابق الفلسطيني "محفوظ كبريتي" من الدخول إلى إسرائيل قادما من غزة للانطلاق بيخته من إيلات؛ بدعوى أنه لم يحصل على الأوراق اللازمة لمثله من الفلسطينيين للانتقال بين غزة وإيلات على بعد كيلومترات معدودة؛ الأمر الذي اعتبرته معاريف "ضربة أولى" تلقاها المشاركون في المسابقة البحرية.
وكشفت الصحيفة ذاتها أن منظمي المسابقة قاموا بالتنسيق مع محافظ جنوب سيناء اللواء مصطفى عفيفي، ومع وزير شئون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات، حيث شاركا في تحديد موعد المسابقة.
وقالت صحيفة معاريف: "إن شركات تجارية إسرائيلية تساهم في تنظيم المهرجان. أما السلطات المصرية فقد شجعت هذه المبادرة بتخفيض رسوم عبور اليخوت المشاركة".
اتفاق الغاز
ومن المقرر أن توقع مصر وإسرائيل في غضون أيام بصورة نهائية على بروتوكول تزود بمقتضاه القاهرة تل أبيب بـ1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، وعلى مدى 15 عاما، حسبما ذكرت صحيفة "الأهرام" اليوم الثلاثاء.
ويعد تجديد اتفاقات البترول والغاز المبرمة منذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 أهم خطوة في التطبيع الاقتصادي بين البلدين، بعد بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز" في 14-12-2004.
===============(28/421)
(28/422)
نداء لنصرة الاخوة الفلسطينيين
د.سفر بن عبدالرحمن الحوالي 26/1/1423
09/04/2002
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين أما بعد :
فإبراءً للذمة وأداءً للحق الواجب بخصوص ما يعانيه شعبنا المسلم المرابط في فلسطين المحتلة أذكّر بما يلي : أن جهاد إخواننا في فلسطين المحتلة هو جهاد عظيم في سبيل الله تعالى ، للدفاع عن مقدسات المسلمين و لرفع الظلم عن أنفسهم و لاسترداد أرضهم و أرض المسلمين ، يحتسبون فيه ما أصابهم من ألم أو هم أو نصب ، ولا أعلم اليوم جهادا في سبيل الله هو أفضل من الجهاد معهم لمن قدر عليه بمال أو نفس أو قول أو دعاء .
ولذا فإن نجدتهم حق واجب و نصرهم فرض لازم لجميع المسلمين بمقتضى نصوص الكتاب والسنة قال تعالى : { إِنَّما المؤمنون إخوة} وقال : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ٌ} (التوبة:71) .وقال : {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال و النساء و الولدان } وقا صلى الله عليه وسلم :( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ) .
أذكِّر نفسي وجميع إخواني بعموم الآيات و الأحاديث في فضائل الجهاد والرباط والشهادة في سبيل الله تعالى . وهي معلومة و لله الحمد . و من ذلك فضل الجهاد بالمال فإنه من أعظم القربات وأفضل أنواع الجهاد كل حين ، فكيف و قد حيل بين المسلمين وبين الجهاد بأنفسهم في فلسطين ؟ ولعظم مكانة الجهاد بالمال قدمه الله تعالى في أكثر المواضع من القرآن الكريم على الجهاد بالنفس كقوله تعالى : {انْفِرُوا خِفَافاً وثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأمْوالِكُم و أنْفُسِكُمْ في سَبِيْلِ الله} (التوبة:41) وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (التوبة:20) . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (الصف: 10 -11 )
وقوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (الحجرات:15) .
أن خذلانهم أو التهاون في مناصرتهم ورفع الظلم والاضطهاد عنهم ذنب عظيم وتضييع لفرصة كبيرة في تحطيم آمال الصهيونية ، وتعريض للمسلمين والعرب جميعا لخطر مُدْلَهِمْ، فإن لم يغتنم المسلمون اليوم الفرصة فسيندمون على فواتها إلى أمدٍ الله أعلم به ، وإن تغييب الأمة عن ذلك وإشغالها باللهو واللعب يبلغ درجة الإجرام في حقها وحق قضاياها.
أن التعاون على نصرتهم بكل أنواع النصرة الممكنة - مع كونه واجباً على المسلمين كما تقدم وكونه من الجهاد في سبيل الله - هو أيضا داخل دخولاً أوّلياً تحت قوله تعالى :
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة: من الآية2) . ولهذا فإن حض المسلمين على التبرع بسخاء لإخوانهم هو عمل صالح ( ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله ) . وفي ذلك اقتداء ب صلى الله عليه وسلم حين كان يحض أصحابه على الإنفاق في سبيل الله تعالى وتجهيز الجيوش كما حصل في غزوة تبوك في جيش العسرة المشهورة قصته في الصحيحين و غيرها وفي كتب السيرة.
أن إيصال المعونات المالية والمادية من سلاح وغيره إليهم داخل إن شاء الله تعالى في قول صلى الله عليه وسلم : (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا ) . متفق عليه . ولذا فإن كفالة من يوجد من أسر المجاهدين ورعايتهم فيه هذا الفضل العظيم . بل وفي إيصال ذلك إليهم إنقاذ لأنفس مسلمة فليجتهد المسلمون في ذلك وليتسابقوا فيه.كما أن الاهتمام بإخواننا الفلسطينيين من سكان المخيمات في دول الجوار مهم للغاية فيجب على الدعاة إلى الله _ ونحن على أبواب الصيف - إعطاء ذلك حقه.
ينبغي في الإنفاق في سبيل الله أن يقدم الأهم بحسب ما بينته السنة ومن ذلك تقديم نفقة الجهاد في سبيل الله في هذا الموطن الواجب على نفقة حج التطوع وغيره من التطوعات كبناء المساجد و حفر الآبار لقول صلى الله عليه وسلم وقد سئل أي العمل أفضل ؟ فقال : ( إيمان بالله ورسوله قيل ثم أي ؟قال: الجهاد في سبيل الله قيل ثم أي ؟ قال : حج مبرور ) . متفق عليه.(28/423)
أبشِّر إخواني المسلمين في أرض فلسطين وغيرها بأن مع العسر يسراَ وأن النصر مع الصبر ، وأن موقف العدو الصهيوني اليوم هو أكثر ما يكون حرجأ وشدةً ، فقد انحصرت الخيارات أمامه في خيار واحد - هو الاستمرار في العنف والإبادة _ إن تراجع عنه فهو إقرار بالهزيمة وبداية للانقسام وإن استمر فيه فسيقع في الهاوية بإذن الله . ومن هنا لا يجوز إنقاذ موقفه بإيقاف الانتفاضة مهما كانت التضحيات.
وإن التطور النوعي في أساليب الجهاد - مثل اقتحام المستوطنات ومباغتة القواعد العسكرية وصناعة الأسلحة وتطويرها - وكذلك الدقة والإحكام وعمق الاختراق في العمليات الاستشهادية ليؤكد ذلك .
لا ينبغي أن تحول متابعة الأحداث اليومية بيننا وبين الاطلاع على حقيقة المجتمع الصهيوني من الداخل . إنه مجتمع يخيّم عليه الرعب ، وتسيطر عليه الشحناء ، وعند كل عملية استشهادية يزداد فقد الثقة بالمستقبل لديه ، ويتدهور اقتصاده باستمرار وقد وصل الحال إلى احتجاج طائفة من الجيش على السفاح شارون وحكومته وهو ما يعد سابقة خطيرة ، كما أنه يفقد التعاطف الخارجي عند كل عملية اجتياح ، ويستطيع أي مراقب أن يقول إنه يعيس عزلة عالمية لم يشهدها من قبل باستثناء الصهاينة في حكومة أمريكا الطاغية الظالمة، ، ومن هنا وجبت الثقة في نصر الله وحرمت محاولة إخراجه من عزلته وإنقاذه من مأزقه.
كشفت الأحداث الأخيرة أن الذين يلهثون وراء سراب السلام مع هذا العدو منذ معسكر داود لم يجنوا سوى الخيبة والخسارة ، فها نحن أولاءِ نرى ماذا جنى جنود الأجهزة الأمنية للسلطة الذين طالما لاحقوا المجاهدين وترصدوا لهم ودلّوا عليهم جنود "يهود" بل قَتلوا أو سلَّموا بعضهم للعدو، فهل يعتبرون ويتوبون وهل يتعظ بهم الآخرون؟
وهنا نسجل تقديرنا وشكرنا لكتائب الأقصى وللشرفاء من منظمة التحرير الذين انحازوا إلى خيار المقاومة وشاركوا الإسلاميين شرف القتال ونرجو أن يكون ذلك مقدمة لتوحّد الشعب الفلسطيني بكل فصائله تحت راية الإسلام والجهاد وإقامة الحكم الإسلامي على أرضه المباركة .
إن التطبيع مع عدو طبيعته الغدر والخيانة والتملّص والمماطلة - كما يشهد بذلك كتاب الله وسلوكه التاريخي الثابت - هو قبض للريح وجمع بين المتناقضات ، و فوق كونه خطراً عظيماً على العقيدة والمقدسات والقيم والأخلاق والاقتصاد والثقافة ، ولشدة وضوح ذلك ومنافاته للبدهيات والضروريات رفضته الشعوب التي ابتليت به منذ موافقة حكوماتها عليه وهي الآن أشد له رفضاً ، فما جدوى أن تبتدئ الشعوب الأخرى من حيث بدأت ، ومن هنا لم يبق للأمة من مخرج - واقعاً - إلا ما هو المخرج شرعاً وهو الجهاد ودعم صمود شعبنا المسلم واستمرار انتفاضته ، وإذا كان هنالك مجتمعات تُعَبِّر عن شعورها بالتظاهر الصاخب فإن مجتمعات أخرى يجب أن تُعَبِّر عنه بالبذل السخي والإنفاق المستمر.
إن ما قررناه آنفاً لا يعني إغلاق أبواب السياسة الشرعية والدبلوماسية الحكيمة لتحقيق مصلحة الأمة ومساندة الجهاد ، أو التهيئة له والتربص بالعدو .. ومن هنا أجازت الشريعة المطهرة مهادنة العدو ومناورته على سبيل السياسة الشرعية ولتحقيق المصلحة الشرعية ، ومنها إظهار تعنّته وإحراج موقفه وكشف حقيقته لكن دون أن يترتب على ذلك موالاته وترك عداوته ، أو الإقرار له بشيء من الحقوق الثابتة التي لا يملك المسلمون - ولو أجمعوا - التنازل عنها ، لأن الله هو الذي أنزلها وفرضها كما أنزل وفرض معاداة الكافرين ومجاهدة المعتدين ومن ذلك كون أرض فلسطين كلها وقفاً إسلامياً لا يملك غير المسلمين شيئاً منه إلا بعقد ذمة . وكون أملاك اللاجئين حقاً شرعياً متوارثاً لأبنائهم إلى يوم القيامة لا يجوز لغيرهم - كائناً من كان - أن يتصرف فيه بشيء ، ولا يحق له أن يتنازل عنه .
ختاماً : بكل عزم في الطلب ورجاء في الاستجابة نهيب بإخواننا المسلمين أن يسارعوا لنجدة شعبنا الصابر في الأرض المقدسة ، ونذكّر من جاهدوا بأموالهم عند بداية الانتفاضة المباركة أن الحاجة الآن أشد والحال أشق ، ونذكّر من لم يفعل ذلك أن يستدرك ويسابق في هذه التجارة الرابحة . وسوف يعوضكم الله بإذنه عما تنفقون راحة في الضمير وبركة في الرزق ونوراً في القلب ، وما عند الله خير وأبقى . {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً } وإن مما يعين المسلم على الالتزام ويضاعف له الأجر بإذن الله أن يخصص نسبة ثابتة من الراتب - أو غيره - يقدمها شهرياً ويحث أقرباءه وأصدقاءه على ذلك .
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي له الخلق والأمر وبيده الملك وإليه يرجع الأمر كله أن ينصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان وأن يقر أعيننا بعزة دينه وعلو كلمته وخذلان أعدائه من أهل الكتاب والمنافقين والمفسدين في الأرض إنه على كل شيء قدير ،،،
===============(28/424)
(28/425)
تقدم التطبيع المغربي الإسرائيلي بـ2003
الرباط - (مريم التيجي) خدمة قدس برس - إسلام أون لاين.نت/ 28-12-2003
محمد السادس أثناء استقباله لشالوم
عرف المغرب خلال عام 2003 مجموعة من المحطات التي ميزها التقدم في اتجاه تطبيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي. وكانت أقوى لحظات مسلسل التقارب المغربي الإسرائيلي قد تجسدت حين زار وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم المغرب في الأول من شهر سبتمبر 2003.
وكانت تلك الزيارة قد انتهت بحسب مصادر إعلامية مغربية مطلعة لقدس برس، باتفاق الطرفين على مجموعة من الخطوات التي ستعزز هذا الاتجاه، على رأسها فتح خط هاتفي بين الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون، وإعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على أعلى مستوى، دون ربط هذه الخطوة بالتطورات في الشرق الأوسط.
وكان إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب قد جاء بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الحالية في سبتمبر 2000، وبعد الغضب الشعبي العارم إثر المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني.
واعتبرت هذه الزيارة بالنسبة لإسرائيل مكسبًا سياسيًّا غاية في الأهمية؛ بسبب وضعية المغرب؛ حيث يرأس العاهل المغربي لجنة القدس، وكان يحتضن خلال الزيارة رئاسة المؤتمر الإسلامي.
وقد سبق زيارة شالوم للمغرب التي أثارت استياء الشارع المغربي والأحزاب المغربية التي ترفض التطبيع مع تل أبيب في هذه الظروف الحساسة لقاء العاهل المغربي محمد السادس بالحاخام الأكبر الإسرائيلي وهو من أصول مغربية. وقد صرّح بعد لقائه بالملك أن الهدف من هذا اللقاء هو استثمار أصوله المغربية للتقريب ولإعادة العلاقات بين البلدين.
أهداف التطبيع
وبعيدًا عن المواقف الرافضة للخطوات المغربية الأخيرة تجاه إسرائيل يؤكد المسؤولون المغاربة أن هذه الخطوات التي جاءت في هذه الظروف السياسية المتأزمة في منطقة الشرق الأوسط تهدف إلى المساهمة في إعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، وفق خطة خريطة الطريق.
ونقلت قدس برس عن السفير الفلسطيني بالرباط وجيه حسن علي قاسم (أبو مروان) قوله مطلع شهر سبتمبر 2003: إن استقبال مسئولين إسرائيليين من قبل العاهل المغربي بصفته رئيسًا للجنة القدس قد جاء بطلب من رئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمود عباس (أبو مازن)، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات؛ من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات.
كما قال سفير فلسطين: إن عباس تقدم برجاء إلى العاهل المغربي محمد السادس من أجل التحرك، والقيام بالاتصالات التي يراها مناسبة "من أجل حماية شعبنا من حمام الدم، والعودة بالمسار السياسي إلى جادة الصواب.."، معربًا عن أمله في أن تؤدي المساعي المغربية إلى "انتصار العقل والبدء في مفاوضات سياسية يرعاها المغرب..".
كما أكد وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى حينما علق على زيارة شالوم أن محور اللقاءات المغربية الإسرائيلية هو السعي للوساطة من أجل إقناع الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات. ونفى الخطاب الرسمي المغربي أن تكون الوساطة المغربية بديلا عن الوساطة المصرية.
الصحراء هي السيف
إلا أن المراقبين والمتتبعين للخطوات المغربية يربطون بينها وبين الموقف الأمريكي في مجلس الأمن من قضية الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي اعتبر ضربة قاسية للمغرب، وكاد أن يسبب زلزالا لاستقرار المغرب الذي يقوم جزء منه على "الوحدة الترابية"؛ أي عدم المساس بالخيار المغربي في استمرار الصحراء المتنازع عليها تحت السيادة المغربية.
وكان لا بد بعد شعور المغرب بالخطر من خطوات يستدر من خلالها الرضا الأمريكي الذي يمر عبر الرضا الإسرائيلي. وفي هذا الاتجاه جاءت زيارة سيلفان شالوم -وهو من أصول تونسية- يوم الأول من أيلول (سبتمبر) 2003 إلى المغرب، واستقباله بشكل علني ورسمي.
وحسب محللين مغاربة فإن المغرب سعى من خلال هذه الخطوات إلى التوجه إلى اللوبي اليهودي الأمريكي والرهان عليه؛ للضغط على إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لدعم المغرب في قضية الصحراء.
=============(28/426)
(28/427)
الأردن يغلي ، والإسلاميون على" المحك"
محمد سليمان 3/3/1423
15/05/2002
يعيش الأردن منذ سنوات حالاً من التوتر بين السلطة وبين " الإخوان المسلمين"، وعلى الرغم من أنّ الخط البياني لهذا التوتر بين ارتفاع وهبوط، إلاّ أنّ الأزمة مستمرة في التجذر وتنحى بالعلاقة بين الطرفين منحى الطلاق أسوة بالعلاقة بين باقي الحكومات العربية وبين الإسلاميين. ولما كان الإخوان في المراحل السابقة هم الذين يبادرون إلى نزع فتيل الأزمة قبيل الانفجار ، فإنّه من غير الواضح بعد إذا كانت الأحداث الأخيرة والضغط الذي تمارسه القواعد الإخوانية ، بالإضافة إلى حال الغليان الشعبي ستسمح للقيادة الإخوانية بالتراجع هذه المرة ، وبالتالي يصبح الحديث عن تصورات العلاقة بين الإخوان والسلطة في المستقبل من الأمور الضرورية الآن..
1- فلقدت شهدت العلاقة بين الإخوان والسلطة حالاً من التعايش فيما قبل التسعينات ، وتعاون الطرفان في العديد من المجالات لدرء الخطر الشيوعي والبعثي ، الذي دخل في حال من الصراع القاسي مع كلا الطرفين إقليميا ومحليا. بينما اتجهت العلاقة بين الإخوان والسلطة إلى الأزمة الحقيقية مع نهاية حرب الخليج الثانية ، ودخول الأردن مؤتمر السلام ، وتوقيع السلطة على اتفاقية " وادي عربة " مع العدو الصهيوني ، وصَاحَبَ ذلك اندماج الأردن بشكل كامل في مشاريع التصحيح الاقتصادي ، والتزاوج بين التحولات السياسية الاقتصادية في محاولة إنتاج تحولات اجتماعية وثقافية تشكل استجابة من قبل السلطة للمتغيرات الجديدة ، والتحضير لما يسمى ب"عصر ألسلام " أو الشرق الوسط الجديد. هذه التحولات والتي بلاشك انعكست على العلاقة بين الطرفين ، وضعت كلاّ منهما على الطرف النقيض من الآخر و ساهمت بتغيير قواعد اللعبة السياسية في الأردن ، فبحث كلا الطرفين عن توازنات وتحالفات جديدة ، إذ وجد نظام الحكم بالدول العربية ( التي تتفق مع الأجندة الأمريكية في المنطقة ) ومنظمة التحرير الفلسطينية ( التي وقعت كذلك على اتفاق اوسلو ) حليفا رئيسًا ، بينما وجد الإخوان في المنظمات اليسارية والقومية في الداخل ، والدول التي تتحفظ أو تعارض الأجندة الأمريكية ( كالعراق،إيران،سوريا) حليفا إقليميا في المنطقة ، وبما أنّ الإخوان هم الجماعة الأكثر جماهيرية ، صاحبة الأيدولوجيا- التي تحظى بتأييد الشارع- ، والحركة التي تحوز على تعاطف الجماهير الأردنية وجدوا أنفسهم في قيادة المعارضة السياسية ، وفي مقدمة القوى السياسية الرافضة للتوجهات السياسية الجديدة .
2- شهد عام 1993 تصعيدًا في الأزمة بين السلطة والإخوان مع إقرار قانون انتخابي" قانون الصوت الواحد" الذي فصّل - بشكل محكم- لاحتواء الإخوان وتقليص نفوذهم في مجلس النواب ، ثم أعقبته مجموعة من القوانين والإجراءات السياسية ، مثل قانون المطبوعات والنشر ، القوانين الجامعية للحد من النشاط الطلابي في الجامعات ، التضييق على الحريات ، وملاحقة النشاط النقابي.
كل هذه وتلك كانت تضع مؤشرات على التوجه الدائم من قبل النظام للحد من التاثير الإخواني في الساحة السياسية والاجتماعية ، ومع ذلك فإنّ الرد الإخواني اكتفى بالعديد من الفعاليات المضادة ، والتي لم تكن أبدا بحجم الإجراءات الحكومية ، بل كانت ضمن السقف الذي حددته الحكومة للتعبير عن الاحتجاج . وشهد العام 1997 تطورا أخطر في الأزمة عندما استجابت الحكومة لسياسات جديدة لصندوق الدولي ورفعت سعر المحروقات والخبز ، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات عنيفة في عدة مدن مثل : الكرك، ومعان، والطفيلة، أدت المظاهرات إلى أحداث عنف كبيرة، ومواجهات دامية بين الجيش والسكان الذين تظاهروا بطريقة عفوية ، وبمشاركة من قبل الأحزاب اليسارية ، ومرّة أخرى يتراجع الإخوان ويستجيبوا للسلطة حيث ألغوا مسيرة ضخمة كان يفترض تسميتها بمسيرة المليون، وقد تركوا النظام يستفرد بالقوى السياسية الأخرى ، وألزموا الجماهير الإخوانية بالهدوء والسكوت ! ، وفي ذات العام قاطع الأخوان الانتخابات النيابية احتجاجا على التدهور الدائم في الحياة السياسية ، وقاد عماد أبو دية ( نائب المراقب العام ) الجماعة نحو اعتزال العمل النيابي مؤقتا ، سعيا لإحراج السلطة وبيان هشاشة " الحال الديمقراطية " .
3-وإذا جاز لنا أن نتجاوز كثيرًا من الأحداث التي أثرت على العلاقة بين السلطة والإخوان فيما بعد ، فلا بد من الإشارة إلى تغير الحكم ، ودور العهد الجديد بالوصول بالأزمة إلى ذروتها . ويمكن إجمال معالم تطور الأزمة بالنقاط التالية :
أ- تضخم دور الأجهزة الأمنية ، وتغول العامل الأمني على العامل السياسي ، بما هو معروف من الحساسية بين الأجهزة الأمنية والمعارضة في العالم العربي.
ب- طرد قادة حماس من الأردن ، وتصفية وجودهم السياسي والإعلامي .
ج- المسارعة في التحولات السياسية والاقتصادية اليبرالية ، والمضي قدمًا بالـ"خصخصة البنيوية " .
د- انقطاع الحوار بين القصر والإخوان ، وعدم مبادلة العهد الجديد بالعلاقة مع الإخوان .(28/428)
إلاّ أنّ الذي جرالعلاقة إلى الحافة هو انتفاضة الأقصى ، حيث أظهرت عوار الخيار الاستراتيجي الوحيد للسلطة ، والذي أطلقت عليه " خيار السلام " ، والذي بنت عليه السلطة الكثير من المشاريع الاقتصادية والسياسية ، ورسمت - من خلاله- تصورها لطبيعة المستقبل وخياراته المتوقعة ، أمّا وقد تطورت الأمور بشكل مناقض في الأراضي المحتلة ، وضعفت الحجج التي استندت عليها في رسم مخططاتها ، أضف إلى التعاطف الهائل من قبل الشعوب العربية -وبالتحديد الأردني - مع الانتفاضة ، واستبسال الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه ، والمطاولة والمصابرة في الصراع مع العدو الفلسطيني ، فقد فتح المجال في بداية تجدد الانتفاضة - قبل حوالي عام-إلى ازدياد النشاط السياسي والجماهيري للإخوان ، وعودة الحيوية السياسية لهم في الساحة من خلال التصعيد بالاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بإغلاق السفارة الصهيونية ، الأمر الذي أدى إلى مصادمات عنيفة كان أبرزها في منطقتي صويلح، والمحطة ، وأدت إلى مئات الإصابات ، غير أنّ النشاط الجماهيري الحولني توقف بعد هذه المصادمات بصورة لافتة للانتباه ، الأمر الذي أثار استغراب واحتجاج القواعد الإخوانية ذاتها ، حيث إنّ هذا التوقف جاء في المرحلة التي بدأت الجماعة تستعيد نشاطها ووجودها في الساحة .
4 - أعقب ذلك فترة كمون إخوانية حقيقية ، بل -وبعبارة أخرى- غياب عن الساحة ، أرجعه البعض لقرب الانتخابات التنظيمية ، وعملية إعادة ترتيب البيت الداخلي ، وفي الفترة السابقة أدى تراجع الجماعة عن العديد من نشاطاتها ضد السياسات الحكومية إلى تقلص وجودهم في النقابات لصالح القوميين ، كما أنتج أزمة داخلية خاصة مع الشباب الإخواني المثقف الذي رفض هذا التنازل الدائم من قبل القيادة أمام السلطة بحجج مثل : التعقل ، الحفاظ على المكتسبات ، عقدة حماة ( والخوف من تكرار التجربة السورية ) ، ولم يسمع للإخوان أي صوت في الحرب الأفغانية الأخيرة ، ولا حتى أي نشاط شعبي ضد الأعمال غير الإنسانية التي تمارسها الإمبريالية الأمريكية في أفغانستان ، كما تعرّض الناشطون الأخوان في الجامعات إلى مضايقات شديدة ، وتهديدات وضغوطات ساهمت قي الحد بشكل كبير من نشاطهم الجامعي ، زد على ذلك غياب الموقف الواضح من الفساد المالي الأخير، وكأنهم ليسوا حزب المعارضة الأكبر في الساحة!
هذه التداعيات ألقت ظلالا ثقيلة على نفوس الشباب الإخواني ، وعلى مدى التأييد الشعبي ، وعلى ثقة القوى السياسية الأخرى . إلاّ أنّ تدهور الأوضاع مرة أخرى ، واشتعال الأراضي المحتلة ، والبطولات لبهائلة لأبناء الانتفاضة ، وحال الغليان في الشارع العربي - خاصة الأردني - ، وتجدد الحراك الشعبي ، والانقسام الواضح داخل الخط الرسمي العربي، وعزلة الأنظمة المؤيدة للأجندة الأمريكية وتعرضها لحال مخزية من الحرج ، فتح المجال مرّة أخرى- للإخوان للعودة إلى الساحة ، بزخم جماهيري جديد ، فهل سيكونون على مستوى التحدي ؟
5 - تبدو الفرصة اليوم مواتية للإخوان لاستثمار الظروف الداخلية والإقليمية لوضع الأجندة الملائمة للمرحلة القادمة : فالسلطة في أضعف حالاتها السياسية ، وقد أثبتت الأحداث أي حمق كان يسير السياسة الأردنية عندما راهنت على السلام كخيار وحيد ، وبالتالي هي الآن مكشوفة أمام الشعب ، ويزيد من حال بؤسها إصرارها على بقاء العلاقات مع العدو الصهيوني في الوقت الذي بدأت أوروبا تراجع علاقاتها به ، ويزيد من حال بؤس السلطة الفضائح الاقتصادية الأخيرة ، والتي طالت -لأول مرة- رجالا كبارا في أجهزة الدولة ، كذلك الوضع الاقتصادي المتدهور وزيادة البطالة والفقر والحرمان ، المشاكل المعلقة مع أهل مدن كانت معروفة بموالاتها للسلطة في السابق، لكنها تحولت في السنوات الأخيرة ( مثل : معان ، السلط ) ، حالة الغليان الشعبي والاستعداد النفسي للجماهير للتصعيد ضد السلطة .
وهناك قضايا أساسية في الداخل لابد من فتح ملفاتها مرّة أخرى، وأهمها المشروع الصهيوني في الأردن ، والذي لايقتصر على السفارة ، وإنما يشمل العديد من المصانع والمصالح الكبرى ، والتشريعات الأخيرة التي فتحت المجال للتطبيع والتواجد الثقافي ، فالمطالبة ينبغي أن تتوجه ليس فقط لإغلاق السفارة، بل لمعاهدة وادي عربة ذاتها ، وما ترتب عليها من مستحقات ، كما أنّ هناك الملف الداخلي بإبعاده المختلفة والذي حانت الفرصة المناسبة لفتحه .
6-المشكلة هي كما لخصّها العلاّمة محمد قطب ( في سفره القيّم واقعنا المعاصر ) أنّ الصحوة الإسلامية قد وقعت بين نوعين من الناس : إمّا شباب متحمّس لايرى غير العمل العسكري والمادي، ويرفض المنطق السلمي في الإصلاح ، وهو واقع الحركات الجهادية في الأردن ، وإمّا شياب ملّوا من محاولات التغيير التي تعتمد أسلوب التصعيد مع الأنطمة ، وركنوا إلى التصالح مع هذه الأنظمة ، وإن أدّى ذلك إلى تنازلات خطيرة ، و سببت المحاولات السابقة في مواجهة الأنظمة، وما أدت إليه من نكبات حال إحباط لديهم.(28/429)
وكلا الطرفين يغيب منطق المدافعة السلمية ، والتصعيد المدني في ميدان الجهاد السياسي ، من أجل تحقيق الأهداف المرحلية وبعيدة الأمد ، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الشباب الإخواني المثقف ، والقادر على فهم الواقع السياسي والتعامل معه بمنطق سياسي قادر على إدراك المصلحة الشرعية وما يرتبط بها من مصلحة وطنية ، والتي تعني - في كثير من الأحيان التصعيد- ، واستثمار الفرص الذهبية ، وليس التراجع الذي سيؤدي - في نهاية الأمر- إلى تحول الجماعة إلى جمعية خيرية ، وشركة اقتصادية - بحجة الحفاظ على المكاسب - ، بدلا من أن تكون حركة سياسية دعوية تمارس فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدفاع عن الحقوق الشرعية للأمة ، من خلال خطاب سياسي ونشاط حركي ينطلق من المشروع النهضوي الإسلامي ، الذي يسعى إلى التمكين العقيدي للإسلام ، والتخلص من الأنظمة القمعية الاستبدادية الفاسدة التي لا تملك أي شرعية سياسية .قد يؤدي الأمر إلى اعتقالات ، وسجون ، وتضرر مصالح الجماعة ،أو محاولة إلغائها ، فليكن ! ، مادام أن الحركة تسير باتجاه سلمي ، وتعبر عن الإرادة والمصالح الشعبية ، وتحاول أن تستثمر الفرص المناسبة لمدافعة الأنظمة من أجل تحقيق المزيد من الحقوق الشرعية ، ويكفي أنها اجتهدت فيما اعتقدت أنه الأصوب وليس الأسلم ، للخروج من هذا التيه والنفق المظلم ! .
=============(28/430)
(28/431)
الأردن.. المطبعون فشلوا ومقاومو التطبيع تصدروا
عمان - طارق ديلواني - إسلام أون لاين.نت/ 23-6-2003
أجواء الانتخابات الأخيرة في الأردن
شهدت الانتخابات البرلمانية الأردنية الأخيرة التي جرت 17-6-2003 العديد والعديد من المفارقات، وحملت نتائجها دلالات عديدة ستجعل مجلس النواب الرابع عشر الأبرز والأكثر إثارة في تاريخ المجالس النيابية الأردنية المتعاقبة، وربما كان من أبرز تلك المفارقات أن الناخبين الأردنيين وتحديدا في العاصمة عمان أسقطوا بعض المرشحين المعروفين للشارع الأردني بممارساتهم التطبيعية، في حين فاز مرشحون تعرضوا للاعتقال بسبب تمسكهم بمناهضة التطبيع.
ومن بين الشخصيات المعروفة بممارساتها التطبيعية النائب السابق حمادة فراعنة الذي فجر مفاجئة عام 97 بزيارته للكيان الصهيوني. وراهن الفراعنة الذي فشل فشلا ذريعا في الانتخابات على أصوات الأردنيين من أصل فلسطيني؛ على اعتبار أنه مثلهم.
وفشل مرشح آخر معروف بممارساته التطبيعية، وسبق وضعه من قبل النقابات المهنية الأردنية على قائمة سوداء للمطبعين العام الماضي، وهو إبراهيم الحميدي صاحب ومحرر صحيفة "صوت السلام" التي لم يكتب لها أن تستمر في ظل أجواء مناهضة التطبيع أردنيا.
وفي المقابل تصدر مرشحون آخرون مقاومون للتطبيع نتائج الانتخابات، وعلى رأسهم المهندس علي أبو السكر رئيس لجنة مقاومة التطبيع المنبثقة عن النقابات المهنية ومرشح جبهة العمل الإسلامي عن مدينة الزرقاء الذي سبق أن اعتقل هو ورفاقه من أعضاء اللجنة قبل أشهر فقط من الانتخابات، إلى جانب نقيب المهندسين الأردنيين الأسبق عزام الهنيدي، وهو ناشط أيضا في مجال مقاومة التطبيع؛ حيث فاز بعدد كبير من الأصوات كمرشح لحزب جبهة العمل الإسلامي (أبرز تنظيم أردني معارض) في الدائرة الانتخابية الأولى في العاصمة عمان.
كما فاز 3 مرشحين مناهضون للتطبيع وتابعون لحزب الوسط الإسلامي الذي انشق عن حزب جبهة العمل الإسلامي، ونائبان لحزب اليسار الديمقراطي الذي كان قد خاض الانتخابات مؤتلفا مع حزب الوسط، و4 أحزاب أخرى باسم "تجمع الإصلاح الديمقراطي".
هواتف وزيوت!
أما ظاهرة شراء الأصوات والذمم على أبواب مراكز الاقتراع؛ فقد ظهرت هذه المرة بدرجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الانتخابات الأردنية، وتكررت في أكثر من محافظة ومنطقة؛ حيث شوهدت عمليات المساومة وبشكل علني.
مؤازرو أحد المرشحين في الدائرة الأولى لمحافظة العاصمة -ويدعى طالب الحيث، وهو مقاول كبير ورجل أعمال- كانوا يوزعون على الناخبين أجهزة وخطوطا خلوية، وقطعا ذهبية، وأوراقا نقدية فئة 20 دينارا علنا دون أي تدخل من أي جهة، وتحديدا في الساعات الأخيرة من فترة الاقتراع.
كما ذكر بعض الأردنيين لـ"إسلام أون لاين.نت" أن أحد المرشحين وجد طريقة ظريفة لكسب الناخبين من خلال توزيع الزيوت عليهم بشكل مجاني.
الأشقاء تنافسوا
ومن المفارقات اللافتة أيضا بروز تنافس الكثير من الإخوة والأشقاء من المرشحين فيما بينهم، وكانت إحدى المرشحات في نفس الدائرة في مواجهة شقيق زوجها، فيما واجه وزير سابق شقيقه "المناضل السابق" الذي كان سجينا سياسيا سابقا.
كما كان تشتت الأصوات العشائرية على غير العادة هو الآخر أحد أبرز الظواهر لهذا الموسم الانتخابي؛ حيث ترشح عن بعض العشائر العريقة 7 أو 6 مرشحين، وهو رقم غير مسبوق.
توجان وصدام
وبالتوازي مع المفارقات التي رصدت على الأرض لوحظ أيضا تأسيس موقع إلكتروني لتمكين الأردنيين من انتخاب النائبة السابقة توجان الفيصل المعروفة بانتقاداتها الحادة للحكومة، والتي منعت بقرار قضائي من الترشيح للانتخابات.
وشهد الموقع الإلكتروني إقبالا على عملية اقتراع خاصة، عنوانها: "هل تختارون توجان في البرلمان؟"، وافتتح الموقع ليلة الانتخابات، واستمر حتى يوم إعلان النتائج.
ولم يخلُ الأمر من طرافة بعض الناخبين الذين توجهوا لمراكز الاقتراع؛ حيث انتخبوا فعليا من خلال بطاقات التصويت "توجان الفيصل" رغم منعها من الترشح، كما انتخب البعض الجندي الأردني "أحمد الدقامسة" الذي قتل 7 فتيات يهوديات على الحدود الأردنية الإسرائيلية عام 96، ويقضي عقوبة السجن المؤبد حاليا بالأردن، في حين صوت البعض الآخر لصالح الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين!
ويبدو أن هوس الساعات الأخيرة في الانتخابات الأردنية دفع بالبعض إلى بعض الغرائب والطرائف؛ حيث أصر أحد المرشحين على الترويج لحملته الانتخابية من خلال استئجار طائرة خاصة ليلتين، لكن طلبه رفض لأسباب أمنية.
كما رُصدت حركة غير مسبوقة لأسطول من الحافلات التي عملت على نقل الناخبين من أبناء المحافظات للاقتراع هناك بدلا من الاقتراع في أماكن سكنهم في العاصمة وفي الزرقاء القريبة من عمان.
ومن المفارقات الأخرى الجديرة بالتسجيل أن مدينة الطفيلة الأكثر تشددا ومحافظة في موضوع المرأة أفرزت نائبتين اثنتين من خلال الكوتا المحددة سلفا (6 مقاعد للنساء)، في حين أن جميع نائبات الكوتا الست كن من خارج العاصمة عمان.(28/432)
وأخيرا بالنظر إلى بعض الوجوه الجديدة في البرلمان الجديد يتضح أن شخصيات مثيرة كبطل مقاومة التطبيع المهندس علي أبو السكر، وبطل فضيحة فساد الدواء والغذاء الدكتور عبد الرحيم ملحس وزير الصحة الأسبق، والشيخ عبد المنعم أبو زنط الذي فُصل قبل أسابيع من جماعة الإخوان المسلمين.. أصبحوا تحت قبة البرلمان.
ومن بين الفائزين أيضا 10 جنرالات سابقين في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وأكثر من 13 متقاعدا سابقا من المؤسسات العسكرية بجانب 10 من أصحاب الملايين.
=============(28/433)
(28/434)
مؤتمر قادة الاديان .. إسرائيل تكسب ؟!
محمد جمال عرفة - القاهرة 12/11/1423
26/01/2002
المؤتمر أعد له الإسرائيليون وصاغوا بيانه ، ووقع عليه شيوخ مسلمون وقساوسة وهدفه الأساسي إدانة العمليات الاستشهادية .. !
هذا هو باختصار ملخص ما دار في اللقاء الديني الثلاثي الذي عقد يومي 20 و21 يناير في مدينة الإسكندرية المصرية وحضره قادة دينيين مسلمين ومسيحيين ويهود ، وخرج بعده الحاخامات وهم يتهللون فرحا ويشكرون شيخ الأزهر علي مساندته للمؤتمر !!.
المؤتمر كشفت الصحف الإسرائيلية بوضوح انه نتاج تفكير إسرائيلي وان الهدف منه إدانة العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الصهاينة ودفع الرموز الدينية الإسلامية والمسيحية للتوقيع على هذا ، ودور أسقف بريطانيا جورج كاري كان مجرد المحرك لتنفيذ المؤتمر وإقناع الطرف المسلم بقبول فكرة المؤتمر بدعوى لعب رجال الدين دورا مهيئا للسلام ووقف سفك الدماء في الشرق الأوسط !!
أما بيان المؤتمر (الإسكندرية) فصياغته تغني عن معرفة من وضعه وما هي أهدافه.. ويكفي أنه يبدأ بعبارة تقول أن : قتل الأبرياء "باسم الرب" تدنيس لاسمه تعالى ولكل أديان العالم !! ،وأنه -في البنود السبعة التي وردت فيه - لم يذكر كلمة واحدة عن حقوق الفلسطينيين أو العدوان الصهيوني .
فالمعروف - في العرف العالمي - أن الذين يقومون بالقتل "باسم الرب" هم قادة الحركات الجهادية الفلسطينية ، وبالتالي فالبيان يدين عمليا العمليات الاستشهادية ولا يتعرض للإرهاب الصهيوني بكلمة !!
ويكفي الصهاينة مكسبا أن حاخاماتهم جلسوا علنا ورسميا أمام عدسات المصورين والتلفزيونات بجوار شيخ الأزهر وقاضي المحاكم الشرعية الفلسطينية وأساقفة الغرب والشرق ليكون التطبيع الديني مدخلا للتطبيع السياسي ويجري طلب تغيير مناهج الدين الإسلامي (الإرهابية في عرفهم) دون مواربة لأنها تخرج متطرفين وإرهابيين !!.
نموذج من الفرح الصهيوني !
وقد لخص الكاتب الصهيوني ناحوم برنياع في صحيفة (يديعوت احرونوت) يوم 22 يناير نتيجة لقاء قادة الأديان الثلاثة الذي استهدف إصدار بيان ديني يمهد للسلام بقوله : "من زاوية نظر إسرائيلية فان الورقة (البيان) ممتازة، وهو بيان صهيوني كما وصفه بحرارة الوزير الفلسطيني صائب عريقات، حين قرأه قبل وقت قصير. ولكن الأساس ليس الإحساس بالإنجاز لدى الإسرائيليين الذين أعدوا الصيغة، بل كيف يقرأ الورقة الانتحاري القادم من حماس، إذا قرأها أصلا " .
وواضح ما الذي يقصده الكاتب فلو صدر بيان يدين العمليات الاستشهادية من جانب إسرائيليين او مسيحيين فلن يلتفت له الاستشهاديون أو المسلمون عموما ، أما لو صدر من جانب شيخ الأزهر أو قاضي المحاكم الشرعية الفلسطينية فلا شك أنه مؤثر ومؤلم جدا !!
بل إن الكاتب الصهيوني ذهب أبعد من ذلك مفسرا قبول شيوخ المسلمين الجلوس على مائدة التفاوض مع الحاخامات باعتباره رغبة حكومية في المقام الأول ضمن الوضع الصعب الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي الآن ( في ظل حملة الإرهاب الأمريكية) وبالتالي قبولهم التنازل تلو الآخر . إذ يقول ناحوم برنياع إن "استعداد رجال دين مصريين وفلسطينيين للموافقة علي ميثاق مشترك مع رجال دين يهود ومسيحيين يدل علي مدى الصعوبة والضائقة السياسية التي يشعر بها قادتهم - مبارك وعرفات، فمصر مبارك متهمة في الولايات المتحدة بمساعدة غير مباشرة لإرهاب بن لادن - بواسطة تصدير إرهابيين إسلاميين إلى الدول الأخرى، وإيداع التعليم بيد المتدينين المتطرفين وافساد الاقتصاد والمجتمع ،وجواب مبارك هو الشيخ طنطاوي" ولا ينسى الكاتب أن يؤكد أن الشيخ طنطاوي سبق أن أيد العمليات ضد الإسرائيليين، والان يعارضها باسم الله على حد قوله !.
ويضيف : "ليس صدفة أن طلبت مصر استضافة المؤتمر، وليس صدفة ان ضغط طنطاوي على نظرائه الفلسطينيين كي يوقعوا، وليس صدفة أن تذكر طنطاوي بأن لديه لقاء عاجلا في القاهرة لذلك لا يستطيع أن يوقع على البيان شخصيا، ولن يشارك في المؤتمر الصحافي. إنه بذلك يعرض حياته للخطر. قال مساعدوه أمس للإسرائيليين: لا تعرفون ماذا سيحصل لطنطاوي حين تنشر الصور من المؤتمر في الصحف المصرية ".
بل أن الكاتب الصهيوني يكاد يجزم بان "الضائقة السياسية" التي يعاني منها عرفات لم تمنعه من أن يأمر شيوخه، الشيخ التميمي من الأقصى والشيخ طلال سدر وزير الأديان، أن يتوصلا إلى بيان مشترك.
ووصل الأمر لحد رفض الإسرائيليين أي تعديل يدخله الفلسطينيون على البيان الذي سبق أن اتفق عليه نائب وزير الخارجية الحاخام ميخائيل ملكيئور مع شارون حوله وتلقى مصادقة منه بشأنه !!.
أما سبب رفض أي مطالب للفلسطينيين - باستثناء كلمة أو اثنين - فهي "حالتهم الضعيفة الراهنة حيث لا يستطيعون إملاء مطالب" !.(28/435)
والغريب أن ما كشفه هذا الصحفي الصهيوني لم يعرفه غالبية الصحفيين المصريين أو العرب الذين تابعوا المؤتمر الديني لأنهم ببساطة مُنعوا من دخول الفندق الذي عقد فيه ، ولم يتلقوا أي إجابة من أي أحد من المشاركين ولم يكن أحد يعرف ماذا يجري وكل شئ تم بعجالة غريبة مما أثار التساؤلات والدهشة وأثار غضب الكثير من علماء الأزهر الشريف.
أزهريون يحتجون
وقد دفع غموض الهدف من هذا اللقاء والترتيبات العاجلة التي جرت وما تمخض عنه من توصيات تصب في صالح الصهاينة لقيام علماء أزهريون بتوجيه نقد للبيان ووصفه بانه بمثابة وثيقة إدانة للعمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الصهاينة ، تورط في التوقيع عليها العلماء المسلمون الذين شاركوا في المؤتمر .
فقد قال أحد العلماء الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفا من البطش به خصوصا بعد تحويل عدد من شيوخ الأزهر للتحقيق ومجالس التأديب مؤخرا لمخالفتهم رأي شيخ الأزهر أو السفر للعراق بغير أذنه ، أن صيغة البيان " اكبر دليل على أن الذي صاغه هم اليهود والنصارى الذين شاركوا في المؤتمر وقصر دور علماء المسلمين على التوقيع عليه هو نص البيان على أن قتل الأبرياء "باسم الرب" تدنيس لاسمه تعالى ولكل أديان العالم !! .
وأضاف أن الهدف من هذه العبارة واضح وهو إدانة العمليات الاستشهادية البطولية التي يقوم بها الفلسطينيون دفاعا عن أرضهم ، كما ان بقية نقاط البيان السبعة تخلو من أي إشارة لحقوق الفلسطينيين أو العدوان الصهيوني المستمر ضدهم يوميا .
وكان ممثل أسقف كانتربري قد أكد عقب صدور البيان أن هذه الإدانة الخاصة بالقتل باسم الرب "تشمل العمليات الفدائية في الشرق الأوسط" مشيرا إلى أنه أول بيان مشترك في هذا الصدد يوقعه علماء دين مسلمون ومسيحيون ويهود.
أما الشيخ يحي إسماعيل أحد علماء الأزهر الذين تم فصلهم لمعارضتهم لشيخ الأزهر مؤخرا فقد وصف لقاء علماء المسلمين بالحاخامات بأنه " تنازلات مهينة لليهود لأن اليهود - حتى الحاخامات -محاربون ، مجرمون ومغتصبون ، ولا يجوز الحوار معهم أو التفاوض بغير السلاح لأنهم يغتصبون أرضا ليست أرضهم" .
وبالمقابل أشاد كبير حاخامات اليهود الشرقيين في إسرائيل (بكشي دورون) بشيخ الأزهر طنطاوي وجهوده التي قال أنه "يبذلها دون أي حواجز أو عراقيل من أجل وقف العنف واعتبرها في غاية الأهمية " في إشارة واضحة الي فتاوى سابقة لشيخ الأزهر بتحريم العمليات الاستشهادية ضد المدنيين الإسرائيليين ، فيما قال وزير الدولة في السلطة الفلسطينية الشيخ طلال السدر إن الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني سيرفعان نتائج اللقاء إلى رئيس الوزراء أرييل شارون والرئيس ياسر عرفات من أجل وضع خطة تطبق على الأرض .
وكان المؤتمر قد فشل في التوصل لصيغة مناسبة تتوافق مع أراء قادة الأديان الثلاثة بشأن مصير مدينة القدس رغم أن القس جورج كاري قال قبل وصوله مصر ان التوصل لصيغة حول المدينة المقدسة أحد الأهداف ، وقالت مصادر مصرية أن الوفد اليهودي تشدد في أحقيته بالسيطرة علي المدينة ورفض أي حديث عن أحقية المسلمين أو الفلسطينيين فيها سياسيا مما دعا المجتمعون لتقصير مدة المؤتمر من ثلاثة أيام إلي يومين والاكتفاء بالبيان العام الذي صاغه اليهود والمسيحيين ووقع عليه المسلمون .
ووصف رئيس الكنيسة الإنجليكانية في بريطانيا القس جورج كاري أهمية اللقاء بقوله : " أنها رسالة مهمة إلى الشرق الأوسط تتمثل في أننا كزعماء للأديان السماوية الثلاثة نؤكد ضرورة إقرار السلام والعدالة في الأراضي المقدسة"، و"سنعمل سويا من أجل تشكيل لجنة مشتركة دائمة لمواصلة الحوار فيما بيننا للفت الانتباه من كل جهة لوقف تصاعد التوتر والعمل على إعادة المفاوضات إلى مسارها الطبيعي والتخفيف من معاناة سكان الأراضي المقدسة".
تحسين صورة إسرائيل والغرب
وقد وصف مثقفون مصريون المؤتمر الديني بأنه يأتي في سياق محاولات غربية لتحسين صورة الغرب من جهة والتضييق على الحركات الإسلامية الفلسطينية عبر الدعوة العامة لنبذ الإرهاب ، من جهة اخري ، ومن ذلك مؤتمر حوار الأديان الذي أنتهى في لندن يوم 18 يناير الجاري والذي تم بدعوة من القس كاري وتوني بلير وحضره علماء مسلمون من عدة دول ،حيث قال كاري في ختام المؤتمر : " صلوا معنا .. نعمل حاليا كرجال دين على مبادرة خاصة بالقدس والأرض المحتلة " أما مساعد كاري فقال إن هذا يجري التنسيق حوله منذ أسبوعين وبتنسيق مع الخارجية المصرية .
ومعروف ان القس كاري مهتم منذ فترة بعقد مؤتمرات وندوات مع علماء ورموز إسلامية بهدف توفير أرضية لتفاهمات سياسية تسهم في حل الصراع العربي الإسرائيلي ، ووقف ما يسمي (العنف ) .
وتتوقع مصادر مصرية أن يثير المؤتمر موجة نقد جديدة ضد شيخ الأزهر مشابهة للموجة التي تعرض لها في نوفمبر وديسمبر 1997 عندما ألتقى السفير الإسرائيلي في مقر مشيخة الأزهر لأول مرة ، وألتقى بعدها حاخام اليهود الشرقيين مائير لاو .
نص البيان
وفيما يلي نص البيان الذي لا يزال يثير جدلا والصادر من قادة الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية :(28/436)
" بسم الله العلي القدير الرحمن الرحيم ، إننا نحن الذين اجتمعنا كقادة دينيين من الطوائف الإسلامية والمسيحية واليهودية نصلي من أجل أن يحل سلام حقيقي في القدس والأراضي المقدسة. ونعلن التزامنا بإنهاء العنف وسفك الدماء اللذين ينكران الحق في الحياة والكرامة.
ووفقا لمعتقداتنا الدينية فإن قتل الأبرياء باسم الرب يدنس اسمه المقدس ويشوه المعاني الدينية في العالم. إن العنف في الأراضي المقدسة هو شر يجب أن تتصدى له كافة الشعوب ذات الإيمان الصادق . إننا نسعى إلى أن نحيا معا كجيران وأن نحترم خصوصية الميراث التاريخي والديني للآخرين . إننا ندعو الكافة إلى الوقوف ضد التحريض والكراهية والتشويه للآخرين.
1 - إن الأراضي المقدسة هي مقدسة لكافة أدياننا الثلاثة . ولذا فإن أتباع الأديان السماوية يجب أن يحترموا قدسيتها ويجب عدم السماح بأن يمتد سفك الدماء إليها . ويجب الحفاظ على قدسية ووحدة الأماكن المقدسة ويجب ضمان حرية العبادة الدينية للجميع .
2 _ يجب على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يحترموا إرادة الخالق الذي شاءت إرادته أن يعيشوا برحمته على نفس الأرض التي تسمى بالأرض المقدسة.
3 _ إننا ندعو كافة القادة السياسيين من كلا الشعبين إلى العمل من أجل التوصل إلى حل عادل ودائم يتمشى مع روح كلمات العلي القدير والأنبياء .
4 _ وكخطوة أولى ، فإننا ندعو إلى وقف لإطلاق النار انطلاقا من وازع ديني يحترمه ويطبقه جميع الأطراف . كما ندعو إلى تطبيق توصيات ميتشيل وتينيت ، بما في ذلك رفع القيود والعودة إلى مائدة التفاوض.
5 _ إننا نسعى إلى المساعدة في تهيئة مناخ تتعايش في ظله الأجيال الحاضرة والمستقبلية في إطار من الاحترام المتبادل والثقة تجاه الطرف الآخر . إننا ندعو الجميع إلى الإحجام عن التحريض والبعد عن المبادىء الدينية وإلى تربية الأجيال المستقبلية على ذلك .
6 _ إننا كزعماء دينيين نلزم أنفسنا بالاستمرار في السعي الهادىء من أجل سلام عادل يفضي إلى مصالحة في القدس والأراضي المقدسة من أجل الصالح العام لشعبينا.
7 _ إننا نعلن إنشاء لجنة مشتركة لتنفيذ توصياتنا في هذا الإعلان ومخاطبة قيادتنا السياسية لوضعها موضع التنفيذ
============(28/437)
(28/438)
التحالف المشبوه بين الهند و إسرائيل
لندن- الإسلام اليوم 16/11/1423
30/01/2002
احتلت الأزمة الهندية الباكستانية حيزا كبيرا طوال الأسابيع الماضية في الصحف والمجلات العربية والأجنبية توقع البعض حرباً وشيكة بين البلدين لا محالة خاصة وأن الأزمة في تصاعد مستمر وحول الدور الإسرائيلي المشبوه في تغذية هذه الأزمة وتفجر الصراع في شبه القارة الهندية كتبت مجلة "المشاهد السياسي" اللندنية تقول : أ ثبتت أحداث اليوم وعلى الرغم من مرارتها أن أميركا و إسرائيل حريصتان على عدم انتقال تداعيات الأزمة في شبه القارة الهندية إلى الشرق الأوسط الهائج. فليس من مصلحة إسرائيل بالتحديد ولا الولايات المتحدة (بسبب الحرب الحالية) أن ترى أي منهما القنبلة الباكستانية وقد تحولت إلي قنبلة إسلامية والحقيقة أن التجارب النووية ، وتنامي الاتصالات العسكرية بين الهند وبين إسرائيل جددا التفكير في التعاون النووي بين الهند وبين الدولة العبرية، الأمر الذي أعاد إلى أذهان القادة الباكستانيين وبقية العرب والمسلمين احتمال قيام الطرفين (الهندي والإسرائيلي) بمهاجمة المنشآت النووية الباكستانية.
وتضيف "المشاهد السياسي" قائلة "وحتى هذه اللحظة لا تزال الهند حريصة جداً على عدم الإيحاء بأي شكل من الأشكال للعرب والمسلمين بحجم اتصالاتها السرية مع إسرائيل. وعلى الرغم من أنها لم تقلل من مظاهر علاقاتها الثقافية والتجارية مع الدولة العبرية إلا أنها (وشاركتها إسرائيل في ذلك وربما بطلب من الهند أو نتيجة لنصيحة أميركية) مارست الحذر الشديد لدى مناقشة إبعاد علاقاتهما العسكرية والأمنية وهو الجانب الذي يخيف ويقلق العرب وهكذا جهد الطرفان في التقليل من تدفق المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.
"اتفاقيات دفاعية"
ففي آب ( أغسطس) عام 1994، لم ينجح المسؤولون الإسرائيليون في منع الإعلام المحلي من التحدث عن وجود مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية في نيودلهي. بيد أن معظم الزيارات والاتصالات المتعلقة بالشؤون الدفاعية لم تصل أخبارها إلى الإعلام. وبدورهم كان القادة الهنود ينفون بانتظام مضمون التقارير التي تشير إلى أن الطرفين وقعا اتفاقيات دفاعية، فقد كانت هذه المسألة بالغة الحساسية على الوضع الداخلي في الهند. لكن ذلك لم يمنع الحكومة الهندية من الاعتراف بأن مفاوضات جرت وأخرى تجري بين تارة وأخرى مع شركات ووكالات إسرائيلية مختلفة.
ابرز الزيارات الإسرائيلية كانت تلك التي قام بها قائد سلاح الجو الإسرائيلي إلى الهند في آذار (مارس) 1995 ثم زيارة الرئيس الإسرائيلي السابق (عيزرا وايزمن) لنيودلهي عام 1996. وبعدها توالت الزيارات ذات الطابع الدفاعي. وكثرت العروض الإسرائيلية لبيع الهند دفاعات متطورة منها رادارات وطائرات استطلاع من دون طيار وأنظمة مراقبة إلكترونية وتكنولوجيا التحكم عن بعد، وتحسين أداء طائرات ميغ 21 ودبابات تى 72 الروسية التي تملكها الهند.
وأظهرت التقارير السرية أنه منذ تأسيس حرس الأمن القومي الهندي الذي تشكل في أعقاب اغتيال انديرا غاندي، لم يحل غياب العلاقات السياسية بين الهند وبين الكيان الإسرائيلي دون تطوير تعاون محدود لجهاز الحرس مع الأمن العام الإسرائيلي ، لكن أبرز علامة من علامات التعاون الأمني سجلها المراقبون، تمت في حزيران ( يونيو) 1996، وذلك عندما قام عالم الذرة الهندي المرموق "عبد الكلام" بزيارة للأراضي العربية المحتلة. وعبد الكلام هذا عقل نابغ في مجال علوم الذرة وهو مستشار علمي لوزارة الدفاع، ويعتبر بمثابة العقل المخطط والمدبر لمشاريع الهند الواعدة في مجال الصواريخ العابرة وغيرها من الأسلحة المتطورة.
وبين عشرات الاتصالات واللقاءات والبرامج السرية التي لم يكشف النقاب عنها حتى الآن، وأثناء الانتخابات الهندية التي أسفرت عن تشكيل الحكومة بقيادة الجناح اليميني لحزب جاناتا، كان الجنرال بداكاش مالك أول قائد للجيش الهندي يزور إسرائيل. وقد أشيع يومها أن الجنرال مالك زار مرتفعات الجولان السورية المحتلة ، إلا ان نيودلهي نفت ذلك بشدة.
التحالف الهندي - الإسرائيلي
"شراكة.. استراتيجية"
ورغم كل ذلك كما تقول مجلة " المشاهد السياسي " اتسم موقف كل طرف من الطرف الآخر وعلى مدى عقدين باللامبالاة أو هذا ما كان يبديه الجانب الإسرائيلي وإن كان البعض يرى فيه تناقضا مع الحقيقة. ومع ذلك وعلى افتراض أن هذا هو الحال حقيقة وليس ادعاء، فإن أياً من الطرفين لم يظهر أو يكن عداء للطرف الآخر. وخلا السجل التاريخي الخاص بالهند وإسرائيل من أي مواجهة أو أزمة سياسية أو احتكاك. ولكن وعلى الرغم من اللامبالاة وغياب مبررات العداء، إلا أنه لم يكن من السهل إقامة علاقات بينهما. وسياقا مع تناقضات مثل هذه، جاهرت الدولة العبرية اللاهثة والمستفيدة الرئيسة من مثل هذه الشراكة باشتراطات أعدتها الجهات العليا فيها لضمان تحقق ونجاح أي مفهوم للشراكة الاستراتيجية، فطلبت أن يراعى التالي:(28/439)
أولا: ضرورة تبني موقف واقعي في موضوع التعاون الأمني، إذ وبينما كانت الهند تنظر إلى إسرائيل من منظار عربي وإسلامي، فشلت في إدراك قيمة التطبيع مع إسرائيل خدمة لأهدافها في تنمية مصالحها في الشرق الأوسط. ومثل هذا الموضوع يفترض الإقرار بأن الهند مقابل ذلك قد كسبت أمنيا واقتصاديا ؛ فقد أمن لها التعاطف مع العرب بعداً أمنياً في الثمانينيات حين كان لإسرائيل نوع من التدخل في الحرب الأهلية في (سري لانكا). وكان أمر تورط الهند في الحرب أمراً لا بد منه ليس فقط بسبب السياسة العنصرية التي تمارسها حكومة (سري لانكا) ضد مواطنيها من (التاميل) وإنما أيضا بسبب المخاوف التي راودت الهند بشأن أمنها القومي من جراء علاقات (سري لانكا) مع الولايات المتحدة وإسرائيل وباكستان (في المجال الأمني). وكانت إسرائيل في الموقع الشمالي في قوس الاحتواء الذي رسمته الحكومة الأميركية على الجانب الغربي للاتحاد السوفياتي والممتد من تركيا وإسرائيل عبر الخليج حتى باكستان.
ولم يكن بإمكان أكثر حكومات نيودلهي حماسة للتعاون مع اسرائيل، أن تفعل ذلك في حال تعثرت مسيرة السلام في الشرق الأوسط، فالهند لا تستطيع أن تبقى غير مكترثة إزاء علاقاتها التاريخية مع العالم العربي.
ثانيا: في عام 1996-1997 قاربت موازنة الدفاع الهندية نحو عشرة بلايين دولار، تم تخصيص خمسة في المائة منها للأبحاث. وكانت الهند وقتها منكبة على زيادة مقدار عتادها الحربي من الإنتاج المحلي من 30 في المائة (الذي كان سائداً حينذاك) إلى 70 في المائة بحلول عام 2005، وخلال العقد المقبل ستحتاج الى استبدال أو تحديث عدد كبير من طائراتها ودباباتها. غير أن الهند ليست لديها موارد كافية لتغطية تكاليف حاجاتها العسكرية الهائلة وبرامج التحديث. وهذا ما يجعل الأبحاث والتطوير المشتركين بين إسرائيل وبين الهند أمراً مغرياً.
في ذلك الوقت كانت الهند تقوم بتصنيع المقاتلة الخفيفة (إل. سي. أي) وفي حال فشل علماؤها في تسليمها في الموعد المحدد 2005، فلن يكون بمقدور الهند استبدال كامل أسطولها الجوي بين ليلة وضحاها. بل انها ستكون مجبرة على تحديث أسطولها المكون من طائرات ميغ 21 و27 و29 وهنا قد يأتي دور اسرائيل، ليس فقط في تطوير الطائرات، بل أيضا الدبابات وباقي الأسلحة التكنولوجية المتطورة.
ثالثا : على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت ومنذ عام 1948 تحث الهند على التقرب من الكيان الصهيوني ، إلا أنه ليس مؤكدا أنها قد تساند وتشجع بشكل مطلق التعاون الأمني الجاري بين الهند وبين إسرائيل. لكن، ولأسباب تاريخية وتجارية، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من بعض مخططات الهند الطموحة، وكانت تبحث بشكل منتظم فرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها لإجبارها على وقف بعض المشاريع. وهو أمر فسر من قبل أصحاب الاختصاص الذين ظلوا يرقبون تاريخ تطور العلاقات بين البلدين على أنه يعكس جانباً مهما من الخلافات الواضحة بين نيودلهي وبين واشنطن، لا سيما في شأن بعض القضايا المتعلقة بالتسليح مثل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقد اتضح فيما بعد للهند أن النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة ليس كافيا للتخفيف من حدة هذه الخلافات.
وهكذا بدا أن التعاون الأمني الوثيق خاصة في مجال الصواريخ المضادة والعابرة وتكنولوجيا الطائرات - مرتبط بوجوب وضع الولايات المتحدة في صورة الاتفاقات، ذلك ان بعض المشاريع جرى تحويلها او تمويلها من قبل الولايات المتحدة، وعليه فهي تخضع لشروطها.
رابعا: وفقا للسياق القائم في باقي الديمقراطيات في العالم، توجب على القيادات السياسية في البلدين مواجهة مخاوف محلية وإقليمية تحول اهتماماتها عن تنفيذ تعاون أمني ثنائي. وبدا وقتها أيضا انه يتعين على الطرفين تشكيل لجان مشتركة ليس فقط لبحث العوائق الداخلية على تطوير التعاون الأمني بينهما، بل أيضا لدراسة تأثير علاقات كل منهما مع الدول الكبرى (خاصة العلاقات الإسرائيلية - الأميركية) على أوجه مثل هذا التعاون.
"هواجس هندية"
خامسا: أي تعاون أمني فعلي وذي معنى ، أو تفاهم بين الهند وبين اسرائيل، رهن بموقف طرف ثالث هو باكستان. وهنا قيل على الأقل من جانب غير الهنود أن الغياب الطويل للعلاقات الدبلوماسية بين الهند وبين باكستان، تأثر جزئياً بانشغال الهند بهواجسها حيال باكستان. وعلى الرغم من تكرار الزيارات والاتصالات، خصوصا في المجال العسكري والأمني إلا أن ثمة تمنعاً كبيراً ظل سائدا لدى الهند لبعض الوقت حال دون إقامة علاقات سياسية قوية مع إسرائيل. في الوقت ذاته، كانت باكستان تتهم الهند بالتآمر مع العدو الصهيوني (وهو أمر تحقق الآن) لتهديد وتدمير العالم الإسلامي. ومنذ بدء التطبيع الهندي - الإسرائيلي غدت المؤامرات الهندوكية ـ اليهودية أو البراهمانية - الصهيونية، والهندية - الإسرائيلية موضوعا موسمياً بارزاً في وسائل الإعلام الباكستانية.(28/440)
وعزت إسلام آباد مراراً تصاعد موجة العنف المذهبي في باكستان إلى الارتباط الهندي - الإسرائيلي. وحذرت من أن هذا الارتباط قد يؤدي الى نشوء أصوليات في باكستان وكل مناطق العالم الإسلامي ضد إسرائيل وضد أميركا وضد الصهيونية الهندوكية.
سادسا : إن إفشاء أسرار الصفقات بين الهند وبين إسرائيل يعتبر عائقاً كبيراً أمام تصدير الأسلحة الإسرائيلية، وقد أدى بالفعل إلى إلغاء العديد من هذه الصفقات.
=============(28/441)
(28/442)
إسرائيل تسعى لإحياء التطبيع مع العرب
إبراهيم عبد الله - أ ف ب- الشونة - إسلام أون لاين.نت/ 22-6-2003
بيريز لا يزال يتطلع للشرق أوسطية
تسعى إسرائيل إلى استغلال منتدى دافوس الاقتصادي المنعقد بالأردن في الفترة من 21 - 23 يونيو 2003 من أجل إحياء عملية التطبيع مع العرب التي جمدت تقريبا قبل نحو عامين وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي معهم، وبرز ذلك في اللقاءات المتعددة التي أجراها المسئولون الإسرائيليون المشاركون بمنتدى دافوس الاقتصادي في الأردن مع مسئولين عرب وتصريحاتهم حول أهمية التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، وكذلك في التقارير الصحفية الإسرائيلية الصادرة الأحد 22-6-2003 حول ضرورة استغلال إسرائيل الفرصة في تعزيز التعاون الاقتصادي مع العرب.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تستمر فيه قوات الاحتلال في سياسة اغتيال كوادر المقاومة الفلسطينية كان آخرها اغتيالها مساء السبت 21-6-2003 لعبد الله القواسمي قائد كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق، رأى شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق صاحب فكرة "الشرق أوسطية" التي تدعو للاندماج الاقتصادي بين العرب وإسرائيل الأحد 22-6-2003 أن اجتماعات منتدى دافوس تشكل "بداية اقتصادية" لتعزيز فرص التسوية في الشرق الأوسط.
وأضاف في تصريحات صحفية قائلاً: "في قمة العقبة (بين رئيسي الوزراء الفلسطيني والإسرائيلي والرئيس الأمريكي في 4-6-2003) شاهدنا انطلاقة سياسية، ونشهد اليوم في اجتماعات المنتدى الاقتصادي انطلاقة اقتصادية" من أجل تعزيز فرص التسوية في المنطقة.
واعتبر بيريز الذي انتُخب الخميس 19-6-2003 رئيسًا لحزب العمل الإسرائيلي أن اجتماعات المنتدى الاقتصادي "تؤكد أن محاربة الإرهاب ليست كافية، بل يجب خلق بديل اقتصادي جديد من أجل ازدهار المنطقة"، على حد زعمه.
شالوم وولي عهد البحرين
شالوم
من جهته أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "سيلفان شالوم" أنه عقد اجتماعا الأحد 22-6-2003 مع ولي عهد البحرين الشيخ "سلمان بن حمد آل خليفة" على هامش منتدى دافوس.
وقال شالوم للصحفيين عقب لقائه وزير خارجية الأردن مروان المعشر: "التقيت وزير المالية الفلسطيني (سلام فياض) وولي عهد البحرين، وسألتقي ملك الأردن ووزيري خارجية مصر (أحمد ماهر) وقطر (الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني)".
وأضاف أن هذا اللقاء "يثبت أننا نجري حوارًا مكثفًا مع العالم العربي لإنهاء النزاع".
من جهته أكد ولي عهد البحرين نبأ التقائه مع شالوم، إلا أنه قلل من أهميته وأكد رفض بلاده لإقامة تعاون مع إسرائيل في المرحلة الحالية؛ حيث قال لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه التقى "صدفة" سيلفان شالوم في أحد الفنادق في الشونة على البحر الميت، حيث يحضر اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي.
كما شدد الشيخ سلمان على أن "اللقاء الذي استمر حوالي 20 دقيقة لم يكن رسميا".
وأضاف ولي العهد البحريني أن شالوم "طلب المزيد من التعاون بين البلدين.. وفتْح مكتب وعقْد لقاءات".
وأوضح الشيخ سلمان أنه رد بأن ذلك "مستحيل في الأوضاع الحالية" التي رأى أنها "صعبة جدا".
وهذا اللقاء هو الأول الذي يُعقد بين وزير إسرائيلي وولي عهد البحرين، ولا تقيم البحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وصفقة مع إماراتيين
من ناحيتها زعمت صحيفة "معاريف" الأحد 22-6-2003 أن عددًا من رجال الأعمال الإماراتيين المشاركين في جلسات منتدى دافوس، كشفوا لها عن سعيهم لعقد صفقات مع رجال أعمال إسرائيليين لشراء منتجات إسرائيلية خاصة المتعلقة بوسائل الأمن والحماية، وذلك عبر طرف ثالث.
ونقلت عن رجال الأعمال قولهم بأن الأحداث الواقعة في الأراضي الفلسطينية لا تمنعهم من التوقيع على عقود صفقات لشراء منتجات إسرائيلية، لكن يكون ذلك عبر دولة وسيطة.
كما ذكرت الصحيفة نفسها أن "شرجا بروش" رئيس معهد التصدير الإسرائيلي التقى مسئولا أردنيا رفيع المستوى من وزارة التجارة والصناعة الأردنية السبت 21-6-2003 في العاصمة الأردنية عمان؛ حيث اتفق الطرفان على العمل على توطيد علاقات التعاون بين معاهد التصدير في إسرائيل والأردن.
وزعمت الصحيفة أن الجانب الأردني يهدف إلى إقناع الجانب الإسرائيلي بإقامة مكاتب تمثيل تجاري في الأردن، وذلك بسبب قرب الحدود بينهما مقارنة مع دول أخرى قامت إسرائيل بتأسيس مكاتب تمثيل لها مثل قطر.
كما ذكرت الصحيفة أنه على هامش منتدى دافوس الاقتصادي جرت محاولات لاستئناف اللقاءات بين رجال أعمال إسرائيليين وفلسطينيين الهدف منها حث الجانبين على التوصل لتسوية من أجل استئناف الاتصالات الاقتصادية بينهما، كما كان الحال في أعقاب التوقيع على اتفاقية أوسلو حول الحكم الذاتي الفلسطيني التي تم التوصل إليها في عام 1993.
ونقلت الصحيفة عن رجال أعمال فلسطينيين مشاركين في دافوس قولهم بأنهم مهتمون هناك بـ "إعادة التعاون" مع الجانب الإسرائيلي، والعمل على وقف إطلاق النار، وكذلك "إزالة العوائق التي تعترض سبيل العلاقات التجارية بين الجانبين"، بحسب الصحيفة.
واهتمام بالعراق(28/443)
من جهة أخرى، نقلت صحيفة "معاريف" عن شرجا بروش رئيس معهد التصدير الإسرائيلي والتعاون الدولي قوله بأن الأمم المتحدة أعربت عن اهتمامها بالتعاون في العراق مع الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات وتأمينها، مشيرًا إلى أن نسبة شراء الأمم المتحدة من إسرائيل سترتفع إلى حوالي 15 مليون دولار.
وذكر بروش أن عدد الشركات الإسرائيلية التي تتعاون مع الأمم المتحدة ومنظماتها والقوات التابعة لها وصل إلى 80 شركة، مشيرًا إلى أن بلاده ستستضيف يوم 25 -6-2003 ممثلين عن الأمم المتحدة وعلى رأسهم رئيس قسم المشتريات بالأمم المتحدة "كريستيان ساوندرس" بهدف توطيد العلاقات وزيادة التعاون بين الجانبين.
المسيرة
يذكر أن مصر أبرمت اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل عام 1979، بينما وقعت الأردن اتفاقية سلام معها عام 1994.
وتعتبر موريتانيا الدولة العربية الثالثة التي أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل، وذلك في يوليو 1999، وكانت مسيرة التطبيع الموريتاني قد بدأت عام 1995 برعاية أسبانيا، ووقّع وزيرا خارجية إسرائيل ونواكشوط اتفاقية بهذا الخصوص في مدريد. وافتتح الجانبان سنة 1996 مكاتب لرعاية المصالح بينهما. وفي يوليو 1999 أخذت الحكومة الموريتانية قرارًا بتطوير علاقاتها مع إسرائيل إلى مستوى تبادل السفراء.
وأقامت قطر علاقات تجارية مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ولكن بعد شهر من تفجر الانتفاضة الفلسطينية الحالية في سبتمبر عام 2000 أغلقت قطر مكتب التمثيل الإسرائيلي في الدوحة للحيلولة دون انهيار مؤتمر لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي كانت تستضيفه بعد أن هددت عدة دول عربية وإسلامية بمقاطعة المؤتمر. كما أغلقت سلطنة عمان وتونس والمغرب مكاتب مماثلة في أعقاب انتفاضة الأقصى.
==============(28/444)
(28/445)
المسيري:الحضارة الغربية حضارة وثنية
القاهرة -الإسلام اليوم 19/11/1423
02/02/2002
تخرج في كلية الآداب قسم الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة إلا أن اهتماماته الأساسية كانت في اتجاهين مختلفين ..الأول هو : الغوص العميق في الفكر والفلسفة الغربية ومتابعة الجديد في ذلك ..والثاني هو : التخصص في الصهيونية إذ قدم أكبر وأعمق موسوعة في هذا المجال وعن هذه الاهتمامات .التقينا بالدكتور عبد الوهاب المسيري فجاء هذا الحوار .
سؤال:المشروع الصهيوني هل لنا أن نتعرف على جذوره وهويته ؟ وهل يقوم على أسس توراتية ؟ وما هي مصادره الفكرية ؟
جواب:من البداية تم تعريف المشروع الصهيوني على أنه مشروع يهودي ..أي مشروع ديني فحملت الجريمة الصهيونية على الخطاب الديني ولم تحمل الخطاب العلماني وللأسف فقد استدرج كثير من الإسلاميين إلى هذا فنراهم يتحدثون عن الصراع الأزلي بين المسلمين واليهود .. صحيح أنه ورد الكثير عن اليهود في القرآن والسنة لكن في التاريخ الإسلامي لم نجد أية مواجهة بين المسلمين واليهود بعد قيام الدولة الإسلامية..ولذلك كان اليهود يفرون من أوروبا إلى العالم الإسلامي ولا توجد مذابح ضد اليهود عبر التاريخ الإسلامي بل إن التاريخ يقول : إن اليهود السامريين ساعدوا المسلمين في فتح القدس وفي فتح الأندلس وهذا دليل على عظمة الإسلام لأنه الديانة الوحيدة التي تسمح للآخر بحقوقه وتجعله جزءاً من الأمة من خلال مفاهيم مستقرة في الإسلام لا يمكن الرجوع عنها وهنا نقول : إن الخديوي عباس كان يكره الأقباط وأراد أن ينفيهم إلى السودان .. لكن شيخ الأزهر تدخل وقال له إذا كان الإسلام قد تغير فيمكن أن تنفيهم .. لكن حسب معلوماتي فهو لم يتغير .. وبالتالي فنفيهم لا يمكن ولا يجوز . فالمسألة مستقرة حتى إن مجرد التفكير فيها يستدعي السخرية ويستدعي الحديث عن تغيير الإسلام لكن هناك أموراً قد نسيناها وانسقنا وراء الخطاب العلماني الذي حمل الجريمة الصهيونية على الخطاب الديني مع أن أي دارس للصهيونية يعرف أن مؤسسي الصهيونية الحقيقيين ( هرتزل ونوردان ونورسلك ) وغيرهم كانوا ملاحدة يكرهون اليهود ويمقتون اليهودية . "هرتزل" مثلا لم يجد حاخاماً واحداً يقبل أن يقيم مراسيم زواجه ، كما أنه لم يختن أولاده وكان يأكل لحم الخنزير ومات بمرض سري وتنصر اثنان من أولاده .. الخ ، أما نوردان فكان متزوجاً من مسيحية وكان ملحداً بل زعيم الإلحاد في زمانه ، حتى الدولة اليهودية كانوا يسمونها الدولة " العبرية " ؛ لأنهم يمقتون اليهودية وكان المستوطنون الصهاينة في أهم يوم ديني ومقدس عند اليهود وهو يوم الغفران - إذ تمنع فيه الحركة - إلا أنهم كانوا يتعمدون أن يذهبوا أمام حائط المبكي يرقصون ويأكلون لحم الخنزير لكي يثبتوا أنهم لا علاقة لهم باليهودية . أما مصادر الصهيونية فهي نفس مصادر الفكر العلماني وجوهر الفكر العلماني هو النفعية المادية .. كما أن "العلمانية" تعني نزع "القداسة" عن العالم وتحويله إلى مادة "استعمالية" بحيث ينظرون إلى المسألة هل هي نافعة أم ضارة ؟ والمشروع الاستعماري الغربي هو أيضا مشروع لتحويل العالم إلى مادة استعمالية..ولذلك فإن العلمانية والإمبريالية متلازمتان والصهيونية تدّعي أنها ستحل المسألة اليهودية على الطريقة الإمبريالية فإذا كان اليهود هم مصدر ضرر للشعوب الأوروبية باعتبارهم "طفيليين" وغير منتجين ومنحلّين فإن الإمبريالية الغربية قالت بضرورة نقلهم إلى فلسطين حتى يتحولوا إلى عناصر نافعة بأن يتحولوا إلى مستوطنين لحماية المصالح الغربية ، كما أن الفكر الغربي ينظر إلى العرب على أنهم عناصر غير نافعة يجب القضاء عليها هذه هي تركيبة الإنسان الغربي الذي إذا كبر والداه وأصبحا "غير منتجين" أودعهم بيوت المسنين . مفهوم المنفعة المادية إذاً هو مفهوم أساسي في الفكر الغربي أما المقولة الإسلامية (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )) فغير موجودة في الخطاب العلماني الذي لا يؤمن بمطلقات .. وبالتالي فلابد من الوصول إلى أرضية ثابتة أخرى وهي " المنفعة المادية " وتم حل المسألة اليهودية في هذا الإطار .. وأصبح اليهود جزءاً من الحضارة الغربية عن طريق التشكيل الغربي بعد أن فشلوا في أن يصبحوا جزءاً من التشكيل الحضاري القومي الغربي .(28/446)
يعني أن أبواب أوروبا موصدة أمام اليهود .. لكن تفتح لهم إن نقلوا لخارجها وهذا هو ما فعلوه ويفعلونه مع العناصر الضارة الأخرى مثل المجرمين وغير المتكيفين اجتماعيا والعناصر التي لم تحصل على عمل ، أما إذا كانت بعد ذلك قد اكتسبت ديباجات يهودية فهذه مسألة معروفة ، فالخطاب العلماني دائما غير قادر على تجنيد الناس وبالتالي فلا يجدون إلا الخطاب الديني فبدلا من أن يقولوا :هيا بنا إلى فلسطين لكي نحسم مستوى المعيشة ، ولكي نخدم أوروبا ونضمن بقاءها وأمتنا يقول خطابهم : هيا بنا إلى أرض الميعاد ، وهم يعلمون أن أرض الميعاد تعني عشرة مليارات دولار سنوياً من أمريكا ، والدليل على ذلك أنه بمجرد هبوط وانخفاض مستوى المعيشة في أرض الميعاد فإنهم يهاجرون إلى "أرض الميعاد الأمريكية" الحقيقية .
" كثير من الخلل "
سؤال:في مجال نقد البعض لخطاب الإسلاميين يُقال : إننا لا نريد دولة دينية على غرار الدولة الصهيونية ، وإن إقامة دولة إسلامية هو امتداد لفكرة الدولة الدينية والدولة الصهيونية ..هل هذا صحيح؟
جواب:الدولة الصهيونية دولة غير ملتزمة بأية مطلقات دينية يهودية فلا يمكن محاكمة الدولة الصهيونية من منظور يهودي لقد كنت أتحاور مع الحاخامات اليهود في أمريكا وأنا في الوفد المصري الدائم في الأمم المتحدة ، وكنت أقول لهم إننا رغم اختلافنا في الديانات الثلاث إلا أن هناك رقعة مشتركة بيننا فمثلا ( لا تقتل ) قد تأخذ صياغات مختلفة ولكنها ثابتة في الديانات الثلاث وكذلك ( لا تسرق ) ..الخ .
وكنت أسألهم هل الدولة الصهيونية تستند فعلا إلى أساس ديني يهودي ؟ وكان رد الحاخامات يأتي دائما وفيه الكثير من الحرج ، لأن خطابهم كان دائما من منطلق علماني مثل ( الواقعية .. التكيف..الحالة النفسية لليهود تتطلب ذلك ..الخ) وكنت أقول لهم إما أن تتركوا هذه الأمور العلمانية أو تتركوا أماكنكم وتريحونا.. فإذا كنتم قسيسين أو حاخامات فلا يصح لكم إلا استخدام المنطق الديني " ولا يمكن أن تستخدموا المنطق العلماني . وبالتالي فالحديث عن الدولة الصهيونية على أنها دولة يهودية ومعارضة قيام دولة إسلامية بناءً على ذلك فيه كثير من الخلل فالدولة الإسلامية في نهاية الأمر تحتكم إلى القيم الإسلامية وهي قيم عالمية تؤمن بحقوق الجميع ومن حق المسيحي واليهودي في هذه الدولة أن يحتكم إلى هذه القيم وأن يحاكمني أنا كمسلم بناء عليها والتاريخ مليء بكثير من الأمثلة التي تدل على ذلك .
سؤال:هل في التطبيع الثقافي مع الدولة الصهيونية خطر علينا ؟ وهل يسهم هذا التطبيع في إنجاح المشروع الصهيوني ؟(28/447)
جواب:أنا طورت مفهوم سميته " الدولة الوظيفية " .. وهو امتداد لمفهوم آخر طورته هو " الجماعة الوظيفية " .. وهي جماعة يستوردها المجتمع لتقوم بوظيفة معينة .. ويعرف المجتمع هذه الجماعة في إطار وظيفتها وليس في إطار إنسانيتها والمماليك مثال جيد على ذلك ؛ فنتيجة لتطور التكنولوجيا العسكرية أصبح المشاة المصريون غير قادرين على مواكبتها ، فكان ضرورياً أن تظهر طبقة من المحاربين المحترفين والسلطة القائمة كانت ترفض أن تكون هذه الطبقة من المصريين حتى لا ينقضوا على السلطة ، فتم استيراد المماليك لوظيفة قتالية فقط ونفس الشيء حدث لليهود في الحضارة الغربية ، فكانوا يعرفون في إطار وظيفتهم المالية كمرابين وتجار. والدولة الوظيفية هي الأخرى تعرف في إطار وظيفتها بمعنى : أنها دولة تدخل في علاقات نفعية مع إحدى الدول الكبرى فتقوم على خدمتها والدولة اليهودية دولة وظيفية أسست للقيام بوظيفة وليست لها أية أهمية في حد ذاتها وليست غاية ولا ننسى أن العلمانية هي الأخرى تقصد تحويل العالم إلى وسائل لا غايات .. وما تم الآن لصهينة اليهود هو علمنتهم وتحويلهم من يهود إلى مادة "استعمالية" وإسرائيل تعرف ذلك جيدا ، وتدرك أنها مادة استعمالية وأن بقاءها وأمنها وثراءها منوط بقيامها بوظيفتها ، والذي حدث هو أن وظيفتها القديمة التي هي المواجهة مع القومية العربية قد انتهت . لأن هذه المواجهة كانت في ظل حرب باردة والقومية العربية تآكلت والحرب الباردة انتهت ، فكان لابد من البحث عن وظيفة أخرى أو تضيع الدولة الصهيونية .. فوجدت هذه الدولة وظيفتها الجديدة مع تنامي المدّ الإسلامي ، وأنها ستصبح ليس فقط "قلعة للحضارة الغربية" ضد الهجمة الشرقية والقومية العربية ، وإنما ستصبح أيضا "قلعة للعلمانيين" ضد الخطاب الإسلامي ككل ، والغرب والصهاينة يريدون أن تكون المعادلة ليست عرباً ضد يهود بل أن تكون علمانيين ضد إسلاميين. وأصبح دور الدولة الصهيونية هو القيام بدور التجارة والرخاء الاقتصادي ؛ لأن الاستعمار اكتشف أن المواجهة مع الإسلام صعبة بل مستحيلة ومكلفة ، وكانت الانتفاضة مثالا على ذلك فقرر ـ بدلا من المواجهة ـ أن يطور وظيفة الصهاينة إلى وظيفة تجارية اقتصادية مع محاولة تفكيك المنطقة ، والمقصود منها تذويب الهوية الثقافية وإعلاء مفهوم الشرق أوسطية الذي تتزعمه الدولة الصهيونية ، والذي لا يرضى الغرب إلا أن يكون لها في هذا النظام اليد العليا .
" حضارة الغرب .. وثنية "
سؤال:إذا لم يكن لليهودية وجود في فكر الدولة الصهيونية .. فما هو تأثير المسيحيين في الحضارة الغربية ؟ وماذا فعلت أحداث سبتمبر الأخيرة في الفكر الغربي والحضارة الأمريكية ؟
جواب:الحضارة الغربية الآن حضارة "وثنية" وليست حضارة مسيحية على الإطلاق فهي حضارة تؤمن بالحواس الخمس وفيلسوفها ونبيها الأكبر هو "داروين" وليس المسيح عليه السلام .
والولايات المتحدة كانت منكفئة على نفسها قبل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر إلا أن الانفجارات أيقظت الشعب الأمريكي على الخلل في السياسية الخارجية والداخلية لبلاده ، والعمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة في أفغانستان ما هي إلا عبارة عن صواريخ لإرضاء الشعب الأمريكي والرأي العام المصدوم من فشل إدارته في حماية أمنه .
سؤال:يتحدث الغربيون ـ عموما ـ عن احترام الفكر الغربي للإنسان .. فهل أحسن الفكر الغربي التعامل مع الإنسان فعلا ؟
جواب:النسيان هنا كان في الأمر الجوهري ، وفي أساس الرسالة وهو ما فعله الفكر الغربي الذي تناسى وتجاهل الأمر الجوهري وهو " الله " وهكذا يقف الفكر الغربي بلا ركيزة أساسية ( مرجعيّة ) وهل يمكن للإنسان أن يعيش بلا مرجعية ؟ .. إن الذاكرة الإنسانية والمرجعية تجعل الإنسان إنسانا .. فمن خلالها يتعلم ، ويصبح له تاريخ ، ويعرف الحق والباطل ، ويؤسس ويختار بين الخير والشر ، ولعل هذا كله جزء من الآية الكريمة " نسوا الله فأنساهم أنفسهم " فالله هو الركيزة الأساسية لكل شيء إذا نسي الإنسان الله فإنه ينسى ذاته .
ولقد أساء الفكر الغربي التعامل مع الإنسان .. بدأ ذلك عند " هوبز " الذي قال : إن هناك حقيقة فحسب ، ولا يمكن أن توجد معرفة وأخلاق وإنما هناك "قوة" و"ميكافيللي " نقل هذه النظرة "الشريرة" إلى عالم السياسة أما " سبانوزا " فقال : إن العالم آلي تماماً وخال من الغائية الإنسانية .. ولكننا نلاحظ أن العالم الغربي حقق انتصاره الرهيب بسبب تناسيه الكامل لأي أسئلة فلسفية غائية ، مثل : لماذا أنا هنا في الكون ؟ ولماذا أجري البحث العلمي ؟(28/448)
ثم جاء "داروين" وقال : إن العالم ليس بآلة وإنما هو غابة يحدث فيها الصراع بشكل آلي .. أما " ماركس " فقال : إن الحديث عن الإرادة الإنسانية وهَمْ ؛ لأنها ما هي إلا انعكاس للمادة ، فكل أولئك أرادوا أن يتعاملوا مع الإنسان على أنه منظومة متكاملة . لكن الإنسان يتجزأ مع المنظومة المادية في الواقع ويظل داخل الإنسان ما يتجاوز هذه الأنماط المادية التي لا ترى الإنسان إلا طاقة وحركة ، لقد قالوا : إن الإنسان جزء من منظومة ينطبق عليه ما ينطبق على الحيوان والجماد ، فأسقطوا من الإنسان إنسانيته ، لقد قابلت " فرانز هايمر " رئيس الفريق الذي اكتشف معادلات القنبلة الذرية وتطويرها ، قابلته في أمريكا وسألته : ماذا فعلت بعد اكتشافك الخطير ؟ قال : تقيأت .
فحينما كان الرجل يتعامل مع الأرقام كان عالماً محايداً وحينما أنهى ذلك تقيأ . "فالحقيقة" عندهم منفصلة عن "القيمة" !!
==============(28/449)
(28/450)
التطبيع بين العراقيين والاحتلال يبدأ بالكرة
واشنطن - قدس برس - إسلام أون لاين.نت/ 11-5-2003
طفل عراقي يلعب الكرة مع جنود أمريكيين ببغداد
طالب النائب الجمهوري الأمريكي جاي دي هايورث بتنظيم مباريات لكرة القدم بين العراق والولايات المتحدة، معتبرًا أن هذا الإجراء من شأنه أن يطبع العلاقات بين العراقيين وقوات الاحتلال ويمثل "بادرة حسن نية وتفاهم بين البلدين".
يأتي ذلك في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي الإدارة الأمريكية بالوفاء بالتزاماتها التي تمليها عليها اتفاقيات جنيف، بوصفها سلطة احتلال في العراق، من خلال توفير الاحتياجات الأساسية الملحة للعراقيين، وحفظ الأمن في البلاد.
طفل عراقي يغازل جنديا أمريكيا بزجاجة مياه فارغة
وقال النائب الأمريكي عن ولاية أريزونا جاي دي هايورث في رسالة بعث بها إلى روبرت كونتيجليا رئيس اتحاد كرة القدم الأمريكي وحصلت قدس برس على نسخة منها الأحد 11-5-2003: إن "الرياضة يمكنها أن تكون وسيلة قوية للتقريب بين الشعوب"، مطالبًا الاتحاد بتنظيم مباريات داخل الولايات المتحدة وخارجها بين الفريقين الأمريكي والعراقي من أجل "مزيد من التفاهم" بين الجانبين.
ورأى هايورث وهو مذيع رياضي سابق أن اقتراحه أوحت به تقارير إخبارية عن مباراة مرتجلة جرت مؤخرًا في النجف بين فريق عراقي محلي لكرة القدم وفريق من المارينز الأمريكيين، وهي المباراة الوحيدة التي كثفت محطات التليفزيون الأمريكية من بث مشاهدها مرارًا لتعكس انطباعًا ورديًا عن الواقع العراقي الذي تتزايد فيه مظاهر التنديد بالوجود الأمريكي.
المنتخب العراقي
وأضاف النائب في رسالته: "لقد كان هدف المارينز أن يكسبوا قلوب وعقول السكان المحليين. ويبدو أن التجربة كانت ناجحة. فعند نهاية المباراة كان المشاهدون العراقيون الستمائة يهتفون للأمريكيين الذين هُزموا، وقد لعبوا ببزاتهم وأحذيتهم العسكرية".
وقال هايورث المولع بكرة القدم: "ما أفهمه هو أن الفرق العراقية المحترفة تخطط للبدء في إعادة تنظيم اتحاد الكرة قريبًا، وأن مدرب الفريق القومي سيبدأ قريبا في تنظيم فريق"، مضيفًا: "سيكون أمرًا رائعًا أن تجرى أول مباراة دولية بكرة القدم في العراق الجديد ضد فريق الولايات المتحدة. وسيكون أمرًا أفضل حتى من ذلك إذا أمكن إيجاد متبنين لمباراة تجرى في واشنطن العاصمة يستخدم ريعها لأعمال الإغاثة في العراق".
============(28/451)
(28/452)
فقه الموقف (الحلقة الأولى)
سلمان بن فهد العودة 7/10/1423
22/12/2001
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد ،
فإن هذه الشريعة الخاتمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم مبنيةٌ على قاعدة تحقيق المصالح ودرء المفاسد ، وهذا أصل مقادها وقواعدها عند سائر أئمة العلم والدين بل هذا أصل مقاصد الشرائع والرسالات السماوية جميعاً .
وخير المصالح وأجلها تحقيق التوحيد ، وشر المفاسد وأعظمها الشرك والكفر بالله .
وهذه الشريعة الخاتمة هي أقوم الشرائع في تحقيق هذا الاعتبار ، ولهذا فإن سائر أحكامها الخاصة والعامة اللازمة والمتعدية في العبادات والمعاملات والعقود والعهود جاءت على هذا النسق .
ومن هنا كان التفقه في الدين من أخص أبواب الخير ، وأشرف مقامات الاتباع لهدي المرسلين عليهم الصلاة والسلام .
ولابدّ للأمة من قائمين بهذا الأصل الذي هو معرفة أحكام الشريعة ومقاصدها لتحقيق العبودية لله بما شرع وليقوم الناس بالقسط ، فالالتفات إلى تحقيق مناط الأحكام والتصورات التي يعتبرها القائمون في هذه الأمة بتقرير مسائل الشريعة ، واستعمال الفقه في النوازل والحوادث التي تتعلق بحقوق الأمة كافةً هو من حفظ مقام الديانة ، وحفظ الدماء والأعراض والأموال ، ومنع الفساد في الأرض ، واستعمال الفقه في هذا الباب له اختصاص بمقام العلم ، والقول فيه بلا علم هو من موجبات الفساد وأسباب ظهور البغي والعدوان .
وهذا حديث موجز في فقه الموقف من الأحداث والنوازل الكبار للأمة نعرضه من خلال النقاط التالية :
1ـ يستعمل لفظ الفقه في دوائر التخصص بمعنى فقه أحكام المسائل التفصيلية من العبادات أو المعاملات وهي المسائل التي تكلم الفقهاء في أحكامها وأدلتها سواء كانت من معاقد الاتفاق وموارد الإجماع ، أو كانت من مسائل الخلاف بين الأئمة والفقهاء ، وهذا لاشك أنه من الفقه في الشريعة ولكنه ليس كلَّ الشريعة ولا كلَّ الفقه .
ولا جدال في اعتبار هذا اللون من الفقه ولا في فضله ، بل الشأن في قصر قاعدة الفقه ونظامه عليه .
فحين يكون النظر في مسألة خاصة من آحاد مسائل الفروع ، وربما كانت عند التحقيق مما وسّع الشارع فيه ، وقد لا يكون فيها سنة ، وقد تكون دائرةً في باب الندبِ ، أو مترددةً بين الندب والإباحة ، أو بين الإباحة والكراهةِ ، أو حتى بين الكراهة والتحريمِ ، أو الصحة والفساد .
فإن هذه المسائلَ تضل مقصورةً على محلها ولا يتعدى حكمها إلى التعلق بما هو من ثوابت الشريعة وقواعدها ، وحقوق الأمةِ العامة ومصالحها .
ومع هذا ترى في مثل هذه المسائل عنايةً لدى الناظرين من الشيوخ والطلبة المتفقهين ، وتجد سبر الأدلة وتحقيقها وجمع الأقوال وتحصيل الراجح وإطالة النظر في اعتبار الحكم وتحقيق مناطه ، وترى من ليس من أهل الاختصاص بهذا العلم يقع له هيبةٌ وإحجام عن القول فيها لما يوجبه ذلك من الافتيات على الشريعة .
وهذه لاشك حال فاضلة ، وإذا تحقق باعتدال وقصد فهو من تعظيم مقام الشريعة ، ولهذا يذم من قصر فيه من أهل الطلب ممن يستعجل القول في الأحكام والفصل في الخلاف .
لكن ما هو أولى بالذم من هذا ما يعرض لبعض الناظرين والطالبين ممن يتخوض في تقرير أحكام النوازل وبناء المواقف على اعتبارات شرعية ، وهو لم يحقق ما تقتضيه أصولها وقواعدها من الفقه والاستنباط مع أنها قد تكون مواقف تعد بحق فواصلَ في تاريخ الأمةِ .
إن من نقص الفقه في دين الله أن يصير الناظر أو المتكلم إلى مسألة مفصلةٍ قد جمع العلماء حكمها ودليلها وقاصيها ودانيها ، فيمعن النظر ويطيل النفس في التحصيل ، وربما تكلف بعضهم فوق قدر المسألة عند العلماء ، لكنه حين يصير إلى قول في موقف أو قضية عامة مركبةٍ معقدةٍ يأخذها بظاهر من النظر ، وقليلٍ من الاعتبار ، ويهجم عليها بلا تردد ولا روية ، حتى إن قضايا النوازل تصبح مادةً لحديث كل أحدٍ : في أسبابها ومفاصلها ومآلاتها ، ويصدق هنا قول ابن عمر رضي الله عنهما لبعض أهل العراق : ما أسألَكم عن الصغيرة وأجرأكم على الكبيرة .
والغريب أن مسائل النوازل حين تكون من جنس المسائل المفصلة التي تكلم فيها الفقهاء لا يقع فيها استعجال في الغالب لتجردها عن المقارنات العامة ، ولقرب شبهها بالمسائل المفصلة المعروفة عند الفقهاء .
لكن حين تكون النازلة حدثاً عاماً ،وتكون مادتها مركبةً من مؤثرات شتى فكأن هذه المؤثرات جردت عنها هيبة الشريعة فيصير القول فيها عند العامة وبعض الخاصة من جنس القول في المسائل المبنية على توسعة الشريعة وبحبوحتها والتي يدرك فقهها جمهور أهل الإسلام ويفوت على هؤلاء ما يقتضية الموقف من الأثر المتعلق بحقوق الأمة الكلية وضروراتها التي جاءت الشريعة بحفظها وتحصيلها .
إن الموقف هنا يجب أن يكون محصلاً من أدلة الشريعة بحق ، مبنياً على قواعد الهدى والرحمة التي بعث بها عليه الصلاة والسلام .(28/453)
في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : "لما حصر رسول ا صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئاً قال : ( إنا قافلون غداً إن شاء الله ) فثقل عليهم وقالوا : نذهب ولا نفتحه ، فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراح فقال : (إنا قافلون غداً إن شاء الله ) فأعجبهم ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ "فتبسم" .
وفي هذا الحديث من الفقه أن بعض النفوس المؤمنة لصدق يقينها تتطلب مقام الصبر والبلاء في ذات الله ولا يلزم أن يكون هذا الأمر مقصوداً للشريعة ، ومعلومٌ أن الرسو صلى الله عليه وسلم أكمل تحقيقاً لمقام الجهاد والصبر والصدق من غيره لكن لكمال علمه لم تغلب عليه حال واحدة ، بل واءم ووازن بين الأحوال المقارنة للموقف ، فراعى مصلحة الجهاد وراعى حق أصحابه رضي الله عنهم وراز قوتهم وتحملهم في هذا الموقف الخاص .
إن الكثير من الحوادث والنوازل يكون لها أبعاد قريبة يدركها كل أحد ، ويتكلم فيها العالم وغيره ، وهذه من الوضوح والإحكام بحيث لا تكون محل تردد ، لكنها لا تستأثر بالحكم والبت ؛ لأن ثمة جوانب أخرى ترفع المسألة عن كونها من الفرعيات اليسيرة ، وتتطلب أن يلزم المسلم جانب التحوط والهيبة والورع حماية لدينة وتقواه ، ورعاية لحقوق الأمة ومصالحها وحاضرها ومستقبلها ..
حقيقة الاجتهاد في النوازل هو رد حكم النازلة إلى قضاء الله ورسوله وهذا مقامٌ يختص بتمام الفقه فيه أهل العلم بالشريعة ، وقد تستدعي كثير من النوازل العلم بما يلابسها ويقارنها من الأحوال التي لا تنفك عنها ، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره وهذه من قواعد النظر المسلمة .
ومن هنا فإن تجريد الحدث عن لوازمه وارتباطاته من المعارف والأحوال يُعد نقصاً في التصور ينتج عنه تأخر الحكم عن مرتبة الصحة ، ومما يعرض لبعض الناظرين استعمالُ ما هو من مفصل الأدلة ؛لتخريج النازلة على أحد الفروع المقولة لدى الفقهاء في مصنفاتهم ، وهذا من حيث الأصل هو من الاجتهاد المناسب ، لكن محل المؤاخذة حين يستعمل في حكم الحوادث العامة المعقدة والتي تتنازعها مؤثرات وموادُ عديدة فيجردها الناظرُ من كل ذلك ويُخرجُها مع فرع فقهي مخصوص وربما كان من موارد الخلاف بين الفقهاء ثم يجعل هذا منتهى البحث والنظر .
ولعل هذا أثرٌ للقصور عن تحصيل فقه المقاصد ومراعاته في اعتبار الأحكام ، ومن هنا فإنه وإن حسن اعتبار الفروع والتخريج على المناسب منها في النوازل فإنه لا بد مع ذلك من اعتبار قواعد الشريعة وأصولها المذكورة في كلام الله ورسوله ومعاقد إجماع أهل العلم .
بل يتحقق لكل عارفٍ أن الاعتبار الثاني أصل في أحكام النوازل العامة والاجتهاد فيها .
ولهذا ترى في سنة الخلفاء الراشدين وأئمة الفقه والحديث العناية بتحقيق هذا الاعتبار فيما يعرض لهم من النوازل .
ففي الصحيح عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أهل الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام . قال ابن عباس : فقال عمر : ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم ، فاستشارهم واخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا ، فقال بعضهم : قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه . وقال بعضهم : معك بقية الناس وأصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن نقدمهم على هذا الوباء . فقال : ارتفعوا عني ثم قال : أدع لي الأنصار فدعوتهم له ، فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين ، واختلفوا كاختلافهم . فقال ارتفعوا عني ثم قال : أدع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح ، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان ، فقالوا : نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء .
فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه . فقال أبو عبيدة بن الجراح : إفراراً من قدر الله ؟
فقال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ـ وكان عمر يكره خلافه ـ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله .
وقد صّدقت رواية عبد الرحمن بن عوف المرفوعة هذا الاجتهاد الراشدي وفي هذا الأثر من الفقه : أخذ أمور العامة بعزمٍ وتأمل ومراجعة ، وفيه قبول اختلاف المجتهدين في النوازل فإن المهاجرين والأنصار وهم مادة الصحابة ومقدموهم اختلفوا ، ولم يحفظ بينهم في هذا الاختلاف تذامٌ ولا تطاعن ولا تضييق لمقام الاجتهاد .
وكأن أهل الشوكة والصبر فيهم كانوا يميلون إلى المضي وعدم الرجوع ، وأهل الفقه في الجملة يميلون إلى الرجوع ، وهؤلاء أعرف بمقام الشريعة ، والأولون غلب عليهم تعظيم مقام الإرادة والعزم .
وفيه ترك الرهق الذي لا يستطاع وعدم ابتلاء بقية أهل العلم والإيمان والجهاد به ، وقريب من هذا المعنى سبق في خبر حصار الطائف .
وهذا الأثر وأمثاله ، يدلُ على أن تحصيل الموقف الشرعي لابد أن يتحقق في صاحبه ديانةٌ وعلمٌ وفقه وأناة ؛ فإن مقام الديانة يدفع الظلم ، ومقام العلم يدفع الجهل ، وهما موجبا الخطأ ، قال الله تعالى : [ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبيين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ] .(28/454)
والقول في مواقف الأمة من أعظم الأمانة التي تنوء بحملها الجبال ، وإن من تقوى القلوب ألا يتحدث في المواقف العامة من لم يزن قوله بميزان الشريعية كما في قوله تعالى : [ إلا من شهد بالحق وهم يعلمون .. ] قال غير واحد : الحق : الصدق .
إنه لا يكفي لموافقه الشريعة أن يكون الموقف مبنياً على مقام الصدق وحسن الإرادة دون أن يتحقق له مقام العلم والمعرفة ؛ فإن مقام العلم هو الذي يحقق موافقة مراد الشريعة وليس مقام الصدق .
ولهذا أمر الله تعالى باعتبار العلم عند الحوادث والنوازل كما قال سبحانه : [ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) وألو الأمر هم أولوا الفقه في الدين وهم أولوا العقل والفهم كما ذكره ابن جرير عن بعض متقدمي العلماء .
إن مما يفوت كثيراً من عامة المسلمين وبعض خاصتهم عدم تحقيق الرد إلى الله والرسولل ، ولئن كان مظنوناً في جملتهم حسن القصد وصلاح النية في المواقف التي يتخذونها في حاضر الأمة وغابرها ، وهذا من فضل الله ورحمته ، إلا أن التقصير في تحقيق العلم والفقه ونقص قيمة الوعي وسلامة التفكير هو من موارد الفتنة وموجبات الفساد .
ومن له حظ من العلم والاجتهاد في تقرير أحكام الشريعة في هذه النوازل لا يصلح أن يكون فقهه ومدركه من جنس فقه العامة ومدركهم وبصرهم ؛ فإن الله تعالى قال : [ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ] بل هذه درجةٌ مخصوصةٌ من العلم شأنها كما قال الإمام الشافعي في الرسالة : هذه درجة من العلم ليس تبلغها العامة ، ولم يكلفها كل الخاصة ، ومن احتمل بلوغها من الخاصة فلا يسعهم كلهم كافة أن يعطلوها ، وإذا قام بها من خاصتهم من فيه الكفاية لم يحُرج غيره من تركها إن شاء الله ، والفضل فيها لمن قام بها لا من عطلها .
ومما يعرض لبعض أهل الاجتهاد في النوازل المبالغةُ في منازعة من يخالفه من ذوي العلم والدين ، وهذا من ضعف الفقه ؛ فإن اختلاف المجتهدين في مثل هذا أمر تفرضه حال الحدث ومادته وطبيعته ، مع تفاوت الأفهام والمدارك والعلوم.
ومن أسباب هذا التضييق لمقام الاجتهاد أن يكون الحدث مركباً من مواد شتى ، ويكون منه وجه محكم ظاهر يعرفه العامة والخاصة ويعتبرونه ، فيقصرون الأمر على هذا الوجه البين ولا يلتفتون إلى سواه .
وهذا يقع كثيراً أن يرد أكثر العامة ، بل وبعض الخاصة ، الأمر إلى جانب من جوانبه الصحيحة والبينة ، ولكنهم يقصرون الأمر عليه ، ولا يتفطنون إلى الجوانب الأخرى التي خفيت عليهم .
لكن أهل العلم والاعتبار يقع لهم نظر آخر ، لمحل آخر من هذا الحدث لا يدركه العامة ، وهذا من أسرار قوله سبحانه : [ يستنبطونه ] فإن الاستنباط يكون فيه نوع معالجة وجهد ، فهو من خصائص أولى العلم الذين يدركون جوانب من الأمر يغيب إدراكها أو استحضارها عن غيرهم .
إن الوجه المحكم في الشريعة الذي لا تنفك عامة الأحداث عنه يجب أن يبقى لحمة أهل الإسلام وعصمة اجتماعهم ، لكن يبقى لخاصتهم حق النظر في إحكام الموقف وتسديده على وفق قواعد الشريعة ، التي جاءت بتحقيق المصالح ودرء المفاسد .
وهنا نظر من الفقه ، وهو أن يكون الحكم المستنبط باجتهاد دقيق لا يفطن له كل أحد ، قد لا تظهر مناسبته عند بعض العامة ، بسبب الحكم الآخر الظاهر المحكم ، فيظن من يظن أن ذلك النظر الدقيق المستنبط يقتضي التفريط في الوجه المحكم أو مناقضته .
وليس الأمر كذلك عند من له علم وفقه .
وقد جاء في السنة قصة صلح الحديبية المخرجة في البخاري وغيره في سياق طويل ، وكيف أن الشروط التي قبلها r وإن رأي فيها بعض الصحابة ، بل بعض خواصهم وأكابرهم ، مفارقة لمقام الجهاد وعلو المؤمنين ، لكنه كان الخير والحق والصواب ، وسماه الله فتحاً [ إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ] .
وهذه السورة نزلت مرجعه عليه الصلاة والسلام من الحديبية ، وهم يخالطهم الحزن والكآبة كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
ومن فاضل فقه الصحابة في هذا الوجه الذي قد يراه منافياً للوجه المحكم ما جاء في الصحيحين وغيرهما في غزوة مؤته ، فقد روى البخاري وغيره عن أنس أن صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال : ( أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ، وعيناه تذرفان ، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم ) .
وأهل العلم وإن اختلفوا في تفسير هذا الحرف الآخر ، إلا أن من أرجح الأقوال أن الفتح المذكور تحيز خالد بالمسلمين عند عدوهم ، وسواء فسر هذا الحرف بهذا أو به وبغيره أو حتى بغيره ؛ فإنه يعلم بالإجماع أن تحيز خالد بالمسلمين كان محموداً وقد أقره الرسو صلى الله عليه وسلم وامتدحه وإن كان هذا لم يظهر مبدأ الأمر لبعضهم .
وفي الحديث من الفقه أن مقام حسن القصد والصبر وبذل النفس لا يحكم وحده سائر المواقف ، بل هذه الشريعة جاءت بمراعاة القواعد الشمولية العامة ، وهذا من فقه خالد لمقاصد الجهاد .(28/455)
ومن أخص ما يجب على أهل الإسلام ألا يتخذوا العلم بغياً بينهم ؛ فإن الوحي نزل ليرد الناس إليه ويجتمعوا به على الحق ، وسائر أوجه الحق لا تظهر لكل أحد ، ويقع فيها ما هو من موارد النزاع المقر في الشريعة .
حقيقة الخلاف الذي أقرته الشريعة :
الناظر في آيات القرآن الكريم يجد أن الله تعالى ذكر الخلاف والنزاع في مورد الذم كثيراً وذكره أحياناً على أنه حال تعرض للمؤمنين كما في قوله سبحانه : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسولل " ، وقوله تعالى :" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " .
وهذه الحال العارضة المقبولة هي التي تقع بين علماء الأمة من الصحابة فمن بعدهم ، ومثل هذا لا يوجب الذم ولا الطعن ولا التأثيم باتفاق العلماء .
فإن من علم منه الاجتهاد السائغ لا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم ، حتى لو عُلم خطؤه ، فإن الله قد غفر له هذا الخطأ ، وأصل اجتهاده محمود في الشريعة ، وهو متردد بين أجر وأجرين ، كما ثبت في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه المتفق على صحته .
وتحريم الطعن والذم لا يوجب قبول الخطأ ، ولا ترك البيان .
وليس من شرع الله ولا قدره أن يتفق علماء الأمة في سائر مواضع الاجتهاد ، فمن لم يقدر لهذا المقام قدره فقد اتخذ العلم بغياً ، وهذا من أعظم أسباب الفساد الذي وقع لأهل الكتاب وخرجوا به عن حقيقة الإسلام الذي بُعث به جميع المرسلين ، ولهذا قال تعالى : " إن الدين عن الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب " .
وإذا كان المجتهدون يؤمرون بالتعاذر وعدم الطعن على المخالف فكيف بالعامة الذين لا اجتهاد لهم أصلا ، وإنما فاضلهم هو مقلد لأهل العلم .
إن الخلاف المبني على مقام الديانة والعلم ، أعني اختلاف أهل الاجتهاد المعتبر في الأمة ، إذا تحولت الآراء المتعددة فيه إلى ولاءات خاصة ، ومفهومات للحزبية والطائفية ، فإنه يخرج بذلك عن كونه رحمة ومتابعة لحكم الله ورسوله ، ليكون تمزيقاً لأهل الإسلام ، ورجوعاً إلى أمور الجاهلية ، واتباعاً لسنة أهل الكتاب المنحرفين عن هدي أنبيائهم .
ومما يجب على أهل العلم فقهه وتعليمه للناس ألا تستباح قواعد الشريعة ومقاصدها بالمخالفة والرد ؛ لتأويل يستعمله ناظر ولو كان حسن القصد والإرادة .
ومما يعلمه المتأمل أن جمهور البغي الذي يحصل في الأمة هو بسبب تأويل سائغ عند أصحابه ، ولكنهم تحللوا به من عواصم الشريعة ومحكماتها لمعنى غلب في نفوسهم ، تزيده الغيرة ، وينقصه العلم .
وإذا كان كل عامل صادق في هذه الأمة يعنيه أمر اجتماعها والتفافها ، وترك التنازع والاختلاف المذموم بين خاصتها ، خصوصاً في أزمنة الضائقة والضعف وتسلط العدو .
فإن من المعلوم قدراً وشرعاً أن هذا الاتفاق لا يكون باتحاد القول والنظر والاجتهاد في مفردات المسائل وآحادها ، إذ هذا لم يقع لأبي بكر وعمر والراشدين ، بل لم يقع للخيرة من أ صحاب صلى الله عليه وسلم حال حياته ، إذ اختلفوا في تفسير هذا الحرف (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )) .
فاختارت مدرسة المقاصد أن الأمر مبناه على الإسراع وعدم التشاغل وصلوا في الطريق ، لا إهداراً للأمر النبوي الصريح ، ولكن إعمالاً لمقصده ، وجمعاً بينه وبين نصوص الأمر بالصلوات والمبادرة إليها وعدم تأخيرها عن وقتها الفاضل .
واختارت الطائفة الأخرى الوقوف عند النص وعدم تجاوزه ، فلم تصل حتى وصلت بني قريظة ، وقد فات الوقت ، أو فات وقت الاختيار ، كلاهما محل احتمال .
ومعظم المسائل التي اختلف فيها من بعدهم في أبواب الفقه أو التفسير أو غيرهما ، فإنما قفوا بذلك أثرهم ، وكان لهم متبوع من الصحابة رضي الله عنهم .
وهذا الاختلاف راجع إلى اختلاف في قدر العلم وسعته ، أو اختلاف في تكوين العقل ومدركه وحدته ، أو اختلاف في الطبع وما يغلب على المرء من الحال والمزاج ، أو اختلاف في الموقف والظرف المحيط بالمجتهد .. كما أن الله تعالى جعل شريعته وكتابه على مقتضى قواعد اللغة التي يكون فيها ما هو قطعي الدلالة وما ليس كذلك ، وما هو مفسر وما هو مجمل ، وما هو محكم وما هو متشابه ، وما هو ناسخ وما هو منسوخ ، ولو شاء لجعلها حرفاً واحداً لا يختلف عليه الناس ، غير أنه سبحانه أنزلها لناس خلقهم وهو أعلم بهم " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " .
ولهذا جمع تعالى بين هذين المعنيين في قوله تعالى : " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " .
فهو الخالق المالك المتصرف ، وهذا من معنى الربوبية .
وهو الإله المعبود الآمر الناهي ، وهذا من معنى الألوهية .
وبهذا يتبين أنه يستحيل قدراً وشرعاً أن يتفق أهل الإسلام في جميع ما يعرض لهم من المسائل ، حتى المسائل التعبدية العملية الخالية من التعقيد والتداخل ، وحتى المسائل التي هي من موارد النصوص ، فقد يقع للناظر في النص اعتقاد أنه ليس على ظاهره ، أو أنه منسوخ ، أو أنه ضعيف ولو كان الأمر بخلاف ذلك .(28/456)
فلم يبق إلا أن يعتصم أهل الإسلام بالمنهج الشرعي في فقه الخلاف السائغ ، وأن يسعهم ما وسع الموفقين من أصحاب صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة من التوسعة في العذر ، وحفظ مقام الأخوة الدينية ، وإحسان الظن ، وترك البغي والتسلط ، وأن يعتصموا بعصم الإسلام الجامعة ولا يتفرقوا بموجب الاجتهادات الخاصة ، والآراء المتنازعة ، ولهذا قال سبحانه : " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون " .
فالأخوة الدينية لفظ جامع ينتظم كل من صح له عقد الإسلام كائناً ما كان خطؤه ، فمن كمل له الإسلام والإيمان كملت له حقوق الأخوة .
وهي لا ترتبط بالموافقة أو المخالفة في رأي أو مذهب أو اجتهاد إذا كان من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف .
ولهذا جاء في الآية بعدها قوله تعالى : " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " .
وها هنا تجد النهي عن التفرق مطلقاً ، فالتفرق مذموم بإطلاق ، حتى جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني ما يدل على النهي عن التفرق الحسي فضلاً عن المعنوي ، حيث قال رضي الله عنه : كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية فقال صلى ا لله عليه وسلم : ( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ) فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم .
وهذا المعنى كثير التردد في الكتاب العزيز ، خصوصاً حين الحديث عن الأمم الكتابية وما عرض لها في دينها .
أما عن الاختلاف فلم يرد النهي مطلقاً ، بل مقيداً يتبين به أن ثمة خلافاً مذموماً ، وخلافاً محموداً .
ولهذا قال هاهنا : " واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " فهذا الاختلاف في موضع الذم ؛ لأنه إعراض عن البينات والهدى ، واتباع للهوى .
وفي مواضع أخرى ربط الاختلاف بالبغي والعدوان .
فمن كان يحسب أن اجتماع الأمة يكون باتفاقها العلمي الشرعي على مفردات المسائل وآحادها وتطابق النظر فيها فقد رام محالاً ، وتمنى ما قضت الشريعة ومضى القدر النافذ بخلافه .
لكن المطلوب أن يكون ثمة اتفاق على الأصول والمحكمات في الشرع الذي جاءت جمهرة نصوص الكتاب والسنة بتقريرها ، وتوافر العلماء عليها خلفاً عن سلف وهو محل الإجماع الثابت المستقر .
ثم يكون الاتفاق على طريقة التعامل مع الخلاف بحيث لا يخرج عن إطاره ، ولا يؤثر على حقوق الإخاء الديني بين خاصة المسلمين وعامتهم ، ولا ينتج تفرقاً مذموماً وبغياً بين المؤمنين ، ولا يمنع من الرد والنصيحة والبيان وإظهار الحجة دون أن يكون ذلك ملزماً ، أو أن يظن به صاحبه أنه حسم لمادة الخلاف .
إننا كثيراً ما نتوجع على الوحدة الضائعة ، ونقصد بهذا أن يجتمع الناس على ما نظن وما نرى ، وهذا ما لم يتوفر للخاصة من أصحاب صلى الله عليه وسلم وأئمة السلف الصالح ، ولكن في ا لأزمات الحادة التي تضرب الأمة تمس الحاجة إلى نوع من التأليف ، وتجاوز الحظوظ الشخصية ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، والاشتغال بالعمل الجاد المثمر .
وهذا رجل جاهلي من إياد ، وهو لقيط بن يعمر يشخص الحال ، ويصف الدواء وصف الذي فاته نور الهداية ، لكن لم يفته درك العقل والتجربة ، ومناسبتها ما نراه من اليوم من المكر الغربي الذي تجاوز حد التخمين ليصبح حقيقة واقعة :
بل أيها الراكب المزجي على عجل … …
نحو الجزيرة مرتادا ومنتجعا
أبلغ إياداً وخلل في سراتهم … …
إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا
يا لهف نفسي إن كانت أموركم … …
شتى وأحكم أمر الناس فاجتمعا
ألا تخافون قوماً لا أبالكم … …
أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا
فهم سراع إليكم بين ملتقط … …
شوكا وآخر يجنى الصاب والسلعا
لو أن جمعهم راموا بهدته … …
شم الشماريخ من ثهلان لانصدعا
في كل يوم يسنون الحراب لكم … …
لا يهجعون إذا ما غافل هجعا
خزر عيونهم كأن لحظهم … …
حريق نار ترى منه السنا قطعا
لا الحرث يشغلهم بل لا يرون لهم … …
من دون بيضكم ريا ولا شبعا
وأنتم تحرثون الأرض عن عرض … …
في كل معتمل تبغون مزدرعا
وتلبسون ثياب الأمن ضاحية … …
لا تفزعون وهذا الليث قد جمعا
وقد أظلكم من شطر ثغركم … …
هول له ظلم تغشاكم قطعا
مالي أراكم نياما في بُلهنية (1) … …
وقد ترون شهاب الحرب قدسطعا
فاشفوا غليلي برأي منكم حسن … …
يضح فؤادي له ريان قد نقعا
قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم … …
ثم افزعوا قد ينال الأمر من فزعا
يا قوم إن لكم من أرث أولكم … …
عزا أحاذر أن يودي فينقطعا
يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا … …
على نسائكم كسرى وما جمعا
هو الفناء الذي يجتث أصلكم … …
فشمروا واستعدوا للحروب معا
هذا كتابي إليكم والنذير معا … …
فمن رأى مثل ذا رأياً ومن سمعا
لقد بذلت لكم نصحي بلا دخلٍ … …
فاستيقظوا إن خير القول ما نفعا
والله أعلم .(28/457)
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم .(1) بُلهنية : النعيم والرخاء .
---------------د
الموازنة بين القصد والولاء ، وبين الفقه والتصور ، وذلك أن القصد والولاء هو من باب الإرادة والعمل ، والفقه والتّصور هو من باب العلم والمعرفة .
وكلا البابين من الإيمان ، فإن الإيمان قول وعمل كما قرره سلف هذه الأمة وأصّلوه ، وهما من معتبر الشريعة في اتخاذ الحكم والموقف ، ولا بد فيهما من الموازنة .
فالإرادة إذا تجردت عن العلم تحصل منها نوع مخالفة للشريعة وأحكامها .
والعلم إذا تجرد عن الإرادة أو جرى معه نوع تقصير فيها ؛تحصل نوع مخالفة للشريعة من وجه آخر .
والناظرون من أهل الإسلام اليوم لهم مقام محمود في بابي الإرادة والعلم بحمد الله ، ولكن ما يقع فيه شيء من الفوت والقصور لبعضهم هو الموازنة وضبط الاعتدال بين الولاء والتصّور ، أو بين الفقه والقصد ، أو بين العلم والعمل .
فترى بعض المواقف ناتجة عن أثر الولاء الذي هو بذاته حق ، وهو أحد أوجه الحكم في الحدث أو النازلة ، ولكنه لا يستقل ولا ينفرد به ، ومن هنا يكون الحكم المستعمل فيه حكماً ولائياً عاطفياً ليس فيه مادة تناسبه من الفقه والعلم والتصور اللازم شرعاً .
وترى مواقف أخرى تعتبر بالعلم والفقه فحسب ، وتقصر عن مقام الإرادة والولاء فيدخل بذلك على الحكم قصور وتأخر عن موافقة الشرع .
وبيان هذا المعنى أن علم الشريعة مبني على الرحمة ، والرحمة من مقامات الإرادة ؛ ولهذا قال تعالى لما ذكر قصة موسى والخضر عليهما السلام : ( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف:65) ، فجمع بين مقام العلم والفقه ، وبين مقام الرحمة التي هي من الإرادة .
ولهذا كانت الكتب المنزلة على الأنبياء مشتملة على هذا التركيب والتوازن بين الولاء والتصور ، كما في قوله سبحانه : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) (الأنعام:154)
وقال عن كتاب نبينا صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل:76)
فجمع بين كشف الاختلاف الذي جرى لبني إسرائيل ، وهو العلم ، وبين الرحمة ، وهذا في القرآن كثير ، وهو معبر عنه في مواضع بالهدى ودين الحق ، أي : العلم النافع والعمل الصالح كما فسره بذلك كثير من السلف والأئمة .
والموازنة بين الإرادة وبين العلم في تقرير الحكم وضبط الموقف في النوازل والمسائل العارضة من التحقيق لأدب الشريعة والاتباع لآثار الرسل ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، ووصف الكتاب بالرحمة في غير موضع ، مع أنه هدى ونور .
إن في بعض النفوس ميلاً إلى الشوكة والمنعة والتحريب والنكاية ، وربما غلب عليها لذلك باب الإرادة والفعل ، فلا يرى إلا ما اقتضته طبيعته ، ويغفل عن غيره من أوجه النظر .
وفي بعض النفوس ميل إلى العلم والمعرفة والنظر ؛ فيعرض لها من الأحوال المترتبة على ذلك ما يناسبها ، وتقصر أو تغفل عما سواه ، مما هو من مراد الشريعة .
وفي بعض النفوس ميل إلى القوة والشدة ، وفي أخرى ميل إلى الضعف والسلامة .. وهكذا .
ومعلوم أن تجريد النفوس عن ميلها الفطري ليس مقدوراً عليه في الجملة ، ولا مناسباً ؛ ولذلك جاءت الشريعة بالأمر بالموازنة بين ما هو حق بذاته ، والأمر بدفع ما ليس بحق ، فإنه يعرض للنفس في باب العلم ، وفي باب الإرادة ما هو نوع شبهة أو تأويل ، والله تعالى خلق النفوس وسواها ، وألهمها فجورها وتقواها.
وإذا كان من المقرر في الشريعة النهي عن اتخاذ العلم بغياً بين أهله ولو كان قول الباغي معتبراً موافقاً في الأصل ، إلا أن البغي زيادة طارئة مذمومة .
فكذلك من باب أولى أن الشرع يمنع اتخاذ أحوال النفوس المختلفة بين بني آدم سبباً للبغي والعدوان .
وكما أن من الناس من يبغي بما معه من العلم المصدق ، فإن منهم من يبغي بما معه من أحوال النفس وطبائعها ، وقد تكون بعض هذه الأحوال محمودة في الجملة كالقوة أو الشجاعة أو الصبر أو الكرم ، لكن لا يلزم أن تكون محمودة في كل الموارد ، ولا يجوز أن يبغي بها صاحبها على من ليس من أهلها .
وبعض الناس قد يبغي بما معه من القول الذي هو من باب الظن والاحتمال ، وليس من العلم المصدق .
ومثله من يبغي بما معه من أحوال النفس التي ليست محمودة في الشريعة ، فضلاً عن البغي ببعض الظلم والهوى .
وإذا تقرر -كما ألمحنا - ذم الله تعالى لمن اتخذ العلم الصادق الذي بعث الله به رسله بغياً على غيره ، فغيره أولى بهذا الذم وأجدر .
والبغي له صور وأمثال ، وهو من المعاني التي يعرفها الناس ، وليس تخفيها الحروف ولا صيغة الكلام ..
ولهذا كان من فقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي تلقاه عنه أئمة الإسلام وفقهاء السنة ألا يتحدث ببعض العلم المأثور لمن قل فقهه وتأخرت رتبته .(28/458)
قال الإمام البخاري رحمه الله : ( باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه ) ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم ـ قال ابن الزبير : بكفر ـ لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون ) ثم بوب البخاري رحمه الله ( باب : من خص بالعلم قوماً دون قوم ، كراهية أن لا يفهموا ) ثم ساق قول علي رضي الله عنه : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ) .
وذكر الحافظ أن المراد : بما يفهمونه ، ثم ذكر أثر ابن مسعود المروي في صحيح مسلم : ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة .
ثم ذكر عن أحمد ومالك وأبي يوسف ، ومن قبلهم عن الصاحب الحافظ أبي هريرة ما يعزز هذا المعنى .
ولعل من لطيف فقه هذا الباب أن المرء قد يفرح بما يوافقه في باب من أبواب العلم، ومثله الفعل والإرادة ، فيحجبه ذلك عما هو أوسع وأنفع ، ويحمله ذلك على بطر الحق وغمط الناس ، والموفق من وفقه الله .
يستدعي الحديث في هذا الموضوع ارتباطاً تأصيلياً يبني فقهاً قواعدياً للموقف ، وهنا تكون مفاهيم عُرفت في النظم والقواعد المقولة في أصول التشريع والحكم أساساً في رسم فقه معتدل لا يختص اعتباره بطبقة العلماء والدعاة ، بل هو منهج وسطي للتعامل يفترض أن يكون أحد أسس التربية المشاعة في أكبر قدر ممكن من الأوساط الاجتماعية . ربما يكون من العقبات في تطبيع مفهوم الفقه الوسطي للموقف أن الرسم الفقهي يرتبط بمفاهيم ذات رسم علمي كثيراً ما يكون غير تلقائي الإدراك ، مثل (الاجتهاد، الاستطاعة، الموازنة بين المصالح ، درء المفاسد) لكن مع هذا كله يفترض أن يكون هناك تقريب لهذه المفاهيم الأُسسية ، وهذا محل المحاولة في هذه الورقة التي امتدت إلى هذه الحلقة لتكون ختماً لها.
ثمة مفاهيم رئيسة في هذا التناول المنهجي ، ومن المرجح أنها من أكثر المفاهيم تأخراً عن الضبط وحسن الإدراك، أشير هنا إلى مفهوم كثير التداول التطبيقي :
العلاقة بين القضاء الشرعي والقضاء القدري في فقه الموقف : هذا مفهوم أساس ويبدو أنه يُتناول كثيراً بغير اعتدال، وربما يكون الإدراك لهذه العلاقة يمثل درجة من الغياب المنهجي .
ربما يمكن رسم عدم الإدراك لهذا المفهوم في تجاوز الوسطية في فهم العلاقة بين الشرع والقدر ، تحت اتجاهين لهذا التجاوز يتجه أحدهما في فك هذه العلاقة إلى درجة أشبه ما تكون بتجاوز الارتباط أي استقلال الحكم الشرعي عن الحكم القدري ، ويتجه الآخر إلى ترسيم تلازمي بين الشرع والقدر ، وكأن القدر يجب أن يتجه إلى حيث القضاء الشرعي بل إلى اجتهاد ليس بالضرورة يكون هو قضاء الشرع في هذا المقام. إن الاتجاهين معاً إنتاج لمشكلة واحدة شائعة في التداول التربوي هي : (الحركة تحت مفهوم مستقل) !! وهذه مشكلة معقدة من المهم أن ندرك أنها ضرورية المعالجة .
إن بناء الحكم الشرعي التكليفي - اعتباراً لقضاء قدري - أحد نماذج الخلل في الفقه. إن السنن الكونية القدرية يجب ألاّ تستقل ببناء الحكم الشرعي لكن من اللازم ألاّ ينفك الحكم الشرعي عن اعتبارها .
هنا شكل مهم من التوازن ، حينما يتحول الخطاب الشرعي الذي يُقدم كحكم للتعامل مع الآخرين أو مع المسلمين بعضهم مع بعض إلى مواعدات مستقرأة من سنن قدرية فهذا من أدق صور الجهل الذي يُصنَّف عند كثيرين كأنموذج من الفقة والاستنباط !!! وربما التاريخ - كما يقال - يعيد نفسه حين تكوّن - في مرحلة تاريخية سابقة - اتجاهان في الفكر والمفهوم للتعامل مع هذا المفهوم (العلاقة بين الشرع والقدر) لكن كان مجال الحركة إذ ذاك (التعامل الذاتي) أي : تقديم مفهوم عن هذه العلاقة بوصفها منهجاً للفرد وتطبيقاته الخاصة وليست كمفهوم للتعامل الشمولي ، لقد تكوّن إذ ذاك اتجاه فلسفي يبالغ في رسم العلاقة تحت مظلة العرفان والتصوف، وتكوَّن اتجاه آخر يفضِّل الانفكاك والفصل تحت مظلة النظر والعقل .
كان هذا من أدق صور الخلل في التاريخ الفكري والمعرفي ، واليوم يبدو أن الأمر أكثر أهمية حين يقدم هذا المفهوم لحكم الموقف الشمولي .
قد يبدو غير ممكن أن تستوعب هذه الورقةُ رسمَ التقريب الصحيح لهذا المفهوم ، لكن التعرف على مجموعة من نماذج التطبيق الخاطئة يُعرِّف ولو بمواقع الخطأ الشائعة تحت أنموذج أكثر تداولاً يمثل شكلاً من الخطأ في هذا المفهوم .(28/459)
حينما يفرض التلازم بين (الحق ، والنصر الآتي) يُقدم كثيرون معادلة : أنّ هذا حق، إذن : لابد من مشاهدة النصر؛ لأن الحق منصور ، وهذا التصور لا يستطيع التفريق بين المفاهيم المبدئية والمفاهيم التطبيقية . إن مبدأ (الحق منصور) قدر مؤكد ، لكن يتأخر الإدراك لماهية هذا المبدأ التي هي الشكل التطبيقي لماهية (الحق) ، وماهية (النصر) . هنا معنى مهم يجب أن ندركه : (القيم المبدئية) ليست هي (المحاولة التطبيقية التي نمارسها لهذه القيم) هذا قدر تكليفي تحته دراسة واسعة لمدى شرعية الموقف في الأمر نفسه ، وليس خياراً نُصِرُّ عليه ونُلِحّ على اعتباره. هذا الإلحاح لا يحوّل الموقف إلى اتجاه آخر ، قد نستطيع الإلحاح على الناس أن تصرفنا شرعي لكن من المهم أن ندرك أنه قد لا يكون كذلك ، وهذه أول عقبة مانعة من النصر لحقيقة يسيرة : أنه ليس ثمة حق فليس ثمة نصر . هذا شكل من الخلل ، أيضاً من المهم أن نعي حقيقة النصر وماهيته ، وأن السنن الكونية قضاء لله سبحانه ، وليست استجابة لاجتهاداتنا حتى لو كنا صادقي النية والعمل فأمر الكون ومصلحته حكم لله وحده، ولا يحيط بعلمه إلا هو ، وهذا يستدعي ألاّ نعطي مواعدات ونبؤات للناس مقابل الامتثال لاجتهادٍ رأيناه.
إن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم يتجاوزوا إلى رسم الوعد الذي يختصر خيارات الذات ويجعل الإنسان يتحول إلى كائن خلاصي أو انتظاري . هذا جهل بحكمة الاستخلاف في الأرض التي سيقع فيها الإيمان بشمولية التعامل كمنهج للبقاء والإصلاح .
من المؤكد أننا نحتاج - كثيراً - ترتيب المفاهيم التي نعرفها ثم نحتاج إلى فقهها باعتدال . ليس المهم أن نشعر أننا نعرف مجموعة من المفاهيم ثم نختار المناسب لنا لمعالجة موقف نتعامل معه ، هذا شكل من صور هزيمة الفقه . من اللازم أن نستقرئ المنهج الشرعي بفقه ذاتي هذا يعطينا الإيمان بأنه يجب علينا أن نبني الفقه الذاتي في نفوسنا ، إن أرقى محاولة يجب أن نبدأ بها لبناء الفقه الذاتي الذي نتجاوز به أحادية النظرة وفقدان التوازن والاعتدال هي بناء الأخلاق ، أخلاقَ العلم والتربية في نفوسنا وأن نتخلص من حاكمية الطباع لنحقق العبودية لله وحده
=============(28/460)
(28/461)
انتفاضة الأقصى … بين رؤيتين!
عبد العزيز بن محمد الوهيبي 22/8/1423
07/11/2001
"بعد أن تهدأ الحناجر من الصراخ ، والأيادي من قذف الحجارة ، والسواعد من رفع كلمات الاحتجاج ودعوات الجهاد، والتحرير … بعد ذلك هل يعلو صوت العقل والحكمة والدراسات المبنية على الإحصائيات والدراسات الدقيقة والتحليل المنطقي البعيد عن العواطف؟" هكذا يتحدث عقلاء الليبراليين ، ومنظرو قاعات الفنادق، ومراكز المؤتمرات الفخمة التي تعمرها الأرائك الأمريكية العالية القيمة . يتحدث هؤلاء أصحاب الياقات الزرق الذين ينتمي كثير منهم إلى مراكز الدراسات والنشر والبحث العلمي التي تعطي الرواتب الضخمة وترتبط بدعم مباشر أو غير مباشر من هذه الجهة الأجنبية أو تلك؟! هؤلاء الذين لا يملون من تكرار النصيحة لنا بعبارات مملولة، وحجج جوفاء يودون لو أن مصطلحات من نوع : الجهاد ، دار الكفر ، دار الإسلام، المشركين … الخ ، يودون لو تختفي من قواميس الخطاب السياسي العربي ليظهر بدلاً عنها مصطلحات من نوع : التعايش ، الشرعية الدولية ، احترام الحدود والسيادة الداخلية … الخ من عبارات عصر التنوير والثورة العلمانية الحديثة هذه هي - وحدها - اللغة التي يودون أن يكون الحوار على أساسها ، ويستخدم نفس أدواتها المنهجية وينطلقون من نفس تحيزاتها المنهجية والمعرفية وخياراتها التاريخية والاجتماعية … لكن هذه الخيارات - وإن كان كثير من النخب الثقافية يستعملونها بإصرار ، ويدافعون عنها بحماسة التبشير العقدي - أقول : إن هذه الخيارات لا تفهمها الجماهير العريضة ، ولا تتعاطى معها ، ولا تستسيغها، وهي
-وإن رضخت لها كواقع جغرافي إكراهي ضاغط- ، ترضخ لها رضوخاً مؤقتاً، وتستسلم لها إلى حين ، وهي تدرك في أعماقها أن الفجر "الصادق" قادم لا محالة ، وأن قدر المواجهة حق لا ريب فيه ، وأن كل وضع -بخلاف ذلك- إنما هي مسكنات مؤقتة ، ومعالجات جزئية ؛ ولذلك فقد انفجرت هذه الجماهير في كل مكان، وعبّرت عن بركان غضبها الهادر بكل السبل الممكنة بل وغير الممكنة أحياناً!! ومضت تلعن جلاديها وتهددهم وتتوعدهم بيوم المواجهة الكبير … " خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود ...!! " .
ونحن إزاء تحليل هذه الحدث نقف أمام نموذجين معروفين متناقضين غاية التناقض: النموذج العلماني الذي يجعل المنفعة المادية هي الهدف الأسمى ولا يؤمن بقضية الكرامة أو الهوية المتمايزة ، أو التناقض العقدي سبباً في التفرقة بين الشعوب ، ولذلك فهو يدعو إلى تطبيع العلاقات ، والتبادل الاقتصادي والتكامل التقني ، والاعتراف المتبادل ، وكسر الحواجز النفسية ، ولو كان ذلك بتغيير المناهج الدراسية ، والمفاهيم العقدية … !!
هذا النموذج هو الذي تأسست على هديه الدولة الحديثة ، ونالت مشروعيتها بالانتماء إلى الأمم المتحدة ، ورضخت لقراراتها وتوجيهاتها، وقبلت بالتعاطي معها والتحاكم إلى مؤسساتها ، وشاركت وأقرت بمؤتمراتها ولجانها واجتماعاتها؛ ذلك أن أي خروج عن هذه الشرعية هو - في رأيها- خروج عن أصل وجودها ومبرر سلامتها وأمنها . هذه الدولة على هذه الرؤية والمشروعية شكلت بناها الداخلية، وتوجهاتها الخارجية على هذا الاعتبار ، وبذلك فهي تتوجس من أي معالجة تخرج عن هذا النسق .(28/462)
في المقابل هنالك الجماهير المسلمة التي تملك مرجعية دينية تؤمن بالله واليوم الآخر ، وتعتقد: أن من قُتِلَ دون أرضه فهو شهيد ، وأن الشهداء في منزلة عليا من الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، وأن الشهيد يرغب أن يحيا ثم يستشهد ثم يحيا ثم يستشهد مما يجد من منزلة الشهيد . وهي كلها قيم ومفاهيم لا يفهمها العلمانيون ولا يقدرونها ولا يتعاملون معها … العلماني يقلقله انخفاض ميزانية الدولة الفلسطينية وعدد العاطلين عن العمل و… و… وغيرها من فقدان الأشياء المادية عاجزاً تمام العجز عن إدراك المعنى العميق الذي تبعثه هبة الشعب الكريم للذود عن حياضه ، عن حجم الكرامة والقيمة والمعنى الذي تبعثه هذه الحركة الجماعيّة في جسد الأمة ، التجاوز عن القيم المادية إلى القيم العليا نقله يعجز عنها الكثير من هؤلاء المثقفين للأسف ، وهم مرتهنون -تماماً- بالنموذج الغربي المعادي والمتحيز … لا يدرك هؤلاء كيف يتمكن شعب أعزل - إلا من سلاح الحجارة أن يواجه جيشاً مدرباً ومتخصصاً على أعلى فنون القتال الإلكتروني الحديث ؟ كيف يمكن لأسر تمزق تحت مطارق الأعداء في سكنها ومصدر قوتها وفي أجيالها الصاعدة ومع ذلك تقاوم وتقاوم !! هؤلاء لن يدركوا -أبداً- هذه المعاني؛ لأنهم تدربوا تدريباً عالياًًً عللى التفكير بالطريقة الغربية ، وقد تشكل مع الوقت بينهم وبين أمتهم "حاجز"يصعب عليهم أن يتجاوزوه . في الرؤية العلمانية "الموت" فناء لا حياة بعده ؛ ولذلك فلا معنى لأن نموت من أجل أي شيء في الرؤية العلمانية البذل هدر مغفل للطاقة في غير موضعها وبلا مردود فهو تهور وجنون وفي الرؤية الإسلامية من تزكى فإنما يتزكى لنفسه ومن يبذل يعطِهِ الله ويعوضه. ومن هنا ندرك لماذا كانت الشعوب تستنجد بهويتها الدينية دائما في لحظات الصراع التاريخية ،لحظات التحرر من الاستعمار أو المواجهة مع العدو أو المواجهة مع المحتل؟ في تلك اللحظات كان يتقدم أساتذة الكتاتيب، وحفاظ القرآن من أمثال عمر المختار أو عبد الحميد بن باديس ويتراجع أصحاب الياقات الزرق خلف مكاتبهم حتى ينكشف الغبار فإذا رجع المجاهدون تحت رايات النصر المبين تقدم هؤلاء باعتبارهم الأقدر على الإدارة والكلام ، ثم لا نحتاج لكثير وقت حتى نكتشف أن المعركة أصبحت معهم لا مع الخصم البعيد !! فهل تتكرر مآسينا؟ نأمل ألا يحدث مثل ذلك. ولله الأمر من قبل ومن بعد .
============(28/463)
(28/464)
يا شرفاء الأمة : حاكموهم
سهيلة زين العابدين حماد 25/7/1423
02/10/2002
كَثَّفَ - في الآونة الأخيرة- الإعلام الصهيوني حملته على مصر، ومارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً على الحكومة المصرية، فمنعت عنها المعونات المالية الإضافية إن هي لم تفرج عن د. سعد الدين إبراهيم - الذي يحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب جنسيته المصرية - المعتقل إثر تهم تآمرية قام بها .
والسبب في هذه الضغوط على مصر يرجع - في رأيي- إلى سببين:
أولها : وجود الأزهر بمصر :
وهو يمثل منارة للإسلام، والتي وقفت صامدة أمام كل التحديات على مدى ألف عام، وتاريخ الأزهر تاريخ طويل ومشرف، وصموده ووقوفه ضد الاستعمار سجَّله التاريخ بأحرف من نور، وتصديه للشبهات المثارة حول الإسلام يسجل له بكل فخر واعتزاز ،ودوره في نشر الدعاة في مختلف بلاد العالم معروف ،وطلاب العلم الذين يفدون إليه من كل أقطار العالم على مدى ألف عام يعدون بالملايين ،فقد تخرَّج منه كبار علماء العالم الإسلامي .
وأعداؤنا لا يريدون للإسلام مثل هذه المنارة ،لذا نجدهم وجَّهوا حملتهم على مصر عقب أحداث سبتمبر .
ثانيها : مكانة مصر في العمق الاستراتيجي الإسلامي:
فهي تمثل العمود الفقري للعرب والمسلمين، وهذه هبة إلهية وهبها الله لها، وجنودها خير أجناد الأرض، وصدق الشاعر حافظ إبراهيم في قوله في قصيدة"مصر تتحدث عن نفسها":
أنا إذا أراد الإله مماتي…لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
فهي تشترك مع السعودية في تكوين العمق الاستراتيجي للعالم الإسلامي، السعودية بقيمتها الروحية وثقلها الإسلامي، ومصر بقوتها العددية والعسكرية ،وموقعها الاستراتيجي، وبجنودها البواسل، فهي مقبرة للغزاة على مر التاريخ، فمنها انطلقت جيوش (صلاح الدين) لدحر الصليبيين في (حطين) وتحرير بيت المقدس، ومنها خرجت جيوش المسلمين بقيادة (قطز) لدحر المغول في (عين جالوت)، ومنها انطلق جيش مصر في العاشر من رمضان السادس من أكتوبر لهدم خط (بارليف)، وهزيمة من أوهموا العالم أنَّهم القوة التي لا تقهر، ومنها ستنطلق ـ إن شاء الله - جيوش المسلمين لدحر بني صهيون وتحرير فلسطين بأكملها، فهي تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل، ودرعاً واقياً للمسلمين، وقد حاولوا عزل مصر عن العالم العربي باتفاقية (كامب ديفيد)، كما حاولوا دمج الشعب المصري في الهوية الصهيونية بالتطبيع الذي نصَّت عليه الاتفاقية، ولكن تبيَّن لهم أنَّ مصر هي قلب الأمة العربية والإسلامية النابض، وأنَّه لا يمكن انتزاع هذا القلب من جسد الأمتين العربية والإسلامية، ووجدوا شعباً رافضاً للتطبيع في كل صوره وأشكاله، بل كان حازماً وقوياً عندما اتخذ قرار المقاطعة للبضائع والمنتوجات والمطاعم الأمريكية والإسرائيلية، وكان أكثر الشعوب -بكل قطاعاته- غضباً على ما يحدثه اليهود الصهاينة من مجازر للشعب الفلسطيني،وقد رأينا كيف باع أطفال مصر حقائبهم المدرسية، وتسلل عدد منهم عبر الحدود ليقاتلوا مع الفلسطينيين ؟
ورأينا كيف عبَّر مثقفو مصر، من أدباء ومفكرين وأساتذة جامعات وصحفيين ومحاميين وفنانين -رجالاً ونساءً- عن رفضهم للسياسة الأمريكية وتأييدها الأعمى لإسرائيل ؟
ورأينا كيف عبّر طلبة مصر وطالباتها - ممثلين جميع المراحل الدراسية بما فيها المرحلة الابتدائية - عن رفضهم للجرائم الإسرائيلية في فلسطين؟
ورأينا كيف استشهد أحد شباب مصر ،وهو يتسلل عبر الحدود المصرية الإسرائيلية؛ ليقاتل مع إخوانه الفلسطينيين، وكيف شيع نساء مصر جنازته بالزغاريد؟
بل رأينا كيف أعلن التجار ورجال الأعمال المصريون مقاطعتهم للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، بل أعلنوا مقاطعتهم للدولار الأمريكي، واستبداله باليورو ؟.(28/465)
إنَّ الهجوم على الإسلام والعرب والمسلمين من قبل اليهود الصهاينة والأمريكان مستمر، وكل يوم توجه ضدنا الإهانات، والمؤتمر التنصيري في (كلورادو) الذي عقد عام 1978م وصف الحضارة والثقافة الإسلامية بأنَّها شر كلها، ويجب القضاء عليها برمتها وأنَّ هذا يمثل إيمان النصارى، (وصموئيل هنتنجتون) في كتابه (صدام الحضارات) الذي صدر عام 1996م هاجم الإسلام والرسولل - صلى الله عليه وسلم - ووصفه بأنَّه عنيف، ووصف الإسلام بالعنف، وأنَّه انتشر بالسيف ؛إذ يقول: (هناك محاجة أنّّ الإسلام كان ديناً للسيف منذ البداية، وأنَّه يمجد فضائله القتالية، الإسلام نشأ بين قبائل بدوية رحَّل متناحرة، هذه النشأة العنيفة مطبوعة في أساس الإسلام...)، وهذا اتهام باطل وجهه المستشرقون من قبله، الذين هاجموا الإسلام والرسولل - صلى الله عليه وسلم -، ووصفوه بصفات لا تليق، وشككوا في نسبه، وذلك على مدى ثمانية قرون، لقد عبرت المستشرقة والراهبة البريطانية "كارين أرمسترونج " في كتابها"محمد"الذي صدر عام (1996م) عن بطلان هذا الاتهام الذي أطلقه المستشرقون على الإسلام فقالت في صفحة (247) ونحن على وجه الخصوص نرى ما قيل عن أنَّ محمداً حارب طريقه إلى السلام والقوة والنصر أمراً مخزياً، وهكذا لقب الإسلام بدين السيف كعقيدة تخلت عن الروحانية الحقة،وكرست للعنف وعدم التسامح، وقد طاردت تلك الصورة الإسلام في الغرب المسيحي منذ العصور الوسطى، رغم أنّ المسيحيين كانوا يشنون حروبهم المقدسة الخاصة في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، وفي يومنا هذا تلهو الكتب وبرامج التلفاز بإبراز عناوين مثل "حنق الإسلام، و" سيف الإسلام" و" الحنق المقدس"و" الرعب المقدس"ولكن هذا تشويه للحقيقة).
فهذه شهادة من راهبة مسيحية، وباحثة في الأديان، ومستشرقة بريطانية بأنّ نظرة الغرب المسيحي للإسلام أنه انتشر بالسيف هي تشويه للحقيقة.
وهو بالفعل تشويه للحقيقة فالجهاد شُرِّع في السنة الثانية من الهجرة، وهذا يعني أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ظل على مدى ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى الإسلام في مكة المكرمة بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد حارب كفار قريش الدعوة الإسلامية، وآذوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إيذاءً تجاوز كل معاني الإنسانية ،وكان الله -عز وجل- يعزيه ويثبته ويقويه في مواضع كثيرة ليصبر، منها قوله تعالى : (واصبر وما صبرك إلاَّ بالله) وقوله تعالى: ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) .
وكان المسلمون كثيراً ما يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بين مضروب ومشجوج ومعذب شاكين إليه ،فيثبتهم ويقول لهم " اصبروا فإنَّي لم أؤمر بقتال" حتى هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون إلى المدينة، وآخاهم بالأنصار، وأصبح لهم سلطان ووطن، وأضحوا ذوي عدد وقوة فلم يكن من بد أن يأذن لهم في القتال.
وتشريع الجهاد كان على مراحل :
المرحلة الأولى :الإذن بالقتال لدفع العدوان والظلم يقول تعالى : ( أُذن للذين يُقاتِلون بأنَّهُمْ ظُلِمُوا وأنّ اللهَ على نصْرِهم لقدير. الذين أُخرِجوا من ديارهم بغيْرِ حقٍ إلاَّ أنْ يقُولوا رَبُّنَا اللهُ ولوَ لا دَفْعُ اللهِ النَّاس بَعْضَهُم ببَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صوامِعُ وَبِيَعٌ وصلَواتٌ ومَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللهِ كثيراً وَليَنْصُرَنَّ اللهُ منْ ينصُرُهُ إنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عزيز.) "الحج:39-40"
فالقتال هنا لدفع العدوان والظلم، فلقد أكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون على الخروج من وطنهم ودورهم بغير حق ،ولقد صبروا من قبل على أذى المشركين وتعذيبهم وتجويعهم في الحصار الذي فرضوه على بني هاشم في شعب أبي طالب، وأجمعوا على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ولم يكتفوا بهذا، فقد ألبوا القبائل عليه بعد هجرته إلى المدينة لإبطال دعوته والقضاء عليها ،فأذن الله له بالقتال دفاعاً عن دين الله وحمايته. ولقد بين الله - عز وجل- في الآيتين السابقتين أنَّه لولا ما شرَّعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء في كل عصر لهدمت في شريعة كل نبي معابد أمته، فهدمت صوامع الرهبان، وبيع النصارى، وصلوات اليهود ومساجد المسلمين الذين يذكرون فيها اسم الله.
وقد بيَّن الله -جلَّ شأنه- في الآية التي تعقب الآيتين السابقتين واجب المؤمنين المنتصرين فيقول تعالى: ( الذين إن مكَّنّهُم في الأرضِ أقاموا الصَّلاةَ وآتوُا الزَّكاةَ وأمرُوا بالمْعْرُوفِ وَنَهَوْا عنِ المُنْكر وللهِ عاقِبَةُ الأمور) .(28/466)
فالغاية من القتال في الإسلام ليس توسعاً في الملك، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وسائر الدول المستعمرة، ولا السلب والنهب والاستيلاء على الثروات - كما يزعم المستشرقون ،ولا سيما اليهود منهم- ولا علوّاً واستكباراً في الأرض لكي يكون جنس أعلى من جنس، وليس للتدمير كما هي غاية الحروب عند اليهود، ولكن للدفاع عن النفس، ودرء الخطر الذي يهدد كيان الأمة ،وعند الانتصار عليهم أن يدعوا لإقامة الصلاة أي لتحقيق الغاية العليا من خلق الله للإنسان وهي عبادته، السمو الروحي من عبادة الله وتطهير أنفسهم، وآتوا الزكاة أي أنهم حققوا العدالة الاجتماعية من إعطاء المحتاجين حقهم في هذه الحياة، وأمروا بالمعروف أي أشاعوا الخير والحق بين النَّاس، ونهوا عن المنكر أي حاربوا الشر والفساد واستأصلوهما من المجتمع.
هذه غاية الحروب في الإسلام ،وقد شهد أعداء الإسلام أنفسهم بسماحة الإسلام وعدالته بدليل أنَّ الإسلام انتشر في شرق ووسط وغرب أفريقيا، وشرق وجنوب شرقيّ آسيا بلا قتال، وقد دخل الإسلام في هذه المناطق عن طريق التجار الذين كانوا متخلقين بأخلاق الإسلام، فأحب أهالي البلاد هذا الدين وأسلموا.
ولكن - للأسف- رغم ما وجه إلى الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من اتهامات باطلة وهجوم مستمر لم نرفع على أحد من هؤلاء قضايا، بل على العكس نجدهم يرفعون قضايا علينا إمعاناً في الإذلال، ومن المفارقات العجيبة أنَّهم يدَّعون الديمقراطية وحرية التعبير، وأنَّهم يريدون تخليصنا من الحكم الاستبدادي الذي لا يعطينا حرية التعبير، وهم يصادرون آراءنا، ويحاكمون كتّابنا الذين يصفون اليهود بما ينطبق عليهم، وكأنَّ اليهود مقدسون لا يحق لأحد أن ينتقد أعمالهم الإجرامية،فهم يبطشون، ويقتلون، ويبيدون الشعب الفلسطيني الأعزل، ويهدمون البيوت على سكانها، ولا توجه إليهم عقوبات دولية، ولا يدانون على أعمالهم، بل يجدون التأييد من الإدارة الأمريكية، ولا يحق لنا أن نتكلم، ونعبر عن آرائنا فيما يقومون به من أعمال وحشية وإجرامية ضدنا!
إنَّ اليهود الصهاينة والإدارة الأمريكية يستخفون بنا ،ولا يحترموننا، ويتلفظون علينا بأقبح الألفاظ من خلفنا ،وقد صرَّحت بهذا البروفسورة الأمريكية " لارا دريك" مديرة المجلس الاستراتيجي للشرق الأوسط، ومديرة تحرير مجلة " الشرق الأوسط"لقناة الجزيرة في برنامج " بلا حدود "الذي أذيع على الهواء مباشرة يوم الأربعاء 4 سبتمبر عام 2002م.
لماذا لم نقم دعوة على المنصرين الذين اجتمعوا في كلواردو عام 1978م الذين وصفوا الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية بأنَّها شر برمتها يجب اقتلاعهما من الجذور والخلاص منهما، إذ قال "دون ماكري" في بحثه الذي قدمه لهذا المؤتمر: (فتاريخ الكنائس وإرساليات التنصير يفضل اقتلاع المسلم المتنصر كلية من بيئته الاجتماعية والثقافية، وذلك هو إيمان النصارى بأنَّ الثقافة ولحضارة الإسلامية شريرة برمتها، وليس فيها ما يمكن خلاصه، بل يتوجب إدانتها ورفضها جميعاً) ؟
ولماذا لم نقم دعوة على "صموئيل هنتنجتون " الذي وصف الإسلام بأنه دين عنف، ووصف نبييه بذات الصفة، ووصف المسلمين بها كذلك ؟
لماذا لم نقم قضايا على المستشرقين الذين هاجموا الإسلام ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -؟
فهنا هجوم على الدين الإسلامي ،وعلى ثقافته وحضارته، وعلى الكتاب والمفكرين والصحفيين في العالمين العربي والإسلامي أن يطالبوا بإسقاط تهمة "معاداة السامية " ورفض جميع المحاكم في العالم إقامة دعاوى بهذا المسمى لأنَّها تقيد حرية الرأي والتعبير، وتعطي لإسرائيل مشروعية قتل وإبادة الشعب الفلسطيني، وغزو أي بلد تريده، لأنَّه أصبح محرماً على المعتدى عليه أن يصد هجومها العسكري، وإلاَّ أصبح إرهابياً،وإن انتقد سلوكها وأعمالها اتهم بمعاداة "السامية "، فأين العدالة وأين حماية حقوق الإنسان، والقضاء في العالم يحمي الظالم المستبد على المظلوم المضطهد المسلوبة أرضه وماله وعرضه وحياته، بل وكفر كل من يدافع عنه بالكلمة ؟
على آلاف الأسر السعوديه الذين احتجز أبناؤهم في السجون الأمريكية بلا وجه حق، وعلى أُسر أسرى جوانتنامو الستمئة أن يطالبوا الإدارة الأمريكية بتعويضات بواقع مئتي مليون دولار للفرد الواحد، وعلى المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية التي أوقفت وجمدت أموالها أن ترفع قضايا تعويضية مماثلة، وعلى أسرى ضحايا المقاطعة الاقتصادية التي فرضت على العراق على مدى أحد عشر عاماً، وراح ضحيتها مليون طفل، وعلى ضحايا حرب أفغانستان أن يرفعوا قضايا تعويضات على الإدارة الأمريكية مماثلة لا تقل قيمة التعويض للفرد الواحد عن مئتي مليون دولار، وليس مئتي دولار، كما قررتها الإدارة الأمريكية للفرد الأفغاني، علينا رفع قضايا على كل من يهاجم الإسلام والعرب والمسلمين،مادامت الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية أعلنتا علينا حرباً قضائية؛ إذ لم يكفهما الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، ومادامتا قد أعلنتا هذه الحرب علينا، فعلينا أن نرد عليهما بالمثل.(28/467)
إنّ تهاوننا وتنازلنا عن حقوقنا يطمع الأعداء فينا، ولا بد من أخذ هذا الأمر مأخذ الجد، والبدء فيه، وأنا أدعو نقابات المحاميين والصحفيين، واتحادات الكتاب، والمؤرخين في العالمين العربي والإسلامي أن يجتمعوا على وجه السرعة، ويبحثوا في هذه القضايا، ويرفعوها إلى الوزراء المعنيين في العالمين العربي والإسلامي لاتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذها، وإن لم يجدوا تجاوباً من الوزراء المعنيين عليهم الاتصال بمنظمات "حقوق الإنسان"وبمنظمة "محامون عالميون من أجل العدالة" التي مقرها في جنيف للبدء برفع هذه القضايا، وأولها إسقاط تهمة ما يسمى بـ "العداء للسامية" ورفضها في محاكم العالم، كما ترفع قضايا على "صموئيل هنتجنتون" الذي هاجم الإسلام ونبي الإسلام ووصفهما بالعنف ،كما ترفع قضية على المُؤتمِرين في مؤتمر التنصير العالمي "بكلورادو "، الذي وصف الحضارة والثقافة الإسلامية بأنها شر برمتها ،ويجب اقتلاعها والخلاص منها، كما ترفع قضية على من طالب بتدمير الكعبة المشرفة بقنبلة نووية، كما ترفع قضايا على إسرائيل للمطالبة بتعويضات ضحايا حربها للفلسطينيين، وضحايا مذابح "دير ياسين" و"جنين" و"نابلس" و"رام الله" و"قلقيلية" و"غزة"، و"صبرا وشاتيلا"، و"قانا"، ومدرسة "بحر البقر" في مصر ،والطائرة المصرية التي أسقطتها إسرائيل في الستينيات، وعليها أن ترفع قضايا تعويضات عن كل من زجت بهم في سجونها من العرب والمسلمين أعقاب أحداث سبتمبر سواء في داخل الولايات المتحدة أو في جوانتنامو، وضحايا المقاطعة الاقتصادية للعراق، وضحايا حروبها الذين بلغ عدد القتلى منهم سبعة ملايين، إضافة إلى المعوقين والمصابين، وذلك لتدرك الولايات المتحدة أنَّ عليها أن تحاسب على جرائمها، وأنَّ قرار الحرب فاتورته أكبر مما تتصور؛ لأنَّ الشعوب المحَاربة تخسر مقابل هذا القرار أعز أبنائها، وأنَّها لن تتنازل عنهم ،فتفكر الإدارة الأمريكية عندئذ ألف مرة قبل أن تتخذ قرار الحرب الذي أصبح الآن في منتهى السهولة، مادام العالم ،والمنظمات الدولية لا تعارضها، وتقف موقف المتفرج، بل تتضامن معها بعض الدول كبريطانيا وتركيا وكندا، وألمانيا وأستراليا للحرب معها، ومادامت هذه الحروب لا تخسر فيها جندي واحد من جنودها، أو طيار من طياريها؛ لأنَّها عبارة عن صواريخ ربما تكون مزودة برؤوس نووية تنطلق من بعد، وطائرات تحمل أطناناً من المتفجرات تجوب في سماوات الأرض والشعب الضحية، وتفرغ فيه حمولتها، مخلفة الدمار تحتها، ومهدمة البيوت والقرى والمدارس والمساجد والمستشفيات، وأشلاء ألوف القتلى متناثرة هنا وهناك تجمع في أكياس النفايات، وألوف الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب يئنون من وطأة الآلام ،وقد اقتلع أعين بعضهم، وبترت أيدي وأرجل بعضهم الآخر، وحرق وجه أو جسد البقية الباقية منهم، ولا يجدون أسِّرة ينامون عليها، ولا علاج يداوي جروحهم وحروقهم، بينما تعود الطائرات الأمريكية من نزهتها،كما وصف طياروا الطائرات الحربية الأمريكية طلعاتهم الجوية لأفغانستان، بأنها نزهة، مادامت أمريكا جرَّدت البلاد المُحَاربة من كل وسائل المقاومة، والغريب أنَّها تحاربها لامتلاكها أسلحة الدمار الشامل، وهي المسكينة لا تملك سلاحاً تدافع به عن نفسها، وتصد ما تتعرض له من عدوان، فهاهي الطائرات الأمريكية تضرب العراق على مدى أحد عشر عاماً، فلماذا لم تستخدم العراق في صدها أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إن كانت بالفعل تمتلكها؟!.
============(28/468)
(28/469)
علانية.. تطبيع فلسطيني إسرائيلي
فلسطين- الجيل للصحافة- إسلام أون لاين.نت/ 22-7-2001
بعض الفلسطينين يطبعون مع قتلة الاطفال
رغم اشتعال الانتفاضة، فقد ظهرت العديد من الدعوات للعودة إلى التطبيع واللقاءات مع العدو على مستوى المثقفين الفلسطينيين، وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية في عددها الأحد 22/7/2001 أن مجموعة من الأكاديميين والناشطين السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين استكملت الجمعة 20/7/2001 صياغة بيان مشترك، دعوا فيه الشعبين للعودة إلى مسار المفاوضات السلمية!
وأشارت الصحيفة إلى أن الجدل الأساسي كان حول الطلب الإسرائيلي بتضمين البيان "الطابع الفلسطيني للدولة الفلسطينية والطابع اليهودي لدولة إسرائيل"، وأوضح الفلسطينيون أن شريكهم هو الشعب الإسرائيلي ودولة إسرائيل، وليس كل الشعب اليهودي، وأنه يحق للإسرائيليين اعتبار الصهيونية هدفا، ولكن الفلسطينيين لا يستطيعون أن يوافقوا على ذلك كحقيقة مُسلّم بها، وتنازل الفلسطينيون عن طرح قضية اللاجئين بصورة مباشرة؛ لذلك وافق الطرفان على صيغة غامضة نسبيا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بمبادرة من "يوسي بيلين" الوزير السابق في حكومة باراك، و"ياسر عبد ربه" وزير الثقافة والإعلام في السلطة الفلسطينية- التقى قبل أسبوعين نحو 40 أكاديميا وكاتبا وناشطا سياسيا من الطرفين بهدف استئناف الحوار المباشر، وهو اللقاء الأول من نوعه منذ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000.
أدى هذا اللقاء إلى انزعاج شديد في الأوساط الفلسطينية، وحذر المثقفون والسياسيون من التطبيع مع العدو الصهيوني ومن خطورته.
وقال المفكر الفلسطيني "عبد الله الحوراني": إن عودة التطبيع مع العدو الصهيوني- رغم استمرار الانتفاضة- كارثة وخطر شديد يجب ألا يقع فيه الفلسطينيون.
وأضاف قائلا: "إن عمليات التسوية جزّأت الصراع العربي الإسرائيلي، فأصبح فلسطينيا إسرائيليا، أو سوريا إسرائيليا، أو لبنانيا إسرائيليا، وهكذا"، وأشار إلى أن كل دولة أصبحت مهتمة بحل مشاكلها، بغض النظر عن القضية الأساسية.
واستعرض الحوراني في ندوة حول مخاطر التطبيع الإعلامي عن مستقبل الانتفاضة، نظمتها كتلة الصحفي الفلسطيني الأحد (22-7-2001)- التجربة المصرية في مقاومة التطبيع، وأشار إلى أن أهم أسباب نجاح مقاومة التطبيع في مصر أن الاتفاقية المصرية الإسرائيلية جاءت نتيجة موقف عسكري قدم خلاله العرب إنجازا، بينما جاءت أوسلو نتاجا لانهيار عربي.
كما أكد الحوراني أن من أهم أسباب فشل التطبيع هو مقاومة المصريين أنفسهم لعملية التطبيع على مدار 22 عاما، في حين انخرط بعض مثقفينا في هذه العملية.
الفلسطينيون.. السبب
وأضاف الحوراني أن الفلسطينيين كانوا سببا رئيسيا في إشاعة مسألة التطبيع، وترويجها في البلدان العربية، وقال: "نحن لم نفتح الباب فقط، بل سوقنا لهذه المسألة، وساعدنا إسرائيل في إقامة علاقات مع دول عربية، طمعا في إعطائنا شيئا من حقنا في المقابل".
وأشار الحوراني إلى تراجع الخطاب الإعلامي العربي عامة والفلسطيني بشكل خاص، وأضاف: لقد تراجعت أهدافنا وخطابنا السياسي، فبعد أن كانت مطالبنا كلَّ فلسطين، تراجعت إلى الضفة وغزة، ثم إلى غزة وأريحا، والآن إلى ميتشل.
وأضاف قائلا: إننا بعد أن كنا ندعو إلى انسحاب إسرائيل، أصبحنا ندعو إلى إعادة الانتشار، وبدلا من إزالة المستوطنات توجهنا إلى المطالبة بوقف الاستيطان وتجميده فقط، وأكد أن الاتفاقيات مع الصهاينة ساهمت في تزييف طبيعة إسرائيل الصهيونية العنصرية، وقدمتها على أنها دولة من الممكن أن تقيم سلاما، وتحترم اتفاقيات، وقد غالينا في هذه المسائل.
وانتقد الحوراني فتح المجال أمام المسؤولين الصهاينة في الفضائيات العربية، وتساءل: هل ينقص اليهود أبواقا إعلامية؟! أليس من الممكن الاطلاع على الرأي الآخر دون أن أدخله في عقر داري؟!!
ونوه الحوراني إلى دور الانتفاضة الفلسطينية؛ حيث إنها قطعت الطريق على الكثيرين، وشجعت على إعادة التوازن في العقلية العربية، وعلى تشكيل لجان لمقاومة التطبيع والصهيونية في كثير من البلدان العربية والخليجية.
ومن جهته.. حذر "زكريا التلمس" العضو السابق في الهيئة الإدارية لنقابة الصحفيين الفلسطينيين من خطورة العودة لعملية التطبيع على الشباب الفلسطيني، واعتبر أن التطبيع ما هو إلا عملية تطويع للشبيبة والناشئين، لينشأ جيل خاضع للفكر الصهيوني.
ودعا "غازي حمد" مدير تحرير صحيفة "الرسالة" الأسبوعية الإسلامية في كلمته إلى أن يكون الإعلام الفلسطيني إعلاما مقاوِمًا، ولا تنطلي عليه حيلة الموضوعية والحياد.
وقال: إننا في حالة حرب بكل ما تعنيه الكلمة، وأضاف قائلا: إن الانتفاضة أغلقت كثيرا من الأبواب في وجه التطبيع، لكنها لا تمثل حلا جذريا لهذه القضية.
============(28/470)
(28/471)
فلنتحالف ضد إرهاب أمريكا (1/2)
سلمان بن فهد العودة 24/7/1423
01/10/2002
للإدارة الأمريكية سجل في الإرهاب لا يُنَافَس ، ولأنها الدولة الأهم ، والأولى في العالم ؛ فقد تولّد لديها نزعة إمبراطورية متعاظمة ، تمثلت في غمس يدها في الصراعات الدولية ؛ لبسط نفوذها، وحماية مصالحها على حساب: العدالة ، والخير ، والأخلاق .
ولو أننا بنينا أهراماً من جماجم قتلى العدوان الأمريكي في بلاد العالم ؛ لكان شموخها يفوق شموخ برج التجارة العالمي المنهار بضع مرات .
وإذا اعتقدت في هذا شيئاً من المبالغة ؛ فواصل قراءة هذا المقال .
وقد أظهرت الإدارة الأمريكية بسلوكها الشائن أنها تفتقر إلى الخبرة ، والحسّ التاريخي ، وستدفع ثمن ذلك على المدى البعيد !
وهذا ما يؤكده الباحثون الأمريكيون المرموقون ، من أمثال: (بول كندي) ، و (جيمس دفدسون)، و (ليسترثرو) الذي يرى: أن الولايات المتحدة قد انهارت بالفعل .
فضلاً عن الفصول والتحليلات الجادة ، التي دونها المفكر الشهير ( نعوم تشومسكي ) ، ومن آخرها "تشريح الإرهاب" في كتاب .
وقد هممت أن أدون جرائم أمريكا ، فوجدتني أحاول محالاً ! واستعيد آلاف الملفات الملئية بالأرقام ، والإحصائيات ، والحقائق الدامغة .
وإذا كانت العرب تقول: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق . فدعونا نستذكر - فقط - بعض عنوانات هذه الجرائم الإرهابية الغادرة ، كمقدمة فيما نريد أن نخلص إليه :
1 ـ 1899م التدخل الأمريكي في الفليبين ، وراح ضحيته مئات الألوف من الفليبينيين ، الذين دفعوا حياتهم ثمناً لنداء : ( الحرية والعدالة ) على حد تعبير الصحافة الأمريكية ذاتها .
2 ـ في الذكرى السابعة والخمسين للقصف الذريّ على مدينة هيروشيما ؛ ذكر راديو اليابان الدولي أنه: تم إضافة 4977 اسماً ، تم التأكد حديثاً من أن وفاتهم كانت إثر القصف !!
في ( القبر الأجوف ) يرقد فقط مائتان وست وعشرون ألف وثمانمائة وسبعون ضحية ! الرقم صحيح !
وكان القصف في 6 أغسطس 1945م ، وهذه أول قنبلة نووية شهدتها البشرية .
3 ـ 1951م في كوريا ، بدعوى صد العدوان الشيوعي الشمالي ضد كوريا الجنوبية ، ولا يزال في كوريا الجنوبية ثلاثين ألف جندي أمريكي .
4 ـ 1954م في إيران ؛ وقتل الآلاف من الجماهير ، وأعلن مسؤول في الخارجية الأمريكية أنه:كان علينا أن نتدخل لحماية مواردنا !
نعم ! لحماية مواردهم ، التي وجدت اتفاقاً في أراضي الغير !!
5 ـ 1965م في إندونيسيا ؛ انقلاب مدعوم أمريكياً ، المجازر تصل إلى قريب من مليوني قتيل ، من الفلاحين ، والفقراء ، وقد شبهت أجهزة الاستخبارات الأمريكية ما حدث هناك بالجرائم التي اقترفها هتلر وستالين ، وقامت مظاهرات الفرح في أمريكا ، ولم تخف الصحافة الوطنية سرورها بما جرى !!
6 ـ 1973م في تشيلي ؛ انقلاب أمريكي ، ومصرع الآلاف فيما عرف بـ ( استاد الموت ) .
7 ـ فيتنام ؛ التي غزاها نحو مليون جندي ، ولمدة أحد عشر عاماً ، واستخدمت فيها أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ، وامتدت إلى عام 1975م .
وبعد ثلاثين عاماً من توقف الولايات المتحدة عن رش المواد الكيماوية هناك ؛ كشف حديثاً عن معاناة مليون شخص ، من بينهم مائة وخمسون ألف طفل مشوه ، من آثار المواد الكيماوية ، التي كانت تلقيها الطائرات الأمريكية على الغابات ؛ لحرمان المقاتلين من الاحتماء بها .
8 ـ تدخلات عديدة في نيكاراجوا ، منذ 1912م ، راح ضحيتها نحو مائتي ألف من السكان ، وشهدت البلاد حالات تعذيب بشعة ، ومجازر وحشية ، وتدميراً هائلاً !
وقد أدانت المحكمة الدولية الولايات المتحدة بهذا العدوان دون جدوى .
9 ـ نظام جنوب إفريقيا العنصري ، بدعم من الغرب ؛ يقتل مليوناً ونصف مليون إنسان ، ويمارس عمليات تخريب ، كانت كلفتها ستين مليار دولار ، خلال حكم الرئيس ريجان .
10 ـ ذكرت مصادر رسمية أن: نحو مليون طفل عراقي ماتوا بسبب الحصار ، ونقص الأغذية ، والأدوية والمستلزمات الإنسانية . ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير) .
وقد بات في حكم المؤكد إطلاق قنابل مشعة باليورانيوم المنضب ، وذكرت تقارير عدة ، منها تقارير منظمة اليونيسيف: أن عدد الإصابات بسرطان الدم زاد بنسبة أكثر من ستة أضعاف ، عما كان عليه في السابق .
وحين سئلت وزيرة الخارجية الأمريكية (أولبرايت) عما يحدث قالت : إنه خيار صعب ، ولكن الثمن يستحق ذلك !
11 ـ أما في فلسطين ؛ ففي قوائم شهداء الانتفاضة الحالية ، نحو ألف وثمانمائة اسم بالتفصيل ، وحسب مصادر نقابة الأطباء ؛ فإن 25% منهم هم من الأطفال ، أما الجرحى فيزيدون عن مائة ألف .
وفي سجن (تلموند) يقبع الرجال الصغار من الأطفال الفلسطينيين ، في ظل ظروف صعبة للغاية ، ويقدر عددهم بأكثر من مائتي طفل ، إنهم يحملون هماً أكبر من أعمارهم !(28/472)
ولقد شرد العدوان الإسرائيلي أكثر من سبعمائة وخمسين ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم ، ومزارعهم ، وشن حرب إبادة على هذا الشعب الأعزل ، بحيث أصبح الموت والدمار مشهدًا يتكرر كل ساعة ، فضلاً عن الحصار ، وما يستتبعه من ظروف اقتصادية ، وإنسانية مأساوية .
والولايات المتحدة هي ( الراعي الرسمي ) لهذا الإرهاب ، و( الداعم) الأكبر ، و( المحامي ) عنه في المحافل الدولية .
وإن المرء ليشعر بالعجز ! حينما يحاول أن يدلّل على الحقائق الواضحة الجلية ، أو يدون في إحصائيات حجم القتل ، والدمار ، والتخريب في فلسطين خلال أكثر من خمسين عاماً .
12 ـ وفي أفغانستان ؛ قتل وجرح أعداد ضخمة ، غير محدودة من المدنيين الأفغان ، ودمرت منازلهم ، وممتلكاتهم أثناء القصف الجوي ، من قبل قوات التحالف ، واستخدمت الأسلحة العنقودية ، وغيرها ، و قد تكشف الأيام المقبلة عما هو أكبر من ذلك !
وقد دعت المنظمات الدولية الإنسانية إلى فتح تحقيقات في الانتهاكات القائمة ، والتي منها: وفاة مئات السجناء من الطالبان ، وغيرهم في قلعة (جانجي) ، والعثور على أعداد كبيرة من الجنود المختنقين .
13 ـ ومن قبل قامت القوات الأمريكية اعتباطاً ؛ بضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان (1998م) ، وضرب أفغانستان بالصواريخ في نفس السنة .
وقد مات مئات الألوف من أطفال السودان ؛ بسبب نقص الأدوية .
14 ـ وفي جوانتانامو في كوبا ؛ يعتقل نحو سبعمائة أسير مسلم ، في ظروف غير إنسانية ، دون محاكمة ، ولا توجيه تهمة ، وتبخل عليهم الإدارة الأمريكية حتى بلقب ( أسير حرب ) ! ولا تسمح لأهلهم بزيارتهم ، ولا بالاتصال الهاتفي ، أو التحادث عبر الإنترنت !
لقد وعد الرئيس الأرعن شعبه ؛ بأنه سيجلب الإرهابيين من ( جحورهم ) إلى العدالة ! وحين عجز ؛ اختطف أعداداً من الشباب ، من باكستان ، ومن أطراف أفغانستان ؛ ليذر الرماد في عيون شعبه !
هذا شأن تطول قراءته ، إننا نستعرض تاريخاً طويلاً ، ونُطِلُّ على غابة متشابكة الأشجار ، مليئة بالوحوش الضواري والحملان الوديعة !
ولقد تجاهلت الإدارة الأمريكية كل هذا ، ثم قدمت نفسها على أنها: نموذج الخير ، والعدالة ، والأخلاق . وقال قيصرها : إن من لم ينحز إلى صف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب ؛ فإنه ينحاز إلى الإرهابيين ، ويكون قد اختار مصيره !
وبهذا وقع في شر أعماله ، وأسس لأزمة العلاقات ، التي قد تتحول إلى صراع أيديولوجي سياسي بين الولايات المتحدة ، وبين بقية دول العالم ، كما يستشرفه المفكر الأمريكي (فوكوياما) .
فالمعركة لم تعد مع منظمة أو دولة ، بل تتجه إلى أن تكون صراعاً مريراً ، بين الولايات المتحدة والعالم الذي لم يعد يشعر بمعقولية النزعة الصدامية ، لدى القيادة الأمريكية .
وحسبما نستقرؤه في السنن الربانية ؛ فإن هذه القوة العظمى تسير في الطريق الخطأ ، ليس بالنظر إلى الحق والعدل - فهذا أمر مسلم - ولكن بالنظر إلى مصالحها المستقبلية .
إن السنة آتية لا ريب فيها ، وإن استبطأها الناس واستعجلوها : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (إبراهيم)
( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) : هذه نظرية ( نهاية التاريخ ) .
( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) : فها هو الدور الأمريكي ، الوريث للاستعمار ، والقوى الغاشمة قبله .
( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ) وهذا يتمثل الآن ، في العملية الاستخباراتية ، والعسكرية ، والسياسية التي تستخدم كل أساليب المكر ، والخبث وفنون الخداع .
ومن أعظم هذه الأساليب : ( صناعة الأحلاف ) على غرار ما حدث في حرب الخليج ، وفي الحرب الأفغانية .
وكأننا بدأنا نشهد بداية انفراط هذا العقد ، في الحرب الجديدة المزمعة على العراق .
كما نشهد تصاعد المعارضة الداخلية في أمريكا وبريطانيا ، للغة العنف ، والقتل ، والتهديد .
فدعونا ! نستثمر هذا المناخ على المستوى الرسمي ، والشعبي ؛ لحماية العراق ، والعرب ، والمسلمين ، ولرد الكرة إلى الملعب الأمريكي .
كيف ؟(28/473)
يبدو أن الإدارة الأمريكية حينما توزع التهديدات يمنة ويسرة تصنع نوعاً من الابتزاز والتخويف.
فهي حيناً تتحدث عن تغيير نظام الحكم، وهذه سابقة خطيرة أن تكون المسألة بهذا الوضوح.
وحيناً عن إزالة أسلحة الدمار الشامل، دون أن تفلح في تحديد سبب هذا التصعيد المفاجئ لقضية العراق، إذ لا جديد في الموضوع.
وحيناً يتم تسريب إعلامي يقول بأن الهدف هو ضرب دول ترهب شعوبها والتأسيس لنشر الديمقراطية في المنطقة !
وهكذا تمتزج المكيافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) بالديمقراطية القائمة على الخيار الشعبي.
ومسكينة أنت أيتها الديمقراطية كم من الجرائم قد اقترفت باسمك !!
وهذا يعيد إلى الأذهان التقرير الخطير المنشور باسم ( تهديد الإسلام الاستراتيجي ) والذي كتبه المستشار اليهودي ( إهيز كل درور )، رسم فيه العناصر الاستراتيجية لمواجهة الإسلام المتمرد كما أسماه، وختم بقوله :( ومع الأسف فإنه من الضروري للغرب أن يقوم بتسوية قيمه الغربية حتى يتمكن من القيام بأعمال [ غير أخلاقية ] في سبيل درء المفاسد الكبرى ) وقد قام موقع الإسلام اليوم (www.islamtoday.net ) بترجمة ملخص لهذا التقرير .
وسيان قامت الحرب أم قعدت فإن من الواضح أن الإدارة الأمريكية جادة في خلط الأوراق في المنطقة الإسلامية، وإعادة ترتيبها على ضوء مستجداتها الأمنية ومصالحها الاقتصادية، واستراتيجياتها المتطورة، ولو استدعى الموقف قلب الخارطة وإعادة تشكيل الحدود .
وعلينا أن نستعد لسنوات من القهر والتسلط يطال المسلمين في فلسطين والعراق، ويمتد إلى دول عدة تصنف على أنها تؤوي الإرهاب أو تفرخ الإرهابيين.
وأقل ما يتوقع من ذلك هو ممارسة الضغوط الجدية عن كثب لتحقيق الشروط الأمريكية ، وهذا تحد تاريخي ليس من السهل استيعابه وتربية الناس على إدراك مقتضياته ووسائل مواجهته .
ومشاركة في البحث عن المخرج الصحيح أقدم هذه العناوين المختزلة لرؤى شمولية قد يبدو أن طلعات الخيال تكتنفها، لكن لا بأس، فأحلام اليوم حقائق الغد، وإن غداً لناظره قريب.
(1) لسنا نعلق كبير أمل على تناقضات الأحلاف بشأن العراق فالتجارب شاهدة بأن القوي في النهاية يفرض إرادته ويسكت الجميع لرغبة أو رهبة .
لكن الحرب إذا قامت ستدخل المنطقة في دوامة من الفوضى والاضطراب تستنزف المزيد من الجهد والطاقة وليس يبعد أن يكون هذا جزءاً من استراتيجية قادمة تمهد لتغييرات جوهرية .
ولهذا يتحتم علينا أن نستميت في تفادي الحرب حفاظاً على شعب العراق وعلى المنطقة كلها .
يجب أن يتبلور موقف رسمي وشعبي واضح ورافض للحرب وأن يتواصل هذا الموقف مع القوى الدولية الرافضة أو المترددة دعماً ومساندة وتهيئة لمناخ مستقبلي من التعاون ومع القوى الرافضة في الداخل الأمريكي لممارسة ضغوط شعبية وإعلامية على الإدارة الأمريكية .
وعلى الصعيد العراقي ـ مهما كانت قناعتنا بالوضع الرسمي ـ يتحتم أن يقوم القلقون على مستقبل الأمة والمنطقة بدور جاد مع النظام العراقي ، والتفاهم على صيغة تؤدي إلى تجنب الحرب وقطع الطريق على المتآمرين ، وأن تقوم كل الأطراف بمسؤلياتها بمنتهى الحكمة والحزم .
( 2) أساس كل تغيير أو إصلاح يبدأ من داخلنا " حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً " .
وهذا منهج قرآني محكم " قل هو من عند أنفسكم " .
فعلينا أن نعود إلى الله عودة صادقة شاملة، على مستوى الأفراد والأسر والجماعات والدول، وأن نحكم شريعته في ذواتنا وعلاقاتنا وكثيرنا وقليلنا.
وهذه القاعدة العظيمة في الفرار إلى الله يتفرع عنها مفردات لا تكاد تنتهي.
أ- تبادل التصحيح الهادف الصادق القائم على النصيحة وليس الفضيحة، وعلى الإشفاق لا على الإحراج، وعلى الإدراك الميداني الممكن، لا على الرؤية المعزولة عن سياق الحدث، أو النظرة الذاتية الخاصة.
إنه لا شيء يستجمع التعرف على نقائصنا والقدرة على تجاوزها مثل التصحيح القائم على الرحمة والمحبة " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .."
ب- إيثار المصلحة الأممية العليا على المصالح الخاصة والذاتية لفرد أو طائفة أو فئة .
ج- إن العدل يجب أن يكون أساس العلاقة بين الناس في المجتمع المسلم، ولنتأمل كيف بدأ ربنا تبارك وتعالى بذاته المقدسة في تحريم الظلم فقال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا ) رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه .
فالخروج من المظالم ورد الحقوق لأهلها هو ضمانة لوحدة الصف وأمان من العدو المتربص .
ومن أخص صور الظلم ما يقع على الضعفاء والفقراء والعاجزين من النساء والصبيان والعمال ونحوهم أمام القوي الذي لا يراقب فيهم إلاً ولا ذمة .
د ـ إن العالم العربي يشهد معدلاً لنمو الدخل الفردي هو الأقل في العالم ـ حسب تقرير التنمية الإنسانية لعام 2002م ـ حيث لم يتجاوز النمو نصفاً بالمائة سنوياً خلال عقدين .(28/474)
وإذا استمر هذا التدني فسيحتاج المواطن إلى ( 140) سنة حتى يضاعف دخله ، بينما يستطيع الفرد في مناطق أخرى من العالم مضاعفة دخله مرةً كل عشر سنوات .
وفي مقابل هذا فإن عناصر الإنتاج تنخفض بمعدل 2،0% في حين تتصاعد وتيرتها في مناطق أخرى .
إن هذا يحتاج إلى معالجة جادة تساهم في تلبية تطلعات الناس لحياة هانئة ، وفي تطلعات المعنيين بأمر الأمة إلى رفع إنتاجية الفرد وعطائه .
والشراكة الحقيقية هي التي تحقق انتماء الفرد لأمته ، وتحول دون استغلاله أو المزايدة عليه من قوى خارجية .
هـ- الركض والهرولة نحو التطبيع الإسلامي - الإسلامي، وجعل السلام أساس العلاقة بين المؤمنين، فالمؤكد أن العدو يراهن على الصراعات البينية، وسيجتهد في خلق نزاعات داخلية تزيد الأمة إنهاكاً وفشلاً وذهاباً للريح.
إن ثمت مسوغات للاختلاف لكن علينا أن نجعلها أقل ضرراً ، وأن نتخير الميدان الذي نفرغ فيه طاقتنا المحدودة وألا نجعلها هشيماً تذروه الرياح .
نحن في أمس الحاجة إلى بناء علاقات متوازنة حتى مع أولئك الذين نختلف معهم .
و- تفعيل القضايا الإسلامية واستثمارها بصورة إيجابية، كقضية فلسطين والسودان وغيرها.
إن ثمت إلحاحاً ضرورياً على دعم المسلمين في هذه المواقع سياسياً ومادياً، لأنها مواطن ضعف يخطط اليهود ومن وراءهم لتوظيفها واستغلالها في تحقيق مصالحهم.
لا أحد يجهل علاقة القضية الفلسطينية بجيرانها، أو القضية السودانية بليبيا ومصر وأفريقيا ، وهكذا .
(3) أما على الصعيد الخارجي فيمكن السعي الجاد لتحريك ضحايا الظلم الأمريكي وتنظيم مطالباتهم ، وتزويدهم بما يمكنهم من إيصال صوتهم إلى العالم ومؤسساته، وفتح جميع الملفات المعلقة التي تكشف عن معاناة الشعوب ومصادرة حقوقها.
لقد رصدنا ملايين القتلى، وملايين المشوهين من ذوي العاهات وغيرهم في غير ما موطن، وهم يتجرعون آلامهم، ويلعقون جراحهم، بينما يتفنن الأمريكي ( المتحضر ) في حساباته وتكاليف معاناته، فلماذا لا تتم مشاغلته بمثل ذلك،ومطالبته بالمثول والتعويض.
( 4) وبدلاً من أن نخاطب أنفسنا بالشجب والاستنكار وهجو الخصوم، بمقدورنا مخاطبة العالم بلغته الحية ووسائل إعلامه المتجددة، كتابة وشفاهاً دفاعاً عن قضيتنا وإيماناً بعدالتها، وكشفاً للظلم الذي حاق بأمتنا، ونشراً لعار المعتدين.
إن المال، وهو طوع أيدينا، يمكن أن ينطق الساكتين بالحجة، ويحوز إلى جوار حقنا عقولاً وأقلاماً وألسنة تقول مالا نقدر نحن على أن نقوله، وتقارع عنا بغير جمجمة ولا تردد !
( 5) ثم إن فرحنا بسقوط الجدار الحديدي البلشفي لم يكد يكتمل حتى بدأنا نتجرع مرارة التفرد الأمريكي، وغرور السلطة وانتفاشها.
والشر إن تلقه بالخير ضقت به … …
ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم
فلماذا لا ندفع الشر بالشر ؟! ونقيم حبالنا مع قوى عالمية أخرى قائمة أو واعدة في آسيا وأوربا وغيرهما فلدينا من الموارد والخيرات والخزائن من النفط والغاز وسواهما ما يتحلب له لعابهم مصداقاً لقول صلى الله عليه وسلم : (فبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي ) قال أبو هريرة : وقد ذهب رسول ا صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ولديهم من التقنية والتقدم المادي ما نبحث عنه، والحياة تقوم على التبادل والتباذل والمقايضة.
إن الموقف بحاجة إلى إرادة جادة تستهدف توظيف الآخرين في تعزيز مواقعنا الذاتية، ومشاغلة الخصوم، وترشيد المستقبل بإذن الله.
وهذا يمكن أن يتم وفق رؤية شمولية بحيث تقوم الفعاليات المتنوعة بتحمل مسؤولياتها وأداء دورها، ولن يكون هذا حتى نودع لغة التلاوم ، ونكف عن توزيع المسؤوليات على الآخرين واستثناء ذواتنا.
ومن غير شك فإن التشاؤم والإحباط واليأس لن يصنع لنا أكثر من ديمومة العناء والتخلف والمغامرة، وافتعال المعارك الذاتية التي نفرغ بها طاقتنا المكبوتة .
فالتفاؤل هو الحادي الذي على نبراته يسير الركب مؤمناً بالله وبوعده الصادق، واثقاً بمستقبل هذه الأمة، مدركاً لإمكانياتها وقدراتها .
إن المسلمين يمتلكون ـ بفضل الله ـ إمكانية لفهم كل أساليب التعامل المناسبة ، ومواجهة الخيارات التي يرسمها طرف ما ، ومن المؤكد أنهم الأكثر استعداداً لاحترام الأخلاق والعدالة الحقيقية ، وفي الوقت ذاته هم الأكثر استعداداً للتضحية إذا اقتضى الأمر :
لي وإن كنت كقطر الطل صافي … …
قصفة الرعد وإعصار السوافي
أتحاشى الشر جهدي فإذا ما … …
لج في عسفي تحداه اعتسافي
خلق ورثنيه أحمد … …
فجرى ملء دمائي وشغافي
لم يغيره على طول المدى … …
بطش جبار ولا كيد ضعاف
والله الهادي ، وهو وحده المستعان .
================(28/475)
(28/476)
هيكل صهيون … بداية أم نهاية ؟!
هيكل صهيون … بداية أم نهاية ؟! 22/8/1423
07/11/2001
يشكل تعليق السيد عمرو موسى على إرساء الصهاينة لأسس هيكلهم المزعوم علي مشارف المسجد الأقصى بأمر من المحكمة الإسرائيلية العليا رسالة موجزة ولكن بليغة للقيادة العربية عامة والفلسطينية خاصة: حيث قال وهو رجل قد خبر الإسرائيليين عن قرب وتمرس بأساليبهم وجها لوجه: إن إرساء حجر الأساس للهيكل الصهيوني هو مجرد بداية وإن على العرب أن ينتظروا الأسوأ.
وليس صعباً في الحقيقة أن يترجم من شاء من العرب هذه الرسالة بموضوعية وصدق، وأن يستوعبوا مراميها الأساسية في دقة ووضوح .
أولاً : إن وضع أساس هيكل صهيون واستمرار أعمال فرق القتل الإسرائيلية بشكل يومي كسياسة رسمية لحكومة شارون، واستمرار هدم البيوت واحتلال الأراضي المتبقية في أيدي الفلسطينيين، وفتاوى أكبر حاخامات إسرائيل باعتبار الفلسطينيين والعرب جراثيم تجب إبادتها، تؤكد أن الخيار الصهيوني لم يتغير ولم يتبدل وتكذب دعاوى وجود تيارات للسلام والاعتدال في الدولة الصهيونية .
ثانياً: إن خيار تيار السلام والتطبيع في العالم العربي قد أثبت قصر نظره، وفشل تجربته، واحتقار الصهاينة لكل تنازلاته وضعفه، بل لقد ثبت أن هذا الخيار لم يكن إلا سبيلا للقعود والتخلف عن الجهاد، ومبرراً للهروب من تكاليف المقاومة وستاراً للرضا بالهزيمة والهوان، وثمناً للاحتفاظ بعرض من الدنيا قليل.
ثالثاً: إن وسطاء وسماسرة السلام من كل جنس وفي مقدمتهم الأمريكيون ليسوا إلا خدماً للصهاينة يأتمرون بأمرهم ويمكنون لمخططاتهم حتى إنهم لا يجرؤون على أن يستنكروا في فلسطين المحتلة ما هم مجمعون على استنكاره في قلب أوطانهم ، وما تؤكد تحريمه وتوجب مقاومته كل قوانينهم وشرائعهم.
على أنه سيكون أمرا مأساوياً لو أدار دعاة التطبيع وسماسرة السلام العرب ظهورهم لكل ما يدور اليوم في فلسطين المحتلة ، ولم يراجعوا حساباتهم بصدق ، ذلك أن الطبيعة الصهيونية النكدة، والجشع اليهودي الأعمى، سيجعل دعاة السلام العرب يؤمنون من خلال تصاعد الجرائم الصهيونية بما لم يؤمنوا به ـ مع الأسف ـ من خلال كتاب ربهم وسنة نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وعبر تاريخهم ، وسيدفعهم الشر الصهيوني دفعا ويسوقهم رغم أنوفهم إما إلى ساحات الجهاد والفداء والصمود أو أن يتنحوا جانباً عن الطريق.
يبقى أن نذكر في نهاية المطاف بأن إرساء حجر الأساس لهيكل صهيون ليس هو ذروة الشر الصهيوني ولا نهايته بل هو طلائع البداية، وأن ما ينتظر الأمة من أخطار مروعة تهدد صميم وجودها أكبر بكثير مما يجري هذه الأيام على الأرض المباركة فلسطين .
-============(28/477)
(28/478)
الخرساء..
سمر عبدالله 5/4/1426
13/05/2005
عندما تتحرك أصابع الاتهام نحو أحدنا، تراه يلجأ إلى نواياه مُتدرِّعاً بِها، مشيراً إليها، ناسياً أن هذه النوايا خرساء و إن تكلّمت... و أنها لاتشغل حيّزاً من الفراغ سوى ذلك الذي في جوفه!
هذا هو حال نوايانا، فهي تبعث بشفراتٍ لاتصل إلى سوانا ولايسمعها أو يفكّ أسرارها أحد غيرنا، و مع هذا فإننا نستغلها في الشفاعة لأنفُسنا ونطلب من الناس أن تتفهمها و تتعامل معها و كأنها مسموعة أو مرئية، فهل يحق لنا يا تُرى أن نُطالِب بذلك؟ و هل يجوز لأحدِنا أن يُشير إلى نيته يستشفعها أو يطلب من الآخرين تفهمها و التعامل معها و كأنها مسموعة أو مرئية؟ هل تكفي النوايا شفيعاً؟ و هل تُجزيء عن الأفعال؟!
قبل أن تحاول أن تجِيب على الأسئلة، دعني أذكرك - أيها القاريء - بحقيقة أن للفعل لغةً قد تختلِف عن تلك التي تتحدث بها النوايا، و أن هذا الإختلاف قد يجعلهما في تباين شديد في كثير من الأحيان، و سأذكر لكم هِنا مِثالاً جمع بين أطيب النوايا و أعنف الأفعال، فلنقرأه بتمعن و نتفكّر فيه و نحاول إعتبار الدروس من خِلاله.
تأمل أفعال العبد الصالح الوارِدة في الآيات التالية (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا* فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا* قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) [سورة الكهف، الآيات 71 - 78]
ثمّ أنظر إلى نواياه التي فسّرها هُنا "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا" [سورة الكهف، الآيات 79 - 82]
و تأمل حالِ موسى عليهِ السلام حين صمّ عن إستيعاب النوايا فلم يستطِع صبراً على الأفعال التي رأى أنها نُكراً إمراً... و تفكّر في مدى التباين بين الأفعال و النوايا و إلى أي حد قد تبدو الأفعال الظاهِره عنيفة و إن حسنت خافي النوايا! ثم قُل لي: هل قبلتَ شفاعة نوايا العبد الصالح لأفعاله؟!
إن أول درسٌ نستفيده من المِثال أعلاه هو أن لانصدر حُكماً مُطلقاً قبل الإستفسار أو الإستماع إلى الطرف الآخر و أن نصبر ولا نتسرّع في الحكم على ظاهِر الأمور، قبل أن نسمع لجميع أطراف القضية!
الأمر الآخر الذي يجعلنا المِثال نُدركه هو أنه يجب على "الفاعل" عدم الإعتماد على حسن ظن الناس بِه فقط أو مطالبتهم بالثِقة في دوافعه وهم لايعلمون عنها شيئاً، بل عليه منح نواياه مساحة صوتية يترجم من خِلالها تِلك الدوافع حتى تتفهمها الناس قبل إصدار الحكم عليه.
و أهمّ درس نستفيده من المِثال أعلاه هو أن النوايا تتطلب أفعالاً، قد تكون عنيفة أحياناً، من أجل تحقيق النتائج و الوصول إلى المُراد، فالعبرة تكون دائماً بالنتائج ناجحةً كانت أو فاشِلة، لا بالنوايا ولا بالأفعال والأقوال فقط، سواء حسُنت أو ساءت، و المثل يقول "لايكفي أن تصوّب، بل يجب أن تصيب الهدف"...
كما تجدر الإشارة إلى أن بعض النتائج قد تكون لحظية فلا يصح الإعتبار بِها و الحكم عليها (كخرق السفينة و قتل النفس الزكية) بل يجب إعتبار النتائج طويلة الأمد متى ما أفصح المرء عنها (كإنقاذ السفينة من أطماع الملك الظالم و عدم تعريض الأبوين المؤمنين لعقوق النفس الكافرة الطاغية).
لكِن ماذا لو خانَ لِسان المرء تِلك النوايا الخرساء و لم يكن أميناً في التعبير عنها؟! هل نعتبِر أقواله أم أفعاله؟ أم نحكم غيبياً على نواياه؟!(28/479)
قبل أن تجيب على هذا السؤال، إليك هذا المِثال الآخر الذي يحكي عن رقة دموع إخوة يوسف هنا (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [سورة يوسف، الآيات 16-17] و عنف نيتهم التي قد بيّتوها قبلاً هنا (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِين) [سورة يوسف، الآيات 9-10]
و الآن قل لي: أي الأصوات بلغ مسمعك؟
صوت الأقوال أم النوايا التي لو لم يُطلِعنا الله عليها ماعلِمناها؟! و أي الأصوات تثق في التعامل معه أكثر؟!
الدين و المنطق يقول أن الحكم على الأشخاص يجب أن يتم من خلال مايلفظونه - من قول أو فعل - على أرض الواقع المرئي المحسوس، و الحكم على الأفعال يجب أن يتم من خِلال النتائج التي حقّقتها، أما الحكم على النوايا فأمره متروك إلى أعلم العالِمين بِها ليحكم فيها و يتجاوز عن صاحِبها أو يثيبه أو يعاقبله إن إراد! قد يبدو كلامي هذا قاسياً بعض الشيء، لكن الأقسى مِنه هو مقدار الضرر الذي قد توقعه أنبل النويا حين لا تُحسِن العمل، و ليس من العدل أن لا نُحمِّل من يخطيء و يخفق مسئولية إخفاقه و فشله، تماما كما يحدث في المدرسة، حيث يقدم الجميع على الإمتحان بنية حسنة - النجاح - و مع هذا يرسب البعض و يُحمّل مسئولية تقصيره.
بقِي أن نُشير إلى طرف مُهم في المعادلة ألا وهو أن الله دعانا إلى إجتناب كثير من الظن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِِّ...) [سورة الحجرات، الآية 12] كما حذّرنا رسوله منه - حيث ثبت في الصحيحين - فعن أبي هريره رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ فَإِنَّ الظَّنّ أَكْذَب الْحَدِيث...) بل و حتى في الظن الحسن طالبنا النبي صلى الله عليه و سلم بتوخي الحذر حيث قال (إِذَا كَانَ أَحَدكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ فَلْيَقُلْ أَحْسِب كَذَا وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا)، و من هذا المنطلق أعود فأؤكد أهمية إعتبار الأمارات و الدلالت و الأسباب الظاهِرة قبل إصدار الحكم على أمرٍ ما، و عدم الإتكال على النوايا فقط، فالعالم مليء بخليط من ذوي النوايا الحسنة و بِمن يدّعونها، و لنا عِبره في القضايا المُعاصِرة و مايحدث من غزو لِبلاد المسلمين أو التطبيع مع أعدائهم بِحجة التحرير و الإغاثة و حسن النوايا التي يبدو أنا حسنت كثيراً حتى سمت و إرتفعت ففارقت هذه الكرة الأرضية وأصبحت ضرباً من الخيال و الأساطير!
إن طريق الفشل محفوف بكثيرٍ من النوايا الحسنة، أما طريق النجاح فمُعبّد بالأعمال الحسنة التي تمّ التخطيط لها و الإجتهاد فيها حتى خرجت من سجنها فتجسدت على أرض الواقِع، و المرء مسئول عمّا أقدمت عليه يديه لا عمّا حدّث بِه نفسه و جال في قلبه من خواطِر، فإن لجأ المرء إلى الكذب بحجة الإصلاح أو جُرّ إلى فخ النميمة بحجة التحذير والنصيحة أو أقدم على كثير من الضرر بحجة المنفعة، فسيتعامل معهُ المجتمع بِما يستحق و ينعته بِما ظهر له منه من صِفات، و سوى ذلك متروك إلى ربه! و يحق له حينها شرح نواياه لكن لايحق له أن يتعلل ويتشبث بها كدليل مادي يطالب الناس بإعتباره و معذرته على أساسه!
والسلام
============(28/480)
(28/481)
لجان التطبيع: الخليج ليس بعيدا عن مخططات إسرائيل
دبي- أحمد حسين- إسلام أون لاين.نت/12-5-2001
شهدت بعض دول الخليج خلال الأيام القليلة الماضية تحركا شعبيا على مستوى المثقفين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال والجمعيات النقابية لتأسيس لجان لمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
حدث ذلك في الإمارات حيث تأسست اللجنة الإماراتية الوطنية لمقاومة التطبيع، وتبعها في البحرين إعلان عدد من المثقفين البحرينيين عن حصولهم على موافقة حكومية لتأسيس الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع، وكان قد تأسس في الكويت لجنة مماثلة.
ويتوقع مثقفون خليجيون أن تمضي بقية الدول الخليجية على نفس المنوال في اتجاه تفعيل دور المجتمع المدني لمقاومة التطبيع، خصوصا أن اختراق الأسواق الخليجية بالبضائع والسلع الإسرائيلية يجري على قدم وساق؛ فقد جرى منذ اندلاع انتفاضة الأقصى ضبط كميات عديدة من السلع الإسرائيلية في أسواق الإمارات حيث تسربت هذه السلع من دول أخرى وحملت عبارات "صنع في إسرائيل" أو شعار الكيان الصهيوني.
وتثار ردود فعل مضادة تجاه تأسيس مثل هذه اللجان الخليجية من جانب عدد من رجال الأعمال والتجار على وجه التحديد؛ لمصالح يبدو أنها مرتبطة بالتجارة مع وكلاء أجانب لمصنّعين إسرائيليين.
ويسوق المعارضون الذين ما زال صوتهم خافتا حتى الآن دعاوى منها أن دول الخليج بعيدة عن الصراع مع العدو الإسرائيلي، وأن إعلاء صوت المعارضة وتفعيل مقاومة التطبيع من شأنه أن يضر علاقات دول الخليج الوثيقة مع أمريكا الحليف الإستراتيجي لإسرائيل، بالإضافة إلى قولهم إن الدول المعنية بالصراع مع إسرائيل مثل مصر والأردن طبّعت بالفعل علاقاتها مما يعطي مبررا لدول الخليج لأن تسير في اتجاه مصالحها دون النظر إلى المسائل السياسية.
ويدرك المسئولون عن لجان مقاومة التطبيع الخليجية خطورة مثل هذه الدعاوى المضادة لنشاط لجانهم، وهو ما يعبر عنه رئيس الهيئة الإدارية للجنة الإماراتية لمقاومة التطبيع "أحمد سيف بالحصا" حيث يقول: إن اللجنة ستحاول توعية المجتمع بأساليب العدو وطرقه لاختراق المجتمعات الخليجية والعربية، وسوف تلعب دورا تكامليا مع المؤسسات الرسمية الحكومية من خلال برامج العمل التي تضعها، مشيرا إلى أنه في فترة تراجع مكاتب المقاطعة العربية للسلع الإسرائيلية تسربت إلى الإمارات بضائع إسرائيلية؛ مما يضع على اللجنة الإماراتية عبئا كبيرا باتجاه وضع خطط موضوعية لمواجهة اختراق السلع الإسرائيلية للأسواق الإماراتية وكذلك الوقوف في وجه دعوات التطبيع مع العدو فكريا وسياسيا واقتصاديا.
ويضيف أن العدو الإسرائيلي بدأ يخترق بعض المجتمعات العربية ومنها الخليجية التي ترتبط معها الإمارات بعلاقات يومية؛ مما سينعكس سلبا على الإمارات وإن كانت القيادة السياسية حريصة على التصدي لكل محاولات الاختراق السياسي كتلك التي تعرضت لها بعض دول الخليج، وهو ما يجعلنا في لجنة مقاومة التطبيع نساند قيادتنا السياسية في مواقفها وإن كنا نخشى من الاختراقات الأخرى خاصة في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية؛ حيث من السهولة حدوث ذلك؛ مما يلقي على اللجنة عبئا ويضاعف من دورها في إيقاف أي اختراق للعدو في أي مجال من المجالات.
ويدرك المثقفون الخليجيون جيدا أن الأسواق الخليجية تعج بالسلع الإسرائيلية التي تدخل عبر بلدان أجنبية تتعامل معها دول الخليج، كما أن منطقة الخليج ليست بعيدة عن المخططات الصهيونية.. وهو ما يؤكده أحد كبار المثقفين الإماراتيين د."حسن مدني" حيث يقول: مخطئ من يقول أو يعتقد أن الخليج الواقع جغرافيا بعيدا عن ساحة الصراع المباشر بمعزل عن مخاطر التطبيع.. إنه على الأرجح أحد أهم الأقاليم العربية المستهدفة بالتطبيع، بل إن الأعين الإسرائيلية تتجه عند النظرة لبلدان الخليج للجانب الآخر في التطبيع ونعني به التطبيع الاقتصادي عبر اختراق الأسواق الخليجية بالسلع والبضائع الإسرائيلية مباشرة أو بشكل غير مباشر، أو عبر إقامة صلات ومصالح اقتصادية كأمر واقع بحيث يصبح من المتعذر التراجع عنها مستقبلا.
ويضيف قائلا: إن الإستراتيجية الإسرائيلية حيال مستقبل الشرق الأوسط تقوم في إحدى دعائمها على فكرة الاتحاد أو التحالف أو حتى الاندماج بين ما يدعونه العبقرية اليهودية والمال العربي، وبديهي أنه يجري النظر إلى الخليج بوصفه مالا في المقام الأول.. وكثيرا ما تحدث محللون وخبراء إسرائيليون عن النفط العربي بوصفه إحدى ضروريات إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي يبشرون به.
وتواجه لجان مقاومة التطبيع الخليجية صعوبات جمة في سد منافذ اختراق السلع الإسرائيلية للأسواق الخليجية؛ ذلك أن دول الخليج تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الخارج؛ الأمر الذي يجعل من السهل اختراق أسواقها بالسلع الإسرائيلية من دول عديدة، خصوصا من أوربا وأمريكا.(28/482)
بل طفت على السطح في الآونة الأخيرة ظهور برامج كمبيوترية مصنعة من قبل شركات عالمية مشهورة في مصانعها المقامة في إسرائيل، وتقوم هذه الشركات بشحن منتجاتها مباشرة وعبر دول مجاورة إلى الأسواق الخليجية وهو ما حدث بالفعل في الإمارات عندما طرحت إحدى شركات الكمبيوتر الأمريكية المتخصصة في "السوفت وير" أحدث برامجها لعام 2001 وفوجئ الناس بأن المنتج مصنع في أحد مصانع الشركة بإحدى المستوطنات الإسرائيلية، وكان تعليق المسئولين بالشركة الأمريكية أنه ليس لهم علاقة بالسياسة، وأن لهم استثمارات في إسرائيل مثلما تتواجد استثماراتهم في العالم العربي.
=============(28/483)
(28/484)
سلاح المقاومة .. مطلوب بأي ثمن !!
طارق ديلواني / عمان 7/9/1426
10/10/2005
بعد سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس.. سلاح المقاومة مطلوب في كل مكان.. هذا ما يمكن استنتاجه من العزف على وتر سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان وسلاح حزب الله هذه الأيام.
في الساحة الفلسطينية الدوافع والأسباب والمسوغات للحملة المسعورة من أجل نزع سلاح حماس، وكافة تيارات المقاومة الفلسطينية الأخرى معروفة وواضحة. أما عندما يتعلق الأمر بالخارج فإن القضية أصبحت أكبر من مجرد استحقاقات مرحلة وتبعات اتفاقيات إقليمية.
الحراك الذي يحدث في لبنان متسارعاً هذه الأيام هو أحد نتاجات مرحلة ما بعد اغتيال الحريري، وانكشاف الساحة اللبنانية تماماً بعد خروج السوريين منها واستفراد قوى اليمين المسيحي اللبناني باللعبة.
المطالبون بنزع سلاح الفلسطينيين وحزب الله هم من تيارات لبنانية مسيحية إقصائية تنطق بنفس طائفي يقوم على حسابات الأكثرية السنية أو المسيحية داخل هذا البلد العربي؛ فلقد واجهت هذه التيارات مؤخراً حقيقة تفوق المسلمين في لبنان عدداً وعدة كما يقولون، في وقت يتناقص فيه الوجود المسيحي بما يخل بالتركيبة السكانية والطائفية بحسب رأيهم.
وما المناداة بنزع سلاح المخيمات وحزب الله إلا واحدة من تجليات هذا النفس الطائفي الذي يرفض أي تفوّق مهما كان للفرد المسلم في لبنان.
السفارة الأمريكية في بيروت تقول كلمتها هي الأخرى وتنشط في هذه الساحة تماماً.
فما يُحاك للمخيمات مدخل لضرب حزب الله، ومعالجة ملف المقاومة اللبنانية عموماً.
اما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فكان له دور كبير في نبش ملف المخيمات الفلسطينية، ووضع الفلسطينيين عموماً في زيارته الأخيرة؛ فتحدث عن مسألة التجنيس والتوطين، وعرّج على موضوع سلاح المخيمات ..والحقيقة أن هذا التوجه العام يعكس رغبات دفينة أخرى غير التضييق على حزب الله، وضمان عدم الإخلال بميزان القوى الطائفية .. فالمقصود بنزع سلاح المخيمات ضرب بعض الخلايا والتيارات الإسلامية التي باتت تجد لها متنفساً بين لاجئي لبنان ، وهو أمر يشكل تحدياً حقيقياً لتيار فتح الذي طالما ظل مسيطراً على أغلب المخيمات الفلسطينية، وللحكومة اللبنانية كذلك .
ويمكن القول إن مخيم عين الحلوة يُعدّ الأكثر استهدافاً أمريكياً وإسرائيلياً، وحتى لبنانياً من قبل بعض التيارات كما أسلفنا؛ فهو يشكل نموذجاً للوضع الفلسطيني في لبنان خاصة فيما يتعلق بملف حق العودة المطلوب طيّه.
واليوم يدور حديث عن صفقة ما تكون على حساب الفلسطينيين القابعين في هذه المخيمات، أما أطراف الصفقة فهم عدة تلاقت أهدافهم ونواياهم مع السيناريو المطلوب أمريكياً في المنطقة عموماً وفي لبنان تحديداً.
في المقابل ثمة ضغوط كبيرة تُمارس على الدولة اللبنانية للخضوع للقرار رقم 1559، الذي يحث الدولة على نزع سلاح جميع الميليشيات، والمقصود طبعاً سلاح حزب الله المتصلب في تمسكه بسلاحه.
ويمكننا أن ندرك حجم الضغط الذي يُمارس على حزب الله منذ سنوات، وإدراكه للسيناريو المتوقع مستقبلاً فيما يخص سلاحه المقاوم، وبالتالي موقفه الذي ينادي بتجاوز مفهوم "التحرير"إلى" الدفاع" الإستراتيجي المتواصل.
لكن وصفة التحرر والديموقراطية والتغيير التي يقدمها بوش للمنطقة تضع في سلم أولوياتها نزع سلاح المقاومة، ووصفها بالإرهاب، ومحاربتها بشتى الوسائل الأمر الذي يعني إفرازات خطيرة في المنطقة ككل من خلال وضع السلاح المقاوم في وجه سلاح الأنظمة والحكومات، وما حصل في غزة قبل أيام هو مجرد مثال على ما يُراد له أن يحصل من اقتتال واشتباك واحتراب داخلي لتصفية الفعل المقاوم بيد بني جلدتنا.
والمثير أن نموذجي حماس وحزب الله ضربا مثالاً يُحتذى في تجاوز الإساءات ومحاولات مس السلاح المقاوم من خلال الانحناء لبعض العواصف، واتخاذ المواقف اللينة والمراجعات السياسية والفكرية الجذرية.
فحزب الله أراد حماية سلاحه ومنحه الشرعية فدخل معترك السياسة كغطاء شرعي وفير، وكذا الحال لدى حماس التي قدّمت جملة مراجعات لخطها السياسي، وانخرطت في العملية السياسية الفلسطينية، وبادرت ومدت يدها دون جدوى، فما يُراد من هذين النموذجين هو الانبطاح وليس الانحناء، وما يُراد هو سلاحهما وليس موقفهما السياسي المعتدل، والمطلوب هو التصفية الكاملة لأي فكر مقاوم في هذه المرحلة حتى تسهل مهمة تمرير حملة التطبيع الرسمية في البلاد العربية.
لو أن مناهضي الفكر المقاوم يعون ما هم مقدمون عليه لعلموا أن أي محاولة للمس بسلاح المقاومة هو استهداف للشارع العربي بأكمله، و إفراز لتيارات إسلامية أكثر راديكالية، مما يستدعي النظر بعين الاعتدال لحماس وحزب الله.
ثقافة المقاومة التي تنتعش في الشارع العربي هذه الأيام ومنذ سنوات من الصعب إحلال أي ثقافة تدعو للهزيمة مكانها، خاصة وأن النموذجين المستهدفين هما صاحبا تجربتي تحرير عظيمتين في كل من الجنوب اللبناني وقطاع غزة، فضلاً عن النموذج الحي الذي نعيشه يومياً في العراق.
=============(28/485)
(28/486)
الحرب الأمريكية على مناهج التعليم
حنان يوسف 26/4/1424
26/06/2003
- الإدارة الأمريكية ترصد 65 مليون دولار لتغيير المناهج الإسلامية.
- تغيير مناهج التعليم في العراق أول شيء فعلته أمريكا بعد الاحتلال.
- مستشارة السفارة الأمريكية: العرب يحتلون مؤخرة الترتيب في مجال التعليم.
- مناهج التعليم في أمريكا عنصرية. وتشوه صور العرب والمسلمين.
تدرك واشنطن جيداً أن السيطرة على الوطن العربي لا يحتاج إلى القوة العسكرية فقط؛ بل يحتاج إلى تغيير الهوية الثقافية أولاً، وذلك حتى يستطيع الفكر الأمريكي فرض سطوته علينا، ونقبل بما يرسمه لنا من خطط ومناهج، ونصبح أداة طيعة في يده يحركها مثل عرائس المسرح دون أن نعترض طالما أمسك القائد الأمريكي بالعصا، وبالفعل بدأ المخطط بالاستعداد لتغيير المناهج وخاصة " الدينية " رغبة في قتل فكرة الجهاد وغيرها من المعتقدات العربية الأصيلة، والمؤسف بالفعل هو أن الدول العربية بدأت الاستجابة لتلك المخططات؛ بل واختلقت مبررات لذلك، أولها تحسين صورة المسلمين أمام الأمريكان، وثانيها تحسين العلاقات مع واشنطن، وكلها حجج واهية تسوقها الحكومات أملاً في الحصول على رضا واشنطن بأي ثمن.
65مليون دولار لتغيير المناهج
تعديل الهوية التعليمية الثقافية التي تتبعها أمريكا تجاه الدول العربية هي جزء من خطوات تم اتخاذها بالفعل لإنجاز المشروع الثقافي الأمريكي الصهيوني، والذي رصدت واشنطن لتنفيذه ما يقرب من 65 مليون دولار للدول التي ستقوم بالتنفيذ، وستبدأ بالعراق، خاصة وأن أمريكا لديها اعتقاد صارم بأن برامج التدريس المدعومة بالجرعات الدينية ودروس الفقه والآداب العربية والإسلامية من أهم أسباب انتشار الفكر الديني المتطرف حسب زعمهم، وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قام بها شباب تشبعوا بهذه الطريقة في الفكر.
وللأسف أن الكلام الأمريكي وجد من يستجيب له في الدول العربية، وبدأت بعض الجامعات في الدول العربية (الإمارات) بإلغاء أقسام الدراسات الإسلامية من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بداية من العام الدراسي 2004/2005، وألغت تدريس اللغة العربية واعتمدت على الإنجليزية بدلاً منها، وأبقت فقط على مادتين بالعربية هي الشريعة والقانون!.
أما اليمن فقد دعا رئيس وزرائها صراحة لإجراء تغيير شامل للمناهج تفادياً للضغوط الأمريكية وبرر ذلك بقوله: " علينا تنفيذ التغيير في مناهج تعليمنا قبل أن تأتينا مترجمة من أمريكا، فنحن شعب مسلم ولا ضرر من تخفيف الجرعة الدينية".
وما حدث في اليمن تكرر في الكويت، وظهرت جلياً اعتراضات الإسلاميين ضد الحكومة بسبب تعديل المناهج التربوية، خاصة بعد أن كشفت الوثائق أن اللجان الفنية التي تراجع المناهج بوزارة التربية والتعليم تعمل على تغيير بعض المصطلحات في المناهج، مثل الجهاد ومحاربة اليهود واستبدالها بكلمات أخرى أو استبعادها.
الغريب أن التعديلات تركزت فقط على مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية دون باقي العلوم، وهو يؤكد وفقاً لما ذكره أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي رغبة في التعديل بشكل يجعل التطبيع مع الكيان الصهيوني أكثر قبولاً.
وما يحدث في الدول العربية واتجاهات نحو تغيير المناهج الدراسية أزعج المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو" التي انتقدت الصور النمطية السلبية في مناهج التعليم الأمريكية عن المسلمين عامة والعرب خاصة، وأكدت استنكارها للتشويه المتعمد لصورة المسلمين البالغ عددهم مليار وربع المليار مسلم، وأكدت المنظمة أن هذه الصور السلبية تعبر عن روح التميز العنصري والكراهية للشعوب المختلفة وهدفها الأساسي تعميق الصراع بين الحضارات والثقافات، وتتعارض مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
انتقادات(28/487)
رغم الانتقاد الواضح لما تفعله بنا أمريكا والكراهية التي تعمقها في نفوس أولادها يتغاضى العرب عن كل ذلك ويسوقون المبررات لتغيير المناهج، ولا تكتفي واشنطن بذلك؛ بل بدأت بالفعل في تنفيذ ما تريده على أرض العراق التي كانت تشكل حجر عثرة في وجه الأمريكان، وتركز مناهج التعليم العراقية على الانتماء العربي والإسلامي؛ فكان أول هدف وضعته الإدارة الأمريكية نصب عينيها بمجرد دخولها بغداد هو تغيير المناهج التعليمية واستبدالها بأخرى تستهدف تفريغ النشء العراقي من هويته العربية والإسلامية، وذلك على غرار ما حدث في أفغانستان حين قامت واشنطن بتغيير جذري في المناهج للتخلص من فكرة الجهاد المسلح ضد الأمريكان، واستبدالها بأفكار أخرى حول الحرية التي جاءتهم بها أمريكا. ولتنفيذ تلك المخططات في العراق بدأت أمريكا الترويج لحملات التنصير، والتي تستهدف نشر النصرانية في أرض بغداد، وهو ما تسعى إليه المؤسسات الخاضعة للمسيحيين المحافظين بحجة المساعدات الإنسانية رغم أن الهدف الحقيقي هو القضاء على الإسلام، الذي يعتبره مسيحيو أمريكا (البروتستانت) ديناً في منتهى الشر، ولذلك لم يكن غريباً أن تسعى الكنيسة المعمدانية -وهي أكبر كنيسة بروتستانتية أمريكية ساندت الحرب ضد العراق- إلى إعلان استعدادها للعمل في العراق؛ بل أعلنت أغلب الكنائس الأمريكية دوافعها الحقيقية وهي الوصول للحرية الحقيقية "يسوع المسيح"، وهو قول يخالف الحقيقة؛ بل وأثار نصارى الشرق وعلى رأسهم الأب (بانارتيوس) راعي كنيسة المهد في بيت لحم بفلسطين، والذي قرر حرمان بوش و رامسفيلد و توني بلير وجاك سترو من دخول الكنيسة للأبد بعد قيامهم بشن حملة غازية أدت لمقتل الأبرياء في العراق، وأكد الأب (باناريتوس) أن ادعاء بوش بأنه يقود حرب إلهية لتحرير شعب العراق أكاذيب خادعة!.
كما دعا الأب (عطا الله حنا) الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية بالقدس إلى عقد قمة روحية لاتخاذ موقف موحد تجاه ما يحدث في فلسطين والعراق، ومواجهة صراع الحصار الذي تسعى إليه أمريكا وإسرائيل ومعهم بريطانيا.
أهداف واضحة
إذاً فالأهداف الأمريكية من جراء تغيير المناهج أمر لا يحتاج إلى توضيح رغم نفي واشنطن على لسان نائبة المستشار الثقافي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة سعيها لتغيير المناهج في مصر أو أي دولة أخرى في العالم العربي، وأضافت أن الولايات المتحدة لا تريد نظاماً جديداً يقلب الموازين أو يطمس الهوية الإسلامية التي تثير المخاوف في الشرق الأوسط، لكن واشنطن تأمل في أن تُسهم في رفع مستوى التعليم العربي بما يضمن مشاركة إيجابية في منظومة العولمة، ويساعد الأجيال الجديدة في المنطقة على الاندماج بصورة أكثر فاعلية.
التقارير الأمريكية
مستشارة السفارة الأمريكية لم تكتف بذلك؛ بل أعدت تقريراً من إعداد الخارجية الأمريكية حول التعليم في العالم العربي، والذي أشار إلى أن العرب يحتلون مؤخرة الترتيب في مجال التعليم، كما أن تأثير الدين واضح على أغلبية المناهج التعليمية العربية، فيما يرى الأمريكيون ضرورة أن يلعب الدين دوراً تربويا وليس تعليمياً مباشراً من خلال تزويد الأطفال بالمبادئ الأخلاقية.
التقرير أشار إلى ما أسماه الخبراء الأمريكان بتأثير مناخ غياب الإبداع على قدرة الجماعات -التي وصفها بالمتطرفة- على استقطاب أعداد كبيرة من الشباب، بالإضافة إلى أن الثقافة السائدة في المناهج التربوية العربية لا تبنى على أسس قومية ووطنية بقدر ما تتضمن على مصطلحات تضمن العداء ضد الآخر.
التقرير الأمريكي تضمن العديد من المحاور التي يستهدف واضعوه تغيير نمط التفكير في العالم العربي، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لتنفيذه رغم نفي الحكومة المصرية. ولما لا؟ وهم -كما يؤكد الكاتب والمفكر الإسلامي (فهمي هويدي)- يتدخلون في السياسة المصرية، ويطالعنا سفيرهم الأمريكي يومياً بفتوى جديدة يتدخل بموجبها في بلادنا، مما يؤكد أن الدول العربية كاملة فقدت استقلالها وعادت لأوائل القرن التاسع عشر، وبعد أن كنا نسمح للدول الأجنبية بالتدخل في حياتنا دون أن نستطيع الرد لوقوعنا تحت الاحتلال؛ أصبحنا الآن تحت السيطرة الأمريكية في احتلال خفي تحت مسمى البروتوكولات، ونجد حكوماتنا العربية تسوق المبررات لمثل هذه السيطرة ولكي ننقذ مستقبل هذه الأمة -كما يقول هويدي-؛ لابد أولا أن نسعى للحصول على استقلالنا من السيطرة الأمريكية، فهذا هو السبيل الوحيد لحماية شباب المستقبل، و إلا كيف نفسر الزيارة التي قام بها وزير التعليم المصري مؤخراً لواشنطن بصحبته ثلاثة محافظين ثم يخرجون علينا وهم يؤكدون أن المناهج المصرية لن تتغير بتوجيهات أمريكية، فإذا كان هذا يحدث في مصر رائدة العالم العربي؛ فكيف نلوم الدول الصغيرة الأخرى إذا امتثلت للأوامر الأمريكية ونفذتها، وأعلنت ذلك صراحة لأنها لا تستطيع مواجهة الغضب الأمريكي، أما نحن في مصر ننفذ الأوامر ولكننا ننكر ذلك رغم أن الحقائق واضحة لا تحتاج إلى برهان!.
تجارب قاسية(28/488)
التحذيرات التي أطلقها الكاتب الصحفي (فهمي هويدي) تستدعي إلى الذاكرة التجربة المغربية والتونسية في تعديل المناهج والسعي لتفريغها من محتواها الإسلامي، وهى السياسة التي اتبعها الرئيس التونسي السابق (الحبيب بورقيبة) والذي سارع بمجرد توليه السلطة -في الخمسينيات- إلى إجراء ما أطلق عليه إصلاحات جذرية قضائية واجتماعية وتربوية ساعدت على تقويض البنى التقليدية والعشائرية التي كان يقوم عليها المجتمع التونسي ، فقد قام (بورقيبة) بإلغاء كل ما يمت بصلة للالتزام الإسلامي والعقائدي من مناهج التعليم .
أما المغرب فقد ألقت التفجيرات الأخيرة التي شهدتها الدار البيضاء في مايو الماضي بظلالها من جديد على مضمون مناهج التعليم المغربية، ووصلت الدعوات إلى حد حذف كلمة الجهاد من جميع الكتب الدراسية.
المواجهة مطلوبة
الظلال التي تلقيها علينا أمريكا لابد أن نواجهها- كما يقول د.إبراهيم هلال أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية بنات عين شمس-؛ فالإسلام نحن وحدنا المسؤولون عنه، ولا يجوز أن نأخذه من غيرنا من أهل الديانات الأخرى، ولا يجب أن نسترشد بتوجيهاتهم أو نستمع إليهم في وضع مناهجنا الإسلامية، فدروسنا الدينية لابد أن تنبع من ذاتنا، فنحن وحدنا الذين ندرك أبعاد تشريعاتنا وأخلاقنا الإسلامية التي عايشناها على مدار 1500 عام، وعرفنا خلاله ما يريده القرآن منا، وعار على المسلمين جميعاً أن نكون أداة في أيدي الأمريكان ونقبل بتغيير مناهجنا بشكل يبعدنا عن الجوهر الحقيقي لهذا الدين لنقدمه لأولادنا محرفاً وبعيداً عن مضمونه الحقيقي.
وللأسف فقد قامت عدة دول بالاستجابة للمطالب الأمريكية ومنها (قطر) -على سبيل المثال- التي سعت لتخفيف جرعة الدروس الدينية ونسي هؤلاء تحذيرات القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)
وتضيف دكتورة (فايزة خاطر) - عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الزقازيق- أن مخططات تفريغ مناهجنا الدينية من محتواها بدأناها في مصر منذ سنوات طويلة، ولعل البرج الفضي أو مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم المصرية شاهد على ذلك، فقد سعى المسؤولون فيه إلى إزالة كل ما يتحدث عن اليهود في الكتب ليضعوا بدلاً منه شعراً، أو أية مادة أخرى.
وقد نظمنا عدة مؤتمرات بجامعة الأزهر، وحذرنا من ذلك بلا جدوى!، بل على العكس قام الأزهر بإلغاء حصص القرآن الكريم التي كان يتم تنظيمها للطلاب منذ سن الالتحاق بالمدرسة، وأصبحت امتحانات القرآن الكريم تحريرية، ولم يعد هناك ما يسمى بأساتذة التحفيظ، وكان النتيجة انهيار مستوى الطلاب، ولم يعد غريباً أن نجد من بينهم من لا يتمكن من حفظ ولو جزء واحد من القرآن الكريم، وحدثت تداعيات كثيرة نتيجة ذلك الانهيار الأخلاقي لطلاب الأزهر والتصرفات الغير مقبولة وعدم الاهتمام بحفظ القرآن الكريم رغم أن ذلك أهم ما يميز خريجي الأزهر الشريف، فإذا كان هذا هو ما حدث في أكبر مؤسسة دينية؛ فما بالنا ببقية المناهج في التعليم العادي!.
وتضيف د. فايزة خاطر أن الإسلام مستهدف منذ القدم، ولعل عدد المستشرقين الذين جاؤوا للبحث فيه وفي اللغة العربية دليل على ذلك، فعددهم لا حصر له، وهم يبحثون في الدين للتعرف عليه وكيفية القضاء على أهم القيم المميزة له؛ لأنهم يعرفون الدين الإسلامي جيداً وتمتلئ كلياتهم ومعاهدهم بالكتب التي تهتم بشؤون الإسلام وحضارته، وهم في ذلك يسعون إلى تدميره تحقيقاً لمبادئ الكنيسة البروتستانتية، وهي الكنيسة التي دعا إليها اليهود على يد (مارتن لوثر) والتي دعت لإلغاء صكوك الغفران، وإباحة الإنجيل للجميع، وأن الهدف من ذلك ليس الإصلاح الكنسي كما ادعوا؛ وإنما حرب من نوع جديد يسيطر فيها اليهود على الأمور.
ومنذ ذلك الحين يسعون للقضاء على الإسلام الذي يعتبرونه عدوهم الأكبر، فاخترعوا لنا ما يسمى بـ"حوار الأديان"، والذي لا يستهدف سوى القضاء على قيمنا الإسلامية ونشر القيم البالية التي حذرنا منها ديننا، وللأسف وقعنا في شَرك الأعداء، وأصبحنا صيداً سهلاً لهم ..!
والحل هو مواجهة هذا الخطر بحسم .
==============(28/489)
(28/490)
عودة التطبيع بين دول مغاربية والإسرائيليين
خاص- محمد مصدق يوسفي- إسلام أون لاين.نت/30-4-2001
أبدت جمعيات مهنية مغربية رفضها الشديد لمحاولات التطبيع مع العدو الإسرائيلي من خلال المؤتمرات العلمية، وأكدت عزمها على التصدي لكل المناورات والمحاولات اليائسة للتطبيع، بينما وافقت تونس على حضور إسرائيليين لأحد الاحتفالات الدينية الشهر القادم.
ودعا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى تنظيم مسيرات في اليوم الأول من شهر مايو - الثلاثاء - للتضامن مع الانتفاضة المباركة، وأعلن أن الاحتفال هذا العام بالعيد العمالي سيكون تحت شعار: «من أجل نصرة انتفاضة الأقصى".
واستغربت النقابة الوطنية للتعليم العالي في بيان حصلت شبكة "إسلام أون لاين.نت" على نسخة منه، دعوة أساتذة جامعيين من إسرائيل على رأسهم "جاكوب بيير" الأستاذ بالمعهد التكنولوجي بحيفا، والمعروف بنزعته الصهيونية، والذي أسندت إليه رئاسة الجلسة الأولى بالمؤتمر.
وأكد بيان المكتب الوطني أن " النقابة الوطنية للتعليم العالي وكافة الأساتذة الباحثين سيقفون بالمرصاد لكل المحاولات اليائسة التي تستغل أسلوب التعامل المتحضر للمغرب، ودماثة أخلاق أبنائه، وسماحة ديننا، لتلغيم الملتقيات العلمية، بدس عناصر همها الوحيد اختراق الجسم المغربي للدعاية للمنهجية الصهيونية العنصرية، والنيل من كرامة الشعب المغربي".
وحيا البيان "كافة الأساتذة الباحثين الذين قاطعوا هذه التظاهرة"، وأدان بشدة "المهرولين من حملة أعلام التطبيع، الذين صمًّا وعميانًا لا يرون الشهداء وهم يسقطون كل يوم برصاص الغدر الإسرائيلي"، وأهاب البيان بكافة الأساتذة الباحثين إلى مزيد من اليقظة لفضح كل أساليب التعامل ومد الجسور تحت غطاء التعاون العلمي والتقني.
على جانب آخر.. أكدت النقابة الوطنية للتعليم العالي "عزمها الثابت على التصدي لكل المناورات الصهيونية، والمحاولات اليائسة لتشويه المواقف المشرفة للشعب المغربي تجاه القضية العربية الأولى والمتمثلة في الدعم المطلق للشعب الفلسطيني البطل حتى يتمكن من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".
ومن ناحية أخرى.. أدانت الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ما وصفته باستهتار بعض المتصهينين بإجماع المغاربة على رفض التطبيع، وطالبت في بيان لها بمحاسبة ومساءلة المسؤولين عن تنظيم ندوة قيل عنها إنها علمية، في مدينة الصويرة بمشاركة "فاعلة" من طرف صهاينة قادمين من قلب الكيان الصهيوني.
كما أدانت الجمعية "بكل قوة مَن عمل على إعداد ندوة الصويرة والتي يتجلى أن هدفها الوحيد هو فتح الباب للصهاينة ليخترقوا جسمنا المغربي، في محاولة لكسر الإجماع الشعبي وفك الخناق عن قادة الإجرام الصهيوني ودعم جرائمهم البشعة وتشجيعهم على ارتكابها والاستمرار في تقتيل أبنائنا ودوس مقدساتنا في فلسطين"، وطالبت "المسؤولين المغاربة بإيقاف هذه الندوة الفيروس وبمحاسبة ومساءلة من تجرأ على إحضار الصهاينة إلى أرضنا".
تونس تسمح بدخول اليهود
ومن جهة أخرى.. ذكرت صحيفة "الحياة" اللندنية في تقرير لها من تونس في عددها الصادر الإثنين 30-4-2001 أن مئات من الإسرائيليين يشاركون في الاحتفالات الدينية في كنيس الغريبة بتونس الشهر القادم.
وأكدت مصادر مطلعة أن الحكومة سمحت لمئات من اليهود تنحدر غالبيتهم من أصول تونسية بزيارة "كنيس الغريبة" في جزيرة جربة الشهر المقبل، ولكن السلطات التونسية رفضت السماح بهبوط طائرات إسرائيلية في مطار جربة، كما لن تسمح للسياح الذين يحملون الجوازات الإسرائيلية بالدخول بواسطة تأشيرات خاصة مثلما كان الحال منذ عام 1994.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قد أكدت أن الأوضاع المتوترة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حملت الحكومة التونسية على عدم الإعلان رسميا عن السماح للإسرائيليين بدخول أراضيها.
ووصلت الاحتفالات الدينية السنوية في "كنيس الغريبة" إلى رقم قياسي العام الماضي بعدما استقبلت المحلة اليهودية -الحارة الكبيرة حيث يوجد الكنيس- ثمانية آلاف يهودي من إسرائيل وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، وقدرت مصادر مطلعة أعداد اليهود الذين سيسمح لهم بالمشاركة في الاحتفالات الشهر المقبل بأقل من ألف سائح، فيما يُقدّر عدد السكان اليهود في جربة بثمانمائة يهودي رفضوا مغادرة الجزيرة بعد حرب يونيو عام 1967 إلى فرنسا وإسرائيل.
============(28/491)
(28/492)
الاحتلال الأمريكي والاستعانة بالعرب!
الإسلام اليوم ـ مكتب القاهرة 2/6/1424
31/07/2003
تصاعد عمليات المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، واغتيال نجلي الرئيس العراقي المخلوع صدام حسن، وإصرار البنتاجون على نشر صور جثتيهما، والمؤامرة التي تعد لها الإدارة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية بهدف ابتزازها والضغط عليها، والملف السوداني وتطورات مباحثات السلام السودانية، وذكري حلول ثورة يوليو وانعكاساتها على المجتمع المصري، ووفاة الخبير البريطاني ديفيد كيلي أحد أبرز الخبراء البيولوجيين في بريطانيا..؛ تلك القضايا شغلت اهتمام الصحافة المصرية وتناولتها أقلام ومقالات الكتاب المصريين بالنقد والتحليل طوال الأسبوع الماضي ..
فبالنسبة للملف العراقي تناول الكاتب الصحفي (محمود عبد المنعم مراد) في عموده (كلمات) بصحفية "الأخبار" الأوضاع في العراق، وتصاعد المقاومة العراقية تجاه الاحتلال الأمريكي يقول الكاتب: "تصاعدت المقاومة العراقية إلى حد لا تستطيع القوات الأمريكية احتماله، ومن هنا قيل إن الأمريكيين يقترحون علي الدول العربية أن تساهم بقواتها في التصدي للمقاومة العراقية، أي أن تقوم بالدفاع عن قوات الاحتلال الأمريكية التي تحتل العراق!".
ويضيف مراد "أنصار الرئيس العراقي السابق صدام حسين تلقوا صدمة عنيفة تتمثل في مقتل نجلي صدام عدي وقصي اللذين كان لهما نفوذ مطلق في مساعدة أبيهما وتطبيق نظام حكمه، وكانا يشاركان في السياسة، ويحتكران الاقتصاد استيراداً وتصديراً واحتكاراً في تجارة بعض السلع المهمة كالسمك المستخرج من نهري دجلة والفرات، وغير ذلك من السلع الرئيسة".
ويلقي الكاتب الضوء علي معاناة الشعب العراقي من نظام صدام "لقد قتل صدام ونجلاه وأعوانه، مئات الألوف من أفراد الشعب العراقي لا لشيء؛ إلا لأن الضحايا كانوا يعارضون نظام صدام، ولو بالإشارة والصمت دون أية حركة أو كلام، كان صدام ينظر في عيني المحيطين به ويدرك علي التو ما إذا كان الجالس أمامه يضمر له الود الحقيقي أو العداء الخفي. وهنا تنطلق رصاصات الغدر نحو المشكوك في أمره في أقل من لمح البصر. و'كان فعل ماضي' والماضي هنا ليس له مستقبل".
وثائق رسمية
أما الكاتب الصحفي (محسن محمد) فيكشف في عموده اليومي بجريدة "المساء" والذي بعنوان "من القلب" عن حقيقة هامة مفادها ما كشفته وثائق رسمية أمريكية تضمنت أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني كان يبحث كل شيء عن بترول العراق، وذلك قبل عامين من الغزو الأمريكي للعراق، وأن إذاعة الوثائق الصادرة عن البيت الأبيض تمت بناء على قانون حرية المعلومات الأمريكي بعد معركة طويلة جرت في المحاكم التي قضت بضرورة الإفراج عن الوثيقة، بل وعدة وثائق أخري، وهي تدل على أن اهتمام واشنطن بالعراق لم يكن بشأن الأمن والإرهاب؛ بل كان بشأن البترول، وتاريخ الوثائق مارس عام 2001. أي بعد شهرين من تولي جورج بوش منصب الرئاسة، وفي الوثيقة خريطة بل عدة خرائط تبين مواقع آبار البترول العراقية وأنابيب ومعامل التكرير وموانيء التصدير كما تبين مدى اهتمام دول العالم ببترول العراق.
وكان نائب الرئيس تشيني قد عارض الإفراج عن الوثيقة في كل مرحلة قضائية، حتى أصدرت المحكمة حكمها أخيراً بضرورة الإفراج عن بعض محتويات أبحاث قوة العمل التي عينت بترول العراق.
وقال رئيس هيئة الرقابة القضائية التي طالبت بالإفراج: قد أعلن أن إدارة الرئيس بوش لا تريد إعلان محتوياتها، وما قامت به قوة العمل بشأن الطاقة من أبحاث ودراسات.
وأضاف أن معارضي الحرب علي العراق سيشيرون إلى الوثيقة كدليل على أن إدارة الرئيس بوش كانت وراء بترول العراق.
اغتيال قصي وعدي
وحظي نبأ اغتيال قصي وعدي صدام حسين باهتمام صحيفة "الأسبوع"، وأفردت له ملفاً خاصاً تناولت خلاله تفاصيل عملية الاغتيال وتأثيراته، حيث أكد مراسل الصحيفة ببغداد (أحمد منصور) أن معظم العراقيين لا يصدقون الخبر، وقال أحد العراقيين مكذباً 'ليست المرة الأولي التي يعلنون فيها ذلك'، وقال آخر: مستحيل.. مستحيل لأن عدي وقصي لا يمكن أن يجتمعا أو يناما في مكان واحد لمدة طويلة، هذه كانت تعليمات السيد الرئيس.
ويضيف المراسل "الكلمة الأخيرة 'السيد الرئيس' مازال يرددها بعض العراقيين الذين إما كانوا جزءًا من النظام، أو البسطاء الذين مازالوا يعتقدون أن صدام حسين سوف يعود، وأن كل ما يحدث ليس سوي كابوس سوف ينتهي مع خروج الأمريكيين قريباً، لاسيما لدي العامة الذين مازالوا يخافون من الحديث عن صدام أو أبنائه بأي سوء خوفاً من عودته وحسابه لهم علي أية كلمة يقولونها ضده أو ضد أبنائه".
تفاصيل الاغتيال(28/493)