وصنف ربيع بن زياد الأسقف كتاباً في تفضيل الأزمان ومصالح الأبدان وآخر بعنوان الأنواء0 وألف بدرو الفونسو (1062 - 1110م ) كتاباً بالعربية عنوانه : تعليم رجال الدين0 ثم ترجمه إلى اللاتينية, ومنها نقل إلى لغات كثيرة وقد طواه على ثلاث وثلاثين قصيدة شرقية أقتبسها من حنين بن أسحق ومباشر ( لعل الاسم الصحيح المبشر بن فاتك ) وكليلة ودمنة0 لذلك إذا رغب الطالب الإسكتلندي أو الانكليزي الأستزادة من أرسطو والتعمق فيه أكثر مما يسنح له في الترجمات اللاتينية الميسورة فلا مندوحة له من الرحيل الى طليطلة ليتعلم هناك كيف يقرأ كتب اليونان باللغة العربية0 وقد تحدث هيستر باش Ceasa r of Heiste r Bach عن شباب قصدوا توليدو ( الصواب طليطلة ) ليتعلموا الفلك لذلك لا غرابة إن لعبت الأندلس الدور الرئيسي في نقل معارف المسلمين العقلية وكتبهم الى أوربا ولا سيما أن تذكرنا أنه كانت هناك فئة أخرى من السكان المقيمين تحت الحكم الأسلامي هم اليهود والذين تمتعوا بالحرية الدينية المطلقة تحت حكم الإسلام وتعلموا اللغة العربية وألفوا بها إلى جانب أتقانهم اللغة اللاتينية والعبرانية, ولقد أصبح هؤلاء اليهود إلى أجانب المستعربين وعدد من اللاتينيين الوسطاء في عملية النقل هذه0
-------------------------------
المصدر: روح التحرر في القرآن
==================(25/487)
(25/488)
العلاقات بين المسلمين والنصارى
عبد العزيز الثعالبي
اندلعت الحروب الصليبية وأخذت تظهر لدى المسلمين آثار تعصّب النصارى الرهيب، في ذلك العصر.
ولئن انجرّ لا محالة عن الحروب الصليبية ما شهدته أوروبا من تقدّم حضاري، نتيجةً للاتصال المفروض بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية خلال الحرب، فقد كانت النتائج عكسيّة بالنسبة إلى المسلمين الذين كانوا مغرمين بالبسالة والمجد والمآثر الحربية ومعجبين بدون تحفّظ بشجاعة الفرسان الصليبيين التي لا تقهر وميلهم إلى سفك الدماء، فأخذوا يسعون إلى محاكاتهم.
ومن ناحية أخرى فقد كان كلّ مسلم معتبراً في نظر الصليبيين، مارقاً عن الدين وكافراً وفاقداً للإيمان، وهو لا يستحق أية شفقة ولا رحمة ويتحتّم قتله مهما كان الأمر. ومن باب ردّ الفعل كان من الضروري أن يعامل المسلمون كلّ صليبي _ بل كلّ مسيحي_ بالمثل.
وبذلك ندرك مدى الغبطة والحماس اللذين كان المسلمون يتقبّلون بهما كلّ تفسير يعمد إلى تحريف النصوص وإبراز ما تعبّر عنه من حقد وتعصّب تجاه غير المسلمين.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلفات التي هي من هذا القبيل كانت تعدّ بالآلاف في عصر الحروب الصليبية.
وقد آل الأمر بالمفسرين إلى الاصداع بالمبدأ الذي رفعوه إلى مستوى الحقيقة الدينية:
"يجوز للمسلمين أن يبرموا مختلف معاهدات التحالف والحماية مع كافّة الشعوب والأجناس، ما عدا النصارى، فمن واجبهم اعتبار أنفسهم في حالة حرب معهم. كما يحجّر عليهم زيارة أقطارهم والتعامل معهم وربط علاقات تجارية معهم".
ولقد انجرّت عن ذلك المبدأ الحملات العسكرية الإسلامية الموجهة ضدّ الأقطار المسيحية وهجومات القراصنة المتواصلة.
فعلى إثر الحروب الصليبية اندلعت الحروب بإسبانيا وشنّ المسيحيون على المسلمين حرباً ضروساً بلا رحمة ولا هوادة، وصارت الأقاليم الإسلامية المحتلّة خاضعة لسلطة محكمة التفتيش أثناء فترات الهدنة أو الفترات الموالية لمعاهدات السلم. فكانت تلك المحكمة تعذب المسلمين وتحرقهم وهم أحياء لكونهم مسلمين وتصادر أملاكهم وتطردهم من بلادهم ومسقط رؤوسهم. وهكذا فقد أجبرَ الإسبانيون المسلمون _أو الأندلسيون كما نسميهم اليوم _ على مغادرة إسبانيا والإلتجاء إلى بعض الأقطار الأخرى ولا سيما المغرب والجزائر وتونس.
وهكذا فقد تمّ عزل المسلمين في افريقيا وآسيا ولم يتمكّنوا من البقاء في القسم الأوروبي من تركيا إلا بحدّ السيف. ولم يعد بإمكانهم حتى التحوّل فرادى إلى أوروبا، لأنهم كانوا يخشون أوّلاً مخالفة أو انتهاك الشريعة الإسلامية، وكانوا يخشون التعرض للتعذيب من قبل محاكم التفتيش من جهة ثانية.
وبناء على موقف النصارى من المسلمين وما كانت تحدو هؤلاء من روح الانتقام، فقد أغلقت أبواب "الإسلام" واعتزل المسلمون في ديارهم وانصرفوا إلى شؤون دينهم.
إلا أنّنا نلاحظ في الأقطار الأوروبية أثناء القرون الوسطى إلى غاية القرن الثامن عشر من الميلاد، أنّ الفلاسفة والعلماء الذين يتجرّأون على الإعلان عن إحدى الحقائق العلمية أو الفلسفية المنافية لمبادىء الإنجيل أو المخالفة لتعاليم الدين المسيحي، يتعرّضون هم أيضاً للحرق ويعاملون معاملة المتطاولين على الدين.
والجدير بالملاحظة أن المسلمين قد حافظوا على نفس تلك التقاليد. فكانت كلّ روح تحرّرية محكوماً عليها بالإعدام، إن لم يكن على أيدي الجلادين في الساحة العمومية، فبواسطة السخرية.
أما في العصر الذي نعيش فيه اليوم وفي الوقت الذي بلغت فيه الحضارة أوج تطوّرها وفي حين أصبح التقدم مطرداً وصارت البشرية متضامنة مع بعضها بعضهاً تسعى إلى الاعتماد على الجهود الفردية لفائدة المصلحة المشتركة، فهل يمكن، عن طيب خاطر، استثناء أربعمائة مليون مسلم من تلك الحضارة؟ وهل يجوز إقصاؤهم، لا بالنسبة إليهم ولا بالنسبة إلى ما يمكن أن يستخلصوه من تلك الحضارة من خير لهم، بل باعتبار أن المسلمين الذين أظهروا خلال العصور الإسلامية الأولى مدى قوّتهم وتقدّمهم الفكري وما أسفر عنه ذلك من نتائج، وباعتبار أن المسلمين الذين حقّقوا تقدّم الحضارة والرقيّ والتسامح والحرية، تقدماً لم تعرف له مثيلاً لا أوروبا ولا العالم بأسره الذي ما زال معجباً بذلك، وباعتبار أن المسلمين يستطيعون اليوم، إذا ما أزالوا كل تلك الأفكار الخاطئة التي أملاها عليهم بعض المفسّرين والعلماء والفقهاء، وإذا كانوا جديرين بتلقي ثقافة متماشية مع مبادىء الرقيّ والحضارة بفضل تطبيق مبادىء التحرّر التي نلاحظها في كلّ آن وحين من خلال كل آية من آيات القرآن الكريم، نقول: إن المسلمين يستطيعون تحقيق ما وعدوا به في الماضي والحاضر، لأنهم لا يمثلون جنساً هو دون الأجناس الأخرى من حيث الذكاء، كما أنهم يستطيعون المساهمة في تقدّم الحضارة البشريّة.
---------------------------
المصدر : روح التحرر في القرآن
==================(25/489)
(25/490)
الاسلام من منظار هؤلاء
محمد كامل عبد الصمد
* قال المسيو واميري المجري :
" إني أعتقد في الحقيقة أن روح نظام المسلمين دين الإسلام , وهو الذي أحياهم, والذي يتكفل لهم بالسلامة, إنما هو الإسلام فقط "0
* وقال المسيو بيرك في البرلمان الانجليزي :
" إن دين الإسلام, هو أحكم وأعقل وأرحم تشريع عرفه التاريخ البشري "0
* وقال شارل ميزميز الفرنسي المعروف :
" لو وجد دين الاسلام المبلغين المقتدرين , الذين يقدرون المذاكرة والتفاهم مع علماء النصارى في هذه الأزمنة التي تنتشر فيها مذاهب الضلالة المتفرقة, لأسلم الناس في أوربا "0
* وقال المستر " إدوارد ورمي " الأمريكي :
" 000ألم يأن لنا أن نعترف - نحن الذين نعد أنفسنا في أعلى قمة التهذيب - بأنه لولا التهذيب الاسلامي , ومدنية المسلمين وعلومهم وعظمتهم, وحسن نظام جامعاتهم, لكانت أوربا اليوم تهيم في ظلام ليل بهيم000ألا يمكن أن يقال حقاً : إن أوربا المسيحية بذلت كل في بوسعها منذ قرون لتخفي شكرها للعرب المسلمين !00دع أوربا تعترف بخطئها, دعها تعلن للعالم أجمع عن غباوتها الغريزية 000أنها ولا شك ستضطر يوم للاعتراف بالدين الأبدي المدينة به وهو الإسلام "0
وقال ايضاً :
" قبل أن نشرح علاقة الاسلام بالمدنية الحديثة ونبين المركز الرفيع الذي يحله بين الديانات العالمية المعروفة , يجب علينا أن نرجع إلى الأيام التي سلفت قبل ظهور النبي محمد (ص) , ونتبين ما كان عليه سكان البادية من عبادة الأصنام وسوء العادات, ثم نبحث عن الإصلاحات التي أدخلها النبي الكريم في شبه الجزيرة, إذ الاشياء تتميز بضدها000لقد كانت بلاد العرب غارقة قبل نبوة محمد (ص) في أحط الدركات, حتى أنه ليصعب علينا وصف تلك الخزعبلات التي كانت سائدة في كل مكان 0000 والحروب الدائمة بين القبائل المختلفة وعدم وجود حكومة قوية000"0
* وقالت مدام "بيرون" رئيسة جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في باريس :
"إن محمدا (ص) لم يكن عدواً للمرأة , كما يظهر من أقوال بعض الذين أساءوا فهم روح التشريع الذي جاء به, فينبغي أن نتصور الزمان الذي عاش فيه لنعرف قيمة أصلاحه "0
* وقال الباحث الكبير "سنكس" :
" ظهر محمد(ص) بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة, وكانت مهمته ترقية العقول البشرية 0000فقد كان يتلقى معارفه من الملأ الأعلى , وهي تعاليم رقت عقول الملايين من الناس , ولا تزال ترقي شعوباً متأخرة "0
وقال أيضاً :
" إن المسلمين يزدادون كل يوم عدداً وذلك دليل على حيوية دين الإسلام وعظمته "0
كما قال :
" لم يأت محمد (ص) لمكافحة التوراة والأنجيل , بل أنه يقول : إن هذين قد أنزلا من السماء مثل القرآن لهداية الناس الى الحق , وإن تعاليم القرآن جاءت مصدقة لهما , ولكنه لم يأخذ منهما "0
ومضى "سنكس" يقول :
" إن الدين المحمدي قد أحدث رقياً عظيماً جداً في تدرج العاطفة الدينية , فقد أطلق العقل الانساني من قيوده التي كانت تأسره حول المعابد بين أيدي الكهنة من ذوي الأديان المختلفة, فارتفع إلى مستوى الاعتقاد بحياة أخرى وراء هذه الحياة, يجازى فيهاالفرد على أعماله , كما أرتفع إلى مستوى الاعتقاد بإله واحد يمكن أن يعبده ويرتفع بروحه إليه دون أن يتوسط له وسيط0
ثم أن محمداً (ص) بتحريمه الصور في المساجد وكل ما يمثل الله من تمثال , قد خلص الإنسانية من وثنية القرون الأولى الخشنة "0
* وقالت "إيفالا ماك ديمترا" العالمة الفرنسية المسلمة :
"إن ظاهرة إعتناق الاسلام في الوقت الحالي أمر يستحق التسجيل وجذب أنتباه العالم الأسلامي والعربي , وخاصة أن الإسلام يعد محور بحث وجذب للعقول المستنيرة الباحثة الدارسة"0
كما قالت :
" إن التاريخ يسجل أن العلماء والباحثين والأساتذة كانوا في الماضي ينجذبون إلى الإسلام ويعتنقونه 00أما في الوقت الحالي فإن الإسلام يعد مصدر جذب لكل الفئات فيعتنقونه, لأن الدعوة الاسلامية أصبحت ظاهرة وحقيقة واضحة في الوقت الحالي "0
ومضت تقول :
" إن اعتناق الشباب للإسلام في أوربا يأتي نتيجة لتساؤلات ملحة في أذهانهم ولا يجدون لها إجابات فيما يدور حولهم, وبالتحديد في الكنيسة "0
ثم أضافت قائلة :
" إنه ربما يكون من أسباب اعتناق الشباب الأوربي للإسلام هو الأقتناع بالإسلام كدين ومعرفة , وخاصة أن الشباب في أوربا يعيش حياة حرة, وتم تدريبه وتربيته على الفهم وإعمال الفكر , فهو لا يتقبل أمورا يكون للنظم السياسية يد فيها , لما لها من تيارات تثير غضب الشباب الى جانب ماتمليه عليهم الكنيسة من أوامر ونواه لا يعتبرونها منطقية على الإطلاق "0
* ويقول الأديب الروسي "تولستوي" :
" لاريب أن محمداً (ص) من كبار المصلحين الذين خدموا المجتمع البشري, ويكفيه فخراً أنه هدى أمة كبيرة إلى نور الحق"0
* ويقول المؤرخ الانكليزي "مستر ولزان" :(25/491)
"000إن محمداً هو الذي أستطاع في مدة وجيزة لا تزيد على ربع قرن أن يكتسح دولتين من أعظم دول العالم , وأن يقلب التاريخ رأساً على عقب , وأن يكبح جماح أمة أتخذت الصحراء المحرقة سكناً لها , والأخذ بالثأر واتباع آثار أبائها , فمن ذا الذي يشك أن القوة الخارقة للعادة التي أستطاع بها محمد أن يقهر خصومه هي ليست من عند الله ؟ "0
* ويقول الشاعر الفرنسي "لامارتين" :
" إن حياة مثل حياة محمد , وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده , ووثبته على خرافات أمته وجاهلية شعبه, وشدة بأسه في لقاء ما لقيه من عبدة الاوثان, وإعلاء كلمته , ورباطة جأشه , لتثبيت أركان العقيدة الإسلامية, إن كل ذلك لدليل على أنه لم يكن يضمر خداعاً , او يعيش على باطل, فهو فيلسوف وخطيب ورسول ومشرع وهادي الإنسانية الى العقل ومؤسس دين لافرية فيه , ومنشئ عشرين دولة في الارض , وفاتح دولة روحية في السماء, فأي رجل أدرك من العظمة الأنسانية مثلما ادرك ؟ ! 000وأي إ نسان بلغ من مراتب الكمال مثلما بلغ؟ "0
* وقال " جوته " الأديب الالماني الشهير بعد أن درس أصول الأسلام :
" إذا كان الإسلام هو هذا , أفلا نكون جميعاً مسلمين ؟"0
* وقال "ازوالدويرث" :
" إنني تبينت أنني أدين بدين الإسلام بدون شعور مني بذلك " 0
* وقال القس "لوزون" الفرنسي :
" ليس محمد نبي العرب وحدهم بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله تعالى "0
* وقال البروفيسور "ليل" :
" إن حياة محمد التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفه الله تعالى حيث قال : ( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ) 000إن اليتيم العظيم قد برهن بنفسه على أنه أعظم الرحمات لكل ضعيف, ولكل محتاج الى مساعدة , لقد كان محمد رحمة حقيقية لليتامى وابناء السبيل والمنكوبين , وجميع الفقراء والعمال ذوي الكد والعناء "0
* وقال الاديب الفرنسي "فولتير" :
" إن أكبر سلاح أستعمله المسلمون لبث الدعوة الإسلامية هو اتصافهم بالشيم العالية اقتداءً بالنبي محمد "0
* يقول المستشرق "ماكدونالد" :
" الإقبال على الإسلام في الغرب يرجع بصورة عامة الى عاملين أثنين :
الأول : أن المجتمع الغربي فقد الى حد كبير معاني الدين, فأصبح مجتمعا لا يدين بأي دين , لا بالنصرانية ولا بغيرها , ومن طبيعة الإنسان أن يكون مقتنعاً بدين, ومعتقداً بعقيدة0
الثاني : إن الإسلام دين سهل يلبي متطلبات الفطرة التي خلق الله الإنسان عليها, فلهذا يقبل الناس في الغرب على الإسلام أكثر من أي ديانة أخرى, سواء كانت سماوية كالنصرانية واليهودية, أو وضعية كالبوذية وما شاكلها "0
* ويقول المستشرق "باول شمتز" :
" إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوربا , وهتاف يجوب آفاقها , يدعوها الى التجمع والتساند لمواجهة العملاق الذي بدأ يصحو 000"
ثم يضيف قائلا :
" إن قوة القرآن في جمع شمل المسلمين لم يصبها الوهن, ولم تفلح الأحداث الكثيرة في زعزعة ثقتهم به000وإن الروح الإسلامية لا تزال تسيطر على تفكير القادة وعواطفهم , وستظل كذلك ما دامت الشعوب الإسلامية قد ربطت مصيرها بتعاليم الإسلام وأعتقدت أنه الرباط الجامع بين أجناسها المختلفة 000"0
* اعتراف يهودي :
أكد عالم الاجتماع اليهودي "أرنست غلتو" في حديث له مع صحيفة "التايمز" الإنجليزية :
" أن الإسلام مناسب لحل الأزمات السياسية والاجتماعية المعاصرة000وأنه نجح في الصمود أمام المذاهب الإلحادية, مع أن بقية الأديان قد خسرت الجولة , وخاصة على الصعيد السياسي"0
ثم أضاف قائلاً :
" إنني أعترف بأن الإسلام دين المساواة وبأن معطياته عظيمة00 كما أعترف أيضاً بأن العديد من الخرافات غطت على وجهه الحقيقي أمام الغربيين "0
------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء
===================(25/492)
(25/493)
مع المستشرق الفرنسي هنري كاستري في كتابه "
الاسلام, خواطر وسوانح "
محمد كامل عبد الصمد
يعد الكونت " هنري كاستري " من اكثر المستشرقين الاجانب انصافاً للاسلام0 يقول في كتابه " الاسلام خواطر وسوانح " : " إن غاية ما يرمى إليه هو إطلاع مواطنيه على صورة صحيحة للأسلام حتى يحاطوا بأصدق المعلومات عن العقيدة التي يعتنقها بعض رعاياهم في القارة الافريقية, مما يسهل لهم التفاهم معهم والسيطرة عليهم"0
ومن الجدير بالذكر أنه قد بدأ كتابه بمقدمة أوضح فيها الظروف التي دعته الى تأليفه :
" ذات يوم عندما كنت ضابطاً في الجيش الفرنسي بالجزائر0 خرجت أجوب الصحراء في ولاية وهران وخلفي ثلاثون من الفرسان العرب000وعندما حان وقت الصلاة, ترجلوا عن جيادهم واصطفوا لأداء صلاة العصر جماعة " هذا, وقد وصف شعوره- عندما أضطر أن يتنحى جانباً حتى يفرغوا من أداء صلاتهم- بقوله :
" كنت أود لو أن الارض أنشقت فابتلعتني, وجعلت أشاهد البرانس العريضة تنثني وتنفرج بحركات المصلين, وأسمعهم يكررون بصوت مرتفع " الله أكبر 000الله أكبر " فكان لهذا الأسم الإلهي أثر عجيب في نفسي وكنت أشعر بحرج لست أجد لفظاً يعبر عنه بسبب الحياء والانفعال00 كنت أحس بأن اولئك الفرسان الذين كانوا يتدانون امامي قبل هذه اللحظة, يشعرون في صلاتهم بأنهم أرفع مني مقاماً وأعز نفساً "0
ثم ذكر " كاستري " كيف دفعته تلك الخواطر الى الاستزادة من التعرف على مبادئ الإسلام , فكان من أهم ما لفت نظره الأسلوب الذي أنتشر به الاسلام00وكيف قاومه العرب في البداية , ثم أستجابوا له فرادى وأفواجا فيقول:
" لو كان دين محمد أنتشر بالعنف والإجبار للزم أن يقف سيره بانقضاء الفتوحات الاسلامية مع أننا لا نزال نرى القرآن يبسط جناحيه في جميع ارجاء العالم "0
ثم ضرب مثلا على ذلك بوجود عدة ملايين من المسلمين في الصين, مع أن الفتوحات الاسلامية لم تبلغ تلك البلاد!!
كما ضرب المثل بانتشاره بين الملايين من سكان القارة الافريقية !
ثم قال :
" وهكذا جلب الاسلام قسما عظيما من العالم بما أودع فيه من إعلاء شأن النفس "0
وتحدث كاستري عن تعذر أخراج المسلمين عن دينهم عندما تناول الصعوبات العديدة التي أعترضت سبيل المبشرين الفرنسيين في مستعمراتهم الإفريقية ومنها الجزائر - لحمل المسلمين على نبذ دينهم فقال :
" إن الإسلام ليس في أهله من يمرق عنه إلى غيره , وبعيد عن فكر المسلمين تصور هذا الامر , حتى أنهم لا يجدون لفظاً يعبرون به عن صفات من يأتيه, كما أنهم تحيروا في وصف المسلمين الذين تجنسوا بالجنسية الفرنسية , لأن فيها معنى من معاني الردة000"
بعدها قارن "كاستري" بين العجز عن حل المسلمين على ترك دينهم, ومايلقاه المسلمون - في الوقت نفسه - من يسر في أقناع غيرهم باعتناق دينهم 000
ثم أختتم "كاستري" كتابه بقوله :
" لو لم يكن للإسلام من فائدة إلا تحويل عبدة الاصنام من وثنيين إلى موحدين , وترقية أخلاقهم ومكانتهم, لكفى بذلك داعيا إلى معاملته بسياسة التلطف والاعتدال , جريا على قاعدة العمل بأخف الضررين"00000أنها عبارة تحمل المعاني العظيمة ما يغني عن الشرح والتعقيب0
-----------------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء
================(25/494)
(25/495)
توماس كارلايل : محمد شهاب أضاء العالم أجمع
محمد كامل عبد الصمد
يقول "توماس كارلايل" أحد كبار كتاب الأنجليز في كتابه "الأبطال" مدافعاًغيوراً على الاسلام :
" من العار أن يصغي أي انسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين بإن دين الإسلام كذب , وأن محمداً لم يكن على حق 000لقد آن لنا أن نحارب هذه الإدعاءات السخيفة المخجلة , فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمان لملايين كثيرة من الناس, فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذبة, أو خديعة مخادع ؟!000ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج لأصبحت الحياة سخفاً وعبثاً , وكان الأجدر بها ألا توجد 0000
هل رأيتم رجلاً كاذباً , يستطيع أن يخلق ديناً , ويتعهده بالنشر بهذه الصورة ؟!
إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتاً من الطوب لجهله بخصائص مواد البناء, وإذا بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد , فما بالك بالذي يبني بيتاً دعائمه هذه القرون العديدة , وتسكنه هذه الملايين الكثيرة من الناس؟! "0
ثم يخلص بنتيجة لا تقبل جدالاً يقرها في حزم حين يقول :
" وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمداً رجلاً كاذباً متصنعاً, متذرعاً بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع, وما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق 000وماكلمته إلا صوت حق صادق , وشهاب أضاء العالم أجمع 0 ذلك أمر الله 00وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء "0
ويرد "كارلايل" على مزاعم أعدائه بأن محمداً لم يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والسلطان وأن الطمع وحب الدنيا هو الذي دعا محمد الى دعوته , فيقول مفنداً مزاعمهم تلك :
" لقد أنطلقت من فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس , المملوء رحمة وبراً وحناناً ونوراً وحكمة أفكار غير الطمع الدنيوي, وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان 00لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة, يسطع أمام عينه سر الوجود بأهواله ومحاسنه ومخاوفه , لهذاجاء صوت هذا الرجل منبعثاً من قلب الطبيعة السامية , ولهذا وجدنا الأذان اليه مصغيه والقلوب لما يقول واعية000
لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه, ومأكله, وملبسه, وسائر أموره وأحواله, فكان طعامه عادة الخبز والماء , وكثيراً ما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار 00فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة ؟"0
ثم يستطرد قائلاً :
" لقد كان في قلوب العرب جفاء وغلظة, وكان من الصعب قيادتهم وتوجيههم واستطاع محمد أن يقودهم ويعاشرهم معظم وقته, ثلاثاً وعشرين حجة وهم ملتتفون حوله, يقاتلون بين يديه ويجاهدون معه000لهذا كان من يقدر على ترويضهم و تذليلهم بطلاً000ولولا ما وجدوا فيه من آيات النبل والفضل لما خضعوا لإرادته , ولما أنقادوا لمشيئته0
وفي ظني أنه لو وضع "قيصر" بتاجه وصولجانه وسط هؤلاء القوم بدل هذاالنبي, لما أستطاع "قيصر" أن يجبرهم على طاعته, كما أستطاع هذاالنبي في ثوبه المرقع 00هكذا تكون العظمة 00وهكذا تكون البطولة00وهكذا تكون العبقرية "0
------------------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء
==================(25/496)
(25/497)
اللورد هدلي يستعرض صورة الدين الحنيف
محمد كامل عبد الصمد
هناك مفكرون منصفون, لا غربيون فحسب, بل عالميون أيضاً, درسوا الإسلام دراسة عميقة فجرى في نفوسهم تيار تفهمهم له, حتى لقد أخذنا مدح الإسلام, منهم0
وهؤلاء الكتاب المفكرون ينقسمون الى فريقين :
فريق أعلن أسلامه في غير لبس ولا مراءاة, وجابه الرأي العام في بيئته بعقيدته, ثم أخذ يدعو إليها, مكرساً وقته وجهده لنشرها0
وفريق أحب الإسلام وأكتفى بمدحه, ولا ندري ماذا أسر في نفسه ؟!0
ويصف هذا الفريق "اللورد هدلي" بقوله :
" إنني أعتقد أن هناك ألافاً من الرجال -والنساء أيضاً- مسلمون قلباً, ولكن خوف الانتقاد والرغبة في الابتعاد عن التعب الناشئ عن التغيير منعهم من إظهار معتقداتهم "0
وسواء أكان هؤلاء الكتاب المفكرون اعتنقوا الاسلام وأعلنوه أمام الجميع , أم أحبوه وأعجبوا بما فيه من تعاليم ولم يجرءوا على أشهاره 000فسنذكر اراء كل واحد منهم0
* يقول اللورد هدلي ذاكراً بعض التعبيرات التي ترشد القارئ إلى سبب رفضه للمسيحية , وبالتالي سبب أعتناقه للدين الإسلامي :
" عندما كنت أقضي الزمن الطويل من حياتي الأولى في جو المسيحية, كنت أشعر دائماً أن الدين الإسلامي به الحسن والسهولة, وأنه خلو من عقائد الرومان والبروتستانت0000وثبتني على هذا الاعتقاد زيارتي للشرق التي أعقبت ذلك , ودراستي للقرآن المجيد "0
0000ثم أسمع اليه يقول :
" يجب أن أعترف أن زيارتي للشرق ملأتني أحتراما عظيماً للدين المحمدي السلس, الذي يجعل الإنسان يعبد الله حقيقة طوال مدة الحياة لا في أيام الآحاد فقط "0
ويبدي دهشته من عالمية الإسلام الذي يدعو الناس كافة إلى عبادة إله واحد , هو الله الواحد الأحد , فيقول :
" أيمكن أذن , أن يوجد دين يمكن العالم الإنساني من أن يجمع أمره على عبادة الله الواحد الحقيقي, الذي هو فوق الجميع , وأمام الجميع بطريقة سهلة خالية من الحشو والتلبيك ؟"0
ويدعو البشرية الى التفكير الصحيح لكي تصل الى الحقيقة التي وصل أليها بدلا من الافتراءات والأكاذيب التي يروجها الكثيرون عن الاسلام فيقول :" ليس في وسع الإنسان في الحقيقة إلا أن يعتقد أن مدبحي وناسجي هذه الافتراءات لم يتعلموا حتى ولا أول مبادئ دينهم وإلا لما أستطاعوا أن ينشروا في جميع أنحاء العالم تقارير معروف لديهم أنهم محض كذب واختلاق "0
ويتكلم هدلي عن محمد (ص) بإعجاب وحب فيقول :
" كان (ص) مثابراً , لا يخشى اعداءه, لأنه كان يعلم بأنه مكلف بهذه المأمورية من قبل الله ,ومن كلفه بهذا العمل لن يتخلى عنه0000لقد أثارت تلك الشجاعة - التي كانت حقاً أحدى مميزاته وأوصافه العظيمة - إعجاب وإحترام الكافرين ,وأولئك الذين كانوا يشتهون قتله 0000ومع ذلك فقد أنتبهت مشاعرنا, وازداد إعجابنا به بعد ذلك في حياته الأخيرة , أيام أنتصاره بمكة عندما كانت له القدرة والقوة على الأنتقام , وأستطاعته الأخذ بالثأر, ولم يفعل, بل عفا عن كل اعدائه000عفا بلا قيد او شرط عن كل هؤلاء الذين أضطهدوه وعذبوه 00آوى اليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة, وأغنى فقراءهم000عفا عن ألد اعدائه عندما كانت حياتهم في قبضة يده, وتحت رحمته0
تلكل الأخلاق الربانية التي أظهرها النبي الكريم أقنعت العرب بأن حائزها لا يكون إلا من عند الله , وأن يكون رجلاً على الصراط المستقيم حقاً ,وكراهيتهم المتأصلة في نفوسهم قد حولتها تلك الأخلاق الشريفة الى محبة وصداقة متينة"0
ثم يتابع وصفه لحياة محمد (ص) فيقول عنها :
" أنها كمرآة أمامنا تعكس علينا التعقل الراقي, والسخاء والكرم, والشجاعة والإقدام, والصبر والحلم, والوداعة والعفو, وباقي الأخلاق الجوهرية التي تكون الإنسانية, ونرى ذلك فيها بألوان وضاءة000وبما أننا في أحتياج الى نموذج كامل يفي بحاجاتنا في خطوات الحياة, فحياة النبي المقدس تسد تلك الحاجة "0
ومما هو جدير بالذكر أن للورد هدلي مؤلفات عديدة, أشهرها " رجل من الغرب يعتنق الإسلام " 0
----------------------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء
===============(25/498)
(25/499)
عشرة غربيين يرون الاسلام
محمد كمال عبد الصمد
* قال الكاتب الإيرلندي " برنارد شو " :
" الإسلام دين الديموقراطية وحرية الفكر 0000هو دين العقلاء0000ولكن هناك أمراً مهماً يجب ألا أغفله, وهو أن الإسلام شئ والمسلمون اليوم شئ أخر 0000الإسلام حسن ولكن أين المسلمون ؟!00وليس فيما أعرف من الأديان نظام أجتماعي صالح كالنظام الذي يقوم على القوانين والتعاليم الإسلامية "0
" 000الإسلام هو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقة هائلة لملاءمة أوجه الحياة المتغيرة, وهو صالح لكل العصور0
وفي رلأيي أن محمداً يجب أن يسمى منقذ البشرية, دون أن يكون في ذلك عداء للمسيح0 وأعتقد أنه لو أتيح لمثله أن يتولى منفرداً حكم هذا العالم الحديث لحالفه التوفيق في حل جميع مشاكله بأسلوب يؤدي الى السلام والسعادة اللذين يفتقر العالم اليهما كثيراً 0000وأستطيع أن أتنبأ بأن العقيدة الإسلامية ستلقى قبولاً حسناً في أوربا في الغد ,بل قد بدأت تجد أذاناَ صاغية في أوربا اليوم "0
* وقال " المستر وينتروب كيهمبال : الإنجليزي :
" أعجبني من الإسلام أنه دين بسيط معقول, ليس به ما في غيره من نظريات معقدة, واعتقادات سخيفة , وطقوس لا معنى لها, وقديسين يكادون يبلغون في أدعائهم الباطل درجة الألوهية!! "0
ثم قال :
" وبالرغم من أنني أنتسب الى الكنيسة الانجليزية البرونستانتية , فأنني ل كأكن عضواً حقيقياً فيها, إلا أن بلغت العشرين من العمر, ولا أزال أرى في كنيستي فائدة عظيمة يجنيها أعضاؤها, ولكنني لا أتفق معها في الأعتقاد والإيمان , ولا أقرها على طقوسها الدينية ونظرياتها غير المعقولة "0
ثم يمضي في قوله :
" ولا تظن أنني الوحيد الذي يرى في الإسلام جاذبية تجذبه اليه , فهذا صديق لي يبلغ من العمر الثامنة والعشرين, وهو مسيحي كاثوليكي, ينهمك في دراسة الإسلام والقرآن , ويرى فيه بغيته المنشودة, فلا عجب أبداً اذا رأيت هذا الكاثوليكي الذي ولد بمحيط التعصب , يعتنق الدين الإسلامي عن عقية ثابتة, ويجتذب إليه بهذه الرغبة والقوة الفائقة, لأنني أعتقد أن الإسلام يوافق عصرنا الحاضر أكثر مما توافقه النصرانية الان بتعاليمها وطقوسها "0
ثم يختتم حديثه قائلاً ك
" أعتقد أن في أوربا كثيرين من الناس لا يعتقدون بالمسيحية , ولا يرون فيها ما يوافق روح المدنية, ولو تباح لهم معرفة الإسلام لكنا نراهم يدخلون فيه أفواجاً أفواجاً "0
* وقال السير " لوندري لوبون " :
" إني أعتقد أن دين محمد 0000دين متين أسس على قواعد راسخة, وتعليمات تؤدي الى منافع الإنسان وتدعو إلى مصالحه "0
* وقال المستر " ولر " الإنجليزي :
" كل دين لا يساير المدنية في أطوارهاالمختلفة فاضربه على الجدار, فإنه يؤدي بأصحابه إلى الهلاك , والديانة الحقة التي تساير روح المدنية إنما هي الديانة الإسلامية "0
* وقال المسيو كولان :
" في الحقيقة أن الإسلام دين الترقي والحضارة , بدليل أن المسلمين عمروا كل موضع فتحوه, وهم الذين نقلوا حضارة فارس إلى اسبانيا "0
وقال الكاتب الأنجليزي الشهير المستر ليونارد :
" أمر الأوربيين عجيب, فإنهم ما برحوا يقفون موقف الخصم المعادي للمسلمين, ولست أدري سبباً يدفعهم إلى الإجحاف بحقوق المسلمين , أو إنكار فضائلهم إلى العالم كله, فأوربا لم تعترف حتى الأن بما لهذا الدين القويم من التأثير على التربية الأخلاقية, بل على المدنية الغربية نفسها0
وإن طانت أوربا أعترفت بفضل الإسلام , ولكنه أعتراف فاتر, صدر عن بعض رجالها القدماء والمحدثين , إذ قالوا :إن المسلمين كانوا في أزهى حضارة عندماكانت أوربا غارقة في بحر الهمجية, سادرة في ظلمات الجهالة, ولكن هذا لا يكفي , لأن فضل الإسلام لم يقف عند حد الإحسان الى أوربا القديمة , بل ظل متفضلاً محسناً عليها , وسيظل كذلك الى الأبد "0
ثم يمضي قائلاً :
" ألم يحن أن نعترف - نحن الذين بلغنا أعلى قمم الحضارة مانزعم - بأنه لولا التهذيب الإسلامي ومدنية المسلمين وعلومهم وثقافتهم وعظمتهم وحسن نظام جامعاتهم, لولا هذا كله لبقيت أوربا تتخبط في ظلام بهيم!0000هل نسينا أن التسامح الإسلامي يختلف كل الاختلاف عن التعصب الذميم الذي أتصفت به أوربا من قبل ولا تزال تتصف به؟
هل نسينا أن الشعوب الإسلامية قد نشطت ونمت وأوجدت حضارة لا تبلى , وذلك تحت ظلال الخلافة000وأجدادنا لا يدرون من الحياة إلا أن يقتتلوا ويعيشوا عيشة الانحطاط والجهل ؟
كيف يمتلئ قلب أوربا حقداً وكراهية للمسلمين منكرة فضلهم عليها , جاحدة الأعمال التي قاموا بها , والآثار التي خلفوها في بطونالكتب وعلى سطح الارض ؟000
وعلينا أن نذكر - والخزي يغمر وجوهنا- الجناية التي أقترفناها ضد المسلمين , بل أقترفناها ضد حضارة العالم , بإحراقنا مئات الألوف من المجلدات , وإنما ذلك بتحريض من التعصب المسيحي الأعمى !
فما كان جزاؤنا من قبل المسلمين ؟000إنهم قد صفحوا عنا نزولاً على كرم أخلاقهم, وعلو نفوسهم, كما يصفح الأب الحنون عن ذنوب أبنه الغر الجاهل !(25/500)
علينا أن نعترف بأن أوربا المسيحية بذلت كل ما في وسعها في جميع القرون الماضية, لتخفي فضل الإسلام عليها , ولكنهالم تفلح, ولن تفلح, لأن هذه الأعمال الزاهرة والأخلاق الكريمة لأعظم وأرفع من أن يستطاع إخفاؤها, أو طمس معالمها , فالشمسوإن حجبتها الغيوم فإن أشعتها وحرارتها تدل على وجودها !
ستعترف أوربا والقارة المسيحية في المستقبل القريب - بلا شك - بفضل الإسلام والمسلمين , بل أنها ستضطر إلى الأعتراف بدين الأبدية والخلود 000الدين الإسلامي الحنيف "0
* وقال المسيو " أوجين يوغ " :
" نعترف نحن الأوربيين أنه لا يمكننا في أية حال أن نجزي العرب جزاءهم الأوفي على خدماتهم للعلم والمدنية , فهم أساتذتنا الذين تلقينا عنهم شتى العلوم والفنون000وأما نحن فقد كانت العلوم لدينا محصورة في الأديرة وفي الصوامع وفي نطاق ضيق جداً "0
ثم مضى قائلاً :
" قد علٌمنا العرب دروساً في التسامح والكرم, فإنهم لم يرغمواالشعوب التي استعمروا بلادهاعلى تغيير معتقدهم الديني, كماكان المسلمون يحترمون جميع الأديان مهما ضعفت وقل عدد معتنقيها 000ولا يغرب عن البال أن من خصائص الدين الإسلامي السعي للسلم العالمي 000وأن من يمتزج بالمسلمين يتأكد من أنهم يحملون قلوباً بيضاء سليمة من كل حقد وضغينة , وهم يسعون الى تأليف القلوب والأرواح 0000ولو أن الغربيين درسوا القرآن لمدوا أيديهم لمصافحة المسلمين بدلا من الجور لهم ومعاداتهم "0
وفي موضع اخر من كتابه يقول :
" الإسلام دين سهل للبشر أن يعتنقوه ولهذا فإنه منتشر في جميع أنحاء العالم , حتى في مجاهل أسيا وفي أفريقيا وأوربا وأمريكا "0
وقال أيضاً0
" إن المسلمين شديدو التعلق بأوطانهم , يضحون بكل غال في سبيلها , ويعتقدون أن من اللازم على كل مسلم أن يساند أخاه المسلم, ويقدم له المساعدة المستطاعة000وهم شديدو الحرص على معتقداتهم , لا يسمحون لأي كائن أن يعبث بها , وهذه الرابطة التي تجمع مابين المسلمين هي التي نسميهاالجامعة الإسلامية, وهي أن يكون المسلمون تحت راية واحدة , وكلمتهم واحدة000أما القول بأن الجامعة الإسلامية معناها تأسيس أمبراطورية إسلامية فحديث خرافة لا أصل له "000
ويختتم كلامه قائلاً :
" هذا هو الدين الإسلامي ,وها هم المسلمون , نقول مانقول عنه وعنهم دون مبالغة "0
* وتقول الدكتورة " سالوناس حسن إسماعيل " الداعية الإسلامية بالمركز الإسلامي بكاليفورنيا , والحاصلة على الدكتوراه في طب أمراض النساء :
" إن المجتمع الأمريكي مهيأ لتقبل الأفكار الأسلامية , بشرط حسن العرض, وأن المرأة المسلمة مطالبة بأن تكون نموذجاً حسناً لأسلامها "0
وتذكر أنها قد تأكدت من هذه الحقيقةمن خلال عملها في المركز الإسلامي بكاليفورنيا الذي يتردد عليه نحو 300 ألف مسلم من شتى الجنسيات
والجدير بالذكر أن الدكتورة سالوناس من الشخصيات التي أعتنقت الإسلام وتحمستفي الدعوة له0
* ويفول الخبير الأمريكي " مصعب عبد الله " بعد إسلامه " :
" ليس إسلام الأمريكان أمراً نستغربه00وإنما الذي نستغربه ونستنكره ألا يدخل الناس في دين الله أفواجاً "0
-------------------------------------------
المصدر: الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء
==============(26/1)
(26/2)
نظرة الغربيين للاسلام
جانب من الدراسات الغربية التي تناولت الاسلام
وفي 1705 نشر المستشرق البوتستاني هادريان ريلاند من أوتريشت كتابه "دين محمد" وفيه معلومات واسعة عن الاسلام. ومن الاحداث المهمة في ذلك العصر صدور ترجمة للقرآن باللغة الانكليزية وقد تولى هذه الترجمة العالم الانكليزي جورج سيل في عام 1734 وهذه الطبعة سرعان ما ترجمت ونشرت باللغات الالمانية والفرنسية والهولندية فكانت المصدر المهم المعول عليه في أوربا لمدة تناهز القرن لمعرفة القضايا التي عالجها القرآن. وقد نوه فيها العالم جورج سيل تمشياً مع روح عصر النهضة بكثير من فضائل الدين الاسلامي ولا سيما منها ما يتفق مع الدين المسيحي.
وفي فرنسا أوضح معجم المكتبة الشرقية لمؤلفه بارتيليمي دي هيربيلو عام 1697 أسساً لتفهم الاسلام بشكل أصوب وأجود. وفي 1720 نشر هنري دي بولونفيرس كتابه "سيرة حياة محمد" وفيه دفاع عن سيرة النبي ورد على المطاعن والانتقاصات السابقة من شخصيته موضحاً ان محمداً مبدع ديني عقلي يستحق التقدير حتى في الغرب.. ان هذا الكتاب صدر في لندن بعد وفاة المؤلف. وقد أثر هذا الكتاب في تفكير فولتير اذ ألف كتابه (بحث في العادات) سنة 1765 فمدح به الاسلام وأشاد بمحمد وبالقرآن وقد نعت محمداً بأنه مع كونفوشيوس وزرادشت أعظم مشرعي العالم. ومن الجدير بالتنويه في هذا الصدد ان كتاب فولتير هذا يعكس تبدل آراء هذا المفكر الفرنسي الكبير السابقة عن النبي محمد. فكتابه السابق "التعصب أو النبي محمد".
وصف محمداً بأنه منافق وخداع ومحب للملذات الجسدية ومستبد. وقد كان فولتير بهذا النعت غير المنصف والطعن بشخصية محمد يستهدف دحض الأفكار الدينية المتعصبة بصورة عامة في فترة سادت بها حملة عامة واسعة لدحض الافكار الدينية المسيحية تجاوباً مع مبادىء عصر النهضة والتنوير العقلي. وقد ترجم الشاعر الالماني غوته كتاب فولتير هذا الى اللغة الالمانية رغم مخالفته للأراء غير المنصفة التي وردت فيه وذلك تلبية لرغبة رئيسه أمير فايمار كار اوغست.
وفي المانيا برز في تلك الحقبة علماء كبار ومفكرون عقليون مثل هيردر ولايبنيتز وليسينغ فصوروا وأوضحوا ما في الاسلام من مبادىء انسانية عادلة وفضائل خلقية وفكرية. فليسينغ في روايته "ناثان الحكيم" يمثل التفكير المتسامح في قضايا الدين وفي كتابه "كاردانوس"
أوضح ان الاسلام دين طبيعي. كما ان هيردر عزز هذه الآراء والنظرة المتسامحة بكتابه "أفكار حول فلسفة تاريخ الانسانية" وفي هذا الكتاب القيم أشاد المؤلف العلامة بشخصية النبي محمد وحماسه العالي لفكرة "وحدة الله" وحكمة عبادته بواسطة الطهارة والتأمل والعمل الصالح. وقد رد هيردر على التقاليد اليهودية والمسيحية البالية وأشاد بسيرة محمد والثقافة الاسلامية واطرى تعاليم الدين الاسلامي التي حثت على تحريم الخمر والمأكولات النجسة والربا والقمار والميسر وبين أن تأثيرات العبادة اليومية وأفكار الرحمة والطاعة لارادة الله التي نص عليها القرآن تمنح المسلمين اطمئنانهم النفسي. ومما قال العلامة هيردر في تقديره للقرآن: "لو كان للمسيطرين الجرمانيين على اوربا كتاب كلاسيكي بلغتهم كما كان القرآن للعرب لما اصبحت اللغة اللاتينية مسيطرة عليهم ولتعذر على قبائلهم ان تضيع بصورة كاملة في الضلال".
----------------------------
المصدر: مجلة آفاق عربية
===============(26/3)
(26/4)
شبهتان في المنهج الاستشراقي لدراسة القرآن الكريم
عبد الجبار الرفاعي
اللاهوت النصراني الذي تراكم فيه الحقد، واختزن الروح العدوانية الثأرية تجاه الشرق وانسانه المسلم، كان الرافد الاول لتشكيل رؤية الغرب أزاء الشرق، ثم ألهمت الاساطير المترجمة عن الشرق الانسان الغربي، صوراً خيالية أخرى عن ذلك العالم.
من هنا توحدت هذه الرؤية أزاء الشرق، وان اختلفت بالنسبة لأشياء أخرى، ولم يتمكن انتاج المستشرقين ان يخترق جدار المرآة التي يرى الشرق بواسطتها، الا استثناءاً، ولذلك لم يطرأ أي تحول أساسي في منهج البحث لديهم بالرغم من تغاير الأزمان، واختلاف البلدان التي ينتسبون اليها.
في ضوء ذلك لا يصح ان نقر التقسيم الذي ذهب اليه بعض الدارسين، بتصنيف الاستشراق الى مدارس، بحيث نسمي بعضه استشراقاً انجليزياً، وبعضه الآخر فرنسياً، أو المانياً، أو هولندياً، صحيح أن الدارسين يسمون بأسماء البلدان التي ينتمون اليها، غير أن النتيجة الصحيحة كما يشير الى ذلك عمر لطفي العالم في كتابه "المستشرقون والقرآن" المتأتية عن استعراض طرق البحث والتفكير والمحصلات، تنفي صحة هذا التقسيم، وإذا كان لابد من وجود اختلاف، فليس مرده الى الجغرافية، بل الى التناوب في تسيير عجلة الاستشراق، وبعبارة أخرى فانه ما إن وقفت مدرسة المستشرق دي ساسيه في باريس عن العطاء، حتى استأنفته مدرسة تيودورنولدكه في شتراسبورج، أو مدرسة هورجرونه في هولندا(1)، أما الموضوعات فتوشك ان تكون متطابقة مكملة، فاذا عرفنا أن الاتصال عبر المؤتمرات السنوية والدوريات المنتظمة لم ينقطع أبداً، جاز لنا القول:
إن سحنة الاستشراق واحدة، ولا سيما في وسائلها وغاياتها المتجهة نحو القرآن الكريم(2).
من المناسب هنا ان نشير الى شبهتين تكررت اثارتهما بأساليب مختلفة، من قبل المستشرقين أزاء النبي الأمين (ص) والقرآن الكريم، ومن يراجع آثارهم يجد صياغات متنوعة لهاتين الشبهتين، فقد تذكر الشبهة في مؤلف أحد المستشرقين الأوائل بنحو ما، ثم يلتقطها الآخر الذي يأتي بعده، فيعيد انتاجها ويحاول اثارتها بكيفية جديدة وكذلك يفعل الثالث المتأخر عنهما، بيد أن محور تلك الشبهة هو هو، وإن تنوعت أساليب التعبير عنها
* الشبهة الاولى: وتتخلص في القول:
ان للبيئة الفضل في افراز روح وفكر الرسالة الاسلامية، كما صرح بذلك أحد المستشرقين بقوله:
(يخيل اليَّ أنه من العبث فهم محمد بعيداً عن زمنه وبيئته).
ومن الغريب ان يتجاهل هذا الزعم، ان الاسلام كان ثورة حقيقية على الجاهلية، وان الاسلام عبّرَ عن مشروع حضاري يتناقض من الديانات الوثنية التي كانت سائدة في عصر البعثة، وبالذات في الجزيرة العربية _مهبط الرسالة الاسلامية _، ولذلك دخل الاسلام مرحلة الصراع مع الوثنية السائدة آنذاك في مكة المكرمة، هذا الصراع الذي اشتد بعد سنوات قليلة من عمر الرسالة، حتى اضطر المسلمون معه الى اللجوء الى أرض أخرى جديدة لتكون قاعدةً ومنطلقاً للدعوة الجديدة، ومع ذلك لم تتخل الوثنية عن عدوانها وكيدها لهذه الدعوة الوليدة، الى ان بلغ الصراع ذروته في المعارك الضارية التي خاضها المسلمون مع الوثنيي، واستمرت طيلة فترة حياة الرسول (ص)، ولم تتوقف بعد وفاته.
ان هذا الصراع الدموي الذي تواصل لسنوات عديدة، بين الاسلام والوثنية، هو الدليل الأكيد على ان الاسلام هو النقيض الطبيعي للبيئة الوثنية المعروفة وليس من الصحيح ان يولد النقيض من رحم نقيضه، بمعنى انه لايمكن ان نفهم، بأن البيئة العقائدية الوثنية يمكن ان تثمر عقيدة توحيدية خالصة، هذه العقيدة التي عبرت عن نفي تام للوثنية.
أليس هذا القول أشبه بمن يدعي بأن مصدر النور هو الظلام؟!
قال تعالى:
(قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين يهدي به الله مَن اتَّبع رضوانه سُبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراطٍ مستقيم).
اما الشبهة الثانية فتتلخص في: حرص المستشرقين على تصيد النظائر والمتشابهات بين القرآن والكتب الاخرى، واتخاذها ذريعة للقول بتلقي الرسول الامين (ص) مادة القرآن الكريم من تلك الكتب، كما نلاحظ ذلك في الكثير من مؤلفات المستشرقين حول القصص القرآني، فقد اشار المستشرق الألماني "هاينز شبييار" في كتابه الصادر عام 1931 تحت عنوان "القصص التوراتي في القرآن"، أشار في مقدمة هذا الكتاب الى ما سمّاه أعمالاً أصولية ومرتكزات علمية على مدار السنوات المائة الاخيرة _وهي مؤلفات المستشرقين: شبر نجر، موير، جريم، نولدكه، بوهل، شفاللي _، وعلل شبييار حكمه هذا بأن أصحاب هذه الأعمال خصصوا النصيب الأوفر من تلك الدراسات للحديث عن شخصية الرسول، كما قال:
(إن هذه الدراسات دلت صراحة على التصورات غير العربية التي "اقتبسها" الرسول من غيره، سواء في مواجهاته التشريعية أو السياسية، وذلك في ضوء الدراسات النقدية التي وضع أسسها المستشرق المعروف اجناس جولدزيهر من خلال دراسته للسيرة) (3).(26/5)
ان هذه القراءة الارجاعية لما تضمنه القرآن الكريم، ومحاولة اكتشاف الأصول في موروث كتابي آخر، هي أحد أبرز ملامح الرؤية التقليدية للاستشراق في تعامله مع التراث الاسلامي، بل التراث الشرقي عامة، فمثلاً الفلسفة الاسلامية تغدو فلسفة يونانية مكتوبة بحروف عربية (بحسب زعم المستشرق الفرنسي ارنست رينان _، والتشريع الاسلامي هو القانون الروماني، و... الخ.
لقد كانت هذه القراءة مظهراً واضحاً لتجلي الوعي الاستشراقي، الذي ولد في أحضان اللاهوت الكنيسي، والذي عمد الى تبني خطاباً تضليلياً في الحديث عن القرآن الكريم والتراث الاسلامي، لأنه مما لاشك فيه ان تاريخ الانسانية تاريخ مشترك، والمنعطفات الكبرى في هذا التاريخ شملت كل أفراد النوع الانساني آنذاك، حيث كانت الأرض هي المسرح الطبيعي لتلك الحوادث، كحادث الطوفان الذي عمَّ الأرض في عصر النبي نوح (ع).
ومن هنا تكرر ذكر الطوفان مثلاً، في الكتب القديمة، بل في الألواح الطينية التي عُثر عليها في آثار الأمم القديمة كالسومريين وغيرهم، فلماذا أضحى ذكر هذا الحادث في القرآن اقتباساً من التوراة؟!
ــــــــــــــ
1_ كان دي ساسيه المستشرق الفرنسي اللغوي على رأس المدرسة الفرنسية في باريس، بينما كان نولدكه في مدينة سترا سبورج على رأس المدرسة الألمانية، وطبع حركة الاستشراق سبعين سنة بشخصه، وكان المستشرق هورجرونيه في مدينة لايدن بهولندا كذلك بالنسبة للاستشراق الهولندي.
2_ العالم، عمر لطفي. المستشرقون والقرآن، ص 26.
3_ ن . م، ص 85 و 118.
------------------------------------
المصدر: متابعات ثقافية
==============(26/6)
(26/7)
ثغرات منهجية في كتاب المستشرق مونتغمري وات عند الرسول الاكرم (ص)
عبد الجبار الرفاعي
يقرر الدكتور جعفر شيخ ادريس دعائم المنهج الذي اتبعه المستشرق مونتغمري وات في كتابه عن النبي الكريم (ص)، من خلال البحث الذي أسهم فيه
كتاب "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الاسلامية" تحت عنوان:
"منهج مونتغمري وات في دراسة نبوة محمد (ص)، حيث أوضح الدكتور جعفر أن وات إدعى منهجاً في كتابه، فيما التزم عملياً بمنهج آخر، ارتكز المنهج الذي سار عليه على الدعائم التالية:
1_ العلمانية:
التزم وات في حكمه على ما يمكن أن يقع، وما لا يمكن وقوعه بفلسفة علمانية، تستبعد امكان وقوع الظواهر الدينية التي لا تخضع لقوانين الأجسام المادية المعروفة(1).
2_ المادية:
ولا يكتفي وات بالفلسفة العلمانية العامة، بل يأخذ أحياناً بفلسفة علمانية ضيقة، لا يقول بها إلاّ غلاة الماديين.. فبينما يبرأ من قول الماركسيين في تفسير الدين نظرياً، نجده يقول في محل آخر "ان التوتر (!) الذي كان يشعر به محمد، وبعض معاصريه، يعزى في النهاية وبلا شك الى هذا التنافر بين سلوك الناس الواعي، والأساس الاقتصادي لحياتهم" (2).
3_ اتباع الظن:
كثيراً ما يترك وات القضايا التي تسندها بعض الشواهد التاريخية، التي يجدها في مصادره، ويستبدل بها مزاعم لا دليل عليها، كما صرح هو بذلك "أعترف بأنه لا توجد طريقة للبرهنة، على ان هذا هو الذي حدث، انه مجرد فرض ولكن السير على أساس مثل هذه الفروض هو جزء من النظرية العلمية الحديثة(3).
4_ عدم الثقة في علماء المسلمين وعامتهم:
يورد وات الحقائق التي ذكرها علماء المسلمين، أو حتى أجمعوا عليها بصيغة التعريض والتشكيك إن لم يجد في انكارها ما يخدم له غرضاً، وأما ان كان فيها ذلك، فإنه لا يتردد في إنكارها وردها، ... لكن المؤسف انه يعامل علماء بلاده بعكس ذلك تماماً، فهو يظهر احترامه الشديد لهم، ويعتذر عن مخالفتهم ان اضطر لذلك.
5_ تعصب ضد العرب والمسلمين:
ذهب وات الى ان "النظرة العربية لم يكن فيها تصور مجرد للخطأ والصواب، كما ان "التفرقة الغربية بين الحقيقة المجردة ومغزاها لا توجد واضحة في الشرق، _ولذلك _ ربما عرف محمد الحقائق المجردة، ولكن ربما لم يقّدر مغزى هذه الحقائق المجردة"، واتهم العرب في موضع آخر بأن "عقليتهم لا ترفض التناقض" (4).
ـــــــــــــ
1_ "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الاسلامية"، ص 236 _ 244.
2_ ن . م، ص 236 _ 237.
3_ ن . م، ص 237.
4_ ن . م، ص 238 _ 244.
-----------------------------------------------
المصدر : متابعات ثقافية
===============(26/8)
(26/9)
الإسلام لمن لا يعرفوه
لا شك أن ما حدث في نيويورك وواشنطن هو حدث إنساني كبير، يهم العالم بأسره، ولسوف يشكل منعطفاً تاريخياً حاداً، يصلح لأن يؤرخ به، ومن غريب المصادفة أن يأتي في السنة الأولى من الألفية الميلادية الثالثة، ليكون بداية لها، تؤرخ به.
ولا شك أن من حق كل إنسان يعيش على الأرض أن يدلي بدلوه في رسم حدود هذا المنعطف، ومعالم الطريق الذي سيضع الإنسانية عليه!...
فنحن نعيش عصر العولمة الذي اختزل القرى في قرية كونية واحدة، والغى ما بينها من أبعاد وحدود، وكسر كل الحواجز والسدود.
ونحن نعيش عصر المعلومات وثورة الاتصالات الذي بدل معايير ارتقاء الأمم وتقدمها من ثروة المال ومداخن المصانع وقوة السلاح إلى ثروة المعلومات وقوة المعرفة، فكسر بذلك جميع الاحتكارات، وأسقط كل الايحاءات، إذ المادة الأولية للمعرفة والمعلومات هي الفكر والعقل، وهي مادة مشاعة بين البشر يملكها الجميع بالتساوي. لا ينفرد بها عرق أو لون أو أمة أو شعب.. ولعل ما حدث يوم الثلاثاء وما حدث قبله من اختراقات إلكترونية على شبكة المعلومات لبرامج البنتاجون يؤكد هذه الحقيقة حقيقة شيوع المعرفة وكسر الاحتكارات.
فأين موقع الإسلام من الحدث. وما كان موقفه منه بوصفه المرشح الأول للمواجهة مع الغرب في صراع الحضارات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كما صوره هانتجتون، وصادق على هذه الصورة كثير من المفكرين الغربيين؟!
لم يتردد الأمريكيون فور وقوع الحدث في وضعه في قفص الاتهام، كأبرز أصحاب السوابق المشتبه بهم، كعادتهم كلما تلقوا ضربة، حتى لو تبين لهم أن بعض هذه الضربات لم يكن له يد فيها.
بل إنهم _هذه المرة _ تجاوزوا توجيه أصابع الاتهام، وعجلت ألسنة قادتهم _ربما لهول الصدمة _ بإعلانها حرباً صليبية، اتخذوا لها شعار النسر النبيل، وهو شعار الحملة الصليبية التي سبق للغرب أن شنها على الإسلام _كما نعلم _ ثم بدا لهم أن يعتذروا عما زلقت به ألسنتهم، تفادياً لإحراج حكومات يريدون أن تشاركهم حملتهم ضد الإرهاب.
ثم أطلقوا شعارهم الجائر: من لم يكن معنا في مكافحة الإرهاب على الطريقة التي نرسمها فهو ضدنا يقف في صف الإرهاب، متجاهلين كل حق للإنسان في الاختلاف واختيار الرأي الأفضل.
ويتطوع بعض الخطاب الإسلامي بتقديم الأدلة والبراهين على رعاية الإسلام للإرهاب.. فيطرح تارة ثنائية الايمان والكفر، ليستعدي أربعة أخماس سكان المعمورة على المسلمين، وتارة يطلق صيحات الجهاد والبيعة والنصرة بعيدة عن سياقها، مجردة عما قرره لها العلماء من ضوابط وشروط ومسوغات ويقف الإسلام إزاء هذه المواقف المتباينة:
مشفقاً من أن الإنسانية لم تدرك بعدُ رسالة السماء، ولم تسلك درب الأنبياء الذي لخصته الرسالة الخاتمة، وأودعت خرائطه في كتاب الله تعالى الأخير (القرآن العظيم).
واثقاً من أنها متجهة إليه، تحث الخطى نحوه، تحت سياط تجاربها المريرة، وفي سياق كدحها إلى الحقيقة (هذا نذير من النُّذرِ الأولى(56) أزفَت الآزفة(57) ليس لها من دونِ اللهِ كاشفة(58) أفمن هذا الحديثِ تعجبون(59) وتضحكونَ ولا تبكونَ(60) وأنتم سامدون(61) فاسجدوا لله واعبدوا(62)) (النجم).
متأكداً من أن الإنسانية سوف تقلع عن استخدام القوة وسفك الدماء وسيلة لحل المشكلات، وسوف تستبدل بها وسائل الحوار، والكلمة السواء التي دعانا إليها الإسلام.
ربما يحلو لبعض المتفيهقين من أدعياء الحداثة أن يدرجوا هذا الكلام في عداد الوعظ، ويصنفوه في نطاق لغة الأخلاق والمثاليات، التي يعسر تطبيقها في الواقع المعيش، كما يعسر قياسها بلغة الأرقام، لكنني أؤمن بأنها حتمية تاريخية تندرج في إطار القوانين الطبيعية التي سير الله تعالى بها الكون، وأن الإنسان بموجب قانون الارتقاء والاصطفاء وتجنب الأخطاء الذي سنه الله تعالى له، لا يزال يتدرج في معارجه منذ أخبر الله ملائكته (إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة) (البقرة) إلى أن يثبت صدق تقدير الله فيه.
آية ذلك ما نراه من إقبال الغربيين على اعتناق الإسلام كلما اتيح لهم أن يطلعوا على عظمته، تبرماً بمادية حضارتهم المغرقة وخوائها الروحي، وإعجاباً بما يحققه الإسلام للإنسان من طمأنينة ترضي تطلعاته إلى الحق، وتوازن لا يهمل بعده الروحي ومصيره.. حتى إنه بات يشكل الدين الأكثر انتشارا وتقدماً في العالم بفارق كبير يفصله عن سائر الملل والديانات.
يحدث ذلك من دون أية جهود دعوية تبذل، وعلى الرغم من النماذج التطبيقية السيئة، ومن التخلف الذي يعيشه العالم الإسلامي، مما يؤكد قدراته الذاتية على الانتشار من جهة، وفاعلية الكلمة وحتمية ظهور الحق على الباطل تلقائياً من جهة أخرى، وأن الإسلام يعتمد على هذه القوة الذاتية للحق.
فما هذا الإسلام؟ وما خطابه للناس؟ وكيف يتعامل مع الآخر؟ ومن الآخر في نظره؟ وما موقفه من الإرهاب والعنف؟!(26/10)
أما الإسلام فهو الرسالة الخاتمة الجامعة لكل الرسالات، جاءت مكملة لها، ومعرّفة بها، مؤكدة وحدتها في المصدر والمنهج وأنها ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين: (قولوا آمنّا باللهِ وما أُنزلَ إلينا وما أُنزل إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ وما أُوتي موسى وعيسى وما أُوتي النّبيّونَ من ربِهِم لا نفرقُ بينَ أحدٍ منهم ونحنُ له مسلمونَ) (البقرة: 136).
وأما خطابه فقد جاء للناس كافة غير محدود بقوة أو لون أو عرق أو دين: (قُل يا أيُّها النّاسُ إنّي رسول اللهِ إليكم جميعاً الذي له مُلك السمواتِ والأرض لا إله إلاّ هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النّبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) (الأعراف: 158).
وأما وسيلته في دعوة الناس إليه فهي البلاغ المبين، والحجة البالغة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والحوار المفتوح دون مسلمات مسبقة، واستبعاد كل أساليب الإكراه (لا إكراه في الدين قد تبينَ الرُّشد من الغي) (البقرة: 256). (ما على الرَّسولِ إلاّ البلاغُ) (المائدة: 99). ويؤكد على رسوله (فما أرسلناكَ عليهم حفيظا إن عليكَ إلاّ البلاغ) (الشورى: 48) ويحذره من إكراه الناس على الايمان (أفأنتَ تُكرهُ النّاس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس: 99).
ومن الطبيعي بعد كل هذا الإلحاح على تجنب الإكراه في الدين، أن يكون الإنسان حراً في اختيار دينه ورأيه، غير مضطهد، بسبب اختياره (فمن شاء فليؤمن ومن شاءَ فليكفر).
ومن الطبيعي كذلك ألا يكون الكفر والإيمان مدعاة للتخاصم والتقاتل بين المسلمين والكافرين، فقد اختص الله تعالى نفسه بالحساب عليهما ولم يأذن بذلك لرسوله (فإنما عليكَ البلاغُ وعلينا الحساب) (الرعد: 40).
إنما أذن الله للمؤمنين بالقتال دفعاً للظلم ودفاعاً عن النفس (اُذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) (الحج: 39)، فعلة القتال المأذون به هي الظلم وليس الكفر (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكُم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اللهَ يحب المقسطين) (الممتحنة: 8). (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلمَ فما جعل اللهُ لكم عليهم سبيلا) (النساء: 90).
وللإسلام موقف واضح من العدوان؛ فهو ينهى المسلمين عن ممارسته (وقاتلوا في سبيل الله الذينَ يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اللهَ لا يحبُّ المعتدين) (البقرة:190).؛ كما ينهاهم عن التعاون عليه (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة: 2). وعن مجرد التناجي به فضلاً عن التآمر عليه (فلا تتناجوا بالإثم والعدوان) (المجادلة: 9).
وإنما دعا الإسلام إلى الجهاد بشروطه، فالكفر وحده لا يكون سبباً مسوغاً للجهاد، إلا إذا اقترن بأحد أمرين: الحرابة أي إعلان الحرب على المسلمين أو الظلم، فإذا تحقق أحد الشرطين وجب الجهاد واستنفر المسلمون له؛ وكانت دوافعه رد العدوان ودفع الظلم، وفي ذلك يقول الله تعالى: (إنما ينهاكُم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون) (الممتحنة: 9). فتكون موالاة الظلم والسكوت عن ظلمه ظلماً بحد ذاته، ويقول أيضاً: (وما لَكُم لا تقاتلونَ في سبيل اللهِ والمستضعفينَ من الرجالِ والنساءِ والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا) (النساء: 75).
والقتل من غير مسوغ شرعي جريمة كبرى بحق الإنسانية كلها في نظر الإسلام (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتلَ الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا النّاس جميعاً) (المائدة: 32).
والأصل في العلاقات بين المسلمين وغيرهم هو السلام لا الحرب. فالسلام أحد أسماء الله تعالى الحسنى (المَلك القدُّوسُ السَّلام) (الحشر: 32) (واللهُ يدعو إلى دار السّلام) (يونس: 25) والرسولل (ص) مأمور بالصفح والسلام (فاصفح عنهُم وقل سلام) (الزخرف: 89)، وعباد الرحمن (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (الفرقان:63). والمسلمون مدعوون للدخول في السلم كلما تحققت شروطه (يا أيُّها الذين آمنوا ادخلوا في السلمِ كافة) (البقرة: 208).
فهل بعد ذلك من ريب في نزوع الإسلام إلى السلم، ورفضه كل أشكال الإرهاب، واستعداده للدخول في أي مسعى يهدف إلى مكافحة الإرهاب، تضطلع به أيد نظيفة غير ملوثة بممارسة الظلم والقهر والعدوان والتطهير العرقي وطرد الناس من بلادهم وأوطانهم، ولا بمظاهرة الظالمين ودعمهم وتشجيعهم والسكوت على جرائمهم؟!، وتسلك لمكافحة الإرهاب والغي طرقاً تنأى بها عن الإرهاب والغي وقتل الأبرياء وتشريد المستضعفين، وتوطد العزم على أجتثاث جذور الإرهاب، وإزالة أسبابه ودوافعه، وتجفيف ينابيعه؟!.
-------------------
المصدر : مجلة المجتمع الكويتية /العدد 1477- 2002/11/17
==================(26/11)
(26/12)
ايريس صفوت الألمانية بعد إسلامها:
وجدت في الإسلام تكريما افتقدته في الغرب
ايريس صفوت ـ المانية ـ احدى الغربيات اللاتي دخل الايمان الى قلوبهن تعيش الآن في صفاء وسعادة لم تشعر بها من قبل، تعرفت على الاسلام في سن العاشرة عندما وجدت ان شيئا ما بداخلها يشدها نحو الاسلام وفي عام 1967 سافرت في رحلة الى لندن واشهرت اسلامها بالمركز الاسلامي هناك.
التقت «الشرق الاوسط» هذه السيدة الالمانية على هامش المؤتمر الاسلامي الدولي الرابع عشر الذي انهى اعماله اخيرا بالقاهرة وفي الحوار التالي نتعرف على قصة اسلامها ورحلتها الايمانية.
* متى تعرفت على الاسلام وماذا كان شعورك وقت ذلك؟
ـ نشأت في اسرة مسيحية علمانية ابتعدت عن الكنيسة وعندما كنت في سن العاشرة شعرت بأن شيئا ينقصني في حياتي، وفطرتي دائما تشتد نحو الدين واخذت ابحث لي عن دين وكنت في ذلك الوقت اقرأ في الكتب عن الاسلام ووقتها شعرت بشيء يشدني بقوة الى الاسلام كدين سماوي يرفع من كيان الانسان ويحمل جميع الفضائل والاخلاق الفاضلة واخذت اهتم بهذا الدين وتحدثت الى زميلاتي في المدرسة وعن الاسلام وانني احب هذا الدين وحينئذ كنت بلغت الثانية عشرة من عمري وبالفعل اسلمت وكتمت اسلامي لان زميلاتي وصفنني بالجنون.
* ولكن ماذا كان موقف اسرتك وهل عرفوا بقصة اسلامك؟
ـ في البداية اعتبرت اسرتي انني امر بمرحلة اضطراب وتقلب في المزاج لكن عندنا في الغرب حرية واذا بلغ الابناء سن الثالثة عشرة فمن حقهم ان يتصرفوا كيفما شاءوا ومن حقهم ايضا ان يتركوا اهلهم وبالتالي فتركوا لي حرية الديانة وعندما وصلت للثانوية العامة وكان عمري حيئذ ثلاثة عشرة سنة وذلك عام 1967 وكنت في رحلة الى لندن وذهبت الى المركز الاسلامي هناك والتقيت بالشيخ محمد الجيوشي (عميد كلية الدعوة الاسبق بجامعة الازهر) وكان اماما للمركز وقلت له انني اريد ان اعلن اسلامي واذهب الى الازهر وادرس الدين الاسلامي واللغة العربية. كما التقيت بالشيح احمد حسن الباقوري (وزير الاوقاف المصري الاسبق) في ذلك الحين ووعدني بالدراسة في الازهر واعلنت اسلامي امام الشيخين ونطقت بكلمة التوحيد وفي عام 1969 سافرت الى مصر وتعلمت اللغة العربية ثم عدت الى المانيا لدراسة الماجستير في جامعة كيسين وفي اثناء دراستي للماجستير تعرفت على شاب مصري كان يدرس في مرحلة الدكتوراه وتزوجنا وسافرنا عام 1975 الى مصر وواصلت دراستي للغة العربية وزادت معرفتي بالاسلام.
* اكثر من ثلاثين عاما منذ ان اعتنقت الاسلام.. هذه الفترة بلا شك كفيلة بأن تجعل منك داعية لاهلك في المانيا فهل قمت بنوع من العمل الدعوي هناك؟
ـ نعم منذ اللحظة الاولى لاسلامي وانا انتمي لهذا الدين وادعو اليه والحمد لله استطعت ان اقنع اثنين من اقاربي بأن يسلما هم جدتي ورجل آخر من اقاربي والذين لم يسلموا كنت اعطي لهم فكرة عن الاسلام وهم عندما يسمعونني كانوا يحترمون الاسلام.
* ماذا عن علاقتك بأسرتك الان؟
ـ علاقتي بأسرتي في ألمانيا جيدة منذ ان اعلنت اسلامي لانه في المانيا يوجد تسامح واحترام لحرية العقيدة ويعتبرون ان الدين مسألة شخصية.
* أريد التعرف على حياتك قبل الاسلام وهل كان فيها نوع من الالتزام الديني أم غير ذلك؟
ـ الذي لم يعرفه العالم الاسلامي والعربي ان الدين في الغرب شيء هامشي الى اقصى درجة وليس هناك التزام ديني فالمسيحية ما هي الا اسم فقط فأنا على سبيل المثال نشأت في اسرة علمانية مسيحية ليس لها علاقة بالكنيسة ونشأت على الفطرة.
* ما هو اكثر شيء جذبك للاسلام؟
ـ قبل ان اعلن اسلامي كنت اقرأ عن شخصية الرسو صلى الله عليه وسلم وسيرته فأحببت هذه الشخصية كثيرا لما تتميز به من خصال لا توجد في بشر على وجه الارض.
* أرى ان الزي الذي ترتدينه فيه حشمة ووقار بخلاف الاخريات المتبرجات فهل هذا التزام داخلي؟
ـ شريعة الاسلام كما تعلمت امرت المسلمة بالاحتشام وهذا الزي اجد فيه نفسي وراحتي ولا ابالغ اذا قلت اجد فيه الاناقة بكل ابعادها ونحن في الغرب لا نقبل الاكراه على شيء بل نفعل ما نعتقده ونقتنع به وانا مقتنعة بهذا الزي.
* هل تعلمين ان الاسلام لم يكره احدا على اعتناقه لكنه يمنع من يدخله ان يرتد عنه؟
ـ انا دخلت الاسلام بقناعة شخصية ودون تدخل أو تأثير من أي مسلم لانه لم يكن في الريف الذي نشأت فيه مسلمون اطلاقا وكون ان الاسلام لم يجبر احدا على اعتناقه ويعاقب من يسلم ثم يرتد فهذا قمة العدل لان المرتد يكون ضد الاسلام ويعطي صورة سيئة عن الدين وهو من قبيل التلاعب بالاديان.
* ما هي امنيتك بعد اسلامك؟
ـ في البداية كانت امنيتي ان يكرمني الله بالحج وزيارة قبر صلى الله عليه وسلم وقد اديت هذه الفريضة عام 1990 وبعدما اديت الحج كانت امنيتي وما زالت ان اكون داعية للاسلام وبعض الاصدقاء اقترحوا علي ان اقوم بالقاء دروس للسيدات في المساجد في مصر والبلاد العربية ولكن فضلت ان اخاطب الغرب واشرح للغربيين المفاهيم المغلوطة والمشوهة عن الاسلام لأنني أفهم ثقافة الغرب وأستطيع اقناعهم.(26/13)
* لماذا يقف العالم الغربي موقف العداء من الاسلام؟
ـ الغرب لم يكره الاسلام كما هو متصور لكنه لديه فكرة خطأ عنه لانه عندهم الاسلام هو ارهاب وعنف. ومثلاً في ألمانيا نجد أن العنصرية أو الاضطهاد الذي يلقاه الأجانب سواء مسلمون أو غيرهم هو بسبب العوامل الاقتصادية لأن الألمان ينظرون الى أن هؤلاء الأجانب سيأخذون منهم فرص العمل وبالتالي يرفضون وجود الأجانب بينهم.
------------------------------------------------
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط 4-10-2002
=================(26/14)
(26/15)
نظرية العمل والقيمة بين ابن خلدون وماركس
عبد الرحمن بدوي
من الأفكار الأصيلة التي عرضها ابن خلدون في «مقدمته» نظريته في العمل والقيمة، وهي قريبة جداً من نظرية ماركس التي تردّ القيمة الى العمل المبذول في إنتاج السلعة.
فقد عقد ابن خلدون فصلاً ممتازاً «في حقيقة الرزق والكسب وشرحهما، وإن الكسب هو قيمة الأعمال البشرية» فبيّن افتقار الإنسان الى العمل لإنتاج السلع التي تشبع حاجات نفسه إما مباشرة باستهلاكها والإنتفاع المباشر بها، واما بالمعاوضة عنها بما أنتجه الآخرون مما هو في حاجة اليه. إذ لا سبيل الى تحصيل ما أنتجه الغير إلا بإعطائه بديلاً عنه. ولهذا يقول: «أيدي البَشَر منتشرة فهي مشتركة في ذلك (أعنى في إنتاج السلع) وما حصلت عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلا بعوض. فالإنسان متى أقتدر على نفسه وتجاوز دور الضعف سعى في أقتناء المكاسب ينفق ما أتاه اللّه منها في تحصيل حاجاته وضروراته بدفع الإعواض عنها».
ويمضي ابن خلدون في بيان نظريته فيقول تماما كما يقول ماركس إن قيمة العمل انما تقاس بكميته، فيقرر بصريح العبارة: «وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرُها مثل النجارة والحياكة معهما الخشب والغزل، الاّ إن العمل فيهما (أي في النجارة والحياكة) أكثر، فقيمتُه أكثر» : وعلى هذا فإن العبرة في تقويم الإنتاج هي بكمية العمل التي بذلت لتحصيلها. ذلك أن العمل المبذول في صناعة قطع الأثاث أكبر من العمل الذي بذل في قطع الأشجار، والعمل المبذول في النسيج أكبر منه في الغزل؛ ولهذا يجب أن يجري تقويم كل نوع منهما وفقاً لذلك، فيكون الأول أغلى من الثاني. لكن يلاحظ ان ابن خلدون هنا قد اقتصر على ضرب المثل بصناعات متكاملة حتى يسهل عليه التخلص من الاعتراض الذي يثار دائماً ضد نظرية القيمة بحسب العمل، وهو: كيف تقوم السلع المتباينة وليس ثم أساس مشترك لتقدير العمل بينها؟ وبهذا نرى ابن خلدون بعيداً عن التفكير في مواجهة كل الإعتراضات المشهورة على هذه النظرية. وأهمها أولاً أنه قد يحدث مراراً أن يكون ثمّ قيمة حيث لا عمل أصلاً، مثل اكتشاف نبع أو بئر بترول أو عروق معدن بالصدفة لا بالبحث والتنقيب. وثانياً أننا لو قارنّا بين عمل نحات وعمل قاطع أحجار، لوجدنا أن الأول ينتج في ساعتين ما لا ينتجه الآخر في عشر الساعات من حيث قيمة الناتج. وثالثاً دعوى أن التبادل تكافؤ وهذا باطل لأن استبدال عشرة قناطير من القطن مقابل ثلاجة ليس فيه تكافؤ، بل يتوقف الأمر على المنفعة بالنسبة الى المتقايضين. ورابعاً نرى هذه النظرية تغفل التمييز بين نوعين من الخيرات: نوع لايدخله عمل انساني . ونوع آخر يقوم به العمل الإنساني، وكلاهما ذو قيمة. فالأحراش ومساقط المياه والينابيع وما إليها لا يدخلها عمل إنساني، ومع ذلك فلها كل قيمتها.
على أن ابن خلدون - وهذا من حصافته ولو ذعيته - أدرك هذا الإعتراض الأخير فبدأ كلامه بالتمييز بين كلا النوعين من الخيرات ، ولم يتجاهله كما صنع ماركس . فقال ابن خلدون : «وقد يحصل له ذلك (أي المنافع) بغير سعى كالمطر المصلح للزراعة وأمثاله، إلا أنها أينما تكون مُعينة ولابد من سعيه معها» ( ص 186) - ومعنى هذا أنه يرى أن الخيرات الخالية من العمل الإنساني ليست إلاّ وسائل مساعدة ولا تكفي بنفسها لسد حاجة الإنسان وهذا ما لوحظ فعلاً في الرد على الإعتراض الرابع. فإن الأحراش ومساقط المياه ومواطن المعادن لاتقوم لنفسها بإعطاء السلع الصالحة للاستهلاك، بل لابد من إقامة المنشآت واستخدام الآلات وبذل الجهود البشرية والآنية لتقطيع الأشجار وتحويلها الى أخشاب صالحة بعد ذلك لصناعة الأثاث والبناء - بالنسبة الى الأحراش؛ ولابد من المنشآت والآلات والجهود البشرية والآلية لاستغلال مساقط المياه باستنباط الكهرباء منها وتوزيعها بعد ذلك للانتفاع منها في التحريك والإنارة وما الى ذلك ... وهكذا يصدق مالاحظه ابن خلدون من أن النوع الأول من السلع وهو الذي يبدو في الظاهر خالياً من العمل يتضمن في الواقع عملا ضخماً من أجل أن يكون كفيلاً باشباع الحاجات الإنسانية. ولهذا يقول ابن خلدون مشيراً الى هذا المعنى: «وقد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها فتُجعل له حصة من القيمة - عظمت أو صغرت؛ وقد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين الناس، فإن اعتبار الأعمال والنفقات فيها ملاحظ في أسعار الحبوب... لكنه خفى في الأقطار التي علاج الفلح فيها ومؤونته يسيرة فلا يشعر به إلا القليل من الفَلح».
ولهذا يختم ابن خلدون بحثه ها بعبارة حاسمة فيها يصوغ نظريته كلها وهي «أن المفادات والمكتسبات كلها، أو أكثرها، إنما هي قيم الأعمال الانسانية» ويلاحظ هنا تحفظه حين قال: «أو أكثرها» - فهو لم يندفع اندفاع ماركس الذي ردّ كل قيمة الى العمل ولم يراعِ الفوارق والأحوال الاستثنائية.(26/16)
ويلحَّ ابن خلدون في توكيد معنى استمداد القيمة من العمل عدة مرات طوال هذا الفصل والفصل الذي يليه « في وجوه المعاش وأصنافه ومذاهبه»، فيقرر أن «مايفيده الإنسان ويقتنيه من المتمولات إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله، وهو القصد بالقنية، إذ ليس هناك إلاّ العمل».
ويرتفع في تمجيد العمل الى حد يجعله وحده مصدراً لكل قيمة وانتاج فيقول: «لابد من الاعمال الانسانية في كل مكسوب ومتموَّل، لأنه إن كان عملا بنفسه مثل الصنائع - فظاهر؛ وإن كان مقتى، من الحيوان والنبات والمعدن، فلا بد فيه من العمل الانساني... والاّ لم يحصل ولم يقع به انتفاع». وليس ثم أصرح من هذا في توكيد ضرورة العمل الإنساني... ولهذا نراه أيضاً في الفصل الذي عقد بعنوان «ان الخدمة ليست من المعاش الطبيعي» يقرر أن على كل إنسان أن يباشر حاجاته بنفسه والاّ يدع للغير مهّمة العمل ويكتفى هو بالربع، وهو ما يلجأ اليه بعض المترفين. قال ابن خلدون «إن أكثر المترفين يترفع عن مباشرة حاجاته، أو يكون عاجزاً عنها لما ربّى عليه من خلق التنعم والترف، فيتخذ من يتولى ذلك له، ويقطعه عليه أجراً من ماله. وهذه الحالة غير محمودة بحسب الرجولية الطبيعة للانسان».
وإذن فابن خلدون يرى أن ترفع بعض الناس عن مباشرة الأعمال وترك ذلك لمن يستأجرهم الإنسان لذلك ويقطعهم عليه أجراً من ماله - يرى أن هذا ليس من الرجولية الطبيعية للإنسان، بل الطبيعة تقتضي من الإنسان أن يباشر استثمار أمواله وتوفير حاجاته، وهذا لا يكون إلا بالعمل المباشر لتثمير المال وتحصيل الحاجات والضرورات، فالكسب، كما يقول في الفصل الخاص بالكسب، إنما يكمن بالسعي في الإقتناء والقصد الى التحصيل. «فلاُبد في الرزق من سعىَّ وعمل».
ولهذا نراه يستبعد الوسائل الأخرى في تحصيل المعاش، أعني كل وسيلة لاتبنى على عمل، لانها وسائل غير طبيعية، فيعتقد فصلاً خاصاً يبين فيه «أن ابتغاء الاموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي»، فضلاً عن أنه في جميع الأحوال إلا النادر جداً لايؤدي الى شيء، ولهذا لم يحصل الذين سلكوا هذا السبيل «إلا على الخيبة في جميع مساعيهم... فيحتاج من وقع له شيء من هذا الوسواس وابتلى به أن يتعوذ باللّه من العجز والكسل في طلب معاشه... وينصرف عن طريق الشيطان ووسواسه ولا يشغل نفسه بالمحالات» (ص 190).
وهكذا نرى في نظرية ابن خلدون في العمل والقيمة المستعدة من العمل أصالة عميقة سبق بها ماركس بخمسة قرون وأجاب مقدماً على بعض ماوجه الى نظرية ماركس في القيمة بحسب العمل من إعتراضات، و كشفت عن جانب رائع من عبقرية هذا المفكر المسلم الفذّ.
-------------------------
المصدر : دور العرب في تكوين الفكر الاوروبي
===============(26/17)
(26/18)
ثلاثة نماذج للتعاطي مع الآخر العربي
محمد محفوظ
إزاء الواقع المرير الذي عاشه العالم العربي والاسلامي مع الغرب الاستعماري بدأت بالبروز والتبلور ثلاثة مواقف تجاه الغرب:
1 _ موقف القبول المطلق بالغرب.. وينطلق هذا الموقف من قاعدة ثابتة لدى المنادين بهذا القبول، فإذا أراد العالم العربي والاسلامي، أن يتقدم ويلحق بالركب الحضاري فلابدّ أن يقبل بكل شيء يفد إليه من الغرب، ويرفض كل موروثه الثقافي والاجتماعي والحضاري. وعن هذا الطريق يتمكن المشرق اللحاق بالحضارة الغربية. ويقول أحد دعاة هذا الموقف وهو الدكتور زكي نجيب محمود: الجواب الواحد الواضح لانهاء التخلف والتأخر، هو أن نندمج في الغرب اندماجاً في تفكيرنا وآدابنا وفنوننا وعاداتنا ووجهة نظرنا إلى الدنيا. الجواب الواحد الواضح هو أن تكون مصر قطعة من أوروبا.. وفي نظر هذا التيار فان العمل والطاقات ينبغي أن تصب في اتجاهين: محاولة فك الارتباط الحضاري للمجتمعات العربية والاسلامية عن تاريخها وماضيها الاسلامي، والعمل على إدخال النظم والقيم والعادات والتقاليد الغربية في البنيان الاجتماعي والمعرفي والحضاري للعالم العربي والاسلامي.
2 ـ موقف الرفض المطلق للغرب.. باعتباره العدو الحضاري للأمة الاسلامية، وأنه الداء المسبب لكل مشاكلنا وأزماتنا. لذلك فبداية الحل الصحيح هو غلق الباب على هذه الحضارة ورفضها بكاملها، وأن النظريات الغربية التي تصدر إلينا لاتختزل نفسها على المستوى الاقتصادي أو السياسي فقط، وإنما هي تطرح نفسها كنظرية إقتصادية، ثقافية، اجتماعية، سياسية، حضارية بشكل عام، وعليه فاللحاق بالغرب اقتصادياً يعني الذوبان في المنظومة الغربية ثقافياً وسياسياً وحضارياً. والنخبة الفكرية والاقتصادية المتغربة، صنعت وهيّئت لكي تكون نخبة عقيمة لاتستطيع الاستغناء عن العالم الغربي، فهي مصممة بحيث تشبه الغرب في كل شيء، إلا في قيم الابداع والاستقلال والقيم الانسانية الجوهرية التي اعتمد الغرب عليها في نهضته الصناعية والمدنية.
كما أن جميع الايدلوجيات التي سادت في العالم العربي والاسلامي، كانت ملخصات سيئة وترجمات مشوهة لمضمون التخلف الحضاري في الأمة. حيث كانت تتصور واقعاً غير الواقع الاسلامي، فعمل دعاتها ونشاطهم، كان غالباً في الفراغ لأنهم نقلوا صورة المشاكل في الغرب إلى العالم الاسلامي، وعالجوها بالحلول المطبقة في الغرب، وهذه عملية فوضوية وغير علمية وفوقية، تمارس التوجيه وتمسك بأدوات الوعي والمعرفة، التي أوجدها المستعمر وحاول من خلالها التعرف على مشاكلنا وصعوباتنا، ومن ثم اقتراح الحلول لنا.
3 ـ التوفيق الواعي بين الثقافة الاسلامية ومعطيات ومكاسب الحضارة الحديثة.. وينطلق هذا الموقف اعتماداً على مجموعة من الحقائق، منها:
ـ إنّ هناك مجموعة من الأمور والقضايا ذات المطابع العالمي، أو ليست لها طابعاً ثقافياً حاداً، وقد اشتركت البشرية جمعاء عبر الأجياء في صياغتها وإيجادها عبر التراكم الحضاري. هذه القضايا نأخذ بها ونستفيد منها في حركة الحياة. فالمقصود بالتوفيق ليس التوفيق بين المبادىء الاسلامية والغربية، لأنها مسألة صعبة بل مستحيلة، لتناقض منطلقات الحضارتين حيث أن للأخذ الثقافي إمتدادات إجتماعية ونفسية خطيرة علىجسم الاُمة الإسلامية، فنحن نستفيد من الغرب القيم الحيّة كالفاعلية والابداع والعمل والسعي والعلوم.
ـ إنّ المجتمعات الاسلامية بدأت تاريخياً الانفتاح على الغرب وهي تعيش حالة من الانفصام بين المعرفة والمنهج السلوكي الذي تتبعه وتمارسه. لذلك لم تكن هذه المجتمعات، تمتلك القدرة والامكانية للوقوف على أرض صلبة من أجل التقويم الدقيق للثقافات الوافدة. مما جعل هذا الانفتاح العشوائي يخلق فرضى شاملة في جسم الاُمة الاسلامية وهذه أهم آثاره أزمة هوية ـ فوضى في المصطلحات والبنية النظرية ـ هجرة الأدمغة ـ التغير المفاجىء في البنية الاجتماعية والاقتصادية والبنى الثقافية.
لذلك فإن حجر الزاوية في عملية التوفيق أو الانفتاح الواعي، هو الحفاظ على ذاتنا الحضارية وإنتماءنا المتميز، بما تتضمن هذه الذات والانتماء من تاريخ وقيم وانطلاقاً من هذه الذاتية نتعامل مع الآخر.(26/19)
والأصالة الاسلامية من ميزاتها الأساسية الانفتاح على الواقع في سبيل تفعيله وتحريكه، فهي تلتصق التصاقاً كبيراً بالمجتمع (العصر) من أجل توجيهه حسب أوضاعه الثقافية والتاريخية. ومن الخطأ الافتراض أنه من أجل العصرنة لابدّ من الاغتراب ومقايضة تاريخنا وثقافتنا بالاندماج في الغرب. ويكفينا دليلاً على ذلك أنه لم يرو لنا التاريخ أن أمة من الأمم استطاعت أن تتقدم وتتطور أو تدخل في عالم المعاصرة، بدون الاعتماد علي قيمها وإرثها التاريخي، حتى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تحقق كل ذلك إلا بالأصالة الأوروبية التي حملها معهم المهاجرون إليها من أوروبا. فطريق العصرنة ليس محاكاة الغرب فقط، إذ أن محاكاته تؤدي إلى الاستلاب الحضاري الذي يحولنا إلى أمة ميتة، جامدة، مقلدة. كما أنّ التحديث القسري يؤدي إلى الاستبداد والتسلط السياسي، لأن عملية التحديث القسرية تحاول أن تبني منظومة قيم جديدة وتواصل ثقافي متغرب. وهذا التغيير لايتم إلا بتحطيم العقيدة الموجودة، وتفكيك منظومة القيم السابقة، واللغة كأداة للتواصل الثقافي والاجتماعي وجميع أشكال التواصل بين أبناء المجتمع، والعمل على تغيير المفاهيم وأنساق التفكير، ومعايير التفاضل الثقافي والاجتماعي. وهذه العملية لاتنجب إلا الاستبداد والانسحاق وفقدان التوازن والاستلاب القيمي والاجتماعي.
ـ أن يكون إنفتاحاً على الآخر وليس تقليداً له. والمقصود بالانفتاح الواعي، هو أن ننطلق من قيمنا ومبادئنا وأصالتنا، للأخذ بالمعرفة والتطورات العلمية التي تحدث في الغرب، كما حصل للغرب نفسه حيث أنه انطلق من مفاهيمه وسياقه الثقافي والمعرفي للأخذ بجميع التطورات التي تحدث في العالم، ويشير إلي هذه المسألة (جبران) عندما يقول: كان الغربيون في الماضي يتناولون ما نطبخه فيمضغونه محولين الصالح منه إلي كيانهم الغربي. أما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لايتحول إلى كيانهم بل يحولهم إلى أشبه غربيين وهي حالة تبين لي الشرق تارة كعجوز فقد أضراسه وطوراً كطفل بدون أضراس.
وقضية الاستقلال عن الغرب أو التبعية له تبدأ بالفكر والثقافة قبل الاقتصاد والسياسة، لأنّ الفكر المستقل سيصنع اقتصاداً مستقلاً يعتمد علي واقعه الموضوعي وخصوصياته الذاتية، كما أنّ الفكر التابع أو الثقافة المهزومة مهما أوتيت من إمكانات مادية هائلة، لن تخرج عن إطار التبعية الاقتصادية، ونقل النظريات الجاهزة، وتطبيقها في تربة ليست تربتها، لذلك فتشكيل سياسة اقتصادية سليمة يبدأ بالفكر والثقافة قبل السياسة والاقتصاد.
من هنا فإننا ندعو إلى الانفتاح على الغرب، والاستفادة من معارفه وعلومه، لا التقليد له والأخذ بنمط الحياة لدى الغربيين. والفرق الجوهري بين الانفتاح والتقليد أن الأول ينطلق من أرضية ثابتة واضحة تجاه قيمه ومبادئه، وينظر إلى الآخر الحضاري بمنظار القيم والمبادىء التي يعتقد بها، عكس التقليد الذي يعاني الانتقال من البيئة ـ بالمعني العام ـ المحلية، والانطلاق من ذات التربة المغايرة، مما يفقد المرء هويته الحضارية، والأنكي من ذلك أنه لن يتمكن أن يكون غربياً (بالمعنى الحضاري) لعنصرية الغرب ومنعه أسرار المعرفة والعلوم عن جميع الشعوب الأخرى. والجدير بالذكر أن بعض الأبنية النظرية الغربية، التي تحاول بعض المدارس الفكرية والسياسية والاقتصادية إستيرادها، هي مصممة من أجل إستمرارنا في التبعية، وما شعار اللحاق بالغرب عن طريق هذا المركب النظري إلا سراب، وكما قيل أنه سيكون كالحمار الذي يجري وراء الجزرة طول عمره دون أن يلحق بها، علي حد تعبير الاستاذ عادل حسين.
وأخيراً إنّ الأصالة مطلب حضاري، باعتبارها الإطار المرجعي والروحي والأخلاقي والمعرفي للعالم العربي والاسلامي، كما أنها لاتعني تقليد الماضي بل هي تعبير عن الحاجة إلي التعريف بالذات، وتحديد العلاقة مع الآخر الحضاري، إنها مقاومة ذاتية للهيمنة والتحلل والسلبية، وهي عامل توازن يمنع المجتمع من التحول إلى ورقة في مهب الريح. فالأصالة نمط ثابت للتفاعل المستمر مع الواقع والعصر. لأنّ التقدم والرقي، لايأتي من فراغ وإنما يعتمد علي قيم وتاريخ، وينطلق بهذه اليم والنماذج من أجل التقدم والتطور كما فعل الراهب (روجر بيكون) الذي كان له الفضل في الثورة العلمية والصناعية في أوروبا. فالأصالة ليست رصيداً تاريخياً فحسب، وإنما هي الإرادة والقدرة الذاتية على الإبداع.
--------------------------------
المصدر : الاسلام، الغرب، وحوار المستقبل
==========(26/20)
(26/21)
المؤسسة الثقافية الاسلامية في جنيف
يبدأ يحيى باسلامه مدير المؤسسة الثقافية الاسلامية في جنيف حديثه لفضائية "إقر" عن المؤسسة التي يتولى إدارتها بالاشارة الى شكلها الخارجي مؤكداً على أهمية جمال المظهر الخارجي للبناء في إجتذاب المسلمين وغير المسلمين إليه، ويقول أن الشكل من جملة الأسباب التي جعلت المؤسسة تستقبل زيارات عديدة معظمها من طلبة المدارس.
ويضيف: إن هذه الزيارات فرصة ثمينة جداً لنحدث لهؤلاء الطلبة عن الاسلام ونوضح لهم صورة التعاليم الاسلامية والقيم التي نؤمن بها، ونفتح معهم حواراً أعتقد أننا ننفعهم من خلاله الكثير. ولطالما وجدناهم يندمجون في هذه الحوارات ويتفاعلون معها ايجابياً ويحبّون معرفة المزيد عن الافكار الاسلامية التي لا يجدونها في أماكن ومؤسسات أخرى.
ويقول أيضاً: نقوم بيننا وبين هؤلاء الطلاب إثر زيارتهم للمؤسسة علاقات وطيدة، وقد نزورهم في مدارسهم، إذ كثيراً ما نتلقى منهم دعوات لإلقاء محاضرات وتقديم شروح عن الاسلام وتكثر الاسئلة ويستمر النقاش البّناء بيننا وبينهم.
ويردف باسلامه: الهم الأكبر الذي نحمله هو كيف نستطيع تلبية حاجات الجيل الجديد؟ وكيف نعمق الروح الاسلامية في قلوب هؤلاء الشباب الذين ترعرعوا في البلاد الغربية المتناشزة طبيعياً مع الثقافة الاسلامية؟ لابد من ترتيب مستويات للثقافة الاسلامية فنعطي لكل شخص أو جماعة المستوى المناسب لها.
ويتابع القول: الذي ينقصنا هو الإمكانات اللازمة لاستيعاب أعداد أكبر من المسلمين في جنيف وسويسرا بصورة عامة. فأنا أتوقع أن يكون عدد الطلبة المسلمين في مدينة جنيف فقط ممن يدرسون في المدارس غير الاسلامية وممن تتراوح أعمارهم بين السادسة والثامنة عشرة، أتوقع أن عددهم يربو على ثلاثة آلاف طالب. ولا تستطيع مؤسستنا إستيعاب أكثر من 500 شخص منهم. وصفوفنا مكتظة بالطلاب أيام العطل، فهناك عطلة نصف الاسبوع أي يوم الاربعاء الذي تحضر فيه الى مؤسستنا مجموعة في الصباح ومجموعة بعد الظهر، وتأتينا ايضاً مجموعةٌ صباح يوم السبت ومجموعة أخرى في عصره، وهنالك من يحضر أيام الآحاد، وكل هؤلاء لايزيد عددهم عن 500 شخص أما الآخرون وهم الاكثرية فلا تسعهم الصفوف ولا نستطيع إستقطابهم، لذلك نفكّر جدياً بتوسيع عملنا ليشمل بمظلته أعداداً اكبر.
ويقول في جانب آخر من حديثه: رغم كل النواقص التي نعاني منها، نشاهد إقبالاً كبيراً على نشاطات المؤسسة ودروسها الاسلامية والكثير من الرواد يطالبوننا بتطوير الفعاليات وهذا ما يحتاج الى تظافر الجهود وتعاون الاباء في تثقيف ابنائهم بالثقافة الاسلامية.
-----------------------------------
المصدر : فضائية "إقرأ" بتصرف
=============(26/22)
(26/23)
كيف نتعامل مع التطرف الديني؟
بقلم العالم السويسري الشهير: هانس كينج
تقديم المترجم: ثابت عيد
كاتب هذا المقال _ البروفيسور هانس كينج _ هو أشهر شخصية دينية سويسرية في عصرنا هذا. ولد في لوزرن بسويسرا سنة 1928, ودرس الفلسفة وعلم اللاهوت في روما, ثم حصل على الدكتوراه في اللاهوت من باريس سنة 1957. ويعمل كينج كأستاذ كرسي في جامعة تيبينجن في ألمانيا منذ سنة 1960. والأستاذ كينج هو شخصية عالمية مرموقة في حقل حوار الأديان, وقد ألقى محاضرات في جامعات كندا وأمريكا وآسيا وأفريقيا واستراليا. وبلغت مؤلفاته أكثر من 45 كتاباً, من أهمها:
1_ الله والألم (1967).
2 _ الكنيسة (1967).
3 _ حرية المسيحي ( 1971).
4 _ حوار يهودي _ مسيحي (1976).
5 _ المسيحية والأديان العالمية (1984).
6 _ فرويد ومستقبل الدين (1987).
7 _ اليهودية (1991).
وقد ترجمت معظم أعماله إلى عشرين لغة مختلفة من لغات العالم, كما ظهرت حتى الآن ست دراسات عنه.
ومن أهم آراء كينج التي عبر عنها في كتاباته, نظرياته الشهيرة الخاصة بعلاقة الدين بالسلم والحرب, فهو يرى أنه:
1 _ لا سلام عالميّاً بلا سلام بين الأديان.
2 _ ولا سلام بين الأديان بلا حوار بين الأديان.
3 _ ولا حوار بين الأديان بلا دراسات جادة, وأبحاث موضوعية.
ومقال هانس كينج هذا, لا يخص التطرف في الإسلام فحسب, بل يعالج _ باختصار _ ظاهرة ا لتطرف في الديانات السماوية الثلاث. ولعل أهم ما يشير إليه كينج في مقاله هذا هو ضرورة السعي لفهم دوافع التطرف, وأسبابه, لأننا لن ننجو من نار التطرف إلا عندما نعالج الأسباب التي أدت إلى ظهور التطرف.
ونود أخيراً أن نشير إلى أن الموضوع الذي نتحدث عنه هو " التطرف ", أما لفظ " الأصولية " الذي يستخدمه بعض الكتاب فهو ترجمة ركيكة وخاطئة للفظ (fundamentalismus) بالألمانية, أو ما يقابله في اللغات الأوروبية الأخرى. وهذه الترجمة الركيكة تينا مدى وصلنا إليه من تبعية للغرب المتقدم, واضمحلال فكري رهيب. ولنرَ الآن ما يقوله البروفيسور هانس كينج عن التطرف:
1 _ الأديان بين الاتفاق والاختلاف
من المؤسف له أن أصحاب الأديان السماوية الثلاثة, لم يحتفظوا في ذاكرتهم حتى يومنا هذا بما يربطهم ويؤلف بين قلوبهم, بقدر تذكرهم لما يفرقهم ويباعد بينهم.
فالمسيحيون واليهود لهم أصول مشتركة, ولكن المسيحيين يتذكرون اليوم في المقام الأول رفض " اليهود " لنبيهم عيسى. وبالطبع يتذكر اليهود تعقب " المسيحيين " لهم, وما تعرضوا له من اضطهاد على أيديهم لقرون طويلة في جميع أنحاء أوروبا, وهم لا ينسون على الإطلاق إبادة ستة ملايين يهودي.
واليهود والمسلمون عاشوا في سلام جنباً إلى جن لقرون طويلة ( في مصر, وأسبانيا, و استانبول ), ولكنهم يتذكرون اليوم قبل كل شيء النزاع حول فلسطين ( وهو نزاع حديث بدأ في هذا القرن ).
والمسيحيون والمسلمون, على الرغم من أنهم يعتبرون أنفسهم _ مثل اليهود _ أبناء سيدنا إبراهيم, إلا أنهم لا يتذكرون إلا مواجهاتهم الخمس:
1 _ المواجهة الأولى: في القرن السابع الميلادي,حين خسرت الإمبراطورية الرومانية الشرقية المسيحية ولاياتها المسيحية: فلسطين, ومصر, وسوريا, من خلال الفتح الإسلامي.
2 _ المواجهة الثانية: في القرن الثامن الميلادي, حين فتح المسلمون شمال أفريقيا بأكمله, وأسبانيا.
3 _ المواجهة الثالثة: في القرنين الثاني عشر, والثالث عشر: أعاد المسيحيون من خلال هجومهم المضاد _ المتمثل في الحملات الصليبية _ سيطرتهم على فلسطين, والقدس, لفترة محدودة.
4 _ المواجهة الرابعة: في القرنين الخامس عشر, والسادس عشر, فتح الأتراك المسلمون القسطنطينية ( سنة 1453 ) والبلقان, مما نتج عنه أسلمة هذه المناطق, واعتناق شعوبها الإسلام, وبقاؤهم عليه حتى اليوم.
5 _ المواجهة الخامسة: في القرنين التاسع عشر, والعشرين, حيث انتهكت القرى الاستعمارية الأوروبية المسيحية القانون الدولي, وسيطرت في نهاية الأمر على الدول الإسلامية في شمال أفريقيا وشرقها, والشرق الأوسط, والشرق الأقصى, حتى إيران والهند.
2 _ هل سيظل السلام بين الديانات وهماً؟
وبالنظر إلى هذا المواجهات والحروب, التي استمرت لعصور طويلة, يطرح السؤال التالي نفسه: من كان من الممكن أن يكون أعظم رجل دولة في عصرنا هذا, أو الحكيم الأعظم الذي باستطاعته أن يقيم السلام بين المسلمين والمسيحيين واليهود؟ وخاصة السلام بين العرب واليهود, أو بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ أمهل ينبغي أن يبقى السلام وهماً إلى الأبد؟.
إن القتلى يتساقطون في البلقان, وفي الشرق الأوسط تطلق النيران بصورة يومية, هل لا نفعل شيئاً, ونقف مكتوفي الأيدي, انتظاراً لحرب سادسة بين العرب وإسرائيل؟
وعلى الرغم من ذلك, يتساءل الكثيرون: إذا كان قد أمكن تحقيق السلام بين الكاثوليك والبروتستانت بعد كل ما دار بينهم من حروب باردة, ومواجهات ساخنة, فلماذا لا يمكن تحقيق ذلك تدريجياً بين اليهود والمسيحيين والمسلمين؟.(26/24)
وإذا كان السلام قد أمكن تحقيقه بين الفرنسيين والألمان, الأعداء الألداء, فلماذا تظل إمكانية تحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين مستبعدة؟(1)
(1) السلام الذي تحقق بين الكاثوليك والبروتستانت, وكذلك بين الألمان والفرنسيين, تحقق عندما تخلى كل طرف عن محاولات " نفي الآخر ", بينما المشروع الصهيوني قائم على نفي الوطن الفلسطيني المستقل, وحرمان أهل فلسطين من حقهم الفطري والطبيعي في تقرير المصير. فاستحالة السلام _ هنا _ قائمة في طبيعة المشروع الصهيوني, وليس في الإسلام أو اليهود. المشرف على الكتاب د. محمد عمارة
3 _ التطرف الإسلامي
ولكنى أسمع أحياناً الاعتراض القائل: كيف يمكننا التعامل مع المتطرفين المسلمين الذين يمكنهم التعامل مع وسائل الحضارة الحديثة ( وليسوا رجعيين, أو متخلفين عن المدنية الحديثة, كما يدعى البعض ), وباستطاعتهم الظهور بمظهر متمدن جدّاً من عدة وجوه ( كاستخدامهم للتكنولوجيا الحديثة, ووسائل الإعلام, ووسائل المواصلات, والمعاملات المالية)؟
فيما يخص مسألة المسلمين المتطرفين _ أو الإسلاميين كما يسميهم المسلمون _ فينبغي أن نقول:
1 _ ليس الإسلام ديناً متطرفاً كلية, ففي الإسلام أيضاً كان _ وما زال _ هناك حركات إصلاحية كثيرة.
2 _ والمسيحية بدورها ليست ديانة متسامحة كلية, فالتطرف موجود أيضاً في المسيحية في أصل البروتستانتية والكاثوليكية ( المثال الحديث: بولندا), والتطرف موجود أيضاً في اليهودية ( في داخل إسرائيل, وخارجها).
3 _ لا تنحصر جذور التطرف على الناحية الدينية فحسب, بل تمتد لتشمل أيضاً النواحي الاجتماعية, والاقتصادية, والسياسية, فالمتطرفون المسلمون يشيرون إلى أوجه قصور الحضارة الحديثة, وهي ملاحظات ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد, حتى إذا رفضنا الحلول التي يقدمها المتطرفون. ولذلك فمن الصحيح:
4 _ أنه لا يمكن التغلب على التطرف _ كظاهرة دينية _ عن طريق الهجوم المباشر, ولكن من خلال الفهم الصحيح له, وتخيل أنفسنا في مكان هؤلاء المتطرفين. والأهم من ذلك عن طريق معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التطرف.
4 _ التطرف على مستوى الديانات العالمية
ماذا يمكننا إذن أن نفعل تجاه التطرف في جميع الديانات؟ هناك خمس نقاط هامة نود ذكرها في هذا المقام:
أولاً: من ناحية, ينبغي لفت نظر المتطرفين إلى الأصول الخاصة بالحرية, ومبدأ التعددية, والانفتاح أمام الآخرين, وذلك في تراث كل فريق منهم: في التوراة والتلمود عند اليهود, وفي الأناجيل و الكتابات المسيحية عند المسيحيين, وفي القرآن والسنة عند المسلمين.
ثانياً : من ناحية أخرى ينبغي أيضاً تنبيه التقدميين إلى ضرورة ممارسة النقد الذاتي فيما يخص كل المحاولات الواهية للتكيف مع روح العصر, والعجز عن رفض ما يجب رفضه. وكذلك فيما يخص كل أوجه القصور المتعلقة بالجوهر الديني, والمذهب اللاهوتي, والالتزام الأخلاقي, وذلك فيما يتصورونه من ديانة ليبرالية حديثة, ليس لها قوانين تحكمها, ولا حدود توضحها.
ثالثاً: إيجابيّاً, لا بد من انتهاج طريق روحاني جديد, وممارسته بصدق وأمانة, وخاصة من قبل هؤلاء الذين لا يقبلون سلطة الكنيسة الكاثوليكية, ولا حرفية الكنيسة البروتستانتية, ولا تقاليد الكنيسة الأرثوذكسية, أو أولئك الذين لا يرضون بالتيارات الرجعية ذات الأصل اليهودي, أو الإسلامي.
رابعاً: على الرغم من كل الصعوبات والتناقضات, فلا بد أيضاً من السعي لفتح حوار مع المتطرفين, بل لا بد من التعاون معهم, ليس فقط في المجالات السياسية والاجتماعية, بل أيضاً في مجال العلوم الدينية.
خامساً: ولكني إذا قام تحالف بين التطرف من ناحية, والقوة السياسية, والعسكرية _ البوليسية, من ناحية أخرى ( كما هو الحال في بعض الدول الإسلامية, وموقفها من سلمان رشدي), أو بين التطرف من ناحية, والسلطة الدينية من ناحية أخرى أو بين التطرف من ناحية, والسلطة الدينية من ناحية أخرى (ولنذكر الفاتيكان كمثال لذلك, وما يقوم به من أعمال ضد بعض رجال الدين, والأساقفة, والنساء ) في مثل هذه الحالة ينبغي مقاومة التطرف بصورة حازمة وشديدة, وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وهكذا لعل الديانات السماوية الثلاث تجد تجريجياً _ في هذا العصر الصاخب, الممتلئ بالخلافات الدينية, والنزاعات العنصرية الحديثة _ طريقاً وسطاً بين الحداثة بلا أساس (1), والتطرف بلا عصرية, وبلا نقد ذاتي , وبلا تسامح, ولا استعداد للحوار والمناقشة. طريق وسط بين التحرر والانغلاق, بين التنبلة والنشاط.
5 _ التأثير المزدوج للدين
ولكن مهما يكن مصير التطرف, فمن المؤكد أن الجانب الديني كثيراً, بل غالباً, ما يلعب
دوراً هامّاً في أي نزاع بين الشعوب, أو الأجناس المختلفة, فالدين _ باعتباره ظاهرة إنسانية _ له تأثير مزدوج, تماماً مثل الموسيقى, والفن, اللذين أسيء, ومازال يساء
(1) أي الحداثة التي أقامت قطيعة مع الموروث, فأصبحت بناء لا أساس له من الموروث. (م ع).(26/25)
استخدامهما بشدة. ذلك أن الأديان هي أيضاً أنظمة حكم وقوة, تحرص على توطيد دعائم الاستقرار, وتوسيع مناطق نفوذها. والأديان باستطاعتها أن تشعل الحروب, ولكن يمكنها أيضاً أن تقيم السلام, فالدين من الممكن أن يكون عامل إثارة وتهييج, أن يسبب الحروب, ويضرم نيرانها, ويطيل أمدها, ولكن الدين يستطيع أيضاً أن يمنع اندلاع الحروب, ويقصر من وقتها إن اندلعت.
فالسلام بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا قد وضع أساسه مسيحيون ( وكاثوليك ) متدينون: شارل ديجول, وكونراد اديناور, وروبرت شومان, والسيد دي جاسبيري.
كذلك فقد مهدت مذكرة من الكنيسة البروتستانتية الطريق أمام السلام بين بولندا وألمانيا, والثورات السلمية في بولندا, وألمانيا الشرقية, وتشيكوسلوفاكيا, وأيضاً في جنوب أفريقيا والفلبين, قد أثبتت أن الدين يمكن أن يلعب دوراً مؤثراً في تثبيت دعائم السلام في العالم.
وباعتباري من رجال الدين المسيحي, فإني مقتنع تمام الاقتناع بأن الإسلام أيضاً يمكن أن يساهم بدور فعال في نشر السلام في العالم, إذا استغل ما لديه من فاعلية ومقدرة على توطيد السلام, وذلك من خلال تراثه الديني العظيم.
-------------------------
المصدر : " الإسلام في عيون غربية "
============(26/26)
(26/27)
نقطة التحول عند المثقفين العرب في النظرة للغرب والاستشراق
د0محسن جاسم الموسوي
منذ أن ظهرت مقالة انور عبد الملك " الاستشراق في أزمة " في مجلة Diogenes عام 1963 والدارسون العرب داخل الوطن وخارجه يكثرون من دراسة الاستشراق والمستشرقين , متلمسين ما أضافوه الى حقول المعرفة بالحضارة العربية الاسلامية , معترفين بمنجزات بعضهم ومعترضين على مداخل الاخرين وسبل المناقشة والاستنتاج لديهم متوصلين الى قناعات تتفاوت في دقتها ولكنها تفصح عن اهتمام متصل جاد بالثقافة العربية الاسلامية ومصادرها وسمات الافادة منها حاضراً داخل الوطن وخارجه , في المحيط الاسلامي المباشر أو في الساحة العالمية الأوسع0 ورغم ان المقالة لا تعني ضرورة البدء بمناقشة الجهد الاستشراقي بمواصفاته الايجابية او السلبية بين المثقفين العرب وغيرهم من الدارسين المسلمين , الا انها ذات اهمية خاصة بحكم ما تنطلق منه من وعي موضوعي للظروف السياسية والثقافية وتغيرات العلاقة بين قوى القارات الثلاث والقوى الغربية المتنفذة سواء كانت أوربية أم أمريكية وبين هذه وبين الاتحاد السوفيتي سابقاً والدول الاشتراكية وغيرها , ولهذا كانت المقالة تنبئ ضمناً بما يعلنه لاحقاً مؤتمر المستشرقين التاسع والعشرين المنعقد في باريس تموز 1973 عن موت الاستشراق وحلول ( العلوم الانسانية ) المعنية بالشرق بديلة , رغم ان هذا الموت يعني ضمناً ولادة الاهتمام مجدداً مختلفاً في تاكيداته وحقوله مولياً ظهره لنصوص التراث وبعدما قيل ما قيل بشأن الثقافة الاسلامية أصبحت بعض مقولات الدارسين الغربيين وكأنها ثوابت لا محيص عنها تأي البحوث التالية منطلقة منها لا خارجةعليها , كما يعني هذا الموت تزايد الاهتمام بكل آسيا وافريقيا وبضمنها ما سمي بالحاح بالشرق الاوسط او الادنى000الخ0
ولم يكن مستغرباً , في ضوء تحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية وانبعاث حركة القومية العربية باتجاهاتها الجديدة , ان يجري التأكيد على (العلوم الانسانية في أسيا وافريقيا الشمالية ) كما لم يكن مستبعداً ان تجري مطالعة الجهد الاستشراقي , بما له وما عليه , لا من أجل محاكمته بل بقصد الافاده من مزاياه من جانب وتشخيص مثالبه من جانب اخر في سياق السعي الجاد لتلمس آثار هذا الجهد في صياغة الافكار الدارجة عن المنطقة العربية وانعكاساتها في السياسات ازاء الواقع الراهن 0 وهذا ما لا يمكن ان يتحقق دونما معرفة أدق بالذا ت اولاً وبطبيعة مكونات الواقع العربي الاسلامي وامتداداته الفعلية لا المتصورة في ماضيه وأصوله0 ولم يكن هذا الفحص والتمحيص ممكناً ايضاً دون وعي بعلاقة هذه المنطقة بخارجها , وهو ما سعى اليه منذ مطلع الستينات عدد من المفكرين العرب , أفادوا من حرية الحوار والجدل التي توفرت أمامهم عند دراسة الجهد الاستشراقي , ساعين نحو منهجية أدق ومعرفة أوسع بأساليب الدراسة الحديثة , متمكنين في أحسن الحالات من الخلاص من الاسقاط (الايديولوجي) أو الفكري الذي ينتجه غنى اللغة او اكتنازها بما يعني تغييب الواقع ومطابقته مع المتصور , مفيدين في مثل هذه الحالة من سبل الجدل المعرفي التي تعيد تفكيك النصوص , وبالتالي تفكيك الواقع الذي طرح كأنه مجموعة ثوابت , نحو معرفة شبيهة بتلك الآخذة بالتكون عن غيرنا من المجتمعات القديمة والحديثة0 وهؤلاء هم الذين تعنى بهم هذه الدراسة دون ان تقول عن أفتراضاتهم أنها نهائية , بل تريد أن توصل للقارئ احاطه بما تعده منطلقاً صحيحاً قابلاً للنمو منهجاً ومعلومات0(26/28)
ولهذا السبب يمكن أن تعد مقالة أنور عبد الملك رائدة ليس لكونها قد أثارت اهتمام كتاب لاحقين من العرب وغيرهم ناقشوا الاستشراق ومروا بها متفقين او معارضين حسب, بل لأنها في حدود المنظور المتكافئ الذي أخذ بالتكون داخل الفكر العربي في مطلع الستينات حملت بذرة النزاع المعرفي في الاستشراق, رغم ان هذه البذرة ظهرت متفاوتة في قوتها ونموها منذ منتصف القرن الماضي0 لكن النزاع المقصود هو المنطلق من الحس بالتكافؤ نهجاً ومادة وليس من الاختلاف الديني او العرقي, ذلك لأن الاخير قائم منذ ان ظهر الاسلام والثقافة العربية الاسلامية واسعاً ومؤثراً ومواجهاً للثقافات الاخرى ومنذ ان توجهت جهود الكنيسة ضدهماتمهيداً للحروب الصليبية وما تلاها0 اما النزاع المعرفي والذي ميدانه الفكر وأداوته فإنه ينعكس بشكل أو باخر على ساحة الصراع السياسي وعلى امكانية ادارة هذا الصراع, ولهذا لم يكن عبثاً ان تتميز العقود الاخيرة بظهور الكتابة السياسية والميدانية والاجتماعية والاقتصادية عن المنطقة بغزارة لا تفهم دونما معرفة بمتغيرات السياسة الدولية0 كما لم يكن عبثاً أن تتكرر الاهتمامات او تزدوج بين الثقافة والسياسة والفكر لدرجة ان (مستشرق) العهد القديم او المرحلة التقليدية, ورجل العلاقات في الشعبة المختصة بالدائرة الاستعمارية, يترك اليوم مكانته امام المستشار او الدارس المختص الذي يبني استنتاجاته في طرائق التفاوض والعلاقة وتفجير الاوضاع او تهدئتها على ما قدمه السلف له من ثوابت وهي ثوابت تجمع حصيلتها من فقه اللغة الى دراسة الشخصية, ومن الأمثال الى الشرائع والتقاليد ,ومن معايشة النصوص العربية الى الاستئناس باراء الاخرين والتنصت اليهم, كما فعل دارسون متميزون من أمثال انتوني نتنغ0 ويقابل هؤلاء أيضاً عدد من الدارسين العرب الذين يجمعون الاهتمام السياسي بالثقافي ويرون انهم أصحاب مهمة في صياغة مستقبل بلادهم حتى عندما ترفض السلطات منحهم هذه المكانة0 ولا يعني هذا التقابل الاختلاف في كل شئ لكنه يعني تكافؤ الاهتمام والمعرفة, كما يعني ضمناً من الجانب من الجانب العربي الاسلامي عودة المثقف مؤثراً في تكوين الرأي العام ورأب الصدع بين العامة والخاصة من خلال متغيرات حتمها واقع الصدام النفسي والسياسي والاقتصادي مع الغرب, وهو صدام أضطرت فيه العامة الى الاستعانة بالمكونات الاساسية الجمعية لمواجهة الاهانة والتحقير والعدوان من خلال الرد السياسي (كما حصل في 56و67و 73 مثلا) والافادة من سبل التحديث دونما خشية من التغريب المطلق , كما يحصل عند التعامل مع التعليم ووسائل الاتصال أيضاً في الساحة العربية0
لكن مرحلة العقود الأخيرة تعني أيضاً ظهور نماذج الدارسين الامريكان والاوربيين المختلفين أتجاهاً ومعرفة, تماماً كما هو شأن الدراسين العرب والمسلمين, وكذلك الدارسين السوفييت واليابانيين000الخ0 اذ ان ساحة الاهتمام وجدت متنفسها الأوسع في سوح الاتصالات والنشر , وهكذا تكتسب المعرفة حريتها وقيودها في آن واحد من خلال لعبة تدفق المعلومات حسب القوى المتحكمة والمؤثرة رغم ان الانسانية تمتلك قدرة خاصة على تمييز الجوهر من الركام والطيب من الخبيث هو السائد, مجسداً في الأكاذيب والالاعيب ومجازر الموت والهلاك التي تدبر يومياً لضمان تنفيذ فكرة تتيح حماية قوة ما في المنطقة العربية وعلى حسابها, هو ما تشهده العقود الاخيرة أيضاً0 وبينما لا تعني الكتابات الغثة الطافية على السطح والخادمة للمصالح اللاانسانية العقول المثقفة والنيرة, فإت الكتابات صاحبة القضية, مختلفة او مؤتلفة, هي التي تهمنا في تكوين رؤية واضحة حول أتجاهات الدراسة والمعرفة 0 واذا كان أدوارد سعيد قد ذكر عشرات الاسماء التي ميزها من غيرها, من امثال ريمون شواب وشافر وكيرنان و نورمان دانيال و سندرسن, وذكر نديم البطار اسماء آخرين معنيين بالدراسات الانسانية عامة من ملاحظي ازمة الضمير او الذهن الغربي, فإن واقع الحال منذ عقود يؤكد عودة الاتجاه الأنساني ثانية في الفكر العالمي في الرد على النزعات النفعية التي قادت الفكر الى الحضيض محيلة أياه الى هوامش في خدمة المصالح الاحتكارية 00وهذه العودة الانسانية مهمة هي الاخرى عندما نريد دراسة المرحلة الجديدة في تعاملات المفكرين والمثقفين العرب مع حركة الاستشراق بمراحلها السابقة وماتلاها0 اذ مهما تمايزت اتجاهات الدراسة عند هؤلاء وغيرهم ممن وعوا مهمة الكتابة ودور المثقف في هذا العصر, فإنها على الأقل تمضي بعيدة عن الخدمة النفعية والسقوط العنصري0(26/29)
لكن هذا التمييز بين مستويات الكتابة عن الثقافة العربية الاسلامية وآثارها ينسحب ايضاً , او ينبغي ان ينسحب, على نتاجات المثقفين العرب خلال هذه العقود الثلاثة ايضاً بعدما حتم واقع الحال جدية اكثر في دراسة نتاجات الاخرين وافكارهم, لا بقصد التصويب والاضافة حسب , بل بقصد اداء المهمة اللازمة في ميدان المراجعة الأوسع لمكونات الثقافة العربية الاسلامية واكتشاف نصوصها واعتماد السبل الحديثة في تكوين الرؤية المناسبة ازاءها0 واذ تشمل مراجعنا في دراسة هذه الثقافة اليوم عشرات الدارسين العرب الآن , فان العقود الاخيرة ما فتئت تشهد كتابات مبسطة او اعتيادية تعيد ما قدمه المصلحون والمفكرون في القرن الماضي وفي مطلق القرن العشرين, وهكذا لا يبدو كتاب الشيخ مصطفى السباعي الذي أعده ابنه للنشر مفيداً في دراسة الاستشراق وهو يدحض اصلاً ابرز فرضياته المضادة لحركة الاستشراق, اذ ان الاتهام المطلق ضد المستشرقين دارسين مختصين منهم او مستخدمين للمعلومات لصالح دوائر الخارجية في بلدانهم ليس صائباً , وهو ينهي المجادلة اويمنعها, كما انه يحيلها الى أداة للقمع0 ولم يكن مستغرباً ان نقرأ بعد حين ان المؤلف التقى المستشرق الفلاني فصحح له معلوماته, وعدل في وجهات نظره, بينما جاء بنص آخر الى شخص آخر , فما كان من الآخر الا الاعتراف بخطأه 00الخ0 وبكلمة أخرى فإن الكتابة الاطلاقية لها مثالبها, كما ان تصور الاحكام على انها نهائية له مشكلاته00بينما يبدو سياق كتاب آخر للدكتور السامرائي خاسراً هو الاخر رغم ميل صاحبه لتلمس تاريخ الجانب السياسي في الاستشراق, جراء خضوع المؤلف لاعتقاد مطلق بوجود تيار معاد اسمه (الاستشراق) يحتضن كل من كتب عن الاسلام والعرب0 وهكذا عد (كارلايل) من بين المستشرقين, ولك يعرف علاقته بالفلسفة المتسامية وعلاقات ذلك في حدود تصادم الفلسفة بالمدارس النفعية والوضعية في أوربا في النصف الاول من القرن الماضي0 أما المشكلة الأشد فتتعلق بذلك الميل الانتقادي لدى عدد من المثقفين العرب منذ خاتمة الخمسينات للاسراف في تحليل الذات تحت وطأة المناهج الاجتماعية, خالطين بين أحاسيسهم الاصلاحية وميلها الطبيعي لنقد المجتمع وبين مستلزمات الفصل بين هذه من جانب وبين الوقائع من جانب اخر0 وهكذا أصبحت معالجات سانيا حمادي وحامد عمار وهشام شرابي وصادق جلال العظم وصلاح الدين المنجد وعشرات الاسماء الأخرى مزيجاً من النزوع الاصلاحي والتحليل والاستنتاج الموضوع في خدمة الاحكام المسبقة, والتي سرعان ما لاقت استجابة حسنة لدى أصحاب الافكار المتكونة بشكل ثوابت ازاء المجتمع العربي وآفاته ومشكلاتهو وبينما تبقى بعض افكار الكتاب العرب على قدر من الموضوعية, إلا ان طرائق اخضاع المعلومات غالباً ما أدت الى عزل حس الكاتب بالنقد الذاتي ومهماته عن استنتاجاته, وهي استنتاجات عامة ومطلقة في أغلب الاحيان تؤيد نزعات متأسسة في الفكر السياسي المعاصر ازاء المنطقة العربية0 واذ ترتسم أمام المصلح حالة المجتمع العربي والعائلة في أشد مواصفاتها تخلفاً تندرج وصفات متلاحقة للوضع الاجتماعي على انه عشائري , اتكالي, متهرب, غير واقعي وغيبي0 واذ ينقطع التقييم عن ظرف التخلف والركود قبيل اشتعال فتيل الاحتراب, فإن هناك عشرات الامثلة والوقائع التي تسنده وتوهم الآخر بأنه حقيقة ثابتة0 وما يتكررر عند الدارس العربي أو زميله الاجنبي في مثل هذه الحالة عبارة عن حلقة متبادلة تتم داخلها الاحالة والاضافة والاعلان , لكنها حلقة شريرة لسوء الحظ عندما تصبح مادتها سبيلاً الى تقييم شعب او منطقة والتصرف نحوهما0 رغم ان النقد الذاتي هو السبيل الاول للاصلاح الا انه عند المبالغة والتعمييم وقصر النظر يتحول الى عقاب محزن يستهوي الآخرين ضرورة لكنه قلما يكون نافعاً0
---------------------------
المصدر:الاستشراق في الفكر العربي
==============(26/30)
(26/31)
متى ينشأ علم الاستغراب؟
بقلم د.مازن صلاح مطبقاني
وَحدة دراسات العالم الغربي
بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
www.madinacente صلى الله عليه وسلم com
الاستغراب يمكن تعريفه باختصار أنه العلم الذي يهتم بدراسة الغرب (أوروبا وأمريكا) من جميع النواحي العقدية، والتشريعية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية ..الخ. وهذا المجال لم يصبح بعدُ علماً مستقلاً، ولكن لا بد أن نصل يوماً إلى المستوى الذي تنشأ فيه لدينا أقسام علمية تدرس الغرب دراسة علمية ميدانية تخصصية في المجالات العقدية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والسياسية.
ولعل سائلاً يتساءل: لماذا ندرس الغرب؟ وكيف لنا أن ندرس هذا العالم الذي سبقنا بمراحل عديدة أو بعدة قرون؟ الأمر ليس صعباً أو مستحيلاً؛ فإننا إذا رجعنا إلى بداية الدعوة الإسلامية وجدنا أن المسلمين الأوائل حينما خرجوا لنشر الدعوة الإسلامية في العالم كانوا على معرفة بعقائد وعادات وتقاليد الأمم الأخرى، وكانوا يعرفونها سياسياً واقتصادياً وجغرافياً.
ولذلك فإن المسلمين الأوائل لم يجدوا صعوبة في تعرُّف على الشعوب الأخرى والتفاعل معها وأخذ ما يفيدهم مما لدى الأمم الأخرى من وسائل المدنيّة، إذ أخذوا الديوان والبريد وبعض الصناعات المهمة مثل صناعة الورق (الكاغد) التي طورّها المسلمون حتى أصبحت صناعة إسلامية.
وقد تجددت الدعوة لدراسة الغرب في منتصف هذا القرن في أحد مؤتمرات المستشرقين الدولية، فقد أشار رودي بارت في كتابه المهم (الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية) (ص15) إلى أهمية أن يتوجه العالم الإسلامي لدراسة الغرب أسوة بما يفعله الغرب في دراساته للعالم الإسلامي. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور السيد محمد الشاهد، ثم ظهر كتاب الدكتور حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب)، وإنني أحب أن أقتطف منه عبارة عن أهداف دراسة الغرب جاء فيها أن من أهداف دراسة الغرب: "فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس…"
كيف ندرس الغرب؟ لا بد من التخطيط الفعّال في هذه القضية إن أردنا أن ننجح حقاً في معرفة الغرب والإفادة من المعطيات الإيجابية للحضارة الغربية. ويحتاج هذا الأمر إلى عشرات اللجان في العديد من الجامعات العربية والإسلامية لوضع الخطط اللازمة لهذه الدراسات. ولكن حتى يتم ذلك لا بد من التفكير في الطريقة المثلى لهذه الدراسات.
وبعد البدء في برامج اللغات العربية استعانت الجامعات الأمريكية بعدد من أساتذة الجامعات البريطانيين بخاصة، والأوروبيين بعامة، لتدريس الاستشراق في الجامعات الأمريكية، كما بدأت الاستعانة ببعض أبناء المنطقة لإنشاء أقسام دراسات الشرق الأدنى، كما فعلت جامعة برنستون حينما كلّفت فيليب حِتّي لإنشاء القسم في الجامعة. ثم بدأ التعاون بين أقسام دراسات الشرق الأوسط والمؤسسات العلمية الأخرى مثل مؤسسة الدراسات الاجتماعية والإنسانية وغيرها من المؤسسات العلمية والأكاديمية.
وفي العالم الإسلامي يكاد لا ينقصنا دراسة اللغات الأوروبية، ولكننا بحاجة إلى من يتعلم هذه اللغات ليصل إلى مستوى رفيع في التمكن من هذه اللغات، وبالتالي الدراسة في الجامعات الغربية والتركيز في قضايا الغرب وليس دراسة موضوعات تخص العالم الإسلامي. كما أننا بحاجة إلى من يتعمق في علم الاجتماع الغربي ليعرف مجتمعاتهم كأنه واحد منهم. ولم تعد هذه المسألة صعبة؛ فإن في الغرب اليوم كثيراً من المسلمين من أصول أوروبية وأمريكية يستطيعون تعرف بيئاتهم معرفة حقيقية ولا يعوقهم شيء في التوصل إلى المعلومات التي يرغبون في الحصول عليها. ولا بد من التأكيد على أن دراستنا الغرب يجب أن تستفيد من البلاد التي سبقتنا في هذا المجال، ومن ذلك أن عدداً من البلاد الأوروبية قد أنشأت معاهد للدراسات الأمريكية، فهناك معهد الدراسات الأمريكية التابع لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن.
ودراستنا الغرب لا شك ستختلف عن دراسة الغرب لنا، ذلك أن الغرب بدأ الاستشراق فيه منطلقاً من توجيهات وأوامر البابوات لمعرفة سر قوة المسلمين وانتشار الإسلام في البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية. وكان القصد ليس فقط معرفة الإسلام والمسلمين، ولكن كانت أيضاً لهدفين آخرين: أحدهما تنفير النصارى من الإسلام، والثاني إعداد بعض رجال الكنيسة للقيام بالتنصير في البلاد الإسلامية.
أما نحن فحين نريد دراسة الغرب ومؤسساته وهيئاته فأولاً نحن بحاجة للأخذ بأسباب القوة المادية التي وصلوا إليها، أليس في كتابنا الكريم ما يؤكد هذا{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}(الأنفال 60)(26/32)
والأمر الآخر أننا حين ندرس الغرب فليس لدينا تطلعات استعمارية، فما كان المسلمون يوماً استعماريين. ولكننا نريد أن نحمي مصالحنا ونفهم طريقة عمل الشركات المتعددة الجنسيات التي ابتدعها الغرب وأصبحت أقوى نفوذاً من كثير من الحكومات.
والأمر الثالث وهو أمر له أهميته الخاصة، أن هذه الأمة هي أمة الدعوة والشهادة؛ فإن كان الأنبياء قبل سيدنا صلى الله عليه وسلم كانوا يُكَلّفون بدعوة أقوامهم بينما الدعوة الإسلامية موجهة إلى العالم أجمع، وقد كلّف المسلمون جميعاً بحمل هذه الأمانة (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن(، وجاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها؛ فربّ مُبَلّغٍ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). ونحن أمة الشهادة فكيف لنا أن نشهد على الناس دون أن نعرفهم المعرفة الحقيقية؟!
ولن يكون علم الاستغراب لتشويه صورة الغرب في نظر العالم، ذلك أننا ننطلق من قوله تعالى {ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله}، ولنا أسوة في ذلك بما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم بقوله: "إنّ فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك".
فمتى ينشأ علم الاستغراب؟!
==============(26/33)
(26/34)
الاستشراق ومكانته بين المذاهب الفكرية المعاصرة
د. مازن صلاح مطبقاني
Mazen_mutabagani@hotmail.com
المقدمة
عرف المسلمون في القديم الكتابة في الأديان والفرق والمذاهب اهتماماً منهم بمعرفة هذه الفرق وبيان موقف الإسلام منها، وحرصاً منهم على الدفاع عن الإسلام كما يعتنقه أهل السنّة والجماعة أو الغالبية العظمى من الأمة. ومن هذه الكتب الفصل في الملل والنحل وكتاب الفرق للبغدادي ومقالات الإسلاميين للأشعري وغيرها كثير.
وظهرت في تاريخ الأمة اتجاهات فكرية كثيرة جداً ومذاهب وطوائف كالشيعة والباطنية والأشاعرة والمعتزلة والمناطقة وغيره ولقد تصدى لها العلماء المسلمون بحثاً في معتقداتها وأفكارها وأعلامها والرد على الانحرافات في تلك المعتقدات دفاعاً عن الكتاب والسنّة.
وظهرت في العصر الحاضر كتابات تحت عنوان الغزو الفكري أو الاتجاهات الفكرية المعاصرة وأصبحت هذه الاتجاهات إحدى المواد الدراسية في المرحلة الجامعية. وقد نال الاستشراق مكانة بارزة ضمن الحديث عن الغزو الفكري وكذلك ضمن الاتجاهات الفكرية المعاصرة أو التيارات الفكرية المعاصرة.
وتعود بداية الاهتمام بالاستشراق إلى المرحلة التي وقعت فيها معظم البلاد العربية الإسلامية تحت وطأة الاحتلال الغربي وكان للمستشرقين والاستعماريين اهتمام كبير بثقافة الأمة الإسلامية وعقيدتها وتاريخها ومختلف المجالات المعرفية الخاصة بها. كما تولى المستشرقون مسؤوليات وزارات التربية والتعليم فكان لهم اليد الطولى في وضع المناهج الدراسية حتى أصبح التعليم في العالم العربي والإسلامي ينقسم إلى نوعين من التعليم: التعليم الشرعي والتعليم المدني. وظهرت في العالم الإسلامي الحركات التحررية الحقيقية على أيدي العلماء العاملين فكان في الجزائر على سبيل المثال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلى رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس فكتب يرد على كثير من افتراءات المستشرقين والمسؤولين الفرنسيين في تهجمهم على الإسلام كما كان يتابع الصحافة الفرنسية حتى إنه كتب ذات مرة ( جريدة الطان وسياسة وخز الدبابيس)
ولكن لم يظهر تخصص أو كتابات متخصصة في الرد على المستشرقين حتى مع وجود بعض الكتابات المحدودة كرد الشيخ محمد عبده على الفيلسوف الفرنسي رينان وهناتو وما كتبه الأستاذ محمد كرد علي وغيرهم عن الاستشراق.
ولعل أول من تنبه إلى أهمية دراسة الاستشراق دراسة منتظمة هو الشيخ الدكتور مصطفى السباعي الذي يمكن أن نعدّه بحق رائد دراسة الاستشراق في العصر الحاضر حيث زار المستشرقين في معاقلهم وكلياتهم وجامعاتهم ودخل معهم في محاورات ومناظرات. وكم كتب رحمه الله في مجلته (حضارة الإسلام) كما نشر كتاباً مهماً في هذا المجال يرد على جولدزيهر وهو كتابه ( السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي). الذي صدرت طبعته الأولى عام 1368هـ(1949م) هذا بالإضافة إلى كتابه القيم الصغير حجماً الكبير في أهميته وقيمته العلمية (الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم). وبإمكاننا أن نضيف كذلك كتابه القيم عن المرأة بعنوان ( المرأة بين الفقه والقانون) ولعل ممن شارك في الريادة كذلك الدكتور محمد البهي رحمه الله في كتابه: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي الذي صدرت طبعته الأولى عام 1376هـ (1957م)
ولكن ما أهمية دراسة الاستشراق وما موقعه بين المذاهب الفكرية المعاصرة؟ صحيح أن الغرب ألغى مصطلح استشراق في المؤتمر الدولي للجمعية الدولية للمستشرقين (عام 1973م) التي أصبحت تسمى " الجمعية الدولية للدراسات الإنسانية حول آسيا وأفريقيا" ثم أصبحت "الجمعية الدولية للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية" ، ولكننا في العالم الإسلامي ما نزال نصر على هذا المصطلح. وقد يكون للغرب مبرره في رفض التسمية وللمسلمين مبرّراتهم في الاحتفاظ بهذا الاسم. ومهما يكن الأمر فإننا في العالم الإسلامي نَعُدُّ الاستشراق (الدراسات العربية والإسلامية في الغرب) من المواد التي تدرس ضمن مقررات الدراسات الإسلامية بصفته أحد المذاهب الفكرية الهدّامة، ولذلك فإن العديد من الكتب المتخصصة في الاتجاهات الفكرية أو المذاهب الفكرية المعاصرة تجعل الاستشراق أحد هذه المذاهب أو الاتجاهات. وتتناول الاستشراق بصورة نمطية مكررة نشأة الاستشراق، دوافع الاستشراق، وأهدافه، ومدارسه الجغرافية أو الفكرية.
ولكن الحقيقة أن مصطلح استشراق ما زال قائماً في الغرب حتى وإن تخلوا عنه رسمياً فهذه شبكة المعلومات العالمية أو الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) تقدم آلاف المواقع المتخصصة في الاستشراق قديماً وحديثاً. فهم وإن تخلوا عنه في العلن فإنه ما زال قائماً في أدبياتهم وفي نشاطاتهم الفكرية المعاصرة.
فهل الاستشراق حقاً أحد المذاهب الفكرية أو الاتجاهات الفكرية ؟ وهل ينطبق على الاستشراق ما ينطبق على الوجودية أو الماركسية أو العولمة أو الماسونية ؟ هل يمكن البحث في الاستشراق بعيداً عن مثل هذا التصنيف ؟وهل يمكن البحث فيه دون الأفكار المسبقة بأن الاستشراق شر كله؟(26/35)
ينوي الباحث في هذا البحث محاولة التوصل إلى أسباب تصنيف الاستشراق ضمن الأفكار الهدّامة بهدف الخروج من الأفكار المسبقة محاولاً التوصل إلى جعل الاستشراق ضمن دراسة الغرب دراسة شاملة بحيث لا تأخذ دراستنا لهم في مجال الدراسات العربية الإسلامية أكثر مما يجب. ويمكن أن نتساءل هل يشغل الغرب نفسه بما نقوله عنه ،وهل جعل لهذا الأمر أقساماً علمية ؟
وينبغي أن ندرك أنّ الدراسات العربية الإسلامية في الغرب تستمد قوتها وانتشارها من خلال الإمكانات الضخمة المتوفرة لها التي تكفل لها الانتشار في أنحاء العالم ، فرابطة دراسات الشرق الأوسط الأمريكية تضم آلاف الباحثين من شتى أقطار الأرض، فهل نسعى نحن في العالم الإسلامي إلى دراسة أنفسنا وتكوين الرابطات المتخصصة في ذلك ويكون لنا يد في توجيهها الوجهة التي توضح الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين مع اعتبار أن دراسة الإسلام والمسلمين حق من حقوق أي شعب يريد أن يقوم بهذه الدراسة.
هذا وسوف ينقسم هذا البحث إلى مبحثين أحدهما موقف العلماء المسلمين في كتاباتهم حول الغزو الفكري والاتجاهات الفكرية المعاصرة من الاستشراق. أما المبحث الثاني فهو أين يجب أن تقع دراسة الاستشراق في العصر الحاضر.
المبحث الأول-الاستشراق والغزو الفكري والاتجاهات الفكرية المعاصرة
يمكننا أن نبدأ بتعريف التيارات الفكرية المعاصرة بأنها المذاهب التي يتخذها مجموعة من الناس ويعتنقوها ويسعون إلى نشرها وترويجها بكل الوسائل المتاحة لهم. ولهذه المذاهب أدبياتها وأعلامها ومصادرها ومناهجها. وقد تكون هذه التيارات فلسفية أو اجتماعية أو دينية. ولعل من المذاهب الفكرية المعاصرة التي اتفقت معظم الكتب في دراستها الوجودية والبهائية والقاديانية والشيوعية والاشتراكية والرأسمالية. ولهذه المذاهب أعلامها الذين لا يمكن فهمها إلاّ من خلال سيرهم ( كما فعل العقاد بالشيوعية) وكتاباتهم ونشاطاتهم.
وقبل أن نحدد فيما إذا كان الاستشراق أحد المذاهب الفكرية المعاصرة نتناول أولاً بعض ما كتبه عدد من الباحثين المسلمين حول الاستشراق. وقد وجدت أن جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية حينما عقدت مؤتمراً حول الفقه الإسلامي عام 1396هـ جعلت محوراً من محاوره الغزو الفكري ونشرت هذه البحوث في كتاب تحت عنوان (الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام ) وقد جاء الحديث عن الاستشراق في أكثر من بحث حيث جاء في أحدها قول الباحث عن الدراسات الاستشراقية بأنها " دراسات في كثير من نواحيها تتميز بالصبر والجلد ومحاولة الاستيعاب والتحليل، ولكنها في نفس الوقت تحتوي على أخطاء جسيمة : عمداً أو جهلاً ثم هي في غالبها لم يقصد بها خدمة العلم والفكر، ولإشباع رغبة خاصة أو عامة في البحث والاطلاع، وإنما كانت في جملتها خدمة مباشرة للدول الاستعمارية أو للكنائس الأوروبية، بغرض تطويق الإسلام وضربه على وعي به وبصر به واقتلاع جوهره الحي النابض الذي يشكل أكبر الأخطار بالنسبة لهم."(1)
ويضيف الباحث قائلاً: "ومن ثم حفلت هذه الدراسات بضروب التشكيك، والنقد الجائر ، وانطلقت منها الشبهات المدروسة واحدة تلو الأخرى، طعناً في كل نواحي الإسلام بدءاً بالقرآن العظيم ذاته، وانتهاءً بسنة صلى الله عليه وسلم ورواتها وما بين ذلك من اتهام صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكمس لكل معالم المجد والخير في التاريخ الإسلامي المشرق، حتى لنستطيع القول أنه لم تسلم ناحية واحدة من نواحي الإسلام: عقيدة ومنهجاً ونظاماً وتطبيقاً وتاريخاً وأمة بل أرسلت عليها سهام حاقدة من هذه الدراسات المنظمة..." (2)
وكتب عبد الكريم الخطيب في بحثه المقدم للمؤتمر السالف الذكر يذكر أن الاستشراق "حركة ولدت في هذا العصر الحديث ، وهي - في ظاهرها- حركة علمية يراد بها دراسة التراث الشرقي في معتقداته وآدابه، ولكنها تبغي من وراء هذا التعرف على منابع هذا التراث، محاولة صرف أهله عنه ليولوا وجوههم شطر الغرب ويتعلقوا بركاب حضارته."(3) ويشير فيما بعد إلى أن معظم المستشرقين " قد غلبتهم العصبية على أن يقولوا كلمة الحق وأن ينطقوا بما في أيديهم من شواهد، فقد كابروا ، ولجّوا في الضلال، ورموا الإسلام بكل ما تحمل صدورهم من غل، وما تنفث أقلامهم من سم، حتى فضح ذلك عند من لا يعرفون الإسلام من قومهم حين رأوا سباباً وشتائم لا تتفق مع منهج العلم، الذي من شأنه أن يعرض الحقائق، ويترك للناس الحكم عليها، دون أن يمزجها بمرارة الحقد ، ونفثات عداوته.."(4)
وكتب أحمد بشير حول " الغزو الفكري الاستشراقي" حيث ذكر أن أهداف الاستشراق تتلخص فيما يأتي:
" 1 - تفتيت وحدة المسلمين وإضعافها.
2. التمهيد لاستعمار العالم الإسلامي
3. استغلال الثروات والانتقام من المسلمين الذين قاموا في القرون الوسطى في وجه المسيحية" . ويضيف قائلاً :" وإننا لنجد في دراسات المستشرقين الأدبية والإسلامية تركيزاً حول أهدافهم لإيجاد التخاذل الروحي والشعور بالنقص في نفوس المسلمين وحمهلم على الخضوع للتوجيهات الغربية."(5)(26/36)
وتناولت الدكتورة عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ ) هذا الموضوع بأسلوب مختلف حيث جاء في كتابها القيم (تراثنا بين ماض وحاضر) عن المستشرقين قولها (وعلماء الاستشراق بشر مثلنا، يتعصبون لدينهم وقومياتهم مثلما نتعصب لديننا وقوميتنا . وما ينبغي أن نلومهم على هذا التعصب أو نغضب لعجزهم عن التجرد من أهوائهم، وإنما نحن هنا بصدد قضية علمية وتاريخية، تلزمنا بأن نكون على وعي بما لابس عمل أكثر المستشرقين من انحراف لم يكن منه بد، بحكم ما استهدف الاستشراق في نشأته الأولى من خدمة الكنيسة."(6)
وتضيف المؤلفة قولها:" وليس عليهم بأس في أن يقولوا فينا ما يقولون، متى كانت أقوالهم معبرة عن رأي لهم أو صدى لاستهوائهم بما راج في بيئاتهم من أقاويل عنّا، لكن البأس كل البأس أن يحمل " البحث العلمي" وزر هذه الأهواء فتخرج بحوث لهم مشحونة بأباطيل يزعمون أنها مما هدى إليه استقراؤهم لتراثنا، ويفرضون له حرمة علمية حين يسوقون وشواهد من نصوص في التراث انحرف بها الهوى والتعصب، فضلوا ضلالاً بعيداً".(7)
ولعل نموذج الدكتورة عائشة عبد الرحمن لا يتكرر في محاولة الفهم العميق للاستشراق والاعتذار عنهم بأنهم يخدمون أهدافهم القومية والدينية فنعود إلى كتّاب آخرين فنحد باحثاً آخر يرجع نشأة الاستشراق إلى الحروب الصليبية فيذكر أن من أخطر نتائجها " الحرب العلمية والفكرية التي شنّها المستشرقون على المسلمين وظهور عدد من تلامذتهم والمعجبين بأفكارهم من المسلمين ممن أخذوا يرددون آراءهم ويروجون لمفترياتهم."(8)
وتظهر الحماسة في كتابة الشيخ محمد الغزالي وكيف لا وهو في معرض الدفاع عن الشريعة ضد مطاعن المستشرقين( وهذا عنوان كتابه) فيكتب قائلاً :"إن الاستشراق كهانة جديدة تلبس مسوح العلم والرهبانية في البحث ، وهي أبعد ما تكون عن بيئة العلم والتجرد، وجمهرة المستشرقين مستأجرين لإهانة الإسلام وتشويه محاسنه والافتراء عليه."(9) ويزيد الأمر توضيحاً عند حديثه عن المستشرقين الأمريكيين بقوله:"والأمريكيون منذ دخلوا ميدان التبشير والاستشراق زادوا القوى المناوئة للإسلام شراسة وإصراراً وأمدوها بسيل موصول من المال والرجال فهي لا تني تواصل هجومها العلمي والعملي ودعايتها الماهرة ، ونحن نعرف أن من حق غيرنا التمسك بدينه والدعوة إليه واستقبال الداخلين فيه ، إلاّ أننا نقيّد هذا الحق بشرط واحد أن يكون بوسائل شرعية وصريحة. أما اختلاس عقائد الآخرين بالرغبة، أو الرهبة ، واستباحة الغش والكذب والمكر والرشوة فذلك ما نقف له بالمرصاد."(10)
ويعد باحث مسلم يعيش في بريطانيا الاستشراق ضمن القوى التي حاولت تدمير حضارات الأمم الشرقية بقوله:" ويجب أن نتذكر بأن الاستشراق لم يكن هو الاتجاه الوحيد الذي حاول أن يدمر حضارات الأمم الشرقية فهناك مجال آخر تعاون تعاوناً شديداً مع الاستشراق لخدمة الأهداف الاستعمارية ألا وهو علم الإنسان الذي غدا ابناً آخر للإمبريالية."(11)
ولم يغفل الباحثون المسلمون نظرة الغربيين لهذا المجال المعرفي فذكر محمد أحمد دياب أن الاستشراق "علم له أصوله ومقوماته وخططه وأهدافه ، ولا ننكر ما قام به المشتغلون به من بحوث ودراسات في الميادين العلمية المختلفة وفي العلوم الإسلامية بخاصة كانت بحق لها دورها الإيجابي وقيمتها العلمية كما كان لها أيضاً دورها السلبي."(12) ولكنه مع ذلك يرى أن " علم الاستشراق إنما هو حرب الكلمة التي شنها الغرب المسيحي على الشرق الإسلامي منذ القرن الثامن عشر وما زال يستخدمها ضدنا حتى الآن ، وإن لبست أثواباً مختلفة على مر العصور تحت شعار الموضوعية والمنهجية كي يحقق أهدافه."(13)
ويتنبه دياب إلى نظرة الغربيين أنفسهم إلى هذا المجال فيذكر أنه عندهم "مادة علمية معترف بها عالمياً ويكاد يكون ممثلاً في كل جامعة من الجامعات الغربية مع وجود أعداد كبيرة من الكوادر التخصصية في الميادين الاستشراقية."(14)
وكما ذكرنا أن الاستشراق عند كثير من الباحثين المسلمين إنما هو أسلوب من أساليب الغزو الفكري فقد كتب محمد عبد الفتاح عليان حول ذلك قائلاً:" ومن بين أساليب الغزو الفكري كان الاستشراق مغلفاً خطورته بشكل علمي واضعاً سمّه في عسل المنهج، والجديد فيه، غير أن خلق المسلم يقتضينا أن نقرر أن استغلال الاستعمار للاستشراق ليس معناه أن الاستشراق كله جملة وتفصيلاً دار في هذا الفلك، إذ لم نعدم من أدى به إنصافه إلى بيان الحقيقة ، ولئن كان هؤلاء قد نقلوا من حقيقة الحضارة الإسلامية أصالتها وأفادوا بها الغرب في نهضته فإن هذا قد اعترف به منصفون منهم وإن قلّوا."(15)(26/37)
ويتناول عدنان الوزان الاستشراق على أنه اتجاه فكري يعني بدارسة الحياة الحضارية للأمم الشرقية بصفة عامة ودراسة حضارة الإسلام بصفة خاصة.كما يتناوله من ناحية أهداف الاستشراق حيث يرى أن الاستشراق انطلق من فكرة واحدة إنما هي فكرة الغزو الاستعماري والعقائدي " بقصد التمكين للحضارة الغربية المسيحية المادية من السيطرة على الحضارة الإسلامية وإلغاء دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية وتشكيك المسلمين بدينهم ومحاولة إبعادهم وغيرهم عنه."(16) ويؤكد الوزان هذا الأمر في مواقع أخرى من كتابه حيث يقول في موضع آخر:" إن من أهداف المستشرقين الوقوف في وجه الشعوب التي لا تدين بالإسلام ليمنعوهم من الدخول في دين الحق الدين الإسلامي بما يعملون جاهدين في تشويه الإسلام وتغيير الصورة الحقيقية لهذا الدين الحنيف وإن إظهار الإسلام بصورة محرفة مستكرهة أمام الشعوب غير المسلمة بقصد صدهم عن سبيل الله وما نزل من الحق."(17)
ولئن كانت الكتابات السابقة ركزت على الجوانب السلبية في الاستشراق لأنها رأت أن الدراسات الاستشراقية التقليدية التي يرى البعض أنها بدأت بمدرسة اللغات الشرقية الحية التي أسست في باريس عام 1795 وترأسها في البداية المستشرق الفرنسي المشهور سلفستر دي ساسي ولم يعرفوا من الاستشراق أكثر من كتابات جولدزيهر وشاخت ومارجليوث ولامانس وغيرهم من كبار الباحثين الغربيين في الدراسات الإسلامية فإن رد الفعل اتسم في كثير من الأحيان بالحدة والقسوة والعنف. ولعل ذلك حق لهم حيث إن العقيدة والهوية هما أهم ما يملك الإنسان فكيف يرضى أن يسكت على الطعن فيهما. ولذلك قال عدنان الوزان:" وأيقنت أن ما كتب ضد هؤلاء المستشرقين إنما هو حق ، ولا أحد يلومنا إذا عزمنا على مقاومة هؤلاء المستشرقين وأخرجناهم من مكانتهم وأزحنا الأغشية التي يلفونها على وجوههم ومنازلتهم منازلة الند للند في ميدان الجدل العلمي والمناظرة الموضوعية."(18)
ومن خلال دراسة كتابات العرب والمسلمين الذين درسوا في الغرب أو تأثروا بالمناهج الفكرية الغربية فإن الاستشراق وإن كان لا يمكن تصنيفه ضمن المذاهب الفكرية كالماسونية أو الوجودية أو الشيوعية ولكنه اتجاه فكري معين يعتمد على الأسس الفكرية الغربية والمسلمات الغربية. فالغربي الذي مرّ بمرحلة " التنوير" الغربية التي دعت إلى الفصل بين الدين والحياة أو العلمانية بأوسع معانيها، الغرب الذي حارب ما يسمى بالمقدس فأخذوا يناقشون كتبهم المقدسة ويخضعونها للتحليل والنقد، كما أن هذا الغرب الذي ظهرت فيه التيارات الفكرية التي تسمى الحداثة وما بعد الحداثة وانعكست هذه الأفكار والتيارات على الدراسات العربية الإسلامية فإنه أقرب إلى أن يكون اتجاه فكري معاصر يصلح أن يدرس ضمن الاتجاهات الفكرية المعاصرة.
ومما يؤيد هذا الأمر أنه ظهر عدد من الكتاب في العالم العربي لا يرون في التاريخ الإسلامي إلاّ سلسلة من الدكتاتوريات الحاكمة وأن العالم الإسلامي لم يعرف الحكم العادل فهم قد أخذوا عن المستشرقين النظرة السلبية للتاريخ الإسلامي ولو أنهم نظروا بعين العدل والإنصاف لهذا التاريخ لرأوا أن الأمة الإسلامية رغم بعض الصفحات المظلمة في تاريخها شأنها شأن أي أمة عظيمة إلاّ أن المواطن المسلم كان عزيزاً وتمتع بكرامته الإنسانية إلى أبعد حد وإلاّ فكيف ظهرت هذه الإبداعات العلمية التي ما زلنا لم نكشف كل كنوزها. كيف استطاع المسلمون أن يبنوا حضارة سامقة وهم كما تصورهم الكتابات الاستشراقية أو المتأثرة بالروح الاستشراقية مجموعة من المواطنين الذين يخضعون لحكام جبابرة كالحجاج أو غيره. ولعل من الطرائف أن تخصص كاتبة في مجلة سيّارة مقالتين أو أكثر للشعراء السود ومأساتهم -كما تزعم- لتخرج من هذين المقالين أن الإسلام الذي حرم العنصرية نظرياً فإن المجتمع المسلم ظل عنصرياً قلباً وقالباً.
المبحث الثاني -مكانة دراسة الاستشراق في العصر الحاضر
معرفة الآخر أمر نبه إليه القرآن الكريم في أكثر من موضع حيث أكد على أهمية الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) كما أكد على أهمية الدعوة إلى الله وأوضح القرآن الكريم عقائد الأمم الأخرى وبخاصة أهل الكتاب فبين ما هم عليه من اعتقادات وسلوك. كما بيّن معتقدات المشركين وسلوكهم وأخلاقهم. وفي هذا إشارة قوية إلى أهمية معرفة الآخر حتى يستطيع أن يدعو المسلم إلى ربه على بصيرة كما جاء في قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)(26/38)
وقد أدرك علماء المسلمين منذ القرون الأولى أهمية معرفة الأمم والشعوب الأخرى ليس فقط من النواحي العقدية ولكن أيضاً من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية وتعرفوا إلى الحضارات الأخرى وأخذوا منها ما ناسبهم وتركوا ما خالفهم. وكان من أهم الكتابات في المجالات العقدية ما كتبه ابن حزم في الملل والنحل وما كتبه البغدادي في الفرق وما كتبه الأشعري في مقالات الإسلاميين وما كتبه بعد ذلك ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم وغيره وما كتبه ابن قيم الجوزية كذلك. ويمكن أن نضيف إلى هذه الكتابات ما كتبه الجغرافيون العرب في وصف البلدان المختلفة.
ولما كان العصر الحاضر وبدأ احتكاك المسلمين بالاستشراق من خلال بدأ البعثات العلمية إلى دول أوروبا المختلفة والتي بدأت في فرنسا ثم غيرها من الدول الأوروبية ثم جاء العصر الحاضر وانطلقت البعثات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتجمع مئات الآلاف من الطلاب العرب والمسلمين هناك. كما كان للاحتلال الأجنبي لديار المسلمين دور في التعرف إلى الاستشراق وكتابات المستشرقين حول الإسلام والمسلمين.
ولكن دراسة الاستشراق بدأت من علماء الشريعة المسلمين الذين أخذوا على عاتقهم الذب عن هذا الدين فكان زعماء الحركات الإصلاحية وأعلام العلماء المسلمين هم الذين تصدوا للهجمة الاستشراقية على عقيدة هذه الأمة وتاريخها وتراثها الفكري والثقافي والحضاري. وبرز من هؤلاء كثير منهم الدكتور مصطفى السباعي ومحمد البهي وعبد الحميد بن باديس وغيرهم كثير.
وقبل حوالي عشرين سنة ظهر كتاب إدوارد سعيد حول الاستشراق فكان هذا إيذاناً بأن ثمة آخرون من خارج العلوم الشرعية يمكن أن يكتبوا في نقد الاستشراق والتعرف إليه عن قرب. فأحدث كتاب إدوارد سعيد ضجة في الغرب كما تناوله علماء المسلمين بالدراسة والنقد. فأصبح من اللافت للانتباه أن دارسة الاستشراق لم تعد مقتصرة على علماء الشريعة والدراسات الإسلامية المختلفة كالفقه والحديث والتفسير واللغة العربية فقد انضم إلى هؤلاء في السنوات الماضية أساتذة في مجال اللغة الإنجليزية وعلم الاجتماع والاتصالات والعلوم السياسية. ولعل أبرز من كتب حول الاستشراق من خارج التخصص في الدراسات الإسلامية إدوارد سعيد المتخصص في الأدب الإنجليزي المقارن. وهذا كتاب عدنان الوزان كذلك وهو متخصص في اللغة الإنجليزية، كما كتب عن الاستشراق الدكتور أبو بكر باقادر وهو متخصص في علم الاجتماع، أما في العلوم السياسية والإعلام فقد كتب الدكتور جمال الشلبي عدة بحوث تناول فيها الاستشراق المعاصر(19).
وقد وجه النقد إلى الكتابات الإسلامية بأنها تنطلق من العداء للاستشراق كما في كتابات أنور الجندي أو بعض الكتابات الأزهرية أو غيرها كتلك التي أشرنا إليها في بداية الموضوع. وقد أفاض فؤاد زكريا في نقد ما أسماه الاتجاه الديني في نقد الاستشراق حتى إنه أخذ على بعض الباحثين "الإسلاميين" أنهم لا يعرفون التوثيق العلمي في كتاباتهم أو أن أمانتهم العلمية ليست كما ينبغي. وقد يكون محقاً في بعض هذا النقد. ولكن الحقيقة أن علماء الشريعة المسلمين من المفترض أنهم ينطلقون في نقدهم للاستشراق أو للغرب عموماً من قوله تعالى (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله)
كما أن السيد محمد الشاهد تناول هذه القضية في بحث له حول نقد الاستشراق في الكتابات الإسلامية المعاصرة ولعله أضاف إن كثيراً من الكتابات التي تتناول الاستشراق لا تعرف من الاستشراق إلاّ بعض الكتابات القليلة للمستشرقين التي تمت ترجمتها إلى اللغات الإسلامية فتأتي كتاباتهم نقلاً عن بعضهم البعض. فما أكثر الكتابات التي انتقدت جولدزيهر ومعظمها إن لم يكن كلها تنتقد ما ترجم لهذا المستشرق للغة العربية أما ما ترجم له إلى اللغة الإنجليزية أم ما كتبه في لغته الأصلية فإن هذه الكتابات لا تكاد تكون موجودة. كما انتقد هؤلاء في عدم معرفتهم بجهود المستشرقين المعاصرين في التعريف بالإسلام ونقد النصرانية وضرب كثيراً من الأمثلة على ذلك من الاستشراق الألماني المعاصر. وللدكتور قاسم السامرائي ملاحظات شبيهة بحكم احتكاكه بالاستشراق الهولندي ومعرفته بهم معرفة وثيقة.
ولعل الكتابات في العصر الحاضر تناولت العلاقة بين الإسلام والغرب أو العالم العربي والغرب وبخاصة في ضوء ازدياد قوة وسائل الإعلام وانتشار نفوذها حتى أصبحت كما ذكر الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش في كتابه القيم ( الإسلام بين الشرق والغرب) أكثر خطورة من الدكتاتوريات السابقة لقدرته الطاغية على التأثير في الجماهير. ولعل هذا ما يفسر لنا دخول علماء السياسية والاتصال لهذا المجال الحيوي. فهذا غسان سلامة ( المتخصص في العلوم السياسية ) يرى أن انتشار مراكز البحث والمعاهد وأقسام الدراسات الشرق أوسطية والمكتبات إنما هي " نوع من الامتداد الطبيعي والمنطقي لظاهرة الاستشراق وأطلق عليها "مرحلة الاستشراق الجديدة."(20)(26/39)
ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح في أي مجال من مجالات المعرفة ينبغي أن ندرس الاستشراق؟ وهل الاستشراق شيء واحد أو إنه متعدد؟ الحقيقة إن الاستشراق لم يعد شيئاً واحداً من ناحية الدراسة والتخصص فقد توزعت اهتمامات المستشرقين القدماء إلى عشرات التخصصات حيث أصبحت دراسة الإسلام والعالم الإسلامي تتم من خلال أقسام الاجتماع والجغرافيا والتاريخ وعلم الإنسان والأديان ومن خلال أقسام دراسات المناطق والدراسات الإقليمية وغيرها من الأقسام.
فبالرغم من تعدد الأقسام التي تدرس العالم الإسلامي وقضاياه لكن كثيراً من الجامعات تحافظ على وجود قسم دراسات الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط للتنسيق فيما بينها وكأنه الرابط الأخير بالدراسات الاستشراقية القديمة والتي يتم فيها دراسة كتابات المستشرقين التقليديين مثل بروكلمان وجولدزيهر وشاخت وبوزوورث وبرنارد لويس وغيرهم. وفي هذه الأقسام يتم تسجيل رسائل الدراسات العليا كما يحدث في كل من جامعة برنستون وجامعة كولومبيا وجامعة كاليفورنيا في بيركلي وفي جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس.
وقد أصبح يشارك الاهتمام بالدراسات العربية والإسلامية مراكز البحوث والمعاهد المتخصصة في دراسة الشرق الأوسط وهذه وإن لم تكن أكاديمية في مناهجها ولكنها تستعين بالأكاديميين أو إن الأكاديميين هم الذين يقومون بالعمل فيها وإدارتها. وإن كانت بعض المعاهد تستعين بالسياسيين أو الدبلوماسيين القدامى مثل معهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة أو معهد دراسات الشرق الأدنى في واشنطن أيضاً.
والسؤال كيف ندرس الاستشراق هل هو اتجاه فكري يتم دراسته من خلال أقسام كليات الشريعة واللغة العربية والعلوم الاجتماعية أو يمكن أن نفرد دراسة الاستشراق من خلال كليات يمكن أن نطلق عليها كليات الدراسات الأوروبية والأمريكية؟ ما دام الاستشراق قد انتقل من الوضع القديم إلى وضع أصبح فيه يتناول العالم الإسلامي من جميع الجوانب ويستخدم مناهج البحث الخاصة بالعلوم المختلفة كالعلوم الاجتماعية وعلوم الاتصال وعلوم اللغة وغيرها. وما دام الباحث الغربي الذي ينطلق لدراسة العالم الإسلامي إنما هو ابن بيئته ولا يختلف تكوينه الفكري والمنهجي عن أي أكاديمي غربي في أي مجال من المجالات المختلفة.
ولذلك فإن المطلوب في مواجهة الهجمة الاستشراقية أن نعرف الغرب معرفة دقيقة في جميع جوانب الحياة فلا بد أن يتم دراسة الغرب في أقسام علم الاجتماع والتاريخ واللغة وعلم النفس والاتصال وقد حضرت مؤتمراً في عمّان (10-12 أبريل 2000م) حول العلاقات العربية الأمريكية وقد تناول عدد من الباحثين صورة العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي ولكنهم لم يتعمقوا في فهم هذا الإعلام وعلاقته بالحكومة الأمريكية وهل تستطيع الحكومة الأمريكية التأثير في وسائل الإعلام. فقد فعلت هذا الأمر في حرب الخليج الثانية حيث أصرت على أن تكون أخبار هذه الحرب صادرة عن غرفة عمليات تابعة للقوات الأمريكية أو قوات الحلفاء. ولم تشر أي من الأوراق المقدمة لارتباط الحكومة الأمريكية بعقود تسلح مع عدد من كبريات الشركات الأمريكية التي تمتلك بعض كبريات وسائل الإعلام الأمريكية كما أشار مؤلفا كتاب( مصادر غير موثوقة.)(21)
ولتكن البداية في دراسة الاستشراق في العصر الحاضر أن ينطلق الباحث المسلم بمعرفة الإسلام معرفة حقيقية من مصادره الأصلية فيعرف كيف دوّن القرآن الكريم وكيف دوّن الحديث الشريف وما مصطلح الحديث كما عليه أن يعرف أساسيات الإسلام وثوابته الكبرى كما لا يمنع أن يعرف بعض التفاصيل في الفقه والحديث والتفسير واللغة فكيف يمكن لنا أن ننتقد الكتابات الغربية حول الإسلام والمسلمين ونحن لا نعرف إسلامنا معرفة أصيلة.
أما الأمر الثاني فعلينا أن نعرف اللغات الأوروبية معرفة تمكننا من قراءة ما كتبه الغربيون بلغاته الأصلية حتى نستطيع أن نفهم فهماً دقيقاً ما قالوه فلا نقع في التأويل والتفسير بدون أساس علمي صحيح. وعلينا أن نفهم المجتمعات الغربية ذلك أن الباحثين الغربيين في قضايا العالم الإسلامي إنما هم نتاج بيئتهم وإن كثيراً من القضايا التي ينتقدون فيها الإسلام إنما هم أولى بنقد أنفسهم فيها. ويحضرني في هذه المناسبة حواراً رواه منصر بينه وبين أحد المغاربة حيث قال المغربي للمنصّر لماذا تأتوننا تدعوننا للأخلاق والإيمان بالمسيح أليس من الأولى أن تدعوا بني قومكم لمنع الانحرافات الأخلاقية وشرب الخمور وغير ذلك من المعاصي؟
ولعل الدراسة الصحيحة للاستشراق أن لا تتوقف معرفتنا بما يدور في الأوساط العلمية في الغرب عن طريق قراءة بعض الإنتاج العلمي فلا بد أن يكون لنا وجود فاعل في المؤتمرات والندوات وأن نشارك في الإصدارات العلمية باللغات الأوروبية المختلفة. فكم مادة تدرس في الجامعات الغربية باسم مدخل إلى الدين الإسلامي ويكون الكتاب المنهجي في هذه المادة كتبه مسلم باللغات الأوروبية؟
الخاتمة(26/40)
من الصعب تصنيف الاستشراق ضمن المذاهب الفكرية المعاصرة كالماسونية والبهائية أو غيرها رغم أن الموسوعات التي تصدر في العالم الإسلامي تصنفه ضمن هذا التصنيف كما أنها تصنفه ضمن وسائل الغزو الفكري. ولا بد أن لهذا الرأي بعض الوجاهة ولكن الحقيقة أن الاستشراق يمكن أن يشكل تياراً فكرياً في جميع مجالات الحياة في العقيدة وفي اللغة وفي التاريخ وفي الاجتماع وفي السياسة وفي الاقتصاد. حتى إن كثيراً من الذين يكتبون في العالم العربي لا يختلفون في منطلقاتهم عن الكتابات الغربية. ولعل من هذه التأثيرات أن وسائل الإعلام العربية تطلق باستمرار على الحركات الإسلامية أو الإسلاميين مصطلح الأصوليين أو الأصولية الإسلامية أو المتشددين وكأن وسائل الإعلام العربية الإسلامية إنما هي مرآة تعكس ما تكتبه الصحف ووسائل الإعلام الغربية.
ويمكننا أن نضيف إن ما قدمته السينما العربية لمحاربة الثوابت الإسلامية في الأسرة والأخلاق يتفوق بمئات المرات ما قدمته وسائل الإعلام الغربية فإن الأفلام الأمريكية مثلاً وبخاصة التي لا تترجم- قبل أن تظهر الشو تايم (Show Time )التي تعتز بأنها تستطيع أن تنقل إلينا الفكرة والصورة معاً واستطاعت أن تتغلب على موضوع صعوبة قراءة الترجمة- لا يعد شيئاً مذكوراً مقابل ما قدمته السينما العربية أو وسائل الإعلام العربية الإسلامية من تشويه حقيقة الإسلام ومسلماته. ومن الموضوعات الأثيرة في وسائل الإعلام هذه موقف الإسلام من المرأة أو حقوقها، وكذلك قضية الإسلام والسياسة والعلمنة.
إننا بحاجة إلى أن نعرف الاستشراق القديم وكذلك الدراسات العربية والإسلامية والدراسات الإقليمية أو دراسات المناطق الموجودة في الغرب في الوقت الحاضر، ونحن بحاجة أكثر إلى أن نعرف الغرب معرفة وثيقة حتى نستطيع أن نحافظ على هويتنا في وجه التيارات الفكرية التي تستطيع وسائل الإعلام الغربية نشرها بما لديها من أجهزة قوية وإمكانات ضخمة.
فلعلنا في المستقبل لا تتوقف جهودنا على حضور المؤتمرات والندوات التي تعقد للحديث عن العالم العربي والإسلامي وقضاياه بل نشارك معهم في مؤتمراتهم وندواتهم التي تخص المجتمعات الغربية فنقدم لهم الاقتراحات والحلول فنكون بذلك قد انتقلنا إلى مرحلة جديدة في نقل الإسلام من الوضع الدفاعي إلى الوضع الذي جاء من أجله الإسلام ( ليخرج الله به من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد الأحد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.) فهل نحن فاعلون والحمد لله رب العالمين
- - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام(26/41)
(26/42)
الإسلام وتضليل الاستشراق ... 2(26/43)
(26/44)
الجهاد بين عقيدة المسلمين وشبه المستشرقين ... 8(26/45)
(26/46)
بل ظاهرة أصيلة عامة ... 23(26/47)
(26/48)
المستشرق المجري الدكتور روبرت سيمون ... 27(26/49)
(26/50)
المستشرق النمساوي محمد أسد (ليو بولد فايس) كما لا يعرفه الكثيرون ... 30(26/51)
(26/52)
من الاستشراق إلى الدراسات الإسلامية ... 67(26/53)
(26/54)
البعد التوراتي الصهيوني لحملات الاستشراق نحو فلسطين ... 76(26/55)
(26/56)
الإعلام والاستشراق ... 81(26/57)
(26/58)
الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم ... 84(26/59)
(26/60)
الاستشراق علم غريب أم استعمار جديد ... 91(26/61)
(26/62)
الاستشراق اليهودي وهواجس الرعب ... 99(26/63)
(26/64)
الاستشراق الجديد ... 104(26/65)
(26/66)
الاستشراق البوسنوي: دراسة الذات البوسنية ... 110(26/67)
(26/68)
هولندا تبدأ الاستشراق الجديد ... 113(26/69)
(26/70)
موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية ... 118(26/71)
(26/72)
مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين ... 136(26/73)
(26/74)
المنهج الاستشراقي عند المتغربين فكرياً ... 140(26/75)
(26/76)
تفكيك مقولات الاستشراق ... 143(26/77)
(26/78)
الفكر الاستشراقي وأثره على الدعوة ... 148(26/79)
(26/80)
الغرب والإسلام.. قراءات في رؤى ما بعد الاستشراق ... 153(26/81)
(26/82)
الحروب الصليبية ومناهج الاستشراق ... 156(26/83)
(26/84)
التراث والاستشراق ... 162(26/85)
(26/86)
الاستشراق ... 164(26/87)
(26/88)
التربية الجهادية ... 174(26/89)
(26/90)
الطاعنون في السنة قديماً وحديثاً ... 316(26/91)
(26/92)
الغزو الفكري وآثاره على الأفراد والمجتمعات 1 / 2 ... 322(26/93)
(26/94)
مناهضة الفكر الاستشراقي ... 330(26/95)
(26/96)
الفكر الاستشراقي.. وأثره على الدعوة ... 334(26/97)
(26/98)
الاستشراق والإسلام بين الموضوعية والتزييف ... 338(26/99)
(26/100)
الاستشراق والإسلام بين الموضوعية والتزييف ... 345(26/101)
(26/102)
تطور مدارس الاستشراق الألماني في القرن العشرين ... 352(26/103)
(26/104)
في دائرة الضوء ... 358(26/105)
(26/106)
البيان الأدبي ... 365(26/107)
(26/108)
الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ... 371(26/109)
(26/110)
الاستشراق ... 374(26/111)
(26/112)
كيف دخل اليهود من بوابة الاستشراق ؟ ... 383(26/113)
(26/114)
الثقافة الإسلامية في عصر العولمة(1-2) ... 391(26/115)
(26/116)
في ثقافة الديموقراطية. ... 404(26/117)
(26/118)
موقف الغرب من الإسلام ... 409(26/119)
(26/120)
صراع الحضارات أكذوبة غربية ... 412(26/121)
(26/122)
الإستشراق والإعجاز في القرآن الكريم[1/2] ... 418(26/123)
(26/124)
الإستشراق والإعجاز في القرآن الكريم[2/2] ... 432(26/125)
(26/126)
مرتكزات الأمن الفكري الإسلامي ... 443(26/127)
(26/128)
الغزو الفكري ... 447(26/129)
(26/130)
وباء العنصرية واضطهاد المسلمين في هولندا ... 449(26/131)
(26/132)
العولمة وأثرها على الهوية[1/2] ... 454(26/133)
(26/134)
العولمة وأثرها على الهوية[2/2] ... 472(26/135)
(26/136)
صورة المسلمين والعرب في العالم1/2 ... 486(26/137)
(26/138)
لقاء الشيخ سلمان العودة مع موقع الساخر الإلكتروني ... 510(26/139)
(26/140)
السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ... 545(26/141)
(26/142)
الاستشراق الجديد ... 549(26/143)
(26/144)
علماء الإسلام يطالبون الغرب بفض الاشتباك بين الإرهاب والمقاومة ... 555(26/145)
(26/146)
رداً على ما جاء في بيان المثقفين الأمريكان : ... 559(26/147)
(26/148)
ماذا قال فوكوياما آنفا؟ ... 612(26/149)
(26/150)
صورة الإسلام في الغرب ... 623(26/151)
(26/152)
بعد الحادي عشر من سبتمبر: ... 634
هل دخل العالم عهد الاستعمار الجديد؟ ... 634(26/153)
(26/154)
الإسلام وأسطورة المجابهة ... 639(26/155)
(26/156)
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ... 645(26/157)
(26/158)
فلسفة التاريخ في خدمة الحرب ... 646(26/159)
(26/160)
رؤى وسياسات في الإعلام يحتاجها اليوم كل إنسان ... 651(26/161)
(26/162)
الانبعاث الحضاري الإسلامي ومستقبل العالم ... 657(26/163)
(26/164)
جامعاتنا والتصنيف .. ربّ ضارة نافعة ... 668(26/165)
(26/166)
الإسلام الفرنسي المُتخيّل ... 673(26/167)
(26/168)
الهلع الفرنسي من الحجاب... لماذا ؟ ... 684(26/169)
(26/170)
أمريكا والإصلاح السياسي العربي ... 689(26/171)
(26/172)
نحو تأصيل التخطيط العمراني ... 692(26/173)
(26/174)
الزنداني: هذه وصاية على سكان الأرض ... 696(26/175)
(26/176)
البديل الإسلامي في مجال الإعلام ... 700(26/177)
(26/178)
الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل (1/5) ... 714(26/179)
(26/180)
لأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [2/5] ... 735(26/181)
(26/182)
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [3/5] ... 745(26/183)
(26/184)
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [4/5] ... 748(26/185)
(26/186)
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [5/5] ... 751(26/187)
(26/188)
متوالية السقوط الكبير للمحافظين الجدد ... 761(26/189)
(26/190)
د. مازن مطبقاني : هذه حقيقة الفاتيكان ... 765(26/191)
(26/192)
الأسلمة في الغرب واختراق الخارطة الأوروبية بالقوة الذاتية..!! ... 775(26/193)
(26/194)
زنجبار .. وجع في قلب العالم الإسلامي ... 779(26/195)
(26/196)
"تطويع الثقافة" العربية أم تثويرها! ... 784(26/197)
(26/198)
"العلمانيّة الأدبيّة" ضرورة أم اختراق ثقافيّ؟ ... 787(26/199)
(26/200)
الاستشراق ليس شراً كله على الإسلام ... 793(26/201)
(26/202)
هذه صورة للعولمة ... 798(26/203)
(26/204)
برنارد لويس ... وصهينة الدراسات الاستشراقيّة ... 804(26/205)
(26/206)
الذاكرة التاريخية تحمي الأمة من الانهيار ... 809(26/207)
(26/208)
ما بعد الجماعات ... 818(26/209)
(26/210)
صورة المسلمين والعرب في العالم2/2 ... 827(26/211)
(26/212)
قراءة في كتاب (مقدمات الاستتباع) (2/2) ... 860(26/213)
(26/214)
واقع المسلمين هو أكبر 'حاجز' بين الإسلام والغرب !! ... 873(26/215)
(26/216)
حول قداسة الحكّام في تاريخنا ... 887(26/217)
(26/218)
إهانة الإسلام في نمو مطرّد! ... 896(26/219)
(26/220)
لماذا المنهج؟ (1 ـ 2) ... 900(26/221)
(26/222)
التحديات التي تواجهها الثقافة الإسلامية ... 910(26/223)
(26/224)
صناعة الكراهية بين الثقافات ... 919(26/225)
(26/226)
صناعة الكراهية بين الثقافات ... 929(26/227)
(26/228)
لماذا يزهد العرب في معرفة إسرائيل؟ ... 943(26/229)
(26/230)
سلمان رشدي .. من صنع هذه الظاهرة ؟ ... 946(26/231)
(26/232)
بواكير الاستشراق والنقل المعرفي الى الغرب ... 949(26/233)
(26/234)
حوار الحضارات... لماذا؟ ... 952(26/235)
(26/236)
حتى لا تفرض علينا التهم ... 956(26/237)
(26/238)
اشراقات الثقافة الاسلامية على نصارى الاندلس ... 959(26/239)
(26/240)
تعريف الاستشراق > ... 961(26/241)
(26/242)
نشأة الاستشراق > ... 967(26/243)
(26/244)
وسائل الاستشراق > ... 969(26/245)
(26/246)
أهداف الاستشراق > ... 977(26/247)
(26/248)
مناهج الاستشراق > ... 983(26/249)
(26/250)
أساليب الاستشراق > ... 987(26/251)
(26/252)
آثار الاستشراق > ... 989(26/253)
(26/254)
الظاهرة الاستشراقية([1]) ... 997(26/255)
(26/256)
حقيقة نهاية الاستشراق > ... 1024(26/257)
(26/258)
أزمة الاستشراق > ... 1031(26/259)
(26/260)
السعودية والاستشراق > ... 1052(26/261)
(26/262)
مدارس الاستشراق > المدرسة الإيطالية > ... 1069(26/263)
(26/264)
مدارس الاستشراق > المدرسة الهولندية > ... 1070(26/265)
(26/266)
مدارس الاستشراق > المدرسة الفرنسية > ... 1074(26/267)
(26/268)
مدارس الاستشراق > المدرسة الإنجليزية > ... 1077(26/269)
(26/270)
مدارس الاستشراق > المدرسة الأمريكية > ... 1085(26/271)
(26/272)
ظاهرة الاستشراق الإعلامي > ... 1101(26/273)
(26/274)
الاهتمام بالحركات الإسلامية "الأصولية" > ... 1108(26/275)
(26/276)
الاستشراق الأمريكي .. طبيعته وخلفياته > ... 1115(26/277)
(26/278)
مدارس الاستشراق > المدرسة الألمانية > ... 1136(26/279)
(26/280)
مدارس الاستشراق > المدرسة الإسبانية > ... 1140(26/281)
(26/282)
مدارس الاستشراق > المدرسة الروسية > ... 1142(26/283)
(26/284)
مدارس الاستشراق > دول أوروبا الأخرى > ... 1144(26/285)
(26/286)
مدارس الاستشراق > في العالم الإسلامي > ... 1146(26/287)
(26/288)
مدارس الاستشراق > طبقات المستشرقين > ... 1147(26/289)
(26/290)
المؤتمرات > المؤتمرات > ... 1196(26/291)
(26/292)
نموذجان للمؤتمرات العلمية في العالم العربي ... 1196(26/293)
(26/294)
المؤتمرات الاستشراقية الحديثة حول الإسلام والمسلمين([1]) ... 1205(26/295)
(26/296)
نظرة إلى المؤتمرات في بلادنا > ... 1245(26/297)
(26/298)
ندوة صحيفة عكاظ حول الاستشراق(*) ... 1246(26/299)
(26/300)
ندوة الحج والإعلام بجامعة أم القرى > ... 1253(26/301)
(26/302)
قراءة ثقافية في تاريخ دورات الجنادرية"[1]" ... 1257(26/303)
(26/304)
المهرجان 12- الإسلام والغرب > ... 1263(26/305)
(26/306)
المهرجان السابع عشر: الإسلام والشرق ... 1270(26/307)
(26/308)
لمؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين ... 1274(26/309)
(26/310)
مؤتمر عالمي حول الإسلام في هولندا ... 1287(26/311)
(26/312)
تقرير عن المؤتمر الدولي الاستشراق والدراسات الإسلامية ... 1295(26/313)
(26/314)
الاستشراق والإسلام > القرآن الكريم > ... 1301(26/315)
(26/316)
الاستشراق والإسلام > الاستشراق والحديث > ... 1377(26/317)
(26/318)
الاستشراق والإسلام > المستشرقون والفقه > ... 1380(26/319)
(26/320)
الاستشراق والإسلام > الاستشراق والسيرة النبوية > ... 1382(26/321)
(26/322)
الاستشراق والإسلام > الاستشراق والتاريخ الإسلامي > ... 1384(26/323)
(26/324)
الاستشراق والإسلام > الاستشراق والأدب العربي > ... 1385(26/325)
(26/326)
القضايا المعاصرة > ... 1426(26/327)
(26/328)
منهج المستشرق برناردلويس ... 1439(26/329)
(26/330)
دراسة نقدية لكتاب ... 1451(26/331)
(26/332)
التبشير في العالم الإسلامي ... 1453(26/333)
(26/334)
منهج المستشرقين في دراسة النظم الاجتماعية ... 1467(26/335)
(26/336)
الأخطاء العقدية في دائرة المعارف الإسلامية ... 1474(26/337)
(26/338)
السلطان محمود الغزنوي ... 1484(26/339)
(26/340)
الاستشراق الفرنسي وموقفه من تاريخعهد النبوة ... 1499(26/341)
(26/342)
موقف المستشرق "سيدو" من السيرة النبوية ... 1508(26/343)
(26/344)
مصادر الدراسة حول الاستشراق والمستشرقين في اللغة العربية ... 1515(26/345)
(26/346)
الإسلام و الغرب > الشكر لمراسل التلفزيون الكندي > ... 1542(26/347)
(26/348)
الإسلام و الغرب > أوروبا والإسلام > ... 1544(26/349)
(26/350)
الإسلام و الغرب > إرادة التحدي في مواجهة عداء الغرب > ... 1545(26/351)
(26/352)
الإسلام و الغرب > من يمزّق الصحيفة ومتى؟ > ... 1547(26/353)
(26/354)
الإسلام و الغرب > يطلبون السلام ويستعدون للحرب > ... 1549(26/355)
(26/356)
الإسلام و الغرب > الغرب تهديد للإسلام > ... 1551(26/357)
(26/358)
الإسلام و الغرب > السينما الأمريكية تعادي المسلمين > ... 1558(26/359)
(26/360)
الإسلام و الغرب > أهكذا يكون رد الجميل يا فرنسا؟! > ... 1562(26/361)
(26/362)
الإسلام و الغرب > الغرب يخوض حرباً ضد عدو اسمه الإسلام بعد أن قضى على الشيوعية > ... 1564(26/363)
(26/364)
الإسلام و الغرب > مستشرقة كندية منصفة > ... 1575(26/365)
(26/366)
الإسلام و الغرب > كارثة فكرية > ... 1577(26/367)
(26/368)
الإسلام و الغرب > صحيفة المدينة والتسامح الديني > ... 1581(26/369)
(26/370)
الإسلام و الغرب > عداء الغرب للإسلام والمسلمين ليس وهماً > ... 1584(26/371)
(26/372)
الإسلام و الغرب > وماذا عن اعتذار الأوروبيين لنا؟ > ... 1590(26/373)
(26/374)
الإسلام و الغرب > أما المسلمون فلا بواكي لهم > ... 1592(26/375)
(26/376)
الإسلام و الغرب > الاستشراق يهتم بمن يحارب الإسلام > ... 1594(26/377)
(26/378)
الإسلام و الغرب > كوسوفا والرأي السديد > ... 1595(26/379)
(26/380)
الإسلام و الغرب > خطتهم الخمسية وخطتنا > ... 1597(26/381)
(26/382)
الإسلام و الغرب > نظرات إيجابية إلى الإسلام > ... 1600(26/383)
(26/384)
الإسلام و الغرب > إذاعة لندن والاستشراق الجديد > ... 1603(26/385)
(26/386)
الإسلام و الغرب > مازالوا يفخرون بالحروب الصليبية > ... 1605(26/387)
(26/388)
الإسلام و الغرب > جيش أسامة بن زيد وكارثة أكلاهما > ... 1607(26/389)
(26/390)
الإسلام و الغرب > هذه فرنسا العداء للإسلام (رؤية من الداخل) > ... 1610(26/391)
(26/392)
الإسلام و الغرب > موقف الأوروبيين النصارى من قضايا المسلمين > ... 1611(26/393)
(26/394)
الإسلام و الغرب > أسباب العداء للإسلام > ... 1614(26/395)
(26/396)
الإسلام و الغرب > كتاب فرنسي يعادي المسلمين > ... 1616(26/397)
(26/398)
الإسلام و الغرب > الحركة الإسلامية في نظر الغرب > ... 1618(26/399)
(26/400)
الاستغراب > الاستغراب > ... 1621(26/401)
(26/402)
معرفة الآخر في ضوء الكتاب والسنة ... 1621(26/403)
(26/404)
مصطلح الاستغراب > ... 1628(26/405)
(26/406)
دعوة لدراسة الغرب > ... 1631(26/407)
(26/408)
كيف ندرس الغرب؟ > ... 1648(26/409)
(26/410)
نماذج من دراستنا للغرب > ... 1651(26/411)
(26/412)
الرد على منتقدي دراسة الغرب > ... 1711(26/413)
(26/414)
اشراقات الثقافة الاسلامية على نصارى الاندلس ... 1716(26/415)
(26/416)
العلاقات بين المسلمين والنصارى ... 1719(26/417)
(26/418)
الاسلام من منظار هؤلاء ... 1721(26/419)
(26/420)
مع المستشرق الفرنسي هنري كاستري في كتابه " ... 1727
الاسلام, خواطر وسوانح " ... 1727(26/421)
(26/422)
توماس كارلايل : محمد شهاب أضاء العالم أجمع ... 1728(26/423)
(26/424)
اللورد هدلي يستعرض صورة الدين الحنيف ... 1730(26/425)
(26/426)
عشرة غربيين يرون الاسلام ... 1732(26/427)
(26/428)
نظرة الغربيين للاسلام ... 1737(26/429)
(26/430)
شبهتان في المنهج الاستشراقي لدراسة القرآن الكريم ... 1739(26/431)
(26/432)
ثغرات منهجية في كتاب المستشرق مونتغمري وات عند الرسول الاكرم (ص) ... 1742(26/433)
(26/434)
الإسلام لمن لا يعرفوه ... 1744(26/435)
(26/436)
ايريس صفوت الألمانية بعد إسلامها: ... 1749
وجدت في الإسلام تكريما افتقدته في الغرب ... 1749(26/437)
(26/438)
نظرية العمل والقيمة بين ابن خلدون وماركس ... 1752(26/439)
(26/440)
ثلاثة نماذج للتعاطي مع الآخر العربي ... 1755(26/441)
(26/442)
المؤسسة الثقافية الاسلامية في جنيف ... 1760(26/443)
(26/444)
كيف نتعامل مع التطرف الديني؟ ... 1761(26/445)
(26/446)
نقطة التحول عند المثقفين العرب في النظرة للغرب والاستشراق ... 1767(26/447)
(26/448)
متى ينشأ علم الاستغراب؟ ... 1773(26/449)
(26/450)
الاستشراق ومكانته بين المذاهب الفكرية المعاصرة ... 1776
المبحث الأول-الاستشراق والغزو الفكري والاتجاهات الفكرية المعاصرة ... 1779
المبحث الثاني -مكانة دراسة الاستشراق في العصر الحاضر ... 1785(26/451)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (8) الماسونية
الباب الثامن
الماسونية
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثامن
الماسونية(27/1)
(27/2)
الماسونية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
الماسونية لغة معناها البناءون الأحرار، وهي في الاصطلاح منظمة يهودية سرية هدامة، إرهابية غامضة، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد (*(والإباحية والفساد، وتتستر تحت شعارات خداعه (حرية (*) ـ إخاء ـ مساواة ـ إنسانية) جلُّ أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم، من يوثقهم عهداً بحفظ الأسرار، ويقيمون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام، تمهيداً لتأسيس جمهورية ديمقراطية عالمية ـ كما يدعون ـ وتتخذ الوصولية والنفعية أساساً لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية.
• التأسيس وأبرز الشخصيات:
لقد أسسها هيرودس أكريبا (ت 44م) ملك من ملوك الرومان بمساعدة مستشاريه اليهوديين:
ـ حيران أبيود: نائب الرئيس.
ـ موآب لامي: كاتم سر أول.
• ولقد قامت الماسونية منذ أيامها الأولى على المكر والتمويه والإرهاب حيث اختاروا رموزاً وأسماء وإشارات للإيهام والتخويف وسموا محفلهم (هيكل أورشليم) للإيهام بأنه هيكل سليمان - عليه السلام -.
• قال الحاخام لاكويز: الماسونية يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وفي إيضاحاتها..يهودية من البداية إلى النهاية.
• أما تاريخ ظهورها فقد اختلف فيه لتكتمها الشديد، والراجح أنها ظهرت سنة 43م.
• وسميت القوة الخفية وهدفها التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم ومنع دينهم من الانتشار.
• كانت تسمى في عهد التأسيس (القوة الخفية) ومنذ بضعة قرون تسمت بالماسونية لتتخذ من نقابة البنائين الأحرار لافتة تعمل من خلالها ثم التصق بهم الاسم دون حقيقة.
• تلك هي المرحلة الأولى. أما المرحلة الثانية للماسونية فتبدأ سنة 1770م عن طريق آدم وايزهاويت المسيحي الألماني (ت 1830م) الذي ألحد (*) واستقطبته الماسونية ووضع الخطة الحديثة للماسونية بهدف السيطرة على العالم وانتهى المشروع سنة 1776م، ووضع أول محفل في هذه الفترة (المحفل النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه.
• استطاعوا خداع ألفي رجل من كبار الساسة والمفكرين وأسسوا بهم المحفل الرئيسي المسمى بمحفل الشرق الأوسط، وفيه تم إخضاع هؤلاء الساسة لخدمة الماسونية، وأعلنوا شعارات براقة تخفي حقيقتهم فخدعوا كثيراً من المسلمين.
• ميرابو، كان أحد مشاهير قادة الثورة الفرنسية.
• مازيني الإيطالي الذي أعاد الأمور إلى نصابها بعد موت وايزهاويت.
• الجنرال الأمريكي (البرت مايك) سرح من الجيش فصب حقده على الشعوب من خلال الماسونية، وهو واضع الخطط التدميرية منها موضع التنفيذ.
• ليوم بلوم الفرنسي المكلف بنشر الإباحية أصدر كتاباً بعنوان الزواج لم يعرف أفحش منه.
• كودير لوس اليهودي صاحب كتاب العلاقات الخطرة.
• لاف أريدج وهو الذي أعلن في مؤتمر الماسونية سنة 1865م في مدينة أليتش في جموع من الطلبة الألمان والأسبان والروس والإنجليز والفرنسيين قائلاً: " يجب أن يتغلب الإنسان على الإله (*) وأن يعلن الحرب عليه وأن يخرق السموات ويمزقها كالأوراق".
• ماتسيني جوزيبي 1805ـ 1872م.
• ومن شخصياتهم كذلك: جان جاك روسو، فولتير (في فرنسا)، جرجي زيدان (في مصر)، كارل ماركس وأنجلز (في روسيا) والأخيران كانا من ماسونيي الدرجة الحادية والثلاثون ومن منتسبي المحفل الإنجليزي ومن الذين أداروا الماسونية السرية وبتدبيرهما صدر البيان الشيوعي المشهور.
الأفكار والمعتقدات:
• يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك خزعبلات وخرافات.
• يعملون على تقويض الأديان (*).
• العمل على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلاد المختلفة والسيطرة عليها.
• إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة.
• العمل على تقسيم غير اليهود إلى أمم متنابذة تتصارع بشكل دائم.
• تسليح هذه الأطراف وتدبير حوادث لتشابكها.
• بث سموم النزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية.
• تهديم المبادئ الأخلاقية (*) والفكرية والدينية ونشر الفوضى ولانحلال والإرهاب والإلحاد (*).
• استعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع وخاصة ذوي المناصب الحساسة لضمهم لخدمة الماسونية والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
• إحاطة الشخص الذي يقع في حبائلهم بالشباك من كل جانب لإحكام السيطرة عليه وتسييره كما يريدون ولينفذ صاغراً كل أوامرهم.
• الشخص الذي يلبي رغبتهم في الانضمام إليهم يشترطون عليه التجرد من كل رابط ديني أو أخلاقي أو وطني وأن يجعل ولاءه (*) خالصاً للماسونية.
• إذا تململ الشخص أو عارض في شيء تدبر له فضيحة كبرى وقد يكون مصيره القتل.
• كل شخص استفادوا منه ولم تعد لهم به حاجة يعملون على التخلص منه بأية وسيلة ممكنة.
• العمل على السيطرة على رؤساء الدول لضمان تنفيذ أهدافهم التدميرية.
• السيطرة على الشخصيات البارزة في مختلف الاختصاصات لتكون أعمالهم متكاملة.
• السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والإعلام واستخدامها كسلاح فتاك شديد الفاعلية.(27/3)
• بث الأخبار المختلفة والأباطيل والدسائس الكاذبة حتى تصبح كأنها حقائق لتحويل عقول الجماهير وطمس الحقائق أمامهم.
• دعوة الشباب والشابات إلى الانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم وإباحة الاتصال بالمحارم وتوهين العلاقات الزوجية وتحطيم الرباط الأسري.
• الدعوة إلى العقم الاختياري وتحديد النسل لدى المسلمين.
• السيطرة على المنظمات الدولية بترؤسها من قبل أحد الماسونيين كمنظمة الأمم المتحدة (*) للتربية والعلوم والثقافة ومنظمات الأرصاد الدولية، ومنظمات الطلبة والشباب والشابات في العالم.
• لهم درجات ثلاث:
ـ العُمْي الصغار: والمقصود بهم المبتدئون من الماسونيين.
ـ الماسونية الملوكية: وهذه لا ينالها إلا من تنكر كليًّا لدينه ووطنه وأمته وتجرد لليهودية ومنها يقع الترشيح للدرجة الثالثة والثلاثون كتشرشل وبلفور.
ـ الماسونية الكونية: وهي قمة الطبقات، وكل أفرادها يهود، وهم أحاد، وهم فوق الأباطرة والملوك والرؤساء لأنهم يتحكمون فيهم، وكل زعماء الصهيونية من الماسونية الكونية كهرتزل، وهم الذين يخططون للعالم لصالح اليهود.
• يتم قبول العضو الجديد في جو مرعب مخيف وغريب حيث يقاد إلى الرئيس معصوب العينين وما أن يؤدي يمين حفظ السر ويفتح عينيه حتى يفاجأ بسيوف مسلولة حول عنقه وبين يديه كتاب العهد القديم (*) ومن حوله غرفة شبه مظلمة فيها جماجم بشرية وأدوات هندسية مصنوعة من خشب … وكل ذلك لبث المهابة في نفس العضو الجديد.
• هي كما قال بعض المؤرخين: " آلة صيد بيد اليهودية يصرعون بها الساسة ويخدعون عن طريقها الأمم والشعوب الجاهلة".
• والماسونية وراء عدد من الويلات التي أصابت الأمة الإسلامية ووراء جل الثورات (*) التي وقعت في العالم: فكانوا وراء إلغاء الخلافة الإسلامية (*) وعزل السلطان عبد الحميد، كما كانوا وراء الثورة الفرنسية و البلشفية والبريطانية.
• تشترط الماسونية على من يلتحق بها التخلي عن كل رابطة دينية أو وطنية أو عرقية ويسلم قياده لها وحدها.
• حقائق الماسونية لا تكشف لأتباعها إلا بالتدريج حين يرتقون من مرتبة إلى مرتبة وعدد المراتب ثلاث وثلاثون.
• يحمل كل ماسوني في العالم فرجاراً صغيراً وزاوية لأنهما شعار الماسونية منذ أن كانا الأداتين الأساسيتين اللتين بنى بهما سليمان الهيكل المقدس بالقدس.
• يردد الماسونيون كثيراً كلمة " المهندس الأعظم للكون " ويفهمها البعض على أنهم يشيرون بها إلى الله - سبحانه وتعالى - والحقيقة أنهم يعنون " حيراما " إذ هو مهندس الهيكل وهذا هو الكون في نظرهم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
جذور الماسونية يهودية صرفة، من الناحية الفكرية ومن حيث الأهداف والوسائل وفلسفة التفكير. وهي بضاعة يهودية أولاً وأخراً، وقد اتضح أنهم وراء الحركات الهدامة للأديان(*) والأخلاق (*). وقد نجحت الماسونية بواسطة جمعية الإتحاد والترقي (*) في تركيا في القضاء على الخلافة الإسلامية (*)، وعن طريق المحافل الماسونية سعى اليهود في طلب أرض فلسطين من السلطان عبد الحميد الثاني، ولكنه رفض - رحمه الله -، وقد أغلقت محافل الماسونية في مصر سنة 1965م بعد أن ثبت تجسسهم لحساب إسرائيل.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• لم يعرف التاريخ منظمة سرية أقوي نفوذاً من الماسونية، وهي من شر مذاهب الهدم التي تفتق عنها الفكر اليهودي.
• ويرى بعض المحققين أن الضعف قد بدأ يتغلل في هيكل الماسونية وأن التجانس القديم في التفكير وفي طرق الانتساب قد تداعى.
يتضح مما سبق:
أن الماسونية تعادي الأديان (*) جميعاً، وتسعى لتفكيك الروابط الدينية، وهز أركان المجتمعات الإنسانية، وتشجع على التفلت من كل الشرائع والنظم والقوانين. وقد أوجدها حكماء صهيون لتحقيق أغراض التلمود وبروتوكولاتهم، وطابعها التلون والتخفي وراء الشعارات البراقة، ومن والاهم أو انتسب إليهم من المسلمين فهو ضال أو منحرف أو كافر (*)، حسب درجة ركونه إليهم.
وقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر بياناً بشأن الماسونية والأندية التابعة لها مثل الليونز والروتاري جاء فيه:
"ويحرم على المسلمين أن ينتسبوا لأندية هذا شأنها وواجب المسلم ألا يكون إمعة يسير وراء كل داعٍ ونادٍ، بل واجبه أن يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: " لا يكن أحدكم إمعةً يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم".
وواجب المسلم أن يكون يقظاً لا يغرَّر به، وأن يكون للمسلمين أنديتهم الخاصة بهم، ولها مقاصدها وغاياتها العلنية، فليس في الإسلام ما نخشاه ولا ما نخفيه والله أعلم).
رئيس الفتوى بالأزهر: عبد الله المنشد
• كما أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي فتوى أخرى جاء فيها:
ـ " وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد، وما نشر من وثقائها فيما كتبه ونشره أعضاؤها، وبعض أقطابها من مؤلفات، ومن مقالات في المجلات التي تنطق باسمها.(27/4)
ـ وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي:
1 ـ أن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة، بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها هي سرية في جميع الأحوال محجوب علمها حتى على أعضائها إلا خواص الخواص الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها.
2 ـ أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين وهو الإخاء والإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب (*).
3 ـ أنها تجذب الأشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية، على أساس أن كل أخ ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر، في أي بقعة من بقاع الأرض، يعينه في حاجاته وأهدافه ومشكلاته، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أياً كان على أساس معاونته في الحق لا الباطل. وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال.
4 ـ إن الدخول فيه يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت مراسم وأشكال رمزية إرهابية لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة.
5 ـ أن الأعضاء المغفلين يتركون أحراراً في ممارسة عباداتهم الدينية وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم تدريجيًّا في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة للعضو على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة.
6 ـ أنها ذات أهداف سياسية ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغييرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية.
7 ـ أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور ويهودية الإدارة العليا والعالمية السرية وصهيونية النشاط.
8 ـ أنها في أهدافها الحقيقة السرية ضد الأديان (*) جميعهاً لتهديمها بصورة عامة وتهديم الإسلام بصفة خاصة.
9 ـ أنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية أو السياسية أو الاجتماعية أو العلمية أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذاً لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء وكبار موظفي الدولة ونحوهم.
10 ـ أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة من أبرزها منظمة الروتاري والليونز. إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كليًّا مع قواعد الإسلام وتناقضه مناقضة كلية.
وقد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثيرة من المسؤولين في البلاد العربية وغيرها، في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية.
لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى وتلبيساتها الخبيثة وأهدافها الماكرة يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب أهله.
------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ السر المصون في شيعة الفرمسون، ليوس شيخو ـ سنة 1912م.
ـ هيكل سليمان، يوسف الحاج ـ سنة 1934م.
ـ أسرار الماسونية، الجنرال رفعت أتلخان.
ـ تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، عبد الله عنان.
ـ الماسونية، أحمد عبد الغفور عطار.
ـ تاريخ الماسونية العام، جرجي زيدان.
ـ حقيقة الماسونية، د. محمد علي الزغبي.
ـ أصل الماسونية، ترجمة عوض خوري.
ـ الدنيا لعبة إسرائيل، وليم كار.
ـ أحجار على رقعة الشطرنج، ترجمة سعيد (جزائري).
ـ اليهود يجب أن يعيشوا، صموئيل روث.
ـ القوة الخفية التي تحكم العالم، جان مينو.
ـ المذاهب المعاصرة، د. عبد الرحمن عميره.
ـ الماسونية في المنطقة 245 ـ أبو إسلام أحمد عبد الله.
ـ الماسونية سرطان الأمم ـ أبو إسلام أحمد عبد الله.
ـ الماسونية العالمية في ميزان الإسلام ـ د. عبد الله سمك.
http://saaid.net المصدر:
==================(27/5)
(27/6)
الماسونية
مازن عبد الله
الماسونية أو البناؤون الأحرار (F r eemasons)، هي أقدم جمعية سرية في العالم وأعمقها تأثيراً في مجرى أحداث التاريخ.
ولقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ نشأتها، فمنهم من قال بأنها لا ترجع إلى ما وراء القرن الثامن عشر، ومنهم من ردها إلى عهد بناء هيكل سليمان.
والمؤرخون الذين قالوا في بأنها لا ترجع إلى ما وراء القرن الثامن عشر أكدّوا بأن الماسونية تكونت مع بداية القرن الثامن عشر من مجموعة من كبار المفكرين والعلماء الذين كفروا بتعاليم المسيحية، فجاءت حركتهم كردة فعل على سلطان الكنيسة الواسع آنذاك.
فلقد كانوا يجاهرون بحرية الإنسان التامة واستقلاله من كل سلطة عليا (كسلطة الكنيسة).
وكانوا يبغضون كل البغض الشرائع وكل النظم للهيئة الاجتماعية وعلى الأخص القوانين الكنسية.
لقلد حافظت الحركة الماسونية على سريتها منذ إنشائها؛ فكانت تحرص على ألا تكشف سرها إلا للذين اختبرتهم زمناً طويلاً.
وكانت تعمل بالخفاء جاهدة، مستغلة بعض الفلاسفة الملحدين أمثال فلتير وروسو ودلمار وفريدريك ملك بروسيا، الذين وجدت فيهم أنصاراً تكاتفوا في هدم أركان الدين وتخريب الممالك والعروش.
وهكذا استمرت بعملها المنظم موجهة أغلب اهتمامها لإضعاف سلطه الكنيسة حتى تمكنت من ضرب وحدتها سنة 1717 وظهور البروتستنتين.
عندئذ أعاد الماسون تنظيم حركتهم وغيروا فيها لتناسب الجو البروتستانتي الذي قرروا أن يؤيدوه ضد الكاثوليكية، تكملة لمخططهم الذي وضعوه لضرب المسيحيين.
فأسسوا في ذلك العام محفل بريطانيا الأعظم، وأطلقوا على أنفسهم البنائين الأحرار بعد أن كانوا فيما سبق يحملون اسم (القوة المستورة).
وجعلوا من أهداف الماسونية الجديدة أو شعارها: الحرية، الإخاء، المساواة.
ومن بريطانيا، انتشرت الماسونية، فتأسس بإشراف محفل بريطانيا الأعظم:
- أول محفل ماسوني في جبل طارق سنة 1728.
- أول محفل ماسوني في باريس سنة 1732
- أول محفل ماسوني في ألمانيا سنة 1733.
- أول محفل ماسوني في أمريكا سنة 1733.
- أول محفل ماسوني في سويسرا سنة 1740.
- أول محفل ماسوني في الهند سنة 1752.
- أول محفل ماسوني في ايطاليا سنة 1763.
- أول محفل ماسوني في روسيا سنة 1771.
النورانية في منتصف القرن الثامن عشر كانت حالة اليهود في أوروبا يرثى لها؛ ولقد لقي هؤلاء من المسيحيين ما لم يلقه أحد.
فلقد كان الصراع بين اليهودية والمسيحية صراعاً عقائدياً ودموياً.
فكان المسيحيون في أوروبا يضطهدون اليهود ويلاحقونهم ويطاردونهم في كل مكان وجدوا فيه؛ ولقد ذبحوهم عدة مرات ونشروا الرعب في صفوفهم وخاصة في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر..
عندئذ، أي مع مطلع العقد السابع من القرن الثامن عشر، اجتمع عدد من كبار الحاخامين والمديرين والحكماء، وقرروا أن يؤسسوا مجمعاً سرياً يعمل على تخليصهم من هذا الوضع المزري ويعيد إليهم حقهم المسلوب وسلطانهم ومجدهم الموهوب من قبل الرب كما يزعمون ولقد سموا هذا المجمع بالمجمع النوراني (The Illuminat) [1].
وكان المجلس الأعلى للمجمع النوراني مؤلفاً من ثلاثة عشر عضواً [2] ويشكل هؤلاء اللجنة التنفيذية لمجلس الثلاثة والثلاثين [3].
وكان النورانيون يجبرون كل عضو جديد ينضم إلى صفوفهم على أن يحلف أيماناً مغلظة بالخضوع المطلق الشامل لرئيس مجلس الثلاثة والثلاثين والاعتراف بمشيئته مشيئة عليا لا تفوقها أية مشيئة أخرى على الأرض كائنة من كانت.
شعار النورانيين معاني رموز الشعار: - الهرم: يرمز إلى المؤامرة الهادفة إلى تحطيم الكنيسة الكاثوليكية (كممثلة للمسيحية العالمية) وإقامة حكم ديكتاتوري تتولاه حكومة عالمية على نمط الأمم المتحدة.
- العين: التي في أعلى الهرم ترسل الإشعاعات في جميع الجهات: ترمز إلى وكالة تجسس وإرهاب أسسها وايزهاوبت على نمط الغستابو تحت شعار الأخوة لحراسة أسرار المنظمة وإجبار الأعضاء على الخضوع لقوانينها.
- الكلمتان المحفورتان في أعلى الشعار (Annuit Coeptis) تعنيان: مهمتنا قد تكللت بالنجاح.
- الكلمات المحفورة في أعلى الشعار (Novus O r do Seclo r um) معناها: النظام الجديد.
وأخيراً تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الشعار لم يتبن من قبل الماسونية إلا بعد دمج أنظمتها بالأنظمة النورانية إبان مؤتمر فلمسباد سنة 1782 م.
ملاحظة: هذا الشعار هو الذي تبناه وايزهاوبت عندما أسس منظمة في أيار 1776 وهو نفسه الذي يظهر على أحد وجهي الدولار الأمريكي.
والتاريخ الذي تعنيه الأرقام المحفورة على قاعدته بالحرف الروماني (MOCCLXXVI) تعني 1776 تاريخ إعلان إنشاء المنظمة وليس تاريخ إعلان وثيقة الاستقلال الأمريكي.(27/7)
النورانية تخترق الماسونية وتسيطر عليها: في عام 1773 دعا ماير روتشيلد، أثنى عشر رجلاً من كبار الأغنياء والمتنفذين لملاقاته في فرانكفورت، وكان الهدف من وراء هذا الاجتماع هو إقناع هؤلاء بضرورة تنسيق الأمور فيما بينهم وتجميع ثرواتهم وتأسيس مجموعة واحدة تمكنهم من تمويل الحركة الثورية العالمية فيستخدمونها للوصول إلى الهدف الأسمى عندهم، ألا وهو السيطرة على الثورات والموارد الطبيعية واليد العاملة في العالم بأجمعه: ولقد انتهى هذا الاجتماع بإقناع أغلبية المجتمعين بفكرة ما ير بعد ذلك أمد ماير رجلاً يدعى آدم وايزهاوبت بالمال ليضع مخططاً على أسس حديثة يستهدف تحقيق أهداف المجتمع النوراني وتطوير محافله.
فقام هذا بمهمته خير قيام إذ نظم سنة 1776 جماعة يبلغ عددهم نحو ألفي شخص، في محافل سماها محافل النورانيين، واختار وايزهاوبت أنصاره من علية القوم، زاعماً أن الهدف من ذلك هو إنشاء حكومة عالمية واحدة من ذوي القدرات والكفاءة والذكاء، لتحكم العالم حكماً خيراً رشيداً، ووضع حد للحروب والعصبية والويلات.
ولكن الهدف من ذلك كان درس التسلل إلى قلب الماسونية الأوروبية والإفادة من تغلغلها وسريتها في التمهيد لكنيس الشيطان للسيطرة على العالم.
لقد قرر النورانيون محفل الشرق الأكبر في مدينه انغولدشتان بألمانيا، مركزاً لانطلاق حملة تغلغل المنظمة في قلب الماسونية الأوروبية في كل مكان..
في هذا الوقت، كان وايزهاوبت قد وضع مخططه الذي كان يستدعي تدمير جميع الحكومات والأديان الموجودة، وذلك عن طريق خلق معسكرات متناحرة ومتصارعة في المجتمعات غير اليهودية التي يسمونها الجوييم (لفظة يطلقها اليهود على جميع البشر من الأديان الأخرى) وإبقائها في حالة حرب حتى تضعف جميعها وتكفر بكل القوانين والأديان، فيصبح من السهل على هؤلاء الشياطين أن يسيطروا على تلك الشعوب المنهكة ويسيروها كيفما شاؤوا..
وكانت خطة وايزهاوبت تقتضي اتباع الخطوات الآتية:
1- استعمال الرشوة بالمال والجنس للوصول إلى السيطرة على الأشخاص الذين يشغلون المراكز الحساسة في جميع الحكومات وفي مختلف مجالات النشاط الإنساني.
2- حث النورانيين على العمل كأساتذة في الجامعات والمعاهد العلمية ليتسنى لهم اصطياد الطلاب النابغين والمتفوقين من الأسر العريقة فيغررونهم بأنفسهم بحكم تفوقهم ويعطونهم الشهادات والرتب والألقاب والمنح، ثم يقنعونهم بفكرتهم ويضمونهم إلى المحافل النورانية.
3- تدريب الشخصيات ذات النفوذ والطلاب المتفوقين الذين تم اصطيادهم، ومساعدتهم بكل الوسائل على تولي أخطر المراكز الحساسة لدى جميع الحكومات، بحيث يكون في إمكانهم توجيه سياسة تلك الحكومات بشكل يخدم على المدى البعيد؛ مخططات المجمع النوراني في القضاء على جميع الأديان والحكومات.
وهكذا، وعلى هذا الأساس، بدأت النورانية بتطبيق مخططاتها وترجمتها عملياً على الأرض، عاملة على جبهتين: الجبهة الأولى وهي جبهة الشعب، وتطبق فيها خطة وايزهاوبت الآنفة الذكر، والجبهة الثانية وهي جبهة الحركة الماسونية بالأجهزة النورانية، وذلك سنه 1782 وهكذا تمكنت النورانية اليهودية بإشراف موسى مندلسوهي، من النفاذ إلى قلب الماسونية الأوروبية الحرة على يد آدم وايزهاوبت، تحت ستار محفل الشرق الأكبر.
أما بالنسبة للجبهة الأولى، ولما كانت فرنسا وإنكلترا أعظم قوتين في العالم في تلك الفترة، أصدر وايزهاوبت أوامره بإثارة الحروب الاستعمارية من أجل إنهاك بريطانيا وإمبراطوريتها، والعمل على تنظيم ثورة كبرى، يتم التخطيط لها، من أجل إنهاك فرنسا.
ولكن في سنة 1784 ولسوء حظ وايزهاوبت، وقعت مخطتها التي وضعت على شكل وثيقة في أيدي رجال أمن تابعين لحكومة بافاريا [4]، وذلك في منطقة راتسبون ( r ATTSBONO) في طريقها من فرانكفورت إلى عملاء وايزهاوبت في باريس، الذين أوفدهم إلى فرنسا لتدبير الثورة فيها.
وعلى أثر اكتشافها تلك الوثيقة، أمرت حكومة بافاريا بإغلاق محفل الشرق الأكبر عام 1785 واعتبرت جماعة النورانيين خارجين عن القانون..
ومنذ ذلك الوقت، انتقل نشاط النورانية إلى الخفاء؛ وأصدر وايزهاوبت تعاليمه إلى أتباعه بالهجرة إلى سويسرا وفرنسا والعمل مع رفاقهم في الماسونية الحرة من أجل نجاح مخططه من هناك..
وبالتقاء ماسونية الشرق الأكبر النورانية مع الماسونية الغربية الحرة، جرت منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، الأحداث الكبرى في أوروبا وأمريكا بصورة خاصة وفي العالم كله بصورة عامة وبشكلها الذي جرت وتجري فيه.
تحذيرات ضائعة والمؤامرة مستمرة: عندما انتقل أتباع وايزهاوبت إلى سويسرا وفرنسا والتقوا برفاقهم في الماسونية الحرة، كانت النورانية في ذلك الوقت قد سيطرت سيطرة تامة على الماسونية ومحافلها كما ذكرنا، وفرضت عليها مبادئها وأدخلت إليها طقوسها الخاصة (تنظيمها الإداري، إدارة الاجتماعات، الدرجات والترب والألقاب).
وهناك بدأ العمل المشترك بالخفاء لتنفيذ مخطط وايزهاوبت.(27/8)
لقد اتبع هؤلاء في عملهم هذا كل الأساليب، مستفيدين من كل الأوراق التي يمتلكونها، مستعملين أدنى الوسائل وأحقرها من أجل الوصول إلى أهدافهم، ذلك أن هؤلاء، ومن ورائهم موجهوهم حكماء النورانية، يؤمنون بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة..
وهكذا فلم يأت عام 1789 حتى اندلعت الثورة في فرنسا وسقط الملك، وسقطت الملكة ودفعا رأسيهما ثمن تجاهلهما لتحذيرات الحكومة البافارية.
وكما حذرت حكومة بافاريا حكومات فرنسا وإنجلترا وروسيا من خطر هؤلاء، فلقد حذر منهم حتى بعض الماسونيين الذين كانوا من رؤساء الماسونية الحرة والذين أحسوا بخطر هؤلاء على حركتهم بشكل خاص وعلى العالم بشكل عام، تجرؤوا، وبدافع غيرتهم عل بلادهم وشعبهم، على البوح بأسرار هؤلاء ومخططاتهم ولطالما حذروا منهم؛ ففي عام 1789، عام انفجار الثورة في فرنسا، حذر جون روبسون [5] الزعماء الماسونيين من تغلغل جماعة النورانيين في محافلهم ولكن تحذيره هذا لم يسمع.
وفي عام 1798 عمد روبسون إلى نشر كتاب أسماه (البرهان على وجود مؤامرة لتدمير كافة الحكومات والأديان [6]) ولكن هذا التحذير تجوهل كما تجوهلت التحذيرات التي سبقته، وفي التاسع عشر من تموز 1798، أدلى دافيد باين، رئيس جامعة هارفارد، بنفس التحذير إلى المتخرجين في أمريكا.
وفي عام 1826 حذر الكابتن وليام مورغان (أحد رؤساء ومنظمي الماسونية الحرة في أمريكا) بقية رفاقه الماسونيين والرأي العام وأعلمهم وشرح لهم الحقيقة فيما يتعلق بالنورانيين ومخططاتهم السرية وهدفهم النهائي، ولكن النورانيين استطاعوا أن يتخلصوا منه عن طريق أحد عملائهم وهو الانجليزي ريتشارد هوارد، الذي تمكن من اغتيال مورغان على مقربة من وادي نياغارا على الحدود الكندية وعلى الرغم من أن هذا الحادث أدى آنذاك إلى استياء وغضب ما يقرب من 40% من الماسونيين في شمالي أمريكا وهجرهم للماسونية، فلقد تمكن هؤلاء القائمون على تلك المؤامرة وبحكم نفوذهم، من طمس تلك الأحداث، والتشويش على كل التحذيرات التي كانت تصدر بين الحين والآخر وحذف حوادث بارزة كثيرة من مناهج التدريس التي تدرس في المدارس الأمريكية وغيرها..
وهكذا تنسى التحذيرات والمحذرون وتتجاهل، وتبقى المؤامرة.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) Illuminat The أي المجمع النوراني: وكلمة نوراني مشتقة من كلمة (لوسيفر) Lucife r التي تعني حامل الضوء وهكذا فإن المجتمع النوراني قد أنشئ لتنفيذ الإيحاءات التي يتلقاها كبار الحاخامين من لوسيفر خلال طقوسهم الخاصة.
(2) تجدر الإشارة هنا بأن بني إسرائيل يتألفون من ثلاث عشرة قبيلة.
(3) وهي نسبة إلى الرتبة 33، وهي من أعلى الرتب التي يمكن أن يصل إليها النوراني.
(4) كانت بافاريا حتى عام 1870، إحدى كبريات الدول الجرمانية المستقلة، ثم انضمت في عام 1870 إلى الاتحاد الذي أسسه بسمارك.
(5) روبسون:أحد كبار الماسونيين في اسكتلندا وأستاذ الفلسفة الطبيعية في جامعة أدنبرة وأمين سر الجمعية الملكية فيها.
(6) طبع هذا الكتاب في لندن ولا تزال بعض المتاحف محتفظة بنسخ منه (المتحف البريطاني).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==================(27/9)
(27/10)
تحالف الماسونية واليسارية في العالم الإسلامي
حسن السرات
2/9/1425
تعرف الساحة الإعلامية والسياسية والثقافية العربية والإسلامية مواجهات حادة بين فصائل الصحوة الإسلامية وتياراتها من جهة وفصائل العلمانيين والحداثيين الرافضين لكل مظهر من مظاهر التدين التي تنخرط في الشأن العام، وعلى طول العالم العربي والإسلامي، بل حتى في ديار الغرب نفسه تتجمع فئات قليلة العدد، كبيرة العدة، من الرافضين المنكرين للبعد الإسلامي في المجتمعات الإسلامية، أو للحضور الإسلامي في الغرب، وتتركز المواجهات حول قضايا مركزية مثل: الإسلام والشأن العام، والمرأة، والتربية والتعليم، والتطبيع مع الصهاينة، وحول هذه القضايا وقع تحالف غريب بين اليساريين والماسونيين للوقوف صفاً واحداً ضد عودة المسلمين إلى الالتزام الديني في شؤون حياتهم الخاصة والعامة.
المقال التالي يكشف كيف وقع التحالف بين الماسونيين واليساريين على لسان أحد الماسونيين الفرنسيين المطلعين على خفايا التنظيم الماسوني تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً، ولكن قبل ذلك نتعرف بإيجاز على الماسونية وبعض فضائحها.
الماسونية ظهور وخفاء:
تعرف الماسونية على أنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية، والمنظمات الأخوية السرية، التي تمارس بعض التعاليم، والتي تضم البنائين الأحرار، والبنائين المقبولين أو المنتسبين أي: الأعضاء الذين لا يمارسون حرفة البناء، ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن هذا التعريف "غير كاف البتة، إذ الماسونية مثل اليهودية، تركيب تراكمي جيولوجي مر بمراحل عدة فأصبحت عناصره تشبه الطبقات الجيولوجية التي تتراكم الواحدة فوق الأخرى دون أي تفاعل أو تمازج"، وقد ذهب المسيري في كتابه (اليد الخفية) إلى "العلاقة التآمرية المباشرة بين اليهود والماسونيين لا وجود لها"، وبحسب ما توافر لديه من وثائق "ليست هناك هيئة مركزية عالمية تضم كل المحافل الماسونية، كما أن هناك يهوداً معادين للماسونية، وماسونيين معادين لليهود واليهودية، ولكن ثمة علاقة بنيوية وفعلية بين الماسونيين وأعضاء الجماعات اليهودية تفسر انخراط اليهود بأعداد كبيرة في المحافل الماسونية"، وبعد تفسير الظاهرة يخلص المسيري إلى أن هذا الانخراط " لا يعدو أن يكون مجرد ظاهرة اجتماعية.(عبدالوهاب المسيري:اليد الخفية، دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية - دار الشروق - الطبعة الثانية 2001 - ص116- 141).
وقد صدرت عدة كتب ومؤلفات وتحقيقات ومقالات عن الماسونية في كل بقاع الدنيا غير أن أبلغها شهادات أعضاء سابقين في المحافل الماسونية، ومنها كتاب "إخواني الأحبة: تاريخ وانحراف الماسونية" للكاتب الفرنسي بيير ماريون (دار فلاماريون- منشورات" قرأت" وثائق. رقم6424- الطبعة الاولى 2001).
وبيير ماريون ولد عام 1921م، وأصبح رئيس مصلحة التجسس الفرنسي عام 1981م، وخبير في العلاقات الدولية والاستعلامات، قضى 48 عاماً بين المحافل الماسونية.
الفصل العاشر من كتابه المذكور بعنوان "انحراف وهرطقة" (من ص207-222) يستعرض فيه أشكال الانحرافات والبدع المخالفة للمألوف في سجل الماسونية عبر التاريخ الماضي والواقع الحالي الذي كان الرجل شاهداً عليه في كل من فرنسا وإيطاليا، مثل: الاختلاسات المالية غير القانونية فيما يعرف بـ"قضية شيلير ماريشال"، وتحويلات مالية في عدة محاكم تجارية بمدينة غرونوبل ومدن أخرى، اختلاسات وتحويلات تورط فيها أعضاء بارزون من المحافل الفرنسية كـ"الأخ" م.جيوردانيغو المدعو "مارسيل السلاطة" ذو الموقع الهام في المحفل الأعلى، وقد أدت الفضائح المالية بعدد من المسؤولين والأعضاء البارزين في الماسونية الفرنسية إلى تقديم استقالاتهم من عضوية المنظمة الماسونية، ففي عام 1995م استقال أعضاء من المديرية العامة والمعلم الأكبر إيتيين دايي الرجل الثاني في محفل فرنسا للمشرق، والأمير ألكسندر اليوغوسلافي.
ومن القضايا التي تورط فيها الماسونيون الفرنسيون قضية الشركة النفطية الفرنسية "أ. إيل. إيف"، حيث تبين أن أعضاء من المحافل الماسونية تدخلوا لتوزيع مبالغ مالية فلكية لبعض الأسماء.
ومن الكتب الهامة التي تكشف الجوانب الخفية للماسونية الفرنسية التحقيق الذي أنجزه في عامين الصحافيان غزلان أوتينهايمر (وقد عمل في أسبوعية ليكسبريس ومؤسسات أخرى)، ورونو لوكادر (ويعمل في يومية ليبيراسيون)، ونشراه بعنوان (الإخوة الأخفياء)، وهو كتاب يكشف بجمعه لعدد من الحجج والوثائق عن "الإمبراطورية الخفية للبنائين الأحرار التي توشك أن تصبح تهديداً للديمقراطية".(27/11)
الفصل السابع من الكتاب يحمل عنواناً دالاً: "في ظل الدولة"، حيث يكشف الصحافيان المحققان أن الماسونية الفرنسية استطاعت أن تغرس أعضاءها في أهم المواقع الحساسة للدولة، وضرب الصحافيان لذلك مثلاً بالسيد مورس أولريش أقرب المستشارين للرئيس الفرنسي جاك شيراك في قصر الإيليزيه، والذي كان على رأس قناة "أنتين 1" من 1978 إلى 1981، وأكد الصحافيان أن هذا الرجل يعرف كل الأسرار الدقيقة للماسونية الفرنسية، وإن تظاهر بمعرفته السطحية عندما سئل عن ذلك، ثم ساق الصحافيان عدداً من الأسماء والمعطيات التي تؤكد وجود عدد من أعضاء التنظيم الماسوني إلى جوار كل من (الرئيس الأسبق) فرانسوا ميتران قد كان يسارياً، و(الرئيس الحالي) جاك شيراك وهو يميني، ولا يتوقف الأمر عند هذين الرئيسين، بل يتعداه إلى أغلب رؤساء فرنسا في الجمهورية الخامسة باستثناء الزعيم التاريخي دوغول، ويمتد التأثير بعد ذلك نحو القارة الأفريقية خاصة المستعمرات الفرنسية السابقة الواقعة تحت النفوذ الفرنكوفوني.
من المغرب إلى إيران:
كشف "أنطوان سفير" كاتب ورئيس تحرير مجلة "دفاتر الشرق" عن بعض الحقائق حول النشاط الماسوني بالعالم الإسلامي ابتداء من المغرب إلى إيران وتركيا واليمن، جاء ذلك في مقالة أجرتها معه الأسبوعية الفرنسية "ليكسبريس" يوم 29 ماي 2003م، ومجلة "دفاتر الشرق" فصلية تأسست عام 1985م على يد أنطوان سفير، وخصصت أحد أعدادها لتحقيق عن الماسونية في بلاد الإسلام، وتهتم بدراسة ومتابعة التطورات والتحولات بالعالم الإسلامي، وهي شديدة التعلق والولاء بالفرنكوفونية، وتعدها من "آخر المجالات المفضلة للحرية".
ولم يتردد أنطوان سفير في الكشف عن التحالف والتعاون القائمين بين الماسونية وتيارات اليسار بالعالم الإسلامي، معتبراً أن أهم خصوصية للماسونيين بدرجة أساسية هي انتماؤهم لليسار؛ لأن اليسار في العالم الإسلامي - حسب أنطوان سفير - هو وحده الذي يسعى إلى تحريك الأشياء والأوضاع، في حين أن اليمين يملك السلطة، ويقدم تنازلات كثيرة للإسلاميين، وأكد "سفير" أن الماسونيين لا يقبلون مثل تلك التنازلات التي قدمها السادات وغيره للإسلاميين بخصوص المرأة، واعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريع، ولذلك تعد الحركات الإسلامية التجديدية، والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية العدو الأول عند الماسونيين قبل الأنظمة السياسية اليمينية، ومن الحقائق التي قدر أنطوان سفير والماسونيون أن الوقت قد حان للكشف عنها المعركة السياسية والفكرية والإعلامية مع الحركات الإسلامية، خاصة علمنة الإسلام، وفصله عن الشأن العام والشأن السياسي، وسحب البساط من تحت التيارات الإسلامية الإحيائية بصناعة وتلميع مفكرين ومثقفين وإعلاميين تقف الماسونية وراءهم، وتقدم لهم الدعم والسند على طول العالم الإسلامي وعرضه، بل وفي العالم الغربي أيضاً، ومما أعلنه "سفير" في هذا السياق قوله: إن في سوريا مثلاً يوجد حالياً حركة حقيقية للإصلاح تقول بكل وضوح: إن الإسلام يجب أن يتوقف في سنة 622م (أي في عصر النبوة فحسب)، ويجب أن ينحصر في علاقة الإنسان بخالقه، وإن هذه الحركة بدأت تعرف النجاح؛ لأن كتاب (قراءة جديدة للقرآن) لمحمد شمرور بيعت منه 300000 نسخة، ثم قال: إن رجلين مثل محمد شحرور وزياد حافظ متأثران بالأفكار الماسونية.
وفي سياق التعريف بالماسونيين الذين امتلكوا الجرأة والشجاعة على انتقاد الإسلام ورفضه وإنكاره، أو قبول بعض منه ولفظ الآخر، ذكر أنطوان سفير أن الماسونيين اللبنانيين هم أول من أدان "مرض الإسلام" (اسم لكتاب التونسي عبدالوهاب مديب)، وذلك ما لم يحدث حتى في أوروبا غداة أحداث 11 سبتمبر حسب أنطوان سفير.
أهم القضايا ذات الأولوية عند الماسونيين في العالم الإسلامي هي العلمانية، والتعليم، وإصلاح الدولة، والمرأة، والدفاع عن الإجهاض، وحق منع الحمل، والتخطيط العائلي، والتطبيع مع "إسرائيل"، ومن الإنجازات التي حققها الماسونيون في هذه الأجندة إدخال التخطيط العائلي عن طريق منظمة الأمم المتحدة، وتنظيم لقاءات حوارية بين "الإسرائيليين" والعرب في بعض العواصم الغربية مثل: باريس ولندن عن طريق نسيج جمعوي، ومن الجمعيات المغربية التي قامت بهذا الأمر جمعية "هوية وحوار" بالمغرب وفق ما ذكره أنطوان سفير.(27/12)
ذكر أنطوان سفير أن الماسونيين يتجذرون في الوظائف الليبرالية مثل: الطب، والمحاماة، والقضاء، والتعليم، وخاصة الخاص منه، والوظائف السامية، ومن الأسماء التي كشف عنها أنطوان سفير موسى برانس (المحامي اللبناني الشهير) أستاذ ومعلم كميل شمعون (رئيس الجمهورية اللبنانية بين عام 1952، 1958م)، وأسرة آل الصلح، خاصة سمير الصلح أحد آباء الاستقلال، والوزير الأول لكميل شمعون، وأمين الجميل، ومصطفى طلاس، وعلى خارطة العالم الإسلامي تنتشر الماسونية بدرجات متفاوتة في الهيئات والمنظمات والأحزاب الحاكمة أو المعارضة، ففي الجزائر توجد أكثرية منهم في منظمة "القبايل"، ويشكل الجزائريون 90% من العرب والمسلمين المنخرطين في الفروع الفرنسية، وكذلك الحال في تونس وتركيا وإيران، وحزب البعث في كل من سوريا والعراق.
وإذا كان الماسونيون في مصر وتونس قد جددوا نشاطهم - حسب سفير - وعادوا إلى مواجهة الإسلاميين؛ فإن الرياح في المغرب لا تجري لصالحهم، ويلتجئون إلى النفاق والازدواجية في المشرق العربي ودول الخليج.
وسعياً إلى خلط الأوراق وتشويه الصورة؛ ساق أنطوان سفير بعض أسماء الشخصيات والمنظمات والأحزاب، زاعماً أنها تأثرت بالماسونية، أو انخرطت في صفوفها مثل: ملك المغرب محمد الخامس، و(رئيس سوريا الراحل) حافظ الأسد، والأمير عبد القادر الجزائري وبعض التيارات الدينية والأحزاب الإسلامية بتركيا.
ماسونيون مغاربة:
يترأس الفرع الماسوني المغربي "المعلم الأكبر" (لقب ممثل الماسونيين في كل فرع من فروع العالم) بوشعيب الكوهي، وينشط الماسونيون المغاربة في سرية كبيرة، ولا يظهرون من أمرهم إلا ما تسمح به الأوقات والأحداث، - وحسب الموقع الإلكتروني الخاص بهم - فإنهم يعلنون عن تشبثهم بالملكية المغربية والولاء لها، كما يلتزمون بتجنب كل ما من شأنه أن الإخلال بالأمن العام واستقرار المغرب.
ولا يمكن الحصول إلا على معلومات شحيحة عن أنشطتهم وتحركاتهم، ومن الأشياء التي يكشفون عنها بعض الأنشطة السفرية إلى البلدان الغربية مثل: توجه "المعلم الأكبر إلى الولايات المتحدة خلال شهر يونيو 2004 م لربط "صلات الصداقة والتعارف الأخوي"، وأثناء الزلزال الذي ضرب إقليم الحسيمة قاموا بجمع تبرعات عبر مختلف فروع التنظيم بالعالم وصلت إلى 300000 أورو إلى جانب مساعدات عينية بعين المكان.
وبعد مرور حوالي أربع سنوات على التأسيس الذي تم في شهر يونيو 2000م، يستعد الفرع الماسوني المغربي لعقد الجمع العام السنوي في شهر أكتوبر 2004م، وبهذه المناسبة يخبرنا الموقع أن الماسونيين المغاربة في طريقهم لإنشاء معبد في باريس، وآخر في المغرب، كما يخبر بأن التنظيم سينشئ وحدة صحية متنقلة بين ربوع المغرب تتكون من طبيب ومساعدين.
والإضافة إلى اللقاءات الراتبة يعقد الماسونيون المغاربة جمعاً سنوياً عاماً، ويتلقون نشرة داخلية حول الأنشطة التي يقومون بها تسمى "الربط البنائي" التي صدر منها خمسة أعداد الثاني فيها مكر، في نشرة يناير 2004م تقرير عن أول جمع عام ضم كل الأعضاء وتم في فندق" رويال منصور"، حيث قدم التقرير الأدبي من لدن (نائب المعلم الأكبر) رشيد مكوار، والتقرير المالي من لدن شكيب حفياني، ثم ألقى (المعلم الأكبر) بوشعيب الكوهي كلمة في الحاضرين دعاهم فيها إلى التعبئة، والعمل بحذر وتؤدة، وقال فيها: "في ولايتي الثانية هذه (يقصد سنة 2003م) سأتخذ لها هدف الاستمرارية في الجودة، يجب أن نوسع ونقوي عددنا باستقبال إخوان جدد، ويجب علينا إيقاظ الفروع في الأماكن التي تبرر ذلك مثل: التجذر الجغرافي، والشروط الديمغرافية.
أفكر على سبيل المثال في مراكش، والرباط، وفاس، والجديدة، وهذا التطور المتحكم فيه لا بد أن يكون في نمو متزايد".
الوجود الماسوني بالمغرب والعالم العربي والإسلامي ارتبط بالاستعمار، وجاء محمولاً على ظهر شركاته ومقاولاته، وبالرجوع إلى أنطون سفير يخبرنا في مقابلته السالفة الذكر أن المستعمرين الفرنسيين عملوا على إنشاء تنظيم ماسوني بالمغرب، وما أن حل الفرنسيون به حتى تناسلت المحافل الماسونية بدءاً بتونس والجزائر ثم المغرب، واضطروا أخيراً تحت ضغط التحولات والسعي نحو الاستقلال إلى إغلاق المحفل المغربي ليعودوا من جديد في حلة جديدة سنة 2000م، لكن المحفل المغربي بقي مرتبطاً بالمركز الفرنسي وتابعاً له.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=499
=================(27/13)
(27/14)
الماسونية في المنطقة 245 بعث النار والحركة الماسونية الصهيونية
البلاغ العدد 1661 - شعبان 1426هـ
فهم وقائع الماضي مفتاح فهم الحاضر، واستشراف المستقبل، وأخذ العبرة واجب حتمي على العقلاء، وإلا فنحن في عداد التائهين، ولقد واجهت أمتنا عبر التاريخ انتماءات حركية مختلفة أفضت بها إلى خلف وخلاف، فما بين انتماء عضوي وحركي للمعسكر الشيوعي تمثل في تنظيمات 'أنصار السلام'، وتنظيمات 'التسلح الخلقي' ذات الانتماء العضوي والحركي للمعسكر الأمريكي، ومن قبلها 'إخوان الحرية' المرتبطة بالسياسة البريطانية، ثم جماعة 'شهود يهوه' ذات المنبع الصهيوني، وغيرها من التنظيمات التي توجب علينا نحن أهل التوحيد الحذر كل الحذر من كل ثقافة وافدة تنعق على مسامعنا لتصم آذاننا عن الحق، وتغشي أبصارنا بخداع الألوان، وبريق الشعارات الزائفة، وحدث ولا حرج عن 'الماسونية الصهيونية'، والروتاري بأندية عالمية، وتنظيمات سرية، وتقسيمات جغرافية.
'روتاري' للرجال، و'إنرهويل' للسيدات، و'روتاري آكت' للشباب فتيات وفتيان، ضُم للشخصيات ذات المكانة الخاصة في مجتمعاتها مهنياً واستراتيجياً، ولا يخفى على العقلاء الهدف والغاية، فهل يعد ذلك من قبيل المصادفة؟!!
إن سوابق النذر قد أفضت إلى كون أن ما يرفع من الشعارات شيء، والحقيقة شيء آخر، ويكفي أن نورد هنا ما قرره صاحب كتاب 'أحجار على رقعة الشطرنج' صفحة 95، 96 طبعة دار النفائس بيروت - الطبعة الخامسة، حيث يقول:
'القوى المتآمرة حليف عفوي في قلوب الناس الطيبين الشرفاء، ونعني بهم الأشخاص العاديين الذين يؤمنون بالله، وينعمون بما أغدق عليهم من الخير، هم البسطاء الذين نعني بهم الأشخاص من هؤلاء الرجال أو النساء، الذين لا يسهل إقناعهم بأن مخططًا للشر والانتقام والحقد وضعته وتنفذه مخلوقات بشرية مثلهم من حاخامات اليهود، ورؤساء المحافل الماسونية الوثنية المنحرفة.
'إن بدهيات هذه التنظيمات أنه لا يصح ولا يجوز لـ'الجويم' والمقصود بها 'الأجانب' من غير اليهود الذين يعدونهم أنعاماً مستباحة، لا يصح ولا يجوز لهم أن يعرفوا شيئاً من أسرارها، وإن عرفوا شيئاً بعد الاختبار الطويل فلا يصح أن يكونوا أكثر مما ينبغي، وإذا عرف 'الأجنبي' أو 'الجويم' أكثر مما ينبغي يجب تصفيته'.
وإن شئت فاقرأ تعليق 'ج. رنييه' في كتاب 'حياة روبسير' لما شنّ 'روبسير' هجوماً عنيفاً على الماسونية قال: 'لقد تلفظ 'روبسير' في الواقع بأكثر مما يجب، ولذا فقد تعرض لطلقة نارية مزقت فكه، وأخرسته بصورة عملية حتى اليوم التالي الذي سيق فيه إلى 'المقصلة'، وهكذا تم القضاء على ماسوني منهم أتيح له أن يعرف أكثر مما يجب'.
أليس هذا القول جدير بالمراجعة والفهم على حد قول الدكتور 'عبد الصبور مرزوق'.
إن التصدي للمذاهب الفكرية الهدامة رسالة خطيرة للدعوة لإصلاح ما ران على قلوبنا، وما فسد في مجتمعاتنا، ومن ثم حماية أبنائنا وبناتنا ومجتمعنا جُله من الأمراض الخبيثة التي تنشرها أفكار سرطانية من 'الكذب والنفاق، والخداع والإباحية، والإشراك بالله...'.
لقد أخذت هذه التنظيمات سابقاً أسماء مختلفة، ولقد أصابت العقول بآفاتها، وذلك ما هدفت إليه الصهيونية العالمية بمنظماتها الماسونية، وبناتها كـ'الروتاري'، والليونز، وشهود يهوه، وبني برث، والصليب الوردي، واليوجا، وجمعية حراس العقيدة، ومدارس الإليانس، والجامعات الأمريكية، والمدارس الأجنبية التي انتشرت في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم، وقد تسابق إليها الجهلاء، والمغرّر بهم، والغافلون.
إنه وجود مرتب ومنظم، ومدروس ومبرمج حسب استراتيجية صهيونية، وحيث يجتمعون في أفخر فنادقهم اليهودية، أو الصهيونية الأصل والانتماء والشهرة، ولقد التفتت أغلب الدول العربية في الماضي القريب لخطورة تلك التنظيمات فأوقفتها، ولقد أخذت أشكالاً جديدة, وألواناً متغيرة كـ'الحرباء' تحاكي بيئتها الآن.
ولو استعرضنا التاريخ في عجالة، ونظرنا إلى أحداث تركيا سنة 1908م، وانقلاب جماعة 'الاتحاد والترقي' على السلطان المفترى عليه - رحمه الله تعالى - السلطان عبد الحميد الثاني، حيث لم يخف «صموئيل زويمر» الماسوني رئيس جمعيات التبشير «التنصير» في الحكومة المغتصبة لقُدسنا الشريف فرحه وبهجته، وهلل لسجن السلطان عبد الحميد في ضاحية 'سلانيك'، حيث قال في سنة 1935 قولاً ليت العقلاء من أمتنا يفهمونه أو يتخيروا لهم مكاناً في الأرض تتعظ فيه عقولهم وأدمغتهم، وتتقطع به أوصالهم، فقد قال: 'أيها الإخوان الأبطال الزملاء ممن كتب الله لهم الجهد في سبيل «....»، واستعمارها لبلاد الإسلام، فأحاطتهم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدس.
لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم أحسن الأداء، ووفقتم لها أسمى التوفيق، وإن كان يخيّل لي أنه مع إتمامكم العمل على أكمل وجه؛ لم يفطن بعضكم الغاية الأساسية منه، إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في حظيرتنا لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة:
- إما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام.(27/15)
- وإما رجل مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته.
- وإما ثالث يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية.
ولكن مهمتنا التي ندبتكم لها «دولتنا» للقيام بها في البلاد المحمدية 'الإسلامية' ليست هي إدخال المسلمين في عقيدتنا، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من إسلامه ليصبح مخلوقًا لا صله له بالله، وبالتالي لا صله ترطبه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في نهضتها، ولذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الدول والممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المئة السابقة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه كل التهنئة.
لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الدول والممالك الإسلامية المستقلة، أو التي تخضع لنفوذنا «...».
نشرنا في تلك الربوع مكامن دعوتنا من دور العبادة والجمعيات والمدارس الكثيرة، مما تهيمن عليه الدول الأوروبية والأمريكية، وفي مراكز كثيرة، ولدى شخصيات لا يجوز الإشارة إليها، الأمر الذي يرجع الفضل فيه إليكم أولاً، وإلى ضروب كثيرة من التعاون بارعة باهرة النتائج، وهي من أخطر ما عرف البشر في حياته الإنسانية كلها.
إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الدول الإسلامية والممالك إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد، وهو إخراج المسلم من إسلامه.
إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في ديننا، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء، إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه، وقد انتهيتم إلى خير النتائج، وباركتم 'عقيدتنا'، ورضي عنكم الاستعمار.
فاستمروا في أداء رسالتكم، فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الله».
ومن النشرة اليهودية 'Lave r ite Isvaelite': 'إن روح الماسونية الأوروبية هي روح اليهودية في معتقداتها الأساسية، لها نفس المثل واللغة، والأغلب نفس التنظيم'.
أما الحاخام الدكتور «Isaac Wise» في مقال بمجلة 'إسرائيل' الأمريكية فيعرفها قائلاً: 'الماسونية مؤسسة يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها، وفي إيضاحاتها، يهودية من البداية إلى النهاية'.
وتعرفها نشرة 'الماسون الأوروبيين': 'الماسونية الأوروبية تُشيد بناء، حيث يعيش إله 'إسرائيل' إلى الأبد'.
واستمع إن شئت إلى قول الماسوني 'أرنولد ليس': 'إن أمنيتنا هي تنظيم جماعة من الناس يكونون أحراراً جنسياً، نريد أن نخلق الناس الذين لا يخجلون من أعضائهم التناسلية'!!
وفي تعريف آخر: 'الماسونية حركة تنظيمية خفية قام بها حاخامات 'التلمود'، وخاصة في مراحل الضياع السياسي الذي تعرض له 'هوه التوراة'، فأخذ الحاخامات على عاتقهم إقامة تنظيم يهدف إلى إقامة مملكة صهيون العالمية'.
وسوف أورد لك أخي القارئ أختي القارئة بعض ما يؤكد ما ذهبت إليه، وما أسلفت من خبر في مقالتي هذه، وما سيعقبها من مقالات - بإذن الله تعالى -، والتي أؤكد من خلالها أن مؤسسي الماسونية الدهاة سخروا لأنفسهم جنوداً يعيشون بيننا من دم بعضهم البعض، ثم يدفعون دم مجتمعاتهم ليصب في شريان دم مصالح المؤسسين!!
ورغم أن شعب 'يهوذا' دأبوا على التخطيط شيئاً فشيئاً نحو الهدف فهم يعلنون:
1- نحن نملك آلهة هذا العصر، تلك الآلهة التي نصبها لنا هارون في الصحراء 'يقصدون العجل، الذي أخرجه لهم السامري'، وقد كان من الذهب، إنه العجل الذهبي الذي عبدناه، والذي نُصرُّ اليوم على أن يكون إله العالم أجمع.
2- نشكر المدنية التي نختبئ من ورائها كدرع لنعمل بنيات وبسرعة خاطفة، من أجل إزالة الفجوة التي ما زالت تفصلنا عن غاياتنا النهائية.
3- يعيش الجميع من حولنا من أباطرة وملوك وأمراء اليوم مغلغلين بالديون، وعلينا أن نستغل هذه الناحية، ونزيد من قروضنا لهم مقابل رهن أملاكهم، وبذلك تتم لنا السيطرة.
4- إن الكنيسة عدونا الخطير، فلنستفد من إخواننا الذين تنصروا في الظاهر لبث الفساد في الكنسية.
5- لابد أن نتسلم مناصب رئيسة في جميع الدول في القضاء والوزارات الرئيسة، والجامعات، وأقسام الفلسفة فيها والقانون، والطب والاقتصاد السياسي، والآداب والعلوم.
6- علينا أن نشجع الزواج من النصرانيات، ولن نخسر شيئاً من جراء ذلك الاختلاط، نصاهر لنصل لنعرف ونسيطر على مفاتيح الأمم، ولنشجع على الزواج العرفي، ولنحارب الزواج الديني.
7- علينا أن نبذل المال لمن نجد نفوسهم مفتوحة لتقبل الرشوة، وحينما نسيطر على الصحافة نسعى جاهدين إلى تحطيم الحياة العائلية، والأخلاق، والدين، والفضائل.(27/16)
ويتحالف أولياء الشيطان، وتمتد أذعرهم كالأخطبوط، ونحن ما زلنا في ثباتنا العميق لا نحرك ساكناً، ولا نصرخ حتى من الألم، وكأننا قد استعذبنا تلك المذلة والمهانة، وحلت علينا لعنة ما لها من فواق، وقد يتعجب البعض قائلاً: ما علاقة هذا بواقعنا؟!! وبحركة الحياة حولنا وبما يحدث الآن، مثلاً بالعراق ولبنان، وأفغانستان، وروسيا، والشيشان، والفلبين... إلخ.
وسوف أترك الخيار لك أخي القارئ تستقرئ الظواهر وتبحث عن العلل، واستخدام القياس وسوف تصل، وأقول مورداً كذلك بعض النصوص موثقة من مثل:
ـ إصدار لندن سنة 1954م «جيمس باركس» في كتابه «Endofanexile» يقول: «ليس من سبيل الصدفة أنه في بابل «العراق» بالذات حيث كانت مصالح زعماء الجاليات اليهودية هنا أكثر من أي مكان آخر تدفع إلى العمل على توحيد أبناء ملتهم، ظهر أول مجتمع يهودي».
ـ إنهم يتحركون من قول أحد أنبياء يهوه: إذ يقول: «ابنوا بيوتكم واسكنوها، وانثروا البذار، وعيشوا على ثمارها، واتخذوا لأنفسكم أزواجاً، وأنجبوا بنين وبنات، واجلبوا الأزواج لأبنائكم وبناتكم، وتكاثروا حيث أنتم، ولا تتخاذلوا».
ـ يقول المؤرخ الأمريكي «أ.ت. أولمستيد»:«إنه ما كان لأحد أن يتوقع من اليهود أن يرحلوا من «بابل» الخصبة إلى تلال «يهوذا» الجرداء في فلسطين».
ـ ويقول المؤرخ الأمريكي «سالون بارون»: «إن سعة الثراء، وكثرة العدد؛ هي التي كانت تتيح للآباء الروحانيين ليهود «بابل» أن يقولوا: «ها هنا ينبوع الحكمة والنبوة، ومن هنا بالذات يبزغ الضياء الذي ينير طريق الشعب».
ـ هذا القول يذكرني بقول «جورج بوش» و«توني بلير»: وهما خادما الصهيونية العالمية: سنجعل من العراق نموذجاً للديمقراطية والحرية في المشرق"، تلك الحقائق المنتشرة في كتب التاريخ تؤكد وهي تنتظر من يفتش عنها وفيها، ويظهرها إلى نور المعرفة حتى يعلم الغافلون أن طموح اليهود الصهاينة يتعدى إلى ما وراء الواقع المرّ الذي نعيشه الآن.
هل يمكن لنا أن نتذكر قول الزعيم الصهيوني «ناحوم سلوكملوف» في المؤتمر الصهيوني الماسوني، ونشرته «نيويورك تايمز» وقتها: «إن عصبة الأمم فكرة صهيونية، خلقناها بعد كفاح دام «25 سنة»، وستكون القدس يوماً ما نتاج ما حققناه من هذا الكفاح عاصمة للسلام العالمي، ويرجع الفضل إلى زعيمنا الخالد «تيودو هيرتزل».
ـ ألم تصدر من تحت قبتها الزرقاء قرار تقسيم فلسطين؟!، وإنشاء دولة الصهاينة «غير الشرعية» في قلب العالم الإسلامي الكبير حجماً والواهي جسداً...».
يقول «وليام غاي كار»: والدليل على سيطرة القوى الخفية الماسونية على «الأمم المتحدة»، وتمكنهم من تنفيذ مخططاتهم عبرها؛ هو أن الأمم المتحدة سلمت فلسطين إلى الصهيونية السياسية، بعدما كان الصهيونيون يسعون وراء ذلك لمدة نصف قرن من الزمان».
أما عن لبنان فاقرأ إن شئت قول المفكر الإنساني «مشيل شيحا» حيث يقول: «أما نحن من جهتنا نحن اللبنانيين فيجب أن نتذكر أن هذه الطغمة «اليهود» تولد على حدودنا، وأمتنا بلد صغير، وأن اليهود يضغطون علينا من الجنوب، وأن الهجرة إليها تتم بأعداد لا نهاية لها، وأننا قد نصير عما قريب أرضاً موعودة مثل فلسطين» وقد صدق توقعه!!
وجدير بالعقلاء في المجتمع والساسة في بلادنا العربية الإسلامية أن يفكروا تفكيراً كافياً وصحيحاً نحو الخلاص، وأن يُسَمّوُا الأشياء بمسمياتها، وأن يقفوا وقفة صدق مع أنفسهم وشعوبهم.
وتستمر اللعبة، وينسى الجميع قول الله - تعالى-: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ))[البقرة:120].
وسوف أختم مقالتي بقول الصهيوني «لافي موشي لافي» في سجل هيكل فلسطين ليفتق آذاناً صُماً، ويزيل غشاوة أبصار ختمت قلوبها، وأرجو أن يقرأ قوله ويدرك أسطره وما وراء تلك الأسطر، لنعي دربنا وسط دروب المفسدين في الأرض، يقول ذلك الصهيوني المغضوب عليه: «في أواخر الجيل السادس للدجال «يسوع» الذي أضنكنا بتدجيلاته، ظهر دجال آخر ادعى التنبؤ بالوحي، وأخذ ينادي بالهداية مرشداً للعرب، الذين كانوا عبدة الأصنام إلى عبادة الإله الحق، وسن شرائع مخالفة لسنة ديانتنا اليهودية، فمال إليه كثيرون في مدة قصيرة، فقمنا نناهض دعوته وإرشاده وسنته، ونصرخ بأصواتنا الخفية لنفهم الذين يميلون إليه وإلى رجاله أنهم دجالون «إنه وإياهم دجالون» كسابقهم «يسوع»، بلغ تعبنا أقصى الدرجات، ولم يحالفنا نجاح، وكلما ناهضنا تلك التعاليم المفسدة طمعاً في استمالة أولئك الشعوب إلينا تكاثر عدد أتباع «محمد» يوماً بعد يوم «يوماً فيوماً» كأتباع «يسوع»، غير أن بين هؤلاء وأولئك لفرقاً، وهو أن القوة التي كانت لأتباع «يسوع» غير متطورة كما أسلفنا بخلاف القوة التي تعضد «المحمديين».(27/17)
كانوا ينمون ويكثرون بقوة استمالتهم بعض أبناء أمتنا اليهودية، فأفسحوا للناس وتساهلوا، وشوقوا ورغبوا، فحالفهم النجاح، وحصل لهم النماء، غير أننا آلينا ألا ننفك عن ملاحقتهم، وجعلنا التشديد عليهم من شروط ديننا، ولاعتبارنا أن الديانتين اليسوعية والمحمدية سواء في القضاء على ديننا، واعتبرناهما جمعيتين غير دينيتين، وأصدرنا الأوامر أنه لا دين إلا اليهودية، وما سواها فاسد ومرذول، أما كفتنا بلبلة الدجال «يسوع» حتى يأتينا هذا الطاغية؟!!
أليس في هذا السجل بيان واضح بلسانهم هو تصديق للآية التي ذكرت، فعليهم لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، وقد غضب الله عليهم ولعنهم، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، هم الذين تنكبوا الصراط المستقيم، هم قتلة الأنبياء والمرسلين والصالحين، هم المفسدون في الأرض ولا يصلحون، هم المغضوب عليهم، هم مشعلو الفتن كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، هم بعث النار، هم بعث النار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
http://www.islammemo.cc:المصدر
==================(27/18)
(27/19)
أمريكا بين الماسونية المصدرة والصليبية المتبعة
14 ربيع الثاني 1426هـ الموافق له 22 مايو2005م
لأن الغرب قد أدرك جيداً فشل سلاح القوة العسكرية في القضاء على الإسلام، ومن ثم فإنه يبدو أن سلاح المخادعة هو السلاح الرئيسي الذي يلتجئ إليه الآن في مواجهة الإسلام، ففي الوقت الذي تتعاظم فيه سيطرة العقيدة الصليبية الهرمجدونية على الإدارة الأمريكية ممثلة في الرئيس بوش ومساعديه؛ فإن توجهات السياسة الأمريكية الخارجية تهدف إلى نشر المفاهيم الماسونية بين الشعوب الإسلامية على وجه الخصوص، وإذا كنا قد شرحنا في مقال سابق ما هي العقيدة الصليبية الهرمجدونية حيث يمكن الرجوع إليها في نفس هذا الباب، فإننا نشرح هنا ما هي تلك الماسونية التي يدعون إليها في عالمنا الإسلامي تحت شعارات ملتوية مثل: الحرية والتسامح والمساواة.
الماسونية جمعية سرية شديدة الغموض، استطاعت اختراق معظم النظم السياسية في العالم، وضم عدد كبير من الملوك ورؤساء الجمهوريات إليها على امتداد القرون الثلاثة الماضية، وتنتشر بوجه خاص في أمريكا وانجلترا.
وتتخذ الماسونية في الظاهر صورة أندية اجتماعية تعمل على اختيار أعضائها، ولا تسمح للآخرين بالانضمام إليها تبعاً لإراداتهم الشخصية، ويمر العضو بهذه الجمعيات بعدة مراحل يلتزم فيها بممارسة عدة طقوس شديدة الغرابة مثل: سجود العضو على إحدى ركبتيه وهو معصوب العينين، ثم يتعهد بعدم إفشاء أسرار الجماعة وإلا فانه يستحق عقوبة قطع رقبته وقطع لسانه من جذوره، وسرعان ما يعلم العضو الجديد أن الماسونية نظام أخلاقي غريب يعتمد على المجاز، وتوضحه الرموز، وتستمد هذه الرموز بصفة رئيسية من حرفة بناء الحجارة الفعلية، وتلعب دوراً حيوياً في الطقوس والتعاليم الماسونية، ويشرح زعيم المحفل حين يقدم للعضو الجدد بطريقة طقسية معدات البناء، ويقول: نحن نستخدم هذه المعدات لتشكيل أخلاقنا، وحين ينتهي العضو من هذه المراسم يقال: إن العضو الجديد قد اجتاز المرتبة الأولى ويمكن أن يصل إلى المرتبتين الأخريين خلال عدة أشهر، ويتوقف الكثيرون من الماسونيين عند هذه النقطة، إلا انه توجد مراسم أخرى تسمى القوس الملكي تسمح للمتحمسين بتنويعة كبيرة من المراتب العليا، ويرى الباحثون أنها مستمدة من مصادر عديدة فرعونية ويهودية وأشورية، وإذا كانت الماسونية قد عملت على تطويع الحكومات لصالحها فإن بعض الدول الكبرى تعمل أيضاً على فعل العكس وهو استخدام هذه الماسونية لتحقيق مصالحها.
وهناك عدة تفسيرات لنشأة الماسونية منها:
- أنها تعود إلى بناة هيكل سليمان.
- أنها تعود إلى بناة الأحجار المتجولين في العصور الوسطى.
- أنها تعود إلى المفكرين الربوبيين في القرن السابع عشر.
ويلتزم الماسون دائماً بالدعوة إلى المساواة والحرية والتسامح دون أية ضوابط، الأمر الذي يعني عملياً تحطيم كل الأديان والمذاهب لصالح الأهداف الماسونية الغامضة، وعلى ما سبق فإن الماسونية ترتبط لدى الكثير من المحللين بالصهيونية العالمية، وقد عضد هذا الاتجاه ذكر الماسونية بشكل رئيسي في برتوكولات حكماء صهيون التي ينسبها كثير من المحللين لليهود، حيث ذكرت البروتوكولات الدور العالمي للماسونية في تحقيق الغايات الصهيونية التي جاء فيها ' وإلى أن يأتي الوقت الذي نصل فيه إلى السلطة سنحاول أن ننشئ ونضاعف خلايا الماسونيين الأحرار في جميع أنحاء العالم، وسنجذب إليها كل من يصير أو يكون معروفاً بأنه ذو وجاهة وقيمة عالية، وهذه الخلايا ستكون الأماكن الرئيسية التي سنحصل منها على ما نريد من أخبار، كما أنها ستكون أفضل مراكز للدعاية، والخلاصة أنه يمكن الاعتماد على الأفكار الماسونية المخادعة الآن في العمل على تمييع المفاهيم الإسلامية الأصيلة باسم التطور.
http://www.islammemo.cc:المصدر
===============(27/20)
(27/21)
الغزو الماسوني للجاليات الإسلامية بالبرازيل
ريو دي جانيرو : الصادق العثماني
تعد الحركة الماسونية من ألد أعداء الإسلام وأكثر المحاربين له.. ونأسف كثيراً ونحن نشاهد أو نسمع أن كثيرين من أبناء الجاليات الإسلامية اعتنقوا مبادئ هذه الحركة فأصبحوا من المدافعين عنها وعن أهدافها ومبادئها، الأمر الذي يدعونا إلى التوقف قليلاً أمام أنشطتها في بلاد المهجر لبيانها للناس المخدوعين بشعاراتها البراقة في أوطان المسلمين.
وبعد بحث وتنقيب تحقق لي أن جمعية "القوة الخفية" التي أسسها اليهود عام 43 للميلاد وذلك لمناهضة المسيحية هي نفسها التي ظهرت عام 1818م تحت اسم الماسونية أي (البناؤون) وذلك بعد تغيير اليهود لاسمها. وقد اختلف المؤرخون حتى الماسون منهم، في تحديد نشأتها، فمنهم من قال بحداثتها، ومنهم من أوصلها إلى الحروب الصليبية، وآخرون تتبعوها إلى أيام اليونان في الجيل الثامن قبل الميلاد، والراجح من الأقوال أنها أنشئت في هيكل سليمان. وهذا ما رجحه الماسوني العربي جورجي زيدان، وإيليا الحاج وشاهين مكريوس.
الأستاذ محمد ليلى أحد الخبراء بهذه الحركة وأحد المتابعين لأنشطتها. وقد سألناه عن تأثيرها على الشباب المسلم بالبرازيل فأجاب قائلاً: هناك الكثير من المسلمين الذين يعيشون في هذه البلاد تأثروا بشعارات الماسونية فاعتنقوها وانغمسوا في دواليبها نظراً للشعارات النبيلة التي تحملها والوهم التي تقدمه لمن ينتسب إليها، كالإغراء بالمنفعة الشخصية على أساس أن كل ماسوني مجند في عون كل ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض يعينه في حاجاته ويحل له مشكلاته، ويساعده إذا وقع في مأزق كالفشل في تجارته، وهذا أعظم إغراء تصاد به الناس في مختلف المراكز الاجتماعية. ويضيف موضحاً أنه يعرف الكثير من الماسونيين العرب لكنه اعتذر عن ذكر أسمائهم.
ويؤكد محمد ليلى أن له خبرة طويلة ودراية واسعة بالماسونية والماسونيين منذ أن كان طالباً في لبنان.. وكشف عن أن صاحب كتاب "فضائح الماسونية" الأستاذ محمد علي الزغبي هو أستاذه وقال: لقد مات شهيداً في لبنان بسبب تأليفه لهذا الكتاب. والجدير بالذكر أن الأستاذ الزغبي قد تدرج في أسلاك الماسونية في لبنان وسورية على مدى أكثر من 15 سنة قبل أن يعرف أهدافها الخبيثة، وعندما اكتشف أهدافها الشيطانية انسحب منها وألف كتابه هذا الموجود إلى اليوم في المكتبات العربية.
في هذا السياق سألت الداعية أبا محمد إمام أحد المساجد بمدينة ساو باولو عن التأثير الماسوني على الجاليات الإسلامية في البرازيل فسكت قليلاً خائفاً مضطرباً وقال: من الصعب الخوض في هذه الحركة، ولكن ما أريد أن أوضحه أن الحركات الماسونية في هذه البلاد منظمة وتعمل وفق برامج محددة لا تعمل عشوائياً، فهي تدرس الناس دراسة علمية دقيقة من حيث عقيدتهم وأفكارهم، وأحوالهم الاجتماعية. وأساليبهم في بلوغ أفكارهم إلى جاليتنا في هذه البلاد، تختلف حسب الشخص المستهدف ومدى تمسكه بدينه، كذلك مدى احتياجه إلى المال والصحة والتعليم.. أما غير المتدينين فأغلبهم يسقطون كأوراق الخريف على ساحة الملذات والشهوات والوعود الموهومة، كوعود الشخص المستهدف بمنصب راقٍ في الدولة.. ومما نتألم له أن أطرافاً كثيرة لا تستطيع كشف النقاب عن هذه الحركة إرضاءً لبعض الأطراف الذين سقطوا في حبال هذه الحركة.
أحد الشباب المسلم اسمه إبراهيم كان قد وقع فريسة هذه الحركة يقول: تعرفت على النادي الماسوني بواسطة صديق لي، حيث طلب مني مرة أن أذهب معه إلى النادي الواقع بمدينة سانتو أماروا فاستقبلوني استقبالاً حاراً.. شعرت بقيمتي كإنسان يحترم من طرف الآخرين.. وهذا العطف والاحترام كنت أفقده حتى داخل المسجد ووسط أصدقائي وأسرتي حيث لا أحد "يسأل فيك".
في البداية سألني رئيسهم عن ديانتي فقلت له أنا مسلم، فقال لي: نحن نحترم جميع الأديان وإنما نريد لك الخير ونريد أن نساعدك، وكل ماسوني في العالم هو صديقك، يساعدك ويقف بجانبك، فأهلاً بك معنا في بيتك وأسرتك.(27/22)
لا نستغرب إذاً ونحن نسمع هذه القصص من أفواه أبناء الجالية إذا علمنا أن الماسونية هي البنت الشرعية للصهيونية، واليهود الصهاينة في البرازيل يسيطرون على الإعلام والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، فهم يسيطرون على كبريات الصحف والمجلات، كما يمثلون محطات إذاعية وقنوات فضائية ويستغلونها في نشر أهدافهم وأفكارهم السامة.. لكن ومع ذلك ولله الحمد فأغلب الشعب البرازيلي لا تؤثر فيه هذه السموم التي تقذفها هذه المجلات والقنوات بين الفينة والأخرى تجاه الإسلام، فالتعاون قائم بين أغلب المراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية والمذاهب المسيحية كالكاثوليكية والأرثوذوكسية والبروتستانتية.. إلا أن هناك حركة جديدة داخل الحقل الديني المسيحي بالبرازيل تسمى ب (الإنجليون الجدد).. هذا الفصيل مع الأسف سيطرت عليه الصهيونية والماسونية. هذه الطائفة من النصارى المتدينين أقنعها اليهود الصهاينة بأن السيد المسيح سيعود إلى مسقط رأسه ووطنه "فلسطين"، لكن فلسطين كما أوهموهم محاصرة بالأعداء من المسلمين، وعليه لابد من مساعدتهم على تحريرها وإيجاد مناخ وظروف دولية وسياسية واقتصادية ونفسية وعسكرية وأمنية ليعود السيد المسيح إلى وطنه سالماً مطمئناً.. فجند هذا الفصيل جميع قدراته المادية والمعنوية والإعلامية في خدمة اليهود وأعلن عداءه الشديد لمن يدين بدين الإسلام أو من يحاول أن يفضح مخططات صهيون.
هذا التوجه الجديد في الحقل الديني المسيحي بالبرازيل بدأ يسيطر على الساحة. فبعد 20 سنة من ظهوره أصبح يملك كبريات الكنائس في جميع المدن البرازيلية، وخاصة مدينة ساوباولو، وريو دي جانيروا، وبرازيليا، وفوز دي كواسو، وكوريتيبا وغيرها من المدن، ويُقدر اتباع هؤلاء بالملايين.
إن الدراسات والمعلومات التي وصل إليها علماء التاريخ والاجتماع والسياسية تؤكد أن الحركات الماسونية لها علاقة ب"إسرائيل" وبالصهيونية العالمية، ومؤسسها كما هو معلوم من الصهاينة، وهذه العلاقة ثابتة منذ التقاء مؤسس هذه الحركة مع حكماء صهيون في المؤتمر الصهيوني بمدينة (بال) السويسرية برئاسة تيودور هرتزل سنة 1897م التي انبثقت عنها خطة إنشاء "دولة اسرائيل" وهناك عدة دلائل منها:
1- أن اسم هذه الحركة الماسونية تعني (البناؤون) إشارة إلى محاولة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى الشريف وهو هدف الصهيونية العالمية.
2- أن المحافل الماسونية في جميع أنحاء العالم تضع على واجهتها في غالبية مراكزها نجمة داوود وهي شعار الكيان الصهيوني، كما أن اللون الأزرق الذي تطلى به مباني المحافل هو لون علم الكيان الصهيوني.
3- المطرقة والميزان وآلات النجارة التي تستعملها هذه المحافل هي رمز هدم هيكل سليمان وإعادة بنائه.
وللإشارة فإن الصهيونية والماسونية العالمية غزت الكثير من الجمعيات العربية والإسلامية في البرازيل.
وفي النهاية نضع بين يدي الدعاة والشيوخ ورؤساء الجمعيات والمراكز الإسلامية وأصحاب المال والأعمال في هذه البلاد الطيبة المضيافة أرض البرازيل أرض الحرية والتسامح، بفتوى صدرت عن مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة تحرم على المسلمين الانضمام إلى الماسونية.. وهذا نصها:
اتخذ مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة في 15-7-1978م برئاسة سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المجمع الفقهي قراراً شرعياً مهماً حول الماسونية وحكم الانتماء إليها وحول علاقتها بالصهيونية العالمية جاء فيه:
1- أن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة أخرى.. بحسب ظروف الزمان والمكان ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها هي سرية في جميع الأحوال، محجوب علمها على أعضائها، إلا خواص الخواص، الذين يصلون في التجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها.
2- أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين، هو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والمذاهب.
3- أنها تجتذب الأشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطرق الإغراء بالمنفعة الشخصية على أساس أن كل ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض، يعينه في حاجاته وأهدافه ومشكلاته ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أياً كان على أساس معاونته في الحق والباطل ظالماً أو مظلوماً، وإن كانت تتستر ذلك ظاهرياً بأنها تعينه على الحق والباطل.. وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس في مختلف المراكز الاجتماعية وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال.
4- أن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت مراسم وأشكال رمزية إرهابية لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل بالرتبة.(27/23)
5- أن الأعضاء المغفلين يُتركون أحراراً في ممارسة عباداتهم الدينية وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلون إليها ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم تدريجياً في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة للعضو على، حسب استعدادهم لخدمة مبادئها الخطيرة.
6- أنها ذات أهداف سياسية ولها أصابع ظاهرة أو خفية في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغيرات الخطيرة.
7- أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور ويهودية الإدارة وصهيونية النشاط.
8- أنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الأديان جميعاً وخاصة الإسلام.
9- أنها تحرص على اختيار أعضائها من ذوي المكانة المالية والسياسية والاجتماعية أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذاً لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها، لذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم.
10- أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة في محيط ما وتأتي بأسماء مختلفة مثل منظمة الأسود (الليونز) والروتاري وغيرها.
وقد تبينت للجميع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية والصهيونية العالمية، وذلك بأن استطاعت أن تسيطر على نشاطات بعض المسؤولين في البلاد العربية وغيرها بالنسبة لقضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم نحو هذه القضية المصيرية لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية، لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى عن نشاطات الماسونية وتلبيساتها الخبيثة وأهدافها الماكرة يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين وأن من ينتسب إليها عن علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
==============(27/24)
(27/25)
الديانة اليهودية و علاقتها بالماسونية والصهيونية العالمية
اليهودية Judaism:
تعريفها: هي الملة التي يدين بها اليهود وهم أمة موسى - عليه السلام -.
أصلها: كانت في أصلها - قبل أن يحرفها اليهود هي الديانة المنزلة من الله - تعالى - على موسى - عليه السلام -، وكتابها: التوراة. وهي الآن ديانة باطلة لأن اليهود حرفوها ولأنها نسخت بالإسلام.
- سبب تسميتها:
- سميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود، وهم أتباعها، وسموا يهوداً: نسبة إلى (يهوذا) ابن يعقوب الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى - عليه السلام -، فقلبت العرب الذال دالا.؟
- وقيل: نسبة إلى الهود، بشدّ الدال، وهو التوبة والرجوع، وذلك نسبة إلى قول موسى لربه: ((إنا هدنا إليك)) أي تبنا ورجعنا إليك ياربنا، وذلك أن بني إسرائيل حين غاب عنهم موسى - عليه السلام - وذهب لميقات ربه، صنعوا عجلا من ذهب وعبدوه، فلما رجع موسى وجدهم قد ارتدوا فغضب عليهم وأنبهم فرجع أكثرهم وتابوا، فقال موسى هذه الكلمة. فسموا هوداً ثم حولت إلى (يهود) والله أعلم.
- عقيدة اليهود:
- كانت عقيدة اليهود قبل أن يحرفوها، عقيدة التوحيد والأيمان الصحيح المنزلة من الله - تعالى - على موسى - عليه السلام -، لكنهم حرفوها وبدلوها وابتدعوا فيها ما لم ينزله الله.
- بداية الانحراف:
- بدأ انحراف بني إسرائيل (اليهود) في عهد موسى - عليه السلام -، وهو حي بين أظهرهم، حيث طلبوا منه أن يريهم الله - تعالى -، فقالوا له ((أرنا الله جهرة)).
- ثم لما مات موسى - عليه السلام -، أخذوا يحرفون دين الله ويبدلون في التوراة فقالوا ((عزيزٌ أبن الله)) 30 التوبة، وقالوا ((نحن أبناء الله وأحباؤه)) 18 المائدة.
- إضافة ألي تبديلهم في أحكام الشريعة المنزلة على موسى - عليه السلام -، وحرفوا نصوص التوراة، وقدسوا آراء أحبارهم المتمثلة بما يسمى عندهم (بالتلمود) وهو شروح واجتهادات علمائهم الذين أحلوا لهم لحم الحرام وحرموا عليهم الحلال بأهوائهم.
- لذلك قال الله - تعالى - شانة فيهم ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)) التوبة
- وقد فسر حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في حديث بأن معنى اتخاذهم أرباباً أي طاعتهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله.
- نسبهم الابن إلى الله - تعالى -:
- قال الله - تعالى - عنهم: ((وقالت اليهود عزيزاً أبن الله)) فزعموا أن عزيزاً وهو أحد أنبيائهم ابن الله - تعالى - الله عما يقولون علواً كبيرا ً.
- ومن ادعاتهم الضالة:
- أنهم أبناء الله وأحباؤه.
- أن الله فقير وهم أغنياء.
- أن يد الله مغلولة.
- وكذلك قولهم لموسى ((لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة))
- وزعمهم أن الله - تعالى - تعب من خلق السموات والأرض.
- إنكار اليهود وجحودهم لنبوة خاتم الأنباء محمد صلى الله عليه وسلم رغم أنهم يعرفون أنه رسول الله حقاً، ولديهم الأدلة على ذلك كما ذكر الله ذلك عنهم. حيث ذكر أنهم يعرفونه ويعرفون نبوته كما يعرفون أبناءهم. قال - تعالى - ((الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون))146 البقرة.
- صفاتهم وأخلاقهم:
من خلال ما سبق ذكره نجد أنهم شعب فاسد خبيث ماكر، وهذا حكم الله فيهم،
1- كتمان الحق والعلم
2- الخيانة والغدر والمخادعة
3- الحسد
4- الإفساد وإثارة الفتن والحروب
5- تحريف كلام الله - تعالى - وشرعه والكذب على الله.
6- البذاءة وسوء الأدب.
وغيرها الكثير من الصفات الدنيئة.
و اليهودية معتقد يختلف عن معظم المعتقدات والأديان، هي دين مغلق، فلا يحق لأي إنسان أن يعتنق اليهودية. بمعنى أوضح: إن اليهود لا يقبلون في صفوفهم إنسانا جديدا يعتنق دينهم، خلافاً لجميع المبادئ والأديان التي تعمل لزيادة المؤمنين بها. ولكي يكون الإنسان يهودياً يجب أن يكون من أم يهودية. و مازالت محاكم إسرائيل ترفض الاعتراف بيهودية مواطنيها من أب يهودي وأم غير يهودية.
وقد ارتبطت كلمة ((يهودي)) في أذهان الناس، بتصور خاص وصفات معينة خلال عصور التاريخ، واستطاع معتنقوا اليهودية أن يحافظوا على دينهم وعرقهم، فلم يندمجوا في المجتمعات التي عاشوا معها في كل البلدان، وانعزلوا في (حارات) او (غيتو)، لا تهم التسمية، المهم أنهم انعزلوا عن الشعوب التي عاشوا معها، في أماكن خاصة، وحافظوا على لغتهم وديانتهم وتقاليدهم وسلوكهم المبني على مبدأ واحد هو استغلال الشعوب الأخرى بأية وسيلة. فهم وحدهم ((شعب الله المختار)) وجميع الشعوب إنما خلقت لتخدم ذلك الشعب (لعنه الله).
ويعود الفضل في ذلك إلى دينهم ومعتقداتهم. وقد يستغرب المرء كيف يتهرب غير اليهود من التمسك بمبادئ ديانتهم أكثر من اليهود الذين يتشددون بالتمسك بها. وتحليل ذلك بسيط:(27/26)
فالديانات كلها مبنية على مثل عليا، وتفرض على معتنقيها واجبات كما تتشدد في منع استغلال الآخرين أو احتقارهم. والإنسان أناني بطبعه، على الغالب يجب استغلال غير. وهذا ما أدركه الذين وضعوا أسس الديانة اليهودية الأقدمون، إذ يجمع معظم علماء الديانات تقريبا بمن فيهم اليهود على أن اليهودية بوضعها الحالي هي غير الدين اليهودي الذي جاء به النبي موسى - عليه السلام -.
ومما لا خلاف فيه أن التلمود وهو الكتاب الذي يشرح العقيدة اليهودية، هو كتاب سري وضعه (حاخامات اليهود) خلال فترة امتدت ما بين 400-600 سنة.
أما التوراة فيرى بعض البحاثة أنها من وضع العلماء الدينيين والدنيويين الأقدمين أيضا.
غاية الكتب المقدسة اليهودية
قبل كل شيء لنأخذ المعطيات التالية، والتي تفرضها علينا الوقائع ومعلوماتنا عن التوراة و التاريخ اليهودي:
1- إن تاريخ اليهود القديم والمذكور في (الهكزاتوك) أي الأسفار الستة الأولى من التوراة، لا يمكن التحقق من صحته من أي مصدر آخر سوى التوراة.
2- وان علماء اليهود يعلنون صراحة أن تاريخهم القديم اسطوري وقد أُعيد وضعه من وجهة نظر فريسية.
3- وأن اليهودية الارثوذكسية المستندة إلى شريعتهم نشأت في بابل حوالي 400 سنه قبل الميلاد فقط. (نقلاً عن الدكتور /آرثر روين).
4- وأن علماء الكتاب المقدس كلهم مجمعون على أن العهد القديم جرى وضعه خلال و بعد النفي إلى بابل.
5- وإن غاية الشريعة اليهودية هي أن تربط ببعضها فئة قتالية غير قابلة للامتزاج مع الغير و لا تقبل المصالحة أو المخادنة معهم، ولا تعرف الرحمة أو الشفقة ومنظمة تنظيماً شبه عسكري.
6- وإن الصور الخيالية في (الهكزاتوك) تصف فئة من المتآمرين المثاليين.
7- وأن إله اليهود القبلي يأمرهم بخدمة الشريعة تحت طائلة المحي من الوجود.
8- وإن أسفار العهد القديم التالية للهكزاتوك إنما هي وصف لعقوبات والمكافآت التي سيستحقها اليهود حسبما يكونوا قد عصوا أو أطاعوا الشريعة.
9- وإن رسالة الأنبياء لليهود هي فقط اتباع الشريعة لكي يأتيهم (الوعد) أي أن يتملكوا الأرض ومن عليها و إلا عوقبوا بالمحو من الوجود.
وبناء على ذلك كله لا مناص أمامنا من الجزم بأن تاريخ اليهود مختلف على نطاق واسع، وقد اختلقه المتآمرون البابليون وهدفهم خلق تقاليد قومية لها غاية قائمة بذاتها لدى المنفيين و ذريتهم، تفرض عليهم تنظيما باطشا تحت إمرة الشريعة، ومن ثم إضفاء ثوب الدين عليهم، لإخفاء وتبرير غاياتهم الإجرامية ضد العالم.
وقد استعار واضعو المؤامرة الأفكار من مضيفيهم البابليين، ثم أضافوا إليها تقاليدهم القبلية الخاصة بعد تنميقها وتزيينها، ثم أطلقوا لمخيلاتهم الخصبة العنان؟
----------------------------------------
الصهيونية Zionism:
تعريفها: هي منظمة يهودية تنفيذية، مهمتها تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني إسرائيل -اليهود- وبناء هيكل سليمان، ثم إقامة مملكة إسرائيل ثم السيطرة من خلالها على العالم تحت ملك (ملك يهوذا) المنتظر. سميت بذلك: نسبة إلى (صهيون) جبل يقع جنوب بيت المقدس يقدسه اليهود.
الماسونية والصهيونية:
الصهيونية قرينة للماسونية إلا أن الصهيونية يهودية بحتة في شكلها وأسلوبها ومضمونها وأشخاصها، في حين أن الماسونية يهودية مبطنة تظهر شعارات إنسانية عامة، وقد ينطوى تحت لوائها غير اليهود من المخدوعين والنفعيين.
كما أن الصهيونية حركة دينية سياسية معلنة تخدم اليهود بطريق مباشر فهي الجهاز التنفيذي الشرعي والرسمي لليهودية العالمية.
في حين أن الماسونية حركة علمانية إلحادية سرية تخدم اليهود بطريق غير مباشر، فهي القوة الخفية التي تهيء الظروف والأوضاع لليهود.
تاريخها ونشأتها:
الصهيونية كالماسونية ليست وليدة هذا العصر فقد مرت بمراحل كثيرة منذ القرون الأولى قبل ظهور المسيحية وبعدها وقبل ظهور الإسلام وبعده، وكانت مراحلها الأولى مهمتها تحريض اليهود على الانتفاض والعودة إلى أرض فلسطين وبناء هيكل سليمان، وتأسيس مملكة إسرائيل الكبرى، وحوك المؤامرات والمكائد ضد الأمم والشعوب الأخرى.
اما الصهيونية الحديثة: فقد بدأت نواتها الأولى عام 1806م حين اجتمع المجلس الاعلى لليهود بدعوة من / نابليون -لاستغلال أطماع اليهود وتحريضهم على مساعدته - ثم حركة (هرتزل) اليهودي التي تمخضت عن المؤتمر اليهودي العالمي في (بال) بسويسرا عام 1897م والذي قرر فيه أقطاب اليهود ما يسمى بـ(بروتوكلات حكماء صهيون) وهو المخطط اليهودي الجديد للاستيلاء على العالم ومن هذا المؤتمر انبثقت المنظمة الصهيونية الحديثة.
أهداف الصهيونية:
- ذكرنا أن الصهيونية حركة يهودية خالصة. أما أهدافها فهي ذات جانبين: ديني وسياسي:
--أما الجانب الديني فيتلخص فيما يلي:
إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم، لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة (أرض فلسطين).
حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية والعبادات والشعائر اليهودية والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية.(27/27)
إثارة الروح القتالية بين اليهود، والعصبية الدينية والقومية لهم للتصدي للأديان والأمم والشعوب الأخرى.
-- أما الجانب السياسي فيتلخص فيما يلي:
محاولة تهويد فلسطين (أي جعلها يهودية داخلياً) وذلك بتشجيع اليهود في جميع أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين وتنظيم هجرتهم وتمويلها، وتأمين وسائل الاستقرار النفسي والوظيفي والسكني وذلك بإقامة المستوطنات داخل أرض فلسطين ((وهي عبارة عن مجمعات سكنية حديثة كاملة المرافق تمولها الصهيونية من تبراعات اليهود والدول الموالية لهم في العالم))، وتوطيد الكيان اليهودي الناشئ في فلسطين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
تدويل الكيان الإسرائيلي في فلسطين عالمياً، وذلك بانتزاع اعتراف أكثر دول العالم بوجود دولة إسرائيل في فلسطين وشرعيتها وضمان تحقيق الحماية الدولية لها، وفرضها على العالم، وعلى المسلمين على وجه الخصوص. لذلك نجد أن الصهيونية تقوم بدور رئيس في دفع أمريكا وروسيا وأكثر الدول في أوربا لحماية إسرائيل سياسياً وعسكرياً ودعمها اقتصاديا وبشريا، فبالرغم من أن أمريكا ودول أوربا - دول نصرانية -، وبالرغم من أن روسيا شيوعية تحارب الأديان وبالرغم أيضاً من أن شعوب هذه الدول تكره اليهود بحق إلا إنها لا تزال تحمي دولة إسرائيل وتدعمها. وما ذك إلا بتأثير الصهيونية الواضح.
متابعة وتنفيذ المخططات اليهودية العالم السياسية والاقتصادية، خطوة بخطوة، ووضع الوسائل الكفيلة بالتنفيذ السريع والدقيق لهذه المخططات، ثم التهيئة لها إعلاميا وتمويلها اقتصاديا، ودعمها سياسياً.
توحيد وتنظيم جهود اليهود في جميع العالم أفراد وجماعات ومؤسسات ومنظمات، وتحريك العملاء والمأجورين عند الحاجة لخدمة اليهود وتحقيق مصالحهم ومخططاتهم.
مغالطات صهيونية:
في نهاية القرن التاسع عشر، عندما ظهرت الحركة الصهيونية، كان ما يسمى " التيار الوطني " هو الغالب في هذه الحركة، وهو التيار الداعي إلى بقاء اليهود في بلادهم الأصلية، والعمل على الاندماج في هذه المجتمعات، وكانت غالبيته من المثقفين والعمال الفقراء أو من الطبقة المتوسطة.
اما التيار الثاني، فهو " التيار القومي " وكان يتزعمه غلاة الصهاينة من كبار الأغنياء اليهود الباحثين قبل كل شىء عن " أرض " يمارسون عليها نشاطهم الاقتصادي بعيداً عن منافسة البرجوازية الأوروبية القوية، ولم يكن يعنيهم كثيراً أن تكون هذه الأرض فلسطين أو غيرها، فالموضوع بالنسبة لهم كان مشروعاً اقتصادياً فحسب.
وبالفعل فقد طرح في البداية إنشاء دولة لليهود في آوغندا أو غانا! ثم طرح إنشاء دولة في مناطق واسعة من الأرجنتين! ومع ظهور النزعات العنصرية في آوروبا والمذابح التي تعرض لها اليهود في روسيا أولا، ثم في باقي الدول الأوروبية، ازداد أنصار التيار القومي الداعي إلى وطن قومي لليهود. ونتيجة عدد كبير من العوامل تم اختيار فلسطين لتكون هي الوطن القومي المزعوم " وهذه العوامل يمكن مناقشتها في مبحث مستقل ".
من الطريف ذكره، أن أدبيات الحركة الصهيونية كانت تسمي فلسطين باسمها الأصلي، ولم تكن تسمية إسرائيل قد خطرت لهم على بال، حتى بعد قيام إسرائيل كانت تسمى " فلسطين " حتى العام 1952 على الأقل، لأنهم يعرفون أن شعب إسرائيل المزعوم، كان قد اندثر من الوجود، وذاب بين شعوب المنطقة منذ القرن السادس قبل الميلاد على الأقل! وأن اللغة العبرية نفسها قد اندثرت من الوجود منذ ذلك الزمن أيضاً، وقد كان اليهود يتكلمون الآرامية " المقصود يهود السبي في بابل وبعد ذلك في فلسطين " ثم بعد ظهور العربية وهيمنتها على المنطقة تكلم اليهود العربية مثلهم مثل غيرهم من شعوب المنطقة.
وعندما قامت الصهيونية بمحاولة إحياء اللغة العبرية، وهي المحاولة التي كان لليهود الألمان الدور البارز فيها، فقد جاءت العبرية الحديثة اصطناعاً على اصطناع، وهي لا تمت بصلة لللغة العبرية الأصلية، ذات الأصل الشرقي العريق. فاللغة العبرية الحديثة غير قادرة على نطق ثلاثة من الأحرف الأساسية في " اللغات السامية " وهي الحاء والعين والقاف، إضافة إلى قلب الحروف المأخوذ عن الإرمية، وتحويل الألمان الحرف (و) إلى ف، بثلاثة نقاط وهو الحرف الألماني (w) وهكذا ضاعت اللغة العبرية، مرتين، وأصبحت لغة عجيبة، هجينة، مصطنعة، حتى النهاية.
مثال آخر للتزوير البشع الذي تمارسه الصهيونية، هو ادعائها بأن اليهود في جميع أنحاء العالم ليسوا أتباع دين معين هو الدين اليهودي، فقط، ولكنها تذهب أبعد من ذلك، [أن تدعي بأن هؤلاء إنما هم شعب واحد من عرق واحد ن في واحدة من أكثر الخدع بشاعة في تاريخ الإنسانية.(27/28)
مثال ثالث للتزوير والخداع، هو إدعائها بأن فلسطين، هي الأرض الموعودة، وهي مسرح التوراة، وهي الحاضنة الطبيعية للديانة اليهودية! ورغم فشلهم الذريع في إثبات هذا الأمر وهم ينبشون في تراب فلسطين منذ أكثر من قرنين من الزمان مزودين بكل ما يخطر على بال من إمكانيات تكنلوجية، وملايين الدولارات، وأدعية الحاخامات، وقد أخرجت أرض فلسطين كل أسرارها، ولم يعثر على أثر واحد لكل ما ذكر في التوراة، لا قصور ولا ممالك ولا ما يحزنون، وبقيت أرض فلسطين وفية حتى النهاية، رغم أن بعض أبنائها قد غيروا جلودهم، المهم أن كل الحضارات التي مرت على فلسطين نعرفها جيداً ويمكن تزمينها بدقة، وأبرز هذه الحضارات هي الحضارة الكنعانية والحضارة الفلسطينية، حتى إنسان ما قبل التاريخ كان حاضرا بأدواته البدائية، ليكون شاهد على فضيحة الهدهد هذه. فجن جنونهم وبدأوا يمارسون الكذب علانية، مستفيدين بالدرجة الأولى من غياب الطرف العربي، وصمته المريب، ومستفيدين من بعض اطروحات الفقه الإسلامي البائسة من نوع " العلو الثاني " و " الوعد الإلهي " وهم يوظفون كل ما في حوزتهم من إمكانيات لتزوير التاريخ وإعادة كتابته كما يريدونه، سينما، موسيقى، قصص، أفلام كرتون، سياحة، طبيخ، كل شيء، كل شيء.
والعرب، أين العرب من كل هذا؟ يؤسفني أن أقول أن رد الفعل العربي كان الغياب التام ولا شىء غير الغياب، بل أخطر من ذلك نحن، العرب، مارسنا بغباء لا نحسد عليه ترديد بعض المقولات التوراتية، وهي كثيرة جداً ومخزية في حق ثقافة عريقة كثقافتنا العربية!
الماسونية F r eeMasonic:
جذور الماسونية:
في إطار حملتهم للقضاء على الديانة النصرانية، أنشأ اليهود جمعية سرية أطلقوا عليها اسم "القوة الخفية" واستعانوا بشخصية يهودية تعرف باسم "احيرام أبيود" أحد مستشاري الملك هيرودس الثاني عدو النصرانية الأكبر على تحقيق هذه الغاية، وأسندت رئاسة الجمعية إلى الملك المذكور، وهكذا تم عقد أول اجتماع سري عام 43م حضره الملك المذكور ومستشاراه اليهوديان "احيرام أبيود وموآب لافي" وستة من الأنصار المختارين، وكان الغرض الرئيس من إنشاء هذه الجمعية القضاء على النصرانية.
ثم عقدوا الاجتماع الثاني واتخذوا بعض القرارات السرية وتعاهدوا على كتمانها وأفسحوا لمن يثقون بهم المجال للانضمام إلى هذه الجمعية على أن تعصب عينيْ كل من يود الانتساب للجمعية، واتفقوا على اتخاذ بعض الأدوات الهندسية كالبيكار والميزان رمزاً لمنظمتهم السرية، وبعد هلاك الملك هيرودس انتقلت رئاسة هذه الجمعية السرية إلى "احيرام" مستشاره ثم أعقبه ابن أخيه "طوبان لقيان". واستمرت جمعية القوة الخفية تعمل في السر، ولا يدري أحد عنها شيئاً حتى أميط اللثام عن هذه المنظمة عام 1717م، وذلك لدى ظهور ثلاثة من أقطاب اليهود "جوزيف لافي وابنه إبراهيم وإبراهيم أبيود"، وكانوا يحتفظون بنسخة من مبادئ هذه الجمعية وقراراتها وطقوسها وأخذوا يجوبون الأقطار للاتصال بالبقية الباقية من أتباع هذه المنظمة السرية، وكانوا يهدفون إلى استعادة مجد إسرائيل، واسترداد هيكل سليمان في بيت المقدس، ثم قصدوا لندن التي كانت تضم أعظم جماعة من اليهود المنتمين إلى تلك القوة الخفية.
وفي 24 يونيو من العام المذكور، عقد هؤلاء الثلاثة الذين يعتبرون ورثة السر أول اجتماع في العاصمة البريطانية وضموا إليهم اثنين من غير اليهود البسطاء للتمويه والتضليل وقرروا تجديد جمعية "القوة الخفية" ووضعوا لها بعض المبادئ البراقة "حرية، مساواة، إخاء، تعاون" واستبدلوا الرموز القديمة باصطلاحات جديدة كما قرروا تبديل اسم "هيكل" الذي كانوا يستعملونه قديماً باسم "محفل" وتبديل اسم القوة الخفية باسم "البنائين الأحرار" (ماسون تعني بناء). ولأول مرة في التاريخ ظهر لعالم الوجود ما يسمونه بالبنائين الأحرار، وأخذت تنتشر الجمعيات التي تحمل هذا الاسم، وزعم أقطاب اليهود الذين يقفون وراء هذه الجمعيات أن أهدافها نشر المبادئ الإصلاحية والاجتماعية وبناء مجتمع إنساني جديد. وقد استطاعوا أن يتخذوا من أحد أنصارهم "ديزا كولييه" مطية لتحقيق أغراضهم وأطلقوا عليه وعلى من يسيرون على غراره من غير اليهود اسم "العميان" كما أطلقوا على اسم محفل لندن الماسوني المركزي اسم "محفل إنجلترا الأعظم" على أن يكون في مقدمة مهامه دعم اليهود ومحاربة الأديان وبث روح الإلحاد والإباحية.
و للحركة الماسونية تاريخ أسود، وتردد اسمها عند نشأة كثير من الحركات السرية والعلنية وفي مؤامرات عديدة، وعُرفت بطابع السرية والتكتم وبالطقوس الغريبة التي أخذت الكثير من رموزها من التراث اليهودي وكُتبت حولها الآلاف من الكتب في الغرب وفي الشرق. ومن أهم الحركات والثورات التي كانت الماسونية وراءها الثورة الفرنسية، وحركة الاتحاد والترقي التي قامت بحركة انقلابية ضد السلطان عبدالحميد الثاني ووصلت إلى الحكم ثم ما لبثت أن ورطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى تمزقها وسقوطها.(27/29)
وقد ظل طابع السرية يلف هذه الحركة في اجتماعاتها ومنتدياتها وتحركاتها حتى طرأ تطور جديد، إذ تجرأت بفتح أبوابها وإعلان نشاطها متحدية كل المشاعر المتأججة ضدها. وكانت تركيا.. المحطة الأولى في المنطقة لإعلان هذا النشاط، ثم جاء الأردن ثانية، ولا ندري أين ستكون المحطة الثالثة؟ الماسونية كما هو ثابت نتاج الفكر اليهودي، وتركيا ترتبط مع إسرائيل بحلف استراتيجي، فهل هناك علاقة تجمع بين أطراف هذا الثالوث؟ وما قصة الماسونية في تركيا؟.. وماذا فعلت فيها؟ ولنبدأ من البداية:
اسطنبول: أورخان محمد علي. لأول مرة في تاريخه.. المحفل التركي يفتح أبوابه ويمارس نشاطه علناً!
تأسس أول محفل ماسوني في الدولة العثمانية عام 1861م تحت اسم "الشورى العثمانية العالية" ولكنه لم يستمر طويلاًً، فالظاهر أنه قوبل برد فعل غاضب مما أدى إلى إغلاقه بعد فترة قصيرة من تأسيسه. ومن المعروف أن أول سلطان عثماني ماسوني كان السلطان مراد الخامس الشقيق الأكبر للسلطان عبدالحميد الثاني والذي لم يدم حكمه سوى ثلاثة اشهر تقريباً عندما أقصي عن العرش لإصابته بالجنون. وقد انتسب إلى الماسونية عندما كان ولياً للعهد وارتبط بالمحفل الأسكتلندي، كما كان صديقاً حميماً لولي العهد الإنجليزي الأمير إدوارد "ملك إنجلترا فيما بعد" الذي كان ماسونياً مثله، حتى ظنّ بعض المؤرخين أن ولي عهد إنجلترا هو الذي أدخله في الماسونية، ولكن هذا غير صحيح لأنه كان ماسونياً قبل تعرفه إلى الأمير "إدوارد".
وكان من النتائج الخطيرة لتواجد المحافل الماسونية الأجنبية داخل حدود الدولة العثمانية احتضان هذه المحافل حركة "الاتحاد والترقي" وهي في مرحلة المعارضة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأصبحت المحافل الماسونية محل عقد اجتماعات أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بعيداً عن أعين شرطة الدولة وعيونها لكونها تحت رعاية الدول الأجنبية ولا يمكن تفتيشها. ويعترف أحد المحافل الماسونية التركية الحالية وهو محفل "الماسنيون الأحرار والمقبولون" في صفحة "الإنترنت" التي فتحوها تحت رموز: بأنه: " من المعلوم وجود علاقات حميمة بين أعضاء جمعية الاتحاد والترقي وبين أعضاء المحافل الماسونية في تراقيا الغربية، بدليل أن الذين أجبروا السلطان عبدالحميد الثاني على قبول إعلان المشروطية كان معظمهم من الماسونيين".
يقول المؤرخ الأمريكي الدكتور "أرنست أ. رامزور" في كتابه "تركيا الفتاة وثورة 1908م" وهو يشرح سرعة انتشار حركة جمعية الاتحاد والترقي في مدينة سلانيك:
"لم يمض وقت طويل على المتآمرين في سلانيك وهي مركز النشاط حتى اكتشفوا فائدة منظمة أخرى وهي الماسونية، ولما كان يصعب على عبد الحميد أن يعمل هنا بنفس الحرية التي كان يتمتع بها في الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية فإن المحافل الماسونية القديمة في تلك المدينة استمرت تعمل دون انقطاع ـ بطريقة سرية طبعاً ـ وضمت إلى عضويتها عدداً ممن كانوا يرحبون بخلع عبد الحميد. "
ثم يقول "ويؤكد لنا دارس آخر أنه في حوالي سنة 1900 قرر "المشرق الأعظم" الفرنسي (أي المحفل الماسوني الفرنسي) إزاحة السلطان عبد الحميد وبدأ يجتذب لهذا الغرض حركة تركيا الفتاة منذ بداية تكوينها. ثم إن محللاً آخر يلاحظ: يمكن القول بكل تأكيد إن الثورة التركية (أي حركة جمعية الاتحاد والترقي) كلها تقريباً من عمل مؤامرة يهودية ماسونية".
ويقول "سيتون واطسون" في كتابه "نشأة القومية في بلاد البلقان": "إن أعضاء تركيا الفتاة ـ الذين كان غرب أوروبا على اتصال دائم معهم ـ كانوا رجالاً منقطعين وبعيدين عن الحياة التركية وطراز تفكيرها لكونهم قضوا ردحاً طويلاً من الزمن في المنفى، وكانوا متأثرين وبشكل سطحي بالحضارة الغربية وبالنظريات غير المتوازنة للثورة الفرنسية. كان كثير منهم أشخاصاً مشبوهين، ولكنهم كانوا دون أي استثناء رجال مؤامرات لا رجال دولة، ومدفوعين بدافع الكراهية والحقد الشخصي لا بدافع الوطنية. والثورة التي أنجزوها كانت نتاج عمل مدينة واحدة وهي مدينة سلانيك إذ نمت وترعرعت فيها وتحت حماية المحافل الماسونية "جمعية الاتحاد والترقي" وهي المنظمة السرية التي بدلت نظام حكم عبد الحميد.
وكما كان عهد الاتحاديين هو العهد الذهبي بالنسبة لليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين كذلك كان العهد الذهبي في فتح المحافل الماسونية في طول البلاد وعرضها في الدولة العثمانية. يقول فخر البارودي في مذكراته واصفاً وضع دمشق بعد وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم: "وقد ساعد الاتحاديين على نشر دعايتهم اللوج ـ أي المحفل ـ الماسوني الذي كان مغلقاً قبل الدستور" ثم يقول: "وبعد الانقلاب فتح المحفل أبوابه، وجمع الأعضاء شملهم وأسسوا محفلاً جديداً أسموه محفل "نور دمشق" وربطوه بالمحفل الأسكتلندي"(27/30)
ولكي نعرف مكانة المحافل الماسونية لدى أعضاء جمعية الاتحاد والترقي نسوق هنا اعتراف أحد أعضائهم: "كان هناك نوعان من الأعضاء في الجمعية: أحدهما مرتبط بالمحفل الماسوني وهذا كنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب والأم، وآخر غير مرتبط بالمحفل الماسوني، فكنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب فقط". وفي كتاب نشره الماسونيون في تركيا تحت عنوان "الماسونية في تركيا وفي العالم" يتحدث عن دور المحافل الماسونية في إنجاح حركة الاتحاديين: "وقد انتشرت الماسونية بشكل خاص في سلانيك وحواليها. ومع أن عبد الحميد حاول أن يحد ويشل الحركة الماسونية هناك، إلا أنه لم يوفق في مسعاه"، "وقد قامت هذه المحافل، لاسيما محفل "ريزورتا" ومحفل "فاريتاس" بدور كبير في تأسيس وتوسيع حركة جمعية الاتحاد والترقي، كما كان للماسونيين دورهم في "إعلان الحرية" سنة 1908م.
الماسونية في سطور:
الماسونية.. اشتقاق لغوى من الكلمة الفرنسية (Macon) ومعناها (البناء) والماسونيه تقابلها (Maconne r ies).. أي الباؤون الأحرار.. وفى الإنخليزيه يقال: فرى ماسون (F r ee-mason) (البناؤون الأحرار). وبذلك يتضح أن هذه المنظمة يربطها أصحابها ومؤسسوها بمهنة البناء. وبالفعل يزعم مؤرخوها ودعاتها أنها في الأصل تضم الجماعات المشتغلة في مهن البناء والعمار. وفى هذا التبرير التخفيفى يحاولون إظهارها وكأنها أشبه بنقابه للعاملين في مهن البناء! ولو كانت الماسونيه نقابة محترفي أعمال بناء فما الداعي لسريتها وإخفاء أوراقها..؟!
الماسونيه هى حركه خطيره ما إن يطرح إسمها حتى يثور القلق فى نفس المستمع. وما أن تذكر حتى ترى الجلساء يبدأون بتعداد مؤامراتها ومكائدها. ويظهرون الحيره فى أمر هذه الحركه.. التى إعتمدت السريه فى إخفاء حقيقتها وأهدافها. ولعل ذلك لأن اليهود الذين حاربوا الأنبياء والرسل. وظنوا أنهم شعب الله المختار وأن ما سواهم (غوييم) تنطق الغين حرف g بالإنجليزيه. أى أغبياء ضالين يوجهونهم كيف يشاؤون ويصل بهم المستوى للقول: (الغوييم هم حيوانات بصورة بشر) أرادوا أن تكون الماسونيه من جملة الأقنعه الى تستتر مخططاتهم وراءها.
يقول حكماء صهيون فى البرتوكول الخامس عشر من بروتوكولاتهم: أنه من الطبيعى أن نقود نحن وحدنا الأعمال الماسونيه، لأننا وحدنا نعلم أين ذاهبون وما هو هدف كل عمل من أعمالنا. أما الغوييم فإنهم لايفهمون شيئا حتى ولا يدركون النتائج القريبة. و في مشاريعهم فإنهم لايهتمون إلا بما بما يرضي مطامعهم المؤقته ولا يدركون أيضا حتى أن مشاريعهم ذاتها ليست من صنعهم بل هى من وحينا!
هذا قليل من كثير جاء عند حكماء صهيون عن الماسونيه بأنها من الأدوات الهامه التى يسعون عبرها لتحقيق أهدافهم سواء في بناء مملكتهم المزعومة في فلسطين، و إعادة بناء هيكل سليمان. أو في تحقيق نفوذ لهم في أية حكومة أو مؤسسه يستطيعون النفاذ إليها. أو في نشر الفساد في الأرض، لأن إشاعة التعلق بالمادة والشهوات والأهواء يكشف الثغرات ونقاط الضعف في كل شخص والنافذين بشكل خاص كي يتوجهوا إليه بإشباع هذه الأهواء فيصبح رهينة بين أيديهم يستثمرونه كي يريدون..!
والماسونية تعتمد المنهج اليهودي في الحط من شأن الخالق - سبحانه وتعالى-. فكما اليهود في توراتهم المحرفة يقولون في الإتحاد بين الله والإنسان. فيعطون على أساس ذلك لله - تعالى - أوصاف بشريه كقولهم مثلا:
بكى حتى تورمت عينيه..!
ندم على خراب الهيكل..!
سمع آدم وقع أقدام الرب في الجنة..!
كذلك الماسون يستخدمون للخالق - سبحانه وتعالى- تعبيرا غامضا هو: مهندس الكون الأعظم! و في هذا التعبير إنكار واضح لخلق الله - تعالى - المخلوقات من العدم. فالمهندس ليس سوى بان من مواد متوفرة. وقولهم الأعظم يفيد وكأن العمل تم من قبل مجموعه كان هو أعظمها!
فماسونيتهم كما يدعون فوق الأديان وهى عقيدة العقائد لا تعترف بوطنيه ولا قوميه فهي أمميه عالميه تعمل على توحيد العالم وسلام عالمي ولغة عالميه إلى ما هنالك من الشعارات البراقة التي يجد فيها الضعفاء سبيلا للهروب ومبررا لتقصيرهم في جهادهم من إعلاء راية الإيمان وحفظ الأمم والأوطان والمقدسات.
و ليست الماسونية حركه منظمه لايمكن محاربتها وإنما حركه مشتته متعددة النظم محافلها أكثر من أن تعد. و هي متصارعة. وكل محفل فيها يتهم غيره بالخروج عن الماسونية والانحراف عن مبادئها. ففي لبنان وحده وهو بلد صغير هناك عشرات المحافل و لكل واحد منها نظامه و رؤساؤه و مفاهيمه! و الماسونية حركه تشكل أداة بيد الصهيونية والاستعمار ولكنها ليست الوحيدة.فمن تفرعاتها أندية الروتارى والليونز التي يتباهى بعض من ينسبون أنفسهم لمراكز دينيه أو ثقافية زورا بالانتماء لها أو حضور احتفالاتها.و من مثيلاتها حركات هدامة و أبرزها البهائية و القيدانية!!
http://a r abic.islamicweb.com المصدر:
============(27/31)
(27/32)
تحالف الماسونية واليسارية في العالم الإسلامي
حسن السرات
2/9/1425
تعرف الساحة الإعلامية والسياسية والثقافية العربية والإسلامية مواجهات حادة بين فصائل الصحوة الإسلامية وتياراتها من جهة وفصائل العلمانيين والحداثيين الرافضين لكل مظهر من مظاهر التدين التي تنخرط في الشأن العام، وعلى طول العالم العربي والإسلامي، بل حتى في ديار الغرب نفسه تتجمع فئات قليلة العدد، كبيرة العدة، من الرافضين المنكرين للبعد الإسلامي في المجتمعات الإسلامية، أو للحضور الإسلامي في الغرب، وتتركز المواجهات حول قضايا مركزية مثل: الإسلام والشأن العام، والمرأة، والتربية والتعليم، والتطبيع مع الصهاينة، وحول هذه القضايا وقع تحالف غريب بين اليساريين والماسونيين للوقوف صفاً واحداً ضد عودة المسلمين إلى الالتزام الديني في شؤون حياتهم الخاصة والعامة.
المقال التالي يكشف كيف وقع التحالف بين الماسونيين واليساريين على لسان أحد الماسونيين الفرنسيين المطلعين على خفايا التنظيم الماسوني تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً، ولكن قبل ذلك نتعرف بإيجاز على الماسونية وبعض فضائحها.
الماسونية ظهور وخفاء:
تعرف الماسونية على أنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية، والمنظمات الأخوية السرية، التي تمارس بعض التعاليم، والتي تضم البنائين الأحرار، والبنائين المقبولين أو المنتسبين أي: الأعضاء الذين لا يمارسون حرفة البناء، ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن هذا التعريف "غير كاف البتة، إذ الماسونية مثل اليهودية، تركيب تراكمي جيولوجي مر بمراحل عدة فأصبحت عناصره تشبه الطبقات الجيولوجية التي تتراكم الواحدة فوق الأخرى دون أي تفاعل أو تمازج"، وقد ذهب المسيري في كتابه (اليد الخفية) إلى "العلاقة التآمرية المباشرة بين اليهود والماسونيين لا وجود لها"، وبحسب ما توافر لديه من وثائق "ليست هناك هيئة مركزية عالمية تضم كل المحافل الماسونية، كما أن هناك يهوداً معادين للماسونية، وماسونيين معادين لليهود واليهودية، ولكن ثمة علاقة بنيوية وفعلية بين الماسونيين وأعضاء الجماعات اليهودية تفسر انخراط اليهود بأعداد كبيرة في المحافل الماسونية"، وبعد تفسير الظاهرة يخلص المسيري إلى أن هذا الانخراط " لا يعدو أن يكون مجرد ظاهرة اجتماعية.(عبدالوهاب المسيري:اليد الخفية، دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية - دار الشروق - الطبعة الثانية 2001 - ص116- 141).
وقد صدرت عدة كتب ومؤلفات وتحقيقات ومقالات عن الماسونية في كل بقاع الدنيا غير أن أبلغها شهادات أعضاء سابقين في المحافل الماسونية، ومنها كتاب "إخواني الأحبة: تاريخ وانحراف الماسونية" للكاتب الفرنسي بيير ماريون (دار فلاماريون- منشورات" قرأت" وثائق. رقم6424- الطبعة الاولى 2001).
وبيير ماريون ولد عام 1921م، وأصبح رئيس مصلحة التجسس الفرنسي عام 1981م، وخبير في العلاقات الدولية والاستعلامات، قضى 48 عاماً بين المحافل الماسونية.
الفصل العاشر من كتابه المذكور بعنوان "انحراف وهرطقة" (من ص207-222) يستعرض فيه أشكال الانحرافات والبدع المخالفة للمألوف في سجل الماسونية عبر التاريخ الماضي والواقع الحالي الذي كان الرجل شاهداً عليه في كل من فرنسا وإيطاليا، مثل: الاختلاسات المالية غير القانونية فيما يعرف بـ"قضية شيلير ماريشال"، وتحويلات مالية في عدة محاكم تجارية بمدينة غرونوبل ومدن أخرى، اختلاسات وتحويلات تورط فيها أعضاء بارزون من المحافل الفرنسية كـ"الأخ" م.جيوردانيغو المدعو "مارسيل السلاطة" ذو الموقع الهام في المحفل الأعلى، وقد أدت الفضائح المالية بعدد من المسؤولين والأعضاء البارزين في الماسونية الفرنسية إلى تقديم استقالاتهم من عضوية المنظمة الماسونية، ففي عام 1995م استقال أعضاء من المديرية العامة والمعلم الأكبر إيتيين دايي الرجل الثاني في محفل فرنسا للمشرق، والأمير ألكسندر اليوغوسلافي.
ومن القضايا التي تورط فيها الماسونيون الفرنسيون قضية الشركة النفطية الفرنسية "أ. إيل. إيف"، حيث تبين أن أعضاء من المحافل الماسونية تدخلوا لتوزيع مبالغ مالية فلكية لبعض الأسماء.
ومن الكتب الهامة التي تكشف الجوانب الخفية للماسونية الفرنسية التحقيق الذي أنجزه في عامين الصحافيان غزلان أوتينهايمر (وقد عمل في أسبوعية ليكسبريس ومؤسسات أخرى)، ورونو لوكادر (ويعمل في يومية ليبيراسيون)، ونشراه بعنوان (الإخوة الأخفياء)، وهو كتاب يكشف بجمعه لعدد من الحجج والوثائق عن "الإمبراطورية الخفية للبنائين الأحرار التي توشك أن تصبح تهديداً للديمقراطية".(27/33)
الفصل السابع من الكتاب يحمل عنواناً دالاً: "في ظل الدولة"، حيث يكشف الصحافيان المحققان أن الماسونية الفرنسية استطاعت أن تغرس أعضاءها في أهم المواقع الحساسة للدولة، وضرب الصحافيان لذلك مثلاً بالسيد مورس أولريش أقرب المستشارين للرئيس الفرنسي جاك شيراك في قصر الإيليزيه، والذي كان على رأس قناة "أنتين 1" من 1978 إلى 1981، وأكد الصحافيان أن هذا الرجل يعرف كل الأسرار الدقيقة للماسونية الفرنسية، وإن تظاهر بمعرفته السطحية عندما سئل عن ذلك، ثم ساق الصحافيان عدداً من الأسماء والمعطيات التي تؤكد وجود عدد من أعضاء التنظيم الماسوني إلى جوار كل من (الرئيس الأسبق) فرانسوا ميتران قد كان يسارياً، و(الرئيس الحالي) جاك شيراك وهو يميني، ولا يتوقف الأمر عند هذين الرئيسين، بل يتعداه إلى أغلب رؤساء فرنسا في الجمهورية الخامسة باستثناء الزعيم التاريخي دوغول، ويمتد التأثير بعد ذلك نحو القارة الأفريقية خاصة المستعمرات الفرنسية السابقة الواقعة تحت النفوذ الفرنكوفوني.
من المغرب إلى إيران:
كشف "أنطوان سفير" كاتب ورئيس تحرير مجلة "دفاتر الشرق" عن بعض الحقائق حول النشاط الماسوني بالعالم الإسلامي ابتداء من المغرب إلى إيران وتركيا واليمن، جاء ذلك في مقالة أجرتها معه الأسبوعية الفرنسية "ليكسبريس" يوم 29 ماي 2003م، ومجلة "دفاتر الشرق" فصلية تأسست عام 1985م على يد أنطوان سفير، وخصصت أحد أعدادها لتحقيق عن الماسونية في بلاد الإسلام، وتهتم بدراسة ومتابعة التطورات والتحولات بالعالم الإسلامي، وهي شديدة التعلق والولاء بالفرنكوفونية، وتعدها من "آخر المجالات المفضلة للحرية".
ولم يتردد أنطوان سفير في الكشف عن التحالف والتعاون القائمين بين الماسونية وتيارات اليسار بالعالم الإسلامي، معتبراً أن أهم خصوصية للماسونيين بدرجة أساسية هي انتماؤهم لليسار؛ لأن اليسار في العالم الإسلامي - حسب أنطوان سفير - هو وحده الذي يسعى إلى تحريك الأشياء والأوضاع، في حين أن اليمين يملك السلطة، ويقدم تنازلات كثيرة للإسلاميين، وأكد "سفير" أن الماسونيين لا يقبلون مثل تلك التنازلات التي قدمها السادات وغيره للإسلاميين بخصوص المرأة، واعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريع، ولذلك تعد الحركات الإسلامية التجديدية، والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية العدو الأول عند الماسونيين قبل الأنظمة السياسية اليمينية، ومن الحقائق التي قدر أنطوان سفير والماسونيون أن الوقت قد حان للكشف عنها المعركة السياسية والفكرية والإعلامية مع الحركات الإسلامية، خاصة علمنة الإسلام، وفصله عن الشأن العام والشأن السياسي، وسحب البساط من تحت التيارات الإسلامية الإحيائية بصناعة وتلميع مفكرين ومثقفين وإعلاميين تقف الماسونية وراءهم، وتقدم لهم الدعم والسند على طول العالم الإسلامي وعرضه، بل وفي العالم الغربي أيضاً، ومما أعلنه "سفير" في هذا السياق قوله: إن في سوريا مثلاً يوجد حالياً حركة حقيقية للإصلاح تقول بكل وضوح: إن الإسلام يجب أن يتوقف في سنة 622م (أي في عصر النبوة فحسب)، ويجب أن ينحصر في علاقة الإنسان بخالقه، وإن هذه الحركة بدأت تعرف النجاح؛ لأن كتاب (قراءة جديدة للقرآن) لمحمد شمرور بيعت منه 300000 نسخة، ثم قال: إن رجلين مثل محمد شحرور وزياد حافظ متأثران بالأفكار الماسونية.
وفي سياق التعريف بالماسونيين الذين امتلكوا الجرأة والشجاعة على انتقاد الإسلام ورفضه وإنكاره، أو قبول بعض منه ولفظ الآخر، ذكر أنطوان سفير أن الماسونيين اللبنانيين هم أول من أدان "مرض الإسلام" (اسم لكتاب التونسي عبدالوهاب مديب)، وذلك ما لم يحدث حتى في أوروبا غداة أحداث 11 سبتمبر حسب أنطوان سفير.
أهم القضايا ذات الأولوية عند الماسونيين في العالم الإسلامي هي العلمانية، والتعليم، وإصلاح الدولة، والمرأة، والدفاع عن الإجهاض، وحق منع الحمل، والتخطيط العائلي، والتطبيع مع "إسرائيل"، ومن الإنجازات التي حققها الماسونيون في هذه الأجندة إدخال التخطيط العائلي عن طريق منظمة الأمم المتحدة، وتنظيم لقاءات حوارية بين "الإسرائيليين" والعرب في بعض العواصم الغربية مثل: باريس ولندن عن طريق نسيج جمعوي، ومن الجمعيات المغربية التي قامت بهذا الأمر جمعية "هوية وحوار" بالمغرب وفق ما ذكره أنطوان سفير.(27/34)
ذكر أنطوان سفير أن الماسونيين يتجذرون في الوظائف الليبرالية مثل: الطب، والمحاماة، والقضاء، والتعليم، وخاصة الخاص منه، والوظائف السامية، ومن الأسماء التي كشف عنها أنطوان سفير موسى برانس (المحامي اللبناني الشهير) أستاذ ومعلم كميل شمعون (رئيس الجمهورية اللبنانية بين عام 1952، 1958م)، وأسرة آل الصلح، خاصة سمير الصلح أحد آباء الاستقلال، والوزير الأول لكميل شمعون، وأمين الجميل، ومصطفى طلاس، وعلى خارطة العالم الإسلامي تنتشر الماسونية بدرجات متفاوتة في الهيئات والمنظمات والأحزاب الحاكمة أو المعارضة، ففي الجزائر توجد أكثرية منهم في منظمة "القبايل"، ويشكل الجزائريون 90% من العرب والمسلمين المنخرطين في الفروع الفرنسية، وكذلك الحال في تونس وتركيا وإيران، وحزب البعث في كل من سوريا والعراق.
وإذا كان الماسونيون في مصر وتونس قد جددوا نشاطهم - حسب سفير - وعادوا إلى مواجهة الإسلاميين؛ فإن الرياح في المغرب لا تجري لصالحهم، ويلتجئون إلى النفاق والازدواجية في المشرق العربي ودول الخليج.
وسعياً إلى خلط الأوراق وتشويه الصورة؛ ساق أنطوان سفير بعض أسماء الشخصيات والمنظمات والأحزاب، زاعماً أنها تأثرت بالماسونية، أو انخرطت في صفوفها مثل: ملك المغرب محمد الخامس، و(رئيس سوريا الراحل) حافظ الأسد، والأمير عبد القادر الجزائري وبعض التيارات الدينية والأحزاب الإسلامية بتركيا.
ماسونيون مغاربة:
يترأس الفرع الماسوني المغربي "المعلم الأكبر" (لقب ممثل الماسونيين في كل فرع من فروع العالم) بوشعيب الكوهي، وينشط الماسونيون المغاربة في سرية كبيرة، ولا يظهرون من أمرهم إلا ما تسمح به الأوقات والأحداث، - وحسب الموقع الإلكتروني الخاص بهم - فإنهم يعلنون عن تشبثهم بالملكية المغربية والولاء لها، كما يلتزمون بتجنب كل ما من شأنه أن الإخلال بالأمن العام واستقرار المغرب.
ولا يمكن الحصول إلا على معلومات شحيحة عن أنشطتهم وتحركاتهم، ومن الأشياء التي يكشفون عنها بعض الأنشطة السفرية إلى البلدان الغربية مثل: توجه "المعلم الأكبر إلى الولايات المتحدة خلال شهر يونيو 2004 م لربط "صلات الصداقة والتعارف الأخوي"، وأثناء الزلزال الذي ضرب إقليم الحسيمة قاموا بجمع تبرعات عبر مختلف فروع التنظيم بالعالم وصلت إلى 300000 أورو إلى جانب مساعدات عينية بعين المكان.
وبعد مرور حوالي أربع سنوات على التأسيس الذي تم في شهر يونيو 2000م، يستعد الفرع الماسوني المغربي لعقد الجمع العام السنوي في شهر أكتوبر 2004م، وبهذه المناسبة يخبرنا الموقع أن الماسونيين المغاربة في طريقهم لإنشاء معبد في باريس، وآخر في المغرب، كما يخبر بأن التنظيم سينشئ وحدة صحية متنقلة بين ربوع المغرب تتكون من طبيب ومساعدين.
والإضافة إلى اللقاءات الراتبة يعقد الماسونيون المغاربة جمعاً سنوياً عاماً، ويتلقون نشرة داخلية حول الأنشطة التي يقومون بها تسمى "الربط البنائي" التي صدر منها خمسة أعداد الثاني فيها مكر، في نشرة يناير 2004م تقرير عن أول جمع عام ضم كل الأعضاء وتم في فندق" رويال منصور"، حيث قدم التقرير الأدبي من لدن (نائب المعلم الأكبر) رشيد مكوار، والتقرير المالي من لدن شكيب حفياني، ثم ألقى (المعلم الأكبر) بوشعيب الكوهي كلمة في الحاضرين دعاهم فيها إلى التعبئة، والعمل بحذر وتؤدة، وقال فيها: "في ولايتي الثانية هذه (يقصد سنة 2003م) سأتخذ لها هدف الاستمرارية في الجودة، يجب أن نوسع ونقوي عددنا باستقبال إخوان جدد، ويجب علينا إيقاظ الفروع في الأماكن التي تبرر ذلك مثل: التجذر الجغرافي، والشروط الديمغرافية.
أفكر على سبيل المثال في مراكش، والرباط، وفاس، والجديدة، وهذا التطور المتحكم فيه لا بد أن يكون في نمو متزايد".
الوجود الماسوني بالمغرب والعالم العربي والإسلامي ارتبط بالاستعمار، وجاء محمولاً على ظهر شركاته ومقاولاته، وبالرجوع إلى أنطون سفير يخبرنا في مقابلته السالفة الذكر أن المستعمرين الفرنسيين عملوا على إنشاء تنظيم ماسوني بالمغرب، وما أن حل الفرنسيون به حتى تناسلت المحافل الماسونية بدءاً بتونس والجزائر ثم المغرب، واضطروا أخيراً تحت ضغط التحولات والسعي نحو الاستقلال إلى إغلاق المحفل المغربي ليعودوا من جديد في حلة جديدة سنة 2000م، لكن المحفل المغربي بقي مرتبطاً بالمركز الفرنسي وتابعاً له.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=499
===========(27/35)
(27/36)
علاقة اليهودية بالماسونية
وإذا كان الحديث عن علاقة اليهودية بالماسونية لناحية النشأة والتحكم السيروري والمصلحي، يشوبه الضعف عند البعض لجهة السند والمعطى اليقيني بحكم تاريخية القضية وتعقيداتها المتداخلة والمركبة والمفتوحة على أكثر من إحتمال وحساب واعتبار، فإن ما يوفره العصر الحديث من دلائل ومعطيات يقتل الشك باليقين، ويؤكد على حقيقة لا تقبل الجدل، ومفادها أن الماسونية هي البنت الوفية لليهودية بمعتقداتها ورموزها وأهدافها، وهذا ما أكدت عليه دائرة المعارف اليهودية لمؤلفها الماسوني اللبناني حنا أبو راشد في النص التالي:
«أما أن الماسونية يهودية، فذلك مما لا شك فيه من ناحية واحدة لا تتعداها، ونحن الماسونيون العريقون أعلم بذلك من الخوارج المتطفلين... بل إننا لنسمح بأن ندل هؤلاء على الحجة الدامغة في هذا الشأن، وهي حجة التوراة في عدة صفحات ورد فيها ما لا يمكن المكابرة معه عند المقابلة بين نصها والنص المماثل في التعاليم الماسونية».
وما صدر عن دائرة المعارف الماسونية الصادرة في فيلادلفيا طبعة 1903 تصب في هذا الاتجاه. ومما جاء فيها:
«إن اللغة الفنية والرموز والطقوس التي يمارسها الماسونيون الأوروبيون ملأى بالمُثُل والاصطلاحات اليهودية، ففي محفل «اسكوتلندا» نجد التواريخ الموضوعة على المراسلات والوثائق الرسمية كلها بحسب تقويم العصر والأشهر اليهودية، وتستعمل كذلك الأبجدية اليهودية».
وفي الدائرة نفسها لسنة 1906 نقرأ الفقرة التالية:
«يجب أن يكون كل محفل ماسوني تجسيداً للعامل اليهودي، وأن يكون كل أستاذ على كرسي المحفل ممثلاً لملك اليهود».
نقول بأن الماسونية كانت ولا تزال البنت الوفية لأمها اليهودية والأداة المثلى لإقامة المشروع اليهودي على أنقاض المشاريع الرسالية السماوية الحقة، بدءًا من الشعارات المعلنة وإنتهاءاً بجوهر العقيدة القائم على نفي كل ما هو إلهي وديني حقيقي، نقول هذا بالإستناد إلى ما ذُكر ودُوِّن في ندوات ونشرات الماسونيين أنفسهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر جاء في نشرة الماسون الألمانية الصادرة بتاريخ 15 - 12 - 1766 ما نصه:
«لا يجب على الفرمسون أن لا يكترثوا للأديان المختلفة فحسب، لكن ينبغي عليهم أيضاً أن يقيموا أنفسهم فوق كل اعتقاد بالإله أياً كان».
وعن المحفل الفرنسي الأكبر لاجتماعات شهر أكتوبر العام 1922 جاء في إعلانه ما حرفيته:
«لنشتغل بأيدٍ خفية نشيطة ولننسج الأكفان التي سوف تدفن كل الأديان»!!.
http: //www. baladynet. net المصدر:
============(27/37)
(27/38)
الماسونية وخيوط العنكبوت
خلفت الماسونية من ورائها، أبشع بيوت الظلم والجور، وهذه البيوت خرج منها الوقود الذي أشعل معظم الصراعات التي دارت على امتداد عصرنا الحديث وغذاها، ونذكر (بعض من بعض) هذه البيوت، التي تنتشر في بلاد المسلمين اليوم:
أندية ليونز
ومركزها الرئيسي في أوك بروك بولاية الينوي في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتجلى النشاط الظاهري لليونز في: الدعوة إلى الإخاء والحرية والمساواة، وتنمية روح الصداقة بين الأفراد بعيدا عن الروابط العقيدية، ودعم المشروعات الخيرية، ودعم مشروعات الأمم المتحدة، وتقديم الخدمات إلى البيئة المحلية، والاهتمام بالرفاهية الاجتماعية، ونشر المعارف بكل الوسائل الممكنة، ولا يستطيع أي شخص أن يقدم طلب انتساب إليهم، وإنما هم الذين يرشحونه ويعرضون عليه ذلك.
أندية روتاري
هي منظمة ماسونية، تسيطر عليه اليهودية العالمية.
ومن أفكار الروتاري ومعتقداته: عدم اعتبار الدين مسألة ذات قيمة، لا في اختيار العضو ولا في العلاقة بين الأعضاء، ولا يوجد أي اعتبار لمسألة الوطن، وإسقاط الدين يوفر الحماية لليهود ويسهل تغلغلهم في الأنشطة الحياتية كافة، وهذا يتضح من ضرورة وجود يهودي واحد أو اثنين على الأقل في كل ناد، وباب العضوية غير مفتوح لكل الناس، ولكن على الشخص أن ينتظر دعوة النادي للانضمام إليه على حسب مبدأ الاختيار، والعمال محرومون من عضوية النادي، ولا يختار إلا من يكون ذا مكانة عالية. وبدأت أندية الروتاري في أمريكا سنة 1905 م، وانتقلت بعدها إلى بريطانيا وإلى عدد من الدول الأوروبية، ومن ثم صار لها فروع في معظم دول العالم، ولها نواد في عدد من الدول العربية، كمصر والأردن وتونس والجزائر وليبيا والمغرب ولبنان، وتعد بيروت مركز جمعيات الشرق الأوسط.
وتختلف الماسونية عن الروتاري في أن قيادة الماسونية ورأسها مجهولان، على عكس الروتاري الذي يمكن معرفة أصوله ومؤسسيه، والروتاري وما يماثله من النوادي مثل: الليونز، الكيواني، أبناء العهد، يعمل في نطاق.
الصهيونية:
حركة سياسية عنصرية متطرفة، ترمي إلى إقامة دولة اليهود التي تحكم من خلالها العالم كله، وتكون عاصمتها أورشاليم، وارتبطت الحركة الصهيونية باليهودي النمساوي هرتزل، الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني، الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم، وتعتبر الصهيونية جميع يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة هي الجنسية الالكيان الصهيونيية، ويعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود، وكل الشعوب الأخرى خدم لهم، ويقولون: لا بد من إغراق الأمميين في الرذائل بتدبيرنا من طريق من نهيئهم لذلك من أساتذة وخدم وحاضنات ونساء ملاهي، ويرون أن السياسة نقيض للأخلاق، ولا بد فيها من المكر والرياء، أما الفضائل والصدق فهي رذائل في عرف السياسة، ويقولون: يجب أن نستخدم الرشوة والخديعة والخيانة دون تردد ما دامت تحقق مآربنا، ويقولون: ننادي بشعارات (الحرية، والمساواة، والإخاء) لينخدع بها الناس، ويهتفوا بها، وينساقوا وراء ما نريد لهم، ويقولون: سنعمل على دفع الزعماء إلى قبضتنا، وسيكون تعينهم في أيدينا، واختيارهم حسب وفرة أنصبتهم من الأخلاق الدنيئة وحب الزعامة وقلة الخبرة، ويقولون: سنسيطر على الصحافة، تلك القوى الفعالة التي توجه العالم نحو ما نريد، يقولون: لا بد أن نفتعل الأزمات الاقتصادية لكي يخضع لنا الجميع بفضل الذهب الذي احتكرناه، ويقولون: إن كلمة الحرية تدفع الجماهير إلى الصراع مع الله، ومقاومة سنته، فلنشعها هي وأمثالها إلى أن تصبح السلطة في أيدينا، ويقولون: لنا قوة خفية لا يستطيع أحد تدميرها، تعمل في صمت وخفاء.
منظمة شهود يهوه:
هي من المنظمات التي خرجت من عباءة الصهيونية، وتقوم على سرية التنظيم وعلنية الفكرة، دينية وسياسية، ظهرت في أمريكا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي تدعي أنها مسيحية، والواقع أنها واقعة تحت سيطرة اليهود وتعمل لحسابهم، وهي تعرف باسم جمعية العالم الجديد، إلى جانب شهود يهوه الذي عرفت به ابتداء من سنة 1931 م، وتؤمن هذه المنظمة بعيسى رئيسا لمملكة الله، ويعملون من أجل إقامة دولة دينية دنيوية للسيطرة على العالم، ويقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تحبب بالكيان الصهيوني واليهود، ويقومون بنشرها، ويعادون النظم الوضعية ويدعون إلى التمرد، ويعادون الأديان إلا اليهودية، وجميع رؤسائهم يهود، ويعترفون بقداسة الكتب التي يعترف بها اليهود ويقدسونها، ولهذه المنظمة علاقة مع المنظمات التبشيرية، والمنظمات الشيوعية والاشتراكية الدولية، ولهم علاقة كبيرة مع أهل النفوذ من اليونانيين والأرمن.
العلمانية:(27/39)
وهي ومن التيارات التي خرجت من عباءة الصهيونية، داعية إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعنى في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم، والمذهب العلمي، ومن أفكار هذا التيار ومعتقداته، أن بعضهم ينكر وجود الله أصلا، والبعض الآخر يؤمن بوجوده، لكنهم يعتقدون بعدم وجود أي علاقة بين الله وبين حياة الإنسان، ويعتقدون أن الحياة تقوم على أساس العلم المطلق، وتحت سلطان العقل والتجريب، ويقولون بفصل الدين عن الدولة، وإقامة الحياة على أساس مادي، وينادون بتطبيق مبدأ النفعية على كل شئ في الحياة، واعتماد مبدأ (الميكيافيلية) في الفلسفة، والحكم، والسياسة والأخلاق، ولقد رشح هذا التيار على العالم الإسلامي، وانتشر بفضل الاستعمار والتبشير، وقام دعاته في العالم العربي والإسلامي بالطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة، وزعموا بأن الإسلام استنفذ أغراضه، وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية، وزعموا بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.
التغريب:
وخرج دعاته من تحت العباءة اليهودية، والتغريب تيار كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، ويرمي إلى صبغ حياة الأمم والمسلمين - بخاصة - بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة، وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية، ولقد استطاعت حركة التغريب أن تتغلغل إلى كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد، وربطها بالعجلة الغربية، ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من هذا التيار.
ويضاف إلى هذه التيارات تيار الوجودية، وهو تيار فلسفي، يكفر أتباعه بالله ورسوله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان، ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل، وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ، ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة، ومن أشهر زعماء هذا التيار جان بول سارتر الفرنسي، المولود سنة 1905 م، وهو ملحد ويناصر الصهيونية، وانتشرت أفكار هذا التيار بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وانجلترا وأمريكا وغيرها، حيث أدت إلى الفوضى الخلقية، والإباحية الجنسية، واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.
ويضاف إلى ذلك الفرويدية، وهي مدرسة في التحليل النفسي، أسسها اليهودي سيجموند فرويد، وهي تفسر السلوك الإنساني تفسيرا جنسيا، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شئ، كما أنها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الاشباع الجنسي، مما يورث الإنسان عقدا وأمراضا نفسية، ولم ترد في كتب فرويد وتحليلاته أية دعوى صريحة للانحلال كمل يتبادر في الذهن، وإنما كانت هناك إيماءات تحليلية كثيرة تتخلل المفاهيم الفرويدية، تدعو إلى ذلك، وقد استفاد الإعلام الصهيوني من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغري الناس بالتحليل من القيم، وييسر لهم سبله بعيدا عن تعذيب الضمير.
واستغل اليهود المذهب الرأسمالي والرأسمالية: نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعا في مفهوم الحرية، لقد ذاق العلم بسببه ويلات كثيرة، وما تزال الرأسمالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي، وترمي بثقلها على مختلف شعوب الأرض، وتقوم الرأسمالية - في جذورها - على شيء من فلسفة الرومان القديمة، ويظهر ذلك في رغبتها في امتلاك القوة، وبسط النفوذ والسيطرة، ولقد تطورت متنقلة من الإقطاع إلى البرجوازية إلى الرأسمالية، وخلال ذلك اكتسبت أفكارا ومبادئ مختلفة، تصب في تيار التوجه نحو تعزيز الملكية الفردية والدعوة إلى الحرية، ولا يعني الرأسمالية من القوانين الأخلاقية إلا ما يحقق لها المنفعة، ولا سيما الاقتصادية منها على وجه الخصوص، وتدعو الرأسمالية إلى الحرية، وتتبنى الدفاع عنها، لكن الحرية السياسية تحولت إلى حرية أخلاقية واجتماعية، ثم تحولت بدورها إلى إباحية، وازدهرت الرأسمالية في انجلترا وفرنسا وألمانيا واليابان وأمريكا، وإلى معظم العالم الغربي، وكثير من دول العالم يعيش في جو من التبعية لها، ووقف النظام الرأسمالي إلى جانب الكيان الصهيوني دعما وتأييدا بشكل مباشر أو غير مباشر.(27/40)
ووضع اليهود بصماتهم على المذهب الشيوعي، وهو مذهب فكري يقوم على الإلحاد، وأن المادة هي أساس كل شيء، ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي، وظهر المذهب على يد ماركس اليهودي الألماني (1818 - 1883 م)، وتجسد في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917 م، بتخطيط من اليهود، وتوسعت الثورة على حساب غيرها بالحديد والنار، وقد تضرر المسلمون منها كثيرا، وأفكار هذا المذهب ومعتقداته تقوم على: إنكار وجود الله وكل الغيبيات، وقالوا بأن المادة هي أساس كل شيء، وفسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية والبروليتاريا، وقالوا: إن الصراع سينتهي بدكتاتورية البروليتاريا، وحاربوا الأديان واعتبروها وسيلة لتحذير الشعوب، مستثنين من ذلك اليهودية لأن اليهود شعب مظلوم وحاربوا الملكية الفردية، وقالوا بشيوعية الأموال وإلغاء الوراثة، ولم تستطيع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود، وعملها لتحقيق أهدافهم، فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود:
أ - يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
ب - الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين.
وهكذا وضع اليهود المسيرة البشرية بين مذهبين اقتصاديين، يعارض كل منهما الآخر، ليشتد الصراع على امتداد المسيرة، مع احتفاظ اليهود بثمرات كل مذهب، وثمرات الصراع القائم بينهما.
التبشير:
وأدلى النصارى بدلوهم على المسيرة البشرية، وخرجت قوافل التبشير المختلفة الأسماء المتحدة الهدف، ومن أفكار هذه القوافل ومعتقداتها محاربة الوحدة الإسلامية، وتشويه التعاليم الإسلامية، ونشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة، وبين المسلمين بخاصة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب، وتتلقى قوافل التنصير الدعم الدولي الهائل من أوروبا وأمريكا، ومن مختلف الكنائس والهيئات والجامعات والمؤسسات العالمية، وألقى التنصير بثقله حول العالم الإسلامي، ويتمركز في أندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان، وفي أفريقيا بعامة، من التيارات التبشيرية التي يتبناها اليهود، طائفة المورمون، وتلبس لباس الدعوة إلى دين المسيح، وتنادي بالعودة إلى الأصل، أي إلى كتاب اليهود، ويعتقدون بأن الله أعطى وعدة لإبراهيم، ومن ثم لابنه يعقوب، بأن من ذريته سيكون شعب الله المختار، وكتابهم يشبه التلمود في كل شيء، وكأنه نسخة طبق الأصل عنه (1)، ومؤسس هذه الجماعة: يوسف سميث، ولد عام 1805 م بمدينة شارون بمقاطعة وندسور التابعة لولاية فرمنت، لقد جندت الكيان الصهيوني كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة، وأمن بفكر هذه الطائفة كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمس، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة، 80 % منهم في أمريكا، ويتمركزون في ولاية أوتاه حيث إن 68 % من سكان هذه الولاية منهم، 62 % من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجلون كأعضاء في هذه الكنيسة، ومركزهم الرئيسي في ولاية يوتا الأمريكية، وهذا التيار انتشر في الولايات المتحدة، وأمريكا الجنوبية، وكندا، وأوروبا، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعا ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم، ويوزعون كتبهم مجانا، ولهم 175 إرسالية تنصيرية، كما أنهم يملكون: شبكة تلفزيونية، وإحدى عشرة محطة إذاعية، ويملكون مجلة شهرية بالإسبانية، وصحيفة يومية واحدة.
http: //www. baladynet. net المصدر:
==============(27/41)
(27/42)
الديانة اليهودية و علاقتها بالماسونية و الصهيونية العالمية
و لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود
اليهودية Judaism:
تعريفها: هي الملة التي يدين بها اليهود وهم أمة موسى - عليه السلام -.
أصلها: كانت في أصلها قبل أن يحرفها اليهود - هي الديانة المنزلة من الله - تعالى - على موسى - عليه السلام -، وكتابها: التوراة، وهي الآن ديانة باطلة لأن اليهود حرفوها ولأنها نسخت بالإسلام.
سبب تسميتها: سميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود، وهم أتباعها، وسموا يهوداً: نسبة إلى (يهوذا) ابن يعقوب، الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل، الذين بعث فيهم موسى - عليه السلام -، فقلبت العرب الذال دالاً؟
وقيل: نسبة إلى الهود، بشدّ الدال، وهو التوبة والرجوع، وذلك نسبة إلى قول موسى لربه: ((إنا هدنا إليك)) أي تبنا ورجعنا إليك يا ربنا، وذلك أن بني إسرائيل حين غاب عنهم موسى - عليه السلام - وذهب لميقات ربه، صنعوا عجلاً من ذهب وعبدوه، فلما رجع موسى وجدهم قد ارتدوا، فغضب عليهم وأنبهم فرجع أكثرهم وتابوا، فقال موسى هذه الكلمة؛ فسموا هوداً ثم حولت إلى (يهود) والله أعلم.
الصهيونية Zionism:
تعريفها: هي منظمة يهودية تنفيذية، مهمتها تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني إسرائيل - اليهود وبناء هيكل سليمان، ثم إقامة مملكة إسرائيل، ثم السيطرة من خلالها على العالم تحت ملك (ملك يهوذا) المنتظر.
وسميت بذلك: نسبة إلى (صهيون)، وهو جبل يقع جنوب بيت المقدس يقدسه اليهود.
الماسونية والصهيونية:
والصهيونية قرينة للماسونية، إلا أن الصهيونية يهودية بحتة في شكلها وأسلوبها ومضمونها وأشخاصها، في حين أن الماسونية يهودية مبطنة تظهر شعارات إنسانية عامة، وقد ينطوى تحت لوائها غير اليهود من المخدوعين والنفعيين.
كما أن الصهيونية حركة دينية سياسية معلنة، تخدم اليهود بطريق مباشر، فهي الجهاز التنفيذي الشرعي والرسمي لليهودية العالمية.
في حين أن الماسونية حركة علمانية إلحادية سرية تخدم اليهود بطريق غير مباشر، فهي القوة الخفية التي تهيء الظروف والأوضاع لليهود.
تاريخها ونشأتها:
الصهيونية كالماسونية، ليست وليدة هذا العصر، فقد مرت بمراحل كثيرة منذ القرون الأولى قبل ظهور المسيحية وبعدها، وقبل ظهور الإسلام وبعده، وكانت مراحلها الأولى مهمتها تحريض اليهود على الانتفاض والعودة إلى أرض فلسطين وبناء هيكل سليمان، وتأسيس مملكة إسرائيل الكبرى، وحوك المؤامرات والمكائد ضد الأمم والشعوب الأخرى.
أما الصهيونية الحديثة: فقد بدأت نواتها الأولى عام 1806م حين اجتمع المجلس الأعلى لليهود بدعوة من نابليون لاستغلال أطماع اليهود وتحريضهم على مساعدته ثم حركة (هرتزل) اليهودي التي تمخضت عن المؤتمر اليهودي العالمي في مدينة (بال) بسويسرا عام 1897م والذي قرر فيه أقطاب اليهود ما يسمى ب (بروتوكلات صهيون)، وهو المخطط اليهودي الجديد للاستيلاء على العالم، ومن هذا المؤتمر انبثقت المنظمة الصهيونية الحديثة.
أهداف الصهيونية:
ذكرنا أن الصهيونية حركة يهودية خالصة، أما أهدافها؛ فهي ذات جانبين:
ديني وسياسي.
أما الجانب الديني فيتلخص فيما يلي:
1. إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم، لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة (أرض فلسطين).
2. حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية والعبادات والشعائر اليهودية والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية.
3. إثارة الروح القتالية بين اليهود، والعصبية الدينية والقومية لهم للتصدي للأديان والأمم والشعوب الأخرى.
أما الجانب السياسي فيتلخص فيما يلي:
1. محاولة تهويد فلسطين (أي جعلها يهودية داخلياً) وذلك بتشجيع اليهود في جميع أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين وتنظيم هجرتهم وتمويلها، وتأمين وسائل الاستقرار النفسي والوظيفي والسكني، وذلك بإقامة المستوطنات داخل أرض فلسطين ((وهي عبارة عن مجمعات سكنية حديثة كاملة المرافق تمولها الصهيونية من تبراعات اليهود والدول الموالية لهم في العالم))، وتوطيد الكيان اليهودي الناشئ في فلسطين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
2. تدويل الكيان الكيان الصهيوني في فلسطين عالمياً، وذلك بانتزاع اعتراف أكثر دول العالم بوجود دولة الكيان الصهيوني في فلسطين وشرعيتها وضمان تحقيق الحماية الدولية لها، وفرضها على العالم، وعلى المسلمين على وجه الخصوص، لذلك نجد أن الصهيونية تقوم بدور رئيس، في دفع أمريكا وروسيا وأكثر الدول في أوربا لحماية الكيان الصهيوني سياسياً وعسكرياً ودعمها اقتصاديا وبشرياً، فبالرغم من أن أمريكا ودول أوربا دول نصرانية ، وبالرغم من أن روسيا شيوعية تحارب الأديان، وبالرغم أيضاً من أن شعوب هذه الدول تكره اليهود بحق، إلا إنها لا تزال تحمي دولة الكيان الصهيوني وتدعمها، وما ذك إلا بتأثير الصهيونية الواضح.
3. متابعة وتنفيذ المخططات اليهودية العالم السياسية والاقتصادية، خطوة بخطوة، ووضع الوسائل الكفيلة بالتنفيذ السريع والدقيق لهذه المخططات، ثم التهيئة لها إعلامياً وتمويلها اقتصادياً، ودعمها سياسياً.(27/43)
4. توحيد وتنظيم جهود اليهود في جميع العالم أفراداً وجماعات ومؤسسات ومنظمات، وتحريك العملاء والمأجورين عند الحاجة لخدمة اليهود وتحقيق مصالحهم ومخططاتهم.
مغالطات صهيونية:
في نهاية القرن التاسع عشر، عندما ظهرت الحركة الصهيونية، كان ما يسمى "التيار الوطني" هو الغالب في هذه الحركة، وهو التيار الداعي إلى بقاء اليهود في بلادهم الأصلية، والعمل على الاندماج في هذه المجتمعات، وكانت غالبيته من المثقفين والعمال الفقراء أو من الطبقة المتوسطة.
أما التيار الثاني، فهو " التيار القومي " وكان يتزعمه غلاة الصهاينة من كبار الأغنياء اليهود الباحثين قبل كل شيء عن " أرض " يمارسون عليها نشاطهم الاقتصادي، بعيداً عن منافسة البرجوازية الأوروبية القوية، ولم يكن يعنيهم كثيراً أن تكون هذه الأرض فلسطين أو غيرها، فالموضوع بالنسبة لهم كان مشروعاً اقتصادياً فحسب.
وبالفعل فقد طرح في البداية إنشاء دولة لليهود في أوغندا أو غانا! ثم طرح إنشاء دولة في مناطق واسعة من الأرجنتين! ومع ظهور النزعات العنصرية في أوروبا والمذابح التي تعرض لها اليهود في روسيا أولاً، ثم في باقي الدول الأوروبية، ازداد أنصار التيار القومي الداعي إلى وطن قومي لليهود، ونتيجة عدد كبير من العوامل، تم اختيار فلسطين لتكون هي الوطن القومي المزعوم "وهذه العوامل يمكن مناقشتها في مبحث مستقل".
ومن الطريف ذكره، أن أدبيات الحركة الصهيونية كانت تسمي فلسطين باسمها الأصلي، ولم تكن تسمية الكيان الصهيوني قد خطرت لهم على بال، حتى بعد قيام الكيان الصهيوني كانت تسمى " فلسطين " حتى العام 1952 على الأقل، لأنهم يعرفون أن شعب إسرائيل المزعوم، كان قد اندثر من الوجود، وذاب بين شعوب المنطقة منذ القرن السادس قبل الميلاد على الأقل! وأن اللغة العبرية نفسها قد اندثرت من الوجود منذ ذلك الزمن أيضاً، وقد كان اليهود يتكلمون الآرامية "المقصود يهود السبي في بابل وبعد ذلك في فلسطين"، ثم بعد ظهور العربية وهيمنتها على المنطقة، تكلم اليهود العربية مثلهم مثل غيرهم من شعوب المنطقة.
وعندما قامت الصهيونية بمحاولة إحياء اللغة العبرية، وهي المحاولة التي كان لليهود الألمان الدور البارز فيها، فقد جاءت العبرية الحديثة اصطناعاً على اصطناع، وهي لا تمت بصلة للغة العبرية الأصلية، ذات الأصل الشرقي العريق. فاللغة العبرية الحديثة غير قادرة على نطق ثلاثة من الأحرف الأساسية في "اللغات السامية" وهي الحاء والعين والقاف، إضافة إلى قلب الحروف المأخوذة عن الآرامية، وتحويل الألمان الحرف (و) إلى (ف)، بثلاثة نقاط، وهو الحرف الألماني (w)، وهكذا ضاعت اللغة العبرية مرتين، وأصبحت لغة عجيبة، هجينة، مصطنعة حتى النهاية.
مثال آخر للتزوير البشع الذي تمارسه الصهيونية، هو ادعائها بأن اليهود في جميع أنحاء العالم ليسوا أتباع دين معين هو الدين اليهودي فقط، ولكنها تذهب أبعد من ذلك، أن تدعي بأن هؤلاء إنما هم شعب واحد من عرق واحد في واحدة من أكثر الخدع بشاعة في تاريخ الإنسانية.
مثال ثالث للتزوير والخداع، هو ادعائها بأن فلسطين، هي الأرض الموعودة، وهي مسرح التوراة، وهي الحاضنة الطبيعية للديانة اليهودية! ورغم فشلهم الذريع في إثبات هذا الأمر وهم ينبشون في تراب فلسطين منذ أكثر من قرنين من الزمان، مزودين بكل ما يخطر على بال من إمكانيات تكنولوجية، وملايين الدولارات، وأدعية الحاخامات، وقد أخرجت أرض فلسطين كل أسرارها، ولم يعثر على أثر واحد لكل ما ذكر في التوراة، لا قصور ولا ممالك ولا ما يحزنون، وبقيت أرض فلسطين وفية حتى النهاية، رغم أن بعض أبنائها قد غيروا جلودهم، المهم أن كل الحضارات التي مرت على فلسطين نعرفها جيداً ويمكن تزمينها بدقة، وأبرز هذه الحضارات هي الحضارة الكنعانية والحضارة الفلسطينية، حتى إنسان ما قبل التاريخ كان حاضراً بأدواته البدائية، ليكون شاهداً على فضيحة الهدهد هذه، فجن جنونهم وبدأوا يمارسون الكذب علانية، مستفيدين بالدرجة الأولى من غياب الطرف العربي، وصمته المريب، ومستفيدين من بعض أطروحات الفقه الإسلامي البائسة من نوع " العلو الثاني " و " الوعد الإلهي " وهم يوظفون كل ما في حوزتهم من إمكانيات لتزوير التاريخ وإعادة كتابته كما يريدونه، سينما، موسيقى، قصص، أفلام كرتون، سياحة، طبيخ، كل شيء، كل شيء.
والعرب، أين العرب من كل هذا؟
يؤسفني أن أقول أن رد الفعل العربي، كان الغياب التام ولا شيء غير الغياب، بل أخطر من ذلك نحن، العرب، مارسنا بغباء لا نحسد عليه ترديد بعض المقولات التوراتية، وهي كثيرة جداً ومخزية في حق ثقافة عريقة كثقافتنا العربية!
http://www.baladynet.net المصدر:
===============(27/44)
(27/45)
الماسونية وبروتوكولات صهيون
هي عبارة عن خطط ومبادىء تم طرحها على طاولة البحث في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في سويسرا عام 1897 ، وبعد مناقشتها تم اعتمادها كدستور للحركة الصهيونية. أما كيف تم اكتشاف هذه البروتوكولات؟ فقد استطاعت سيدة فرنسية أثناء اجتماعها بزعيم من أكابر رؤساء الصهيونية أن تختلس بعض هذه الوثائق ثم تفر بها وقد وصلت هذه الوثائق إلى يد العالم الروسي السيد سرجي نيلسون الذي أدرك خطورة ما تريده الصهيونية بعد دراسة معمقة ومقارنة للأحداث، الهامة التي جرت في العالم وبين ما في هذه البروتوكولات من خطط فقام هذا العالم الروسي بنشرها.
البروتوكول الأول:
أبرز ما جاء فيه: أن الجوييم أو الامميون هم البشر من عدا اليهود وأن قانون الطبيعة هو الحق يكون في القوة والحرية السياسية طعم لجذب العامة، واستخدام المال للسيطرة على الدول، وأن لحاكم المقيد بالأخلاق ليس بالسياسي البارع، وأن الإخلاص والأمانة رذائل في السياسة، والغاية تبرر الوسيلة، وكل وسائل العنف والخديعة متاحة، والعنف الحقود هو العامل الرئيسي في قوة العدالة، والحرية والمساواة والإخاء كلمات رددتها ببغاوات جاهلة.
البروتوكول الثاني:
ويركز هذا البروتوكول على أسلوب الحكم، واعتماد اليهود في السيطرة على الأمم على العملاء اعتماداً على جهل غير اليهود، واستفادة اليهود من الأثر غير الأخلاقي لعلوم دارون وماركس ونيتشه.
البروتوكول الثالث:
إغراء مختلف القوى بسوء استعمال حقوقها لضمان ايجاد الفوضى، واستغلال حاجات الطبقة العاملة لتجنيدها في الجيوش اليهودية، والتحكم بالطوائف عن طريق استغلال مشاعر الحسد والبغضاء بينها، واحتفاظ اليهود باسرار العلوم وقيادة الأمم من خيبة لخيبة تمهيدا لقيام الملك الطاغية من دم صهيون، وأخيرا نص على أن كلمة الحرية لابد أن تمحق من معجم الإنسانية عندما يستحوذ اليهود على السلطة.
البروتوكول الرابع:
يُظهر هنا دور الماسونية في السيطرة على الشعوب، وانتزاع فكرة الله من عقول الأممين، وأشغال الأمم بمصالحها، وجعل التجارة على أساس المضاربة لزلزلة الحياة الاجتماعية للأممين.
البروتوكول الخامس:
الحكومة الاستبدادية لليهود، وكيفية أن يكون استبداد اليهود مناسباً للحضارة الحالية، وزرع الكراهية بين الاممين لضمان أمان اليهود، وترِد هنا مقولة بحكمي فليحكم الملوك أي (قوة رأس المال أعظم من مكانة التاج)، واليد الخفية.
وراء الاحتكارات المطلقة للصناعة والتجارة، وتجريد الشعوب من السلاح لاخماد الشجاعة والنخوة في قلوبها، وافقاد الشعوب قوة الإدراك والكلام الجوف والخطب الرنانة والاراء المتناقضة حتى لا يكون لها رأي في المسائل السياسية، ومضاعفة وتضخيم الأخطاء العرفية حتى لا يستطيع إنسان أن يفكر في ظلامها المطبق.
البروتوكول السادس:
استخدام الاحتكارات في إحداث الانهيار السياسي، وإبقاء منافع الأرض في أحط مستوى ممكن وفرض السيطرة على الصناعة والتجارة والمضاربة، وإفشاء الترف الشديد والفقر الشديد في ذات المجتمع لإفشاء البغض والظلم.
البروتوكول السابع:
الجيش والبوليس ضروريان لاتمام الخطط واستخدام المنازعات بين الأقطار والدسائس لأحكام السيطرة، والمفاوضات والاتفاقات يجب أن تنطوي على كثير من الدهاء والخبث وإعلان الحرب على من يعارض، واعتبار جرائم العنف وحكم الإرهاب وسيلة من وسائل الرد، والمدافع الامريكية أو الصينية أو اليابانية للدفاع عن اليهود!
البروتوكول الثامن:
استخدام التعبيرات القانونية المعقدة لإخفاء الأحكام الطائشة والظالمة، علم الاقتصاد وجيش كامل من الاقتصاديين في خدمة الحكومة اليهودية.
البروتوكول التاسع:
تغيير أخلاق الأمم بالتدريج، وإعادة صياغة الشعار الماسوني الحرية والمساواة والإخاء، وإبداء حاجة اليهود إلى الانفجارات المعادية للسامية، وإقامة سد من الرعب بين القوى الحاكمة والشعوب ضماناً لعدم وجود تحالف بينهما، خداع الأجيال الناشئة بعلوم ونظريات فاسدة واستخدام الاضطرابات والنقلابات في مواجهة من يكتشفون الخطط.
البروتوكول العاشر :
الحكومات تقنع في السياسة بالجانب المبهرج الزائف ، ويجب كتمان الأمور عن الرعاع وعلى الأمة أن تحترم الأعمال القذرة والتدليس إذا اقترنت بالجسارة والمهارة وتسخير الأمم لخدمة أغراض اليهود، واستخدام لعبة الانقلابات، وتدمير الحياة الأسرية لدى الشعوب، وشراء الرعاع بالمال، ولعبة التغيير بين الملكية والجمهورية واستخدام رؤساء أصحاب سوابق.
البروتوكول الحادي عشر :
برنامج الدستور الحديث للعالم من خلال زرع الخوف في قلوب الناس بإغماض عيونهم واعتبار الأمميون قطيع من الغنم واليهود هم الذئاب، والأصل في تنظيم الماسونية أن اليهود شعب مشتت لا يصلون إلى أغراضهم الا بالمراوغة، التشتت هو سر القوة هنا.
البروتوكول الثاني عشر:
حدود الحرية عند اليهود، ودور الصحافة والأدب والسيطرة عليهما وخضوعهما لليهود، وسبل التحكم في دور النشر وكل قنوات التفكير الإنساني.
البروتوكول الثالث عشر:(27/46)
إشغال الناس بالمشكلات السياسية لصرف انتباههم، افقاد الشعوب نعمة التفكير بالفن والرياضة، واعتبار كلمة التقدم فكرة زائفة تعمل على تغطية الحق.
البروتوكول الرابع عشر:
تحطيم كل عقائد الإيمان غير اليهودية وان أثمر ملحدين واستغلال الأخطاء التاريخية لحكومات الأممين والقيام بحملة على الدينات غير اليهودية، وأسرار اليهود لن تفشى لغير اليهود، وتشجيع الأدب المريض وإظهار أن اليهودية ضد هذا الأدب.
البروتوكول الخامس عشر:
الانقلابات المتعددة تمهيدا لاستلام اليهود السلطة، والإعدام بلا رحمة لمن يهدد استقرار سلطة اليهود، حتى الماسونيين غير اليهود لابد من نفيهم، وتقوية هيبة السلطان لضمان استقرارها، وكل الوكلاء في البوليس الدولي سيكونون حلفاء لتحطيم صلابة العالم.
البروتوكول السادس عشر :
ويختص بشؤون الجامعات ومناهجها الجديدة، والمعرفة الخاطئة للسياسة والنظام التربوي للأممين، ومباديء الأسلوب التربوي لجديد.
البروتوكول السابع عشر :
نظام الدفاع الجديد أمام القضاء والحط من كرامة رجال الدين من الأممين للأضرار برسالتهم، القضاء على الدينات الأخرى، ملك الكيان الصهيوني سيصير البابا الحق لكل العالم، بوليس سري غير رسمي لتنفيذ مخططات اليهود، إفشاء أفكار لتلويث حياة الأممين ثم القضاء عليها بعد ذلك.
البروتوكول الثامن عشر :
السياسة البوليسية، وإثارة الشعوب لاكتشاف المتآمرين بينهم، واعتماد الاغتيالات الفردية لتدمير هيبة الحكام الأممين، الأسلوب الجديد لحماية ملك اليهود وفرض هيبته.
البروتوكول التاسع عشر:
تحريم العمل السياسي ومساواة الجريمة السياسية بغيرها من الجرائم لوصمها بالعار وبرز هنا مفهوم أن الثورة لا تُجدي مع الحكومة المنظمة تنظيما اجتماعيا حسناً!
البروتوكول العشرون :
البرنامج المالي لحكومة اليهود، تجنب فرض ضرائب ثقيلة فيما بينهم، واعتبار الحاكم مالك لكل أملاك الدولة، وفرض ضرائب على الفقراء هو أصل كل الثورات، وتوجيه الفوائض إلى التداول، عدم السماح لعملة بأن تودع دون نشاط، إنشاء هيئة للمحاسبة
ويوضح أن الازمات الاقتصادية التي دبرها اليهود بنجاح تمت عن طريق سحب العملة من التداول، وإصدار العملة يجب أن يساير نمو السكان، إلغاء العملة الذهبية، خطط تدمير المؤسسات المالية لاممين القروض الخارجية ودورها في تحطم ميزانية الأمم.
البروتوكول الحادي والعشرون:
استبعاد مسالة القروض الخارجية في دولة اليهود، أسلوب العمل في القروض الداخلية لإظهار أن مصالح الشعوب لا تتفق مع مصالح الحكومات الأممية.
البروتوكول الثاني والعشرون:
الذهب والعنف لفرض النظام، ضوابط جديدة للحرية، السلطة الحقة لا تستسلم لأي حق حتى حق الله.
البروتوكول الثالث والعشرون:
في دولة اليهود المنتظرة يجب تدريب الناس على الحشمة والحياء، وتخريب المصانع الخاصة، والإشارة لأن البطالة هي الخطر الأكبر على الحكومة، تحريم الخمر، الأمم لا تخضع خضوعا أعمى إلا للسلطة الجبارة وتدمير كل الأفكار والهيئات التي أسلمت الأمم لحكم اليهود.
البروتوكول الرابع والعشرون:
يختص بالأسلوب الذي تقوى به دولة الملك داوود، ويتعرض لتربية الملوك وخلفائهم تربية خاصة، وانتخاب الملوك بالمواهب الخاصة وليس بحق الوراثة، وهم الذين يفقهون أسرار الفن السياسي وحدهم ويتم استبدالهم وإذا حدث أي تقصير منهم، لن يعرف أحد خطط اليهود المستقبلية الا الحاكم والثلاثة الذين دربوه، سيخاطب الملك رعاياه جهارا مرات كثيرة لقيام انسجام بين قوة الملك وقوة الشعب، ويجب أن يكون الملك مثالا للنزاهة والعزة والجبروت!
أفعى صهيون:
وقد وضح رسم طريق الأفعى الرمزية كما يلي: كانت مرحلتها الأولى في أوروبا سنة 429 ق. م. في بلاد اليونان حيث شرعت الأفعى أولاً في عهد بركليس Pe r cles تلتهم قوة تلك البلاد ، وكانت المرحلة الثانية في روما في عهد أغسطس Augustus حوالي سنة 69 ق. م. ، والثالثة في مدريد في عهد تشارلس الخامس Cha r les سنة 1552م ، والرابعة في باريس حوالي 1700 في عهد الملك لويس السادس عشر و الخامسة في لندن سنة 1814 وما تلاها (بعد سقوط نابليون) ، والسابعة في سان بطرسبرج الذي رسم فوقها رأس الأفعى تحت تاريخ 1881 ، كل هذه الدول التي اخترقتها الأفعى قد زلزلت اسس بيانها، من بعد ذلك يتوجه رأس الأفعى نحو موسكو وكييف وأودسا،
ونحن نعرف الآن جيداً مقدار اهمية المدن الأخيرة من حيث هي مراكز للجنس اليهودي المحارب، وكانت القسطنطينية المرحلة الأخيرة لطريق الأفعى قبل وصولها إلى فلسطين.
http: //www. baladynet. net المصدر:
============(27/47)
(27/48)
الماسونية الوجه الآخر للصهيونية
الماسونية جمعية سرية يهودية معناها (البناءون الأحرار) ، لها أهداف سرية غامضة ، تهدف أولا وقبل كل شيء إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى تحقيق أهدافها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من الإباحية والإلحاد والفساد.
تختار الماسونية أعضاءها من الشخصيات المرموقة في المجتمعات عن طريق محافلها المنتشرة في أنحاء العالم ، فغالبية رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الشيوخ بدء من جورج واشنطن هم من الماسونيون.
ترتبط الماسونية بعلاقة وثيقة بالصهيونية في كونها الوجه الخفي للحركة الصهيونية ، كما وأنها أقدم منها في التخطيط وبناء الأهداف ليصل يهود العالم ـ على حد اعتقادهم ـ إلى حكم العالم بأسره ، وربما اختلفت الماسونية عن الصهيونية في كون الأولى منظمة أو جمعية تضم في أعضائها غير اليهود بهدف الاستفادة من نشاطهم لصالح يهود العالم بينما لا يسمح بالانضمام إلى الصهيونية إلا اليهود فقط.
ويرى بعض الباحثين في مجال الماسونية أن المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بال بسويسرا هو مؤتمر ماسوني، ويستندون في هذا الرأي إلى مقتطفات جاءت في خطاب تيودور هيرتزل عندما قال: ((عندما تخمد نيران الثورة التي نقوم بها جميعا في سائر البلدان ، وينتج عنها حتما سقوط الحكومات القائمة تحل سلطتنا محلها ، عندئذ نأمر الجميع بحل الجمعيات السرية القائمة ، وهي كما تعلمون تضم إلى جانب ما تضمه من جهابذة الماسونية (اليهود) رجالاً من الخوارج (غير اليهود) وتصبح السلطة في أيدينا نكون قد بلغنا المرام فلا نعد بحاجة إلى شعارات الحرية والإخاء والمساواة لأنها أدت الرسالة المطلوبة منها)).
وقد لعبت الماسونية دورا هاما في إنشاء دولة الكيان الصهيوني منذ بداية ظهور المشروع الاستيطاني الاستعماري على أرض فلسطين وفي الكثير من الأحداث التي وقعت هنا وهناك نورد ما يلي:
ـ قامت الجمعيات الماسونية بدور بارز في شراء الأراضي على أرض فلسطين حين قامت بإنشاء أكبر محافلها في مدينة القدس تحت مسمى جمعيات خيرية تهدف لمساعدة الضعفاء وذلك في عهد الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر.
ـ أعضاء جمعية الاتحاد والترقي التركية التي عملت على خلع السلطان عبد الحميد الثاني العثماني كلهم من الماسون وقد سعت تلك الجمعية إلى إحداث مجازر في الوطن العربي بعد تسلمهم السلطة وإلغائهم للخلافة الإسلامية ولا يزال دورهم بارزهم في محاربة الإسلام في تركيا وتحويلها إلى دولة علمانية ومحاربة حجاب المرأة وإغلاق المساجد وتحويلها إلى متاحف تحت مسمى حفظ التراث.
ـ ترتبط الماسونية بعلاقات وثيقة ببعض المذاهب الخارجة عن الإسلام من أشهرها البهائية اتضح ذلك من بعض الرموز التي تستند إليها البهائية في تعاليمها وعلاقتها بالأبجدية العبرية ويتمتع أعضاء البهائية بكل الحفاوة والاحترام من قبل يهود العالم خاصة في الكيان الصهيوني حيث يوجد في مدينة حيفا الفلسطينية أكبر محفل بهائي ضخم (البيت العالمي للعدالة) وبالقرب منه في مدينة عكا يوجد مقر آخر.
ـ للماسونية محافل كثيرة في بعض الدول العربية والكثيرون من أعضاء تلك المحافل مؤيدون بشكل كبير لسياسة الصهيونية ويدعمون مخططها.
وقد جاء في مؤتمر القمة الإسلامي الأول الذي عُقد في مكة المكرمة فتوى أصدرها كبار العلماء حول الماسونية تعتبر إن التعامل معها كفرا يخرج صاحبه عن الملة وأن أعضاءها ومحافلها معاول هدم ضد الإسلام ويجب محاربتها.
ـــــــــــــــ
المراجع:
الماسونية في المنطقة 245: أبو إسلام أحمد عبد الله.
الماسونية سرطان الأمم: أبو إسلام أحمد عبد الله.
الطابور الخامس في الشرق الإسلامي: أبو إسلام أحمد عبد الله.
الأخطبوط الماسوني (إبراهيم فؤاد عباس) .
http: //www. baladynet. net المصدر:
==============(27/49)
(27/50)
العلاقة بين الماسونية والصهيونية
الماسونية هي القنطرة التي عبرت عن طريقها الصهيونية العالمية ، إذ أسسها تسعة من اليهود في عام 43م بغية الوصول إلى تحقيق الحلم الصهيوني الممثل في إنشاء حكومة يهودية تسيطر على العالم ، فأعدت خططها وبرامجها المحققة لأهدافها وأطلقت على نفسها اسم((القوة الخفية)).
وأتخذت في ذلك السرية والعهود والمواثيق التي كانت تأخذها على العضو المنضم إليها وسيلة ضغط عليه بحيث يصبح آلة توجهه كما تريد.
وقد إستشرى فساد الماسونية في المجتمعات الغربية وأستطاعت أن تجذب الكثير من الأعضاء عن طريق شعارها الضاهري: ((الحرية الإخاء والمساواة)).
كما كان لهذا الشعار دور فعال في إصطياد الكثير من أصحاب النفوس الضعيفة من المسلمين الذين ساروا في ركاب الماسونية ، إما بسبب جهلهم بدينهم ، وإما بسبب شهواتهم الآثمة ، ولما تفاقم أمر الماسونية وظهر خطرها في العالم بدّلت ثيابها في مسميات مختلفة في صور نواد وجمعيات مثل: الروتاري ، والليونز ، وشهوديهوه ، وبناي برث.... بحجة أن هذه النوادي أسست من أجل التعارف والثقافة والترفيه عن النفس ، وأنها تدعو إلى البر والإحسان.
وهي في باطنها تحمل السم الزعاف الذي يتمثل في: تهديم المباديء الدينية ، والأخلاقية ، والفكرية ، ونشر الفوضى والانحلال ، والفسق ، والدعوة إلى الرذيلة والانغماس في الشهوات ، والإلحاد ، والإرهاب وزينت ذلك بأسماء شيطانية ، تارة باسم الفن ، وتارة باسم تحرير المرأة ومساواتها مع الرجل ومشاركتها له في كل شيء وتارة في الدعوة إلى الاختلاط بين الجنسين.
ما هي الماسونية:
جاءت تسمية الماسونية من كلمة ((ميسن)) أو ماسون التي تعني بالإنجليزية والفرنسية: ((البناء)) ، وتضاف إليها عاة لفظة أخرى هي: ((F r ee)) ومعناها بالإنجليزية: ((حرّ)) أو ((فرانك)) بالفرنسية ، أي الصادق ، فتصبح ((فري ميسن)) أو ((فرانك ماسون)) وكان هذا الاسم يلفظ في العهد العثماني ((فرمسون)) ، ومن هذا الاستعمال التركي المحرف قليلا انتقلت الكلمة إلى العراق والشام ، وكانت تلفظ في الاستعمال العامّي ((فرمصون)).
ويطلق عليهم ((أي الماسونيون)) لفظ ((البناؤون الأحرار)) ، وفي تعليق الأب لويس شيخو اليسوعي في كتابه ((السر المصون في سيعة الفرمسون)): ((فرمسون)) إسم مركب من لفظتين فرنسيتين ((فران)): ومعناها الصادق ، و((ماسون)) أي الباني ، أي ((البناؤون الأحرار)).
ويقول ((لويس شيخو)): ومن غريب الأمور أن الفرمسون مع رضاهم بهذا الإسم الكاذب لايحبون أن يجاهروا به.
وإذا نظرنا إلى تلك اللفظة وجدنا أن معظم حروفها مشكلة من كلمة ((موسى)) - عليه السلام - المرسل إلى بني الكيان الصهيوني بالتوراة قد صاغها اليهود تلك الصياغة لتكون جارية على الألسنة في كل لغة.
والماسونية في الإصطلاح: هي منظمة يهودية سرية إرهابية غامضة محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم ، وتدعوا إلى الإلحاد والإباحية والفساد جلّ أعضائها من الشخصيات المرموقه في العالم ، يوثقهم عهد بحفظ الأسرار ويقومون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتّكليف بالمهام.
وقال المستشرق الهولندي ((دروزي)): إنها جمهور كبير من المذاهب المختلفة يعملون لغاية واحدة هي: ((إعادة هيكل سليمان وإقامة دولة يهودية)).
وعرفها بعضهم بأنها: ((جمعية سرية تحوي حشدا من الناس ينتمون إلى مذاهب وديانات ونحل وجنسيات وأوطان مختلفة ، تضم الملحد والمؤمن ، والشيوعي والديموقراطي والديكتاتوري والعلماني والقومي والوطني والعربي وغير العربي والمسلم واليهودي والنصراني والعامل ورب العمل ، تجمعهم غاية واحده ويعملون لها ولا يعلم حقيقتها إلا آحاد ، وسواد أعضاء الجمعية عمي القلوب ، يجهلون لها كل الجهل ، ويوثقهم عهد يحفظ الأسرار وعدم البواح بها.
العلاقة بين الصهيونية والماسونية:
إن الماسونية والصهيونية تترتبطان ببعضهما إرتباطا وثيقا ويسيران على خط واحد ويسعيان لتحقيق هدف واحد فالماسونية يهودية الأصل والمنشأ ، إذ أن الحركة الصهيونية الحديثة التي بشّر ودعى إليها وقا أسلوب عملها بعد أن أرسى الكثير من قواعدها العصرية: ((تيودور هرتزل)) ، بإعتبارها ظاهرة عدوانية في التاريخ الحديث ، لا كما يدّعي الفكر الصهيوني من أنها حركة تحرير للوجود اليهودي لم يكن ليتاح لها إمكانية النفاد إلى مقدرات العالم الغربي حيث نشأت وخاصة في المراحل الأولى من عام 1897م إلا بالخدمات والإنجازات التي قامت بها الجمعيات الماسونية.
ذلك أنه لم تكن هناك جهودا يهودية قد بذلت في الإعداد لكسب عواطف كثير من قيادات الفكر الغربي وعناصر السلطة فضلا عن إستغلال التيار التاريخي لحركة الإستعمار الرأسمالي وصراعاته على إستثمار البلدان المتخلفة وخاصة في المجال الدولي.(27/51)
ومما يجدر ذكره في التدليل على أن الجهود الخفية لليهودية العالمية كانت تبذل على الدوام ، بل وفي دأب متواصل لتحقيق هدف إمكانية العمل اليهودي المنظم المعلن من أجل التجمع اليهودي وتشكيل عناصر القوة في شكل عمل موحد محدد الهدف والغاية ، انه قبل مؤتمر بازل في عام 1897م كانت هناك محاولات على طول التاريخ اليهودي تتعلق بالعودة إلى فلسطين والإرتباط بصهيون كحركة المكابين ، وحركة باركوخبا ، وحركة موزس الكريتي ، وحركة دافيد روبين ، وحركة منشة بن الكيان الصهيوني وغيرها.
إن جميع البروتوكولات الأربعة والعشرين تؤكد نصاً أو ضمنا أن الماسونية واحدة من بنات أفكار اليهود ، ومن النصوص التي تبين دور المحافل الماسونية في العمل لخدمة الصهيونية العالمية: ما جاء في البروتوكول الثالث حيث يقول: ((أنّ المحافل الماسونية تقوم في العالم أجمع دون أن تشعر بدور القناع الذي يحجب أهدافنا الحقيقية ، على أن الطريقة التي ستستخدم بها هذه القوة في خطتنا ، بل في مقر قيادتنا لازالت مجهولة من العالم بصفة عامة)).
وفي البروتكول الرابع: ((000 إن المحفل الماسوني المنتشر في كل أنحاء العالم ليعمل في غفلة كقناع لأغراضنا)).
وفصّل البروتوكول الحادي عشر الأهداف التي ترمي إليها الصهيونية من إفساح المجال لغير اليهود للانضمام إلى المحافل الماسونية. فقد جاء فيه: ((ما هو السبب الذي دفعنا إلى أن نبتدع في سياستنا ونثبت أقدامنا عند غير اليهود ، لقد رسخناها في أذهانهم دون أن ندعهم يفقهون ما تبطن من معنى ، فما هو السر الذي دفعنا إلى أن نسلك هذا المسلك ، اللهم إلا أننا جنس مشتت وليس في وسعنا بلوغ غرضنا بوسائل مباشرة ، بل بوسائل مباشرة فحسب. هذا هو السبب الحقيقي لتنظيمنا الماسونية التي لم يتعمق هؤلاء الخنازير من غير اليهود في فهم معناها ، أو الشك في أهدافنا ، إننا نسوقهم إلى محافلنا التي لأعداد لها و لا حصر ، تلك المحافل التي تبدو ماسو نية فحسب ، كي نذر الرماد في عيون رفاقهم)).
وأهم ما جاء في البروتوكولات بخصوص علاقة الماسونية بالصهيونية: ما جاء في البروتوكول الخامس عشر: ((وإلى أن يأتي الوقت الذي نصل فيه إلى السلطة سنحاول أن ننشىء ونضاعف خلايا الماسونية الأحرار في جميع أنحاء العالم. وسنجذب إ ليها كل من يصير أو من يصير أو من يكون معروفا بأنه ذو روح عامة ، هذه الخلايا ستكون الأماكن الرئيسية التي سنحصل من خلالها على ما نريد من أخبار ، كما أنها ستكون أفضل مراكز الدعاية وسوف نركز هذه الخلايا تحت قيادة واحدة معروفة لنا وحدنا ، هذه القيادة من علمائنا وسيكون لها أيضا ممثلوها الخصوصيون كي تحجب المكان الذي تقيم فيه قيادتنا حقيقة.
ويضيف هذا البروتوكول يقول: ((ومن الطبيعي أننا كنا الشعب الوحيد الذي يعرف أن يوجهها ، ونعرف الهدف الأخير لكل عمل على حين أن الأميين (غير اليهود) جاهلون بمعظم الأشياء الخاصة بالماسونية ، ولا يستطيع رؤية النتائج العاجلة لما هم فاعلون)).
وتتضح العلاقة بين الماسونية والصهيونية كما يوضحها الأستاذ علي السعدني في كتابه: ((أضواء على الصهيونية)) من خلال إتفاقها في أمور كثيرة:
1- كل منهما يرسم في الظلام ويخطط في السر.
2- الماسونية والصهيونية قائمة على أساس تلمودي.
3- تتفق الماسونية والصهيونية في عدائهما لكل الأديان ماعدا اليهودية.
وبالمناسبة فمنظر الماسونية الحديثة الأول هو جيمس أندرسون كان يهوديا وقد إنظم اليهود إلى المحافل الماسونية في منتصف القرن الثامن عشر لا في إنجلترا وحدها وإنما في هولندا وفرنسا وألمانيا وفي سنة 1793م أسس يهود لندن محفلا ماسونيا أطلقوا عليه إسم: محفل الكيان الصهيوني.
وبهذا يتضح بأن الماسونية تتحرك بتعاليم الصهيونية وتوجيهاتها وتخضع لها زعماء العالم ومفكريه.
http: //www. baladynet. net المصدر:
=============(27/52)
(27/53)
الصهيونية والماسونية وجهان لعملة واحدة
تعريفها:
هي منظمة يهودية تنفيذية، مهمتها تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني الكيان الصهيوني اليهود وبناء هيكل سليمان، ثم إقامة مملكة الكيان الصهيوني ثم السيطرة من خلالها على العالم تحت ملك (ملك يهوذا) المنتظر. سميت بذلك: نسبة إلى (صهيون) جبل يقع جنوب بيت المقدس يقدسه اليهود.
الماسونية والصهيونية:
الصهيونية قرينة للماسونية إلا أن الصهيونية يهودية بحتة في شكلها وأسلوبها ومضمونها وأشخاصها، في حين أن الماسونية يهودية مبطنة تظهر شعارات إنسانية عامة، وقد ينطوي تحت لوائها غير اليهود من المخدوعين والنفعيين.
كما أن الصهيونية حركة دينية سياسية معلنة تخدم اليهود بطريق مباشر فهي الجهاز التنفيذي الشرعي والرسمي لليهودية العالمية.
في حين أن الماسونية حركة علمانية إلحادية سرية تخدم اليهود بطريق غير مباشر، فهي القوة الخفية التي تهئ الظروف والأوضاع لليهود.
تاريخها ونشأتها:
الصهيونية كالماسونية ليست وليدة هذا العصر فقد مرت بمراحل كثيرة منذ القرون الأولى قبل ظهور النصرانية وبعدها وقبل ظهور الإسلام وبعده، وكانت مراحلها الأولى مهمتها تحريض اليهود على الانتفاض والعودة إلى أرض فلسطين وبناء هيكل سليمان، وتأسيس مملكة الكيان الصهيوني الكبرى، وحوك المؤامرات والمكائد ضد الأمم والشعوب الأخرى.
أما الصهيونية الحديثة: فقد بدأت نواتها الأولى عام 1806م حين اجتمع المجلس الأعلى لليهود بدعوة من / نابليون لاستغلال أطماع اليهود وتحريضهم على مساعدته ثم حركة (هرتزل) اليهودي التي تمخضت عن المؤتمر اليهودي العالمي في (بال) بسويسرا عام 1897م والذي قرر فيه أقطاب اليهود ما يسمى ب(بروتوكلات حكماء صهيون) وهو المخطط اليهودي الجديد للاستيلاء على العالم ومن هذا المؤتمر انبثقت المنظمة الصهيونية الحديثة.
أهداف الصهيونية:
ذكرنا أن الصهيونية حركة يهودية خالصة. أما أهدافها فهي ذات جانبين: ديني وسياسي:
أما الجانب الديني فيتلخص فيما يلي:
1. إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم، لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة (أرض فلسطين).
2. حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية والعبادات والشعائر اليهودية والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية.
3. إثارة الروح القتالية بين اليهود، والعصبية الدينية والقومية لهم للتصدي للأديان والأمم والشعوب الأخرى.
أما الجانب السياسي فيتلخص فيما يلي:
1. محاولة تهويد فلسطين (أي جعلها يهودية داخلياً) وذلك بتشجيع اليهود في جميع أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين وتنظيم هجرتهم وتمويلها، وتأمين وسائل الاستقرار النفسي والوظيفي والسكني وذلك بإقامة المستوطنات داخل أرض فلسطين ((وهي عبارة عن مجمعات سكنية حديثة كاملة المرافق تمولها الصهيونية من تبراعات اليهود والدول الموالية لهم في العالم))، وتوطيد الكيان اليهودي الناشئ في فلسطين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
2. تدويل الكيان الصهيونيي في فلسطين عالمياً، وذلك بانتزاع اعتراف أكثر دول العالم بوجود دولة الكيان الصهيوني في فلسطين وشرعيتها وضمان تحقيق الحماية الدوليه لها، وفرضها على العالم، وعلى المسلمين على وجه الخصوص. لذلك نجد أن الصهيونية تقوم بدور رئيس في دفع أمريكا وروسيا وأكثر الدول في أوربا لحماية الكيان الصهيوني سياسياً وعسكرياً ودعمها اقتصاديا وبشريا، فبالرغم من أن أمريكا ودول أوربا دول نصرانية، وبالرغم من أن روسيا شيوعية تحارب الأديان وبالرغم أيضا من أن شعوب هذه الدول تكره اليهود بحق إلا أنها لا تزال تحمي دولة الكيان الصهيوني وتدعمها. وما ذك إلا بتأثير الصهيونية الواضح.
3. متابعة وتنفيذ المخططات اليهودية العالم السياسية والاقتصادية، خطوة بخطوة، ووضع الوسائل الكفيلة بالتنفيذ السريع والدقيق لهذه المخططات، ثم التهيئة لها إعلاميا وتمويلها اقتصاديا، ودعمها سياسياً.
4. توحيد وتنظيم جهود اليهود في جميع العالم أفراد وجماعات ومؤسسات ومنظمات، وتحريك العملاء والمأجورين عند الحاجة لخدمة اليهود وتحقيق مصالحهم ومخططاتهم.
مغالطات صهيونية:
في نهاية القرن التاسع عشر، عندما ظهرت الحركة الصهيونية، كان ما يسمى " التيار الوطني " هو الغالب في هذه الحركة، وهو التيار الداعي إلى بقاء اليهود في بلادهم الأصلية، والعمل على الاندماج في هذه المجتمعات، وكانت غالبيته من المثقفين والعمال الفقراء أو من الطبقة المتوسطة.
أما التيار الثاني، فهو " التيار القومي " وكان يتزعمه غلاة الصهاينة من كبار الأغنياء اليهود الباحثين قبل كل شيء عن " أرض " يمارسون عليها نشاطهم الاقتصادي بعيداً عن منافسة البرجوازية الأوروبية القوية، ولم يكن يعنيهم كثيراً أن تكون هذه الأرض فلسطين أو غيرها، فالموضوع بالنسبة لهم كان مشروعاً إقتصادياً فحسب.(27/54)
وبالفعل فقد طرح في البداية إنشاء دولة لليهود في أوغندا أو غانا! ثم طرح إنشاء دولة في مناطق واسعة من الأرجنتين! ومع ظهور النزعات العنصرية في أوروبا والمذابح التي تعرض لها اليهود في روسيا أولا، ثم في باقي الدول الأوروبية، ازداد أنصار التيار القومي الداعي إلى وطن قومي لليهود. ونتيجة عدد كبير من العوامل تم اختيار فلسطين لتكون هي الوطن القومي المزعوم " وهذه العوامل يمكن مناقشتها في مبحث مستقل ".
من الطريف ذكره، أن أدبيات الحركة الصهيونية كانت تسمي فلسطين باسمها الأصلي، ولم تكن تسمية الكيان الصهيوني قد خطرت لهم على بال، حتى بعد قيام الكيان الصهيوني كانت تسمى " فلسطين " حتى العام 1952 على الأقل، لأنهم يعرفون أن شعب الكيان الصهيوني المزعوم، كان قد اندثر من الوجود، وذاب بين شعوب المنطقة منذ القرن السادس قبل الميلاد على الأقل! وأن اللغة العبرية نفسها قد اندثرت من الوجود منذ ذلك الزمن أيضاً، وقد كان اليهود يتكلمون الآرامية " المقصود يهود السبي في بابل وبعد ذلك في فلسطين " ثم بعد ظهور العربية وهيمنتها على المنطقة تكلم اليهود العربية مثلهم مثل غيرهم من شعوب المنطقة.
وعندما قامت الصهيونية بمحاولة إحياء اللغة العبرية، وهي المحاولة التي كان لليهود الألمان الدور البارز فيها، فقد جاءت العبرية الحديثة إصطناعاً على اصطناع، وهي لا تمت بصلة للغة العبرية الأصلية، ذات الأصل الشرقي العريق. فاللغة العبرية الحديثة غير قادرة على نطق ثلاثة من الأحرف الأساسية في " اللغات السامية " وهي الحاء والعين والقاف، إضافة إلى قلب الحروف المأخذوة عن الإرمية، وتحويل الألمان الحرف (و) إلى ف، بثلاثة نقاط وهو الحرف الألماني (w) وهكذا ضاعت اللغة العبرية، مرتين، وأصبحت لغة عجيبة، هجينة، مصطنعة، حتى النهاية.
مثال آخر للتزوير البشع الذي تمارسه الصهيونية، هو ادعائها بأن اليهود في جميع أنحاء العالم ليسوا أتباع دين معين هو الدين اليهودي، فقط، ولكنها تذهب أبعد من ذلك، [أن تدعي بأن هؤلاء إنما هم شعب واحد من عرق واحد في واحدة من أكثر الخدع بشاعة في تاريخ الإنسانية].
مثال ثالث للتزوير والخداع، هو ادعائها بأن فلسطين، هي الأرض الموعودة، وهي مسرح التوراة، وهي الحاضنة الطبيعية للديانة اليهودية! ورغم فشلهم الذريع في إثبات هذا الأمر وهم ينبشون في تراب فلسطين منذ أكثر من قرنين من الزمان مزودين بكل ما يخطر على بال من إمكانيات تكنلوجية، وملايين الدولارات، وأدعية الحاخامات، وقد أخرجت أرض فلسطين كل أسرارها، ولم يعثر على أثر واحد لكل ما ذكر في التوراة، لا قصور ولا ممالك ولا ما يحزنون، وبقيت أرض فلسطين وفية حتى النهاية، رغم أن بعض أبنائها قد غيروا جلودهم، المهم أن كل الحضارات التي مرت على فلسطين نعرفها جيداً ويمكن تزمينها بدقة، وأبرز هذه الحضارات هي الحضارة الكنعانية والحضارة الفلسطينية، حتى إنسان ما قبل التاريخ كان حاضرا بأدواته البدائية، ليكون شاهد على فضيحة الهدهد هذه. فجن جنونهم وبدأوا يمارسون الكذب علانية، مستفيدين بالدرجة الأولى من غياب الطرف العربي، وصمته المريب، ومستفيدين من بعض أطروحات الفقه الإسلامي البائسة من نوع " العلو الثاني " و" الوعد الإلهي " وهم يوظفون كل ما في حوزتهم من إمكانيات لتزوير التاريخ وإعادة كتابته كما يريدونه، سينما، موسيقى، قصص، أفلام كرتون، سياحة، طبيخ، كل شيء، كل شيء.
والعرب، أين العرب من كل هذا؟ يؤسفني أن أقول أن رد الفعل العربي كان الغياب التام ولا شيء غير الغياب، بل أخطر من ذلك نحن، العرب، مارسنا بغباء لا نحسد عليه ترديد بعض المقولات التوراتية، وهي كثيرة جداً ومخزية في حق ثقافة عريقة كثقافتنا العربية!
http://www.baladynet.net المصدر:
=============(27/55)
(27/56)
الماسونية وهيكل سليمان المزعوم
الماسونية كما عرفها المستشرق الهولندي (دوزي): " جمهور كبير من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة هي: إعادة الهيكل الذي هو رمز دولة إسرائيل " ومعنى كلمة ماسونية مأخوذ من كلمة (F r ee Mason) الإنجليزية، ومعناها: البناؤن الأحرار.
و أخذت الماسونية منذ قيام جمعياتها تنوح على الهيكل، مظهرة الحرص على إعادة تشييده، إذ هو رمز عزة إسرائيل وسواد عينها، وأخذت تتلون تحت مسميات مختلفة: الروتاري- الليونز- البناى برث- الاتحاد و الترقي- شهود يهوه- البهائية، و ما إلى ذلك مما يلتقي بنقطة إعادة الهيكل و المحافظة على رايته التي تعلوه، وهي تهدف أيضاً إلى القضاء على الأديان المخالفة لليهودية.
تمهيداً لتسلط اليهود على العالم، فهي لذلك السلاح التنفيذي الثاني- بعد الصهيونية، الذي يستخدمه اليهود في تنفيذ مخططاتهم. ولا تخلو تعريفات الماسون بحركتهم من ردها إلى عهد بناء هيكل سليمان، وقد ذكر أقطابهم العرب من أمثال: جورجي زيدان ، و شاهين مكاريوس ويوسف الحاج، أنها ترجع إلى أيام هيكل سليمان، ومما يدل على أن الماسونية أداة صهيونية؛ ما جاء في البروتوكولات اليهودية عنها: " نحن جيش مشتت عن الوصول إلى أغراضه بالطرق المستقيمة، فالمراوغة فحسب هي الوسيلة الصحيحة، وهي الأصل في تنظيمنا للماسونية التي لا يفهمها أولئك الخنازير من الأمميين.
و قد جاء في النشرة الرسمية التي أذاعها محفل الشرق الأعظم في فرنسا في يوليو 1956م: " نحن الماسون لا يمكننا أن نتوقف عن الحرب بيننا و بين الأديان، لا مناص من ظفرنا أو ظفرها، ولا بد من موتها أو موتنا، و لن نرتاح إلا بعد إقفال جميع المعابد ولكن معبداً واحداً لن يرتاح الماسون إلا بعد إعادة فتحه، وهو الهيكل الثالث الذي ندبوا أنفسهم لمهمة تشييده واعتبروا أنفسهم بنائيه الأحرار، جاء في النشرة اليهودية سنة 1861م: " إن روح الماسونية الأوربية هي روح اليهودية في معتقداتها الأساسية، لها نفس المثل واللغة، وهي الأغلب نفس التنظيم، والآمال التي تنير طريق الماسونية وتدعمها، هي الآمال التي تنير طريق إسرائيل وتدعمه، ومكان تتويجها هو (بيت العبادة البديع) حيث تصبح القدس رمزاً وقلباً منتصراً".
ويقول إدريس راغب، وهو أحد الماسونيين العرب: "إن الاعتقاد بوجوب إقامة الهيكل يقوي إيماننا بالوعود المذكورة بالكتاب".
وقالت دائرة المعارف الماسونية الصادة في فيلادفيا سنة 1906م: " يجب أن يكون كل محفل ماسوني رمزا لهيكل اليهود، وهو بالفعل كذلك، وأن يكون كل أستاذ على كرسيه ممثلاً لملك اليهود، وكل ماسوني تجسيداً للعامل اليهودي.
و من الأدعية التي يقرأها جميع الحاضرين من الدرجة 33 في المحافل الماسونية: "سنعود إلى عهد سليمان بن داود ونبني الهيكل الأقدس، ونقرأ فيه التلمود، وننفذ كل ما جاء في الوصايا والعهود، وفي سبيل مجد إسرائيل نبذل كل مجهود... والويل الويل للغاضبين المستعمرين، سنجعلهم قطعاً في أفواه الأسود، الانتقام، الانتقام، طال المكوث في الظلام، أنعم علينا يا رب، أنوار القدس التي تجلت على موآب ".
و يقول صاحب كتاب (الماسونية في العراء)؛ و قد كان ماسونياً ثم ترك الماسونية: " يعتقد اليهود من الماسونيين أنه لم يبق إلا القليل حتى يهدم الأقصى والصخرة والقيامة، وحينئذ يقوم الهيكل حيث حلت الغمامة، وينتصب العمودان عن يمين بابه و يساره.
http: //www.baladynet.net المصدر:
==========(27/57)
(27/58)
على هامش الماسونية
يجب أن نعترف بأن المسيرة البشرية حملت ضمن طياتها البصمة الوثنية، التي زين الشيطان برنامجها، وأغوى به قطاعا عريضا على امتداد المسيرة، ونحن - في عصرنا - نرى أعلام هذا القطيع، ويجب أن نعترف أن الماسونية شجرة عتيقة، فروعها هي الصهيونية وملحقاتها، وهذه الشجرة في بستان يملكه اليهود، والخدم في هذا البستان هم علماء التغريب والعلمانية وغيرهم، ومهمة الخدم هي تذويب الإحساس القومي لدى الشعوب بنشر الأفكار العالمية، ونتيجة لذلك يكون اليهود هم الشعب الوحيد الذي يظل محتفظا بقوميته، ويكون له المجد في النهاية، وله السيطرة على جميع شعوب الأرض باعتباره شعب الله المختار.
فالشعب اليهودي داخل دائرته ظل على امتداد تاريخه بعد السبي يؤمن بضرورة العمل من أجل إحياء مملكة داود، التي يكون لها المجد على شعوب الأرض، ويسبح معها الجبال والطير، وظل أتباع هذا الاعتقاد على امتداد تاريخهم وفي أحلك الأوقات يقيمون حياتهم على أساس هذا الدين الذي يحقق هذه النتيجة، وعندما عاشوا في بقاع الأرض المختلفة متباعدين، كانوا في الوقت نفسه متقاربين نتيجة لوحدة الفكر والهدف، ولم يذوبوا في المجتمعات، وإنما اجتمعوا في أحياء خاصة بهم داخل المجتمعات الكبيرة، وعملوا من أجل أن تكون المجتمعات الكبيرة في قبضتهم، وذلك عن طريق سيطرتهم على الاقتصاد ورجال الحكم.
وبعد عودة اليهود إلى فلسطين، وبعد انتصارهم عام 1967 م، يخطئ من يظن أن الحرب بين الفطرة وبين اليهود قد انتهت، ومخدوع كل من يظن أن كل ما هو معلق بين المسلمين وبين اليهود قد تحله العقود أو المواثيق أو اتفاقيات الصلح والاعتراف المتبادل؛ لأن المهمة الإسرائيلية لن تنتهي إلا بظهور أمير السلام الذي ينتظره اليهود. وقد يأخذ السلام بين العرب وبين اليهود أشكالا متعددة، ولكن تبقى الحقيقة الأكيدة أن هذا السلام في نظر اليهود سيكون ورقة تكتيكية من أوراق الحرب المستمرة، حتى يأتي أمير السلام (الدجال) فينصب فسطاطه في المنطقة، ويتبعه جميع الذين تعاموا عن هذه الحقيقة.
ويجب أن نعترف أن قطاعا عريضا داخل المسيرة الإسلامية لا يعرف ذاته، ولا يعرف القوى المعادية له، أو بمعنى آخر، يجب أن نعترف بأن هؤلاء يبدو وكأنهم لا يريدون أن يعرفوا ذواتهم، أو كأنهم لا يقدرون على محاولة المعرفة، وأنهم لا يعرفون عدوهم معرفة حقيقية، أو لعلهم لم يحاولوا أن يعرفوا، وفي جميع الحالات يجب أن نعترف بأننا لا نعرف أنفسنا ولا نعرف عدونا.
ويجب أن نعترف بأن الفطرة يحيط بها الظلم من كل مكان، وأن الوسائل المحيطة بها يمسك بزمامها الجبان، وكلمة الجبان لا تعني الرجل الخائف الرعديد فقط، وإنما تعني ذلك الرجل الذي إذا تمكن من عدوه كان أكثر جبنا، بمعنى أنه لا يعرف في التعامل معه معنى من معاني النبالة أو الكرم أو الشهامة، إنما يستعمل معه أدنأ الوسائل وأدناها إلى الحطة، والفطرة الإنسانية تحيط بها أكثر الناس جبنا، بمعنى أكثر الناس ميلا للانتقام...
إذا كان البحث العلمي قد قدم للمسيرة البشرية مجهودات عظيمة، من عصر الطاقة اليدوية إلى عصر الفحم، إلى عصر البخار.. إلى عصر البترول، إلى عصر الكهرباء، ومن عصر الذرة إلى عصر الألكترونيات، إلى عصر الكمبيوتر، إلى عصر الفضاء، إلى عصر الهندسة الوراثية، فيجب أن نعترف أن الأعظم من هذا المجهود الضخم استعمل في كل عصر من أجل خدمة مخططات الأهواء وأهدافها المادية، وعن طريقه استطاع أصحابه أن يتغلغلوا داخل النفس لإغوائها لتكون عضوا على طريق أهدافهم.(27/59)
إن العلوم المفيدة تكون في متناول الإنسان عندما تصلح أخلاقه، أما إذا وقف الجبان على أبواب المجهودات العلمية، فسيكون للظلم والجور وللفساد أعلام متعددة الألوان والأشكال، وفي عصرنا نرى المخطط اليهودي والوثني تحمية الترسنات النووية والكيميائية والمكروبية، والترسانة والتقليدية، وأساطيل الطائرات والغواصات والدبابات وقاذفات الصواريخ والباتريوت، ونجد الفطرة في أماكن كثيرة مقيدة بالديون، وفوائد القروض، ومحاذير السلاح، وضغوط صندوق النقد الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، ونجدها مهددة من كل مكان بعد أن فسد كل شيء، ولوثت البحار والأنهار بالنفط، والمبيدات، ومخلفات المصانع وسموم المعادن الثقيلة، ولوث الجو بغازات الكبريت والأزون والكربون والرصاص، واتخذ الجبان من قلب الأرض والبحر مخازن للموت النووي والرعب الذري يدفن فيه النفايات القاتلة لصناعاته المهلكة، ونجد الفطرة محاصرة بقوافل خرقت الشوائع وطلبت اللذة من وجوهها الشاذة باللواط والسحاق، ولقد رأينا كيف خرجت قوافل الشواذ تطالب بشرعية الفسق، وتقنين زواج الرجال بالرجال، وزواج النساء بالنساء، وتسير في مظاهرات علنية تطالب بحقوقها الشاذة، ولم يقتصر الأمر على خروج قبائل العهر والفسق في مظاهرات، وإنما تفننت قبائل أخرى في جعل الحرية الجنسية شريعة لمملكتها، وأقامت للزنا نوادي ومؤسسات وأقمارا فضائية تنشره، وأبدعت هذه القبائل في إخراج العهر والفجور والفسق والشذوذ، بجميع أوضاعه، في أبهة من الألوان ومواكب من الزينة والزخرف، واستأجرت لهذا الفتيات الساقطات من كل جنس لعرضهن عرايا، ثم ثبت هذا العهر ليستقبله كل من وجه هوائي استقبال إلى الفضاء.
لقد ملئت الأرض ظلما، والتطور ينطلق كل دقيقة بل كل ثانية، وما كان يحدث من إنجاز علمي في آلاف السنين، أصبح يحدث الآن في سنوات قليلة، ومعنى هذا أن المستقبل سيشهد تطورا مضغوطا في حيز تاريخي قصير، فإذا كان الجبان ساهرا ومشرفا على هذا التطور، فإن معنى هذا أننا نهرول بالفعل إلى النهاية. وقبل أن يأتي هذا اليوم يجب أن نعرف من نحن؟
ومن هو عدونا؟ وما هي أهدافنا؟ وما هي أهداف عدونا؟ ومن أين نبدأ وكيف نخرج من الدائرة المغلقة؟ إننا إذا لم نعرف كل هذا وغيره، فستدفع أجيالنا في المستقبل ثمنا باهظا، وسيشهدون جنازتهم على أقل تقدير وهم وراء أمير السلام وسنعتمد - نحن - هذه الجنازة لأن المستقبل ابن للماضي ولا ينفصل عنه. أجيبوا، أجيبوا - يرحمكم الله - قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
http://www.baladynet.net المصدر:
=============
الماسونية
التعريف: الماسونية لغة معناها البناءون الأحرار، وهي في الاصطلاح منظمة يهودية سرية هدامة، إرهابية غامضة، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وتتستر تحت شعارات خداعه (حرية - إخاء - مساواة - إنسانية). جل أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم، من يوثقهم عهداً بحفظ الأسرار، ويقيمون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام تمهيداً بحفظ جمهورية ديمقراطية عالمية - كما يدعون - وتتخذ الوصولية والنفعية أساساً لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
لقد أسسها هيرودس أكريبا (ت 44م) ملك من ملوك الرومان بمساعدة مستشاريه اليهوديين:
- حيران أبيود: نائب الرئيس.
- موآب لامي: كاتم سر أول.
ولقد قامت الماسونية منذ أيامها الأولى على المكر والتمويه والإرهاب حيث اختاروا رموزاً وأسماء وإشارات للإيهام والتخويف وسموا محفلهم (هيكل أورشليم) للإيهام بأنه هيكل سليمان - عليه السلام -.
• قال الحاخام لاكويز: الماسونية يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وفي إيضاحاتها.. يهودية من البداية إلى النهاية.
أما تاريخ ظهورها: فقد اختلف فيه لتكتمها الشديد، وتنقسم لمرحلتين. أما المرحلة الأولى فالراجح أنها ظهرت سنة 43م.
وسميت القوة الخفية وهدفها التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم ومنع دينهم من الانتشار.
كانت تسمى في عهد التأسيس (القوة الخفية) ومنذ بضعة قرون تسمت بالماسونية لتتخذ من نقابة البنائين الأحرار لافتة تعمل من خلالها ثم التصق بهم الاسم دون حقيقة.
أما المرحلة الثانية للماسونية: فتبدأ سنة 1770م عن طريق آدم وايزهاويت النصراني الألماني (ت 1830م) الذي ألحد واستقطبته الماسونية ووضع الخطة الحديثة للماسونية بهدف السيطرة على العالم وانتهى المشروع سنة 1776م، ووضع أول محفل في هذه الفترة (المحفل النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه.
استطاعوا خداع ألفي رجل من كبار الساسة والمفكرون وأسسوا بهم المحفل الرئيسي المسمى بمحفل الشرق الأوسط، وفيه تم إخضاع هؤلاء الساسة لخدمة الماسونية، وأعلنوا شعارات براقة تخفي حقيقتهم فخدعوا كثيراً من المسلمين.
ميرابو، كان أحد مشاهير قادة الثورة الفرنسية.
مازيني الإيطالي الذي أعاد الأمور إلى نصابها بعد موت وايزهاويت.(27/60)
الجنرال الأمريكي (البرت مايك) سرح من الجيش فصب حقده على الشعوب من خلال الماسونية، وهو واضع الخطط التدميرية منها موضع التنفيذ.
ليوم بلوم الفرنسي المكلف بنشر الإباحية أصدر كتاباً بعنوان الزواج لم يعرف أفحش منه.
كودير لوس اليهودي صاحب كتاب العلاقات الخطرة.
لاف أريدج وهو الذي أعلن في مؤتمر الماسونية سنة 1865م في مدينة أليتش في جموع من الطلبة الألمان والإسبان والروس والإنجليز والفرنسيين قائلاً: " يجب أن يتغلب الإنسان على الإله وأن يعلن الحرب عليه وأن يخرق السموات ويمزقها كالأوراق ".
ماتسيني جوزيبي 1805-1872م.
ومن شخصياتهم كذلك: جان جاك روسو، فولتير (في فرنسا) جرجي زيدان (في مصر، كارل ماركس وأنجلز (في روسيا) والأخيران كانا من ماسونيي الدرجة الحادية والثلاثون ومن منتسبي المحفل الإنجليزي ومن الذين أداروا الماسونية السرية وبتدبيرهما صدر البيان الشيوعي المشهور.
الأفكار والمعتقدات:
يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك خزعبلات وخرافات.
يعملون على تقويض الأديان.
العمل على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلاد المختلفة والسيطرة عليها.
إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة.
العمل على تقسيم غير اليهود إلى أمم متنابذة تتصارع بشكل دائم.
تسليح هذه الأطراف وتدبير حوادث لتشابكها.
بث سموم النزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية.
تهديم المبادئ الأخلاقية والفكرية والدينية ونشر الفوضى ولانحلال والإرهاب والإلحاد.
استعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع وخاصة ذوي المناصب الحساسة لضمهم لخدمة الماسونية والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
إحاطة الشخص الذي يقع في حبائلهم بالشباك من كل جانب لإحكام السيطرة عليه وتيسيره كما يريدون ولينفذ صاغراً كل أوامرهم.
الشخص الذي يلبي رغبتهم في الانضمام إليهم يشترطون عليه التجرد من كل رابط ديني أو أخلاقي أو وطني وأن يجعل ولاءه خالصاً للماسونية.
إذا تململ الشخص أو عارض في شيء تدبر له فضيحة كبرى وقد يكون مصيره القتل.
كل شخص استفادوا منه ولم تعد لهم به حاجة يعملون على التخلص منه بأية وسيلة ممكنة.
العمل على السيطرة على رؤساء الدول لضمان تنفيذ أهدافهم التدميرية.
السيطرة على الشخصيات البارزة في مختلف الاختصاصات لتكون أعمالهم متكاملة.
السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والإعلام واستخدامها كسلاح فتاك شديد الفاعلية.
بث الأخبار المختلفة والأباطيل والدسائس الكاذبة حتى تصبح كأنها حقائق لتحويل عقول الجماهير وطمس الحقائق أمامهم.
دعوة الشباب والشابات إلى الانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم وإباحة الإتصال بالمحارم وتوهين العلاقات الزوجية وتحطيم الرباط الأسري.
الدعوة إلى العقم الاختياري وتحديد النسل لدى المسلمين.
السيطرة على المنظمات الدولية بترؤسها من قبل أحد الماسونيين كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ومنظمات الأرصاد الدولية، ومنظمات الطلبة والشباب والشابات في العالم.
لهم درجات ثلاث:
العميان الصغار: والمقصود بهم المبتدئون من الماسونيين.
الماسونية الملوكية: وهذه لا ينالها إلا من تنكر كلياً لدينه ووطنه وأمته وتجرد لليهودية ومنها يقع الترشيح للدرجة الثالثة والثلاثون كتشرشل وبلفور، ورؤساء أمريكا (كاشتراط في الترشيح).
الماسونية الكونية: وهي قمة الطبقات، وكل أفرادها يهود، وهم أحاد، وهو فوق الأباطرة والملوك والرؤساء لأنهم يتحكمون فيهم، وكل زعماء الصهيونية من الماسونية الكونية كهرتزل، وهم الذين يخططون للعالم لصالح اليهود.
يتم قبول العضو الجديد في جو مرعب مخيف وغريب حيث يقاد إلى الرئيس معصوب العينين وما أن يؤدي يمين حفظ السر ويفتح عينيه حتى يفاجأ بسيوف مسلولة حول عنقه وبين يديه كتاب العهد القديم ومن حوله غرفة شبه مظلمة فيها جماجم بشرية وأدوات هندسية مصنوعة من خشب … وكل ذلك لبث المهابة في نفس العضو الجديد.
• هي كما قال بعض المؤرخين " آلة صيد بيد اليهودية يصرعون بها الساسة ويخدعون عن طريقها الأمم والشعوب الجاهلة ".
• والماسونية وراء عدد من الويلات التي أصابت الأمة الإسلامية ووراء جل الثورات التي وقعت في العالم: فكانوا وراء إلغاء الخلافة الإسلامية وعزل السلطان عبد الحميد، كما كانوا وراء الثورة الفرنسية والبلشفية والبريطانية.
• تشترط الماسونية على من يلتحق بها التخلي عن كل رابطة دينية أو وطنية أو عرقية ويسلم قياده لها وحدها.
• حقائق الماسونية لا تكشف لأتباعها إلا بالتدريج حين يرتقون من مرتبة إلى مرتبة وعدد المراتب ثلاث وثلاثون.
• يحمل كل ماسوني في العالم فرجارا صغيراً وزاوية؛ لأنهما شعار الماسونية منذ أن كانا الأداتين الأساسيتين اللتين بنى بهما سليمان الهيكل المقدس بالقدس.
• يردد الماسونيون كثيراً كلمة " المهندس الأعظم للكون " ويفهمها البعض على أنهم يشيرون بها إلى الله - سبحانه - و- تعالى - والحقيقة أنهم يعنون " حيراما " إذ هو مهندس الهيكل وهذا هو الكون في نظرهم.
الجذور الفكرية والعقائدية:(27/61)
جذور الماسونية يهودية صرفة، من الناحية الفكرية ومن حيث الأهداف والوسائل وفلسفة التفكير. وهي بضاعة يهودية أولاً وآخراً، وقد اتضح أنهم وراء الحركات الهدامة للأديان والأخلاق. وقد نجحت الماسونية بواسطة جمعية الإتحاد والترقي في تركيا في القضاء على الخلافة الإسلامية، وعن طريق المحافل الماسونية سعى اليهود في طلب أرض فلسطين من السلطان عبد الحميد الثاني، ولكنه رفض - رحمه الله - وقد أغلقت محافل الماسونية في مصر سنة 1965م بعد أن ثبت تجسسهم لحساب الكيان الصهيوني.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• لم يعرف التاريخ منظمة سرية أقوي نفوذاً من الماسونية، وهي من شر مذاهب الهدم التي تفتق عنها الفكر اليهودي.
• ويرى بعض المحققين أن الضعف قد بدأ يتغلل في هيكل الماسونية وأن التجانس القديم في التفكير وفي طرق الانتساب قد تداعى.
يتضح مما سبق:
أن الماسونية تعادي الأديان جميعاً، وتسعى لتفكيك الروابط الدينية، وهز أركان المجتمعات الإنسانية، وتشجع على التفلت من كل الشرائع والنظم والقوانين.
وقد أوجدها حكماء صهيون لتحقيق أغراض التلمود وبروتوكولاتهم، وطابعها التلون والتخفي وراء الشعارات البراقة، ومن والاهم أو انتسب إليهم من المسلمين فهو ضال أو منحرف أو كافر، حسب درجة ركونه إليهم.
http://www.baladynet.net المصدر:
=============(27/62)
(27/63)
جذور الماسونية
في إطار حملتهم للقضاء على الديانة النصرانية، أنشأ اليهود جمعية سرية أطلقوا عليها اسم "القوة الخفية" واستعانوا بشخصية يهودية تعرف باسم "احيرام أبيود" أحد مستشاري الملك هيرودس الثاني عدو النصرانية الأكبر على تحقيق هذه الغاية، وأسندت رئاسة الجمعية إلى الملك المذكور، وهكذا تم عقد أول اجتماع سري عام 43م حضره الملك المذكور ومستشاراه اليهوديان "احيرام أبيود وموآب لافي" وستة من الأنصار المختارين، وكان الغرض الرئيس من إنشاء هذه الجمعية القضاء على النصرانية.
ثم عقدوا الاجتماع الثاني واتخذوا بعض القرارات السرية وتعاهدوا على كتمانها وأفسحوا لمن يثقون بهم المجال للانضمام إلى هذه الجمعية على أن تعصب عينيْ كل من يود الانتساب للجمعية، واتفقوا على اتخاذ بعض الأدوات الهندسية كالبيكار والميزان رمزاً لمنظمتهم السرية، وبعد هلاك الملك هيرودس انتقلت رئاسة هذه الجمعية السرية إلى "احيرام" مستشاره ثم أعقبه ابن أخيه "طوبان لقيان". واستمرت جمعية القوة الخفية تعمل في السر، ولا يدري أحد عنها شيئاً حتى أميط اللثام عن هذه المنظمة عام 1717م، وذلك لدى ظهور ثلاثة من أقطاب اليهود "جوزيف لافي وابنه إبراهيم وإبراهيم أبيود"، وكانوا يحتفظون بنسخة من مبادئ هذه الجمعية وقراراتها وطقوسها وأخذوا يجوبون الأقطار للاتصال بالبقية الباقية من أتباع هذه المنظمة السرية، وكانوا يهدفون إلى استعادة مجد إسرائيل، واسترداد هيكل سليمان في بيت المقدس، ثم قصدوا لندن التي كانت تضم أعظم جماعة من اليهود المنتمين إلى تلك القوة الخفية.
وفي 24 يونيو من العام المذكور، عقد هؤلاء الثلاثة الذين يعتبرون ورثة السر أول اجتماع في العاصمة البريطانية وضموا إليهم اثنين من غير اليهود البسطاء للتمويه والتضليل وقرروا تجديد جمعية "القوة الخفية" ووضعوا لها بعض المبادئ البراقة "حرية، مساواة، إخاء، تعاون" واستبدلوا الرموز القديمة باصطلاحات جديدة كما قرروا تبديل اسم "هيكل" الذي كانوا يستعملونه قديماً باسم "محفل" وتبديل اسم القوة الخفية باسم "البنائين الأحرار" (ماسون تعني بناء). ولأول مرة في التاريخ ظهر لعالم الوجود ما يسمونه بالبنائين الأحرار، وأخذت تنتشر الجمعيات التي تحمل هذا الاسم، وزعم أقطاب اليهود الذين يقفون وراء هذه الجمعيات أن أهدافها نشر المبادئ الإصلاحية والاجتماعية وبناء مجتمع إنساني جديد. وقد استطاعوا أن يتخذوا من أحد أنصارهم "ديزا كولييه" مطية لتحقيق أغراضهم وأطلقوا عليه وعلى من يسيرون على غراره من غير اليهود اسم "العميان" كما أطلقوا على اسم محفل لندن الماسوني المركزي اسم "محفل إنجلترا الأعظم" على أن يكون في مقدمة مهامه دعم اليهود ومحاربة الأديان وبث روح الإلحاد والإباحية.
وللحركة الماسونية تاريخ أسود، وتردد اسمها عند نشأة كثير من الحركات السرية والعلنية وفي مؤامرات عديدة ، وعُرفت بطابع السرية والتكتم وبالطقوس الغريبة التي أخذت الكثير من رموزها من التراث اليهودي وكُتبت حولها الآلاف من الكتب في الغرب وفي الشرق. ومن أهم الحركات والثورات التي كانت الماسونية وراءها الثورة الفرنسية، وحركة الاتحاد والترقي التي قامت بحركة انقلابية ضد السلطان عبد الحميد الثاني ووصلت إلى الحكم ثم ما لبثت أن ورطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى تمزقها وسقوطها.
وقد ظل طابع السرية يلف هذه الحركة في اجتماعاتها ومنتدياتها وتحركاتها حتى طرأ تطور جديد، إذ تجرأت بفتح أبوابها وإعلان نشاطها متحدية كل المشاعر المتأججة ضدها. وكانت تركيا .. المحطة الأولى في المنطقة لإعلان هذا النشاط، ثم جاء الأردن ثانية، ولا ندري أين ستكون المحطة الثالثة؟ الماسونية كما هو ثابت نتاج الفكر اليهودي، وتركيا ترتبط مع الكيان الصهيوني بحلف استراتيجي، فهل هناك علاقة تجمع بين أطراف هذا الثالوث؟ وما قصة الماسونية في تركيا؟.. وماذا فعلت فيها؟ ولنبدأ من البداية :
اسطنبول: أورخان محمد علي. لأول مرة في تاريخه .. المحفل التركي يفتح أبوابه ويمارس نشاطه علناً!
تأسس أول محفل ماسوني في الدولة العثمانية عام 1861م تحت اسم "الشورى العثمانية العالية" ولكنه لم يستمر طويلاًً، فالظاهر أنه قوبل برد فعل غاضب مما أدى إلى إغلاقه بعد فترة قصيرة من تأسيسه. ومن المعروف أن أول سلطان عثماني ماسوني كان السلطان مراد الخامس الشقيق الأكبر للسلطان عبد الحميد الثاني والذي لم يدم حكمه سوى ثلاثة اشهر تقريباً عندما أقصي عن العرش لإصابته بالجنون. وقد انتسب إلى الماسونية عندما كان ولياً للعهد وارتبط بالمحفل الأسكتلندي، كما كان صديقاً حميماً لولي العهد الإنجليزي الأمير إدوارد "ملك إنجلترا فيما بعد" الذي كان ماسونياً مثله، حتى ظنّ بعض المؤرخين أن ولي عهد إنجلترا هو الذي أدخله في الماسونية، ولكن هذا غير صحيح لأنه كان ماسونياً قبل تعرفه إلى الأمير "إدوارد" .(27/64)
وكان من النتائج الخطيرة لتواجد المحافل الماسونية الأجنبية داخل حدود الدولة العثمانية احتضان هذه المحافل حركة "الاتحاد والترقي" وهي في مرحلة المعارضة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأصبحت المحافل الماسونية محل عقد اجتماعات أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بعيداً عن أعين شرطة الدولة وعيونها لكونها تحت رعاية الدول الأجنبية ولا يمكن تفتيشها. ويعترف أحد المحافل الماسونية التركية الحالية وهو محفل "الماسنيون الأحرار والمقبولون" في صفحة "الإنترنت" التي فتحوها تحت رموز: بأنه : " من المعلوم وجود علاقات حميمة بين أعضاء جمعية الاتحاد والترقي وبين أعضاء المحافل الماسونية في تراقيا الغربية، بدليل أن الذين أجبروا السلطان عبد الحميد الثاني على قبول إعلان المشروطية كان معظمهم من الماسونيين".
يقول المؤرخ الأمريكي الدكتور "أرنست أ. رامزور" في كتابه "تركيا الفتاة وثورة 1908م" وهو يشرح سرعة انتشار حركة جمعية الاتحاد والترقي في مدينة سلانيك:
"لم يمض وقت طويل على المتآمرين في سلانيك وهي مركز النشاط حتى اكتشفوا فائدة منظمة أخرى وهي الماسونية، ولما كان يصعب على عبد الحميد أن يعمل هنا بنفس الحرية التي كان يتمتع بها في الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية فإن المحافل الماسونية القديمة في تلك المدينة استمرت تعمل دون انقطاع ـ بطريقة سرية طبعاً ـ وضمت إلى عضويتها عدداً ممن كانوا يرحبون بخلع عبد الحميد."
ثم يقول "ويؤكد لنا دارس آخر أنه في حوالي سنة 1900 قرر "المشرق الأعظم" الفرنسي (أي المحفل الماسوني الفرنسي) إزاحة السلطان عبد الحميد وبدأ يجتذب لهذا الغرض حركة تركيا الفتاة منذ بداية تكوينها. ثم إن محللاً آخر يلاحظ: يمكن القول بكل تأكيد إن الثورة التركية (أي حركة جمعية الاتحاد والترقي) كلها تقريباً من عمل مؤامرة يهودية ماسونية".
ويقول "سيتون واطسون" في كتابه "نشأة القومية في بلاد البلقان": "إن أعضاء تركيا الفتاة ـ الذين كان غرب أوروبا على اتصال دائم معهم ـ كانوا رجالاً منقطعين وبعيدين عن الحياة التركية وطراز تفكيرها لكونهم قضوا ردحاً طويلاً من الزمن في المنفى، وكانوا متأثرين وبشكل سطحي بالحضارة الغربية وبالنظريات غير المتوازنة للثورة الفرنسية. كان كثير منهم أشخاصاً مشبوهين، ولكنهم كانوا دون أي استثناء رجال مؤامرات لا رجال دولة، ومدفوعين بدافع الكراهية والحقد الشخصي لا بدافع الوطنية. والثورة التي أنجزوها كانت نتاج عمل مدينة واحدة وهي مدينة سلانيك إذ نمت وترعرعت فيها وتحت حماية المحافل الماسونية "جمعية الاتحاد والترقي" وهي المنظمة السرية التي بدلت نظام حكم عبد الحميد.
وكما كان عهد الاتحاديين هو العهد الذهبي بالنسبة لليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين كذلك كان العهد الذهبي في فتح المحافل الماسونية في طول البلاد وعرضها في الدولة العثمانية. يقول فخر البارودي في مذكراته واصفاً وضع دمشق بعد وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم : "وقد ساعد الاتحاديين على نشر دعايتهم اللوج ـ أي المحفل ـ الماسوني الذي كان مغلقاً قبل الدستور" ثم يقول: "وبعد الانقلاب فتح المحفل أبوابه، وجمع الأعضاء شملهم وأسسوا محفلاً جديداً أسموه محفل "نور دمشق" وربطوه بالمحفل الأسكتلندي"
ولكي نعرف مكانة المحافل الماسونية لدى أعضاء جمعية الاتحاد والترقي نسوق هنا اعتراف أحد أعضائهم: "كان هناك نوعان من الأعضاء في الجمعية:
أحدهما: مرتبط بالمحفل الماسوني وهذا كنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب والأم، وآخر غير مرتبط بالمحفل الماسوني، فكنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب فقط". وفي كتاب نشره الماسونيون في تركيا تحت عنوان "الماسونية في تركيا وفي العالم" يتحدث عن دور المحافل الماسونية في إنجاح حركة الاتحاديين: "وقد انتشرت الماسونية بشكل خاص في سلانيك وحواليها. ومع أن عبد الحميد حاول أن يحد ويشل الحركة الماسونية هناك، إلا أنه لم يوفق في مسعاه" ، "وقد قامت هذه المحافل، لاسيما محفل "ريزورتا" ومحفل "فاريتاس" بدور كبير في تأسيس وتوسيع حركة جمعية الاتحاد والترقي، كما كان للماسونيين دورهم في "إعلان الحرية" سنة 1908م.
http://www.baladynet.net المصدر:
===========(27/65)
(27/66)
الماسونية في سطور
الماسونية.. اشتقاق لغوي من الكلمة الفرنسية (Macon) ومعناها (البناء) والماسونية تقابلها (Maconne r ies).. أي البناءون الأحرار.. وفى الإنجليزية يقال: فرى ماسون (F r ee - mason) (البناءون الأحرار). وبذلك يتضح أن هذه المنظمة يربطها أصحابها ومؤسسوها بمهنة البناء. وبالفعل يزعم مؤرخوها ودعاتها أنها في الأصل تضم الجماعات المشتغلة في مهن البناء والعمار. وفي هذا التبرير التخفيفي يحاولون إظهارها وكأنها أشبه بنقابة للعاملين في مهن البناء! ولو كانت الماسونية نقابة محترفي أعمال بناء فما الداعي لسريتها وإخفاء أوراقها..؟!
الماسونية هي حركه خطيرة ما إن يطرح اسمها حتى يثور القلق في نفس المستمع. وما أن تذكر حتى ترى الجلساء يبدأون بتعداد مؤامراتها ومكائدها. ويظهرون الحيرة في أمر هذه الحركة.. التي اعتمدت السرية في إخفاء حقيقتها وأهدافها. ولعل ذلك لأن اليهود الذين حاربوا الأنبياء والرسل. وظنوا أنهم شعب الله المختار وأن ما سواهم (غوييم) تنطق الغين حرف g بالإنجليزية. أي أغبياء ضالين يوجهونهم كيف يشاؤون ويصل بهم المستوى للقول: (الغوييم هم حيوانات بصورة بشر) أرادوا أن تكون الماسونية من جملة الأقنعة إلى تستتر مخططاتهم وراءها.
يقول حكماء صهيون في البرتوكول الخامس عشر من بروتوكولاتهم: أنه من الطبيعي أن نقود نحن وحدنا الأعمال الماسونية؛ لأننا وحدنا نعلم أين ذاهبون وما هو هدف كل عمل من أعمالنا. أما الغوييم فإنهم لا يفهمون شيئا حتى ولا يدركون النتائج القريبة. وفي مشاريعهم فإنهم لا يهتمون إلا بما يرضي مطامعهم المؤقتة ولا يدركون أيضا حتى أن مشاريعهم ذاتها ليست من صنعهم بل هي من وحينا!
هذا قليل من كثير جاء عند حكماء صهيون عن الماسونية بأنها من الأدوات الهامة التي يسعون عبرها لتحقيق أهدافهم سواء في بناء مملكتهم المزعومة في فلسطين، وإعادة بناء هيكل سليمان. أو في تحقيق نفوذ لهم في أية حكومة أو مؤسسه يستطيعون النفاذ إليها. أو في نشر الفساد في الأرض، لأن إشاعة التعلق بالمادة والشهوات والأهواء يكشف الثغرات ونقاط الضعف في كل شخص والنافذين بشكل خاص كي يتوجهوا إليه بإشباع هذه الأهواء فيصبح رهينة بين أيديهم يستثمرونه كي يريدون..!
والماسونية تعتمد المنهج اليهودي في الحط من شأن الخالق - سبحانه وتعالى - فكما اليهود في توراتهم المحرفة يقولون في الإتحاد بين الله والإنسان. فيعطون على أساس ذلك لله - تعالى - أوصاف بشريه كقولهم مثلاً:
بكى حتى تورمت عينيه.. ندم على خراب الهيكل..! سمع آدم وقع أقدام الرب في الجنة..!
كذلك الماسون يستخدمون للخالق - سبحانه وتعالى - تعبيرا غامضا هو: مهندس الكون الأعظم! وفي هذا التعبير إنكار واضح لخلق الله - تعالى - المخلوقات من العدم. فالمهندس ليس سوى بان من مواد متوفرة. وقولهم الأعظم يفيد وكأن العمل تم من قبل مجموعه كان هو أعظمها!
فماسونيتهم كما يدعون فوق الأديان وهى عقيدة العقائد لا تعترف بوطنيه ولا قوميه فهي أمميه عالميه تعمل على توحيد العالم وسلام عالمي ولغة عالميه إلى ما هنالك من الشعارات البراقة التي يجد فيها الضعفاء سبيلا للهروب ومبررا لتقصيرهم في جهادهم من إعلاء راية الإيمان وحفظ الأمم والأوطان والمقدسات.
وليست الماسونية حركه منظمه لا يمكن محاربتها وإنما حركه مشتته متعددة النظم محافلها أكثر من أن تعد. وهي متصارعة. وكل محفل فيها يتهم غيره بالخروج عن الماسونية والانحراف عن مبادئها. ففي لبنان وحده وهو بلد صغير هناك عشرات المحافل ولكل واحد منها نظامه ورؤساؤه ومفاهيمه! والماسونية حركه تشكل أداة بيد الصهيونية والاستعمار ولكنها ليست الوحيدة. فمن تفرعاتها أندية الروتارى والليونز التي يتباهى بعض من ينسبون أنفسهم لمراكز دينيه أو ثقافية زورا بالانتماء لها أو حضور احتفالاتها. ومن مثيلاتها حركات هدامة وأبرزها البهائية والقاديانية!
http://www. baladynet. net المصدر:
============(27/67)
(27/68)
الإرهاب الأمريكي البداية والنهاية
المهندس/ حسني إبراهيم الحايك 25/1/1424
28/03/2003
1- المقدمة:
إن المضحك والمبكي في عالمنا الحاضر، عالم ما يسمى بالقطب الواحد، الذي تتحكم به طغمة مهووسة من اليمين الأمريكي المتصهين،والذي يخضع كلياً لمفاهيم توراتية خرافية فرضت عليه إعلان الحرب على الإسلام، تحت مسميات جديدة منها الإرهاب. مع أن الولايات المتحدة تمارس الإرهاب بكافة أشكاله بموجب مسوغات تشوبها الاستخفاف بعقول البشر، وما يسمى بالحضارة الإنسانية.
أمريكا تعلنها حربا على الإرهاب. مع أن ظاهرة الإرهاب تعد من أقدم الظواهر التي هددت أمن البشرية على مدار تاريخها، ولعب اليهود دوراً بارزاً في ذلك ، من خلال إثارة النعرات وإشعال الفتن والحروب. كما أن الاندفاع نحو اتهام العرب والمسلمين بالإرهاب ومطاردتهم في عقر دارهم، إنما يعود ذلك إلى حقد عنصري مشحون بعداء صهيوني عقائدي متجذر في مجموعة كبيرة من المجتمع الأمريكي.
إن ظاهرة الإرهاب من الظواهر التي يجب محاربتها وخصوصا الإرهاب الصهيوني المتمثل بشقيه الصهيوني اليهودي والصهيوني المسيحي، مع التمييز بين أعمال الإرهاب الذي لا يعتمد على أسس إنسانية أو أخلاقية، وأعمال المقاومة المشروعة لتحرير الأرض والإنسان، أو الدفاع عن الحقوق الوطنية أو القومية لأي شعب. وهو نضال مشروع في القانون الدولي، بعكس الإرهاب الذي يهدف إلى بث الرعب في نفوس الآخرين، و الذي يؤدي إلى استخدام أعمال العنف ووسائل القتل والبطش والإبادة من دون تمييز ، بهدف ترويع المجتمعات والدول.ويكون لها غالباً دوافع آنية مرضية تخص مصالح المجموعة أو الدول التي تمارسها. كما هو حال الولايات المتحدة وإسرائيل .فالعوامل الذاتية لا الموضوعية هي التي تتحكم في ضبط مفهوم الإرهاب في هذا العالم أحادي القطبية الظالم.
2- منطق الإرهاب الأمريكي:
إن أغلب الأدبيات الغربية الصحفية والأكاديمية لا تميز بين حركات التحرر والأعمال الإرهابية، بين إرهاب الدولة كحالة إسرائيل والولايات المتحدة، وبين كفاح الشعوب المستضعفة ودفاعها عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وما يؤكد ذلك المفهوم الغربي الخاطئ، ما كتبه (روبرت كوبر) مستشار رئيس الوزراء البريطاني للشؤون الخارجية تحت عنوان "إعادة تنظيم العالم " مبرراً إرهاب الدولة بقوله: " أن التحديات التي تواجه الدول ما بعد المتقدمة تجعلها تستعمل فكرة ازدواجية المعايير، وتتعامل تلك الدول فيما بينها وفق نظم القوانين الأمنية لكن عندما يتم التعامل مع أكثر الدول تأخراً خارج دائرة الدول فوق المتقدمة، تكون الحاجة إلى التحول إلى الوسائل القاسية للعصور الأولى عبر القوة والهجوم المباغت والخداع، وبكل ما هو ضروري للتعامل مع أولئك الذين يعيشون في عالم القرن التاسع عشر… إننا فيما بيننا نتمسك بالقانون، لكن عندما نعمل في غابة يجب علينا استعمال قوانين الغاب."
وهذا هو منطق الإرهاب الأمريكي التي تقوده الآن إدارة بوش ضد العالم تحت شعارات مختلفة وبإلهامات شيطانية متعددة، ومنظريها دائماً الصهاينة ومرجعهم دائماً ما يسمى بالتوراة. فهذا الصهيوني (صموئيل هنتغتون) الذي أطلق نظريته "صراع الحضارات" والتي تنطلق من نفس المفهوم، والتي تستعدي صانعي القرار في الغرب ضد الحضارة الإسلامية . و نظرية أخرى لفوكوياما " نهاية التاريخ" والتي تمجد الحضارة الغربية وتعتبرها أفضل الحضارات، وأحق الثقافات بالبقاء. وبما أن الثقافة اليهودية انتشرت في أوروبا بعد أن كانت حكراً على بعض الحاخامات، على يد الحركة الإصلاحية التي نادى بها مارتن لوثر، وسادت بعد أن كثر أتباع هذا المذهب، فهذا يعني حسب رأي فوكوياما أن السيادة على العالم ستكون للصهيونية. ونظرية أخرى هي نظرية نهاية عصر الأيديولوجيات التي تبشر بسيادة واحدة، هي سيادة الأيديولوجية الأمريكية على سائر الأيديولوجيات.
3- الإرهاب على الإسلام:(27/69)
إنه لا شك إرهاب آخر بلباس عقائدي، فكري، أيديولوجي وثقافي، هدفه القضاء على كل المعتقدات وخصوصاً على الدين الإسلامي . حرب إرهابية عالمية مجرمة (هرمجدون) يقودها بوش على العالم الإسلامي. وكشفت عن ذلك مجلة " موثر جونز" في شهر حزيران 2002 حيث ذكرت: "أن العديد من الدوائر الثقافية الأمريكية المؤثرة، اعتمدت فكرة إشاعة التشكيك في القرآن الكريم من جانب المثقفين الغربيين" ، وانتقدت هذه المجلة عدم قيام العالم المسيحي، والإعلام الغربي عقب 11 سبتمبر، بالتشكيك في صحة القرآن الكريم، كحل لإنهاء ما يسمى بالتعصب الإسلامي وإيجاد بدائل له. وقد نجحت هذه الحملة في دفع العديد من الصحف والمجلات الأمريكية والغربية، والعديد من القساوسة المتصهينين للهجوم على الدين الإسلامي، واعتباره (منبع الشر)، الذي يغترف منه (الإرهابيون)، كما عادت القنوات التلفزيونية الأمريكية والمجلات والجرائد لنصب محاكمات للقرآن الكريم والهجوم عليه. والهجوم المجنون على الرسو صلى الله عليه وسلم ، والمطالبة بتدمير الكعبة المشرفة. فقد ذكرت مجلة (Is r ael Inside r ) :" أن الأمريكيين مثل الإسرائيليين يتميزون من بين الأمم، باحترامهم للحياة البشرية البريئة، وهم لا يستهدفون المدنيين عن قصد وإصرار! وإذا تضرر المدنيون عن غير قصد بسبب العمليات العسكرية تأسفوا على ذلك عن صدق…! ففي مكة يوجد برجان طويلان، في شكل (منارتين شامختين) تحيطان (بعلبة سوداء عريضة)، يعبدها المسلمون، ويتجهون إليها في حجهم المقدس، وإلى هذا الشيء الرمزي يتجه كل المسلمين في صلواتهم ، فلا بد من إقناع المسلمين بشكل لا لبس فيه أنهم لن يجدوا أي قبلة يتجهون إليها حينما يحنون ظهورهم لعبادة (إله الخراب) الذي يعبدونه"
وفي 6/1/2002 ظهر الشيطان الإرهابي الصهيوني (جيري فالويل)، (المعروف عنه إنه كاذب وانتهازي وعائد من أساطير وميثيولوجيات العهد القديم، والذي خدع الشعب الأمريكي حين قال لهم " "أن اليهودي هو بؤبؤ عيني الله ، ومن يؤذي اليهودي كأنه يضع إصبعه في عين الله" والذي قال لهم أيضا: " لا أعتقد أن في وسع أمريكا أن تدير ظهرها لشعب إسرائيل وتبقى في عالم الوجود، والرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهود.") ليقول:"أنا أعتقد أن محمداً كان إرهابياً وأنه كان رجل عنف ورجل حروب". وأساء زعيم آخر للمسيحية الصهيونية وهو (بات روبرتسون) للرسو صلى الله عليه وسلم حين تحدث في برنامج (هانتي وكولمز) الذي تبثه قناة (فوكس نيوز) حيث اتهم الرسول عليه الصلاة والسلام (أنه لص وقاطع طريق). وفي الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية في مدينة (سانت لويس) في ولاية (ميسوري) الأمريكية تحدث قطب آخر من أقطاب المسيحية الصهيونية وهو (جيري فاينر) بافتراءات آثمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم . وخدمة لنفس المخطط الشيطاني تحدث القس فرانكلين جراهام واتهم الإسلام بأنه"ديانة شر" حيث قال في 10/11/2002 :" ينبغي علينا الوقوف بوجه هذا الدين الذي يقوم على العنف… إن إله الإسلام ليس إلهنا، والإسلام دين شرير وحقير".
أستغفر الله العلي القدير، أنني ذكرت عبارات كتبها شياطين الصهاينة الملحدين، وذلك لكشف خططهم الجهنمية الإرهابية وما يخططون له ضد الإسلام والمسلمين وفضح إرهابهم الدموي المهووس. أنهم فئة من الناس اتخذت من الشيطان إلها فعبدته بأسماء مختلفة حسب كتابهم المسمى بالتوراة أو العهد القديم، فهو تارة يسمونه يهوه وتارة يسمونه إله إسرائيل، وتارة يسمونه رب الجنود، وتارة يظهرونه ضعيفاً متردداً غير واثق من نفسه يسير حسب أهوائهم الشريرة، ويقوم بأفعال شريرة ،وتارة يشركون معه آلهة أخرى كما ورد في كتابهم :" الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة، لأنه في الشيء الذي بغوا به كان عليهم". وتارة يصورونه لاجئاً يسكن خيمة يسير بها أمام شعب إسرائيل كما ورد في كتابهم:" وفي تلك الليلة كان كلام الرب إلى ناثان قائلاً اذهب وقل لعبدي داود هكذا قال الرب. أأنت تبني لي بيتاً لسكناي. لأني لم أسكن في بيت منذ يوم أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم، بل كنت أسير في خيمة وفي مسكن". وتارة جاهل لا يعلم بما يعمل، ويتراجع ويندم عما فعل مثل "رأى الرب فندم على الشر".
عن أي إله يتحدثون أنه الشيطان الرجيم الذي حرك غرائزهم المجنونة، فمجدوا الرذيلة، ولعنوا الفضيلة ، وقلبوا موازين الأخلاق، حتى غدا التزوير والتدليس والكذب الصفات الملائمة للسياسة العالمية، التي تقودها الصهيونية بشقيها اليهودي والمسيحي. ومن ضمن هذا التزوير مصطلح مكافحة الإرهاب. والحقيقة أن القائمين على فكرة مكافحة الإرهاب، هم أنفسهم من زرع كياناتهم الإرهابية على صدور أهلها المسالمين، ولعل أباده الهنود الحمر في أمريكا، وإبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه لأصدق دليل على ذلك. أصبح النعت بالإرهاب من أسلحة العصر الحديث يستخدمها الصهاينة في مخططهم العالمي لمحاربة الإسلام، هذا نفسه منطق الإرهاب الأمريكي الذي تقوده الصهيونية المسيحية.
4- العهد القديم هو سبب الإرهاب العالمي:(27/70)
المراقب للتاريخ الأمريكي تصدمه وقائع الطريقة التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع شعوب العالم الأخرى، بل مع الشعب الأمريكي نفسه، فلذلك سنسلط الضوء على الأسباب والخلفيات والدوافع لهذا الإرهاب الأمريكي بشقيه الداخلي والخارجي. ومن أين أتى هذا الحقد على الله ورسله وأنبيائه؟ ومن أين أتت هذه العنصرية والتعصب الصهيوني الأعمى؟ ومن أين أتى هذا الإرهاب على الإسلام والمسلمين؟
يعتقد معظم الباحثين أن ما يسمى التوراة أو العهد القديم هو عصب العنصرية والتعصب والإرهاب الصهيوني بشقيه اليهودي والمسيحي. فالعهد القديم يذخر بأيديولوجية الحرب والإبادة والسحق والإرهاب، والحرب لا تذكر في العهد القديم كحالة دفاعية بل هي النموذج الواضح للإرهاب الحقيقي، من خلال الدعوة لسحق الشعوب وامتلاك أراضي الغير، والسيطرة على مقدرتها، والتحكم بها. والتي تدفع اليهود بالإيمان أنهم شعب الله المختار، والآخرين هم مخلوقات خلقهم الله على هيئة بشر ليليق بهم خدمة بني إسرائيل. إن العهد القديم مليء بالنصوص العنصرية التي تصف اليهود بذلك، ومن عداهم هم الأغيار. وفكرة الاختيارية غير المشروطة تتناقض مع السنة الإلهية كما وردت في القرآن الكريم، حين وصف رب العزة الأمة الإسلامية بالخيرية وجعلها مشروطة بقوله تعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". أما فكرة الاختيارية التوراتية فقد تحولت إلى مزاعم عنصرية عقيدية تقوم على الاصطفاء والاستثناء والاستعلاء والعداء وادعاء القداسة، وهذه المزاعم لا يمكن أن تصدر عن رب عادل حكيم. وهذا ما يؤكد أن الاختيارية عند أتباع العهد القديم ما هي إلا الهامات وآيات شيطانية كتبها الحاخامات والفريسيون من اليهود، فمثلا ورد في (أشعيا 61/5):" أما أنتم فتدعون كهنة الرب… تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمرون." وورد في (يوشع 23/12):" إذا رجعتم ولصقتكم ببقية هؤلاء الشعوب… فاعلموا يقينا أن الرب إلهكم لا يعود يطرد أولئك الشعوب من أمامكم، فيكونوا لكم فخاً وشركاً…حتى تبيدوا عن تلك الأرض الصالحة التي أعطاكم الرب إلهكم" كما ورد في (العدد 33/55):" إن لم تطردوا أهل الأرض من وجهكم كان من تبقونه منهم كإبرة في عيونكم وكحربة في جنوبكم،ويضايقونكم في الأرض التي أنتم تقيمون بها". وأمام هذه العنصرية الواضحة، والتي تكرسه الصهيونية . (ألا يكفينا مراهنة على اتفاقيات السلام مع هؤلاء القتلة الإرهابيين الذين تحثهم توراتهم بأن يأخذوا الأرض كلها) ، ويشردوا ويبيدوا الفلسطينيين، كما أباد الأمريكان الهنود الحمر . ولكي نعلم أن في كلا الحالتين كان العهد القديم هو الدافع. ففي منتصف القرن السابع عشر ترسخ لدى المستوطنين الأمريكيين نموذج روحي لما يسمى العهد القديم العبري، فقد أطلق المستعمرون الأوائل لأمريكا على أنفسهم " أطفال إسرائيل" وهم في طريقهم إلى الأرض الموعودة ، واحتفلوا بيوم السبت كيوم راحة لهم ، وادعت طائفة ( المورمونية) وهي من طوائف البروتستانت أنها تاهت في صحراء أمريكا العظيمة، مثلما تاه اليهود في صحراء سيناء، واستقرت أخيراً في الأرض الموعودة في ولاية يوتاه، وغيرت أسم نهر كولورا إلى نهر باشان المذكور في التوراة.
ويؤكد الكاتب حسن الباش ذلك في مقالته (الأنجلوسكسونية عقدة المحورية وفلسفة التفوق) حين يقول: " كانت مطاردة مهاجري أوروبا للهنود الحمر في العالم الجديد الأمريكي مشابهة لما جاءت به التوراة في مطاردة العبريين القدماء للكنعانيين في فلسطين حسب ادعائهم . وقد أوجد التشابه في هذه التجربة قناعة وفلسفة ووجدانا متشابهاً ومشتركاً بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية في العصر الحديث. " وهنا أود أن أنوه بأن قراءة النصوص القديمة لجميع شعوب المنطقة تكشف لنا أن تلك الشعوب الوثنية ومن ضمنها العبرانيون، صنعت آلهة لنفسها، وتلقت وعوداً شبيهة من ما يسمى بآلهتها، شرعت لهم احتلال أراضي الغير (حسب دراسة السيدة فرانسواز سميت أكدها الفيلسوف روجيه جارودي) كما أن هذا يؤكد أن إيمان اليهود وغيرهم من بعض الطوائف المتهودة بالعهد القديم المسمى التوراة، وهو كتاب وثنيّ بسبب إشراك من كتبوه وادعوا بوجود آلهة،أعطوا بعضهم من صفات الخالق ما لا يليق أن تذكر إلا لرب العالمين. و هو ليس الكتاب الذي أنزل على سيدنا موسى عليه السلام، فيكون اليهود بذلك ومعهم المؤمنون بالعهد القديم وثنيون. فكفى مكابرة من بعض علماء الإسلام، الذين يتحاورون تحت شعار حوار الديانات.(27/71)
كما أسلفنا أن ثقافة التوراة هي ثقافة عنصرية إرهابية تدعوا إلى رفع اليهود فوق القانون البشري، حيث يطبق القانون البشري على جميع الشعوب، لكنه لا يطبق على اليهود. فلذلك نجد في عالم القطب الواحد إن قرارات الأمم المتحدة تطبق على كل بقاع الأرض لكنها لا تطبق على الكيان الصهيوني! فلذلك يقول التلمود (وهو كتاب مؤلف يجمع أقوال حاخامات اليهود الشريرة، ووصايا قادتهم القتلة، وموجهيهم أشباه الشياطين، وهو بشري المصدر إلا أنه له قداسة التوراة في نفوس أتباعه): "من العدل أن يقتل اليهودي كل من ليس يهودياً، لأن من يسفك دم الغرباء يقدم قرباناً لله" وهذا ما حدث مثلاً وليس على سبيل الحصر، في جريمة العصر لبشاعتها والتي وردت تفاصيلها على لسان اليهودي موسى أبو العافية أحد المجرمين المشتركين في جريمة ذبح الأب توما الكبوشي في حي اليهود في دمشق سنة 1840، والذي ذبح وبعد ذلك قطع إرباً ليرمى في المجاري، بعد أن سحب دمه لاستخدامه في عجين فطير الفصح عند اليهود، حيث اعترف بجريمته وقال: "الدم يوضع في الفطير، ولا يعطي هذا الفطير إلا للأتقياء من اليهود" هذه الجريمة الإرهابية التي هزت مشاعر العالم الإسلامي والمسيحي، وكتب حولها العديد من الكتب كشفت عن الخلفية الإجرامية لليهود والتي كان سببها الخلفية التوراتية الإرهابية لدى الحاخامات المجرمين الذين أمروا بذلك.كما أن تلمود برانايتس (ص 112) يحث اليهود على قتل المسيحيين فيقول: " على اليهود أن لا يفعلوا مع الأغيار لا خيراً ولا شراً وأما مع النصارى فيسفكوا دمهم ويطهروا الأرض منهم … كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام فيجب على اليهود تخريبها" . وهذا ما فعلوه بكنائس بعض طوائف المسيحييه في الولايات المتحدة بأمثال جيري فالويل وبات روبرتسون، وجيري فاينر وفرانكلين جراهام.
أن التربية الإرهابية عند أتباع العهد القديم تقوم على أن مواجهة أعدائهم تستلزم افتراسهم وشرب دمهم، وعلى هذه المفاهيم تقوم التنشئة العسكرية عندهم، ولها سند من كتابهم حيث ورد في سفر العدد 23/24" هو ذا شعب كلبوه يقوم وكشبل ينهض لا يربض حتى يأكل الفريسة ويشرب دم الصرعى" ، كما ورد في العهد القديم: " حين سمع الشعب صوت البوق هتف هتافاً عظيماً فسقط السور في مكانه وصعد ( الشعب) إلى المدينة وذبحوا كل ما في المدينة من رجل وامرأة ومن طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف". وورد في سفر حزقيال في وصيته لبني إسرائيل:" لا تشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا حتى الهلاك." .وورد في سفر التكوين "اضرب أهل تلك المدينة بحد السيف بجميع ما فيها حتى بهائمها".
إن هذه النصوص من التوراة والتلمود هي قليل من كثير لا يتسع المجال لذكرها لكنها تعبر عن الأساس العقدي والمنظومة الفكرية الذي تأسس عليها الفكر الإرهابي بشقيه الصهيوني اليهودي، والصهيوني المسيحي . وهي التي تحاول دائماً بدفع هذه التهمة الفعلية عنها وإلصاقها بالإسلام. الذي هو دين رحمة وخير ومحبة وعدل ومساواة للبشرية جمعاء، حيث لا فضل لعربي على أعجمي إلابالتقوى. وهذه الحقائق لم يثبتها ويؤكدها كتاب الإسلام فقط،بل أكدها مؤرخو الغرب ومفكروه وباحثوه من خلال تفاعلات المسلمين مع الشعوب الأخرى، ولعل انتشار الدين الإسلامي في أوروبا وأمريكا لأسطع دليل على ذلك ، ويكفي أن نذكر في هذا المضمار الحديث النبوي الشريف، حيث قال رسول ا صلى الله عليه وسلم (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً…) وأوصى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أسامة بن زيد، فقال: " لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله".
كان لا بد من كشف الحقائق لفضح التدليس الذي يمارسه اليهود ومن يؤمن بالعهد القديم على العالم، من خلال إيحائهم للناس أن دينهم الذي يمارسونه المنبثق من توراتهم الحالية هو ما إنزل على سيدنا موسى عليه السلام في جبل الطور في سيناء. لكن الحقيقة أصبحت واضحة، بعد اختفاء التوراة الحقيقية مع نهاية حكم سيدنا داود وسيدنا سليمان عليهما السلام. وما يسمى كتاب التوراة هو الذي كتبه اليهود بعد مئات السنين من وفاة سيدنا موسى، و هذا هو الكتاب الذي بين أيديهم ما هو إلا رسالة شيطانية أوحى بها الشيطان لأشراره من اليهود بكتابتها، فجاء بدين عجيب، حيث أن إلههم فيه إله عجيب، إله جاهل حيناً (حسب كتابهم) وضعيف حيناً آخر، إله يفضل سكن البيوت بين شعبه، إله إرهابي متعطش للإرهاب وسفك الدماء، وحرق شحوم ضحاياهم.لأنه يحب رائحة الشحوم المحروقة التي تبعث في نفسه السرور والبهجة. وأمام هذه المعطيات فلنتلمس طريقنا لفهم الإرهاب.
5- ما هو الإرهاب؟(27/72)
الإرهاب كلمة مشتقة من الفعل أرهب، يقال أرهب أي خوف وفزع، ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يذكر مصطلح الإرهاب بهذه الصيغة ، إنما ذكر صيغ مختلفة تدل على الخوف والرهبة والتعبد لله رب العالمين وتخويف وترهيب أعداء الله من الكفرة والمشركين، فورد في سورة البقرة: " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيايّ فارهبون" (آية ـ40)وفي سورة الأنفال ورد :" ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم" (آية 60) وفي سورة الأعراف ورد " واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم" (آية 116). فلذلك الإسلام واضح في موضوع الإرهاب من خلال القرآن الكريم. أما بالنسبة للإرهاب بالثقافة الغربية، فيرجع استخدام كلمة إرهاب تاريخياً للدلالة على نوع الحكم الذي لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية في عاميّ (1793 -1794) ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة الفرنسية. وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التي يطلق عليها ( r eign of Te r ro r ) اعتقال ما يزيد على 300 ألف مشتبه وإعدام 17 ألف فرنسي بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة . (والمتتبع لهذه المرحلة يعلم دور اليهود والماسونية في هذا الإرهاب).ولعل قبل ذلك كانت محاكم التفتيش في أسبانيا ضد الأقليات الدينية من أهم المحطات الإرهابية في تاريخ الثقافة الغربية. ولعل الحروب الصليبية هي صورة متكاملة لإرهاب الممالك والإمارات الغربية ضد المسلمين ، وهذا ما يتغنى به الآن الرئيس الأمريكي جورج بوش حين أعلنها حرباً صليبية للقضاء على ما يسمى (بمحور الشر) والذي أثبتنا في مقدمة بحثناً من هو محور الشر. وقد تبنت قبله بعض الدول الإرهاب كجزء من خطة سياسية للدولة، مثل الكيان الصهيوني، ودولة هتلر النازية في ألمانيا، وحكم موسوليني في إيطاليا، ومعظم الدكتاتوريات المدعومة من أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم ممارسة إرهاب الدولة المنظم تحت غطاء أيديولوجي لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية.
الإرهاب الدولي والعنف السياسي: يعرف الإرهاب الدولي بأنه نوع من العنف غير المبرر، وغير المشروع بالمقياسين الأخلاقي والقانوني الذي يتخطى الحدود السياسية. ويختلف الإرهاب عن ممارسة العنف السياسي الداخلي التي قد تنتهجها بعض القوى الرافضة لبعض المظالم الاجتماعية أو السياسية أو العرقية أو الأيديولوجية داخل الدولة الواحدة للنيل من السلطة الشرعية أو السلطة المستبدة المفروضة من قوى الهيمنة الخارجية كما يختلف عن نضال الشعوب لنيل حرياتها أو لتحرير أرضها من عدو مغتصب.
إن منطق الاستعمار دفع أعظم دولة في العالم لتمارس الإرهاب الدولي لتحقيق مآرب سياسية وسيطرة دولية تحقيقا لما يسمى نبوءات توراتية، وبث الرعب والفوضى في العالم. وعندما نصف ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم بالإرهاب فإننا لا نقول ذلك جزافاً بل نستند على التعريف الأمريكي ذاته للإرهاب، بحيث يعرف على أنه: "الاستعمال المحسوب للعنف أو التهديد بالعنف للوصول إلى أهداف ذات طابع سياسي أو ديني أو أيديولوجي (أليس هذا ما يحصل الآن مع العراق). إن إدخال العالم في متاهات ما يسمى بحرب الإرهاب المبهم، قد جرت العالم إلى تحديات كبرى وحروب وأزمات لا يمكن التنبؤ بنتائجها.وأدت إلى بروز الكثير من الملفات العالقة والقضايا الساخنة والخلافات المستعصية ليتم حسمها حسماً أحادي الجانب في ظل ما يسمى الحرب على الإرهاب، خدمة لإسرائيل وللمشروع التوراتي العالمي. كما أججت الحملة الأمريكية الإعلامية والعسكرية إلى زيادة العداء بين الشعوب والدول تحت مفهوم من معنا ومن ضدنا الذي أطلقه بوش، وأوجدت مناخاً مناسباً لنمو الأجنحة القومية المتطرفة في العالم. وراحت الولايات المتحدة بقيادة اليمين المسيحي المتصهين تتصرف بغرور وتيه ضاربه بعرض الحائط بمعاناة وجوع شعوب العالم الثالث. فرفضت مؤخراً محكمة دولية لجرائم الحرب، ورفضت اتفاقاً يحظر استخدام الأسلحة الجرثومية، وانسحبت من معاهدة كيوتو، ومن مؤتمر دوربان، وسعت إلى تفكيك معاهدة الصواريخ البالستية، وأعطت الغطاء والدعم للإرهاب الصهيوني الشاروني ضد الشعب الفلسطيني ومدنه وقراه في الضفة الغربية وقطاع غزة .وتمحورت الأجندة السياسية للتيار اليميني الديني ، داخل الإدارة الأمريكية حول أربعة مبادئ أساسية، على رأسها ، رفض العمل الجماعي، وأن يكون العمل الدولي تحت قيادة أمريكية، أو بمبادئ أمريكية و إلا أصبح مرفوضاً، ولعل هذا المبدأ يفسر لنا بوضوح أسباب تحلل إدارة بوش من أغلب الاتفاقات الدولية، التي انضمت إليها الولايات المتحدة سواء بالتوقيع أو بالتصديق أو الموافقة.
أما المبدأ الثاني يتجسد بإعلاء فكرة الهيمنة الأمريكية ورفض بزوغ أية قوة مضادة ورفض فكرة التعددية القطبية أو التنوع بتوزيع القوة.(27/73)
أما المبدأ الثالث فهو تعظيم استخدام القوة العسكرية وتقديمها على مختلف الأدوات الأخرى في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية وهذا ما حصل في أفغانستان وهذا ما ينتظر حصوله في العراق، فليس غريباً أن نلحظ الآن مثلاً إصرار الإدارة الأمريكية على استخدام القوة العسكرية ضد شعب العراق.
أما المبدأ الرابع فهو أن تفرض الولايات المتحدة هيمنتها الفكرية والثقافية على العالم ، من خلال التبشير بالقيم الأمريكية ، وهو ما يفسر أسباب مطالبتها بعض الدول العربية بتغيير المناهج الدينية وتغيير منظومة القيم داخل هذه المجتمعات بحيث تتواءم مع المنظومة الثقافية الأمريكية.
6- الإرهاب الأمريكي ضد العراق:
وأمام هذا التحدي المصيري الذي يواجه أمتنا الإسلامية والعربية انشغل حكامنا ومفكرونا ومثقفونا بكيفية دعم الولايات المتحدة في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب، لأنه وللأسف انتشر عند بعضهم ثقافة تسمى بثقافة الهمبرغر، وأعجب هؤلاء بالنمط الأمريكي المتصهين أو هادنه البعض خوفاً من جبروته ، أو طمعاً عند الآخرين ببعض الامتيازات التي يمكن أن يحصلوا عليها . وأخذوا كغيرهم من التوراتيين يمهدون لإقامة مملكة إسرائيل الكبرى، هذا الحلم الذي أخذ بالإنهيار تحت ضربات شباب الانتفاضة الفلسطينية.وصمت الجميع عن الإرهاب الأمريكي الفاضح ضد شعوبنا الإسلامية ، فقرى كاملة دمرت بأحدث أسلحة الإرهاب الأمريكي وعشرات الآلاف من العائلات شردت بلا مأوى، والآلاف يموتون كل يوم تحت تأثير الحصار والقصف والتجويع في العالم الإسلامي. وهذا هو حال شعب العراق الذي يرهب كل يوم، ويهدد بأسلحة الدمار الشامل، ولا ذنب له سوى أن كتبة التاريخ تناسوا كل الفاتحين والغزاة الذين قدموا إلى أرض فلسطين ولم يذكروا فقط سوى تدمير مملكتا إسرائيل ويهودا في عامي 720 ق.م و586 ق.م. (مع العلم أن هذا التاريخ يتحدث عن تجمع اليهود فقط على جزء يسير من أرض فلسطين يمتد بين صحراء النقب ومرتفعات الجليل في مناطق محدودة، ولم تعمر طويلاً، وتعاقب على حكمها ثلاثة ملوك فقط هم شاؤول، وداود، وسليمان، ثم ما لبثت هذه المملكة الصغيرة أن انقسمت إلى مملكتين أصغر في الشمال وعاصمتها السامرة وهي قرية سبطية الآن، ومملكة يهوذا في الجنوب عاصمتها أورشليم ، والتي كانت أيضا قرية صغيرة).
فأرادت الصهيونية المسيحية أن تنتقم من الآشوريين والكلدانيين الذين دمروا مملكتا إسرائيل ويهودا، وكان من قدر العراق أن الآشوريين والكلدانيين خرجوا منه. ولأن كل صهيوني مسيحي حتى الرئيس جورج بوش يقرأ في صلاته دائماً:"… يا بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا، طوبى لمن يمسك أطفالك ويهشم على الصخرة رؤوسهم". إنه إرهاب من نوع جديد تحاكم به الأجيال بعد آلاف السنين على أمر قد فعل قبل آلاف السنين. أكدت ذلك وزيره الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت لمراسلة (سي بي أس) في 11/5/1996 حين سألت سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي توفوا حتى الآن، وهذا العدد يفوق بكثير عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما وأنت تعلمين بذلك ، فهل يستحقون ذلك ؟ فأجابت أولبرايت:" أنا أعتقد أن الخيار صعب للغاية، ولكن هل يستحقون ذلك أم لا، نعم أنا أعتقد أنهم يستحقون ذلك". (عن ماذا يتحدثون إنه بكل بساطة عن قتل نصف مليون طفل عراقي! أليس هذا إرهاباً دموياً).
7- هدف الإرهاب الأمريكي:
تغلغل اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية في جميع مناهج وأساليب حياتها ومعتقداتها، حتى غدا العهد القديم المسمى بالتوراة أساس المعتقد للمسيحيين الإنجيليين، ويطلق على أتباع هذا المعتقد (المولودون من جديد) وهو معتقد يؤمن به أكثر من نصف المجتمع الأمريكي، وهو ذات صبغة عسكرية سياسية أساسه تعاليم التوراة، ويهدف هذا المعتقد على تجميع اليهود في فلسطين، وبناء الهيكل فوق أنقاض المسجد الأقصى وإشعال حرب كونيه تسمى هرمجدون بين ما يسمى بقوى الخير وما يسمى بقوى الشر، تمهيداً لنزول المسيح ليقيم حسب معتقداتهم الألفية السعيدة. ولعل هذا المخطط الإرهابي الصهيوني والشيطاني أصبح، مكشوفاً، بعد أن تنبه لهذا الخطر الكثير من الكتاب والباحثين في العالم. فتحت عنوان (أي مستقبل لإسرائيل ) كتب الوزير اللبناني السابق ميشال اده في صحيفة النهار اللبنانية في 26/1/2003: أن الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية تتعرض الآن لحملات شرسة من جانب اللوبي الصهيوني على كل الصعد. وهي تعاني الأمرين اليوم في الولايات المتحدة من هذه الظاهرة (المسيحانية) ومن تفشي حضورها وبروزه المتفاقم مع مراكز القرار السياسي والإعلامي والاجتماعي الأمريكي. وهي تقاوم بكل ما تملك من إمكانيات هذه المغامرة المدمرة التي يحاول الصهاينة و"المسيحانيون" المندرجون تحت معطفها أن يزجوا بالولايات المتحدة والمسيحيين الأمريكيين والشعب الأمريكي في غمارها، وفي لجة أخطارها الكارثية على العالم".(27/74)
وصدر كتاب (الأخوة الزائفة) لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي (جاك تيني) الذي أعده على أثر تكليف حكومة كاليفورنيا له لقيادة فريق عمل للتحري عن قوة خفية تسيطر على اقتصاد الولاية. وفي مقدمة كتابه صرخة تقول:" إن هذا الكتاب ليس إلا صرخة لأبناء الولايات المتحدة والغرب والعالم أجمع يحذرهم من الصهيونية التي تسعى للسيطرة على البلاد وتغيير معالمها وتدمير الأمم والقضاء على كافة الأديان… إنها القوى الصهيونية الخفية التي ورطت أمريكا في الحروب العالمية والحروب الفرعية الأخرى… والقوى الصهيونية هي التي ستكون السبب في حرب عالمية ثالثة لإخضاع الدول العربية لإسرائيل وجعلها دويلات قزمه تدور في فلكها … ولا شك أن هذه المعادلة ستدفع العالم الإسلامي والعالم الغربي المسيحي في مواجهة دينية، وستضرب الكيانات العربية القوية اقتصادياً أو مالياً، وسيعم الفقر كل المنطقة المحيطة بإسرائيل، هذا بالإضافة لموت أعداد كبيرة من العرب والمسلمين، وفي نفس الوقت تصبح أمريكا منهكة مما يساعد بيوت المال اليهودية من إحكام القبضة عليها وعلى الدول الأوروبية. وبذلك يتوفر لإسرائيل القوة التي تستخدمها في الوقت المناسب، حيث يضعف العالم كله، ويمكن عندئذ أن تنصب ملكاً يهودياً على العالم (من كارثة الخليج .. إلى المذبحة إلى الحرب العالمية الثالثة .. إلى المجهول .. الأستاذ عادل رمضان) تأكيداً لما ورد في الكتاب المقدس (مزمور .. 149): " ليبتهج بنو صهيون بملكهم … ليصنعوا نقمة في الأمم وتأديبات في الشعوب لأسر ملوكهم بقيود، وشرفائهم بكبول من حديد، ليجروا بهم الحكم المكتوب".
وورد في المحضر الخامس من بروتوكولات حكماء صهيون:"… سوف نقود المسيحيين إلى الفوضى العارمة التي تدفعهم إلى مطالبتنا بحكمهم دوليا…" نعم إنه ليس إرهابا فقط بل مجزرة عالمية ضد الإسلام والمسيحية تقودها الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية.
8. أمريكا لا يمكن أن تكون مصدراً للقيم في العالم:
نحن المسلمين والعرب كتب علينا أن لا نموت، ولا تخرب ديارنا، ولا يقتل لنا قتيل إلا بالسلاح الأمريكي، وعجبي ممن يهتف تحيا أمريكا! نجوع لتشبع أمريكا، والمثال الأعلى لمعظمنا الديمقراطية الأمريكية، وحقوق الإنسان الأمريكي والليبرالية الأمريكية . مع أن المجتمع الأمريكي هو مجتمع هش معنوياً وأدبياً وأمنياً، ومن الممكن أن يتعرض للانهيار العام في أية لحظة (وتجربة لوس أنجلوس) شاهد على ذلك. واعتقد أننا لا يمكن أن نفهم الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مستشار الأمن القومي الأمريكي زينو برجينسكي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي ذكر في كتابه "الفوضى" عن مدى التناقض الذي يميز نظرة العالم للولايات المتحدة ونظرة الأمريكيين أنفسهم لها حيث قال : "إن العالم قد أصيب بعدوى القيم والصور التي يفرضها الإعلام الأمريكي عليه وهو ما يسمى بالإمبريالية الثقافية، فهل حقاً تستحق الولايات المتحدة أن تكون مصدرا للقيم في العالم حتى وإن حازت على مفاتيح القوة الاقتصادية والعسكرية… إن مستوى التعليم في أمريكا متدن جدا بالمقارنة بالدول الأوروبية وحتى تلك في جنوب شرق آسيا… هناك 23 مليون أمريكي يعيشون في جهل تام. وإن أحياء الفقراء تتميز بانعدام وجود بنية تحتية تصلح للعيش الآدمي، وقد تشكلت ملامح ثقافة جديدة تسمى "ثقافة المخدرات" على اعتبار أن هذه السموم قد أصبحت نمط الهروب النفسي من المشاكل التي يعانيها الأمريكيون… والعائلة انهارت كمركز للمجتمع الأمريكي لاستفحال الإباحة الجنسية والشذوذ الذي أدى إلى استشراء "الإيدز"، فضلا عن الدعاية الهائلة للفساد الأخلاقي من خلال الإعلام المرئي". كما علق المؤرخ الأمريكي تيد هاير على تورط الرئيس كلينتون في فضيحة مونيكا ليوينسكي، واستمرار تأييد الرأي العام الأمريكي له على الرغم من ذلك قائلا : " إن أمة تقبل أن يقودها شخص على هذا القدر من الانحطاط الأخلاقي لا يمكن أن تستمر في تبوأ قيادة هذا العالم".
9- أمريكا بلد قام على الإرهاب:(27/75)
إن المراقب للتاريخ الأمريكي تصدمه وقائع الطريقة التي تعامل بها الأمريكيون مع شعوب العالم، إذ سرعان ما يكتشف المرء أن لا فرق بين نظرة اليهود إلى الأمميين ونظرة الإنجلوسكسون إليهم. والسبب هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تشكلت بعد اكتشافها من عناصر انكلوسكسونية كان الغالب عليها العرق البريطاني الأبيض الذي يشمل الإنجليز واليهود الغربيين، ورافقت حملات الإرهاب والإبادة ضد الهنود الحمر حملات الإسترقاق من أفريقيا، والتي كان أهم تجارها من البروتستانت واليهود، وجميع الوثائق التاريخية تشير إلى ذلك دون مواربة أو تعصب أو اتهام. وراحت الولايات تتشكل حتى جرت أحداث الحرب الأهلية الأمريكية بين الجنوب والشمال، وانجلت عن تشكل ما يسمى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع مطلع القرن السابع عشر كان عدد الهنود الحمر في عموم القارتين الأمريكتين أقل من ثماني ملايين، بعد أن كان أكثر من خمسين مليونا، لنرى حجم الإرهاب الأمريكي ضد الشعوب الأصلية التي سكنت تلك الأرض. لنثبت حجم الإرهاب اللا إنساني الذي قام به المستعمرون الأمريكان لتلك الارض.و يكفينا أن نذكر أنه في عام 1730 أصدرت الجمعية التشريعية ( البرلمان) الأمريكي لمن يسمون أنفسهم (البروتستانت الأطهار) تشريعاً تبيح عملية الإبادة لمن تبقى من الهنود الحمر، فأصدرت قرارا بتقديم مكافأة مقدارها 40 جنيها مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر،و40 جنيهاً مقابل أسر كل واحد منهم، وبعد خمسة عشر عاماً ارتفعت المكافأة إلى 100 جنيه و50 جنيه مقابل فروة رأس إمرأه أو فروة رأس طفل (هذه هي الحضارة الأمريكية التي يتشدق بها بعض المفكرين).
وفي عام 1763 أمر القائد الأمريكي (البريطاني الأصل) جفري أهرست برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري إلى الهنود الحمر بهدف نشر المرض بينهم مما أدى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت الملايين من الهنود، ونتج عن ذلك شبه أفناء للسكان الأصليين في القارة الأمريكية. إنها حرب جرثومية بكل ما في الكلمة من معنى، ونشر مرض الجدري من أسلحة الحرب الجرثومية وكان أخطر ما فيه أنه لم يكن لهذا المرض أي وجود في القارتين الأمريكتين، يعني ذلك أن هذا المرض لم يكن مستوطنا هناك، ويعني هذا أيضا أن السكان الأصليين ليس لديهم أية مناعة ضد هذا الوباء الجرثومي. والمجرمون الذين استخدموا هذه الأسلحة الجرثومية يعلمون بأنه سيفتك إلى حد الإبادة بالهنود الحمر ورغم ذلك استخدموه فكانت هذه الحادثة هي أول وأكبر استخدام لأسلحة الدمار الشامل بشكلها الشامل ضد الهنود الحمر، حتى أن القنابل النووية التي أطلقت بعد ذلك بما يزيد عن قرن ونيف على هيروشيما وناكازاكي لم تكن أكثر فتكاً من جرثومة الجدري المستخدمة ضد الهنود، حيث قتل من اليابانيين 5% من عدد ضحايا الهنود في تلك المجزرة. حتى في موضوع استخدامات أسلحة الدمار الشامل لا يسعنا إلا أن نذكرأن أمريكا أكثر من استخدم أسلحة الدمار الشامل في العالم. فهي استخدمت الأسلحة الجرثومية بشكلها الواسع وقتل أكثر من سبعه مليون هندي أحمر. وأمريكا أكثر من استخدم الأسلحة الكيميائية في الحرب الفيتنامية وقتل مئات آلاف من الفيتناميين. وأمريكا أول من استخدم الأسلحة النووية في تاريخ البشرية. وأمريكا أول من صنع الأسلحة الهايدروجينية وأمريكا أول من صنع الأسلحة النيوترونية. وبعد شبه فراغ القارة الأمريكية من الهنود الحمر، اضطر الغزاة الإرهابيون إلى البحث عن قرابين بشرية جديدة يكلفونها بتعمير القارة التي أبادوا سكانها. وبعد أن فشلت حملاتهم على شمال أفريقيا، ودفنت أحلامهم وقتل ملوكهم في معارك وادي المخازن بالمغرب، بعد كل ذلك اتجهوا إلى أفريقيا السوداء وبدأت ثاني أفظع جريمة إبادة وتهجير في التاريخ، وهي تجارة الرقيق الأسود بعد اصطيادهم وأسرهم من السواحل الأفريقية في عمليات إجرام خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي أدت بدورها إلى مآسي طالت خمسين مليون أفريقي أسود تم شحنهم من أنحاء القارة الأفريقية وقد هلك معظمهم قبل أن يصلوا إلى العالم الجديد، مما لقوا من العذاب والجوع والقهر ، حيث تم قتل الكثيرين منهم لمجرد نشوة القتل والتسلي بهم، هل هناك إرهاب أفظع من ذلك؟ والعجيب في الأمر أن أمريكا هي التي أحبطت في مؤتمر دوربان عام 2001 مطالب الأفارقة بالتعويض عما حدث لهم، بل رفضت أن يقدم لهم مجرد اعتذار. ولعل الدافع وراء ذلك المفاهيم التوراتية فحسب ايالكوت سيموني (245c.n.772) :" كل من سفك دم شخص غير يهودي عمله مقبول عند الله، كمن يقدم قرباناً إليه" لذلك يعتقدون أنهم بهذا الإرهاب والقتل والبطش والتشريد والذبح إنما يقدمون قرابين إلى إلههم الذي يدعوهم لفعل ذلك، فكيف يعتذرون عن ذلك.(27/76)
وفي الحرب العالمية الثانية في معركة واحدة دمرت الطائرات الأمريكية بالقذائف والنابالم الحارق في طلعة جوية واحدة 61 ميلاً مربعاً، وقتلت 100 ألف شخصاً في عمليات جحيم مستعر شمل طوكيو و46 مدينة يابانية أخرى، وكانت نتائجها أفظع من نتائج استخدام الأسلحة النووية، وقبل أن تستخدم أسلحتها النووية فوق مدينتي هيروشيما وناجازاكي، التي حصدت بسببها عشرات الآلاف من الأرواح ، بلا أدنى تفريق بين مدني وعسكري، أو رجل وامرأة وطفل. مع أن الكثير من الباحثين أثبت أن اليابان كانت قد وافقت على شروط الاستسلام، قبل استخدام أمريكا للأسلحة النووية ضد الشعب الياباني، ورغم ذلك أصر الإرهابيون المتعطشون لدماء الشعوب على ممارسة هذه الإبادات البشرية الجماعية.
وفي كوريا تدخل الأمريكان لعزل الحكومة الشعبية فيها وأغرقوا البلاد في حروب طاحنة سقط خلالها فوق 100ألف قتيل.
و في فيتنام أدى التدخل الأمريكي إلى قتل أكثر من مليون شخص، وتؤكد مجلة نيويورك تايمز في مقالة نشرت في 8/10/1997 إن العدد الحقيقي للضحايا الفيتناميين بلغ 3.6 مليون قتيل، وفي بعض التقارير تم إثبات أنه بين عامي 1952-1973، قتل الأمريكيون زهاء عشرة ملايين صينيي وكوري وفيتنامي وروسي وكمبودي, وفي غواتيمالا قتل الجيش الأمريكي أكثر من 150 ألف مزارع في الفترة ما بين 1966و 1986.
وبتواطؤ أمريكا قتل الملايين في مجازر عديدة في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والأردن وإندونيسيا ونيكاراغوا والسلفادور وهندوراس بالأسلحة الأمريكية الفتاكة، والتي منها أسلحة لم تدخل مخازن الجيش الأمريكي، بل صنعت وصدرت إلى بعض الأنظمة المتآمرة والمتعاملة مع الولايات المتحدة لإستعمالها ضد شعوبها. والنصيب الأكبر وجه إلى الكيان الصهيوني الذي يمارس كافة أشكال الإرهاب والقتل والتنكيل والتشريد ضد الشعب الفلسطيني، ولم نسمع أن أمريكا مناصرة الحرية والديمقراطية في العالم قد طالبت بالإرهابيين الدمويين الصهاينة إلى المحاكم الدولية من أمثال ابن جوريون، وأشكول، وجولدامئير ، وموشي دايان ،واسحق رابين، وشيمون بيريز، ونتيناهو، وباراك وشارون، وموفاز وغيرهم الكثيرين في هذا الكيان الإرهابي! كما أنها لم تطالب بمحاكمة (سوموزا) في نيكاراغوا و (بينوشيه) في تشيلي و(ماركوس) في الفليبين و(باتيستا) في كوبا و(دييم) في فيتنام و(دوفاليه) في هايتي و (سوهارتو) في أندونيسيا و(فرانكو) في أسبانيا.
وارتكب الأمريكان المجازر البشعة في حرب الخليج الثانية ضد العراق، ويمكن أن نكتفي بما ذكرته صحيفة التايمز البريطانية بعد إعلان وقف إطلاق النار، لتوضيح مدى المجازر والإرهاب الذي ارتكب في العراق حيث جاء فيها:" كانت الحرب نووية بكل معنى الكلمة، وجرى تزويد جنود البحرية والأسطول الأمريكي بأسلحة نووية تكتيكية، لقد أحدثت الأسلحة المتطورة دماراً يشبه الدمار النووي، واستخدمت أمريكا متفجرات الضغط الحراري المسماة (BLU - 82)وهو سلاح زنته 1500 رطل وقادر على أحداث انفجارات ذات دمار نووي حارق لكل شيء في مساحة تبلغ مئات الياردات. وكان مقدار ما ألقي على العراق من اليورانيوم المنضب بأربعين طناً، وألقي من القنابل الحارقة ما بين 60ـ80 ألف قنبلة قتل بسببها 28 ألف عراقي. وقد سئل كولن باول حينذاك والذي كان رئيساً لأركان الجيش الأمريكي عن عدد القتلى العراقيين فقال: "لست مهتماً به إطلاقاً" لم يكن مهماً عند كولن باول أن مائتي ألف عراقي قتلوا في هذه الحرب. هذه الحرب التي أطلق عليها الأمريكان الحرب النظيفة لأنها تقوم على استراتيجية التصويب العسكري الدقيق باستخدام أجهزة التسلح الإلكتروني! (ما انظف من هذه الأسلحة إلا من يطلقون على أنفسهم الأطهار وأياديهم من إرهابهم ملطخة بدماء الملايين من شعوب العالم!)
والجديد بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بحروبها الإرهابية ضد العالم بل هي التي تدرس الإرهاب في معاهد ومدارس لتخرج الإرهابيين ليتفننوا بتعذيب الناس وقتلهم.
10- أمريكا تصدر الإرهاب إلى العالم:
فقد ذكر الكاتب البريطاني " جورج مونبيوت" في جريدة الجارديان البريطانية في عددها الصادر في 30/10/2001 " أنه يوجد في مدينة "فورت بينينج" بولاية جورجيا معهد خاص لتدريب الإرهابيين يطلق عليه " ويسترن هميسفير للتعاون الأمني (WHISK) وتموله حكومة الرئيس بوش، مشيراً أن ضحايا هذا المعهد يفوق قتلى انفجارات 11 سبتمبر وتفجير السفارتين الأمريكيتين في أفريقيا، وكان يطلق على هذا المعهد مدرسة الأمريكيين (SOA) ومن عام 1946 حتى عام 2000 قام هذا المعهد بتدريب أكثر من 60 ألف جندي وشرطي من أمريكا الجنوبية متهمين بأعمال التعذيب والإرهاب في بلادهم ، ومن بين هؤلاء الخرجين الكولونيل " بيرون ليما استرادا" المتهم بقتل الأسقف "جوان جيرادي" في جواتيمالا" لأنه كتب تقريراً حول المذابح التي ارتكبتها المخابرات العسكرية برئاسة "استرادا" وبمساعدة اثنين من خريجي هذا المعهد والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء.(27/77)
وفي عام 1993 أعلنت الأمم المتحدة أسماء ضباط الجيش الذين ارتكبوا أكثر مذابح الحرب الأهلية فظاعة في سلفادور، فكان ثلثي هؤلاء الضباط تدربوا في مدرسة (SOA)
وأوضح الكاتب البريطاني أن هذا المعهد قام بتدريب أخطر الضباط الذين ارتكبوا جرائم وحشية ما بين قتل وخطف ومذابح جماعية في دول أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي وكولومبيا وهندوراس وبيرو. ويكفي هنا الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جورج بوش كان قد حذر أي حكومة تؤوي الإرهابيين وتساعدهم في أعقاب انفجارات 11 سبتمبر، مما قاله آنذاك " أن أي عمل كهذا هو مشاركة لهم في الإرهاب!"
بعد كل هذه الحقائق التي وردت، هل نتجنى على الأمريكيين عندما نذكرهم ببعض ماضيهم المعبر عن حضارتهم وعن ثقافتهم وعن جرائمهم وعن إرهابهم، وعن قتلاهم في أفغانستان، وعشرات الآلاف المرشحين للقتل في العراق وعن مئات الآلاف الذين سيقتلون في حروب أمريكا القادمة في حربها التوراتية على الإسلام في ما يسمى بحرب الألفية السعيدة!
إن الله يمهل ولا يهمل فهذا الإرهاب الأمريكي المنظم والمدعوم بالعقيدة التوراتية التي تتسلح بها الصهيونية المسيحية ارتدت على الولايات المتحدة الأمريكية بالويلات الداخلية، فإذا الإرهاب الأمريكي الداخلي، أصبح حالة ميئوس منها لايمكن السيطرة عليها ،وأصبحت تنذر بتفكيك الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل،ولتأكيد ذلك فلنق نظرة عليها من خلال كتابهم ومفكريهم لكي لا نتجنى إن قلنا أن أمريكا بلد الإرهاب.
11- الإرهاب الأمريكي الداخلي:
في دراسة للباحث الإجتماعي الأمريكي " لويل فاكنت" يقول: " وواقع الأمر أن الولايات المتحدة قد اختارت أن تبني لفقرائها بيوت اعتقال وعقاب بدل المستوصفات ودور الحضانة والمدارس. هكذا ومنذ عام 1994 تخطت الموازنة السنوية لدائرة السجون في كاليفورنيا (المسؤولة عن مراكز الإعتقال للمحكومين الذين تتجاوز عقوبتهم السنة الواحدة) الموازنة المخصصة لمختلف فروع جامعة الولاية فقد تقدم الحاكم (بيت ويلسون) عام 1995 بمشروع موازنة يلحظ فيه إلغاء ألف وظيفة في التعليم العالي من أجل تحويلها إلى ثلاثة آلاف وظيفة حارس سجن جديدة . والسبب واضح فمثلاً في 22/8/1999 أعلنت وزارة العدل الأمريكية " أن عدد البالغين المسجونين أو الذين خارج القضبان بكفالة بلغ عام 1998 خمسة ملايين و900 ألف شخص. وتعني هذه الأرقام أن 3 من الأمريكيين مع نهاية عام 1998 إما يكونوا داخل السجن وإما خارج القضبان بكفالة.
إن ثقافة الجريمة والسجون انتقلت بداعي الثقافة التوراتية الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المدارس حيث شاعت ظاهرة إطلاق النار على المدرسين والمدرسات وعلى التلامذة بشكل لافت لم يشهد له العالم مثيلاً. فقد تناقلت وسائل الإعلام في مارس 1998 المعلومات التالية: " لاحظ الخبير في علم دراسة الجرائم( رونالد واينر )من الجامعة الأمريكية أن وتيرة العنف لدى الشباب زادت إلى درجة كبيرة بسبب ثقافة الأسلحة النارية. وغلبة العقلية المستوحاة من قانون الشارع أو (التعاليم التوراتية)على الأخلاق والمبادئ الإنسانية. وأظهرت دراسة كشف عنها البيت الأبيض، أن واحدة من كل عشر مدارس رسمية أمريكية شهدت أعمال عنف خطرة عام 1997.(27/78)
وكتب أحد كبار صحافي نيويورك متعجباً: " هناك حرب حقيقية في شوارع الولايات المتحدة. ويسقط قتلى بالرصاص ما يقارب 45 ألف شخص كل تسعة عشر شهراً، وهو العدد نفسه الذي سقط خلال تسعة أعوام من حرب فيتنام " هذا يكشف أمراض المجتمع الأمريكي المستعصية، و العنصرية المتفشية في داخله، والتباينات الإجتماعية الواضحة، إن دل هذا على شيء فيدل على تفجر اللحمة الأسرية، وإفلاس النظام التربوي، واستشراء المخدرات، وعن عدم فاعلية النظام القضائي، وعن قوة اللوبيات المدمرة داخل المجتمعات الأمريكية، وخصوصا اللوبي الصهيوني و هذا يدل أيضا على الإرهاب الدموي الذي يطال مختلف الشرائح والطبقات. فمثلا في سنة 1991 قتل الإرهاب الداخلي الأمريكي 38317 شخص وجرح 175 ألف شخص، هذا يعني حصول 105 قتيلا في اليوم الواحد ، ولترجمة هذه الأرقام على الواقع لنفهم نتائج هذا الإرهاب، يكفي أن نقارن طبيعة القتلى بالسلاح بين أمريكا وبعض الدول الأوروبية. ففي سنة 1990 بلغ عدد حالات القتل بأسلحة اليد في الولايات المتحدة فقط إلى 10567 حالة بينما بلغ في بريطانيا 22 حالة وفي السويد 13حالة، وفي استراليا10 حالات وفي كندا 68 حالة وفي اليابان 87 حالة .وهذا ما دفع الكثير من المحللين الأمريكيين من إطلاق وصفا لهذه الحالة الإرهابية بأنها "حرب حقيقية في كل بيت" أو " الإرهاب على الذات". لذلك صرح بصوت عال (كولمان يونغ) عمده مدينة شيكاغو الأسود البشرة، الذي رفض بإصرار تجريد مواطنيه من أسلحتهم حيث قال:" قد أكون مجنونا إذا صادرت الأسلحة، في الحين الذي نحن فيه محاصرون بإناس عدوانيين".مما جعل لجنة أمن منتجات الاستهلاك، التي باشرت عملية إحصاء لحوادث إطلاق النار الى التوصل إلى نتيجة مفادها أن في الولايات المتحدة وفق التقديرات المختلفة حوالي 200 ألف شخص يصابون بالرصاص سنويا. بالطبع لا يتضمن هذا الإحصاء عدد الضحايا المجهولة الذين يعالجون بعد إصابتهم بعيدا عن أعين الحكومة الفيدرالية. كما ينتشر في الولايات المتحدة 211 مليون قطعة من الأسلحة النارية، بينها 67 مليون مسدس مختلف الأنواع.
أن السبب المهم للإرهاب الداخلي الأمريكي وحسب الكاتب "جيل ديلافون" الذي أصدر كتاب (violente) العنف في Ameique أمريكا: " ففي نهاية 1994حطم النظام القضائي الأمريكي المتعثر رقماً قياسياً مرعباً بوجود أكثر من مليون شخص من الأمريكيين يتعفنون وراء قضبان السجون، وهو أعلى معدل اعتقالات على سطح هذا الكوكب. مع الإشارة إلى أن ثلاث أرباع المتهمين لا يعتقلون ولا يضعون داخل السجون لأسباب قانونية معينة.والأسوأ من النظام القضائي هو نظام السجون الذي يصنع (مجرمين محترفين) حقيقيين محكومين نهائياً بالعودة إلى الأجرام. فأكثر من 60% من المعتقلين نفذوا بالسابق حكما بالسجن، وبناء على دراسة أجريت على مستوى الولايات كلها. هناك 108 ألف مجرم تم إيقافهم حوالي 109 مليون مرة. هذا يعني أن أمريكا تقبع تحت مسلسل الإرهاب والجريمة الداخلية والمسؤول عنها الشعب الأمريكي بامتياز. وأمريكا متخلفة أكثر من أية دولة عربية أو أية دولة من دول العالم الثالث المتهم بالتخلف. ويكفينا تحاليل وتنظيرات من المتأمّركين المتصهينين الذين يستهزئون بشعوبهم ويريدون إقناعها بالتجربة الأمريكية الرائعة ،وهذه الأرقام أكبر دليل على روعة التجربة الأمريكية.
إذن الإرهاب الداخلي مستفحل في جذور المجتمع الأمريكي وفي كل آليات حركته، بل كان ركيزة نشأة هذا البلد كما أسلفنا سابقاً، سواء من خلال الصراعات بين الغزاة البيض فيما بينهم أو صراعهم مع أصحاب الأرض الحقيقيون من الهنود الحمر. إن الغازي الأمريكي أصبح مواطناً أمريكياً بمقدار ما وسع أرضه وقتل أصحابها الحقيقيين، أو من خلال الإضطهاد الشرس ضد الأفارقة والتي ما زالت تغذيه المعتقدات التوراتية والقوانين الأمريكية التي تعتمد على العهد القديم في تشريعاتها. وحسب تقرير رسمي صدر عام 1989 بعنوان (ضحايا العنف في القوانين الأمريكية) تحدث أحد كاتبي التقرير (ليونارد جيفري) عن أن في أمريكا 5500 عصابة مسلحة معروفة تنتشر اليوم ،وبعضها منظم وله أفرع في كل الولايات المتحدة. وتقوم هذه العصابات أو الميليشيات بـ 25 ألف عملية قتل في السنة، والقتلى معظمهم من السود، وأخذت هذه الميليشيات تبني دولها و قوانينها الخاصة بها داخل الولايات المتحدة .وهي محمية بكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة ،و أكد كثير من المطلعين أنهم يملكون كميات وافرة من أسلحة الدمار الشامل تفوق الخيال. ولعل استخدام الجمرة الخبيثة بعد أحداث 11 سبتمبر داخل الولايات المتحدة الأمريكية والإرباك الذي أصاب المؤسسات الحكومية والاجتماعية من جرائه لدليل ساطع على ذلك. و تم إثبات أن هذه الجمرة الخبيثة المستخدمة هي أمريكية داخلية بحتة صنعت على يد الإرهابيين الأمريكيين. كما لهذه الميليشيات نفوذها الانتخابي والاجتماعي، و هي تمارس العنف الهستيري، وتطمع إلى تجهيز جيشاً من الإرهابيين للزحف على البيت الأبيض وتدمير الحكومة الفيدرالية فيه واحتلال البلاد.(27/79)
ألم يكن أجدى بحكومة بوش أن تواجه هذا الإرهاب الأمريكي الداخلي ومنظمات الإرهاب الأمريكية المدمرة للاستقرار الداخلي، من أن توجه تهمة الإرهاب للمنظمات الفلسطينية واللبنانية التي تدافع عن حقوقها الوطنية وتريد تحرير أرضها وشعوبها من الاحتلال الإرهاب الصهيوني البغيض. أليس من الواجب الوطني والقومي أن تقوم الحكومة الأمريكية بتنظيف البيت الأمريكي من الإرهاب الداخلي ومن منظمات الإرهاب الأمريكية . وخصوصاً أن الصهيونية المسيحية أفرزت أكثر من ألف ومائتي حركة دينية متطرفة يؤمن أعضائها بنبوءة نهاية العالم أو بما يسمى "معركة هرمجدون". وهذه الحركات تنتج أفلاماً سياسية على أنها أفلام دينية ، تخدم فكرة دعم إسرائيل بوصفها ساحة المواجهة الأخيرة قبل نزول المسيح عليه السلام. مثل فيلم "إسرائيل مفتاح أمريكا إلى النجاة" وفيلم " القدس .د.س" الذي أجمع كل من شاهده على أنه يبعث رسالة واضحة مفادها: " اشكروا الله أرسلوا الذخيرة!"
ولعل فكرة نزول المسيح وارتباطها بنشوب معركة هرمجدون هي التي دفعت بعض هذه الحركات إلى القيام بانتحارات جماعية بهدف التعجيل بعودة المسيح وقيام القيامة كما يعتقدون، ومن هذه المجموعات جماعة كوكلس كلان العنصرية، والنازيون الجدد، وحليقوا الرؤوس، وجماعة دان كورش الشهيرة التي قاد زعيمها (كورش) أتباعه لانتحار جماعي قبل عدة سنوات بمدينة (أكوا) في ولاية (تكساس) من أجل الإسراع بنهاية العالم. وكذلك (القس جونز) الذي قاد انتحاراً جماعياً لاتباعه أيضا في (جواينا) لنفس السبب.وكان تيموثي مكفاي الذي فجر المبنى الفيدرالي في مدينة (أوكلاهوما) في 19/4/1995 هو أحد اتباع هذه المنظمة. فكيف تريد أمريكا أن تقنع العالم بصدق نواياها في محاربة ما يسمى بالإرهاب، وبطونها مملوءة بمنظمات الإرهاب الأمريكية. ولئن فاقد الشيء لا يعطيه، ولئن الكذب والتدليس هو عنوان السياسة الأمريكية ،ولئن الصهيونية المسيحية تقود العالم إلى الدمار، لذلك وجهت الولايات المتحدة جيوشها وأساطيلها إلى منطقتنا و كانت هذه الحرب المجرمة على الإسلام.
12ـ منظمات الإرهاب الأمريكي
أما بالنسبة إلى منظمات الإرهاب الأمريكي. فلها أيديولوجيتها السياسة الخاصة بها، فهي تعتبر أن الحكومة الأمريكية فاسدة وتتألف من مجموعة من اللصوص، مجموعة خائنة باعت نفسها للصهيونية . مجموعة خانت أهداف الثورة الأمريكية ،ورهنت الولايات المتحدة للبنوك العالمية،لذلك ينبغي على أفرادها أن يبقوا متأهبين، ومحتفظين بأسلحتهم وأن يطوروا في مختبراتهم أسلحة الدمار الشامل. فأعضاء هذه الميليشيات مقتنعون بوجود مؤامرة كبيرة مدبرة في واشنطن ومن اليهود خاصة ، تهدف إلى جلب جحافل من الأمم إلى الأرض الأمريكية ليعملوا أجراء لدى رؤوس أموال اليهودية. وهذا ما يؤدي بدوره إلى اضطهاد اليد العاملة الأمريكية الأصلية ، ومنهم من يدعي أنهم المدافعون الأواخر عن العنصر الأبيض، ومنهم من يؤمن بعودة المسيح المنتظر، بل منهم من آمن بأنه قد نزل فعلاً. صدر تقرير في (USA ToDay) في 30/1/1995 يدعي أن في عام 1994 ظهرت ميليشيات في أكثر من 24 ولاية اجتذبت 50 ألف عضو، ومصدر هذا التقرير المكون من عشر صفحات هو (مكتب الباتف) ويحذر هذا التقرير من هذه الميليشيات (العسكرية المحترفة) والتي تناهض الحكومة الفيدرالية العداء، وتفسر الدستور الأمريكي بالمعنى الحرفي. وتأخذ الوكالات الحكومية المختلفة هذا التحذير على محمل الجد. ويؤكد تقرير صدر عام 1998 عن مركز (ساوترن بوفرتي لوسانتر) المتخصص في مراقبة التحركات المعادية للحكومة الفيدرالية، أن المجموعات التي تحرض على الحقد هي (المنظمات الصهيونية، ومنظمة فروة الرأس، والمدافعون عن تفوق العرق الأبيض، ومنظمة الهوية المسيحية) وارتفعت نسبة الميليشيات ما بين 1996و 1997 إلى 20% .لم يكن خطر هذه الميليشيات خافياً على الخبراء والمختصين ووسائل الإعلام الأمريكية فأصدرت مجلة التايمز ملفاً كاملاً عن هذه الميليشيات المسلحة في أمريكا، وأوردت أسماء أخطر عشرين منظمة تنتشر في أنحاء الولايات المتحدة.ويقول ميتشيل هاميرز أحد خبراء الجامعة الأمريكية في واشنطن: " إن الإرهاب الداخلي يشكل تهديداً متزايداً وهو أكثر تنظيماً في أوساط الميليشيات… أنهم لا يستعملون فقط قنابل بسيطة كتلك التي استخدمت في أوكلاهوما سيتي، ولكن مخازنهم تتضمن أسلحة دمار أكثر تطوراً من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية المعروفة. وفي جلسة خاصة للكونجرس الأمريكي في مايو من عام 1995 حذر ثلاثة من كبار المسؤولين الأمريكيين من تعاظم خطر الإرهاب المحلي مشيرين إلى أن الرعايا الأمريكان أصبحوا يواجهون خطر الإرهاب المحلي أكثر من الإرهاب الخارجي المدعوم خارجياً.(27/80)
فالميليشيات تفتك بأمريكا بضراوة السرطان مثل بلوووس وكريبس اللتان أنشئتا منذ أكثر من ثلاثين سنة في كاليفورنيا، ولهما اليوم وكلاء في 32 ولاية و113 مدينة. ففي عام 1985 في قطاع( لوس أنجلس) وحدة كان يوجد 400 منظمة إرهابية، وأصبح العدد في عام 1990 ما يقرب 800 منظمة إرهابية تضم 90 ألف عضو. وتوسعت هذه المنظمات الإرهابية انطلاقاً من شيكاغو باتجاه (مينابوليس) وامتدت هذه الميليشيات حتى إلى المدن الصغيرة في أواسط الغرب، فمثلا بين 1990ـ 1993 في مدينة (ويشيتا) من ولاية (كانساس) التي يقطنها 300 ألف نسمة أحصيها 90 منظمة إرهابية ، وأصبح شعار (أطلق النار عشوائياً من السيارة ) أمراً شائعا . وامتدت هذه الميليشيات إلى قلب أمريكا بعد أن كانت محصورة ولمدة طويلة في المدن الكبرى، فوصلت إلى مدن( أوماها ) و(اوكلاهوماسيتي) و (كانساس سيتي).
وما يثير العجب عند هذه الميليشيات أن الندم معدوم لدى إرهابييها وخصوصاً القتلة من الشباب والطلاب وحسب تقرير لمؤسسة (يو أس نيوز أند وارد ريبورت) الصادر في 8/11/1993ورد الاتي: " أن في كل يوم دراسة يندس في محفظات الكتب 270 ألف مسدس. وفي الصفوف العالية من بين كل خمسة تلامذ، هناك تلميذ يحمل سلاحاً. لقد كانت المدرسة لفترة طويلة الملجأ الأخير للسلام تجاه العنف والإرهاب الداخلي، وتجاه عنف الأسرة، ولكنها لم تعد بمنأى عنه، وفي كل سنة يقترف ما يقرب من ثلاثة ملايين عمل إجرامي من كل الأنواع من السرقة إلى الإغتصاب إلى القتل." كما ينشر إعلانات في صحافة أمريكا الكبرى والمحلية على حد سواء يرد فيها عبارات:" يجب ألا نسمح للحكومة بإدارة شئوننا وحياتنا… يجب أن نعود إلى أيام الثورة الأمريكية الأولى… نحن الثوريون الأمريكيون" ثم يردف الإعلان بالطريقة الأمريكية النمطية :" تعالوا مع أسلحتكم". وهذه الميليشيات تنتشر في شتى بقاع الولايات المتحدة الأميركية ولها أنصارها الذين يشكلون فكرهم الغريب والمختلف، ولكل ميليشيا منطقة نفوذ. وتحترم الميليشيات فيما بينها مناطق نفوذها. ورغم أنه لا توجد مؤشرات تدل على نوع من الوحدة في الهدف أو الرؤية بين هذه الميليشيات، فإن من المؤكد أن ثمة خلفيات مشتركة أدت إلى تكون مثل هذه البؤر الفكرية المسلحة بالعداء على النمط الأمريكي في إدارة شؤونه. وتعكس قيم هذه التنظيمات مزيجاً غريباً من الدين المسيحي( لبعض المذاهب)، وتقديس الحرية الفردية للمواطن, والقيم العسكرية، وخاصة حرية اقتناء وحيازة الأسلحة النارية، والخوف من السلطة المركزية. لذلك فإن الطابع العقائدي الغالب على هذه التنظيمات هو الطابع اليميني، الذي يصل في أحيان كثيرة إلى الشوفينية، والعنصرية، والحقد على كل ما هو غير أبيض أو غير مسيحي. ويوجد بين أعضاء هذه الميليشيات مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات ومثقفين بارزين ومحاميين وأطباء، بالإضافة إلى ضباط متقاعدين من ذوي الأوسمة الرفيعة في القوات المسلحة الأمريكية. ويعتبر بعض أعضاء هذه الميليشيات أنفسهم في حالة حرب مع السلطة الاتحادية، وهم يرفضون دفع الضرائب. أما المتطرفون منهم فيؤمنون بوجود مؤامرة تشارك فيها الحكومة الاتحادية، والمصارف اليهودية العالمية والأمم المتحدة، وغيرها من القوى المعادية للمسيحية،تهدف لإقامة حكومة عالمية أو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ويدعي هؤلاء أنهم يملكون معلومات ووثائق تثبت صحة ما يدعون.
ومن أهم الميليشيات الأمريكية:
أ . ميليشيا ولاية أريزونا واسمها الرسمي (منظمة أبناء الحرية)، ومن أهداف هذه الميليشيا فصل ولاية أريزونا عن الولايات المتحدة.
ب . ميليشيا ولاية كولورادو اسمها الرسمي (حراس الحريات الأمريكية) ولهذه الميليشيا جريدة ودار نشر من مطبوعاتها "النظام العالمي الجديد" وترسل هذه الميليشيا مستشارين عسكريين لمساعدة الميليشيات في الولايات الأخرى ،وتحمل هذه الميليشيا اليهود مسؤولية فساد النظام البنكي العالمي.
ت . ميليشيا ولاية فلوريدا تتكون هذه الميليشيا من 6 ميليشيات فرعية ولها جنود في كل مقاطعة ومدينة في ولاية فلوريدا، ولها جيش وجهاز حكومي وجهاز قضائي على رأسه المحكمة الدستورية التي أرسلت أخيراً أوامر إلى المسؤولين في المقاطعة لإطاعة قوانينها.
ث . ميليشيا ولاية ايداهو الذي من قادتها الكابتن(صمويل شيرود) الذي يقول:"ستشهد أمريكا الحرب الأهلية مرة أخرى. ونحن هنا في ولاية ايداهو سنبدأ بالهجوم على مبنى برلمان الولاية ونقتل كل النواب رميا بالرصاص"
ج . ميليشيا ولاية انديانا، ترأس هذه الميليشيا جنراله سابقة بالجيش الأميركي تدعى (ليندا طومسون)، وعندها مكتب محاماة في( انديانابوليس) عاصمة الولاية، وهي تدعو للهجوم على الكونغرس واعتقال أعضاء الكونغرس وتدميرهم.(27/81)
ح . ميليشيا ولاية ميتشيجان، اشتهرت هذه الميليشيا بسبب أن منفذي الهجوم على المبنى الفيدرالي عام 1995 في أوكلاهوما هم من أعضائها، وهي من أقوى الميليشيات وأكثرها عدداً من أقوال زعيمها (القس نورمان) :" سيذهب الآلاف من جنودنا بملابسهم العسكرية، وكامل أسلحتهم لتقديم إنذار إلى الرئيس الأمريكي وهذه ستكون بداية الثورة الأمريكية الثانية".
خ . ميليشيا ولاية ميسوري: لهذه الميليشيا فروع في خمس مقاطعات وهي ترشح أعضائها في الانتخابات المحلية لعُمُدْ المدن واللجان التعليمية.
د . ميليشيا ولاية مونتانا، وهي واحدة من أكبر الميليشيات الأمريكية، وتملك هذه الميليشيا دبابات وعربات مصفحة، ومدافع مضادة للدبابات، وتتدرب على حرب العصابات، وتطالب هذه الميليشيا بفصل الولاية عن باقي الولايات، وتصدر هذه الميليشيا مجلات وجرائد تتحدث عن عظمة الجنس الآري.
ذ . ميليشيا ولاية نيوهاميشير، تعتمد هذه الميليشيا على الأسلحة الفردية، واستراتيجيتها العسكرية تقوم على حرب العصابات، وتدعوا إلى المواجهة المباشرة مع القوات الحكومية. ويوجد كذلك ميليشيات صغيرة لا يتسع المجال لذكرها لكنها تشكل حالة ضاغطة على النظام الفيدرالي الأمريكي، وتهدد بتفجير الوحدة الداخلية وتفكيك الولايات المتحدة.
13- الإرهاب الأمريكي بداية نهاية الولايات المتحدة:
قبل أن انهي بحثي هذا الذي تم فيه إثبات مدى جبروت الإرهاب الأمريكي الدموي ضد العالم وخلفيتهم الإرهابية، يجب أن نؤكد أن العالم لن يكون كما تريده الصهيونية بشقيها اليهودي والمسيحي، وأن العالم دائماً ينبذ الأشرار. وكثيرين من الاستبداديين لفظوا إلى مزابل التاريخ، فأمريكا لن تكون القطب الأوحد، والصهيونية لن تحقق أهدافها وزوال جبروتها وظلمها وإرهابها قادم بإذن الله، وانهيار أمريكا قادم ومن داخلها. ويكفي أن اذكر ما كتبه مستشار الأمن القومي الأمريكي (زيغنو بريجنسكي) في كتابه (الفوضى) وهو أحد أركان اليمين الأمريكي، كما لا يمكن لأحد أن يتهمه بأنه إرهابي إسلامي يخطط لتدمير الولايات المتحدة الأمريكية حيث يؤكد أن هناك عوامل كثيرة تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق حلمها في الهيمنة على قرار العالم وهي:
أ . المديونية التي جلبت ديناً قومياً تراكمياً يتجاوز 4 تريليون دولار (وحسب إحصاءات مؤسسة فيجي الأمريكية تجاوزت هذه المديونية 13 تريليون دولار. وقيمة الفوائد على هذه الديون تفوق الدخل القومي الأمريكي). وهذا لوحده يكفي ليهدد أمريكا بالانهيار في أي لحظة.
ب . العجز التجاري الذي يرغم أمريكا، وهي الدائنة الأولى في العالم على استقراض المال مما يهدد قطاعات الإنتاج والعمل الرئيسية بالانهيار ويساهم في البطالة.
ت . وضع العناية الصحية سيئ جداً وهي غير متكافئة في الولايات والمناطق المختلفة، فهناك الملايين من الأمريكيين لا يحظون بالعناية الصحية.
ث . التعليم الثانوي متدني جداً حيث يعاني الشباب الأمريكي من سوء التعليم بالمقارنة مع معظم الشباب الأوروبي أو الياباني، وهذا يؤدي إلى جهل 23 مليون أمريكي.
ج . تدهور البنية التحتية الاجتماعية، وتعفن الريف الذي ينطبق على غالبية المدن الأمريكية الرئيسية، ذات الأحياء الفقيرة من الطراز الموجود في أفقر بلدان العالم الثالث.
ح . كثرة الإباحة الجنسية التي تهدد الحياة الأمريكية ومركزية العائلة من خلال استفحال ما يعرف بعائلة الأب الواحد. وهذا بطبيعته يؤدي إلى إضعاف اللحمة الاجتماعية وتفكك الأسرة.
خ . انتشار الأمراض الجنسية الفتاكة التي هي بحالة تصاعدية كل سنة.
د . الدعاية الهائلة للإفساد الأخلاقي، وتشريع القوانين لحماية الشاذين أخلاقياً من خلال الإعلام المرئي والمكتوب.
ذ . كثرة الميليشيات التي تحارب الحكومة الفدرالية، والتي تطالب بالانفصال عن الولايات المتحدة.
ر . توريط الولايات المتحدة في حروب خارجية حيث لا تستطيع الموازنة الأمريكية ولا الشعب الأمريكي تحمل نفقاتها.
وإذا أضفنا إلى ما ذكرناه سالفاً ما يخطط له المهووسين في الإدارة الأمريكية والمدعومين من الصهاينة بشقيها. من حروب ضد الإسلام والعالم، نجد أنفسنا أمام دولة تجلس على فوهة بركان ممكن أن ينفجر في أية لحظة، هذا يدفع العالم للتوحد ضد هؤلاء المجرمين الذي أعلنوها حرباً لتدمير البشرية تحت اسم هرمجدون، أو حرب ما يسمى بقوى الخير ضد قوى الشر. زيادة على ذلك انتشار ثقافة الجريمة وثقافة المخدرات وكثرة عبدة الشيطان وثقافة الشواذ. والمجتمعات التي تحتوي على مثل هذه الثقافات لا يمكن أن تستمر كما لا يمكن أن تسود العالم ومصيرها إلى الهاوية. وبناءاً على ذلك لا يمكن لأمريكا أن تكون شرطياً أو مصرفة لشؤون العالم، كما لا يمكن لها أخلاقياً وأدبياً وثقافياً ودينياً أن تتهم أحداً أو منظمة أو دولة بالإرهاب لأنها بلد الإرهاب الأعظم، ومصدر الإرهاب العالمي، وداعمة أكبر دولة إرهابية في العالم إسرائيل.
المراجع: الكتب :
دار النفائس / النشاط السري اليهودي غازي محمد فريج 1990
دار النفائس / انتحار شمشون مهندس حسني الحايك 1993(27/82)
دار النفائس / ويلات العولمة دكتور أسعد السحمراني 2002
المكتب الإسلامي / جذور البلاء عبد الله التل 1988
دار النفائس / الاستغلال الديني في الصراع السياسي محمد السماك 2000
مؤسسة الرسالة / إسرائيل الخطر والمخادعة د. نعمان عبد الرازق السامرئي 1998
دار الرشيد / من يحكم أمريكا فعلا الدكتور يحي العريض 1991
المقالات :
إسلام اون لاين / الإرهاب صناعة أمريكية 9/12/2001.
الوطن / أمثال بن لادن أمريكيون 8/6/2002.
آفاق عربية / انهيار أمريكا 7/11/2002.
المقاومة نت . جذور المرتكزات الفكرية للإرهاب الصهيوني طلال الخالدي.
الجارديان / الحكومة الأمريكية تصنع الإرهابيين / جورج مونبيوت 30/10/2001.
الأهرام / أحداث سبتمبر الأمريكية / أحمد نافع.
مجلة أقلام الثقافية / إسرائيل الكبرى / عادل رمضان.
المركز الفلسطيني للإعلام / أمريكا وإسرائيل وحرب الإرهاب / لواء صلاح الدين سليم محمد.
الصبار / قانون الإرهاب يضرب حقوق الإنسان الأمريكي عدد 146.
qudsway.com الإنجلوساكسونية ـ عقدة المحورية وفلسفة التفوق حسن الباش
البيان / ضحايا أسطورة " كواتز كواتل / أعداد الحسن المختار.
www.un.o r g / العنصرية والسكان الأصوليون / ريغو بيرتا مينشوتوم ( المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز وكره الأجانب / دربان).
شبكة الإنترنت للإعلام العربية / إرهاب الإمبراطورية الأمريكية 20/6/2002 .
شبكة المعلومات العربية محيط / الصهيونية المسيحية ترسم السياسة الأمريكية / عمرو سليم.
www.moqawama.tv / التوراة الميثولوجيا المؤسسة للعنف / عبد الغني عماد.
===================(27/83)
(27/84)
السنن الاجتماعية الإلهية في تغيير المجتمعات الإنسانية
د. حاكم المطيري* 4/3/1424
05/05/2003
لله عز وجل سننه الاجتماعية في نشأة المجتمعات الإنسانية وقوتها وضعفها، التي لا تتخلف نتائجها عن مقدماتها، ولا تنفك أسبابها عن مسبباتها، كما قال سبحانه:(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62) ، وقد جعل الله سبحانه الظلم سبباً لخراب العمران، ومفضياً إلى ضعف الأمم وسقوط المجتمعات
الإنسانية كما قال تعالى :(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود:117) ، أي - كما قال المفسرون -: ما كان الله ليهلك أهل القرى بسبب الظلم، أي: الشرك به، ما داموا مصلحين بإقامة العدل والحقوق فيما بينهم، والإصلاح في شؤون حياتهم، ولهذا لم يهلك الله سبحانه كل من أشرك به حتى يزيد على ذلك الفساد في الأرض بالظلم والطغيان، كما أهلك فرعون وثمود وعاد بطغيانهم وعتوهم، وقوم شعيب بتظالمهم في الميزان فيما بينهم، وقوم لوط بفسادهم و انحلالهم ...إلخ.
وهذا معنى قول شيخ الإسلام :"إن الله يقيم الدولة العادلة؛ وإن كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة؛ وإن كانت مسلمة"، وتاريخ الأمم والشعوب وحاضرها أصدق شاهد على صحة هذه السنة الاجتماعية واطرادها، والقياس الصحيح قاض باعتبار هذه القاعدة واشتراطها، فحيثما وجد العدل والإصلاح وجد الاستقرار والازدهار، وحيثما وجد الظلم والفساد وجد التخلف والدمار .
ومن السنن الإلهية الاجتماعية أن جعل الله مناط ذلك كله بمن يملك القدرة على تحقيق الإصلاح و إقامة العدل، أو عكسهما من الإفساد والظلم، وهم الملأ و أهل الحل والعقد؛ أي: من بيده السلطة والدولة، لا عامة الناس ،كما قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء:16) ، وفي قراءة " أمّرّنا " أي: جعلناهم أمراء فيها، فأفسدوا فيها .
ولم يقم دين سماوي شرعي، ولا مذهب أرضي وضعي إلا بقيام سلطة ودولة تتجلى فيها مبادئهما، وتنفذ على أرضها شرائعهما، ولا يتنكب عن ذلك أهل ملة، و لا يتجنبه أهل نحلة؛ فتقوم لمذهبهم دولة، فما كان ذلك قط، ولن يكون أبدا؛ بل تظل الأديان والفلسفات نظريات ذات أثر فردي محدود، قد يتحقق باعتناقها صلاح دنيوي أو أخروي لا يتجاوز نطاق الأفراد أبداً، ولا يصل إلى دائرة المجتمع ومجالات حياته ليصوغها وفق قيمه وتشريعاته، كما قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11) .
ومن ينظر في تاريخ الأمم والشعوب يرى ذلك جلياً واضحاً، فلم يصبح الإسلام واقعاً يعيش المسلمون تحت عدل تشريعاته ورحمة أحكامه إلا بعد قيام دولته في المدينة، وكذا استطاع الشيخ المجدد (محمد بن عبد الوهاب) تحقيق مشروعه الإصلاحي بعد إقامة الدولة في الدرعية، وهو ما لم يستطع تحقيقه المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية الذي سبق إلى الدعوة إلى السلفية التي ظلت مضطهدة؛ حتى استطاع الشيخ محمد إقامة دولة تؤمن، بها وتذود عنها، وتدعو لها، ولم يعرف الغرب النظم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما كانت حلما يراود المفكرين، وفكرة تطوف بخيال المصلحين فلم تصبح واقعا يعيشه الغرب إلا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789م، بعد أربعة قرون من التضحيات ذهب فيها آلاف من المفكرين ورجال الدين والأدباء والعلماء حتى تحقق حلمهم، وقامت دولتهم وكذلك كان حال الاشتراكية قبل الثورة البلشفية سنة 1917م ، فقد ظلت نظرية منذ أن فلسفها وقعد لها (ماركس) في كتابه (رأس المال)، وظن أنها ستقوم في ألمانيا، حتى نجح (لينين) في تحويلها إلى مشروع ثورة ونظام دولة، وقد استطاع الاشتراكيون والشيوعيون في كل دولة قاموا فيها من خلال الوصول إلى السلطة بتطبيق نظرياتهم لتصبح أكبر دول العالم وأعرقها في النظم الإقطاعية، كروسيا والصين دولاً ومجتمعات شيوعية اشتراكية.(27/85)
وما كان مثل ذلك التحول الخطير والعميق ليحدث في تلك المجتمعات ولو دعا الاشتراكيون إلى هذه النظرية وبشروا بها ألف سنة؛ لولا وصولهم إلى السلطة وقيادتهم للدولة، وكذلك كان حال الثورة الأمريكية التي لم تر مبادئها النور ، ولم تصبح واقعاً يعيشه الشعب الأمريكي إلا بعد الثورة وقيام الدولة ، وهذا ما حصل لنظرية الفقيه (الولي) التي لم تصبح واقعاً يعيشه الشيعة (الجعفرية) في إيران إلا بعد الثورة الشعبية الإيرانية سنة 1979م ، لتقوم لهم أول دولة بعد قرون من انتظار (المهدي) وليبدأ الفقيه (الجعفري) بتنظيم شؤون المجتمع، وصياغة حياته، وحل مشكلاته ونوازله التي لا عهد له بها وفق أحكامه وتصوراته، وما كان ذلك ليتحقق لقادة تلك الثورة وأصحاب تلك النظرية الحديثة لولا إدراكهم للسنن الإلهية الاجتماعية في تغيير واقع المجتمعات، وهذه قاعدة لا تتخلف أبداً ولا تحابي أحداً، فلم يعرف تاريخ الأمم في ماضيها وحاضرها حركة اجتماعية سياسية استطاعت الوصول إلى تحقيق حلمها وإقامة مشروعها بغير هذا الطريق، ومن هنا ندرك جانباً من جوانب المشكلة التي يعيشها المسلمون منذ سقوط الخلافة ودخول الاستعمار.
لقد ضل أكثر علمائهم ودعاة الإصلاح فيهم عن هذه السنن الإلهية الاجتماعية التي جاءت بها الهدايات القرآنية وأكدتها التجارب الإنسانية وظل أكثرهم بعيداً عن واقع الأمم المعاصرة ومعرفة أسباب نهضتها وقوتها وتطورها، بينما يعيش العالم الإسلامي -والعربي على وجه الخصوص- تخلفاً خطيراً، حتى جاءت مجتمعاته ودوله في أدنى مستويات التنمية والحرية وحقوق الإنسان؛ بل و في جميع مجالات الحياة، كما جاء في آخر تقارير الأمم المتحدة عن التنمية في دول العالم العربي، ومع ذلك لا يزال المصلحون يظنون أن بصلاح الأفراد يتحقق الإصلاح العام، وأنه كما تكونون يولى عليكم، وأن المستقبل لهذا الدين، وما على الدعاة إلا الاستمرار بالدعوة إلى الله وتربية الأجيال، ونشر العلم وإقامة المشاريع الخيرية، وترقب النصر!
ولا شك في أهمية كل ذلك، وأنه طريق إلى مرضاة الله وجنته؛ إلا أنه لا يكون عادة، و لن يكون أبداً طريقا إلى تحقق نصرته، و إقامة دولته لمخالفة ذلك لسننه الاجتماعية، وهدايته القرآنية في أسباب قيام الدول، وأسباب سقوطها .
إن الدعوة الإسلامية المعاصرة بجماعاتها وتجمعاتها وعلمائها ودعاتها تملك من الطاقات والإمكانات ما لم يتوفر للحركات الإنسانية الإصلاحية الأخرى كالثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، والثورة الروسية ...الخ، كما أنها بذلت من الجهد وقدمت من التضحيات منذ سبعين سنة إلى يومنا هذا ما لم تبذل مثله الحركات
الأخرى، ومع ذلك نجحت هذه في الوصول إلى تحقيق أهدافها، وإقامة مشروعها، بينما أخفقت الدعوة الإسلامية في الوصول إلى هدفها؟!
لقد تنكبت الدعوة الإسلامية المعاصرة عن السنن الإلهية الاجتماعية المؤدية إلى الهدف، ولم تكتف بذلك؛ بل دعت إلى مفاهيم وعقائد تحمل في طياتها بذور فنائها كحركة إصلاحية من حيث تظن أنها بذور حياتها ونمائها، وفشلت حتى في معرفة أسباب إخفاقها فلجأت إلى تبريره تارة بدعوى أن هذا من الابتلاء الذي لا بد منه لكل دعوة، وأنه لا بد من الاستمرار في الدعوة إلى الله والصبر على الأذى وترقب النصر؟! وتارة بتعليق النصر على شروط يستحيل عادة تحققها كضرورة عودة الأمة كلها إلى دينها، وأنه كما تكون الأمة يولى عليها، وهو ما يصادم حقائق التاريخ وشهادة الواقع؛ بل و يصادم سنة الله في ظهور الإسلام نفسه الذي بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ، فلم ينتظر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل إقامة دينه ودولته إيمان أهل مكة كلهم به، ولا اتباع العرب قاطبة له؛ بل سعى إلى تحقيق هدفه وهو في مكة فكان يعرض نفسه على من ينصره، كما في قصته مع بني شيبان الذين أدركوا هدفه، وعرفوا مقصده فقالوا له:"إن هذا الذي تدعونا إليه مما تكرهه الملوك، وإن
كسرى قد أخذ علينا عهداً أن لا نؤوي محدثا، فإن أردت أن نمنعك مما يلي العرب فعلنا، فقال لهم :"ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق إلا أن هذا الدين لا يصلح إلا من أحاطه من جميع جوانبه " فقد أدرك بنو شيبان أنه يريد إقامة دولة تذود عن هذا الدين وتقاتل دونه، فلما جاء الأنصار بايعهم البيعة الأولى على الإيمان بالدين، وبايعهم الثانية على إقامة الدولة بالسمع والطاعة له، والذود عنه، و قاتل بمن أطاعه -وهم عصابة قليلون، ومن عصاه هم عامة العرب- أخذاً منه صلى الله عليه وسلم بالسنن الإلهية الاجتماعية في أسباب ظهور الأديان وقيام الدول.(27/86)
لقد غابت كل هذه الحقائق عن عامة رجال الدعوة المعاصرة، وما زال أكثرهم يظن أنه بالإمكان العيش في مثل هذا الزمان مع صحة الإيمان واستقامة الأديان دون حاجة إلى دولة، أو أن هذا الواقع الذي نعيشه لم يبلغ في انحرافه حد اعتقاد جاهليته، وأنه بالإمكان إصلاح الخلل وتدارك العطل بالدعوة والدعاء والموعظة الحسنة دون إدراك لما آلت إليه أمور العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، منذ دخول الاستعمار الغربي الذي ما زال المؤثر الرئيس في مجريات شؤونه إلى يومنا هذا ؟!
إن من الأسباب التي تحول دون الوصول إلى تحقيق الهدف ما له ارتباط بعقائد ومفاهيم استقرت منذ القرن الثاني، كالموقف من السلطة وما لها وما عليها، كما قال سفيان الثوري: " تركوا لكم دينكم فاتركوا لهم دنياهم " ! وهذه المفاهيم على فرض صحتها ومشروعيتها قد تكون مقبولة بعد قيام الدولة واستقرارها، كما في صدر الإسلام لا بعد سقوطه، أوحال غيابها كما في العصر الحديث بعد زوال الخلافة ،وسقوط الأمة تحت الاستعمار ونفوذه ومخططاته.
ومن الأسباب التي تعيق الدعوة عن تحقيق هدفها فهم الدين ذاته، ومعرفة أبعاده في الحياة السياسية والاجتماعية، فما زال أكثر علماء الدعوة ودعاتها يخلطون بين مفهوم الدين ومفهوم التدين، فهم يدعون في الواقع إلى التدين لا إلى الدين بشموليته، ولهذا صاروا يولون كل اهتمامهم بتربية الأجيال، وتعليمهم أمور دينهم دون وجود هدف أبعد من ذلك يسعون إلى تحقيقه . كما صار أكثرهم يدعو إلى العودة إلى الدين وتنفيذ أحكامه وإقامة شرائعه؛ فلا يجد لدعوته صدى اجتماعياً كبيراً، بعد أن أسقطوا الإنسان وحقوقه وحريته من خطابهم ، أو همشوا دوره، إذ لم يعد الإنسان في خطابهم هو الهدف والغاية؛ بل الهدف عندهم هو الدين ذاته، بينما الهدايات القرآنية و التجارب الإنسانية تؤكد أن نجاح أية حركة اجتماعية إصلاحية مرتبط أشد الارتباط بمدى عنايتها بالإنسان نفسه، واهتمامها به وهذا السبب ذاته الذي أدى إلى دخول الناس في دين الله أفواجا، فقد كان النبي رحمة للعالمين كافة، مسلمهم وكافرهم ، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، فقد دعاهم وهو في مكة بعد توحيد الله إلى المساواة بين الأغنياء والفقراء، والشرفاء والضعفاء، والسادة والعبيد، وأنهم جميعا في الإنسانية سواء كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وهذا ما كان الإنسان في حاجته في مجتمع جاهلي قائم على الطبقية والعصبية، وهذا ما أنف منه كبراء مكة، حتى طلبوا منه - صلى الله عليه وسلم - مجلساً خاصاً بهم يحدثهم فيه، كما دعاهم إلى العدل والقسط، وهو الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال تعالى: )لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(الحديد: من الآية25)، كما دعاهم إلى تحرير العبيد ومؤاخاتهم ...إلخوكل أحكام الشريعة إنما جاءت من أجل هذا الإنسان، وبما فيه صلاح دنياه وأخراه، غير أن هذه المعاني التي أدت إلى سرعة ظهور الإسلام، وسرعة قبول الأمم له لم تعد من أولويات الدعوة المعاصرة، ولهذا غلب على خطابها الوعظ والإرشاد والتعليم والتثقيف، مما لا يستثير اهتمام العامة، ولا يخاطب نفوسهم البشرية التي تتوّق إلى العيش الكريم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة، ولهذا كان النبي يعد أصحابه ويبشرهم بالنصر والظهور والحياة العزيزة وهو في مكة، ولم تنجح الحركات الاجتماعية الإنسانية في الوصول إلى أهدافها إلا بعد أن جعلت الإنسان وتطلعاته محور اهتمامها. فقد كانت حقوق الإنسان وحكم الشعب الأساس الذي قامت من أجله الثورة الفرنسية الديمقراطية ، وكان الاستقلال والحرية الهدف الذي من أجله قامت الثورة الأمريكية الليبرالية، وكانت الاشتراكية والعدالة الاجتماعية شعار الثورة الروسية الشيوعية، وكان رفع الظلم ونصرة المستضعفين وإنهاء عهد الاستبداد شعار الثورة الإيرانية، ولهذا نجحت كل هذه الثورات الإنسانية في تحريك الشعوب، والوصول إلى إقامة دولها وفق تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها؛ بل تجاوزت في أثرها حدودها الإقليمية إلى الدائرة العالمية، حيث صارت نماذج تتطلع شعوب كثيرة إلى تحقيقها، كما في الثورات الاشتراكية التي اكتسحت العالم بعد الثورة الروسية، وحركات التحرر والاستقلال بعد الثورة الأمريكية، والثورات الديمقراطية بعد الثورة الفرنسية...إلخ، بينما لم يحدث شيء من ذلك في العالم الإسلامي، خصوصا بين أهل السنة الذين يمثلون أكثر الأمة مع كثرة جماعاتهم وحركاتهم ودعاتهم ؟!
إن الأسباب التي تعوق الدعوة الإسلامية المعاصرة عن الوصول إلى مرحلة التمكين كثيرة غير أنه يمكن حصرها في :(27/87)
1-العقائد والمفاهيم التي تحول دون العمل من أجل تغيير الواقع كالخشية من المستقبل استدلالاً بأحاديث " لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه " دون فهمها على الوجه الصحيح مما يدفع إلى المحافظة على الواقع؛ بل وترسيخه والدفاع عنه خشية من المستقبل، حتى صار الشعار هو ما يعبر عنه العامة، وكثير من أهل العلم بقولهم " الله لا يغير علينا "، ومن تلك المفاهيم ربط تحقيق الإصلاح بظهور (المهدي) وانتظار خلافة على منهاج النبوة، استدلالاً بأحاديث المهدي والفتن التي حددت سلفا ما الذي سيحصل مستقبلاً ، وما علينا إلا الانتظار، بينما استطاع الشيعة (الجعفرية) -الذي يقوم مذهبهم أصلا على هذه النظرية- أن يتجاوزوا هذه الإشكالية بعد أن انتظروا (المهدي) ألف سنة، وطال عليهم الأمد وأن يقيموا دولتهم ومشروعهم الإصلاحي ليصبح يوم الشعب الإيراني خيراً من أمسه، ومازال يتطلع إلى مستقبل أفضل من يومه، بينما ابتلي أهل السنة بآثار هذه المفاهيم، والعقائد التي تحمل في طياتها بذور فناء أي حضارة إنسانية تؤمن بها، وتحول دون تقدم أي أمة ومجتمع يتقبلها. ومن تلك العقائد التي تحول دون حدوث الإصلاح الموقف من السلطة وما لها وما عليها، هذا الموقف الذي لم يعرفه الصحابة -رضي الله عنهم- في صدر الإسلام، كما تؤكده مواقف طلحة ، والزبير، وعائشة، وابن الزبير، والحسين ...إلخ، وقد أدى استقرار مثل هذه العقائد عند أهل السنة جميعا -أهل الحديث ومتكلميهم من الأشعرية على حد سواء- إلى شيوع ورسوخ ظاهرة الاستبداد السياسي في العالم الإسلامي ثلاثة عشر قرنا من تاريخ الإسلام ؟! بل لقد تم استصحاب هذه العقيدة حتى في ظل سيطرة الاستعمار الأجنبي و في عصر دويلات الطوائف التي صنعها العدو الصليبي على عينه، لتصبح هذه العقيدة حجر عثرة، وعقبة كؤود تحول دون تغيير الواقع وإصلاحه، حيث تم توظيف الدين ذاته في خدمة الاستعمار من جهة، والاستبداد من جهة أخرى .
2- العقلية السطحية الاختزالية التي ابتلي بها أكثر العلماء والدعاة، كتصورهم إمكانية تحقق الإصلاح دون السعي إلى تغيير هذا الواقع وفق سنن المدافعة والمغالبة التي لا يحصل التمكين إلا بها ومن خلالها، كما هي السنن الإلهية الاجتماعية في حصول التغيير ، ولهذا لم يّمكن الله -عز وجل- لنبي ولا لغيره إلا وفق هذه السنن ،وهو معنى حديث القوم الذين استهموا على السفينة، فأراد من بأسفلها خرقها ليشربوا، فإن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا؛ ولهذا أمر النبي بالأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطرا، لما قد يجره ظلمه من هلاك الجميع ، وكتصور أن الصبر على الظلم خير من مقاومته، استشهاداً بحوادث تاريخية جزئية دون إدراك خطورة الظلم ذاته، وأن ما يترتب عليه من نتائج أشد على المدى البعيد من الآثار السلبية التي تنتج عن مقاومته. ومن ينظر في تاريخ الأمم يجد ذلك جلياً واضحاً، وكل الأمم اليوم التي تنعم بالحرية والعدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان ؛ لم يتحقق لها ذلك إلا بعد الثورة على الظلم ومقاومته، ورفضها له. وعلى العكس من ذلك حال الشعوب التي لم تتصد له، إذ ما تزال ترسف في أغلال العبودية للأنظمة الاستبدادية، ولا يمكن للشعوب المستعبدة أن تحقق نهضة أو تحمل رسالة، ولهذا أنزل الله هذا الدين على بني إسماعيل خاصة؛ لكونهم لم يعرفوا الخضوع للملوك من قبل، بل ظلت مكة -أم القرى- مدة ألف عام قبل الإسلام تدار شؤونها دون وجود سلطة، ولهذا أقام أهلها دار الندوة للشورى وإدارة شؤونها بصورة جماعية، وكذا كان حال الطائف ،وحال المدينة والحجاز عامة، فكانوا أقدر الأمم على حمل رسالة الإسلام للناس جميعا، وهو ما عبر عنه (ربعي بن عامر) بقوله :" إن الله أخرجنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" ، وهذا ما يستفاد من قصة موسى مع فرعون وإصراره على تحرير بني إسرائيل من العبودية، كما في قوله تعالى على لسانه : )وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء:22)، فلا يمكن تحقيق نهضة إصلاحية قبل تحرير الشعوب من الظلم والاستبداد.
3- الخشية من تغيير الواقع بالمدافعة والمغالبة بدعوى الخشية من وقوع الفتن، والاستدلال بفشل بعض الحركات الثورية على عدم صحة هذا الأسلوب في تغيير الواقع ، دون إدراك السنة الاجتماعية التي تؤكد أنه لم تنجح حركة تغييريه إصلاحية بغير هذا الطريق، وليس كل حركة تغييريه نجحت به، بل إن الثورة الفرنسية سبقتها عدة ثورات كلها فشلت، غير أنها أخيراً نجحت وكذا الثورة الأمريكية، والثورة الروسية...إلخ، وقد نجح العباسيون بعد أن فشل العلويون في ثوراتهم ضد بني أمية .(27/88)
ومن الخطأ الاقتصار على التجارب الفاشلة، والوقوف عندها والاستدلال بها، ولو فعلت شعوب العالم الغربي ذلك ما استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه من حرية سياسية، وعدالة اجتماعية تفقدها شعوب العالم العربي والإسلامي اليوم؛ بسبب هذه التصورات التي تفتقد للعلمية والموضوعية.
لقد استطاعت شعوب كثيرة تحقيق الإصلاح عن طريق الضغط السياسي السلمي ، والمطالبة بحقها في المشاركة في الحكم لتدير شؤونها بنفسها، وهذا ما حصل في إنجلترا، كما استطاع بعض الملوك المبادرة إلى الإصلاح السياسي، وإشراك الشعب في الحكم، كما حصل في اليابان، غير أن ذلك كله إنما تحقق بعد المدافعة والمغالبة والمطالبة السلمية من تلك الشعوب؛ فتحقق لها ما تريد قبل أن تضطر إلى الثورة الشعبية.
4- الفوضوية والفردية في العمل، وهي ظاهرة تتميز بها الشعوب العربية والخليجية على وجه الخصوص التي مازالت تعاني من العقلية القبلية، ومن ينظر في تاريخ الحركات التغييرية يجد أنها -وبلا استثناء- لم تقم بها إلا مجموعات وأحزاب منظمة تسعى إلى تحقيق أهداف واضحة، وشيوع الروح الجماعية هي السبب في تطور المجتمعات الغربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية عن طريق الأحزاب السياسية، والشركات الصناعية والتجارية، والجمعيات الخيرية، والنقابات المهنية، والتي يزيد عمر بعضها على قرن، بينما لا تزال الروح الفردية تسيطر على الشعوب العربية، وما زالت ظاهرة الذرية والفوضوية والتشرذم تحول دون تطورها، وبينما نجد القوى الدولية تتظافر من أجل تنفيذ مخططاتها في العالم العربي والإسلامي بشكل دولي جماعي منظم (كالمنظمات الصهيونية العالمية والمنظمات التبشيرية والماسونية، ومثلها الشيوعية والاشتراكية التي لها منظماتها الدولية التي تربط بين جميع أحزابها على اختلاف بلدانها وشعوبها وقومياتها، و لها اجتماعاتها الدورية للتباحث في شؤونها والتنسيق فيما بينها) نجد الحركات الإسلامية على النقيض من ذلك تماما، ومع أن اجتماعها ووحدتها من أصول دينها؛ إلا أنها لا تزل تعمل بشكل فردي فوضوي، قائم على ردود الأفعال دون أهداف واضحة وبرامج عمل مشتركة، ودون منظمات عالمية تكون لفصائلها عمقاً استراتيجيا يجعلها قوة مؤثرة على الساحة السياسية في بلدانها ، ولو لم تصل إلى السلطة.
* الأمين العام للحركة السلفية ـ الكويت
===========(27/89)
(27/90)
التوازن بين (القدرة والطموح)
عباده الشامي ابو الارقم الجيلاني 20/3/1424
21/05/2003
هذه مشاركة مكتوبة لعبادة الشامي صاحب الكلمات الشعرية , يتألق فيها في الموازنة بين المقدرة والطموح فإلى المزيد .
(المشرف على النافذة)
***********
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن سار على نهجه واتبع هداه.
- في ظل الاحداث المتلاحقة على الساحة العالميه والتي يعتبر العالم الاسلامي والعربي بالذات مسرحها والتي كان اخرها الغزو الاستعماري الجديد للعراق.
- وفي ظل الحديث المتزايد عن مخاوف وهواجس وتوقعات الكثير من المحللين والمتابعين والدعاة والمهتمين في ظل حديثهم عن اخطار المرحلة القادمه وان احتلال العراق هو بداية التصعيد الحقيقي الجديد والخطوه الاولى نحو سلسله من الاحداث والخطوات التي ستتوالى تترا وتباعا على أُمتنا .
- وفي ظل الحديث عن الحلول واسباب المواجهه والطرق المقترحه والخطط المطروحه وخصوصا من جانب بعض العلماء والدعاة الإسلاميين المهتمين والمتابعين للأحداث وهذا ما يهمنا .
- كل هذا نطرحه في ظل شراسة الهجمه والبون الشاسع بين ما نملكه من قدرات وامكانات وبين ما يملكه عدونا. ولست اقصد القوة الماديه والتكنلوجية والتقنيه الهائلة فحسب .بل وما تقوم عليه هذه القوه من قوة قد تكون هي الاهم والاقوى ..واقصد بذلك البعد الاسترتيجي لهذه القوه وما تنبني عليه من قدر عال من التخطيط الدقيق والمحسوب والذي ليس فيه مجال للتخبط والعشوائية..ولست اقصد -حتى لا يساء فهمي - القدره المتناهية والمطلقة على التخطيط ولكن ما اقصده هو أخذهم بجميع الأسباب والوسائل في التخطيط من جمع دقيق للمعلومات ودراسة نفسيات الشعوب وما يطرأ او يستجد من أفكار أو حركات اسلاميه وغير اسلاميه.. وكذلك قياس مدى وعي وفهم الشعوب لما يدور حولها من أمور واحداث وما هو مدا استعدادها للمقاومه؟ وما هي طرق المقاومه التي يمكن ان تتبناها؟
- وكذلك دراسة الصور والممارسات التي يمكن ان تستفز هذه الشعوب وتحرك فيها دواعي المقاومه والمواجهه وما هي الطرق والاساليب التي يمكن ان تنطلي عليها؟. كل هذا وغيره اكثر وليس هذا الا مجرد امثلة لتوضيح شيء من الصوره ..كل هذا يتم عن طريق مراصد ومراكز متخصصه للتقصي والمتابعه المنتشره في كل انحاء عالمنا الاسلامي الكبير من خلال مراكز الامم المتحده والمراكز الماسونيه والتي اصبحت تمارس عملها جهارا نهارا دون توار او اختفاء كجزء مهم وفعال في مجتمعاتنا وكذلك عن طريق الكثير من الكنائس ومن خلال قواعد التجسس الممثله بالسفارات فضلا عما يقدمه الجواسيس والعملاء وكذلك عن طريق الاتصال المباشر بين دوائر المخابرات والاستخبارات في عالمنا العربي والاسلامي ودوائر المخابرات والاستخبارات الامريكيه وغير الامريكيه حتى ان هذا لم يعد سرا من الاسرار بل اصبح يشرف على التحقيق مع الاسلاميين وتعذيبهم في دوائر مخابراتنا وبكل وقاحة وصراحه مندوب امريكي وكل هذا اولا واخيرا بفضل جهود ومتابعة حكامنا المخلصين -غيرماسوف عليهم- كل هذا وغيره كثير كثير كثير وليس هذا كما قلت لكم سابقا الاّ غُوَيْض من فيضانات هائلة مهوله.
- اضف الى ذلك خبرة الاستعمار القديمه في بلادنا ومعرفته القديمه وعن قرب لكيفية التعامل مع هذه الشعوب...
- وفي ظل هذه الظلال اطرح بين يديكم بعض الأسئلة او التساؤلات علّنا نصل الى الوعي المطلوب لطبيعة هذه المرحلة والحلول التي تتناسب مع تعقداتها وابعادها.ولست اقصد الوعي لمجرد الوعي وكفى كما يتبنا ذلك البعض وإنما نقصد الوعي كأساس ومنطلق للعمل على إعلاء كلمة الله في ارض الله والانتصار لعباد الله الضطهدين والمستضعفين في مشارق الارض ومغاربها والانتصار لشرع الله الذي اصبح مهانا محتقرا مضروبا بعرض الحائط مقدما عليه ويعلوه شرائع الملاحدة وعباد الشهوات والصاقطين من اليهود والنصارى. وحتى نعيد ما اغتصب واحتل من بلاد الله تعالى، وحتى نحرر اسرانا وهم نحسبهم من خيرة ابناء الامة واكثرهم غيرة وانتصارا لدين الله وعباده، العلماء منهم -اعلى الله شأنهم-وغير العلماء والقادة والمفكرين منهم وغير ذلك .وحتى وحتى وحتى...الى آخر القائمه الطويله التي يعرفها الجميع.وحتى نقف في وجه المخططات الإنجيليه التوراتيه المتصهينه.
السؤال ألأول:هل ما نملكه من فهم وعلى جميع مستوياتنا علماء ودعاة وعامه كاف لفهم ما يدور حولنا ؟وهل هو كاف ايضا لفهم ومعرفة اسباب واساليب المواجهه الحقيقيه والفعاله؟
السؤال الثاني :وهل ما يتم طرحه من حلول في ظل الواقع الجديد وخصوصا من قبل علمائنا ودعاتنا تتناسب مع طبيعة المرحله وعظم الأخطار المحدقه ؟ ام انها حلول جزئيه قاصره متأثرة بأقاليمها وحدودها الجغرافية الضيقه وبواقعها الإقليمي؟ ام انها تطرح حلولا تتناسب مع شمولية المعركه وأبعادها التي لن تستثني أي جزء من أجزاء الجسد الاسلامي ؟(27/91)
السؤال الثالث:ما هو مدى الفهم لدى الداعين الى التحام الشعوب مع حكامها وحكوماتها ؟أي ما مدى فهمهم لطبيعة هذه الأنظمه والحكومات؟ هل يفهمونها على اساس انها انظمه وحكومات اسلاميه تهتم بشعوبها وبممتلكاتهم وبمبادئهم الاسلاميه ،ام على اساس انها انظمة عميلة لايهمها الا مصالحها الشخصيه ورضى اسيادها المستعمرين ،وان تاريخها العريق خير شاهد على حروبها الشرسه المتواليه على الاسلام والمسلمين وانها لم ولن تتوانى في يوم من الايام ولا في أي مرحلة من المراحل عن الوقوف في وجه اعداء اسيادها المستعمرين ؟
السؤال الرابع: هل الحل هو في السعي للتغيير الجذري للافكأر والمفاهيم والانظمه العميله المواليه للغرب ؟ام بالسعي الى اصلاح هذه الافكار والقيم والمفاهيم والانظمه والسعي الى مقاومة هذه الهجمه الصليبيه بالتعاون مع هذه الانظمه وتوحيد الجهود والوقوف في خندق واحد معها؟
السؤال الخامس:: اذا كنا قد فهمنا المعركه وعظمها وطبيعتها وشموليتها وابعادها وعناصرها فهل نملك اسباب ووسائل المواجهه ؟وما هي هذه الاسباب والوسائل ؟
السؤال السادس:اذا كنا نطمح الى الوصول اهدافنا التي يحتمها علينا ديننا العظيم ونطمح الى الوقوف والتصدي لهذه الهجمه الصليبيه فهل نملك القدرة على ذلك ؟وماذا تعني القدره؟وهل يمكن ان نمتلكها ؟ وكيف؟
============(27/92)
(27/93)
كيف يُضطّهد الرأي في بلد الحرية ؟
الجزائر/ عبد الحق بوقلقول 24/12/1427
14/01/2007
الكتاب
التاريخ السري للجمهورية الخامسة
المؤلف
مجموعة من المحققين الصحفيين الفرنسيين
الناشر
منشورات (لا ديكوفيرت)، باريس، فرنسا
الصفحات
752 صفحة من الحجم المتوسط
لا يزال الاعتقاد السائد لدى أغلب المتابعين العرب يدور حول أن الجمهورية الفرنسية هي حليفة القضايا العربية، و ذلك بلا شك منذ أيام حكم الجنرال شارل ديغول (1958-1968)؛ لأن هذا الأخير كان يصر على مخالفة الركب الأمريكي العام في عز أيام الحرب الباردة، إلى درجة أنه لم يتوان ذات مرة عن وصْف منظمة حلف شمال الأطلسي كلها بأنها لا تعدو أن تكون 'شيئاً تافهاً'، على الرغم من أن هذه الأخيرة، لم تدخر جهداً في سبيل مساندة جيش بلاده المنهك جراء حرب التحرير الجزائرية.
يقود هذا التناقض إذن إلى البحث عن الفروقات الحقيقية بين ما هو معلن رسمياً و ما هو واقع فعلاً، بمعنى تلك الجوانب الخفية من التاريخ السياسي الفرنسي الحديث منذ أُعلن عن قيام الجمهورية الخامسة بوصول رجل فرنسا التاريخي، الجنرال ديغول بعد ثورة المستوطنين الفرنسيين في الجزائر بقيادة كبار ضباط الجيش الاستعماري كالجنرالات ماسو، سالان وجاك سوستيل، في 13 من أيار/مايو 1958 ضد الحكم المركزي بباريس، و الذين طالبوا ديغول بتولي زمام السلطة إنقاذاً للجمهورية الفرنسية من الضياع بعد أن افتضحت هشاشة قوتها العسكرية نتيجة لضراوة الحرب، قبل أن يثور هؤلاء أنفسهم بعد ذلك، ضد ديغول حينما توضح جلياً أن هذا الأخير ماض في مسار التسوية السياسية و الدخول في المفاوضات مع قيادة الثورة الجزائرية، فأسسوا ما عُرف تاريخياً باسم 'منظمة الجيش السري' (OAS اختصاراً) التي لا تزال كتب التاريخ تحفل بما ارتكبته في حق الجزائريين من جرائم و فظائع.
تحت هذا الإطار، إطار السرية و الجوانب الخفية من التطورات السياسية، أصدر المحققون الصحفيون الفرنسيون جون غيسنال،- الذي هو كبير المحققين بمجلة (لوبوان) فضلاً على أنه يشغل منصب أستاذ متعاون في الكلية العسكرية الشهيرة (سان سير) - إلى جانب ريمي كوفر، الكاتب الصحفي اللامع و الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في باريس، بالإضافة إلى فرانسيس زامبوني، الصحفي المتعاون مع صحيفة (ليبراسيون)، و مارتين أورانج، الصحفية القديمة بصحيفة (لوموند) و رئيسة تحرير صحيفة (لاتريبون)، و رونو لوكارد، الصحفي المحقق بـ (ليبراسيون)، و ذلك عن منشورات (لا ديكوفارت) كتاباً يحمل عنوان ''التاريخ السري للجمهورية الخامسة''، الذي يمكننا القول إنه جاء على شكل عصارة سنوات من البحث والتحقيق في أشهر الفضائح التي عرفتها فرنسا خلال الخمسين سنة الأخيرة، بداية من جرائم الجيش الفرنسي في الجزائر، وصولاً إلى فضيحة (كليرستريم)، التي تقول التحقيقات إن الرئيس شيراك نفسه معني بها إلى درجة أنه قد يُسجن بعد انتهاء ولايته في الربيع القادم، مروراً برئيس الحكومة الفرنسية الحالي دومينيك دوفيلبان، فضلاً عن الجنرال روندو، أحد أشهر رجال المخابرات الفرنسية، المتورط مباشرة في حيثياتها.
في الافتتاحية التي خطها الكاتب و الروائي، روجي فاليغو، يمكننا أن نقرأ: "إن الأشخاص الذين لمّا يبلغوا سن الخمسين من العمر عند صدور هذا الكتاب، لا يعرفون بكل تأكيد الكيفية التي ولدت بها الجمهورية الفرنسية التي يعيشون فيها، في العام 1958 و الذين بلا شك، يلحظون كم هي مريضة حالياً. إن السفر في خفايا دوائر السلطة في هذه الجمهورية الخامسة الذي يتيحه هذا الكتاب، سوف يضيء لهم الكثير من الأمور، لهم و للكثيرين من الذين يكبرونهم سناً أيضاً. الكتاب يتمحور حول سبعة فصول تضم فيما بينها ما يزيد عن المائة مقال معززة بالوثائق و بعض تعاريف الشخصيات التي يتناولها الكتاب بطريقة سوف تسمح، بلا ريب في فهم الكيفية التي وفقها أثرت هذه الأسرار الهائلة في نصف القرن الأخير من التاريخ الفرنسي، و كيف أضحت هذه 'الطابوهات' ركناً ركيناً في تطور 'الشق المرئي' من جمهوريتنا".
أما الكاتب الصحفي الشهير، آلان دوهامال، فلقد علق على محتوى الكتاب بقوله: "هناك التاريخ الرسمي الرائع بانتخاباته وتداوله وندواته الصحفية، بإضراباته وأزماته وكوارثه الصناعية... وهناك التاريخ السري، بأجهزته الخاصة ومؤامراته وعمليات القتل فيه، والتي تبلغ في بعض الأحيان حدود المجازر.. الجمهورية الخامسة تحت كل رؤسائها تعطي صورة قبيحة جداً: قتل وتعذيب واختطافات ومجازر خلال حرب الجزائر. تضييع كامل لعمليات التحرر من الاستعمار في إفريقية السوداء عبر قافلة من الانقلابات العسكرية والمجازر، عدوى غريبة من جرائم القتل السياسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان. تمويلات غير قانونية للأحزاب السياسية، تنصتات هاتفية غير شرعية في عهد الرئيس فرانسوا ميتران، ثم جدالات وتحقيقات وشكوك من كل نوع في عهد الرئيس جاك شيراك".(27/94)
من جانبهم، يوضح أصحاب الكتاب أن عملهم يهدف إلى اقتراح ما أسموه: "معاينة إكلينيكية" لنصف قرن من الممارسة السياسية بفرنسا. و في سبيل تحقيق ذلك، فهم يدعون قُرّاءهم إلى التفكير في الإجابة عن هذا السؤال: "ألم يحن الوقت بعد لسقوط الجمهورية الفرنسية الخامسة وحلول الجمهورية السادسة محلها؟"
يقع الكتاب في (752) صفحة، و الحق أنه شهد نجاحاً كبيراً منذ اليوم الأول لإطلاقه في المكتبات الفرنسية منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أما فصوله السبعة كما سلف قوله أعلاه فإن الأول منها يتناول الظروف التي تأسست فيها الجمهورية الخامسة بفرنسا عبر "الانقلاب الهادئ" في 1958 على الجمهورية الرابعة، و هو الانقلاب الذي قاد الجنرال شارل ديغول إلى تولي مقاليد قصر الإليزيه لتبدأ مع ذلك فترة من السياسة الحديدية التي اعتمدها هذا الأخير في الجزائر ضمن ما سُمّي تاريخياً: "عملية الانبعاث"، والتي عرفت منح أجهزة المخابرات والبوليس السري كل صلاحيات مواجهة ثورة التحرير الجزائرية، عبر استعمال الوسائل غير المشروعة كالتعذيب والاغتيال. وهي نفس الأساليب التي استعملتها فرنسا خلال عهدي ديغول و خلفه الرئيس جورج بومبيدو في مواجهة حركات التحرر بإفريقية، مثلما حدث في كل من الكاميرون و غينيا، و هو ما يمكننا أن نقرأه في الفصل الثاني منه.
أما الثالث، و الذي اختار فريق الإعداد أن يأتي تحت عنوان: "الدبلوماسية الخفية"، فيكشف العديد من الفضائح التي ميّزت نشاط فرنسا الموجّه تجاه الخارج، ومن ذلك المساعدات المقدمة لإسرائيل من أجل الحصول على القنبلة الذرية عبر صفقة مشبوهة ، سيّرتها ورعتها أجهزة المخابرات الفرنسية بعيداً عن كل الأطر الرسمية ، كوزارة الخارجية والجمعية الوطنية (البرلمان)، ويذهب أصحاب الكتاب إلى أن الشخصية المعروفة الوحيدة التي كان لها علم بهذا الملف هي رئيس الجمهورية الفرنسية، وفيما عدا ذلك، فإن كل الشخصيات الأخرى كانت مجرد "أشباح"، على حد الوصف الذي أورده الكتاب، و بالتالي فإن في ذلك ما يدحض الإدعاءات الرسمية، و التي تقول إن فرنسا إنما قدمت مساعدات للكيان الصهيوني بقصد تمكين هذا الأخير، من 'التكنولوجيا النووية السلمية' فحسب!!
كما يكشف هذا الفصل تورط أجهزة المخابرات الفرنسية خلال تسعينيات القرن الماضي في الأزمة الجزائرية، وتدخل نفس الأجهزة في منطقة الساحل الإفريقي على الحدود المالية النيجيرية ضمن الأزمة بين الطوارق داخل الصحراء الإفريقية الكبرى.
يتحدث المحققون أيضاً عن جزء من خيارات فرنسا الإستراتيجية داخل مستعمراتها السابقة حين قررت الجمهورية الخامسة بداية من الجنرال شارل ديغول، الاستثمار في جزء من النخب المغاربية والإفريقية وهيكلتهم عبر عدد من الشبكات الإستخباراتية كما هو الشأن بالنسبة لـ "مراكز الربط الاستعلاماتي" و "نظام فوكارت" و حتى "شبكات آلف"، التي مكنت فرنسا من "حماية مصالحها الاقتصادية الإستراتيجية الكبرى عبر قادة ومسؤولين أفارقة نهبوا بلدانهم". و كمثال على ذلك، يستحضر المحققون بلداً هو رواندا نموذجاً لذلك، مستعينين بتقرير للرجل الأول في المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) عن الأوضاع في هذا البلد حين وقوع مجزرة قبائل الهوتو ضد التوتسي منتصف التسعينيات الأخيرة.
يكشف المحققون أيضاً عن أهم الشبكات و اللوبيات المسيطرة على القرار الاقتصادي والسياسي في فرنسا، و لقد قسموها إلى مستويات ثلاثة: يتعلق الأول بعدد من الهيئات العمومية المعروفة، التي يجهل أغلب الفرنسيين تأثيرها الكبير على السياسة الفرنسية، كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة الوطنية للإدارة الواقعة في العاصمة باريس حيث يكشف الكتاب على أن رئيس الحكومة الحالية، دومينيك دوفيلبان، الذي يُعرف على أنه يميني، ينتمي إلى نفس الدفعة التي تخرجت فيها مرشحة اليساريين لانتخابات الرئاسة القادمة، سيغولين روايال، و لقد أكد أصحاب الكتاب أن هذه الجزئية لا يعلمها أغلب الفرنسيين!! بالإضافة إلى الكلية العسكرية الشهيرة: (سان سير)؛ إذ يجزم الكتاب أن الجنرال روندو، المتورط في فضيحة (كليرستريم)، متخرج منها هو أيضاً برفقة (12) ضابطاً آخر من أشهر ضباط الاستخبارات الفرنسية تحت الجمهورية الخامسة خلال الأعوام الثمانية و الأربعين التي هي عمرها لحد الساعة.
ليس هذا كل ما في الأمر؛ إذ إن هنالك أيضاً قطاع الصناعات المنجمية؛ إذ يتحدث هذا الكتاب 'الفضيحة' عن أنه-و لأسباب 'غير مفهومة'- أشرف قطاع المناجم على أغلبية مشاريع التحديث الكبرى في الجمهورية الخامسة، مثلما هي حالة القطار السريع (TGV)، مفخرة النقل الفرنسي كما يوصف، فضلاً عن مشاريع الاتصالات و الصناعات النووية ذات الطابع المدني؛ وصولاً إلى صناعة طائرات (الأيرباص) و (الكونكورد) أيضاً.(27/95)
أما المستوى الثاني من اللوبيات فهي تلك التي وصفها أصحاب الكتاب بكونها ذات طابع 'شبه سري'، كما هو شأن الحركة الماسونية التي بلغت أوج تأثيرها بفرنسا وإفريقية في إطار الجمهورية الخامسة، ثم تأتي اللوبيات السرية وغير الشرعية كبعض شبكات الاستخبارات، التي من أهمها "شبكة الفاتيكان بفرنسا".
و أخيراً، يبلغ الكتاب أقصى درجات الإثارة حينما يتحدث في المستوى الثالث عن الزوايا الخفية داخل قطاع الإعلام بفرنسا، الذي تمكنت السلطة- على حد تعبير المحققين- من أن تروضه من خلال بث شبكة تتكون من (150) إعلامياً تضم بين صفوفها، مقدمين للبرامج التلفازية، فضلاً عن عدد من مديري الجرائد و المجلات، بغض النظر -طبعاً- عن كتّاب الافتتاحيات و الأعمدة الصحفية، و محرري كبريات وسائل الإعلام. و لأجل تأكيد ذلك، فإن أصحاب الكتاب، يستدلون بمجموعة من التحقيقات والأخبار التي أوردوها في الكتاب؛ لأنهم لم يتمكنوا من نشرها عبر القنوات الإعلامية التي يتعاونون معها؛ لأن رؤساء تلك الوسائل، رفضوا ببساطة، نشرها على الرغم من أنهم يصمون آذاننا صباح مساء، بكون بلدهم هو واحة الديمقراطية، و جنة الحرية، و قِبلة كل مضطهدي الرأي و السياسة!!
=============(27/96)
(27/97)
حوار مع مدير المدارس الإسلامية بأستراليا
سدني - طه عبد الرحمن /الإسلام اليوم 25/11/1423
28/01/2003
اليهود يستعدون الحكومة الأسترالية ضد الأنشطة الدعوية للمسلمين.
شرطية أسترالية ارتدت الحجاب عقب زيارتها للمدارس الإسلامية .
إقبال كبير من الجاليات المسلمة على المدارس لتعليم الجيل الثاني .
حال الجاليات المسلمة في أستراليا لا يقل بحال عن الجاليات المسلمة الأخرى الموجودة في دول العالم ، إذ أنها تتعرض لأنواع شتى من الدعاية الصهيونية المسيطرة على المال والإعلام في معظم دول العالم .
لذلك كانت هذه الجاليات وخاصة الجيل الثاني منها بحاجة إلى من يحافظ على هويتها الإسلامية وحمايتها من الذوبان في الهويات الأخرى وهو ما حرصت عليه الجاليات المسلمة بإقامة مجموعة من المدارس الإسلامية في مدينة بيرث بغرب أستراليا لتعليم الجيل الثاني من أبناء الأقليات المسلمة .
ومن هنا كان لقاء " الإسلام اليوم " بمدير المدارس الإسلامية بمدينة بيرث في غرب أستراليا عبد الله مجر .
والذي أكد أن الجاليات اليهودية لا تكف عن محاولاتها لاستعداء الحكومة الأسترالية ضد نشاط المسلمين في أستراليا .
واستعرض عبد الله مجر في حديثه نشاط المدارس الإسلامية وطبيعة المناهج التي يتم تدريسها ونشأة هذه المدارس في العام 1986 ، وغيرها من القضايا التي جاءت في الحديث التالي :
إعداد جيل مسلم
سؤال : ما هو الدور الذي تقوم به المدارس الإسلامية لتعليم الجيل الثاني من أبناء المسلمين المناهج الإسلامية ، وتعليمهم أيضا تعاليم دينهم الحنيف ؟
جواب:بداية أؤكد أن المدارس الإسلامية في مدينة بيرث بغرب أستراليا تستهدف إعداد جيل من الشباب الإسلامي القادر على فهم دينه في مجتمع تسيطر عليه المادة بالدرجة الأولى وتغيب عنه الجوانب الروحانية
المدارس تضم مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية ، ويصل عدد المدرسين بها إلى 150 مدرس ، تم تأهيلهم جميعا ليكونوا على مستوى أهداف المدرسة الإسلامية ، حيث نستهدف تدريس الطلاب أصول الدين الإسلامي وتعاليمه وأن المسلمين هم أصل الحضارة والعلوم ، فضلا عن العلوم الدنيوية والمناهج التي تقرها وزارة التربية والتعليم في غرب أستراليا .
ونسعى إلى تعليم أبناء المسلمين من الجيل الثاني اللغة العربية ، خاصة وأنهم تربوا في مجتمع لا يتحدث العربية ، ولاحظ الكثيرون منهم أن آبائهم لا يتحدثون أمامهم اللغة العربية لهجرتهم الطويلة في أستراليا ، إلا من حرص على أن يكون أبنائه ملتصقين بالدين الإسلامي واللغة العربية .
فشل مخططات اليهود
سؤال : وأنتم تقومون بهذا الدور ، هل تتعرضون لضغوط من جانب الجهات الرسمية في أستراليا أو غيرها من الجاليات اليهودية ؟
جواب : الجاليات اليهودية لا تكف عن محاربة كل ماله صلة بالإسلام ، وبالتالي فهم لا يتورعون عن استعداء الحكومة الأسترالية للوقوف ضدنا .
ولكن بالرغم من ذلك فقد استفدنا من أحداث سبتمبر عندما زارنا في المدرسة وفد من الحكومة برئاسة رئيس الوزراء ، وطلبنا منه أن تتاح لنا الفرصة في وسائل وأجهزة الإعلام لعرض حقيقة الإسلام ، وأنه الإسلام لا يدعو إلى العنف والإرهاب ، وأنه دين تسامح وحوار مع الآخر .
ونجحنا في إفشال المحاولات اليهودية ضدنا ، حيث استجابت الحكومة لمطالبنا ، ومنحتنا فرصة في القناة التليفزيونية بغرب أستراليا ، وعرضنا من خلالها الفهم الصحيح للدين الإسلامي .
ووسيلتنا في المدارس الإسلامية أن نعرض النموذج الصحيح للإسلام ، ثم نترك القبول والرفض للآخرين ، وخير دليل على صحة وإيجابية الأسلوب الذي ننتهجه أن وفدا من الشرطة الأسترالية كان يزورنا من وقت لآخر لمتابعة النشاط الذي نقوم به في المدارس ، وفي إحدى المرات جاءتنا ضابطة وهى ترتدي الحجاب الإسلامي ، بعد أن كانت تحضر إلى المدرسة سافرة ، الأمر الذي يؤكد أسلوبنا الرصين والهادئ في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .
سؤال : سمعنا عن حوار مشترك بين إدارة المدارس الإسلامية في غرب أستراليا وبين المدارس اليهودية القائمة بنفس الولاية ، فما أسباب هذا الحوار ، وإذا كان الأمر صحيحا فهل ترى جدوى منه ؟
جواب : نعم .. كان هناك حوار مباشر ومشترك مع المدارس اليهودية وكنا نذهب إليهم ، ويحضرون هم إلى مدارسنا ، وكان الهدف من هذه الزيارات أن نثبت لهم حقيقة الإسلام ، وأن هناك جماعات صهيونية تعمل على تشويهه والنيل من الحقائق الثابتة في الأراضي المحتلة بفلسطين .
ودائما ما نتحدث عن الإسلام بصورة مشوقة ، بعيدا عن السطحية وبحديث يتمتع بالجدية والعمق ، ونبرز لمثل هؤلاء أن السبب في المصائب التي يعيشونها هي نتيجة بعدهم عن الله عز وجل وعن العقيدة الصحيحة .
سؤال:وهل ترى أن نشاط المدارس في مجال الدعوة الإسلامية حقق النتائج المرجوة ؟(27/98)
جواب : أرى أن مكاسب كثيرة قد تحققت من جراء الأسلوب الذي نتبعه ، فنحن نعامل الجميع معاملة حسنة ، أعنى من غير المسلمين ، فضلا عن معاملتنا الإسلامية بين المسلمين ، فالإسلام يدعو إلى المعاملة الحسنة مع غير المسلمين ، ولذلك يلاحظ الأجانب تميز هذه المعاملة وتفردها .
وأذكر أنني عندما استأجرت المدرسة تعرضنا لاعتداءات شديدة من الجيران إضافة إلى الإهانات المتواصلة منهم ولكن سرعان ما تغير الحال تماما ، عندما لاحظوا معاملتنا الحسنة والطيبة ، فاكتسبنا ودهم ، بل وتعاطفوا معنا ، ونحن أقلية في هذه البلاد ، واستطعنا أن نقدم نموذجا رائعا للمعاملات الإسلامية .
تنوع المناهج الدراسية
سؤال : وأنتم أقلية في غرب أستراليا ، وفي ظل هذا المناخ ، كيف يتم توفير المدرسين الأكفاء لتدريس المناهج في المدارس الإسلامية ؟
جواب : أود الإشارة إلى أن المناهج التي نقوم بتدريسها لا نتدخل فيها ، فهي تابعة للوزارة كما أشرت ، ودورنا ينحصر فقط في إضافة اللغة العربية والعلوم الدينية بواقع ساعة لكل منهما يوميا .
ومن خلال تدريس المناهج النظرية والعملية للطلاب نقوم بإبراز الدور الحضاري للإسلام ، ونبوغ المسلمين في كافة مجالات المعرفة ، فضلا عن الاستفادة من " طابور " الصباح الذي يستغرق نحو 35 دقيقة نشرح خلاله آيات الذكر الحكيم ، وحث الأطفال والطلاب على الإقبال على الله تعالى ، إضافة إلى الاستفادة من أوقات الترفيه لنقدم خلاله نموذجا إسلاميا للترفيه ، وفي حدود ما شرعه الله تعالى .
ولذلك مادام الأمر تنوع بين المناهج العلمية التابعة للوزارة والأخرى الدينية ، فإننا نستعين بمدرسين أستراليين يتم تأهيلهم واختبارهم من جانبنا ، ونركز على من تتوفر فيه الأخلاق ، ونشدد في مسألة التزامهم بعدم السفور بالنسبة للمدرسات ، وتغطية الرأس ، وهم يلتزمون بذلك ، لذلك لا نبخل عليهم في توفير مرتبات مجزية لهم .
أما مدرسو اللغة العربية والمناهج الدينية ، فنختار المتميزين أيضا ، حيث يدرس في المدرسة حملة الماجستير والدكتوراه وكذلك من خريجي الأزهر الشريف .
إسلام المدرسين الأستراليين
سؤال : وهل تنتاب المدرسة حالة من القلق تجاه المدرسين الأستراليين خشية إكسابهم الطلاب صفات غير سوية ؟
جواب : نحن نتحكم فيمن نختاره للتدريس في مدارسنا وكما ذكرت فنختار من نتوسم فيهم خيرا من أصحاب الأخلاق الرفيعة ، وهم في المقابل يرون منا معاملة حسنة ، فلا يكون بوسعهم إلا الاستجابة لشروطنا .
وأذكر أنه طوال السنوات الأخيرة الماضية رصدنا إسلام خمسة من المدرسين و المدرسات عندما لمسوا في معاملتنا الإسلامية المعاملة الطيبة ، والتي ربما يكونوا قد افتقدوها في خارج مدارسنا .
تشجيع المسلمين
سؤال : هل ترون أن هناك إقبالا من جانب الجاليات المسلمة على تعليم أبنائهم في المدارس الإسلامية بغرب أستراليا ؟
جواب : لله الحمد ، هناك إقبال كبير من الجاليات المسلمة على مدارسنا الإسلامية ، ونحن من جانبنا نشجع المسلمين على إلحاق أبنائهم للدراسة في هذه المدارس ، ولا تقف مصروفات المدرسة حجر عثرة أمام تدريس الجيل الثاني في المدارس الإسلامية ، حيث نعفى من لا يستطيع تسديد مصروفات المدرسة ، وكذلك من تسديد رسوم الكتب أو الحافلات ليصبح الطالب دارسا بالمجان في المدارس لتحقيق هدفا إسلاميا لخدمة الجيل الثاني للمسلمين لحماية الهوية والعقيدة الإسلامية من الذوبان في الهويات الأخرى .
سؤال : وهل لهذا الموقف الإسلامي في مساعدة المحتاجين للمدرسة تأثير عكسي من حيث التطوير والاستقرار المالي لمسايرة المدارس الأخرى ؟
جواب : شعارنا في المدارس الإسلامية هو الآية الكريمة { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب } .
ولذلك فيرزقنا الله عز وجل دائما بأهل الخير ، ويرزقنا أيضا من حيث لا نحتسب .
وعليه فقد تمكنا بفضل الله من توفير كافة الأجهزة الحديثة في المعامل ، ويوجد لدينا قرابة 300 جهاز كمبيوتر ، ونقوم من وقت لآخر بتحديث الفصول ، حتى لا يقل مستوى المدارس الإسلامية بأي حال عن المدارس الأخرى لتجد رغبة لدى أبناء المسلمين .
سؤال : وهل أنتم بحاجة إلى دعم المؤسسات والمراكز الإسلامية المنتشرة في دول العالم؟
جواب : لسنا في حاجة إلى دعم والحمد لله ، وإن كان دعمنا من المسلمين في دول العالم الإسلامي ضروري فطلبنا منهم أن يعودوا إلى ربهم ويحكموا شرعه عز وجل ، وألا ينساقوا وراء الإعلام الغربي الذي يستهدف تحقيق مخطط عالمي لخدمة الماسونية لزعزعة العقيدة الإسلامية ، وبث الفرقة بيد دول العالم الغربي والإسلامي وتذكية الخلافات بينهم ، وأن نتسلح بالقيم فهي السلام الواقي لنا من الرذائل التي يموج الغرب حاليا من خلال ما يقدمه إعلامه .
سؤال : هل تتذكر الظروف التي نشأت فيها المدارس الإسلامية في مدينة بيرث بغرب أستراليا ؟(27/99)
جواب : نشاط المدارس بدأ في العام 1986 ، وكان ذلك بقدر من الله سبحانه وتعالى ، عندما كنت أزور أولاد أحد الأصدقاء الذين توفاهم الله ، وأثناء دخولي المسجد بجوار منزلهم لاحظت إعلانا عن مدرسة للإيجار فشغل الإعلان تفكيري ، إلى أن قررت استئجارها خدمة لأبناء الجالية المسلمة ، ووقتها ساعدنا عدد من أهل الخير من البلدان العربية والإسلامية ، ومنذ هذا العام والمدارس تحقق انتشارا وذاع صيتها ليس في غرب أستراليا فقط ، ولكن في جميع أنحاء القارة .
============(27/100)
(27/101)
القرآنيون ..انحراف فكري أم مدلول سياسي؟!
الإسلام اليوم - القاهرة: 25/1/1423
08/04/2002
أخيرًا أسدل الستار على قضية القرآنيين والتي تضم ثمانية متهمين من بينهم سيدة إذ قضت المحكمة بمعاقبة المتهمين بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ.
كما قضت بمعاقبة باقى المتهمين بالحبس سنه مع إيقاف التنفيذ لكل منهم . وكان المتهمون قد اعترفوا بترويجهم لفكر متطرف منحرف ينكر السنة النبوية والإسراء والمعراج وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ويدعي " الاكتفاء الإيمان بالقرآن " .
كما ادّعوا بأن الكعبة وثنية وأنكروا جبل عرفات واعترضوا على التوجه شطر الكعبة في الصلاة وادّعوا أن شهر الصيام هو شعبان وليس رمضان.
والقضية تثير التساؤل حول ظهور مثل هذه الجماعات والأفكار المنحرفة التي تتبناها والغريبة على المجتمع الإسلامي ، هل هو انحراف فكري ناتج عن الجهل بهذا الدين أم ناتج عن استبعاد الدعاة المخلصين في مصر ، وعدم قيام الدعاة الرسميين بملء الفراغ الذي تركته الحركات الإسلامية أم أن التستر وراء هذه الأفكار إنما هو ستار للوصول لتحقيق مآرب سياسية ؟
ويرى بعض المراقبين أن حالة الركود في الفكر والتي تعيشها الأمة الإسلامية ، وغياب الحركات الإسلامية من الساحة بسبب تضييق الحكومات من جانب ، ومن جانب آخر الترويج الواسع للقيم والسلوكيات الغربية، أدّى ذلك كله إلى ظهور مجموعات وأفكار دخيلة على المجتمع الإسلامي أمثال تنظيم جماعة " القرآنيون " والتي أنكرت شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشبهت الكعبة بـ " الهيكل الوثني" وقالت إن الطائفين بها " كفار" .
كما ظهرت مجموعة الشواذ المعروفة بتنظيم " عَبَدةَ الشيطان " وقصة مدّعية النبوة ، وأخيرًا الخلية "الماسونية" والتي ألقت السلطات المصرية القبض عليها مؤخرًا.
وللإجابة عن التساؤل السابق عن السبب وراء انتشار هذه الأفكار، وهل هو انحراف في الفكر أم هي تنظيمات سياسية تستغل هذه الأفكار للوصول إلى مآربها ، يقول الدكتور "صفتي قدري صفتي" أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: "إن العامل النفسي في مسائل الانحراف الفكري ضعيف، وليس هو السبب المباشر، وكل ما في الأمر أن هؤلاء يفكرون بطريقة مختلفة عن السائد وليس لها خصائص نفسية معينة".
ويقول المستشار المصري " كمال الإسلامبولي": "إن الانحرف الفكري له دوافع وأغراض ، الدوافع إما أن تكون دوافع نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، بينما يرى الدكتور "كمال عرفات" مدير دار الفرقان السابق بلندن أن الانحراف الفكري معناه زاوية بعيدة عن نقطة اتفاق المجموع والمنحرفون فكريًا عبارة عن مجموعة من الناس تحكمهم ضلالات وإدراكهم للأشياء في الغالب لا يكون طبيعيًا نتيجة قصور في تفكيرهم العقلي.
ومع تسليم أغلب المتخصصين بأن الانحراف الفكري وراء هذه الأفكار الغريبة في أغلب هذه الجماعات ، إلا أن بعضهم ينفون أسباباً عدائية مغرضة أحياناً، فبالنسبة لمجموعة "عبدة الشيطان" ، أثبتت التحقيقات وقوف "الموساد" وراء هذا التنظيم وقيام زعيم "عبدة الشيطان" بزيارة لتل أبيب أكثر من مرة .
كما أن البعد السياسي أيضا كان وراء التنظيم "الماسوني" الأخير .
إذ اعترف المتهمون بتكليفهم من مقر (السيانتولوجي) ، بتل أبيب وروما بنشر هذا المذهب في مصر على وجه التحديد ، باعتبارها محور منطقة الشرق الأوسط ، وأن انطلاق المذهب من مصر سيؤدي إلى سرعة انتشاره في الدول المجاورة.
كما تبين من التحقيقات أن رمز (السيانتولوجي) عبارة عن علامة "صليب" تحمل "علامتي خطأ" في أعلاها ، وأن هناك علاقة وتنسيق بين "الماسونية" و " السيانتولوجي " .
الأمر الذي يدعو إلى القول في النهاية بأن ظهور مثل هذه الأفكار ليس وليد الانحراف في الفكر وحده ، أو البعد السياسي وحده وإنما توافر العاملين معًا.
=============(27/102)
(27/103)
الشيخ صادق عبدالماجد:اتفاق القاهرة أمرٌ دُبِّر بليل (1/2)
حاوره: نزار عثمان وحسن عبد الحميد 19/5/1424
19/07/2003
- غياب الاتفاق والتنسيق بين المعارضة يجعلها غير صادقة في مطالبها، وليست بالقوة التي تؤثر في مواقف الحكومة.
- يعتقد الترابي أن التمرد ربما يصل بهم إلى حل ينالون به شرف حل قضية السودان، وهذا وهم كبير وقصور فادح في الفهم السياسي.
- قانون السلام من المناورات الأمريكية التي تريد به أن تعطي حجماً أكبر لقضية السلام، وتحاول أن تضغط بها على الحكومة لتجعلها تختزل الطريق وتقبل ما يفرض عليها.
- تحاول الماسونية التقرب إلى الدولة واختراقها عن طريق بعض موظفيها الكبار، ثم العمل سراً على إحداث التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني.
الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان، شيخ قارب الثمانين من عمره لكنه -بحمد لله- يفيض حيوية ويمتلئ نشاطاً، يشارك في الحياة الثقافية خطابة وكتابة، والحياة الدعوية توجيهاً وإرشاداً، بالإضافة إلي مسؤولياته العديدة الأخرى، وهو اسم في حاضر السودان يعرفه كل السودانيين بمختلف أجيالهم وأعمارهم، متواضع، كريم، زاهد، غيور على دينه ووطنه، جريء لا يهادن في الحق، اجتماعي من الطراز الأول، يخدمك في بيته بنفسه، ويحيطك برعايته، ويقبل عليك بكليته حتى تخال أنك أحب الناس إليه.
والشيخ صادق من المؤسسين لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، انضم إلى ركبها بمصر في بداية الأربعينيات من القرن المنصرم، وكان عمره وقتها لا يتجاوز السابعة عشرة، التقى بالإمام حسن البنا وله معه ذكريات عطره، ساهم -مع زملائه- في تأسيس الدعوة بالسودان، وبقي أخاً ملتزماً لأكثر من ستين عاماً، تولى منصب المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان قبل اثني عشر عاماً.
كان (الإسلام اليوم) في ضيافة الشيخ صادق ساعات طوال، تجولنا معه في الواقع الدعوي والسياسي في السودان، وفي ذكرياته مع الإخوان المسلمين، فكان هذا الحوار:
أين وصلت الحركة الإسلامية في السودان وكيف تنظرون لمستقبلها في هذه المرحلة؟(27/104)
أولاً: ينبغي أن نعرف ما المقصود بالحركة الإسلامية؟ إذ إنها عبارة فضفاضة تدخل تحتها مجموعات عديدة: كالمتصوفة، والجماعات الإسلامية بمختلف أسمائها، إذا قصدنا بالحركة الإسلامية الحركة الواعية التي طرحت برامجها لتغير أوضاع المسلمين في الساحة كلها، والتي يمكن حصرها في حركة الإخوان المسلمين الأم وما انبثق عنها من أفرع في السودان أو غير السودان- وأنا أميل لهذا الطرح لأنه يشمل الحياة كلها، ومن ثم تدخل فيه السياسة بأنواعها كقضايا الحكم والحريات والحقوق، وكل ما يتفرع منها من قضايا كالحكم والشورى ونحوه-؛ فأقول: إن الحركة الإسلامية كانت آلة تغيير جذري في المجتمع، وعند غياب هذه الآلية الإسلامية كان السودان نهباً لتدين طائفي يتجسد في الطائفتين: الأنصار والختمية، وبعض الطوائف الصغيرة الأخرى، لكن بعد دخول الحركة المباركة السودان بدأت نقاط التغيير تبرز في مواضع مختلفة، بالطبع في البداية لم تجد قبولاً و وجدت معارضة، وهذا أمر طبيعي، لا بد أن يحدث صراع بين القديم والجديد، وهذا ما حدث لجماعة الإخوان في النصف الثاني من الأربعينات من القرن الماضي، هذا الوضع لم يسلم من كيد أعداء الإسلام من الشيوعيين والطائفيين، ولكنها لم تعبأ لهذا، ومضت في الطريق إلى الدرجة التي جعلت الشيوعيين يتحالفون مع الطائفيين لمواجهة الإسلاميين، ورغم هذا أخذت الحركة تقتحم المواقع المختلفة وانتشرت في أوساط الطلاب والمزارعين والعمال واستقطبت الشباب المثقف بوجه خاص، وفي مثل هذا الوضع الذي يضم أشتاتاً من طبائع التفكير حدث ما يحدث لكل الجماعات من خلافات لكنها لم تخرج عن دائرة الإسلام- رغم بروز بعض الاجتهادات المنحرفة لكنها تبقى داخل دائرة الإسلام- ولكن هذه الحركة بكل المقاييس قد أحدثت تغييراً جذرياً في كل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وحملت المجتمع بأسره -حتى المخالفين- ووضعته في اتجاه الإسلام. ويمكن القول بأن المجتمع السوداني بكل أطرافه قد بدأ مسيرة جديدة، ومضت هذه المسيرة في حلقات متفاوتة الحجم، وانتهت بما سمي الجبهة الإسلامية القومية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ثم وصلت هذه الجبهة إلى الحكم عبر تعاون أعضائها مع بعض العسكريين في يوينو 1989م، وقامت ثورة الإنقاذ، هذا ما كان في الماضي، أما المستقبل فلا يمكن النظر له دون الحكم على الحاضر، فواقع الحركة الآن أنها ضعفت عما كانت عليه في الماضي، وهذا الضعف جاء نتيجة للخلافات الكثيرة، فحتى في مجال الحكم حدثت للحركة نكسة كبيرة بسبب الانقسام الذي تم فيها، الأمر الذي عمق الضعف، وجعل الحكومة تتنفس برئة واحدة. هذا وقد أخذت الاتجاهات السياسية الأخرى تراقب الموقف، وأكسبها ضعف الحركة الإسلامية أملاً بأنها ستكون الوريث، وهذا مجرد أمل بعيد المنال في تقديري، وأحسب أنه إذا كانت الخلافات التي أدت للانقسامات في هذا الجسم الذي كان يتمتع بالصحة والعافية هو السبب؛ فالأمر الطبيعي أن يتنادى الجميع للنظر كيف تعود العافية الكاملة لهذا الجسم حتى لا ينفسح الطريق أمام التدخلات والمؤثرات الخارجية؛ لأنه من السهل أن يتخطف الناس فرادى ولا يتخطفون وهم جميع، ولا بد من لقاء شامل تدرس فيه هذه القضية، وتدرس فيه أيضاً الهجمة الدولية الأمريكية الغربية التي تستهدف أول ما تستهدف هذه المؤسسات الإسلامية.
الموقف من المعارضة
هل تشكل أحزاب المعارضة السودانية عقبة أمام الحكومة؟
حتى الآن لا أرى إلا محاولات توهين قاعدة الحكومية الشعبية، والتشكيك المستمر في كيانها، بما يفسح المجال في نظر المعارضة إلى العودة إلى الحكم مرة أخرى، سواء بمعاونة أمريكية أو بالتأثير على جماهير الشعب السوداني، ولا أرى لتحركات المعارضة أثراً يذكر على الحكومة.
المعارضة بذلت كل ما في وسعها من تعاون فيما بينها من جانب، وبينها وبين حركة التمرد من جانب آخر، وبينها وبين الإدارة الأمريكية من جانب ثالث، ورفعت راية انعدام الحرية في السودان وضعف سياسة الحكومة الداخلية، وتبنت بعض مشاكل المواطنين: كالرسوم والضرائب وغيرها، واختصاراً فقد استعملت المعارضة كل ما تستطيع لدعم موقفها المناوئ، لكن كل هذا لم يؤت الثمرة التي يرجونها، فالحكومة تحاول أن تعزز موقفها الداخلي أمنياً وعسكرياً رغم المضايقات الداخلية، كما حدث ويحدث في الغرب في دارفور.
هل ترون شرعية لمطالب أحزاب المعارضة؟
المعارضة الآن كأحزاب تمتع بكامل حريتها في العمل، ومع ذلك تحاول أن تضرب على وتر الحرية وتستخدمه لصالحها، وتسعى إلى تقوية موقفها، وفي تقديري أن المعارضة ليست صادقة في مطالبها، وليست بالقوة التي تؤثر تأثيراً مباشراً في مواقف الحكومة، خاصة إذا أدركنا عدد الأحزاب الموجود فيها، وغياب الاتفاق والتنسيق لأعمال مشتركة بينها.
في ظنكم هم يمكن أن تستجيب الحكومة لتصورات الجيش الشعبي في ما يتعلق بتقسيم السلطة والثروة؟
لا أظن ذلك، وإن كان الأمريكان يحاولون لي ذراع الحكومة للاستجابة لما يرضي التمرد في هذه المطالب.(27/105)
هل يمكن أن ينفصل الجنوب عن الشمال إذا تم الاستفتاء على ذلك؟
عند النظر لهذا الأمر بنظرة علمية واقعية من حيث وضع الجنوب كجزيرة تحيط بها الدول من كل جانب دون أن يكون لها منفذ إلى البحر، إلا بعد جهد عن طريق عقد اتفاقات مع دول أخرى، فإني أستبعد أن تجرؤ الحركة الشعبية على هذه الخطوة، ولكنها تحاول أن تستغل هذا الشعار" تقرير المصير" إلى أبعد حد لتحقيق مزيد من المكاسب.
ألا يعتبر سقوط مليون ونصف قتيل خلال عشرين عاماً كفيلاً بأن تلجأ الحكومة إلى وضع حد لمشكلة الجنوب؟
لا أعتقد أن هذا وحده مبرر كافٍ لكي تغير الحكومة موقفها؛ لأنها حرب بين طرفين، ولا أحسب أن الحكومة بعد هذه السنين الطويلة يمكن أن ترفع الراية البيضاء، وتنخاذل أمام هذا الضغط إلا إذا كُثِّف الضغط دولياً، خاصة من قبل أمريكا التي تحاول أن تفرض إرادتها على الجميع. وحتى مع هذه الضغوط لا أظن أن الحكومة -وهي ترى أن محاولات إسقاطها وزعزعة موقفها مما ظهر الآن من إعلان القاهرة الذي وقعه الأنصار والختمية وقرنق- لا أظن أن الحكومة سوف تستسلم إلا وهي رافعة رأسها أمام هذه الضغوط المختلفة.
ماشكوس وتحالفات المعارضة
ما الذي ستضيفه مفاوضات مشاكوس لقضية السلام؟
إذا صدقت النيات، خاصة من جانب الجنوبيين؛ فيمكن على المدى المنظور الآن أن يقتربوا كثيراً من قضية السلام، خاصة إذا رأت أمريكا أن السلام يصب أيضاً في مصلحتها.
كيف تنظرون إلى تحالف المؤتمر الشعبي المعارض مع الحركة الشعبية؟
أعتقد أنها مناورة يحاول المؤتمر الشعبي عبرها الوصول إلى الاستقرار والسلام، وذلك بأن يتم السلام عن طريقهم، حتى يكون لهم تاريخ، وحتى يظهروا وكأنهم حققوا ما لم يستطعه الأوائل!
ولكن هل تؤدي مذكرات التفاهم الموقعة بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية إلى هذا الهدف؟
كما يقولون حبك للشيء يعمي ويصم، فأحياناً يعتقد الشعبيون -أعني قادة المؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي- أن التمرد ربما يصل معهم إلى حل ينالون به شرف حل هذه القضية، وفي ظني أن هذا وهم كبير وقصور فادح في الفهم السياسي، وهذه سقطة كبيرة، وخيانة بالغة، خاصة وأن آلاف الشباب الذين سقطوا في الجنوب ذهبوا باسم الجهاد، ومنّاهم قادتهم -من الشعبيين وغيرهم- أن موعدهم الجنة، فكيف ينكثون هذا العهد، وينكصون عنه وكأن شهيداً واحداً لم يسقط في هذا المعترك؟! لقد فقد السودان شباباً طاهراً، وهو لا يعلم أن الغاية أبعد ما تكون عن الجنة.
إعلان القاهرة
ما رؤيتكم لبنود إعلان القاهرة ومستقبل الاتفاق بين الثلاثي: الميرغني- الصادق- قرنق؟
إعلان القاهرة دبر بليل وعلى حين غرة، وأحسبه أشبه بالتركيبة "الأهالية" بزعيم الطائفة الختمية، وقد لا زال يلهث وراء العودة للسلطة، وبزعيم الأنصار كسياسي أصبحت السلطة له بمثابة الأكل والشرب والتنفس، و بقرنق الذي يعرف كيف يستغل هذين الزعيمين وقد انصاعا له، وقد استطاع أن يرمي بهما في الشباك حين جعلهما يقبلان عن طواعية على المساس بشرع الله، و يقران أن تكون العاصمة الخرطوم علمانية لا دين لها.
تطورت الأحداث في دارفور الى المواجهة المسلحة، ماهي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ وماهي الجهات التي تدعم وتساند هذا التوجه؟ وكيف تنظرون إلى مستقبل الأوضاع هناك؟
الوضع الاقتصادي في السودان على توالي الحكومات لم يتغير إلا قليلاً، وهذا سبَّب نوعاً من عدم الرضا بوجه عام، ومن بين الولايات التي لم ترض عن الوضع؛ ولايات غرب السودان، مما أضطرهم لاستحداث النهب المسلح الذي عكر الأمن هناك، واعتقد بعض السكان هناك أنهم يمكنهم أن يضغطوا على الحكومة بما يشبه المطالبة بالكيان الخاص لمنطقة دارفور، وفي ظني أن الأمر ليس وليد البيئة وحدها، وفي ظني أن ليبيا لها ضلع فيما حدث، بدليل ما ذكر عن السيارات الفخمة التي دخلت دارفور وجاءت من طريق دنقلا، مما يعني بالقطع أنها دخلت السودان من ليبيا، وكمية الأسلحة وأجهزة الاتصال المتطورة، كل ذلك يؤكد الدور الليبي، وهنا نسأل ماذا تريد ليبيا من هذه الأحداث؟ وماذا تريد تشاد كذلك؟ الإجابة: أن كلتيهما لهما من المصالح ما يجعل هذه الأحداث تأتي في خدمتها. وأرى مستقبلاً أن الحكومة إذا أدارت هذه القضية بما تقتضيه من العنف واللين والحكمة يمكن أن تستقر الأوضاع. أما دور المؤتمر الشعبي في هذه الأحداث؛ فليس غريباً، فقد ظلت بعض قياداته تنفث في هذه المنطقة دعوى الانفصال، وهي دعوى لا أحسب أنها ترضي الله في شيء، وهم يعلمون ما بجسم السودان من الجراحات، ولكن حين تعمي المصالح القلوب يأتي مثل هذا التصرف الذي لا ينفع السودان في شيء، بل يضره غاية الضرر.
اهتمام في إطار الجامعة
شهدت القضية السودانية اهتماماً واسعاً من الجامعة العربية مؤخراً تمثل في تعيين مبعوثة للسودان، وإنشاء صندوق لإعمار الجنوب، كيف تنظرون إلى توقيت هذه الخطوة وأثرها على الأوضاع؟.(27/106)
هذه الخطوة لا أحسب أنها متأخرة؛ بل هي بادرة أوحت بها ظروف السودان التي تحتاج إلى عون ومساعدة، فهو يعاني في الجنوب والغرب والشرق، على حين أن موارده الاقتصادية لا تفي بحاجاته الداخلية الضرورية دعك من أن يقوم بإعمار منطقة شاسعة كالجنوب بعد حرب استمرت أكثر من أربعين سنة استنزفت الحكومة لدرجة أقعدتها عن أن تقوم بواجباتها نحو شعبها، وفي تقديري أن هذه النظرة من الجامعة العربية نظرة إنسانية مقبولة، ولكن لا أرى أن الجنوب وحده بحاجة إلى إعمار؛ لأن قيادة الحركة الشعبية هي التي أدت إلى هذا الدمار، يجب أن ننظر إلى غرب السودان وشرقه وشماله.
تم تمديد قانون السلام للنظر فيه من قبل الكونغرس الأمريكي إلى ستة أشهر أخرى. هل لكم أن تلقوا الضوء على هذا القانون وأثره؟
أحسب أن هذا من المناورات الأمريكية التي تريد أن تعطي حجماً أكبر لقضية السلام، وتحاول أن تضغط بها على الحكومة؛ لتجعلها تختزل الطريق وتقبل ما يفرض عليها، وفي تقديري أن أمريكا تمسك بزمام الأمور في قضية السلام، وهي تحاول جهد الطاقة استنفاد كل الوسائل السياسية والاقتصادية لتحقيق السلام في ذات الوقت الذي تمد فيه حركة التمرد بكل احتياجاتها، أمريكا تخطط لمزيد من العمل المشترك بينها وبين حركة التمرد لتضعف المفاوض الحكومي.
خطر الماسونية
استفاض الحديث في كتابتكم عن الماسونية، ما هو الخطر الذي تمثله على السودان وما مظاهر وجودها وكيف يمكن محاربتها؟
من أهداف الماسونية تفكيك أواصر المجتمع وتمزيقها بطريقة هينة ناعمة. وأدواتها في تنفيذ ذلك كثيرة: الفضائيات والصورة الخليعة والمخدرات -التي تدخل عن طريق بعض السفارات وتوزع في أوساط الشباب- والخمور كل ذلك من أدوات الماسونية، كذلك تحاول الماسونية التقرب إلى الدولة واختراقها عن طريق بعض موظفيها الكبار، ثم العمل سراً على إحداث التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، وبذلك يصبح اختراق الشعب بكل فصائله، واختراق الدولة بكل مؤسساتها أمراً يضع كل هذا تحت قبضة عملاء اليهود والصهيونية العالمية، ومن منطلق هذا الضعف تستطيع الصهيونية العالمية الهيمنة على اقتصاد وأموال ومقدرات السودان، فللماسونية أعوان على مستوى عال في مختلف أبواب المجتمع والحكومة.
ضد الخصخصة
شننتم حملة ضارية على سياسات الخصخصة وبيع القطاع العام هل لكم أن تلقوا لنا الضوء على مخاطر هذه السياسات وآثارها مقارنة بالتوجهات الإسلامية في مجال الاقتصاد؟
هذه الخصخصة توافق الاتجاه الصهيوني الرامي للسيطرة على مرافق الدولة والتي يراد لها أن تصبح سِلَعاً مباحة لكل مشترٍ، ولما كانت القدرات المالية والاقتصادية لدى السودانيين عاجزة عن أن تدخل في هذه المعركة؛ فمعنى ذلك أن الباب يُفتح ويظل مفتوحاً أمام كل القدرات الغربية وعلى رأسها اليهود بما لديهم من مال لشراء هذه المؤسسات، ومن ثمَّ تكون لهم الهيمنة والتواجد المستمر داخل السودان، مما يمكنهم من الوقوف على حقيقة أوضاع السودان وضربه في الوقت والمكان المناسبين، الخصخصة خطر داهم إضافة إلى أنها تُضعف الدولة. أما الأموال التي تقتنى من الخصخصة فسرعان ما تبدد في بعض الضرورات، وكان يمكن مع الصبر السعي لتحسين أوضاع الدولة من خلال تفجير البترول الذي هو آخذ في الزيادة الآن. الخصخصة خطر داهم وبيع للسودان وممتلكاته، لذلك ينبغي الوقوف في وجهها مهما تذرعت به وزارة المالية من أسباب.
تجربة الإخوان
كيف سارت تجربة الإخوان المسلمين في الحوار مع المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية؟ وكذلك ما تقيمكم لتجربة المشاركة في السلطة؟
من ناحية المشاركة في السلطة فهي مشاركة ضعيفة جداً، تتمثل في وزير واحد، هو وزير الإرشاد والأوقاف، ثم في رئيس لجنة التربية والتعليم بالمجلس الوطني. من ناحية الوزارة فالوزير يحاول التوفيق بين أوضاع الوزارة التي ظلت لسنوات طويلة في حالةٍ من عدم الاستقرار التنفيذي، وتبذل الوزارة جهدها لتقويم هذا الاعوجاج الذي ظل حليفاً لها، ورغم الجهود المبذولة فما تزال هناك بعض الجوانب التي لم تكتمل فيها الصورة المطلوبة، على الرغم من أن الوزير شكل له مجلساً استشارياً يضم أكثر من 15 عضواً من الشخصيات القومية. التجربة على أية حال ما تزال في طريق إصلاح الخطى أكثر وأكثر.
أما بالنسبة للحوار مع الحركة الإسلامية "الكيان الخاص" فهي خطوات ماضية على فترات متباعدة، لم يتوصل فيها التنظيم إلى رأي قاطع؛ لأنه -وفقاً لقاعدة الشورى- يجب أن يطرح هذا الأمر على مختلف درجات التنظيم.
تعاني الأحزاب السودانية من علل الانشقاق والانشطار المستمر، ولم تنج فصائل الحركة الإسلامية من هذا الداء. ما هي برأيكم أسباب الانشقاقات؟ وما هو الترياق الناجع لهذا الداء؟(27/107)
كما أسلفت كل الجماعات تتفاوت في رؤاها وأفكارها، وقد يبدو الحزب الواحد منسجماً في بداية الطريق، ثم خلال المسيرة تطرأ على البعض رؤى جديدة لم تكن موجودة في البداية، ثم يأخذ طرح هذه الرؤى مكانه في الجماعة بهدوء، ثم يزداد الحماس، ثم يحدث النقاش والأخذ والرد، ثم الخلاف، الذي ينتهي إما بترك الجماعة، وإما بالخضوع فيها لغير إرادتها، وفي تقديري أن إي خلاف يمكن حسمه وعلاجه إذا كانت هناك رغبة خالصة ونية متبادلة بين الأطراف المختلفة.
فضيلة الشيخ صادق، بداية نود أن تحدثونا عن كيفية انضمامكم للإخوان المسلمين، وما هي الملابسات التي صاحبت ذلك؟
السبب المباشر في هذا بعد فضل الله تعالى هو وجودي في مركز الدعوة بالقاهرة، فقد درست المرحلة الثانوية بحلوان، وتوطدت علاقتي بأسرة آل عزام، ومنهم محفوظ عزام (الداعية المعروف)، و عبد الرحمن عزام أول أمين للجامعة العربية، وعبد الوهاب عزام الدبلوماسي الشاعر الذي كان سفيراً لمصر في باكستان، والذي ترجم أشعار محمد إقبال للعربية، كما توطدت علاقتي بطالب اسمه محمود يونس الشربيني، لاحظت أنه كان يلازمني دائماً، ويحدثني عن الإمام البنا، وعن انتشار حركة الإخوان المسلمين في قطاعات المجتمع المختلفة، مثل: الجيش والشرطة وبين أساتذة الجامعات، وكان ذلك مدخلاً طيباً حتى لا أظن أن الإخوان مجموعة من الدراويش، وكان الشربيني يقابل فيّ عناداً خفيفاً، لكنه كان يعالجه بصبر وحكمة، وكنت وقتها مسؤولاً عن الطلبة السودانيين بالمدرسة، ولعل هذا هو السبب الذي جعله يركز عليّ، كذلك كان الشربيني يزودني برسائل الإمام البنا، وعبد القادر عودة، وكنت أعرض عليه بعض الأشعار التي أكتبها. أذكر أن الشربيني جاءني في أحد الأيام وذكر لي أن الإمام البنا سيزور حلوان وسيفتتح شعبة جديدة للإخوان (شعبة العزبة)، وسيلقي محاضرة كبيرة في دار السينما، كان ذلك في عام 1942م، أذكر أنني ذهبت لحضور تلك المحاضرة وكان معي عدد من الإخوة السودانيين منهم: جبر عبد الرحمن، محمد زيادة حمور، محمد عبد الحكيم، حسين عثمان منصور وآخرون، جذبني خطاب الإمام البنا، وبعد المحاضرة استفسر الإمام البنا عما إذا كانت هناك أسئلة، فرفعت يدي وكنت مأخوذاً بكلامه، فبدلاً من السؤال علقت أننا في السودان نحتاج إلى مثل هذا الكلام، وكنت أرجو أن يوافقني الإمام و يَعِد بزيارة للسودان، لكنه لم يعلق على كلامي، فشعرت بإحراج شديد لعدم تعليقه، وبعد انتهاء المحاضرة خرجت مع أصدقائي، وإذا بي أسمع صوتاً يناديني ويطلب مني أن أكلم فضيلة الإمام، وإذا بي أفاجأ بالإمام خلفي، فسألني عن السودان وأهله، وقال لي بيتاً من الشعر معناه لو كنت حراً طليقاً أطير كما شئت لزرت كل البلدان، رجعنا إلى السكن الداخلي، وكان محمود الشربيني قد طلب مني أن أكتب قصيدة، وأخذني إلى "قهوة" هادئة وتكفل بإفطاري وغذائي والشاي حتى أفرغ من القصيدة، لا أتذكر من تلك القصيدة الآن إلا بعض أبيات منها:
دين من الله يهوانا ونهواه … …
وينصر الله من يرعى سجاياه
الله أكبر ما زلنا نرددها … …
رغم الطغاة ومن يكفر هديناه
ثم جاء يوم الاحتفال، وخطب فينا الإمام البنا، وبعد كلمته سمعت مقدم البرنامج يقول: والآن مع الطالب السوداني صادق عبد الله في قصيدة، فصعدت وألقيت القصيدة وكانت تقاطع بالتكبير، وفي ظني أن الإمام البنا تحدث مع الشربيني عنّي وأوصاه عليّ، وقد ألمح إليّ الأخوَان: جمال السنهوري، و عبد الباقي عمر عطية بذلك. جاءني الشربيني في اليوم التالي وشكرني على القصيدة، وصرنا نحضر حديث الثلاثاء بالمركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية، وكان يبعد عن السكن الداخلي نحو 25 كيلومتر، وكنا نلتقي فيه ببعض شباب الإخوان أمثال: المنيسي (طالب طب)، غانم، ومحمود شاهين (استشهد ثلاثتهم في حرب القناة) كانوا يزوروننا في السكن الداخلي، وكان دخولنا للإخوان المسلمين طبيعياً وتلقائياً، فبمجرد أن علم الإخوان أننا قبلنا الدعوة اعتبرونا إخواناً وبدأنا تنظيم الأسر وبدأ الإخوان في زيارتنا.
فضيلة الشيخ! ما هي أهم الأحداث التي تلت ذلك؟
أذكر من الأحداث المهمة في تلك الفترة، اغتيال الأمام البنا -رحمه الله-، وكيف حاول بعض طلاب الإخوان اغتيال إبراهيم عبد الهادي -رئيس الوزراء المصري- انتقاماً لمقتل البنا، وأذكر أن بعد المحاولة جاءني المتهم الأول فيها وذكر لي أن الطلاب قرروا تنفيذ العملية ثأراً للإمام البنا، وتمكن رجال الأمن من القبض علي بعضهم، وهذا الأخ (المتهم الأول) هاجر إلى ليبيا واستجار بالسنوسي ملك ليبيا وقتها، وكانت علاقة الملك السنوسي بالإخوان حسنة، فاستضافه ورفض تسليمه للحكومة المصرية.(27/108)
أذكر كذلك ثورة 23 يونيو عام 1952، نزلنا الشارع فوجدنا هناك عدداً من أفراد الجيش والمدنيين، وتبين لنا فيما بعد أن المدنيين كانوا من الإخوان المسلمين، وكان للإخوان اثنان من أعضاء مجلس قيادة الثورة هما: أبو المكارم عبد الحي، وعبد المنعم عبد الرءوف، وكانا يمثلان سلاح الطيران، وعلمت أنهما اصطحبا الملك فاروق وهو يغادر المياه الإقليمية لمصر عبر ميناء الإسكندرية، وتعجبنا من انقلاب عبد الناصر على الإخوان بعد عامين فقط من انطلاقة الثورة.
هل لكم أن تحدثونا عن بداية الدعوة في السودان؟
عدت للسودان في عام 1954م، ووجدت للإخوان نشاطاً قائماً، كان الشيخ (علي طالب الله) على اتصال بالإمام البنا -رحمهما الله- غير أن العمل لم يكن يسير وفق منهج واضح، وكان مع الشيخ علي طالب الله مجموعة تشمل: عوض عمر، وإبراهيم المفتي، وغيرهم، ثم لحق بالركب إخوة ممن درسوا بمصر أمثال: محمد خير عبد القادر، وعبد الرحمن رحمة، وعبد الباقي عمر عطية، و وفدت بعض كتب الإخوان وأصبحنا نتدارسها، كذلك كانت هناك مجموعة أخرى تتمثل في: محمد يوسف محمد، بابكر كرار، محمد أحمد محمد علي (أول شهيد في جنوب السودان)، وأحمد محمد بابكر، يوسف حسن سعيد، هذه المجموعة نشأت في السودان وانتمت للإخوان عبر سماعها لأنباء جهادهم ضد الإنجليز واليهود، وعبر الانتقادات العنيفة التي كان يشنها الشيوعيون على الإخوان، هذه المجموعة بدأت العمل بجهدها الخاص وعندما وصلتها الكتب والرسائل من مصر كانت إضافة مهمة لها. وأذكر عندما ذهبنا إلى مدرسة (حنتوب) برفقة الشيخين: عبد البديع صقر، وعبد الباقي عمر عطية؛ كانت المرة الأولى التي أرى فيها د. جعفر شيخ إدريس، نزلنا وقتها في ضيافة شخص اسمه "هباني" كان يعمل طباخاً بداخلية (حنتوب)، وقد هيأ لنا جعفر شيخ إدريس وإخوانه جلسات مع الطلاب، وظللنا في اجتماعات متواصلة دون علم الإدارة التي كانت في معظمها من البريطانين المنتدبين للسودان، والذين كانت لهم مع الإخوان ثارات من حرب القناة في مصر.
وماذا عن انسلاخ (بابكر كرار) عن حركة الإخوان؟
في عام 1954طرح موضوع تحديد اسم للجماعة، وهل يكون الاسم هو "الإخوان المسلمون" أم نلتزم المنهج ونختار اسماً آخر، الأغلبية اختارت اسم "الإخوان المسلمين"، وكان (بابكر كرار) يرأس حركة التحرير الإسلامي؛ فانسحب هو ومجموعته، ومنهم: ميرغني النصري، وعبد الله محمد أحمد، وعبد المنعم مصطفى، ولم يتجاوز عددهم أحد عشر فرداً، انسحبوا وكونوا فيما بعد الحزب الاشتراكي الإسلامي.
فضيلة الشيخ ما هي أهم الأحداث في تلك الحقبة؟
من الأحداث المهمة التي تمت في تلك الحقبة؛ الوفدان اللذان أرسلهما الإمام البنا، كان الأول برئاسة عبد الحكيم عابدين ومعه جمال الدين السنهوري، والثاني برئاسة جمال الدين السنهوري نفسه، وقد طاف الوفدان أرجاء السودان، ومهدا للإخوان تمهيداً جيداً، والتقصير الذي وقعوا فيه هو أنهم لم ينظموا العمل في تلك المناطق التي ذهبوا إليها، أعني أنهم لم يغتنموا الإقبال الجماهيري الواسع في تكوين نواة تواصل العمل بعدهم، فزال أثر زيارتهم بعد أيام من عودتهم من تلك المناطق.
كذلك من الأحداث المهمة؛ أن الإخوان بعد عام 1954 شرعوا في وضع دستور الجماعة وتكوين الأجهزة، وكان أول أمين عام للإخوان المسلمين هو (محمد خير عبد القادر)، تلاه مالك بدري، ثم محمود عبد الله برات، ثم الرشيد الطاهر بكر.
كذلك أذكر زيارة الشيخ (الباقوري) للسودان، وإلقائه لمحاضرة بنادي أم درمان الثقافي الذي انتزعه الإخوان من الشيوعيين، وكان للمرحوم عثمان جاد الله دور كبير في ذلك، كانت محاضرة الباقوري بعنوان "الإسلام دين ودولة"، امتلأ النادي منذ الرابعة بالحاضرين، وبقي الناس حتى الساعة الثامنة موعد بداية المحاضرة. وظل نادي أم درمان الثقافي هو المركز الذي تنطلق منه الأنشطة، وكان كمال علي محمد ـ وزير الري الحالي ـ هو حمامة ذلك النادي، وكان يفتح النادي ويظل فيه إلى أن يغلقه.
ما هو دور الطلاب في نشر فكرة الإخوان المسلمين؟
لقد لعب الطلاب دوراً كبيراً في انتشار فكرة الإخوان المسلمين، خاصة طلاب جامعة الخرطوم وطلاب المدارس العريقة: حنتوب، وخور طقت، و وادي سيدنا. و عن طريق الطلاب - بعد تخرجهم والتحاقهم بالوظائف المختلفة- انتشرت الدعوة في أوساط الموظفين، وعن طريق الطلاب كذلك -عقب عودتهم لقراهم ومدنهم في الإجازات- انتشرت الدعوة في المزارعين والعمال.
فضيلة الشيخ: الدعاة يعرفون بإنتاجهم، ما هو أبرز إنتاج للإخوان في تلك الفترة؟
لعل من أوائل الإنتاج الفكري والعلمي انتشار جبهة الدستور الإسلامي، وكان على قيادتها شوقي الأسد، وأحمد البيلي وشيخ الهدية، وعمر بخيت العوض وعدد من المتدينين، وقد اتصلت هذه الجبهة بالقيادات الدينية الطائفية أمثال: السيد علي الميرغني، وعبد الرحمن المهدي، وكان من أعضاء هذه الجبهة المجاهد حاج الشيخ عمر دفع الله -أول من قاد مظاهرة في تاريخ السودان- كان فارع الطول سمهرياً مستقيماً جريئاً.
وماذا عن صحيفة "الإخوان المسلمون"؟(27/109)
بعد استقلال السودان، وتحديداً في يونيو عام 1956م أنشأنا جريدة الإخوان المسلمين؛ فعملت الجريدة على نشر الدعوة و إيضاح الفكرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؛ فانتقدت الطائفية، وتوقفت بعد مضايقات من عبد الله خليل، ثم من وزير الداخلية في حكومة الفريق (عبود مجذوب البحاري)، إذ فرضت عليها رقابة دون غيرها من الصحف، وقد خصصنا بهذه الرقابة لأسباب هي:
أولاً: نشرنا مقالاً هاجمنا فيه الرئيس الفرنسي ديجول، فتم استدعاؤنا في وزارة الداخلية وطلبوا منا عدم انتقاد رؤساء الدول.
ثانياً: كتب دفع الله الحاج يوسف (رئيس القضاء الأسبق)، في عموده "حديث المدينة" معلقاً على إعطاء الطلبة الحربيين تصاريح للسفر؛ أن هذه التصاريح لا تعطى للقضاة ولا لرجال الشرطة، فتم استدعاؤنا مرة ثانية.
ثالثاً: ألقى الفريق (عبود) في حفل تخريج طلاب الكلية الحربية كلمة حثهم فيها على الأخلاق الفاضلة، ثم افتتح في اليوم الثاني مصنعاً للخمور (بيرة أبوجمل) في الخرطوم؛ فكتبت الصحيفة مستنكرة هذه الازدواجية في افتتاحيتها، فغضب الفريق (عبود) وقرر فرض رقابة على الصحيفة، غير أننا قررنا عدم قبول هذه الرقابة فتوقفنا عن الصدور وكتبنا إلى الأستاذ (بشير محمد سعيد) نقيب الصحفيين بذلك.
كيف استمر العمل بعد ذلك؟
العمل لم يتوقف -بحمد الله- في كل العهود العسكرية والمدينة، كان للإخوان وجود مستمر، شكلنا الجبهة الوطنية لمعارضة نظام عبود، وكنا نجتمع في بيت الهادي المهدي، ومما يحمد لحكومة الفريق عبود الإنجازات الكبيرة التي تمت في مجال الطرق والمشاريع، و عملها على حسم التمرد في بدايته، وطردها لـ 400 قسيس أجنبي وسودنة الكنيسة، كانت هناك انتقادات حادة لحكمهم خاصة بعد اعتقال قادة الجبهة الوطنية، وبعد وفاة السيد الصديق المهدي التي عزاها البعض إلى سم بطئ.
تواصل جهاد الإخوان حتى سقطت حكومة عبود بانتفاضة أكتوبر، و رغم كل التغيرات السياسية التي طرأت ظلت الدعوة تمضي قُدماً وتسير إلى الأمام بحمد الله
============(27/110)
(27/111)
وعي مفقود في الخبرة الإسلامية المعاصرة
جمال سلطان 1/6/1424
30/07/2003
ليس عيباً أن نعترف نحن الإسلاميين بمشكلات في وعي النهوض ووعي الصحوة الإسلامية الجديدة، وأن نعمل على تدارك الأمر، ولكن العيب؛ بل الخطر أن نتجاهل هذه المشكلات، أو أن نكابر في إنكار وجودها ونتغافل عنها، وعندما يتأمل الإنسان -خاصة المتابع- تطورات وتحولات الخبرة الإسلامية في السنوات الماضية؛ يرى هناك خللاً كبيراً في وعي الإسلاميين بمساحة التحدي الذي تواجهه الأمة والأولويات التي ينبغي أن يولوها الاعتبار، ومثل هذا الوعي المفقود بمساحة التحدي ومعها الأفق المستقبلي وما يمكن وصفه "بالبعد الاستراتيجي" لحركات وتيارات ضخمة تعمل لتأسيس بنية اجتماعية وحضارية جديدة للأمة، تنهض بها من كبوتها، وتحملها إلى ريادة البشرية من جديد، أقول: عندما غاب مثل هذا الوعي والإدراك؛ غابت معه بطبيعة الحال الآليات المنطقية التي يمكن أن يستخدمها الإسلاميون لتحقيق أهدافهم المشروعة والكبرى، ولذلك وقع الإسلاميون في سلسلة متتالية من تفريغ الجهد في الهدر أو الأعمال والأفكار ضعيفة الجدوى والعائد الدعوي والاجتماعي والسياسي، كما عرفوا صدامات ضخمة في مسيرة عطائهم، صحيح أن بعضها فرض عليهم؛ ولكن المؤكد -بأمانة كاملة- أن الكثير من هذه الصدامات قد اندفعوا فيها أو دُفعوا إليها بفعل غياب ما قدمنا، خاصة وأن غياب هذا الأفق يغيب معه أبعاد أخرى، مثل: التوازن النفسي في السلوك السياسي، وضبط الواقع الدعوي واهتماماته الفعلية والمستقبلية، والقدرة على تحليل مفردات هذا الواقع، ثم نسج منهجية العمل وفق هذا التحليل، ولذلك يفجع المرء كل حين بمواقف شديدة التناقض من الفصائل الإسلامية، حيث تجد بعضها بعد مسيرة طويلة من المواجهات والصدامات والمواقف الفكرية والفقهية الخطيرة؛ تعود -ليس فقط لتعديل أو تصويب بعضها- وإنما لنقض البنيان السابق برمته، والانتقال إلى نقيضه، وبزاوية شديدة الانفراج بمئة وثمانين درجة -كما يقول الرياضيون-، وهذا الأمر لا يعني سوى أمر واحد، هو العمل في ظل الوعي المستقبلي المفقود، وبناء الرؤى العملية والدعوية على الخيال أو العواطف وحدها والانكفاء على الذات ورؤية العالم الخارجي من خلال هذا الانكفاء الذاتي وليس من خلال ما هو عليه العالم في الواقع والحقيقة، حتى إذا ما ارتطم الرأس بالصخر واستفاق من الغفلة؛ وجد أن العالم غير العالم، والموقف غير الموقف، والطريق لم يكن هو الطريق، والنتيجة -في النهاية- كانت كارثة.
وإذا كان هذا الخلل يطول الوقوف معه إذا أردنا الاستقصاء فيه؛ إلا أننا في هذه الأسطر المحدودة لا يسعنا إلا أن نشير إلى بعض أطراف المشكلة، وبقراءة عفوية لم نقصد فيها الأهم؛ وإنما ما يرد على الخاطر، فعلى سبيل المثال: لم يول الإسلاميون الأهمية المناسبة إلى قيمة المؤسسات واستقلالها في بنية الدول والمجتمعات، وكان الاهتمام بالمواقف الفردية هو الأصل، أو القضايا ذات البعد الفردي والمباشر، في حين أن إصلاح المؤسسات هو الإصلاح الحقيقي الذي يؤسس لمستقبل أكثر إيجابية وأشمل أثراً وأكثر استقراراً، والمؤسسات أيا كان مجالها: سياسياً، أو اقتصادياً، أو اجتماعياً، أو قضائياً، هي الضمانة الحقيقية لصلاح المجتمع وتحقيق التوازن فيه وإشاعة أجواء الحرية والتأسيس للعدل، وعندما غاب اهتمام الإسلاميين بهذا الجانب؛ فقد فقدوا أحد أهم الأدوار التي تنتظرها منهم أمتهم ومجتمعاتهم لتأسيس نهضة حقيقية، وكانت النتيجة أن غاب البعد المؤسسي عن حياة الأمة، أو تحول إلى مسخ مشوه وشكلي للتضليل أو لإبراء الذمة.(27/112)
إن مؤسسة القضاء -على سبيل المثال- هي قوام الأمم والمجتمعات، وضمانة الحريات العامة الحقيقية، وضمانة العدل، وضمانة المستقبل أيضاً، لأن من يبني بناء أو يؤسس مشروعاً حتى لو كان اقتصادياً؛ فإن إحساسه بوجود قانون مستقل وقضاة مستقلين ومؤسسة قضاء قوية ومستقلة، هو الضمانة الأكيدة له لكي يؤسس مشروعاً للمستقبل، خاصة لو كان مشروعاً جاداً سينفق عليه من عمره وماله سنوات قبل أن يظهر ثماره، والمدهش أن المؤسسات الدولية الآن تشترط لتقديم المنح والقروض للدول أن يكون هناك ما تسميه "الإصلاح القضائي" في صدارة مطالبها، وأنا لا أذكر على الإطلاق أن كانت هناك معارك فكرية واجتماعية وإعلامية ذات شأن خاضها الإسلاميون من أجل الدفاع عن استقلالية القضاء ورجاله ومؤسساته، أو أن هناك مواقف فاصلة لتأسيس لبنية قضاء مستقل وجاد وراسخ، كان الذهن مشغولا بعاطفية الدعوة إلى "تطبيق الشريعة " وإحلالها محل القوانين الوضعية، وهذا مطلب جوهري لأية دعوة إسلامية، لكنه لا يستقيم أبداً إذا كان يقوم على خواء وأعمدة منهارة ومتآكلة؛ بل إن الشريعة الإسلامية إذا قامت على قضاء غير مستقل ومؤسسات غير محترمة فإنها ستكون كارثة ومسخاً مشوهاً لفكرة الشريعة وإساءة لها في النهاية وليست إعلاءً أو تكريماً، وكان من نتيجة ذلك التجاهل المباشرة أن دفع الإسلاميون في بلدان كثيرة ضريبة غياب هذه المؤسسة الخطيرة من أعمارهم وأرواحهم ودمائهم وأعراضهم الكثير، أما الخسائر غير المباشرة فهي أكثر من أن تحصى، بما في ذلك غياب الحريات العامة أو حتى انعدامها، ومن مثل الخراب الاقتصادي والفساد بلا حدود، ومن مثل تحطم معظم مشروعات التنمية إن لم يكن غياب خططها من حيث الأصل، وهذا كله مما يدفع ضريبته المجتمع بأسره وليس الإسلاميون وحدهم، لقد أهدر الإسلاميون -كما أهدر غيرهم- الكثير من الطاقات والجهود في معارك صغيرة، وأحيانا تافهة، وأحيانا أخرى وهمية وبلا أي أفق!، في حين أهملوا معركة فاصلة، مثل هذه المعركة التي أشرنا إليها.
على جانب آخر؛ أهمل الإسلاميون، واستخفواً كثيراً بالمؤسسة الإعلامية على اختلاف ألوانها وآلياتها، ونظروا إليها باستخفاف عجيب، وكان النظر إلى الصحافة أو التليفزيون محصوراً بين تصور أنها أوكار للماسونيين وشخصيات غامضة على صلات مشبوهة، وإما أنها من " الحواشي" التافهة في الحياة العامة التي لا قيمة لها، ولا يشتغل بها إلا التافهون وغير الجادين من الخلائق، هكذا كان التصور -وهو التصور الذي عايشناه ورأيناه جميعاً- حتى إذا ما دارت الأيام وتوالت الخبرات، واستنفذ الإسلاميون لياقتهم الذهنية والمالية والعملية في "النشاطات الكبيرة " في تصورهم؛ عادوا مؤخراً لكي يكتشفوا أنهم خسروا الكثير من معاركهم ومواقفهم أمام تيارات وشخصيات لا وزن لها اجتماعياً وشعبياً، ولكن وزنها الوحيد كان الثقل الإعلامي، واكتشفوا - متأخرين- أن الإعلام آلة جبارة، وأن الحدث الذي لا يولد إعلامياً لم يولد أصلا مهما كان فيه من تضحيات ووقائع جسام، ووجدوا أن برنامجاً تليفزيونياً واحداً يمكن أن يحدث من الدوامات الفكرية والسياسية مئات أضعاف ما تحدثه مجموع خطب الجمعة في دولة بكاملها، واكتشفوا - ضحى الغد- أن الإعلام الذي استخفوا بها هو ثاني القطبين اللذين تقوم بهما وعليهما الدول ونظم الحكم ، خاصة في عالمنا الثالث، ووجدوا في النهاية أن الكثير من المعارك التي خسروها كان الإعلام سبباً رئيساً في هذه الهزائم، وفي مصر على سبيل المثال لم يكن في نقابة الصحافيين المصريين أكثر من اثنين أو ثلاثة من عدة آلاف من المنتسبين إلى عضويتها، واليوم عندما تراجع كشوف أعضاء النقابة تجد أن الإسلاميين أصبحوا بالمئات، ولكن متوسط أعمارهم بين الثلاثين والأربعين، أي أنهم من الجيل الجديد الذي اكتشف - مؤخراً- قيمة الإعلام وخطورته، والمدهش أنه عندما أعلن مؤخراً في المملكة العربية السعودية عن تأسيس رابطة جديدة للصحافيين ستكون بلا شك الخطوة الأولى لتكوين نقابة الصحافيين، تفاجأ بأن أحداً من المنتسبين إلى التيار الإسلامي لم يتقدم للمشاركة في هذا العمل المهم، وكأن الأمر لا يعنيهم أصلاً!.(27/113)
الظاهرة أيضاً تستطيع أن تراها في غياب اهتمام الإسلاميين بمؤسسات العمل الأهلي والمدني على خطرها وعظمها، مثل: المنظمات والجمعيات التي ترعى الشأن الثقافي، أو الشأن النسائي، أو قضايا الحريات العامة والحقوق، أو القطاعات المهنية مثل العمال والطلبة ونحو ذلك، إلا ما ندر، وأذكر -على سبيل المثال- أن مصر (ولها من التاريخ والباع في الخبرة الإسلامية الكثير على مدار قرابة قرن كامل) تجد فيها أكثر من خمس عشرة جمعية ومؤسسة تهتم بالحريات العامة رغم أنها لا تملك قواعد حقيقية لها في المجتمع، ومعظمهم يساريون وقلة ليبرالية، في حين أن الإسلاميين -على ضخامتهم وكثرة معاناتهم- لم ينشئوا جمعية واحدة تهتم بهذا المجال، رغم أنهم أولى الناس به واقعياً وعملياً، ويكن التحدث كذلك في هذا السياق عن غياب المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات المتخصصة في السياسة والاقتصاد والاستراتيجيات وغيرها.
إن التحولات التاريخية للأمم لا تُبنى على العواطف وحدها، ولا على النيات الحسنة وحدها، وإن كانت تلك من شروطها الجوهرية؛ وإنما التحولات تؤسس لها، وتفجر طاقاتها، وتشحذ الهمم إليها جهود إنسانية متكاملة ومتماسكة ومتنوعة ومعقدة، قدر تماسك وتكامل وتعقد المجتمع الإنساني -أي مجتمع إنساني-، ولعل المستقبل يحمل لنا مثل هذه الروح الجديدة، والوعي الجديد، وقد رأينا - بالفعل- بعض تباشيره في السلوك والوعي الإسلامي الجديد في غير بلد من العالم العربي.
==============(27/114)
(27/115)
حملة صليبية... وليست غزوة حضارية
السيد أبو داود 13/1/1425
04/03/2004
إذا كان الرئيس الأمريكي بوش قد خانه التعبير وقال في رده على ما حدث في واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001م "إن هذه الحرب ستكون مختلفة عن كل الحروب .. إنها حرب صليبية على الإرهاب ، فالإرهاب موجه ضد المسيحية واليهودية".
هذا الكلام فضح المسألة برمتها ، وهو يفسر تمامًا تفكير وفعل الإدارة الأمريكية - مسنودة في الغالب بكثير من الدعم الأوروبي - في عملياتها ضد العالم الإسلامي في أفغانستان والعراق وباكستان وإيران وليبيا وفي تهديدها لمصر والسعودية والسودان واليمن .. إلخ.
والمشكلة في العقل الأوروبي ليست وليدة اليوم؛ بل هي ترجع إلى فترة الإمبراطورية الرومانية، فهذه الإمبراطورية تمثل مرجعية أساسية للتفكير الغربي.. ومعروف أنها كانت تسعى لفرض قيمها على العالم بالقوة والحرب، حيث كانت مؤمنة بأن العالم يجب أن يتبع قانونها الإمبراطوري.. والمؤرخون يؤكدون أن الإمبراطورية الرومانية حينما اعتنقت النصرانية طوعت الدين لخدمة أغراضها الإمبراطورية الإمبريالية التوسعية ولم تسع هي إلى ضبط تصرفاتها بالدين .. وأصبح هذا موروثًا في الفكر والممارسة الأوروبية والأمريكية على مر التاريخ .
وأصبح الغرب يدبرون الحروب التي يخوضونها ضد العالم لفرض هيمنتهم عليه بأنها "حرب عادلة" .. والحرب العادلة هي التي تحقق أغراض وأهداف وخطط الغرب الصليبي.
وهكذا ظلت ازدواجية القيم أمراً ثابتاً في علاقة الغرب بالعالم فباسم الصليب شنت أوروبا النصرانية على العالم الإسلامي حروباً دامت مئتي سنة احتلت بلاده ومقدساته وذبحت أهله.
الاستعمار الحديث جزء من الحرب الصليبية
كثير من المؤرخين والمثقفين العرب والمسلمين يرون أن الحروب الصليبية انتهت بتحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي وهذا فهم خاطئ بكل تأكيد .. لأن الحروب الصليبية اتخذت في الفكر الغربي مفهوماً جديداً بعد فك أسر لويس التاسع عشر من مصر وعودته إلى بلاده مرة أخرى .. حيث كتب أن التعامل مع العالم الإسلامي يجب أن يتغير ولا يأخذ شكل الحرب المباشرة ورفع الصليب.
ولذلك يعتبر كثير من المثقفين أن احتلال البلاد العربية والإسلامية سواء أكانت ليبيا 1811م أو الجزائر 1830م أو مصر 1881م أو تقسيم الدول العربية بين دول الإمبريالية الغربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى والاستحواذ على خيراتها ومص ثرواتها وتعطيل تطورها وذرع الكيان الصهيوني على أرضها ..كل ذلك كانت حرباً صليبية أو مرحلة من مراحل الحرب الصليبية التي حافظت على تخلف العرب والمسلمين وأبقت الفجوة كبيرة وواسعة بين الطرفين تمنع النهضة الإسلامية التي تخيف الغرب الإمبريالي الاستعماري الصليبي وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا.
بل إننا نقول إن حركة الكشوف الجغرافية التي أصابت الغرب في فترة من تاريخه لم تكن هدفاً بريئاً لاستكشاف العالم الجديد؛ بل كانت مرحلة من مراحل الحرب الصليبية للالتفاف حول العالم الإسلامي وتقطيع أطرافه واحتلال قلبه.
وفي أعقاب موجة الكشوف الجغرافية ظهر مفهوم غربي كاذب وهو مسؤولية الرجل الأبيض نحو تحضير العالم - كما يدعي الأمريكان اليوم الذين يقولون إن مسؤوليتنا تحضير الشعوب المتخلفة (ولو بالقوة) - وتغيير نظمها السياسية ومناهجها التعليمية.
وطبعاً الغرب يريد شماعة دائماً كي يعلق عليها أهدافه ، ويخفي وراءها أغراضه الخبيثة ، فوجدوا هذه الشماعة فيما يسمى "الإرهاب" .. وهي كلمة معادلة في قاموسهم لـ "الإسلام" تماماً ..وجاء تصريح بوش بها كاشفاً لكثير من الخبايا والسياسات.
أفغانستان والعراق.. حملة صليبية جديدة
ما حدث في أفغانستان واستباحة أمريكا - مؤيدة بالغرب - لكل المواثيق الدولية لضرب بلد آمن لم يفعل لها شيء.. كل ذلك كان في إطار سياسة الاستعلاء الإمبريالي الغربي الصليبي بزعامة بوش ؛ فأمريكا بدون تحقيق ولا إدانة دولية توجه أصابع الاتهام إلى حكومة طالبان لإيوائها تنظيم القاعدة ، فتحرق الأخضر واليابس وتقتل عشرات الآلاف من الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين وتهدم المساجد والمستشفيات والمدارس ، بل وتضرب مواكب العرس والأفراح.
وكأن الغرض الأساسي هو محاربة المد الإسلامي في هذا البلد الفقير وإخافة كل المجتمعات الإسلامية بأن من يسلك سلوك أفغانستان وطالبان فسوف يكون مصيره الدمار والهلاك كما حدث في أفغانستان.
العجيب أن حجة "تحضير ومدنية " الدول المتخلفة التي تتحدث عنها أمريكا قد اختفت بعد أن تحققت الأهداف العدوانية، فالمرافق الأساسية تم تدميرها وإلى الآن لم يحصد الأفغان من الأمريكان إلا الخراب.. بل وزادت المخدرات بنسبة 19 ضعفاً عما كانت عليه أيام طالبان.(27/116)
وما حدث في العراق كان أكبر وأبشع .. فهذه الدولة التي حققت في يوم من الأيام أعلى معدلات التنمية ، أغرى الغرب رئيسها صدام حسين بغزو الكويت ودفعوه دفعاً إلى الخطأ ، ثم حاصروه من 1991م وحتى 2003م حصاراً مات بسببه الولدان والشيوخ .. وضربوه باليورانيوم .. ولأنها حرب صليبية فقد غزوا العراق - بلا أي مبرر- اللهم إلا النزعة الصليبية الإمبريالية.
لماذا هذه الحملة الصليبية الجديدة ؟
بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي وانهارت معه الشيوعية ظهرت فكرة العولمة .. وتم تأصيلها فكريًّا وثقافيًّا عن طريق بعض الأعمال الثقافية مثل كتاب نهاية العالم لفوكوياما ، وكتاب صدام الحضارات لصمويل هنتنجتون .. يقولان إن النظام الغربي وعلى رأسه النظام الأمريكي هو النظام الأفضل والأنجح ولابد أن يسود العالم بعد خوض صراع مع عدة قوى وعلى رأسها العالم الإسلامي .
وبدأ الغرب يروج لهذه المقولات وتركز الحديث عن الصراع الحتمي مع الإسلام أقصد مع "الإرهاب" .. وكأنه لم يبق في العالم أية منظومة ثقافية أو حضارية أخرى غير الإسلام .. ونسي القوم أو تناسوا الثقافة الصينية والهندية والإفريقية واللاتينية .
ولأن مفكري الغرب يعلمون أن هوية الإسلام مستقلة لها سماتها وخصائصها في الجانب الفكري والثقافي والعقائدي؛ فقد ركزوا على ضرورة الاصطدام معه، وفرض الأفكار الغربية عليه، حتى ولو بالقوة.
وهكذا فإن الذين لا يقتنعون بمشروع العولمة الغربي الذي هو امتداد للإمبريالية والحملات الصليبية ليسوا سوى إرهابيين أصوليين.
إن رد الفعل الأمريكي على ما حدث في 11 سبتمبر 2001م ليس مجرد رد اعتبار أو انتقام، إنما هو نتيجة مخزون نفسي وفكري وثقافي قديم تبلورت في فترات زمنية بعيدة المدى.
مشكلة التواجد الإسلامي في الغرب
يعتقد الغربيون أنه إذا أتيح للإسلام الريادة من جديد، فسوف يقوم أتباعه بنشر الإسلام في كل أنحاء أوروبا وأمريكا، ومن هنا يشعر الغرب بخطر الإسلام داخل بلدانهم .. ولذلك فهم يعملون دون كلل على محاصرة هذا المد الإسلامي قبل أن يقوى .. ولهذا أيضًا اتخذت حربهم ضد الإسلام - بخلاف الحملات الصليبية والتدخل المباشر - أشكالاً متنوعة من التنصير والماسونية والغزو الفكري.
ويظهر في الكتابات الغربية الآن من يقول بضرورة إعادة استعمار الشرق العربي ونشر المسيحية فيه خاصة وأن الغرب - وعلى رأسه الساسة والمفكرون - يزعجه ما يمثله العالم الإسلامي من استقلالية في الفكر والعقيدة والثقافة والانتماء والنهج والسياسي والاقتصادي.
لكن ما يزعج في هذا المجال هو أن رجال الإعلام والسياسة في بلادنا قد صدقوا ما تروجه وسائل الإعلام الغربية من أن الغرب ليس في حالة عداء مع الإسلام أو الشعوب الإسلامية .. وإنما هو ضد التطرف والأصولية والحركات الإسلامية لأنها حركات "إرهابية" .. وحينما يصدق القوم هذه الادعاءات يتنادون لضرب الحركات الإسلامية ويقعون في الفخ.
وتحاول أمريكا أن توهم المسلمين بأنها تخوض حربًا حضارية وليست حربًا دينية .. ونحن هنا نقول : إن كوبا وكوريا الشمالية من الخارجين على أمريكا .. فلماذا لا تظهر لهم السلاح وتحرك لهم الجيوش ؟
لسبب واحد هو أن الحرب صليبية والجيوش لا تتحرك إلا لضرب واحتلال البلاد العربية والإسلامية
===============(27/117)
(27/118)
"الماسونية" في تركيا..غموض وخفايا!
طه عودة 6/2/1425
27/03/2004
الهجوم الذي تعرض له المحفل الماسوني في اسطنبول مؤخرًا دفع المنظمة اليهودية الماسونية إلى تصدر واجهة الأحداث في تركيا، وكما تعلمون أن أبغض شيء عند الماسونيين هو البروز علنًا والظهور إعلاميًّا أمام الرأي العام حيث إن "السرية" هي العامود الأساسي الذي يدعم رجال هذه المنظمة اليهودية القوية عالميًّا.
المنظمة الماسونية هي عالم مليء بالأسرار جل أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم من يوثقهم عهدًا بحفظ الأسرار، ويقيمون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام تمهيدًا بحفظ جمهورية ديمقراطية عالمية (حسب ادعائهم) فيما تتخذ الوصولية والنفعية أساسًا لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية.
وفي تركيا قلة من الناس وحتى من المفكرين والكتاب ما يلمون بمعلومات وحقائق عنها بيد أن البعض منهم يتجادل بشأنها ويمارس أدبيات رخيصة دون أن يكون محاطا بعلم عن أهدافها بينما كان أول ما يجب أن يفعلوه هو تشكيل معهدا للأبحاث العلمية من أجل التنقيب عن معلومات تفصيلية صحيحة مقترنة بأدلة وإثباتات جدية تكشف عن نشاطات الماسونية وملابستها وأهدافها الماكرة.
الحقائق الأساسية التي يجب أن نعلمها عن الماسونية هي:
1) الماسونيون في تركيا: لا يجتمعون تحت لواء منظمة ماسونية واحدة؛ بل ينقسمون -حسب علمي- إلى أربع تشكيلات ماسونية مختلفة ومنقطعة عن بعضها البعض. الماسونيون يعلنون بأنهم جميعًا إخوة، لكنهم في الواقع ضمن هذه التشكيلات الأربع هم أبعد عن ذلك، حتى إن المنافسة بينهم في بعض الأحيان تصل إلى حد أنهم يتجاوزون وينتقدون مصالح بعضهم الآخر.
2) الماسونيون بالنسبة لمسألة "الإيمان بالله" ينقسمون إلى مجموعتين متناقضتين تمامًا: المجموعة الأولى تضم الماسونيون الذين يرددون كلمة "المهندس الأعظم للكون" في إشارة إلى أنهم يقبلون بالله سبحانه وتعالى. أما المجموعة الثانية؛ فهي التي ينتمي إليها الملحدون أو اللاإراديين الذي هم مستعدون للإلحاد. والماسونية ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهًا وتحويلاً للأنظار لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت أسماء مستورة إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما.
3) الماسونية ترى نفسها فوق الدين؛ وهي تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري للتمويه، وهو الإخاء والإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والمذاهب؛ مسلمًا كان أم مسيحيًّا أو يهوديًّا.
4) الماسونيون الأتراك؛ هم جميعهم دون أي استثناء يدعون الكمالية الأتاتوركية، علمًا أن (مصطفى كمال أتاتورك) قام بإغلاق كافة المحافل الماسونية في تركيا عام 1935، ولكن تم إعادة افتتاحها مجددًا في عهد الرئيس المشرف الذي تلاه وهو (عصمت أنيننو) بل وحدث أن شرعها قانونيًّا في الدولة. والماسونيون يسمون السنوات التي يكونوا فيها منغلقين "بعهد النوم الماسوني"، وما نستغربه هو كيف يحب الماسونيون الأتراك أتاتورك مع أنه أغلق محافلهم؟ وفيما يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال ستبقى سرًّا من أسرارهم الدفينة أيضا!.
5) الماسونية هي منظمة عالمية سرية تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة؛ بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها هي "السرية" في جميع الأحوال.
6) الماسونية هي منظمة تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية أو السياسية أو الاجتماعية أو العلمية، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذًا لأصحابها في مجتمعاتهم، فيما لا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها كالفقراء والمزارعين؛ ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء وكبار موظفي الدولة ونحوهم لمنحهم العضوية الماسونية.
لقد قرأت في أرشيف إحدى الصحف أن رجلين تركيين أحدهما يعمل موظفًا في القطار تقدما رسميًّا في عام 1930 إلى القنوات التركية الرسمية بطلب للانتساب إلى الماسونية؛ فجاء الرد الرسمي على طلبهما بعد دراسته كما يلي: "مهما كنتما من المواطنين الذين هم أهلاً للثقة والأمانة إلا أنكما لا تحملان المميزات الرفيعة التي تؤهلكما للحصول على العضوية الماسونية".
7) الماسونيون يتكاتفون ويحمون بعضهم البعض بشكل كبير. وهم يوزعون كراسيهم بين بعضهم بكرم وأخوة. وهم لا يوكلون أي عضو لا يحمل الهوية الماسونية في أي عمل داخل المنظمة مهما علا قدره سياسيا واجتماعيا بمعنى أن الهوية الماسونية تتقدم دوما على الهوية السياسية والاجتماعية.
8) الماسونيون يتقاسمون الأموال بينهم بيد أنه لا يمكن أن تجد ماسونيا واحدا فقيرا بل كلهم في رخاء ورفاه.
9) الماسونيون في تركيا وموقفهم من الإسلام: هم في الولايات المتحدة وإنكلترا وحتى ألمانيا يتعاملون مع الأديان بسلاسة، أو على الأقل لا يحاربونها علنًا، أما في تركيا فهم يشهرون سيفهم علنًا ضد الدين والقرآن والأحكام الإسلامية، ويحركون النفوذ السياسي لصالح هذا الهدف.(27/119)
10) كل ما واجه تركيا من كوارث في القرنين الأخيرين من احتلال وضربات عسكرية وتغيرات فيها كانت من صنع الماسونيين. وفي هذا الإطار يبين البروفيسور أحمد يوكسال أوزميرا في مقالته بعنوان "فروس المعبد" أمرًا مهمًّا وهو: "لقد اتضح أن الماسونية هي وراء الحركات الهدامة للأديان والدول، وقد نجحت الماسونية بواسطة جمعية الاتحاد والترقي في تركيا في القضاء على الخلافة الإسلامية".
11) حتى زمن قريب انتسب بعض رجال الدين المسلمين المعروفين إلى الماسونية من أمثال جمال الدين الأفغاني، ومن هنا انتظر من بعض رجال الدين الذي يمدحون جمال الدين الأفغاني ويقولون بأنه زعيم إسلامي يقتدى به أن يعترفوا أمام العالم كيف أن الماسونية تخدر المسلمين.
12) الماسونية وعلاقاتها باليهود: هي بضاعة يهودية بحتة في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وسريتها وإيضاحاتها فيما يعتبر "حيراما" الذي أنشأ معبد النبي سليمان (عليه السلام) هو مرشدهم وزعيمهم الكبير. كما يحمل كل ماسوني في العالم فرجارًا صغيرًا وزاوية لأنهما شعار الماسونية منذ أن كانتا الأداتين الأساسيتين اللتين بنى بهما سليمان الهيكل المقدس بالقدس.
13) هل الماسونية في تركيا بدأت تشهد انحطاطا؟
في هذا الأمر يقول الكاتب الصحفي في جريدة (ملي غازته) الإسلامية محمد شوكت أيجي: " لا أملك معلومات وافية عن ذلك، ولكن حسب ما وردني أن الضعف قد بدأ يتغلل في هيكل الماسونية، وأن التجانس القديم في التفكير وفي طرق الانتساب قد تداعى، بيد أنني سمعت عن حكاية لرجلين كهلين من الماسونيين يتناقلان الشكوى بحسرة " لقد دمروا الماسونية ..". الحق يقال: إن تركيا حاليًّا في حالة يرثى لها من الفساد وعدم الاستقرار ولعل الماسونيين قد أخذوا نصيبهم من هذا الوضع السيئ أيضًا.
14) هل الماسونية هي لوبي قوي؟
لعل التاريخ لم يعرف منظمة سرية أقوي نفوذًا من الماسونية. نذكر من التاريخ أن استاد عظامي الماسوني كان يعمل كمستشارا لرئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس، وكان مثالاً للذي بنى إمبراطورية له في تركيا يدير شئون البلاد كما يشاء.
15) الماسونيون جندوا الطلاب في الجامعات والإعلام والبيروقراطيين والاقتصاديين ورجال العدل في خدمتهم.
16) رئيس هيئة الأركان التركي قبل أيام أدلى بتصريح أكد فيه عدم تصويبه لانتساب الضباط في الجيش للمنظمات السرية والمحافل الماسونية.
17) رغم أن الماسونيين ينتقدون الدين الإسلامي بسبب عدم مساواته بين المرأة والرجل؛ فإننا نستغرب عدم انتساب النساء إلى هذه المنظمة والتي إن دلت فإنها تدل على مدى تداعيهم وكذبهم ومعاييرهم المزدوجة!!
18) الماسونيون والصباتية هم القوى الرئيسة التي أسقطت السلطان عبد الحميد (رحمه الله) من عرشه بعد أن رفض طلب اليهود بمنحهم أرض فلسطين.
19) في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شنت فرنسا حملة كبيرة ضد الماسونيين؛ لكن الكاثوليكيين خسروا هذه الحرب. أما في تركيا فإن أغلبية الشعب يبغض الماسونيين والماسونية.
20) ماذا فعل الماسونيين عماد السياسة والعلم والاقتصاد والإعلام لتركيا؟
هل تسببوا في تقدمها أم بتراجعها؟ هل نجحت تركيا في أن تكون رائدة في منطقتها مثل اليابان أو حتى كوريا الجنوبية؟ أو أي من الجوائز العالمية حصلت عليها تركيا بدعم منهم؟. وتبقى الأسئلة معلقة فيما إذا كان هؤلاء الماسونيون الأتراك يعملون لصالحهم الخاص أم من أجل البلد والشعب والدولة؟ لماذا يصمت الإعلام عنهم ولا يتحدث عن أهدافهم، أليست تركيا بحالها اليوم هي من صنعهم؟!!
المصادر: -جريدة ملي غازته الإسلامية.
- قناة سبعة الإسلامية
=============(27/120)
(27/121)
بروتوكولات حكماء صهيون
سلمان بن فهد العودة 29/5/1425
17/07/2004
لا أعتقد أن ثمة خلافًا على الأصابع اليهودية القذرة، المتغلغلة في مجالات عديدة من حياة الشعوب والدول، تلك الأصابع التي تهدف إلى غاية محددة هي "الفساد في الأرض"، وهذا هو التعبير القرآني:"وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً" [المائدة:64].
إن استعمال الفعل المضارع في الجملة يدل على التجدد والاستمرار، فليس سعيهم للفساد مرحلة تاريخية انتهت؛ لكنه قدرهم الكوني إلى يوم يبعثون! وقد استطاع اليهود أن يهيمنوا على كثير من مقدرات الأمم من خلال كيدهم المدروس، وفي غيبة الوجود الإسلامي القادر على إحباط مؤامراتهم، وفضح ألاعيبهم.
إن العبقرية اليهودية في الهدم والتخريب ليست- فيما أحسب- موضع جدل، تلك العبقرية التي "تستغل" الأحداث لصالحها، فهى لا "تصنع " الأحداث، ولكنها "تستثمرها".. وهذا يجعلها أقل تضحية، وأوفر قوة، وأبعد عن المواجهة التي لا تؤمن عواقبها.
ولليهود وجود مؤثر في الدول الكبرى: اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وإعلاميًّا، ولم يكونوا غائبين عن النظامين العالميين: الرأسمالي، والشيوعي، ولا عن الثورات الكبرى في العالم، وثمة عدد غير قليل من المنظمات العالمية التي تسهر على خدمة أهداف اليهود.. أبرزها: "الماسونية" -اللغز الذي حير أذهان الباحثين-، ثم "الليونز"، و "شهود يهوه ".. الخ.
كل هذا ليس موضع حديثنا، لكن ألا يحتمل أن في الأمر نوعًا من المبالغة المقصودة، أو غير المقصودة؟ هذه الصورة الجاثمة في عقول الكثيرين أن اليهود هم الذين يحركون العالم، وهم زعماؤه السياسيون، ومفكروه، ومبدعوه، وهم... وهم...، وأن الشخصيات المهمة من غير اليهود ما هي إلا "أحجار على رقعة الشطرنج" على حد تعبير وليام غاي كار!
ولم لا نفترض أن اليهود أنفسهم- بحكم نجاحهم إعلاميًّا- هم وراء نشر هذه التصورات، التي تجعل خصومهم أسرى وَهْمٍ كبير مُؤَدّاه: أن اليهود قوة خفية لا تقهر، وأخطبوط رهيب متغلغل في جميع الدول؛ ولذلك فإن كل من يتصدى لهم عسكريًّا أو فكريًّا يتعرض لأقسى الهزائم، فردًا كان، أو مؤسسة، أو دولة.
إن هذا الكم الهائل من الكتب التي تتحدث عن اليهود، ودورهم الخطير تساهم في تهيئة الجو للتسليم بالأمر الواقع، وتمنح تفسيرًا جاهزًا لجميع الهزائم التي منيت بها الأمة.. الهزائم الحضارية، والعسكرية على حد سواء. إن إحساس الناس بأن "كل شيء" مدبر ومبيت، ومدروس من قبل "الماسونية"، التي أصبحنا نستنشقها مع الهواء الذي نتنفسه، ونتعاطاها مع الطعام والشراب يقعد بهم عن المقاومة، والمواجهة، والجهاد.
وبين يديَّ مجموعة غير قليلة من الكتب التي تتحدث عن هذا "الأخطبوط" المنفوخ: ككتاب "اليهودي العالمي"، وكتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، وكتاب "أحجار على رقعة الشطرنج"، والذي تحدث مؤلفه عن "النورانيين"، وهم جماعة سرية جديدة داخل الماسونية، أي خاصة الخاصة! يضاف إلى ذلك عشرات الكتب عن الجمعيات السرية اليهودية.
وما يقال عن اليهود يمكن أن يقال عن أي عدو آخر، ينتهج سياسة الإرهاب الفكري والعسكري، فمثلاً: أجهزة الاستخبارات العالمية، مثل: "السي آي إيه"، أو ما كان يعرف بـ"الكي جي بي"، أو "الشين بيت" أو غيرها من مؤسسات التجسس الظاهرة أو المغلقة، أو الجماعات التنصيرية الاستعمارية، أيًّا كانت لافتاتها كل هذه المؤسسات أصبحت ذات وجود قوي في عدد من المواقع والدول؛ بل وأصبح لها وجود قائم بذاته في أكثر من بلد إسلامي، وأصبحت تفسيرًا جاهزًا لكل حدث.
ويعتقد بعض من يهول شأنها، ويعطيها أكبر من حجمها، أن من يتحدث عنها، أو يفضح خططها، أو يكتب، أو يحاضر فهو مهدد في رزقه وحياته، إذًا فليسكت الجميع حفاظًا على أرزاقهم وأرواحهم، إن الله - تعالى- يقول: "فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" [النساء:76].
فأمام الإيمان الواثق تنهار جميع المؤامرات، وتفشل جميع الخطط، لكن لابد من نزع عنصر "الخوف " الذي قتل كثيرًا من الهمم، وأحبط كثيرًا من الأعمال، والأحداثُ تؤكد أن "الوهم " قد يقتل! وحين توجد الفئة المؤمنة الصابرة يتحطم الكيد كله -يهوديًّا كان أم غير يهودي- أمام صخرة التقوى "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"[آل عمران:120].
وهذا لا يعني -بحال من الأحوال- تجاهل قوة العدو أو التقليل من شأنه، حتى لو كان عدوًّا حقيرًا، فضلاً عن عدو مدجج، وقديمًا كان الشاعر العربي يقول:
لا تحقرنَّ صغيرًا في مخاصمة … …
إن البعوضة تدمي مقلة الأسد
لكن من الممكن جدًّا أن نسلك طريق الاعتدال في تقدير حجم العدو؛ فلا نبالغ في تهويل قوته بما يوهن قوانا، ويفت عزيمتنا، ويسوغ لنا الهزيمة، وفي المقابل لا نستهين به أو نتجاهل وجوده. فرق أي فرق بين من ينكر وجود "الماسونية" - مثلاً-، وبين من يعزو إليها كل ما يحدث في الكون.(27/122)
ولعل ما يُستفاد من الانتفاضة المباركة في فلسطين، تعديل نظرة الكثيرين عن "إسرائيل التي لا تقهر"، فلقد قهرها أطفال ليست في أيديهم سوى الحجارة، وعما قريب لن يقف دور "الحجر" عند هذا الحد؛ بل سيتعدى إلى أن يقول للمسلم: (يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله) كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم .
=============(27/123)
(27/124)
حول نقد أفكار رواد النهضة
جمال سلطان 27/3/1425
16/05/2004
بعد أن نُشر حوارٌ لي في إحدى الصحف العربية المعروفة تعرض بشكلٍ موسع للموقف من رموز النهضة العربية الحديثة، مثل الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم ، اتصل بي بعض الإخوة الباحثين والمثقفين معاتبًا لما يراه تهوينًا من شأن هؤلاء الرموز، وإقلالاً من قدرهم، وتجاهلاً لإنجازاتهم في سبيل تحريك فكر الأمة، ووعيها نحو النهضة المأمولة، ولم يكن هذا الذي تصوروه مبتغاي أبدًا من مثل هذا الحوار، ولا هو مبتغاي من الكتابات السابقة.. التي نشرتها في نقد تراث هذه الحقبة وتلكم الرموز، والحقيقة أن هذه المرحلة ضاعت بين تيَّارين من الباحثين، وكلاهما متحمس لوجهة نظره: تيار مغالٍ في هذه الرموز، ويراهم صناعَ نهضةٍ، وأنهم بعثوا الأمة من مرقدها، وأنهم روَّاد تنوير، والأمة مدينة لهم بفتح آفاق الفكر والاستنارة أمامها. وتيار آخر متطرف يرى هؤلاء دعاةَ رجعيةٍ وتخلف، وأنهم شدوا المجتمعات العربية إلى الأفكار القديمة، والتراث المندثر، وأعاقوا انطلاقة الفكر العربي نحو التحديث والسباق الحضاري الجديد، ممَّا أدى بنا إلى تكريس التخلف والجمود، ويزيد هؤلاء أن من آثار ذلك الجهد الفكري تولَّدت تيارات "الإسلام السياسي" الجديدة0 هذا التباين الشديد في موقف الطرفين حرمنا كثيرًا من استبانة الموقف بموضوعية ونزاهة وتأملٍ عاقل، والحقيقة أن هناك طرفًا ثالثًا أقلَّ حضورًا في هذا الجدل من التيار الإسلامي، وهم طرف يقف موقف الخصومة الشخصية من رموز هذه المرحلة وفق مقاييس شرعية محددة، ودون نظرٍ إلى الأبعاد الكاملة لقضية ذلك الفكر، ويجتهد في اتهام رموزه في نواياهم أو انتماءاتهم أو ولاءاتهم ونحو ذلك، وهذا الفريق -على قلته- حوَّل المسألة من رصد حالةٍ إنسانية وفكرية وتاريخية إلى تقييم أخلاقي وديني وسياسي مجردٍ لهؤلاء الأشخاص، وهذا منحىً خاطئٌ جدًّا في مثل هذه الأحوال، ويبعد بنا عن تحصيل فائدة البحث التاريخي، والاستفادة أيضًا من ثمرات التحليل والتقييم الموضوعي للمرحلة، حتى لا تتكرر أخطاؤها، وحتى نفيد مما يكون بها من إيجابيات، وهو ما لا تخلو منه أيّة تجربةٍ فكرية أو اجتماعية، وفي تقديري أن الموقف الصواب من تلك المرحلة وأشخاصها ورموزها هو موقف الرصد والتحليل للحالة الاجتماعية والنفسية والفكرية التي نشأ فيها هذا الفكر وظهر عطاءُ رموزه، بحيث نفهم الأسباب الحقيقية التي أثمرت توجهاتهم الفكرية، وأيضًا لكي يمكن لنا الإجابة عن السؤال الكبير : لماذا فشلت جهودهم وأفكارهم على مدار أكثر من قرن من الزمان حتى اليوم في إحداث النهضة المأمولة، أو تحريك الأمة قدمًا نحو نبض الحياة الجديدة ومدارج الحضارة؟ لماذا فشلت الإجابات التي قدموها في خطبهم ومقالاتهم وكتبهم وحواراتهم عن أسئلة النهضة.. حتى عادت الأمة بعد كل هذا العمر لكي تطرح نفس الأسئلة التي كانت تطرحها قبل أكثر من مئة عامٍ بانتظار إجاباتٍ جديدة.. بما يعني أنها لم تقبل بالإجابات الفكرية التي قدموها، ولم تعمل وفقها، أو أنها لم تستطع هضم هذه الرؤى الجديدة؟ هذه هي القيمة الأهم في دراسة هذه المرحلة، وبالتالي لا ينبغي أن يكون للحماسة الشخصية مجالٌ في عملية البحث والتحليل والتقييم، سواء في نقد تراثهم وعطائهم، أو في الدفاع عنه، ومحاولة إعادة الاعتبار إليه، وأيضًا ينبغي أن يبعد الأمر عن كونه إدانةً شخصية لهؤلاء الرموز، أو دفاعًا شخصيًّا أيضًا عنهم.. الأمر ينبغي أن يكون أبعد عن الأشخاص، وأقرب إلى التجربة والفكرة والرؤية التي طرحت. وفيما يخص الحالة الإسلامية على سبيل المثال هناك اندفاعٌ كبير في اتهام الشيخ الأفغاني بأنه كان ماسونيًّا، وكذلك الشيخ محمد عبده، وذلك لثبوت مشاركاتهم في اجتماعات بعض المحافل الماسونية، وأجد في كتابات بعض الإسلاميين احتفالاً كبيرًا بهذه التهمة وحرصاً متزايدًا على تأكيدها، وبالدرجة التي تحرمهم من رؤية الأبعاد المختلفة للشخص وأفكاره، يكفي أن يشار إلى أنه "ماسونيٌّ" حتى نهيل التراب على مجمل تجربته وأفكاره بكل تعقيداتِها وتشعباتها، وتحولات صاحبها نفسه على مدى السنين والتجارب، ودون أن يبذل الباحث قدرًا من الجهد لكي ينقب عن وضع الماسونية في تلك المرحلة، ومدى وعي المثقفين بها، وإدراكهم لأبعادها التي أدركها الناس بعد ذلك بحكم التجربة والمآلات والنتائج، إذ إن الأمانة العلمية تقتضي النظر في هذه الخلفيات كلها؛ لأنها مؤثرةٌ جدًّا في تقييم الحدث، وتقييم الشخص وانتمائه وولائه أيضًا.(27/125)
أيضًا في تجربة شخص مثل قاسم أمين؛ فهناك قدرٌ من السطحية في دراسة حالته، وبعض الكتابات الإسلامية تتوقف عند حد اتهامه بأنه مَن أدخل فكرة تحرر المرأة على النمط الغربي إلى المجتمع العربي، ودعا إلى السفور، وأهان الحجاب، وكسر حاجزًا للأخلاق والفضيلة انهارت من بعده قيم المجتمع، وهذا صحيح، ولكن المسألة ليست في إدانة قاسم أمين، وإنما في معرفة الظروف التي ولد فيها فكره، والتحولات التي طرأت عليه، والمؤثرات التي وَجَّهتْه وِجْهَتَه من قبل سياسيين أو رجال سلطة أو رجال فكر أو رجال إعلام وصحافة أو حتى علماء دين، وما هي الطرق التي تمَّ بها تدعيم أفكاره في المجتمع، وتحويلها إلى سلوك تسلل إلى المرأة والمجتمع، وكيف تسلل.. هذا هو الأهم من إدانة قاسم أمين، لأننا قد نكتشف أننا أمام مئة قاسم أمين آخرين في عواصم الإسلام المختلفة، وقد نكتشف أن هناك طابورًا مستنسخًا من "قاسم أمين" يتم الترتيب له الآن لكي يؤدي الدور القديم الذي أداه قاسم الأول وفق تعديلات توافق العصر والزمان الجديد؛ وبالتالي فنجاحنا في دراسة حالة قاسم أمين من جميع أبعادها، سوف يعين الناصحين لهذه الأمة اليوم في أن يتصدوا للنسخ الجديدة من قاسم، ويحبطوا المؤامرات التي تمكن لفكرته وتوسع لها0 إن هذه المؤامرات هي الأخطر من فكر قاسم، لأن النظر في فكر قاسم مجردٍ ستجده كلامًا تافهًا، وعقلية شديدة التسطيح والاضطراب والسذاجة، وإنما الخطورة كانت فيمن وسع له واستثمره وروج لجوهر فكرته وتلاعبَ بالعقول والوجدانات من أجل أن يمكّن لها في المجتمع العربي المسلم المحافظ.
مرحلة ما يسمى بالنهضة الحديثة، مرحلة خصبة جدًّا، ومليئة بالدروس والعبر، ومعظمها ما زال حاضرًا بمعانيه وأفكاره وألاعيبه، ومن العيب.. بل الخطر أن نتجاهل هذه الدروس المهمة في خضم بحثنا عن إدانة شخصٍ أو التحمس لآخر
===========(27/126)
(27/127)
د. عويس: أمّتنا قادرة على المواجهة
حوار: عبد الرحمن أبو عوف 29/4/1425
17/06/2004
ـ رغم الضّعف..أمّتنا قادرة على مواجهة العولمة والغزو الثقافيّ.
ــ الاستبداد وراء نُضوب وتجفيف منابع الفكر.
ـ مؤسّساتنا الثقافيّة تشن حربًا شرسة على ثوابت أمّتنا.
ـ العولمة والتّغريب نبْت شيطانيّ، ومصير الشّيوعيّة ليس بعيدًا عنها.
أكد د. عبد الحليم عويس الأكاديمي والمثقف العربيّ المعروف في حوارٍ له مع "الإسلام اليوم" أنّ الوضع الثقافيّ العربيّ يمرّ اليوم بحالة من الانهيار والضّعف؛ مثله مثل الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في عالمنا العربيّ، وأن المسيطرين على السّاحة الثقافيّة في بلادنا أغلبهم من بقايا الشّيوعيين؛ الذين لا همّ لهم إلا هدمُ ثوابت الأمّة.
وتابع د. عويس أن الفراغ الثّقافي العربيّ قد أعطى الفرصة لجهات مشبوهة لملء هذا الفراغ، وهي تستغلّ الوضع أسوأ استغلال لتذويب هُوِيّتنا والقضاء على ذاتيّتنا الثقافيّة .. مشيرًا إلى أنه مطمئن إلى فشل الطّروح الحاليّة من عولمة وتغريب في قهر أمتنا؛ لأننا نمتلك المضادّات الحيويّة والخمائر والإمكانيّات التي تسمح لنا بإفشال مساعيها.. حول تلك القضايا وغيرها كان لنا هذا الحوار مع الدكتور عبد الحليم عويس .
•في البداية نريد من سيادتكم أن تلقي لنا الضّوء على تقييمكم للوضع الثقافيّ العربيّ!
الوضع الثقافيّ في العالم العربيّ انعكاس للوضع السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، والثقافة -الآن- في العالم العربيّ تابعة وليست متبوعة، ومنقادة وليست قائدة، وهذا ما يجعلها ثقافة متشرذمة لا تقف على ثوابتَ واحدة، ولا تنطلق إلى أهداف واحدة، والفارق -الآن- بين بعض الجماعات الثقافيّة كالفارق بين أصحاب الأديان المختلفة؛ بل إن أتباع الأديان قد يكونون عقلاء ومنتمين للوطن أو القوميّة، فينطلقون من ثوابت وأهداف محددة، وذلك على العكس من الجماعات الثقافيّة المتشرذمة الآن؛ فمثلاً بقايا الشيوعيين يزعمون أنهم اجتهدوا وغيّروا موقفهم، وأصبحوا ليبراليّين، والحق أن ذلك لم يحدث؛ فهم لم يجتهدوا ولكنهم ثابتون على أمرَيْن؛ الأول: العداء الدائم للإسلام، والثاني: الثّبات على المصلحة الشخصيّة .. بعيدًا عن سفينة الوطن وسفينة العروبة وسفينة الإسلام.
حصار المساجد
لكنك لم تتحدث عن الدور الرسميّ لوزارات الثقافة العربية في هذا التردي ؟
وزارات الثقافة في معظم العالم العربيّ لم تعد تمثل ثقافة الأمة، وخصوصًا في مصر التي أصبحت فيها أداةً للتغريب بعيدًا عن الموروث الثقافيّ العربيّ والإسلاميّ؛ بل ومتنكّرة له في الغالب الأعمّ .
ألا يُظْهر هذا الانهيار الثقافيّ مخاوف شديدة على هُوِيّة أمتنا العربيّة والإسلاميّة من غُول العولمة وعالم المعلوماتيّة؟
دائما أرى أنّ أيّ غولٍ خارجيّ لا ينبغي الخوف منه؛ فنحن على ما نحن فيه من تعاسة وبؤس إلا أننا لم نعدم سبل مواجهة التحدّيات التي نواجهها، وهذا الأمر يتم بتحريك الأمّة وتغيير أوضاعها وشعور كل فرد بمسؤوليته، وقيامه بإضاءة عدد من الشموع، لأن عولمة المعلوماتيّة والموجات الفكريّة الوافدة لا تقوم على ركائز حقيقية؛ فهي كأيّ عمل شيطانيّ مصيره الانهيار، وتعجبني في هذا الموقف رؤية الأستاذ العقاد -رحمه الله- عندما كتب سنة عام 1957 والشّيوعيّة في تألقها ومنافستها لأمريكا وأوروبا وفي إخضاعها لمصر واليمن وسوريا والعراق وعدد من البلدان لأيدلوجيّتها؛ ففضلاً عن الجبروت الفكريّ الذي كانت تتظاهر به، ومع ذلك وقف العقّاد يتنبأ بسقوطها بالقول: "مضى من عمرها أربعون عامًا، ولها أربعون عامًا باقية فقط وتنتهي" والعجيب أن ذلك تحقق ولم تمر الأربعون عامًا إلا وأصبحت الشيوعية هباء منثورًا: تنظيرًا، ودولة، وواقعًا.لقد سقطت على يد الصمود الإسلاميّ الفكريّ وعلى يد إخواننا الأفغان الذين نسأل الله أن ينصرهم هم وإخوانهم في العراق على تتار العصر الحديث، مع أن أسلحتنا الفكريّة لمواجهة هذا الغول وأسلحة الأفغان والعراقيين التي يواجهون بها أمريكا ليست في مجال للمقارنة، ولكنّ هذا يجب ألا يجعلنا نيأس، ولنا فيما فعله الأفغان بالسّوفييت مثال طيّب.
أصالتنا الحضاريّة
ولكنك لم تضع لنا وَصْفة لمواجهة غُول العولمة والتّغريب هذا!
ما يطلق عليه "عولمة وتغريب" هي مفردات للظاهرة العولميّة الصهيونيّة الماسونيّة الزاحفة وهي مجرد تيارات فكريّة بشريّة ليس لها رصيد من الوحي الهادئ، ولا من العقل الحكيم؛ بل تعتمد على القوّة والصّخب الإعلاميّ، وتزوير الحقائق لدرجة أنني أستطيع القول إن بوش يمكن أن يفوز بلقب أكبر كذاب في العالم، والكذب دائما لا يقف على أقدام ثابتة، وسيتداعى إن شاء الله، ولكن هذا الأمر يتطلب من المسلمين والعرب أن يتمسكوا بالتالي:
أولاً: بعدم اليأس وبالثّقة بأصالتنا الذاتيّة والحضاريّة وعروبتنا الإسلاميّة والإسلام كحضارة وعروبة أيضًا.(27/128)
وثانيًا: بدلاً من أن نلعن الظلام فعلينا أن يُضيء .. كلٌّ منا شمعة في موقعه إن كان عضوا في نقابة، أو اتّحاد، أو كان إعلاميا، أو أستاذًا جامعيًّا، فنحن مطالبون بالتكاتف لعبور هذا الامتحان التاريخيّ.
وثالثًا: لا بد من الاتّحاد على ثوابتَ موحّدة فنحن أمّة مسلمة .. لنا حضارتنا الشرقيّة وقيمنا الأصيلة فيما يخص الأسرة والمرأة؛ فنحن مطالبون بأن نلتقي حول ثوابتَ مستقاة من ديننا وحضارتنا وعروبتنا، وأن تلعب هذه النقاط الثلاث دورًا مهمًّا في حياتنا، وأنْ نلفظ كل من يُساوم على هذه الثوابت، وكذلك تقدير اللّغة العربيّة حقّ قدرها، وعدم المساومة على مقدساتنا في فلسطين، وعدم قبول أيّ تدخل في مناهجنا ومقرراتنا، وكذلك العمل على الخروج من هذا السّقوط الإعلاميّ الذي نعيشه الآن؛ أصبحت وسائل إعلامنا المسموعة منها والمرئيّة ،الأرضيّة والفضائيّة مرهونة للصّهاينة ولا تعبّر عن ذاتنا الإسلاميّة والعربيّة.
حديثك عن رفض التدخّل الغربي في مناهجنا ومقرراتنا يفتح الباب أمام حديث شَجَن!
لم أنته بعد من وسائل مواجهة غول العولمة، ومنها أنّ علينا أن نتفق على العناصر المشتركة التي تحفظ لنا هُوِِِِِِِِِِِيّتنا في عالم لا بقاء فيه إلا لمن له هُوِيّة، وهو يعمل بذلك على طمس هُوِيّتنا وهُوِيّة العالم كله تحت اسم العولمة؛ أما الأمر الهامّ في معركتنا هذه فهو أن تبقى ثوابتنا ثوابتَ، وأصولنا أصولاً، ولا نحوّل الفرع إلى أصل أبدًا، مع إبقاء مساحة الرأي والخّلاف مفتوحة في حدود المصلحة العامة والوسائل الكريمة؛ فاتّفاق البشر على رأي واحد مستحيل.
الأُخدود الإفريقيّ العظيم
تحدثت تقارير صحفيّة عن تبني الصّهيونية العالميّة لمشروع الأخدود الإفريقيّ العظيم للسيطرة على المنطقة وتذويب هُوِيّتها.. ما تعليقُكم؟
نجاح إسرائيل السّياسيّ أكبر من نجاحها الثّقافي، لكننا نستطيع أن نقول: إن أقلامًا كثيرة ومثقفين عربًا أكثر قد باعوا أنفسهم للشّيطان، لكنّ أمتنا واعية لكل ما يحاك ضدّها؛ فأنا أجزم أن ما وقع للشيوعيّة سيقع لقردة الصّهيونيّة الصّليبيّة الجديدة، ومع ذلك أناشد الأمة كلها رجالاً ونساءً .. شبابًا وشيوخًا أن يقفوا ضد الغزو الثقافيّ الفكريّ في الإعلام والفكر والمطاعم والمشروبات، في نظم الأفراح وفي كل العادات والتّقاليد، وأن نحتفظ بأصالتنا ومنظومتنا القيميّة والحياتيّة؛ لأن الثّقافة ليست أدبًا وفكرًا فقط، ولكنّها نظام حياتيّ، والصّهاينة يحاولون العبث بهذا النّظام بحيث لا يكون هناك مكان للدين والأخلاق، ونصبح بهائم سائحة يفعلون بنا ما يريدون!
استراتيجيّة ماسونيّة
لقد طرحت واشنطن مشروعًا للإصلاح والتحديث في عالمنا العربي، وهو ما عدّه الكثيرون مخططًا لأحكام السيطرة على المنطقة فما رأيكم ؟
أمريكا تعلم أنّها مكروهة في المنطقة بنسبة 99% وتعلم أنّ هناك انفجارًا وشيكًا لعملائها الذين يحكمون المنطقة من أجلها وهذا وضع يخيفها؛ لذا فهي تريد أن تتقرّب إلى كل القوى والشّعوب وفق معادلة عجيبة تضمن لها أن تستأصل هذه الشّعوب بالتّدريج، وعليهم أن يصبروا على هذا الاستئصال التّدريجيّ واثقين من أنها تريد لهم الخير والنّماء وهي استراتيجيّة ماسونيّة تعمل على تنفيذ مخطط جهنميّ لإزالة الإسلام من الطريق؛ لأنه الحصن الوحيد الباقي ضد محاولة هيمنتها على المنطقة، كما أنّ الإسلام هو الوقود الذي يشعل ضدّها الحرب في فلسطين والعراق.. لذا فأعتقد أن الهدف الأهمّ لهذا المشروع والذي يلتقي معه الشّيوعيون والأمريكان هو تفريع المنطقة، وعزلها عن هويتها الإسلاميّة، وهدم الأديان والشّرائع السماوية فيها.
نعود إلى قضية العبث بمناهجنا ومقرراتنا الدّراسية وخطورة ذلك على هويتنا!
إنّ ما يُقال عن تعديل المناهج والتّدخل فيها أمر خطير، ولكن تستطيع مواجهة هذا العبث الأسرةُ المسلمةُ التي تلعب دورًا مهمًّا في التّصدي له، فمثلاً اليهود تعرضوا لمحاولات مسخ عديدة ومع ذلك كانوا في (الجيتو) يعلمون الأولاد باللّغة العبريّة، ويثقّفونهم الثّقافة الصّهيونيّة، وكذلك عمل الشّيوعيون في الاتحاد السوفييتيّ الهالك على إزالة الإسلام ولكنهم لم ينجحوا؛لأن الأُسَرَ المسلمة في بلدان آسيا الوسطى الإسلاميّة عملت كمصدّات لهذا الهدف، وكانت تمدّ أولادها بالثّقافة الإسلاميّة وشعائرها وعباداتها، وأفشلت مخطّط الشّّيوعيين. والأمريكان لن يستطيعوا الوصول إلى ما وصل إليه الشّيوعيون؛ لأنّهم يدّعون العمل بالدّيمقراطيّة، لذا فآثار ما يعملون على تطبيقه ستكون محددة مهما فعلوا، بشرط أن يتحول كلُّ بيت إلى مدرسة لمواجهة هذا الفكر الوافد، و حقن أبنائنا بمضّادات حيويّة لهذه الأفكار، وأرى أن السّاحة- حاليًا- مهيَّأة لمواجهة هذا التّدخل عبر وجود صحوة فكريّة وثقافيّة تقوم بها بعض الفضائيّات الملتزمة لمواجهة الغزوة الثقافيّة الأمريكيّة.
ننتقل إلى محور آخر من اهتماماتكم ألا وهو الأدب الإسلاميّ.. برأيكم هل استطاع الأدب الإسلاميّ تفعيل دوره لمواجهة التّحديات التي تواجه أمّتنا؟(27/129)
نحن في رابطة الأدب الإسلاميّ في بداية مشوارنا.
لقد بيّنا الإلحاد والانحلال وفضحناهما، وقدّمنا البديل الإسلاميّ لهما عبر إنتاج وفير وإبداعات لا بأس بها، وإن كانت دون طموحاتنا؛ إلا في مجال الشّعر الذي بلغ مستوى رفيعًا، لكنّنا ما زلنا مقصرين في مجال القصّة والمسرح وقد نجحنا.. كذلك في فضح أدونيس ومدرسة الإلحاد الصهيونيّ، وقمنا بتعريتها أمام الجماهير وكشفنا عن عمالتها للمخابرات الأمريكيّة، وصرحنا بذلك في كل مكان ولعل الكتاب الذي طبعه المجلس الأعلى للثقافة المصريّة على نفقته الذي يدور حول "الحرب الباردة الثقافيّة" قد كفانا هذا الجهد وأثبت ما اتّهمناهم به.
وكذلك أصبح لرابطة الأدب الإسلاميّ سبع مجلات تغطّي نشاطه في مختلف أنحاء العالم بلغات عديدة، أهمّها: العربيّة والأُرديّة والبنغاليّة والتّركيّة، ولنا مؤتمراتنا النّاجحة، وهناك أكثر من اثني عشر مقرًّا إقليميًّا آخرها افتتح في السّودان، وقد ركّزنا خلال أعمالنا على ضرورة تبني التّحديات التي تواجه أمتنا، وكان إنتاجنا الأدبيّ يدور في فلك تمجيد قيم الشّهادة والمقاومة والجهاد بأسلوب أدبيّ غير مباشر؛ لأنّ هذه القيم ضروريّة جدًا لأمتنا في ظلّ المصاعب التي نعانيها.
تجفيف منابع الإبداع
لكن هناك أمرًا شديد الخطورة ويتمثل في نضوب المواهب خصوصًا في أوساط الشعراء والأدباء الإسلاميين.
نضوب الموهبة ليس عندنا فقط، فمنذ وقت طويل وإبّان عصر العقّاد والمنفلوطي والزّيات والرّافعي وغيرهم، والمواهب شبه معدومة بسبب مناخ الدكتاتوريّة،وغياب الفكر الديمقراطيّ الذي عمل على تجفيف منابع الإبداع، وساد فكر الموظّفين وسط المثقفين والمبدعين، ولم يعد إبداعهم يتجاوز الاعتداء على الدين وثوابت الأمّة وأخلاقها ليؤكّدوا بهذا السّلوك فقرهم وإفلاسهم الفكريّ والإبداعيّ، ولهذا فالأمّة ترفضهم وهم يكلّمون أنفسهم.. فقديما كانت مقالات العقّاد والمنفلوطي تنزل السّوق فتتلقفها الأمّة فتحدث دويًّا كما كانت تفعل قصائد شوقي وحافظ إبراهيم، ومع ذلك فنحن نعترف بالتّقصير في الجانب الإبداعيّ؛ لأنّ الموهبة لا تنشأ بقرار، ولكنّنا نبذل جهودًا كبيرة في هذا المجال، وننتظر ظهور المبدعين في فنون الأدب الإسلاميّ، وسيولدون قريبًا إنْ شاء الله.
========(27/130)
(27/131)
حكم الماسونية والانتماء إليها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حكم الماسونية والانتماء إليها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد نظر المجمع الفقهي الإسلامي، في قضية الماسونية والمنتسبين إليها وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك. وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها وبعض أقطابها من مؤلفات، ومن مقالات في المجلات التي تنطق باسمها. وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب، من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي:
1- أن الماسونية منظمة سرية، تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة، بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها، هي سرية في جميع الأحوال محجوب علمها حتى على أعضائها إلا خواص الخواص، الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها.
2- أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري، للتمويه على المغفلين، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها، دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب.
3- أنها تجتذب الأشخاص إليها، ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية، على أساس أن كل أخ ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر، في أي بقعة من بقاع الأرض: يعينه في حاجاته وأهدافه ومشكلاته، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أيًّا كان، على أساس معاونته في الحق والباطل، ظالمًا أو مظلومًا، وإن كانت تستر ذلك ظاهريًّا بأنها تعينه على الحق لا الباطل، وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية، وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال.
4- أن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد، تحت مراسم وأشكال رمزية إرهابية، لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة.
5- أن الأعضاء المغفلين يُتركون أحرارًا في ممارسة عباداتهم الدينية، وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها، ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد، فترتقي مراتبهم تدريجيًّا، في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة للعضو، على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة.
6- أنها ذات أهداف سياسية، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغييرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية.
7- أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية السرية، وصهيونية النشاط.
8- أنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الأديان جميعًا، لتهديمها بصورة عامة، وتهديم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة.
9- أنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو العلمية، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذًا لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم.
10- أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى، تمويها وتحويلاً للأنظار، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء، إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة من أبرزها منظمة الأسود (الليونز) والروتاري - إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة، التي تتنافى كليًّا مع قواعد الإسلام وتُناقضه مناقضة كلية. وقد تبين للمجمع بصورة واضحة، العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسئولين في البلاد العربية وغيرها، في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية. لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى، وتلبيساتها الخبيثة، وأهدافها الماكرة، يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله، لكن الأستاذ الزرقاء أصر على إضافة جملة (معتقدًا جواز ذلك) فيما بين جملة (على علم بحقيقتها وأهدافها) وبين جملة (فهو كافر..) وذلك كيما ينسجم الكلام مع حكم الشرع في التمييز بين من يرتكب الكبيرة من المعاصي مستبيحًا لها، وبين من يرتكبها غير مستبيح: فالأول كافر، والثاني عاص فاسق. والله ولي التوفيق
=============(27/132)
(27/133)
الصّحوةُ تزعجُ مَنْ؟
د.سعيد بن ناصر الغامدي 6/11/1425
18/12/2004
كتب كثيرون عن الصّحوة كل بحسب قناعته ومشربه ونفسيته و مقدار علمه وإنصافه، وقسّم بعضهم مواقف أصحابها إلى أربعة أقسام، وبعضهم جعلهم في قسم واحد مدموغ بالدمغة العلمانيّة المشهورة، التي يطلقها أصحابها ضد الصّحوة تحت عنوان( من لم يمارس عنفه فقد نوى).
بيد أن من أظلم المواقف ضد الصّحوة تلك التي تصدر من طائفة كانوا يسكنون منازل "الدعوة"، ويُدرجون في حدائقها ذات البهجة، ثم لأمر مّا -فالله وحده أعلم
بالنيات- آثر أهل هذا القسم أن يتركوا هذه المنازل وأن ينضموا إلى (ثلة) استمرأت قذف الحجارة على نوافذ تلك المنازل وأبوابها، وحرق أشجار تلك الحدائق وكسر أسوارها.
هذا القسم يستوطن -للأسف- غار النقمة وينطلق من منصّات الترصد، شعاره: (ما رأيت منك خيراً قط) حتى تحوّلت عند بعضهم فضائل التجديد والمراجعة والتصحيح إلى رذائل، وعبث أفراد يبحثون عن أماكنهم، ولو لم يحدث التطوير والمراجعة لقالوا جمود وتصحّر وتخشّب!!
وفات على هذا الصنف من الناس التأمل في دلالات آيات قرآنية كريمة في هذا المعنى منها قول الله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار)[ص:28].
ومنها قوله سبحانه: (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلّ على مولاه أينما يوجْهه لا يأتِ بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم)[النحل:76]. ولعله ليس من قبيل المصادفة أن ينتقل هؤلاء الناقمون من مربع أدنى، إلى منازلهم الأولى، إلى مربعات أخرى تأخذهم نحو الأبعد فالأبعد ليتحول أحدهم إلى ممارسة هدم ما لم يحسن بناءَه وتلطيخ لوحةٍ لم يسهم في رسم روائعها حتى وصل الحال ببعضهم إلى الانتقال إلى العدوة القصوى، وببعضهم إلى وصف روّاد الدعوة والصحوة بالتصحر مع أنهم - في الجملة من غير ادّعاء عصمة لأحد - أهل خير وبرّ وصلاح وإصلاح ونفع ورشاد أمرعت بهم الصحاري وأينعت بأعمالهم المباركة القلوب والأفكار والأعمال، وأضاءت بهم حَوالِك.
وما الضياء اللامع على جبين هؤلاء إلا قبس من نور مشكاة الفضائل المتنامية في
جو الإيمان والأخوة الضافي فمن لم يحس بهذا ولم يره يُقال له:
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهُدى … …
فإذا عشقت فبعد ذاك فعنّفِ
وما هو بعشق أهل البطالة ، لكنه عشق المكارم والمعالي، والقمم العوالي، والبذل الدقيق المتوالي كما قال الشاعر:
عشق المكارم فهو معتمد لها … …
والمكرمات قليلة العشاق
وأما من لم يكن بهذا الميدان، ولا بلغ مبالغ أهل هذا الشأن، ولاجرى مع فرسان هذا الميدان فهو حقيق بأن يُقال له: ما هذا بعشك يا حمامة فادرجي!!
وذلك أن المترصد المتجانف قد اختار العيش في سفوح الذات، وحفر النزعات ولم يجد سوى نشر التهم والمثالب والإشاعات، تاركاً الأعباء الكبيرة لأهل العزم.
في الناس من يحمل الأعباء محتسباً … …
فنفسه دائماً مخنوقة الذات
وفيهم المرتمي في حضن رغبته … …
فما يجيد سوى نشر الإشاعات
(مع الاعتذار للشاعر د0العشماوي لتحوير الشطر الأخير)0
و من لم يعرف الرشاد الذي تشيعه أعمال العلماء والدعاة وتربّى عليه فمن نفسه أُتِي.
قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رَمَدٍ … …
وينكر الفمُ طعمَ الماءِ من سَقَمِ
وما بالشمس من عيب إذا عشيت عنها الأعين الرمد، وليس بالعذب الزلال من كدر إذا لم يجد الفم المريض طعمه، لكن ضعيف البصر، وأعشى النظر، ومريض الفم يرى الشمس محاطة بالقتر والغبار ويجد طعم الزلال مراً، ولا يضرّ ذلك شمس الضحى ولا زلال الماء؛ فالخلل من الناظر والشارب من داخله هو.
ما ضر شمس الضحى في الأفق طالعة … …
أن لا يرى ضوءها مَنْ ليس ذا بصر
ومن يكُ ذا فمٍ مرٍ مريضٍ … …
يجدْ مراً به الماءَ الزلا لا
وهذا القول من الإنصاف الواجب، ولا نزكي أحداً على الله، ولا ندّعي العصمة لأحد، ولكنها شهادة الواقع ومخاوف الأعداء تؤكّد ما نقول، وقبل ذلك كله دلالة الشرع الكريم على صحة أصل مسلك الدعاة، وصواب طريق مثقفي الإسلام وعلمائه، ذلك الطريق الذي جمع بين الربانية والشمول والتكامل والعالمية وفق رؤية معلومة تشيع الفقه، وتربي بالتعبّد، وتحث على التمسك بآداب السنة، وتتناول العمل الخيري، وتسهم في برامج عملية بديلة، كل ذلك يأتي ضمن إطار توازن وتدرج وبحكمة وموعظة حسنة، وفي جوّ من التآخي والتحابّ، في الجملة، مع وجود مكدّرات ونواقص وأخلاط، لا تقتضي طمْر المحاسن و الفضائل التي يعبق أريجها في كل أنف ذي شمم، تجعلنا نذكر بمناقب هؤلاء الأخيار من غير فخر ولا غرور، و من غير ادّعاء كمالٍ لهم، فإن غاب عن القاعد جمال هذه الصفات، وفات على الراقد إدلاج سراة الليل، وخفي على الأعشى حسن تلك المناقب، فليس ذلك بعيب في منهج دعوة وصحوة تترسم طريق الأنبياء وتحرص عليه، وإن حصل زلل هنا وخلل هناك، لكن العبرة بالغالب، فإن المعصية والبدعة
والمخالفة خبث (والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث)0
وأما المعادون والجالسون والمتهالكون في رغباتهم وذواتهم، والمُبْتلون بالتنقلات(27/134)
الفكرية المتعاكسة، وبالعصرانيات الملتاثة، فلهم من الدعاة النصح والدعاء بالشفاء، ويا ليتهم يكفّون أقلامهم وألسنتهم، وينظرون بعين الإنصاف0
كما أن من الواجب على الدّعاة ألا تضيق صدورهم بنقد يوجّه لهم، فإنّ هذا أمر لازم لا يستنكر، وهو جيّد لتصحيح الطريق، لكن المستنكر تلك الخلفية المتوترة
وذلك النقد الشبيه بالتحريش، وإغفال المناقب والجمال والحسن البادي لكل ذي
بصيرة، كما يستنكر من هذه الفئة ما يمارسونه من اقتناص حين يجرّدون الأخطاء تجريداً عما صاحبها من الإصابة وقارنها من البذل0
إن العدل والنصح من أوجب الواجبات، وهذا يقتضي أن نرى بجانب السلبيات المنتقدة الإيجابيات اللامعة، فإن للصحوة والدعوة من خلال انتشارها في العالم كله - مناقب كثيرة - أقلها حفظ الشباب من الانحراف في المفاسد، وإمدادهم بالسكينة الإيمانية، والطمأنينة القلبية في عصر الاضطراب.
فمن مدارس وجامعات تعلم العلم، و صحف تدافع عن قضايا الأمة وترد على المخالفين، وكتب منهجية تعين الشباب على فهم الإسلام، و نضال لردّ عدوان اليهود والمستعمرين والشيوعيين والصليبيين، وسعي في إعانة الناس على ضرورات الحياة، وتوعية سياسيّة للأمة تقابل خطط الماسونيّة والصليبيّة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وإشاعة للقرآن وتحفيظه وتعليم آدابه، وإنشاء للمكتبات والمساجد ،حتى إن بعض الدعاة قد تجاوزوا في ذلك بذل أموالهم وأوقاتهم إلى بذل أرواحهم ودمائهم؛ فنقش الرصاص صدورهم، ومزّقت الصواريخ أجسادهم، والتفت الحبال على أعناقهم، ولُفظت أنفاس كريمة تحت السياط في غرف التعذيب، هذه فعال لا تُنسى، وهذا تأريخ وحاضر مرئي مشاهد، ولكن بعض الناقدين يتجاوزون هذه الصور الفاضلة والمفاخر المشرفة لكل مسلم، ويأبون إلا التعسّف
===========(27/135)
(27/136)
"أيدلوجيا النهضة في الخطاب العربي المعاصر"
قراءة: محمد أبو رمان 27/12/1425
07/02/2005
الكتاب: أيدلوجيا النهضة في الخطاب العربي المعاصر
المؤلف: رضوان زيادة
بيروت، دار الطليعة، ط1، 2004.
يقدم رضوان زيادة (الباحث السوري) المتخصص بالفكر الإسلامي قراءة نقدية تحليلية لتطوّر الفكر الإسلامي في العصر الحديث، ابتداء من عصر النهضة وصولاً إلى الحالة الراهنة، محقباً مساره من خلال عدة مراحل رئيسة":
مرحلة الخطاب الإصلاحي (جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، ابن أبي ضياف، خير الدين التونسي) فالخطاب النهضوي (مالك بن نبي) وغيره، ثم خطاب الهوية الإسلامية (فترة الصراع السياسي الداخلي المرتبط بإرهاصات خروج الاحتلال وتشكل الدولة القطرية العربية، والاشتباك الإسلامي العلماني، وأخيراً العودة إلى المطالبة بالنهضة، واستعادة الخطاب النهضوي الأول).
وينطلق "زيادة" من ذات التحقيب والرؤية التي قدمها قبله عدد من الدارسين والباحثين في الفكر الإسلامي كعبد الإله بلقزيز (خاصة في كتابه الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر) ورضوان السيد (في كتابه سياسات الإسلام المعاصر)، إذ يسير في نفس سياق التقسيم: الإصلاحية / النهضوية، الإحيائية (خطاب الدولة الإسلامية ومفاهيم الحاكمية والجاهلية)، الإصلاحية الجديدة، ويعالج موضوعات مشابهة كثيراً للموضوعات التي ناقشها هذان الباحثان، باختلاف بعض التفاصيل في التفكير والتحليل، وإن كان يصعب علينا في كثير من الأحيان الوصول إلى مساحة جيدة تميز مجهودات "زيادة" عن المجهودات السابقة في كثير من فصول الكتاب، وتدفعنا إلى الاعتراف بوجود مساهمة حقيقية له في تناول تطور الفكر الإسلامي، وربما نجد هناك تشابهاً كبيراً بين ما ناقشه "زيادة" وبين ما ناقشه فهمي جدعان قبل سنوات طويلة في كتابه "أُسُس التقدم عند مفكري الإسلام".
في المقابل فإن الفكرة الرئيسة للكتاب تثير الجدل، وربما الاشتباك بينه وبين القارئ، وجوهر هذه الفكرة انتقاده للدعوات المتزايدة اليوم من قبل أطياف متعددة من المفكرين والدارسين الإسلاميين بالعودة إلى تراث عصر النهضة العربية الحديث، واستلهام فكر الإصلاحيين الأوائل، هذه الدعوة التي يرى "زيادة" أنها بدأت تقترب من حالة الإنجاب الشديد والهيام بذلك العصر، دون قراءة الشروط التاريخية والإكراهات الواقعية التي ساهمت في طرح الأسئلة وصوغ الإجابات المختلفة من قِبَل ذلك الفكر عليها، ودون تناول ذلك الفكر برؤية نقدية تحليلية تبتعد به عن الهالة التي صار عدد من المفكرين والدارسين يسجيها عليه، الأمر الذي يصفه "زيادة" بأنه تحول إلى حالة أيدلوجية "أيدلوجيا النهضة" تمنع من وجود قراءة نقدية حقيقية لفكر النهضة.
ويستند "زيادة" في انتقاده لما يسميه بفكر "أيدلوجيا النهضة" إلا أن جزءاً حيوياً من ذلك الفكر ارتبط بالسلطة والحكم، فعدد من مفكري النهضة هم "مفكرو سلطة" ويصب إنتاجهم الأدبي في سياق خدمة السلطة واستقرارها وتفاعلها مع الظروف المحيطة والمتغيرات العديدة، وأبرز الأمثلة على ذلك كتاب خير الدين التونسي "المسالك"، وصل الكاتب إلى زبدة الكتاب بانتقاد الدعوة القائمة بالعودة إلى عصر النهضة، والانطلاق بتفكير جديد يتلاءم مع روح العصر والشروط التاريخية الحقيقية التي يتفاعل معها الفكر الإسلامي اليوم.(27/137)
في مناقشة أفكار "زيادة"، يجدر التنويه بداية إلى الجهد الكبير الذي بذله في استقراء وتحليل مصادر الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وبالروح النقدية التحليلية التي ميّزت الكتاب، وإلمامه بالقضايا والإشكاليات الرئيسة التي شكّلت جدل الواقع وفرضت التحديات والأسئلة على استجابات الفكر الإسلامي عبر مراحل تطوره المختلفة. إلاّ أن دعوى المؤلف بنقد الاحتفاء بفكر عصر النهضة اليوم تتناسى تماماً حالة التجاهل والإهمال الكبير الذي عانى منه هذا الفكر في العقود السابقة، بدعاوى متعددة من قبل عدد من الدارسين والمفكرين تارة باتهام هذا الفكر بالماسونيّة (نموذج جمال الدين الأفغاني)، وتارة بالتعاون مع الاحتلال والمبالغة في العقلنة والتأثر بالعلوم الحديثة (نموذج محمد عبده)، وتارة بالتحالف مع السلطة وخدمتها (نموذج محمد رشيد رضا وخير الدين التونسي والطهطاوي) وتارة بعدم إدراك هذا الإنتاج (نموذج مالك بن نبي). لقد صدرت "فتوى فكرية" وفقهية تاريخية -غير مباشرة- تدعو إلى مصادرة وإهمال فكر عصر النهضة، قدم لهذه الفتوى محمد محمد حسين، وأكد عليها محمد قطب، ومفكرو السلفية اللاحقون، كجمال سلطان وغيره. وما حدث أن هذه الفتوى بنت جداراً حقيقياً بين الحالة الإسلامية وبين الإفادة من تراث عصر النهضة، إلى أنْ حدثت جملة من المتغيرات العالمية والفكرية -لا مجال للحديث عنها الآن- ارتبطت بوجود حالة اجتماعية تتجاوز فكر "الإحيائية الإسلامية" أعادت الاعتبار لمفكري عصر النهضة وإنتاجهم الأدبي والفكري، فرجع كثير من الدارسين والباحثين والإسلاميين اليوم إلى هذا الفكر يتحاورون معه ويحلّلونه ويدرسونه من جديد، وعقدت العديد من المؤتمرات لدراسة مفكري النهضة، وهو حق طبيعي لمفكري النهضة بعد هذه العقود من التجاهل الكبير، وهنا لا بد من توضيح أمرين رئيسين في مناقشة "زيادة"؛ الأول أن الاحتفاء بفكر النهضة وإعادة الاعتبار له شيء وتقديسه شيء آخر، وأعتقد أن الحالة الموجودة اليوم هي حالة دراسية بحثيّة نقديّة، وليست حالة تقديسيّة. الثاني أنّ الدعوات التي تنطلق وتطالب بالرجوع إلى مفهوم النهضة لا تطالب بتكرار واجترار ما أنتجه ذلك الفكر، وإنما بالتواصل معه بالتمييز بين ما يمكن البناء عليه وبين ما يرتبط بالشروط التاريخية. وهذا ما يميّز خطاب ما يسمى "بالفكر الإسلامي الجديد" والذي يتصالح مع منطلقات الإصلاحية الأولى ولا يحاربها، ويبني عليها، والأهم من ذلك أنه -كما يوضح "المسيري"- ينعتق من صراع الهوية السياسية إلى متطلبات النهوض والتنمية ويخرج من ربقة الدولة والسلطة إلى فضاء الأمة، وهي ذات الشواغل التي فرضت نفسها على الإصلاحيين الأوائل، وعدنا إليها اليوم بعد مرحلة وفترة طويلة من النكوص الفكري.
==============(27/138)
(27/139)
الفلاح الجديد
د . سلمان بن فهد العودة 6/10/1427
28/10/2006
لقد رجع الشاب إلى معهده ولكن بوجه آخر فهو الآن يحمل كتاب المعلم بعد أن كان يحمل كتاب الطالب وحين عاد إلى معهده، أصبح زميلاً لأساتذته الذين تخرج عليهم، وهو جديد على الصناعة، ولذا فقد كان يبادر فور سماع الجرس ذاهباً إلى الفصل، فتنقلب ساعات الشرح إلى شريط لا يعطب وحديث لا يتوقف، وقد يأخذ جزءاً من الفسحة لإكمال الشرح، ويأتي ما بين حصة وأخرى حاملاً معه دفاتر الواجب لتصحيحها، وربما انعزل عن لغط الحديث ليتفرغ لهذه المهمة، فهو يحس برسالية مفرطة وبقدر زائد من أداء الواجب والأستاذ عبد العزيز العدوان يلحظه مبتسما ويقول: بشر الزرع بفلاح جديد !
وكل الفلاحين الجدد يبالغون في أداء الأمانة فهم يحسون أن الحياة بدونهم ستتوقف !
تقلب -صاحبنا- على معظم التخصصات، فليس ثمت متخصصون، درّس المواد الشرعية، واللغة العربية، والتاريخ والمذاهب،.. وتنقل بين جميع الفصول من الأولى متوسطة، إلى الثالثة الثانوية، حيث المعهد ست سنوات في مبنى واحد وإدارة واحدة .
طلاب المتوسط لم يعودوا كالسابق ، لقد أصبحوا صغاراً في سن طلاب المتوسطات الأخرى، ولكنهم ينتمون غالباً لأسر محافظة اختارت لهم التعليم الشرعي لا طمعاً في المرتب الشهري للطالب فحسب، ولا تطلعاً لمستقبل وظيفي أفضل فحسب، وإن كان هذا وذاك قائمين ، ولكن أيضاً حرصاً على الجو الديني والتربية العلمية في معهد يتولى التدريس فيه منذ أنشئ عدد من العلماء الشرعيين المعروفين في البلد كالشيخ صالح بن إبراهيم البليهي، والشيخ علي الضالع، والشيخ محمد المرشد الذي تولى إدارته، والشيخ صالح السكيتي، والشيخ محمد الراشد، ثم تعاقب عليه من خريجي كلية الشريعة واللغة نخبة من أفاضل الأساتذة تحصيلاً وخلقاً.
فلا غرابة إذاً أن يكون طلاب المعهد حتى في ذلك الوقت يربون على الألف، وأن يحشر في الفصل الواحد أحياناً ستون طالباً، وأن تعمل الوساطات والعلاقات عملها في قبول بعض الطلبة بصفة استثنائية، وأن يتعرض المتقدم لامتحان عسير قبل قرار قبوله طالباً في المعهد!
درّس التعبير أو الإنشاء، وليس ينسى هذه المادة لأهميتها في التكوين الثقافي للطالب، وفي التدريب على الإلقاء ومواجهة الجمهور، ومع أن المادة لا تحتاج إلى تحضير، وقد يفضلها بعض المدرسين لهذه المزية، إلا أنها شديدة التأثير إذا أحسن استخدامها في توجيه الطالب إلى القراءة الحرة والكتابة والتفكير، وهي كانت البداية الأولى للعديد من البارزين في ميدان الأدب والمعرفة.
ودرّس المطالعة حيث كتاب (مع الرعيل الأول) لمحب الدين الخطيب، والنظرات للمنفلوطي، وهي الأخرى في نظر بعضهم مادة استرخاء، بينما يحولها بعض الأساتذة بجديتهم إلى مادة دسمة ومتنوعة وخفيفة على الطالب حيث لا يقلق من كوابيس الاختبار فيها، ولكن يتعلم كيف يقرأ ويدرّب لسانه على مراعاة قواعد الإعراب، ويتعرف على الأعلام والمواقع الجغرافية وغيرها.
درّس النحو وألفية ابن مالك وشرح ابن عقيل للثانوي، ومقرر النحو للمتوسطة الذي صيغ بطريقة حديثة، وتمرينات، وقواعد وأسئلة، وهو من أكثر المواد ثقلاً، إذ يتكرر يومياً، وربما حصتين في اليوم، مع جفافه وتعسر فهمه، والأحلام المزعجة في الإخفاق والفشل، وكلهم يتحدثون عن طلاب أخفقوا سنة بعد أخرى حتى تركوا الدراسة أو تم طردهم من المعهد بسبب عقبة النحو.
وحين زارهم وفد من معهد الرياض كان أحد الطلبة يردد قصيدة شعبية تحمل هذا المعنى:
نحوت النحو، والنحو نحاني حتماً أجفاه كما جفاني
غير مبالٍ بسيبويه ولا بالكسائي !
درّس -هذا الجديد- المذاهب المعاصرة والملل والنحل، وشرح النصرانية واليهودية والشيوعية والوجودية والماسونية .. وكتب فيها مذكرات، حيث كان بعض الشيوخ في المعهد يقرؤون لا بن تيمية ويعرفون المذاهب التي عرضها وفند أقوالها من المعتزلة والأشعرية وغيرهم، ولكنهم يعترفون بأنهم لا يعرفون المذاهب المعاصرة وبعضهم يقول:
هذه يعرفها مناع القطان .. هو أبخص منا بها !
المذاهب مقرر على ثالث ثانوي، أي على المرحلة الأخيرة، حيث الطلاب في مرحلة النضج، وقد استوعب الكثير منهم المادة بشكل جيد، كما أن الأستاذ تفاعل معها وأحبها، لأنها تلبي حاجة في نفسه، وإحساساً عميقاً بالحاجة إلى مواجهة بطريقة أو أخرى مع العصر وأطروحاته.
وفي الاختبار يبدو أنه لم يحسن التقدير حيث جاءت الأسئلة مطولة وتضجر الطلاب، وارتفع الهمس مما جعله يبادر بالانصراف لئلا يدخل في مواجهة معهم، ولكنه بعث إليهم بتطمينات تتعلق بالتصحيح والدرجات، وهكذا كان!
درّس التاريخ الأموي، واكتشف أن التاريخ كأحداث وتفصيلات ليس من شأنه، إذ يصعب عليه حفظ الأرقام والتسلسل الزمني، ولا يأنس بسرد الوقائع، لكنه يحب التاريخ من حيث هو قراءة للناموس الإلهي في قيام الدول وسقوطها، وبناء الحضارات وانهيارها، والتقاط العبرة والتجربة من الأحداث، ولذا أعجبته المدونة التي جمعت العديد من الدراسات القديمة والحديثة في شأن التاريخ، ومنها "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ " .
وكما قيل:(27/140)
ومن وعى التاريخ في صدره *** أضاف أعماراً إلى عمره
وكما قال شوقي:
مَثَلُ القَومِ نَسوا تاريخَهُم *** كَلَقيطٍ عَيَّ في الناسِ اِنتِسابا
أَو كَمَغلوبٍ عَلى ذاكِرَةٍ *** يَشتَكي مِن صِلَةِ الماضي اِنقِضابا
وكان يحفظ للأستاذ وليد الأعظمي ويردد:
إذا قامت الدنيا تعد مفاخراً *** فتاريخنا الوضاح من بدر ابتدا
ويتساءل: هل هذا يعني إغماض العين عن تاريخ الإنسانية بما فيه من عبر وأحداث وإيجابيات ومعان تقتبس، وما فيه من نكسات ومآسٍ وانحرافات يجدر ألا يعيد التاريخ فيها نفسه ؟
واهتم وقتها بالحراك الكتابي حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي ، والتي قرأ حولها أول ما قرأ " في التاريخ فكرة ومنهاج " لسيد قطب .
كما وجد للدكتور يوسف العش - ربما - كتباً حول الدولة الأموية والعباسية وأفاد منها.
التاريخ الذي نقرؤه ونكتبه وندرّسه هو غالباً التاريخ السياسي فحسب، والحياة أوسع بكثير من السياسة، وإن كانت السياسة نافذة في القرار، وذات ثراء ، تخشى بوادرها، ويؤمل عطاؤها، ولذا تكثر المواهب في دهاليزها!
درّس التفسير وأحبه ولا زال، وتعجب أن يدرّس صغار الطلبة في المتوسط والثانوي: آيات الأحكام، على طريقة ما كتبه أبو بكر ابن العربي وغيره في تفسير آيات الأحكام !.
هل الأحكام هي أهم ما يحتاجه طالب بهذا السن حتى تستل الآيات المتعلقة بها ويترك ما قبلها وبعدها في السياق القرآني، مما يتعلق بالتعريف بالله سبحانه أو غرس المعاني الإيمانية في القلوب، أو القصص التي فيها العبرة و الاتعاظ، أو الوعد والوعيد، أو التأمل في الكون وآياته، والنفس وخلجاتها، إنها مشكلة المعرفة الأكاديمية التي تغفل عن التربية والبناء، وليس يقدر المرء على استجلاء مقاصد القرآن واستلهام هدايته إلا إذا قرأه كما أنزل.
وقد يجد من يقرأ كتب التفسير في أحدها اللغة والإعراب، وفي آخر البلاغة والبيان، وفي ثالث الفقه والحلال والحرام، وفي رابع الإشارات الصوفية أو كما قيل في تفسير طنطاوي جوهري أو مفاتيح الغيب للرازي - رحمهم الله- : فيه كل شيء إلا التفسير!
ولا عتب على التنوع في المعالجة والاهتمام، بيد أن تدريس الطالب يحسن أن يكون للقرآن، تلاوة وضبطاً وتجويداً وفهماً وتدبراً ليسهم النص في صياغة فكره وعقله وقلبه وحياته، ولتكون صلته به دائمة بلا انقطاع.
درّس الحديث، وشرح " عمدة الأحكام " للمقدسي، وهي الأخرى أحاديث مختارة في الأحكام التي قرؤوها في التفسير، وقرؤوها في الفقه، وها هم يعودون أدراجهم إليها في الحديث.
لست أجد غرابة بعد هذا أن يكون تفكيرنا منصباً على الفروع أكثر منه على الأصول وأن تكون التفصيلات الفقهية والجزئيات الفرعية هي المادة المفضلة لدرسنا وحديثنا وتأليفنا، وحين يطالبنا أحد بالاعتدال فكأنما يطالبنا بالكف المطلق عن تناولها، وجوابنا التقليدي أننا نهتم بهذا وذاك، وهيهات، فلا العمر ولا الجهد ولا النظام العقلي الذي تربينا عليه يسعف بتحقيق هذا التمني في الاهتمام الشمولي بكل شيء!
هو مدين لهؤلاء الذين درسهم، فكم من فتى منهم ارتسم في ذاكرته وحباه عطفه ووده، وأنس به، وحاول أن يؤثر في حياته بطريقة أو بأخرى.
وكم من موقف طريف أو محزن، أو تجربة تكبر أو تصغر، أو مشاركة في عمل أو نشاط منحته سلوة أو خبرة، حتى أولئك العابثون من الطلبة بعفوية، أو بدافع التنفيس عن مكنون داخلي، أو تجاوبا مع نزق الشباب وغرارة الصبا.. لا يستحقون كل تلك القسوة ... فيا لجمال الشبيبة وحلاوة أيامها!!
شباب ذللوا سبل المعالي *** وما عرفوا سوى الإسلام ديناً
تعهدهم فأنبتهم نباتاً *** كريماً طاب في الدنيا غصونا
هم وردوا الحياض مباركات *** فسالت عندهم ماء معيناً
ولم يتشدقوا بقشور علم *** ولم يتقلبوا في الملحدينا
ولم يتحدثوا في كل أمرٍ *** خطير كي يقال مثقفونا
أربع سنوات حزم بعدها " الفلاح الجديد " أمتعته وحمل عصاه على عاتقه وولى وجهه شطر الدراسة العليا في الجامعة!
الخرطوم 8/8/ 1427هـ
===============(27/141)
(27/142)
مفتي ألبانيا: التنصير ينهش الجسد الألباني المسلم
حوار: عبد الرحمن أبو عوف 14/10/1426
16/11/2005
أكد الدكتور سليم موتشا مفتي ألبانيا ورئيس المشيخة الإسلامية أن الشعب الألباني قد فُرضت عليه عزلة رهيبة جعلته أفقر الشعوب في القارة الأوروبية، ومورست ضده أبشع صور الإرهاب على يد العصابة الشيوعية بقيادة أنور خوجة ورامز عليا لأكثر من خمسين عاماً، مشيراً إلى استمرار تداعيات هذه السنوات على ألبانيا وشعبها الذي يعاني الفقر والبطالة والضغوط الاقتصادية .. وتابع د. موتشا في حوار مع (الإسلام اليوم) أن الأوضاع الاقتصادية المتدنية أوجدت فرصة ذهبية لمنظمات التنصير التي ركّزت اهتمامها، وبذلت جهوداً جبارة لمحو الذاكرة الإسلامية للشعب الألباني، مشدداً على أن هذه المنظمات قد نجحت في اختراق مختلف المؤسسات الألبانية، ووسّعت من نشاطها باستهداف الشباب الراغب في السفر إلى أوروبا، وممارسة ضغوط عليه لتغيير دينه واسمه لكي يستطيع العمل والإقامة في أوروبا. وطالب موتشا العالم الإسلامي بدعم ألبانيا، وعدم تركها نهباً لعصابات التنصير الماسونية التي اقتربت أن تأكل الأخضر واليابس في قلعة الإسلام في منطقة البلقان ...
في البداية نرجو أن توضح لنا كيف وصل الإسلام إلى ألبانيا؟
لقد وصل الإسلام إلى ألبانيا منذ زمن طويل يرجع إلى القرن الأول الهجري، وذلك عندما عبر المسلمون مضيق جبل طارق إلى القارة الأوروبية، وفتحوا بلاد الأندلس ونشروا دعوة الحق وحرصوا على إسعاد الناس في ظل الإسلام، وكان للتجار المسلمين والدعاة فضل كبير ولكن الإسلام في ألبانيا انتشر بصورة مطّردة بعد فتح العثمانيين مدينة القسطنطينية بقيادة السلطان محمد الفاتح، واتخاذها عاصمة لهم، فرأى الألبانيون، كما رأى غيرهم من الأوروبيين في الفاتحين المسلمين أخلاقاً حميدة، ومساواة بين الناس جميعاً، وتحريراً من عبودية العباد، وأدركوا أن الإسلام هو مصدر كل خير، وهو دين ونظام حياة؛ فأحبوه ومالوا إليه، واعتنقوه أفواجاً، وظلت ألبانيا في طاعة الإسلام وولاياته تابعة للدولة العثمانية حتى قام أحد زعمائها ويسمى "اسكندر بك" بالتمرد على سلطان المسلمين، وساعدته في ذلك أطماعه الشخصية ودعم بابا الفاتيكان، وظل اسكندر بك في حروب مستمرة مع الدولة العثمانية لمدة ثلاثة وعشرين عاماً حتى عام 1467، وبعد ذلك تم فتح بقية ألبانيا مرة أخرى على يد السلطان محمد الفاتح عام 885 هـ .
كيف عاش المسلمون في ظل الإسلام في ألبانيا؟
• ظل مسلمو ألبانيا منذ الفتح الإسلامي لبلادهم حتى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 ينعمون بحكم الإسلام وعدل رجاله، ويعيشون عيشة راضية حتى أصاب ألبانيا بلاء كبير في الفترة ما بين الحربين؛ إذ كانت نهباً لقوات البلغار والفرنسيين والطليان وغيرهم؛ لكن بعض الألبان استطاعوا تحرير بلادهم وعرفت ألبانيا الاستقرار؛ غير أن أعداء الإسلام لم يتركوا أهل ألبانيا ينعمون بالأمان في ظل دولتهم بل تدخلوا لمحاربة الإسلام فيها. وفي عام 1928 تولى عرش ألبانيا "أحمد زوعو" وكان شديد الحقد على الإسلام؛ فقام بإلغاء الدروس الدينية التي كانت تُعقد في المساجد، وألغى كذلك تدريس التربية الدينية، ولكن ذلك لم يستطع تذويب هوية الشعب الألباني المسلم بفضل الله، ثم بفضل بعض علماء المسلمين الذين واصلوا جهودهم لنصرة الإسلام، وفي 1939 تعرضت ألبانيا للاحتلال الإيطالي الذي عمل على تنصير المسلمين، وزجّوا بالكثيرين منهم في السجن طوال سنوات الحرب العالمية الثانية، وزال الاحتلال الإيطالي لتتشكل في ألبانيا حكومة شيوعية بقيادة الجنرال أنور خوجة ليبدأ فصل جديد ومدمر في تاريخ مسلمي ألبانيا
ستار حديدي
هل لكم أن تلقوا لنا الضوء على طبيعة هذه المأساة؟
منذ بسط الشيوعيون سيطرتهم على السلطة وهم يشنون حملة تدميرية على الإسلام فبدؤوا بهدم المساجد وتحويلها إلى مكتبات ونوادٍ ومنتديات وإسطبلات خيل ومتاحف، وقيادة مخطط تجفيف منابع التدين عبر حظر تدريس أي شيء عن الإسلام في التعليم العام، ومصادرة آلاف بل وملايين النسخ من المصحف الشريف؛ وعمل "خوجة" على طمس الهوية الإسلامية للشعب تماماً من خلال نظام ستاليني فولاذي قضى على حرية الشعب وتديّنه، وأقام "خوجة" ستاراً حديدياً على ألبانيا مما عزلها عن العالم وحوّلها من الدولة الإسلامية الوحيدة في أوروبا إلى الدولة الوحيدة كاملة الإلحاد في العالم، ناهيك عن قيامه بقتل عشرات الآلاف من المسلمين الذين تمسكوا بدينهم، ونفي ملايين الألبان الذين غادروا البلاد هرباً من ظلمه، وقد وصل ظلم "خوجة" إلى أعلى مدى بسن قانون يعتبر الأنشطة الدينية ضمن الجنايات التي يعاقب عليها القانون بالإعدام، واستمرت الأوضاع السيئة مع خلفه رامز عليا إلا أنها كانت أقل حدة.(27/143)
ولكن مع سقوط سور برلين وأيضاً الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية لم يعد النظام الشيوعي في ألبانيا قادراً على منع انبعاث الدين؛ إذ برزت إلى الساحة مبادرات جديدة للمسلمين والأرثوذكس والكاثوليك تمثلت في فتح بعض الجوامع والكنائس وإعادة الحياة الدينية من خلال تنظيم المؤسسات والهيئات الدينية، وانبعثت الروح الإسلامية من جديد والتي كانت حية في قلوب المسلمين، وتم استغلال مناخ الحرية لنشر الوعي الديني وإلباس ألبانيا الثوب الإسلامي من جديد.
ما هي أعداد مسلمي ألبانيا وأوضاعهم وأهم التحدّيات التي تواجههم؟
عدد سكان ألبانيا يصل إلى خمسة ملايين 75 % منهم مسلمون، والباقي كاثوليك وأرثوذكس، وتعاني الغالبية العظمى من الألبان من الفقر وتزايد حدة البطالة، خصوصاً بعد أزمة شركات توظيف الأموال في عهد الرئيس الألباني الأسبق صالح بريشا التي تآمرت عليه الدول الأوروبية بسبب عزمه إحياء الصلات بين ألبانيا والعالم الإسلامي، وبعكس أغلب الدول الأوروبية التي خرجت من رحم الشيوعية لم تحظ ألبانيا بقدر -ولو متواضع- من المعونات والمساعدات، وذلك ليظل شعبها فقيراً مما يسمح للمنظمات التنصيرية التي تزيد أعدادها في ألبانيا إلى (125) منظمة لتذويب هوية الألبان الإسلامية.
ولا تقف المؤامرة عند هذا الحد بل إن مؤسسة جورج سورس لعبت دوراً تخريبياً لضرب هوية الشعب الألباني؛ فالقروض التي قدمتها للحكومة استغلتها في السطو على المؤسسات التعليمية وفرض مناهج ماسونية على مراحل التعليم المختلفة، كما أن مؤسسته تلعب دوراً في إغراق المدن الألبانية بالصورة الجنسية والأفلام المنحلة علاوة على قيام مؤسسته بطرد أي فتاة محجبة من الجامعات التي يديرها.
تدمير المساجد
تعرضت المساجد لحرب تدميرية طوال الـ(70) عاماً الماضية .. ما هو واقع هذه المساجد حالياً؟
المساجد في ألبانيا قليلة جداً ويكفي أن "تيرانا" لا توجد بها سوى ستة مساجد قديمة، ويتسم الإقبال عليها بالضعف نظراً لضعف الوازع الديني لدى الكثير من الشباب الألباني والدور التخريبي الذي تقوم به منظمات التنصير في تنفير الشباب من دخول المساجد. وسأحكي لك قصة تبين ما آل إليه وضع الشعب الألباني المسلم؛ ففي إحدى القرى الشمالية "بوك" هُدم المسجد الوحيد في أيام الحقبة الشيوعية المظلمة، وبعد سقوط الشيوعية عاد المسلمون إلى مسجدهم ليروه أثراً بعد عين، وأرادوا أن يشيدوه فلم يستطيعوا لقلة الإمكانيات؛ مما اضطرهم للصلاة تحت شجرة قريبة من المسجد، وذات يوم مر عليهم قسيس نصراني، فسألهم: لماذا تصلون تحت الشجرة؟ أليس لديكم مسجد؟ فنفوا لعدم وجود إمكانيات مالية؛ فتعهد بتمويل المسجد لكن بشرط أن يكتب اسمه عليه، وهنا انتفض المسلمون غضباً ورفضوا الأمر كلياً، وطردوه، وكلهم أمل أن يسمع أحد المسلمين صرخاتهم فيذهب لنجدتهم.. كما أن هناك مشكلة أخرى ألا وهي افتقاد المساجد لوسائل التدفئة في الشتاء القارس، وعدم الصيانة؛ إذ أصبحت الجدران متصدعة والفرش بالية، ولا تزال المدن ذات الأغلبية المسلمة تشكو افتقارها إلى المساجد.
لكن وصلت تقارير عديدة أكّدت تنامي الوعي الإسلامي في ألبانيا؟
نعم تحسنت الأوضاع وانتشرت بسبب إقبال كثير من الشباب على الدراسة في الجامعات العربية الإسلامية ووجود عديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية مثل مؤسسة الوقف الإسلامي من السعودية، وجمعية إحياء التراث، واللجنة الكويتية المشتركة، ولجنة العمل الإسلامي من الإمارات العربية المتحدة لكن حركة الوعي ما زالت في بدايتها، وهي بحاجة ماسة إلى ترشيد وتوجيه، والأرض هناك خصبة للدعوة الإسلامية ولدى الناس إقبال جيد لما يطرحه الدعاة القليلون الموجودون في البلاد، وقلة هؤلاء من أهم معوقات ترجمة شغف شعبنا بالإسلام إلى نتائج على ساحة الواقع.
مائة مؤسسة تنصيرية
تحدثت عن التنصير لكنك لم توضح لنا تفاصيل المخطط التنصيري في ألبانيا؟(27/144)
لقد اشتد النشاط التنصيري بعد التغييرات التي شهدتها ألبانيا فشيّدت الكنائس، وبنيت المدارس التنصيرية في كثير من المدن والقرى، وليس غريباً أن تجد كنائس مشيدة في قرى ليس فيها نصراني واحد، كما في "كوكس"؛ بل إن هناك قرى في أعالي الجبال يعاني الكثيرون الأمرين للوصول إليها، ومع ذلك وصل إليها المنصّرون، وتنتشر في البلاد أكثر من مائة مؤسسة تنصيرية تتبع كثيراً من الأساليب في إغواء الألبان بداية من المنح الدراسية وربط إعطاء التأشيرات للحصول على عمل في إيطاليا الكاثوليكية واليونان الأرثوذوكسية بتغيير الاسم والدين، وللأسف يحرصون أشد الحرص للحصول على هذه التأشيرات، فإذا ظفر أحدهم أقام لها احتفالاً. وهناك تعاون كبير بين المؤسسات التنصيرية من جهة، وبعض المنظمات الماسونية مثل شهود يهوه والروتاري يصل إلى حد بناء مقرات لهذه المؤسسات وتمويل أنشطتها، وقد وضعت هذه المنظمات والهيئات برنامجاً منظماً للتنصير يعمل في كل الاتجاهات سواء أكانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وتستغل هذه المنظمات الوضع الاقتصادي المتدني لتبث سمومها، وتعدّ هذه المنظمات الوضع في ألبانيا فرصة ذهبية لإنجاح المخطط الساعي لتطهير الديار الألبانية من الإسلام والمسلمين.
في ظل هذه الهجمة الشرسة .. ألا يوجد دعم عربي وإسلامي لمواجهة هذا المخطط التآمري؟
على المستوى الرسمي لا يوجد شيء كثير يعوّل عليه، أما شعبنا فهناك جهود لا بأس بها عبر تبرعات قادمة من دول العالمين العربي والإسلامي، عبر المؤسسات الخيرية التي ذكرناها آنفاً، ولكنها تفتقد للإمكانيات التي تتمتع بها المنظمات التنصيرية، وتفتقد كذلك للتخطيط بعيد المدى؛ إضافة إلى وجود خلافات
==============(27/145)
(27/146)
مع الأكابر (1)
د. سلمان بن فهد العودة 18/3/1427
16/04/2006
الانفصال بين الأجيال مشكلة تربوية، وعقليّةُ الشاب المندفع قد لا تستوعب أناة الشيخ ورويّته وبُعد نظره، وقديماً قال أبو الحسن علي -رضي الله عنه-: لا رَأْيَ لِمنْ َلا يُطَاعُ.
وعمر -رضي الله عنه- كان في علاقته مع أمثال ابن عباس أنموذجاً للقدرة الكبيرة على ردم الفجوة، فقد كانا يتسابقان أيهما أكثر بقاء داخل الماء دون تنفّس وهما محرمان! وكان يجلس ابن عباس مع الجِلّة من فقهاء وأكابر المهاجرين والأنصار.
صاحبنا اتصل بكهولٍ وخَطَ الشيبُ لحاهَم، وكانوا لديه محلَّ الأسوة والقدوة، أقله في مرحلة من مراحل حياته، ولا يزال يدين لهم بالفضل ويلهج بالدعاء، حتى بعد ما كبر واتسعت دائرته، وتميز عنهم برأي أو اجتهاد.
في المعهد تعرّف إلى الشيخ صالح البليهي، وَشَدّتْهُ ابتسامتُه الصافية، فاقترب منه في الجامعة، وتناول معه غداءه البسيط، المكوّن من الأرز واللحم وقرصان البُرّ اللذيذة المدوّرة.
وقرأ له (السلسبيل) فوجد حسن التبويب، وجودة الاختيار، وعدم التعصب للمذهب.
وهذه ميزة دفع الشيخ -رحمه الله- ثمنها؛ إذ حُورب، وكُتِبت ضده النشرات السرية، ووُزّعت في المساجد؛ لأنه قال بإخراج زكاة الفطر من الرز!! (لَاحِظ .. هو لم يقل بإخراجها نقداً!!).
ومرة لأنه قال بأن صلاة التراويح ليست بالضرورة عشر تسليمات.
وثالثة لأنه أقام حفلاً لتحفيظ القرآن الكريم.. ورابعة وخامسة ..
وصارت المسألة ضرباً تحت الحِزام؛ بترويج الشائعات والأقاويل والتّهم .. ولِمَ لا .. فالغاية تبرر الوسيلة!
لكن ابتسامة الشيخ الصافية لا تزال.. وإن كان يضجر أحياناً فيقول بلهجة محلية: "الطق وصل الركاب"، وهي تعني: أن السيل بلغ الزّبى!
مؤلفات الشيخ كثيرة، بيد أن كتاب السلسبيل يظل علامة بينها.
وقد كان للشيخ ميزات أخلاقية عظيمة..
كان منتجاً معطاءً بنّاءً طيلة حياته، حتى بعد المرض الذي داهم قلبه واضطره للذهاب إلى لندن للعلاج.
وبعد المشيب كان متوقداً مشاركاً، يكتب ويستقبل ويدرّس في الحرم، ويرأس جمعياتٍ عدة، والبِشرُ دائماً على مُحيّاه.
كان خفيف الروح خفيف الظل مرِحاً، حين يداعب الطلاب يندمج معهم تماماً، ويضحك ومع هذا كان يحفظ هيبته، وإذا سمع تشويشاً في آخر الفصل حزم وشدّ ملامحه، وقال: لا تلعب، يا هذا! ترى ما يخفى عليّ شيء!
وكان يطرفنا بنكت لا يجرؤ قلمي على تسجيلها..
كان يحفظ منظومات وقصائد وأشعاراً، ويتغنى بها بصوت حسن، ولا يزال صوته يرن في الأذن معلّماً ومؤدّباً:
فطورُ التمرِ سنّةْ *** رسولُ اللهِ سَنّهْ
ينالُ الأجرَ عبدٌ *** يحلّي مِنْهُ سِنّهْ
وحين يذكر المواقيت يردّد:
عرقُ العراقِ يلملمُ اليمنِ *** من ذي الحُليفَةِ يُحرمُ المدني
للشام جحفةُ إن مررْتَ بها *** ولأهل نجد قرنُ فاسْتَبِنِ
من طبعه إشراك الآخرين ودمجهم في العمل، حتى حين يكونون بسطاء، وفي أسفاره ورحلاته، يقرأ هذا قرآناً، وينشد هذا شعراً، وثالث يلقي قصيدة شعبية، وقد يكون حظّ الرابع قصةٌ أو سالفةٌ.. المهم أن يشارك.
كان الشيخ يفهم الحياة جيداً، ويعيشها، ويعرف كيف يفجّر طاقات الآخرين.
لم يكن غريباً -وقد أقام الشيخ ندوة أسبوعية في الجامع الكبير ببريدة- أن يستضيف فيها كل العلماء وطلبة العلم، ويشجعهم ويثني عليهم، وكان صاحبنا ممن نال شرف الاستضافة في هذه الندوة، بعد أن كان أحد صغار الحاضرين.
ولم يكن الشيخ صالح البليهي يتردّد في أن يطلق عليه: "فضيلة الشيخ" وهو يدري أنه لقب فضفاض، لكنهم صغارُ قومٍ كبارُ آخرين!
من أعظم مميزاته صفاء القلب وسلامة النفس، فلا أحقاد ولا أغلال ولا أسلال، ولا حسد لأحد على نعمة أنعمها الله عليه، لا يشعر بأنّ من يتقدم أو يكبر يسبقه أو ينافسه أو يتسلق على كتفيه أو يحتل مقعده، بل كان يدفعهم دفعاً نحو المجد، ولا يجد في صدره حاجة مما أُوتوا، وقد يُؤثرُهم على نفسه..
وبعد رحلة طويلة في مجالسة العلماء والناس أدرك صاحبنا معنى هذا التميز، وأن هذه الخصلة لا تتوفر لدى الكثيرين، حتى من المرموقين والمشاهير، ومن يُشار إليهم بالعلم والدين!
بعضهم يتعامل معك وعينه على مقعده وموقعه؛ خيفة أن تخطفه منه! وقديماً كان العلماء يحذّرون من تنافس الأقران وتغاير العلماء بينهم.
كان مليئاً بالحماس والاعتزاز بدينه، وطالما ردّد قسمه المعتاد: والله، وبالله، وتالله، لا نصرَ ولا عزَّ ولا مجدَ إلا بهذا الدين!
ولعل من الإنصاف لهذا المربي أن يكتب عنه د. محمد الثويني رسالة علمية للدكتوراه هي أجمع وأفضل ما كُتب عن الشيخ.
يذكر مرة أن الشيخ صالح راجع الشيخ عبد الرحمن الدوسري في محاضرة في المعهد حول "اللحية"، حيث جرت عادة الأخير أن يقول: نحن نحتاج شعوراً لا شَعْراً.
والشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري من الشيوخ المؤثرين في شخصيته منذ الصغر، فقد تعرّف إليه في المرحلة المتوسطة، حيث ألقى العديد من المحاضرات المشحونة بالعاطفة والصدق في المعهد العلمي، وأكثر منها كان يلقى في مكتبة (ابن القيم الخيرية)، حيث تجمع العديد من الشباب المتطلع للخير والمعرفة.(27/147)
وتوطّدت العلاقة في الجامعة؛ إذ قدّمه في ندوة مشهورة مسجّلة، وكان ممن حضورها الأستاذ محمد قطب، وعدد كبير من الأساتذة والشيوخ.
ثم قرأ كتبه كلها، ووجد أن التفسير الموسوم بـ "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم" من أكثرها جودة وإتقاناً.
والطريف أن أحدهم اعترض مرة على الشيخ الدوسري في المسجد على سيد قطب؛ فردّ عليه الشيخ بأن تفسير ابن كثير مضى وقته، وأنه لا يوجد تفسير ينافس الظلال، اللهم إلا تفسيري"صفوة الآثار" إذا طُبع واكتمل!
كان الشيخ جهير الصوت، محتدًّا متحمّساً، ملمّاً بشؤون الحياة والواقع، ويبدو على صِلةٍ بشخصيات إسلامية حركية في العالم، وكان يشجّع على قراءة مجلات كـ(البلاغ الكويتية)، و(المجتمع)، ومجلة (البعث الإسلامي) الهندية التي كان يدعمها فيما يبدو، وينشر فيها مقالاتٍ من التفسير، وكان صدورها شهرياً، والشيخ يوزّعها مجاناً.
يتحدث الشيخ كثيراً عن اليهود والسلام والناصرية والحكم بالقانون، ويوظف السخرية المرّة أحياناً، وكان يتحدث على المنبر حتى يكاد يسقط من الحماس، كان مؤمناً بقضيته.
لكن(الماسونية) هي التي تستولي على اهتمامه الكبير؛ فهو يتحدث عنها على أنها الأخطبوط المهيمن على مجريات الأحداث، ويبالغ في ذلك، حتى أذكر أن أحدهم كان يقول: يبدو من حديث الشيخ أن (الماسونية) مدسوسة في فطورنا وغدائنا وعشائنا!!
كان يهاجم البعث بحرارة ويسخر من "عفلق" ويذكر لهذا الاسم معنى لغوياً يتصل بالأعضاء الجنسية!!
وكان يهاجم الناصرية بقوة، ويتحدث مقلداً صوت عبد الناصر وهو يقول: إسرائيل حنرميها في البحر! .. ويعقب بـ: (يا ملعون!!).
وأحياناً ينتقد بمرارة فتاوى تُوظّف لأغراض سياسية، ويراها (مدفوعة) الثمن!
كان في لسانه حبسة أحياناً إذا اشتدت وتيرة الكلام، وكان صوته أجشّ، مما يعطي قدراً من التميز وسهولة المحاكاة.
لا يزال يتذكر أول مرة سمع صوته، وهو يتحدث في الجامع الكبير ببريدة بعد الجمعة، عبر (الميكروفون)، ويتلو قصيدة قالها عقب هزيمة حزيران:
فلسطينُ دومي لعبة ووسيلة ** لسائر طلابِ الكراسي ومقعد
فلسطينُ لا ترجين منهم سوى الذي** رأيتِ، فذا طبعُ العصاةِ بموعدِ
وأختها الأخرى:
لقد خانهم أسيادُهم قومُ ماركس *** كما نكص الشيطانُ عن مشركي بدرِ
وهو صبي صغير، فلا غرابة أن يكون قادراً على استحضار تلك الصورة، بمشاهدها وأصواتها ومشاعرها وانطباعاتها وظروفها، شأن الأشياء المبكرة والمتميزة في حياتنا..
للحديث عن الشيخ عبد الرحمن الدوسري دائرة أوسع ..
===========(27/148)
(27/149)
الخطاب الإسلامي المعاصربين الثابت والمتغير
نور الدين بوكرديد 21/2/1428
11/03/2007
المقدمة
مكونات الخطاب الإسلامي:
مستويات الخطاب:
أنواع الخطاب الإسلامي:
صور الخطاب الإسلامي:
مقارنة بين الخطابين العربي والإسلامي:
خصائص الخطاب الإسلامي الأمثل:
الخطاب الإسلامي المطلوب واستراتيجية إعلامه:
المقدمة
من أهم القضايا التي تشغل بال كل مسلم مثقف واع بطبيعة هذا العصر وبما تعانيه أمنتا من أزمات، وما يتربص به من تحديات فكرية، قضية الخطاب، ذلك أن الخطاب هو أداة التبليغ والتواصل والحوار ما بين أبناء الأمة نفسها، وبينها وبين الأمم الأخرى، وهذه الأداة هي مقياس نضج الأمة ومعيار مقدِرتِها على ممارسة ذلك التبليغ والتواصل والحوار وعلى إحلال نفسها المكانة اللائقة بين الأمم، ومن ثم نجاحها أو فشلها في إقناع الآخرين بموقفها ووجهات نظرها في مختلف المسائل والشؤون(1).
مكونات الخطاب الإسلامي(2):
يمكننا أن نرُدَّ مكونات الخطاب الإسلامي إلى نوعين: المكون الشرعي وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قرآن وسنة نبوية صحيحة وهو أصل الخطاب الإسلامي ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة، لكونه صادرا عن الله سبحانه الذي أبدع الوجود كله. والمكون البشري وهو ما فهمه واستنبطه البشر من النصوص الشرعية وما نتج عن ذلك فكرا كان أو فقها أو علوما وأدبا. لذلك فهو فرعٌ للمكون الأول ومؤسس منه وإليه(3).
وبما أن المكوّن الشرعي قد أكسبه مصدره الرباني خصائص الربانية والشمول والثبات والتوازن والمرونة والصلاحية لكل زمان ومكان، فباستطاعتنا أن نكتشف بمعاييره كلَّ خلل واضطراب في واقع الحياة القائم.
وإذا كان الخطاب، أي خطاب رهينا للتطوير والتبديل، دون تحفظ أو اشتراط فإن خطابنا الإسلامي له وضعه الخاص، فهو لا يتغير ولا يتبدَّل في جوهره، أي في ثوابته الأساسية المرتكزة على مكونه الشرعي مهما تغير الزمان والمكان والملتقى، وبغير هذه الثوابت، أو بالمساس بها لا يكون إسلاميا، ولا يمثل حقيقة الإسلام وخصائصه، وأما المكوّن الآخر ففيه يكون الاجتهاد والتطوير بما يراعي المخاطبين وظروففهم العامة والخاصة زمانا ومكانا، يقول الدكتور يوسف القرضاوي:"وإذا كان المحققون من أئمة الدين وفقهائه قد قرَّروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، والفتوى تتعلق بأحكام الشرع فإن نفس هذا المنطق يقول: إن تغيير الدعوة أو الخطاب يتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال أحق وأولى(4).
مستويات الخطاب:
بالنظر إلى مستويات الخطاب ومتلقيه نجد أن هناك فضاءات متنوعة يمكن أن تتناول على مستويين:
أ- الفضاء الداخلي أو المحلي: وفيه يتوجه الخطاب إلى فئات متفاوتة، فيما: الطفل والشاب والفتاة والمرأة والرجل، كل بحسب مستواه التعليمي أو الثقافي، وبحسب موقعه ومهنته وظروفه الخاصة، وما نلاحظه على هذا الخطاب هو عدم مراعاته أحيانا طبيعة هذه الفئات والشروط المتطلبة لذلك، ويتجلى هذا في مظاهر كثيرة منها:
1- غياب الرؤية الفكرية المتحدة، والمشروع الدعوي الموَّحد، ومن ثم افتقاد الخطاب الإسلامي المتفق عليه بين كثير من مؤسسات الدعوة ورجالات الفقه والشريعة، وكذلك غياب الفتوى المتفق عليها في كثير من الأمور التي تهم الأمة وتمس شؤون دينها: مثل رؤية الهلال، وتحديد العيدين، والفوائد المصروفية...الخ.
2- تعطيل المؤسسات والمنابر المتخصصة والمؤهلة لتقديم المعرفة الإسلامية الصحيحة في بعض البيئات الإسلامية أو عرقلتها أو توظيفها لخدمة المآرب السياسية(5).
3- التقوقع داخل مذهب فقهي أو عقدي معيّن، وفرضه في التعليم ووسائل الإعلام والثقافة وإصدار الفتاوى الدينية من خلاله، ثم تصدير هذا التوجه المذهبي الضيق إلى عامة المسلمين في العالم، بمختلف الوسائل والأساليب.
4- التشبث برأي واحد في المسألة ومصادرة جميع ما عداه من وجهات النظر، والتشبث بالانفراد بالفهم والمسؤولية عن الدين(6).
5- تجاهل أولويات القضايا في التأليف والكتابة فيما يعالج أزمات الأمة ويعمل على توحيدها وإصلاح ذات البين فيها، والعمل على التقدم والرقي بها، والاشتغال بدلا من ذلك في بعض الأوساط الإسلامية بالفتن المذهبية، وإيقاد نار الصراع والتنابذ والاتهامات بالزندقة أو الفسوق أو التكفير من خلال تأليف الكتب والمقالات وإصدار الأشرطة والبرامج المرئية الساخنة.
6- التشديد والتضييق في فتاوى بعض العلماء فيما فيه سعة ومجال للاجتهاد(7).
7- تحميل النصوص القرآنية والنبوية غير ما تحتمل وإساءة فهمها.
8- مجابهة بعض التيارات التي تنتقد الإسلام مجابهة ساذجة من دون بيان الحجج المقنعة.
9- التأكيد المبالغ فيه من قبل الكثير من الوعاظ وخطباء المساجد على موضوعات الترهيب بأصناف العذاب الأخروي والتزهيد في تعمير الحياة والإبداع فيها، وإهمال بعضهم تناول قضايا المجتمع والإنسان من معاملات وعلاقات وآداب.(27/150)
10- فراغ كثير من الساحات والمنابر من المتخصصين القادرين وانكماشهم على أنفسهم نتيجة أوضاع سياسية معينة في بعض البيئات الإسلامية وإسناد هذه المهمة أو تولِيّها من قبل آخرين غير مؤهلين.
ب - الفضاء الخارجي أو العالمي:
بالنظر إلى تلك الأوضاع التي عليها الخطاب الإسلامي محليا، أي في الداخل، وما يسودها من اضطراب وغياب للتخطيط والتعاون، ومن افتقاد -كما تقدم- للرؤية الشاملة الموحدة والأهداف الموحدة وإخلاص العمل لله سبحانه، فإن هذا الخطاب على مستوى العالم ضعيف ومتخلف جدا عن منطق العصر وآلياته ومناهجه، بل لولا الجهود القليلة المتناثرة لقلنا إنه غائب في إجازة غير محدودة عن عالم اليوم، ومع صعوبة تشخيص هذا الوضع وتحديد ملامحه فإنه يمكن إدراك الملاحظات الآتية:
1- على الرغم من امتلاك الدول الإسلامية عددا من الثروات الطبيعية الهائلة كالنفط والغاز والحديد والفوسفات والنحاس واليورانيوم...الخ، والطاقتين الشمسية والمائية، والثروات البحرية والزراعية، وعلى الرغم من تعدادها السكاني الذي يتجاوز المليار وأربعمائة مليون، فإن ما تخصصه هذه الدول من أموال ومن برامج ومشروعات لتبليغ رسالة الإسلام إلى شعوب العالم وإنقاذها من ظلمات الضلال في الدنيا وسوء المصير في الآخرة، وللتعبير عن قضايانا في المعترك الدولي، هو أمر مؤسف جدا، إذا ما قورن بما تحظى به المسيحية والماسونية وسائر المذاهب والحركات الهدامة من جهود للانتشار والتمكين في العالم(8).
2- الحوار الإسلامي المسيحي هو أحد السبل التي حاولت من خلالها عدة منظمات ومؤسسات منذ عدة عقود إيصال خطابها الإسلامي في عدة ملتقيات معروفة، وهو امتداد سنة حميدة لذلك الذي كان يجريه أسلافنا مع أهل الكتاب عبر عصور السيادة الفكرية والحضارية في توليها المنظمات المسيحية لذلك العرض(9).
3- قليلة تلك الجهود التي اتجهت إلى شعوب العالم بخطاب إسلامي علمي وموضوعي وخالص لوجه الله ومعظم هذه الجهود فردية وعِصَامية، وقد باركها الله بسبب إخلاص أصحابها وأشهر مثال في هذا المجال ما قدمه وقام به الداعية المرحوم: "أحمد ديدات" في مناظراته مع أقطاب المسيحية، وكذلك ما قدمه المفكر الإسلامي "وحيد الدين خان" وآخرون أسهموا بتقديم آثار علمية جليلة بأكثر من لغة أجنبية، كلها جديرة بإعادة النشر في طبعات متميزة، ليتم توزيعها في مختلف أنحاء العالم، وخاصة غير المسلم.
4- يعد حادث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك المعروف منعطفا بارزا في نظر الغرب بخاصة وفي نظر العالم بعامة إلى الإسلام والمسلمين، وبقدر ما ترتب على هذا الحادث من نتائج وخيمة على الإسلام والمسلمين، فقد حفَّز الحدث كثيرا من الأجانب في مختلف بقاع العالم للتعرف على حقيقة هذا الدين الذي تخيلوا أنه هو كما جزموا -الباعث الأساسي على ما أسموه بالإرهاب.
ولا شك أن أثرياء العرب والمسلمين الذين جمَّد الغرب ملياراتهم بعد ذلك الحادث المذكور، والذين وظفوا شطرا منها قبل ذلك في مشروعات يهودية، وسخَّروا بعضها في ملذاتهم الشخصية وهواياتهم المفضلة، كان في وسعهم لو أنهم اتقوا الله في دينهم وأنفسهم، بتسخير أكبر وسائل الإعلام والنشر العالمية وشراء كبريات الصحف والقنوات الفضائية لخدمة الخطاب الإسلامي بكل أنواعه ومستوياته، وإبلاغ البشرية في كل ديارها وبمختلف لغاتها رسالة الهدى والحق.
أنواع الخطاب الإسلامي:
انعكاسا لما مر ويمر بأمتنا ظروف غامضة وهزات مروعة ومآس مؤسفة، ولا سيما بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر تعددت أنواع الخطاب الإسلامي بخاصة والعربي عامة، معبرة عن وجهات النظر الرسمية وغير الرسمية وممثلة لمختلف التيارات والانتماءات، والمتتبع للخطاب الإسلامي بخاصة يمكنه أن يلاحظ -كما يرى الدكتور محمد عمارة- فرقا مبدئيا بين البيئتين السنية والشيعية وهو أنه لاعصمة لعالم دين ولا لمؤسسة العلم الديني لدى مسلمي السنة. وأما أنواع الخطاب التي يمكن استخلاصها من مجموع الملاحظات والملامح السابق ذكرها فهي الآتية(10):
خطاب الوسطية الإسلامية: الذي تمثله مدرسة الإحياء والتجديد والجمع بين الأصالة والمعاصرة ومواجهة الأحداث بواقعية ومرونة وحكمة ويتصدر هؤلاء: الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد عمارة، والشيخ محمد الغزالي، وآخرون.
خطاب الاتجاهات الصوفية: الذي يرتكز على التجارب الروحية وعلم القلوب والتأملات ويصدر عن فرق متعددة، ويشوب هذا الخطاب شوائب من الدروشة والخرافات والانحرافات.
الخطاب السلفي النصي: وهو ما يصدر في بعض البيئات التي تلتزم بمذهب معين يتبناه النظام القائم ويوظفه لصالحه.
خطاب الرفض والاحتجاج والعنف والتخريب: وتمثله نسبة ضئيلة من الناس، وأكثرهم من شباب المغرر بهم من العاطلين والمحبطين في حياتهم أو المتعرضين الاعتقالات أو المفتونين في ذويهم بالتصفية، ومعظمهم متحمسون ومن ذوي ثقافة سطحية في الشريعة الإسلامية(11).
صور الخطاب الإسلامي:(27/151)
إن للخطاب الإسلامي صورا متعددة بين مقروء ومسموع ومرئي، وتتمثل في خطبة الجمعة والوعظ والإرشاد والصحف والمجلات الشرعية والكتب العلمية، بالإضافة إلى الأشرطة الدينية والأقراص الممغنطة والقنوات المسموعة كالإذاعة، والمرئية كالتلفزيون لما تقدمه من برامج دينية، والشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت"، واللقاءات العلمية والندوات والمؤتمرات، وأخيرا الدراما التي تقدم الخطاب الإسلامي على شكل مسلسلات وأفلام دينية، وهي من أكثر الوسائل قبولا عند الناس(12).
مقارنة بين الخطابين العربي والإسلامي:
إن مدى حركية الخطاب العربي المعاصر كما يقول أحد الدارسين(13) واستجابته للمتغيرات الواقعية والتحولات الحادثة في الواقع قليلة إلى أن يقترب الخطاب من السكون أو التحرك البطئ خلف الواقع أو خلف الحركة الاجتماعية، كما أن الاهتمام المبالغ فيه بالتاريخ يكاد يستلب ذلك الخطاب من واقعه فينشغل بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل، وكل ذلك ينطبق على الخطاب الإسلامي إلى حد كبير، ولعل السبب في ذلك أن الخطابين يشتركان في كثير من العوامل والظروف ويصدران عن مكونات ثقافية وسياسية ونفسية واحدة تقريبا(14).
خصائص الخطاب الإسلامي الأمثل:
الخطاب الإسلامي الأمثل ينبغي أن يتصف بالخصائص التالية:
ربانية المصدر والغاية، عالمية التوجه، إنسانية المنطلق، أخلاقية المحتوى، اقتران العقل بالروح، الجمع بين المثال والواقع والأصالة والمعاصرة والمحلية والعالمية، التوازن والشمول، الانفتاح، التخيير، التعدد، التدافع، التوسط، والاعتدال، الحوار، التنوع، النمو والاطراد، وهو يدعو إلى الاجتهاد ولا يتعدى الثوابت، يتبنى التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة، يستشرف المستقبل ولا يتنكر للماضي، يؤمن بالشورى والتريث في اتخاذ القرار، يدين التخريب والإرهاب ويحض على الجهاد، ويرفض الانغلاق والتحجر والتطرف والغلو ويؤمن بالاختلاف والمرونة والتسامح(15).
ولا ريب في أن هذا الخطاب المتكامل الذي نتطلع إليه بكل هذه الخصائص لن يكون له وجود في دنيا الواقع الراهن بسبب ما هي عليه عقلية معظم الذين يمارسون الخطاب الإسلامي بمختلف صوره ومستوياته التربوية والإعلامية وثمرة تنشئتنا الأسرية الاجتماعية والثقافية التي لا تزال في معظمها مثقلة بالكثير من المثالب وملتفتة عن العصر.
ترى ما الذي يعوقنا عن أن نتقدم ونرتقع إلى مستوى العصر؟ الإجابة واضحة وضوح الشمس ويعرفها الجميع.
الخطاب الإسلامي المطلوب واستراتيجية إعلامه(16):
لقد نادى كثير من العلماء والمفكرين والكتاب والدارسين بضرورة الإسراع بتطوير خطابنا الإسلامي من واقعه الحالي والانطلاق به من خلال خطة علمية عصرية شاملة وجادة لتحقق له تلك الخصائص التي تقدم ذكرها(17)، وهذا لن يتحقق إلا إذا التقى عدد كبير من الغيورين المشتغلين بقضية الخطاب الإسلامي في الدول الإسلامية والعربية ووحدوا جهودهم في برنامج علمي جاد يلتزم بإيجاز التوصيات الآتية:
1. تكوين هيئة إسلامية عليا من رجال الفكر والدعوة المشهود لهم بالعلم والجدية وإخلاص العمل لله، لتضع خططا وبرامج علمية شاملة لتطوير الخطاب الإسلامي بكل مستوياته وصوره وأساليبه، بما يمكنه من مواجهة الحاضر والمستقبل، مواجهة واعية ممكنة ويتم هذا أولا بإجراء مسح شامل للطاقات القادرة والجادة، وثانيا بتوحيد جهود كل المؤسسات العلمية والدعوية الرسمية وغير الرسمية.
2. محاورة هذه الهيئة العليا للجهات الرسمية المسؤولة عن أجهزة الإعلام والثقافة العربية لإقناعها بضرورة تنقية برامجها من مظاهر الميوعة وإفساد الأخلاق، وإتاحة الفرص الكافية للعلماء والمفكرين المعتدلين لتقديم الإسلام الصحيح، فهذه أول خطوة جادة للقضاء العلمي على جيوب التطرف والإرهاب.
3. محاولة هذه الهيئة العليا محاورة أصحاب الخطاب المتطرف وتعريف الناس به من خلال وسائل الإعلام العامة لتوعية الشباب بحقيقته وتحذيرهم من عواقب الانضمام إليه، وإصدار فتاوى بمرجعية مؤسسات إسلامية عليا للرد الشافي على الخطاب.
4.تخصيص أقسام أو شعب في كليات الشريعة للدعوة والإعلام لتخرج متخصصين في هذا المجال، قادرين على أداء رسالتهم بما تمليه مستجدات الحياة وتتطلبه مواجهة العصر.
5. التأكيد على مبدإ الوسطية والاعتدال كما يراه الإسلام وذلك من خلال المقررات الدراسية والأنشطة الثقافية والاجتماعية الترفيهية، ومن خلال الخطب الجمعية(18).
6. الاهتمام بتعويد الناشئة على النقاش وآداب الحوار وحسن الاستماع وقبول الاختلاف، وغرس مبادئ السماحة والمرونة فيهم وذلك عن طريق التربية الأسرية والمدرسية.
7. ضرورة قيام الحكومات العربية والإسلامية بإعادة النظر في آليات الخطاب الديني عامة، والخطاب الإعلامي خاصة، وإسناد أمانات هذه المواقع الحساسة إلى أهلها المتخصصين.
8. الاهتمام بالآداب الإسلامية وترجمتها إلى لغات الشعوب الإسلامية، وكذلك الاهتمام بالأعمال الدرامية التي تخدم الدعوة والقضايا الإسلامية والعمل على تمكينها من منافسسة دراما العالم المعاصر.(27/152)
9. إعداد موسوعة إعلامية شاملة بكل لغات العالم الحية، وذلك بأقلام طائفة من المتخصصين المسلمين، لتعرف الباحثين والدارسين بالإسلام الحق، بدلا من اعتمادهم حتى الآن على موسوعات المستشرقين، وفي الوقت نفسه حصر الموسوعات والكتب المؤلفة عن الإسلام ذات المستوى الرفيع والصيت الذائع، لإعادة نشرها وترجمتها إلى عدة لغات حية وتوزيعها على مؤسسات التعليم والبحث العلمي، ومؤسسات الثقافة والإعلام في كل دول العالم.
10. ضرورة قيام الخطاب الإسلامي المعتدل بالتواصل والحوار مع مؤسسات الأمم الأخرى العلمية والثقافية والدينية والتربوية والسياسية، والحرص على متابعة أنشطتها والمشاركة فيها من خلال كفاءات علمية متمكنة ومخلصة وواعية.
وفي الأخير أقول: اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا علما ووفقنا لصالح الأعمال.
(1) انظر إشكالات الخطاب العربي المعاصر، د. كمال عبد اللطيف، ود. نصر محمد عارف، ص:109.
(2) الإسلام وتطوير الخطاب الديني، رابطة الجامعات الإسلامية، ص:58-77.
(3) المرجع نفسه، ص:67.
(4) خطابنا الإسلامي في عصر العولمة، د. يوسف القرضاوي، ص:17.
(5) إحقاق الحق، فهمي هويدي، ص:11.
(6) انظر الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة، د. فؤاد زكريا، ص:22-26 و38-39.
(7) المرجع نفسه، ص:31-34.
(8) مقدمة إلى الحوار الإسلامي-المسيحي، محمد السماك، ص:72-75.
(9) المرجع نفسه، ص:79-82.
(10) انظر الخطاب الديني بين التجديد والتبديد الأمريكاني، د. محمد عمارة، ص:13-19.
(11) المرجع نفسه، ص: 25-30.
(12) الإسلام وتطوير الخطاب الديني، رابطة الجامعات الإسلامية، ص:16-18.
(13) إشكالات الخطاب العربي المعاصر، د. كمال عبد اللطيف، ود. نصر محمد عارف، ص:54-55.
(14) مقدمة إلى الحوار الإسلامي-المسيحي، محمد السماك، ص:21-28
(15) إشكالات الخطاب العربي المعاصر، د. كمال عبد اللطيف، ود. نصر محمد عارف، ص:99-108.
(16) المرجع نفسه، ص:54-55، والخطاب الإسلامي، د. مصطفى محمد بن الحاج، ص:68.
(17) المرجع نفسه ص 56 , 57 , والخطاب الإسلامي . د.مصطفى محمد بن الحاج ص 68 , 69 .
(18) الخطاب الإسلامي مصطفى محمد بن الحاج ص 80 .
================(27/153)
(27/154)
الماسونية ..حركة تحرر من الأخلاق والدين
الاثنين :10/06/2002
(الشبكة الإسلامية) - أحمد غانم
- 59 مليون ماسوني في العالم يرفضون العقائد والأديان ويرفضون الانتماء للأوطان .
- الروتاري والليونز والبهائية وشهود يهوه واليوجا كلها منظمات صهيونية أنشأها اليهود لخدمة أهدافهم.
- الماسونية دخلت مصر مع الحملة الفرنسية ورفضت الخضوع لأجهزة الدولة.
- علماء كبار أمثال الشيخين محمد عبده وجمال الدين الأفغاني خدعوا بمبادئها في البداية ثم حذروا منها.
- الأزهر حرم الانتساب إليها أو التعاون معها، ولكنها ما تزال تزاول عملها.
في سنة 1865 انعقد مؤتمر للماسونية في مدينة ليبزج الألمانية ألقى فيه الماسوني لاف ارج خطابا جاء فيه "يجب على الإنسان أن يتغلب على الإله، وأن يعلن الحرب عليه، وأن يخرق السماوات ويمزقها كالأوراق.. إن الإلحاد من عناوين المفاخر، فليعش أولئك الأبطال الذين يناضلون في الصفوف الأولى، وهم منهمكون في إصلاح الدنيا.. نحن -الماسونيين- أعداء للأديان وعلينا ألا ندخر جهدا في القضاء على مظاهرها.. سنعلنها حربا شعواء على العدو الحقيقي للبشرية الذي هو الدين، وسننتصر على العقائد الباطلة وعلى أنصارها.. ولكننا نتخذ الإنسانية غاية لنا من دون الله" .
وكلمة ماسونية مشتقة من الكلمة الإنجليزية (F r eemason r y) وهى تعني (البناء) ثم تضاف كلمة (فرى) بمعنى (حر) وتعني (البناء الحر)، وتعرف الماسونية بأنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية والمنظمات الأخوية السرية التي تمارس هذه التعاليم والتي تضم البنائين الأحرار والبنائين المقبولين أو المنتسبين (أي الأعضاء الذين لا يمارسون حرفة البناء).
وفي دراسة للدكتور عبد الوهاب المسيري أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس ومؤلف موسوعة الصهيونية تحت عنوان (اليد الخفية.. دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية) يوضح أن هناك ثلاثة عناصر مشتركة تجمع بين كل الماسونيات في العالم أولها وجود مراتب ثلاثة أساسية يقال لها درجات وهي:
1. التلميذ أو الصبي (الملتحق أو المتدرب).
2. زميل المهنة أو الصنعة (الرفيق).
3. البناء الأعظم أو الأستاذ (بمعنى أستاذ في الصنعة).
ولكن أضيف إلى هذه الدرجات الثلاث الأساسية درجة رابعة أخرى هي (القوس المقدس الأعظم) ثم هناك ما يقرب من ثلاث وثلاثين درجة أخرى في بعض المحافل (كما هو الحال في الطقس الاسكتلندي القديم) ويصل أحيانا عدد الدرجات إلى بضعة آلاف، وإن كان الدكتور أحمد شلبي الأستاذ السابق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة قد ذكر في كتابه (اليهودية .. مقارنة الأديان) أن مراتب الماسونية ثلاث هي:
1. الماسونية الرمزية: ويدخل بها أتباع الديانات المختلفة، ويباشرون طقوسا وحركات لا يفهم مغزاها، ويظل فيها الشخص قانعا بألفاظ الحرية والمساواة والإخاء، سعيدا بما يناله من عون من الأعضاء الآخرين، ذلك العون الذي كثيرا ما يدفع العضو إلى مكان الصدارة في عمله، أو يكسب له وظيفة ممتازة أو ثراء عريضا، مما يجعله يزداد ارتباطا بالماسونية وحبا لأنظمتها، وفى داخل هذا القسم يوجد ثلاث وثلاثون درجة، يترقى فيها العضو درجة بعد درجة بمقدار إخلاصه وكفاءته وإقباله على الماسونية وتعاليمها، وينال العضو أسمى الدرجات إذا تم انحرافه عن دينه ووطنه وأصبحت الماسونية كل عقيدته.
2. الماسونية الملوكية: وأكثر أعضائها من اليهود، ويطلق عليهم الرفقاء ولا يسمح لغير اليهود بالدخول فيها إلا لمن وصل لأرقى درجات الماسونية الرمزية.
3. الماسونية الكونية: وهي أرقاها، وأعضاؤها من اليهود الخُلَّص ويطلق عليهم الحكماء ورئيس هذا الفريق يلقب بالحكيم الأعظم وهو مصدر السلطات لجميع المحافل الماسونية، ولا يعرف أحد أعضاء هذه المرتبة ولا مركز نشاطها.
أما العنصر الثاني الذي يقال : إنه يميز الماسونية عن غيرها من الحركات فهو الإيمان بالحرية والمساواة والإنسانية، في الوقت الذي نجد فيه كثيرا من المحافل اتخذت مواقف عنصرية مثل المحافل الألمانية والاسكندنافية التي رفضت السماح لأعضاء الجماعات اليهودية بالانضمام إليها، كما أن المحافل الأمريكية رفضت انضمام الزنوج.
أما العنصر الثالث فهو العنصر الربي، أي الإيمان بالخالق بدون حاجة إلى وحي، أي أن الماسوني يؤسس عقيدته على قيم عقلية مجردة منفصلة تماما عن أي غيب.(27/155)
وفي هذا الإطار الفكري والفلسفي والديني ولدت الماسونية عام 1717، وقد سمح لليهود بالالتحاق بها عام 1732، ودخلت الحركة الماسونية فرنسا عام 1725 وإيطاليا وألمانيا عام 1733، وإن كان هناك دارسون آخرون يؤكدون على أن الماسونية هي في الأصل مؤسسة يهودية، ومن هؤلاء الحاخام الدكتور إسحاق وايز الذي يوضح أن أهداف الماسونية في الظاهر تختلف عنها في الباطن، فهي تبدو للسذج كأنها جمعية أدبية تخدم الإنسانية وتنور الأذهان وتنشر الإخاء وتوطد الحب بين الأعضاء وتحثهم على فعل الخير والإحسان لإخوتهم المحتاجين، أما في حقيقتها فهي مؤسسة يهودية، وليس تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وشروحها إلا أفكارا يهودية من البداية إلى النهاية.
وهناك دلائل تشير إلى أنه كان يوجد أربعة يهود من بين مؤسسي أول محفل ماسوني في الولايات المتحدة عام 1734، كما أسس أول محفل ماسوني يهودي في إنجلترا عام 1793 أما في فرنسا فقد أصبح السياسي الفرنسي اليهودي ادولف كريمييه (1869) البناء الأعظم للمحفل الأكبر على الطريقة الاسكتلندية.
الماسونية في مصر
وفد هذا المذهب إلى مصر مع قدوم الحملة الفرنسية، ولكنها اختفت كعادتها أو كادت بعد اغتيال الجنرال الفرنسي كليبر الذي كان من دعاتها ولكنها عادت إلى نشاطها في منتصف القرن التاسع عشر، واتسع نشاطها مع تدفق الأجانب إلى مصر والتمكين لهم من التدخل السياسي والاجتماعي.
وقد استطاعت المحافل الماسونية في مصر أن تجذب إليها عددا من العلماء والأدباء والسياسيين والفنانين الذين خدعتهم بشعاراتها، وإن كان رفضها الخضوع لتفتيش وزارة الشؤون الاجتماعية سببًا في إغلاقها عام 1964، لكنها أعادت نشاطها مرة أخرى تحت مسميات جديدة وهي: "الروتاري، الليونز، منظمة شهود يهوه، البابية، والبهائية".
ولم تقنع الماسونية بذلك، بل اندست في بعض الأنشطة الرياضية كاليوجا، وكما يؤكد الدكتور أحمد شلبي - أستاذ التاريخ الإسلامي (الراحل) بجامعة القاهرة - فإن أنشطة هذه المؤسسات في مصر اتجهت إلى النساء، وخاصة إلى زوجات الأعضاء، فابتكرت لهن مؤسسة خاصة أسمتها (أنرويل)، وكان الهدف من ذلك توريط النساء وشغلهن بما انشغل به أزواجهن حتى لا يعترضن على هذا النشاط، وليس أدل على صلة الروتاري بالماسونية من أن رمز الماسونية هو نفس رمز الروتاري وهو المثلثان المتقاطعان اللذان يكونان النجمة السداسية والتغيير الوحيد هو أن هذه النجمة كانت في الماسونية موضوعة داخل إطار على شكل ترس.
أندية الروتاري
ويذكر الدكتور شلبي أن هذه المؤسسات جميعا تتفق في محاولاتها السرية لتخليص أعضائها من الحماسة الدينية، وتتدرج في ذلك حتى يصبح نظام الروتاري أو الليونز أهم عند العضو من الأديان، وحتى يحقق القول الذي اعتنقوه وهو (الأديان تفرقنا، والروتاري يجمعنا) وتتفق هذه المؤسسات في محاربة الشعور بالوطنية وفي أنها تخدع الإنسان ليرتبط بالعالمية وليعتقد أن العالم وطن واحد لكل الناس، كما أنها تدفع ببعض أتباعها إلى الانحلال الخلقي، وتزين لهم الاندماج في حفلات الخلاعة والمجون.
وقد انتشرت في مصر أندية الروتاري وخاصة في عواصم المحافظات والمدن الكبرى، والغرض الظاهري منها هو النظر في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية، بإلقاء المحاضرات والخطب والعمل على التقارب بين أتباع الديانات المختلفة، أما الغرض الحقيقي فهو أن يمتزج اليهود بالمجتمع باسم الإخاء والود، ثم يحاول اليهود عن هذا الطريق أن يصلوا إلى جمع المعلومات التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم اقتصادية كانت أو صناعية أو سياسية، وتتفق الماسونية وأندية الروتاري في أن أبوابها ليست مفتوحة لكل الناس وإنما يختار لهما أحد نوعين:
النوع الأول: جماعة المشاهير الذين لا تحوم حولهم شبهات والذين لهم مراكز عظمى في المجتمع، ويوضع هؤلاء في الدرجة الأولى أي الدرجة التي لا ترى إلا الحفلات والرحلات ومظاهر الإخاء الإنساني، ومهمة هؤلاء أن يضمنوا السلامة وإبعاد الشبهات عن الجمعية من جانب، وأن يخدع بهم آخرون فينضموا لهذه المؤسسات من جانب آخر.
النوع الثاني: ممن يختارون للماسونية والروتاري وأمثالهما جماعات تجيء منجذبة بالأسماء اللامعة السابقة، وتوضع عقب دخولها تحت الاختبار ويجب أن تتوافر في هذه الجماعات صفات ثلاث هي:
1. التسامح الديني أو بمعنى أصح عدم الحماسة للدين وشعائره وطقوسه.
2. عدم الحماسة الوطنية وضعف الارتباط بالوطن
3. النفوذ الذي يستمتع به العضو
الليونز
الليونز هو من الهيئات المنتشرة في كثير من دول العالم ومنها مصر، حيث يتناول أعضاؤه بالقاهرة الغذاء مرتين في الأسبوع إحداهما في فندق شيراتون القاهرة والأخرى بمنطقة الهرم.
اليوجا(27/156)
وهي من المنظمات ذات الصلة الوثيقة بالصهيونية، وهي تباشر ألوانا من الرياضة البدنية وكذلك بعض التدريبات الروحية، وقد افتتحت منظمة اليوجا فرعًا لها في القاهرة عام 1975، وكان يقوم بالتدريب به شاب من الفليبين وفتاة أمريكية، وقد استطاع الاثنان أن يجذبا إلى مقر هذه المنظمة عددا من الشباب الجامعي للتدريب على اليوجا والإعداد للقيام بنشاط اجتماعي لتوعية أهالي القرى والمدن.
وفى 16/7/1975 قبض رجال الأمن على الفتى والفتاة بعد أن اتضح قيامهما بنشاط ديني وسياسي والدعوة لتمييع الأديان والانتقاص من القيم الروحية، واتضح أن هذه المنظمة تمولها جهات صهيونية وأنها فرع لمنظمة مركزها الرئيسي في إسرائيل.
منظمة شهود يهوه
وهي تسعى لجذب الشباب بكل الوسائل، حيث إن لديها مكاتب تأجير الحجرات والمساكن للشباب الذين يبحثون عن مسكن، ويحدث كثيرا أن يفاجأ هذا الشاب بفتاة جميلة تدق بابه، وتقدم له بعض الأسئلة عن حالته وحاجاته ومشكلاته، وتعده هذه الفتاة بالعون والمساعدة وعن طريق هذا الشاب تتعرف الفتيات على شبان آخرين.
كما تقوم المنظمة بطبع نشرات دورية بلغات مختلفة تعرف الشباب بأنشطتها سواء كانت خدمية أم اجتماعية وهى تدعو إلى المحبة والسلام ونبذ الحروب، وقد يستعمل دعاة (شهود يهوه) فقرات من الإنجيل أو آيات قرآنية في خطابهم مع الشباب.
البهائية
هي رافد من روافد الماسونية فهي يهودية المنبع والمصب، وقد ورد في العهد القديم كلمة "بهاء الله" وهو اللقب الذي خلعه اليهود على مؤسس البهائية، وفي الوقت الذي تعمل فيه الماسونية على أن يصبح العالم دولة واحدة، لها دين واحد، فإن "قرة العين" إحدى زعيمات البهائية في العالم وصفت البهاء بأنه ستخضع له الأقاليم السبعة، وسيوحد الأديان التي على وجه الأرض، وللبهائية تجمع كبير وسط القاهرة، ولهم مساجدهم التي يصلون فيها، وأزياؤهم التي يرتدونها وتميزهم عن باقي أفراد الشعب المصري.
المؤتمر الإسلامي العالمي
ونظرا لخطورة هذه المنظمات المشبوهة على عقيدة المسلمين فقد عقد في مكة المكرمة وتحت رعاية الملك فيصل مؤتمر عالمي للمنظمات الإسلامية في المدة من 14 إلى 18 ربيع الأول سنة 1394هـ (مارس 1973)، واشترك في هذا المؤتمر 140 وفدا تمثل جميع الدول والأقليات الإسلامية في العالم، وشاركت فيه مصر بوفد كبير، وأصدر المؤتمر قراره الحادي عشر، ونصه : " الماسونية جمعية سرية هدامة لها صلة وثيقة بالصهيونية العالمية التي تحركها وتدفعها لخدمة أغراضها، وتتستر تحت شعارات خداعة كالحرية والإخاء والمساواة وما إلى ذلك مما أوقع في شباكها كثيرا من المسلمين وقادة البلاد وأهل الفكر، وعلى الهيئات الإسلامية أن يكون موقفها من هذه الجمعيات على النحو التالي:
1. على كل مسلم أن يخرج منها فورا .
2. تحريم انتخاب أي مسلم ينتسب لها لأي عمل إسلامي .
3. على الدول الإسلامية أن تمنع نشاطها داخل بلادها وأن تغلق محافلها وأوكارها .
4. عدم توظيف أي شخص ينتسب لها ومقاطعته مقاطعة كلية .
5. فضحها بكتيبات ونشرات تباع بسعر التكلفة .
فتوى الأزهر
وأما عن موقف الأزهر الشريف بمصر، فقد أصدرت لجنة الفتوى بيانا نشر بالصحف المصرية هاجم أندية الروتاري والليونز ووصفها بأنها من أخطر المنظمات الهدامة التي تسعى للسيطرة على العالم عن طريق القضاء على الأديان، وحرم البيان على المسلمين الانتساب لهذه الأندية أو التعاون معها، لأنها تشجع على الفوضى الأخلاقية وتسخر أبناء البلد للتجسس على أوطانهم باسم الإنسانية.
ولأجل ذلك فقد طالبت الكاتبة الصحفية المصرية صافيناز كاظم في مقال منشور " كل المواطنين الشرفاء بالاستقالة من هذه النوادي المشبوهة مشيرة إلى أن الكثيرين من أعضائها لديهم حسن نية لكنهم اغتروا بالواجهات البراقة لهذه النوادي والشعارات الطنانة مثل الحرية والمساواة والإخاء، وكان من بين هؤلاء الرجال الأفاضل العالم الجليل جمال الدين الأفغاني الذي انضم للماسونية ثم خرج منها لاعنا إياها حينما استشعر غموضها وسمومها ومراميها غير السامية ضد الإسلام ووطنه".
أعداد الماسونيين في العالم
وبعيدا عن الماسونية في مصر التي لا يعرف على وجه الدقة أعداد المنتسبين إليها، فإن هناك أيضا تضاربا كبيرا حول عدد الماسونيين في العالم، ففي الوقت الذي يقدر فيه البعض عددهم بـ59 مليونا فإن هناك من يرى أن هذا الرقم فيه مبالغة شديدة، وأن عددهم لا يتجاوز بأي حال من الأحوال ثلاثة ملايين فرد، وأن معظمهم منتشر في البلاد البروتستانتية التي شهدت أيضا ظهور الصهيونية والعلمانية والنازية.
رموز الماسونية:
وللماسونية عدد من الرموز والأشكال التنظيمية، أما رموزها فتتمثل في المثلث، والفرجار، والمسطرة، والمقص، والرافعة، والنجمة السداسية، والأرقام 3، 5، 7 (وهى رموز وطقوس تساعد على اكتشاف النور).(27/157)
والوحدة الأساسية في التنظيمات الماسونية هي المحفل أو الورشة ، ويحق لكل سبعة ماسونيين أن يشكلوا محفلا، والمحفل يمكن أن يضم خمسين عضوا، وتعقد المحافل اجتماعا دوريا كل خمسة عشر يوما يحضره المتدربون والعرفاء والمعلمون، أما ذوو الرتب الأعلى فيجتمعون على حدة في ورش (التجويد)، ويفترض في المشاركين في الاجتماع أن يقبلوا بلباس معين فهم يضعون في أيديهم قفازات بيضاء ويزينون صدورهم بشريط عريض ويربطون على خصورهم مآزر صغيرة وقد يرتدون ثوبا أسود طويلا أو (سموكينج) أو بزة قاتمة اللون بحسب تقاليد محفلهم وهي تقاليد غاية في التعقيد والتنوع.
وتشكل المحافل اتحادات تدين بالولاء والطاعة لأحد المحافل الكبرى، والأصل في الجمعيات الماسونية أنها سرية بمعنى أن طقوسها وبعض الإشارات الأخرى فيها سرية، ومن ينضم إلى الحركة يقسم على ألا يكشفها، ولا تسمح الحركة الماسونية لأي شخص بالانضمام إليها، وإنما يتم تجنيد الأعضاء عن طريق توصية أحد الأعضاء العاملين، كما أن المحافل تخفي بعض الطقوس عن الأعضاء الجدد إلى حين التأكد من ولائهم.
أما نص القسم كما أورده الأستاذ محمد علي الزغبي في كتابه (الماسونية منشئة ملك إسرائيل) فهو كالآتي: "أقسم بمهندس الكون الأعظم ألا أفشي أسرار الماسونية ولا علاماتها وأقوالها ولا تعاليمها وعاداتها، وأن أصونها مكتومة في صدري إلى الأبد .. أقسم بمهندس الكون الأعظم ألا أخون عهد الجمعية وأسرارها، لا بالإشارة ولا بالكلام ولا بالحروف، وألا أكتب شيئا من ذلك ولا أنشره بالطبع أو بالحفر أو بالتصوير، وأرضى - إن حنثت في قسمي- أن تحرق شفتاي بحديد ملتهب، وأن تقطع يداي ويحز عنقي، وتعلق جثتي في محفل ماسوني ليراها طالب آخر ليتعظ بها، ثم تحرق جثتي ويذر رمادها في الهواء، لئلا يبقى أثر من جنايتي".
ونحن بدورنا نقسم بأن هذا عين الباطل
===================(27/158)
(27/159)
الماسونية تتخلى عن غموضها في بريطانيا
الاثنين :28/01/2002
(الشبكة الإسلامية) رويترز - أريبيا
سيعرف الماسونيون في بريطانيا قريبا بالقمصان التي يرتدونها وبالصحف التي يقرأونها وليس بالطريقة التي يصافحون بها اذ يسعى هذا المجتمع المحاط بالسرية للتخلي عن صورته الغامضة.
وقالت صحيفة تايمز - اليوم الاثنين - انه سينظم اسبوع في اواخر يونيو المقبل يشمل زيارات عامة للمحافل الماسونية.
وسيبدأ الماسونيون المشهورون بتأثيرهم على المجتمع البريطاني من وراء الستار اعمالا خيرية في شوارع لندن وهم يرتدون قمصانا طبعت عليها عبارة "انا ماسوني". كما سيمكنهم قراءة مجلتهم (الماسونية الفصلية) التي ستصدر في ابريل المقبل.
ويأتي اسبوع الاحداث الماسونية في اطار مراجعة جذرية اجرها زعماء الماسونية ، قرروا خلالها التخلي عن الغموض الذي يحيط بهم والتركيز على انشطتهم الخيرية.
لكن لن تكشف كل الاسرار.
ففي حين ستشجع الحركة نحو 300 الف ماسوني في بريطانيا على التحدث بصراحة عن دورهم في المجتمع ، لن يسمح لهم بالحديث عن طريقة المصافحة او كلمة السر المطلوبة لدخولهم المراكز الماسونية كما ستظل اجتماعاتهم قاصرة عليهم.
==================(27/160)
(27/161)
مفاهيم الماسونية تناقض الإسلام
تاريخ الفتوى : …02 رمضان 1424 / 28-10-2003
السؤال
أرجو منكم توضيح مفاهيم الحرية والإخاء والمساواة في الإسلام، والفرق بينها وبين الدعوى الماسونية إلى نفس المفاهيم، وهل يجوز تعميم هذه المفاهيم والدعوة إليها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فمفهوم الحرية في الإسلام يعني التحرر من العبودية لغير الله تعالى، أما مفهوم الحرية في الماسونية فهو التحرر من الدين والقيم والأخلاق. جاء في نشرة ماسونية صادرة في لندن سنة 1935 "إن أمنيتنا هي تنظيم جماعة من الناس يكونون أحراراً جنسياً، نريد أن نخلق الناس الذي لا يخجلون من أعضائهم التناسلية"، ولذلك أسسوا نوادي للعراة في دول كثيرة، وسعوا بكل وسيلة لتدمير مقومات الشعوب غير اليهودية والقضاء على القيم الأخلاقية، ومفهوم الإخاء في الإسلام أن المسلم أخو المسلم. أما مفهوم الإخاء في الماسونية، فهو أن البشر -بغض النظر عن أديانهم- إخوة، فمن أكبر شعاراتهم: الأديان تفرقنا والماسونية تجمعنا... ومفهوم المساواة في الإسلام يعني أن المسلمين جميعاً سواسية، أما مفهوم المساواة في الماسونية فهو يعني المساواة بين الناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم. والماسونية في الظاهر تختلف عنها في الباطن، فهي تبدو للسذج كأنها جمعية أدبية تخدم الإنسانية، وتنور الأذهان وتنشر الإخاء، وتوطد الحب بين الأعضاء، وتحثهم على فعل الخير والإحسان لإخوتهم المحتاجين، أما في حقيقتها فهي مؤسسة يهودية، وليس تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وشروحها إلا أفكاراً يهودية من البداية إلى النهاية. وقد أسس الماسونيون أول محفل ماسوني في بريطانيا، جعلوا شعاره "الحرية والإخاء والمساواة"، وأصدر في لندن القرار التالي الذي يبين حقيقة أغراضهم: 1- المحافظة على اليهودية. 2- محاربة الأديان عامة والكاثوليكية خاصة. 3- بث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب. وبذلك يتبين لك أن مفاهيم الحرية والإخاء والمساواة في الإسلام، تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك المفاهيم في الماسونية، ومن ثم فلا تجوز الدعوة إلى تلك المفاهيم بطريقة عامة لا يتميز فيها الفرق بين معنى هذه المفاهيم في الإسلام ومعناها في غيره. والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===================(27/162)
(27/163)
الأفغاني ومحمد عبده والماسونية
تاريخ الفتوى : …24 صفر 1426 / 04-04-2005
السؤال
هل كان جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده من الماسون فعلاً؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل من ترجم لجمال الدين الأفغاني هو الدكتور فهد الرومي في كتابه الرائع (منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير) ص 75-123، وبين حقيقة الرجل، وأصله، ونقل بعضاً من رسائله، ولقد ذكر العلامة محمد رشيد رضا في (تاريخ الأستاذ) 1/49 أن الأفغاني كان له نشاط ماسوني.
أما محمد عبده فقد ترجم له الدكتور الرومي في الكتاب المذكور (ص124-169) وذكر ترجمة مستفيضة له، وأورد ضمن الترجمة علاقة محمد عبده بكتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين، وانظر الفتوى رقم: 16414.
هذا وننبه إلى أن المدرسة العقلية الحديثة هي في الحقيقة امتداد لمدرسة المعتزلة التي لم تستضئ بنور الوحي، وأصحابها يعظمون العقل ويقدمونه على نصوص الكتاب والسنة، وذلك بخلاف أهل السنة والجماعة الذين يجعلون العقل غير المعصوم تابعا للوحي المعصوم، بل يعتقدون أن العقل الصريح لا يمكن أن يتعارض أبداً مع النقل الصحيح، وانظر تفصيل ذلك فيما كتبه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) أو (درء تعارض العقل والنقل).
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==================(27/164)
(27/165)
حكم طباعة أوراق وتصميم شهادات تتعلق بالماسونية
تاريخ الفتوى : …03 محرم 1428 / 22-01-2007
السؤال
أعمل في مركز لخدمات الكمبيوتر، وأنا أقوم بتصميم وطباعة الشهادات والمستندات وغيرها مما يتعلق في هذا الإطار ... ولكن يأتي عندي بين الحين والآخر رجل ماسوني يطلب مني أن أطبع له أوراقا وأصمم له شهادات للماسونية ولا أدري إن كان ذلك مخالفاً للشرع أم لا ؟ وهل يجوز الاستمرار في هذا العمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالماسونية منظمة يهودية سرية غامضة محكمة التنظيم هدفها ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتتبنى الدعوة إلى الإلحاد والانحلال والفساد. وكنا قد بينا تعريفا بها من قبل، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 39235.
وعليه، فلا يجوز لك أن تطبع أوراقا أو تصمم شهادات إذا كانت تتعلق بشيء من أعمال الماسونية؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان والله تعالى يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
أما الاستمرار في هذا العمل، فإن كان لك فيه من الحرية القدر الذي يسمح لك بطباعة ما تحب ورفض طباعة ما لا تحب، فلا حرج عليك في البقاء فيه، مع رفض طباعة أي أمر يناقض تعاليم الدين الحنيف.
وإن لم يكن لك هذا القدر من الحرية فلا يجوز أن تبقى في هذا العمل. واجعل نصب عينيك قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].
ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==================(27/166)
(27/167)
ملتقى ربوة الرياض وحاجة المجتمع
اختتمت فعاليات ملتقى الربوة .. ملتقى الخير والعطاء في يوم السبت 29/6/1428هـ
ملتقى جمع جميع أفراد المجتمع ... وفي جوء إيماني فريد ..... الهدف منه تحصين المجتمع من الشبهات والشهوات .. وشغل الأوقات بما يفيد ، اقبل على زيارته الرجال والنساء والشباب والشيوخ والناشئة والأطفال ... !
إحصائيات مبهرة في أعداد الزائرين وصل من 60-70 ألف زائر وزائرة في بعض أيامه .. مساحة المكان حوالي 64 ألف متر مربع امتلأت المواقف الأساسية والإضافية بالسيارات ...!!
أسلم أكثر من 22 شخص ، عدد كبير من الشباب تبرعوا بالدم وآخرين اقلعوا عن التدخين والتفحيط بكت إحدى المحاضرات عندما دخلت ورأت هذه الجموع وكأننا في موسم حج !!
ومهما قيل في وصفه فليس الخبر كالمعاينة ... نتائج البحث في Google عن كلمة ملتقى ربوة الرياض بالتنصيص ( 63200) نتيجة ...!!
وهذا إن دل على شيء إنما يدل على حاجة المجتمع لمثل هذه الملتقيات المباركة .. التي تسد حاجته ، وتوفر له جو من المتعة والفائدة والترفيه بعيدا عن المحرمات والاختلاط ... كما يحدث في كثير من المنتزهات والحدائق العامة والشواطئ ومدن الألعاب .... دون ضوابط ولا قيود .. و ما هذه المظاهر إلا دخليه علينا .. وما أظنها إلا تحقق أهداف ماسونية خبيثة تسعى لمصل الأمة بجرعات الفساد والمسخ ، حتى تُؤْلف هذه المشاهد ويعتادها المسلمين فتجلس العائلة بجانب الأخرى ، ينظر كل منها للآخر دون غيره ولا حياء وهذا ما يرفضه مجتمعنا ويأباه ... !!
وهي دعوة تغريبية تحمل في مضمونها طمس ملامح هويتنا الحضارية ، ومجتمعاتنا المحافظة على القيم والمبادئ ..
إن هذا الملتقى يمثل مشروع اجتماعي اثبت نجاحه .
فلماذا لا يكون مشروع وطني برعاية الدولة تخصص له ميزانية كما يخصص للحدائق والأماكن العامة . وليس برعاية أفراد أو مؤسسات ... يطبق في جميع مناطق المملكة بنفس الضوابط والقيود ... وتحت إشراف مكاتب الدعوة والإرشاد ...
ويحتوي جميع شرائح المجتمع وخاصة الشباب وتعد له برامج وخطط دينية وتعليمية وتوعوية وثقافية وترفيهية ... ويكون في بداية الصيف ولمدة شهر على الأقل ، وهذا سيحد إن شاء الله من ظاهرة السفر إلى الخارج التي ترحل فيها أموال المسلمين لدعم اقتصاد بلاد الكفر ...
ومن هنا فهذه دعوة للمصلحين ، وأصحاب رؤوس الأموال لرعاية ملتقيات تربوية واجتماعية .. تجمع بين المحافظة على القيم الإسلامية وتلبية حاجة المجتمع للترفية والتسلية ... يتربى فيها كل من يرتادها على الفضيلة والأخلاق ... خصوصا في المدن السياحية وزمن الإجازات .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .. وجعلنا ممن يخشاه ويراقبه في جميع أعمالنا وأقوالنا ... آمين .
====================(27/168)
(27/169)
الأمم المتحدة والولايات المتحدة.. روما العصر
محمد حسن طنون*
أطلق رئيس بريطانيا توني بلير تهديدات للسودان قائلا ببجاحة: (لا يجب أن يقول العالم لحكومة البشير إذا لم تكوني مستعدة للالتزام بما تقوله الأمم المتحدة فإننا سنصبح تدريجيا أكثر صرامة منك).
بريطانيا التي كانت عظمى ربما تعيش في مخيلة بلير، ويسترجع الرجل ذكريات الماضي يوم أن كانت انجلترا سيدة العالم في نهايات القرن التاسع عشر بلا منافس حقيقي.
لقد انطلقت بريطانيا حول العالم تعربد لتبني أكبر وأوسع إمبراطورية آنذاك، حتى قيل إنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وبلغ بهم الغرور إلى أن تصوروا أن بريطانيا هي مركز الكون وتساءل بعض الإنجليز في كفر معروف عنهم، عما إذا كان الله بريطانيا (Is god B r itish) لقد وصل بهم صلف القوة وجنون القوة إلى عبادة الذات لحد الكفران.
لكن بريطانيا اليوم وفق سنة الله في تداول الأيام بين الناس والدول، صارت دولة من الدرجة الثانية، ولكنها صارت تابعة ذليلة للدولة التي تريد فرض الوصاية الكاملة على كوكبنا ـ الأرض ـ وسمائه وفضائه، فكما كانت بريطانيا دولة ظلم وقهر تعتمد على التهديد بالحرب، ورثت أمريكا نفس النفسية الشيطانية البريطانية حتى أن أحد قادة الولايات المتحدة قال:(إننا أصبحنا نقوم بالدور الذي كانت تقوم به الإمبراطورية البريطانية).
لذلك نرى أن أمريكا تستعمل بريطانيا الذليلة لتقوم بدور الكاشف لسيده، وأمريكا نفسها أمة مطيعة لسيدها اليهودي، الذي يسيرها كيف يشاء. لقد تمكن اليهود بمكرهم الذي تزول منه الجبال، من إيجاد تحالف عضوي بين المسيحية والصهيونية لخلق سلطة عالمية عالية؛ وإن الماسونية تطرح على بساط البحث موضوع هذه الهيئة الجديدة _عصبة الأمم_ كما جاء في محاضر مؤتمر المحافل الماسونية في يونيو عام 1917م، إذن عصبة الأمم التي أنشئت بعد الحرب العالمية الأولى هي صيغة يهودية لخدمة بني صهيون، فكان أول عمل قامت به عصبة الأمم المتحدة هو تنفيذ وعد بلفور، وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين من أجل تحقيق هدف أساسي واحد هو تسليم فلسطين المسلمة إلى اليهود.
عصبة الأمم قضى عليها هتلر بإشعاله الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بانتصار حلفاء اليهود الذين أنشأوا الأمم المتحدة، التي هي في حقيقة الأمر وليدة اليهودية العالمية وأدواتها التنفيذية، من ماسونية، وصهيونية، وجعميات يهودية أخرى.
أوجد اليهود عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى التي دبروها وخططوا لها لتمهيد الطريق لفلسطين. وخطط اليهود للحرب العالمية الثانية لإيجاد الأمم المتحدة لتقوم بتحقيق المرحلة الثانية في جريمة القرن العشرين الكبرى، وهي إصدار قرار التقسيم وإنشاء دولة لليهود. والجمعيتان من وضع اليهود وهما وسيلة من وسائل السيطرة على العالم كما أثبتت الماسونية العالمية في مضابطها السرية.
هذه هي الأمم المتحدة التي يريد توني بلير أن ينصاع الرئيس البشير لأوامرها، وإلا فالويل والثبور.
إن العالم المعمور عامة، والعالم الإسلامي كافة والعرب خاصة؛ يفقدون الثقة في هذه الأمم المتحدة التي لا تتحرك لصالح الشعوب إنما لصالح اليهود لتمكينهم من السيطرة على العالم.
أزمة دارفور أججها هؤلاء الذين يتباكون ويذرفون دموع التماسيح على شعب دارفور المسلم، وهم قتلة المسلمين في كل الأرض بما فيهم مسلمو دارفور.
على فرض أن هنالك ظلم وقع على أهل دارفور.. هل هذا الزعم قدر كاف لدفع الموقف نحو التمرد الذي يدمر كل شيء أتى عليه، وهل كان للتمرد أن يمارس التدمير لو لا الدعم الخارجي اللا محدود لهم، لا مجرد دعم تأييد معنوي ومراقبة، بل وصل الدعم إلى مستوى التحريض المباشر وغير المباشر، ثم مد المتمردين بالسلاح والعتاد التي لا تملكها حتى الجيوش النظامية؟
إن كانوا قد تمردوا للتهميش، فمن أين لهم المال والسلاح الذي لو أنفق نصفه لكانت دار فور فردوسا أرضيا!.
الظلم المسيحي اليهودي مغلف بورق (سولفان) خادع يظهر بعض العدل الزائف، مما يخدع السذج الذين وقعوا فريسة التضليل الإعلامي الضخم، حتى يحسب هؤلاء السذج تحرك بلير وبوش والمنظمات اليهودية عدلا وقسطا.
الأمر ليس كما يقول لنا الذين باعوا دينهم بدنياهم، فيهللوا بقدوم جيش الاحتلال الأممي، إنما يحسب الصادقون الأوفياء لدينهم ووطنهم أن تحركات أمريكا المتهودة، ومن معها إنما من المنكرات التي يجب أن نتصدى لها بكل السبل المتاحة.
لقد أدرك الإمام محمد أحمد المهدي رحمه الله هذه الحقيقة، وحذر في منشوراته من (الركون إلى أعداء الله والاستعانة بهم في سفك دماء أمة محمد، لأنه من كان يؤمن بالله فلا ينبغي أن يأمن لكافر، ومن رسخ في قلبه أنه مؤمن اطمأن إلى نصر الله وتأييده ضد كل عدو فاجر).
ألم يقرأ أحفاد الإمام المهدي الذين يقتاتون على تاريخه المجيد هذا الكلام الواضح الصريح.. أم أن في قلوبهم مرض، أم ارتابوا؟..
=================(27/170)
(27/171)
لعبة القط و الفأر
محمد أبو بكر الرحمنو*
قالت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إنه حان للمجتمع الدولي أن يضع حداً للعبة القط والفأر التي تمارسها الحكومة السودانية مع المجتمع الدولي في شأن مشكلة دارفور.
التأخير والتعديل الذي تسببت فيه الدبلوماسية السودانية لمراد الولايات المتحدة، وبنفس أساليبها أثار حفيظة القيادة الأمريكية الحالية التي تطمح لأن تكون جميع الحكومات الاسلامية في العالم خاضعة لسلطانها أو انهارت ، حتى تتباهى بعد انقضاء حكمها - الذي كاد ينقضي - بأنها قضت الأصولية الاسلامية ، فتفرح اسرائيل ، ويسعد التيار الماسوني ، ويحقق بوش حلماً تاريخياً للصليبية العالمية.
ذكرتني هذه المقالة بقصة القطة والفأر اللذان اجتمعا في قارب ليعبرا النهر فقال القط (كوندي ) للفأر (سودا) منتهراً: يازول مالك بتكشح بالتراب . فقال الفأر (سودا ) للقط (كوندي) : تراب شنو وانحنا في نص البحر؟ . فانقض عليه القط (كوندي) قائلاً : يا ها فصاحتكم دي ذاتا البتخلينا ناكلكم .
مجاملات الوجهاء على قارعة الطريق:
إن أُعجب، فمن مجاملات المسئولين في السودان ، إذ لا يراعون في سبيل المجاملات مصلحة عامة ، ويتسببون للناس في الضيق والعنت والمشقة في سبيل مجاملة شخص أو اسرة ذات وجاهة أو منصب .
انظر إلى ما يقام في قارعة الطريق العام ذي الكثافة المرورية من مركبات عامة أو سيارات خاصة من سرادقات العزاء أو الأفراح أو الحوليات وما شابه. وهل يسع أصحابها إقامتها إلاّ بتصريح ؟ ومن الذي يمنح التصريح ؟ ولمن يمنح؟ ألكل أحد؟.
كيف يمكن أن تسمح الجهات المسئولة بأن تتم مثل هذه التصرفات التي تضع حاجات خاصة الناس فوق الضروريات العامة ، و التي لا تمت إلى النظام بصلة ، وتدل على عدم اكتراث بعامة الناس وسوادهم أن يصيبهم العنت والمشقة.
بمثل هذه المجاملات تم إغلاق شارع الثورة بالنص ، وشارع الوادي وهما شريانان من إهم شرايين الحركة في أمدرمان ، وتم إغلاق شارع الطائف ، والنخيل وغيرهما .
بمثل هذه المجاملات يحفر السودان لاسمه مكانة سامية بين الدول التي تضع المجاملات الخاصة فوق كل اعتبار ، فإن كان من وراء مثل هذه المجاملات إيرادات فإن السودان سيبقى المجاملات الأولى غلى حساب كل غال ومرتخص.
===================(27/172)
(27/173)
الأدب النبوي في واقع حياتنا
في جو أخوي فريد كان اللقاء التربوي في ( ورشة الأدب النبوي ) التي أقامتها إدارة التوعية الإسلامية بوزارة التربية والتعليم بمشاركة بعض الإدارات الأخرى كالتطوير والمناهج والإشراف التربوي والإعلام التربوي ....
ولقد تحققت - بحمد الله - أهداف هذا اللقاء بشهادة الجميع وكان له آثار ملموسة وواضحة لكل من شارك فيه , وكان شعاره ( الأدب النبوي سلوك راق ومنهاج حياة ) وإنني بهذه المناسبة أتساءل عن دورنا جميعا ودور المؤسسات التربوية والاجتماعية في تفعيل الأدب النبوي في واقع حياتنا ... فيما لا شك فيه أن الدفاع عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ونصرته آية عظيمة تدل على عمق الإيمان والمحبة والإجلال لنبي الرحمة وهادي البشرية عليه صلوات الله وسلامه , وإن من نصرته نشر دينه والدعوة إلي صلى الله عليه وسلم , والذب عنه والرد على من سبه وشتمه واستهزأ به صلى الله عليه وسلم ..
إلا أن أعظم ما تكون به نصرته هو بالتأسي ب صلى الله عليه وسلم في اعتقاده وعباداته وسننه وآدابه وأخلاقه ومعاملاته وتعليمه ودعوته وامتثال أوامره كلها وجعلها سلوك عملي يسير عليه المربون وسائر أفراد المجتمع .
فيصبح المربي ترجمان عملي لأخلاق صلى الله عليه وسلم وآدابه , يجد فيه المتربي قدرة عملية يستقي منها من نبع أخلاق صلى الله عليه وسلم وهذا عنوان الصدق .
قال تعالى :{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(8:سورة الحشر).
وعنوان الفلاح قال تعالى :{فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(157: سورة الأعراف).
إن كل موقف في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم يحوي ( مدرسة كاملة ومنهاج حياة ) جمع فيه كل ما يحتاجه المتربي من التعليم والتربية والرفق والشفقة والحب وخفض الجناح وهذا ما شهد الله تعالى به لنبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى :{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4: سورة القلم).
وشهد له أهل بيته وأشد الناس قرباً منه فعن صفية رضي الله عنها قالت : ( مارأيت أحسن خلقاً من رسول ا صلى الله عليه وسلم ) وتقول عائشة رضي الله عنها عن خلقه : ( كان خلقه القرآن ).
وهذا الأدب النبوي هو الذي جعل معاوية بن الحكم يقول في - قصته المشهورة عندما شمّت رجلآً في صلاته - (بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه والله ما ضربني ولا كفرني ولا سبني ولكن قا صلى الله عليه وسلم : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن ).
ومن هنا أقف مع القارئ الكريم بعض الوقفات أمام مسؤوليتنا تجاه تطبيق الأدب النبوي :-
الوقفة الأولى :-
غرس محبة نبينا صلى الله عليه وسلم في نفوس الناشئة فمما لاشك فيه أن الجيل يواجه تحديات , وتتنازعه أطراف متعددة , متباينة الأهداف والاتجاهات , ومن أبرزها :-
* الغزو الفكري بجميع صوره وأشكاله بما يحمله من محاربة الإسلام وتشويه صورته , ونشر الشبهات .
* الماسونية بشعاراتها البراقة التي تدعو إلى الفساد الأخلاقي والتحلل في القيم والمبادئ بوسائلها المنتشرة .
* الفراغ الذي يعانيه النشء , ورفقاء السوء ودعاة الرذيلة وعبيد الفكر الغربي وغير ذلك من التحديات المعاصرة .
لذا كان لزاماً علينا غرس هذه المحبة الإيمانية ليتشربها الجيل فتكون حصناً منيعاً له يحول بينه وبين مخالفة الحبيب ... كما تجلى ذلك في نفوس الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فحينئذ فدوه بالنفس والمال والولد ففي غزوة أحد تقف أم عمار نسيبة بنت كعب الأنصارية تذب عن رسول ا صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمي عنه القوس , حتى خلصت إليها الجراح وكان على عاتقها جرحٌ أجوف له غور أصابها به ابن أبي قمئة أقمأه الله وهي تذب بنفسها عن نبيها عليه الصلاة والسلام , وكذلك أبو دجانة يقول ابن إسحاق - رحمه الله - " ترس أبو دجانة دون رسول الله بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل " أ.هـ
كما حرصوا على تتبع أفعاله وصفاته وأقواله .. والسير من حيث سار والصلاة في المكان الذي صلى فيه اجتهاداً منهم لشدة حبهم ل صلى الله عليه وسلم , حتى كان الواحد منهم يعبر عن الوصية بقوله ( أوصاني خليلي رسول ا صلى الله عليه وسلم بكذا ...)
الوقفة الثانية :
دراسة سيرت صلى الله عليه وسلم وتعميقها في نفوس الجيل سواء دراسة منهجية صفية , أو لا منهجية , ووضع الحوافز المادية والمعنوية للنهل من معينها الفياض بإقامة مسابقات وأبحاث على مستوى برامج ومشاريع علمية تتبناها الدولة, وتكون على مستوى محلي أو إقليمي .
وإيجاد وسائل لتبسيط الأدب النبوي للناشئة بأسلوب مشوق وعرض مميز يدفع القارئ للتأسي والاقتداء .
الوقفة الثالثة :(27/174)
نشر الصحيح من الأحاديث وتمييزها عن الأحاديث الضعيفة والواهية وإحياء السنن المندثرة وكم هو جميل أن يسعى طلبة العلم وملاك دور النشر و رجال الأعمال لتبني مشروعات ضخمة على غرار( نضرة النعيم ) ... تهتم بهذا الشأن .
الوقفة الرابعة :
بذل الجهد في التحليل والاستنباط للمواقف التربوية في الأدب النبوي لوضع طرائق تدريس جديدة , ومناهج تعليمية تقوم على أسس هذا الهدي النبوي .
ومن الأمثلة لهذه المواقف :-
حديث أبي رفاعة قال : ( انتهيت إلى صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال : فقلت ثم يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال : فأقبل رسول ا صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديداً قال : فقعد عليه رسول ا صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته لأتم آخرها )... تأمل في هذه المعاني العظيمة التي اشتمل عليها هذا الموقف من التواضع والرفق والشفقة على المتعلم , وخفض بالجناح , واللطف في التعامل , والصبر على تعليم جاهل .
وهذا أدب نبوي عظيم كم نحن بحاجة إلى تفعيله في برامجنا وفي المحاضن التربوية عموماً.
ومن المواقف أيضاً:-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح : ( أن أعرابياً بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول ا صلى الله عليه وسلم : دعوه و أريقوا على بوله ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )... فتأمل هذا الموقف وما اشتمل عليه من الرفق ومراعاة الحال, وحل المشكلات والرحمة وقاعدة التيسير وطريقة التعليم والتوجيه ,كما جاء في روايات أخرى للحديث أنه دعا الأعرابي فأجلسه إلى جواره , وقال :( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ) , فكان أثر ذلك أن أطلقها الأعرابي رافعاً بها صوته ( اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ).
ومن المواقف قول صلى الله عليه وسلم لأبي كعب : ( يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قال : قلت الله ورسوله أعلم قال : قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال : فضرب على صدري وقال : والله ليهنك العلم أبا المنذر) رواه مسلم رقم 44(1/556) .
وهذا نوع فريد من التعزيز والثناء على المميز , تجعلها ذكرى في أعماق القلب لا ينساها المتعلم طيلة حياته .
إن كثيراً من المواهب تموت لأنها لم تجد من يرعاها ويقوم على ريها وتعهدها لتؤتي ثمارها.
إننا في الميدان التربوي نواجه الكثير من المواقف المشابهة , وهذا يدعونا لتعميق القيم الإسلامية في نفوس الجيل من خلال غرس الآداب النبوية , بحيث تكون قواعد نسير عليها لتتمثل فيها القدوة الحية , وبهذا يتم تعزيز الأدب النبوي في الوظائف الاجتماعية للبيئة المدرسية , فتصبح ميداناً للراحة والانسجام والسعادة التي تجعله يود ألا يخرج منها .
الوقفة الخامسة :
التواصل والترابط بين المؤسسات التعليمية لتفعيل هذا الأدب النبوي , ومعنى ذلك التواصل بين المعلمين والمشرفين وإدارات التعليم لتفعيل الخطط وتنفيذها ومتابعتها , والتواصل بين التربويين في جميع مراحل التعليم العام والتعليم العالي والتواصل مع أولياء الأمور , بل تواصل المجتمع بكافة مؤسساته التعليمية لجعل هذا الهدي والأدب النبوي منهاج نسيرعليه في حياتنا كلها .
الوقفة السادسة :
التفاؤل وعدم اليأس والقنوط ليعلم أعداء الإسلام أن كيدهم واستهزاءهم بنبينا لا يضعفنا بل يقوينا , ولا يكسر عزيمتنا بل يشدها , ولا يحط هممنا بل يرفعها ويعليها , فكلما اشتد البلاء واحتشدت الجموع .. كان القلب متعلقاً بالله عازماً على الاستمرار ومؤملا للنصر .
وختاماً:
أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً ممن نصر نبي صلى الله عليه وسلم , واقتدى بسيرته واتبع منهاجه, ونسأله تعالى أن يوردنا حوضه ويسعدنا بشفاعته.. آمين
و صلى الله عليه وسلم
==================(27/175)
(27/176)
أطفالنا في خطر
جاءتني طفلتي الصغيرة مستنكرة على إحدى صديقاتها في الروضة رسم سحاب وفوقه صورة تزعم أنها "الله" - تعالى الله علواً كبيراً - وبقدر ما كانت طفلتي مستنكرة لهذا الأمر الشنيع تفاعلت معها وبينت لها خطر تشبيه الله تعالى بأحد من خلقه وأنه ليس كمثله شيء، فلا يصفه الواصفون ولا يمكن لأحد تخيله فهو الكبير ، المتعال ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، سبحانه وتعالى ، وبسّطت لها فهم هذه الأمور بقدر ما استطعت
ولكني وقفت برهة لأعرف سبب تصرف هذه الطفلة والذي سبقه تصرفات مشابهة من بعض الطالبات أثناء اشتغالي بالتدريس في المراحل الأولية ، حيث تأملت ما حولي من المؤثرات ومن الوسائل التي أطلقنا لها العنان لتصنع في أولادنا ما تريد فتوصلت إلى نتيجة وهي أن " أبناءنا في خطر" !! خطر عقدي وأخلاقي إن لم تتداركهم رحمة الله تعالى ، ثم حرص الأبوين وتكريس الجهود في حسن التربية والتوجيه.
ومن هذه المؤثرات: القنوات الفضائية بجميع برامجها الموجهة للأطفال.. والتي يقضي الأطفال معظم أوقاتهم أمامها دون حسيب ولا رقيب ! والبرامج التلفزيونية والأفلام الكرتونية ، والتي أظهرت الدراسات أن 29.6% منها يتناول موضوعات جنسية ، و27.4% تعالج العنف والإجرام ، و 15% تدور حول الحب بمعناه الشهواني !
يقول الدكتور (ستيفن بانا) الطبيب بجامعة كولومبيا: " إذا كان السجن هو جامعة الجريمة ، فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث " !!
يقول الدكتور شاكر مصطفى في كتاب ( بصمات على ولدي) : " أبناؤنا أبناء وسائل الإعلام التي افترست الأسرة لدينا افتراساً... "
من ناحية أخرى فإن كثيرا من المواقع التي خصصت للأطفال على شبكة الإنترنت تقدم ما يضر الأطفال أكثر مما ينفعهم ، مما يستوجب متابعة الوالدين لا سيما وأن كثيراً من الأطفال أصبحوا يعرفون كيفية الدخول على هذه المواقع ويتبادلون فيما بينهم أسماءها وعناوينها .
ولا ننسى هذا الكم الهائل من المجلات والقصص الموجهة للأطفال بالأسلوب العامي الركيك والتي تحمل بين طياتها محو الفضيلة وغرس الرذيلة وتعليم الجريمة والعنف.
إلى غير ذلك من وسائل إعلام هدامة تستهدف فلذات أكبادنا، والطفل - كما يؤكد خبراء التربية - ذو خيال واسع يتأثر كثيراً بما يسمعه ويشاهده في طفولته وخصوصاً المبكرة.
بالأمس القريب اكتشف الناصحون أن أطفالنا أصبحوا يلعبون القمار، ويعشقون " البوكيمون " !! وقبله نادي المصلحون بخطورة جهاز " البلاي ستيشن" الذي لم يدع بيت إلا دخله - إلا من رحم الله - بما يحويه من مظاهر الشرك والسجود للأصنام ونشر الصليب وخزعبلات السحر والشعوذة والقمار والموسيقى ومشاهد العري والفساد بالإضافة إلى أضراره الصحية كما أثبتها الأطباء والتي من أهمها مرض "الصرع" !!
أن أطفالنا يرون من خلال هذه الوسائل ما يهدم عقائدهم فيسمعون صوت الرعد ثم تنكشف السماء عن كائن أو دجاجة معها طبل، ويرون العاصفة تسير بأمر "شرشبيل" ويرون الأفلام الفضائية التي تتحدث عن الكواكب الأخرى وما تحويه من الحديث عن المستقبل بتخرصات لا أساس لها ويرون خلالها أشباح تظهر ليس لها تفسير عقدي .. إنهم يتعلمون من خلالها مشاهد السحر والشعوذة والكهانة حتى البرامج التعليمية لا تخلو من هذه اللقطات .. !!
كل ذلك ونحن في غفلة نهدر أموالنا، ونضحي بأبنائنا وثمار قلوبنا على مذبحة العولمة، والمسح الأخلاقي ومخططات الماسونية باسم التحرر والتقدم.
ومن هنا كان لا بد من الوعي والعمل لصد هذا الكم الهائل والسيل الجارف من هذا الغثاء، بأعمال إسلامية نقية وجهود فردية وجماعية لإنقاذ أطفالنا من هذا الخطر الداهم وذلك من خلال :
•تقوية البناء الأسري ، ودعم دور الأسرة في مجال التربية وتنفيذ الخطط الهادفة المتنوعة، وتكثيف التوعية والتأصيل العقدي لأولادنا والقرب منهم، وبذل الوقت والجهد في إصلاحهم والجلوس معهم، وصرفهم عن هذه الوسائل وتطهير المنازل منها ، وتقديم البديل المناسب .
•إنشاء مدارس ومعاهد إسلامية لتخريج الدعاة والداعيات المتميزين والمتفاعلين مع قضايا العصر .
•تكثيف البرامج الدعوية الخاصة بالأطفال والمراهقين، واحتواء الناشئة في فترات الصيف في مراكز صيفية موجهة ، ودور نسائية ، وغيرها من المؤسسات لصد هذه الحملات الإعلامية المكثفة .
•تنظيم الجهود وتكثيفها لإخراج أعمال إسلامية مميزة للأطفال ترفيهية، وتعليمية مقروءة ومسموعة ومرئية وعمل الدعاية اللازمة لها.
•بث الوعي لدى معلمي ومعلمات المرحلة الابتدائية بأهمية هذه المرحلة ، وحثهم على غرس العقائد في قلوب التلاميذ ، وتوعيتهم بهذا الخطر المحدق.
•إعداد دورات تربوية للآباء والأمهات والمربين.
•إعداد مسابقات من قبل المدارس ومكاتب الدعوة وغيرها مخصصة للأطفال وتعد لها الجوائز القيمة ، وتنتقى موضوعاتها بحيث تحقق الهدف المنشود .
•توعية أفراد المجتمع بأخطار هذه الأجهزة والوسائل وأهداف الأعداء وأساليب مكرهم ، وبيان مسئولية كل فرد في موقعه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
===========(27/177)
(27/178)
الإسلام أعطى المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في الغرب
يزعم الغربيون أنهم حريصون على تحرير المرأة، وخصوصاً المرأة المسلمة، وقد حرصت حركات تحرير المرأة المسلمة - كما أطلقوا عليها - على جعل المرأة المسلمة تقف خصماً أمام الرجل المسلم، وتقف خصماً ضد شريعة الإسلام الغراء، وتمتلئ تلك المنظمات الداعية إلى تحرير المرأة المسلمة رعباً وهلعاً كلما قيل هناك من يطالب بتطبيق حكم الشريعة، وتنفرج أساريرها فرحاً وسروراً كلما وجهت ضربة إلى الشرع الحنيف عن طريق سن المزيد من القوانين الوضعية العلمانية المستمدة من قوانين الغرب.
وتجلّى الاهتمام الغربي بقضية تحرير المرأة في الهجمة الشرسة المباشرة وغير المباشرة من قبل الغربيين على الشريعة الإسلامية، وتشجيعهم للمرأة على الخروج على تعاليم دينها التي التزمت بها طوال أربعة عشر قرناً، ويزعمون ان المسلمين يسيئون إلى المرأة، ويكبتونها، ويجبرونها على الالتزام بزي معين وهيئة معينة وهو ما يتعارض مع حقوق المرأة - كما يدّعون -.
والمتتبع لهذه التخرصات التي تنبع من الغرب، وتجد من يروج لها بين المسلمين لا يجد مشقة في الرد عليها، حيث كرّم القرآن الكريم المرأة ووضعها في أعلى منزلة.. وبشهادة المنصفين من مثقفي الغرب فقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقاً لم تحصل عليها المرأة في الغرب، ولو قاس المنصفون ما كانت عليه المرأة في الجاهلية، وما صارت إليه بعد بزوغ شمس الإسلام الساطعة لعلم أن الإسلام أنصف المرأة ووضعها في مكانها الذي يجب أن تكون فيه من غير إفراط ولا تفريط وليس أدل على ذلك من اعتراف الإسلام للمرأة بحق النسب إلى أبيها بعد زواجها بعكس المرأة في ظل الحضارة الغربية التي لا زالت حتى اليوم تنسب لزوجها وليس لأبيها، كما أقر الإسلام مساواة المرأة بالرجل في الثواب والعقاب فقال تعالى (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض )) الآية والشواهد في هذا السياق متعددة وكثيرة.. و صلى الله عليه وسلم عرف للمرأة مكانتها فقد رد r عن الصحابي الذي سأله « من أحق الناس بحسن صحابتي فقال له صلى الله عليه وسلم أمك، قال ثم من، قال: أمك، قال ثم من، قال: أمك، قال: ثم من، قال: أبوك» وقول صلى الله عليه وسلم «الجنة تحت أقدام الأمهات".
ولهذا لو قارنت الفرق الشاسع بين أكرم المسلمين للمرأة خاصة الأم لوجدت الاحترام والمودة والبر أما تعامل الغرب مع المرأة خاصة الأم لوجدت أن المرأة عندهم إذا كانت شابة فهي سلعة يباع لحمها وشرفها بأرخص الأثمان وإذا كبرت في السن القى بها ابنها في الملجأ ان هذا التعامل الغربي الجواني مع المرأة يقابله تعامل الملتزمين بالإسلام مع المرأة المتمثل في بر الأم وإكرام الزوجة والإحسان إلى القريبات في تعامل حضاري راق ومع ذلك تجد أن العالم الغربي الحيواني يشن حرباً شرسة على المرأة المسلمة ويريدها أن تخرج من سترها وشرفها وعفافها وتكون سلعة مبتذلة رخيصة ويدعون أنهم يريدون أن يحرروا المرأة من شرفها وكرامتها وعفتها وزمر لهم وطبل دسائس الماسونية بين المسلمين ومع ذلك فإن الله ناصر لدينه ومعز للمتمسكين بالإسلام ولو كره الكافرون هذا والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
============(27/179)
(27/180)
الرحمة النبوية.. منهج إنساني نادر*
محمد فتح الله كولن**
…
لقد كان سيدنا صلى الله عليه وسلم هو الممثل الوحيد لتجلي صفة الرحمة والرحمانية لله تعالى في الأرض. واستعمل هذه الصفة كإكسير شاف لفتح القلوب والتربع على عروشها.
فصفة الشفقة والرأفة واللين في الإنسان هي العامل الثاني في جذب الناس وفتح قلوبها بعد صفة الإخلاص والتجرد الحقيقي.
لقد كانت رقة وجمال العالم الداخلي للرسو صلى الله عليه وسلم وقابليته غير الاعتيادية ورحمته وشفقته -اللتان كانتا بُعدًا آخر من أبعاد فطنته- من عوامل نجاحه التي استعملها واستغلها، ومن دلائل نبوته كذلك.
أجل؛ لقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين. لقد كان مرآة مجلوة تعكس رحمة الله تعالى. كأنه كان نبعًا وسط الصحارى أو حوض كوثر تقاطر عليه الجميع وفي يد كل منهم وعاؤه، يشرب حتى يطفئ ظمأه ويروي غلته ويملأ وعاءه. إنه بسرّ بُعد الرحمة المتجلية فيه مثل حوض كوثر للجميع، لمن أراد واستطاع الاستفادة منه.
غير أنه بفطنته الرائعة جعل الرحمة الموجودة في فطرته شِبَاك رحمة لصيد القلوب، فمن وجد نفسه في ذلك الجو الساحر وجد نفسه في طريق الجنة، وفي قمة الوجد. هكذا كانت "الرحمة" في يد رسول ا صلى الله عليه وسلم مفتاحًا سحريًّا. وبهذا المفتاح فتح مغاليق أقفال صدئة لم يكن أحد يتوقع فتحها بأي مفتاح، وأشعل شعلة الإيمان في القلوب.. أجل، لقد سلّم هذا المفتاح الذهبي إلى محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان أليق الناس به، والله تعالى دائمًا يسلم الأمانة لمن هو أهل لها.
لذا، سلّم مفتاح القلوب التي أعطاها أمانة للناس إلى من هو أكثر أهلية له من بين كل الناس وكل البشر؛ إلىمحمد صلى الله عليه وسلم . لقد أرسله الله رحمة للعالمين، فقام r بتقييم هذه الرحمة بشكل متوازن جدًّا؛ لأن التوازن شيء مهم في موضوع الرحمة.
*
الإفراط والتفريط في الرحمة
*
خدعة "الإنسانية"(Humanizm)
*
كان ذروة في كل شيء
*
الرحمة العالمية
*
الشفقة مع الأطفال
*
رحمة بالحيوانات.. أيضًا
الإفراط والتفريط في الرحمة
هناك إفراط وتفريط في مسألة الرحمة كما في المسائل الأخرى. ويمكن مشاهدة أفضل مثل على سوء استعمال الرحمة في فكر وتصرفات الماسونيين، فهم مع كونهم يتحدثون بمبالغة عن الحب وعن الإنسانية، نراهم لا يستطيعون إقامة أي علاقة حميمة مع أي شخص متدين، بل لو كان في مقدروهم أن يقتلوا كل شخص متدين ومسلم لفعلوا.
فالحب الذي يتحدثون عنه مقتصر عليهم وعلى من يفكر مثلهم، وهذا الحب في الحقيقة ليس الحب الخالص الذي نعرفه نحن، بل هو حب قائم على المنافع وعلى المصالح؛ بينما كانت رحمة سيد المرسلين رحمة متوازنة شاملة، لم تشمل الناس فقط، بل شملت الوجود بأجمعه.
يستطيع المؤمنون الاستفادة من الرحمة التي كان يمثلها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ذلك لأنه: {... بالمؤمنين رءوف رحيم} (التوبة: 128). ويستطيع الكافرون والمنافقون أيضًا -إلى جانب المؤمنين- الاستفادة من هذه الرحمة كذلك. حتى إن لجبريل حصة من هذه الرحمة.[1]
انظروا وتأملوا مدى شمولية وسعة هذه الرحمة؛ بحيث إن الشيطان نفسه بعدما شاهد هذه الرحمة انبعث فيه بعض الأمل فيها.[2] الرحمة التي يمثلها غير مقتصرة على أناس معينين ولا على جماعات معينة، ولم يقم أبدًا باستغلال هذه الرحمة كما فعل البعض.
خدعة "الإنسانية"(Humanizm)
في أيامنا الحالية تيارات اتخذت من فكرة "الإنسانية" ستارًا لخداع الإنسان. وأنا أتساءل: ما الفرق بين هذا التصرف وبين تصرف العقارب والثعابين التي تقترب من الإنسان لتلدغه؟ إن الحب الذي كان الرسو صلى الله عليه وسلم يمثله لم يكن من هذا النوع أبدًا، ويجب ألا يخلط به.
إن مفهوم الحب في الإسلام حب متوازن يضم في إطاره الدنيا والآخرة كما هو شأنه في الأمور الأخرى كذلك. لقد احتضن صلى الله عليه وسلم برسالته الإنسانية كلها، بل الوجود كله بالحب، غير أن حبه الواسع وشفقته الشاملة لم تبق في إطار الكلام أو في بطون الكتب كما فعل الآخرون، بل سرعان ما انعكست في الحياة العملية وبكل معانيها العميقة وأبعادها الشاملة. علمًا بأنه ما من فكر من أفكار صلى الله عليه وسلم أو عمل من أعماله إلا وأخذ طريقه إلى التطبيق العملي؛ ذلك لأنه كان رجل فكر وحركة وعمل.
إن الرحمة الواسعة لرسول ا صلى الله عليه وسلم التي ضمت الوجود كله بإخلاص؛ وجدت طريقها إلى التطبيق؛ لأنها كانت معنى منبعثًا بكل تجرد وإخلاص من قلب الوجود كله. فمثلاً نراه يعبر عن شفقته على الحيوان بمثالين حيين: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن امرأة بغيًّا رأت كلبًا في يوم حارٍّ يُطِيف ببئرٍ، قد أَدْلَعَ لسانَه من العطَش، فنَزَعَتْ له بِمُوقِها فغُفِر لها".[3]
ثم يروي r حادثة مقابلة لذلك: "عُذِّبتْ امرأةٌ في هرّة سجنتْها حتى ماتت فدخلت فيها النارَ، لا هي أطعمتْها ولا سقتْها إذ حبستْها، ولا هي تركتْها تأكل من خَشَاش الأرض".[4]
كان ذروة في كل شيء(27/181)
لقد جاء رسول الله ليبلغ رسالة الرحمة هذه، فقد كان المنهل العذب المورود. فمن جاءه وجد الرحمة عنده، ومن شرب ماء الحياة من يده فقد حصل ووصل إلى الخلود المعنوي. فيا ليت الذين سيقفون أمام حوض الكوثر بقدَر ولطف من الله تعالى يعلمون قدره وفضل صلى الله عليه وسلم حق العلم.
ولكي لا يبقى ما قلناه مفهومًا مجردًا؛ فإنني أود تقديم أمثلة ملموسة، غير أنني أود قبل هذا لفت انتباهكم إلى أنه كان ذروة في كل شيء. فهناك أناس يتقدمون الصفوف في بعض المسائل، ولكنا نجدهم في أواخر صفوف مسائل ومجالات أخرى.
مثلاً نرى القائد الموفق في ساحات القتال وفي فنون الحرب مهما بلغ في مهارته هذه، فإنه لا يكاد يبلغ درجة راعٍ بسيط في ساحات أخرى في الشفقة ورقة العاطفة والفهم، بل لكونه معتادًا على القتل، فلن يكون إنسانًا رحيمًا في معظم الأحوال. ذلك لأن عواطفه وأحاسيسه قد فقدت حساسيتها ورقتها من كثرة ما اقترف من أعمال القتل، فلا يشعر بأدنى عاطفة وهو يقوم بقتل إنسان.
وقد يكون هناك سياسي ناجح في ميدان السياسة، ولكنك قد تراه مبتعدًا عن الصدق بنسبة نجاحه هذا، وقد لا يحترم حقوق الناس. أي أن ابتعاده عن الصدق وعن المروءة بنسبة نجاحه في ميدان السياسة يكون أمرًا واردًا. وهذا يعني أن ارتفاعًا في ميدان ما قد يستتبعه هبوط في ميدان آخر.
كما تستطيع مشاهدة الإنسان الذي افتتن بتيار الوضعية (Positivism)؛ وهو يجري وراء إجراء التجارب على كل شيء. وكيف أن الحياة الروحية والقلبية لمثل هذا الرجل لا تتجاوز خط الصفر.
بل هناك أشخاص وصلوا بعقولهم إلى "قمة إفرست". ولكنهم في حياتهم القلبية والروحية هابطين إلى مستوى "البحر الميت" "بحيرة لوط". فكم من شخص انساب عقلُه إلى عينيه فلا يرى شيئًا سوى المادة، يقف ذاهلاً أحمق أمام منطق الوحي، قد عميت عيناه عن رؤية الحقيقة.
من هذا الشرح القصير نعرف أن هناك أشخاصاً ينجحون في ساحات وميادين معينة، ولكنهم يفشلون في ساحات وميادين أخرى أكثر أهمية. أي أن الصفات المتناقضة الموجودة في الإنسان تعمل إحداها ضد الأخرى. فعندما تتوسع صفة ما وتقوى يكن هذا ضد صفات أخرى، وعندما تنمو إحداها وتقوى تضمر الأخرى وتضعف.
ولكن هذا الأمر غير وارد بالنسبة لرسول ا صلى الله عليه وسلم ، فهو إلى جانب كونه محاربًا كان صاحب شفقة عظيمة. كان سياسيًّا ولكنه في الوقت نفسه صاحب مروءة كبيرة وقلب كبير.
وبينما كان يعطي أهمية للأمور الملموسة وللتجارب، فإنه كان ذروة في حياة الروح وفي حياة القلب. ويمكن العثور على أمثلة كثيرة بهذا الصدد في غزوة أُحد. ففي تلك الغزوة استشهد عمه حمزة رضي الله عنه الذي كان يراه شقيق نفسه. لم يُستشهد فقط، بل مُزّق جسده تمزيقاً.[5] كما مُزّق جسد ابن عمته عبد الله بن جحش تمزيقاً.[6] وشج رأسه المبارك، وكسرت أسنانه وغطى الدم جسده الشريف؛[7] وبينما كثّف أعداؤه الهجوم عليه جاهدين الوصول إليه لقتله كان هذا الإنسان العظيم فوق كل عظمة فاتحاً يديه يبتهل إلى الله تعالى قائلاً: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".[8] فما أعظم وما أروع هذه الشفقة من شخص يحاول أعداؤه قتله فلا يدعو عليهم، بل يبتهل لله تعالى أن يغفر لهم.
حتى فتح مكة لم يبق في يد أعدائه أيُّ وسيلة للإيذاء لم يجربوها معه ولم يوجهوها نحوه. تأملوا معي كيف أنهم أخرجوه هو ومن يقف معه من بيوتهم إلى منطقة صحراوية معلنين عليهم المقاطعة، ومعلقين بنود هذه المقاطعة الشريرة على جدار الكعبة، وكانت تقضي بعدم التعامل معهم بيعًا وشراء وعدم التزوج من بناتهم أو تزويج بناتهم لهم.
وقد دامت هذه المقاطعة ثلاث سنوات بحيث اضطروا إلى أكل العشب والجذور وأوراق الأشجار، حتى هلك منهم الأطفال والشيوخ من الجوع دون أن تهتز منهم شعرة، أو تتحرك عندهم عاطفة رحمة. ولم يكتفوا بهذا، بل اضطروهم لترك بيوتهم وأوطانهم والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة. ولم يدعوهم في راحة هناك فبدسائسهم المختلفة سلبوا منهم طعم الراحة والاطمئنان.
وفي غزوات بدر وأُحد والخندق اشتبكوا معهم في معارك ضارية، وحرموهم حتى من أبسط حقوقهم كزيارة الكعبة، وأرجعوهم إلى ديارهم بعد إبرام معاهدة ذات شروط قاسية. ولكن الله تعالى أنعم عليهم ففتحوا مكة ودخلها رسول ا صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم.
فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضًا؟ لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء". ولولا أنني أخذت هذا الدرس منه لما كنت قد تصرفت هكذا لو كنت في موقعه، ولا أشك أنكم تشاطرونني رأيي هذا.
ويدخل مكة على مركبه والدرع على صدره والمغفر على رأسه والسيف في يده والنبال على ظهره. ولكنه مع كل مظاهر لباس الحرب هذه كان أنموذجًا للشفقة والرأفة. سأل أهل مكة: "ما ترون أني فاعل بكم؟" فأجابوه: "خيرًا.. أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم". فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: {لا تثريبَ عليكم اليوم يَغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} (يوسف: 29) [9].(27/182)
لم يقصر في حياته أبداً من ناحية اتخاذ الحيطة. وليس هناك من استطاع مثله الجمع بقوة بين اتخاذ التدبير والتوكل. عندما خرج بأصحابه إلى بدر امتحنهم. كان كل منهم كالطود الشامخ لا يخاف الوقوف وحده أمام جيش بكامله، وعندما قال له سعد بن معاذ -وفي رواية سعد بن عبادة-: "يا رسول الله! والذي نفسي بيده لو أمرتَنا أن نخيضها البحار لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغِمَاد لفعلنا ما تخلَّف منا أحد" [10].
فإنه كان يعطي أنموذجًا لهؤلاء، ثم ما أكثر المعاني التي يحملها قوله للرسول صلى الله عليه وسلم "فصِلْ حِبال من شئتَ واقطعْ حبال من شئت وعادِ من شئت وسالِمْ من شئت وخذ من أموالنا ما شئت". [11].
كان المقاتلون متهيئين فكأن كل واحد منهم سعد بن معاذ، ومع ذلك لم يقصر رسول ا صلى الله عليه وسلم في اتخاذ التدابير، بل كان يهيئ كل الوسائل والأمور الضرورية للحرب. وبعد هذا الدعاء الفعلي -لأن اتخاذ الوسائل دعاء فعلي- رفع يديه إلى السماء مبتهلاً إلى الله من كل قلبه ضارعاً وملتجئاً إليه.
واندمج في دعائه بحيث كان رداؤه يسقط دون أن يشعر بذلك ولم يتحمل أبو بكر الذي كان يراقب هذا المنظر، فكان يعيد عليه رداءه ويقول: "يا نبيّ الله! كفاك مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك".[12] فمثل هذا المستوى الرفيع من التوكل على رب العالمين بعد اتخاذ كل هذه التدابير صفة تميز بها ذلك الإنسان.. إنسان الذروة r.
الرحمة العالمية
لقد ذكرت في بداية هذا الموضوع أن رسول ا صلى الله عليه وسلم كان مثال الرحمة التي استفاد منها الكل؛ المؤمن والكافر والمنافق. يستفيد المؤمن من رسول ا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يقول بأنه أقرب للمؤمنين من أنفسهم.
صحيح أن المفسرين يقولون إن الرسو صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أعز وأحب إلى المؤمنين من أنفسهم، استناداً إلى الآية الكريمة: {النبي أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). ولكن الحقيقة أن المعنيين متقاربان من بعضهما، فنحن نحب رسول ا صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يحب من يحمل له هذه العاطفة بالحب نفسه؛ ذلك لأنه رجل مروءة كبير.
هذا حب عقلي ومنطقي، ومع أن لهذا الحب جانبه العاطفي إلا أن بُعد المعرفة وعمق المنطق يشكلان الجانب الأساسي فيه. ولو تم بحث هذا الموضوع وتسليط الأضواء عليه، تجذر هذا الحب عند الإنسان وقوي إلى درجة أن يسير وراء ذكره كما سار "قيس" وراء ليلاه، وكلما ذكر اسمه أحس كأن دخاناً يخرج من أنفه، ويُعِدّ حياته التي انقضت دون رؤيته كأنها حياة منفى وهجر.
أجل، إن رسول ا صلى الله عليه وسلم أقرب إلينا من أنفسنا. كيف لا ونحن نرى الكثير من الشرور والآثام من أنفسنا، بينما لم نرَ منه سوى الكرم والرحمة والخير والشفقة والمروءة، فهو يمثل الرحمة الإلهية؛ لذا فلا شك أنه أقرب إلينا من أنفسنا.
وعندما يقول الرسو صلى الله عليه وسلم بأنه أقرب إلى المؤمنين من أنفسهم فقد صدق، فالله تعالى يقول {النبي أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفِّي وعليه ديْن فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته".[13]
وبداية هذا الحديث:... عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول ا صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين، فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟"، فإن حدث أنه ترك وفاء صلَّى عليه، وإلا قال: "صلّوا على صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفِّي وعليه دين فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته".[14] وكون الرسو صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة يُعَدّ رحمة، وناحية الرحمة هذه مستمرة إلى الأبد.
كان رحمة للمنافقين أيضًا. فبسبب هذه الرحمة الواسعة لم يرَ المنافقون العذاب في الحياة الدنيا. فقد حضروا إلى المسجد واختلطوا بالمسلمين واستفادوا من كل الحقوق التي تمتع بها المسلمون. ولم يقم رسول ا صلى الله عليه وسلم بفضحهم وإفشاء أسرار نفاقهم أبداً مع أنه كان يعرف دخائل نفوسهم ونفاقهم، حتى إنه أخبر حُذيفة رضي الله عنه بذلك [15]. لذا، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يراقب حُذيفة، فإن رآه لا يصلي على جنازة لم يصلها هو كذلك.[16]
ومع ذلك فلم يهتك الإسلام سرهم، فبقوا بين المؤمنين، وانقلب كفرهم المطلق إلى ريبة وشك على الأقل، فلم يحرموا من لذائذ الدنيا؛ لأن الإنسان الذي يعتقد أنه سيفنى ويذهب إلى العدم لا يمكن أن يهنأ في عيشه، ولكن إن انقلب كفره إلى شك وشبهة فإنه يقول في نفسه: "ربما توجد هناك حياة أخروية"، عندئذ لن تكفهر حياته تمام الاكفهرار. ومن هذا المنطلق كان رسول ا صلى الله عليه وسلم رحمة لهم بهذا المعنى.(27/183)
كما استفاد الكفار من رحمة رسول ا صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى كان يهلك من قبل الأمم الكافرة بسبب كفرها وعصيانها هلاكاً جماعياًّ، بينما رفع الله تعالى بعد بعثة نبينا هذا الهلاك الجماعي، فاستفاد الناس من خلاصهم من مثل هذا العذاب، فكان ذلك نعمة دنيوية بالنسبة للكفار. يخاطب الله تعالى نبيه في هذا الخصوص فيقول: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} (الأنفال: 33).
أجل، فمن أجل حرمة صلى الله عليه وسلم رفع الله تعالى العذاب والهلاك الجماعي. وبينما كان النبي عيسى عليه السلام يقول لله تعالى: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} (المائدة: 118). نرى أن الله تعالى يقول لنبيه: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.
فتأمل قدر صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند الله، أي طالما أنت تعيش بينهم فلن يعذبهم الله. طالما أن ذكرك موجود، وتلهج به الألسنة، وطالما أن الناس يتبعون طريقك فلن يعذبهم الله ولن يهلكهم.
وإحدى الجهات التي استفاد الكفار من رسول ا صلى الله عليه وسلم هو أن الرسو صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لم أُبعث لعّاناً، وإنما بُعثت رحمة".[17] أي إنني بعثت رحمة من قبل الله تعالى للناس أجمعين، ولم أبعث لكي أستمطر اللعنة والبلايا والمصائب على الناس. ولهذا تمنى رسول ا صلى الله عليه وسلم اهتداء ألدّ أعداء الإسلام، وبذل كل جهوده ومساعيه لتحقيق هذا.
حتى جبريل عليه السلام قد استفاد من النور الذي جاء به الرسو صلى الله عليه وسلم ، فقد سأله رسول ا صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يشير إلى القرآن: "هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟" قال: "نعم، كنت أخشى العاقبة، فأمنت لثناء الله عز وجل عليّ بقوله: {ذي قوة عند ذي العرش مكين * مُطاعٍ ثَمّ أمين} (التكوير: 20-21)" [18].
ويقول الرسو صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "أنا محمد وأحمد والمقفَّى[19]، وأنا الحاشر[20]، ونبي التوبة ونبي الرحمة".[21] وباب التوبة مفتوح حتى يوم القيامة؛ لأن رسول الله نبيُّ الرحمة والتوبة، ونبوته وحكمه ماض إلى يوم القيامة.
كان إذا رأى طفلاً أو صبيًّا يبكي جلس وبكى معه؛ إذ يشعر في وجدانه ألم الأم وعذابها. ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه نجد نموذج هذه الرحمة، وهذه الشفقة التي لهجت بها الألسن؛ إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وَجْد أمه به".[22]
كانت صلاة رسول ا صلى الله عليه وسلم طويلة، ولا سيما النوافل منها؛ إذ كانت تتجاوز طاقة الصحابة، ولكنه عندما يقف للصلاة يريد إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلاته ويتَجوَّز فيها؛ ذلك لأن النساء كن يقفن للصلاة خلف رسول ا صلى الله عليه وسلم أي يشتركن في أداء صلاة الجماعة خلفه، فخوفاً من أن تكون أم ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلاته، ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الأم.
كان في كل مسألة نموذجًا للشفقة؛ فبكاء طفل كان يؤلمه، بل كان يبكيه. ولكن المهم هو أنه بكل شفقته الواسعة الباهرة، ورحمته كان متوازنًا، فمثلاً رحمته الواسعة هذه لم تكن حائلة أمامه في تطبيق الحدود الشرعية؛ مهما كان شكل هذه الحدود وكيفيتها.
جاءه أحد الصحابة وهو ماعز رضي الله عنه قائلاً له: "طهِّرْني يا رسول الله". فأعرض عنه رسول ا صلى الله عليه وسلم قائلاً له: "ويحك، اِرْجِعْ فاستغفر الله وتب إليه". إلا أن ماعزاً كان يُصِرّ على التطهر ويطلبه. وعندما كرّر طلبه للمرة الرابعة سأله الرسول صلى الله عليه وسلم "فيم أطهرك؟"، فقال ماعز: من الزنى يا رسول الله.
كان ماعز متزوجًا، أي محصنًا، وعقاب الزنى للمحصن هو القتل رجماً. ولكي يبقى هذا الأمر منقوشاً في الأذهان حتى يوم القيامة فقد التفت إلى من حوله سائلاً: "أبه جنون؟" فأُخبر أنه ليس بمجنون. وفي رواية: ما نعلمه إلا وفيّ العقل، من صالحينا فيما نرى.
فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشَرب خمراً؟" فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر. فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم لماعز: "أزَنيت؟" فقال: نعم. فأمر برجمه، فسيق ماعز إلى المصلى لرجمه، فلما أصابته الحجارة أدبر يشتد، فلقيه رجل بيده لحي جمل فضربه فصرعه، فذُكر للنبي r فراره. فقال: "فهلاَّ تركتموه".
فكان الناس فيه فرقتين، فقائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئة، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، إنه جاء إلى صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة. فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول ا صلى الله عليه وسلم وهم جلوس، فسلّم ثم جلس فقال: "استغفروا لماعز بن مالك" فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد تاب توبة لو قُسِّمت بين أمة لَوَسِعتهم"[23]. كان رسول ا صلى الله عليه وسلم رجل موازنة، ولو فرضنا المستحيل وقلنا إن ماعزًا عاد للحياة، واقترف الذنب نفسه لكرر الرسو صلى الله عليه وسلم العقاب نفسه.(27/184)
كان لدى بني مقرّن خادمة، فلطمها أحدهم، فجاءت تشتكي إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم باكية، فاستدعى الرسو صلى الله عليه وسلم مالكها قائلاً له: "أَعتِقوها"، فقالوا: ليس لهم خادم غيرها. قال: "فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها، فليخلّوا سبيلها". [24] أجل، فلو بقي إثم هذه اللطمة الظالمة ليوم الحساب لكانت اللطمات هناك أشد وأقسى؛ لذا كان العتق هو بديل هذه اللطمة لكي تكن ديتها يوم القيامة عن عذاب جهنم[25].
الشفقة مع الأطفال
أما شفقته على أطفاله فكان أمراً مختلفاً تماماً، فكثيراً ما ذهب إلى الأسرة التي ترضع ابنه إبراهيم، حيث يأخذه في حجره طويلاً، ويقبله ويعطف عليه[26].
وعندما رأى الأقرع بن حابِس التميمي رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسن والحسين رضي الله عنه ويأخذهما في حضنه، قال: "إن لي عشرة من الولد، ما قبَّلتُ منهم أحداً"، فنظر إليه رسول ا صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يَرْحم لا يُرحم" [27].
وفي حديث آخر: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".[28] وجاء أعرابي إلى صلى الله عليه وسلم فقال: تقبّلون الصبيان؟ فما نقبّلهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أوَ أملك لك إن نَزَع الله من قلبك الرحمة"[29].
وكما كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يعطف على أقربائه، فإنه كان يعطف كذلك على أصدقائه القريبين منه أو البعيدين عنه. وفي رواية لابن عمر رضي الله عنه قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه صلى الله عليه وسلم يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم جميعًا، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: "قد قضى؟". قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى القوم بكاء صلى الله عليه وسلم بكوا. فقال: "ألا تسمعون، إن الله لا يعذِّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا"، وأشار إلى لسانه[30].
أجل، إن الله لا يعذب بسبب دمع العين، على العكس من ذلك فهناك دموع يرفع الله بسببها العذاب، ففي حديث آخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرُس في سبيل الله". [31] إحدى العينين عين الرهبان، والأخرى عين الفرسان.
ففي الليل كانوا رهباناً يذرفون الدموع في عبادتهم وسجودهم. وفي النهار كانوا فرساناً يصولون ويجولون ويهاجمون الأعداء كالأسود. دموع هؤلاء كانت دموع المؤمنين الحقيقيين، والصحابة كانوا من هذا النوع من المؤمنين: رهبان في الليل فرسان في النهار.
عندما أُخبر رسول ا صلى الله عليه وسلم بوفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه أسرع إلى بيته، فقد كان عثمان رضي الله عنه من الصحابة القريبين إلى قلبه. فبكى صلى الله عليه وسلم عليه بكاء كثيراً. ولكن عندما قالت زوجة عثمان رضي الله عنه: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النبي صلى الله عليه سلم: "وما يدريك أن الله أكرمه؟ والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي"[32].
أجل، لقد كان رجل توازن. فشفقته وبكاؤه لم يكن يمنعه من تصحيح خطأ. فالدموع التي سكبها على أحد أصحابه الأحبة؛ ما كانت لتحول بينه وبين تصحيح كلام مبالغ فيه أو خاطئ. فالوفاء شيء والحق شيء آخر. كان يزور شهداء أحد كل أسبوع[33]، ولكنه لم يكن يقول: لقد طِرتم إلى الجنة. ولا يقولن أحد منا: إن لم يذهب هؤلاء إلى الجنة؟! نعم هذا هو الأمر.
ثم ألا تكفي الرتبة والمقام الذي أعطاه لكافل اليتيم دليلاً على شفقته الواسعة؟ انظروا ماذا يقول صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، ثم أشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بينهما شيئاً.[34] فكأن رسول ا صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول بأنه لن يدخل أحد بيني وبين كافل اليتيم في الجنة.
رحمة بالحيوانات.. أيضاً
كانت شفقته تشمل الحيوانات أيضاً، فقد مرّ سابقاً كيف أن امرأة دخلت النار بسبب هرة، وكيف أن بغياًّ دخلت الجنة بسبب سقيها الماء لكلب ظامئ. وهنا أنقل لكم حادثة أخرى بهذا الخصوص كخاتمة للموضوع:
عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، قال: كنا مع رسول ا صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته. فرأينا حُمَّرَة معها فرخان، فأخذْنا فرخيْها، فجاءت الحُمَّرَة فجعلت تَفْرُش، فجاء صلى الله عليه وسلم فقال: "من فَجَع هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدها إليها"[35].
أجل، لقد كانت شفقته تحتضن الحيوانات أيضًا. ثم ألا نتذكر أن الله تعالى عاتب أحد أنبيائه السابقين بسبب بيت نمل؟ إذ قام هذا النبي عن قصد أم عن دون قصد بحرق بيت نمل، فما لبث أن جاءه تأنيب من الله تعالى[36].(27/185)
ونبينا الذي نقل لنا هذه الحادثة وأمثالها من الحوادث الأخرى أيمكن أن يتصرف إلا هكذا..؟ وظهر فيما بعد في أمته أشخاص عندما يُمدحون يقال عنهم: إنه لا يؤذي حتى نملة. هؤلاء الأشخاص كانوا يعلقون أجراساً صغيرة على أقدامهم لكي تبتعد الحشرات عن طريقهم عند سماعها لصوت الأجراس، ولا تنسحق تحت الأقدام... يا إلهي..! ما هذه الشفقة العميقة والشاملة!! وما هذا الأنموذج الرائع للرحمة..!.
أجل، حتى النمل لم تخرج عن دائرة رحمت صلى الله عليه وسلم ولم تستثنَ منها. وهل يكون في مقدور إنسان يتحرج عن سحق نملة القيام بظلم الناس الآخرين؟ كلا، لا يستطيع هذا عن علم وعن قصد أبداً.
عندما كان r في "مِنًى" خرجت حية من بين بعض الصخور، فأسرع بعض الصحابة لقتلها، غير أنها استطاعت أن تنسلّ بين شقوق الصخور، فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم الذي كان يراقب المنظر عن بُعد: "وقاها الله شرّكم، ووقاكم شرّها"[37].
فالرسول كان يرى فيما هم به الصحابة شراًّ، والمقتول وإن كان حية إلا أن لها مكانًا أيضاً في نظام هذه الدنيا. فأي قتل غير ضروري سيضر بالتوازن البيئي، ويؤدي إلى أضرار لا يمكن تلافيها. والحقيقة أن إعلان الحرب على الحشرات باسم الزراعة والمحافظة عليها، يُعَدّ جريمة بالنسبة للتوازن البيئي، والغريب أن هذه الجرائم ترتكب اليوم باسم العلم.
يروي ابن عباس رضي الله عنه: أن رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هلاَّ حددتَ شفرتك قبل أن تضجعها".[38] كان هذا بمثابة عتاب لذلك الشخص.
يروي عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: جاء بعير يشتد حتى سجد لرسول ا صلى الله عليه وسلم ، ثم قام بين يديه، فذرفت عيناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صاحب هذا البعير؟" قالوا: فلان. فقال "ادعوه، فأتوا به"، فقال له رسول ا صلى الله عليه وسلم "يشكوك" فقال: يا رسول الله، هذا البعير كنا نسنو عليه منذ عشرين سنة، ثم أردنا نحره.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شكا ذلك، بئسما جازيتموه، استعملتموه عشرين سنة حتى إذا أرق عظمه، ورق جلده أردتم نحره بعينه" قال: بل هو لك يا رسول الله. فأمر به رسول ا صلى الله عليه وسلم فوجه نحو الظهر، أي الإبل[39].
لقد كانت رحمة رسول ا صلى الله عليه وسلم وشفقته تتجاوز بكثير الرحمة المدعاة من قبل ما يطلق عليهم اليوم اسم "أنصار الإنسانية"، ولكنه استطاع أن يصون رحمته الواسعة من الإفراط ومن التفريط أيضاً، بفضل فطنته الكبيرة.
أجل، لم يتهاون أبداً مع أي شر أو إثم تحت اسم المرونة أو الرحمة أو المسامحة، ولم يدعْ له فرصة لوضع بنيانه ومد جذوره؛ لأنه كان يعرف جيداً أن أي مسامحة لمجرم أثيم ذي روح متوحش تعني الاعتداء على حقوق آلاف من الأبرياء.
ونعترف بكل أسى أن أيامنا الحالية مملوءة بمثل هذه الاعتداءات أكثر من أي عهد مضى. فقد رأينا بأم أعيننا إلى أي حال جرّنا هذا التسامح مع الفوضويين ومع أعداء عقائدنا وتراثنا وماضينا. ولا نزال نرى ذلك ونشاهده، وقلوبنا تتفطر ألماً.
فإن لم تستخدم الرحمة والشفقة بشكل متوازن أدى ذلك إلى نتائج وخيمة جداًّ في مستوى الفرد، وفي مستوى المجتمع ككل. بينما لا يمكن الإشارة إلى أي مثال على هذا الاستعمال السلبي للرحمة عند رسول ا صلى الله عليه وسلم .
أجل، لقد كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يحب الناس إلى درجة يكاد يتلف فيها نفسه، والقرآن الكريم يشير إلى هذا الأمر في بعض المواضع؛ إذ يقول: {فلعلك باخع نفسك[40] على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً} (الكهف: 6). هذا علماً بأنه عندما اقتربت منه نسائم النبوة كان معتكفاً في مغارة، وجاءه الوحي لأول مرة هناك. إذن، فقد كان يحب الناس، ونذر نفسه من أجل هذه الغاية.
* مقال مأخوذ من كتاب: "مفخرة الإنسانية: النور الخالد".
** من أشهر الدعاة في تركيا وواحد من أبرز المنظِّرين للفكر الدعوي بها. ولد في 27 نيسان عام 1941 في قرية صغيرة تابعة لقضاء (حسن قلعة) المرتبطة بمحافظة أرضروم، وهي قرية كوروجك ونشأ في عائلة متدينة، وكان والده (رامز أفندي) شخصاً مشهوداً له بالعلم والأدب والدين.
[1] الشفاء، للقاضي عياض 1/17.
[2] مجمع الزوائد، للهيثمي 10/216؛ "كنز العمال" للهندي 4/244
[3] البخاري، الأنبياء، 54؛ مسلم، السلام، 154
[4] البخاري، المساقاة، 9؛ مسلم، السلام، 151؛ الدارمي، الرقاق، 93؛ "المسند" للإمام أحمد 2/507
[5] البخاري، المغازي، 23
[6] السيرة النبوية، لابن هشام 3/103
[7] البخاري، المغازي، 24؛ مسلم، الجهاد، 100، 101
[8] البخاري، الأنبياء، 54؛ مسلم، الجهاد، 104، 105
[9] السيرة النبوية، لابن هشام 4/55؛ "البداية والنهاية" لابن كثير 4/344
[10] البداية والنهاية، لابن كثير 3/321، 322؛ "السيرة النبوية" لابن هشام 2/266
[11] البداية والنهاية، لابن كثير 3/322
[12] مسلم، الجهاد، 58؛ الترمذي، تفسير سورة (8) 3؛ "المسند" للإمام أحمد 1/32؛ "السيرة النبوية" لابن هشام 2/279؛ "البداية والنهاية" لابن كثير 3/332(27/186)
[13] البخاري، الكفالة، 4؛ مسلم، الفرائض، 14
[14] البخاري، الاستقراض، 11؛ مسلم، الفرائض، 14؛ "المسند" للإمام أحمد 3/311
[15] البخاري، فضائل أصحاب النبي، 20؛ "أسد الغابة" لابن الأثير 1/468
[16] أسد الغابة، لابن الأثير 1/468
[17] مسلم، البر، 87
[18] الشفاء، للقاضي عياض 1/17
[19] المقفَّي: أي خاتم الأنبياء. (المترجم)
[20] الحاشر: أي ليس بينه وبين الحشر نبي آخر في معنى، وفي معنى آخر أن الله سيحشر الناس أمامه يوم القيامة. (المترجم)
[21] مسلم، الفضائل، 126؛ "المسند" للإمام أحمد 4/395
[22] البخاري، الأذان، 65؛ مسلم، الصلاة، 192
[23] مسلم، الحدود، 17-23؛ البخاري، الحدود، 28؛ "المسند" للإمام أحمد 1/238، 2/450
[24] مسلم، الأَيْمان، 31، 33؛ أبو داود، الأدب، 123؛ "المسند" للإمام أحمد 3/447
[25] مسلم، الأَيْمان، 30
[26] المسند، للإمام أحمد 3/112
[27] البخاري، الأدب، 18؛ مسلم، الفضائل، 65
[28] الترمذي، البر، 16؛ أبو داود، الأدب، 58
[29] البخاري، الأدب، 18؛ مسلم، الفضائل، 64؛ ابن ماجه، الأدب، 3؛ "المسند" للإمام أحمد 6/56
[30] البخاري، الجنائز، 45؛ مسلم، الجنائز، 12
[31] الترمذي، فضائل الجهاد، 12
[32] البخاري، الجنائز، 3
[33] البخاري، المغازي، 27؛ مسلم، الفضائل، 30؛ النسائي، الجنائز، 103؛ "الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/205؛ "السيرة النبوية" لابن هشام 4/300
[34] البخاري، الطلاق، 25، الأدب، 24؛ مسلم، الزهد، 42
[35] أبو داود، الأدب، 164، الجهاد، 112؛ "المسند" للإمام أحمد 1/404
[36] البخاري، الجهاد، 153؛ مسلم، السلام، 148
[37] البخاري، جزاء الصيد، 7؛ مسلم، السلام، 137؛ النسائي، الحج، 114؛ "المسند" للإمام أحمد 1/385
[38] المستدرك، للحاكم 4/231، 233
[39] مجمع الزوائد، للهيثمي 9/9؛ "الخصائص الكبرى" للسيوطي 2/95
[40] باخع نفسك: قاتلها ومهلكها من شدة الغم (المترجم).
============(27/187)
(27/188)
دفاعاً عن الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الرسل والنبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،،
فقد قرأت ما كتبه الأستاذ/ عبدالله بن بخيت في زاويته يارا في يوم الأربعاء 8/7/1427هـ العدد 12361 تحت عنوان الشيخ وطريق الأنوار وبدأ مقالته بقوله أن الشيخ صالح الفوزان بدأ بإجراء الحوارات مع بعض الكتاب ولي على كلامه ملاحظات:
1- اتهم شيخنا ووالدنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان بقوله: (بأنه يستطيع بما يملكه من رصيد شرعي أن يكفر هذا ويمنع عن هذا الجنة ويلقي بهذا في النار إلى آخر الفتاوى المماثلة التي تهيج العوام) وإني لأعجب كيف جرأت الجريدة على نشر مثل هذا الكلام في حق عالم من كبار العلماء في هذه البلاد فهل هذا الإمام من أئمة النصارى أو المذاهب الضالة الأخرى التي يدعي أصحابها كذبًا وافتراءًا بأن بأيديهم الجنة والنار وبأن بأيديهم صكوك الغفران؟ إنَّ أهل السنة والذي يعد الشيخ العلامة صالح الفوزان من أئمتهم لا يحكمون على أحد بجنة أو بنار إلا ما جاء النص بتحديدهم.
2- قال هذا الكاتب أنَّ العلامة الفوزان كانت أمامه خيارات إمَّا أن يُدخل ابن بخيت الجنة أو النار أو أن يرد عليه، وبأن الفوزان قد اختار طريق الرد، وهذه تهمة خطيرة بأن العلامة الفوزان صاحب هوى يختار لمخالفيه ما يريد لا ما يريد الشارع كما أنَّ على ابن بخيت أن يعلم أن ما يدور بين الشيخ الفوزان وهؤلاء الكتاب لا يُعد حوار أضداد ولا نقاش أنداد كما يتوهم بل هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، فكتابات هؤلاء منكر يتعين على الشيخ إنكارها شرعًا. وهذه هي الحقيقة التي يتغافل عنها ابن بخيت ومن هم على شاكلته.
ولذا فهم يصورونها من قبيل الحوارات ليرفعوا بذلك شأنهم ولكن هيهات.
3- أن الشيخ صالح الفوزان لا يحكم على أحد بالكفر إلا بدليلٍ شرعي وفق ضوابط شرعية دقيقة لا برصيد شعبي كما يزعم ابن بخيت ولا أعرف أن شيخنا كفر أحدًا ممن رد عليهم فكيف جرأ هذا الكاتب على وصفه بمثل هذا الوصف، إن القلب ليأسى أن كُتابًا وصُحفًا في بلاد إسلامية تتطاول على الأئمة والعلماء في وقت يقدَّر فيه أئمة ضلالة ومراجع ضلالة عند أتباعهم في وقت تشتد فيه الضربة على أهل السنة إن أئمة السنة وعلى رأسهم الشيخ صالح الفوزان من أكثر الناس تواضعًا وكراهة للتزلف وبعدًا عن التفخيم والتعظيم والتبجيل ومع علمنا بأن هذه رغباتهم إلا أننا نرفض هذا ولا نبخسهم حقهم ولسنا والله نطالب ابن بخيت وأمثاله أن يقدروا العلماء فابن بخيت على حسب قرائتي له يقدر الفن الشعبي وأصحابه، أما أهل العلم فلا نعرفه محبًا لهم ولا مقدرًا ولكن لم أتصور أن يتعدى ذلك إلى أن يتهم أهل العلم بل ويتهكم بإمام من أئمتهم إنَّ ابن بخيت تجاوز الحد ووصل بسخريته إلى مراحل جريئة.
4- إن شيخنا ووالدنا وإمامنا لو حكم على إنسان بفسق أو ضلالة أو كفر فإن منطلقه الكتاب والسنة وليس الرصيد الشعبي كما يزعم ابن بخيت وما وصل شيخنا إلى هذا الحب في قلوب الناس إلا بعلمه وعبادته وزهده وورعه وتقاه نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا. ونحسبُ أنه يصدق عليه حديث صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: ( إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال إني أحب فلانًا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض).
5- على ابن بخيت أن يعلم أن الذي أوقد شعلة النور هومحمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) (المائدة : 16،15) .
الآية نص على أن النور مصدره الشريعة وليس نظريات الغرب المخالفة في غالبها للشرع، وأن نبينا صلى الله عليه وسلمهو الذي ضحى من أجل الناس وليس أئمة الكفر والضلال مثل صاحب نظرية الشك ديكارت الذي شك في جميع الموجودات في الكون بل وشك في وجود الله عز وجل، فهؤلاء الكفرة هم الذين يريدونا أن نقتدي بهم ابن بخيت وبينه وبين مراده - خرطّ القتاد -.
6- إننا لا نختلف مع ابن بخيت ولا غيره في أولئك العلماء الغربيين الذين قدموا التكنولوجيا للعالم إنما الخلاف على أولئك العلماء الغربيين الذين حادوا الله ورسوله بأقوالهم وأفعالهم من خلال العلوم الإنسانية لا من خلال علماء التكنولوجيا الذين ركزوا على التقدم العلمي، وسوف أضرب نماذجًا من علماء الغرب الضالين فكريًا ومن هؤلاء:
أولاً : جاك جاك روس (1712- 1778):(27/189)
إن أفكار روسو التربوية كانت تعبيرًا عن آراء الفلاسفة في الطبيعة البشرية، والتي هي بدورها ردة فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة.
ويمكن تلخيص أهم أفكاره فيما يلي:
* الطبيعة هي المعلم الرئيسي: يرى (روسو) أن التعلم يكون عن طريق معلمين ثلاثة: الطبيعة والرجال والأشياء، ولكنه قال بأن الطبيعة هي أحسن معلم، وطالب بأن يترك الأطفال إلى الطبيعة ليتعلموا منها وليقفوا على قدرة الخالق، ويجب ألا يعتمد الطفل على الكتب وحدها في التعليم.
* يرى أن لا يعلم الطفل شيئًا من سن الميلاد حتى سن الثانية عشر، وأن تكون التربية سلبية خلال هذه الفترة دون أي تدخل لتوجيه الطفل، وطالب بعدم تعليم الطفل القراءة وهو صغير.
* طالب المربين بالابتعاد عن النواهي والأوامر في توجيه سلوك الطفل لأنها تقتل شعور الطفل وتكبت تفكيره.
* يؤمن بعدم جدوى التربية الدينية في فترة الطفولة وبأن الجهل بالإلهيات في هذه الفترة خير من تكوين أفكار خاطئة لا تليق بجلالها، ويؤمن بأن خير دين يمكن أن يوجه إليه التلميذ عندما يكون مستعدًا للتربية الدينية هو الدين الطبيعي.
ثانياً: هربارت سبنسر (1820-1903):
أفكاره التربوية: حاول (سبنسر) تفسير جميع مظاهر الحياة في ضوء مبادئ المذهب التطوري الذي يرى أن هناك ارتقاء تدريجيًا من الجامد إلى الحي، ومن العضوي إلى النفساني، ومن النفساني إلى الاجتماعي، أي من الأسهل إلى السهل فالمعقد. وأن هناك علاقة بين الأنظمة التربوية المتلاحقة وأنظمة الحكم المتتابعة التي رافقتها.... عندما كان الرجال يتلقون رصيدهم الفكري بجميع تأويلاته من فم سلطة معصومة عن الخطأ ، كان من الطبيعي أن يكون تعليم الأولاد قسريًا، وعندما كانت حكمة الكنيسة «اعتقد ولا تسأل» كان من المناسب أن تعمل المدرسة بهذه الحكمة.
وهو يوافق (روسو) على أن الطبيعة خير معلم للإنسان، وحاجة الفرد للتربية سببها طول فترة طفولته واعتماده على الغير، والتربية هي وحدها القادرة على إخراج هذا الفرد من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على النفس.
ثالثاً: أوجست كونت 1798م - 1857م.
فيلسوف فرنسي من أسرة مسيحية كاثوليكية، نبذ الإيمان بمبادئ الدين منذ كان في الرابعة عشرة من عمره، علق قلبه بامرأة توفيت بعد سنتين من هيامه بها، فكان يتوجه إليها بالصلاة والفكر كل يوم، لا يؤمن إلا بما أثبتته العلوم التجريبية، يعتقد بتأليه الإنسانية، ويدعو إلى عبادتها، كبديل عن الله أو الطبيعة، وجعل عبادتها على ضربين: عبادة مشتركة وهي عبارة عن أعياد تذكارية يتم فيها تكريم الذين أحسنوا للإنسانية، وعبادة فردية بأن يتخذ الفرد نماذج عليا كأمه أو أبيه أو غيرهما ويقوم بتكريمها، وهو مؤسس علم الاجتماع، وله أتباع في فرنسا وأمريكا وإنكلترا والسويد وغيرها ويجدر الإشارة إلى أنه كانت تنتابه أزمات عقلية!!.
رابعاً: إميل دور كايم 1858- 1917م.
فرنسي يهودي ، يعتبر رائد علم الاجتماع بعد أوجست كونت، سليل أسرة من أحبار اليهود، اتخذ من علم الاجتماع وسيلة لتنفيذ مخططات حكماء صهيون، يتلقي كثير من علماء الاجتماع أراء وكتب دور كايم بالإعجاب الشديد، وتتخصص الرسائل العلمية في شرح وتحليل نظرياته وأفكاره، كان يجتهد في هدم الدين والأخلاق، فكان يرى أن الدين والأخلاق منشأهما من العقل الجمعي، وبمجرد ما أتيحت له فرصة لتطبيق بعض أفكاره عمليًا، قام بإصدار قانون يمنع من تعليم الأطفال من سن السادسة إلى الثالثة عشرة أي شيء عن الدين، وطبق ذلك في فرنسا، وكان متوافقًا تمامًا مع الأفكار الماسونية .
وتجدر الإشارة إلى أن دور كايم «قد لا تكون له شهرة عند الجماهير كماركس وفرويد، ولكن له شهرته الواسعة بين علماء الاجتماع ويتتلمذ عليه أو على فكره كل من يقوم بتدريس علم الاجتماع في الجامعات والمدارس في عالم الأميين - غير اليهود - إلا من رحم ربك».
إن العلوم الإنسانية كانت وسيلة حرب فكرية يتخذ منها المعسكران الرأسمالي والشيوعي أداة للتمهيد لمخططاتهما ، ويوجه كُل معسكر هذه العلوم لإصدار نظريات ضد المعسكر الآخر.
ولا يخفى أنَّ اليهود كانوا ولا زالوا يسيطرون على المعسكرين من أجل إفساد البشرية وتدنيس أخلاقها.
إن ابن بخيت ومن يسيرون في فلكه يدعون أهل الإسلام للسير في فلك هؤلاء الملاحدة من أصحاب الفلسفة والمذاهب الهدامة ويثنون على هؤلاء الكفرة وأصحاب النظريات التربوية لا على أولئك الذين صنعوا الطيارة والسيارة والكهرباء كما يظن بعض القراء ولذا أحب أن أبين ما هو.
موقف المسلم من الحضارة الغربية:
مع تقدم العالم الغربي المادي وما أصاب العالم الإسلامي من انبهار بهذه الحضارة واجهت المجتمعات الإسلامية - في بيئاتها المختلفة- تحديات فرضتها ظروف الحياة الحديثة، وقد اكتسبت هذه التحديات أهمية خاصة لكونها أتت بعد فترة ركود دامت عدة قرون، وكان مركزها حضارة مناوئة، لم تكتف فقط بوصفها كحضارة مختلفة، بل اتجهت للقضاء على كل الحضارات والثقافات التي تختلف عنها من حيث القيمة والعطاء.(27/190)
ولم يكن موقف العالم الإسلامي موحدًا تجاه هذه التحديات فقد تباينت المواقف بحسب عمق الجذور ورسوخها من جهة، وقوة التأثيرات الاستعمارية التي سادت خلال فترة الركود من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر فقد أصبح لدينا ثلاث تيارات واضحة:
أولاً: التيار الانسلاخي - وهو التيار الذي خضع خضوعًا تامًا للرؤية الاستعمارية أو الذي ابتعد كليًا عن جوهر العقيدة الإسلامية - ويتجه هذا التيار في مجمله نحو مركز الحضارة الحديثة في أوربا وأمريكا يستمد منه مبادئه متنكرًا بذلك للقيم الأساسية التي صاغتها الحضارة الإسلامية عبر فترة طويلة من الزمن.
ثانيًا: التيار الانتقائي ، وهو التيار الذي يرى إمكانية اختيار بعض الوجوه التي تتناسب مع الواقع الإسلامي من الحضارة الغربية وطرح ما سواها.
ثالثًا: التيار الحضاري، وهو أحدث التيارات وقد نشأ كأثر لإخفاق العالم الإسلامي في تحقيق التنمية عن طريق التوجهات الاقتصادية والسياسية وحدها. وقد اتجه هذا التيار إلى ضرورة أن يكون بناء الإنسان في العالم الإسلامي متكاملاً وألا يقتصر على أي من الجانبين الاقتصادي والسياسي. بل يجب أن يشملهما في إطار رؤية حضارية وثقافية عريضة يكون هدفها فقط نمو الإنسان من النواحي الاقتصادية والسياسية بل أيضًا من النواحي العقدية والثقافية والحضارية.
وكان من المفروض أن تبقى الأمة الإسلامية منيعة محصنة، لا تسمح بتسلل ضلالات المذاهب الفكرية المعاصرة إليها.
وذلك لأن الإسلام الذي تدين به هذه الشعوب، هو الدين الرباني الحق الذي لم يدخله تحريف ولا تبديل، وهو الدين الذي يهيمن على العقول والأفكار بسلطان الحق وبراهينه، ويهيمن على النفوس والقلوب بكماله وملاءمته للفطرة الإنسانية، وتلبيته لكل حاجات الناس أفرادًا وجماعات، وبأن لديه الحل الأمثل لكل مشكلات الحياة، وبأنه يشتمل على أسس الحق والعدل والفضيلة، وبأنه جاء بالنظم المشتملة على أحسن صورة ممكنة بالنسبة إلى الواقع البشري، كفيلة بأن توفر للناس الأمن والطمأنينة والاستقرار والرفاهية والتقدم العلمي والحضاري، وفيها ما يضبط جنوح الأفراد ويقيم العدل ويكفل ذوي الضرورات والحاجات، ويكبح جماح ذوي النوازغ الطاغية، والأهواء الباغية.
ولكن وجدت أسباب هيأت مناخًا مناسبًا لتقبل كثير من أفراد ومؤسسات أمتنا لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة ومن بينها بطبيعة الحال النظريات التربوية الغربية، مع ما فيها من زيغ وباطل وضلال كثير.
ومن أهم هذه الأسباب:
* هجر كثير من المسلمين إسلامهم، وتهاونهم في تطبيق أحكامه، وتعلقهم بالدنيا وشهواتها.
* تفشي الجهل بين معظم المسلمين في جميع أقطارهم وبلدانهم، وبعدهم عن العلم بصفة عامة في القرون المتأخرة، قرون الانحطاط، بعد القرون العلمية الذهبية التي احتل المسلمون فيها قمة الحضارة، وكانوا فيها قادة الركب الإنساني إلى كل تقدم صحيح فكري وتطبيقي.
* تسرب شوائب وتشويهات إلى مفاهيم كثير من المسلمين، وهي المفاهيم التي تحددت بها تصوراتهم للإسلام، مع أنها تصورات خاطئات، مخالفات لدين الله للناس.
* تسلل دسائس أعداء الإسلام إلى حصون الأمة الإسلامية ومعاقلها، التي كانت بالإسلام حصينة مصونة محفوظة.
* فتنة شعوب الأمة الإسلامية بالحضارة الأوربية المادية، وتطلعهم إليها بشغف، وانبهارهم بمنجزاتها، نتيجة شعورهم بالنقص تجاهها. لقد كانت هذه الفتنة بالحضارة الأوروبية المادية، وبما رافقها من انبهار بمنجزات هذه الحضارة، مناخًا ملائمًا جدًا لزحف كل ما لدى الغربيين من سلوك، وأفكار وعادات، ومذاهب فكرية حديثة، مناقضة لمبادئ الإسلام، ومفاهيمه وشرائعه وأخلاقه ونظمه وسائر تعاليمه الحقة.
واحسب من باب إحسان الظن بابن بخيت أنه من التيار الأول سائلاً العلي القدير لنا وله الهداية وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وفي الختام أشكركم على نشر مقالتي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
=============(27/191)
(27/192)
رينيه جينو".. الصعود إلى النور
ياسر حجازي
رينيه جينو
رينيه جينو أو الشيخ عبد الواحد يحيى
يُعد العلامة الفرنسي رينيه جينو -أو العارف بالله الشيخ عبد الواحد يحيى كما كان يسميه الإمام عبد الحليم محمود رضي الله عنهما- حُجة الأديان عامة وحجة الإسلام خاصة في القرن العشرين. ولعل الاسم الذي اختاره لنفسه بعد اعتناقه الإسلام يلخص كل حياته في عبارة وجيزة هي: "عبد الواحد يحيى"؛ فذلك هو الطريق الذي سلكه وقاده في هدوء وسكينة بعيدًا عن صخب الحياة وصراعاتها ليعبد الواحد الذي لا شريك له، ويحيا في بحثه عن الحق والحقيقة، وكأنه قد مارس قوله "إنه لكي يدرك الإنسان كنه النور عليه محاولة الصعود إلى مصدره في تجربة ذاتية منفردة".
لم يكن انتقال رينيه جينو من المسيحية إلى الإسلام بعد أن درس الماسونية وفلسفات الشرق القديم من قبيل التذبذب وعدم الاستقرار أو حبا في التغيير، وإنما بحثا عن الحقيقة المفقودة، تلك الحقيقة التي كانت تربط الإنسان قديما بالكون الواسع في توازن حكيم ثم انقطع خيطها في ضغط هذا العصر الغارق في الماديات، إنه عبد الواحد يحيى الذي اعتنق الإسلام ووضع خطة لبناء المسجد الكبير في باريس قبيل الحرب العالمية الأولى وإنشاء جامعة إسلامية في فرنسا.
خطواته الأولى
ولد رينيه جينو في 15 نوفمبر عام 1886م بمدينة بلوا جنوب غرب باريس ونشأ في أسرة كاثوليكية محافظة، وكان رينيه ضعيف البنية؛ وهو ما عطّل التحاقه بالمدرسة فتولت عمته "دورو" تعليمه القراءة والكتابة في منزلها الجميل على ضفاف نهر اللوار حتى بلغ الثانية عشرة من العمر.
وما إن بلغ السادسة عشرة من عمره حتى التحق بكلية "رولان" r ollin College في باريس ليعد شهادة الليسانس في البكالوريا شعبة الفلسفة كما حصل على البكالوريا في الرياضيات المتخصصة، إلا أن دراسته في ذلك الوقت قد عرفت الخط الذي سيصبح طريقه إلى البحث المتواصل، فلم يكتف بالدراسة الجامعية وراح ينهل من العلم في باريس الزاخرة بالمعلمين والمرشدين من الشرق والغرب.
وما إن وصل إلى العشرين من العمر حتى كان قد تشرب أساسيات تكوينه الروحي وبدأ رحلته في البحث والتنقيب بين المنظمات المختلفة لمعرفة ما إذا كانت ذات طابع أصيل أم لا، إذ لم يعد رجال اللاهوت الكنسي قادرين على تقديم إجابات مقنعة لأسئلته فقرر الابتعاد ومحاولة البحث بنفسه عن اليقين المطلق في غياهب المجهول، وراح يدرس أهم المذاهب الدينية والفلسفات الروحية قبل أن يستقر به المطاف في رحاب الإسلام ليصبح واحدًا من أهم متصوفي العصر الحديث.
في الطريق..
ففي عام 1906م خالط المدرسة الحرة للدراسات الغيبية ليابوس وانتقل إلى منظمات أخرى كالمارتينية والماسونية التابعة للطقس المعروف باسم الطقس الوطني الإسباني، وفي عام 1908م انضم إلى المحفل الماسوني الكبير في فرنسا، كما انضم إلى الكنيسة الغنوصية وهي كنيسة قائمة على المعرفة من أجل الوصول والرقي لمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ أي إنها قائمة على عكس الكنيسة السائدة التي تؤمن بتجسد الله عز وجل إلى بشر وما إلى ذلك، وفي نفس هذه الفترة التقى العديد من الشخصيات التي سمحت له بتعميق معرفته بمذهب الطاوية الصيني وبالإسلام.
بدأت أول أعمال رينيه جينو بالظهور عام 1909 حيث أصدر تقريرين علميين في مجلة "سلوك" ومناظرة في مجلة "أكاسيا" ورسالة توضيحية في مجلة "فرنسا المسيحية اللاماسونية"، وكان يوقع أعماله باسم "أبي الهول".
ومع نهاية عام 1909م عين رينيه جينو أسقفا غنوصيا بكنيسة الإسكندرية الغنوصية، فأسس مجلة الغنوص وأصدر مجموعة من الأبحاث في هذه المجلة وكان حكمه على هذه الكنيسة انتقادا قويا، على اعتبار أن المذاهب الروحية الحديثة ليست إلا مادية جديدة في مستوى آخر وهمها الوحيد أن تطبق على الروح منهاج العلم الوضعي.
لحظة التنوير
كانت معرفته بالمفكر والرسام السويدي "جان جوستاف أجلي" الذي اعتنق الإسلام عام 1897 فصار اسمه عبد الهادي -والذي كان يشارك في تحرير مجلة عربية إيطالية باسم "النادي"- لها الأثر الأكبر في إسلامه، خاصة أن جينو نشر العديد من المقالات عن المتصوف العربي الشهير محيي الدين بن عربي.
كان جينو إذ ذاك يصدر مجلة باسم "المعرفة" فأخذ عبد الهادي في عام 1910 يساهم فيها بجد ونشاط ونشر فيها أبحاثا وترجمة لكثير من النصوص الصوفية إلى اللغة الفرنسية، ومن هنا تمكن عبد الهادي من أن يعقد بين جينو والشيخ عليش الذي أسلم هو على يديه صلة قوية متينة عن طريق تبادل الرسائل والآراء، وكانت النتيجة أن اعتنق جينو الدين الإسلامي عام 1912 بعد أن درسه دراسة مستفيضة.
يقول الإمام عبد الحليم محمود عن سبب إسلام رينيه جينو: "وكان سبب إسلامه بسيطا ومنطقيا في آن واحد، لقد أراد أن يعتصم بنص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلم يجد بعد دراسته العميقة سوى القرآن؛ فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل؛ لأن الله تكفل بحفظه فاعتصم به وسار تحت لوائه فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان".
صوفية في السوربون(27/193)
في عام 1915 وبالتحديد في شهر يوليو حصل جينو على شهادة ليسانس الآداب في الفلسفة من جامعة السوربون الشهيرة، وتابع بعد ذلك دراسته، حيث حصل على دبلومة الدراسات العلياDES. وفي عام 1917 عين أستاذًا للفلسفة في الجزائر فقضى فيها عاما ثم عاد إلى مدينة بلوا الفرنسية، ولكن المقام لم يطب له في مدينته فغادرها إلى باريس من أجل الإعداد لرسالة الدكتوراة حول موضوع "ليبنتز والحساب التفاضلي"، ولكن بسبب استقلاله الفكري ومجاهرته بأفكاره فإن أستاذه المشرف على الدكتوراة رفض منحه تلك الشهادة، وفي عام 1918 بدأ جينو يعد لدرجة (الأجريجاسيون) في الفلسفة.
ولم يكن ذلك ليمنع الشيخ عبد الواحد يحيى من متابعة أعماله والتفرغ لأبحاثه، وكان من ثمرة هذا التفرغ أن نشر في عام 1921 كتابين أحدهما "مدخل لدراسة العقائد الهندية".
وتوالى بعد ذلك نشر كتبه وتوالت مقالاته في مختلف الجرائد، وفي سنة 1925 فتحت له مجلة "قناع أيزيس" صدرها فأخذ يكتب فيها وانتهى به الأمر في سنة 1929 إلى أن أصبح أهم محرر بها ومع هذا رفض رئاسة تحريرها.
وفي عام 1925 ألقى الشيخ عبد الواحد يحيى محاضرة من أهم المحاضرات في جامعة السوربون تحت عنوان "الميتافيزيقا الشرقية" أوضح فيها الفرق بين الشرق والغرب في المجال الغيبي، موضحا فيها أن الميتافيزيقا واحدة لا شرقية ولا غربية مثلها مثل الحقيقة الخالصة، إلا أنه يختلف مفهومها أو يختلف تناولها في كل من الشرق والغرب، واختياره لعبارة شرقية يعني به دراسة المجال الغيبي في الشرق بعامة وليس في الهند وحدها؛ فالحضارات الشرقية مستمرة بنفس تواصلها، وهي ما زالت تعد الممثل المختص الذي يمكن اللجوء إليه للتزود بالمعلومات الحقة، وذلك لأن الحضارات الغربية تفتقد هذه الأصول الممتدة.
في عام 1927 نشر كتابه "ملك العالم" أو "القطب" وصدر كتابه "أزمة العالم الحديث" الذي لقي نجاحًا كبيرًا، وقد أعيد طبعه عشرات المرات في طبعات فاخرة وشعبية، وهذا الكتاب ليس دعوة إلى الانطواء بل هو دعوة إلى الفهم الصحيح والنظر إلى الحضارة الغربية نظرة نقدية بوصفها عملا إنسانيا يحتمل النقد ولا يعلو عليه.
وجينو قد يبدو شديد الوطأة على الغربيين في نقده وتحليله، ولكن الذين يفهمون العقلية الأوروبية المعاصرة التي لا تستطيع التخلص من أوهامها الراسخة وأفكارها القديمة عن الشرق بصفة عامة والعرب والمسلمين بصفة خاصة سيدركون أن ما كتبه جينو فيه كل الإنصاف؛ لأنه لا يريد أن يهدم حضارة الغرب، ولكنه يسعى إلى إنقاذها بكل طاقته وهو يرى أن عودتها إلى الدين الصحيح هو السبيل الأقوم لتحقيق توازن في مسيرة هذه الحضارة التي يرى أنه لولا بعض العناصر الصالحة فيها لما كان لها وجود اليوم.
القاهرة.. أخيرًا
جاء عرض بيت النشر في باريس على الشيخ عبد الواحد يحيى أن يسافر إلى مصر ليتصل بالثقافة الصوفية فينقل نصوصًا منها ويترجم بعضها، فانتقل للقاهرة الصوفية في عام 1930، وكان المفروض أن يقضي فيها بضعة أشهر فقط ولكن هذا العمل اقتضاه مدة طويلة، ثم عدل بيت النشر عن مشروعه فاستمر الشيخ عبد الواحد يحيى في القاهرة يعيش في حي الأزهر متواضعا مستخفيا لا يتصل بالأوروبيين ولا ينغمس في الحياة العامة وإنما يشغل كل وقته بدراساته.
حضر عبد الواحد إلى القاهرة وحيدا ووجد الكثير من المشاق في معيشته منفردا، فتزوج سنة 1934 كريمة الشيخ محمد إبراهيم وأنجب منها أولاده الأربعة.
أراد الشيخ عبد الواحد أن ينشر الثقافة الصوفية في مصر فأسس مجلة "المعرفة" بالتعاون مع عبد العزيز الإسطنبولي ولعل اختياره لهذا الاسم يكشف عن جزء من مكنون فكره؛ فالمعرفة هي إحدى الطرق المؤدية إلى الله سبحانه وتعالى، في حين الطريق الآخر هو المحبة.
وكان برنامج المجلة بذلك يتضمن مشروعا بأسره يهدف إلى التعرف بمعرفة العلم المقدس حقا. ومكث الشيخ عبد الواحد يحيى يؤلف الكتب ويكتب المقالات ويرسل الخطابات، فكان حركة دائمة فكرية وروحانية.
نهاية الرحلة
توفي الشيخ العارف بالله عبد الواحد يحيى عام 1951 عن عمر يناهز الرابعة والستين في القاهرة محاطا بزوجته وأبنائه الثلاثة وجنين كان لا يزال في مرحلة التكوين ليرى النور، وكان آخر كلمة يتفوه بها كلمة الاسم المفرد "الله"، ووصف الكاتب المشهور "أندريه روسو" حيث كان في القاهرة إذ ذاك جنازة الشيخ عبد الواحد يحيى فكتب في جريدة الفيجارو الفرنسية يقول: "شيعت جنازته في اليوم التالي لوفاته فذبح تحت نعشه كما هي العادة كبش وأسيل دمه على عتبة المنزل، وسار في الجنازة زوجته وأطفاله الثلاثة واخترقت الجنازة البلدة إلى أن وصلت إلى مسجد سيدنا الحسين حيث صلي عليه، ثم سارت الجنازة إلى مقبرة الدراسة، لقد كانت جنازة متواضعة مكونة من الأسرة ومن بعض الأصدقاء، ولم يكن فيها أي شيخ من مشايخ الأزهر، ودفن الشيخ عبد الواحد في مقبرة أسرة الشيخ محمد إبراهيم، وكان آخر ما قال لزوجته: كوني مطمئنة لن أتركك أبدا، حقيقة أنك لا ترينني، ولكنني سأكون هنا وسأراك".(27/194)
ويضيف روسو: "والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنها تقول له: كيف تجرؤ على ذلك مع أن والدك ينظر إليك، فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللامرئي".
كان رد فعل الأوساط الثقافية في فرنسا ذا دلالة على أهميته، فبمجرد وصول الخبر حتى أخذت الصحف والمجلات تنشر مختلف المقالات عن الشيخ تحت عناوين مختلفة منها: "حكيم كان يعيش في ظل الأهرامات" و"فيلسوف القاهرة" و"أكبر الروحانيين في العصر الحديث" ووصفوه بالبوصلة المعصومة وبالدرع الحصين ثم خصصت له مجلة "إتيدتراديسيونيلEtude t r aditionnelle " عددا ضخما كتب فيه الكثيرون من كتاب فرنسا أروع المقالات، وهي المجلة التي تعتبر في الغرب كله "لسان التصوف الصحيح". وكذلك خصصت له مجلة "فرنسا - آسيا" عددا، ولكون "جينو" عالميا فقد أوسعت المجلتان صدرهما لكتاب الألمان والإنجليز وغيرهم من غربيين وشرقيين فكتبوا المقالات المستفيضة التي تناولت آثاره بالتحليل والتقدير والشكر له.
من أجل الإسلام
ترك الشيخ يحيى عبد الواحد العديد من المؤلفات التي ضمت بين صفحاتها دفاعا عن الإسلام وصورته لدى الغرب في مواجهة الصورة التي كان يروجها المستشرقون حول كون الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه لا يثمر الروحانية العميقة، وأن الحضارة الإسلامية تتسم بالقوة الذاتية التي تجعلها تؤثر في أقاليم غير التي نشأت فيها، وجاءت إسهاماته في الرد على هذه الاتهامات من خلال كتبه التي من أهمها:
خطأ الاتجاه الروحاني (تحضير الأرواح)، والشرق والغرب، وعلم الباطن لدانتي، والإنسان ومستقبله وفقا للفيدانتا، وأزمة العالم المعاصر، وملك العالم، والقديس برنارد، ورمزية الصليب، والسلطة الروحية والسلطة الزمنية، وأحوال الوجود المتعددة، وعروض نقدية، وسيادة الكم وعلامات الزمان، والميتافيزيقا الشرقية، ولمحات عن التسليك الروحي، والثالوث الأعظم، ومبادئ الحساب التفاضلي، ولمحات عن الباطنية المسيحية، والبدايات دراسة في الماسونية الحرة وجماعات الأخوة (جزآن)، والصور التراثية والدورات الكونية، ولمحات عن الصوفية الإسلامية والطاوية، وكتابات متناثرة.
المراجع:
1- د.عبد الحليم محمود: الفيلسوف المسلم رينيه جينو - مكتبة الأنجلو - القاهرة 1945م.
2- د.عبد الحليم محمود: أوروبا والإسلام - مطابع الأهرام التجارية - القاهرة 1973م.
3- د.عبد الحليم محمود: قضية التصوف.. المدرسة الشاذلية - دار المعارف - القاهرة 1999م.
4- نجيب العقيقي: المستشرقون - دار المعارف - القاهرة 1965م.
5- محمد كامل عبد الصمد: الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء - الدار المصرية اللبنانية - القاهرة 1995م.
6- د. زينب عبد العزيز: مقالات من رينيه جينو - دار الأنصار - القاهرة.
7- أحمد حامد: لماذا أسلم هؤلاء؟! - مطبوعات الشعب - القاهرة 1976م.
8- رينيه جينو: مدخل عامل إلى فهم النظريات التراثية - ترجمة: عمر الفاروق عمر - نشر المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة 2003م - الطبعة الأولى.
9- مجلة التواصل، ليبيا، العدد الثاني.
10- صحيفة القاهرة- العدد 344- 14 نوفمبر 2006م.
==============(27/195)
(27/196)
هذه آثارهم فاعرفوها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :
أيها المسلمون:
اتقوا اللَّه حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن خير الحديث كتاب اللَّه وخير الهدى هديمحمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، ومن يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، ومن يعص اللَّه ورسوله فقد غوى .
معاشر المؤمنين:
سبق الحديث عن العلمانيين وتوجهاتهم وخطورة الدور الذي يمارسونه، وبعض وسائلهم وطرائقهم، والحديث اليوم عن بعض آثار هذا التوجه وثماره التي سرت في الأمة، وتغلغلت في بعض المفاهيم والأعمال، والأطروحات والبرامج على عدة مستويات.
أيها المسلمون:
إن من أعظم الدوافع والبواعث لكل داعية وعالم وناصح، بل وكل مسلم يشعر بمسؤوليته تجاه دينه وأمته من أعظم دوافعه لواجب الكشف والبيان: خطورة ذلك الفكر وشدة أثره في تضليل الأمة، والتوطئة لملل الكفر من اليهودية والنصرانية وغيرها في بلاد المسلمين، والناظر في تأريخ المسلمين يلحظ ويدرك بكل وضوح أن العاديات على بلاد المسلمين من غزو التتر وسقوط الأندلس وغيرها، ما كانت لتتمكن وتستولي على بلاد المسلمين، وتقتل الرجال وتسبي النساء والذرية، وتقود الولاة والأمراء أذلة صاغرين، ما كان ذلك بمجرد قوتهم وتفوقهم، وإنما كان ذلك بسبب الخيانة الداخلية، ممن يزاولون أدوار المنافقين، كالحركات الباطنية من الرافضة والقرامطة والإسماعيلية، وفي العصر الحاضر على يد العلمانيين وإخوانهم من الأحزاب الاشتراكية والبعثية والقومية، وما كان سقوط الخلافة العثمانية ووقوع كثير من دول الإسلام في قبضة المستعمرين وإنابتهم، أولئك بعد الخروج والاستقلال إلاَّ إحدى ثمار تلك التوجهات والحركات الغربية على المسلمين، وعلى أصل وحدتهم وتماسكهم، وكم نخشى من أمثال أولئك على بلادنا وبلاد المسلمين.
أرى خلل الرماد وميض نار وأخشى أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها كلام
أيها المسلمون:
إن لهذا الفكر وهذا التوجه ثماراً سيئة وخراجاً نكداً منذ ظهورهم في بلاد المسلمين، وتمكنهم في مواقع التأثير ومنابر الإعلام منها:
أولاً: تكريس التبعية للغرب، وجعله الأنموذج الأفضل الذي يجب أن يحتذى في كل شيء، حتى في الأوضاع السلوكية والأنماط الاجتماعية، وأن الرجل الغربي هو المتفوق تمدناً ورقياً وحضارة، وهو الجدير بالإقتداء والتأسي، والذي يدل على وجود هذا الأثر في واقع الناس اليوم، ذلك الفارق الذي يجده الفرد المسلم في نفسه تلقائياً بين الرجل الأوربي النصراني وبين مسلم، فقير آسيوي أو أفريقي، فالأول يجد له في نفسه التقدير والاحترام، والثاني لا يجد سوى الازدراء والتنقص؟ .
فمن الذي ولَّد هذا الشعور وكرَّسه في مفاهيم العامة والخاصة ؟ وهل كان هو المألوف لدى المسلمين في سالف العصور ؟، أم أنهم كانوا يعتبرون الكافر أقل منزلة وأحط درجة من المؤمن باللَّه واليوم الآخر، منهجهم في ذلك قوله تعالى: ((وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)) [البقرة: 221] .
ثانياً: من الآثار ربط أمور الناس بالدنيا والمادة، وإغراقهم فيها إلى حد العبودية لها والإرتكاس فيها، والحب والبغض فيها ولها، ((يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) [الروم: 7] .
ومثل هذا الأمر لا يعوز أحد الاستدلال عليه والتمثيل له، فنظرة إلى الأوضاع العالمية بل وأوضاع عامة الشعوب يدرك طغيان المادة على التعامل، وجعلها أساساً للموازين ومعياراً للقيم والمفاهيم.
ثالثاً: إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة وبين أدعياء العلم والثقافة من أهل التحريف والتبديل، وصهر الجميع في إطار واحد.
رابعاً: تهوين الخطر العالمي المتمثل في كيد اليهود والنصارى، والصهيونية والماسونية العالمية، واتهام من يبين خطرهم ويحذر من كيدهم وخططهم بأنه مصاب بعقدة المؤامرة، أما هم فلا يعتقدون مكايد عدائية متجذرة ومتأصلة، وإنما الأمر مصالح ومغالبات، ومطامع توسعية سياسية وإستراتيجية، نعم إن تفسير كل شيء في الوجود أن وراءه العدو وخلفه مؤامرة، وتحميل الأخطاء والتقصير على الغير، وتدبيره وتخطيطه هو نوع من المبالغة غير مقبول، وفيه تسويغ الأخطاء والتنصل من مسؤوليتها، لكن أصل القضية وهي عداوة الكافرين للمؤمنين وعملهم المستمر في الكيد والتضليل، فهذه سنن ربانية وأخبار قرآنية، نبأنا اللَّه من أخبارها فوصف عداوتهم بالبيان والظهور، ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً)) [النساء : 101] .
وبين أنهم يمكرون مكراً، فقال تعالى: (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) [الأنفال: 30].(27/197)
وقال: (( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) [النمل: 50].
وقال: (( ومكروا مكراً كباراً )) [نوح: 22].
هذا منطق القرآن، أما بنو علمان فيقولون لا عداوة ولا مكر.
أربعوا على أنفسكم وهونوا عليها، حتى تنفد في المسلمين أسنتهم، وتغمد في ظهورهم خناجرهم ورماحهم، فتقع الواقعة وتحل المصيبة على المسلمين، ثم بعدها يقولون إنما هي آراء وتوقعات، (( ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً )) [النساء: 62].
خامساً: السخرية والاستهزاء بعلماء الأمة ودعاتها، ونبزهم بالألقاب النابية والحيلولة دون الأخذ منهم، والاهتداء بفقههم بحجة أنهم لا يعلمون شيئاً عن الواقع، وأنهم لا يعيشون الأحداث، وربما رسموهم بعلماء الحيض والنفاس أو فقهاء الآخرة ؟!! .
بل لم يسلم منهم الأموات ممن جاهدوا بألسنتهم وأقلامهم، فرموهم بالعظائم، واتهموهم وكذبوا عليهم ألا ساء ما يزرون .
سادساً: دعوتهم وتبنيهم مطاردة الدعاة إلى اللَّه، ومحاربتهم وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، كالتخلف والتحجر والجمود والرجعية.
سابعاً: تعطيل فريضة الجهاد في سبيل اللَّه بصورته المشروعة، بل ومهاجمتها واعتبارها نوعاً من أنواع الهمجية والإرهاب .
وذلك أن الجهاد في سبيل اللَّه معناه القتال لتكون كلمة اللَّه هي العليا، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلاَّ سلطان الإسلام، وحينما غاب مصطلح الجهاد من قاموس الأمة أصيبت بالتخاذل والهوان والذل، مصداقاً لقول النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم - : (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد وسلط اللَّه عليكم ذلاً لا ينزعه من حتى ترجعوا إلى دينكم )).[1]
ثامناً: الدعوة إلى القومية أو الوطنية: وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس، أو اللغة، أو المكان، أو المصالح، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق، فعملوا على تشتيت الأمة وتوزيع ولاء آتها إلى الإقليم والتراب والوطن والموروثات، والعوائد وتقديسها، واعتبارها الوجه الحضاري للأمم والشعوب.
تاسعاً: محاربة العفاف والتقليل من شأن الفواحش والفوضى الأخلاقية، ورعاية أصحابها واحتضانهم، واعتبار ظاهرة الفاحشة وتمرد الشباب والسفهاء على الفضيلة أمراً عادياً لا يستحق الاهتمام، وبالتالي لا يستدعي التفكير الجاد في العقوبة والتأديب، وما مظاهر انحلال الشباب وكثرة الفواحش وتهافتهم على البرامج التي تؤسس الاختلاط وتمارسه علناً كبرامج (ستار أكاديمي ) ونحوها، إلا ثمرة لأطروحات العلمانيين والليبراليين.
عاشراً: تهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق: الإشادة بالقوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها، والتي تعتبرها من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة، وعن طريق أيضاً وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز، التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، والهجوم على أوضاع المرأة المسلمة المحافظة، وعن طريق أيضاً محاربة الحجاب واعتباره من العوائد وليس من الإسلام، وفرض السفور والاختلاط.
أيها المسلمون:
هذه بعض ثمار شجرة العلمنة الخبيثة على كثير من ديار المسلمين، فكم أثرت في الأجيال، وحرفت الرؤى والأفكار، ومع كل ذلك فهو كيد من كيد الشيطان، وقد وصف اللَّه تعالى كيد الشيطان فقال: ((إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)) [النساء: 76].
وإن كل مسلم في أي مكان وموقع يجب عليه أن يعمل جاهداً في وقاية نفسه وأسرته ومجتمعه من جميع وسائل التغريب والتضليل، وذلك بعمل برامج علمية وإيمانية للأبناء والبنات، وكذلك الانتقاء والاختيار في المادة المقروءة والمسموعة، وحجب منافذ الإفساد أن تصل إلى العقول والعواطف والغرائز، ثم تقوية الوعي والبصيرة بمعرفة الحق وأهله والباطل وأهله، والاستعانة على ذلك بطول التمعن بالآيات القرآنية الكاشفة لسبيل الضالين والمجرمين، وبمعرفة التاريخ وحوادثه، وعلى كل حال بالصدق والصبر والأخذ بالأسباب، وعدم استعجال الثمار والنتائج ستعلو راية الحق وينتصر أهله.
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم: (( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )) [الحج : 78] .
الخطبة الثانية(27/198)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
وللمستفهم أن يقول: كيف يكون بعض المسلمين دعاة على أبواب جهنم؟ فالجواب هو أنهم كذلك ببثهم الفساد والانحراف الأخلاقي: كإشاعة الفاحشة وتسهيل أسبابها، ومحاربة بيئة التدين في المجتمع من خلال وسائل الإعلام مثلاً، أو في مجال التعليم، بزرع المبادئ الهدامة بين الطلاب من خلال كوادر غير أمينة، أو من خلال منظري التطوير التعليمي في سائر البقاع، فيما يقدمونه من الحد والتقليص لما يقوي صبغة الله في نفوس الطلاب، ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)) [البقرة: 138].
أو التقليل من شأن العلوم الشرعية، في مقابل الحرص الدءوب على تكثيف ما عداها.
ويكون الإفساد ببث أفكار تسيء إلى الإسلام وأهله، وتحارب الدعوة إليه، وتزدري الدعاة وتسخر منهم، وتنادي بعزل دين الناس عن دنياهم.
ويستنكرون أن تدخل الدعوة في علوم الطبيعة والرياضيات، ويتهمون المناهج في بلاد المسلمين أنها هي السبب في وجود بيئة التدين والدعوة، وكأنها جريمة لا تغتفر، حيث قال أحدهم في أحد الصحف المحلية: "فقد اصطبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية"، إلى أن قال مستنكراً: "فلا تدرس مادة اللغة الإنجليزية مثلاً ذاتها، بل لتكون وسيلة للدعوة إلى الله، وتمتلئ كتب هذه المادة بالحديث عن الإسلام" أ هـ
أيها المسلمون:
إن هذا الحاقد على الدعوة والدعاة وغيره ممن يملؤه الغيظ على دين الله تبارك وتعالى لا يعدو قدره إن شاء الله، إلا أن الواجب على كل مسلم أن يقوم بما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع عن دين الله، والإنكار بقدر الاستطاعة، والمرافعة الجادة لمحاسبتهم وتأديبهم، لأنهم ضد الأمة ودينها وأخلاقها، أما أن يترك الحبل على الغارب لكل دعي جاهل ليحارب الإسلام دون أن يقف من أهل الغيرة أحد في وجهه ووجه كل من سانده وأعانه فلا يسوغ أبدًا: (( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى)) [سبأ:46].
((وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)) [يوسف:21].
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] - أخرجه أبو داود في سننه برقم ( 3462 )، وأحمد في مسنده برقم ( 5007) ، والبيهقي في سننه برقم ( 10484 ) ،
وقد صحح الحديث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع برقم ( 423 ) .
============(27/199)
(27/200)
أربكان.. مهندس المحركات والحالة الإسلامية التركية
03/01/2004
…
إستانبول - خدمة قدس برس
نجم الدين أربكان
لم يكن غريبا أن يصدر حكم بالسجن على الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان لمدة أربع سنوات ونصف السنة؛ إذ لم يكن الأول من نوعه في حق هذا الزعيم الثمانيني الذي عاش تاريخا حافلا تنقل فيه فيما يشبه الدراما بين الزنازين وأروقة البرلمانات، وحتى أرفع المناصب الرسمية في البلاد، بما في ذلك رئاسة الحكومة، فأربكان لم يكن فحسب مهندس المحركات الماهر، بل ظل ما يقرب من نصف القرن مهندسا بارعا للحالة الإسلامية التركية.
من مهندس المحركات إلى مهندس الحالة الإسلامية
في وسائل الإعلام التركية، وفي الأوساط والمحافل السياسية التركية، وعلى امتداد الشارع التركي المسيس؛ يطلقون على الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان لقب "أبو السبعة أرواح"، وهو لقب يبدو أن أربكان يستحقه بجدارة، من كثرة ما دخل من محاكم وسجون وخرج منها، بل إن تجربة أربكان السياسية تتجاوز ذلك إلى براعته في نحت المنابر السياسية في ظروف تتميز بأنها جميعا استثنائية.
فقد بلغ عدد ما أسس من الأحزاب خمسة، فلا يكاد يؤسس حزبا حتى يحاصره حماة العلمانية في تركيا، وخاصة جنرالات المؤسسة العسكرية، فيحظرونه ويختمون أبوابه بالشمع الأحمر؛ ليعود أربكان ليؤسس حزبا جديدا، فيغلقه النظام القائم على توليفة عسكرية وقضائية قادرة على خفض مستوى السقف السياسي كلما لزم الأمر. لكن أربكان الذي أتقن لعبة الأبواب الدوارة كان لا يلبث أن يعود إلى تأسيس حزب جديد لا يختلف عن سابقه إلا في اللافتة والشعار والمنسوب التراكمي للخبرة. فمن هو نجم الدين أربكان، ذو الأرواح السياسية السبعة؟
ذو الأرواح السياسية السبعة
ينحدر هذا البروفيسور من نسل الأمراء السلاجقة الذين عُرفوا في تاريخ تركيا باسم "بني أغوللري"، وكان جده آخر وزراء ماليتهم، بينما كانت أسرة أربكان تلقب بـ "ناظر زاده"، أي ابن الوزير.
وقد أبصرت عينا أربكان النور في عام 1926 في مدينة سينوب، الواقعة في أقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1943؛ ليلتحق بجامعة الهندسة في إستانبول، وليتخرج في كلية الهندسة الميكانيكية في عام 1948، وكان الأول في دفعته، ما أهله بجدارة لتعيينه معيدا في الكلية ذاتها. وأوفد الشاب الطموح في بعثة دراسية إلى ألمانيا في عام 1951؛ لينال في عام 1953 من جامعة آخن شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات.
وعاد نجم الدين أربكان من فوره إلى جامعة إستانبول، ليحصل على درجة مساعد بروفيسور، وأثناء وجوده في ألمانيا عمل إلى جانب دراسته رئيسا لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز - هومبولدت - دويتز" بمدينة كولونيا. وقد توصل أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات، التي تعمل بكل أنواع الوقود.
وفي نهاية عام 1965 عاد أربكان إلى جامعة الهندسة في إستانبول، ليعمل أستاذا مساعدا، وفي العام نفسه حصل على درجة الأستاذية، فأصبح بروفيسورا في اختصاص المحركات، بينما لم يكن قد تجاوز التاسعة والعشرين من العمر.
إلا أن ذلك لم يكن كل الإنجازات التي حققها هذا الشاب التركي في حياته العملية، فبينما كان في العشرين من عمره؛ أنشأ أربكان أول أعماله الاستثمارية الخاصة، وتحديدا في عام 1956، حيث أسس مصنع "المحرك الفضي" هو ونحو ثلاثمائة من زملائه، فتخصصت هذه الشركة في تصنيع محركات الديزل، وبدأت إنتاجها الفعلي عام 1960، ولا تزال هذه الشركة تعمل حتى الآن، وتنتج نحو ثلاثين ألف محرك ديزل سنويا.
وتولى أربكان عددا من المناصب التجارية والاقتصادية في تركيا خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، ولم يُخْفِ الرجل حينها ميوله الإسلامية التي أثارت حوله جدلا واسعا من قبل العلمانيين الأتراك الذين بدءوا حينها حربا إعلامية ضده، بالنظر إلى الخطورة التي توقعوها من أربكان، باعتبار أنه أحد أعمدة الاقتصاد التركي.
وكمثال على ما زخرت به الصحف من هجوم على أربكان في ذلك الوقت، قالت مجلة "آنت" العلمانية في عددها رقم 127 الصادر في الثالث من حزيران (يونيو) 1969 "هناك صراع واضح في هذه الأيام في عالم التجارة الصناعة بين فئتين: فئة الرفاق الماسونيين الذين يعملون بحماية رئيس الوزراء سليمان ديميريل؛ وفئة الإخوان المسلمين الذين يعملون برئاسة نجم الدين أربكان"، على حد تعبيرها.
من الصناعة والاستثمار.. إلى قلب الحياة السياسية
لكأن نجم الدين أربكان كان على موعدٍ مع قدره، فينتقل من حلبة الصناعة إلى حلبة السياسة ليؤسس، ويقود، ويهندس حركة الانبعاث الإسلامية الحديثة في تركيا.(27/201)
وكانت بداية التحول في حياة أربكان من هندسة الصناعة إلى هندسة السياسة؛ من مدينة قونية، التي كانت على امتداد تاريخ تركيا الإسلامي، وما تزال؛ معقلا إسلاميا. ومن هذه المدينة؛ بدأ أربكان أول تجربة سياسية في حياته، حين خاض الانتخابات النيابية التي جرت في عام 1969 كمرشح مستقل، فأكرمته المدينة المتدينة، إذ حملته أصوات ناخبيها وناخباتها بما يشبه الإجماع و"الاكتساح"، إلى مجلس النواب التركي، ممثلا لهذه المدينة.
التجربة الأولى.. حزب النظام الوطني
سرعان ما بلور أربكان في عام 1970، أول حزب من نوعه في الجمهورية التركية الكمالية مع عدد من المفكرين والناشطين الإسلاميين، أطلق عليه "حزب النظام الوطني"، الذي تسميه بعض المراجع حزب "الخلاص الوطني". وأعلن أربكان هوية حزبه هذا بوضوح، حينما قال "إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام، ولقد حاول الماسونيون والشيوعيون بأعمالهم المتواصلة أن يُخربوا هذه الأمة ويفسدوها، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، فالتوجيه والإعلام بأيديهم، والتجارة بأيديهم، والاقتصاد تحت سيطرتهم، وأمام هذا الطوفان؛ فليس أمامنا إلا العمل معا يدا واحدة، وقلبا واحدا؛ حتى نستطيع أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، ونصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريده مشرقا..."، وهي الكلمات التي كانت بمثابة إلقاء حجر كبير في البركة الراكدة.
ويرى المراقبون أن هذا الخطاب الذي ألقاه أربكان في الذكرى الأولى لتأسيس حزبه كان الأشد وطأ على مسامع الطبقة العلمانية المتنفذة التي يقف جنرالات الجيش التركي على رأسها، الأمر الذي دفعهم بعد أشهر من إلقائها إلى إقامة دعوى حكومية ضد حزب النظام الوطني، فأصدرت محكمة أمن الدولة العليا قرارا بحل الحزب ومصادرة أمواله وممتلكاته، بعد أن جرمته بتهمة انتهاك الدستور العلماني، والعمل على إلغاء العلمانية، وإقامة حكومة إسلامية في تركيا، والعمل ضد مبادئ أتاتورك.
كما حكمت المحكمة بمنع أي عضو في الحزب من العمل في حزب آخر، أو تأسيس حزب آخر، أو ترشيح نفسه للانتخابات ولو بشكل مستقل، وذلك طيلة خمس سنوات. إلا أن التجربة كانت لها بصماتها على مسيرة من سيغدو مؤسسا لعدد من الأحزاب اللاحقة على مدى ثلاثة عقود، ورئيسا للوزراء أيضا.
وبعد صدور حكم محكمة أمن الدولة العليا بحل حزب النظام الوطني، وحرمان مؤسسه وأعضائه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات؛ غادر البروفيسور أربكان تركيا، وكان ذلك في الربع الأخير من عام 1970.
وبعد سنتين، أي في عام 1972؛ عاد أربكان إلى بلاده ليدفع بعض الإسلاميين ممن لا ينطبق عليهم حكم محكمة أمن الدولة العليا إلى تشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم "حزب السلامة الوطني"، وأعلن تأسيس الحزب في تشرين أول (أكتوبر) 1972، وأصدر بعد ذلك بعدة أشهر صحيفته الرسمية "مللي غازيته" التي ما زالت تصدر إلى اليوم.
وفي عام 1973 صدر عفو عام عن الجرائم السياسية، فشمل ذلك الحكم نجم الدين أربكان، ما أهله لقيادة حزب "السلامة الوطني" وخوض الانتخابات، ليفوز الحزب بـ 48 مقعدا.
وعندما احتدم الخلاف بين الحزبين الرئيسين: حزب العدالة (149 نائبا) بزعامة سليمان ديميريل، وحزب الشعب الجمهوري (186 نائبا) بزعامة بولنت أجاويد؛ اضطر الأخير للائتلاف مع حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، فحصل حزب السلامة على سبع وزارات هامة، منها الداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والصناعة والتموين ووزارة دولة، وتقلد أربكان منصب نائب رئيس الوزراء.
ومثلت مشاركة حزب السلامة الوطني في حكومة ائتلافية أول اختراق إسلامي للسلطة التنفيذية في الجمهورية العلمانية منذ تأسيسها على يد أتاتورك، ما دفع العلمانيين للتحرك السريع، حيث اضطرت الحكومة الائتلافية إلى الاستقالة بعد تسعة أشهر من تشكيلها.
لكن ذلك كان إجراء عابرا بالنسبة للتجربة الإسلامية الصاعدة. فقد اضطر المناخ السياسي المهيمن في ظل عدد من الظروف الموضوعية الضاغطة حزب العدالة التركي بزعامة سليمان ديميريل إلى الائتلاف مع حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، ما مكن الأخير ورجاله من العودة مرة أخرى إلى الحكومة، بالعدد نفسه من الوزراء ومقاعدهم في الحكومة السابقة.
إلا أن الانتخابات التي جرت عام 1977، والتي أعد العلمانيون والقوميون الأتراك العدة المناسبة لها، بعد تجربتهم مع الإسلاميين في الانتخابات التي سبقت ذلك؛ أتت مخيبة لآمال الإسلاميين الأتراك، فقد انحسر عدد مقاعدهم في مجلس النواب التركي إلى 24 نائبا فقط.
ورغم طي صفحة مشاركة أربكان في الحكومة؛ فإنه كان قد سجل خلال ذلك واحدة من أبرز الخطوات التي اتخذها في حياته السياسية؛ أي قراره في العام 1974 الدفع باتجاه اجتياح القوات التركية للثلث الشمالي من جزيرة قبرص، للقيام بدور مكافئ للنفوذ اليوناني في الجزيرة إثر قيام المجلس اليوناني الحاكم فيها بانقلاب. وقد أتيح لأربكان ذلك بموجب صلاحياته في ظل غياب رئيس الوزراء في الخارج.
انقلاب يحل الحزب ويفضي بأربكان إلى السجن
أربكان وحملة دعم السعادة(27/202)
نجح نجم الدين أربكان في السادس من أيلول (سبتمبر) 1980 من تنظيم تظاهرة باسم حزب السلامة الوطني، في مدينة قونيه التركية، شارك فيها أكثر من نصف مليون تركي، وكانت هذه المسيرة بمناسبة يوم القدس العالمي، وهتف المتظاهرون خلال مسيرتهم بشعارات إسلامية معادية للاحتلال الإسرائيلي.
وبعد ذلك بيوم واحد فقط؛ كانت الإذاعة التركية تذيع البلاغ رقم 1، الذي يعلن عن انقلاب عسكري بزعامة الجنرال كنعان إيفرين، ولم يمض يومان من هذا الانقلاب حتى صرح قائده بأن الجيش تدخل ليوقف المد الإسلامي، وليوقف "روح التعصب الإسلامي الذي ظهر في مظاهرة قونية". وكانت مجلة "نيوزويك" الأمريكية قد نشرت على غلاف عددها الصادر في أعقاب هذا الانقلاب صورة لقائد الانقلاب مع تعليق يقول "بساطير العسكر توقف المد الإسلامي في تركيا".
ومن فورهم؛ اقتاد جنرالات الانقلاب في تركيا أربكان وعددا من رجاله إلى السجن، بتهم متعددة؛ من بينها العمل على استبدال مبادئ تقوم على أساس الإسلام بقوانين الدولة العلمانية، وهو ما كان كافيا لأن يحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات وأخرجته من الحلبة السياسية التي أصبح العسكر يمسكون بها مباشرة.
من هامش العسكر إلى قمة صناعة القرار
التعديلات القانونية التي أجريت في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي؛ أتاحت لأربكان أن يعمد إلى تأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم "حزب الرفاه". وكما هو متوقع؛ واجه الحزب سلسلة من مذكرات الاتهام والادعاء من قبل عدد من المحاكم التركية، إلا أنه استطاع بعد سنوات من تأسيسه؛ الحصول على 185 مقعدا في الانتخابات النيابية التي جرت عام 1996، ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي.
إثر النصر الانتخابي غير المسبوق قام رئيس الجمهورية التركية آنذاك سليمان ديميريل بتوجيه كتاب خطي لنجم الدين أربكان، بصفته زعيم أكبر حزب في البرلمان، لتشكيل حكومة تركية جديدة، فشكل أربكان حكومته بالتآلف مع حزب "الطريق القويم" الذي كانت تقوده تانسو تشيلر.
وسريعا طفت على السطح حالة التوتر بين حكومة أربكان الأولى من نوعها في تركيا منذ عهد أتاتورك؛ وجنرالات الجيش التركي، الذي يُنظر إليه على أساس أنه حامي مبادئ الجمهورية العلمانية.
وتمثلت هذه الحالة بالهجمات الصحفية والإعلامية الضارية ضد الحكومة، وعلى الجانب المقابل كان على أربكان وحزبه التصدي لحملات التهديد والوعيد، ففي تصريح أدلى به أربكان في الثاني من تشرين ثاني (نوفمبر) 1997، وفسره المراقبون على أنه بمثابة رسالة تحدٍ لجنرالات العلمانية؛ أكد أربكان عزم حكومته على بناء مسجد ضخم في ميدان تقسيم في إستانبول، حيث ينتصب أكبر تمثال لأتاتورك، فضلا عن تشييد مسجد آخر في أنقرة في منطقة شانكايا التي تحتضن مقار مؤسسات الجمهورية العلمانية الرسمية.
وانتهت محاولات جنرالات الجيش التركي إلى لجم حزب الرفاه وزعيمه أربكان، بضعضعة الائتلاف مع حزب الطريق القويم بزعامة تشيلر، فأدى انفراط الحزبين إلى استقالة الحكومة في أوائل حزيران (يونيو) 1997، وبعد ذلك ببضعة أشهر تقدم المدعي العام بدعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية، مطالبا بحل حزب الرفاه أيضا بتهمة العمل على تغيير النظام العلماني في تركيا.
وكان الشهر الأخير من سنة 1997 إيذانا باستعادة التاريخ السياسي لذاته؛ فقد أصدرت المحكمة الدستورية التركية حكما بحل "الرفاه"، وبمنع زعيمه أربكان وعدد من رجاله من العمل السياسي لمدة خمس سنوات.
ولعل المفارقة التي تجسدت في تجربة حكومة أربكان أنها جعلت هذا الزعيم الإسلامي وهو في أوج انتصاره الانتخابي محاصرا بقيود السلطة التي تحرسها حراب العسكر، وتطوقها مؤسسات علمانية متأهبة، وتترصد لها آلة إعلامية مهيمنة على الرأي العام المحلي.
وكان من تداعيات ذلك؛ وضع أربكان في موقف لا يحسد عليه، في مواجهة مدارس "إمام خطيب" التي تعد الرافد المتبقي للحالة الدينية في تركيا، علاوة على عجزه عن التأثير على ملف علاقات التحالف المزدهرة بين أنقرة وتل أبيب التي أبرمتها المؤسسة العسكرية.
وحتى طموحات أربكان الكبرى، بخاصة التكامل الاقتصادي مع العالم الإسلامي، وإقامة منظمة الدول الإسلامية الثمانية، على غرار "نادي الأقوياء" الثماني الذي يضم كبرى الدول الصناعية؛ لم يكتب له فيه سوى فضل المبادرة التي لم يتسع لها الهامش الزمني، ولا التوازنات الدولية التي تحكم الدول الإسلامية.
الإسلاميون يشكلون حزب الفضيلة
لم يكن قرار المحكمة الدستورية بحل حزب الرفاه مفاجئا للإسلاميين، بل كانوا يتوقعونه في أية لحظة، وكان أربكان يخطط لمواجهة هذا الموقف عند حدوثه، فوضع مشروعا لتأسيس حزب يخلف الرفاه في حالة حله.(27/203)
ولما صدر قرار حل حزب الرفاه؛ لم يتمكن أربكان، بسبب منعه من العمل السياسي من تأسيس الحزب الجديد، فقام بتشكيله عدد من قادة الرفاه الذين لم يصدر بحقهم حكم بمنعهم من العمل السياسي، فأسسوا حزبا جديدا أطلقوا عليه اسم "حزب الفضيلة" برئاسة إسماعيل ألب تكين الذي تخلى عن زعامة الحزب لإفساح المجال أمام انتخاب رجائي قوطان رئيسا للحزب في المؤتمر الطارئ للحزب الذي انعقد عام 1998.
وجدد الحزب انتخاب قوطان رئيسا له في مؤتمره العام المنعقد في 2000، فنال قوطان 632 صوتا من أصوات المندوبين المشاركين في المؤتمر، مقابل 521 صوتا نالها منافسه عبد الله جول، وكانت هذه المنافسة غير المألوفة أولى بوادر الانشقاق الذي سيظهر فيما بعد في الصف الإسلامي على الساحة الحزبية التركية.
وبالطبع واجه حزب الفضيلة ما عانت منه الأحزاب السابقة التي بات وريثا لها، عبر حملات شنتها الصحف ووسائل الإعلام العلمانية، فتمت محاكمة زعيم الحزب بتهمة "معاداة العلمانية". إلى أن تم حله في عام 2001 بقرار من المحكمة الدستورية.
حكم جديد يمنع أربكان من العمل السياسي
حرص أركان النظام التركي على تشديد الحصار حول البروفيسور نجم الدين أربكان، ولم يكتفوا بالحكم الصادر من قبل بمنعه من العمل السياسي، فقد تم الاتجاه هذه المرة إلى سد منافذ عودته المحتملة إلى ممارسة العمل السياسي، حرصا على إبقائه بعيدا عن الساحة السياسية.
ففي الخامس من تموز (يوليو) 2000، أكدت محكمة التمييز حكما كانت قد أصدرته محكمة أمن الدولة في مدينة ديار بكر بالسجن لمدة عام لأربكان، بتهمة التحريض على "الكراهية الدينية والعرقية"، وحرمانه من العمل السياسي مدى الحياة، واستندت المحكمة في حكمها إلى خطاب قديم كان أربكان قد ألقاه في مهرجان انتخابي في عام 1994.
وفي اليوم التالي لقرار محكمة ديار بكر؛ أصدرت المحكمة الدستورية في أنقرة هي الأخرى قرارا بحرمان أربكان من العمل السياسي مدى الحياة، بعد تأكيد محكمة التمييز لحكم محكمة أمن الدولة في ديار بكر.
السعادة.. والعدالة والتنمية.. وما بينهما
ويرى الباحث في الشؤون التركية زياد أبو غنيمة أن أحد التطورات الهامة التي شهدتها السنوات القليلة الماضية أعقبت صدور قرار المحكمة الدستورية التركية بحل حزب "الفضيلة". فقد تشكل على أنقاض الحزب المنحل حزبان جديدان، هما حزب "السعادة" بزعامة رجائي قوطان، وحزب "العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب أردوغان رئيس بلدية إستانبول.
وفي الانتخابات التي جرت عام 2002، اكتسح حزب العدالة والتنمية الانتخابات، وحصل على 363 مقعدا من أصل 550 مقعدا هي مقاعد المجلس النيابي، فيما أخفق حزب "السعادة" في الدخول إلى البرلمان حينما لم يتمكن من الحصول على نسبة 10 في المائة من أصوات الناخبين.
وبهذا تكون قد تبلورت تجربة سياسية جديدة لقطاع من "تلاميذ أربكان"، وإن كان خارج عباءته هذه المرة، لتكون التجربة مفتوحة على آفاق عدة، وعلى موعد مع ضمور كبير لمعالم الخطاب الإسلامي الذي كان متبعا في سلسلة الأحزاب السابقة التي جرى حظرها.
أما نجم الدين أربكان الذي تجاوز الكثير من الخطوط الحمر خلال تاريخه السياسي الحافل؛ فهو ما زال على الجانب الآخر متمسكا بما يعتقد أنه الهوية الأصيلة لتركيا، وهي الإسلام وليست العلمانية.
وحتى عندما يبدو من المرجح أن يقضي الرجل الثمانيني سنوات إضافية من حياته الممتدة في السجون؛ يكون من المؤكد أن بصماته تبقى حاضرة بقوة في المشهد السياسي التركي، وقد تكون لها تفاعلاتها في إطار أية حالة عامة مرشحة لتطورات في بلاد السقف المنخفض للديمقراطية.
===========(27/204)
(27/205)
رجال و رجال
إنَ من يتتبعُ التاريخَ ..ويستعرضُ المواقفَ الحاسمةَ ، والساعاتِ العصيبةَ في تاريخِ الأمةِ ، يرى على رأسِ كلِّ قضيةٍ منهَا ، وفي كلِّ أزمةٍ ومحنةٍ تتهددُ كيانَ هذهِ الأمةِ، وتتحدَى شرفهَا ، وكرامتَها رجلاً من العصاميينَ يستولي على قلبهِ الحزنُ ، والاهتمامُ بهذهِ الحالةِ ، فيذهلُ عن نفسِه وأهلهِ ويهجرُ راحتُه ، ولذتُه ، وتتلخصُ الحياةُ عندهُ في حلِّ هذِه الأزمةِ ، وفضِّ هذهِ المشكلةِ ، فلا يقر لهُ قرارٌ ، ولا يهدأُ له بالُ حتىَّ تنجلي هذهِ الغمرةُ ، ويرى نفسُه مكلفاً بذلكَ ،وكأنمَا خُلِقَ لهُ ،وأُمِرَ بِه ، ولا يرى لنفسهِ عذراً في الاعتزالِ والانصرافِ إلى النفسِ والعيالِ ،وإليكمْ بعضَ النماذجِ من تاريخنَا .
لقدْ علمتمْ ما أصابَ المسلمينَ على إثرِ وفاةِ الرسولِ r من المحنِ ، فقدْ أصيبُوا بِمَا لم تصبْ بهْ أمةٌ في فجرِ حياتِهَا ، وأشرفتْ الدعوةُ الإسلاميةُ على الضياعِ ، حسبكمْ قولُ عروةَ بن الزبيرِ : إنَّ المسلمينَ كانُوا كالغنمِ المطيرةِ في الليلةِ الشاتيةِ ، ولكنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى قدْ قيّضَ لهذِه المحنةِ أبَا بكرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنُه ، فقامَ قيامَ الأنبياءِ ، وليسَ بنبيْ ، وركزَ فكرهُ ، وهمهُ على حراسةِ هذا التراثِ العظيمِ ،وردِّ الأمرِ إلى نصابِه ، وأفرغَ روحهُ في ذلكَ ، وملكتُه هذه الفكرةُ حتى نسيَ نفسُ ، وكلَّ ما عدَا ذلكَ ، وكانَ رجلاً غيرَ الرجال ، لقد عُرِفَ بالرفقِ الزائدِ ، وإيثارِ جانبِ اللينِ دائماً على جانبِ الشدةِ والعنفِ ، فتصلبَ ، وخَشُنَ في هذهِ المرةْ ، حتى فاقَ في ذلكَ عمرَ بن الخطابِ المعروفُ بالشدةِ والصلابةِ ؛ لأنَّ الموقفَ يطلبُ ذلكَ ، رأَى أبو بكرٍ أنهُ القائمُ على هذهِ الأمانةِ العظيمةِ ، والمسؤولُ عنَها ، ففاضتْ على شفتيهِ تلكَ الكلمةُ البليغةُ المأثورةُ التي تُمَثِلِ نفسيتهُ ، وشعورهُ خيرَ تمثيلٍ : أينقضُ الدينُ وأنا حيٌّ ؟ وبهذه الغيرةِ الملتهبةِ ، والقلبِ المتألمِ ، والنفسِ الأبيةِ ، استطاعَ أبو بكرٍ أن يحفظَ هذا الدينَ ويورثهُ الأجيالَ القادمةَ كاملاً غيرَ منقوصٍ ، قالتْ عائشةُ رضي اللهُ عنهَا : لما قُبِضَ رسولُ اللهِ r ارتدتْ العربُ قاطبةً ، واشرأبَّ النفاقُ ، واللهِ لقدْ نزلَ بأبي مَا لو نزلَ بالجبالِ الراسياتِ لهاضَها ..وصارَ أصحابُ محمدٍ r كأنهمْ معزىً مطيرةٌ في حشٍّ في ليلةٍ مطيرةٍ بأرضِ مسبعةٍ . فوالله ما اختلفُوا في نقطةٍ إلا طارَ أبي بِخُطَمِهَا وعنانهَا وفصلهَا " لذلكَ يقولُ أبو هريرةَ بحقٍ : ( واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو ، لولاَ أنَّ أبَا بكرٍ استُخْلِفَ مَا عُبدَ الله ) قالهَا ثلاثاً .
وإذا انتقلنَا من القرنِ الأولِ إلى القرنِ السابعِ..عندمَا تدفقتْ الجيوشُ الصليبيةُ من أوروبَا ، واكتسحتْ فلسطينَ بما فيَها من إماراتٍ ومقدساتٍ ، وكانتْ كالجرادِ المنتشرِ ، ولم يقفْ في طريقهَا ملكٌ ولا جيشٌ ، وعجزتْ الحكوماتْ الإسلاميةُ عن مقاومتَها ، فاستولتْ على البلادِ والعبادِ ، وهُدِدَتْ هذه الأمةُ العظيمةُ وحضارتهَا ، وكانَ الخطبُ جسيماً ، ووقفَ العالمُ الإسلاميُّ على مفترقِ الطرقِ ، فلو جرتْ الأمورُ إلى مجاريَها لكانَ فريسةَ الاحتلالِ والاستعمارِ في القرنِ السادسِ كمَا كانَ في القرنِ التاسعِ عشرْ ، وكانَ الأمرُ أعظمُ من أنْ يقومَ لهُ ملوكٌ وقوادٌ ، ويكونُ الدفاعُ عن القدسِ واستقلالِ العالمِ الإسلاميِّ ، بعضَ همومْهم أو من هوامشِ حياتِهِم ، إنمَا كانَ ينبغي لهُ رجلٌ يكونُ الأمرُ كلَّ همهِ ، كانَ ذلكَ الرجلُ السلطانَ صلاحَ الدينِ الأيوبي الذي اختارهُ اللهُ لهذه المهمةِ ، وهيأَ هو نَفْسَهُ لها ، فقدْ حَكَى عنهُ صاحبهُ القاضي بهاءُ الدينِ المعروفُ بابنِ شدادٍ أنه تابَ عن المحرماتِ وتركَ الملذاتِ ، ورأَى أنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى خلقهُ لأمرٍ عظيمٍ لا يتفقُ معهُ اللهوُ والترفُ .
قامَ صلاحُ الدينِ للدفاعِ عن فلسطينَ ، وردِ الغارةِ الصليبيةِ ، وركزَ فكرُه عليهِ ، وتفرغَ لهُ ، واستولتْ عليهِ هذه الفكرةُ استيلاءاً تاماً حتىَ لم تدع لغيرَها موضعاً ..يقولُ ابنُ شدادٍ في سيرتِه : لقد كانَ حبهُ للجهادِ والشغفُ بهِ قدْ استولىَ على قلبِه وسائرِ جوانحهِ استيلاءاً عظيماً ، بحيثُ مَا كانَ لهُ حديثٌ إلا فيهِ ، ولا نظرٌ إلا في آلتهِ ، ولقد هجرَ في محبةِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ أهلهُ وأولادهُ ووطنهُ وسكنهُ وسائرَ بلادِه ، وقَنِعَ من الدنَيا بالسكونِ في ظلِّ خيمتِه ، تهبُّ بها الرياحُ ميمنةً وميسرةً ، وكانَ الرجلُ إذا أرادَ أن يتقربَ إليهِ يحثُه على الجهادِ )(27/206)
وقد حملَ السلطانُ همَّ القدسِ ، فأخذَ منهُ كلَّ مأخذٍ ، وحلَّ في قرارةِ نفسِه ، قالَ ابنُ شدادٍ : وكانَ رحمهُ اللهُ عندُه من القدسِ أمرٌ عظيم لا تحملهُ الجبالُ ، ومهمَا حاولتُ أنْ أصفَ هذا الهمَ الذي استولىَ على صلاحِ الدين ، وأصورَ ما كانَ فيهِ من قلقٍ وإزعاجٍ دائمٍ ، وشدةَ اهتمامٍ باستردادِ البلادِ ، وتحريرِ القدسِ وردِّ الأوربيينَ على أعقابهمْ ، لا أستطيعُ أن أزيدَ على وصفِ ابن شدادٍ له بالوالدةِ الثكلَى ، ولا أستطيعْ أن آتيَ بتعبيرٍ أبلغَ وأدقَ من هذاَ ، ويقولُ رحمه اللهُ في وقعةِ عكَّا : ( وهو ـ أي السلطانُ ـ كالوالدةِ الثكلىَ ، يجولُ بفرسهِ من طلبٍ إلى طلبْ ، ويحثُ الناسَ على الجهادِ ..ويناديْ بالإسلامِ وعيناهُ تذرفانِ بالدموعِ ، وكلمَا نظرَ إلى عكَّا ، وما حلَّ بهِا من البلاءِ ، وما يجريْ على ساكنِيها من المصابِ العظيمِ ، اشتدَّ في الزحفِ ، والحثِّ على القتالِ ، ولم يَطْعَمْ في ذلكَ اليومِ طعاماً البتةَ ، وإنما شَرِبَ أقداحَ مشروبٍ كانَ يُشِيْرُ بها الطبيبُ ) ويقولُ في فتحِ الطريقِ إلى عكَّا : ( والسلطانُ يواليِ هذهِ الأمورَ بنفسِه ، ويُكَافِحُهَا بذاتِه لا يتخلفُ عن مقامٍ من هذه المقاماتِ ، وهو من شدةِ مرضهِ ، ووفورِ همتِه كالوالدةِ الثكلَى ، ولقدْ أخبرني بعضُ أطبائِهِ أنهُ بقيَ من يومِ الجمعةِ إلى يومِ الأحدِ لم يتناولْ من الغذاءِ إلا شيئاً يسيراً لفرطِ اهتمامِه )
وقالَ في ذكرِ الواقعةِ العادليةِ : ( لقد رأيتهُ رحمهُ اللهُ قدْ ركبَ من خيمتِه وحولُه نفرٌ يسيرٌ من خواصهِ والناسُ لم يتمَّ ركوبهمْ ، وهو كالفاقدةِ ولدهَا ، الثاكلةِ واحدهَا )
بهذا الهمِ الشاغلِ ، والنفسِ القلقةِ ، والقلبِ المنزعجِ استطاعَ صلاحُ الدينِ أنْ يكملَ مهمتهُ ، ويكتسبَ الفتحَ المبينَ في معركةِ حطينَ ، وما كانَ اجتماعُ الجيوشِ عندُه ، والتفافُ الأمراءِ إلا صدىً لقلبهِ الخفاقِ ، وإيمانهِ الفياضِ ، وصدرهِ الجائشِ ، وروحهِ الملتهبةِ ، ولا ترونَ انتصاراً باهراً في التاريخِ ، ومعركةً حاسمةً ، إلا من ورائها قلبٌ يخفقُ ، وعرقٌ ينبضُ ، وليثٌ يثورُ ، وشجاعٌ يغضبُ .
وبالمقابلِ ..فإنَّ تلكَ الأحداثَ العصيبة التي مرتْ بالأمةِ ..وقفَ لها رجالٌ ..خانُوا الأمةَ في أحلكِ الظروفِ ..وأحرجِ المواقفِ ..في وقتٍ كانتْ بأمسِ الحاجةِ إلى صمودهمْ وثباتهمْ في صفهَا ..فإذا بهمْ ينقلبونَ سهاماً تُغْرَسُ من خلفهَا ..وسيوفاً تُطْعَنُ في ظهرهَا .. فالدولةُ العباسيةُ من أعظمِ دولِ الإسلامِ ..وحكامهَا وإن أصابَ بعضهْم تقصيرٌ وخللٌ إلا أنهمْ من أعظمِ ملوكِ الإسلامِ أثرًا في تاريخِ المسلمينَ وفي عهدهمْ ازدهرتْ بيارقُ العلمِ من جهةٍ وازدهرتْ بيارقُ الجهادِ من جهةٍ فوصلتْ راياتُ المسلمينَ شرقًا وغربًا إلى ما لم تصلُه قبلَ ذلكَ وبلغَ سلطانُ المسلمينَ ومُلْكُهُمْ أَوْجَهُمَا في عهدِ هارونَ الرشيد ذلكَ الملكُ العباسيُ العابدُ المجاهدُ الذي كانَ يغزوُ سنةً ويحجُ سنةً ثمَ طرأتْ العللُ على هذهِ الدولةِ الإسلاميةِ العظيمةِ فَضَعُفَتْ،والسؤالُ الذي يطرحُ نفسهُ :كيفْ انهارتْ هذهِ الدولةُ الإسلاميةُ العظيمةُ ؟!!لقد كانَ سببَ سقوطَها على يدِ وزيرٍ باطنيٍ رافضيٍ خبيثٍ وقصةُ ذلكَ أن آخرَ الخلفاءِ كانَ ضعيفَ الرأيَّ..محبًا للأموالِ متبعًا للشهواتِ ومن غفلتِه اتخذَ وزيرًا باطنيًا رافضيًا خبيثًا هو محمدُ بنُ العلقمي فائتمنُه على شئونِ الدولةِ .. فأخذَ الوزيرُ الخبيثُ يصرفُ الجنودَ من حولِ الخليفةِ شيئًا فشيئًا حتىَّ إنُه لم يبقَ حولَ الخليفةِ في العاصمةِ العباسيةِ حينئذٍ بغدادْ، لم يبقَ فيهَا إلا عشرةَ آلافِ فارسٍ، ثمَ أخذَ محمدُ بنُ العلقميِّ يكاتبُ التتارَ حتى إذا أقبلتْ جيوشُ التتارِ متلاحمةً كالبحارِ أقبلتْ إلى بغدادَ وليسَ فيهَا حولَ الخليفةِ إلا تلكَ القوةِ الضعيفةِ من الجندِ زَيَّنَ الوزيرُ بنُ العلقميِّ إلى الخليفةِ أن يخرجَ إلى هولاكُو قائدِ التتارِ من أجلِ التفاوضِ على الصلحِ فخرجَ الخليفةُ من غفلتِه ومعهُ سبعمائةٍ من الأعيانِ والقضاةِ والعلماءِ فقتلهمُ التتارُ عن بكرةِ أبيهمْ وقُتل الخليفةُ المستعصمُ بينَ يديْ هولاكُو صبرًا ومعهُ سبعةَ عشرَ من خواصِه منهمْ ثلاثةٌ من أبنائهِ.
وذكرَ المؤرخونَ أنَّ عدوَ اللهِ هولاكو التتريُّ الوثنيُّ تَهَيَّبَ في بادئِ الأمرِ من قتلِ الخليفةِ لمَا يعلمُ من مكانتِه في قلوبِ المسلمينَ، فأخذَ ابنُ العلقميُّ الوزيرُ الخائنُ الرافضيُّ الخبيثُ يُهَوِّنُ عليهِ ذلكَ ويُزَيِّنُهُ لهُ حتى قتلهُ، وابنُ العلقميِّ يتفرجُ على ذلكَ.(27/207)
ثُمَّ دخلَ التتارُ بغدادَ ..وقدْ فتحَ أبوابهَا الوزيرُ ابنُ العلقميُّ ..فدخلُوا يقتلونَ وينهبونَ ويأسرونَ ويدمرونَ ويحرقونَ أربعينَ يومًا حتى أصبحتْ بغدادُ التي كانتْ حين ذاكَ زهرةَ مدائنِ الدنيَا أصبحتْ خرابًا يبابًا ..تنعقُ فيهَا البومُ، وقُتلَ فيهَا كما يذكرُ ابنُ كثيرٍ في تاريخِه حوالي ألفي ألفَ إنسانٍ أي حوالي مليونينِ من المسلمينَ والوزيرُ الرافضيُ الخبيثُ ابنُ العلقمي يتفرجُ على تلكَ الكارثةِ الهائلةِ التي حلتْ بالمسلمينَ وسقطتْ تلكَ الدولةُ العباسيةُ الإسلاميةُ العظيمةُ، التي استمرَّ ملكَها أكثرَ من خمسمائةِ سنةْ ..ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .
ومن الرجالِ الذينَ لهم مواقفٌ مشهودةٌ في ضياعِ الأمةِ ..والذي على يديهِ تم سقوطُ الخلافةِ الإسلاميةِ العثمانيةِ.. مصطفى كمال ..الذي لَبِثَ في أولِ أمرهِ فترةً يتمسحُ بمسوحِ الإسلامِ ولقبَ نفسهُ بالغازيْ في سبيلِ اللهِ وأعلنَ الجهادَ ليخدعَ المسلمينَ لتنطلي حيلتهُ على السذجِّ ولقد انطلتْ حيلتهُ فعلاً ..حتى مدحهُ أحمد شوقي في قولهِ:
اللهُ أكبرُ كمْ في الفتحِ من عجبٍ يَا خالدَ التُرْكِ جَدِّدْ خالدَ العربِ
وانخدعَ بهِ وظنهُ فعلاً مجاهداً غازياً في سبيلِ اللهِ وما لبثَ ذلكَ الطاغوتُ أنْ كشرَ عنْ أنيابهِ فإذَا هو عدوُ للهِ ورسولِه، فتكَ بالمسلمينِ في ديارِ التركِ ..وسفكَ دماءَ علمائهمْ ..وحاربَ مظاهرَ الإسلامِ وشعائرهُ..وحَرَّمَ التكلمَ والكتابةَ بالعربيةِ واستبدلَ بها اللغةَ التركيةَ والحروفَ اللاتينيةَ ..وقد وصلتْ بهِ الوقاحةُ أنْ منعَ أنْ يُؤَذَّنَ بالعربيةِ ..و أوجبَ أنْ يكونَ الأذانُ بالتركيةِ من شدةِ سخريتِه بالإسلامِ و المسلمين ...لقدْ خدمَ الماسونيةَ خدمةً عظيمةً حتى قالُوا عنهُ كما في دائرةِ المعارفِ الماسونيةِ : ( إن الانقلابَ التركيَ الذي قامَ بهِ الأخُ العظيمُ مصطفى كمالْ أتاتوركْ أفادَ الأمةَ ، فقدْ أبطلَ السلطنةَ وألغىَ الخلافةَ ، وأبطلَ المحاكمَ الشرعيةَ ، وألغَى دينَ الدولةِ الإسلاميةِ ، أليسَ هذَا الإصلاحُ هو ما تبتغيهِ الماسونيةُ في كلِّ أمةٍ ناهضةٍ فمنْ يماثلُ أتاتوركَ من رجالاتِ الماسونٍ سابقاً ولاحقاً ) [1]
هذهِ مواقفُ رجالٍ ورجالْ ..مواقفُ تباينتْ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ..مواقفٌ سُجِلت بمدادٍ من نورٍ ..ومواقفٌ أصبحتْ عاراً في جبينِ الأمةِ ..مواقفٌ يتفاخرُ بهَا أهلُ الإسلامِ على مدارِ الزمانِ ..ومواقفٌ تجلبُ الحزنَ والأسىَ كلمَا سنحتْ في ذاكرةِ أهلِ الإيمانِ ..أناسٌ أصبحَ همُّ الأمةِ وإصلاحِ أوضاعَها جاثماً على قلوبهمْ ، آخذاً بمجامعِ أفئدتهمْ وأفكارهمْ ، وأناسٌ أصبحُوا أداةَ تحركٍ لتحطيمِ الأمةِ ومقدراتهَا .
فمن أيْ الرجالِ تكونُ أنتْ ؟! ومن أي المواقفِ موقفكَ ؟!!
لا تقلْ ..هذه مواقفُ أمراءُ ووزراءُ ..فقد كانَ هؤلاء لا شيءَ ..ولكنْ بجهدهمْ الدؤوبْ ، وعملهُم المتواصلُ أصبحوا شيئا مذكوراً.
هذهِ الأمةُ اليومَ على مفترقِ طرقٍ، وتعاني أَلَمَ الاحتضارِ،فيَا تُرَى ما موقفكَ تجاهَها ؟!! هلْ أخذَ الهمُ بمجامعِ قلبكَ ..فإذَا بكَ تَقْلِبُ حياتكَ كلهَا سُخْرَةً لدينكَ ..ونُصْرَةَ ملتكَ ..والدفاعُ عن عقيدتكَ ؟!! أمَّا أنكَ لا تزالُ غارقاً في بحرِ أمانيكَ ..سابحاً في محيطِ الشهواتِ والمليهاتِ ..لا همَ لكَ إلا جمعُ الحطامِ الفاني !!
إنهُ لا يُرضَى لكمُ أن تكونُوا رجالاً لا يهمهمْ إلا المصالحَ الشخصيةَ والرفاهيةَ الفرديةَ؟؟ ، وأن يكونُوا ذلكَ الساقطِ الهمةِ الذي ذمهُ الشاعرُ بقولِه :
لحَا اللهُ صعلوكاً مناهُ وهمُّهُ من العيشِ أنْ يلقىَ لبوساً ومطعمَا
ويَا ليتَ شبابَ الإسلامِ بلغُوا في علوِّ همتهمْ ، وطموحهمْ مبلغَ الشاعرِ الجاهلي امرئِ القيسْ حيثُ قالَ :
ولو أنِني أسعىَ لأدنىَ معيشةٍ كفانِي ولمْ أطلُبْ قليلاً من المالِ
ولكننِي أسعىَ لمجدٍ مؤثلٍ وقد يدركُ المجدَ المؤثَّلَ أمثاليِ
إن المجدَ المؤثلَ وهو الذي يحلمُ به الشاعرُ الطموحُ ، هو الذي نشدهُ عمرُ بن عبدالعزيز ، فأدركُه ، وسعىَ له طارقُ بنُ زيادٍ ومحمدُ بن القاسمِ الثقفيِّ فوصلاَ إليهِ ، وهو الذي يليقُ أن يكونَ غايتكُم المنشودةَ ، إنكمْ بحقٍ أحقُ الناسِ بأنْ تضحُوا برفاهيتكمْ ، وترفكمْ وأمانيكمْ المعسولةَ في سبيلِ الإسلامِ ، وفي سبيلِ المصلحةِ العامةِ ، والسعادةِ البشريةِ ، وتنضمُوا إلى الرايةِ المحمديةِ ، التي اختارهَا اللهُ لكمْ رايةً ، واختاركمْ لهَا أمةً وجنداً إلى آخرِ الدهرِ ] وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو موالكم فنعم المولى ونعم النصير [
[1] ـ انظر •صحوة الرجل المريض ص 273 .
=============(27/208)
(27/209)
توحيد الكلمة على كلمة التوحيد
الحمد لله القائل: (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران:85) .
حمداً لا ينقطع ولا ينفد، وأصلي وأسلم على القائل: (( والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )) والقائل: (( والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين)) .صلاةً باقية إلى الأبد .. وبعد .
فإن أشد البلاء أن يمس الإسلام ولا حِراك لمن أخذ الله عليهم الميثاق، أن يبلغوا ويقوموا بأمر الله حقّ قيام، حتى دُعي لتبديل الشرع، وجُعلت أصوله تقبل الأخذ والرد، في وسائل الإعلام وحوارات العلماء والمفكرين، في صمت عميم من العلماء وأهل العقل، فأصبح العالِم أحوج إلى النصيحة من الجاهل .
حتى بلغ الأمر إلى تبديل كلام الله والدعوة إلى خلافه، ومن ذلك الدعوة إلى تغيير كلمة الكافر إلى (الآخر)، ونسوا أن الإسلام إسلام والكفر كفر، فأصبح الموحّد يتوجّس غربة، ولو كان الأمر مساومة على دنيا وسلب حظ من حظوظها، لنطق من نطق من أربابها، وصاح من صاح من طلابها، وقد أصبح في عصرنا كثير من أهل العلم ألصق بالدينا من العوام، وما أجمل ما قاله سفيان الثوري: "ما أزداد الرجل علماً فأزداد من الدنيا قرباً إلا ازداد من الله بعداً" فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا ما أخذ الله على أهل العلم أن لا يقارُّوا على كِظَّةِ ظالم مارق، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفظة عنز، ومن نصر الله نصره، وأعزه ومكن له، والواجب على العلماء النهوض والقيام بالحق، ونصرة الملة، لكن المرجو في عصرنا من كثير ممن ينتسب إلى العلم السكوت عن قول الباطل لا قول الحق، فقد أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ولكن العلماء استسلامهم في هذا الباب ذلة وعار، ونكوصهم عن بيان التوحيد والتلبيس فيه معقد الشبه بينهم وبين علماء بني إسرائيل، فالمصلحة في نقض كل ما يقف في وجهة التوحيد، فالتوحيد أعظم مصلحة ترجى، والشرك أعظم مفسدة تُدرأ، ومن نكص عن نصرة التوحيد، هَيبةً أو رغبة في مصلحة أعظم بزعمه، فما والله عرف العزم والحزم، ولا متى يكون الإقدام والإحجام، فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة، وقد كاد المصلح يُصبح بلا ناصر ولا معين إلا من الله، وسط أناس اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم وظهور هؤلاء المبدلين والمغيرين للشرع ليس بالأمر الجديد، فالملحدون والمنافقون والمشركون لا يعرفون وقتاً أو زمناً، والموحدون قاعدون لهم كل مرصد، وخروج البعض ممن ينتسب للإسلام ليقول بشيء لم يقله مسلم قبله ليُرضي الكافر، هو هزيمة نفسية شر هزيمة، حتى ظهر ذلك ممن ينتسب للعلم، وهذا ربما يكون من آثار هزيمة النفس التي أورثها الحادي عشر من سبتمبر، فأصبح كثير من الكتاب يتحدث وينتقي ما يظهر محاسن الإسلام بزعمه ويُحسّن صورته، ويتوارى من تقرير الصراع بين الحق والباطل، والكفر والإيمان وجهاد أعداء الله تعالى، حتى وصل ذلك لنقض الإسلام وتحاشي تسمية الكافر باسمه، و وُصِف من يدافع عن عرضه وأرضه ودمه بأنه ملقي بنفسه إلى التهلكة، بل وشرّع بعض المنهزمين ولاية النصارى على المسلمين، فما أشبه الليلة بالبارحة، واليوم بالأمس فحين اغتصاب الفرنسيين للجزائر بلغت الهزيمة بالمسلمين أن قدر الفرنسيون على إعداد فتوى تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، وضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر .(27/210)
وإن لم يعتبر المنهزمون بالوحي أن تبديل الحكم الشرعي طلباً لرضا كافرٍ أو منافق ظلم للنفس وللأمة موبقٌ، فها هم الكثير من بني جلدتنا قد بحّت حناجرهم، وكلّت أجسادهم، وتجرحت أقدامهم، وضيّعوا أموالهم في السعي نحو الغرب من أجل المناشدة بالسلام العالمي، والتآلف والتعايش، فما زاد الغرب إلا عتوًا واستكباراً ونفورًا عن الإسلام، فيجب علينا أن نأخذ دين الإسلام بفخر وقوة واعتزاز، ومن ذلك أن نقيم شعيرة الولاء والبراء ونحكّم شرع الله ونضعه حيث وضعه، ونبغض أعداء الإسلام والمسلمين من الكفار والمنافقين ونتبرأ منهم والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى والإسلام دين العدل والحق والشمول، فحين العمل يجب أن نأخذ بكل نصوصه، لا نظهر جانباً ونغيّب آخر لمطمع ومصلحة تُزعم، فالإسلام دعى إلى اللين والرفق في موضعه ودعى إلى الجهاد والغلظة في موضعها، وهذا هو نهج صلى الله عليه وسلم كما أنه نبي الرحمة والعفو، فهو نبي الملحمة، فلا نأخذ أمراً وندع الآخر، بل إن المتعين والواجب أن نشتغل باتباع نهج صلى الله عليه وسلم في الحب والبغض، والولاء والبراء، وأن نراعي حين التعامل مع العدو أحوال المسلمين من قوة وضعف، ففي القوة يُبادر بجهاد أعداء الله، وفي حال الضعف والوهن يؤخذ بآيات الصبر والصفح، مع العمل على إعداد العدة لتتقوى الأمة، فلا تبقى صابرة صافحة ذليلة، وحين الأخذ بهذا الجانب الشرعي لا يلغى الآخر، بل يكون حاضراً لا يُغيّر ولا يُبدل ولا يغيب، ومن انحرف عن نهج الإسلام وكفر بما جاء به صلى الله عليه وسلم انحط إلى أدنى الدركات، وجعل نفسه مع البهائم بل هو أضل سبيلاً، وقد فهم كفار قريش التوحيد أفضل مما فهمه بعض المنتسبين للإسلام في عصرنا من دعاة التقريب بين الأديان، وحوار الحضارات، فحينما قال لهم محمد صلى الله عليه وسلم (( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)) قالوا كما حكى الله عنهم: (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) (ص:5) .
فعلموا أن كلمة التوحيد تنفي كل إله غير الله، بل قد فهم بعض ملحدي عصرنا التوحيد أفضل منهم، فحينما تكلم الرئيس الروسي "بوتين" عن الحرية الدينية في بلادة قال: نحن نأذن بتعليم ونشر سائر الكتب الدينية لسائر الديانات إلا "التوحيد" لأنه يلغي غيره، ولا يقبل المشاركة وظهور ما يسمى بـ (حوار الحضارات) أو (حوار - تقارب - الأديان) كان في عقد التسعينيات ردًا على أطروحة "صامويل هنتنجتون" (صدام الحضارات) فبدأ جملة من كُتاب الغرب ومن خلفهم من أبواق مصطنعة من أبناء المسلمين يروجون لفكرة (حوار الحضارات) و( التقريب بينها) و (المساواة بين الأديان) وأن أهل الكتاب مؤمنون بالخالق كالمسلمين وليسوا كفاراً، وتولد عنها انعقاد المؤتمرات والندوات لتُعنى بذلك، وبثوا سموهم الزعاف في مدح الإسلام والمسلمين تارة ووصفهم بالإرهاب تارة أخرى، وتلوّنوا في ذلك كالحرباء بحسب مصالحهم، وأننا شركاء معهم في الإنسانية وعِمارة الأرض، وغرسوا في نفوس الكثير فكرة احترام الرأي الآخر مهما كان، وبثوا المفاهيم والأفكار والمصطلحات الغربية بين المسلمين لتصبح مطالب ومقاييس!
وقد وقع بعض أبناء المسلمين من علماء وأفراد ومؤسسات في شِراكهم، ففتقوا ما يسمى بـ (المصلحة) حتى دخل منها الكفر والزندقة، وفكرة الإخوة بين المسلمين وغيرهم من الكفار، وساروا بفكرة الأولويات النابعة من واقع المصلحة العامة، التي تجعل للعقل مدخلاً في منازعة الله في حقّه في التشريع وإصدار الأحكام، ولجؤوا إلى العموميات دون التفصيل لتمييع أصول وأحكام وأنظمة الإسلام.
وقد جاء الإسلام بمفاهيم ومناهج وسلوك لتحديد هوية المسلم لتميزه عن غيره، وتحدد له الطريق القويم والمحجة الواضحة للوصول إلى النجاة، قال تعالى (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) (يوسف:108).
ويلزم من هذا عدم التخلي عن أي أمر متعلق بأخلاق وحياة الأمة المسلمة، فحياتنا على نهج معيّن خاص، مبني على عقيدة التسليم لله والعبودية له، والانقياد له بالطاعة، فالإسلام ليس كغيره فقد جاء بحفظ الدين والدنيا فهو سياسة واجتماع واقتصاد وسلوك وتربية، غير أن قوّة الكفار وضعف المسلمين وفرضهم الأنظمةَ الكافرة والقوانين المضادة لحُكم الله، قد جرأ عدداً من أبناء المسلمين أن يطلبوا مجتمعاً غير مسلم، قال تعالى (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة:50) .
فتمكنت الهزيمة في قلوبهم، حتى لو ترك الغرب ( اليهود والنصارى ) ما هم عليه من قوانين وأنظمة إلى قوانين أخرى لإدراكهم بخطأ ما كانوا عليه لتركوا ذلك معهم، ولو عادوا لما كانوا عليه من قبل لعادوا معهم مرة أخرى...(27/211)
وقد حكم الله ولا مبدل لحكمه أن من لم يكن على الإسلام فهو من ملة الكفر، مستحق للنار والخلود فيها إلى أبد الآبدين، وهذا أصل التوحيد، وعليه بُعثت الرسل، وأنزلت الكتب، وخلقت الجنة والنار، وشرع الجهاد، ونصب الميزان، ووضع الحساب والعقاب، أصل مستقر لا خلاف فيه عند المسلمين عالمهم وجاهلهم، ومن شككّ فيه، فضلاً عن مخالفته، فليس هو من المسلمين، بل من أدخل المشككّ فيه والمخالف في دائرة الإسلام كافر خارج عن الملة باتفاق المسلمين، ومن العجب أن مثل هذا الأصل يبيّن، فهو من الواضحات، والأصول البينات. وقد جاء القرآن والسنة مفرقاً بين المسلمين والكفار، ومبيناً أن هذين الاسمين اصطلاحان شرعيان لا يجوز النزاع فيهما، وجعل ذلك أصلاًَ من الأصول، إذ لا تكاد تخلو سورة من بيانه، فبيّن الفرق بين مدلول كلمتي (المسلم ) و(الكافر)، فكان المسلم كل من يدين بدين الإسلام الذي جاء به صلى الله عليه وسلم فحسب، وكان الكافر كل من يدين بغير الإسلام (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)). وهذا الفهم بيّن واضح وصريح وجلي كالشمس، في أن غير المسلم يكون كافراً مهما كان دينه وشريعته، وإذا مات دخل النار، وأن المسلم إذ مات مآله الجنة، فالأصل أن يسمى كل باسمه، فالكافر لا يصح أن نسميه (غير المسلم) فحسب بل هو كافر أيضاً، فبهذه المصطلحات الشرعية وبهذه المسميات التي أنزلها الله في كتابه وفي سنة نبيه يتم التميز بين البشرية في الأرض، وفي دائرة كل مسمى تتفرع المسميات فالكافر يكون يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً أو هندوسياً مهما كان دينه، ومهما كان فكره فيكون شيوعياً أو ماسونياً أو علمانياً أو ليبرالياً ونحو ذلك.
فهذا التميز بين المسلمين وغيرهم أصل في عقيدة الإسلام وأحكامه بل هو أساسه، فلا حلول وسط ولا التقاء مع الكفار في الأسماء ولا في الأحكام ولذا قرر تعالى هذا الأصل بقوله: (( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) (الكافرون:6) .
فلا توافق بيننا وبين الكفار، إلا بصور معينة بينها الشارع.
فلا يمكن أن يتضح المسلم وحقيقته إلا بتبيين حقيقة الكافر، إذ أن الشيء يتضح ببيانه وبيان ضده.
فعند الحكم على الناس عامة يقال مسلمون وكفار، لا وجود لشيء آخر غير ذلك، حُكْم لا مناص منه، ولا حيدة عنه، إذا هو الإسلام والإسلام هو، لا فريق ثالث في الدنيا غير ذلك، قال تعالى: (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ )) (التغابن: آية2).
حتى من وقع في الكفر وتلبّس به من الأمم والشعوب التي لم تقم عليها الحجة في الظاهر فهي كافرة اسماً، لمشابهتها لفعل الكفّار في الظاهر، لكنها ليست بكافرة حُكماً، فلا تُقاتل، ولا تُسلب المال، ولا تُستباح سائر حُرماتها، حتى تقوم البينة، بخلاف الكفّار الخلّص الذين قامت عليهم البينة والحجة، فهم كفار حُكماً واسماً، ولذلك سمى الله من وقع وتلبّس بفعل الكفر ( كافراً ) وإن لم تبلغه الحجة، فقال تعالى: (( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ)) (التوبة:6) .
فسماه ( مشركاً) قبل أن يسمع كلام الله، لكنه ليس بكافرٍ حُكماً حتى يسمع كلام الله.
وبين الله وحكم وهو خير الفاصلين لأجل معرفة العدو من الصديق والحق من الباطل، قال تعالى: (( يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) (الأنعام:57).
أي هو خير من بيّنَ وميّزَ بين الحق والباطل، والسبب من تمييز ذلك في قوله: (( وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) (الأنعام:55) .
وسفور الكفر والإجرام واستبانة سبيله وأهله مهم لوضوح الإيمان والخير واستبانة سبيله وأهله، وحينما يختلط سبيل بآخر، ينعكس ذلك على أهله وسالكيه .وقد حكم الله بذلك كله، ولا مبدل لحكمه، (( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (يوسف:40) .
لا تزعزع ذلك ذلِة زمرة، ومهانةُ ثُلة، وهزيمة شِرذمة.
سمى الله كل من لا يدين بالإسلام وهو دين صلى الله عليه وسلم كافراً . وقال تعالى: (( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)) (البينة:1).
وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)) (البينة:6) .
وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ )) (محمد:34) .
وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ)) (محمد:32) .(27/212)
وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) (آل عمران:91). وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ)) (غافر:10). وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) (البقرة:161) .
بل بيّن أن الكفرة من أهل الكتاب وغيرهم لا يُحبون الخير لهذه الأمة بقوله تعالى: (( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ )) (البقرة:105) والمراد:
أولاً : أن مما أجمع عليه المسلمون، وهو أصل الاعتقاد في الإسلام المعلوم من الدين بالضرورة :
أنه لم يبق على وجه الأرض دين حق يتعبد الله به سوى دين الإسلام، وأنه الله ختم به الأديان والملل والشرائع (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران:85) * وأن القرآن الكريم آخر كتب الله نزولاً، وهو ناسخ لكلِّ كتاب أنزل من قبل من التوراة والإنجيل وغيرها ومهيمن عليها، وكلها دخلها التحريف، وقد خص الله القرآن بحفظه، فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله به سواه، قال الله تعالى : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ)) (المائدة:48) وقال عن حصوصية القرآن: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر:9) ، وبين تحريف ما عداه كالتوراة والإنجيل، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، فقال الله تعالى : (( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ )) (المائدة:13) .
وقال: (( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)) (البقرة:79) .
وقوله سبحانه : (( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) (آل عمران:78) .
وما كان فيها من صحة فهو منسوخ بالإسلام، ولو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلموهو غَضِب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة وقال عليه الصلاة والسلام : (( أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟! ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)) ، فلا يسوغ لأحد من أهل الكتاب أو غيرهم الخروج عن شريعة الإسلام، ومن خرج كفر واستحق العذاب الخالد، فقد ثبت في صحيح مسلم:(( والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )) ، فإذا كان هذا في حق أهل الكتاب وهم أمة كتابية، فغيرهم من باب أولى.
وأن نبينا ورسولنامحمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل، كما قال الله تعالى : (( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ )) (الأحزاب:40) .
وقد أخذ الميثاق على سائر الأنبياء أن بعثة محمد ناسخة لشرائعم، ولو بُعث في عصرهم لتبعوه جميعاً، ولا يستحق الاتباع أحد غيره بعده، قال الله تعالى : (( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) (آل عمران:81).(27/213)
فموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام يجب عليهما الحكم بشريعة محمد واتباعه، وهما أنبياء الله ففي الحديث السابق: (( لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)) وعيسى إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً ل صلى الله عليه وسلم وحاكماً بشريعته، قال الله تعالى : (( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ)) (الأعراف:157)
وبعثة صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) (سبأ:28) ، وقال : (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)) (الأعراف:158) .
ومن الأصول العظام في الإسلام أنَّه يجب اعتقاد كفر كلِّ من لم يدخل فيما جاء به صلى الله عليه وسلم وهو ( الإسلام ) من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم وتسميته كافراً، وأنَّه عدوٌّ لله ورسوله والمؤمنين، وأنه شر الخلق، وأنه من أهل النار خالداً فيها، قال تعالى : (( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ )) (البينة:1) .
وقال : (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ )) (البينة:1) وقد روى مسلم في "صحيحه" قال صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار )) ولهذا فمن لم يكفر اليهود والنصارى وكل من خرج عن شريعة محمد فهو كافر لتكذيبه ما جاء وتواتر في الكتابة والسنة، ولنقضه أصول الإسلام التي لا يستقر إلا بها.
ثانياً: أن ما تقدم هي أصول الإسلام وكلياته الاعتقادية، إذا عُلم ذلك فإن الدعوة إلى يُسمى بـ ( وحدة الأديان ) أو (التقارب بينها) أو ( الخلط بينها ) دعوة كفرية خبيثة، تهدم الإسلام وتقوض دعائمه وتجرُّ أهله إلى ردَّة شاملة، وأصلها ومنبتها أهل الكتاب، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه : (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)) (البقرة:217) .
(( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء)) (النساء:89) وحينما يئس الغرب من السيطرة وإحكام القبضة على العالم الإسلامي، ووجدوا أن الحائل دون ذلك كله هو الإسلام وصلابة عقيدته، وقوّة أهله فيه، بخلاف سائر شعوب الأرض التي دانت لهم، ورأوا أن نزع الإسلام من القلوب أمر متعذر، سعوا لهذه الدعوى، لتذوب صلابة القلوب وقوّة الأمة وتنصهر فيما يريدون، فإذا تم إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر والحق والباطل والمعروف والمنكر، والعدل والظلم، وكُسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء إذاً ولا براء ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله، وهذا ما يريدونه من المسلمين، فروّجوا لهذه الدعوى، خوفاً مما تقرر في الشرع من عقيدة الولاء والبراء والقتال، قال تعالى: (( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) (التوبة:29) وقال: (( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) (التوبة:36) .
ودعوة وحدة الأديان أو التقريب بينها، ردَّة صريحة عن دين الإسلام، إن صدرت من مسلم، لأنها تعارض أصول الاعتقاد، وتكذّب القرآن إذ أنه ناسخ لجميع ما قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وترضى بالكفر والشرك بالله شبه وبينات.
يثير بعض دعاة التقريب بين الأديان، أو بعض الملحدين الذين يزعمون تسامحاً، وهم في الحقيقة في عِداد الملاحدة المكذبين للكتاب والسنة، يثيرون شيئاً من الشبه التي لا تنطلي على مؤمن، لكن رأينا إزالتها إذا قد تنفذ لبعض العقول التي لا تحسن فهم الكتاب والسنة:
أولها: أن الله قال: (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) .(27/214)
والإسلام هو الاستسلام لله على أي ملةٍ كانت، وكتب كثير منهم عن معنى كلمة "الإسلام" في هذه الآية الكريمة بوجه لم يقله مسلم قط،فقالوا أن الإسلام هو دين الله ودين من أسلم وجهه وذاته وإرادته للخالق, والكلمة هنا (الإسلام) ولو أنها تشمل المسلمين أتباع الرسالة التي أتى بها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام, إلا أنها لا تقتصر عليهم, كما نرى في الآيتين التين سبقتاها (( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسرِينَ)) (آل عمران:83-85) .
وقالوا: الآيات التي تبين أن لفظة الإسلام والمسلمين لا تقتصر على أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم عديدة كقوله: (( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) (البقرة:131-133) وقوله: (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين)) (آل عمران:67) وقوله: (( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:52) ، وقوله: (( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُون)) (المائدة:111).َ
قالوا: فالتسمية بـ"المسلمين" شملت أقواماً سبقت مجيء الرسول بقرون عديدة
وبيان ذلك:
أن اليهود الذين اتبعوا موسى عليه السلام والنصارى الذين اتبعوا المسيح عليه السلام هؤلاء مسلمون، ولا وجود لهم اليوم، ووجودهم متعذر، وذلك أنهم حرفوا كلام الله وبدلوا تشريعه، وأشركوا به، فمن أراد أن يتدين بما جاء به موسى وعيسى من تشريع في الإنجيل والتوراة لا يمكنه ذلك، لأنها محرّفة بنص الكتاب والسنة، وهذا أمر محسوم من شكك فيه كفر، فاليهود القائلون بأن عزيرًا ابن الله، وكذا النصارى القائلون بالتثليث فهؤلاء كفار اتفاقًا، كما حكاه ابن حزم كما في "مراتب الإجماع" ( ص 119): ( اتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا واختلفوا في تسميتهم مشركين) .
فمن قال ببقاء أمة منهم (مسلمة) باقية على ما لم يحرّف وأن التحريف في بعضهم، مكذِّب في نسخ الشريعة المحمدية لما قبلها، وأن لا إسلام إلا ما جاء بهمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن قال أن اليهود والنصارى الآن على ما دعى إليه موسى وعيسى، مكذب بعموم الرسالة ونسخها ونصوص القرآن والسنة في إثبات التحريف فيهم، وكلٌّ ذلك كفر بالإجماع (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (المائدة:72-73)
(( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) (التوبة:30) .
ومن كفرهم اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله تعالى، قال تعالى: (( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (التوبة:31)(27/215)
والإسلام يُطلق على كل منيب لله موحد له منذ بعثة نوح إلى محمد، وبمحمد نُسخت الشرائع كلها، فمن خالفه فليس بمسلم، إذ أنه مكذب لعموم رسالته ولختام نبوته، وعموم الرسالة وختامها ووجوب المتابعة أصل من أصول الإسلام لا إسلام بدونه (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)). والإسلام بعد بعثة صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع على كل من لم يؤمن به ويتبعه أنه من أهل النار سواءً كان كتابياً أم غير ذلك، فقد روى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار))
فهذا قاطع بكقر كل من لم يتدين بدينمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن عاقبته النار، وأول من يدخل في ذلك اليهود والنصارى..
وقد أمر الله بسلوك سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ )) (الأنعام:153) ومن خالفه متوّعد بالنار ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))
فالإسلام الآن لا يفسر إلا بما جاء بهمحمد صلى الله عليه وسلم ، بذلك فسره الشرع، وقيده به، فقوله تعالى: (( فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)) (آل عمران:20) .
المراد بالإسلام هنا وفي غيرها من الآيات هو ما عليه نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة لا ينصرف الاسم لأحد في عصره ومن جاء بعده إلا من تبعه، وتفسير الإسلام على هذا كما جاء في الحديث في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
فشريعة محمد اختصت بالعموم للناس كافة، وناسخة لغيرها ممن قبلها، وتواترت نصوص القرآن والسنة ببيان تحريف التوراة والإنجيل، والمكذب بذلك كافر بالاتفاق، ومن أدخل في حقيقة الإسلام أحداً غير من كان على ملة محمد، أو أخرج من الكفر من خرج منها، مكذب لذلك كله.
فيجب الاستغناء بشريعة محمد عن سائر التشريعات، لأنها ناسخة وخاتمة لسائر الشرائع، جاءت لتوحيد عقيدة البشرية كلها، فقد روى النسائي وغيره عن صلى الله عليه وسلم أنه رأي في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال: (( أمُتهوِّكون يا ابن الخطاب؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حياً واتبعتموه وتركتموني ضللتم)) وفي رواية: (( لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)) فقال عمر: رضيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً.ً.
فلم يبق دين صحيح أنزله الله، يُحق به الحق ويُبطل به الباطل وتسمو به الإنسانية، وتسعد به البشرية، وتعمر به الأرض العمارة المرضية، سوى الشريعة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم من ربه وختم بها ما قبله، فقد سلمت من التحريف والتزييف، لكونها محفوظة من عند الله حفظاً أبدياً، من الله بدأ القرآن وإليه يعود
قال الله تعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) وما في هذا القرآن أصل كل حق جائت به الشرائع السماوية السابقة، مهيمن على جميع الكتب، كما قال تعالى: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ)) وشريعة محمد عامة للناس كافة، يجب على كل من سمع بها اتباعها، ومن لم يتبعها فليس من الإسلام في شيء قال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)) ، فمن سمع بمحمد ودينه ثم لم يؤمن به فهو كافر لما روى مسلم (( والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )) ، والمراد بالسماع هنا، هو أن يبلغه ذكر محمد ودينه وأنه نبي موحى إليه، وهذا كافٍ في قيام الحجة، وظهور المحجة.(27/216)
فبالإسلام ختم الله سائر الشرائع، فلا مكان لاتباع شيء منها، ولا التدين بشيء مما كان عليه السابقون من أهل الكتاب وغيرهم قال تعالى: (( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)) ، فجعل الله الدين المتقبل عنده دين محمد الإسلام، لا يقبل من أحدٍ غيره قال تعالى: (( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)) (آل عمران:19) فمن تعبد بغير الإسلام كفر، وكان من الخاسرين قال: (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) وجعل الله نبيه شهيداً على الناس هو وأمته يوم القيامة بما عملوا: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) (البقرة:143)، وقال: (( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً)) (النساء:41) يعني على سائر من جاء بعدك.
ثانيها : قالوا : الأديان كلها من عند الله وترجع إلى حقيقة واحدة، وكل منا يحمل جانباً من الحقيقة، وأرض الله تسعنا جميعاً مسلمين ومسيحيين ويهوداً وكذلك جنته، مصداقاً لقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) (البقرة:62) . وقريب منها قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) (المائدة:69)
وبيان ذلك:
أن المقصود بهذه الآيات من مات على ملته قبل بعثةمحمد صلى الله عليه وسلم ، من أهل التشريعات السماوية فقط، كاليهودية والنصرانية، فمن مات على ذلك مؤمناً عاملاً للصالحات، لم يكن على تحريف أو تبديل، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهذا لا إشكال فيه بإجماع المسلمين، وهذا التأويل مروي عن أئمة التفسير كمجاهد والسدي، وعلى ذلك حمله سائر المفسرين وحمل الآية على غير ذلك يتضمن ضرب الكتاب ببعضه وإبطال لأحكامه، ونقض لكثير من نصوصه، وما في هذه الآيات نظير صلاة بعض الصحابة إلى بيت المقدس فحينما ماتوا والقبلة كما هي في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ، وغُيرت القبلة إلى البيت الحرام وجِل بعض الصحابة، هل يتقبل الله منهم أم لا وهل يضيع عملهم أم لا؟ فأنزل الله قوله تعالى : (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )) (البقرة:143) يعني صلاتكم فقد روى البخاري من حديث زهير عن أبي إسحاق عن البراء أن صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)) ورواه مسلم من وجه آخر.
فالعمل والاقتداء بالحكم الشرعي المنسوخ قبل نسخه امتثال وقربه، والعمل به بعد نسخه مخالفة وبُعد.
فقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ )) الآية.
قال سلمان الفارسي للنبي r عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم، قال: (( لم يموتوا على الإسلام. قال سلمان: فأظلمت علي الأرض. وذكر اجتهادهم، فنزلت هذه الآية، فدعا سلمان فقال: "نزلت هذه الآية في أصحابك". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم "من مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي فهو على خير ومن سمع بي اليوم ولم يؤمن بي فقد هلك)).
وثمة معنى آخر في التفسير للآية وهو أن الباب في الإسلام مفتوح أمام أهل الأرض جميعاً للإيمان بدعوة محمد، حتى لو لم يكونوا من العرب، إذ العبرة فى الدين الخاتم أنه دين عالمى لا دين عصبية قبلية أو قومية مثلاً، فمعروف أن أنبياء بنى إسرائيل كلهم لم يُبْعَثوا لأحد من خارج أمتهم، فكانت الآية مُزيلة للإشكال واللبس عند أهل الكتاب، أن الشريعة المحمدية للناس كافة، بل مُلزمة لهم.
ولهذا يجد المتأمل أن الله في كتابه قد علَّق نجاة اليهود والصابئين والنصارى على إيمانهم بالله واليوم الآخر وعملهم الصالحات فقط دون اعتبار آخر (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))(27/217)
ثم إن الإيمان بالله واليوم الآخر لا يصح إلا إذا آمن المرء بجميع الأنبياء والرسل، ومنهم صلى الله عليه وسلم وذلك واضح جلي من الآيات التالية: (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِينا)) (النساء:150-151) .
وقوله : (( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) (الأنعام:92) .
وقطع أن الرحمة لا تكون إلا لمن آمن بمحمد واتبعه (( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ )) (الأعراف:156-157) .
(( فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الأعراف:157) .
وهذه الآيات التي تمسك بها بعض أهل الكتاب في أن الله زكاهم وبين نجاتهم وأمنهم، من جملة ما أخبر الله عن سابقيهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وما آمنوا به حرفوه عن معناه ومقصده، وما من مرة أثنى القرآن أو السنة على أحدٍ من اليهود والنصارى إلا كان ذلك بعد دخوله الإسلام، إلا أن بعض ذوى الأهواء والعقول المعكوسة يَبْغُون منا أن نقرأ القرآن ونفهمه بعقولهم المريضة وأفهامهم المنكوسة.
وعلى هذا فليس فى القرآن أي تناقض، ولا وجود له إلا في قلوبهم وأفهامهم، وهل من أنزل تلك الآية يقول (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)) ويأمر المُصلي في كل ركعة أن يقول: (( غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)) (الفاتحة:7) والمغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى، وهل من أُنزلت عليه تلك الآية وهو صلى الله عليه وسلم يقول : (( والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )) ويقول: (( والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيي))
والصابئون المذكورون ليسوا بأصحاب كتاب سماوي ولا نبي، فلمَ قرنهم الله باليهود والنصارى، وكيف يكونون (( لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) على ذلك المعنى الباطل.
فيجب أن نقرأ ونفهم كلام الله فى كُلّيّته وشموله ولا نجعله عِضِين.
فتأمل قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) ذلك أنه لا معنى لاشتراط الإيمان بالله واليوم الآخر فى حالة المؤمنين، أي المسلمين، وهم المذكورون فى أول الآية، إذ هم مؤمنون، فلا يلحقهم وصف الإيمان أصلاً إلا بذلك، على عكس الحال مع اليهود والصابئين والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد بعد، ومن ثم فلا يُعَدّون مؤمنين كما بيّنّا..
ولو كان النصارى والصابئون واليهود من أهل هذا الوعد (( أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ )) لكانوا والمسلمين سواء، ولما وجب دعوتهم إلى الإسلام فهم لهم الأجر مع الأمن التام يوم القيامة، والآيات في دعوتهم أكثر من أن تُحصى، وقد بعث النبي معاذاً إلى اليمن يدعوهم إلى النجاة.
ثم إن هذا الفهم فيه اتهام للقرآن بالتناقض، فمن هم الذين قال الله فيهم: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (المائدة:71-72) .(27/218)
ولماذا أرسل صلى الله عليه وسلم إلى قيصر والمقوقس وغيرهما يدعوهم إلى الإسلام مخبراً لهم بحصول الإثم إن أعرضا عن دعوته، فالنصارى لا يؤمنون بالإله الحق، بل يؤلهون عيسى، ويجعلونه رباً من دون الله، فهم في الحقيقة مشركون يعبدون غير الله كما يعبد البوذيون، والبراهمة، وأتباع كونفوشيوس في الصين،ولا يؤمنون باليوم الآخر الصحيح الذي جاء به الإسلام، وإنما يؤمنون بيوم يجلس فيه المسيح ليحاسب الناس، بل لا يؤمنون بمتع الجنة الحسية التي يتحدث عنها القرآن، والله قد أخبر أن اعتقادهم ذلك كفر لا ينفعهم، فقد وصفهم أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، كما في قوله (( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ))، وهذه الآية بالإجماع في اليهود والنصارى عند المفسرين، فكيف يصفهم الله هنا بعدم الإيمان بالله واليوم والآخر وهناك يصفهم به!
ثم أن الله قال مبيناً بعدهم عن الإيمان (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ)) (المائدة:65) وليُعلم أن أصحاب الأهواء والنصارى خاصة حريصون أشد الحرص على إشاعة اللبس في هذه الآيات وإيهام الجهلة من المسلمين بأن القرآن يُخبر بنجاتهم ويمدح حالهم، وينص على إيمانهم، لكن هيهات هيهات والمسلم يقرأ في كل ركعة: (( وَلاَ الضَّالِّينَ)) (الفاتحة:7) وقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون)) وهم المقصودون في آخر سورة الفاتحة، قال ابن أبي حاتم في "تفسيره": (ولا أعلم في هذا بين المفسرين اختلافاً) وعلى ذلك:
فإن الدعوة إلى جمع الكلمة وتوحيد الصفوف على أمر غير الإسلام وتوحيد الله مع تنحية نصوص القرآن والسنة كفر وردة عن الدين، بل من رضي بذلك ورغب فيه، واستحسنه مرتد قطعاً بجميع أدلة التشريع من قرآن وسنة وإجماع.
فلا يجوز الدعوة إلى ذلك، ولا الرضى به، بل يجب إنكاره والتحذير منه .ولا يجوز بالإجماع لمسلم أن يبني كنيسة، أو يعتني بها، أو يطبع التوراة والإنجيل لنشره .ويجب دعوة أهل الكتاب وغيرهم من الكفار إلى الإسلام باللين والحسنى، قال تعالى: (( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) (العنكبوت:46) ليخرجوا من الظلمات إلى النور، وإقامة الحجة عليهم ليحي من حي عن بينه ويهلك من هلك عن بينة قال الله تعالى : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:64) أما حوارهم لأجل النزول عند رغبتهم، وإرضائهم، وتحقيق أهدافهم، فمنكر عظيم وشر مستطير، وفتنة كبيرة تفتن الأمة عن دينها، قال تعالى : (( وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ)) (المائدة:49) ولا بد من وضوح الأحكام في بيان العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وغياب ذلك والبعد عن الفهم الشرعي في طريقة التعامل مع الإحداث، ووجود القصور والخلل في ذلك أدى إلى الشعور بالهزيمة والتبعية والانقياد والتسليم للغرب قولاً وعملاً عند كثير من المسلمين، وسيجلب ذلك جيلاً مهزوماً من أبناء المسلمين، فلا بد من الفقه في الشرع، وأن يتخذ المسلمون طريقاً واضحاً للتغيير والتعامل مع الكفار بعد النظر في الواقع وفهمه، ثم إنزال الأحكام عليه.(27/219)
وليُعلم أن الالتقاء مع الكفار والحوار معهم يكون كما فعل الرسو صلى الله عليه وسلم عندما بعث برسالة إلى هرقل بقوله تعالى (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) وفي ساحة المعركة قا صلى الله عليه وسلم (( وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، واخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين لا يجري عليهم حكم الله الذي جرى على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبو فاستعن بالله عليهم وقاتلهم)) هذا هو الالتقاء والحوار الذي حدده الشرع مع الكفار وليس غيره، وقد يقع بين المسلمين والكفار عهد وميثاق مؤقت، فتحرم بذلك دماؤهم وأموالهم، وقتل المعاهد من أعظم الظلم ففي الصحيح أن صلى الله عليه وسلم قال: (( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة))
فلا العقيدة ولا التشريع ولا الوحدة الوطنية ولا القومية ولا الآلام ولا الآمال تربط بيننا وتوحدنا معهم، فلا مجال للتقارب إما إيمان وإما كفر، فالصراع دائم والمدافعة مستمرة، وهو صراع ومدافعة بين الحق والباطل بدأ منذ آدم عليه السلام ومنذ عصيان إبليس لرب العالمين، صراع مستمر بين إبليس وأتباعه وذريته وبين الأمة الإسلامية؛ هذه هي حقيقة الصراع وإن اختلفت المصطلحات والمسميات، وهذه هي طريقة الإسلام في الحياة وتلك طريق الكفرة
==============(27/220)
(27/221)
تغريب المرأة المسلمة, كيف بدء ؟
ولدت حركة تحرير المرأة ونشأت وترعرعت في مصر وذلك بعد أن قدم من أوفدهم محمد علي باشا إلى فرنسا لاكتساب الخبرات الفنية والصناعية فبعد أن عاد هؤلاء وقد تشعبت أفكارهم بالحياة الفرنسية واغتروا بها جاءوا ليقطفوا الحياة الفرنسية على المجتمع المصري ، وكان واعظ البعث رفاعة الطهطهاوي [1].
أكثر من نشر مبادئه وأفكاره المشبعة بالوحل الفرنسي نشرها في مجتمعه الذي كان ينتظر منه الخبرات الفنية والزراعية والاقتصادية التي تساعد في تقدم البلاد ، وبذلك يكون رفاعة الطهطهاوي هو أول من أثار قضية تحرير المرأة في مصر في القرن التاسع عشر .
ثم يأتي بعد ذلك قاسم أمين [2] الذي رد على الدوق داركير عندما اتهم المصريين .
وفي كتابه الذي رد به على داركير رفع من شأن الحجاب وتنقص من السافرات التي يتشبهن بالأوروبيات فجاش غيظ الأميرة نازلي [3] فهدأها محمد عبده وسعد زغلول وقربوا قاسم أمين إلى الأميرة نازلي فعفت عنه وتردد على صالونها واعتلت مكانته عندها ثم بعد ذلك نشر كتابه الذي دعا فيه إلى تحرير المرأة ( ولا يمتاز قاسم أمين عن رفاعة الطهطهاوي إلا بأنه عقد صداقة مع أقطاب الماسونية المصرية ومن رواد صالون نازلي فاضل )[4].
وتوفي قاسم أمين بعد أن عدل عن رأيه عام 1906 وبين أنه كان على خطأ [5].
ولكن وحتى بعد وفاة قاسم أمين لم تهدأ الحركة .
وفي أعقاب الثورة التي حدثت سنة 1919م اتسع نطاق حركة تحرير المرأة في مصر وتسلمت قيادتها هدى شعراوي .
ثم بعد هدى شعراوي تأتي سيزا نبراوي [6] لتكون في مقدمة مستشارات هدى شعراوي .
وإلى قيام الثورة عام 1919م كانت الدعوة إلى تحرير المرأة ضعيفة حتى أن بعض المتظاهرات كن يخرجن للمظاهرة وهن يرتدين البراقع .
وبعد انتهاء الثورة دعيت هدى شعراوي إلى حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي في روما عام 1922م ، وكونت هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري عام 1923م ومن أهدافه :
1- القضاء على الحجاب الإسلامي .
2- إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها .
3- تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي .
4- منع الزواج بأكثر من واحدة .
ثم في عام 1944م عقد المؤتمر النسائي العربي، فاستاءت الأوساط الإسلامية استياءً شديداً حتى إن ملك شرق الأردن أصدر منشوراً قال فيه [ وإني أعلنكم بأنني لا أتساهل مدة حياتي بما فيه الاعتداء على شرف الإنسانية وما جاء به الدين الحنيف، وإن اللاتي يخرجن متبرجات غير مستترات فإنهن قد عصين الله عمداً ، ومن يعص الله عمداً فلا دين له ، وقد قال الله تعالى : (( وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)) فلا يحل لامرئ مؤمن أن تكون ربة بيته على هذا الطراز ] إ .هـ[7].
ثم تكون عام 1945 م الحزب النسائي وهو حزب جديد له الأهداف نفسها ثم في عام 1949م تكون حزب بنت النيل برئاسة درية شفيق [8].
ومن أهدافه :
1- منح المرأة حق الانتخاب ودخول البرلمان .
2- إلغاء تعدد الزوجات والأخذ بالقوانين الأوروبية في الطلاق وتطبيقها في مصر .
وفي عام 1951م وبالتحديد في 19 فبراير خرجت مظاهرة من قاعدة ايوارث بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وهذه المظاهرة تكونت من عشرات من الفتيات دخلن البرلمان وهن يهتفن بالمطالبة بالحقوق السياسية، ثم بعد أيام قامت مظاهرة أخرى لبضع عشرات من طالبات المدارس في مصر واتجهن إلى قصر عابدين في مصر وقدمن عريضة بمطالبهن .
واعترفت درية شفيق بأن وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ( سمر سيكل) هي التي حرضتهن على هذا العمل .
وانهالت رسائل التشجيع والترحيب من الدوائر الأجنبية فأبرقت رئيسة الاتحاد الدولي إلى رئيسة حزب بنت النيل ودعتها لحضور الجمعية العمومية للاتحاد .
وفي أثينا أرسلت رئيسة الاتحاد الدولي في الوقت نفسه إلى وكيلة الاتحاد المصري تطلب بياناً عن مظاهرة 19 فبراير ونتائجها والقرارات التي اتخذت بعدها.
وأبرقت جمعية سان جيس النسائية بانجلترا تهنئ الهيئات النسائية المصرية على كفاحها ويعلن عن تأييدها لها، وفي الوقت نفسه وصلت إلى مصر رئيسة الحقوق الاقتصادية بالاتحاد الدولي إلى مصر في 30 مارس 1951م لتتصل بالجمعيات النسائية وتقف على مدى نشاطها واتجاهاتها[9].
وهكذا حتى جاءت ثورة سنة 1952م ( فتوسعت للدعوة إلى تحرير المرأة قاعدة التعليم المختلط فشملت المدارس الإعدادية والثانوية بعد أن كانت قاصرة على التعليم الجامعي ).
وهكذا بذرت البذرة الأولى المسمومة في مصر الإسلامية ، ثم حملت المصريات لواء هذه الدعوة ونشرتها في المجتمع المصري بكامله ، ثم انتشرت الدعوة إلى التحرر إلى البلاد الإسلامية الأخرى ، وساعد على انتشارها الوضع السائد في البلاد الإسلامية ، ذلك الوضع السيء الذي تعيشه المرأة المسلمة نتيجة للتطبيق الخاطئ لتعاليم الإسلام والبعيدة كل البعد عن منهج الإسلام .
ثم نأخذ بلداً آخر غير مصر وهو الكويت :(27/222)
تأسست في الكويت عام 1963م جمعية النهضة الأسرية برئاسة نوريه السداني وأخذت على عاتقها مع زميلتها الجمعية الثقافية النسائية برئاسة لولوه القطامي حركة تحرير المرأة الكويتية ، وحاولت نورية السداني جاهدة لقيام يوم المرأة الكويتية ، وبالفعل بعد صبر دام سبع سنوات تحقق لها ما تريد وأقيم يوم المرأة الكويتية عام 1969م .
وكان من نتائجه أن وجهت بعض النساء لنورية السداني السؤالين الآتيين :
* لماذا لم يطالب يوم المرأة الكويتية بالاختلاط .
* لماذا لم يطالب يوم المرأة الكويتية بالحقوق النسائية في السياسة من ناحية الانتخابات والترشيح .
وردت نورية السداني بما يلي :
قالت : قبل أن ابدأ بالإجابة أريد أن أبدي ملاحظتين :
الملاحظة الأولى : باعتقادي أن الاختلاط ليس مشكلة بنائية ولكنها مشكلة اجتماعية لأن المرأة الكويتية حينما تطالب بالاختلاط فالهدف من ذلك هو خدمة مجتمعها وتخليصه من العقد التي تسيطر على الشاب والفتاة في الحياة نتيجة عدم التقاء عنصري الوجود الرجل والمرأة وخصوصاً في المجالات العلمية الشريفة .. وكذلك الاقتصاد بنفقات الجامعة وتحويل المصاريف الانعزالية هذه إلى خدمات اجتماعية بحاجة لهذه المصاريف .. كل ذلك بحشمة وجدية تقتضيها أوضاعنا وعاداتنها العربية والإسلامية الأصيلة[10].
ثم ذكرت الملاحظة الثانية[11].
ثم تقول نورية السداني : ( وقد فكرت كثيراً حول دوري المرتقب الذي أريد أن أقوم به فترة قصيرة من تاريخ الكويت حيث سأفجر وضعاً خاطئاً في الكويت هو وضع يعاني منه نصف سكان الكويت من الإناث) .
وبالتالي عقد المؤتمر النسائي الأول في الكويت في 15 ديسمبر عام 1971م .
وحضرته مائة سيدة من مختلف الطبقات ، وخرج المؤتمر بالتوصيات الآتية :
1- المطالبة بمساواة المرأة في جميع الميادين أسوةً بالرجل .
2- المطالبة بحق المرأة في ممارسة عملية الانتخاب غير المشروط .
2- المطالبة بضرورة انخراط المرأة في السلك الدبلوماسي .
4- الحد من تعدد الزوجات . وغيرها من المطالب [12].
ثم في عام 1974 وبالتحديد في 16/12/1974 م تكون الاتحاد النسائي الكويتي بعد الاتفاق بين جمعية النهضة الأسرية والجمعية الثقافية النسائية
ثم في 16/12/1974 تكون الاتحاد النسائي الكويتي بعد الاتفاقية بين جمعية النهضة الأسرية والجمعية الثقافية النسائية .
ثم في 12/6/1976م انسحبت من الاتحاد الجمعية الثقافية النسائية وانحل الاتحاد.
ثم رفعت الوثيقة النسائية الكويتية إلى جابر الأحمد الصباح ولي العهد آنذاك في 2/7/1977م، وهذه الوثيقة وقع عليها ثلاثمائة وخمس وتسعون امرأة نستخلص مما سبق أن النساء اللاتي تولين قيادة المرأة الكويتية في ذلك الوقت كن يطالبن بما يلي :
* منع الطلاق بشتى الوسائل إلا إذا كانت هناك أسباب قاهرة ويكون الطلاق أمام القاضي وبأسباب يقتنع بها القاضي .
* الحد من تعدد الزوجات .
* منح المرأة فرص التعلم الممنوحة للرجال دون تميز .
* عدم حرمان الطالبات من التعليم في دول أخرى .
* تطبيق الاختلاط في جامعة الكويت .
* فتح المجال أمام المرأة في الكليات العسكرية وكليات الشرطة . وغير ذلك من المطالب [13].
واتخذت الحركة التحريرية للمرأة وسائل متعددة في العالم الإسلامي ، مثل :
* التطبيق الحرفي لكلمة مساواة بين الرجل والمرأة دون النظر إلى الفرق بينهما .
* حث المرأة على الخروج للعمل وإشعارها بأن البيت للخادمات .
* القضاء على الحجاب الإسلامي .
* إباحة الاختلاط .
* ربط الحشمة بالتخلف الصناعي .
وللحركات أهداف عديدة منها :
* تفكيك الأسرة .
* تدمير المجتمع الإسلامي وإفساد أخلاقه .
* تحطيم الوازع الديني والروحي للمسلمين وقطع صلة المسلمين بربهم.
* إخراج المسلمة عن عقيدتها وخلقها وكرامتها .
* ربط المجتمع المسلم بالمجتمعات الكافرة يستقى من أفكارها وأخلاقها .
[1] هو الشيخ رفاعة رافع الطهطهاوي رافق البعثة المصرية في باريس بمثابة مواعظ البعثة أقام في باريس من 1826م - 1831م .
[2] هو الشخصية الهامة في قضية تحرير المرأة حصل على إجازة الحقوق سنة 1884م وأخرج كتابه تحرير المرأة سنة 1889م توفي سنة 1906م .
[3] الأميرة نازلي داعية التحرر الأولى حفيدة إبراهيم باشا وزوجة الملك فؤاد وأم الملك فاروق ارتدت في آخر حياتها عن الإسلام .
[4] الأخوات المسلمات ص 245 .
[5] الأخوات المسلمات ص 252 .
[6] سيزا نبراوي إمرأة تلقت تربيتها في فرنسا تجيد اللغة الفرنسية عادت من فرنسا عندما بلغت الثامنة عشرة ، كانت متمردة متحسسة رفضت لبس البرقع وأصرت على لبس القبعة قامت بدور السكرتيرة الخاصة لهدى شعراوي .
[7] انظر المرأة ماذا بعد السقوط ص 35 .
[8] درية شفيق سافرت وحدها إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه .
[9] انظر الحركات النسائية وصلتها بالاستعمار لمحمد عطية خميس من 73 - 96 .
[10] تاريخ المرأة الكويتية ج2 نورية السداني ص 568 .
[11] تاريخ المرأة الكويتية ج2 نورية السداني ص 36 - 37 .
[12] تاريخ المرأة الكويتية جـ 2 نورية السداني ص 348 - 349 .
[13] المرأة ماذا بعد السقوط ص 46 .
============(27/223)
(27/224)
حقيقة القوامة ودعاة التغريب
الحديث في هذا الزمن عن قوامة الرجل على المرأة أصبح عند بعض كتّابنا و(مثقّفينا) المستغرين رجعيّة وتخلّفاً ودعوة إلى الوراء ، فالمرأة عندهم أصبحت ندّاً للرجل في كلّ شيء ،ومخلوقاً مستقلاً يجب ألا يخضع لوصاية أحد أو ولايته ، بل إنها - أحياناً - يجب أن تكون لها القوامة - في نظرهم - لأنها هي التي تكدّ وتكدح وتعمل ، والزوج قابع في البيت لا همّ له إلا الأكل والشرب والنوم والسهر و.. ونحن لا ننكر وجود مثل هذه الحالات ، لكنها - مهما كثرت - حالات شاذّة مخالفة للفطرة في زمن انتكست فيه كثير من الفِطَر، وانقلبت فيه كثير من الموازين
وقد كثر الحديث عن الآونة الأخيرة في المجلات النسائية وغيرها عمّا يسمونه بـ (سي السيّد) ويعنون به الزوج المتسلّط ، والتسلّط عندهم له مفهوم آخر غير المألوف ، وهو أن يغار الرجل على امرأته ، ويلزمها بطاعة الله ، وامتثال أمره واجتناب نهيه كما صرّح بذلك أحدهم في مقال له فقال ما معناه : إن لك أن تُحجِّب امرأتك بما شئت من الحُجُب بشرط أن تكون راضية بذلك ، فإن أبت إلا التبرج وألزمتها بلبس الحجاب امتثالاً لأمر الله فأنت متسلّط ... وحشي .. متخلف ، أو - كما يقول - (سي السيّد) .
كما نشرت إحدى المجلات النسائية (!) تحقيقاً بعنوان( أيّهما تختارين : الزوج الغيور أم الزوج الهادئ ) ثم خلصت المجلة إلى أن الزوج الهادئ هو الأفضل .. والزوج الهادئ - عندهم - هو الذي يتخلى عن قوامته، ولا يغار على امرأته ، أو بالتعبير النبوي الكريم : الديوث الذي يُقرّ في أهله الخبث، لكنهم يسمّون الأشياء بغير أسمائها تلبيساً على الناس ، وذرّاً للرماد في العيون .
كما نشرت إحدى المجلات أيضاً مقالاً بعنوان: (غيرة الرجل تعيق تقدم المرأة) (!)
وهذا غيض من فيض ، وهم بذلك يشجعون المرأة على التمرد على زوجها ، ومن ثم تحطيم مبدأ القوامة الذي تستقيم به حال الأسرة ، ويصلح به حال المجتمع .
وبعد .. فإن الذي تقتضيه النصوص الشرعية ، والعقول السليمة ، والفطر السوية ، هو أن يكون الرجل قوّاماً على المرأة : بنتاً كانت أو أختاً أو زوجةً ، ما دامت تحت ولايته ،
ولهذا سمّى اللهُ الزوجَ سيّداً كما في سورة يوسف : ((وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ)) أي زوجها .
وأوضح من ذلك وأصرح قوله تعالى في سورة النساء : ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً )) (سورة النساء: 34) .
قال ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية : ( أي الرجل قيّم على المرأة أي هو ريئسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجّت .. )
وقد بيّن الله - عزّ وجلّ - في هذه الآية الأسباب الموجبة لقيام الرجال على النساء فقال : ((بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )) .
وهذا هو السبب الأول ، فالرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، وهذا أمر نسبي ؛ فإن من النساء من تكون أفضل من بعض الرجال وخير ، لكنّ جنس الرجال أفضل من جنس النساء على وجه العموم ، ولهذا كانت النبوّة مختصة بالرجال ، وكذلك الولاية العظمة لقول صلى الله عليه وسلم : (( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة )) رواه البخاري.
ويدخل في ذلك منصب القضاء على الصحيح . كما أن الله اختصّ الرجل بالعديد من المزايا والخصائص التي تؤهله للقيام بهذه المهمة الجليلة ، أوجزها لنا الإمام ابن العربي المالكي - رحمه الله - فقال : " فضّل الله تعالى الذكر على الأنثى من ستة أوجه :
الأول : أنه جُعل أصلها وجُعلت فرعه ، لأنها خُلقت منه كما ذكر الله تعالى في كتابه .
الثاني : أنها خُلقت من ضلعه العوجاء كما في الحديث : (( إن المرأة خُلقت من ضلع أعوج ))
الثالث والرابع : نقص عقلها ودينها ، وفي الحديث : (( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم منكن )) .
الخامس : نقص حفظها في الميراث ، قال تعالى : (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ )) .
السادس : نقص قوّتها ؛ فلا تقاتل ولا يُسهم لها ..
ثم أورد - رحمه الله - شبهة وردّ عليها ، قال : ( فإن قال قائل : كيف نسب النقص إليهن وليس من فعلهن ؟ قلنا : هذا من عدل الله ؛ يحطّ ما يشاء ويرفع ما يشاء ، ويقضي ما أراد ، ويمدح ويلوم ،ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ،وهذا لأنه خلق المخلوقات منازل ، ورتّبها مراتب ، فبيّن ذلك لنا ، فعَلِمْنا وآمنّا به وسلّمناه ) [ أحكام القرآن 1/253 باختصار وتصرف بسيط .
هذا إضافة إلى ما يعتري المرأة من العوارض الطبيعية من حيض ونفاس وحمل وولادة ... فيشغلها عن القيام بهذه المهمة الشاقة ..(27/225)
أما السبب الثاني فهو قوله تعالى : (( وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) .
فنفقة المرأة واجبة على الرجل ، وهو المؤهل للكدّ والكدح والعمل ، فناسب أن يكون قيّماً عليها مع فضله عليها في نفسه .
وقد تحدث الكتّاب والمفكرون الغربيون ، كما تحدث العلم الحديث عن شيء من ذلك ، أذكر بعضه هنا استئناساً به ، وليكون حجة على من لا يرون الحق إلا فيما قاله أولئك القوم ، وإلا فإن كان في كتاب ربنا وما صحّ من سنة نبينا صلى الله عليه وسلمما يكفي ويشفي :
تقول : (جليندا جاكسون) حاملة الأوسكار التي منحتها ملكة بريطانيا وساماً من أعلى أوسمة الدولة ، وحصلت على جائزة الأكاديمية البريطانية ، وجائزة مهرجان مونتريال العالمي - تقول : ( إن الفطرة[1]جعلت الرجل هو الأقوى والمسيطر بناء على ما يتمتع من أسباب القوة تجعله في المقام الأول بما خصه الله بن من قوة في تحريك الحياة واستخراج خيراتها ، إنه مقام الذاتية عند الرجل التي تؤهله تلقائيا لمواجهة أعباء الحياة وإنمائها ، واطّرد ذلك في المجالات الحياتية ) [2]
أما الزعيمة النسائية الأمريكية (فليش شلافي) فقد دعت المرأة إلى وجوب الاهتمام بالزوج والأولاد قبل الاهتمام بالوظيفة ، وبوجوب أن يكون الزوج هو رب الأسرة وقائد دفتها .
وفي كتاب أصدر أخيراً عن حياة الكاتبة الإنجليزية المشهورة (أجاثا كريستي) ورد فيه قولها : ( إن المرأة الحديث مغفلة ؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يومٍ ، فنحن النساء نتصرف تصرّفاً أحمق ؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير خلال السنين الماضية للحصول على حق العمل ، والمساواة في العمل مع الرجل .. والرجال ليسوا أغبياء ، فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة ، وتضاعف دخل الزوج ، ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء الجنس اللطيف الضعيف ، نعود اليوم لنتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده ) [3] .
وفي الدانمارك تقول إحدى الباحثات الدانماركيات ناقدة موقف الغرب من قضية المرأة : ( إن أكثرية الباحثين في الغرب عن شؤون المرأة هم أناس إما فاشلون ، أو راديكاليون موسميون ، أو يهود ماسونيون ، استغلوا نزوات المرأة المعاصرة في الجري وراء الموضة ، أو إثبات الذات خارج بيتها ، واستغلوا الفقر في إنسانيتها ، بل هذا الخلط في فهم المعاني التي أصبحت تعني الرذيلة وانعدام الفضيلة ) [4] .
(قلت : إذا كان هذا هو حال أكثر الباحثين الغربيين في شؤون المرأة ؛ فإن مصيبتنا اليوم في الباحثين بل المقلدين المستغربين من أبناء هذه الأمة الذين يحملون أسماءً عربية ، وعقولاً غربية ، ويرددون بغباء ما يقوله أولئك ) .
وما أحسن ما قالته طبيبة نفسية أمريكية ، تقول : ( أيّما امرأة قالت أنا واثقة بنفسي وخرجت دون رقيب أو حسيب ..فهي تقتل نفسها وعفتها ) [5] .
هذا ما يقوله العقلاء منهم ، فماذا يقول العلم الحديث ؟ .
لقد أثبت العلم الحديث أخيراً وَهْم محاولات المساواة بين الرجل والمرأة ، وأن
المرأة لا يمكن أن تقوم بالدور الذي يقوم به الرجل .
فقد أثبت الطبيب العالم ( د . روجرز سبراي ) الحائز على جائزة نوبل في الطب وجود اختلافات بين مخ الرجل ومخ المرأة الأمر الذي لا يمكن معه إحداث مساواة في المشاعر وردود الأفعال ، والقيام بنفس الأدوار[6] .
وقد أجرى طبيب الأعصاب في جامعة (بيل) الأمريكية بحثاً طريفاً رصد خلاله حركة المخ في الرجال والنساء عند كتابة موضوع معين أو حل مشكلة .. فوجد أن الرجال بصفة عامة يستعملون الجانب الأيسر من المخ ، أما المرأة فتستعمل الجانبين معاً وفي هذا دليل - كما يقول أستاذ جامعة بيل - أن نصف مخ الرجل يقوم بعمل لا يقدر عليه إلا مخ المرأة بشطريه أي كامل عقلها ، وهذا يؤكد أن قدرات الرجل أكبر من قدرات المرأة في التفكير وحل المشاكل وغير ذلك ، فإذا عمل بعقله الكامل فإنه يحقق ضعف ما تنتجه المرأة [7] .
وهذا ما اكتشفه البروفيسور (ريتشارد لين ) من القسم السيكولوجي في جامعة ألستر البريطانية حيث يقول : ( إن عدداً من الدراسات أظهرت أن وزن دماغ الرجل يفوق مثيله النسائي بحوالي أربع أوقيات ) وأضاف ( لين ) : ( إنه يجب الإقرار بالواقع وهو أن دماغ الذكور أكبر حجماً من دماغ الإناث ، وأن هذا الحجم مرتبط بالذكاء) .
وقال : ( أن أفضلية الذكاء عند الذكور تشرح أسباب حصول الرجال في بريطانيا على ضعفى ما تحصل عليه النساء من علامات الدرجة الأولى ) [8] .
وسواء صحّ ما قالوه أم لم يصحّ فإن الله أخبرنا في كتابه بالاختلاف بين الجنسين على وجه العموم فقال سبحانه : (( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى )) فكلٌ ميسر لما خُلق له ، فمن رام غير ما خُلق له فقد كلّف نفسه ما لا تطيق ، ولبس ثوباً غير ثوبه ، فلا يلومن إلا نفسه .
وختاماً أقول :
مهلاً يا دعاة التغريب ، فأساليبكم الملتوية لا تخفى علينا ، وأفكاركم السقيمة لا تُثمر في أرضنا ، كفى نعيقاً ، ولنبدأ من حيث انتهى الآخرون ، لا من حيث بدؤوا
والله ولي التوفيق ,,,
[1] الله الذي جعل الرجل هو الأقوى وليس الطبيعة .(27/226)
[2] مجلة البعث الإسلامي ، العدد التاسع ص 43 .
[3] مجلة الاعتصام ، العدد الثالث ، السنة 41 ص 6 . .
[4] جريدة الجزيرة ، العدد 8102 ص 10 . .
[5] جريدة الرياض ، العدد 8591 .
[6] انظر جريدة الجزيرة ، العدد 7453 .
[7] انظر : جريدة الندوة ، العدد 11186 .
[8] جريدة عكاظ ، العدد 10310ص 19 .
===========(27/227)
(27/228)
معالم قرآنية في تاريخ اليهود
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد :
فمن المعالم القرآنية التي حكم الله بها على اليهود :
المعلم الأول : عداوتهم للإنسانية عامة وللمؤمنين خاصة، قال الله تعالى (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) (سورة المائدة:82) .
وعداوة اليهود هذه مبكرة تشهد بخستها القرون الغابرة، وتؤكدها القرون اللاحقة، فأنبياؤهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون، ولا غرابة أن يتطاولوا على صلى الله عليه وسلم ويحاولوا قتله وهو بعد طفل رضيع، فقد روى ابن سعد [1]: أن أم صلى الله عليه وسلم لما دفعته إلى حليمة السعدية لترضعه قالت لها: احفظي ابني وأخبرتها بما رأت من المعجزات، فمر بها اليهود فقالت : ألا تحدثوني عن ابني هذا، فإني حملته كذا ووضعته كذا، فقال بعضهم لبعض: اقتلوه، ثم قالوا: أيتيم هو؟ قالت لا، هذا أبوه وأنا أمه.. وكأنها أحست منهم شيئاً.. فقالوا لو كان يتيما لقتلناه.
ثم تستمر محاولة اليهود في قتله حين ذهب مع عمه أبي طالب إلى الشام وهو بعد في رعيان الشباب، ومقولة بحيرى لعمه إني أخشى عليه من اليهود فارجع به بلده. هذا كله قبل النبوة.
ثم تشتد العداوة بعد النبوة، ويحاول اليهود أكثر من مرة قتل صلى الله عليه وسلم فلم يفلحوا، وسموا الطعام الذي قدموه له، وآذوه وألبوا الأعداء عليه وتعاونوا مع المنافقين والمشركين لحربه،وأعلنوا العداوة له بكل وقاحة وصراحة، إذ هم يعترفون بنبوته ويعلنون كرهه وعداوته حتى الممات، وهذا حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير يسأله أخوه أبو ياسر: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته ؟ قال: نعم، قال فما في نفسك منه ؟ قال: عداوته والله ما بقيت) [2]
وحين أمكن الله من عدو الله حيي وجيء به مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يمكن الله منك يا عدو الله؟ قال!: بلى، أبى الله إلا تمكينك مني، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل.
واستمرت عداوة اليهود للمسلمين وفي أيام الخلفاء الراشدين خرج عبد الله بن سبأ اليهودي ليشعل الفتنة ويبذر الخلاف بين المسلمين وكانت الفتنة وكانت الحروب، ونتجاوز الزمن قليلاً ونقف عند الدولة العثمانية ملياً إذ كانت محاولات اليهود للعثمانيين للسماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين والاستيطان فيها، فأصدر السلطان عبد المجيد خان أمراً بمنع اليهود القادمين لزيارة بيت المقدس من الإقامة في القدس أكثر من ثلاثة أشهر [3].
ثم يعيدون الكرة مع السلطان عبد الحميد ويعدوه ويمنوه بالهبات والأموال مقابل إنشاء مستعمرة قرب القدس، فيجابههم بالرفض التام والتحقير والتوبيخ كما الوثيقة المشهورة.
ثم يدرك اليهود أن لا وسيلة لهم لتحقيق أغراضهم إلا القضاء على هذه الدولة بالتآمر مع الدول الكبرى وقد كان، فليهود الدونمة دور كبير في القضاء على الدولة واختيار الزعماء المناسبين لهم.
ويستمر العداء، ويؤكد الخلف ما بدأه السلف، فليست عداوتهم تاريخاً مضى وانتهى إنما هي عقيدة يلقنها الأباء للأبناء.
فهذا ((مناحيم بيجن)) يقول: (أنتم أيها الإسرائيليون لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم، ولا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا من إبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية، التي سنبني على أنقاضها حضارتنا) [4]
وهذا "شامير" يقول في حفل استقبال اليهود السوفيت المهاجرين إلى إسرائيل (إن إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر هي عقيدتي وحلمي شخصياً، وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة ولا الصعود إلى أرض الميعاد، ولن يتحقق أمر الإسرائيليين ولا سلامتهم).
ويقول ابن غوريون (نحن لا نخش الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ) [5].
هكذا يحدد اليهود أعداءهم، وكذلك تستمر العداوة، ويتحقق إعجاز القرآن ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ )) (سورة المائدة :82) .
المعلم الثاني : والبارز في تاريخ اليهود هو نقضهم العهود، قال تعالى : (( الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ)) [الأنفال: 56 ] .
وقال تعالى : (( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) [البقرة: 100]
فهذه شهادة القرآن،فما هي شهادة الواقع على هؤلاء الأقوام؟ لقد عاهدهم الرسو صلى الله عليه وسلم وكتب بينه وبينهم كتاباً حين وصل المدينة فهل التزم اليهود العهد واحترموا الميثاق؟ كلا فقد غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين على المشركين، والمعاهدة لم يمض عليها إلا سنة [6].
وغدرت يهود بني النضير بعد غزوة أحد وتجرأوا على المسلمين بعد ما أصابهم في غزوة أحد.(27/229)
وغدرت بنو قريظة عهدهم في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الأحزاب، فإذا كانت هذه أخلاقهم مع من يعلمون صدقه، ويعتقدون نبوته، فهل يرجى منهم حفظ العهود مع الآخرين؟ هل يتوقع صدق المجهود في معاهداتهم مع من يرونهم أضعف وأقل شأناً؟
إن اليهود قوم بهت، كما قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه الذي كان يهودياً فأسلم، وهم ينظرون إلى العهود والمواثيق التي يوقعونها مع غيرهم أنها للضرورة ولغرض مرحلي ولمقتضيات مصلحة آنية، فإذا استنفد الغرض المرحلي نقض اليهود الميثاق من غير استشعار بأي اعتبار خلقي أو التزام أدبي [7].
فإذا كانت تلك شهادة القرآن، وشهادة الواقع التاريخي على اليهود، فإن من الجهل والبلاهة والحمق الثقة بأي معاهدة يبرمها اليهود، وبأي اتفاق يتم مع اليهود.
المعلم الثالث : يأبى الله إلا أن ينتقم من هذه الطغمة الفاسدة في الحياة الدنيا وقبل أن يقوم الأشهاد، وذلك بتسليط شعوب الأرض وأممها على اليهود، كلما اشتد فسادهم في الأرض، تحقيقاً لقوله : ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ )) .
وذلك معلم ثالث من معالم تاريخهم، وذلك راجع- والله أعلم- إلى فسادهم، وإلى علوهم واستكبارهم، وتحريف كتبهم، وحقدهم وعدائهم، فليس لهم صديق دائم، بل المصلحة والمنفعة الذاتية هي التي تخلق لهم الأصدقاء أو تجلب لهم العداوة والبغضاء، ولذلك فما من شعب جاوره اليهود إلا ويحاول التخلص منهم، وإليكم هذه النماذج من شهادات التاريخ:
ففي سنة 1290 للميلاد قضى الإنجليز على اليهود جميعاً بالنفي وتبعهم في ذلك الفرنسيون وفي عامي 1348، 1349 م انتشر الموت الأسود في أوربا، واتهم اليهود بأنهم سمموا الآبار ومجاري المياه، فاشتدت حملة القتل والتنكيل بهم، بالرغم من محاولة البابا ((كليمنس السادس)) الدفاع عنهم ولكن دون جدوى.
وفي 1493 م أصدر فرديناند وايزابيلا بأسبانيا مرسومها الرهيب بالفتك باليهود والمسلمين فهام اليهود على وجوههم، ولم يجدوا ملاذاً آمناً إلا بلاد المسلمين .
وفي سنة 1881 م كانت أعمدة الدخان تتصاعد حول بحر البلطيق إلى البحر الأسود حيث كانت عمليات حرق اليهود وبيوتهم وكتبهم مستمرة وحددت لهم روسيا مناطق لا يخرجون منها وألزمتهم الخدمة العسكرية خمسة عشر عاماً .
إذا كان النصارى والعلمانيون، والأوربيون والأمريكان اقرب الشعوب إلى اليهود فاسمعوا وجهة نظرهم فيهم .
يقول ((باكس)) وهو أحد النصارى (.. وكان في ذاكرة عامة أوربا أن اليهود يمتصون جهود البلاد الاقتصادية ويمثلون الطرف الخبيث الخطر الذي يسعى أبد الدهر لتحطيم المسيحية).
وفي أمريكا ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق ((بنيامين فرانكلين) أول خطاب في الاجتماع التأسيسي للولايات المتحدة بعد استقلالها عام 1779 م قال فيه:( إن هؤلاء اليهود هم أبالسة الجحيم، وخفافيش الليل، ومصاصو دماء الشعوب ،
أيها السادة : اطردوا هذه الطغمة الفاجرة من بلادنا قبل فوات الأوان، ضماناً لمصلحة الأمة وأجيالها القادمة، وإلا فإنكم سترون بعد قرن واحد أنهم أخطر مما تفكرون، وثقوا أنهم لن يرحموا أحفادنا، بل سيجعلونهم عبيداً في خدمتهم.. إلى أن يقول:
أيها السادة : ثقوا أنكم إذا لم تتخذوا هذا القرار فوراً، فإن الأجيال الأمريكية القادمة ستلاحقكم بلعناتها وهي تئن تحت أقدام اليهود 00) [8].
إذا كان هذا حكم القرآن فيهم، وتلك وجهات نظر أقرب الناس إليهم، فكم هو مؤلم ومؤسف أن تختل هذه النظرة عند بعض المنتسبين للإسلام، وينسوا أو يتناسوا هذا التأريخ البعيد والقريب لليهود فيطمعوا في صلح دائم معهم ويثقوا بعهودهم والله المستعان.
المعلم الرابع : من المعالم القرآنية التي حكم الله بها على اليهود: التفرق والشتات والخلاف ماض فيهم إلى يوم القيامة، يقول تعالى: ((وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا)) [سورة الأعراف:168] ويقول تعالى: ((وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) (سورة المائدة : 64) .
ويقول تعالى : ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)) ( الحشر:14) .
فهذه سنة ماضية من سنن الله في اليهود : (( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)) (سورة الحشر:14).
يعلمها من يقرأ تاريخهم قديما وحديثاً، ودعونا نطوي صفحة الماضي حتى لا يظن أننا نتعلق دائماً بالماضي، ففي عصرنا الحاضر وفي دولة إسرائيل اليوم من التفرقة العنصرية بين اليهود الغربيين الذين يسمون ((الأشكنازيم)) وبين اليهود الشرقيين الذين يسمون ((السفارديم)) من العداوة والبغضاء والكره ما الله به عليم، وليست تلك عداوة عنصرية لاختلاف المواقع، لكنها طبع، وتحقيق لموعود الله فيهم، وإليك هذا النص المؤكد لاستمرارعداوتهم.(27/230)
تقول يهودية روسية ذات ثقافة أكاديمية : صحيح أننا نكرههم- تقصد اليهود الغربيين- وصحيح أنهم يكرهوننا، إننا إسرائيليون وهم إسرائيليون، يبدو أن سوراً كبيراً يفصل بيننا، إننا نعيش في مستويات مختلفة ومفاهيم مختلفة، إننا نتحدث بشكل آخر ونفكر بشكل آخر، وينظر الواحد منا إلى الثاني بشكل آخر،إن هذا لأكثر من طائفتين مختلفتين، هذا بمثابة شعبين مختلفين، صدقني هذه عنصرية، إن ذلك ليس مسألة لون جلد، ولا مسألة البلد الأصلي، إن الذي يحدث ناجم عن الكراهة الثقافية، إنني أكرههم لأنني أتخوف من الانتقال ليلاً
تلك الشوارع التي يتجولون فيها، إنني أكرههم بسبب نظرتهم، بسبب كلماتهم البذيئة التي يطلقونها خلفنا، وبسبب جميع الأعمال الخسيسة التي يحاولون القيام بها ضدنا.
إلى آخر مقالها الذي يعبر عن الكره بين طوائف اليهود وصدق الله: ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى )) (سورة الحشر:14).
فلا تظنوا والحالة تلك أن يهود اليوم صف واحد وبنيان مرصوص، كلا فبنيانهم أوهى من بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، وما يخيل لبعض المسلمين اليوم من هيبة اليهود وقوة اليهود واجتماع كلمتهم إنما يبرز بسبب واقع المسلمين من الضعف والفرقة والشتات، وسيبصر المسلمون حقيقة الحال ويتأكدون من وصف القرآن إذا صلحت أحوالهم وعادوا إلى كتاب ربهم والتزموا شريعته، هناك يزول السراب الخادع، وتذهب الغشاوة عن العيون، ويأذن الله بنصر المسلمين، ويفر اليهود كما تفر الفئران من أرض المعركة، يحتمون بالقصور والحصون، غير قادرين على مواجهة المسلمين وحينها يعلم المسلمون مصداق قوله تعالى : ((لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)) (سورة الحشر:14) .
إن المعالم في تاريخ اليهود كثيرة، وإن آيات القوم عنهم بليغة، وليس هذا حصراً لها بقدر ما هو إشارة إلى بعض منها،
وللمزيد من العلم أنصح بالاطلاع على عدد من الكتب عن اليهود ومنها:
1- جذور البلاء (عبد الله التل) .
2- صراعنا مع اليهود (محمد ماضي) .
3- صراعنا مع اليهود (محمد عثمان شير) .
4- مكائد يهودية عبر التاريخ (عبد الرحمن حبنكة الميداني) .
5- اليهود في القرآن (محمد عزة دروزه) .
6- اليهود وراء كل جريمة (وليم كار) .
7- اليهود والماسونية (الشيخ عبد الرحمن الدوسري..رحمة الله ) .
8 - وأخيراً صدر كتاب جيد بعنوان: معالم قرآنية في الصراع مع اليهود (الدكتور/مصطفى مسلم..
ولاشك أن العلم والوعي بهذه الحقائق مهم في كل زمان ومكان، وهو في هذا الزمان أهم، وقد قيل إن معرفة المؤمنين بحالهم وحال أعدائهم نصف المعركة [9] ويبقى الشق الآخر وهو العمل والاستعداد فمجرد العلم وحده لا يكفي، وليست هذه المعرفة خاصة بطبقة دون أخرى، ولا بحاكم دون محكوم، ولا بذكر دون أنثى ، فكل عليه كفله من المسؤولية، فليبدأ بإصلاح نفسه وتسديد عيوبه وتنمية معارفه، وليحذر من الخداع والتزوير وليجعل الكتاب والسنة دليله في الحياة.
[1] في الطبقات 1/113
[2] السيرة لابن هشام 2/189.
[3] الأفعى اليهودية عن معالم قرآنية 211.
[4] صراعنا مع اليهود لمحمد ة إبراهيم ماضي ص 59، عن معا لم قرآنية في الصراع مع اليهود: ص214
[5] المصدر السابق ص 214
[6] انظر: العمري، السيرة النبوية الصحيحة 1/ 276.
[7] معالم قرآنية ص177 .
[8] انظر: د. مصطفى مسلم، معالم قرآنية في الصراع مع اليهود ص 205، 221.
[9] سيد قطب: الظلال 6/3529
=============(27/231)
(27/232)
الروتاري
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
الروتاري جمعية (*) ماسونية يهودية تضم رجال الأعمال والمهن الحرة تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين العلاقات بين البشر، وتشجيع المستويات الأخلاقية السامية في الحياة المهنية، وتعزيز النية الصادقة والسلام في العالم. وكلمة روتاري كلمة إنجليزية معناها دوران أو مناوبة. وقد جاء هذا الاسم لأن الاجتماعات كانت تعقد في منازل أو مكاتب الأعضاء بالتناوب، ولا زالت تدور الرئاسة بين الأعضاء بالتناوب. وقد اختارت النوادي شارة مميزة لها هي "العجلة المسننة" على شكل ترس ذات أربعة وعشرين سناً باللونين الذهبي والأزرق وداخل محيط العجلة المسننة تتحدد ست نقاط ذهبية، كل نقطتين متقابلتين تشكلان قطراً داخل دائرة الترس بما يساوي ثلاثة أقطار متقاطعة في المركز وبتوصيل نقطة البدء لكل قطر من الأقطار الثلاثة بنهاية القطرين الآخرين تتشكل النجمة السداسية تحتضنها كلمتي "روتاري" و "عالمي" باللغة الإنجليزية.
أما اللونان الذهبي والأزرق فهما من ألوان اليهود المقدسة التي يزينون بها أسقف أديرتهم وهياكلهم ومحافلهم الماسونية وهما اليوم لونا علم "دول السوق الأوروبية المشتركة".
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• في 23 من فبراير عام 1905م أسس المحامي بول هاريس أول ناد للروتاري في مدينة شيكاغو بولاية ألينوي وذلك بعد ثلاث سنوات من نشر بول هاريس لفكرته التي اقتنع بها البعض، ويعتبر سليفر شيلر (تاجر الفحم) وغوستاف ايه لوهر (مهندس المعادن) وسيرام إي شورى (التاجر الخياط) بالإضافة إلى بول هاريس (المحامي) مؤسسي الحركة الروتارية وواضعي أسسها الفكرية بعد اجتماعات متكررة دورية. وقد عقد اجتماعهم الأول في نفس المكان الذي بني عليه فيما بعد مقر النادي الروتاري الذي يحمل اسم شيكاغو 177 اليوم. لم يقبل بول هاريس أن يرأس النادي في أول عهده بل ترك رئاسته لأحد زملائه وهو سليفر ولم يقبل بول رئاسة النادي إلا في عام 1908م.
ـ بعد ثلاث سنوات انضم إليه رجل يدعى شيرلي د. بري الذي وسع الحركة بسرعة هائلة، وظل سكرتيراً للمنظمة إلى أن استقال منها في سنة 1942م.
ـ توفي بول هاريس (المؤسس) سنة 1947م بعد أن امتدت الحركة إلى 80 دولة، وأصبح لها 6800 ناد تضم 327000 عضو.
• انتقلت الحركة (*) إلى دبلن بأيرلندا سنة 1911م ثم انتشرت في بريطانيا بفضل نشاط شخص اسمه مستر مورو الذي كان يتقاضى عمولة عن كل عضو جديد.
• تأسس نادي الروتاري في مدريد سنة 1921م ثم أغلق ولم يسمح له بمعاودة النشاط في كل أسبانيا والسويد.
• لا يدون الروتاي الدولي اسم فلسطين في سجلاته بل يذكر صراحة اسم إسرائيل ومن المعلوم أنمصر وفلسطين الدولتان الأوليان في العالم العربي والإسلامي اللتان تأسس فيهما أول نادي للروتاي وذلك في عام 1929م (نادي روتاري القاهرة 2/1/1929م) نادي أورشليم (القدس) 1929م أيضاً، كما أنهما أكثر عدداً (مصر أكثر من عشرين نادياً، فلسطين أكثر من أربعين نادياً).
وقد ارتبط تاريخ الروتاري في الوطن العربي بثلاث ظواهر:
ـ بالاستعمار الغربي في نشأته وغالبية أعضائه.
ـ بالطبقات الارستقراطية وذوي النفوذ والمال.
ـ بنشاط شامل عام لجميع العالم العربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
• في الثلاثينات تم تأسيس فروع للروتاري في الجزائر ومراكش برعاية الاستعمار الفرنسي.
• يوجد في طرابلس الغرب فرع للروتاري ومن أعضاء مجلس الإدارة فيه المستر جون روبنسون والمستر فونت كريج.
• يعقوب بارزيف رئيس نادي الروتاي في إسرائيل عام 1974م غادر إسرائيل في 14/3/1974م إلى مدينة تاور مينا بصقلية لحضور المؤتمر الذي ينظمه النادي الروتاري الإيطالي، وادعى أنه سيكون مؤتمراً عربيًا إسرائيلياً لاشتراك وفود عدد من الدول العربية مع وفد إسرائيلي.
ـ كان أول المتحدثين مختار عزيز ممثل النادي الروتاري التونسي ثم تكلم بعده يعقوب بارزيف اليهودي.
الأفكار والمعتقدات:
• عدم اعتبار "الدين (*) مسألة ذات قيمة لا في اختيار العضو، ولا في العلاقة بين الأعضاء، ولا يوجد أي اعتبار لمسألة الوطن: يزعم الروتاري أنه لا يشتغل بالمسائل الدينية أو السياسية وليس له أن يبدي رأياًًً في أي مسألة عامة قائمة يدور حولها جدال (*).
• تلقَّن نوادي الروتاري أفرادها قائمة بالأديان المعترف بها لديها على قدم المساواة مرتبة حسب الترتيب الأبجدي: البوذية، النصرانية (*)، الكونفشيوسية، الهندوكية، اليهودية، المحمَّدية... وفي أخر القائمة التأويزم "الطاوية".
• إسقاط اعتبار الدين يوفر الحماية لليهود ويسهل تغلغلهم في الأنشطة الحياتية كافة، وهذا يتضح من ضرورة وجود يهودي واحد أو اثنين على الأقل في كل ناد.
• عمل الخير لديهم يجب أن يتم دون انتظار أي جزاء مادي أو معنوي، وهذا مصادم للتصور الديني الذي يربط العمل التطوعي بالجزاء المضاعف عند الله.
• لهم اجتماع أسبوعي، وعلى العضو أن يحرر 60% من نسبة الحضور سنويًّا على الأقل.(27/233)
• باب العضوية غير مفتوح لكل الناس، ولكن على الشخص أن ينتظر دعوة النادي للانضمام إليه على حسب مبدأ الاختيار.
• التصنيف يقوم على أساس المهنة الرئيسية، وتصنيفهم يضم 77 مهنة.
• العمال محرومون من عضوية النادي، ولا يختار إلا من يكون ذا مكانة عالية.
• يحافظون على مستوى أعمار الأعضاء ويعملون على تغذية المنظمة بدم جديد وذلك باجتلاب رجال في مقتبل العمر.
• يشترط أن يكون هناك ممثل واحد عن كل مهنة وقد تخرق هذه القاعدة بغية ضمّ عضو مرغوب فيه، أو إقصاء عضو غير مرغوب فيه، وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون الأساسي للروتاري الدولي على ما يلي:
ـ لا يجوز قبول أكثر من عضو عامل واحد في تصنيف من تصنيفات الأعمال والمهن باستثناء تصنيفات الأديان ووسائل الإعلام والسلك الدبلوماسي ومع مراعاة أحكام اللائحة الداخلية الخاصة بالأعضاء العاملين الإضافيين.
• يشترط أن يكون في المجلس الإداري لكل ناد شخص أو شخصان من رؤساء النادي السابقين أي من ورثة السر الروتاري المنحدر من (بول هاريس).
• تشارلز ماردن الذي كان عضوًا لمدة ثلاث سنوات في أحد نوادي الروتاري قام بدراسة عن الروتاري وخرج بعدد من الحقائق.
• بين كل 421 عضواً في نوادي الروتاري ينتمي 159 عضواً منهم للماسونية مع الاستنتاجات جعل الولاء للماسونية قبل النادي.
• في بعض الحالات اقتصرت عضوية الروتاري على الماسون فقط كما حدث في أدنبرة ـ بريطانيا سنة 1921م.
• ورد في محافل نانس بفرنسا سنة 1881م ما يلي: "إذا كون الماسونية جمعية بالاشتراك مع غيرهم فعليهم ألا يدعوا أمرها بيد غيرهم، ويجب أن يكون رجال الإدارة في مراكزها بأيد ماسونية وأن تسير بوحي من مبادئها".
• نوادي الروتاري تحصل على شعبية كبيرة ويقوى نشاطها حينما تضعف الحركة الماسونية أو تخمد، ذلك لأن الماسون ينقلون نشاطهم إلهيا حتى تزول تلك الضغوط فتعود إلى حالتها الأولى.
• تأسست الروتاري عام 1905م وذلك إبان فترة نشاط الماسونية في أمريكا.
• هناك عدد من الأندية تماثل الروتاري فكراً وطريقة وهي: الليونز، الكيواني، الاكستشانج، المائدة المستديرة، القلم، بناي برث (أبناء العهد) فهي تعمل بنفس الصورة ولنفس الغرض مع تعديل بسيط وذلك لإكثار الأساليب التي يتم بواسطتها بثُّ الأفكار واجتلاب المؤيدين والأنصار.
بين هذه النوادي زيارات متبادلة، وفي بعض المدن يوجد مجلس لرؤساء النوادي من أجل التنسيق فيما بينها.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• يوجد توافق كامل كبير بين الماسونية والروتاري في مسألة (الدين (*) والوطن والسياسة)، وفي اعتمادهم على مبدأ (الاختيار) فالعضو لا يمكنه أن يتقدم بنفسه للانتساب ولكن ينتظر حتى ترسل إليه بطاقة دعوة للعضوية.
• القيم والروح التي يُصْبغُ بها الفرد واحدةٌ في الماسونية والروتاري مثل فكرة المساواة والإخاء والروح الإنسانية والتعاون العالمي. وهذه روح خطيرة تهدف إلى إذابة الفوارق بين الأمم، وتفتيت جميع أنواع الولاءات، حتى يصبح الناس أفرادًا ضائعين تائهين، ولا تبقى قوة متماسكة إلا اليهود الذين يريدون السيطرة على العالم.
• الروتاري وما يماثله من النوادي تعمل في نطاق المخططات اليهودية من خلال سيطرة الماسون عليها الذين هم بدورهم مرتبطون باليهودية العالمية نظريًّا وعمليًّا، ورصيد هذه المنظمات ونشاطاتها يعود على اليهود أولاً وأخرًا.
• تختلف الماسونية عن الروتاري في أن قيادة الماسونية ورأسها مجهولان على عكس الروتاري الذي يمكن معرفة أصوله ومؤسسيه، ولكن لا يجوز تأسيس أي فروع للروتاري إلا بتوثيق من رئاسة المنظمة الدولية وتحت إشراف مكتب سابق.
• تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين الصلات بين مختلف الطوائف، وتتظاهر بأنها تحصر نشاطها في المسائل الاجتماعية والثقافية، وتحقق أهدافها عن طريق الحفلات الدورية والمحاضرات والندوات التي تدعو إلى التقارب بين الأديان وإلغاء الخلافات الدينية.
• أما الغرض الحقيقي فهو أن يمتزج اليهود بالشعوب الأخرى باسم الود والإخاء وعن طريق ذلك يصلون إلى جمع معلومات تساعدهم في تحقيق أغراضهم الاقتصادية والسياسية وتساعدهم على نشر عادات معينة تعين على التفسخ الاجتماعي، ويتأكد هذا إذا علمنا بأن العضوية لا تمنح إلا للشخصيات البارزة والمهمة في المجتمع.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• بدأت أندية الروتاري في أمريكا سنة 1905م وانتقلت بعدها إلى بريطانيا وإلى عدد من الدول الأوروبية، وفروعها الرئيسية في لندن وزيورخ وباريس وترتبط رئاسة كل منطقة روتارية على مستوى العالم ارتباطًا مباشرًا بالمركز العام في إيفانستون عن طريق ممثلها العالمي في الأفرع الرئيسية وقد غطت أندية الروتاري 157 دولة في العالم.
• المنطقة 245 تضم مصر، السودان، لبنان، الأردن، البحرين، قبرص، كما أن لهذه المنظمة أكثر من أربعين فرعاً في إسرائيل، ولها نواد في عدد من الدول العربية كمصر أكثر من 23 نادياً والأردن ناديان وتونس والجزائر وليبيا والمغرب 13 نادي ولبنان 5 أندية، وتعدّ بيروت مركز جمعيات الشرق الأوسط.
ويتضح مما سبق:(27/234)
أن الروتاريين يستهدفون القضاء على المعالم الثقافية والدينية المتميزة لإيجاد بيئة واحدة تعمها الأفكار والمبادئ الروتارية التي تستمد مفاهيمها من الحركة (*) الماسوينة العالمية، وتتخذ الناقوس والمطرقة شعارًا لها وتتخذ هذه المنظمة أسماء أخرى تعمل في ظلها مثل: لجنة الإنرهويل التي تختص بالسيدات وتضم مصر والأردن منطقة إنرهويل واحدة تحمل رقم 95، ولجنة الروتاراكت ولجنة الانتراكت.
وتعتبر هذه النوادي خطرًا داهمًا على الإسلام والمسلمين لتظاهرها بالعمل الإنساني في حين أنها معاول هدم للروح الإسلامية وتعمل في نطاق المخططات اليهودية العالمية. وقد أصدر المؤتمر الإسلامي العالمي للمنظمات الإسلامية الذي انعقد بمكة المكرمة عام 1394هـ/1974م قراره الحادي عشر والخاص بالماسونية وأندية الروتاري وأندية الليونز وحركات التسلح الخلقي وإخوان الحرية بأن:
ـ على كل مسلم أن يخرج منها فورًا وعلى الدول الإسلامية أن تمنع نشاطها داخل بلادها وأن تغلق محافلها وأوكارها.
ـ عدم توظيف أي شخص ينتسب إليها ومقاطعته كلية.
ـ يحرم انتخاب أي مسلم ينتسب إليها لأي عمل إسلامي.
ـ فضحها بكتيبات ونشرات تباع بسعر التكلفة.
ـ كما أعلن بالمجمع الفقهي في دورته الأولى أن الماسونية وما يتفرع عنها من منظمات أخرى كالليونز والروتاري تتنافى كلية مع قواعد الإسلام وتناقضه مناقضة كلية.
-------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ الماسونية في العراء، الدكتور الشيخ محمد علي الزعبي.
ـ أسرار الماسونية، جواد رفعت أتلخان.
ـ الماسونية، دراسة نقدية باللغة الإنجليزية، مصباح الإسلام فاروقي.
ـ خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل.
ـ جذور البلاء، عبد الله التل.
ـ مقال في مجلة أنوار الأحد، عدد 4627 في 23 أيلول / سبتمبر 1973م.
ـ مقال في مجلة الفكر الإسلامي، (بيروت) العدد الأول ذي الحجة 1393هـ/كانون الثاني 1974م.
ـ جريدة القيس الكويتية، في 14/3/1974م.
ـ ملحق جريدة العلم الليبية، أغسطس 1969م.
ـ مجلة فلسطين، أكتوبر 1969م.
ـ حقيقة أندية الروتاري، من رسائل جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت.
ـ دراسة عن أندية الروتاري الماسونية، بقلم أبي إسلام أحمد عبد الله.
ـ الطابور الخامس، بقلم أبي إسلام أحمد عبد الله.
ـ الماسونية في المنطقة (245)، بقلم أبي إسلام أحمد عبد الله.
ـ شرخ في جدار الروتاري ـ أبو إسلام أحمد عبد الله.
ـ لا يا شيخ الأزهر ـ الفتاوى الشرعية في أندية روتاري وليونز الماسونية ـ أبو إسلام أحمد عبد الله.
ـ الماسونية العالمية في ميزان الإسلام، د. عبد الله سمك.
ـ مجلات الروتاري (المنطقة 245) ونشرات الأندية في مصر والسودان وغيرهما.
ـ اليهود. د. أحمد شلبي.
ـ صحيفة الأهرام 6/2/1980م، 27/4/1980م.
ـ مجلة الجيل 10/6/1963م.
ـ قوانين الروتاري الدولية ولوائحه الداخلية والإقليمية والمحلية.
ـ القانون الأساسي للماسونية.
ـ الدستور الماسوني.
ـ الروتاري في قفص الاتهام، أبو إسلام أحمد عبد الله.
ـ الموسوعة البريطانية المجلد 19.
ـ قاموس الأندية الروتارية.
ـ موسوعة المورد، منير البعلبكي.
ـ حقيقة الروتاري في مصر، أبو إسلام أحمد عبد الله.
ـ شهادات روتارية، حسين عمر حماده.
ـ روزاليوسف عدد 1921م.
r ota r y and Its B r othe r s, Cha r les F. Ma r den (P r inceton Unive r sity p r ess - 1963).
Towa r ds my Neighbou صلى الله عليه وسلم G. صلى الله عليه وسلم H. Nitt.
My r oad To r otoa r y, r anl. P. Ha r ris.
r ota r y Se r vice.
Se r vice in life and wo r k.
==============(27/235)
(27/236)
كيف تعرف العلماني ؟ و ما هي معتقداته ؟
العلماني :
تجده يؤمن بوجود إله لكنه يعتقد بعدم وجود علاقة بين الدين وبين حياة الإنسان ( فكر بوذي ) كما يعتقد بأن الحياة تقوم على أساس العلم التجريبي المطلق وهذا ( فكر ماركسي ).
والعلماني :
تجده يعتبر القيم الروحية التي تنادي بها الأديان والقيم الأخلاقية بأنواعها هي قيم سلبية يجب أن يتم تطويرها أو إلغائها وهذا ( فكر ماركسي ).
والعلماني :
تجده يطالب بالإباحية كالسفور ، والاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والخاصة ( أي الخلوة ) ويحبذ عدم الترابط الأسري ( دعوة ماسونية ).
والعلماني :
تجده يطالب بعدم تدخل الدين في الأمور السياسية وأنه يجب تطبيق الشرائع والأنظمة الوضعية كالقانون الفرنسي في الحكم . وأن الدين للعبادة فقط دون تدخل في شئون الخلق وتنظيمها - كما أراد الله سبحانه وتعالى -.
والعلماني :
تجده يردد دائماً بأن الإنسان هو الذي ينبغي أن يستشار في الأمور الدنيوية كلها وليس رجال الدين - وكأن رجال الدين هم الذين اخترعوا التعاليم السماوية - ويطالب بأن يكون العقل البشري صاحب القرار وليس الدين . ( مع تحفظنا على رجال الدين لان ليس عندنا رجال دين ولكن عندنا علماء )
والعلماني :
تجده يصرح باطلاً بأن الإسلام لا يتلائم مع الحضارة وأنه يدعوا إلى التخلف لأنه لم يقدم للبشرية ما ينفع ويتناسى عن قصد الأمجاد الإسلامية من فتوحات ومخترعات في مجال الهندسة والجبر والكيمياء والفيزياء والطب وأن علم الجبر الذي غير المفاهيم العلمية وكان السبب الرئيسي لكثرة من مخترعات اليوم وربما المستقبل ينسب لمبتدعه العبقري جابر بن حيان وهو مسلم عربي .
والعلماني :
تجده يعتقد بأن الأخلاق نسبية وليس لها وجود في حياة البشر إنما هي انعكاس للأوضاع المادية والاقتصادية وهي من صنع العقل الجماعي وأنها أي الأخلاق تتغير على الدوام وحسب الظروف ( فكر ماركسي ) .
والعلماني :
تجده يعتقد بأن التشريع الإسلامي والفقه وكافة تعاليم الأديان السماوية الأخرى ما هي إلا امتداد لشرائع قديمة أمثال القانون الروماني وأنها تعاليم عفى عليها الزمن وأنها تناقض العلم . وأن تعاليم الدين وشعائره لا يستفيد منها المجتمع . ( وهذا فكر ماركسي ) .
تنبيه :
العلماني تجده يصرح بهذه المقولة ويجعلها شعاراً له دون أن يكون له دراية أو علم أو اطلاع على التعاليم الفقهية الإسلامية أو على الإنجازات الحضارية الإسلامية0
والعلماني :
تجده حين يتحدث عن المتدينين فإنه يمزج حديثه بالسخرية منهم ويطالب بأن يقتصر توظيف خريجي المعاهد والكليات الدينية على الوعظ أو المأذونية أو الإمامة أو الأذان وخلافه من أمور الدين فقط .
والعلماني :
يعتبر أن مجرد ذكر اسم الله في البحث العلمي يعتبر إفساداً للروح العلمية ومبرراً لطرح النتائج العلمية واعتبارها غير ذات قيمة حتى ولو كانت صحيحة علمياً .
والعلماني :تجده يعتبر أن قمة الواقعية هي التعامل بين البشر دون قيم أخلاقية أو دينية لأنها في اعتقاده غير ضرورية لبناء الإنسان بل أنها تساهم في تأخيره وأن القيم الإنسانية ما هي إلا مثالية لا حاجة للمجتمع بها .
والعلماني :
تجده يعترض اعتراضا شديداً على تطبيق حدود الله في الخارجين على شرعه كالرجم للزاني أو قطع اليد للسارق أو القتل للقاتل وغيرها من أحكام الله ويعتبرها قسوة لا مبرر لها .
والعلماني :
تجده يطالب ويحبذ مساواة المرأة بالرجل ويدعو إلى تحررها وسفورها واختلاطها بالرجال دون تحديد العمل الذي يلائمها ويحفظ كرمتها كأنثى .
والعلماني : تجده يحبذ أن لا يكون التعليم الديني في المدارس الحكومية إلزامياً بل إختيارياً .
والعلماني :
يتمنى تغيير القوانين الإسلامية بقوانين علمانية كالقانون المدني السويسري والقانون الجنائي المعمول به في إيطاليا والقانون التجاري الألماني والقانون الجنائي الفرنسي وهذا القانون يعمل به في بعض الدول العربية . ويعتبر أن تلك القوانين هي الأفيد في حياة الفرد والمجتمع من التنظيم الإسلامي .
المصدر كتاب : كيف تعرفهم ؟ لخليفه بن إسماعيل الإسماعيل
============(27/237)
(27/238)
أبناء العهد ( بناي برث)
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
بناي برث جمعية (*) من أقدم الجمعيات والمحافل الماسونية المعاصرة وذراع من أذرعتها الهدَّامة، ولا تختلف عنها كثيراً من حيث المبادئ والغايات إلا أن عضويتها مقصورة على أبناء اليهود، وخدمتها موجهة أساساً لدعم الصهيونية في العالم، والتقاط الأخبار واحتلال مراكز حساسة في الدول، ولهذه الجمعية فروع منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي مكلفة بدراسة نفسية كل قائد أو سياسي أو زعيم أو أي شخصية عامة للاستفادة من جوانب الضعف فيها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• تأسست هذه الجمعية في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة نيويورك في 13/10/1843م بصفة رسمية بعد أن حصل اثنا عشر يهوديًّا هاجروا من ألمانيا برئاسة هنري جونيس (جونز) على رخصة رسمية بذلك. وقد اتخذت الجمعية من مدينة نيويورك مقراً لها ومنها انتشرت وتأسست فروع لها في جميع أنحاء الكرة الأرضية. وشعارها الشمعدان وهو شعار يهودي ديني قديم.
• منذ سنة 1865م والجمعية تسعى لأن تكون لها وجود في فلسطين، وفي سنة 1888م تأسس أول محفل لها، ولغة العمل الرسمية فيه هي اللغة العبرية، ومن أبرز شخصياته: ناحوم سوكولوف، دزنكوف، حاييم نخمان، دافيد يلين، مائير برلين، حاييم وايزمن وجادفرامكين.
• لقد عملوا على تأسيس مستعمرات يهودية صغيرة في فلسطين، وكانت موتسا أول قرية يؤسسونها عام 1894م بالقرب من القدس مشكلين بذلك نواة الكيان الإسرائيلي الحالي.
• اليهودي سيجموند فرويد عالم النفس الشهير (1856-1939م): انضم عام 1895م إلى هذه الجمعية وكان مواظباً على حضور اجتماعاتها.
• في عام 1913م أسسوا جمعية لمكافحة التشهير والإهانة وتشويه السمعة التي يتعرض لها اليهود في العالم.
• فيليب كلوزنيك Philip Kluznick كان رئيساً لهذه الجمعية عندما عُيِّن في عهد الرئيس أيزنهاور رئيساً للوفد الأمريكي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة (*).
• جون فوستر دالاس: وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عام 1958م وهو نصراني بروتستانتي شارك في الحفل الذي أقامته الجمعية في 8/5/1956م حيث قال في هذه المناسبة : "إن مدنية الغرب قامت في أساسها على العقيدة اليهودية في الطبيعة الروحية للإنسانية، ولذلك يجب أن تدرك الدول الغربية أنه يتحتم عليها أن تعمل بعزم أكيد من أجل الدفاع عن هذه المدنية التي معقلها إسرائيل".
• إن رؤساء الولايات المتحدة يثنون دائماً على الأعمال التي تقوم بها هذه الجمعية.
• قامت المنظمة بعد إعلان قيام إسرائيل بتقديم إمدادات طبية وملابس ومعدات وساهمت في إنشاء المكتبات وتشجير الغابات وتقوم بتصريف سندات إسرائيل وتجنيد العمال الفنيين في الولايات المتحدة وكندا لإسرائيل.
• يتقلد زمام المنظمة رئيس ينتخب كل 3 سنوات من قبل المحفل الأعلى الذي يتألف من ممثلي المحافل المحلية. وهناك لجنة إدارية ومدراء يشاركون في إدارة المنظمة أيضاً.
الأفكار والمعتقدات:
• الشعارات الظاهرية المعلنة:
ـ حب الخير للإنسانية والعمل على تحقيق الرفاهية لها.
ـ مساعدة الضعفاء والعجزة وذوي العاهات وتقديم الدعم للمستشفيات الخيرية.
ـ افتتاح بيوت الشباب في جميع أنحاء العالم.
ـ الدفاع عن حقوق الإنسان.
ـ منع إهانة الجنس اليهودي.
ـ العطف على المضطهدين من اليهود.
ـ تطوير التبادل الثقافي بالاحتياجات الثقافية والدينية للطلاب اليهود وذلك عن طريق مؤسسة The Hillel Foundation.
ـ التوجيه في مجال التدريب المهني.
ـ مساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية.
ـ فتح حوار مع مسؤولي الحكومات حول موضوعات الحقوق المدنية والهجرة والاضطهاد.
• الأهداف الحقيقية:
ـ ضم شباب الإسرائيليين بعضهم إلى بعض للنظر في مصالحهم العمومية والمحافظة عليها وإعدادها لأخذ فلسطين وطناً لهم وبث الحماسة في نفوسهم لتحقيق ذلك.
ـ التصدي لمن يتعرض لليهود أو يحاول عرقلة جهودهم الرامية إلى تحقيق أطماعهم واتخاذ كافة السبيل لمواجهته.
ـ تمويل عمليات الهجرة إلى إسرائيل وبيع سنداتها وتجميع الأموال اللازمة والمساعدات التي تساعد على إدخال المهاجرين وزيادة طاقة إسرائيل العدوانية، وإنشاء الشركات ـ لا سيما الأمريكية ـ في إسرائيل في شتى المجالات وتسويق منتجاتها في مختلف بلدان العالم.
ـ الدعم العسكري لإسرائيل بصفة مستمرة وبصورة تدعو للدهشة والاستغراب في معرفة ما يلزم اليهود من المعدات العسكرية كماً وكيفاً ولتلك الجمعية دور بارز في إنشاء المستوطنات العسكرية قبل قيام إسرائيل.
ـ تبرئة اليهود من دم المسيح (*) حتى يتيسر لليهود تحقيق أهدافهم بعيداً عن مناوأة المسيحية لهم.
ـ التغلل في الأجهزة الحكومية والتحكم في سياسات الحكومات وخصوصاً في أمريكا وبريطانيا حيث تغلغلت في صميم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية..الخ.
ـ أن يكون الولاء أولاً وأخيراً لإسرائيل بحيث يتجاوز الوطن الذي يعيش فيه اليهودي.
• أفكار ومعتقدات أخرى:
ـ إنهم يهود ولا يهمهم إلا إعلاء هذا العنصر ليسود العالم.(27/239)
ـ دعم الماسونية العالمية في خططها وبرامجها الهدامة.
ـ دعم الوجود الإسرائيلي في فلسطين وتشجيع اليهود ليهاجروا إليها.
ـ العمل على تدمير الأخلاق (*) والحكومات الوطنية والأديان (*) عدا اليهودية.
ـ التعاون مع الماسونية والصهيونية لإشعال الحروب والفتن وقد كان لهم دور بارز في الحرب العالمية الأولى.
ـ قاموا بشن هجوم على هتلر وحكمه حينما جاء إلى الحكم سنة 1933م.
ـ كان لهم دور خطير في التمهيد للحرب العالمية الثانية.
ـ التقاط الأخبار واحتلال المراكز الحساسة في الدول المختلفة، كما أن لهم أنظمة داخلية سرية وشبكة من العملاء السريين.
ـ تغلغلت هذه الجمعية (*) في صميم الحياة الأمريكية والإنجليزية وتحكمت في شؤون الاجتماع والسياسة والاقتصاد لهذين البلدين بخاصة.
ـ إنهم يستخدمون المال والجنس والدعاية المركزة من أجل تحقيق الأهداف اليهودية المدمرة.
ـ لقد عملوا على خطف أدولف إيخمان النازي الشهير في عام 1960م من الأرجنتين إلى إسرائيل حيث أعدم هناك في 31/5/1962م.
ـ التصدي لكل من يحاول النَّيل من اليهود واغتيال الأقلام التي تتعرض لهم حتى يخضع الجميع لهيبتهم.
ـ إنها جمعية لا تقدم خدماتها إلا لأبناء الجالية اليهودية ولا تعمل إلا من أجل دعم تفوقهم وسيطرتهم.
ـ في الاجتماع الذي عقد في مدينة بال بسويسرا 1897م قال رئيس الوفد الأمريكي لجمعية بناي برث: "ولسوف يأتي الوقت الذي يسارع فيه المسيحيون أنفسهم طالبين من اليهود أن يتسلموا زمام السلطة".
ـ حظيت (بناي برث) بتمثيل في الأمم المتحدة (*) وذلك من خلال عضويتها في المجلس التنسيقي للمنظمات اليهودية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ـ أنها منظّمة يهودية وبالتالي فإن التلمود هو محور عقيدتها وتفكيرها.
ـ بروتوكولات حكماء صهيون (*) ركن أساسي في خططها وأهدافها.
ـ طموحات الماسونية الهدّامة أمر مهم تعمل على تحقيقه وإنجازه.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• تأسست بناي برث في نيويورك وانتشرت محافلها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وصارت لها في هذه الدول مواقع نفوذ قوية.
• امتدت فروعها إلى استراليا وأفريقيا وبعض دول آسيا، كما أن لها نوادي في بعض البلدان الإسلامية: الأردن، سوريا، لبنان، البحرين، المغرب، تونس، العراق، مصر، السودان.
ـ في مصر تأسس لها محفلان أحدهما محفل ماغين دافيد رقم 436 وقانونه مطبوع باللغة العربية، والآخر محفل ميمونت رقم 365 وقانونه مطبوع بالألمانية، وقد تم حظر نشاطهما في الستينات، ولكن حدث أن التقى الرئيس المصري أنور السادات بوفد من المنظمة يضم 24 عضواً باستراحة الرئيس بالمعمورة كما استقبل الوفد د. مصطفى خليل رئيس وزراء مصر آنذاك (مايو عام 1979م) وهكذا تلقى وفودها ترحيباً في بعض الدول الإسلامية.
ويتضح مما سبق:
أنه بعد انكشاف أهداف الصهيونية ونشر بروتوكولاتهم (*) وإغلاق الكثير من محافل الماسونية، لجأ اليهود إلى تغيير الأسماء ووضعوا لافتات جديدة لنشاطاتهم مثل الروتاري والليونز وبناي برث، وهي جميعها حرب على الأديان (*) وتخريب للمبادئ الإنسانية السامية.
---------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ الماسونية ما هي حقيقتها، أسرارها، أهدافها، رابطة العالم الإسلامي ـ الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمساجد ـ الدورة الثالثة 1398هـ/1978م.
ـ خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية: عبد الله التل ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ودمشق ـ ط 3 ـ 1399هـ/1979م.
ـ حقيقة نوادي الروتاري، من رسائل جمعية الإصلاح الاجتماعي ـ الكويت ـ ط 2 ـ 1394هـ/1974م.
ـ الإسلام والحركات الهدامة، معالي عبد الحميد حمودة ـ سلسلة دعوة الحق ـ العدد 25 ـ صادر عن رابطة العالم الإسلامي 1404هـ/1984م.
ـ جذور البلاء، عبد الله التل ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ودمشق ـ ط 2 ـ 1398هـ/1978م.
ـ الصهيونية ودورها في السياسة العالمية، هايمان لوفر ـ دار الثقافة الجديدة ـ القاهرة.
ـ شهادات ماسونية، حسين عمر حمادة ـ دار قتيبة ـ دمشق ـ ط 1 ـ 1400هـ/1980م.
ـ التراث اليهودي الصهيوني في الفكر الفرويدي، د. صبري جرجس ـ عالم الكتب ـ طبعة 1970م.
ـ الموسوعة البريطانية Encyclopedia B r itannica, Vol II(1976) (Bnai B r ith)
============(27/240)
(27/241)
الليونز
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
الليونز مجموعة نواد ذات طابع خيري اجتماعي في الظاهر، لكنها لا تعدو أن تكون واحدة من المنظمات العالمية التابعة للماسونية التي تديرها أصابع يهودية بغية إفساد العالم وإحكام السيطرة عليه.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• في صيف 1915م دعا مؤسس هذه النوادي ملفن جونس إلى فكرة إنشاء نواد تضم رجال الأعمال من مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وكان أول نادٍ تأسس من هذا النوع في مدينة سانت أنطونيو ـ تكساس.
• في مايو 1917م ظهرت المنظمة العالمية لنوادي الليونز إلى الوجود وقد عقدت اجتماعها الأول في شيكاغو حيث أقدم نوادي الروتاري هناك.
• يعتقد بعض الدارسين أن هذا النادي تابع لنوادي بناي برث أي (أبناء العهد) الذي تأسس في 13/10/1834م في مدينة نيويورك.
• بصورة عامة فإن هذه النوادي جميعًا تتبع بشكل أو بآخر منظمة البنائين الأحرار (الماسون).
• لقد أنشئ نادي الليونز ليكون بديلاً عن النوادي السابقة في حالات انكشافها أو اضطهادها لما يتمتع به من مظهر اجتماعي إصلاحي خيري.
الأفكار والمعتقدات:
• إن اسمهم (الليونز) أي (الأسود) إنما يرمز إلى القوة والجرأة وحروف الكلمة بالإنجليزية (Lions) كل منها يرمز لمعنى عندهم.
• تنهى كسائر النوادي الماسونية عن المجادلة في الأمور السياسية والعقائدية الدينية.
• تتظاهر بالعمل في الميادين التالية:
ـ الدعوة إلى الإخاء والحرية (*) والمساواة.
ـ الخدمات العلمية والثقافية.
ـ تشجيع تبادل الزيارات والرحلات واللقاءات.
ـ نشر معاني الخير والتعاون بين الشعوب.
ـ تنمية روح الصداقة بين الأفراد بعيدًا عن الروابط العقدية.
ـ الاهتمام بالرفاهية الاجتماعية.
ـ العمل على نشر المعرفة بكل الوسائل الممكنة.
ـ مساعدة المكفوفين والخدمات الاجتماعية الأخرى.
ـ تخفيف متاعب الحياة اليومية عن المواطنين.
ـ تقديم الخدمات إلى البيئة المحلية.
ـ إقامة المسابقات الترفيهية وتشجيع اللقاءات وتبادل الزيارات والرحلات.
ـ دعم المشروعات الخيرية.
ـ دعم مشروعات الأمم المتحدة (*).
• العضوية:
ـ شروط العضوية في هذه النوادي لا تختلف كثيرًا عن شروط العضوية في نوادي الماسونية والروتاري.
ـ لكنها تمتاز عن النوادي الماسونية بأنه يجوز لديهم بأن يمثل المهنة الواحدة أكثر من عضوين.
ـ لا يستطيع أي شخص أن يقدم طلب انتساب إليها، إنما هم الذين يرشحونه ويعرضون عليه ذلك إذا رأوا مصلحة لهم فيه.
ـ يشترط أن يكون العضو من رجال الأعمال الناجحين.
ـ يشترط أن يكون مكان عمل العضو في ذات المنطقة التي فيها النادي.
ـ يفرض على كل عضو أن يحقق نسبة حضور في الاجتماعات الأسبوعية لا تقل عن 60% سنوياً.
ـ يمنعون منعاً باتاً دخول العقائديين وذوي الغيرة الوطنية الشديدة.
ـ يجتذبون الشباب والشابات بغية المحافظة على أدنى مستوى ممكن من الأعمار الشابة للمحافظة على حيوية النادي الدائمة فضلاً عن سهولة التأثير.
ـ يجتذبون السيدات من زوجات كبار المسؤولين كما يسند إليهن مهمة الاتصال بالشخصيات الكبيرة، ولهن نوادٍ بهنَّ تسمى نوادي سيدات الليونز.
الهيكل التنظيمي:
• تتشابه أندية الليونز مع أندية الروتاري في وضع نظام شبه جغرافي يقسم العالم إلى عدد من التكتلات حسب كثافة انتشار الأندية ولكل تكتل رقم خاص ويتكون التكتل الواحد من دولة أو عدد من الدول ويسمى بالمنطقة أو المحافظة رقم ـ وترتبط رئاسة كل منطقة من المناطق على مستوى العالم مباشرة بالمركز العام وتقع مجموعة الدول العربية في المنطقة 352.
• يتكون كل نادٍ من:
ـ رئيس.
ـ نائب رئيس أو أكثر.
ـ سكرتير ـ وأمين صندوق.
ـ مجلس إدارة مؤلف من (12) عضواً على أن يكون بينهم شخص أو اثنان من رؤساء النادي السابقين بهدف إحكام القبضة على المجلس كي لا ينحرف في أي مسار لا يريدونه لناديهم.
ـ لجان متنوعة تشكل من قبل المجلس لتشمل الأنظمة المختلفة.
خطورة هذه النوادي:
• نشاطاتها الخيرية الظاهرية مصيدة تخفي وراءها أهدافها الحقيقية.
• يتسمون بالتخطيط الدقيق، ويعملون على أساس من السرية في جمع المعلومات.
• يتعرفون على أسرار المهن من خلال لقاءاتهم مما يعطيهم قدرة على التحكم في السوق المحلية كما يعينهم على التدخل في الشؤون الاقتصادية للبلد.
• يجمعون المعلومات المتعلقة بالشؤون السياسية والدينية للبلد الذي يعملون فوق أرضه ويرسلونها إلى مركز المنظمة العالمي التي تقوم بتحليلها ووضع الخطط اللازمة والمناسبة حيالها.
• إنهم يُقَسِّمون المنطقة التي يعملون فيها، ومن ثم يجب أن يغطى كل قسم بنشاطه القطاع المتعلق به.
• هناك غموض شديد يكتنف أسرارهم ومواردهم ووسائلهم.
• تضرب مجالس إدارات مناطق الليونز إجراءات أمن مشددة حولها.
• يرددون دائماً شعار (الدين (*) لله والوطن للجميع).
• الإسلام لديهم يقف على قدم المساواة مع الديانات الأخرى سماوية كانت أم بشرية هذا من حيث الظاهر، أما الحقيقة فإنهم يكيدون له أكثر مما يكيدون لسواه.(27/242)
• يركزون في دعواتهم ومحاضراتهم على إبراز مكانة معينة لإسرائيل وشعبها، كما يقومون بزراعة أفكار صهيونية في عقول أعضائها.
• لقد عقدوا دورة في نوادي ليونز مصر الجديدة بالقاهرة للحديث عن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
• إنهم يقيمون حفلات مختلطة ماجنة راقصة تحت شعار (الحفلات الخيرية).
• لقد أصدر المجمع الفقهي في دورته الأولى المنعقدة في مكة المكرمة بتاريخ 10 رمضان 1398هـ قراراً بَيَّنَ فيه أن مبادئ حركات (*) الماسونية والليونز والروتاري تتناقض كليًّا مع مبادئ وقواعد الإسلام.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن نوادي الليونز لا تخرج عن الدائرة الماسونية التي تتبع لها، فالجذور إذن واحدة.
• إنها تدعو إلى فكرة الرابطة الإنسانية وإزالة العوائق بين البشر.
• إنها تستمد جوهرها الحقيقي من الفكر الصهيوني.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• لهذه المنظمة نوادٍ في أمريكا وأوروبا وفي كثير من بلدان العالم.
• ادعت نوادي الليونز في أوائل عام 1970م بأن عدد أعضائها يزيد عن (934.000) عضو موزعين في (146) بلداً.
• مركزها الرئيسي الحالي هو في أوك بروك بولاية الينوي في الولايات المتحدة الأمريكية.
• نوادي الليونز والروتاري نشطت في مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.
• إنها تتخذ من الفنادق الضخمة مراكز لها كفندق السلام بمصر الجديدة وفندق هيلتون وشبرد وشيراتون.
• إنها ترصد مبالغ ضخمة كجوائز تقدم خلال حفلات تنمية الصداقة وحفلات الاهتمام ببعض المشروعات مما يضع إشارة استفهام حول طبيعة الموارد المالية.
ويتضح مما سبق:
أن الليونز لافتة جديدة للماسونية لجأ اليهود إليها عندما أغلقت المحافل الماسونية. والحقيقة أن ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ومع الأسف فإنها تباشر نشاطها في كثير من البلاد الإسلامية مثل: مصر والأردن وسوريا ولبنان والبحرين والمغرب وتونس والعراق، وهم يعرضون أحياناً بعض ما يسمونه نشاطاً اجتماعيًّا ويدَّعون أنهم يريدون به للمجتمع أن ينمو وفق نظام هندسي دقيق تذوب فيه النعرات القومية والعصبيات الجنسية والاختلافات الدينية، والحقيقة التي يجب ألا تخفى على مسلم هي أنهم جماعة مشبوهة، ويكتنفها الريب والشكوك، ويكفي أنها مدعومة من جهات خارجية غير معلومة.
----------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ شهادات ماسونية، حسين عمر حماده ـ دار قتيبة بدمشق ـ ط 1 ـ 1400هـ/1980م.
ـ حقيقة نوادي الروتاري، جمعية الإصلاح الاجتماعي ـ ط 2 ـ 1394هـ/1974م.
ـ الماسونية في العراء، الشيخ محمد علي الزغبي.
ـ أسرار الماسونية، جواد رفعت أتلخان.
ـ خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل.
ـ جذور البلاء، عبد الله التل.
الماسونية، محمد صفوت السقا وسعدي أوجيب ـ إصدار رابطة العالم الإسلامي ـ مكة المكرمة ـ طـ 2 ـ 1402هـ.
ـ الماسونية والصهيونية والشيوعية، د. صابر عبد الرحمن طعيمه ـ دار الفكر العربي بالقاهرة ـ طـ 1 ـ 1978م.
ـ المثلث 352 ـ أندية ليونز الماسونية في مصر ـ أبو إسلام أحمد عبد الله ـ بيت الحكمة ـ القاهرة.
ـ مجلة الجندي المسلم، السنة الحادية عشر ـ العدد 34 ـ ذو الحجة 1404هـ/1984م.
ـ جريدة الأخبار القاهرية، بتاريخ 27/1/1984م.
ـ لائحة النظام الأساسي للجمعية العالمية لأندية الليونز.
ـ انظر الموسوعة البريطانية، طبعة 1974م، مجلد 4 ـ صفحة 302 ـ في الحديث عن الماسونية (البناؤون الأحرار).
المراجع الأجنبية:
Encyclopaedia B r itannica, Nol, V.p. 385, 1974.
=============
عوامل خروج المرأة الغربية للعمل
المرأة الغربية سبقت المرأة الشرقية في الخروج إلى ميدان العمل، وتقلد مختلف الوظائف وشتى المهن، وكان ذلك نتيجة لظروف وملابسات معينة، لابد من إدراكها ومعرفتها وهي كالتالي :
أولاً : الثورة الصناعية
والتي احتاجت إلى توفير عدد كبير من الأيدي العاملة، وخصوصا عندما يضرب الرجال عن العمل للمطالبة بحقوقهم المشروعة، فسدت المرأة بدورها هذا الفراغ، وبخاصة أنها تأخذ نصف الأجر الذي يتقاضاه الرجل تقريبا عن العمل نفسه .
ثانياً : الحروب التي سادت أوربا
فانشغال الرجال بالحروب وفناءهم فيها، كما في ألمانيا وفرنسا، سببت مشاركة المرأة الغربية في بناء المجتمع وسد حاجاتهن .
ثالثاً : تخطيط اليهود والماسونية لإفساد المجتمعات العالمية
فتخطيط اليهود يركز على المرأة كبؤرة اهتمام أساسية، ومن ضمن ذلك إخراج المرأة من ملكتها، حتى تستخدم كأداة لإفساد الأجيال الكبيرة، وضياع الأجيال الصغيرة، بأعمال تخل بكرامتها، ولا تتفق مع بيعتها وأنوثتها .
رابعاً : انتشار الروح الفردية في الغرب
مما جعل أصحاب رؤوس الأموال والمصانع والمخططين، لا يراعون المصالح الأسرية والجماعية، للأسر والجماعات والمجتمع بصفة عامة، ولكن تتركز الاهتمام لديهم على مصالحهم الشخصية، وتحقيق أعلى معدلات من الإنتاج والمكاسب المادية، بغض النظر عن الخسائر الفادحة، التي سوف تنجم من جراء ذلك.
خامساً : أثر الثورات الاجتماعية الكبرى(27/243)
أثرت الثورات سواء كانت الفرنسية أو الروسية أو غيرها، وخصوصا تلك التي تحمل أفكاراً أو مثلا، وحاولت تطبيقها في الواقع الاجتماعي، ودخلت المرأة بصفتها عضواً في المجتمع الإنساني في خضم الأحداث، وتأثرت كما تأثر المجتمع بأكمله بهذه الأفكار والثورات والتغيرات .
===========(27/244)
(27/245)
مكرُ الأعداء في القرآن الكريم
الحمدُ لله القوي العزيز، لهُ العزةُ جميعاً ولهُ المكرُ جميعاً ، وهو الكبيرُ المتعال ، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له، أهلك عاداً الأولى وثمودَ فما أبقى، والمؤتفكةَ أهوى ، وبأسهُ لا يُردُ عن القومِ المجرمين قديماً وحديثاً ومستقبلاً، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أحاطت به الأعداءُ ومكرَ به الماكرون ، وتطاولَ عليه المُجرمُون ، فما وهنَ ولا استكان ، بل صبرَ وجاهدَ حتى نصرهُ الله وردَّ كيدَ الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى اللهُ المؤمنين القتال، وكان اللهُ قوياً عزيزاً ، اللهمَّ -صل وسلم عليه- وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ، ورضي الله عن الصحابةِ أجمعين والتابعين، أوصيكم ونفسي بتقوى الله :
أيُّها المسلمون: يتكالبُ أعداءُ الإسلامِ في كلِّ زمانٍ محاربين دينَ الله ورسلَه والمؤمنين، ويتفننُ أولئكَ الأعداءُ في كلِّ عصرٍ بما يتناسبُ من وسائلِ الحرب والعداء.
وفي أيامنا هذه تشتدُ هجمةُ الأعداء، ويتجددُ مكرُهم، وتتوحدُ قواهم لضربِ المسلمين وحصارِهم - والمسلمونَ كُلَّما دهمتهم الخطوبُ رجعوا إلى كتابِ الله، فوجدوا فيه الشفاءَ والهدى والنور والضياء.
وحديثُ اليومِ عن مكرِ الأعداء من خلالِ آياتِ الكتابِ العزيز، ذلك الكتابُ المعجزُ المتجددُ في عرضِه وعبرِه، فما ذا نجدُ فيه عن مكرِ الأعداء ؟ وعاقبتهم ونهايتهم ؟.
أولاً : العداءُ والمكر سُنةُ جاريةٌ، وقَدرٌ إلهيٌ، قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)) (سورة الأنعام :123) .
قال ابن كثير- رحمه الله-: (وكما جعلنا في قريتكَ يا محمد أكابرَ من المجرمين، ورؤساءَ ودعاةً إلى الكفرِ والصدِّ عن سبيل الله، وإلى مخالفتك وعداوتك، كذلك كانت الرسلُ من قبلك يُبتلون بذلك، ثُمَّ تكون العاقبةُ لهم، وقال تعالى: (( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)) (سورة الرعد :42)
ثانياً : هذا المكرُ والعداءُ يتعاونُ عليه شياطينُ الإنس والجن ، كما قال ربُنا تبارك وتعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )) (سورة الأنعام :112) .
عن أبي ذرٍ- رضي الله عنه- قال: أتيتُ النبيَ- صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد، فجلستُ، فقال : ((هل صليت ؟ قلتُ: لا، قال: قُم فصلِّ، قال فقمتُ فصليتُ، ثم جلستُ، فقال: يا أبا ذرٍ تعوذ بالله من شرِّ شياطين الإنس والجن " قال: قلتُ يا رسولَ الله، وللإنس شياطينُ ؟ قال: نعم " شياطين الإنس والجن يوحي بعضُهم إلى بعض زخرف القوم غروراً )) .
ثالثاً : وهذا المكرُ مع غرورِه تصغي إليه أفئدةُ من لا يؤمنون (( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ)) (سورة الأنعام :113) .
إنَّ هؤلاء المغرورين بالزخرفِ يعملونَ ما يعملونَ من العداوةِ للهِ ولرسلهِ وللمؤمنين، ولا يكتفونَ بالإصغاءِ والسماع، ولا يقفونَ عند حدِّ الرضا والقبول، بل يقترفون ويُخططون ويعملون.
إنَّها آيةٌ ظاهرةٌ في تعاونِ الأعداءِ فيما بينهم ضدَّ الإسلام والمسلمين، والمعركةُ التي يقودُها الباطلُ والمبطلونَ ضدَّ الحقِّ يتجمّع فيها أصنافُ الشياطين، ويتعاونونَ لإمضاءِ خطةٍ مدبرةٍ، فبعضهم يُوحي إلى بعض، وبعضُهم يُغوي بعضاً.
رابعاً : ولكن هذا الكيدُ والمكرُ مهما بلغَ شانُهُ واجتمع لهُ الخصومُ من كلِ صوبٍ فليس طليقاً، بل هو مقيدٌ بقدرِ الله، ومحاطٌ بمشيئتهِ سبحانه، (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )) (سورة الأنعام :112).
إنَّهُ لا ينطقُ كما يشاءُ بلا قيدٍ ولا ضابطٍ، ولا يصيبُ من يشاءُ بلا معقبٍ ولا رادع، وإنَّ الأعداءَ مهما بلغت قوتُهم ورادتُهم، فهي مقيدةٌ بمشيئةِ اللهِ ومحدودةً بقدرِ الله .
وهُنا يتعلقُ المؤمنُ باللهِ، ويُسلي نفسهُ موقناً بأنَّ القوةَ للهِ جميعاً، وأنَّ الخلقَ مهما صنعوا فهُم لا يشاءُون إلاَّ أن يشاءَ الله، فيعتصمُ المؤمنُ باللهِ وحده، ويتوكلُ عليهِ وحده، ويخافُ منهُ وحده، ويرجوهُ وحده، مع فعلِ الأسبابِ والأخذِ بسبُل النجاة .
خامساً : والماكرونَ لهم عذابٌ شديد، ومكرُهم يبور، ((وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ)) (سورة فاطر :10) .
قال أبو العالية: هُم الذين مكروا بالنبي- صلى الله عليه وسلم - لما اجتمعوا في دارِ الندوة، ( تفسير القرطبي ) [ 14/ 332] .(27/246)
ونهايةُ مكرِهم ففي تباب، واللهُ يُدافع عن أوليائهِ المؤمنين، ويحفظُهم من مكرِ الماكرين، وهذهِ قريشٌ تجتمعُ وتخططُ وتدبرُ المكائدَ، وتصنعُ المؤامراتِ لإنهاءِ الرسولِ- صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يُبطلُ اللهُ كيدَهم، ويُفشلُ مخططهم، ويُوحي إلى نبيهِ- صلى الله عليه وسلم - بما تأمروا به، ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) (سورة الأنفال :30) .
سادساً : المكرُ السيئُ يحيقُ بأهله، ((وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )) (سورة فاطر : 43) .
وفي أمثالِ العربِ : ( من حفرَ حفرةً لأخيهِ وقعَ فيه مُنكبّاً) .
وروى الزهريُ، أنَّ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا تمكروا ولا تعن ماكراً فإنَّ الله تعالى يقول)) : (( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)) (سورة فاطر :43).
[ تفسير القرطبي 14/ 260] .
وربُك يُمهل الظالمَ حتى إذا أخذه لم يُفلته : (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) (سورة هود :102).
سابعاً : والعاقبةُ للمكر والماكرين، هي الهلاكُ والتدميرُ عاجلاً في الدنيا ومؤجلاً في الآخرة، (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (سورة النمل :52).
أجل لقد تجاوزَ التدميرُ التسعةَ الرهطِ المفسدين إلى قومهم أجمعين: وكذلك يحيطُ عذابَ اللهِ بالمفسدين والمتعاونين, والساكتين الراضين، 0 (( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)) (سورة الأنعام :132).
أيُّها المسلمون: ومن تأملَ في آياتِ القرآنِ وجدهُ يَعرضُ عن أممٍ مَكرت فحلّت بها عقوبةُ الله في الدنيا ، وما ينتظرُها في الآخرةِ أشدّ وأخزى ، وهذا محمدٌ- صلى الله عليه وسلم - يُسلى ويسرى عنهُ ويُصّبر على مكرِ قريشٍ بمكرِ الأمم الماضية ومصيرِهم، ويقول تعالى : (( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ)) (سورة النحل :26).
نعم لقد مكرَ الذين من قَبْل قريش، ومكرت قريش، ومكرَ من بعد قريش، وما يزالُ المكرُ سارياً، (( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ )) (سورة النحل :26).
فانهدم عليهم البنيانُ الذي شيَّدوه، وكان مقبرةً لهم، وآتاهُم العذابُ من حيثُ لا يشعرون، وكذلك يَحيقُ المكرُ السيئُ بأهله، وتلك سنةُ اللهِ مع جميعِ الماكرين، (( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)) (سورة الرعد :42).
أخوةَ الإيمان: وقد يُزينُ للماكرينَ مكرُهم ، وقد يغترُ المُبطلون بباطلهم، ولكن ذلكَ لا يُلغي حقيقةً قرآنيةً بأنَّهم هؤلاءِ الماكرين، (( وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ )) .
وبأنَّهم ضالون عن الطريقِ الحق، ومن يُضللِ اللهُ فما لهُ من هاد، اسمع إلى ذلك كلَّهُ في قوله تعالى : (( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) (سورة الرعد :33).
والنتيجةُ المرتقبةُ لهؤلاء: (( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ)) (سورة الرعد :34).
فهم إن أصابتهم قارعةٌ فيها، أو حلت قريباً من دارهم فهو الرعبُ والقلقُ والتوقعُ، وإلاَّ فجفافُ القلبِ من نورِ الإيمانِ عذاب، وحيرةُ القلبِ بلا طمأنينةِ الإيمان عذاب ، ومواجهةُ كل حادثٍ بلا إدراكٍ للحكمةِ الكبرى وراءَ الأحداثِ عذاب، (( وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ)) (سورة الرعد :24 ) ( في ظلال القرآن 4/2063 ) .
أيُّها المؤمنونَ الصادقون في إيمانِهم، فقد ينَالُهم بأسٌ من مكرِ الماكرين ، وقد يتعرضونَ الأذى من كيد الكائدين ، وذلك ليبتلي المؤمنينَ ويُمحصهم، ويمحقُ الكافرين، ويكشفُ المنافقين، إنَّها البأساءُ والضراءُ ، يمتحنُ بها المسلمونَ للثباتِ على الإسلام وإن هُوجِمَ، وللصبرِ على الحقِّ وإن طردوا، وعُدَّ الفتنةُ بالباطلِ و إن علت رايتُهُ فترةً من الزمن ، والنصرةُ للمسلمينَ وإن كانوا قلةً مُضطهدون .(27/247)
إنَّ ممَّا يسلي المؤمنين ويُصبِرهم ويُكثِّر قلتهم، ويُقوي ضعفَهم، أنَّهم لا يخوضُون المعركةَ مع الكافرينَ وحدَهم ، بل اللهُ معهم، وهو حسيبُهم وناصرُهم، والمدافعُ عنهم والمنتقمُ من أعدائهم ، تجدونَ مصداقَ ذلك في عددٍ من آياتِ القرآن : ((قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ)) (سورة التوبة :14) .
(( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (سورة الأنفال :17) .
ثم قال بعدها: (( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ)) (سورة الأنفال :18).
(( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)) ( الحج : 38، 39) .
وبعد هذا العرضِ لشيءٍ من آياتِ المكرِ في القرآنِ يردُ السؤالُ: وأين المسلمونَ من هذه التوجيهات، وغيرها في القرآن ؟ أينَ هُم منها علماً وعملاً ، ومعرفةً ويقيناً، وصدق الله، (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) (الإسراء : 9/10) .
اللهم انفعنا بهدي القرآن..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رب العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عُدوان إلاَّ على الظالمين، ومن يهنِ اللهُ فما لهُ من مكرم.
إخوةَ الإسلام: ونحنُ هذهِ الأيامِ أمامَ هجمةٍ شرسةٍ، بكل المقاييسِ وأنواع الهجوم ، وفي ظل أزمةٍ لا يعلمُ مَداها إلاَّ الله ، فالمستقبلُ مُظلم، ومؤشراتُ الملاحِمِ والفتنِ تملاءُ الأفاق، والمصيبةُ أنَّ المسلمين في غفلةٍ عن هذا ، على حينٍ يتحركُ الأعداءُ ويجتمعونَ ويُخطِطُون، والبوارجُ الكُبرى تمخُرُ عُبابَ البحرِ مُحملةً بأنواعِ الأسلحة، وأساطيلُ الجوِ تتحركُ من مغربِ الأرضِ إلى مشرقها، والمناوراتُ العسكريةُ من قبلِ جنودِ النصارى واليهودِ على أشدّها، أيستحقُ العراقُ كلَّ هذهِ الحشود ؟ وما هي الخطوةُ الأخرى بعد العراق ؟ وهل يسوغُ أن يظلَّ المسلمون يتفرجون والعدوُّ يحتلُّ بلادهم، ويقتلُ أبناءَهم، ويسيطرُ على مُقدَراتِهم ؟ تلك أسئلةٌ كثيراً ما تُثار، فمن يُجيبُ عنها بصدق ؟
لقد أصيبُ المسلمون بذُلٍ، وهُم الأعداء، وتفرقت كلمتُهم وهُم الأمةُ الواحدة، وأصبحوا هدفاً للغزو بعد أن كانَ قادةُ الفتحِ، والإسلامُ لا خوفٌ عليه ولكن الخوفَ على المسلمين، فالله يقول: (( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ})) (سورة محمد :38) .
فإلى متى يظلُّ المسلمون هدفاً لمخططاتِ الأعداء ..
إنَّ الإسلامَ يأبى الذوبانَ في المللِ الأخرى، بل يظلُ قدرهُ حتى في الأزمات، واليومَ يشهدُ الناسُ أنَّ دينَ اللهِ يسيحُ في أرضِ اللهِ رُغمَ المطاردةِ والتُهمِ والإرجافِ والإرهاب، وفي بلادِ الغربِ نفسها يُطالعُ كلَّ يومٍ خبراً عن الإسلامِ مجموعةً من غيرِ المسلمين، ولم يعد الأمرُ قصراً على الرجالِ بل شملَ النساءِ، ناهيكَ عن مدِّه في آفاقِ الأرضِ كلِّها ، ولعل هذا المدُّ الإسلاميَ بشكلٍ عام أحدُ المخاوف الكُبرى التي أثارت الغرب، فرأوا تعجيلَ الضربةِ للمسلمينَ قبلَ أن يكتسحهمُ الإسلام، أمَّا في البلادِ الإسلاميةِ فتستمرُ ثمارُ الصحوةِ لتغطيَ مساحةً أوسع، ولتشملَ كافةَ القطاعاتِ المدنيةِ والعسكرية، وعلى مستوى الرجالِ والنساءِ، ولعلَّ هذهِ الحملاتِ الغربية، وتلك الصورَ اليهوديةِ الماسونية لإبادةِ المسلمين تزيدُ من تنامي الصحوةِ، وتُعجلُ بيقظةٍ المسلمين - وهكذا يمكرُ الأعداءُ ويمكرُ الله، واللهُ خيرُ الماكرين .
وكلَّما ظنوا أنَّهم أوشكوا على القضاءِ على المسلمين، وإذا بالإسلامِ يُثبِّتُ أقدامَهم، ويُوقظُ عزائمهم.
أيُّها المسلمون، والنصرةُ للمسلمِ حقٌ مشروعٌ والرسوللُ- صلى الله عليه وسلم - يقول: (( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) ، وحين يُبيتُ شعبُ العراقِ المسلمِ من ليلٍ أو نهارٍ، فلا يسوغُ للمسلمينَ أن يسكُتوا، ومن حقِّهم الدفاعُ عن أنفسِهم وإخوانِهم بكلِّ ما يستطيعون.(27/248)
إخوةَ الإيمانِ: وإذا أصرَّ المجترءُون على طُغيانهم، وحققُوا ضرباتهم، فلعلَّها أن تكونَ بدايةَ النهايةِ، وعساها أن تكونَ مرحلةً لضعفِ القوةِ ونهايةَ الظلمِ والغطرسةِ، وسننُ اللهِ ماضيةٌ في الفناءِ والهلاكِ على كلِّ مستكبرٍ ظالمٍ غشوم، جاحدٍ بآيات الله، (({وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)) (سورة الأحقاف :26) .
(( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)) (سورة القصص :58).
أيُّها المسلمون: هل تُوقظُ هذه الملاحمُ والفتنُ المتوقعةُ ضمائرَ المسلمين، فيحاسبوا أنفسَهم، ويعودُوا إلى بارئهم، ويُبادِروا بالأعمالِ الصالحةِ، كما أوصاهم حبيبُهم وناصحُهم ونبيُهم- صلى الله عليه وسلم -: (( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم )) .
وهل تدعوهم هذه الأزماتُ وتجمعُ الأعداءٍ إلى نبذِ الفرقةِ، واجتماعِ الكلمةِ وتوحيدِ الهدف؟!: فتلك القوةُ التي لا تُغلب.
ومن مخارجِ الأزمةِ الإيمانُ بالله، واليقينُ بنصره، والتوكلُ عليه وحده، : ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) (سورة آل عمران :173).
أجل- " حسبنا الله ونعم الوكيل "- قالها إبراهيمُ حين ألقي في النار، فكان الجوابُ ، ((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)) (سورة الأنبياء : 69،70) .
وقالها المؤمنونَ مع محمد- صلى الله عليه وسلم - حين قيلَ لهم إنَّ الناسَ قد جمعوا لكم في حمراءِ الأسد، فكان الجواب ((فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) (سورة آل عمران :174).
وما زال التوكلُ على اللهِ، واليقينُ بنصرهِ سلاحاً يتدرعُ به المؤمنون، كلَّما اشتدت الأزماتِ، وتكالبَ الأعداءُ، ولكن لا بدَّ مع الإيمانِ من عملٍ، ومع اليقينِ من جُهدٍ يُبتلى من الإيمانِ ويتميزُ الصادقون من الكاذبين، : (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) (سورة آل عمران :142).
إنَّ من معوقاتِ النفسِ عن الجهادِ حبّ الآباءِ والأبناءِ والإخوان، والأزواجِ والعشيرة، والأموالِ والتجارةِ التي تخشى كسادَها، والمساكينُ التي ترضي، وإيثارُ السلامةِ والإخلادِ للراحةِ والدعة، وتلك التي حذَّرَ اللهُ منها المؤمنين بقوله: (( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) (سورة التوبة :24).
إنَّ ما عند اللهِ خيرٌ وأبقى، وهذه الحياةُ الدنيا متاعٌ والآخرةُ هي دارُ القرار، وما ذا بعد أن تُهانُ كرامةُ المسلمين، ويُسخرُ بدينهم ونبيهم ، ويهددونَ بالاحتلالِ في قعرِ دارهم ، إنَّ المسلمين وعُدوا إحدى الحسنيين، فإمَّا النصرُ أو الشهادة،
ومن لم يمت بالسيفِ مات بغيرهِ تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدٌ
فإمَّا حياةٌ تسرُّ الصديق وإمَّا مماتٌ تغيضُ العداء.
ولن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقَها وأجلَها، لقد أصيبَ المسلمونَ بالوهنِ، وطغت علينا حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ، ومن عجبٍ أن غيرَ المسلمينَ باتوا يُغارون بأنفسهم وهُم على الباطل، ويرحلُون من بلادهم، ويُهاجِمُون وهُم دون هدفِ خير، على حينِ يبخلُ المسلمون بأنفسهم، وهم على الحقِّ، ويعجزُونَ عن الدفاعِ عن أنفسهم وإخوانهم، وبلادهم ومقدساتهم وهم يُهاجمون، ولله في خلقهِ شُؤون، ومهما بلغت قوةُ الأعداءِ، ففيهم من الرُعبِ والخوفِ والضعفِ والخورِ، ما اللهُ بهِ عليم، فلو صدقَ المسلمونَ لأرهبوهم، ولو اجتمعت كلمتُهم لأخافوهم، ولو دافعوا عن دينهم وحُرماتهم لدافعَ اللهُ عنهم .
اللهمَّ انصر دينكَ، وعبادك، وانتقم ممن أرادَ بالمسلمين سوءً يا عزيزُ يا جبار
============(27/249)
(27/250)
ستار أكاديمي .. الدياثة بثياب عربية
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. )) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(( [آل عمران:102]. ))يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(( [النساء:1]. ))يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(( [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أيَّها المسلمون : فغيرُ غائبٍ عن البال ما كان يعيشهُ العربُ إبّان العصورِ الجاهليةِ الغابرة، من الفسادِ العقدي، والانحلالَ الأخلاقي، والتشتتَ الأسري المُريع!
فعبادةُ الأوثان، وتقديسُ الأصنام، سمةٌ بارزةٌ لعربِ الحجاز والجزيرةِ آنذاك، وتعاطي الفواحش، وشُرب المُسكرِ، كان محلُ حفاوةَ المجتمعِ وترحيبه,
وحسبنا شاهداً لما نقولُ ، ما أخرجهُ البخاري وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : (( إنَّ النكاحَ في الجاهليةِ كان على أربعةِ أنحاء، فنكاحٌ منها نكاحُ الناسِ اليوم، يخطبُ الرجلُ إلى الرجلِ وليتهُ أو ابنته فيُصدقها ثمَّ يُنكحها، ونكاحٌ آخرَ كانَ الرجلُ يقولُ لامرأتهِ إذا طهُرت من طمثها، أرسلي إلى فلانٍ فاستبضعي منه، ويعتزلُها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملُها من ذلك الرجلِ الذي تستبضعُ منه، فإذا تبين حملُها أصابها زوجُها إذا أحب، وإنَّما يفعلُ ذلك رغبةً في نجابةِ الولد، فكان هذا النكاحُ نكاحُ الاستبضاع، ونكاحٌ آخر يجتمعُ الرهطُ ما دون العشرةِ فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومرَّ عليها ليالٍ بعد أن تضع حملَها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجلٌ منهم أن يمتنعَ حتى يجتمعوا عندها، تقولُ لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنُك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق بهِ ولدها، لا يستطيعُ أن يمتنع منهُ الرجل، ونكاحُ الرابع يجتمعُ الناسُ الكثير، فيدخلون على المرأةِ لا تمتنعُ ممن جاءَها، وهُنَّ البغايا كنَّ ينصبنَ على أبوابهنَّ راياتٍ تكونُ علماً، فمن أرادهُنَّ دخل عليهنَّ، فإذا حملت إحداهُنَّ ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثُمَّ ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطَ به ودُعي ابنهُ لا يمتنعُ من ذلك، فلمَّا بُعث صلى الله عليه وسلم بالحق، هدمَ نكاحُ الجاهليةِ كلهِ إلا نكاح الناس اليوم )) .
إنَّ هذه الروايةَ الدقيقة، لتصورُ بجلاءٍ الحالَ المزرية، وطبيعةُ الإسفافِ التي آل إليها أمرُ القومِ في جاهليتهم البغيضةِ المنتنة !!
فهل بعد هذه الدياثةِ والزنا الجماعي من شيءٍ يمكنُ أن يُفخر به في منظومةِ الأخلاق والصيانة الأدبية ؟!
وحتى لو سجّل لنا التاريخُ في المقابلِ غيرةَ بعض العرب على بناتهم، لدرجةِ ( الوأد ) الشهير، فإنّ تيارَ الإباحيةِ والمجون، ظلَّ هادراً مرعباً، لا يقومُ له شيء!
حتى إذا ما أشرق الإسلامُ بسراجه الوهّاج فوق جبال مكة والحجاز، وفاضت أنوارهُ على جزيرةِ الإسلام، إذا بتيار الرذيلةِ يتوارى سريعاً، وينقلبُ خاسئاً وهو حسير.
فكان البديلُ المنطقي، والوريثُ الشرعي لتلك الحالةِ النشاز، من الخلاعةِ والمجون، هو بساطُ الفضيلةِ والحشمةِ، الذي ملأ أرجاءَ الأرضِ العربيةِ الأصلية، والمفتوحةِ معاً.
وإذا بالعربي الذي كان يبعثُ بامرأته إلى رجلٍ أجنبي، تستبضعُ منهُ بكلِّ صفاقةِ وجهٍ ودياثة، ينتفضُ غيرةً وحمية، حين تخيَّلَ امرأتهُ تحت رجلٍ ماجنٍ خائن، يمارسُ معها السفاحُ والفجور.
فهذا سعدُ بن عبادة - رضي الله عنه - يقولُ : يا رسول الله ، لو رأيتُ رجلاً مع أهلي، لا أمسّه حتى انطلق فآتي بأربعةِ شهود ؟
قال : نعم ، قال : لا والذي بعثك بالحق إن كنت لآخذُ به بالسيف غير مصفح!!
فقال : عليه الصلاة والسلام : ( أتعجبونَ من غيرةِ سعد ؟ إنَّه لغيور، وأنا أغيرُ منه, واللهُ أغيرُ منّي !! ) متفق عليه .(27/251)
الله أكبر!! ما أروعَ الإيمانَ ! وما أجملهُ! حين يلامسُ شغافَ القلوب، ويسكنُ أعماقَ الضمائرِ الحيَة، فيصنع من الإنسانِ كائناً فريداً في أخلاقهِ وقيمه، وعظيماً في مبادئهِ وعقائده، فيمتلئُ غيرةً وأنفةً، من رأسهِ حتى أُخمص قدميه، لا على أهلهِ ومحارمهِ فحسب، بل على كلِّ امرأةٍ مسلمة، وإن نأت بها الديارُ، أو بعدت بها البلاد !
ولقد حولَّ الإسلامُ العربَ، إلى أمةٍ ذات وزنٍ وقيمة، وذات سيادةٍ وريادة، بين الأممِ قاطبةً، بل أمةً متميزةً، عقيدةً وأخلاقاً وقيماً، يندرُ مجاراتُها بتميزها ذاك!
ويخطئُ من يتصورُ أنّ للعربِ قبلَ الإسلامِ مجداً ذا بال، أو حضارةٍ ذات معنى، بل العكسُ هو الصحيحُ، فقد كانوا محلّ ازدراءٍ، وامتهان أممِ الأرض، وتربعوا بجدارةٍ في أدنى مراتبَ السُلّمَ الحضاري والمدني !
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أيها المسلمون : واليومَ حين تخلَّى بعض العربُ عن الإسلامِ عقيدةً ومنهجاً وأخلاقاً، عادَ الفجورُ عربياً كما بدأ، وأطلَّت الدياثةُ بوجهها القبيحِ عربيةُ الملامح، عربيةَ اللغةِ، عربيةَ السوأةِ !!
فها هي القنواتُ العربيةُ الفضائية، تُمطرنا أربعاً وعشرين ساعةً، طوالَ العامِ، ببرامجَ الرذيلةِ والمجون، ومسلسلاتِ الخنا والفحش، وأغاني العُهرِ والفساد.
مكمِّلةً بذلك الدورُ الذي ابتدأتهُ القنواتُ الأرضية، لعُقودٍ طويلةٍ من الزمن بمشاركة المسرحُ والإذاعات، والمجلةُ والرواية !!
حتى كانت ثالثةَ الأثافي، وقاصمةَ الظهرِ، ذلك البرنامجُ الدياثيُّ الماجن " ستار أكاديمي " الذي عرُض قبلَ أشهُرٍ، ويُعادُ عرضهُ هذه الأيام، في حلقته الثانية.
وهو برنامجٌ يفوقُ في خستهِ وفُحشه، وجرأتهِ البالغة على اللهِ والدينِ والقيم، جرأةَ الديوثين الجاهليين، الأنفَ ذكرُهم في حديثِ عائشة .
ففي " ستار أكاديمي " يجتمعُ شرذمةٌ من الفساق والفاسقات، في بيتٍ واحدٍ، وتحت سقفٍ واحد، ويُصورُونَ على الهواءِ مباشرةً، ويطالعُهم ملايينَ المفتونين والفارغين، ومحبي الفاحشةِ وعديمي الخوفِ من الله .
في هذا البرنامجِ الخليع ، يرتدَّ العربي إلى أسفلَ سافلين، ويعودُ عربياً فاجراً، بعد أن رفعهُ الإسلامُ لأعلى عليين، وصورَهُ ربَهُ في أحسن تقويم !
يرتدَّ العربيُّ وينتكس، ويفقدَ كرامتهُ حين تخلى عن سرّ تفوقه، ومبعثَ عزَّته، وأساسَ مجدهِ، وهو الإيمانُ الراسخُ، والعقيدةُ الصافيةُ النقية !
وهو إن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على أنَّ العربي لا يقلُّ خُبثاً ولا شراً عن غيرهِ من البشر، حين يتجردَ من إسلامهِ ومبادئهِ السامية، وهو ما نلمسهُ بجلاءٍ في هذه الدعارةِ الفضائية، التي تُقدمُها بكلِّ وقاحةٍ وسفاهة، قنواتُ البثِّ العربيةِ، والتي تُعدُّ بالمئات، وتتسابقُ في إغواءِ المشاهد المسلم، وتأجيجَ الشهوةِ في صدورِ المراهقين، وقتلَ الغيرةِ والشهامةِ في نفوسِ الجماهير المُضللة المستغفلة .
إنَّ أفلامَ الدعارةِ والجنس، المنتجةِ في أوربا وأمريكا، والتي أغرقتِ العالم، وأفسدت الدنيا، وتدهدهت من هولها الجبالُ والشجرُ والدواب، قابلةً لأن تُقدمَ هذهِ المرةِ بثيابٍ عربية - استغفر الله - أقصدُ بأجسادٍ عربيةٍ عاريةٍ من الثياب، والقيمِ والأخلاق، وهكذا كانَ في " ستار أكاديمي " الذي ما أظُنُهُ إلاَّ المرحلةَ الأخيرةِ قبل إتمامِ تصويرَ الفاحشةِ الكُبرى، بأجسادٍ عربيةٍ- عياذاً بالله .
ولسنا نعجبُ في الواقعِ من جرأةِ القائمين والمشاركين، في هذا البرنامج الخسيس الخليع، فلستُ أشكُ بأنَّهم حُفنةً من الماسونيين العرب، وفي أحسنِ أحوالهم شرذمةٌ من الإباحيين الشهوانيين، الحاقدين على أخلاقِ الأمةِ وشبابها، المتاجرين بقيمها ومبادئها العليا.
لكنَّ العجبُ لا ينقضي من أُسرٍ مسلمةٍ، ذاتَ شرفٍ وسُمعة، يأذنونَ لقنواتٍ إباحيةٍ كهذه، بالدخولِ إلى منازلهم، ويتحلقُ حولَ عُروضها الماجنةِ، ذواتُ الخدور، وشبابُ الأمةِ المجبولِ على الدين والعفة .
ولسنا نرى كبيرَ فرقٍ بين من علمَ مقاصدَ وأهدافَ هذا البرنامجُ وأمثاله، من برامجِ الخنا والفاحشة، ثمَّ أصّر على مطالعةِ أهلهِ وأولاده وبناته لهذه الفواحشِ، وبين من قامَ بإنشاءِ محطةَ البثِّ نفسها، ونفَّذَ البرنامجَ وموّله، حتى أطلَّ بوجههِ القبيحِ، وسوءَتهِ المشبوّهة.
كما أننا لا نرى أيُّ حرجٍ حين نَصمُ كلّ من رضي لأهلهِ ومحارمه بمطالعة " ستار أكاديمي " وأشباههِ بالدياثةِ وذهابَ الغيرةِ، إلى درجةٍ فاقت الخنازير، في ذوبانِ الغيرةِ واضمحلالها- فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون .
إننا ندعو الجميعَ إلى التوبةِ من مطالعةِ هذه الفضائياتِ المُدمرة، وهذه البرامجُ على وجهِ الخصوصِ، وإلاَّ فليتربصَ الجميعُ بعقوبةٍ لا تُبقي ولا تذر(27/252)
((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (لأنفال:25).
وعلى من ولاهُ اللهُ أمراً من أمورِ المسلمين، أن يقومَ بدورهِ المُمكن، وواجبهِ المشروع، في كفِّ هذا البلاءِ عمن يستطيعُ ممن استرعاهُ الله أمره، ولنكن على ذكرٍ، بأنَّ اللهَ تعالى يغارُ، وغيرتُه أن يأتي المؤمنُ ما حرمَ اللهُ عليه.
ألا ما أهونَ الخلقِ على الخالقِ إذا هم عصوا أمره.
اللهم أصلح أحوال المسلمين ..اللهم رُد ضالهم إليك رداً جميلاً ..
===========(27/253)
(27/254)
مقالات في المذاهب والفرق
للشيخ / عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف
ملاحظات على الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة
إن دراسة المذاهب والفرق سواءً كانت إسلامية أو غير إسلامية، قديماً أو حديثاً، من الأهمية والخطورة بمكان، خاصةً في هذا الزمان الذي تكاثرت فيه فرق الضلال، ونِحَل الابتداع فتعددت السبل، وكثرت المشتبهات، ولعل هذا يؤكد ضرورة الدراسة الجادة لهذه الفرق والنحل، ورضي الله عن عمر بن الخطاب الذي كان يقول: "إنما تنقض عُرى الإسلام عروةً عروةً، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية". وكان حذيفة بن اليمان يقول: "كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".
ويأتي كتاب ( الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة) والذي أصدرته الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض [1]، يأتي هذا الكتاب كخطوة إيجابية في مجال البناء العلمي للشخصية الإسلامية الأصيلة، ولعله يسد ثغرة كبيرة في دراسة الواقع المعاصر، فشكر الله للقائمين على هذه الموسوعة، ونفع الله بجهودهم.
لقد تضمنت هذه الموسوعة ( في طبعتها الأولى سنة 1409) دراسة ثمانية وخمسين مذهباً، وكانت مرتبة على حسب الحروف الهجائية، وكان المنهج الذي سارت عليه دراسة كل فرقة أو دين على النحو التالي:
1- التعريف.
2- التأسيس وأبرز الشخصيات.
3- الأفكار والمعتقدات.
4- الجذور الفكرية والعقائدية.
5- الانتشار ومواقع النفوذ.
6 - مراجع للتوسع.
وقد لاقت هذه "الموسوعة " - فيما أعلم - رواجاً وانتشاراً في الأوساط الإسلامية، نظراً للحاجة الملحة لدراسة مثل هذه الموضوعات ولما تضمنته هذه الموسوعة من مادة علمية جيدة، تم عرضها بأسلوب ميسر وموجز.
ومن باب النصيحة، والاستجابة لطلب القائمين على هذه الموسوعة - كما ذكروا في مقدمة الموسوعة- أحب أن أبدي بعض الآراء والملاحظات راجياً من الله أن تنشرح لها صدور أصحاب هذه الموسوعة، وأن يرزق الجميع حسن القصد وإتباع الحق.
أ - ملاحظات عامة :
1 - تضم الموسوعة كما زاخراً من الأديان والفرق الإسلامية وغير الإسلامية، والمذاهب الفكرية والحركات الإصلاحية.. وقد رتبت حسب حروف المعجم.. والذي يظهر لي أن هذا الترتيب غير كاف.. وأنه لابد من ترتيب آخر حسب حقيقة هذه المذاهب وأفكارها.. فمثلًا يجعل قسم خاص للأديان، وقسم آخر للفرق الإسلامية، وثالث للحركات الإصلاحية.. وهكذا.
2 - جاء في مقدمة الموسوعة (ص 9) أن دراسة هذه المذاهب مبني على الموضوعية والإنصاف.. لكن الالتزام بالموضوعية لا ينافي النقد والمناقشة التي تنطلق من باب إيضاح الحق وتصحيح الأخطاء، ومن ثم فلابد من نقد هذه المذاهب ومناقشتها ولو على سبيل الإيجاز والاختصار، فأرى ضرورة إضافة نقطة هامة في منهج دراسة هذه المذاهب وهي بعنوان التقويم أو النقد لذلك المذهب [2].
3-هناك بعض المصطلحات التي لابد من تحديدها وتعريفها لغة واصطلاحاً مثل كلمة الدين، والمذهب، والملة، والنحلة.
4 - عرفت الموسوعة بالكثير من المذاهب والفرق.. ولكنها لم توضح ابتداء أصحاب المنهج الإسلامي الأصيل، وهم - بلا شك - أهل السنة والجماعة.. فكان من المناسب جداً بيان منهج أهل السنة، وذكر خصائصهم وصفاتهم، وتوضيح منهجهم في التلقي والعقيدة والسلوك وغيرها.. ولاشك أن في هذا تعريفاً بالمنهج الأصيل ودعوة إليه.. كما أن فيه تحديداً للمنطلق الصحيح في تقويم المذاهب الأخرى، وأما ما تضمنته الموسوعة من حركات إصلاحية سلفية كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله، فهي بمثابة التجديد لمذهب أهل السنة.
ولعل أصحاب الموسوعة يتنبهون لهذا، خاصة إذا علمنا أن أول أهداف الندوة العالمية هو: خدمة الفكر الإسلامي الصحيح على أساس من التوحيد الخالص.
5 - جاء في مقدمة الموسوعة أنها توخت الحركات التي لها وجود واقعي ملموس في عالم اليوم.. لكن - وكما هو معلوم - أن الأفكار لا تموت، ولكل قوم وارث، فالمعتزلة مثلاً لم تذكر ضمن الموسوعة.. ومع ذلك فإن فكر المعتزلة لا يزال قائماً موجوداً [3]، وكذلك نجد الموسوعة لا تذكر الخوارج باستثناء الإباضية، مع أن فكر الخوارج الغالي لا يزال موجوداً، وما خبر جماعة شكري مصطفي في مصر عنا ببعيد [4]، بل إن فكر الجبرية ( القائلين بأن الإنسان مجبور على فعله فلا اختيار له) وكذلك فكر القدرية النفاة (القائلين بأن الإنسان يخلق فعل نفسه) لا يزال موجوداً وظاهراً [5]، وأيضاً فمذهب المرجئة له رواج وانتشار، زاد من امتداده تهاون المسلمين، وضعف تمسكهم بشعائر دينهم، وانتشار التصوف، ووجود المؤسسات التعليمية التي تقرر مذهب الأشاعرة - وهم مرجئة في باب الإيمان - وغير ذلك من الأسباب.(27/255)
والأعجب من هذا كله أن أصحاب الموسوعة لم يتحدثوا عن مذهب الأشاعرة والماتريدية !! ولا أظن عارفاً مهماً قلت معرفته وثقافته يجهل وجود وانتشار المذهب الأشعري والماتريدي، ومن ثم فلا يتصور أن مذاهب الأشاعرة والماتريدية " قد اندثرت، وعفى عليها الزمن، وتجاوزتها ذاكرة التاريخ" [6]، فهاهم الأشاعرة والماتريدية بكتبهم وعلمائهم ومفكريهم ومؤسساتهم التعليمية وغيرها قد ملأوا واقعاً كبيراً يراه كل صاحب عينين.
6-عند ذكر "مراجع للتوسع".. لاحظت على الموسوعة في دراستها لكثير من المذاهب والأديان، أنها لا تميز بين المراجع المقررة والمؤيدة لمذهب ما [7] وبين المراجع الناقدة لذلك المذهب، وبين المراجع التي تعرض ذلك المذهب دون نقد أو تأييد، فحبذا لو يراعى هذا الأمر.. كما يلاحظ عدم ذكر مراجع مهمة ومستوفية، مع أنها مطبوعة ومنتشرة.. وفي نفس الوقت تذكر بعض الجرائد والمجلات غير المتخصصة ضمن مراجع للتوسع.
7 - أقترح تعديلاً طفيفاً على عنوان الموسوعة وذلك بإضافة "الحركات" فيكون العنوان كالتالي: "الموسوعة الميسرة في الأديان والحركات والمذاهب المعاصرة".
والداعي لهذا الاقتراح وجود بعض الحركات الإصلاحية في الموسوعة كحركة الإخوان، والجماعة الإسلامية في الهند والباكستان وهي بلا شك ليست أدياناً جديدة، ولا مذاهب فكرية مستقلة. وأيضاً يمكن إضافة بعض الحركات الأخرى المستقلة كالجبهة الإسلامية القومية في السودان، وكحركة الاتجاه الإسلامي في تونس فلهذه الحركات المحلية ما يميزها عن غيرها مما يعطى مبرراً للتعريف بها. ومن الحركات أيضاً حركة الجهاد، وجماعة أنصار السنة وأهل الحديث.
وهناك بعض المنظمات الهامة كمنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة أمل الشيعية، والجبهة الشعبية الاريترية، والجبهة الشعبية لتحرير السودان.. الخ.
بل يمكن أن يقال: ما المانع من التعريف ببعض الأحزاب المحلية المختلفة، كالحزب الجمهوري، والحزب الديمقراطي، وحزب الليكود، وحزب العمل، والحزب الشيوعي المصري والتونسي... الخ.
فكرة الموسوعة - فيما يشر لي - لا تمنع من التعريف بما ذكرت، لاسيما مع الوجود الواقعي المؤثر لتلك الحركات أو الأحزاب والمنظمات، ومع الأهمية القصوى للتعريف بها وبأهدافها.
8 - هناك بعض التداخل والتشابه والترابط بين بعض المذاهب والاتجاهات كأن يكون هذا المذهب فرعاً عن آخر أو جزءاً منه، فعند ذلك لا داعى للفصل بينهما، وإليك بيان ذلك:
أ - الإسماعيلية، الحشاشون، الدروز، القرامطة، النصيرية: فكل هذه المذاهب تدخل تحت الباطنية فمن الأفضل وضعها في مكان واحد تحت عنوان الباطنية ثم التحدث عن كل واحدة حسب ما هو موجود في الموسوعة، ويدخل تحت الباطنية ويحتاج إلى كلام مستقل البهرة والآغاخانية... الخ.
ب - الصوفية، التيجانية : فالتيجانية تدخل تحت مسمى الصوفية فمن الأفضل وضع الصوفية ثم الكلام عن الطرق الصوفية في مكان واحد كالقادرية والرفاعية والنقشبندية والتيجانية وغيرها.
ج - التغريب، العلمانية: لا فرق بينهما فالعلمانية أصل نشأتها في الغرب ومن يحاول نشرها في البلاد الإسلامية يسمى من دعاة التغريب أو العلمانية، فكل داعية للتغريب هو داعية للعلمانية، والعكس صحيح.
د - النصرانية، التنصير، المارونية: فكل ذلك يمكن أن يدخل تحت مسمى النصرانية، ثم يشار إلى مذاهب النصرانية كالمارونية والكاثوليك والبروتستانت.. الخ.
والتنصير هو الدعوة إلى النصرانية.
هـ - الماسونية، الروتاري، الليونز: فمن المعلوم أن الروتاري والليونز من مراكز الدعوة إلى الماسونية فلا داعي للفصل بينهما.
و - اليهودية، الصهيونية، يهود الدونمة.
ز - القومية العربية، البعث العربي الاشتراكي.
ب- ملاحظات جزئية :
1 - ص 16 / س 9 - 16 عند ذكر معتقد الإباضية في أسماء الله وصفاته يلاحظ على الموسوعة أنها عرضت توحيد الإباضية بعبارة توهم الموافقة والتأييد !! مع أن من المعلوم أن للإباضية تعطيلاً في باب الصفات [8].
2 - ص 17 / س 12 ذكرت الموسوعة معتقد الإباضية في حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا، ولكنها لم تذكر معتقدهم في الحكم على العاصي في الآخرة.. وهم يعتقدون تخليده في النار - موافقة لبقية الخوارج والوعيدية عموماً - كما أن الموسوعة ذكرت معتقد أهل السنة في هذه المسألة بشيء من القصور [9] فأهل الكبائر تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم بعدله، وإن شاء غفر لهم برحمته، فليس جميع العصاة يدخلون في النار تطهيراً كما هو في الموسوعة.(3- ص 18) ، عند ذكر الجذور العقائدية والإباضية قالت الموسوعة "الإباضيون يعتمدون على القرآن والسنة" فأقول: هل هم بالفعل يعتمدون على نصوص الوحيين.. وما معنى هذا "الاعتماد".. فكلٌّ يدعي وصلاً بليلى.. ولا أدري لمَ لمْ تذكر الموسوعة مسند الإباضية (المقدس) أعني مسند الربيع بن حبيب، الذي يعتبرونه أصح كتاب بعد القرآن، كان الأجدر التعريف بهذا المسند "المنحول" وتقويمه.(27/256)
4-( ص 73 / س 10) : جاء في الموسوعة: "تصنف هذه الفرقة [البريلوية] من حيث الأصل ضمن جماعة السنة الملتزمين بالمذهب الحنفي !! ويبدو أن هذا التصنيف يحتاج إلى إعادة نظر.. فهل يقال عن البريلوية أنهم من جماعة السنة ولهم من الاعتقادات الباطلة ما قد يخرجهم عن الملة فضلاً عن السنة ؟[10].
5 - ص 26 / س 16: تقول الموسوعة عن التيجانيين: "من حيث الأصل هم مؤمنون بالله سبحانه وتعالى" فأقول: صدق الله حيث يقول : (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)) [يوسف:106] .
فكيف يقال عن التيجانيين أنهم مؤمنون بالله وبإطلاق مع اعتقادهم بوحدة الوجود.. ودعوى علم الغيب وتفضيل صلاة الفاتح على كتاب الله؟
6 -( ص 136 / س 15) : تقول الموسوعة عن حزب التحرير:"لا تخرج دعوتهم عن أن تكون واحدة من الجماعات الإسلامية التي تحمل فكر أهل السنة والجماعة".
لا أدري ما هذا الفكر السلفي الذي يحمله هذا الحزب المتحرر مع شناعة أخطائهم وعظم انحرافهم[11]؟ نسأل الله عز وجل الهداية للجميع.
7 - ( ص 257 / س 11) : تقول الموسوعة عن الزيدية بأنها:"تتصف بالاعتدال والقصد" فأقول: هل يمكن أن توصف الزيدية بالاعتدال والقصد.. وأصول الزيدية هي أصول المعتزلة الخمسة ؟ فأين الاعتدال والقصد ممن يعطل الصفات الإلهية، وينفي القدر ؟ ويحكم على العاصي من عصاة الموحدين بالتخليد في النار ؟
8 - ( ص 257 / س 18،س 23) : بالنسبة لدعوى أن زيد بن علي تتلمذ على واصل بن عطاء.. هناك من ينفي هذا التتلمذ وينكره [12]، وأيضاً ذكرت الموسوعة أن من تأليف زيد بن علي كتاب (المجموع) مع أن هناك قول قوي بعدم ثبوت نسبة (المجموع) إلى زيد [13].
9 -( ص 259 / س 23) : جاء في الموسوعة عن الزيدية بأنهم: "يميلون إلى الاعتزال.. والجبر والاختيار" فكيف يجتمعان ؟ جبر واختيار ! مع أن الزيدية يغلب عليها نفي القدر تأثراً بالمعتزلة، وفي نفس الصفحة ( س 23 - 25 ) في هذه السطور خلط بين رأي زيد، وبين رأي الزيدية عموماً.. فإن زيداً يقول بأن العاصي لا يخلد في النار، بينما الزيدية تقول بتخليده كالوعيدية.
10 - ص 274: ذكرتم بعض تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأنصار دعوته.. وهناك من تلاميذ الشيخ وأنصار دعوته ممن لهم نتاج علمي ظاهر، وآثار علمية بارزة ومع ذلك لم يذكروا مثل الشيخ حمد بن معمر، وعبد الله أبي بطين، وسليمان بن سحمان ، ونحوهم، ومن أنصار دعوته خارج الجزيرة: محمد بشير السهسواني، ومحمود الآلوسي، ومحمد رشيد رضا، وغيرهم.
11 -( ص 278) عند الحديث عن انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وأرى أن الموسوعة يمكن أن تعطي أكثر تفصيلاً عن آثار هذه الدعوة دون سطور مقتضبة.. ولعلها تعيد النظر في ذلك فتوضح آثار هذه الدعوة السلفية علماً وعملاً في واقع الأمة الإسلامية، وقد ذكرتم أن هذه الدعوة السلفية أثرت على المهدية والسنوسية والأفغاني (!) ومحمد عبده، فهل على ما ذكرتم دليل وبينة ؟
12 - ( ص /299) جاء في الموسوعة عند تعريف الشيعة الاثنى عشرية "هم تلك الفرقة من المسلمين الذين تمسكوا بحق على في وراثة الخلافة".
هذا كلام مجمل وفيه غموض، وتشم منه رائحة المداراة، كان ينبغي أن تذكر أصول عقيدة هؤلاء التي من أنكر واحداً منها اعتبر كافراً، وكذلك رأيهم في مخالفيهم الرئيسيين: أهل السنة، ورأيهم كذلك في القرآن، والصحابة. وتعريف الشيعة الإخبارية والأصولية والفرق بينهما.
13 -( ص /352 ) السطر الأخير وما قبله : حيث تقول الموسوعة: "لقد عملت الطرق الصوفية على نشر الإسلام في كثير من الأماكن" ثم تقول الموسوعة: "لقد اعتمد الحكام على أقطاب الصوفية في التعبئة الروحية للجهاد ولصد غارات الكفار، ومن هؤلاء الأقطاب أحمد البدوي".
وأقول: إن التصوف أعظم معول هدم وتخدير ينخر في جسد الأمة الإسلامية.. بل ربما كانت سبيلاً للصد عن سبيل الله.. وأيضاً متى كانت الصوفية "تعبئة روحية للجهاد" ؟ لقد كان منهم من يخذل من شأن الجهاد ويكتفي بجهاده الأكبر كما يزعمون (جهاد النفس)، ومن ثم فإن الاستعمار الأجنبي كان يشجع الطرق الصوفية ويبرزها [14]
ومن المحزن أن يذكر البدوي، فيوصف بأنه "قطب" محرك للجهاد، ولصد غارات الكفار.. إن أحمد البدوي داعية استغل التصوف ستاراً لإرجاع الحكم الرافضي الذي انقرض بزوال الدولة العبيدية في مصر على يد صلاح الدين الأيوبي، ولكن فشل في ذلك ولله الحمد، بل يذكر عن أنه كان لا يشهد الصلوات الخمس!! [15].
ولعل الموسوعة تعيد النظر في دراسة الصوفية.. فتذكر مراحل تطور التصوف من تشدد ورهبنة إلى رموز وغموض وابتداع ثم إلى كفر واتحاد وزندقة.. ومن الواجب ذكر أخطائهم وسوءاتهم وما أكثرها.
وفي ختام هذا المقال أحب أن أذكر بأن الموسوعة تحتاج إلى مزيد دراسة وتقويم. وكفي المرء نبلاً أن تعد معايبه، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الزندقة
أصل هذه الكلمة :(27/257)
يقول ابن تيمية - رحمه الله - عن لفظ الزندقة : "هو لفظ أعجمي معرَّب ، أُخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام ، وعُرب .." [16]..
ويقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن أصل الزنادقة: "أصل الزنادقة أتباع دَيْصان ، ثم مانيّ ثم مزدَك وحاصل مقالتهم أن النور والظلمة قديمان ، وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما ، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ، ومن كان من أهل الخير فهو من النور" [17].
ويذكر بعض المؤرخين أن زرادشت أتى بكتاب "البستاه"، فمن أعرض عنه ، وعدل إلى التأويل الذي هو الزند قالوا الزندي ، فلما جاءت العرب أخذت هذا المعنى من الفرس ، وقالوا زنديق وعربوه.
وقد عدَّ الإمام الملطي - رحمه الله - الزنادقة أول الطوائف افتراقاً ، ثم ذكر فرق الزنادقة فقال : "أول من افترق من هذه المذاهب : الزنادقة ، وهم خمس فرق المعطلة والمانوية والمزدكية والهبدكية والروحانية"[18]. وقال الجاحظ : إن الزندقة فشت في النصارى فقال: "ودينهم - يرحمك الله - يضاهي الزندقة ، ويناسب في بعض الوجوه قول الدهرية ، وهم من أسباب كل حيرة وشبهة. والدليل على ذلك أنَّا لم نر أهل ملة قط أكثر زندقة من النصارى ، ولا أكثر متحيراً أو مترنحاً منهم.. "[19].
إطلاقات الزندقة ومعانيها في الإسلام :
استخدم هذا المصطلح في معانٍ متعددة .. فبعضهم يطلقه على الثنوية المجوس ، وهو موجود في بعض معاجم اللغة العربية مثل تاج العروس ( مادة ز ن ق ، فصل الزاي من باب القاف) ومختار الصحاح (مادة ز ن د ق) وغيرهما ، وربما أطلق الزنديق على الدهري كما في لسان العرب[20] ، ومنهم من يطلقه على من لا يؤمن بالله واليوم الآخر كما ذكر ذلك ابن القيم في إغاثة اللهفان [21] ، ونجد أن الفقهاء يطلقون الزنديق على المنافق ، يقول ابن تيمية - رحمه الله - : "فأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته ، فالمراد به عندهم المنافق ، الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر" [22].
ويقول الحافظ ابن حجر:"ثم أُطلق الاسم (الزنديق) على كل من أسرَّ الكفر وأظهر الإسلام، حتى قال مالك : الزندقة ما كان عليه المنافقون ، وكذا وأطلقت جماعة من فقهاء الشافعية وغيرهم : أن الزنديق هو الذي يسرّ الإسلام ويخفي الكفر" [23] وبعض علماء السلف يطلقه على الجهمية ، كما يفعل ذلك الإمام عثمان بن سعيد الدارِمي (ت 282 هـ) في كتابه "الرد على الجهيية"[24] ، وفي كتابه "النقض على بشر المريسي" [25]. وقد يُرمى صاحب المجون والفحش بالزندقة [26].
عقائدهم :
إن عقائد الزنادقة قد تضمنت كماً هائلاً من صنوف الكفر الصريح ، والردة الظاهرة ، كقولهم بالحلول ، وتأليه البشر ، وتشبيه الله - تعالى - بخلقه ، وإنكار النبوة أحياناً ، وادعاء النبوة أحياناً أخرى! والقول بالتناسخ ، وإنكار القيامة والجنة والنار ، واستحلال المحرمات وجحد الواجبات ..[27].
آثارهم :
خلَّف الزنادقة آثاراً سيئة وعواقب وخيمة على الأمة المسلمة ، فأشعلوا ثورات سياسية وأفسدوا البلاد والعباد ، كما فعلت القرامطة والإسماعيلية والمقنعية ، وغيرهم من فرق الزنادقة. كما أن بعض الفرق الإسلامية قد تزندقت ، وخرجت من دين الإسلام ، كما هو الحال في غلاة الشيعة ، والخطابية من المعتزلة ، والاتحادية من المتصوفة وغير ذلك.
اتخذ الزنادقة التشيع مطية ذلولاً في نشر مذهبهم ، يقول ابن تيمية - رحمه الله - عن الشيعة : "ومنهم من أدخل على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، فملاحدة الإسماعيلية وغيرهم من الباطنية المنافقين ، من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا ، واستولوا على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم، وأخذوا الأموال ، وسفكوا الدم الحرام.. إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين - رضي الله عنه - فحرَّق منهم طائفة بالنار ، وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار"[28].
من جهود الخلفاء في محاربة الزنادقة :
اجتهد الخلفاء في تتبُّع الزنادقة والقضاء عليهم واستئصالهم ، حفاظاً على الدين وأهله.. فهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يأمر بإحراق الزنادقة كما روى البخاري [29]، واشتهر الخليفة العباسي المهدي بالعناية بذلك ، حيث عين رجلاً ليتولى أمور الزنادقة. ويقول ابن كثير - في حوادث سنة 167هـ - : "وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه" [30] .
ووصى المهدي ابنه موسى الهادي الخليفة من بعده بذلك.. وقد أنفذ الهادي تلك الوصية، يقول ابن كثير - في حوادث سنة 169هـ -:"وسعى الهادي في تطلب الزنادقة من الآفاق، فقتل منهم طائفة كثيرة واقتدى في ذلك بأبيه" [31].
كلمة في أهمية الموضوع :
تظهر أهمية هذا الموضوع لعدة أمور ، منها:(27/258)
أن فكرة الزندقة والإلحاد موجودة منذ القدم ، حيث كانت معروفة عند قدماء اليونان والهندوس والفرس، كما أن الزندقة موجودة وظاهرة في العصر الحديث ، وقد قام الزنادقة - عبر العصور الإسلامية - بثورات سياسية وأعمال تخريبية ، والأولى من ذلك أنهم أثروا تأثيراً بالغاً على معتقدات بعض الفرق التي تدَّعي الإسلام ، بل نجد أن بعض الفرق قد "تزندقت" ، وأمر ثالث يؤكد أهمية ذلك وهو أن المستشرقين قد اعتنوا عناية كبيرة بهذا الموضوع ، فكتبوا دراسات مستقلة عن بعض الزنادقة، ولكنهم - كما هي عادتهم - دافعوا عن هؤلاء الزنادقة وعن آرائهم ، ولمّعوهم وأثنوا عليهم خيراً [32]، ولا ننتظر من هؤلاء المستشرقين أكثر من ذلك ، وقد أُشربت قلوب أكثرهم حب كل ما يناهض الإسلام الصحيح الأصيل،ولا أنسى أن أذكر أن البعض قد كتب عن الزندقة وانتقدها، وكله من أجل الدفاع عن القومية العربية؛ حيث إن الزندقة وثيقة الصلة بالشعوبية الفارسية المجوسية المناهضة للقومية العربية.
الشهر ستاني وكتابه : الملل والنحل
في هذه الدراسة المختصرة ، سأتحدث عن أحد الأعلام البارزين الذين كان لهم دور ظاهر في تدوين مقالات الفرق والمذاهب سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، فكان كتابه مووعة موجزة ومرتبة للكثير من الآراء والمعتقدات للفرق الإسلامية وغيرها.
هذا العَلَم هو: أبو الفتح محمد بن عبد الريم المروف بالشهرستاني (ت 548هـ)، وكتابه: هو " الملل والنحل ".
ولعل من المناسب أن أشير إلى أهمية دراسة شخصية الشهرستاني ، وكتابه الملل والنِّحل، فالشهرستاني - فيما هو مشهور ومعلوم عند الكثير من الدارسين - أحد شيوخ الكلام ، وواحد من علماء الأشاعرة ، وله دراية وخبرة بمقالات الفرق والملل والنِّحل ، ولكن هناك جوانب مهمة عن الشهرستاني قد تخفى على بعض الدارسين،كاتهامه بالميل إلى الباطنية، أو القول بتشيعه ، ولعلنا نلقي بعض الضوء على هذه القضية.
وأما كتابه " الملل والنحل " فهو مرجع مشهور، ومصدر متداول بين أيدي الباحثين، وقد ترجم إلى عدة لغات ؛ ومع ذلك فلا توجد دراسة علمية مطبوعة [33]-فيما أعلم- تتحدث عن منهج الشهرستاني في هذا الكتاب المهم ، وتبين مصادره ، وتوضح مزاياه ، كما تذكر المآخذ عليه.
ولد الشهرستاني سنة 479 هـ ببلدة شهرستان في أقليم خراسان ، وهو - كما يقول الذهبي -: " شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف " [34]، برع في الفقه ، والأصول ، والكلام ، تفقه على أحمد الخوافي، أخذ الأصول والكلام على أبى نصر بن القشيري ، ودخل بغداد سنة 510هـ ، وتوفي بمسقط رأسه سنة 548 هجرية.
ألف الشهرستاني تصانيف تصل إلى تسعة وعشرين كتاباً، منها المطبوع ، والمخطوط، والمفقود. ومن كتبه المطبوعة: الملل والنحل ، ونهاية الإقدام في علم الكلام ، ومصارعة الفلاسفة. ومن كتبه المخطوطة : رسالة في اعتراضات الشهرستاني على كلام ابن سينا، والمناهج في علم الكلام ، وقصة يوسف-عليه السلام- [35]، وغيرها.
ومن كتبه المفقودة : مناظرات مع الإسماعيلية، وتاريخ الحكماء و غيرهما[36].
والآن - أخي القارئ -: أنقل لك بعض أقوال أهل العلم الذين اتهموا الشهرستاني بالميل إلى الإسماعيلية الباطنية.
قال ابن السمعاني : كان الشهرستاني متهماً بالميل إلى أهل القلاع - يعني: الإسماعيلية- والدعوة إليهم، والنصرة لطاماتهم.
وقال في "التحبير": إنه متهم بالإلحاد، غال في التشيع.
وقال ابن أرسلان في "تاريخ خوارزم" عن الشهرستاني: عالم ، كيِّس ، متفنن ، ولولا ميله إلى أهل الإلحاد وتخبطه لكان هو الإمام [37].
ونقل صاحب "شذرات الذهب" عن كتابه "العبر": أنه اتهم بمذهب الباطنية [38].
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه شيئاً من ذلك ، ولكن بصيغة " تمريضية " فقال رحمه الله: " وقد قيل: إنه صنف تفسيره "سورة يوسف" على مذهب الإسماعيلية - ملاحدةِ الشيعة - [39].
وفي المقابل نجد علماء ينفون هذه الدعوى عن الشهرستاني ، فهذا السبكي يدافع عن الشهرستاني فيقول بعد أن ذكر أقوال من اتهم الشهرستاني بالميل إلى الباطنية :
"فأما (الذيل) فلا شيء فيه من ذلك ، وإنما ذلك في (التحبير)" [40]، وما أدري من أين ذلك لابن السمعاني؟ ، ويقع أن هذا دُس على ابن السمعاني في كتابه (التحبير)، وإلا فلم لم يذكره في (الذيل)؟" [41].
وينفي شيخ الإسلام - في موضع آخر - هذه التهمة عن الشهرستاني فيقول :
" يذكر(الشهرستاني) أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية، ويوجهه ، ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من إلإسماعيلية، وإن لم يكن الأمر كذلك "[42].
ومما يؤكد ذلك أن الشهرستاني صنف في ذكر فضائح الباطنية [43]، كما أن للشهرستاني صولات وجولات مع ابن سينا الفيلسوف الباطنى، يقول ابن القيم :
" وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتاب سماه (المصارعة) ، أبطل فيه قوله بقدم العالم ، وإنكار المعاد، ونفي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم " [44](27/259)
وإضافة إلى ذلك ، فقد تحدث الشهرستاني عن الباطنية، وذكر شيئاً من مقالاتهم [45]،ولكن كان الواجب على الشهرستاني أن يكشف عن معتقدات الباطنية، ويبين إلحادهم وزندقتهم وكيدهم لأهل الإسلام ، كما فعل سلفه عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفرق) [46]، وغيره. ونقف وقفة يسيرة أمام هذه الأقوال المتعارضة، لنقول : إنه يمكن أن نعزو رمي واتهام الشهرستاني بالإسماعيلية إلى جملة أسباب تتعلق بشخصه، منها: أن الشهرستاني -وللأسف - مع كثرة اطلاعه ومعرفته للمذاهب والفرق الإسلامية، فإنه كان جاهلاً بمذهب السلف الصالح ، فلا يعلم معتقد أهل الحديث ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام في غير موضعٍ ، فقال :
"فالشهرستاني صنف (الملل والنحل) ، وذكر فيها من مقالات الأمم ما شاء الله ، والقول المعروف عن السلف والأئمة لم يعرفه ، ولم يذكره "[47].
ولقد ورَّثت هذه المعرفة الواسعة للمذاهب المختلفة صاحبنا-مع الجهل بمذهب السلف الصالح - حيرةً واضطراباً، عبر عنها بهذين البيتين من الشعر ، فقال :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سن نادم [48]
وتتمثل هذه الحيرة وعدم الاستقرار على مذهب ما، ما نلاحظه في الشهرستاني من موافقة للأشاعرة، ومن ميل للإسماعيلية مرة أخرى، وإظهار التشيع [49] مرة ثالثة، وربما تأثر بفلسفة أو تصوف.
وسبب آخر جعل بعض العلماء يتهم الشهرستاني بالباطنية، وهو ما أشار إليه ابن حجر -رحمه الله-حيث قال معقباً على ما ذكر من وقوع الشهرستاني في ذلك :
"لعله كان يبدو من ذلك على طريق الجدل ، أو كان قلبه أُشرب محبة مقالتهم لكثرة نظره فيها، والله أعلم " [50]. -
إذن فإلحاح الشهرستاني وإمعانه في مناظرة الإسماعيلية، وكثرة جداله معهم ، ربما كان سبباً في رميه بالباطنية لتأثره بتلك المناظرات ، وقد صرح الشهرستاني بكثرة مناظراته للإسماعيلية ، فقال : " وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة، فلم يتخطوا عن قولهم : أفنحتاج إليك؟ أو نسمع هذا منك؟ أو نتعلم عنك؟ " [51].
وعلى كل فلا تزال هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من التوثيق والبحث ، ولعل الاطلاع على الكتب الخطية للشهرستاني يعطي مزيداً من المعلومات حول هذه المسألة.
وفي ختام الحديث عن شخصية الشهرستاني: لابد من الإشارة إلى ميل الشهرستاني إلى التشيع ، وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا بقوله : " وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه ، وإما مداهنة لهم ، فإن هذا الكتاب -كتاب (الملل والنحل)-صنفه لرئيس من رؤسائهم ، وكانت له ولاية ديوانية ، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له ، وكذلك صنف له كتاب (المصارعة) " [52].
وهذا الأمير الشيعي الذي من أجله ألف الشهرستاني كتابيه : "الملل والنحل" ، و"المصارعة" هو علي بن جعفر الموسوي ، وكان أميراً في خراسان [53].
وقد صرح الشهرستاني بذلك ، فقال في مقدمة كتابه (مصارعة الفلاسفة)- بعد إطراء ومدح طويل لهذا الأمير الشيعي- : "انتدب أصغر خدمه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، لعرض بضاعته المزجاة على سوق كرمه ، فخدمه بكتاب صنفه في بيان الملل والنحل ، على تردد القلب بين الوجل والخجل ، فأنعم بالقبول ، وأنعم النظر فيه" [54].
ويظهر تشيع الشهرستاني عندما يقول: "وبالجملة كان على -رضي الله عنه- مع الحق، والحق معه" [55]، وقد علق شيخ الإسلام على هذه العبارة.. فكان مما قاله : "هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم ، وهذا التخصيص لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة " [56].
وقد كذَّب شيخُ الإسلام الشهرستانيَّ في بعض آرائه التي تدل على تشيعه ، وناقشها وبسط القول فيها، فكذبه ابن تيميه مثلاً في دعواه أن عمر -رضي الله عنه-في خلافته ردَّ السبايا والأموال لمانعي الزكاة [57]، كما كذبه في دعواه اختلاف الناس على خلافة عثمان - رضي الله عنه- [58].
وعلى كلٍ : فإن الإنصاف والعدل يجعلنا نذكر لك أن الشهرستاني له شىء من الردود على مطاعن الشيعة في الصحابة [59] ، مع أن الرد والمناقشة ليست من منهجه في كتاب "الملل والنحل" كما سيأتي، كما أنه يصفهم بالحيرة والضياع [60].
وربما كان هذا التذبذب من أجل إرضاء الطرفين ، أهل السنة والشيعة، والله أعلم.
وأما كتابه (الملل والنحل) والذي طبع عدة مرات ، واعتنى به كثير من المحققين ، وترجم إلى عدة لغات ، فإنه يعتبر موسوعة جامعة وموجزة لمختلف المقالات والملل والأهواء والنحل.
وقد اعتنى الشهرستاني فيه بحسن الترتيب ، وجودة التنظيم وعرض المعلومات ، يقول السبكي: "وهو (أي: كتاب الملل والنِّحل) عندي خير كتابٍ صنف في هذا الباب ، ومصنف ابن حزم (يعني: الِفصَل) وإن كان أبسط منه ، إلا أنه مبدد ليس له نظام"[61].
ويذكر شيخ الإسلام أن هذا الكتاب:"أجمع ، من أكثر الكتب المصنفة في المقالات ، وأجود نقلاً " [62].(27/260)
وتميز المؤلف بمنهجية في البحث ، وأسلوب محكم في التصنيف ، ويظهر هذا جلياً أثناء عرضه للمقدمات الخمس المهمة، قبل الشروع في الكتاب ، فقد ذكر في المقدمة الأولى: تقسيم أهل العالم ، فعرض من الأقوال في ذلك ، وبين أنهم يقسمون في هذا الكتاب حسب آرائهم ومذاهبهم إلى قسمين :
1 - أرباب الديانات والملل مطلقاً ، كالمسلمين وأهل الكتاب والمجوس.
2 - أهل الأهواء والنحل كالفلاسفة والدهرية وعبدة الكواكب.
وكانت المقدمة الثانية : في تعيين قانون يبنى عليه تعدد الفرق الإسلامية، حيث حصر مسائل الخلاف بين الفرقة الإسلامية في أربعة أصول ، وهي :
1 -التوحيد والصفات.
2 - القدر وما يلحق به.
3 - الوعد والوعيد ، والأسماء والأحكام.
4 -السمع والعقل والرسالة و الإمامة.
ثم توصل إلى تحديد أصول أو كبار الفرق الإسلامية ، وهي :
1 - القدرية.
2 - الصفاتية.
3- الخوارج.
4 - الشيعة.
وأشار الشهرستاني إلى طريقته في ترتيب الفرق ، وهي: أن يضع للرجال وأصحاب المقالات أصولاً، ثم يورد مذاهبهم في كل مسألة.
ثم ذكر الشهرستاني في شرطه في إيراد الفرق ، فقال:"وشرطي على نفسي: أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم ، من غير تعصب لهم ، ولا كسر عليهم ، دون أن أبين صحيحة من فاسدة " [63].
ومع ذلك فلا يخلو كتابه من بعض الردود والمناقشات والإشارات النقدية [64]
من مزايا هذا الكتاب: أنه يعرِّف بالفرق ابتداءً ، ثم يورد الأصول التي اتفقت عليها إحدى الفرق الإسلامية الكبار ، ثُم يذكر ما يختص بكل طائفة من طوائف هذه الفرقة [65].
ويهتم الكتاب بذكر أبرز رجال بعض الفرق ، وذلك عند نهاية الحديث عن إحدى الفرق [66].
وكتاب (الملل والنحل) مرجع جيد في معرفة أقوال الأشاعرة والفلاسفة ، كما يقول ابن تيمية :
"ولما كان (الشهرستاني) خبيراً بقول الأشاعرة وقول ابن سينا ونحوه من الفلاسفة، كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين" [67].
وأما مصادر هذا الكتاب في الحديث عن الفرق الإسلامية، فيقول ابن تيميه :
" ما ينقله الشهرستاني وأمثاله من المصنفين في الملل والنحل ، عامته مما ينقله بعضهم عن بعض ، وكثير من ذلك لم يحرر أقوال المنقول عنهم ، ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله ، بل هو ينقل من كتب من صنف المقالات قبله ، مثل: أبي عيسى الوراق، وهو من المصنفين للرافضة، المتهمين في كثير مما ينقلونه ، ومثل: أبي يحيى وغيرهما من الشيعة، وينقل أيضاً من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة [68].
ويقول في موضع آخر: "والشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة" [69] ، حيث " أنهم من أكثر الطوائف وأولها تصنيفاً في هذا الباب"[70].
ويظهر جلياً كثرة نقل الشهرستاني عن المعتزلة، فهو ينقل مثلاً عن الكعبي (المعتزلي) [71]، وربما نقل عن الوراق [72]وغيرهما، وإن كان ينقل أحياناً عن الأشعري [73]، كما أنه ينقل عن أشخاص آخرين ، وقد يذكر كتباً غير موجودة - الآن - وينقل عنها ، مثل:كتاب"عذاب القبر"لابن كرام ، وكتاب في مقالات الخوارج للحسين الكرابيسي، وكثيراً ماينقل الشهرستاني الأقوال دون عزوٍِ إلى مصادرها، وقد يترجم بعض الكلام فينقله من الأعجمية إلى العربية، كما فعل بما كتبه أحد الباطنيين [74].
وعندما نتحدث عن المآخذ على هذا الكتاب ، فمنها: عدم اشتراطه نقد الفرق المنحرفة، والرد عليها، والمسلم مطالب بنصرة الحق والدعوة إليه ، ورد الباطل والتحذير منه ، فأهل الاستقامة يحبون الحق ويعرفونه ، كما يرحمون الخلق فيدعونهم للخير، وربما كان هذا الشرط الذي اشترطه الشهرستاني على نفسه سبباً في رميه ببعض الاتهامات [75].
ومأخذ آخر وهو: نقل الشهرستاني عن الشيعة والمعتزلة بلا تمحيص ولا توثيق ، وهذا ما أشار إليه ابن تيميه آنفاً ، ومن ثمَّ فإن كتابه يحوي أقوالاً لا زمام لها ولا خطام، ومثاله: ما ذكره في المقدمة الثالثة في أول كتابه ، حيث قال : "في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها في الأول ، ومن مظهرها في الآخرة " [76] ، وقد بنى على هذه المناظرة الكثير من النتائج المهمة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على ذلك :
"فهذه الشبهة التي ذكرها الشهرستاني في أول كتابه (الملل والنحل) عن إبليس في مناظرته للملائكة لا تعلم إلا بالنقل ، وهو لم يذكر لها إسناداً، بل لا إسناد لها أصلاً، فإن هذه لم تنقل عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من الصحابة، ولا عن أئمة المسلمين المشهورين ، ولا هى أيضاً مما هو معلوم عند أهل الكتاب" [77].
وقد عرض شيخ الإسلام لكثير من الأقوال التي أوردها الشهرستاني، ونقدها [78]، ويظهر أن الشهرستاني قليل المعرفة بالحديث ، وقد تعقَّبه شيخ الإسلام في عدة مواضع [79]، يقول:"والشهرستاني لا خبرة له بالحديث وآثار الصحابة و التابعين"[80].(27/261)
ومأخذ ثالث - وهو وثيق الصلة بما سبق -، وهو:أن الشهرستاني مع كثرة ذكره للمقالات وأقوال أهل الديانات وأهل الأهواء، إلا أنه لم ينقل مذهب الصحابة وسلف الأُمة ، لا تعمداً منه لتركه ، بل لأنه لم يعرفه ، وذلك لقلة خبرته بنصوص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين.
وفي الختام: أرجو أن أكون قد وفقت في بيان شيء من المعلومات عن هذا المتكلم وكتابه، ونسأل الله -عز وجل- أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
الجهم بن صفوان : حقائق وأباطيل
يقول الله - تعالى - : (( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) (الأنعام:55)
ولعل هذه المقالة الآتية عن شخصية " الجهم بن صفوان " تحقق شيئاً من تلك " الاستبانة " لسبيل المجرمين الضالين ، وأمر آخر دفني إلى الكتابة عن الجهم ، وهو أن هذا " الجهم " الذي وصفه أحد أسلافنا - رحمة الله عليهم - وهو الذهبي - فقال عنه : ( أسُّ الضلالة ورأس الجهمية [81] وأنه " زرع شراً عظيماً ) [82] فمع ما تضمنته مقالات الجهم من كفر وزندقة وإلحاد ، وما خلّفه من فتنة وفساد وشر، مع هذا كله فإننا نجد من بعض الباحثين من يدافع عنه ، ويحاول أن يوجد للجهم مسوغاً ومبرراً في انحرافه وإفساده ، ويظهر - جلياً - تحامل هؤلاء الباحثين ، بل طعنهم على أئمة السلف الصالح وأهل الحديث ممن تصدوا للذود عن العقيدة الصحيحة والذبّ عنها .
وبين يدي ثلاث كتب تدافع عن الجهم وتتعاطف معه .
فأما أولها فهو " تاريخ الجهمية والمعتزلة " لجمال الدين القاسمي [83] والذي عُرف بعقيدة صحيحة واستقامة ظاهرة وهو يدافع عن الجهم باسم الموضوعية والإنصاف ! - كما سيأتي إن شاء الله - ولكن لكل جواد له كبوة ولكل عالم له هفوة ، وعفا الله عن القاسمي .
فأما الكتاب الآخر هو " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام " الجزء الأول للدكتور علي سامي النشار حيث دافع النشار عن الجهم وشيخه الجعد بن درهم ، ثم تحامل وطعن في علماء أهل الحديث .
وأما الكتاب الثالث فهو " الجهم بن صفوان ومكانته في الفكر الإسلامي " لخالد العلي أحد الباحثين من بلاد العراق ، حيث نافح عن الجهم متأثراً بمن سبق .
وابتداءً أنقل لك أخي القارئ نبذة عن الجهم ، فأقول مستعيناً بالله : هو أبو محرز جهم بن صفوان الراسبي مولاهم ، السمرقندي ( ت 128هـ ) أما شيوخه فقد قال قتيبة : " بلغني أن جهماً كان يأخذ الكلام من الجعد بن درهم " [84] ويقول مقاتل بن سليمان " إن جهماً والله ما حج هذا البيت ولا جالس العلماء " [85] ولذا قال الذهبي " ما علمته روى شيئاً " [86]
ومن ثم تلقى الجهم التعطيل والإلحاد في دين الله من هذا الجعد ، وكان الجعد مؤدباً لمروان بن محمد - آخر خلفاء بني أمية - وكما يقول ابن تيمية " كان انقراض دولة بني أمية بسبب هذا الجعد المعطل وغيره من الأسباب التي أوجبت إدبارها ) [87] ويقول أيضاً عن مقالة الجعد في التعطيل " أصل المقالة إنما مأخوذة عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصائبين ، فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه " [88]
أما عن مؤلفاته فلا تذكر المصادر - التي بين أيدينا شيئاً من مؤلفاته ، غير أن عبد القادر الجيلاني في " الغنية " ذكر أن للجهم كتاباً في نفي الصفات [89] وعند ما نتحدث عن أحوال الجهم وبقية حياته وآرائه ، فإننا نجد أن علماء السلف ذكروا طرفاً كثيراً من أحواله - خاصة كتاب الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد ، وخلق أفعال العباد للإمام البخاري ، والعلو للذهبي وغيرها - وسنذكر بعضاً من تلك الأخبار .
" قال ضمرة عن ابن شوذب - ترك الجهم عن الصلاة أربعين يوماً على وجه الشك " [90] وسبق أن ذكرنا قول مقاتل بأن جهماً لم يحج البيت .
" وقال أبو نعيم البلخي : - كان رجل من أهل مرو صديقاً لجهم ثم قطعه وجفاه ، فقيل له : لم جفوته ؟ قال جاء منه ما لا يحتمل ، قرأت يوماً آية كذا ، فقال : ما كان أظرف محمداً فاحتملتها ، ثم قرأ سورة طه ، فلما قال : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) (طه:5) .
قال : أما ولله لو وجدت سبيلاً إلى حكها لحككتها من المصحف ، فاحتملتها ، ثم قرأ سورة القصص ، فلما انتهى إلى ذكر موسى قال : ما هذا ؟ ثم رمى المصحف من حجره برجليه ، فوثبت عليه " [91]
وكما ترى - أخي القارئ - من خلال هذه الرواية الموثقة ما كان عليه الجهم من اعتقاد خبيث ، وكفر ظاهر ، فمرة تراه يزعم أن هذا القرآن من قول صلى الله عليه وسلم ، ومرة أخرى يتمنى أن يجد طريقاً إلى حذف تلك الآية التي تضمنت إثبات صفة الاستواء لله تعالى ، ومرة ثالثة يصل به التمادي في الكفر إلى امتهان القرآن ورميه من حجره برجليه !!(27/262)
وعلى كل فإن الجهم - فعلاً - هو أسُّ الضلال ومستنقع إلحاد وكفر ، فهو معطل - من غلاة المعطلة - في باب الصفات ، وقائل بالجبر وأن الشخص كالريشة في مهب الريح لا فعل له ولا إرادة ، وقائل بفناء الجنة والنار ، وهو الذي زعم أن الإيمان هو المعرفة فقط فليس عمل القلب ولا قول اللسان ولا فعل الجوارح داخلاً ضمن مسمى الإيمان كما زعم أن الله - تعالى - في الأمكنة كلها [92] إلى غير ذلك من البدع الكفرية والأقوال الإلحادية .
يقول ابن تيمية : - رحمه الله - " وحقيقة قول الجهم هو قول فرعون وهو جحد الخالق وتعطيل كلامه ودينه " [93]
ويقول أيضاً : " كان الجهم (مجبراً ) يقول : إن العبد لا يفعل شيئاً " [94]
ويقول في موضع ثالث : " كان هو وأتباعه ينكرون أن يكون لله حكمة في خلقه وأمره ، وأن يكون له رحمة ويقولون : إنما فعل بمحض مشيئته لا رحمة معها ، و حكى عنه أنه كان ينكر أن يكون الله أرحم الراحمين وأنه كان يخرج إلى الجذمي فينظر إليهم ويقول : أرحم الراحمين يفعل مثل هذا بهؤلاء " [95]
وقد وقع للجهم مناظرة معلومة مع السُمنية [96] نذكرها لك أخي القارئ - كما جاءت في الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد والعلو للذهبي ، يقول الإمام أحمد - رحمه الله - : " كان ممن بلغنا من أمر الجهم عدو الله ، أنه كان من أهل خراسان ، من أهل ترمذ ، وكان صاحب خصومات وكلام ، وكان أكثر كلامه في الله - تعالى - فلقي أناساً من المشركين يقال لهم السُمنية فعرفوا الجهم ، فقالوا له : نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا ، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك ، فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له :- ألست تزعم أن لك إلهاً ؟ قال الجهم : نعم ، فقالوا له فهل رأيت إلهك ؟ قال : لا ، قالوا : فهل سمعت كلامه ؟ قال : لا : قالوا أشممت له رائحة ؟ قال : لا قالوا فوجدت له حساً ؟ قال : لا ، قالوا فما يدريك أنه إله ؟ قال : فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوماً ، ثم استدرك الجهم حجة مثل حجة زنادقة النصارى فقال للسمني : ألست تزعم أن فيك روحاً ؟ قال : نعم ، فقال ، هل رأيت روحك ؟ قال : لا ، قال فسمعت كلامه ؟ قال : لا قال : فوجدت له حساً ؟ قال : لا ، قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت وهو غائب عن الأبصار ، ولا يكون في مكان دون مكان [97] وقد أورد الذهبي هذه القصة مختصرة ، وأن الجهم ذكر للسُمنية أن الله " هو هذا الهواء مع كل شيء ، وفي كل شيء ، ولا يخلو منه شيء [98] تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
ولنا مع هذه القصة وقفة ، فكما تشاهد - أخي القارئ أن وقوع الجهم في هذا التعطيل لأسماء الله وصفاته له أسباب يمكن تتبعها من تلك القصة وغيرها .
فالجهم لم يجالس العلماء ولم يرو شيئاً من الآثار - كما سبق ذكره - مع أنه عاش في زمان التابعين ، حيث تكثر حلق العلم العامرة ، ويتوافر العلماء الربانيون ، ومن ثم كان قلبه قابلاً لأي باطل أو شبهة .
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
" إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ، ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكاً ، لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة " [99]
ومن ثم فأوصيك أخي القارئ ونفسي بالاهتمام الجاد في تحصيل العلم الشرعي النافع ، والحرص على مجالسة أهل العلم الصادقين .
وسبب آخر أوقع الجهم في هذا التعطيل وهو أنه صاحب جدل وخصومة ، وحيث كان فصيح اللسان وبسبب جدله وخصومته ، وقع في الشك والارتياب ، وفقد اليقين والانقياد ، وكم نحن بحاجة إلى ترسيخ الإيمان في نفوسنا ، والتسليم للنصوص الشرعية بكل انشراح صدر واطمئنان نفس ، دون أن يسبق هذا التسليم مقدمات أو مقررات سابقة .
يقول أحد السلف : " إن الإيمان إذا سكن القلب قبل الاحتجاج لم يخرجه الاحتجاج ، وإذا سكن الحجاج قبل الإيمان كان متنقلا ، متى حاجه من هو أحج منه " [100] ويقول عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - " من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل " [101] وعن أبي الزناد عن أبيه : لا يقيمون على أمر وإن أعجبهم إلا نقلهم الجدل إلى أمر سواه ، فهم كل يوم في شبهة جديدة ودين وضلال " [102]
وصدق رسول الله صلى الله عليه القائل " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلا أوتوا الجدل " رواه أحمد وغيره [103]
وسبب ثالث أوقع الجهم - وكذا غيره من المبتدعة - في التعطيل وهو اتباع المتشابه ، يقول الإمام أحمد " الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث ، فضلوا وأضلوا بكلامهم بشراً كثيراً [104](27/263)
يقول الله _تعالى _ : (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ))(آل عمران: من الآية7) " فأما أهل الزيغ يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة ، فهو يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة ، فليس نظرهم في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه ، بل نظر من حكم بالهوى ، ثم أتى الدليل كالشاهد له " [105]
وسبب رابع جعل الجهم يتردى في هذا التعطيل ، وهو " ردة الفعل " ! إن مقالة جهم في التعطيل جاءت كرد فعل لمقالة مقاتل بن سليمان - المفسر - في التشبيه والتمثيل ، يقول أبو حنيفة - رحمه الله - " أفرط جهم في نفي التشبيه ،حتى قال إنه تعالى ليس بشيء ، وأفرط مقاتل - في التشبيه والتمثيل حتى جعله مثل خلقه " [106] وقد التقى الجهم بمقاتل بن سليمان في بلخ ، وحصل بينهما خصومات واختلاف ، حتى نفي الجهم إلى ترمذ .
وكم وقعت ردود الفعل - لانحراف ما - من الإفساد والتبديل للمعاني الصحيحة ، إن الجهم استحضر أمامه انحرافاً معيناً وهو التمثيل والتشبيه ، واستغرق في دفعه حتى آل به الأمر إلى التعطيل ، وهكذا نشاهد أن كثيراً من الانحرافات السائدة الآن ومن قبل ، إن من أسبابها أنها ردود أفعال لانحراف ما ، فبدعة الإرجاء " رد فعل " لبدعة الخوارج ، وبدعة الجير رد فعل لبدعة خلق البعد لفعله ، وهكذا .
يقول سيد قطب - رحمه الله تعالى - : " إننا لا نستحضر أمامنا انحرافاً معيناً من انحرافات الفكر الإسلامي ، أو الواقع الإسلامي ، ثم ندعه يستغرق اهتمامنا كل ، بحيث يصبح الرد عليه وتصحيحه هو المحرك الكلي لنا فيما نبذله من جهد في تقرير خصائص التصور الإسلامي ومقولاته ، إنما نحاول تقرير حقائق هذا التصور - في ذاتها - كما جاء الوحي .
ذلك أن استحضار انحراف معين ، أو نقص معين ، والاستغراق في دفعه ، وصياغة حقائق التصور الإسلامي للرد عليه ، منهج شديد الخطر ، وله معقباته ، في إنشاء انحراف جديد في التصور الإسلامي لدفع انحراف قديم والانحراف انحراف على كل حال " [107]
وعلى كل فإن الجهم لم يلبث أن قُتل حيث كان مع الحارث بن سريج الذي خرج على دولة بني أمية ، وقد قتله سَلمُ بن أحوز صاحب شرطة نصر بن سيار ، وذلك سنة 128هـ
ولو تحدثنا عن موقف السلف من فرقة الجهمية لطال بنا الحديث [108]
ولكن نذكر قول اثنين من أئمة السلف فيهم ، يقول عبد الله بن المبارك - رحمه الله - : " الجهمية كفار ، ومن يشك في كفر الجهمية ؟ ثم يقول : إنا نستجيز أن نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستجيز أن نحكي كلام الجهمية " [109]
ويقول الإمام البخاري - رحمه الله - " نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس ، فما رأيت أضل في كفرهم منهم ، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم " [110] بعد هذا العرض لحياة الجهم بن صفوان ، أنقل لك أخي القارئ شيئاً مما قاله المدافعون عن الجهم ، أو ممن افتعلوا مبررات ومسوغات لانحراف الجهم وزندقته .
فيذكر القاسمي - عفا الله عنه - أن " الجهمية فرقة من المسلمين " [111]
ويصف الجهم بالحرص على إقامة أحكام الكتاب والسنة !! [112] ويقول القاسمي " وكان الجهم داعية للكتاب والسنة ، ناقماً على من انحرف عنهما ، مجتهداً في أبواب من مسائل الصفات " [113] ويحاول القاسمي التقريب ورفع الخلاف بين الجهم و مخالفيه [114] ويعرّف القاسمي القول بالجبر الذين اشتهر به الجهم - بعبارة " موهمة " فيقول بأنه : " إسناد فعل العبد إلى الله " [115]
أخي القارئ - قارن كلام القاسمي بكلام الإمام البخاري وابن المبارك ، ولا أدري كيف غاب عن القاسمي أقوال السلف الصالح في بيان حال الجهم ؟ ألم يطلع على قول عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله - عن الجهمية عند ما قال : " ما الجهمية عندنا من أهل القبلة ، وما نكفرهم إلا بكتاب مسطور أو أثر مشهور وكفر مشهور" [116]ويقول أيضاً " الزنادقة والجهمية أمرهما واحد ، ويرجعان إلى معنى واحد ومراد واحد "
[117] وكيف بوصف الجهم بأنه كان داعية للكتاب والسنة ، وهو أجهل من حمار أهله ، فقد قال بخلق القرآن ، وامتهن كتاب الله ، وكيف يكون داعية من لا شيوخ له ولا علم عنده - كما نقل ذلك الثقات - ولقد سئل جهم عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، فقال عليها العدة ، فخالف كتاب الله بجهله ، قال الله سبحانه : (( فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)) (الأحزاب: من الآية49) [118] .
وأما " الجبر " الذي اقترن بالجهم فهو دعوى الجهم بأن العبد مجبور على فعله كالريشة في مهب الريح لا اختيار له ولا مشيئة ، وإنما هي مشية الله المحضة ، فلا حكمة ولا تعليل - كما سبق ذكره - ويزعم أن فعل العبد هي عين فعل الله تعالى .(27/264)
ومن الغريب جداً أننا نجد القاسمي يجعل هذا التبرير موضوعيةً وإنصافاً، يقول القاسمي : " وبالجملة فلا بد من السند في قبول ما يعزى ويروى إلى تلك الفرقة ، فإما عن أسفارها أو عن ثقة أثر عنها ، وأما رمي فرقة برأي ما بدعوى أنه قيل عنها ، أو يقال ، فمما لا يقام له وزن في الصحة والاعتقاد " [119] .
وهذا حق ، وكلام جميل يجب أن نتمثل به ، ونجعله نهجاً في تقويم الأفراد والمجتمعات . والله - تعالى - يقول : (( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) (المائدة: من الآية8) ولكن الغريب فعلاً كيف يخفى على القاسمي الكم الهائل من أقوال السلف والمروية بالأسانيد الصحيحة عن حال هذه الفرقة ( الجهمية ) ومؤسسها ؟!
ويا سبحان الله ! فنحن نرى القاسمي يناقض كلامه السابق بنفسه ، فيروي قصة مناظرة الجهم للسمنية من خلال نقله عن الرد على الزنادقة للإمام أحمد ، ويحذف القاسمي ما ذكره الإمام أحمد بأن الجهم ترك الصلاة أربعين يوماً وكل ذلك بدعوى الاختصار ! فأين التوثيق والإنصاف ؟ بل نجد القاسمي يعلق على هذه المناظرة - التي كانت سبباً في ضلال الجهم وزندقته كما مر بنا - فيقول : " هذا ما حكاه الإمام أحمد في الرد على الجهمية أثرناه باختصار ووقوفاً على موضع الشاهد من فطنة جهم وبلاغته في إفحامه خصمه "[120]
و بئس هذا الذكاء الذي أورد صاحبه المهالك، وما حال الجهم ومن سار على نهجه إلا أنهم أوتوا ذكاءً ولم يؤتوا زكاءً ، وأوتوا علوماً ولم يؤتوا فهوماً ، وأوتوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء .
ويستطرد القاسمي - في موضع آخر - في الحديث عن الجعد بن درهم [121]
شيخ الجهم فينقل خليطاً من الروايات في الطعن في خالد بن عبد الله القسري [122] - قاتل الجعد - وأن خالداً - كما تدعى تلك الروايات - جعل الولاية لأهل الذمة على المسلمين ، وأنه كان ناصبياً يبغض علياً - رضي الله عنه - وأن أبا الفرج الأصفهاني قال : " اللهم العن خالداً واخزه وجدّد على روحه العذاب " ثم قال القاسمي - سامحه الله - " ومن استيفاء أحواله وأخباره بأفظع من هذا مما نصون عنه بحثنا المسطور فليرجع إلى كتاب الأغاني للأصفهاني رحمه الله " !! [123] وهكذا يناقض القاسمي كلامه بنفسه مرة أخرى " فأين التحري والإنصاف ممن ينقل عن الأصفهاني ( الشيعي الأموي ) !! "[124] وقد قال ابن كثير عن هذا الأصفهاني - : " وكان فيه تشيع ، قال ابن الجوزي : ومثله لا يوثق به فإنه يصرح في كتبه بما يوجب العشق ويهون شرب الخمر ، وربما حكى ذلك عن نفسه ،ومن تأمل كتاب الأغاني رأى فيه كل قبيح ومنكر" [125] خاصة إذا علمنا أن الأصفهاني قد روى الكثير من أخبار كتابه عن طائفة من الرواة الكذابين [126]
وأما خالد القسري فنرى أن ابن كثير يترحم عليه ، وقد أورد ابن كثير بعضاً من تلك المثالب التي نسبت إلى خالد ثم قال: " والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه ، فإنه كان قائماً في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الإلحاد ، وقد نسب إليه صاحب العقد - ابن عبد ربه - أشياء لا تصح ، لأن صاحب العقد فيه تشيع شنيع ومغالاة في أهل البيت " [127]
لقد قتل خالد القسري الجعد بن درهم ، وقتل أيضاً المغيرة بن سعيد العجلي وبيان بن سمعان التميمي وهما من رؤوس غلاة الشيعة المجسمة الملحدة .
وهذا يكشف لنا تحامل الأصفهاني وابن عبد ربه (الشيعيين) على القسري ورميه بالنصب .
وأما علي سامي النشار ، فيدافع عن الجعد بن درهم في كتابه " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام " ويصفه بأنه أول رواد التفسير العقلي في الإسلام [128] ويمتطى النشار التأويل المتعسف من أجل " تسويغ " زندقة الجعد . ويزعم النشار أن قتل الجعد كان سياسة لا ديناً يقول النشاز :
" لا نستطيع أن نصدق أن قتله ( أي الجعد ) كان لآرائه الفكرية ، بل يبدو أنه لسبب سياسي [129]
لكن الحقيقة أن قتل الجعد كان لزندقته وإلحاده يقول ابن تيمية : " وقد قتل الجعد بالعراق في واسط في أوائل المئة الثانية بفتوى التابعين وحمدوه على ما فعل ، وشكروا ذلك " [130] ويقول ابن القيم في نونيته :
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد ال القسري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيم ليس خليله كلام ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان [131]
ومما قاله النشار : " وهناك عرف الجهم منهج الجعد وهو منهج التأويل وعدم الاهتمام بعلم الحديث ، وقد راعه الحشو الهائل الذي أدخل في الحديث ، كما راعه عدم اهتمام المحدثين " بالدراية " واقتصارهم فقط على الرواية [132]
إن رمي أهل الحديث ووصفهم بالحشو وأنهم حشوية ليست أفكاراً جديداً بل قد قالها عمرو بن عبيد - أحد رؤوس الاعتزال - فوصف ابن عمر الصحابي الجليل بأنه حشوي ، وتعود هذه الفرية من جديد كما هو ظاهر في هذا النص .(27/265)
وأما دعوى أن أهل الحديث لا اهتمام لهم بالدارية فهذه تهمة باردة وقديمة ، ومن له إلمام واطلاع على كتب الحديث يدرك عناية السلف الصالح بمتون الأحاديث ونقدها ، وقد ذكروا ضوابط وقواعد لهذا الفن [133]
وأخيراً أسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا حسن الإتباع لرسول ا صلى الله عليه وسلم - وبالله التوفيق .
نظرة في الاتجاه العقلاني المعاصر ومظاهره
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فإن رصد وكشف المذاهب المنحرفة عن الصراط المستقيم من الأمور المهمة التي ينبغي الاهتمام الجاد بدراستها ، وبإعطائها حقها من المتابعة والبحث ، تحقيقاً لقول الله تعالى : (( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) (الأنعام:55)
وكما قال عمر الفاروق - رضي الله عنه - : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ، وقد كان حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - يقول : كان الناس يسألون رسول ا صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني "
وإن المذهب - أو الاتجاه العقلاني المعاصر [134] إزاء النصوص الشرعية ، من أخطر المذاهب وأشدها تضليلاً ، وأكثرها تحريفاً لشرائع الإسلام الصحيح ، حيث أن هذا المسلك قد انتحله عدد غير قليل من المفكرين والمثقفين ، كما أنه يتضمن التلبيس والاشتباه على الكثير من المسلمين ، ومن ثم فلا يستغرب أن يقوم أعداءٌ للإسلام بالكيد لهذا الدين وأهله من خلال هذا المسلك العقلي ( المتحرر ) والذي يرفع شعار الإسلام .
إن هؤلاء العقلانيين قد جعلوا عقولهم حاكمةً على النصوص الشرعية ، لقد جعلوا تلك العقول مع قصرها ، ومحدودية إدراكها ، وتفاوت أنواعها ، وكثرة خطئها حاكمةً وقاضيةً على النصوص الشرعية الصحيحة المتلقاة من وحي معصوم من عند الله - عز وجل - (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) (النساء:82) .
وكما أنهم حكموا عقولهم على " السمع " فإنهم أيضاً جعلوا مقتضيات العصر الحديث ومستجداته ومتغيراته حاكماً - آخر - على الوحي ، فهم يسعون إلى إنزال الشرع على وفق مقتضيات العصر الحاضر ، ومن ثم فنجد الكثير من المحرمات شرعاً تكون سائغة عندهم ويتهاون في شأنها بدعوى تغير الزمان ، وأن " الدين " ينبغي أن يكون مواكباً لتلك المتغيرات - أو الأخرى : الانحرافات - " ومباركاً " لها أحياناً كما سأذكره إن شاء الله .
وفي الجملة فإن هذا المسلك العقلاني امتداد لفرقة المعتزلة المعروفة ، والتي ظهرت في القرون الأولى ، حيث أن هناك قواسم مشتركة بين المعتزلة الأوائل وبين أفراخهم من العقلانيين المعاصرين من حيث مصدر تلقى العقيدة ، ومنهج الاستدلال ، وبعض الأفكار والصفات المشتركة بين أسلاف المعتزلة وبين خلفهم من المعاصرين ، ومن هذه القواسم المشتركة التي تجمع بين المعتزلة الأوائل وبين المتأخرين جعل العقل نداً للوحي ، بل قد يقدمون العقل على النص الصحيح ، كما نجدا اتفاقاً بينهما في التبعية للمذاهب والفلسفات الأجنبية ، واستباحة الخوض في الأمور الغيبية ، والاستهانة بأحكام الله وشرعه ، والجرأة على إثارة الشبهات والآراء الشاذة باسم التسامح الديني وحرية الفكر ، كما يتفقون على مقت أهل السنة والتهوين من شأنهم ، فالمعتزلة الأولى كانوا يرمون السلف الصالح بأنهم حشوية ومجسمة ونحو ذلك ، وهؤلاء المعاصرون يلقبون أهل السنة بالأصوليين أو المتشددين المتزمتين وربما اتهموهم بالتشنج والحرفية وضيق الأفق [135] ..
وتتمثل آراء هذا المسلك العقلاني في مظاهر فكرية متعددة نذكر منها ما يلي :
1- مدح المعتزلة الأوائل وتبجيلهم والثناء الحسن والكثير عليهم ، وممن يفعل ذلك على سبيل المثال ، أحمد أمين ، وزهدي جار الله ، وزكي نجيب محمود .
1- تمييع عقيدة الولاء والبراء بل ( مسخ ) هذه العقيدة وإسقاط هذا الأصل الأصيل من العقيدة الصحيحة ، وذلك عن طريق ما يسمى بوحدة الأديان وزمالتها ، أو الدعوة إلى القومية ، أو الإنسانية ( العالمية ) ، أو الدعوة إلى التقارب مع الرافضة ، فمثلاً جمال الدين الفارسي ( الأفغاني ) دعا لوحدة الأيان [136]
وكذا تلميذه محمد عبده [137]كما نادى محمد عمار ة بالقومية ووحدة الأديان [138] وكذا معروف الدواليبي دعا للقومية [139] والعالمية [140]
3- تعطيل الجهاد في سبيل الله ، وتضييق دائرته ، وقصره على ما يسمى بـ ( الدفاع ) فقط بدوى الرد على فرية المستشرقين الزاعمين أن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف [141] كما أنهم حرفوا ما يتبع الجهاد من أحكام شرعية ، فمثلاً من هؤلاء من ينكر الجزية أو يتأولها على غير معناها الصحيح ، ومنهم من يبطل تقسيم الدور إلى دار إسلام ودار كفر , وهناك من يمنع الرق ( يتلمس ) المعاذير لدين الله - عز وجل - ! وكأن دين الله - تعالى - في محل اتهام ويحتاج إلى تبرئة من تلك الدعاوى [142]
4- إنكار حد الردة بدعوى حرية الفكر والرأي و (الانفتاح الفكري ) ![143](27/266)
5- استباحة الاختلاط بين الرجال والنساء ، وتهوين الحجاب الشرعي والتساهل في شأنه ، وإباحة بعض أنواع الربا ، وصوره كربا الفضل ، والغير المضاعف [144]
6- عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد بدعوى أنه لا يفيد العلم .
7- إنكار بعض المعجزات النبوية وكرمات الصالحين وبعض الغيبيات ، أو تأويلها تأويلاً يأباه النص كموقفهم من نزول المسيح عيسى - عليه السلام - والملائكة والجن ، والطير الأبابيل ، وظهور الدجال في آخر الزمان [145] كما أن في هؤلاء من يدعو إلى فتح باب الحوار- وعلى مصرعيه - مع الأطراف الأخرى من أصحاب الاتجاهات المنحرفة كالعلمانية أو اليساريين أو الرافضة أو النصارى ونحوهم ، وكل ذلك بدعوى إثراء الفكر ، وأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ، وقد ظهر في بعض تلك الملتقيات محاولات متكلفة للتقريب بين أفكار متباينة ، والسعي إلى الالتقاء في منتصف الطريق عن طريق بعض التنازلات والمداهنات .
في الختام أوصي نفسي وإخواني من أهل الإسلام الأصيل أن يتمسكوا - وبعلم وبصيرة - بعقيدة السلف الصالح ، وأن يتفقهوا في دين الله - عز وجل - وأن نسعى ونتواصى لترسيخ الولاء والانتماء لمنهج أهل السنة والجماعة مهما كانوا وأياً كانوا ، كما أنه يتعين علينا فقه واقعنا الحاضر ، وأن ندرك بوعي وحذر وبعد نظر حقيقة هذا الاتجاه العقلاني ، فنرصد كتبهم ومؤتمراتهم ومجلاتهم ، ثم نكشفها أمام المسلمين ، ونحذر من ضلالهم وزيفهم ، وعلينا واجب النصيحة تجاه من انخدع بهذا المسلك ( المتحرر) من ضوابط الشريعة ، وأن نناقشهم طلباً للحق ، وندعوا لهم بالهداية والاستقامة ، فأهل السنة - كما هو معلوم يعرفون الحق ويرحمون الخلق ، وأسال الله - عز وجل - أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وبالله التوفيق و r على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم [146]
[1] في العالم الماضي سنة 1409 هـ.
[2] أفردت الموسوعة بعض المآخذ والانتقادات على جماعة التبليغ (ص 119)، وحزب التحرير (ص 138) والحركة المهدية (ص 470) ، فالمطلوب الاستمرار في النقد والتقويم مع البقية، فبالنقد الصادق المؤدب يتم تصحيح المسار، والاستفادة من الأخطاء.
[3] انظر مثلاً كتاب: (منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير) للدكتور فهد الرومي، وكتاب (المعتزلة بين القديم والحديث) لمحمد العبدة وطارق عبد الحليم، وكتاب (العصريون معتزلة اليوم) ليوسف كمال
[4] انظر كتاب (الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو) لمحمد سرور بن نايف زين العابدين.
[5] انظر كتاب (حرية الإنسان في الفكر الإسلامي)، د. فاروق الدسوقي.
[6] (الموسوعة الميسرة) / 9.
[7] بعض الفرق والمذاهب في الموسوعة فقره عن أهم كتبهم وهم الدروز (ص 226)، الطاوية (ص 0 36)، المورمون (ص 78 4)، النصرانية (ص 501)، الهندوسية (ص 532)، اليهودية (ص 569) وهذه فقرة مفيدة جداً فيا حبذا لو استمر هذا المنهج مع بقية الفرق التي لها كتب معتمدة.
[8] انظر مثلاً نفيهم لرؤية الله في اليوم الآخر من أحد كتبهم: (أصدق المناهج في تمييز إباضية من الخوارج)، لسالم بن حمود الإباضي، ص 27
[9] ( انظر الموسوعة ص 17 / س 14، 15) .
[10] انظر الكتاب السابق: (أصدق المناهج)، ص 27، ? ص 34، 35.
[11] انظر معتقداتهم في (الموسوعة الميسرة)، ص 70 - 73.
[12] انظر بعض هذه المآخذ كما ذكرت في (الموسوعة الميسرة)، ص 138 - 140.
[13] انظر كتاب (الإمام زيد بن علي المفترى عليه) لشريف الخطيب.
[14] - انظر كتاب (أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة) للدكتور علي بن نفيع العلياني، وكناب: (رسالة الشرك ومظاهره)، لمبارك الميلي.
[15] انظر كتاب (السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة)، د. أحمد صبحي منصور.
[16] بغية المرتاد (السبعينية) ، ص 338 ، وانظر رسالة في تحقيق لفظ الزنديق لابن كمال باشا (ت940هـ) ، ص 47 ، والتي نشرت بتحقيق د.حسين محفوظ في أحد أعداد مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد.
[17] الفتح ، 12/270-271.
[18] التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ، ص91.
[19] رسالة في الرد على النصارى ، ص17.
[20] مادة "زندق" ، 10/147.
[21] ( 2/246) .
[22] السبعينية ، ص338.
[23] الفتح ، 12/271 .
[24] ص352.
[25] ص475-563 ، وقد نُشر سنة 1939 بعنوان : رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد.
[26] انظر : كتاب من تاريخ الإلحاد في الإسلام لعبد الرحمن بدوي ، ص28 ، وكتاب الزندقة والزنادقة لعاطف شكري ، ص109.
[27] - انظر توضيحاً لذلك على سبيل المثال : كتاب الفَرق بين الفِرق لعبد القاهر البغدادي في باب الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منها.
[28] منهاج السنة ، تحقيق د.محمد رشاد سالم ، 1/10-11.
[29] انظر : الفتح 12/267.
[30] البداية والنهاية في التاريخ 10/149.
[31] البداية والنهاية في التاريخ ، 10/157.
[32] انظر : كتاب "من تاريخ الإلحاد في الإسلام" لعبد الرحمن بدوي، ودائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين ،10/440-446.(27/267)
[33] توجد رسالة علمية في مصر عن الشهرستاني وآرائه الكلامية والفلسفية لسهير مختار، وهناك رسالة علمية سجلت أخيراً بجامعة الإمام محمد بن مسعود عن الشهرستاني ومنهجه في (الملل والنحل).
[34] سير أعلام النبلاء للذهبي 20/287
[35] وقد ذكرت د. سهير مختار هذه القصة في تحقيقها لكتاب مصارعة الفلاسفة للشهرستاني. فقالت:"وهي في شرح سورة يوسف ، وهو شرح لطيف مع تسجيل بعض الروايات عن الصوفية".
[36] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20/286، وطبقات الشافعية للسبكي 6/128، وشذرات الذهب 4/149، وانظر مقدمة كتاب مصارعة الفلاسفة بتحقيق د. سهير مختار.
[37] أعلام النبلاء 20/287-288، وطبقات الشافعية للسبكي 6/13.
[38] - شذرات الذهب 4/149.
[39] درء تعارض العقل والنقل 173/5.
[40] كتابا ابن السمعاني.
[41] طبقات الشافعية للسبكي 130/6.
[42] منهاج السنة 305/6.
[43] درء تعارض العقل والنقل 8/5.
[44] إغاثة اللهفان 2/ 1 38، وانظر مقدمة الشهرستاني لكتابه (مصارعة الفلاسفة)، ص 6 1 ، وانظر كتابه نهاية الإقدام ، ص 5، ص 33، كما أن كتاب (نهاية الإقدام) قد تضمن ردوداً على عموم الفلاسفة، والدهرية ، و المعتزلة.
[45] انظر الملل والنحل للشهرستاني 191/1 - 198، تحقيق محمد سيد كيلاني.
[46] انظر الفرق بين الفرق ، ص 1 28 - 2 31..
[47] درء تعارض العقل والنقل 2/307، 67/9، وانظر المنهاج 5/268و6/303و319.
[48] الملل والنحل 1/173.
[49]- هناك من أصحاب المقالات من يفصل بين الإسماعيلية والشيعة، وهناك من يجعل الإسماعيلية فرقة من فرق الشيعة، كما يفعل الشهرستاني.
[50] لسان الميزان 264/5.
[51] الملل والنحل 197/1.
[52] منهاج السنة 306/6.
[53] انظر ترجمته في طبقات أعلام الشيعة لآغابزرك الطهراني 182/6 ، وانظر مقدمة (المصارعة) ص13.
[54] مصارعة الفلاسفة، ص 14.
[55] الملل والنحل 27/1، ومرة يقول:"لقد كان علي على الحق في جميع أحواله ، يدور الحق معه حيث دار) الملل والنحل 103/1.
[56] منهاج السنة 362/6 باختصار.
[57] انظر منهاج السنة 347/6.
[58] المصدر السابق 6/ 350.
[59] انظر، الملل والنحل1/164، 65 1.
[60] المصدر السابق 172/1 ، وانظر 93/1. يقول الشهرستاني في "نهاية الإقدام": اعلم أن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد، بحيث يفضي النظر فيها إلى قطع ويقين بالتعين" ص 478 ،وذلك أن هذا الكلام رد على الشيعة الإمامية.
[61] طبقات الشافعية 6/128.
[62] منهاج السنة 304/6.
[63] الملل والنحل 1/16.
[64] انظر الملل والنحل1/64و83و141و147.
[65] المصدر السابق 1/43و46و115و146.
[66] المصدر السابق 1/137،(رجال الخوارج)، 6 4 1 ،(رجال المرجئة)، 0 9 1 (رجال الشيعة).
[67] منهاج. السنة 304/6، وانظر كلام د. سامي النشار عن هذا الكتاب في كتابه نشأة الفكر الفلسفى 525/1.
[68] المصدر السابق 300/6.
[69] منهاج السنة 6/307.
[70] الفتاوى 115/8.
[71] انظر الملل والنحل ا/55،4 6،67،0 7،75،0 9
[72] انظر الملل والنحل 1/184، 87 1.
[73] المصدر السابق 1/73و105و129
[74] المصدر السابق 195/1.
[75] انظر مثلاً عرضه لمذهب النصيرية 1/188.
[76] الملل والنحل 1/16و20.
[77] منهاج السنة 306/6.
[78] انظر مثلاً المنهاج 318/6، 324، 347، 350..
[79] انظر المنهاج 3/6 32، ودرء تعارض العقل والنقل 32/3 1.
[80] منهاج السنة 9/6 1 3.
[81] سير أعلام النبلاء 6/ 26
[82] ميزان الاعتدال 1/426
[83] حاول بعض الباحثين التشكيك في نسبة كتاب تاريخ الجهمية للمؤلف ، ولكن الباحث إبراهيم الحسن في رسالته للماجستير ( القاسمي ومنهجه في التفسير ) بجامعة الإمام / كلية أصول الدين أثبت صحة نسبة الكتاب للقاسمي ، وذكر أن هذا الكتاب نشر في مجلة المنار في حياة المؤلف ، وربما أن حب القاسمي للتقريب والاتحاد بين الفرق الإسلامية هو الذي دفعه إلى ذلك ، لكنه أخطأ في سلوك هذا المسلك فغفر الله له
[84] خلق أفعال العباد للبخاري ص 8
[85] عقائد السلف ص 110 (ملحق في الجهمية من كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود ) وقال أبو معاذ خالد بن سليمان البلخي لم يكن له علم ولا مجالسة لأهل العلم .
[86] ميزان الاعتدال 10/ 426
[87] الفتاوى 13 /182
[88] الفتاوى 5/ 20
[89] انظر الغنية 1/ 94.
[90] خلق أفعال العباد ص 11 ، وقال محقق الكتاب ( أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني ) : إسناده جيد
[91] المرجع السابق ص 20 وقال محقق الكتاب ( أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني ) إسناده صحيح، ورواه عبد الله بن الإمام احمد في السنة ، ورواه الذهبي في( العلو) وقال الألباني : سنده صحيح .
[92] من أفضل الكتب وأوسعها في ذكر آراء الجهم مع الرد والدحض ، هو كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين محمد بن أحمد الملطي - رحمه الله - ، ص 96-144
[93] الفتاوى 13/185
[94] الفتاوى 12/350
[95] الفتاوى 8/460.
[96] السمنية نسبة إلى سومنات بلدة بالهند ، وهو البوذية ( عن حاشية عقائد السلف ص 65)
[97] الرد على الزنادقة والجهمية ( ضمن عقائد السلف ) ص 65، 66(27/268)
[98] مختصر العلو ص 162 ، وقال الألباني عن إسناد هذه القصة إسنادها صحيح .
[99] مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/140
[100] أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 4/722
[101] رواه اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة ، وكذا الآجري في الشريعة .
[102] خلق أفعال العباد للبخاري ص 89
[103] انظر صحيح الجامع الصغير 5/146 رقم الحديث 5509
[104] الرد على الزنادقة والجهمية (ضمن عقائد السلف ) ص 64، 65
[105] الاعتصام للشاطبي 1/221 بتصرف يسير
[106] ميزان الاعتدال 4/173 .
[107] خصائص التصور الإسلامي ص 19
[108] انظر مثلاُ كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ، والرد على الجهمية للدارمي وأصول الاعتقاد للالكائي ، واجتماع الجيوش الاسلامية لابن القيم وغيرها
[109] السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/109، 111
[110] خلق أفعال العباد ص 13
[111] تاريخ الجهمية والمعتزلة ص 9
[112] انظر المرجع السابق ص 16
[113] المرجع السابق ص 18 وهل لأحد الاجتهاد في الصفات ؟ وقارن كلامه هنا بكلامه في تفسيره 5/94-147!
[114] انظر المرجع السابق ص 20
[115] المرجع السابق ص 28
[116] الرد على الجهمية ص 171
[117] المرجع السابق ص 176 ولقد قال ابن القيم عن الجهمية:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
[118] خلق أفعال العباد ص 11
[119] تاريخ الجهمية ص 30
[120] تاريخ الجهمية ص 23
[121] الجعد بن درهم / أول من قال بخلق القرآن ، وأنكر الصفات ، وكان مؤدباً للخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد / قتله خالد بن عبد الله القسري في عيد الأضحى 124هـ وهو من خراسان ، حيث قال : أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ولم يكلم موسى تكليماً ثم نزل فذبحه في أصل المنبر / البداية 9/ 350
[122] خالد القسري ، تولى الإمارة على الحجاز ثم العراق ، كان فصيحاً بليغاً اشتهر بالكرم والجود رُمي بالنصب توفي مقتولاً سنة 126هـ / البداية 10/20
[123] تاريخ الجهمية ص 42
[124] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 16/202" والعجب أنه أموي / شيعي "
[125] البداية والنهاية 11/ 263
[126] انظر كتب السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني / وليد الأعظمي
[127] البداية والنهاية 10/180
[128] نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/ 332
[129] نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/331
[130] الفتاوى 12/350.
[131] شرح النونية / محمد هراس 1/27
[132] نشأة الفكر الفلسفي 1/333، 334,
[133] انظر مثلاً كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة وكتاب المنار المنيف لابن القيم وكتاب اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً لمحمد لقمان .
[134] هذا الاتجاه قد يسمى مدرسة إصلاحية وأحياناً يعرف ب ( عصرنة الإسلام ) وربما سماه أصحابه تطويراً وتجديداً
[135] انظر مجلة كلية أصول الدين العدد الثالث بجامعة الإمام محمد بن سعود / الرياض ، مقال " المدرسة العقلية الحديثة وصلتها بالقديمة " للشيخ ناصر العقل ص 247- 265
[136] انظر كتاب دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام لمصطفى غزال
[137] انظر كتاب الإسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين رحمه الله .
[138] انظر كتابه الإسلام والوحدة القومية .
[139] انظر كتاب فكرة القومية العربية لصالح العبود
[140] انظر كتابه نظرات إسلامية في الاشتراكية الثورية
[141] انظر المقدمة الرائعة التي كتبها سيد قطب في أول كتابه " خصائص التصور الإسلامي "
[142] لقد تحدث د/ علي العلياني في كتابه " أهمية الجهاد " عن تلك الدعاوى ونقدها بشيء من التفصيل والبيان
[143] انظر كتاب دراسات في السيرة لمحمد سرور زين العابدين وكتاب تنبيه الأنام لمخالفة شلتوت الإسلام للشيخ عبد الله بن يابس - رحمه الله - حيث نقدا هذه الفكرة الخاطئة .
[144] انظر كتاب العصريون معتزلة اليوم ليوسف كمال .
[145] انظر كتاب منهج العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي ، وكتاب دراسات في السيرة النبوية لمحمد سرور زين العابدين .
[146] من باب الفائدة لك - أخي القارئ - فإليك بعض الكتب الجيدة التي تحدثت عن هذا المنهج العقلاني على سبيل العرض والنقد - المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده وطارق عبد الحليم / ومفهوم تجديد الدين لبسطامي محمد سعيد / ومنهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي / ودراسات في السيرة النبوية لمحمد زين العابدين / والولاء والبراء لمحمد القحطاني / وأهمية الجهاد لعلي العلياني / والعصريون لمحمد حسين رحمه الله / ومذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب / والفكر الإسلامي المعاصر لغازي التوبة / والمستشرقون ومن تابعهم وموقفهم من ثبات الشريعة لعابد السفياني / وغزو من الداخل لجمال سلطان .
=================(27/269)
(27/270)
ستار أكاديمي (2) الدياثة بثياب عربية
فغيرُ غائبٍ عن البال ما كان يعيشهُ العربُ إبّان العصورِ الجاهليةِ الغابرة، من الفسادِ العقدي، والانحلالَ الأخلاقي، والتشتتَ الأسري المُريع!
فعبادةُ الأوثان، وتقديسُ الأصنام، سمةٌ بارزةٌ لعربِ الحجاز والجزيرةِ آنذاك، وتعاطي الفواحش، وشُرب المُسكرِ، كان محلُ حفاوةَ المجتمعِ وترحيبه,
وحسبنا شاهداً لما نقولُ ، ما أخرجهُ البخاري وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : (( إنَّ النكاحَ في الجاهليةِ كان على أربعةِ أنحاء، فنكاحٌ منها نكاحُ الناسِ اليوم، يخطبُ الرجلُ إلى الرجلِ وليتهُ أو ابنته فيُصدقها ثمَّ يُنكحها، ونكاحٌ آخرَ كانَ الرجلُ يقولُ لامرأتهِ إذا طهُرت من طمثها، أرسلي إلى فلانٍ فاستبضعي منه، ويعتزلُها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملُها من ذلك الرجلِ الذي تستبضعُ منه، فإذا تبين حملُها أصابها زوجُها إذا أحب، وإنَّما يفعلُ ذلك رغبةً في نجابةِ الولد، فكان هذا النكاحُ نكاحُ الاستبضاع، ونكاحٌ آخر يجتمعُ الرهطُ ما دون العشرةِ فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومرَّ عليها ليالٍ بعد أن تضع حملَها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجلٌ منهم أن يمتنعَ حتى يجتمعوا عندها، تقولُ لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنُك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق بهِ ولدها، لا يستطيعُ أن يمتنع منهُ الرجل، ونكاحُ الرابع يجتمعُ الناسُ الكثير، فيدخلون على المرأةِ لا تمتنعُ ممن جاءَها، وهُنَّ البغايا كنَّ ينصبنَ على أبوابهنَّ راياتٍ تكونُ علماً، فمن أرادهُنَّ دخل عليهنَّ، فإذا حملت إحداهُنَّ ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثُمَّ ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطَ به ودُعي ابنهُ لا يمتنعُ من ذلك، فلمَّا بُعث صلى الله عليه وسلم بالحق، هدمَ نكاحُ الجاهليةِ كلهِ إلا نكاح الناس اليوم )) .
إنَّ هذه الروايةَ الدقيقة، لتصورُ بجلاءٍ الحالَ المزرية، وطبيعةُ الإسفافِ التي آل إليها أمرُ القومِ في جاهليتهم البغيضةِ المنتنة !!
فهل بعد هذه الدياثةِ والزنا الجماعي من شيءٍ يمكنُ أن يُفخر به في منظومةِ الأخلاق والصيانة الأدبية ؟!
وحتى لو سجّل لنا التاريخُ في المقابلِ غيرةَ بعض العرب على بناتهم، لدرجةِ ( الوأد ) الشهير، فإنّ تيارَ الإباحيةِ والمجون، ظلَّ هادراً مرعباً، لا يقومُ له شيء!
حتى إذا ما أشرق الإسلامُ بسراجه الوهّاج فوق جبال مكة والحجاز، وفاضت أنوارهُ على جزيرةِ الإسلام، إذا بتيار الرذيلةِ يتوارى سريعاً، وينقلبُ خاسئاً وهو حسير.
فكان البديلُ المنطقي، والوريثُ الشرعي لتلك الحالةِ النشاز، من الخلاعةِ والمجون، هو بساطُ الفضيلةِ والحشمةِ، الذي ملأ أرجاءَ الأرضِ العربيةِ الأصلية، والمفتوحةِ معاً.
وإذا بالعربي الذي كان يبعثُ بامرأته إلى رجلٍ أجنبي، تستبضعُ منهُ بكلِّ صفاقةِ وجهٍ ودياثة، ينتفضُ غيرةً وحمية، حين تخيَّلَ امرأتهُ تحت رجلٍ ماجنٍ خائن، يمارسُ معها السفاحُ والفجور.
فهذا سعدُ بن عبادة - رضي الله عنه - يقولُ : يا رسول الله ، لو رأيتُ رجلاً مع أهلي، لا أمسّه حتى انطلق فآتي بأربعةِ شهود ؟
قال : نعم ، قال : لا والذي بعثك بالحق إن كنت لآخذُ به بالسيف غير مصفح!!
فقال : عليه الصلاة والسلام : ( أتعجبونَ من غيرةِ سعد ؟ إنَّه لغيور، وأنا أغيرُ منه, واللهُ أغيرُ منّي !! ) متفق عليه .
الله أكبر!! ما أروعَ الإيمانَ ! وما أجملهُ! حين يلامسُ شغافَ القلوب، ويسكنُ أعماقَ الضمائرِ الحيَة، فيصنع من الإنسانِ كائناً فريداً في أخلاقهِ وقيمه، وعظيماً في مبادئهِ وعقائده، فيمتلئُ غيرةً وأنفةً، من رأسهِ حتى أُخمص قدميه، لا على أهلهِ ومحارمهِ فحسب، بل على كلِّ امرأةٍ مسلمة، وإن نأت بها الديارُ، أو بعدت بها البلاد !
ولقد حولَّ الإسلامُ العربَ، إلى أمةٍ ذات وزنٍ وقيمة، وذات سيادةٍ وريادة، بين الأممِ قاطبةً، بل أمةً متميزةً، عقيدةً وأخلاقاً وقيماً، يندرُ مجاراتُها بتميزها ذاك!
ويخطئُ من يتصورُ أنّ للعربِ قبلَ الإسلامِ مجداً ذا بال، أو حضارةٍ ذات معنى، بل العكسُ هو الصحيحُ، فقد كانوا محلّ ازدراءٍ، وامتهان أممِ الأرض، وتربعوا بجدارةٍ في أدنى مراتبَ السُلّمَ الحضاري والمدني !
واليومَ حين تخلَّى العربُ عن الإسلامِ عقيدةً ومنهجاً وأخلاقاً، عادَ الفجورُ عربياً كما بدأ، وأطلَّت الدياثةُ بوجهها القبيحِ عربيةُ الملامح، عربيةَ اللغةِ، عربيةَ السوأةِ !!
فها هي القنواتُ العربيةُ الفضائية، تُمطرنا أربعاً وعشرين ساعةً، طوالَ العامِ، ببرامجَ الرذيلةِ والمجون، ومسلسلاتِ الخنا والفحش، وأغاني العُهرِ والفساد.
مكمِّلةً بذلك الدورُ الذي ابتدأتهُ القنواتُ الأرضية، لعُقودٍ طويلةٍ من الزمن بمشاركة المسرحُ والإذاعات، والمجلةُ والرواية !!
حتى كانت ثالثةَ الأثافي، وقاصمةَ الظهرِ، ذلك البرنامجُ الدياثيُّ الماجن " ستار أكاديمي " الذي عرُض قبلَ أشهُرٍ، ويُعادُ عرضهُ هذه الأيام، في حلقته الثانية.(27/271)
وهو برنامجٌ يفوقُ في خستهِ وفُحشه، وجرأتهِ البالغة على اللهِ والدينِ والقيم، جرأةَ الديوثين الجاهليين، الأنفَ ذكرُهم في حديثِ عائشة .
ففي " ستار أكاديمي " يجتمعُ شرذمةٌ من الزناةِ والزواني، في بيتٍ واحدٍ، وتحت سقفٍ واحد، ويُصورُونَ على الهواءِ مباشرةً، ويطالعُهم ملايينَ المفتونين والفارغين، ومحبي الفاحشةِ وعديمي الخوفِ من الله .
في هذا البرنامجِ الخليع ، يرتدَّ العربي إلى أسفلَ سافلين، ويعودُ عربياً فاجراً، بعد أن رفعهُ الإسلامُ لأعلى عليين، وصورَهُ ربَهُ في أحسن تقويم !
يرتدَّ العربيُّ وينتكس، ويفقدَ كرامتهُ حين تخلى عن سرّ تفوقه، ومبعثَ عزَّته، وأساسَ مجدهِ، وهو الإيمانُ الراسخُ، والعقيدةُ الصافيةُ النقية !
وهو إن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على أنَّ العربي لا يقلُّ خُبثاً ولا شراً عن غيرهِ من البشر، حين يتجردَ من إسلامهِ ومبادئهِ السامية، وهو ما نلمسهُ بجلاءٍ في هذه الدعارةِ الفضائية، التي تُقدمُها بكلِّ وقاحةٍ وسفاهة، قنواتُ البثِّ العربيةِ، والتي تُعدُّ بالمئات، وتتسابقُ في إغواءِ المشاهد المسلم، وتأجيجَ الشهوةِ في صدورِ المراهقين، وقتلَ الغيرةِ والشهامةِ في نفوسِ الجماهير المُضللة المستغفلة .
إنَّ أفلامَ الدعارةِ والجنس، المنتجةِ في أوربا وأمريكا، والتي أغرقتِ العالم، وأفسدت الدنيا، وتدهدهت من هولها الجبالُ والشجرُ والدواب، قابلةً لأن تُقدمَ هذهِ المرةِ بثيابٍ عربية - استغفر الله - أقصدُ بأجسادٍ عربيةٍ عاريةٍ من الثياب، والقيمِ والأخلاق، وهكذا كانَ في " ستار أكاديمي " الذي ما أظُنُهُ إلاَّ المرحلةَ الأخيرةِ قبل إتمامِ تصويرَ الفاحشةِ الكُبرى، بأجسادٍ عربيةٍ- عياذاً بالله .
ولسنا نعجبُ في الواقعِ من جرأةِ القائمين والمشاركين، في هذا البرنامج الخسيس الخليع، فلستُ أشكُ بأنَّهم حُفنةً من الماسونيين العرب، وفي أحسنِ أحوالهم شرذمةٌ من الإباحيين الشهوانيين، الحاقدين على أخلاقِ الأمةِ وشبابها، المتاجرين بقيمها ومبادئها العليا.
لكنَّ العجبُ لا ينقضي من أُسرٍ مسلمةٍ، ذاتَ شرفٍ وسُمعة، يأذنونَ لقنواتٍ إباحيةٍ كهذه، بالدخولِ إلى منازلهم، ويتحلقُ حولَ عُروضها الماجنةِ، ذواتُ الخدور، وشبابُ الأمةِ المجبولِ على الدين والعفة .
ولسنا نرى كبيرَ فرقٍ بين من علمَ مقاصدَ وأهدافَ هذا البرنامجُ وأمثاله، من برامجِ الخنا والفاحشة، ثمَّ أصّر على مطالعةِ أهلهِ وأولاده وبناته لهذه الفواحشِ، وبين من قامَ بإنشاءِ محطةَ البثِّ نفسها، ونفَّذَ البرنامجَ وموّله، حتى أطلَّ بوجههِ القبيحِ، وسوءَتهِ المشبوّهة.
كما أننا لا نرى أيُّ حرجٍ حين نَصمُ كلّ من رضي لأهلهِ ومحارمه بمطالعة " ستار أكاديمي " وأشباههِ بالدياثةِ وذهابَ الغيرةِ، إلى درجةٍ فاقت الخنازير، في ذوبانِ الغيرةِ واضمحلالها- فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون .
إننا ندعو الجميعَ إلى التوبةِ من مطالعةِ هذه الفضائياتِ المُدمرة، وهذه البرامجُ على وجهِ الخصوصِ، وإلاَّ فليتربصَ الجميعُ بعقوبةٍ لا تُبقي ولا تذر
((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (لأنفال:25).
وعلى من ولاهُ اللهُ أمراً من أمورِ المسلمين، أن يقومَ بدورهِ المُمكن، وواجبهِ المشروع، في كفِّ هذا البلاءِ عمن يستطيعُ ممن استرعاهُ الله أمره، ولنكن على ذكرٍ، بأنَّ اللهَ تعالى يغارُ، وغيرتُه أن يأتي المؤمنُ ما حرمَ اللهُ عليه.
ألا ما أهونَ الخلقِ على الخالقِ إذا هم عصوا أمره.
===============(27/272)
(27/273)
الماسونية
محمود عوض
معلوم أن اليهودية دين مغلق بمعنى أنه لا يدعو الناس إلى الدخول فيه ، ولكن اليهود احتالوا أن يجعلوا كل الناس يهوداً عملياً دون أن يعلنوا ذلك أو يصرحوا به ، بل يكفي أن يعمل الواحد من الناس على تحقيق أهداف اليهود في السيطرة على العالم بالوسيلة التي يراها اليهود مناسبة ، فيتهود بذلك الناس دون حاجة لإطلاق اسم يهود عليهم وهم وإن لم يبلغوا هذه الغاية إلا أن لهم وسائلهم في ذلك ومنها الماسونية والروتاري والليونز وغيرها وحديثنا هنا عن الماسونية .
…
ما هي الماسونية ؟ الماسونية هي منظمة يهودية سرية تعمل في خفاء على تحقيق مصالح اليهود الكبرى وتمهد لقيام دولة إسرائيل الكبرى ، والماسونية كلمة خداعة توهم السامعين بأنها مهنة شريفة فهي تعني البنّاء الحر ، والواحد منهم يسمى " فري ماسون " أي البنّاء الحر الذي يبني أو يساهم في بناء هيكل سليمان ، وهو عند اليهود - يعني الهيكل - رمز للسيطرة على العالم .
ويبدو أن نظرة أهل الشام والعراق للماسونية كانت أصوب وأصح من نظرة أهل مصر ، فأهل مصر كانوا ينظرون إليها بنظرة محترمة ومكانة عالية ، وكان الانتساب إليها شرف كبير عندهم - ليسوا كلهم سواء - أما أهل الشام والعراق فكانت الماسونية بمثابة تهمة وشتمة من الشتائم والسباب ، ولكن نظرة أهل مصر تغيرت منذ عام 1964م ، حينما أصدرت الحكومة المصرية قراراً بإغلاق المحافل الماسونية، وحذت حذوها بعد ذلك حكومات الدول العربية والإسلامية - عدا لبنان - ، وعجيب أن الماسونية في القرون الوسطى لم تسمح بضم أعضاء من اليهود ، ولكنها ما لبثت - في القرن التاسع عشر - أن أصبحت مؤسسة صهيونية خالصة ، يقول الحاخام د. إسحق وايز عن الماسونية : " وليس تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وشروطها إلا أفكاراً يهودية من البداية إلى النهاية " .
العلاقة بين الماسونية والصهيونية والرموز المشتركة بينهما
الذي يقرأ تاريخ الماسونية والصهيونية معاً يتولد لديه - من البداية - شعور بأنهما شيء واحد ، وهذه هي الحقيقة فكلاهما يدعو للآخر ، كما قدمنا في البداية ، وتتضح هذه العلاقة كما يقول الأستاذ علي السعدني في كتابه " أضواء على الصهونية " من خلال اتفاقهما في أمور كثيرة منها :
1 ـ أن كلاً منهما يرسم في الظلام ويخطط في السر ويعمل من وراء الستار ويراقب في الخفاء ، كما هي عادة المجرمين الذين يفكرون في الجريمة وينفذونها في السر .
2 ـ أن الماسونية والصهيونية وليدة شرعية لليهودية تستمد منها أصولها من التلمود وتنفذ تعليماته ، وتعمل لها في السر والخفاء .
3 ـ تتفق الماسونية مع الصهيونية في عداء كل منهما للأديان غير اليهودية ، ويجب التذكير هنا بأن منظّر الماسونية الحديثة الأول - جيمس أندرسون - كان يهودياً .. وقد انضم اليهود - كما هو معلوم - إلى الماسونية في القرن التاسع عشر .. ، ويعترف محرر مادة الماسونية في دائرة المعارف اليهودية مفاخراً بأن اليهود هم أول من أدخلوا الماسونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
ومن الأشياء التي تثبت العلاقة بين الماسونية والصهيونية أو اليهودية بعض الرموز التي تتبع في الطقوس الماسونية من كلمات مثل :
بوغز : وهو رمز لأحد أجداد سليمان عليه السلام .
جيكين : وهو ابن شمعون بن يعقوب .
شبولت : معناها سنبلة .
ومن الأسماء مثل :
فالج بن عابر : الذي يزعم اليهود أنهم من نسله .
نواح بسائيل : الذي صنع لموسى تابوت العهد .
أوبيل : الذي قاد الشعب مع زروبابل من السبي البابلي إلى أرض كنعان .
والتقويم عند الماسون هو نفسه تقويم اليهود ، ويلاحظ أن الشمعدان السباعي - وهو أساس في معابد اليهود - يوجد في جميع المحافل الماسونية ، وهو يرمز - بصفة أساسية - إلى السنين السبع التي أتم فيها سليمان بناء المعبد ، وتوجد في محافلهم أيضاً حية مثلثة الرأس ينصبون لها تمثالاً وترمز إلى التنين الذي يجب على الماسوني قطع رؤوسه الثلاثة ( السلطة الدينية - السلطة المدنية - السلطة العسكرية ) التي لا تؤيد اليهودية العالمية ، وهناك رموز أخرى كثيرة ، وما ذكرناه هو أهمها .
شعار الماسونية
1- الحرية ، وتحارب باسمها الأديان ( عدا اليهودية ) .
2 ـ الإخاء وتحاول به كسب الود لليهود .
3 ـ المساواة وتنشر بها الفوضى السياسية والاقتصادية وتروج للشيوعية .
الأسس والأصول الفكرية والعقائدية
أسسها هيرودس أكريبا - ت 44م - وهو ملك من ملوك الرومان بمساعدة مستشاريه اليهود
ancho r _banne صلى الله عليه وسلم gif (3541 bytes)
…
( جيران أبيود - مو آب لامي ) ، ولقد قامت الماسونية منذ أيامها الأولى على المكر والتمويه والإرهاب حيث اختاروا رموزاً وأسماء وإشارات للإيهام والتخويف وسموا محفلهم ( هيكل أورشليم )
للإيهام بأنه هيكل سليمان عليه السلام ، والماسونية تقوم على الكفر بالله ورسله وكتبه والكفر بكل الغيبيات ، وتقوم كذلك على كل ما من شأنه هدم كل القيم والأديان والأنظمة والحكومات والأشخاص وصولاً إلى السيطرة على العالم بحكومة خفية تحرك الدول والحكومات الظاهرة وكأنها قطع من الشطرنج .(27/274)
ولذلك اعتبرها الباحثون أقوى منظمة سرية في نفوذها ، وهي من شر مذاهب الهدم التي تفتق عنها الفكر اليهودي ، وإن كان الوهن قد بدأ يدبّ في أوصالها ، ولكنها لما تضعف بعد .
مراتب الماسونية
تنقسم الماسونية إلى ثلاث مراتب هي :
1. الماسونية الرمزية : وتبلغ درجاتها ثلاثاً وثلاثين درجة يترقاها العضو درجة بعد درجة بمقدار إخلاصه للماسونية والدعوة إليها ، حتى يصل إلى أقصاها بانحرافه التام عن دينه ووطنه وعقيدته وخلقه القويم .
2. العقد الملوكي : وهي المرتبة الثانية وأكثر أعضائها من اليهود ، ويطلق عليهم الرفقاء ومن مشاهير الرفقاء : الرفيق لينين والرفيق ستالين والرفيق تروتسكي والرفيق بريجنيف ، ولا يسمح لغير اليهود بالدخول في تلك المرتبة إلا لمن باع دينه بدنيا الماسونية والانحراف والكفر والإلحاد .
3. الماسونية الكونية : وهذه أرقى مراتب الماسونية ، وكافة أعضائها من اليهود ، ويطلق عليهم اسم
( الحكماء ) ورئيس هذه المرتبة يطلق عليه ( الحكيم الأعظم ) وهذا الحكيم هو مصدر السلطات لجميع المحافل الماسونية ولا يعرف أحد أعضاء هذه المرتبة ولا مركز نشاطها - كما يقول الدكتور أحمد شلبي - وتربط بين هذه المرتبة وباقي المراتب اتصالات سرية محدودة جداً وغامضة .
الأهداف القريبة والبعيدة للماسونية :
جاء في مؤتمر المشرق الأعظم الفرنسي سنة 1923م : " الماسونية هي الجمعية التي تعمل في الخفاء للاستيلاء على العالم عن طريق بث أفكارها وإن غايتنا هي تطعيم أكبر مجموعة من الكتل البشرية بأفكارنا وأن تقبل أفكارنا يكون مبعثاً لارتياحنا "، وفي البيان الماسوني المؤرخ سنة 1744م : " إن غاية الماسونية - كما أوضحها قبل نصف قرن - هي تأسيس جمهورية ديمقراطية عالمية وهي بذلك تتخذ الوصولية والنفعية أساساً للاتحاد الماسوني " .
الوسائل لتحقيق تلك الأهداف
1. مراقبة حركات الدول والحكومات والجماعات والأفراد والهيئات والمؤسسات والجمعيات والنوادي وغيرها التي تلحق الضرر بإسرائيل .
2. رصد ما يقال ويكتب وينشر لمحاسبة القائلين ، وهذا يعني السيطرة على الإعلام.
3. الخداع والتمويه لجميع الأمم .
4. متابعة ورصد الأعداء بكل وسيلة ، وهذا يفسر التصنت والتجسس .
5. استغفال واستخدام الأمم والشعوب والأفراد بأي وسيلة .. بالمال بالنساء بالإرهاب .. بأي شيء .
خاتمة
وبعد فقد رأينا من حال هذه المنظمة السرية الهدامة ، وهي تعمل ليل نهار في صمت وخفية لتقوض بنيان الدين والأخلاق والإنسان ، فما بالنا نتخاذل عن مقاومتها ونسارع في الإنضمام إليها ؟ وكأنها الخلاص لنا ، وهي الموت الزؤام بعينه ، وما بالنا وهذه منظمة واحدة فكيف إذا اجتمعت المنظمات ( الأكلة ) على الفتك بالأمة ( القصعة المتخاذلة ) فالتهمتها ؟ فعلى أي شيء نبكي بعد ذلك .
مصادر هذه المقالة
1. معجم ألفاظ العقيدة - عامر عبدالله .
2. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة .
3. الماسونية تحت المجهر - د. إبراهيم فؤاد عباس .
4. الإسلام والحركات الهدامة - معالي عبدالحميد حموده .
مركز الفتوى
=============(27/275)
(27/276)
موقف المسيحية والإسلام من الماسونية
بقلم : إبراهيم فؤاد عباس
ارتبط ظهور الماسونية الحديثة وانتشارها بالبروتستانية وليس هنالك أدنى شك في أن " مارتن لوثر " كان ماسونياً .. وهنالك انسجام تام بين الماسونية والبروتستانية ، مثلما هو الأمر بالنسبة للبروتستانية والصهيونية .
وهناك ما يدل على أن الماسونية ضد الأديان بصفة عامة :
1. ففي مؤتمر الطلاب الذي انعقد في سنة 1865م في مدينة ( لييج ) التي تعتبر إحدى المراكز الماسونية في العالم - أعلن الماسوني المشهور LAFA r GE في الطلاب الوافدين من ألمانيا وأسبانيا وروسيا وانجلترا وفرنسا قائلاً : يجب أن يتغلب الإنسان على الإله ، وأن يعلن الحرب عليه ، وأن يخرق السماوات ويمزقها كالأوراق .
2. وجاء في مضابط مؤتمر بلجراد الماسوني سنة 1911م : " يجب ألا ننسى بأننا ، نحن الماسونيين ، أعداء للأديان وعلينا أن لا نألُ جهداً في القضاء على مظاهرها .
3. وهذا هو زعيم الماسونية الفرنسية ، يقول في النشرة الرسمية : " إنا نحن الماسون لا يمكننا أن نكف عن الحرب بيننا وبين الأديان ، لأنه لا مناص من ظفرها أو ظفرنا ، ولا بد من موتها أو موتنا ، فالماسون لا يمكن أن يذوقوا طعم الراحة إلا بعد أن يغلقوا جميع المعابد ، ويحولوها هياكل لحرية الفكر وإله العقل "
4. وفي عام 1866م جاء في جريدة الماسون : " يجب على الماسون أن يقيموا أنفسهم فوق كل اعتقاد بالله أياً كان " .
وقد حارب بابوات الفاتيكان الماسونية منذ عام 1738م ( على عهد البابا كليمنت الثاني عشر ) الذي أصدر أول مرسوم يتعلق بالماسونية ، جاء فيه : " أفادتنا الأنباء عن تأليف جمعيات سرية تحت اسم " فرماسون " وأسماء أخرى شبيهة بهذا الاسم . ومن خواصها أنها تضم إليها رجالاً من كل الأديان والشيع ، يرتبطون فيما بينهم بروابط سرية غامضة ، وحسبنا شاهداً على أن اجتماعاتها الخفية هي للشر لا للخير ، وأنها تبغض النور ، وإذا كان هذا فكرنا في الأضرار الجسيمة التي تنجم عن هذه الجمعيات السرية فقد رأينا منها ما يوجب القلق ، سواء كان لسلامة الممالك أم لخلاص النفوس ، ومن بعد أخذ رأي إخوتنا الكرادلة ، ولعلمنا التام ، وقوة سلطتنا وحكمنا بأن هذه المنظمات ، والجماعات المعروفة باسم " الفرماسون " يجب رذلها ونفيها . وبناءً عليه نرذلها . ونشجبها بقوة هذا المنشور الذي نريد أن يكون مفعوله مخلداً .
وقد ظل موقف الفاتيكان ثابتاً إزاء الماسونية حتى عام 1965م ، عندما أصدر البابا بولس السادس أمراً يعطي للكهنة الحق بإلغاء كل قرار كنسي سابق تضمن الفرمان المسيحي بتجريم الماسوني . وقام بنفسه باستقبال مجموعة من أعضاء نادي " الروتاري " عام 1965م ليباركهم ناقضاً بذلك التعاليم البابوية التي تنص على أن : " المسيحي الذي ينضم لنادي الروتاري يتعرض إيمانه للشبهة " ، بيد أن موقف البابا بولس السادس من الماسونية كان منسجماً مع موقفه من اليهود عندما أصدر لهم " براءة " من دم المسيح .
موقف الإسلام
أما موقف الإسلام من الماسونية فقد تحدد بشكل قطعي في المؤتمر الإسلامي العالمي الذي عقد في مكة المكرمة تحت رعاية - المغفور له بإذن الله الملك فيصل رحمه الله - في المدة من 14 - 18 ربيع الأول سنة 1394هـ ، مارس 1974م ) حيث نص القرار الحادي عشر من المقررات التي أوصى بها المؤتمر في ختام انعقاده على ما يلي :
( الماسونية جمعية سرية هدامة لها صلة وثيقة بالصهيونية العالمية التي تحركها وتدفها لخدمة أغراضها ، وتنشر تحت شعارات خداعة كالحرية والإخاء والمساواة وما إلى ذلك ، مما أوقع في شباكها كثيراً من المسلمين ، وقادة البلاد ، وأهل الفكر . وعلى الهيئات الإسلامية أن يكون موقفها من هذه الجمعية السرية على النحو التالي :
1. على كل مسلم أن يخرج منها فوراً .
2. تحريم انتخاب أي مسلم ينتسب إليها لأي عمل إسلامي .
3. على الدول الإسلامية أن تمنع نشاطها داخل بلادها ، وأن تغلق محافلها وأوكارها .
4. عدم توظيف أي شخص ينتسب لها ، ومقاطعته مقاطعة كلية .
5. فضحها بكتيبات ونشرات تباع بسعر التكلفة .
وقد أكد المجمع الفقهي في دورته الأولى المنعقدة في مكة المكرمة في العاشر من شعبان 1398هـ ( 15/7/1978م ) على هذه التوصيات ، مع ملاحظة أنها - أي الماسونية - منظمة ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويها وتحويلاً للأنظار لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت أسماء أخرى إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما ، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة ، ومن أبرزها منظمة الأسود " ليونز " و" الروتاري " إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كلياً مع قواعد الإسلام وتناقضه مناقضة كلية ، لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الصهيونية وخطورتها ، وأهدافها - قرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين ، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله .
من كتاب " الماسونية تحت المجهر "
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام(27/277)
الباب الثامن ... 2
الماسونية ... 2(27/278)
(27/279)
الماسونية ... 2(27/280)
(27/281)
الماسونية ... 10(27/282)
(27/283)
تحالف الماسونية واليسارية في العالم الإسلامي ... 17(27/284)
(27/285)
الماسونية في المنطقة 245 بعث النار والحركة الماسونية الصهيونية ... 23(27/286)
(27/287)
أمريكا بين الماسونية المصدرة والصليبية المتبعة ... 31(27/288)
(27/289)
الغزو الماسوني للجاليات الإسلامية بالبرازيل ... 33(27/290)
(27/291)
الديانة اليهودية و علاقتها بالماسونية والصهيونية العالمية ... 39(27/292)
(27/293)
تحالف الماسونية واليسارية في العالم الإسلامي ... 54(27/294)
(27/295)
علاقة اليهودية بالماسونية ... 60(27/296)
(27/297)
الماسونية وخيوط العنكبوت ... 62(27/298)
(27/299)
الديانة اليهودية و علاقتها بالماسونية و الصهيونية العالمية ... 68(27/300)
(27/301)
الماسونية وبروتوكولات صهيون ... 73(27/302)
(27/303)
الماسونية الوجه الآخر للصهيونية ... 78(27/304)
(27/305)
العلاقة بين الماسونية والصهيونية ... 80(27/306)
(27/307)
الصهيونية والماسونية وجهان لعملة واحدة ... 85(27/308)
(27/309)
الماسونية وهيكل سليمان المزعوم ... 89(27/310)
(27/311)
على هامش الماسونية ... 91(27/312)
(27/313)
جذور الماسونية ... 99(27/314)
(27/315)
الماسونية في سطور ... 103(27/316)
(27/317)
الإرهاب الأمريكي البداية والنهاية ... 105(27/318)
(27/319)
السنن الاجتماعية الإلهية في تغيير المجتمعات الإنسانية ... 137(27/320)
(27/321)
التوازن بين (القدرة والطموح) ... 146(27/322)
(27/323)
كيف يُضطّهد الرأي في بلد الحرية ؟ ... 149(27/324)
(27/325)
حوار مع مدير المدارس الإسلامية بأستراليا ... 155(27/326)
(27/327)
القرآنيون ..انحراف فكري أم مدلول سياسي؟! ... 160(27/328)
(27/329)
الشيخ صادق عبدالماجد: ... 162
اتفاق القاهرة أمرٌ دُبِّر بليل (1/2) ... 162(27/330)
(27/331)
وعي مفقود في الخبرة الإسلامية المعاصرة ... 177(27/332)
(27/333)
حملة صليبية... وليست غزوة حضارية ... 181(27/334)
(27/335)
"الماسونية" في تركيا..غموض وخفايا! ... 185(27/336)
(27/337)
بروتوكولات حكماء صهيون ... 189(27/338)
(27/339)
حول نقد أفكار رواد النهضة ... 192(27/340)
(27/341)
د. عويس: أمّتنا قادرة على المواجهة ... 195(27/342)
(27/343)
حكم الماسونية والانتماء إليها ... 201(27/344)
(27/345)
الصّحوةُ تزعجُ مَنْ؟ ... 203(27/346)
(27/347)
"أيدلوجيا النهضة في الخطاب العربي المعاصر" ... 207(27/348)
(27/349)
الفلاح الجديد ... 210(27/350)
(27/351)
مفتي ألبانيا: التنصير ينهش الجسد الألباني المسلم ... 215(27/352)
(27/353)
مع الأكابر (1) ... 220(27/354)
(27/355)
الخطاب الإسلامي المعاصربين الثابت والمتغير ... 224(27/356)
(27/357)
الماسونية ..حركة تحرر من الأخلاق والدين ... 234(27/358)
(27/359)
الماسونية تتخلى عن غموضها في بريطانيا ... 242(27/360)
(27/361)
مفاهيم الماسونية تناقض الإسلام ... 243(27/362)
(27/363)
لأفغاني ومحمد عبده والماسونية ... 244(27/364)
(27/365)
حكم طباعة أوراق وتصميم شهادات تتعلق بالماسونية ... 245(27/366)
(27/367)
ملتقى ربوة الرياض وحاجة المجتمع ... 246(27/368)
(27/369)
الأمم المتحدة والولايات المتحدة.. روما العصر ... 247(27/370)
(27/371)
لعبة القط و الفأر ... 250(27/372)
(27/373)
الأدب النبوي في واقع حياتنا ... 251(27/374)
(27/375)
أطفالنا في خطر ... 256(27/376)
(27/377)
الإسلام أعطى المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في الغرب ... 259(27/378)
(27/379)
الرحمة النبوية.. منهج إنساني نادر* ... 260(27/380)
(27/381)
دفاعاً عن الفوزان ... 276(27/382)
(27/383)
رينيه جينو".. الصعود إلى النور ... 284(27/384)
(27/385)
هذه آثارهم فاعرفوها ... 290(27/386)
(27/387)
أربكان.. مهندس المحركات والحالة الإسلامية التركية ... 297(27/388)
(27/389)
رجال و رجال ... 306(27/390)
(27/391)
توحيد الكلمة على كلمة التوحيد ... 312(27/392)
(27/393)
تغريب المرأة المسلمة, كيف بدء ؟ ... 332(27/394)
(27/395)
حقيقة القوامة ودعاة التغريب ... 337(27/396)
(27/397)
معالم قرآنية في تاريخ اليهود ... 343(27/398)
(27/399)
الروتاري ... 349(27/400)
(27/401)
كيف تعرف العلماني ؟ و ما هي معتقداته ؟ ... 357(27/402)
(27/403)
أبناء العهد ( بناي برث) ... 360(27/404)
(27/405)
الليونز ... 365(27/406)
(27/407)
مكرُ الأعداء في القرآن الكريم ... 372(27/408)
(27/409)
ستار أكاديمي .. الدياثة بثياب عربية ... 380(27/410)
(27/411)
مقالات في المذاهب والفرق ... 385(27/412)
(27/413)
ستار أكاديمي (2) الدياثة بثياب عربية ... 424(27/414)
(27/415)
الماسونية ... 428(27/416)
(27/417)
موقف المسيحية والإسلام من الماسونية ... 432(27/418)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (9) التطبيع والصلح مع اليهود
الباب التاسع
التطبيع والصلح مع اليهود
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب التاسع
التطبيع والصلح مع اليهود(28/1)
(28/2)
التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيوني
تأليف: غسان حمدان
عرض: د. يوسف الصغيِّر
يعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة في هذا الموضوع؛ حيث إنه يجمع بين صغر الحجم نسبياً (256 صفحة من القطع المتوسط) وغزارة المعلومات والإحصاءات الموثقة المعروضة عرضاً جيداً من وجهة نظر إسلامية في عمومها ويتكون هذا الكتاب من مقدمة وسبعة فصول.
ففي المقدمة ألقى الضوء على كارثتين ابتليت بهما الأمة في هذا العصر وهما إلغاء الخلافة الإسلامية ودور التآمر اليهودي والصليبي فيها، والثانية اغتصاب فلسطين وإقامة دولة اليهود فيها وما تبع ذلك من استغلال العشرات من الحركات والأحزاب المنحرفة لهذه الأحداث وإعلانها الوصاية على الشارع الإسلامي بادعائها العداوة مع اليهود ومقاومة الوجود اليهودي في فلسطين على الرغم من مدهم الأيدي لهم في الخفاء.
ولبيان منحنى العلاقات الظاهرة بين العرب ودولة اليهود عقد الكاتب الفصل الأول حيث بيَّن أن الإجماع العربي الرسمي على رفض الاعتراف بالعدو كان شاملاً منذ العام 1948 وحتى هزيمة 1967م باستثناء موقف الرئيس التونسي بو رقيبة، وكانت المقاطعة من أبرز ملامح هذه الحقبة؛ حيث اتخذ مجلس الجامعة العربية في أيار 1951م قراراً بإنشاء مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل وقد أُنفقت أموال هائلة على جهاز المقاطعة، ولكنها لم تمنع تسرب البضائع الإسرائيلية إلى الدول العربية، وبالعكس وقد ازداد التسرب كثيراً بعد حرب 1967 م، فقد كان البترول العربي يستورد عن طريق طرف ثالث أو يفرغ مباشرة من الناقلات في عرض البحر، وكانت المنتجات الإسرائيلية تتسرب عن طريق دول مجاورة مثل إيران واليونان وقبرص، أو عن طريق مراكز تصديرية عالمية مثل تايوان وهونغ كونغ.
وبدأت مرحلة جديدة بعد زيارة السادات للقدس، حيث برز اصطلاح جديد وهو التطبيع، وقد استعمله اليهود كثيراً على الرغم من المغالطة في المفهوم؛ حيث إن التطبيع هو عودة العلاقات إلى سابق عهدها، بينما الأصل في العلاقة مع اليهود هو العداوة كما قال - تعالى -: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة: 82] ولا ينكر الساسة اليهود أن التصور الإسرائيلي للسلام مع العرب يدور حول فكرة أساسية هي تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية التي هي مرحلة من مراحل السيطرة اليهودية، ولا يمكن تصور أن زيارة السادات للقدس كانت وليدة خاطرة في ذهن الرئيس، بل إن الاتصالات الإسرائيلية كانت مستمرة بلا انقطاع مع أكثر من طرف عربي.
وما نشر وينشر من كتب موثقة حول لقاءات شخصيات وزعماء عرب مع زعماء اليهود يغني عن ذكر الأسماء، فالأمر أصبح واضحاً لكل ذي لب.
وهناك صلات ودية حميمة بين بعض الزعماء وزعماء (إسرائيل) وقد سمحت بعض السلطات لليهود والذين يهاجرون إلى (إسرائيل) - بالاحتفاظ بجنسية البلد الذي غادروه، وكثير من مسؤولي (إسرائيل) الآن هم من ذاك البلد وقد طالب زعيم هذا البلد - في مقابلة مع صحيفة (السياسة) الكويتية - بالاعتراف بإسرائيل واعتبارها (حارة) لليهود في الدول العربية!.
وإذا كانت الاتصالات الإسرائيلية المارونية ليست محل استغراب فإن الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية توضح إلى أي مدى وصلت إليه القيادة الفلسطينية؛ حيث اشتمل الكتاب على حقائق وإحصاءات كثيرة، ويجدر الإطلاع عليها فهي تحتوي على معلومات عن مفاوضات ولقاءات كثيرة سواء بين أفراد أو بين وفود، منها ما هو سري ومنها ما هو علني.
أما الاتصالات المصرية الإسرائيلية فقد جرت بشكل سري في عهد عبد الناصر تحت إشراف أمريكي، وجاء السادات ليكمل المسيرة فبدأ بعملية إعداد إعلامي لترويض الشعب المصري وتصوير كل المصاعب بسبب الصراع، وأن السلام سيجلب الثراء، وبدأت العملية العلنية بمبادرة السادات في مجلس الشعب يوم 9/11/1977م؛ حيث أعلن فيها رغبته في زيارة القدس (وغزو العدو في عقر داره)! وبعد جولات من المباحثات تم التوقيع على معاهدة كامب ديفيد التي تعتبر مثالاً يُحتذى لأي معاهدة قد تجري بين العرب و (إسرائيل)، فهي تتعدى كونها معاهدة سلام إلى معاهدة يتم بموجبها فتح المنطقة أمام النفوذ والسيطرة اليهودية، ويمكن تلخيص مظاهر التطبيع بالآتي:
1- التطبيع السياسي؛ حيث أرسيت علاقات دبلوماسية كاملة ولقاءات قمة متبادلة.
2- التطبيع الاقتصادي؛ حيث تمت إزالة جميع الحواجز بل أصبحت (إسرائيل) الدولة الأولى بالرعاية.
3- التطبيع الثقافي؛ حيث ينظر اليهود إليه على أنه الدعامة الرئيسة لبقاء السلام حيث يتم نزع العداء لليهود من العقل العربي.(28/3)
ومن مظاهر التطبيع يتبين لنا أهمية التطبيع الكبيرة بالنسبة للكيان اليهودي، حيث يتم كسر الحاجز النفسي بين المسلمين واليهود، وتنتهي المقاطعة العربية مما يفتح المجال لتوسع اقتصادي كبير في (إسرائيل) نتيجة فتح الأسواق العربية، وهناك أمر آخر هو أهمها وهو أن الاستقرار الأمني في المنطقة سيؤدي إلى سيل كثيف من هجرة اليهود إلى (إسرائيل)، مما يقرب اليهود من تحقيق حلم (إسرائيل) الكبرى؛ حيث إن قلة عدد السكان هو أكبر عامل يعرقل المشاريع اليهودية في المنطقة.
ويتبين من حرص اليهود على التطبيع بين مصر و(إسرائيل) عدة مظاهر خطيرة: منها استغلال الدين وتطبيعه حيث تم تصوير زيارة السادات للقدس بأنها إحياء لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في صلحه مع قريش، وسنة صلاح الدين في دخوله القدس وقد أصر اليهود على منع بث السور التي تتحدث عن اليهود وحذف الآيات التي تفضح اليهود من الكتب الدراسية، وكذلك منع البرامج الدينية التي تتناول قصص اليهود والواردة في القرآن، وأخيراً تأليب النظام على الحركة الإسلامية.
وبعد أن تم توقيع الاتفاقية الثقافية الملحقة بكامب ديفيد في 8/5/1980م أسرعت الحكومة المصرية وقامت بمراجعة شاملة لمناهج التعليم في مصر وتعديلها لتلائم المرحلة الجديدة، وبالطبع لم يتم شيء من هذا في الجانب اليهودي.
إن اليهود مصرون على تحقيق هدفهم مستعينين على ذلك بتواطؤ الحكومات العربية إضافة إلى جدهم وجَلدهم، فمنذ الأيام الأولى لتأسيس (إسرائيل) صرح بن غوريون في كلمة موجهة إلى الطلاب اليهود بقوله: (إن هذه الخارطة ليست خارطة شعبنا، إن لنا خارطة أخرى عليكم - أنتم طلاب المدارس اليهودية وشبابها - أن تحولوها إلى واقع...
يجب أن يتسع شعب (إسرائيل) من النيل إلى الفرات)!.
إن حلقات هذا المسلسل لن تنتهي إلا بتحقيق موعود الله - تعالى - لهذه الأمة على لسان نبيها بأن تحصل المجابهة النهائية بين اليهود وبين جند الإسلام؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود؛ فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتلْه.. ) رواه مسلم والترمذي.
فما يحصل الآن هو بشارة لهذه الأمة بعودة دولة الإسلام وإن الله جامع اليهود ليوم الملحمة.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============(28/4)
(28/5)
أبواب التطبيع الساخن
عبد الباري عطوان
فجأة، ودون أي مقدمات، انفتحت أبواب التطبيع على مصراعيها بين الحكومة المصرية والدولة العبرية، بدأت بالإفراج عن الجاسوس عزام عزام، ثم كرت في توقيع اتفاق المناطق الاقتصادية المشتركة، والاتفاق علي تواجد قوات مصرية علي الحدود مع قطاع غزة، واعادة السفير المصري الي تل ابيب، ويعلم الله اين ستنتهي هذه المسيرة، وما هي محطاتها المقبلة.
الحكومة المصرية التي اختار معظم أعضائها السيد جمال مبارك، تحاول تسويق الاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل على أنه إنجاز عظيم لمصر، وغزو غير مسبوق للبضائع المصرية للأسواق الاسرائيلية، وخلق فرص عمل لملايين العاطلين.
فقهاء التبرير في الحكومة المصرية احتلوا، وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية، شاشات التلفزة المصرية، واسهبوا بطريقة مبالغ فيها، في وصف فوائد هذا الاتفاق وتزيينها، وكادوا أن يقولوا أنه سيحل كل مشاكل مصر وأزماتها الاقتصادية، ويجعل الذهب ملقى في الشوارع ولا من يلتقطه تعففاً وثراء.
ولكن أبرز ما لفت نظري وأنا أتابع هذا المسلسل وأبطاله، هو ما قالته بروفسورة في الاقتصاد وعضوة في مجلس الشورى، من أن هذا الاتفاق، هو نقلة حضارية، تتمثل في فصل الاقتصاد عن السياسة، أسوة بما يحدث حالياً في الدول المتقدمة.
إن هذه الأستاذة الجامعية التي من المفترض أن يكون قد تخرج على يديها آلاف الاقتصاديين (وهذا ما يفسر تراجع الاقتصاد المصري ربما) ترتكب خطأ علميا فاضحا، وتمارس التضليل في أبشع صوره، وتتعامل مع أبناء مصر وكأنهم تلاميذ في الحضانة، ونسيت أنهم من أذكى شعوب الأرض، وعلى اتصال مع العالم وتطوراته عبر كل وسائل الاتصال المتاحة، وما أكثرها، وليس من بينها على أي حال قنوات الحكومة.
فاتفاق المناطق الاقتصادية هذا ليس فصلاً للاقتصاد عن السياسة، وانما تأكيد على دمجهما، ومن أجل تحقيق أهداف سياسية يأتي التطبيع علي قمتها. وربما يفيد التذكير ببعض النقاط الاساسية في هذا الاطار:
أولاً: أن اتفاق المناطق الصناعية المصري ـ الاسرائيلي هذا يأتي في اطار المشروع الذي أعلن عنه الرئيس الامريكي جورج بوش في مطلع هذا العام لإقامة منطقة تجارة حرة في الشرق الاوسط الكبير بحلول العام 2013 لتحقيق التبادل التجاري بين دول المنطقة، وبينها وبين الولايات المتحدة والدول الصناعية، ويؤدي إلى دمج إسرائيل كعضو أصيل في الكيان الشرق أوسطي الكبير.
ثانياً: يأتي هذا الاتفاق تجسيدا لمشروع شمعون بيريز في إلغاء الجامعة العربية، واستبدالها بالشرق أوسطية، وهو المشروع الذي بدأ الترويج له من خلال القمم الاقتصادية في الدار البيضاء وعمان والقاهرة والدوحة وافشلته الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي جاءت ردا على المجازر الاسرائيلية البشرية منها والاستيطانية في حق أبناء الشعب العربي الفلسطيني.
ثالثا: تسخين التطبيع المصري ـ الاسرائيلي، والفصل بين هذا التطبيع، وتحقيق أي تقدم على صعيد العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فالرئيس مبارك كان يربط دائما بين التطبيع الاقتصادي والتقدم السياسي، وطلب من رجال الأعمال المصريين المهرولين إلى تل ابيب أن يتريثوا، وأن لا يوقعوا أي اتفاقات تجارية مع نظرائهم الإسرائيليين كورقة ضغط على الحكومة الاسرائيلية، لدفعها للعودة إلى المفاوضات.
رابعاً: سيوفر هذا الاتفاق، وبعد توقيعه رسميا، الغطاء الشرعي لرجال الأعمال المصريين الذين سيتعاملون مع الدولة العبرية، فهؤلاء سيخرجون من جحورهم، ويخلعون عباءة السرية، وسيتعاملون علنا مع نظرائهم الإسرائيليين.
أنه اتفاق اقتصادي لتحقيق أهداف سياسية على درجة كبيرة من الخطورة، يأتي ترجمة عملية لاتفاقات كامب ديفيد بعد ربع قرن من توقيعها، ودون أن يتحقق السلام، سواء على الجبهة السورية ـ الاسرائيلية، أو على الجبهة الفلسطينية ـ الاسرائيلية!
ويظل السؤال المشروع هو عن أسباب انهيار كل السدود المصرية الرسمية أمام التطبيع الساخن مع اسرائيل دفعة واحدة، وفي مثل هذا التوقيت بالذات.
الإجابة ببساطة تتلخص في كلمة واحدة اسمها التوريث. فالسياسات المصرية والاقتصادية منها على وجه الخصوص، باتت مسخرة لتحقيق هذه المعجزة وتنصيب السيد جمال مبارك خديوي مصر الجديد.
فمن اللافت أن كل الضغوط الأمريكية لتحقيق الإصلاحات السياسية في مصر توقفت تماما بعد إشادة الرئيس مبارك بشارون كصانع سلام لا بد من اغتنام فرصة وجوده الذهبية من قبل الفلسطينيين لإنهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وبعد توقيع اتفاق المناطق الصناعية الاقتصادية الأخير، والإفراج عن الجاسوس عزام عزام.(28/6)
مصر على أبواب استفتاء رئاسي جديد، والرئيس مبارك يريده أن يتم دون ازعاجات من واشنطن ورجالاتها في مصر وخارجها، والطريق الأسلم في هذا المسار هو التطبيع وإخراج شارون من أزمته، وليس مهما أن يكون هذا التطبيع، وتحريض آخرين علي تبنيه في الخليج، على حساب مصر ودورها ومكانتها ومصالحها الاستراتيجية، بل المهم هو أن يفوز الرئيس المنهك بولاية جديدة تكون مقدمة لإعادة الملكية إلى المحروسة، ولكن عبر البوابة الإسرائيلية ـ الامريكية.
التاريخ: 07/11/1425
http://almokhtsa صلى الله عليه وسلم com المصدر:
-============(28/7)
(28/8)
على خطى ولد الطايع التطبيعية
رئيس المجلس العسكري الموريتاني التقي شالوم!
سيد أحمد ولد باب
أعلنت مصادر موريتانية رسمية أن رئيس المجلس العسكري الحاكم العقيد علي ولد محمد فال قد التقى يوم الأربعاء 16 نوفمبر الحالي في تونس وزير الخارجية الصهيوني سلفان شالوم، على هامش القمة الثانية لمجتمع المعلومات، وحسب المصادر نفسها فإن اللقاء تناول سبل تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين، وكان رئيس المجلس العسكري قد أكد في وقت سابق على أن العلاقة مع (إسرائيل) باقية على ماكانت عليه! مخيباً آمال الموريتانيين الذين عولوا على المجلس الجديد بعد الانقلاب في قطع العلاقات مع العدو الصهيوني، ومن جهته أصدر الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن فلسطين والعراق بياناً أدان فيه اللقاء بشدة، معتبراً اللقاء تنكراً واضحاً لعدالة القضية الفلسطينية واستهتاراً بمشاعر الشعب الموريتاني الذي انتفض على بكرة أبيه احتجاجاً على زيارة الوزير المشؤومة في مايو الماضي، وجاء في البيان:
بعد ما استبشر الجميع خيراً بتغيير الثالث من أغسطس، على أنه بداية لكسر الطوق الذي ضربه النظام البائد على دبلوماسيتنا الشريفة بالتمادي في تلك العلاقات المشينة مع الكيان الصهيوني فوجئنا بمشاركة رئيس المجلس العسكري في قمة التطبيع الأخيرة بتونس.
وأضاف البيان أن "الرباط الوطني إذ يدين هذه الخطوة التطبيعية في هذا الظرف الحساس يرى أنه ما من سبيل لإنجاح المرحلة الانتقالية سوى قطع العلاقات المرفوضة مع الكيان ووقف قطار التطبيع البغيض"، كما يطالب بـ:
1 - استفتاء شعبي حول العلاقات المشبوهة مع الكيان.
2- يهيب بالقوى الحية في هذا المجتمع للتحرك بشكل عاجل لمحو العار الذي جلبته العلاقات مع الكيان، ولإعطاء الصورة الحقة لشعب المنارة والرباط الرافض للتطبيع، المستخف بدعاة التركيع والمهرولين.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
==============(28/9)
(28/10)
باكستان تهرول نحو ( إسرائيل ) ...
أين أنتِ يا لاءات الخرطوم؟
حسن عبد الحميد
إثر اللقاء المشئوم الذي تم يوم الخميس الماضي في اسطنبول بين وزير الخارجية الباكستاني خورشيد قاصوري، ووزير الخارجية (الإسرائيلي) سيلفان شالوم أُعلن في مؤتمر صحفي للوزيرين عن قيام علاقات دبلوماسية بين باكستان (وإسرائيل)، والمبرر القبيح الذي ساقه وزير الخارجية الباكستاني (لفعلته) تلك أن (إسرائيل) قد انسحبت من غزة !!! ويلاحظ أن تركيا بلد آخر خلافة إسلامية قد اختيرت للإعلان عن هذه العلاقة في ظل العلاقات الجيدة التي يتمتع بها الكيان الصهيوني مع تركيا، وفي نفس المؤتمر كشف (شالوم) عن اتصالات سرية مع بعض الدول العربية بغرض إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني!!
وبدخول باكستان مجال التطبيع مع الكيان الصهيوني، تكون أكبر البلاد الإسلامية ذات الثقل السكاني والعسكري والسياسي قد أقامت علاقات دبلوماسية مع الكيان الغاصب، بعد أن سبقتها إلى ذلك المجال كل من مصر وتركيا، بالإضافة إلى دول عربية أخرى أقل ثقلاً تربطها مع (إسرائيل) علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مثل الأردن وقطر وسلطنة عمان وموريتانيا.
والذي لم يستطع أن يستوعبه ويتعامل معه الساسة وولاة الأمور في عالمنا الإسلامي اليوم أن الصراع مع (إسرائيل) صراع وجود لا صراع حدود، وانسحاب (إسرائيل) من أي جزء من أراضي فلسطين لا يعطيها الحق في بقية الأراضي، فضلاً عن أن تُكافأ بإقامة العلاقات الدبلوماسية معها، وعند ما يغيب البعد العقائدي في التعامل مع مثل هذه القضايا؛ يبحث البعض عن مبررات واهية لتغطية عجزهم ووهنهم كما قال المتنبي:
يرى الجبناء أن العجز حزم *** وتلك خديعة الطبع اللئيم
وفي العصر الأمريكي وموسم الهرولة الجماعية والفردية نحو (إسرائيل) يجدر بالعرب والمسلمين أن يتمسكوا جيداً بلاءات الخرطوم التي قررت في حزم وعزم في العام 1967م أن لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف (بإسرائيل). والذين يظنون أن التطبيع وإقامة العلاقات مع (إسرائيل) يمكن أن يحقق لهم أي قدر من المكتسبات؛ عليهم أن يراجعوا جيداً ملف الدول التي سبقت في هذا المضمار، ويجردوا جيداً حجم الخسائر التي حاقت بهم في مختلف المجالات.
إن زوال (إسرائيل) يظل وعداً قرآنياً يتحقق بإذن الله تعالي بغض النظر عما يقترفه المهرولون، قال تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً* فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً* ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً ) الإسراء: 4 ـ 7
http://www.meshkat.net المصدر:
-===========(28/11)
(28/12)
قمّة الجزائر والتطبيع مع الكيان الصهيوني
يحي أبو زكريا
13/2/1426هـ
على الرغم من التداعيات الخطيرة التي يعيشها الراهن العربي والإسلامي، ورغم مشهد الانكسارات والانفجارات السياسية في أكثر من جغرافيا عربية وإسلامية؛ إلاّ أنّ قمّة الجزائر تناست كل هذه الهموم المركزية، والقضايا الكبرى التي ستحوّل الممالك العربية مشرقاً ومغرباً إلى جغرافيا مدوّلة سياسياً وعسكرياً حسب الأجندة الأمريكية، وراحت تبحث عن مشروع التطبيع مع الكيّان الصهيوني، حيث أصبحت الورقة الأردنية حاضرة بقوة في كواليس القمة، والتي ناقشها وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعاتهم الماراثونية، والعجيب أنّ الأردن طرح ورقة التطبيع الكامل مع الكيّان الصهيوني بعد زيارة قام بها الملك عبد الله إلى واشنطن، الأمر الذي جعل المراقبين يربطون بين هذه الورقة ومناخ اللقاء بين الملك عبد الله والرئيس الأمريكي جورج بوش.
وكان يفترض برؤساء الدبلوماسية العربيّة - الذين وبمجرّد قبولهم الورقة الأردنية والتزامهم بتدارسها أكدوا التزامهم بها - أن يلفظوها ويعلنوا رفضهم لها؛ لأنّ المرحلة العربية الراهنة ليست للتطبيع، بل لمعالجة التحديات الخطيرة المحدقة بالعالم العربي والإسلامي، والذي حدث أن وزراء الخارجية العرب تعاطوا مع الورقة الأردنية بشكل إيجابي، خصوصاً وأنّ البعض في العالم العربي يريد أن تكون المرحلة الراهنة مرحلة تطبيعية مع الكيان الصهيوني.
ثمّ أليس شارون سيزور قريباً تونس، وبالأمس القريب التقى الملك محمد السادس المغربي شمعون بيريز (نائب شارون)، والذي التقاه أيضاً عبدالعزيز بوتفليقة، أليست المغرب والكيان الصهيوني توافقا على إعادة العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة في الظاهر إلى مستواها الأعلى لجهة التمثيل الدبلوماسي، أليست تونس على وشك التطبيع مع الكيان الصهيوني، أليست الجزائر تريد كغيرها الالتحاق بقوافل المطبعين، وقد بدأ التطبيع الجزائري - العبري بالمصافحة الشهيرة في الرباط بين (رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية السابق) يهودا باراك وعبد العزيز بوتفليقة على هامش جنازة الملك المغربي الحسن الثاني، أليست موريتانيا متحالفة استراتيجياً مع الكيان الصهيوني، وأليست ليبيا الإفريقية المتبرئة من عروبتها أعلنت أن لا مشكلة قائمة بين ليبيا الإفريقية وإسرائيل اليهودية، أليست نصف الدول الخليجية قد طبعّت فعلياً مع الكيان الصهيوني، أليس وزير خارجية الأردن زار تل أبيب، وكانت بسماته الدبلوماسية مع شارون تنمّ عن قدسية العلاقة الأردنية - الصهيونية، أليس شارون كان في شرم الشيخ أخيراً وسط حفاوة مصرية رسمية بالغة.
والمفارقة الأكبر أنّ كل الصفقات التطبيعية هذه مع الكيان الصهيوني تتمّ في أرض المليون والنصف مليون شهيد، وأن مشروع التطبيع يراد لهم أن يتكرّس عربياً في أرض عربية قدمت الغالي والنفيس من أجل حريتها واستقلالها، ويفترض بشهداء الجزائر أن يقوموا من قبورهم، ويطهروا أرضهم من الصفقات التطبيعية التي تحبك على أرض طهروها بدمائهم وأرواحهم، ثمّ كيف يقبل هؤلاء الشهداء وأبناؤهم أن تلوّث أرض المليون ونصف المليون شهيد بالمشاريع السياسية المشبوهة التي تملي على النظام الرسمي العربي من قبل واشنطن.
هل تناست القمة العربية المحنة العراقية، والمحنة الفلسطينية، والمحنة السورية، والمحنة اللبنانية، والمحنة العربية بشكل عام، وراحت تبحث عما يدعم النظام الرسمي العربي، والذي لن يكتب له الخلود إلا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لأنّ ذلك سيجلب الرضا الأمريكي، والذي هو ضروري لبقاء هذا النظام أو ذاك في عرشه وعرينه ما تريده هذه الإرادات.
إن شهداء الجزائر سيلعنون كل شخص تسّول له نفسه القفز على مظلومية الشعوب وتطلعاتها، وسيلعنون كل شخص يرى أن أولوية الأولويات هي في استقبال شارون، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، و إذا كان البعض في العالم العربي والإسلامي بدون ذاكرة؛ فإنّ شعوبنا لا يمكن أن تنسى ما فعلته أمريكا وإسرائيل بالعالم العربي والإسرائيلي، ولا يجب على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي التقى شمعون بيريز قبل مدة وجيزة في مدريد بأسبانيا أن يقبل أن تتحول بلد المليون شهيد إلى بلد التأسيس للتطبيع الجماعي مع الكيان الصهيوني، وإذا استمر عرس التطبيع على ما هو عليه فإنّه من المؤكّد أن يكون شارون أو خلفه الرئيس المقبل للقمّة العربية العبرية المرتقبة.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=298
-================(28/13)
(28/14)
المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة بين حديث القرآن والواقع (1- 3)
فإنّ هناك نماذج من التحديات التي تتعرض لها المجتمعات المسلمة في هذا العصر، وهناك أفكارٌ تُطرح وتمثّل تلوثاً فكرياً خطير الأثر على مجتمعات المسلمين، ذلك أن الإنسان مجهز لاستقبال المؤثرات من حوله والإنفعال بها والاستجابة لها، وكمّا أنّه مستعد بحسب تكوينه الذاتي للرقي والارتفاع، فإنه مستعد كذلك لأن ينحطّ إلى أدنى من دركات الحيوان البهيم، يقول الله تعالى فيمن حادوا عن طريق الهدى وتنكبوا الصراط المستقيم: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ). الأعراف 179.
ومن العوامل المؤثرة في ارتفاع أو هبوط الإنسان ما يتلقى من تربية، وما تشيع البيئة حوله من مؤثرات، وما يشتغل به، ويوجه عبره غرائزه.
ومن أخطر ما يواجهنا في هذا العصر هذه الملوثات الفكرية التي تشكّك في الدين، وتهز الثوابت، وتفسد الأخلاق، وتنشر الرذيلة عبر وسائل الاتصال في وقتنا الحاضر، والتي أُسئ استخدامها أيما إساءة.
وما الحديث عن قضية المرأة التي تثار هنا وهناك، والمطالبة بحريتها المزعومة ونفيها عن أسباب الصيانة إلا أحد الأبواب الواسعة لإشاعة الرذيلة في المجتمع.
المرأة أمام التحديات:
إنّ المرأة تمثّل ثغراً من ثغور الفضيلة؛ ففي حفظها حفظٌ للفضيلة، وصيانة للنشء، وفي إفسادها إفسادٌ وتضييعٌ للمجتمع.
وإن مما يؤسف له أن كثيراً من هذه الدعوات صار يحمل لواءها بعضُ أبناء المسلمين، وهذا نتيجة للغزو المبكر لبلاد المسلمين، والذي سعى منذ البداية إلى تخريج جيل بعيد عن الدين، قد أُشربَ الولاء للغرب وقيمه وأنماط حياته، وذلك عن طريق المدارس الأجنبية (التنصيرية) التي تفتح في بلاد المسلمين.
جاء في تقرير إحدى اللجان التابعة للمؤتمر التبشيري الذي عقد عام 1910م:
"إن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوروبيون كان لها تأثيراً على حل المسألة الشرقية يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوروبا كلها".
وفي هذه المدارس تخرجت أجيال من أبناء المسلمين أو بالأحرى من متعلميهم ومثقفيهم متأثرة بضرب هذا الغزو المنظم، متطلعة إلى الأفق الغربي تستلهمه الرشد وترى فيه النموذج والمثل الأعلى، وتتشرب في نهم أنماط حياته سلوكاً وفكراً، بلا فحص، ولا بصيرة، ولا رأي سديد" .
وإذا أضفنا إلى ذلك البعثات التي كانت تتقاطر على الدول الأوروبية من أبناء المسلمين الذين يستكملون تعليمهم العالي، كانت هذه نهاية المطاف في الإجهاز على بقايا الإسلام في نفوسهم وطباع الشرق وعاداته، حيث لا يرجعون في الغالب إلا وقد تأثروا بوجهة الغرب وفلسفته، وبذلك أصبحوا رصيداً في حساب أعداء الإسلام بالسلوك والتربية والعادات الجديدة.
وقاسم أمين يُعدُّ واحداً من رواد تحرير المرأة في مصر، وهو نموذج لهذا الغزو، يقول د. عبدالستار فتح الله: "قاسم أمين كان نموذجاً لما يمكن للغزو الفكري وللتعليم الأجنبي أن يفعلاه في النفوس من خلع ولائها لأصلها، وفصل مشاعرها عن ظروف أمتها".
والتعليم كان أحد أخطر ميادين الغزو الفكري وأعمقها أثراً، إلا أن ميادين الغزو الفكري تعددت بأسلحته المتنوعة: "الفكرة والكلمة، والرأي والحيلة، والشبهات والنظريات، وخلابة المنطق، وبراعة العرض، وشدة الجدل، ولدادة الخصومة، وتحريف الكلام عن مواضعه" والقصة والصورة والقيم.
ولقد كان لهذا الغزو من الآثار السيئة في زعزعة المسلمين عن دينهم ما لم يستطعه الغزو العسكري على مدى قرون عديدة. وقال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).البقرة 217 .
ومعنى الفتنة في الآية على ما نقل القرطبي عن الجمهور: "فتنة المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا". "وكان المشركون يفتنون المسلمين عن دينهم بإلقاء الشبهات وبما علم من الإيذاء والتعذيب" .
ولهذا عقّب تعالى على هذا بقاعدة تمثل قانوناً من قوانين الصراع بين الإسلام والجاهلية على مر العصور فقال تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).البقرة217.
والقتال المذكور هنا عام يراد به ما وقع فعلاً من أساليب المشركين في محاولة صد المسلمين عن دينهم بالتعذيب والإيذاء أو التضييق عليهم في أرزاقهم أو تشريدهم في البلاد أو ضربهم بالشبهات وأنواع التشكيك، وما هو محقّق الوقوع في الغد القريب من الحرب المسلحة التي شنها المشركون على المسلمين بعد نزول الآيات، ثم ما يشابه ذلك ويشاكله إلى يوم القيامة .
فهذه التحديات التي يُجابه بها المسلمون في هذا العصر طرف من المعركة التي تركت آثار في بلاد المسلمين.
بعض آثار التحديات التي تواجه المرأة المسلمة:
وسأقف هنا مع بعض الآثار البارزة لتلك التحديات:
1- فقدان الهوية:
لكل أمة شخصيتها المميزة التي تتفرد بها عن غيرها، وهذه الشخصية تنبع من العقيدة التي تدين بها الأمة وما يتبع ذلك من خلق ومنهج وسلوك. وكل أمة واعية تحرص على هذا التفرد، وتنأى بنفسها عن أن تكون عرضة لفقد عناصر تميزها، وأن تصير تابعاً ذليلاً لغيرها.(28/15)
والغزو الفكري وعملية التغريب هدفها أن تستسلم الأمة المسلمة للثقافة والحضارة الغربية، فتذوب الشخصية المسلمة وتقبل الفناء والتلاشي في بوتقة أعدائها "بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب، ولا تعتنق من الأفكار والمناهج إلا ما هو مستورد من الغرب، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتتنق هذه الديانة الجديد التغريبية" .
والناظر إلى حال المجتمعات المسلمة يجد وللأسف أن عملية التغريب والغزو الفكري الموجه إلى المجتمعات المسلمة نجحت إلى حد بعيد في محو ملامح تلك الشخصية والعبث بمقوماتها.
والناظر في حال المرأة المسلمة - خاصة - مربية الأجيال وحصن الفضيلة يروعه "فقدان المرأة المسلمة لهويتها الإسلامية وتمييز شخصيتها، وسحب قدر كبير من انتمائها لدينها" . حتى ضمر الفارق في الاهتمامات والممارسات في كثير من بلاد المسلمين بين المرأة المسلمة والمرأة الغربية . ولو أردنا أن نعقد مقارنة بين الملامح البارزة لشخصية المرأة المسلمة في ضوء الضوابط الشرعية، وبين ما آل إليه حال المرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين لهالنا الفرق وبعد الشقة بين المثال والواقع.
فشعار المرأة المسلمة الظاهر هو الحجاب بالصفة التي حددها الشرع، يقول الله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ). النور 31.
وهذا أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاءاً محكماً على المواضع المكشوفة؛ وهي الرأس والوجه والعنق والنحر والصدر، خلافاً لما كان عليه نساء الجاهلية من سدل الخمار من ورائها وتكشف ما هو قدامها.
ونهاها تعالى - لكمال الاستتار - عن الضرب بالارجل حتى لا يصوّت ما عليها من حلى فتعلم زينتاه بذلك فيكون سبباً للفتنة بها. قال تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ). النور: 31. ونهاها الله تعالى عن التبرج فقال سبحانه: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).الأحزاب 33.
والتبرج يكون بعدة أمور:
• يكون التبرج بخلع الحجاب، وإظهار المرأة شيئاً من بدنها أمام الرجال الأجانب عنها.
• ويكون التبرج بأن تبدي المرأة شيئاً من زينتها المكتسبة.
• ويكون التبرج بتثنّى المرأة في مشيتها وتبخترها وترفّلها وتكسّرها أمام الرجال.
• ويكون التبرج بالخضوع بالقول والملاينة بالكلام.
• ويكون التبرج بالاختلاط بالرجال وملامسة أبدانهن أبدان الرجال، بالمصافحة والتزاحم في المراكب والممرات الضيقة ونحوها .
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الخلوة والسفر بغير محرم: "لا يخلونّ أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" . "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها" .
فما نصيب المرأة المسلمة من هذه الضوابط التي أوجبها الله تعالى عليها؟!.
إن أكثر النساء المسلمات بعيدات كل البعد عما شرع الله تعالى وأوجب عليهن.
لقد صارت المرأة تخرج في كثير من بلاد المسلمين حاسرة الرأس، مكشوفة الصدر والساقين، متزينة متعطرة متبرجة، تخالط الرجال، وتزاحمهم في كل مكان وميدان.
بل قد بلغ ببعضهن النأي عن أوامر الله سبحانه والإمعان في تقليد المرأة الغربية الكافرة إلى حدّ العري على الشواطئ بلا حياء، والأعتى من ذلك والأمرُّ أن بعض النساء تفخر بهذه التبعية والانسلاخ عن أوامر الله وتعدّه تقدماً ومدنية، تقول إحداهن - وهي فتاة تركية - في بعض الموانئ الإنجليزية: "إننا نعيش اليوم مثل نساءكم الإنجليزيات، نلبس أحدث الأزياء الأوروبية، ونرقص وندخن ونسافر وننتقل بغير أزواجنا".
ومن لم تصل إلى هذه الدرجة ولا يزال المكر بها في أول الطريق فقد تدخلت الموضة في عباءتها وحجابها حتى أفقدتها غايتها من الستر والحشمة "وأصبحت العباءة رمز لإبداء الزينة وإظهار الفتنة وإبراز المفاتن والمحاسن. فهناك تفنن في إدخال بعض النقوش والزخارف والتطريزات، وهناك شفافية في نوع القماش وظهور ألوان متعددة على جوانب العباءة وأطرافها، وهكذا أصبحت العباءة رمزاً للموضة والفتنة" . وهذا التدرج في الإخلال بشروط الحجاب طريق إلى نزع الحجاب كما حدث في كثير من بلاد المسلمين، حتى انسلخت المرأة عن دينها وفقدت هويتها الإسلامية.
سئل حذيفة رضي اله عنه: "في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم؟! قال: لا، ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه، وإذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا عن دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه).
إن الحجاب جاء ستراً وشعاراً للمرأة المسلمة، وهو أوضح مظاهر الطاعة والتسليم لأمر الله تعالى وأمر رسول صلى الله عليه وسلم .(28/16)
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار؛ أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل؛ ولقد أنزلت سورة النور: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته، وابنته، وأخته، وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها(1) المرحل فاعتجرت(2) به، تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول ا صلى الله عليه وسلم متعجرات كأن على رؤسهن من الغربان"(3).
وعنها رضي الله عنها قالت: "يرحم الله النساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن أكثف مروطهن فأختمرن به" (4).
هذا حال المسلمات الأُوَل، أمّا اليوم فقد وصلت كثير من المسلمات إلى حال يرثى لها في فقد الصلة بدينها، فلم يعد هو الموجه لما تمارسه، بل إنها تتلقف كل ما يأتيها من الغرب الكافر، وكأنه ليس لها مرجع ترد إليه أمورها، وإليك هذه الصورة المزرية من التقليد الأعمى وفقدان الهوية:
نشرت مجلة الأسرة (عدد 81 ذو الحجة 1420هـ) ما يلي: "لفيف من البنات دخلن قاعات المحاضرات يوم 14 فبراير وقد ارتدت كل واحدة منهن ثوباً أحمر، وألصقت على وجهها رسوماً لقلوب حمراء بعد أن وضعت مساحيق التجميل الحمراء على وجهها، وبدأن يتبادلن الهدايا ذات اللون الأحمر مع القبلات الحارة، هذا ما حدث في أكثر من جامعة في بلد إسلامي، بل وفي جامعة إسلامية احتفالاً بعيد الحب، أو بالأحرى عيد القديس فالنتاين" .أ.هـ.
إن التقليد وفي هذه الأمور - فضلاً عن تحريمه - فهو صورة للتبعية الذليلة التي ينبغي أن يرغب عنها.
وملامح التبعية في أقطار كثيرة من أقطار المسلمين واضحة جليّة سواءاً في ملايين المسلمات الكاسيات العاريات ومحترفات اللهو والمجون وفي الألوف المؤلفة الذين يعبون عبئاً من فكر الحضارة المادية الملحدة ويستقون من مستنقعات ثقافتها وتصوراتها، ثم يقذفون بها أمتهم في كل ميدان (5).
"وإذا كانت الأمم تحرص على استقلالها الفكري والاجتماعي بدافع من العزة القومية أو الكرامة الوطنية أو غيرهما فإن المسألة عندنا تختلف تماماً، لأن استقلالنا في هذه الأمور هو قضية عقيدة ودين، ومسألة وجود ومصير، ومسئولية رسالة ودعوة، وضرورة بعث وإنقاذ لأنفسنا وللعالمين، ثم هي مهمة قيادة وهداية، وتمكين لخط الوعي المشرق، وتمييز له عن المناهج والنماذج البشرية التي سيطرت على الأرض وملأتها ضلالاً وإلحاداً وعناداً.
وهذا كله يأبى علينا التبعية كل الإباء، بل إن التبعية هنا تصبح خيانة لرسالتنا وجناية على أمتنا، وشروداً بالقافلة عن طريق ربها الواحد القهار" (6).
2- الفراغ الفكري والروحي والإغراق في التوافه:
لقد اعتنى الإسلام بما يقود النفوس إلى الخير ويعمل على تزكيتها من العلم النافع والأدب الحسن، يقول الشيخ السعدي في تفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً).] التحريم: 6 :"وقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتعليمهم وإجبارهم على أمر على أمر الله" (7).
وجعل صلى الله عليه وسلم العلم فريضة على كل مسلم(8). وأرشد إلى فضيلة تعليم المرأة: "أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم اعتقها وتزوجها فله أجران"(9).
وخصّ النساء بالحديث "جاءت امرأة إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، فقا صلى الله عليه وسلم : اجتمعن يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا. فاجتمعن فأتاهن فعلمهن مما علمه الله" (10).
وفي هذا الجو حرصت النساء المسلمات على التفقه في الدين، فعن أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعن الحياء من التفقه في الدين" (11).
ولا شك أن تربية المرأة هو مجال إصلاح الأسرة وإنشاء جيل صالح، ولذا حرص الإسلام على تعليمها وتأديبها لما لها من دور عظيم في بناء الأسرة، إلا أن المرأة في ظل هذه الدعوات الفاسدة والإعلام الموجه للمرأة أبعدت كثيراً من أن تكون محضناً صالحاً للأجيال، حيث مارست هذه الوسائل تهميشاً واضحاً لفكر المرأة وتعاملت معها على أنها جسد وحسب، سيل من البرامج الترفيهية التافهة وصفحات تعج بالغث من الموضوعات التي تحصر اهتمامات المرأة بالشكل والجمال وكيفية جذب الأنظار إليها(12).
"وهذا كله جعل المرأة نفسها تعيش خواء فكرياً وفراغاً روحياً، وخلجاً عجيباً بين الغايات والوسائل" (13). "ففي الوقت الذي يتبلور المفهوم الإسلامي المعتدل للجمال على أنه وسيلة تأخذ من المرأة قدراً معيناً تحقق به أنوثتها، يزرع الإعلام في حسّ المرأة أن الجمال المظهري غاية تستحق أن تبدد المرأة جهدها ووقتها ومالها لأجله"(14).(28/17)
وفي حين نجد النماذج الحرية بالأسوة من أزواج رسول ا صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين كان لهن قصب السبق في العلم والعمل، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عالمة عاملة.
عن أبي موسى قال: "ما أشكل علينا أصحاب صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"(15).
وعن عروة قال: "لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنّة، ولا بشِعر، ولا بقضاء، ولا طبّ منها" (16).
وتقول عائشة عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: "ولم أرَ امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب إلى الله عز وجل" (17).
إلا أن المرأة في وقتنا الحاضر قُدم لها نموذجٌ للأسوة من الفارغين والفارغات، بل في أحيان كثيرة من الساقطين والساقطات من أعلام الفن ورائدات السفور.
ولذا صار من المألوف في هذا الوقت أن تجد المرأة والفتاة - خاصة - تعرف من أسماء ماركات الأزياء العالمية وأسماء الفنانين والفنانات، بل تفاصيل حياتهم الخاصة الشيء الكثير، لكن لو سئلت عن بعض أحكام الطهارة والصلاة لوجدت جهلاً فاضحاً، فضلاً عن أن تعرف سير الصحابيات ومعالم نهجهن، ولا يقتصر هذا الفراغ والخواء على الفتيات بل يشمل الشباب من الجنسين.
وفي بحث قامت به مجلة الأسرة (العدد 83، صفر 1421هـ) عن طريق استبانة وزعت على (1000) شاب وفتاة من طلاب الجامعات في الرياض، والدمام، وجدة، حول ما هو معلوم بالضرورة من الدين والجغرافيا والتاريخ والأدب والفن والرياضة، كانت أعلى نسبة في معدل الإجابات الصحيحة هي:للفن 88%، ثم الرياضة 87%.
وفي أدنى القائمة كانت الثقافة الإسلامية، فالتاريخ، بنسبة 58% للثقافة الإسلامية، و57% للتاريخ!.
وأشارت المجلة في العدد نفسه إلى استطلاع قامت به صحيفة الرأي العام الكويتية على (100) طالب وطالبة من كليات مختلفة عُرضت عليهم قائمة تضم 32 اسماً لشخصيات وأحداث عامة، كانت الشخصية الوحيدة التي عرفها الجميع ولم يخطئ فيها أحد مطربةٌ إماراتية تُدعى (أحلام).
إنّ هذا الخواء وتفاهة الاهتمامات للأسرة دورٌ فيه، وهو يدل على مدى قصور المرأة علميا ودينياً عن الوفاء بتوجيه الأبناء إلى ما يدلهم على الخير ويرفعهم فكرياً وروحياً، حتى يكاد ينطبق على كثير من أبناء المسلمين اليوم قوله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ). ]الروم:7 [.
ولا شك أن كثيراً من انحرافات ومشكلات الشباب والفتيات تتصل بهذا الجانب وتنبع منه، فافتقاد العلم النافع، والموعظة التي توقظ القلوب والتوجيه إلى النماذج الحرية بالاقتداء يفرغ معه القلب عن ما يعين على الخير.
3- الجرأة على الدين:
أصل الدين يقوم على تعظيم الله وتعظيم رسول صلى الله عليه وسلم ، والتسليم لحكم الله وحكم رسوله، يقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم). ]الأحزاب: 36[.
يقول ابن كثير: "فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفيه ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)" (18). ] النساء: 65 [.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المرط: كساء.
(2) الاعتجار: أن يلف الكساء على الرأس ويرد طرفه على الوجه.
(3) رواه أرو داود.
(4) رواد أبو داود.
(5) انظر الغزو الفكري ص272.
(6) المرجع السابق ص270 باختصار وتيسير.
(7) تفسير السعدي ص809.
(8) في حديث رواه ابن ماجه.
(9) متفق عليه.
(10) رواه البخاري.
(11) رواه البخاري.
(12) انظر البيان ع149 ص79.
(13) المرجع السابق.
(14) المرجع السابق.
(15) الترمذي عن سير أعلام النبلاء (2/179).
(16) أبو نعيم في الحلية. عن سير أعلام النبلاء (2/183).
(17) رواه مسلم. ش
(18) تفسر ابن كثير (6/423).
-------------
إنّ مما ابتلى به كثيرٌ من الناس في هذا العصر اقتحام كثير منهم لسياج الدين وحرماته، وتعدّيهم على قاعدة التسليم لكتاب الله وسنة نبي صلى الله عليه وسلم .
فالسمة البارزة لكثير من الكتابات والأقوال التي تناولت موضوع المرأة مثلاً؛ السمة البارزة لها: الجرأة على النصوص، والتطاول على أحكام الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، والاستخفاف بالدين القيّم، هذه حال كثير ممن يسمون المتنورين (المستغربين) الذين تتلمذوا على مدارس الفكر الغربي وعبوا من مناهجه وأصوله.(28/18)
ولو لا الحاجة من جهة لمعرفة الخطر الذي يتهدد المجتمعات المسلمة - وفئة الناشئة خاصة - من مثل هذا المنهج، ثم من جهة أخرى تلمس ما أحدثه التغريب في أبناء المسلمين لكنت أربأ عن نقل أقوالهم لما فيها من جرأة صارخة على الدين، واستهانة برموزه.
فهذا باحث مغربي يُدعى (عبد الصمد الديميالي) يقول في مؤتمر نسوي عقد في اليمن وأشارت لما ورد في هذا المؤتمر مجلة الأسرة (العدد 81 ذو الحجة 1420هـ): " إن الدين ظلمَ المرأة حينما لم يسوّ صراحة بينها وبين الرجل ". ويقول وبكل صفاقة ما نصه: " إذا لم تكن النصوص القرآنية صريحة وواضحة في المساواة بين الرجل والمرأة فلنلق بها في مزبلة الأيدلوجية ".
واختتم ورقته التي أثارت غضب المسلمين في اليمن بالدعوة صراحة إلى الحرية الجنسية بعيداً عن نظام الأسرة التي وصفها بأنها نظام برجوازي.أ.هـ.
وتتضح علة هذا الرجل عندما ننظر إلى الثقافة التي استقاها حيث يقول عن نفسه: " إنني شخصياً وحينما كنت في الثالثة والعشرين من عمري تأثرت بكتاب (الحرية الجنسية) لريشين الذي يهاجم نظام الأسرة ".أ.هـ.
وطالبت نوال السعداوي في مؤتمر صحفي عقدته ودعت إليه الوكالات الغربية العاملة في مصر وحدها مطلع هذا العام طالبت: " بتشريعات نسوية علمانية لا يكون فيها أي سلطان أو حق على حد تعبيرها " (1).
وسبحان الله ما أحلمه على خلقه!.
وينقل عبد السلام بسيوني في كتابه (ماذا يريدون من المرأة)، ينقل عن إحداهن مناقشتها ربها - عز وجل - وردّ أحكامه، ودفعها لأراء الفقهاء الذين عمقوا - كما تقول - دونية المرأة، منطلقين من تركيبها البيولوجي، وينقل عنها قولها: " لا أفهم - كامرأة - علاقة الحيض والإنجاب أو عدمه بتخصيص، أو عدم تخصيص جنس دون آخر بالرسالات والتنبؤات، وقيادة الحروب، ولا سبب نقصان الثواب ".(2).
وللمزيد من هذه الأقوال الفجة يُراجع ما نقله البسيوني عن أمثال هؤلاء، وكذلك ما نقله المقدم في (عودة الحجاب) وغيرهما.
إنّ هؤلاء المتطاولين الناقمين على الدين وأهله هم ثمرة من ثمار التغريب، وحملات التشكيك والهجوم على الدين وأحكامه، وهذه السموم والأقوال التي يبثونها في الصحف والندوات والمنابر الإعلامية المختلفة لها أثرها السيئ الظاهر في المجتمعات الإسلامية.
فها نرى أكثرهم يسلّم بكلام الطبيب والفيزيائي وغيرهم، أمّا أحكام الشرع وأحاديث الرسو صلى الله عليه وسلم فتناقش وترد ويتطاول عليها.
4- ضعف عقيدة الولاء والبراء
إنّ الحب في الله والبغض في الله هو أوثق عرى الإيمان كما بين الرسو صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حيث قال: " يا أبا ذر، أيّ عرى الإيمان أوثق؟! قال: الله ورسوله أعلم: قال: الموالاة في الله والحب في الله والبغض في الله " (3).
إنّ هذه الشعيرة التي لها هذا القدر العظيم في ميزان الإيمان ذابت ملامحها في حس كثير من المسلمين في هذا الوقت، وسأعرض هنا لمظاهر بارزة من ذلك عبر النقاط التالية:
أ- هذا التمجيد للنموذج الغربي وعرضه عرضاً مغرياً عبر وسائل الإعلام المختلفة قربه إلى النفوس وكسر حاجز الشعور بفوارق العقيدة وعداوة الكفار.
تقول د. زينت حسن أستاذة الاجتماع بكلية البنات بجامعة عين شمس وهي تتحدث عن أثر السينما في مصر خلال فترة الاحتلال الإنجليزي:
" من ناحية فقد سعت إلى كسر حاجز الرفض الشعبي ضد الاحتلال الإنجليزي وضد الدول ذات الأطماع الاستعمارية الأخرى مثل فرنسا وأمريكا، وبناء علاقة أخرى تقوم على أساس القبول والإعجاب، وهي علاقة كانت تجد رفضاً من بعض المشتغلين بالسياسة باعتبار أن هذا القبول يعد نوعاً من التطبيع مع المستعمر، وبذلك أفادت السينما هذه الدول الاستعمارية، فيكفي أن يحب الجمهور ممثلة إنجليزية أو ممثلاً فرنسياً لتنكسر حدة العداء المستحكم بينه وبين هذه الدول "(4).
هذه وسيلة واحدة أثرت هذا التأثير في فترة احتلال، فما بالك بأنواع الوسائل المبثوثة في هذا الوقت؟!.
ب- من آثار هذا التمجيد والفرض للنموذج الغربي مع عقدة النقص التي يستشعرها المغلوب دائماً دفعاً للتقليد والمشابهة، فالمغلوب "مولع أبداً بالاقتداء بالغالب" كما يقول ابن خلدون.
ومعلوم أن المشابهة تورث التقارب والمودة.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ( المشاركة في الهدى توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً بعد المكان والزمان)(5). ويقول أيضاً: ( المشابهة في الظاهر تورث نوع ومودة، ومحبة، وموالاة في الباطن ) (6).
ت- ربط قضية المرأة بالمرأة، وهذا فيما يمكن أن يسمى قومية نسائية لا تفرق بين يهودية ولا نصرانية ولا وثنية، فلا عجب أن نجد امرأة مسلمة ممن تولين إدارة تحرير مجلة سيدتي في فترة مضت تجري مقابلة مع الهندوسية أنديراً غاندي في إجلال وإعظام، وتذكر أنها سعت لهذه المقابلة العظيمة شهوراً حتى قابلتها، وتقول هذه الدكتورة المسلمة: " بدأ اختيار مدخل الحديث عن السيدة إنديراً غاندي أمراً محيراً وليس سهلاً "(7).
وكل هذا الإعظام لهندوسية تعبد البقر وقتلت آلافاً مؤلفة من المسلمين!.
لكن ليست هذه قضيتهم! فجُل ما يعنيهم أنها رئيسة وزراء (امرأة)!.
5- الانحلال الأخلاقي(28/19)
يقول الله تعالى: (يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً).
العفة وطهارة المجتمع يمزقهما الاختلاط والسفور، وهذا أمرٌ ظاهر في حياة المجتمعات، فمنهج الله تعالى سبيل حفظ المجتمع من الانحلال والفساد الأخلاقي، ومنهج دعاة التحرير هدم الأخلاق والأعراض.
يقول محمد فريد وجدي : " إن دعوة قاسم أمين قد أحدثت تدهوراً مريعاً في الآداب العامة، وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة، أصبحت المحاكم غاصّة بقضايا الأعراض، وهربت الشابات من دور أهلهن " (8).
ولو نظرنا إلى حال المجتمعات الغربية - التي هي النموذج الأعلى للمستغربين، والتي يسعون سعياً حثيثاً إلى أن تحذو المرأة المسلمة حذو نسائها - لوجدنا فساداً أخلاقياً مريعاً، وهذه نظرة عجلى على بعض الشواهد من واقع تلك المجتمعات، وعبر بعض الإحصائيات والدراسات المنشورة عن أحوال تلك المجتمعات، والصادرة عن مؤسسات عالمية أو جهات محلية في تلك البلاد، وهي بهذا تكسب قيمة خاصة، لأنها تنبع من معاناة هؤلاء القوم أنفسهم، وليست انطباعات لدى من يخالفهم الاعتقاد والمنهج.
** هناك دراسة علمية أجراها باحثان أمريكيان حول المجتمع الأمريكي وشملت الدراسة عينة كبيرة من المواطنين الأمريكيين الذين شاركوا بآرائهم في القضايا المطروحة للدراسة ونشر الكتاب عام 1991م تحت عنوان: (يوم أن أعترفت أمريكا بالحقيقة).
وردت في هذا الكتاب حقائق خطيرة عن واقع هذا المجتمع، ومن ذلك مشكلة الاغتصاب المنتشرة هناك، فقد ذكر الكاتبان ما نصه: "20% من النساء اللاتي تحدثنا معهن أخبرتنا بأنهن قد اغتصبن في لقاء مع أحد أصدقائهن!، وعندما نتصور هذا الرقم على المستوى الوطني فإنّ هذه المسألة تعني ما يقارب من تسعة عشر مليونا من النساء في أنحاء الولايات المتحدة كن ضحايا الاغتصاب ".
ويشير الكاتبان إلى أن الإحصاء الرسمي لا يعبر عن حجم المشكلة، لأن 3% من ضحايا الاغتصاب يبلغن الشرطة ويسجل الحادث رسمياً وفق ما ورد في دراسة قامت بها إحدى الجامعات الأمريكية.
وفي إيطاليا ذكر تقرير حديث صدر هناك، وأشارت إليه مجلة الأسرة في (العدد 7، محرم 1420هـ) أن:" 40% من نساء إيطاليا من أعمار (14) إلى (59) من ضحايا الاغتصاب." .
وتوصل التقرير إلى: إن 14 مليون امرأة في إيطاليا يخشين السير بغير رفقة في الشوارع المظلمة، أو في الأماكن المهجورة، في أي وقت من أوقات النهار، وأن عمليات الاغتصاب تجري في المنازل وأماكن العمل بلا تمييز، وأن كثير من عمليات الاغتصاب تمر دون الإبلاغ عنها.
وفي جنوب أفريقيا ذكرت صحافية جنوب أفريقية أنه في كل نصف دقيقة تغتصب امرأة في ذلك البلد.
وتقدر الجهات الأمنية عدد حالات الاغتصاب التي يتم البلاغ عنها بأنه لا يتجاوز (2,8%) من إجمالي حالات الاغتصاب التي تحدث بالفعل في جنوب أفريقيا مما يرفع العدد الإجمالي للنساء المغتصبات كل سنة إلى مليون امرأة. وقد نشرت ذلك مجلة الأسرة (العدد 73، ربيع الآخر 1420هـ).
أما عن المضايقات غير الأخلاقية:
فقد ذكرت التقارير إن: " 42% من النساء الأمريكيات يتعرضن لتحرشات غير أخلاقية في أماكن العمل والدراسة، والمنتديات، وفي الشوارع.
أما في بريطانيا فالنسبة (4,7%) " .
وفي ألمانيا اضطرت 6% من النساء الألمانيات سنة 1990م إلى هجر وظائفهن بسبب تطاول زملائهن عليهن، والتحرش بهن جنسياً. نشر ذلك في مجلة الأسرة (العدد 80، ذو القعدة 1420هـ).
ونشرت جريدة الرياض في عدد الجمعة 29 صفر 1421هـ خبراً حول تفاقم مشكلة التحرش بالنساء في اليابان والذي بلغ درجة القتل، وأن القضية أثيرت بقوة بعد مقتل فتاتين من قبل صديقين سابقين أصرّا على ملاحقة الفتاتين. وقالت: هيرومي شيراهاما خبيرة القضايا القانونية في الحزب الديمقراطي: " إن حوادث التحرش تكاثرت جداً في السنوات الأخيرة، وبات من الضروري وضع قانون وطني لمكافحتها ". أ.هـ.
وجاء في الخبر أن التحرش في القطارات متفاقم إلى درجة أن المسئولين في شركة القطارات الأرضية يفكرون بتخصيص عربات خاصة بالنساء.أ.هـ.
وسبحان الله، صيانة المرأة وإبعادها عن أن تكون موطن فتنة أمرٌ شرعه الله العالم بطبيعة النفوس، وها هو الواقع يضطرهم إلى إبعادها عن مخالطة الرجال. هذا حال المجتمعات المتحللة. والعاقل يبدأ من حيث انتهى الآخرون.
6- انقلاب قائمة الأولويات عند المرأة
إنّ هذه الدعوات التي لا تقيم وزناً لدور المرأة العظيم في المنزل - أمّا وزوجة ومربية أجيال - أثّرت في حس المرأة، وقلصت من اهتمامها بذلك ولم تعد رسالتها الأولى لها الأولوية في حياتها، وصارت تبحث عن نفسها - كما يقولون - خارج المنزل وتلقي بكثير من مسئوليات المنزل على عاملة مستقدمة غير مؤهلة لهذه المهمة، بل قد تكون سبباً لإفساد الأسرة والأولاد.(28/20)
والتهاون بهذا الدور - دور المرأة داخل المنزل - يمثّل أثراً واضحاً لهذه الدعوات التي صورت البيت على أنه سجن ظلمت المرأة بقرارها وبقائها فيه، وأنّه تعطيل لنفعها، فهي عضو غير منتج ، وغاب عن شعور الكثيرات عظم هذا الدور في حياة المجتمعات، ثم عظم الأجر الذي تناله المرأة بالإحسان في هذا الجانب.
أتت أسماء بنت يزيد رضي اله عنها صلى الله عليه وسلم فقالت: " إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، فهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي: إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك، واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم، أفنشاركهم الأجر يا رسول الله؟. فألتفت رسول ا صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: " هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها؟! فقالوا: بلى يا رسول الله. فقا صلى الله عليه وسلم : " انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال "(9).
هذا ما تيسّرت الإشارة إليه من آثار هذه الهجمة الشرسة على المرأة المسلمة والمجتمع المسلم في هذا الزمن.
وهذا الحديث محاولة لتلمس جوانب الداء، لندرك الأثر السيئ لمثل هذه الدعوات، فنسعى للنأي بمجتمعنا عن تلك المنزلقات.
والله أسأل أن يحفظ علينا - في بلدنا هذا خاصة وفي بلاد المسلمين عامة - ديننا وأمتنا وعفافنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تمّ بحمد الله تعالى،،،،،،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البيام العدد 149 ص60.
(2) ماذا يريدون ص21، والقاتلة هي سلوى حماش.
(3) حسن بشوهده كما نقل المقدم في عودة الحجاب من محقق شرح السنة للبغوي.
(4) الأسرة عدد 72 ربيع الأول 1420هـ.
(5) اقتضاء السراط المستقيم ص220.
(6) المرجع السابق ص221.
(7) عن المرأة المسلمة أما التحديات ص322-323.
(8) عن المرأة المسلمة أمام التحديات ص294.
(9) رواه أحمد وصحح الألباني إسناده
================(28/21)
(28/22)
موسى يصف دعوة أولمرت للقاء سلام بمحاولة تطبيع مجاني
الاربعاء:04/04/2007
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
عمرو موسى مع يوناس شتور الذي التقى نائبه الشهر الماضي رئيس حكومة الوحدة الفلسطينية
وصف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى دعوة رئيس وزراء الاحتلال إيهود أولمرت لعقد مؤتمر يجمع إسرائيل بالفلسطينيين والدول العربية التي يصفونها ب"المعتدلة" وأطراف دولية أخرى بـ"أمر لا يحتمل التعليق", ومحاولة "للتطبيع المجاني".
وقال موسى بعيد لقائه في القاهرة وزير خارجية النرويج يوناس0 جار شتور بالقاهرة إن "جميع المسؤولين في الاحتلا ل يدورون حول نقطة واحدة هي كيفية التطبيع المجاني", مضيفا أن إسرائيل أرسلت في الأيام القليلة الماضية رسائل ثلاث أولاها "تعديل المبادرة والثانية أن الانسحاب واللاجئين خطوط حمراء والثالثة من رئيس الوزراء أن المسألة لا تزال تحتاج خمس سنوات".
ووصف موسى سياسة الاحتلال بغير الجادة, وبكلام غير مترابط لا يعكس موقفها الواضح.
ودعا قبل أيام أولمرت القادة العرب لاجتماع معه لتبادل وجهات النظر, قائلا إنه "لا حاجة لتكون بياناتنا متطابقة في هذا الاجتماع التمهيدي".
وجددت القمة العربية الأخيرة طرح مبادرة عربية تقوم أساسا على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل تطبيع العلاقات.
جولة أوروبية
من جهته يواصل وزير الخارجية الفلسطينية زياد أبو عمرو جولة أوروبية لفك الحصار الدولي عن الفلسطينيين كانت محطتها اليوم باريس حيث التقى رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان, وأيضا وزير الخارجية فيليب دوست بلازي الذي دعا حكومة الوحدة لجهود إضافية لتلبية الشروط المسبقة لتطبيع العلاقات معها, وأيضا لتقديم مبادرات إضافية خاصة ما تعلق بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الحامل للجنسية الفرنسية أيضا.
غير أن الوزير الفلسطيني قال إن الحكومة استجابت لكل شروط المجتمع الدولي "تقريبا", وطالب بالتفريق بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي هي جزء منها مثلها مثل حركة التحرير الفلسطينية (فتح) وباقي الفصائل.
محاولة اغتيال
ميدانيا أعلنت سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي قصف وإصابة موقع في منطقة المجدل جنوب الاحتلال بصاروخ, ردا على محاولة اغتيال قائدها في مدينة نابلس بالضفة الغربية أحمد سناقرة (22 عاما) أحد أبرز المطلوبين للاحتلال والذي أصيب إصابات خطيرة بأربع رصاصات في البطن, في اشتباك مع قوة تابعة للاحتلال دهمت مخيم بلاطة, لتكون سادس محاولة اغتيال يتعرض لها.
كما أعلنت سرايا القدس إطلاق قذيفتي هاون على موقع عسكري للاحتلال شرقي منطقة الفراحين بمدينة خان يونس جنوب القطاع, في حين أعلن عن إصابة فلسطينيين بينهما طفل وصفت جروحه بالخطيرة عندما أسقط الاحتلال قذيفة على منطقة حجر الديك وسط القطاع.
وبقي القطاع والضفة الغربية مغلقين منذ يومين, في طوق أمني يفرض، قال الاحتلال إنه سيستمر حتى نهاية عيد الفصح اليهودي بعد ستة أيام.
وذكرت مصادر بوزارة دفاع الاحتلال أن وزير الدفاع عمير بيرتس خول الجيش عمليات محدودة لملاحقة نشطاء المقاومة الفلسطينية داخل القطاع بدعوى منع حماس من تعزيز قدراتها العسكرية وحتى "لا يتحول قطاع غزة إلى لبنان ثان وألا يؤدي إطلاق الصواريخ إلى حرب حقيقية".
============(28/23)
(28/24)
قمة الخرطوم ليست ساحة للتطبيع مع الاحتلال
الاحد :19/03/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
الخرطوم عموم
أكد السودان أن القمة العربية التي ستعقد في الخرطوم في وقت لاحق من الشهر الجاري, سوف لن تكون ساحة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
جاء هذا التأكيد على لسان وزير رئاسة الجمهورية ورئيس اللجنة التحضيرية العليا للقمة الفريق بكري حسن صالح الذي قال إن القمة "لن تشهد التطبيع مع الكيان الصهيوني", داعياً إلى تداول قضية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كمعيار للديمقراطية.
وشدد المسؤول السوداني على القول إن بلاده حريصة على أن تخرج القمة بقرارات تصب في وحدة الصف العربي. كما اعتبر أن القمة مناسبة أيضا لتأكيد وقوف العرب مع السودان خاصة فيما يتعلق بقضية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وحل أزمة إقليم دارفور.
وبخصوص رئاسة القمة أكد المسؤول السوداني أنها ستكون من نصيب بلاده قائلا "إن الأمر محسوم وفق منهج وأدب الجامعة ". وأضاف أن استعدادات السودان لاستضافة القمة اكتملت, وأن عدداً كبيراً من الملوك والرؤساء العرب سيشاركون فيها, باستثناء سلطان عمان قابوس بن سعيد والرئيس التونسي زين العابدين بن علي اللذين أعلنا عن عدم مشاركتهما.
وأشار الفريق بكري إلى أن الولايات المتحدة ربما تكون مارست ضغوطاً على العرب خلال جولة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأخيرة في المنطقة. إلا أنه قال إن القرار الأخير سيكون "للملوك والزعماء العرب".
===========(28/25)
(28/26)
غالبية في إندونيسيا ترفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي
الجمعة :16/09/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
أطياف مختلفة من الشعب الإندونيسي عبرت عن رفضها لأي علاقات مع الاحتلال
تسببت أنباء عن لقاء سري جمع وزير الخارجية الإندونيسي حسن ورايودا مع وزير خارجية الاحتلال سلفان شالوم في حالة من الاستياء بالشارع الإندونيسي, وطالبت أحزاب وفعاليات شعبية وأعضاء في البرلمان وزارة الخارجية بتقديم شرح مفصل عن حقيقة ما جرى.
وقال لطفي رؤوف مدير الإعلام والاتصالات في وزارة الخارجية الإندونيسية للجزيرة نت إنه لا يعرف أية معلومات رسمية عن الموضوع وإنه لا يستطيع النفي أو التأكيد ، لكنه أشار إلى أنه "لا نية لدى الحكومة بإقامة أي نوع من العلاقات مع الاحتلال حاليا".
وقد أشارت تقارير صحفية إلى أن وزارة خارجية الاحتلال ومن خلال سفارتها في سنغافورة تحاول منذ فترة فتح علاقات مع إندونيسيا عبر مشاريع واستثمارات تقوم بها شركات يهودية الأمر الذي تحدثت عنه فعاليات حزبية وشعبية إندونيسية.
وطالب أمريز حسن النائب عن الحزب الديمقراطي للنضال -ثاني أكبر الأحزاب الإندونيسية- الحكومة بالتوضيح فيما إذا كان اللقاء مخططا له مسبقا أو جاء بطريق الصدفة ، مشيرا إلى أن لقاء مثل هذا يعتبر خرقا للدستور ، ومحذرا في الوقت نفسه من ردة فعل شعبية ساخطة.
مطلب وطني
وقد اعتبر عدد من الإندونيسيين أن هذا الاجتماع غير مبرر في هذه المرحلة ولا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني ، وستكون له آثاره السلبية على مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
كما اعتبر الدكتور رضا سبودي الخبير في شؤون الشرق الأوسط أن اللقاء قد تم ، مشيرا إلى أن رفض الحكومة تأكيد أو نفي الحدث يثير الشبهات.
وقال إن ذلك مخالف للتعهدات التي أعطتها الحكومة للأحزاب الإسلامية المشاركة معها في الائتلاف والتي تقضي بعدم إقامة علاقات مع الاحتلال ، وتقديم الدعم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
من جانبه قال الدكتور أتشماد مبارك نائب رئيس الحزب الديمقراطي إن اللقاء يقدم هدية للاحتلال دون مقابل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ، معتبرا أن هناك تغييرا خاطئا في السياسة الإندونيسية تجاه الشرق الأوسط.
وعبر الأمين العام للجنة الاندونيسية للتضامن مع فلسطين عن استنكاره الشديد لهذه اللقاء ، واعتبره خطوة في الاتجاه غير الصحيح من قبل الحكومة الإندونيسية ، ومخيبة لآمال وطموحات الشعب الإندونيسي تجاه الفلسطينيين.
وقال سالم الجفري عضو مجلس شورى حزب العدالة والرفاه إن التعاطي مع القضية الفلسطينية بشكل خاطئ ستكون له نتائجه السلبية على الحكومة ، ومشددا على أن رفض تطبيع العلاقات مع الاحتلال يمثل مطلب وطنيا.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال قد نقلت عن مصادر مقربة من وزير الخارجية سلفان شالوم أن اللقاء تم بين الوزيرين الثلاثاء الماضي في نيويورك على هامش اجتماعات قمة الأمم المتحدة.
يشار في هذا الصدد إلى أن العلاقات بين الاحتلال وإندونيسيا شهدت تطورا ملحوظا
إبان فترة حكم الرئيس الإندونيسي الأسبق عبد الرحمن واحد ، إلا أن هذه العلاقة واجهت معارضة شعبية واسعة أرغمت الحكومة على التراجع.
==============(28/27)
(28/28)
شالوم يستعين بمصر للتطبيع مع العرب وردع المقاومة
الثلاثاء:12/04/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
شالوم يريد أن تقوم مصر بدور الشرطي لحمايتها
تجاهل وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم خلال زيارته لمصر إثارة قضية الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والتي كانت محور خلاف بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون خلال لقائهما في تكساس أمس.
وبدلا من ذلك ركز شالوم في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره المصري أحمد أبو الغيط على ما أسماه خريطة طريق لتطبيع العلاقات مع الدول العربية طالبا من مصر أن تساعد إسرائيل في هذا المسعى.
وطالب شالوم بعد أن التقى الرئيس حسني مبارك بحضور أبو الغيط ومدير المخابرات عمر سليمان بأن تمارس مصر سلطاتها ونفوذها لتفكيك البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية، داعيا إلى عدم ترك مصير عملية السلام في أيدي من وصفهم بـ "الإرهابيين".
وفيما طالب المسؤول الإسرائيلي بأن يتولى من وصفه بالجانب المعتدل من الفلسطينيين وضع الأجندة السياسية، شدد على ضرورة أن يتعاون الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الإسرائيليين في محاربة وتفكيك بنى المقاومة.
وأكد شالوم كذلك على التزام الجانب الإسرائيلي بالتفاهمات التي اتفق عليها في قمة شرم الشيخ حول الانسحابات من المدن الفلسطينية وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
قلق مصري
من جانبه ركز أبو الغيط على قلق مصر من محاولات متطرفين إسرائيليين اقتحام المسجد الأقصى، وقال إن هذه المحاولات تهدد عملية السلام في المنطقة وبـ"إفشال الجهود التي تبذلها مصر للوصول إلى التهدئة وكسر دائرة العنف".
أما فيما يتعلق بالتطبيع بين العرب وإسرائيل فقد أحال وزير الخارجية المصري إسرائيل على خطة السلام العربية التي تبناها العرب في قمتهم ببيروت عام 2002 وأكدوا عليها في القمم اللاحقة تاركا عمليات التطبيع لقرار كل دولة عربية على حدة.
وأكد المسؤول المصري على أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، مشيرا إلى أن استمرار الاستيطان الإسرائيلي يشكل عائقا كبيرا أمام ذلك.
دعم أميركي
يأتي ذلك بعد أن حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي مجددا على دعم الرئيس الأميركي لسياساته خاصة فيما يتعلق بخطة الانسحاب الأحادى الجانب من قطاع غزة والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية.
ورغم الانتقاد العلني الذي وجهه بوش في المؤتمر الصحفي المشترك مع شارون للاستيطان، فإنه اعتبر مجددا أن الواقع الجديد على الأرض يجعل من غير الواقعي التفكير في أن تؤدي مفاوضات الوضع النهائي إلى عودة كاملة إلى حدود هدنة 1949.
وطالب الرئيس الأميركي إسرائيل بإزالة ما يسمى البؤر الاستيطانية العشوائية وعدم توسيع مستوطنات الضفة الغربية.
في المقابل لم يبد شارون اهتماما لمشاعر القلق الأميركية من توسيع مستوطنة معاليه أدوميم تمهيدا لضمها إلى القدس، مؤكدا أن المستوطنة ستكون جزءا من إسرائيل. وفي محاولة لطمأنة الولايات المتحدة بأن العمل في المستوطنة ليس وشيكا قال شارون إن الأمر قد يستغرق عدة سنوات.
واكتفى رئيس وزراء إسرائيل بالتعهد بإزالة البؤر الاستيطانية "العشوائية"، نافيا وجود أية أزمة مع الأميركيين بسبب مسألة المستوطنات وقال إن "معارضة واشنطن منذ وقت طويل للبناء في أرض محتلة معروفة جيدا".
رفض فلسطيني
وردا على ذلك رفض رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع "بقاء الكتل الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية".
وقال قريع خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة الفلسطينية "نحن لا نقبل ونرفض رفضا قاطعا التعاطي مع الكتل الاستيطانية خاصة تلك التي تحيط بالقدس مثل معاليه أدوميم وبسغات زئيف".
ولكنه في الوقت ذاته أشاد بدعوة بوش لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية وإزالة نقاط الاستيطان العشوائية.
وقال "نرحب بالجانب المتعلق بوقف الاستيطان والمطالب بإزالة جميع البؤر الاستيطانية" في تصريحات بوش و"نأمل أن تستجيب الحكومة الإسرائيلية لذلك بدون تأخير خاصة وأنها تعهدت بذلك في السابق".
===============(28/29)
(28/30)
قمة الجزائر تعرض التطبيع مقابل الانسحاب الإسرائيلي
الاربعاء:23/03/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
يختتم القادة العرب اليوم أعمال قمتهم في الجزائر بعد اتفاقهم على إعادة تفعيل مبادرة السلام العربية التي تعرض على إسرائيل تطبيع العلاقات مقابل الانسحاب إلى حدود عام 1967.
وأعلن وزير الخارجية الأردني هاني الملقي أن القادة العرب أقروا خلال جلستهم المغلقة مساء أمس الثلاثاء كل التوصيات التي رفعت إليهم من وزراء الخارجية من بينها البند الخاص بتفعيل مبادرة السلام العربية. واعتبر الوزير الأردني أن بلاده نجحت في تسليط الأضواء على هذه المبادرة وتفعيلها.
وتؤكد المبادرة أن الدول العربية مستعدة لاعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السلام الشامل، وذلك بعد تحقيق الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري المحتل حتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967, والانسحاب من الأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان, وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.
واشترط العرب أيضا قبل التطبيع مع إسرائيل تطبيق قرارات الشرعية الدولية والتوصل إلى حال عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين متفق عليه وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194, وضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني.
ويدعو مشروع البيان الختامي إلى التحرك من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبني مبادرة السلام العربية كإطار للحل السلمي.
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة دعا في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للقمة إلى اعتبار السلام مع إسرائيل على أساس مبادرة بيروت خيارا إستراتيجيا. وقال بوتفليقة إنه في مواجهة الموقف الإسرائيلي يجب على العرب أن يظهروا للعالم نواياهم السلمية.
وفي السياق أعلن مسؤول في رئاسة الحكومة الإسرائيلية رفض إسرائيل مبادرة السلام العربية مع إسرائيل، واعتبر أن قمة الجزائر جاءت متأخرة بالنسبة للتغييرات التي حدثت في العالم العربي.
وقال المسؤول الذي لم يُكشف عن هويته في تصريحات لوكالة فرانس برس إن الجامعة العربية تتظاهر بالوحدة بتبنيها قرارات تتعارض مع التقدم الذي تحقق خصوصا من قبل مصر والأردن، في إشارة إلى توقيع البلدين معاهدتي سلام مع تل أبيب.
من جهته اعتبر الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية ليئور بن دور في تصريح للجزيرة أن المبادرة تعتبر تغيرا نويعا لا يمكن تجاهله في التفكير والتعامل العربي مع إسرائيل، مشيرا إلى أن المسألة تخطت قضية الاعتراف إلى مناقشة إقامة علاقات عربية مع تل أبيب.
الإصلاحات
ومن المتوقع أن تقر القمة إصلاحات بالجامعة العربية لمنحها نفوذا أكبر. كما سيجدد القادة العرب تعهداتهم بالإصلاح السياسي وفق ظروف بلدانهم ودون تدخل خارجي.
وقال الرئيس بوتفليقة إن موضوع الإصلاح لم تفرضه أي جهة خارجية على العالم العربي، وإن الدول العربية أخذت بهذه الإصلاحات من تلقاء نفسها ليقينها بأن ذلك خدمة لشعوبها.
وقد تراجع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن تهديداته بالاستقالة بعد أن تعهدت الدول العربية بتسديد المستحقات المتأخرة عليها. وكشفت مصادر بالجامعة أنها تحتاج إلى 200 مليون دولار حتى تخرج من أزمتها بينما وصلت ديون الجامعة المستحقة لدى الأعضاء إلى أكثر من 100 مليون دولار.
يشار إلى أن الميزانية السنوية للجامعة لا تتجاوز 35 مليون دولار، وبينما تعفى بعض الدول الفقيرة من اشتراكاتها السنوية فإن دولا أخرى لا تدفع حصتها بالكامل.
مبادرة ثاباتيرو
وشهدت القمة حضورا ملحوظا من المسؤولين الأجانب وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو الذي طرح مبادرة للحوار بين الحضارت وتعزيز التفاهم بين الإسلام والغرب. وقال رئيس الوزراء الإسباني إن ما أسماه الإرهاب ساهم في نشر صور مشوهة لعدة ثقافات.
وأكد ثاباتيرو ضرورة تعزيز تحالف الحضارات وحماية الأديان، ورفض في كلمته أي محاولة لربط الإرهاب بالإسلام مؤكدا أن أي محاولة من هذا القبيل ستكون خطأ كبيرا يؤدي لإقامة حائط بين الغرب والمسلمين قد يكون أكثر قوة من جدار برلين.
كما دعا العرب لدعم مبادرته من أجل إقامة تحالف بين الحضارات، وشدد على أن الإرهاب نتيجة "لفكر منحرف وليس انعكاسا لثفافة أو حضارة أو دين"، مؤكدا ضرورة التكاتف الدولي في مواجهته. وأشار إلى ضرورة إقامة نظام عالمي أكثر عدلا ومواجهة العوامل المؤدية لمشكلات مثل الفقر والتهميش.
===============(28/31)
(28/32)
قمة جزائرية مغربية على هامش القمة العربية ولا توجه للتطبيع
الجمعة :18/03/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
قال وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم إن قضية الصحراء الغربية لن تؤثر في علاقات بلاده بالمملكة المغربية وأن الجزائر ترغب في إقامة علاقات متميزة مع الرباط إلى أبعد مدى.
وأكد بلخادم في لقاء مع الجزيرة أنه ستكون هناك قمة جزائرية مغربية عقب القمة العربية وقد يتبعها أنعقاد قمة مغاربية لدول اتحاد المغرب العربي.
وأكد بلخادم أنه لن تكون هناك ملاسنات بين القادة العرب في قمة الجزائر، وأشار الوزير الجزائري أنه لا توجد ضغوط أمريكية على الدول العربية للسير في طريق الإصلاحات .
واشار بلخادم في لقاء مع الجزيرة إن العرض العربي للسلام مع إسرائيل والذي جاء إثر مبادرة المملكة العربية السعودية في قمة بيروت مايزال قائما.
وكان مندوب الجزائر الدائم لدى الجامعة العربية عبد القادر حجار قد نفى ما تناقلته وسائل الإعلام من أن القمة العربية التي ستستضيفها بلاده الثلاثاء والأربعاء القادمين ستكرس التطبيع مع إسرائيل، وقال إن من يريد مثل هذا التطبيع فليفعل ذلك في بلاده.
وأكد حجار الذي ترأس الاجتماع التحضيري للقمة أنه ما من خلاف طرأ حول مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 لحل النزاع مع إسرائيل, لكن خلافات طرأت حول وثيقة قدمها الأردن بهذا الشأن في الاجتماع الذي عقد على مستوى المندوبين.
وأكد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أنه لا توجد أي مبادرة في هذا الشأن، لكن الأمر يتعلق باقتراح أردني لإعادة صياغة مبادرة السلام العربية في شكل قرار مقتضب وليس موسعا.
في الإطار نفسه ذكرت مصادر سعودية أن الرياض تسعى من أجل إنجاح القمة إلى تجنب المواضيع الخلافية بما فيها إدخال تعديل على مبادرة بيروت لكي لا يثير ذلك خلافات جديدة بين الدول العربية، مشيرة إلى أنها ستعمل على تفعيل هذه المبادرة.
ملفات القمة
ويتضمن جدول أعمال القمة ثلاثة ملفات رئيسية، هي السلام في الشرق الأوسط والوضع في العراق وتقييم الإصلاحات التي تعهدت الدول العربية بالقيام بها خلال قمة تونس العام الماضي.
وقال مراسل الجزيرة في الجزائر إن ملفات إصلاح الجامعة وإجراءات جديدة للتصويت على قرارات القمة وهيئة متابعة دائمة للقرارات الصادرة عن القمم وإنشاء برلمان عربي ستحظى بالقسط الأوفر من المناقشات.
وأكد أن ملف آلية التصويت في الجامعة حقق تقدما كبيرا في الاجتماعات التحضيرية، بعد أن اتفق المندوبون على أن يكون التصويت بالإجماع للقضايا الإستراتيجية وبغالبية الثلثين إذا تعذر التوافق في القضايا الموضوعية و51% من الأصوات للقضايا الإجرائية.
وينتظر أن تقر القمة كذلك من حيث المبدأ مشروع إنشاء هيئة متابعة تنفيذ القرارات التي ستتكون من ترويكا تضم رئيس القمة الحالي (الدولة التي تتولى الرئاسية الدورية للقمة) والرئيس السابق والرئيس المقبل إضافة إلى الأمين العام للجامعة.
كما ينتظر أن تقر القمة إنشاء برلمان عربي دائم يكون مقره في دمشق ويتم اختيار أعضائه بالانتخاب, حتى يتمتع بالصفة التمثيلية, كما هو الحال بالنسبة للبرلمان الأوروبي.
ومن المقرر أن تبحث القمة من جديد مسألة الأزمة المالية للجامعة العربية الناجمة عن عدم سداد العديد من الدول الأعضاء لمساهمتهم في موازنة الجامعة.
في المقابل تم إرجاء البت في مشروعين آخرين كان يفترض أن يطرحا أصلا على قمة تونس العام الماضي ويتعلقان بإنشاء محكمة عدل عربية ومجلس أمن قومي عربي. وتم التخلي كذلك عن مشروع لإنشاء بنك استثمار عربي على غرار بنك التنمية الأوروبي.
==================(28/33)
(28/34)
واشنطن تؤكد عزمها على التطبيع الشامل مع طرابلس
الجمعة :11/02/2005
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
جددت الولايات المتحدة عزمها على التوصل إلى ما وصفتها بعلاقات طبيعية شاملة مع ليبيا. جاء ذلك في ختام زيارة قام بها إلى طرابلس مساعد وزيرة الخارجية الأميركي للشرق الأوسط ويليام بيرنز.
واجتمع بيرنز مع الزعيم الليبي معمر القذافي ومسؤولين آخرين يومي الأربعاء والخميس، في إشارة جديدة على تحسن الروابط منذ قرار ليبيا التخلي عن برامجها المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل أواخر عام 2003.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها إن بيرنز أجرى مناقشات "مثمرة ومعمقة" مع القيادة الليبية في إطار مواصلة ما أسمتها العملية التدريجية لتحسين العلاقات الأميركية الليبية.
وأوضح البيان أن بيرنز أكد مجددا أن هدف التطبيع الكامل للعلاقات هو تعزيز "التعاون بشأن مكافحة الإرهاب والتسوية السلمية للصراعات الإقليمية والتحديث الاقتصادي والسياسي".
وأشار البيان إلى أن المسؤول الأميركي راجع مع القيادة الليبية "مسائل تبعث على القلق" تتعلق بتورط ليبيا في السابق بالإرهاب. وأوضح أن الجانبين اتفقا على مواصلة الحوار في هذا الموضوع دون أن يقدم البيان تفاصيل إضافية.
وفي إشارة إلى استمرار قلق الولايات المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، قال البيان إن بيرنز أبدى قلقا متزايدا بشأن قضية المعارض الليبي فتحي الجهمي الذي أودع السجن عام 2002 لمناداته بحرية التعبير والديمقراطية وأطلق سراحه في مارس/آذار 2004 ثم أعيد اعتقاله بعد أسبوعين من ذلك لإدلائه بتصريحات لوسائل الإعلام.
كما اتفقت واشنطن وطرابلس خلال زيارة بيرنز على تطوير مبادلاتهما الجامعية والعلمية. ووعد المسؤول الأميركي بتقديم الدعم لدخول ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية.
وكان الرئيس الأميركي جورج بوش أنهى رسميا الحظر التجاري الأميركي على ليبيا في سبتمبر/أيلول العام الماضي لمكافأتها على التخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل، لكنه ترك بعض العقوبات المتصلة بالإرهاب.
ووجود ليبيا في القائمة الأميركية للدول الراعية لما يسمى الإرهاب يحرمها من تلقي صادرات الأسلحة الأميركية ويفرض رقابة على مبيعات المواد ذات الاستخدامات العسكرية والمدنية ويقيد المعونة الأميركية لها، ويلزم واشنطن بالتصويت ضد منح طرابلس قروضا من المؤسسات المالية الدولية.
==============(28/35)
(28/36)
التطبيع الاقتصادي المؤهل
الثلاثاء:21/12/2004
(الشبكة الإسلامية) د. عبدالعزيز المقالح
لعله أكثر من تطبيع اقتصادي، حيث ينظر إليه بعض الخبراء العليمين بوصفه تداخلاً اقتصادياً وشراكة غير مسبوقة في هذا المضمار مع العدو "الإسرائيلي". ويبدو أن اختيار هذا المستوى من التطبيع، أو التداخل والشراكة، قد جاء بعد أن وصل اليأس بالعدو "الإسرائيلي" وأنصاره إلى ذروته، من تحقيق أي حد من التطبيع الثقافي في الوطن العربي، فاتجهت محاولاته إلى التطبيع الاقتصادي من خلال البوابة الأمريكية، التي أثبتت بكل ضغوطها المادية والمعنوية أنها لن تقبل أي تعاون اقتصادي مع أي قطر عربي ما لم يكن الاقتصاد "الإسرائيلي" طرفاً مشاركاً، ولو بالحد الأدنى في بداية التجربة إلى أن تتحرك العجلة، ويبدأ الشريك المؤهَل -بفتح الهاء- والمؤهِل -بكسر الهاء- في التحكم بالاقتصاد العربي، وتحقيق حلم منظري الأوسطية اليهودية التي سيختلط فيها الحابل بالنابل، والمجرم بالبريء.. إلخ!
لقد تحدث السياسيون والمفكرون العرب، وشاركهم في ذلك الشعراء عن مخاطر الهرولة وما يترتب عليها من إذلال سياسي واقتصادي وثقافي، ومن طمس متعمد لكيان الأمة الواحدة بإمكاناتها وطاقاتها البشرية والمادية، لكن من الواضح أن المصالح الأنانية المؤقتة لبعض الأقطار العربية -إن كانت هنالك مصالح تذكر- قد دفعت بها إلى اتخاذ هذا الموقف الصعب في وقت هو الأسوأ، وفي سلسلة من المفاجآت غير المتوقعة مما يفقد هذه الأقطار مكانتها في النفوس وفي الأسواق أيضاً، ويقلل من فرص الشراكة العربية، وما كان يقال عن سوق عربية مشتركة وتكامل اقتصادي. وحتى لو قبلت هذه الأنظمة بحديث المناطق الصناعية المؤهلة، فإن الشعوب ستظل دائماً في حالة رفض مستمر لأنها تدرك ما وراء هذا "التأهيل" من خطورة على الاقتصاد والأوطان.
وهنا يأتي السؤال عن معنى التأهيل المصاحب لهذه الخطوات التطبيعية المؤلمة، وهل يستهدف تطبيع الشعوب لتكون طيعة وخاضعة متناسية كل ما حل ويحل بها من جراء العدوان الصهيوني قديماً وحديثاً؟ وللإجابة عن تساؤل كهذا يمكن القول: إن هؤلاء الذين يتولون التأهيل قد يكون في إمكانهم تأهيل بعض الأنظمة المدجنة ووضعها على طريق التطبيع السياسي أو الاقتصادي، لكنه من الصعب جداً تأهيل الشعوب لمثل هذه الحالات، ولأن الشعوب هي صاحبة الحق الأول في الاختيار والتنفيذ، فإن كل محاولة لا تأخذها في الاعتبار ستكون أكثر من فاشلة، حتى لو ظهرت في بداية الأمر على نحو لا يفصح بمثل هذه النتيجة الحتمية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليج الإماراتية 18/12/2004
================(28/37)
(28/38)
أبعد من التطبيع العراقي ـ الاسرائيلي
الاربعاء:15/09/2004
(الشبكة الإسلامية) رشيد خشانة
علم العراق
يتوسع الدور الإسرائيلي في العراق كل يوم بسرعة أكبر من قدرة المراقبين على رصده، وهو لا يقتصر على الشمال مثلما تردد خلال السنة الأولى من الاحتلال الأميركي وإنما نراه يتمدد إلى بغداد والجنوب وصولاً إلى الناصرية والبصرة. ويعتقد الإسرائيليون أن القوات الأميركية غير قادرة على فرض الأمن والاستقرار في العراق وأن عليهم تطوير قنواتهم الخاصة مع القوى المحلية انطلاقاً من نقطة الارتكاز الرئيسية في الشمال والتقدم في تنفيذ الخطة التي كانوا أعدوها قبل سقوط النظام السابق في العراق مع إدخال تعديلات طفيفة عليها.
واضح أن "إسرائيل" تعمل على محورين متكاملين ،أولهما: دفع اليهود العراقيين إلى الواجهة ليس للمطالبة بدور سياسي في عراق ما بعد صدام حسين؛ لأنها تعلم أن ذلك يثير ضدها حساسيات واسعة في المنطقة وإنما بوصفهم رأس جسر لترتيب العلاقات مع الحكم الجديد في البلد على جميع الصعد. هذا هو القسم الطافي على السطح من الاختراق الإسرائيلي للعراق، أما القسم الخفي فهو التمدد الاستخباراتي الذي يبدأ من تصفية العلماء العراقيين ليشمل التأثير في التطورات السياسية الداخلية والتغلغل داخل البنية الاقتصادية وصولاً إلى تكريس علاقات نفطية عراقية - إسرائيلية طبقاً للخطة التي سبق ان أعلنها وزير البنى التحتية الإسرائيلي (يوسف بريتسكي) في صحيفة "هآرتس" والرامية لمد خط أنابيب جديد من العراق إلى "إسرائيل" عبر الأردن.
ما من شك بأن "إسرائيل" تتمنى اليوم قبل الغد التطبيع الديبلوماسي مع بغداد والحصول على اعتراف طالما انتظرته من العراق بشرعية وجودها، لكنها بدت مستعدة للقبول بإرجاء هذه الخطوة إلى حين في مقابل تحصيل منافع أهم على الأمدين الوسط والبعيد في مقدمها تبلور لوبي عراقي داخل أجهزة السلطة يدافع عن إقامة علاقات متينة معها. كذلك هي أظهرت "تفهماً" لكون الاقدام على الصلح معها الآن يسبب ارباكاً إضافياً لحكومة هي في غنى عن المزيد من المشاكل والاحتكاكات داخلياً واقليمياً. وما يشجعها على "الصبر" كون الأمور تسير وكأن التطبيع حاصل بما في ذلك على الصعيدين العسكري والاستخباراتي من خلال دور مستشاريها العسكريين العاملين مع القوات الأميركية. واللافت في هذا السياق أن أول من كشف وجود مستشارين عسكريين إسرائيليين في العراق واعتماد القوات الأميركية عليهم لثقتها بخبرتهم في مجابهة المقاومين الفلسطينيين، كان الصحافي الفرنسي (جورج مالبرونو) الذي اختطف لاحقاً مع زميله كريستيان شينو.
غير أن "إسرائيل" مصرّة، مع كل ما غنمته من مكاسب على الأرض، على التطبيع الرسمي مع بغداد بأسرع ما يمكن بالنظر لدلالاته السياسية والرمزية الواضحة. والظاهر أن لا خلاف مع الحكومة العراقية الحالية على التشاور المستمر لتحديد الوقت المناسب للإقدام على تلك الخطوة.
واستطراداً يلقى الدور الإسرائيلي المتنامي داخل العراق في هذه المرحلة مزيداً من الضوء على حجم التأثير الذي كان لتل أبيب لدى الاعداد للحرب ووضع خططها وأهدافها من خلال اللوبي الليكودي في الإدارة الأميركية، ومن تجلياته المعروفة ايفاد شارون رئيس جهاز "الموساد" (أبراهام هاليفي) للإقامة في واشنطن طوال الأشهر الثلاثة التي سبقت اندلاع الحرب لاعطاء المشورة لكبار القادة العسكريين الأميركيين. ومثلما تتبلور ملامح الصورة تدريجاً لدى التمحيص يبدو الدور الإسرائيلي في تلك الحرب أكثر وضوحاً اليوم بوصفه حرباً بالوكالة رمت لحماية الدولة العبرية من أكبر مصدر تعتقد أنه كان يشكل تهديداً لوجودها، وتالياً ضمان تكريس سيطرتها على المنطقة.
صحيفة الحياة اللندنية 13/9/2004
=============(28/39)
(28/40)
الحكومة الأردنية تتوعد رئيس لجنة مقاومة التطبيع
الاربعاء:04/08/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
هددت الحكومة الأردنية باعتقال رئيس وأعضاء لجنة مقاومة التطبيع في النقابات المهنية ما لم تتراجع عن قرارها بمعاقبة النائب في البرلمان وعضو النقابة رائد قاقيش.
ويأتي قرار المقاطعة على خلفية مشاركة النائب في الثالث عشر من الشهر الماضي مع رعنان غيسين مدير مكتب شارون في برنامج على قناة الحرة الفضائية يبحث قرار محكمة العدل الدولية بشأن جدار الفصل الإسرائيلي, كما شارك فيه أيضا الباحث الفلسطيني سري نسيبة.
وقال رئيس اللجنة المهندس بادي رفايعة للجزيرة نت إن مجلس نقابة المهندسين ولجنة مقاومة التطبيع اعتبرا مشاركة قاقيش في البرنامج مع غيسين "عمل تطبيعي"، وقرر مقاطعته وعدم إشراكه في أي أنشطة تقيمها النقابة "لخرقه قرارات الهيئة العامة" للنقابة والتي تنص على "عدم التطبيع مع العدو الصهيوني بأي شكل من الأشكال".
وعلى إثر القرار قال رفايعة إن وزير الداخلية ومحافظ العاصمة هددا خلال اتصال معه باعتقاله هو مع عدد من أعضاء اللجنة ومجلس النقابة مالم يتم التراجع عن القرار.
وأكد رفايعة أن مجلس نقابة المهندسين ولجنة مقاومة التطبيع "لن يتراجعا عن قرار عقاب قاقيش" معتبرا أنه "حق لمجلس النقابة التي ينتمي إليها قاقيش" والتي خرق مواثيقها.
وحول القضية قال مراقبون نقابيون للجزيرة نت إن قرار مجلس النقابة وتهديد الداخلية للمجلس بالاعتقال قد وضعا الجانبين بمأزق كبير، إذ أن الحكومة ستحاول فرض هيبتها بينما أصبح وضع المجلس حرجا بين الرضوخ للحكومة وخيار المواجهة.
وفي السياق أثار قرار نقابة المهندسين بمقاطعة قاقيش ردود فعل من رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي الذي أكد أن الإساءة لأي عضو في البرلمان "تعد إساءة للمجلس كاملا".
وتتزعم نقابة المهندسين لجنة مقاومة التطبيع التي تضم ممثلين عن نقابات أخرى لمجابهة التطبيع مع الدولة العبرية.
وكانت الحكومة الأردنية السابقة قد حلت تلك اللجنة واعتبرتها غير شرعية، كما حلت مجلس النقباء الأردنيين لنفس السبب واعتقلت عددا من أعضاء اللجنة بتهمة ممارسة الانتماء لجمعية غير مشروعة هي لجنة مقاومة التطبيع، لكنها أفرجت عنهم لاحقا
================(28/41)
(28/42)
العراق ينفي التطبيع مع إسرائيل ويعتبر إيران العدو الأول
الاثنين :26/07/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
نفى رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي وجود إسرائيليين في العراق، وقال إن المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام بأن العراق أصبح قاعدة للمخابرات الإسرائيلية والسماح للعراقيين بزيارة إسرائيل غير صحيحة وليست دقيقة.
وقال علاوي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللبناني رفيق الحريري في بيروت إن بغداد لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل قبل الدول العربية، مشيرا إلى أن العراق لن يتخذ أي خطوات منفردة في أي موضوع يتعلق بمسألة التسوية مع إسرائيل.
وأجرى علاوي محادثات مع كبار المسؤولين اللبنانيين تناولت الوضع في العراق والجهود الرامية إلى تحقيق الأمن. كما شملت موضوع الأرصدة العراقية المجمدة في البنوك اللبنانية.
كما تطرق رئيس الوزراء العراقي المؤقت في بيروت لإمكانية استئناف تصدير النفط العراقي عبر أنبوب يمر عبر سوريا ولبنان، وبهذا الشأن قال الحريري إن هذا الأمر يتطلب اتفاقا مع سوريا التي يمر الأنبوب عبر أراضيها أولا.
واعتبر الحريري وعلاوي في مؤتمرهما الصحفي القرارات التي اتخذت خلال المحادثات مهمة وإيجابية، حيث تم الاتفاق على تشكيل لجنة إستراتيجية عليا مشتركة يرأسها رئيسا الوزراء في كلا البلدين تسعى إلى تثبيت العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية.
كان علاوي وصل أمس إلى بيروت في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام قادما من سوريا، في إطار جولة بالمنطقة شملت حتى الآن الأردن ومصر أيضا.
العدوة إيران
التقارب العراقي مع جيرانه العرب غربا قابله جفاء مع جارته على الحدود الشرقية إيران، فقد اعتبر وزير الدفاع العراقي المؤقت حازم الشعلان أن إيران تمثل "العدو الأول للعراق".
واتهم الشعلان في حديث نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية اليوم وأجري معه السبت الماضي إيران بدعم الإرهاب و"إرسال جواسيس ومخربين اخترقوا الحكومة العراقية الجديدة بما فيها وزارته".
وأوضح الشعلان للصحيفة أن عددا من الأشخاص قاتلوا في أفغانستان اعتقلوا في العراق مؤخرا "واعترفوا بأنهم تلقوا مساعدات من قوات الأمن الإيرانية".
وكان وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي أقر الأسبوع الماضي في اجتماع بالقاهرة مع وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق, باحتمال وقوع عمليات تسلل عبر الحدود الإيرانية, لكنه نفى مسؤولية طهران عن مثل هذه العمليات السرية.
تجدر الإشارة إلى أن إيران آوت ودعمت العديد من الشخصيات العراقية الشيعية في المنفى -التي تبوأ بعضها مناصب عليا في الحكومة العراقية الجديدة- في عهد نظام الرئيس السابق صدام حسين الذي خلع في التاسع من أبريل/ نيسان العام الماضي إثر سقوط بغداد بقبضة القوات الأنغلوأميركية الغازية
==============(28/43)
(28/44)
الأردن يرفض مقاطعة حكومة شارون ووقف التطبيع
الاثنين :12/04/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
رفضت الحكومة الأردنية طلبا تقدمت به إليها النقابات المهنية في البلاد بمقاطعة حكومة شارون ووقف التطبيع مع الاحتلال .
وأوضح نقيب المحامين الأردنيين حسين مجلي -الذي شارك مع باقي رؤساء النقابات المهنية الأردنية في لقاء رئيس الحكومة الأردنية فيصل الفايز وعدد من الوزراء في مقر الحكومة- أن رؤساء النقابات المهنية الأردنية طلبوا من الفايز وقف التعامل مع الحكومة الإسرائيلية والتطبيع معها.
وأكد مجلي أن رئيس الحكومة رفض هذا المطلب وزعم أن قطع العلاقة الأردنية مع إسرائيل ووقف التطبيع معها لا يخدم المصالح الأردنية ولا طبيعة المساعدة الأردنية للفلسطينيين لتحقيق السلام مع إسرائيل.
وأفاد مجلي بأن الفايز أبلغ رؤساء النقابات أن الحكومة لن تجبر النقابات على وقف مقاومتها للتطبيع مع إسرائيل، لكنها ترفض قيام النقابات بنشر قوائم بأسماء المطبعين.
ونقل عن الفايز زعمه أن الحكومة تحترم النقد البناء ورأي المعارضة وإنها تعتز بدور النقابات المهني. وقال نقابيون آخرون إن رئيس الحكومة رفض قيام النقابات بتنظيم حملات لمقاطعة البضائع الأميركية.
كما نقلت مصادر رسمية أردنية عن رئيس الحكومة الأردنية قوله للنقابات إن قطع العلاقة مع أميركا لا يخدم المصالح الأردنية.
وفي الشأن العراقي قال مجلي إن الحكومة وافقت على تقديم كل التسهيلات لأي مساعدات نقابية وشعبية أردنية للشعب العراقي وإعفاء هذه المساعدات من الضريبة الإضافية التي تمت زيادتها بواقع 3% والتي بدأ تطبقها قبل أيام.
كما طالب رؤساء النقابات المهنية الفايز خلال اللقاء بالإفراج عن أحمد الدقامسة المسجون في أحد السجون الأردنية لقتله عددا من الإسرائيليين وجرح آخرين قبل سنوات.
يشار إلى أن هذا اللقاء هو الثالث بين الحكومة والنقابات في إطار سياسة حكومة الفايز لإبقاء جسور الحوار قائمة مع النقابات والأحزاب، عقب تعرض الحكومة لانتقادات شعبية واسعة لزيادة الأسعار وتدشينها مركزا علميا مشتركا مع إسرائيل.
__________________
منير عتيق- عمان
===============(28/45)
(28/46)
حماس تطالب بوقف التطبيع بعد إرجاء القمة
لاحد :28/03/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
قالت مصادر فلسطينية مطلعة أن الوفد الفلسطيني إلى القمة العربية في تونس كان سيضم ممثلين عن حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وأعربت المصادر عن اعتقادها أن يكون ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى إعلان تأجيل القمة.
وقد عقدت القيادة الفلسطينية اجتماعا موسعا برئاسة الرئيس ياسر عرفات لتدارس تداعيات تأجيل القمة العربية. واعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع التأجيل فرصة ضيعتها الأمة العربية لمواجهة مشاكل حادة.
من جانبه أبدى وزير شؤون المفاوضات صائب عريقات خشيته أن تستغل إسرائيل الوضع لتصعيد اعتداءاتها ضد الفلسطينيين وتهديد حياة الرئيس عرفات ومواصلة الاستيطان وبناء الجدار.
وأعرب عريقات في حديث لقناة لجزيرة عن أسفه من أن حالة العجز والانقسام في صفوف صناع القرار العربي تأتي الآن إثر اغتيال إسرائيل مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين قبل أسبوع، واستخدام الإدارة الأميركية الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون إدانة إسرائيل على اغتيال الشيخ ياسين.
موقف حماس
من ناحية أخرى أعرب قائد حركة حماس في قطاع غزة عبد العزيز الرنتيسي عن أسفه لتأجيل القمة العربية، ودعا القادة العرب إلى "الارتقاء إلى مستوى التحديات والالتحام بشعوبهم حتى تنهض الأمة من جديد".
ووصف الرنتيسي الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بأنهما عدوان لله وللإسلام والمسلمين, وقال الرنتيسي في مهرجان تأبيني للشيخ ياسين أقيم في الجامعة الإسلامية بغزة إن حماس لن تستهدف الولايات المتحدة بل إسرائيل. وأكد تعهدات حماس برد انتقامي على اغتيال مؤسسها.
وطالب الرنتيسي قادة الدول العربية الذين "خذلوا أمتهم" على حد تعبيره بإغلاق السفارات والقنصليات والمكاتب التجارية الإسرائيلية في دولهم.
وكانت إسرائيل قد أعربت عن ارتياحها لتأجيل القمة العربية واعتبرته تطورا إيجابيا.
وقال مسؤول إسرائيلي في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية إن إرجاء القمة "إشارة إيجابية تكشف أن العالم العربي يتغير وأن العدائية حيال إسرائيل لم تعد تكفي لتشكيل قاسم مشترك".
ميدانيا استشهد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد تطويق منزله فجر اليوم في مدينة الخليل بالضفة الغربية. وزعم متحدث عسكري إسرائيلي أنه تم العثور على ذخيرة بنادق رشاشة في منزل الشهيد جميل الطل (34 عاما)، لكن أقاربه وجيرانه نفوا أن يكون مشاركا في أي أنشطة مقاومة ضد إسرائيل.
=============(28/47)
(28/48)
واشنطن وطرابلس تستعدان لبحث تطبيع العلاقات
الاربعاء:04/02/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أمس الثلاثاء أن الولايات المتحدة وليبيا ستبدآن محادثات حول تطبيع العلاقات بينهما بعد الإجراءات التي اتخذتها طرابلس من أجل تنفيذ التزامها بالتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر إن مساعد وزير الخارجية المكلف شؤون الشرق الأوسط ريتشارد بيرنز سيتوجه إلى لندن للاجتماع بمسؤولين بريطانيين وليبيين الجمعة. وأوضح أن هذا الاجتماع سيسمح بمناقشة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها واشنطن للتجاوب مع التعاون الذي تبديه ليبيا.
وقال باوتشر إن هذه نتيجة الخطوات الإيجابية التي قامت بها ليبيا من أجل تفكيك كل عناصر برامجها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل, مضيفا "بما أن الحكومة الليبية اتخذت هذه الإجراءات الأساسية وأثبتت جديتها فسوف تكافأ على حسن نيتها".
ولم يكشف باوتشر عن التدابير التي يمكن أن تتخذها واشنطن أو عن جدول زمني محدد، لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن واشنطن قد تبدأ برفع الحظر المفروض على الأميركيين بالسفر إلى ليبيا لأسباب أمنية.
وقد يزور بيرنز ليبيا أيضا الأسبوع المقبل, في ما من شأنه أن يعتبر أهم زيارة رسمية أميركية إلى ليبيا منذ أكثر من 20 عاما.
وفي آخر الشهر الجاري ينتهي مفعول هذا التدبير الذي يجدد كل ثلاثة أشهر. وقد يكون هذا التدبير تحضيرا لسحب اسم ليبيا من اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب الدولي التي تضم كوريا الشمالية وسوريا وإيران وكوبا. وقد يكون أيضا تخفيفا للعقوبات الاقتصادية الأميركية.
وترجمت النية الحسنة الليبية باستقبال فريق من المفتشين الأميركيين والوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أرسلت ليبيا في يناير/ كانون الثاني وثائق ومعدات حساسة، خاصة قطعا للطرد المركزي تستخدم لتخصيب اليورانيوم وخزنت في مستودع آمن في تينيسي بالولايات المتحدة.
وزار وفد من النواب الأميركيين كذلك ليبيا في أواخر الشهر الماضي. ولا يقيم البلدان علاقات دبلوماسية منذ العام 1981.
وكان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي قد أعلن في ديسمبر/ كانون الأول عزمه على التخلي عن جميع برامج أسلحة الدمار الشامل, بعد مفاوضات سرية استمرت أشهرا بين واشنطن ولندن.
==============(28/49)
(28/50)
فرنسا تؤيد تطبيع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وليبيا
السبت :10/01/2004
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
قال وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان إن بلاده تؤيد التطبيع التدريجي للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وليبيا.
وقال بمؤتمر صحفي عقده الجمعة في ختام مباحثات مع نظيره الليبي عبد الرحمن شلقم إن الاتفاق النهائي بشأن تعويضات عائلات ضحايا طائرة أوتا الفرنسية يفتح آفاقا جديدة للتعاون بين باريس وطرابلس.
وأعلن عزم بلاده مساعدة الجماهيرية حتى تحقق المزيد من الإنجازات بعد التقدم الذي حدث في موضوع البرنامج النووي وقضية لوكربي.
من جانبه قال شلقم إن بلاده بهذه الخطوات إنما تقود "عقلية الحداثة" في الوطن العربي والعالم الإسلامي حسب زعمه .
وأعرب عن الرغبة في إقامة شراكة اقتصادية وثقافية مع فرنسا من أجل ما اعتبره الاختيار الحضاري والتعايش والتسامح والتقدم.
وأبدى شلقم دهشته إزاء أصوات تعارض الموقف الفرنسي من قضية الحجاب مؤكدا رفضه لما سماه "اختزال الإسلام في قطعة قماش" تضعها المرأة على رأسها حسب زعمه .
وفيما يتعلق بقضية البلغار المحتجزين في ليبيا قال شلقم إن محاكمة عادلة ستجرى لهم، ووعد بأن تحسم هذه القضية قبل نهاية فبراير/ شباط القادم.
ونفي وزير الخارجية الليبي مجددا إجراء بلاده اتصالات مع إسرائيل، وأنحى باللائمة على ما سماها بعض الدوائر الأمنية العربية لتسميم المواقف الشجاعة والانتصارات التي حققتها ليبيا.
وتأتي هذه التصريحات المتفائلة بعد أن وقع ممثلون عن عائلات ضحايا طائرة أوتا ومؤسسة القذافي الليبية الخيرية صباح الجمعة في باريس على اتفاق يقضي بأن تدفع طرابلس مليون دولار على أربع دفعات لكل ضحية.
وقال مسؤول فرنسي إن ليبيا -التي تتهمها باريس بأن ستة من مواطنيها مسؤولون عن إسقاط الطائرة- وافقت على دفع المبلغ إضافة إلى 34 مليون دولار أخرى تم الاتفاق عليها في وقت سابق.
وبالإجمال فإن ليبيا تعهدت بدفع 170 مليون دولار تعويضا عن هذا الحادث الذي وقع في سبتمبر/ أيلول 1989 وأوقع 170 قتيلا من 17 جنسية بينهم 54 فرنسيا, عندما تحطمت الطائرة فوق صحراء النيجر.
=============(28/51)
(28/52)
إسلاميو الأردن يشترطون وقف التطبيع لدعم الحكومة
الأحد :02/11/2003
(الشبكة الإسلامية) الجزيره نت
وضعت الكتلة البرلمانية لحزب جبهة العمل الإسلامي شروطا لمنح أصوات نوابها الـ 17 للحكومة الأردنية الجديدة في تصويت على الثقة في البرلمان.
وقال عزام الهنيدي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة العمل الإسلامي إن كتلته تطلب من حكومة رئيس الوزراء الجديد فيصل الفايز وقف التطبيع الرسمي مع إسرائيل وتطبيق الشريعة الإسلامية ومحاربة الفساد وتطبيق العدالة.
وأضاف في تصريح لقناة لجزيرة نت أن هذه الشروط لا تخص حكومة بعينها بل هي شروط يريدها النواب الإسلاميون من أي حكومة سابقة وحاضرة وقادمة.
واستبعد مراقبون منح نواب الكتلة الثقة لحكومة الفايز التي من المتوقع أن تتقدم الشهر القادم لنيل الثقة وسط توقعات برلمانية محايدة بأنها ستحصل على ثقة المجلس بسهولة وبأصوات عالية، علما بأن مجلس النواب يتألف من 110 أعضاء.
وكان نواب حزب جبهة العمل الإسلامي قد رفضوا منح الثقة للحكومة الأردنية السابقة التي ترأسها المهندس علي أبو الراغب للأسباب نفسها.
=============(28/53)
(28/54)
مؤتمر مقاومة التطبيع يعقد بالبحرين
الخميس :23/05/2002
(الشبكة الإسلامية) البوابة
يعقد في العاصمة البحرينية نهاية الشهر الجاري المؤتمر الشعبي الثالث لمقاومة التطبيع مع اسرائيل في الخليج .
واعتبر نائب الرئيس والناطق الاعلامي للجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع فاضل الحليبي في تصريحات له "بان هذا المؤتمر الذي تنظمه الجمعية بالتعاون مع الامانة العامة المنبثقة من المؤتمر الشعبي الثاني المنعقد في الكويت العام الماضي يهدف الى شرح ابعاد تغلغل الكيان الصهيوني في الوطن العربي بالنسبة للشعوب العربية ومخاطرها من خلال الابعاد الثقافية والتجارية والسياسية".
وسيتم استضافة عدد من المفكرين الخليجيين والعرب في هذا المؤتمر اضافة الى مشاركة عدد من الوفود الخليجيين والعرب ورؤساء كل لجان مقاومة التطبيع في الوطن العربي ومن المتوقع حضور 500 شخص من كل الدول العربية الخليجية".
واضاف قائلا بان المؤتمر سيهتم بثلاث محاور وهى : كيف نقاوم التطبيع ثقافيا واعلاميا ؟ و كيف نقاوم التطبيع اقتصاديا وسياسيا ؟ و كيف ندعم الانتفاضة شعبيا واقتصاديا .. مشيرا الى اقامة امسية شعرية ومعرض فنى
============(28/55)
(28/56)
اللجان المصرية لمقاومة التطبيع تحتفل بالانتفاضة
الاثنين :15/10/2001
(الشبكة الإسلامية) رسالة القاهرة
== شارك في المؤتمر نخبة من المفكرين العرب والمصريين بكلمات وأوراق بحثية، واستضاف المؤتمر - بالهاتف - خالد مشعل - رئيس المكتب التنفيذي لحركة حماس .
أكد د. محمد عبد المنعم البري - الأستاذ بجامعة الأزهر - رفض جبهة العلماء للربط الغربي بين الإسلام والإرهاب ، ورفض علماء المسلمين جعل الإسلام مشجبايعلق الغرب عليه إخفاقاته السياسية والأمنية.
واستنكر د. البري موقف بوش الابن من المسلمين الأمريكيين والإشارة إليهم في بداية الأمر ،وبعد وقوع الأحداث علي أنهم قد يكونون مساهمين في هذه العمليات ، ورغم أن بوش الابن سرعان ما تراجع عن هذه الآراء، فإن المسلمين الأمريكيين لن يغفروا له ذلك، وهم أكثر الأقليات مساندة له في انتخابات الرئاسة لدرجة أشار إليها أحد مستشاري الأمن الأمريكي بأن بوش انتصر بما يسمي ( عظمة الأقلية المسلمة ) أي مساندة المسلمين له وترجيح كفته بهم.
وأكد د. البري أنه شخصيا واحد من الذين جابوا الولايات من أجل حشد المسلمين مع بوش وتصويتهم له.
وأكد أنه آن للمسلمين أن يعتمدوا علي أنفسهم في رد الظلم عنهم وعدم الاستكانة إلي قوي خارجية، فالمسلمون الأمريكيون بتأييدهم لبوش في الانتخابات الأخيرة أثبتواأنهم قوة فاعلة يحسب لها ألف حساب ، وأن التغيير العددي في السنوات الماضية في تركيب المجتمع الأمريكي كان لصالحهم، ففي عام 1985 كانت اليهودية هي الديانة الثانية في أمريكا، أما في عام 1995فقدأصبح المسلمون هم أصحاب ثاني ديانة وعليهم أن يثبتوا للعالم أن العدوان دون سبب وقتل الأبرياء ليسا من أخلاق المسلمين.
المقاومة بدلا من الانتفاضة
وقال المهندس إبراهيم شكري - رئيس حزب العمل: إن انتفاضة الأقصي الثانية - وهي تدخل عامها الثاني - هي أبرز الأحداث العالمية علي الإطلاق ، وقمة العمل الإسلامي المرجو لتحرير الأقصي وفك أسر القدس الجريح، وحفاظا علي منجزات الانتفاضة اقترح شكري عدة اقتراحات أهمها:
طرد السفير الصهيوني من القاهرة ووقف كافة أشكال التمثيل السياسي والدبلوماسي مع الكيان الصهيوني ومقاومة التطبيع في كافة أشكاله وبدء مشروع قومي لجمع الأموال لصالح الشعب الفلسطيني يسمي بمشروع الجنيه ، ورعاية جرحي الانتفاضة في المستشفيات المصرية مجانا وتقديم المساعدات الطبية والعينية لهم.
وفرق أ. عبد المنعم تليمة - المفكر القومي - بين لفظي الانتفاضة والمقاومة ، كذلك فرق بين لفظي دعم المقاومة الفلسطينية ومشاركتها العمل الجهادي وأوضح أن الدعم يعني المنع والعطاء بتعال ، بينما المشاركة أكثر تعبيرا من منطلق وحدة القضية ووحدة العدو.
ورصدا للتضحيات المقدمة من الشعب الفلسطيني أكد يونس الكثري - قيادي فلسطيني - أن الانتفاضة الثانية وصل عدد شهدائها إلي ألف شهيد منهم أكثر من 200 طفل دون سن الثامنة عشرة وأكثر من 30ألف جريح و2000 معتقل، وكانت الإمكانات المحدودة والاعتماد علي النفس أهم سماتها، وبدأت الانتفاضة الثانية بالحجارة حتي وصلت إلي العمليات الاستشهادية. وأكد أن العدو الصهيوني صعد مواجهة الانتفاضة بإعلان حرب حقيقية، واستخدام كافة وسائل القتال من البر والجو والبحر للتدمير وتجريف الأرض، وهدم المنازل ومحاصرة الطرق والقري، وعزلها عن بعض.
وعن الوضع العام داخل الأراضي الفلسطينية الذي يفرز كل يوم حركات مقاومة بطولية أكد حمد حجاوي - قيادي فلسطيني -أن الشعب الفلسطيني - بكل ما يقدمه من تضحيات - يعاني اقتصاديا، فقد خسر عشرة مليارات من الدولارات في شهور الانتفاضة وتعطلت قوته العاملة عن الإنتاج بتعطل 120 ألف عامل عن العمل، وعن إعاشة أسرهم وسط جحود رسمي عربي عام وشح حكومي منقطع النظير، أما عن التنظيمات الفلسطينية المجاهدة فإن الخناق حولها يشتد ؛ فلا يوجد دعم حقيقي
وأكد الكاتب والمفكر محمد عودة أن الانتفاضة الفلسطينية وهي تدخل عامها الثاني - تؤكد للعالم أنه لا خيار أمام الإسرائيليين إلا الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وأنه لا سلام معهم، ولا أمن إلا بتحرير الأراضي الفلسطينية.
يطالب الساسة العرب والمسلمين بالضغط بكل الوسائل الممكنة، سياسيا، واقتصاديا علي كافة الأطراف الفاعلة في القضية، سواء دول أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، فالظروف الحالية عالميا وداخل الكيان الصهيوني، وبعد أحداث الثلاثاء الأسود في أمريكا تيسر هذا، خاصة بعد فشل شارون في مواجهة الانتفاضة واعتراف بيرنر نفسه بالخطأ التاريخي الذي ارتكبه اليهود في حق الفلسطينيين عندما أطلق هرتزل مقولته: إن فلسطين أرض بلا شعب واليهود شعب بلا أرضوأن الفلسطينيين لهم الحق في الأرض التي يعيشون عليها.(28/57)
ويقف عبد القادر ياسين - المفكر الفلسطيني - أمام مفهوم الإرهابي في الفكر الأمريكي والصهيوني، مشيرا إلي أنه إذا كان الأمريكيون يعتبرون كل مدافع عن حقه وكل مقاوم لجبروتهم وكل رافض لهيمنتهم الظالمة المستبدة إرهابيا، فالإرهاب ضمن هذا المفهوم يعد شرفا، فالإرهاب الأكبر السكوت علي ذلك ومساندته.
وأكد أن دولة مثل أمريكا تبنت الفكر الإرهابي الصهيوني ودعمته ومارست من أجل الدفاع عنه أشكالا أخري من الإرهاب عندما تصاب من نفس الكأس الذي أسقت منه شعوبا كثيرة فإن السبب الأول لما حدث لها يكون فعلتها هي. وخير ضمان لعدم تكرار ما حدث هو تخليها عن دعم الإرهاب الصهيوني العالمي، والحكم من منطق العدل في القضايا الدولية.
وأكد فاروق العشري - المنسق العام للجنة الشعبية المصرية لكسر الحصار عن العراق - أن من بين الجوانب المضيئة في العمل الجهادي الفلسطيني نجاح الانتفاضة في استنزاف القدرات العسكرية والاقتصاديةوالإسرائيليةواستدراج إسرائيل إلي حرب بالطريقة والأسلوب والمكان والزمان الذي تريده الحركات.
تعديل ميثاق الجامعة
وعبر اتصال تليفوني تحدث خالد مشعل عن أهمية المساندة الشعبية للمجاهدين وأنها من بين عوامل إثارة روح المثابرة والصمود ضد الأعداء، وإن كانوا بوحشية الصهاينة، وأكد مشعل أن المؤازرة الشعبية للقضية الفلسطينية ورقة ضغط كبيرة في مواجهة عنفوان وتجبر أمريكا في مساندتها للصهاينة. وطالب مشعل وسائل الإعلام الإسلامية والعربية تبني قضية الدفاع عن الفلسطينيين ورد ما يثار حول جهادهم من شبهات.
وفي نهاية المؤتمر أكدت اللجان المتضامنة والمنظمة للمؤتمر من خلال بيان عام ضرورة مواجهة التداعيات المحتملة عربيا وعالميا، وما سيترتب علي ذلك من إعادة رسم خريطة للعلاقات الدولية، وذلك ببعض المقترحات منها:
أولا - وضع استراتيجية عربية وإسلامية للدفاع عن النفس ومواجهة العدوان الأمريكي المحتمل باعتبار أن الأمن القومي العربي مرتبط ارتباطا وثيقا بأمن محيطه الحضاري الإسلامي.
ثانيا - مطالبة الدول العربية بإعادة النظر في علاقاتها بالمؤسسات الدولية إلا علي أسس العدل والديموقراطية والمساواة وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وضرورة تحريرها من هيمنة القوي العظمي وخاصة الولايات المتحدة.
ثالثا - الإشادة بدور القيادات السياسية العربية التي رفضت استخدام أراضيها في الانطلاق للعدوان علي دول إسلامية،
رابعا - اليقظة لأساليب الخداع الذي تمارسه الولايات المتحدة والغرب بمغازلة الإسلام بغية مشاركة الدول العربية والإسلامية في ضرب أفغانستان وغيرها من دول عربية وإسلامية علي غرار التحالف ضد العراق.
خامسا - ضرورة إعادة صيانة ميثاق جامعة الدول العربية ودعم دورها لتكون مجسدة للعمل العربي الوحدوي.
==============(28/58)
(28/59)
ندين استهتار بعض المتصهينين بإجماع المغاربة على رفض التطبيع
الجمعة :20/04/2001
(الشبكة الإسلامية) المغرب- إدريس العلمي
بلاغ من المكتب التنفيذي للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني حول ندوة صهيونية بمدينة الصويرة:
"ندين استهتار بعض المتصهينين بإجماع المغاربة على رفض التطبيع ونطالب بمحاسبة ومساءلة المسؤولين"
قام بعض المطبعين المغاربة بتنظيم ندوة علمية، في مدينة الصويرة يومي18و19 أبريل بمشاركة "فاعلة" من طرف صهاينة قادمين من قلب الكيان الصهيوني، مع دعوة عدد من الأساتذة الجامعيين المغاربة للمشاركة في الندوة. و على إثر ذلك أصدرت الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني بلاغا تدين فيه هذا الفعل الشنيع الذي يخرق إجماع المغاربة على رفض التطبيع. و هذا نص البلاغ:
" في الوقت الذي تسحق فيه الآلة الإجرامية العسكرية الصهيونية أبناءنا في فلسطين. وتصعد من أعمالها الإجرامية متحدية العالم ومستخفة بالعرب والمسلمين. وفي الوقت الذي أصبحت فيه أصوات وازنة في الغرب تطالب بمقاطعة الكيان الصهيوني ومعاملته مثل ما عومل به النظام العنصري في جنوب إفريقيا. وبعد أن أجمع الشعب المغربي بكل مكوناته وفئاته على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الصهاينة، وعلى اعتبار أي محاولة للتطبيع خيانة وطنية وقومية ودينية، ومساعدة مباشرة للصهاينة فيما يرتكبونه من حرب إبادة وجرائم مريعة ضد أبنائنا ومقدساتنا في فلسسطين.
في هذا الوقت بالذات يجرؤ بعض المتصهينين على تنظيم ندوة قيل عنها بأنها علمية، في مدينة الصويرة يومي18و19 أبريل الحالي بمشاركة "فاعلة" من طرف صهاينة قادمين من قلب الكيان الصهيوني، مع دعوة عدد من الأساتذة الجامعيين المغاربة للمشاركة في الندوة، متحدين أبناء شعبنا وشعورنا وكياننا، مستهدفين هويتنا وتلاحمنا الكامل في دعمنا لأبطال انتفاضة الأقصى، ومساعدة الصهاينة على فك الطوق عنهم وتشجيعهم على الاستمرار في حماقاتهم وجرائمهم القذرة.
إن الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وهي تثير انتباه الشعب المغربي، الرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع الصهاينة، إلى أنه لايزال هناك من يحاول الاستهتار بإجماعنا وخدمة المخططات الصهيونية على أرضنا:
ــ تؤكد على ضرورة رفض الصهاينة والمتصهينين وفضحهم وعزلهم والعمل على نبذهم مجتمعيا.
ــ تدعو الشعب المغربي إلى المزيد من التعبئة والالتحام بأبطال انتفاضة الأقصى وتقديم كل وسائل الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني في معركته المصيرية من أجل العودة والتحرير وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
ــ تدين الجمعية بكل قوة من عمل على إعداد ندوة الصويرة والتي يتجلى أن هدفها الوحيد هو فتح الباب للصهاينة ليخترقوا جسمنا المغربي، في محاولة لكسر الإجماع الشعبي وفك الخناق عن قادة الإجرام الصهيوني ودعم جرائمهم البشعة وتشجيعهم على ارتكابها والإستمرار في تقتيل أبنائنا ودوس مقدساتنا في فلسطين.
ــ تطالب الجمعية المسؤولين المغاربة بإيقاف هذه الندوة" الفيروس " وبمحاسبة ومساءلة من تجرأ على إحضار الصهاينة إلى أرضنا.
ــ تطالب الجمعية كل المغاربة من أساتذة وغيرهم، المتواجدين في هذه الندوة بأن ينسحبوا منها ويعلنوا إدانتهم لمحاولة إقحامهم في هذا العمل الداعم للإجرام الصهيوني تحت ستار العلم.
ــ تحيي الجمعية المغربية موقف الأساتذة الجامعيين المغاربة من خلال إطارهم المناضل النقابة الوطنية للتعليم العالي التي كانت دائما سندا حقيقيا لأبنائنا في فلسطين وحصنا منيعا ضد كل أشكال الإختراق الصهيوني لجسم أسرة التعليم العالي، وتناشد الجمعية المغربية النقابة الوطنية للتعليم العالي بأن تطرد من صفوفها كل من يرفض الانسحاب من ندوة الصويرة.
ــ تناشد الجمعية الشعب المغربي بكل فئاته وقطاعاته بالمزيد من الحذر والحيطة ضد ألاعيب المتصهينين ومخططات أباطرة الإجرام الصهيوني التي تستهدف اختراق الجسم المغربي المتماسك وتسريب فيروس التطبيع مع العدو.
المكتب التنفيذي
الرباط في 17/04/2001
=============(28/60)
(28/61)
سوريا والعراق تناقشان التطبيع
الثلاثاء:10/04/2001
(الشبكة الإسلامية) فلسطين المحتلة-القدس برس
أثارت رسالة سورية و أخرى مماثلة عراقية غضب رئيس الوزراء الأردني علي أبو الراغب ودفعته إلى توجيه تهديدات عنيفة إلى القوي الوطنية الأردنية الممثلة في الأحزاب والنقابات المهنية.
وطلبت الرسالة الأولى التي تسلمها رئيس الحكومة الأردنية من دمشق أن لا تقوم عمان بإرسال أية منتجات تصنعها المصانع والشركات الأردنية الواردة في قائمة مقاومة التطبيع التي تصدرها الأحزاب والنقابات الأردنية إلى الأسواق السورية فيما طلبت الرسالة العراقية ذات الأمر من الحكومة الأردنية.
واتهم أبو الراغب الذي استدعي مؤخرا قيادات الأحزاب والنقابات إلى مكتبه القوي الوطنية الأردنية بالعمل على تدمير الاقتصاد الأردني !!!؟ محذرا من أن محاولة مواصلة إصدار قوائم بأسماء من لهم علاقات مع دولة الكيان سيدفع الحكومة لاتخاذ إجراءات قاسية من شأنها إنهاء الطابع السياسي للنقابات المهنية.
وقال رئيس الحكومة الأردنية إن هذه الشركات تعمل مع"إسرائيل"في ظل معاهدة السلام الأردنية - "الإسرائيلية" ولم تخالف القوانين الأردنية المعمول بها لافتا إلى أن الطلب السوري والعراقي من عمان عدم إرسال أية منتجات من المصانع الأردنية يشكل طعنة قوية للاقتصاد الوطني.
==============(28/62)
(28/63)
اتحاد الصحفيين العرب يطالب الفضائيات بوقف التطبيع مع إسرائيل
السبت :24/03/2001
(الشبكة الإسلامية) القاهرة- وكالات
دعت الامانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب في ختام اجتماعاتها الدورية أمس في العاصمة المصرية القاهرة "الصحف والفضائيات العربية إلى الكف عن نشر أو إذاعة أي حوارات او لقاءات مع قادة اسرائيل بزعم معرفة رأي وتوجهات اسرائيل".وأضاف البيان "إن الدعوة تأتي ضمن موقف اتحاد الصحفيين العرب الحاسم والصارم ضد التطبيع مع العدو الصهيوني بأي شكل وتحت اي مسمى قبل ان يتحقق السلام الشامل العادل".أشارت وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن البيان الختامي طالب "الصحف الفضائيات بالالتزام الكامل بأخلاقيات المهنة وميثاق الشرف الصحفي العربي(28/64)
(28/65)
الصحفيون العرب يعلنون دعمهم للانتفاضة ورفضهم للتطبيع
الجمعة :23/03/2001
(الشبكة الإسلامية) القاهرة- وكالات
أكدت الأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب دعمها للانتفاضة الفلسطينية الباسلة باعتبارها رمزا للنضال العربى ضد الكيان الصهيونى الغاصب .
وطالبت فى البيان الذى أصدرته اليوم بمناسبة انتهاء اجتماعاتها بالقاهرة الشعوب والحكومات العربية بتقديم الدعم المالى والمعنوى والسياسى لابطال الانتفاضة فى وجه حكومة السفاح شارون الذى لا يزال يهدد بإشعال الحرب الشاملة فى المنطقة . ودعا البيان كما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المجتمع الدولى إلى إدانة التهديدات المتكررة التى يطلقها شارون ، وإدانة العدوان اليومى ضد الشعب الفلسطينى وفرض الحصار والتجويع والقمع عليه بالقوة .
وأكدت الامانة العامة مجددا "موقف اتحاد الصحفيين العرب الحاسم والصارم ضد التطبيع مع العدو الصهيونى بأى شكل وتحت أى مسمى قبل أن يتحقق السلام الشامل العادل" .
كما قررت مراسلة الصحف والفضائيات العربية لكى تكف عن نشر أو إذاعة أى حوارات أو لقاءات مع قادة إسرائيل بزعم معرفة رأى وتوجهات اسرائيل ، وطالبت هذه الفضائيات بالالتزام الكامل بأخلاقيات المهنة وميثاق الشرف الصحفى العربى .
وأعرب البيان عن قلق الامانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب البالغ من تباطؤ التطور الديمقراطى فى الوطن العربى رغم بعض المظاهر الايجابية فى أكثر من قطر .
كما أكدت الامانة العامة مجددا موقف اتحاد الصحفيين العرب الذى عبر عنه المؤتمر التاسع للاتحاد فى عمان ، والذى يطالب بكسر الحصار المفروض على الشعب العراقى وإزالة آثار ومخلفات الازمة العراقية الكويتية بما فى ذلك تصفية كافة الملفات العالقة تمهيدا لاجراء المصالحة العربية الشاملة .
وأوصت باستئناف جهود عقد حوار صريح ومفتوح بين نقابة الصحفيين العراقية وجمعية الصحفيين الكويتية تحت مظلة اتحاد الصحفيين العرب كسرا لحالة الجمود والتنافر السائدة وتحقيقا للمصالحة العربية فى جانبها الشعبى .
وأكدت فى بيانها تضامنها الكامل مع نقابة المحررين اللبنانيين برئاسة الاستاذ ملحم كرم فى جهودها لالغاء قرار وزارة الاعلام اللبنانية بتنحية عشرات من الصحفيين والاعلاميين وتغيير طبيعة عملهم ووضعهم بتصرف مجلس الخدمة المدنية تمهيدا لتسريحهم .
كما أكدت الامانة العامة "تضامنها ودعمها للصحفيين فى كل الاقطار العربية ..
وتستنكر استمرار حملة حبس الصحفيين ومصادرة الصحف وإيقافها والاعتداء على الصحفيين فى أكثر من دولة عربية" .
وقررت تصعيد حملتها لتعديل التشريعات الصحفية العربية المعرقلة لحرية الصحافة ، والاسراع بتقديم مشروع القانون النموذجى للصحافة العربية الى كل الحكومات والبرلمانات العربية للاسترشاد به .
كما قررت تشكيل وفد جديد برئاسة د.صابر فلحوط وعضوية الاستاذين عبد الله البقالى وسفيان بن حميدة لزيارة الجزائر والالتقاء بالمسئولين والصحفيين من الاتجاهات المختلفة والعمل على توحيد تنظيمهم النقابى حتى يحتل الصحفيون الجزائريون موقعهم فى الامانة العامة .
كما جددت الامانة العامة القرار السابق بدعم صحافة موريتانيا الناطقة باللغة العربية ماديا ومعنويا ، ودعت النقابات الاعضاء للمساهمة الجدية فى ذلك
==============(28/66)
(28/67)
بعد شهرين من أمر اعتقالهم :السلطات الأردنية تفرج عن آخر نقابي متهم بمناهضة التطبيع
الخميس :01/03/2001
(الشبكة الإسلامية) عمان -بترا
في بادرة لحل الأزمة الحكومة الأردنية مع النقابات المهنية أفرجت السلطات الأردنية أمس عن أمين سر نقابة المهندسين علي أبو السكر الذي كان العضو السابع والأخير الذي يفرج عنه من بين مجموعة النقابيين المناهضين للتطبيع مع إسرائيل الذين كانوا قد أوقفوا في 27 يناير/كانون الثاني الماضي.
وذكر مصدر قضائي أن أبو السكر رئيس لجنة مناهضة التطبيع مع إسرائيل في اتحاد النقابات المهنية الأردنية قد أطلق سراحه بكفالة قيمتها عشرة آلاف دينار أردني على غرار النقابيين الستة الآخرين الذين أفرجت عنهم السلطات الأردنية في وقت سابق.
وقال المصدر القضائي إن الإفراج عن النقابيين السبعة لا يعني إسقاط التهمة التي وجهت إليهم وهي الانتماء لجمعية غير مشروعة, في إشارة إلى لجنة مقاومة التطبيع مع إسرائيل.
ويواجه أبو السكر العضو في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن تهمة أخرى هي حيازة صواعق ومتفجرات.
وجاء إيقاف النقابيين السبعة بعد قيام لجنة مقاومة التطبيع بنشر قائمة بأسماء الشركات والشخصيات التي تتعامل مع إسرائيل.
وتؤكد الحكومة الأردنية أن نشر مثل هذه القائمة يضر بالاقتصاد الوطني ومناخ الاستثمارات في البلاد، كما يشكل تهديدا لمواطنين أردنيين يتعاملون مع دولة تربطها بالأردن معاهدة سلام منذ عام 1994.
=============(28/68)
(28/69)
سلمان العودة للقادة العرب: التفتوا لشعوبكم أولاً
شبكة نور الإسلام
في سياق تعليقِه على القمة العربية، التي تُعقد اليوم الأربعاء في الرياض، أبدى الشيخ "سلمان العودة" ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ تفاؤله بتوجه عدد من الملفات السياسية الساخنة إلى الحلِّ الإيجابي بين أطرافها المختلفين
وأضاف : "الإعلان عن حكومة وحدةٍ وطنية فلسطينية يُعدُّ مؤشراً إيجابياً ، خصوصاً أنه أحد آثار لقاء مكة الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين."
وتوقَّع الشيخ سلمان أن يصلَ الملفُ اللبنانيُّ إلى حلٍّ إيجابي في القمة العربية ، و"نوع من الهدوء ، والإحساس بالمشكلة في الملفِّ العراقي." مطالباً القمة العربية في الرياض أن تتوجَّه نحو حلٍّ حقيقي، " فنحن لا نريد تهدئةً وتخديراً بالكلام فقط."
وقال الشيخ سلمان : إن " الأمة العربية شهدت مؤتمرات قمة كثيرة جداً ، ومنذ سنين طويلة كانت الشعوبُ العربية في كلِّ مرة تنتظر أن تتمخض هذه الاجتماعات عن شيءٍ منتج."
ويرى الشيخ سلمان أن أزمات الشرق الأوسط كقضية فلسطين مثلاً تكشف أن تأثير الأطراف البعيدة أكثر من تأثير الطرف المحلي العربي والإسلامي ، " فدورنا يأتي ثانياً ، ويأتي ضعيفاً في حالاتٍ كثيرة جداً."
ووجَّه الشيخ سلمان حديثه للقادة العرب الذين اجتمعوا في الرياض قائلاً : "الناس اليوم ينتظرون دوراً ليس في الأزمات فقط ، وإنما ينتظرون دوراً في السلم، ينتظرون دوراً في الهدوء، ينتظرون دوراً في البناء .. إن هناك حاجةً ماسة أيها الضيوف الكرام ـ حكام العرب والمسلمين ـ أن تتوجهوا نحو الإصلاح مع شعوبكم، وتتلمسوا حاجاتهم، عن طريق إقامة المشاريع التنموية والإصلاحية، والتطبيع الجاد والصادق مع الشعوب ؛ حتى يشعر أفراد الأمة العربية والإسلامية بالانتماء الصادق لشعوبهم ,ولمجتمعاتهم ,و لحكوماتهم."
وأضاف العودة مؤكداً : " لقد آن الأوان لالتفاتةٍ قويةٍ جداً من الحكام ؛ لتصحيح العلاقة مع شعوبهم ، ... هذه الشعوب ليست سيئةً ، إنها تستحق أفضل مما هي عليه الآن ".
ودعا الشيخ سلمان القادة العرب أن يسعوا إلى السلام بين "الحكومات العربية والحكومات العربية أيضاً". مطالباً بتفعيل المشاريع ,والبرامج المشتركة بين البلاد العربية، "فنحن في عصر وحدة أوروبية، ووحدة أمريكية، واندماجات على صعيد الشركات العابرة للقارات ، التي أصبح لها نفوذٌ هائلٌ جداً في كل مكان".
وأكد العودة أن طريق حلِّ الأزمة العربية هو في "صفوفٍ متراصة ,وأيدي متقاربة ,ونوايا حسنة ,وقلوب مفتوحة ، لقد انتهى عصر العنتريات الإعلامية ، وانتهى عصر المواجهات ، وانتهى عصر الحروب الطائفية ، وأصبح الناس يتطلعون إلى وحدة , وبرامج مشتركة اقتصادية ,أو إعلامية ,أو سياسية ,أو تعليمية ، أو اجتماعية".
ويتضمن جدول أعمال القمة العربية الـ 19 والتي تبدأ أعمالها غداً ـ الأربعاء ـ في الرياض العديد من الملفات ,والقضايا الساخنة ، وفي مُقدِّمتها تطورات القضية الفلسطينية ,والوضع في العراق ,ولبنان ,ودارفور ,والصومال ، وانتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بالإضافة إلى ملفات اقتصادية ,واجتماعية ملحة .
وستبدأ القمَّة بجِلسة افتتاحية علنية ، ثُمَّ تعقبُها جِلسة مغلقة للملوك ,والرؤساء ,والقادة ، ووزراء الخارجية ؛ لمناقشة القضايا ,والموضوعات ,والتقارير المطروحة على جدول أعمال القمة.
================(28/70)
(28/71)
قلق أمريكي والنروج تكسر الحصار عن الحكومة الفلسطينية
شبكة نور الإسلام
تباينت ردود الأفعال إزاء حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بين ترحيب عربي وقلق أميركي، وحذر أوروبي تميزت عنه النرويج التي بدأت سلسلة فك الحصار الغربي عن الفلسطينيين.
وكانت الحكومة الفلسطينية الجديدة قد أدت اليمين الدستورية السبت عقب نيلها ثقة المجلس التشريعي بأغلبية أعضائه, بعد مناقشته برنامجها الذي قدمه رئيس الوزراء إسماعيل هنية.
موقف النرويج كان قد تميز عن المواقف الغربية الأخرى حيث قررت أوسلو تطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة. وقال وزير الخارجية يوناس غارستور إن برنامج الحكومة "يقوم بخطوات مهمة تلبية للشروط التي فرضها المجتمع الدولي".
وثمن رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية بموقف النرويج، وحث دول الاتحاد الأوروبي على أن تحذو حذو أوسلو لفك الحصار المفروض على شعبه.
من جانبه رحب الاتحاد الأوروبي بتشكيل الحكومة, لكنه اشترط لاستئناف المساعدات المباشرة تقييم برنامجها وأفعالها. وقال بيان صادر عنه إن الاتحاد "سيدرس بعناية برنامج الحكومة والأعمال التي ستقوم بها والتي سيقوم بها وزراؤها".
بالمقابل عبرت واشنطن عن خيبة أملها وقلقها من كلمة رئيس الحكومة الذي اعتبر أن المقاومة "بكافة أشكالها" ضد إسرائيل "حق مشروع " للشعب الفلسطيني. وقالت المتحدثة باسم الخارجية نانسي بيك إنه يتعين على أي حكومة فلسطينية نبذ ما وصفته بالعنف والاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقيات السابقة.
وفي وقت سابق رفضت إسرائيل الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة. وقالت متحدثة باسم رئاسة الحكومة الإسرائيلية إن تل أبيب "لن تعترف أبدا بهذه الحكومة الجديدة ولن تعمل معها ولا مع أي من أعضائها".
عربيا وصفت الرياض تشكيل حكومة الوحدة بأنه "خطوة تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني وأن يعم السلام العادل والشامل جميع أنحاء المنطقة". وهنأ الملك عبد الله بن عبد العزيز الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة إسماعيل هنية, معتبرا أنها ستسعى إلى حل يستند إلى الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
من جانبه دعا وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط المجتمع الدولي لرفع الحصار المفروض على الحكومة الفلسطينية، وقال إن على المجتمع الدولي أن يتعامل بشكل إيجابي مع الحكومة الجديدة ويتخذ الإجراءات اللازمة لضمان نجاحها معتبرا أنها تشكل فرصة لاستئناف عملية السلام.
كما أعربت سوريا دعمها لحكومة الوحدة الوطنية. ودعا مصدر رسمي لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) المجتمع الدولي إلى "رفع الحصار" عن الشعب الفلسطيني, مؤكدا أن بلاده تشدد على ضرورة "توفير المناخات الضرورية لإنجاح عملها".
بدورها رحبت الحكومة الأردنية بالحكومة الجديدة, معتبرة تشكيلها "خطوة مهمة" في مسيرة الفلسطينيين. ودعا المتحدث باسم الحكومة ناصر جودة إلى تكثيف الجهود لتلبية طموحات الشعب الفلسطيني، وتحصيل حقوقه المشروعة وصولا إلى إقامة دولته المستقلة.
كما طالبت قطر المجتمع الدولي واللجنة الرباعية بالعمل "بإيجابية مع هذه الحكومة وتقديم الدعم لها ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني". وقالت الخارجية إنها تأمل أن يسهم تشكيلها في تعزيز وحدة الصف والكلمة بين الفلسطينيين.
وفي صنعاء رحب وزير الخارجية أبو بكر القربي بتشكيل حكومة هنية, داعيا إلى تهيئة مناخات نجاحها لها من خلال رفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني.
كما أعرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي خلال اتصاله بالرئيس عباس عن ارتياحه "للاتفاق الذي توصل إليه الأشقاء الفلسطينيون حول تشكيل حكومة وحدة وطنية".
أما الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو فدعا إلى منح فرصة لحكومة الوحدة ورفع الحصار عنها, معربا عن أمله في أن تنجح في مهامها.
بدورها عبرت الخارجية البرازيلية عن ارتياحها لتشكيل الحكومة الجديدة, معتبرا أنها ستساهم في "تهدئة التوتر والخلافات الداخلية وستسهل التطبيع المنشود في العلاقات مع المجتمع الدولي وستشجع تحريك عملية السلام"
==============(28/72)
(28/73)
الطريق إلى خلاص المسجد الأقصى
كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يتطلعون إلى خلاص المسجد الأقصى وفلسطين من أيدي أعداء الله اليهود الغاصبين، ولكن هذه الأمنية تحتاج لتحقيقها واقعاً إلى تغيير في نفوسنا، يخلصنا أولاً من العبودية لغير الله في أي صورة من صور الشرك وعبادة غير الله. فلا بدّ من تغيير عميق للجذور، نبني به رجل العقيدة المسلم، الذي يحقق العبودية لله تعالى في نفسه ويعبِّد الآخرين لخالقهم, وبهذا الأساس الصلب سينفذ جيل النصر القادم لا محالة إلى اليهود القابعين في بيت المقدس. ثم بالتوحد خلف راية لا اله إلا الله، والصبر والثبات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
في هذا الوقت الذي يتعرض فيه المسجد الأقصى لعملية هدم وتهويد جديدة فإننا نطرح هذا الموضوع للنقاش في المحاور الآتية:
1. إن إدخال منبر صلاح الدين البارحة إلى باحة المسجد الأقصى إنجاز عربي مشكور، وهو تأكيد على تواصل عربي متصل مع قضية القدس، ولكن إدخال المنبر فوق الأرض ألا يجب أن لا يحجبنا عن رؤية ما تفعله إسرائيل من حفريات تحت الأرض، ومن تهويد وطرد لأهلنا المقدسيين؟
2. أليست انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية قامت من أجل الأقصى وعلى خلفية النفق والحفريات وإجراءات التهويد؟
3. لماذا الكل غارق في همومه الذاتية ومنكفئ على القطرية العربية؟ لماذا الموقف الرسمي العربي غارق في تفاصيل العراق وتهديد إيران، والموقف الفلسطيني مشدوداً نحو حالة الفتنة السياسية. وبالمقابل يمعن الصهاينة في تنفيذ الخطط القديمة والجديدة التي تستهدف سلخ القدس عن واقعه الفلسطيني الإسلامي؟
4. أليست قضية القدس تبرز لنا حقيقة الفشل التفاوضي الذي صاغه المفاوض الفلسطيني في أوسلو وطابا والقاهرة واشنطن، ويؤكد أن الحلول الانتقالية التي تطبخها الإدارة الأميركية، ما هي إلا إعادة صياغة لمشاريع فاشلة كلها ضد المسلمين؟
5. ألسنا مطالبون أمام التغول الاستيطاني والتهويدي في القدس، أن تدرك حجم ثقل القضية وأهميتها وأولوياتها، وكذلك إدراك ضرورة النفس الطويل في التعامل معها؟
6. أليس من أول الأولويات جعل قضية القدس مشروع توحد وإجماع شعبي ورسمي، في مواجهة الفتنة الفصائلية على الصعيد الفلسطيني والفتنة المذهبية على الصعيد الإسلامي؟
7. ألسنا بحاجة لتوظيف سلاح المقاطعة ومقاومة التطبيع في معركة القدس؟
8. ألا نستطيع أن نفعل شيئاً من أجل الأقصى؟
=============(28/74)
(28/75)
علماء المملكة يتهمون واشنطن بالإرهاب الدولي والحكومة الانتقالية الصومالية تبعث وفدا لمقديشو
شبكة نور الإسلام يتوقع أن يدخل وفد من الحكومة الصومالية الانتقالية اليوم إلى العاصمة مقديشو التي سقطت بأيدي القوات الحكومية مدعومة بقوات إثيوبية بعد انسحاب قوات اتحاد المحاكم الإسلامية منها.
ووصف محمد حسين عيديد مساعد رئيس الوزراء الصومالي في حديث مع الصحافيين في أفغوي (20 كلم شمال مقديشو) هذا التطور بأنه "يوم تاريخي للصومال.. إنه يوم المصالحة والنصر والعودة إلى القانون والنظام".
وأكد رئيس الحكومة الصومالية الانتقالية علي محمد جيدي أن الحكومة تعتزم اتخاذ مقديشو مقرا لها "في أسرع وقت"، بعد أن كان مقرها بيداوا على بعد 250 كلم شمال غرب مقديشو.
من جهة أخرى قال جيدي الذي وصل أمس إلى أفغوي على متن طائرة عسكرية إثيوبية، إن البرلمان الصومالي المؤقت سيعلن السبت فرض الأحكام العرفية لثلاثة أشهر.
وقد جاء ذلك بعد عشرة أيام من اندلاع الحرب بين اتحاد المحاكم الإسلامية الذي سيطر منذ يونيو/ حزيران الماضي على معظم أراضي الصومال والقوات الإثيوبية المتحالفة مع الحكومة المؤقتة.
وكانت المحاكم الإسلامية قد أعلنت سحب جميع مقاتليها وقيادييها من العاصمة الصومالية وبررت ذلك بأنه لحقن دماء الصوماليين.
وقال رئيس المجلس التنفيذي للمحاكم شيخ شريف شيخ أحمد للجزيرة "إنه انسحاب تكتيكي"، مؤكدا أن الإسلاميين ما زالوا متحدين وعازمين على إخراج القوات الإثيوبية.
وفي أديس أبابا قال رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي إن قواته في الصومال قتلت ما بين 2000 و3000 وجرحت 5000 من القوات الموالية للمحاكم.
وكشف زيناوي عن "تعاون استخباراتي" مع واشنطن، مؤكدا أن القوات الإثيوبية الموجودة في الصومال ستغادر البلاد خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
وقالت الوزارة الإيطالية في بيانها إن إيطاليا تتحرك في شكل ثنائي كما في إطار الاتحاد الأوروبي "لتسهيل عملية التطبيع السياسي التي من حق الشعب الصومالي".
كما أصدر 14 عالما في المملكة العربية السعودية بيانا اتهموا فيه الولايات المتحدة بالإرهاب الدولي "بسبب تحالفها مع إثيوبيا المعتدية في اجتياح الصومال".
==============(28/76)
(28/77)
حرب الأمس واليوم
سلمان بن فهد العودة 26/1/1424
29/03/2003
دعونا نمنح أنفسنا فرصة الفرح بالضرر الفادح الذي لحق بقوات الغزو الأمريكي للعراق ، وبالمقاومة الصلبة التي فاجأتهم حيث استقبلوا بالرصاص بدل الزهور ، دون أن نؤجل هذا الفرح طمعاً بنصر أوسع ننتظره ، وهو في علم الغيب .
أخافُ على نفسي وأرجو مفازها … …
وأستار غيب الله دون العواقب
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي … …
ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ؟
ودعونا نفرح مرةً أخرى بعدم تحول الشعب العراقي إلى قطيع من اللاجئين يستجدي لقمة العيش من أيادي الهيئات الدولية والخيرية ، بل ثبت وتمسك بحقه وحقله .
ليس من المستبعد أن تكون آلة الحرب الضخمة ، وحمم النار التي تصب على العراق بلا حساب قادرةً على حسم النتيجة الأولية لهذه الحرب لصالح الطرف الأقوى ، وعلى اضطرار فئات من هذا الشعب إلى الرحيل نحو المجهول .
لكن هانحن نرى الشعب الفلسطيني مثلاً يقاوم ببسالة وضراوة وصبر وإصرار بعد هذه الحقب الطويلة من الاستعمار ، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين استيطان يهودي مكشوف ، وسيطرة أمريكية محتملة على العراق .
إن الاندفاع الأمريكي نحو التوسع والسيطرة قوي جداً ، وليس هو استثناء من الاندفاعات الإمبراطورية التاريخية ، غير أنه مسرف في حسن ظنه بنفسه ، وإظهار براءته وسلامة أهدافه ونبل مقاصده ، وهو مسرف أيضاً في الاستخفاف بالقوى التي لا تتفق مع رؤيته للأمور .
ولعل هذا وذاك هما المسؤولان عن سؤ التقدير الذي وقعت فيه القوات الغازية التي يسمونها خداعاً وتضليلاً بـ"قوات التحالف" .
تقفز إلى ذهني وأنا أشاهد الموقف الآية الكريمة التي نزلت بشأن غزوة بدر "وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ"[الأنفال:48] والشيطان لم يكن مريداً للتغرير بالكافرين وهزيمتهم ، ولا وقوعهم في قبضة المؤمنين ، ولكن الرغبة العمياء لا تمنح الإنسان فرصةً التأمل والنظر وحسن التقدير .
والظن أن قوى المعارضة المندفعة مع الركب الاستعماري ذات أثر في الصورة المرتسمة عن الداخل العراقي ، والتي ظنت أن الحرب نزهة صحراوية لن تتجاوز بضعة أيام ، بل يمكن تجنبها من خلال ضربات نوعية سريعة تعطي الشعب فرصةً للانتفاض والانقضاض .
إن الشعب العراقي اليوم يعيش تحت وطأة ظلم جديد ، وغزو فاجر ، يتحدث عن تحريره وحقوقه ، ويبشره بالديموقراطية القادمة عبر الصاروخ والدبابة ، ويحاول تحويله إلى أرتال من الجياع والمرضى والمصابين ليمن عليه بعد ذلك بالمساعدات الإنسانية التي تستقطع من أرصدة بلده ، بينما تذهب ثرواته وخيراته إلى جيب المعتدي !
وهذا سر من أسرار قوته ، فإن المظلوم منصور ولو بعد حين "وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا"[الإسراء:33]
وحين أذن الله تعالى بالقتال علل ذلك بقوله :" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"[الحج :33] الآيات .
وفي المسند أن عمر رضي الله عنه سأل رجلاً ممن أنت فقال : من عنزة فقال سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : ( حي من هاهنا مبغي عليهم منصورون ) .
ولعل هذا من أسباب اختلاف الصورة اليوم عما كانت عليه أثناء حرب الخليج الثانية ، حين احتلال العراق الكويت ، حيث كان معتدياً ظالماً ، فانكسر انكساراً سريعاً ، ولم يفلح في أي مقاومة ، بينما هو اليوم معتدى عليه في أرضه ، ومقصود بالتدمير والقضاء على قدراته الحاضرة والمستقبلية ، فهذا عزز موقفه في الدفاع والمقاومة .
ومن تأمل سير الأحداث واستقرأ سنن الله فيها رأى العجب في لطائف الحكم الربانية ، وكيف يجري الله تعالى القدر وفق علمه وحكمته وعدله ، وإن كان هذا المعنى قد يغيب عمن يشهد اللحظة الحاضرة ويندمج فيها ، فتستغرقه عن رؤية ما قبلها ، أو توقّع ما بعدها .
وكان جديراً بمن عانى مرارة الظلم أن يكون أبعد الناس عنه ، وأشدهم نفوراً منه، وأعظمهم خوفاً من عاقبته وشؤمه ، ولهذا يقال في مأثور الحكمة : (( من أعان ظالماً سلط عليه )) !
إن من الخطأ الانسياق في هذه الحرب تحت مسوغات خاصة ذاتية ، بينما أهدافها الحقيقية تتجاوز العراق ونزع أسلحته ، بل وتغيير نظامه إلى إعادة صياغة المنطقة ، ورسم خريطتها وفق رؤية أمريكية إسرائيلية .
وهذه الحرب تأسيس خطير لمبدأ التدخل المباشر في شؤون الدول ، وخوض المعارك بهدف تغيير الأنظمة ، فضلاً عما قد يتمخض عنها من انكسار حاد في النظام والوجود العربي والإسلامي .
وتمهيد للتطبيع الكامل وصفقة السلام المذلة ، وفق "خارطة الطريق" أو غيرها مما تتفتق عنه قرائح الليكوديين !(28/78)