(20/18)
طارق البشري يجيب على أسئلة الزمن الصعب
2003/09/11
حسام تمام
المستشار طارق البشري
في اللحظات الحرجة والفاصلة في تاريخ الشعوب والأمم -كتلك التي نعيشها- لا بد أن تطرح الأسئلة الحقيقة للبحث لها عن إجابة، وهذا ما أردناه في حوارنا مع المفكر الإسلامي الكبير طارق البشري وقد كان.
طارق البشري لا يتحدث كثيرًا، ولكنه في قليله النفيس واضح لا يحتمل اللبس، وصريح لا تغيب وجهة نظره وراء دبلوماسيته ودماثة خلقه.
والحقيقة أن دماثة خلق البشري ومقامه العزيز هي الصعوبة، وربما التحدي الأكبر لمن يحاوره، ففي حضرة القاضي والحكيم يجد الإنسان أن من الأفضل أن يسمع فحسب؛ إذ ليس سهلاً على النفس أن تعقب على كلام البشري، فضلاً عن أن تقاطعه.
على كل، ذهبنا -رئيس التحرير الأستاذ هشام جعفر وأنا- وطرحنا على الرجل ما لدينا، وسألناه بكل صراحة في كل ما يعتمل بالصدور؛ صدورنا قبل الآخرين:
سألناه عن العلاقة بين النخب السياسية والفكرية في عالمنا العربي والإسلامي بعد أحداث سبتمبر والهجمة الأمريكية على المنطقة؛ كيف يرى ملامح النخب الجديدة وأجندتها ومعايير التصنيف وشكل العلاقات بينها واحتمالات التقارب والتباعد بينها؟
سألناه عن الوضع الراهن الذي يشهد هجمة وتواجدًا عسكريًّا أمريكيًّا غير مسبوق.. كيف يصفه؟ وما الإشكالات التي يطرحها؟ كيف يمكن التصدي له ومقاومته؟ وهل يفرض التفوق الأمريكي الساحق علينا تغييرًا ثقافيًّا وفكريًّا لمفاهيم مستقرة كالجهاد وطريقته؟ وهل تجد أفكار -مثل اللاعنف- طريقها إلى بنيتنا الثقافية والفكرية؟
وتوقفنا معه حول مفارقة أنه ودائمًا تتولد في بلادنا حركة معارضة عنيفة تجاه الهجمة الخارجية، ولا نجد مثلها في التصدي للأوضاع الداخلية الأكثر سوءًا! سألناه عن السبب، وهل يرجع إلى سيطرة وتمدد جيل الحركة الوطنية وتأثيره في النخب الحالية؟ أم بسبب تأثر الإسلاميين بالفكر القومي؟ وهل سيتأثر ذلك بتراجع متوقع للتيار القومي بعد سقوط -البعث- أقوى الأنظمة الداعمة له؟
وسألناه لماذا لم تنشأ حركة فكرية إسلامية ضد الاستبداد بنفس قوتها ضد الاحتلال؟ ولماذا ظل الموقف السني ضعيفًا في مسألة مواجهة الاستبداد؟
طرحنا عليه تساؤلاً مُلِحًّا في قضية الإصلاح: هل يمكن أن تلتقي إرادة الخارج في التغيير مع إرادة الداخل في الإصلاح؟ كيف إذا كان ممكنًا وبأي شروط؟ وهل يمكن إنجاز مثلث الاستقلال الوطني (سياسي/ حضاري/ اقتصادي) من دون ديمقراطية حقيقية كما هو الحادث في بلادنا؟
ثم تحدثنا معه حول أجندة الفكر الإسلامي التي كانت قد تبلورت حول مسائل الديمقراطية والتعددية والمرأة وحقوق الإنسان، بفعل الدخول الإسلامي المكثف في العمل العام، فهل ستتغير هذه الأجندة في المنظور القريب مع الوضع الجديد؟
وهل يمكن أن نتحدث عن إمكانية صياغة خطاب إسلامي إنساني يتجاوب مع المشكلات والمشتركات الإنسانية؟ ما الأجندة المتوقعة لمثل هذا الخطاب؟ وكيف يمكن للفقه الإسلامي -مثلاً- أن يحسم توجهاته الإنسانية في قضايا تحوز الإجماع العالمي (مثل قتل المدنيين/ نزع أسلحة الدمار الشامل/...) .. وتشعب الحديث في أكثر من اتجاه فكان هذا الحوار...
لماذا نقاوم المحتل وننحني للديكتاتور؟!
2003/09/11
…
حسام تمام
مقاومة وخضوع في نفس الوقت ومن نفس الشعوب؟ ما أغربها من مفارقة؟
والمفارقة التي نقصدها هي تلك المعارضة العنيفة من القوى الوطنية في عالمنا العربي لأي تدخل خارجي، فيما فعل الاستكانة أو اللامبالاة هو سيد الموقف في التصدي للأوضاع الداخلية!
لماذا السخونة هناك والبرودة هنا؟
هل هي سيطرة وتمدد جيل الحركة الوطنية وتأثيره في النخب الحالية؟
أم هو تأثر الإسلاميين بالفكر القومي؟ وهل سيتأثر ذلك بالتراجع المتوقع للتيار القومي بعد سقوط البعث أقوى الأنظمة الداعمة له؟
مثل الألغاز، كانت تلك الأسئلة التي ضمتها أجندة حوارنا مع المستشار طارق البشري.
طرحناها عليه، فطرح علينا تصوره، وأجاب أيضًا على أسئلة لا تقل إلغازًا عنها: لماذا لم تنشأ حركة فكرية إسلامية ضد الاستبداد بنفس قوتها ضد الاحتلال؟
ولماذا ظل الموقف السني -في نظر البعض- ضعيفا في مسألة مواجهة الاستبداد مقارنة بالموقف الشيعي؟
وإليكم التفاصيل...
**هل كل قضايانا الداخلية لا تكتسب معنى إلا إذا ارتبطت بالتحرر الوطني؟ حتى إن قضية مثل التعليم في دولة كمصر لم تكتسب معنى إلا في إطار حركة إنشاء تعليم وطني وهو ما تمثل بإنشاء الجامعة المصرية؟
- القضية الحاكمة دائمًا هي التحرر الوطني في مواجهة المخاطر الخارجية سواء للأمريكية أو الصهيونية أو الاستعمارية عموما، وهذا ينطبق على كل جوانب حياتنا: ثقافية، اجتماعية، اقتصادية... إلخ.
** ألا يشكل هذا تناقضا في شخصيتنا، بحيث إن القضايا لا تكتسب معنى إلا إذا تعلقت بالمستعمر والمقاومة الخارجية، أما التغيير الداخلي فلا يكتسب قوته بالقدر الكافي؟ وألا يكون غريبا أن نخرج في مظاهرات لمقاومة المستعمر، بينما مسألة الديمقراطية لا تحرك فينا ساكنًا، وليس لها بالنسبة لنا هذه الحساسية؟(20/19)
- إذا كانت الديمقراطية من أجل مواجهة المخاطر الخارجية، تصبح القضية واحدة، ففي بداية القرن العشرين اختلف المصريون حول أيهما أولى: الإصلاح الداخلي أو إجلاء النفوذ الأجنبي، وتفرقوا لحزبين ولم يستطيعوا إقامة حركة حقيقية فعالة إلا حينما توحد الهدفان في هدف واحد؛ فالديمقراطية أداة للتوحد والاجتماع لمواجهة المخاطر الجانبية، وهذا يعطي واقعًا أكبر للديمقراطية.
إذن الاثنان مطلب واحد؛ فقديما في القرن الـ 19 ظهر تعبير "مصر للمصريين"، وكان هذا تعبيرا ديمقراطيا ووطنيا في نفس الوقت؛ لأنه يساعد على عمل انتخابات وإعطاء حريات للمواطنين، وفي نفس الوقت هو شعار احتجاجي ضد نخبة انفصلت وارتبطت بالأطماع الأوروبية الأجنبية، وأتخيل أن الحركات الشعبية خلال الـ 20 سنة الماضية، أهمها كان متعلقا بمشاكل تتعلق بالخطر الخارجي، فمثلا المظاهرات والحركات التي تمت في مارس وإبريل أثناء الغزو الأمريكي للعراق هذا العام وتلك التي تمت في سنتي 90 و91 كانت بمناسبة أحداث غزو العراق للكويت، والمظاهرات في أيام الانتفاضة سنة 2000 و2001 كانت مرتبطة بالشعب الفلسطيني.
**ولكن لم نشهد في قضايانا الداخلية مثل هذه التحركات؛ فحساسيتنا تجاه القضايا الداخلية لا تذكر بالنسبة لتحركاتنا لمواجهة الاستعمار الخارجي؟
- ولكن هذا يدل على الارتباط بين التحرك الشعبي والقضايا الوطنية والصلة الوثيقة بين التحرك الديمقراطي والأهداف الوطنية، وأقصد بالأهداف الوطنية مقاومة المخاطر الخارجية، سواء عن طريق مقاومة الاحتلال الأجنبي، أو مقاومة النفوذ الأجنبي على السياسات المحلية والداخلية أو قضايا حفظ الأمن القومي للدول.
**لكن لماذا لم تثر حركات التحرر الوطني لتنقذنا من السلطة الاستبدادية، ولماذا لا تتحدث عن الديمقراطية الداخلية بنفس القدر التي تتحرك به من أجل مقاومة الاستعمار الخارجي؟
هل ما نحن فيه الآن مرتبط بالثقافة أو الفقه السني الذي يوجب الصبر على السلطان الجائر طالما أقام الصلاة؟ ثم، أليس هناك مخاوف من أن عودة فكرة التحرر الوطني -التي كانت سائدة في جيلك- قد تقضي على فكرة حركة مقاومة الاستبداد الداخلي؟
-إن ما أريده هو الخروج عن الثنائية لتقرير ما هو الأفضل: الديمقراطية أم الاستقلال الوطني؟ لأن هذه الثنائية مغلوطة؛ فالديمقراطية حق مرتبط بالوطنية ولن تتحقق الديمقراطية إلا في ظل حكومة وطنية. وفي التجربة التي مررنا بها في التاريخ المصري منذ سنة 1919 حتى سنة 1952 كانت الديمقراطية مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بالحركة الوطنية بحيث من كان يقف ضد هذه الديمقراطية سيفرط إذن في الاستقلال ومن يضرب الحركة الشعبية سيمهد للاحتلال فكانت القضية واحدة. ثم جاءت فترة عبد الناصر وظل شعار الديمقراطية مرتبطًا بالاستقلال حتى سنة 56، ولكن بعد تأميم القناة وثبوت وطنية النظام سكت الناس عن الديمقراطية من 1956 إلى 1966 وأول مظاهرات حدثت كانت سنة 1968.
كان النظام وطنيا، ولكنه لم يستطع في تكويناته وتركيباته السياسية الداخلية حماية الاستقلال، وقد نقول بأن المشير عبد الحكيم عامر هو السبب، والتكوين الثنائي للدولة مرتبط بعدم النظام، وهذا ما أدى إلى هزيمة 67. وبالنسبة للبلاد العربية الأخرى تبين من التجربة أن الديمقراطية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقلال الوطني، ومع ذلك تعد الطريق الوحيد أيضا للخروج من مأزق الطغاة.
إن كل ما أريده هو التأكيد على أن القضية واحدة وليس هناك انفصال ولا أولوية وكل منهما خادم للآخر، ومن الضروري أن يسيرا سويا، فلا يمكن مواجهة طغيان خارجي أو تحقيق استقلال داخلي أو تحرير إرادة سياسية داخلية أو إزاحة مخاطر عن الأمن القومي إلا إذا وجدت حركة شعبية قوية تقف حارسة بجوارها.
إن الدولة حينما تقف وحدها دون الحركة الشعبية ستفقد بوصلة حركتها وقد تخضع للضغوط الخارجية. وعلى هذه الدول أن تحسم هذا الأمر، فهل هي مع شعوبها أم مع الدول الخارجية؟
**الخطاب الإسلامي فيما يخص مقاومة الاستبداد والديكتاتورية ضعيف حتى بالنسبة لأدبيات الإسلاميين وفي التراث الإسلامي السني تحديدًا، فهل تأثرنا بالفكر القومي في مسألة أولوية حركة التحرر الوطني على مقاومة الاستبداد والديكتاتورية في بلادنا؟(20/20)
-يهيأ لي أن الفكر الإسلامي السياسي الحديث والأحدث استجاب لموضوع الديمقراطية والتنظيمات في هذا الأمر، ولكن الالتباس كان بسبب الرؤية العلمانية في مسألة تطبيق الديمقراطية في بداية القرن العشرين، فلا بد فيها من أن نؤمن بسيادة الأمة، ومن الناحية الفقهية الوضعية في مسألة الأمة، فتعني سيادة الأمة عدم خضوع إرادة الأمة لأي شيء خارج عنها، ومن ضمن هذه الأشياء الدين! لكن الفكر الإسلامي تجاوز هذا الملمح العلماني، والذي حدث هو أن التيار الإسلامي بدأ يأخذ في اعتباره مسألة الديمقراطية فبدأ يصبح شعبيا أكثر منه سلطويا، وبدأ يهتم بهذا الموضوع من الناحية الوظيفية، وبدأ يشعر بأن التمييز ما بين الجانب الأيدلوجي والجانب التنظيمي مهم ويمكن الفصل بين الاثنين، فأنا لا أتخذ الديمقراطية كسياسة أمة بحيث لا تخرق سقف المرجعية الدينية، ولكني آخذها على أنها مشروع تنظيمي يحقق مبدأ القرار الجماعي والتعبير الحر للتكوينات الاجتماعية المختلفة.
فإذا قلنا مثلا بأن التجربة التاريخية الإسلامية كانت تعبر عن كثير من ذلك، فذلك لأن المجتمع الأهلي للمجتمعات الإسلامية كان ناضجا جدًا ومتنوعا وفعالا جدًا بحيث إن الدولة المركزية لم يكن لها من السلطات إلا ما يتعلق بحماية الحوزة وحفظ التوازن الاجتماعي، وبالتالي تظلم ما تظلمه ولكن تظل ضغوط التنظيمات الأهلية والطرق الصوفية وجماعات العلماء وغيرهم قوية على الدولة المركزية.
أما الدولة العلمانية الحديثة في القرن الـ19 فحينما تأسست ضربت التنظيمات الأهلية، وأنشأ النظام الوضعي تنظيمات جديدة مثل النقابات المهنية ونقابات العمال والجمعيات، وأكثر الناس استفادوا من وجود الجمعيات التنظيمات الدينية. والدراسات التي أجريت تؤكد أن الجمعيات الدينية هي الأكثر عددًا والأكثر استمرارًا، ولكن الدولة العلمانية ضربت هذه التكوينات وفرضت سيطرتها فضربت التقليدي ولم تستطع أن تجذر الحديث التي هي أساس إنشائها.
**نفهم من ذلك أن المشكلة ليست في الخطاب الإسلامي؟
- ليست هناك مشكلة من الناحية الفكرية الإسلامية وتحلها الكتابات الحديثة التي نراها للإسلاميين، المشكلة لا تكمن في بناء الفكر الإسلامي فهو ما زال الفكر القومي، ولكن المشكلة أن الخطر الخارجي له تأثير كبير؛ لأنك عندما تنشأ دولة مستقلة وطنية تواجه ألوانا من الضغوط الخارجية ومؤامرات بالداخل بحيث تكون مشتتا بما فيه الكفاية، فمثلا فيما حدث في مصر خلال فترة الستينيات ومشاكل الجنوب في السودان وما سيحدث في العراق إذا استقل لفترة، كل ذلك سيحدث نوعًا من المشاكل من ناحية المؤامرة الخارجية، بحيث إن الحلول السريعة التي تلجأ إليها الدولة تفشل وتنهزم نتيجة لتسرع الحكومات المركزية الوطنية أمام مشاكلها.
إنما يبقى أنه توجد مشاكل علينا أن نعمل على حلها والنظر في كيفية تأسيس مجتمع شعبي مستقل بدولة مستقلة وطنيًا.
**يتضح من الكلام طرح ثنائية ربما تكون جديدة في الأجندة مثل ثنائية الأصالة والحداثة والوافد والموروث، فهل هناك طرح لثنائية جديدة مثل ما يتعلق بثنائية مقاومة المستعمر والديكتاتور الذي غالبا ما يأتي به؟
- كان الفقه والفكر الإسلامي فيما يتعلق بنظم الدولة قليلا؛ لأنه ترك المسائل للحلول العملية أكثر من ضبطها في صياغتها لتؤدي إلى أمور بعينها فلم توجد مشكلة من الناحية الفكرية، إنما المشكلة في كيفية الفصل بين النماذج التي تريد أن تتبناها لقيام هذه المجتمعات وضبط فعاليتها في نمط أيديولوجي معاصر، إذن سيكون الباب مفتوحا لأي تجربة في العالم ولكن عليك بأخذ النموذج التنظيمي والفصل بينه وبين الإطار المرجعي المخالف، ويخيل لي أن المشكلة ليست فكرية وإنما هي سياسية بالأساس.
**وماذا عن الثنائيات؟
-الثنائيات موجودة بالفعل في هذا الأمر، وهي متعلقة بالإصلاح الداخلي والخارجي، وعلينا أن ننظر لهذه الثنائيات كوجهين لعملة واحدة فلا يتم الفصل بينهما فكيف تكون للديمقراطية والدفاع عن الوطن أمر واحد؟ أو مثلا كيف تكون الدولة والأمة أمرًا واحدًا؟ بالتأكيد سيحتاج هذا الأمر إلى نوع من التوازن؛ لأن الدولة طغت على الأمة وأزهقت روحها، فنحن نحتاج لقدر من التوازن وإنشاء تكوينات أخرى.
وهذه التجارب موجودة في الدول الأوروبية وأمريكا؛ فهناك هيئات ومؤسسات المجتمع الأهلي، وهي قوية وقادرة على أن تمارس الضغوط على سياساتها؛ فهذه الثنائيات تصبح نقطة ضعف إذا وضعتها كبدائل متناقضة؛ في حين أنها يمكن أن توضع في نسق لتغذي بعضها البعض، وهذه مهمتنا فكريًا وتنظيميًا وسياسيًا، وإن لم تحل الآن فسوف تجد من يتبناها في المستقبل.
ولكن عليك أن تدرك الوضع ونموذج الحل حتى ولو بشكل عشوائي؛ حتى نستطيع أن نستخلص المفيد منها ونتخلص من غير الحميد، وإذا كان جهاز الدولة والإدارة مبنيا بطريقة شبه رشيدة فستجد أن التخصصات وتقسيم العمل والقرار يتجمع بشكل جماعي، وسيوجد تداخل بين الإدارات المختلفة، ولكن كل سيتصرف مع الآخر بإدارة شعبية.
العنف أو اللاعنف.. كيف نقاوم المستعمر؟
2003/09/11
…
حسام تمام
كيف نقاوم؟(20/21)
نستكين أم نثور؟ وهل لا توجد غير هذه المعادلة الحدية؟
وكيف يمكننا التعامل مع الوضع الراهن الذي يشهد هجمة وتواجدا عسكريا أمريكيا غير مسبوق؟ كيف يمكن التصدي له ومقاومته؟
هل يفرض التفوق الأمريكي الساحق تغييرا ثقافيا وفكريا لمفاهيم مستقرة كالجهاد أو في طريقته؟
وهل تجد مفاهيم مثل "اللاعنف" طريقها إلى بنيتنا الثقافية والفكرية؟
عن كل ذلك وعن إمكانية إنجاز مثلث الاستقلال الوطني (سياسي/ حضاري/ اقتصادي) ناقشنا المستشار طارق البشري، وتحدثنا معه حول أجندة الفكر الإسلامي التي بدأنا منها النقاش بسؤاله عن تقييمه لها في الـ 20 عاما الماضية، وما الأجندة المطروحة في الفترة القادمة؟
فأجاب:
-يبدو لي أننا انشغلنا في السنوات الماضية بقضايا أكثر ثانوية دون الالتفات إلى المشكلة الأساسية. وأقصد بالتحديد موضوع التحرير الوطني؛ ففي خلال الـ 20 عاما الماضية لم نستطع أن نقول إننا متحررون، إنما قلنا: مارسنا الحوارات وصياغة المشاكل كما لو كانت قضية الخطر الخارجي علينا أقل مما هو في الواقع بالفعل، سواء بالنسبة لإسرائيل أو بالنسبة للأطماع الأمريكية بالرغم من محاولتهم توهين الإرادة الوطنية وتوهين إمكانيات المقاوم.
ومن بين هذه الأمور مثلا: إثارة خلافات داخلية؛ بمعنى أن على مدار الـ 20 سنة الماضية أثير موضوع حقوق الإنسان وموضوعات تتعلق بين الداخل والداخل، مثل الخلافات بين الأهالي والحكومة، أو بين المواطنين وبعضهم البعض فيما يتعلق بحرية التفكير والتعبير، كما أثير موضوع حقوق المرأة والرجل، وأثير موضوع الأقليات المختلفة، وكلها موضوعات وخلافات الداخل مع الداخل؛ وهو ما يثير علامات الاستفهام مقارنة بما أثير من موضوعات وقضايا في الخمسينيات والستينيات وما قبلها.
** لكن في تلك الفترة (الخمسينيات والستينيات) كانت هناك أيضا قضايا من هذا النوع!!
- أتفق معكم في ذلك لكنها كانت قضايا هامشية، أما الموضوع الأساسي الذي كان مطروحا فهو المُستَعمِر والمُستَعَمَر وموضوع الشمال والجنوب أو الدول المتقدمة والدول النامية. فدائما ما كانت تثار الموضوعات المتعلقة بالخارج؛ فهذه هو الأكثر خطورة فيما يواجهنا من قضايا، لكن حدث الآن عكس ذلك، ويخيل لي أن هذا يتم بقصد، وهذا القصد آت من الخارج. فوسائل الإعلام ومراكز البحوث الخارجية حولتنا إلى النظر الداخلي فقط دون النظر إلى العلاقة مع الخارج؛ باعتبارها العلاقة الحاكمة والمؤثرة.
ونقول جزى الله الشدائد خيرا!! فالمقاومة الفلسطينية كانت كالقاطرات التي شدتنا إلى تحديد ما هو المشكل الرئيسي، ومن أين يأتي الخطر الرئيسي المتمثل في الاحتلال الأجنبي وخطر الأطماع الأجنبية وهو ما سميناه الاستعمار، والذي لم يظهر فقط أيام بوش، وإنما كان موجودا، ولكن كان يلبس ثوبا مختلفا، مثل التدخل في الشئون السياسية والتعليم والثقافة، ولكن كان موجودًا بأيدينا أكثر مما كان بأيدٍ خارجية.
** الملمح الأساسي للأجندة إذن هو مقاومة المستعمر أو مقاومة المحتل بشكل أساسي..
- حاليا هذا هو ما يجب أن يمثل الأساس.
**وما هي أبرز القضايا المطروحة الآن بالأجندة؟
- أغلب القضايا التي كانت مثارة ما زالت مطروحة ولكنها محكومة، مثل قضايا الاقتصاد فما زالت موجودة، وقضية الاحتياج للخارج أو عدم الاحتياج له، وتوزيع الدخل في الداخل، كما أن الجانب الثقافي موجود بشكل قوي؛ لأنهم يريدون تغيير هذا الجانب، ولكن كل هذا محكوم بشيء، وهي القضية الأساسية والحاكمة ألا وهي الخطر الخارجي؛ وذلك يتبدى في احتلال أراضي الدول، وكسر الإرادة الوطنية في دول أخرى، ويتبدى لي أيضا في شكل انتهاكات لموجبات الأمن القومي، إن لم يكن احتلالا عسكريًّا مباشرًا.
فمثلا إسرائيل لا تحتل مصر، ولكنها عندما تضرب رفح يؤثر هذا في الجيوش على الحدود.. أليس هذا عدوانا على الحدود؟!
**هل هناك أولويات يحددها العنصر الحاكم في هذه الأجندة فيما يتعلق بمقاومة المستعمر؟ بمعنى آخر: هل هناك متطلبات أساسية ترتبط بالعنصر الحاكم في مقاومة الاستعمار؟
- من أكثر القضايا المؤثرة هي موضوع الديمقراطية؛ لأنها تتعلق بالعلاقة بين الحكومات وشعوبها فيما يتعلق بموضوع الحركة الوطنية، وموضوع مقاومة الخطر الخارجي. وأعتقد أن الديمقراطية في بلادنا لم تنجح إلا عندما ارتبطت بأكثر القضايا حيوية في المجتمع. فمثلا ممكن أن نقول: ديمقراطية من أجل حرية التعبير الأدبي والفني، أو ديمقراطية من أجل الدفاع عن الوطن.(20/22)
فإذا نظرنا إلى أفغانستان وباكستان فسنجد أن باكستان أقوى من حيث الجيش وتوافر السلاح، ولكن من كان أكثر في مواجهة الهجوم الأمريكي بعد 11 سبتمبر؟ والإجابة هي أن أفغانستان أثبتت من الصمود والقدرة أكثر من باكستان، كذلك نموذج مثل سوريا ولبنان؛ فنجد أن سوريا أكثر قوة وقدرة، ومع ذلك لا تستطيع أن تكون دولة مُحررة، في حين أن لبنان أضعف من حيث القوة، وجيشها ضعيف، واستطاعت أن تحرر الجنوب اللبناني بعد 22 سنة، وفي خلال 22 سنة لم تكن الأمور هادئة، كانت دائما هناك مقاومة، وكذا العلاقة في فلسطين.. العلاقة بين حركة المقاومة الشعبية والسلطة؛ فنجد أن حركة فتح تعد تنظيما أهليا وليست تابعة للسلطة، إذن فكل التحركات شعبية، أما السلطة فلديها من الضوابط ما يجعل قدراتها محدودة في مواجهة هذا الأمر، ونستطيع القول: إن حركات التحرر الوطني عموما هي حركات شعبية أكثر منها حركات متعلقة بالسلطة.
** ما موقف الدولة في ظل أجندة التحرر الوطني الجديدة؟ وهل هذا التوصيف (أي التحرر الوطني) يتعلق بمسألة الدولة الوطنية التي قد تقيد قوى المجتمع في مواجهة الخطر الخارجي وفي نفس الوقت تعطي المستعمر فرصة التحرك في الداخل؟
- لا بد من مواجهة هذه السياسات، ولن يكون هذا إلا بالعمل الشعبي، ولكن أساليب العمل الشعبي في مواجهة الدول تختلف تماما عن أساليب مقاومة الخطر الخارجي، ويعطينا الدرس الفلسطيني قدوة ومثلا مهمًّا الآن. فالفلسطينيون يستخدمون العنف ضد المحتلين الصهاينة، وكل الظروف تحاول أن تدفعهم للعراك مع فلسطين السلطة، وهم يتفادون هذا تماما، وقوّاهم الله على استبقاء هذا الأمر.
** نفهم من كلامك أنك ترفض أو لا تستسيغ استخدام الفلسطينيين للعنف..
- إذا كانت المقاومة الفلسطينية لا ترى أمامها إلا استخدام العنف لردع العدوان الأمريكي الصهيوني فلا بد من استخدامه، رغم أن ذلك قد يستخدم بالخارج على اعتبار أنه إرهاب، ولكنها ستستخدمه ثم تبرر موقفها لهؤلاء، إنما استخدام العنف ضد المواطنين -أوروبيين أو أجانب أو أمريكيين- في بلادهم خطأ محض، كذلك استخدام العنف ضد مدنيين في بلادنا خطأ محض، واستخدام العنف بين شعوبنا والحكومات مع الاختلافات القوية بينهما هو خطأ محض وضار، ولا بد من مقاومته بكل الوسائل؛ فهذا لا يمثلنا، ونتبرأ منه.
**يقودنا هذا الكلام إلى الحديث عن مفهوم اللاعنف الذي يتم إدراجه ضمن بنية الثقافة والفكر الإسلامي الذي يحاول إسقاط فكرة المقاومة المسلحة طارحًا أسبابًا كثيرة، مثل تغيير صورة العرب لدى الغرب، وعدم وجود توازن في القوة.. فهل أنت مع هذا المفهوم؟
- استخدام العنف يضر بك أكثر من غيرك؛ فالتضحيات الداخلية تكون أكثر من تضحيات غيرك؛ فأنت لا تلجأ إليها إلا إما حماقة أو مضطرًا، ودعنا من الحماقة لأنها خطأ؟ أما المضطر مثل المقاومة الفلسطينية أو في أفغانستان فمع أنه سيخسر فيها من الأرواح والقوى البشرية أكثر كثيرًا جدًّا مما يخسر المحتلون، فإنه ليس أمامه وسيلة أخرى؛ فهو يدافع عن بلده.
**قد تسقط مقاومة العنف بشكل مرحلي ضد العدوان أو الاستعمار، لكن هل ترى أن التطور العالمي والوضع الجديد يمكن أن يسقط الفكرة تمامًا لتكون فكرة النضال المدني بديلا عن العنف؟
- هذه أقاويل الأدباء والمفكرين، وإنما أنت تواجه اقتلاعًا بالقوة المسلحة في فلسطين والعراق وتهديد سوريا باستخدام العدوان المسلح. فمن الصعب استبعاد فكرة استخدام العنف مع وجود محتلين في أرض بلدك.. فكيف يمكن ذلك؟! فهل من انتهك حرمة البيت تستطيع أن تقنعه بالسلام؟ وحتى إذا طرأت فكرة أنه أقوى مني ففي حالة اقتحام بيتي لن أفكر بهذا الشكل، بل سألجأ إلى العنف بالطبع.
**ألم تقل من قبل إن هذا انتحار؟
- عندما تم التفاوض مع سعد زغلول بعد الحرب العالمية الأولى لأجل مؤتمر السلام دخل له العقلاء بالوفد وواجهوه بأنه متمسك بمطالب مستحيلة، وأنه يواجه أقوى دولة في العالم خرجت من الحرب العالمية منتصرة، ومعها دول أخرى؛ فكان رده كالتالي: "إنهم يسرقون الأوطان"، فالرد هنا لا يعتمد على مقياس ميزان القوة، ولكن هناك لصًّا يجب مواجهته، وليس أمام الفلسطينيين سوى العمليات الاستشهادية، فلا توجد أمامهم إمكانية أخرى، وإذا لم يفعلوا فسيقتلون يوميًّا، كما أنه ليست هناك وسيلة أمام أفغانستان والعراق سوى ما يفعلونه الآن.
**وهل يمكن للثقافة الفقهية أن تهضم هذا الكلام كنوع من غسيل المخ والتأثير الثقافي؛ وذلك لأن هناك مفكرين وبعض الشخصيات الإسلامية تطرح هذا الكلام باعتبار أن مسيرة البشرية تطورت، وأن صيغة الجهاد العنيف انتهت، والآن جاء دور جهاد الكلمة؟
- وهل كان عدوان الأمريكان عدوان كلمة؟!
**إن هذا الطرح موجه لنا، وليس للأمريكان!!(20/23)
- أرى أنه يجب ألا نشغل أنفسنا بهذا كثيرًا؛ وذلك لأن المسألة تتعلق بالإمكانية المادية فقط؛ فهل توجد وسيلة سلمية لتحقيق الاستقلال للبلاد والدفاع عنها؟ فإذا كانت موجودة فعلي أن أتبعها، أما إذا لم توجد فلا سبيل آخر، والعنف يضر مستخدمه أكثر من المحتل، فمثلا فيتنام يقال: إن نسبة الضحايا في حربها مع أمريكا كانت من 1 إلى 8، والبعض الآخر يقول من 1 إلى 20؛ أي أنه في مقابل مقتل أمريكي واحد يوجد 20 فيتناميا يموتون؛ فالثمن رهيب؛ لأن تكلفة العنف باهظة على من يستخدمه وعلى شعبه أولا؛ فعليه ألا يستخدمها إلا إذا انتفت الوسائل الأخرى، لكن مسألة أن يتنازل عن أهدافه فهذا بكل المقاييس خيانة، سواء بالفكر الوضعي أو الفكر الديني الإسلامي أو أي فكر آخر، ونحن سنسأل عما فعلناه تجاه القدس يوم القيامة والفرقة الناجية الوحيدة هم من استشهدوا.
ديمقراطية واحتلال.. أم قهر واستقلال؟
2003/09/11
…
حسام تمام
"الإصلاح".. تكفي الكلمة في أي جملة لتثير أسئلة عديدة تبدأ بكل أدوات الاستفهام: ما، ماذا، أين، متى، كيف... لكنها بعد ما يشهده عالمنا العربي والإسلامي صارت تجبر السائل على البدء بـ"كيف"، يتبعها بكثير من الأسئلة القلقة والمقلقة التي تبدأ غالبا بـ"هل" و"ما" في المقابل!!
هل يمكن أن تلتقي إرادة الخارج في التغيير مع إرادة الداخل في الإصلاح؟
كيف يلتقيان؟ وإن كان ذلك ممكنًا فبأي شروط؟
كالسائل المجبر طرحنا أسئلتنا السابقة على المستشار طارق البشري لتتوالى الأسئلة حول علاقتنا بالآخر:
هل بإمكاننا صياغة خطاب إسلامي إنساني يتجاوب مع المشكلات والمشتركات الإنسانية؟
ما الأجندة المتوقعة لمثل هذا الخطاب؟
وكيف يرى ملامح النخب الجديدة وأجندتها ومعايير التصنيف وشكل العلاقات بينها واحتمالات التقارب والتباعد بينها؟..
**هل يمكن أن تصادف الضغوط الخارجية الرغبات الداخلية، ويلتقي الاثنان في محاولة للإصلاح الداخلي؛ فتتفق آمال الداخل في الإصلاح مع رغبات أمريكا في تغيير المنطقة باتجاه الديمقراطية؟
- يجب ألا نقع في هذا الوهم؛ فأمريكا لا تريد إصلاحًا داخليًّا، ولا تريد ديمقراطية في البلاد؛ فالمفهوم الأمريكي للديمقراطية والحرية غير مفهومنا تمامًا؛ فدخول أمريكا العراق باسم التحرير ومع كلمة تحرير تقرن كلمة احتلال، واللفظان يجري استخدامهما في السياسة الأمريكية في هذه الآونة، فهم يستغلون لغة الديمقراطية والتحرير بقصد تحقيق مصالحهم.
**وماذا ترى في تجربة تركيا الديمقراطية ودعم أمريكا لها بإجبار العسكر على قبول الخيار الديمقراطي الذي أتى بالإسلاميين؟
-لم يتبين آثارها بعد، هي تجربة يقوم بها حزب العدالة، ولا أعلم إذا كانت ستنجح أم لا.
**ألا يمكن أن تتلاقى القوة الإسلامية التي تعد الأساس في القوة الشعبية والمصادرة دائمًا في عالمنا العربي مع الرغبات الأمريكية في التغيير؟
- هذا أول طريق الضلال؛ فالسياسة الأمريكية سياسة عدوانية استعمارية، أتكلم عن السياسة الأمريكية وليس الأمريكان، ولن تقبل هذه السياسة إلا أن تكون تابعًا سواء لسياسة مثل سياسة بوش أو سياسة كلينتون؛ فكان الرئيس السادات يفكر دائمًا في أن يثبت لأمريكا أننا قادرون على حماية المصالح الأمريكية بالمنطقة؛ فيستغنون عن الإسرائيليين؛ فماذا كانت النتيجة؟ ازدياد دعم إسرائيل عما سبق.
**هناك مقولة بأن أمريكا هي المسيطرة على الأمور في المنطقة.. فلماذا لا يتم التفاهم مع أمريكا من جانب القوة المقهورة الوطنية المحجوبة عن الشرعية والتي نالت من تعسف الحكم والسلطة؟
- لم تسمح أمريكا لأحد أن يتفاهم معها منذ 30 عاما، حتى السعودية التي ارتبطت معها بعلاقات منذ 50 عاما، وهناك تجربة شاه إيران الذي كان رجلها في المنطقة، ورغم ذلك لم تسمح له أمريكا بدخولها لاجئًا بعد الثورة عليه وخروجه من إيران. وهذا هو وضع الحركات الإسلامية في أفغانستان التي تحالفت مع أمريكا فلم تستفد بشيء؛ فمن يتحالف مع أمريكا تضربه بعد انتهاء التحالف مباشرة، أو فور انتهاء الهدف من تحالفها معه، قبل أن يستقل عنها تضربه مباشرة تمامًا مثل السياسة الصهيونية: اضرب الأجير قبل أن يجف عرقه! وكلما أعطيت تنازلا في الناحية الوطنية أخذوه بلا مقابل؛ فخريطة الطريق توجب الموافقة بلا قيد ولا شرط، ولكن شارون لم يوافق؛ لأنه في ثاني يوم من مبادرة ولي عهد السعودية مباشرة ضرب الفلسطينيين مباشرة؛ فكان في 29 مارس الاجتياح للضفة؛ فهل هؤلاء من سيتم التفاهم معهم وسيفهمون النوايا الحسنة؟! لقد حاولنا بالفعل إيجاد صيغة تفاهم ولكنهم لم يقبلوا.
**وهل ترى أن هناك قدرًا من الأرضية المشتركة بين قوى المجتمع المدني في بلادنا والمجتمع المدني الغربي حتى داخل الولايات المتحدة نفسها؟(20/24)
- نعم، ويجب أن نضع في اعتبارنا أن هناك قوى أخرى في أمريكا غير النظام الحاكم يجب أن نلتفت إليها، كذلك الالتفات إلى أوروبا وشعوبها. وفي الحقيقة أن الحملة العالمية التي تمت للضغط على الولايات المتحدة لعدم شن حرب ضد العراق في أوروبا وأمريكا يجب أن نلتفت لها ونشيد بها ونستجيب لها. فالحملة الأمريكية على العراق كانت من أجل مصالح نخب ودوائر استعمارية هناك، ولا علاقة لها بالضرورة بالشعوب.
**فما هي انعكاسات ذلك على حركات التحرر لدينا، خاصة أن هناك توجهًا عالميًّا لتحركات المجتمع المدني في مناطق مختلفة يمكن أن تنشأ معها أرضية مشتركة؟
-هذا كان موجودًا من قبل، مثلما كان موقف حزب العمال في بريطانيا في أوائل القرن العشرين من قضية الجلاء الإنجليزي عن مصر بعد احتلالها سنة 1882؛ فكان هناك الكثيرون ضد هذا الاحتلال؛ بمعنى أنه يوجد في الحضارة الغربية والتكوينات السياسية والاجتماعية الغربية من يستطيع أن يتفهم قضيتك ضد الاستعمار الغربي لك.
وقد تلاحظ هذه الظاهرة اليوم بشكل أكبر مما مضى، ولكن نستطيع القول بأنها كانت موجودة على الدوام، وذلك في القرن الـ19 والقرن الـ20؛ لأن الذي يحسمها في النهاية ضد حكوماتهم هو موقفك أنت من قضيتك ومدى قدرتك على أن تقاوم، وهذا يزيد من تأثيرك ومدى احترامك هناك ومدى قدرتك على التعامل مع هؤلاء المؤيدين.
**فما هي متطلبات التعامل مع هؤلاء؟
-لا تستطيع أن تضع منهجًا معينًا، ولكن هناك مبدأ أن تستجيب لوجود توجهات من هذا النوع في الرأي العام الأوروبي والأمريكي وتلقي الضوء عليه، أما وسائلها وأساليبها فينظر إليها في وضعها المناسب؛ فلا نستطيع أن نضع قاعدة، ولكن يجب أن يكون واضحًا في أذهاننا أثر أفعالنا على هؤلاء من غير أن يكون هذا الأثر هو الحاكم للموضوع.
**هل ترى أن على القوى الوطنية وبالذات الإسلامية المعارضة التي تسعى أمريكا للتفاهم معها قفزًا على الأنظمة الوطنية.. أن تقبل بالتفاهم معها من أجل بناء مشروع وطني قادم تسليما بموازين القوى، أم أن هذا يعد نوعا من الخروج على الوطنية؟
-السؤال عام، ولكن إذا خصصناه فأنا لا أتعاطف مع هذا؛ فالأمريكان يريدون استغلال أي إمكانية أمامهم بأقل خسائر ممكنة وبأكثر مكسب ممكن، وعندما يتحالف معك سيضربك قبل أن تلتقط أنفاسك (اضرب الأجير قبل أن يخرج عليك) فهو لن يلتفت إلى أنك تعبر عن شعب أو عن تاريخ أو تراث أو تعبر عن قومية، وفي النهاية لا يمثل ذلك بالنسبة له أي أهمية. ونجد أنه حتى كبار الساسة الأمريكيون يقفون علنًا جهارًا يقولون كلاما غير حقيقي وغير صحيح، ويعلم العالم كله أنه غير صحيح. ألم يحدث هذا في أحداث العراق في خلال 6 شهور في الصحافة وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحين قدم العراق أوراق برنامج التسلح اغتصبوا هذا الملف من الأمم المتحدة؟
هذه مشكلة داخلية يمكنك أن تحلها داخليًا وليس باللجوء إلى الأمريكان. هل الحرية هي أن تتكرر تجربة العراق في بقية بلادنا؟ إذا كانت هذه هي الحرية فسحقًا لها، وهل فينا من يقبل أن يعمل كذراع للأمريكان وهم ضد بلده؟!
**ما تقييمك لحركة التحرر الوطني التي أوجدت أرضية مشتركة، واستقطبت نخبًا مختلفة، وطرحت محاور سياسية وفكرية جديدة بالرغم من أنهم على أراض ثقافية وفكرية مختلفة؟
- بالنسبة للتوجه الإسلامي والعلماني بدأ هذا الصراع يخمد منذ 6 سنوات، والسبب أن كل طرف قدم كل ما عنده، أو ربما يعود إلى عدم وجود مردود عملي، أو لأن الحدود الفاصلة بين الاتجاهين أصبحت مثل الحدود الفاصلة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. وقد تكون الفُرجة الفكرية عند الجادين من الطرفين قلّت كثيرًا؛ فهناك بين المؤيدين للطرفين ما يجمعهم في موضوعات مشتركة حتى في موضوعات الحداثة والمعاصرة.
وأتصور أن الفرز اليوم يتحدد على أساس الموقف من الخطر الخارجي؛ فمثلا الشريعة الإسلامية موضوع جاد بالنسبة للتيار الإسلامي، وليس مطروحا أن يكون هناك تفاهم مع عدوان جاء ليقول: غيروا القرآن، كما أن هذا النوع هو ما يواجهه العلماني أيضًا الذي يجد أن العدوان الاستعماري له وجه ثقافي جارف. وفي الحقيقية أن الشدائد خلفت نوعًا من التقارب الثقافي لدى القوى الوطنية سواء كانت علمانية أو إسلامية.
**إذن هل نستطيع القول بأنه يجب أن نؤخر مطالب الشريعة الإسلامية في أجندة التيار الإسلامي؟
-إن ما يجب أن نضعه في الأولوية هو الخطر الخارجي السياسي والعسكري.
** هل يمكن طرح أمثلة من نوعية المعارف التي يجب أن نخطط لها في الفترة القادمة؟ قضية المرأة مثلا.. هل يعاد تعريفها في إطار وطني في الوقت الذي تطرح فيه أجندة المستعمر وضع المرأة في الدول العربية والإسلامية؟
- أعتبر أن هذه القضية ثانوية، والخلاف حولها ثانوي وليس لها أولوية، فليست هي قضية استقلال؛ فالاستقلال هو تحقيق إرادة سياسية، والمحافظة على الأمن القومي.
**هل يجب أن تحتل قضية تجديد الخطاب الديني أولوية عند التيار الإسلامي؟
- بطريقة ما وبما أحتاجه أنا فيه فالخطاب الديني يجدد ومجدد دائمًا باحتياجات ذاتية وأدوات ذاتية.(20/25)
** لكن يبدو أن هناك تصادف رغبات خارجية ورغبات التيارات الوطنية في التجديد والإصلاح الداخلي، وإن بدا أن هناك اختلافا في التفاصيل مثل قضية المرأة أو قضية التعليم؛ فهناك حتى من الإسلاميين من يرى أن هناك جزءًا من المناهج التعليمية يجب النظر فيها في إطار تجربة عالمية إنسانية.. ألا ترى أنه وإن حق لنا رفض أن يكون التغيير بما يمليه الخارج تخصيصًا؛ فإن إثارة المسائل خارجيًا والضغوط عليها يجب ألا تمنعنا من تبني مبدأ التغيير ذاته؟
- لكن يبقى أن يتم هذا في الإطار المقاوم للاحتلال وللقوة الخارجية، وأن يعمل هذا التجديد لصالح المجتمع الداخلي.
**ولكن من الملاحظ أن المثقفين العرب في أكثر من بلد قاموا في الفترة السابقة بتحرير بيانات للمطالبة بالإصلاح، ولكن تصادف أن أتى هذا مواكبًا مع الضغوط الأمريكية؛ وهو ما أثار الغبار حول مطالبهم.. فكيف لهذه الرغبة أن تظل نقية من الضغوط الأمريكية؟
- لا نستطيع أن نضع معيارًا شكليًا يمكننا أن نحدد ما يمكن تغييره، مع الوضع في الاعتبار أننا نريد التغيير بمعيار استقلالي: بما أحتاجه أنا وبأدواتي الخاصة وبما لا ينتهك ثوابتي؛ فمثلا هناك رغبة خارجية في حذف مادة الدين لتحل محلها مادة الأخلاق، إذن من أين سيتعلم الطلاب الدين وتعاليمه؛ فالكنيسة مفتوحة لكل المسيحيين لتعليم الدين وغير الدين، بينما المسجد غير مفتوح للمسلمين. ففي هذه الحالة يجب أن نفتح المساجد ونعامل كأقلية في بلدنا! فالمسلم السني الذي يكوّن 94% من السكان في بلد كمصر.. من الأفضل له أن يعامل كأقلية وبشرط أن يعطى حقوق الأقلية!
**هل يجب أن تطرح في الأجندة قضية الوحدة الوطنية.. ليس في المجتمع المصري، ولكن على المستوى العربي؟
- الوحدة الوطنية هي أهم شيء، وتحقيق التناسق بين السنة والشيعة والمذاهب المختلفة، وبين الوطنيين العلمانيين والإسلاميين، وبين الأقليات الدينية. فإذا تحققت فستجد الحلول السلمية هي الأكثر فعالية، حتى في الدول التي بها عنف مثل فلسطين وأفغانستان سنجد النتائج أقوى وأسرع وستقل الخسائر، ويخيل لي أن الوطن مهيأ؛ فتجارب الشيعة والسنة على مدار 50 عامًا واضحة في مسألة التوفيق.
**إذن نضيف شرطًا ثانيًا: مسألة الوحدة الوطنية بجانب الديمقراطية، في مسألة التحرر الوطني..
- يمكن أن نرتبها كالتالي: الاستقلال، الديمقراطية، الوحدة الوطنية.
=============(20/26)
(20/27)
التعددية الحزبية .. رؤية فقهية…
تدور أحاديث ومناقشات كثيرة في جلسات خاصة، وندوات عامة، بين الإسلاميين بعضهم وبعض، وبينهم وبين غيرهم من الفئات الأخرى.
فقد اشتهر بين بعض الفصائل الإسلامية أن الإسلام يوجب الوحدة، ويمنع التفرق والاختلاف، وتعدد الأحزاب لا يأتي من ورائه إلا اختلاف الكلمة، وتفرق الأمة.
وقد ذكر الإمام الشهيد حسن البنا: أن لا حزبية في الإسلام، وبهذا تمسك الكثيرون في رفضهم لفكر التعدد. ولهم في ذلك شبهات يذكرونها، وأدلة يسوقونها.
فما هو رأي فضيلتكم في هذا الموضوع الذي يثار اليوم في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وخصوصًا في الأقطار التي تتيح الفرصة للتعددية السياسية وفتاوى بالديمقراطية، فهم يقولون: القوى الإسلامية تنادي بالحرية والتعدد حتى إذا قبضت على زمام الحكم. انفردت هي بالديمقراطية، وألغت كل ما سواها، واعتبرت نفسها هي الحق الذي لا يحتمل الباطل وغيرها هو الباطل الذي لا يحتمل الحق.
فبينوا لنا الموقف الشرعي في ذلك مؤيدًا بالأدلة، جزاكم الله خيرًا وأيدكم بروح من عنده.
جواز تعدد الأحزاب داخل الدولة الإسلامية …السؤال
14/01/2007…التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي…المفتي
……الحل …
…
…بسم الله، والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
رأيي الذي أعلنته من سنين في محاضرات عامة، ولقاءات خاصة: أنه لا يوجد مانع شرعي من وجود أكثر من حزب سياسي داخل الدولة الإسلامية، إذ المنع الشرعي يحتاج إلى نص ولا نص.
بل إن هذا التعدد قد يكون ضرورة في هذا العصر؛ لأنه يمثل صمام أمان من استبداد فرد أو فئة معينة بالحكم، وتسلطها على سائر الناس، وتحكمها في رقاب الآخرين، وفقدان أي قوة تستطيع أن تقول لها: لا، أو: لم ؟ كما دل على ذلك قراءة التاريخ، واستقراء الواقع.
كل ما يشترط لتكتسب هذه الأحزاب شرعية وجودها أمران أساسيان:
1ـأن تعترف بالإسلام ـ عقيدة وشريعة ـ ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة.
-2ألا تعمل لحساب جهة معادية للإسلام ولأمته، أيًا كان اسمها وموقعها.
فلا يجوز أن ينشأ حزب يدعو إلى الإلحاد أو الإباحية أو اللادينية، أو يطعن في الأديان السماوية عامة، أو في الإسلام خاصة، أو يستخف بمقدسات الإسلام: عقيدته أو شريعته أو قرآنه، أو نبيه عليه الصلاة والسلام.
واجب النصح والتقويم للحاكم
ذلك أن من حق الناس في الإسلام ـبل من واجبهم ـ أن ينصحوا للحاكم، ويقوموه إذا اعوج، ويأمروه بالمعروف، وينهوه عن المنكر، فهو واحد من المسلمين، ليس أكبر من أن يُنصح ويؤمر، وليسوا هم أصغر من أن يَنصحوا أو يأمروا.
وإذا ضيعت الأمة الأمر بالمعروف،والنهي عن المنكر، فقدت سر تميزها، وسبب خيريتها، وأصابتها اللعنة كما أصابت من قبلها من الأمم، ممن (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (المائدة: 79).
وفي الحديث: ذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم"(رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن عمرو وصححه الشيخ شاكر، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 4/96).
وفي الحديث الآخر: "إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" (رواه أبو داود فيسننه من حديث أبي بكر كما رواه أحمد وأصحاب السنن وقال الترمذي: حسن صحيح).
وعندما ولي أبو بكر الخلافة قال في أول خطبة له: "أيها الناس إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني .. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".
وقال عمر: "أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجًا فليقومني"، فقال له رجل: والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بحد سيوفنا ! فقال عمر: :"الحمد لله الذي جعل في المسلمين من يقوم اعوجاج عمر بحد سيفه!".
ولكن علمنا التاريخ، وتجارب الأمم، وواقع المسلمين: أن تقويم اعوجاج الحاكم ليس بالأمر السهل، ولا بالخطب اليسير، ولم يعد لدى الناس سيوف يقومون بها العوج، بل السيوف كلها يملكها الحاكم.
تنظيم النصح والتقويم في صورة قوى سياسية
الواجب هو تنظيم هذا الأمر لتقويم عوج الحكام بطريقة غير سل السيوف، وشهر السلاح.
وقد استطاعت البشرية في عصرناـ بعد صراع مرير، وكفاح طويل ـ أن تصل إلى صيغة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وتقويم عوج السلطان، دون إراقة للدماء وتلك هي وجود "قوى سياسية" لا تقدر السلطة الحاكمة على القضاء عليها بسهولة، وهي ما يطلق عليها "الأحزاب ".
إن السلطة قد تتغلب بالقهر أو بالحيلة على فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد، ولكنها يصعب عليها أن تقهر جماعات كبيرة منظمة، لها امتدادها في الحياة وتغلغلها في الشعب، ولها منابرها وصحفها وأدواتها في التعبير والتأثير.(20/28)
فإذا أردنا أن يكون لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معناها وقوتها وأثرها في عصرنا، فلا يكفي أن تظل فريضة فردية محدودة الأثر، محدودة القدرة، ولا بد من تطوير صورتها، بحيث تقوم بها قوة تقدر على أن تأمر وتنهى، وتنذر وتحذر، وأن تقول عندما تؤمر بمعصية: لا سمع ولا طاعة. وأن تؤلب القوى السياسية على السلطة إذا طغت، فتسقطها بغير العنف والدم.
إن تكوين هذه الأحزاب أو الجماعات السياسية أصبحت وسيلة لازمة لمقاومة طغيان السلطات الحاكمة ومحاسبتها، وردها إلى سواء الصراط، أو إسقاطها ليحل غيرها محلها، وهي التي يمكن بها الاحتساب على الحكومة، والقيام بواجب النصيحة والأمر بالمعروف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
تصور غير صحيح للدولة الإسلامية
ربما يتصور بعض المخلصين أن الدولة التي تحكم بشرع الله، وترجع في كل أمورها إلى حكمة، لا تحتاج إلى كل هذا، فهي دولة ملتزمة وقافة عند حدود الله تعالى.
فعلى العاملين أن يجاهدوا حتى تقوم هذه الدولة المنشودة: فإذا قامت كانت كما وصفها الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونَهَوْا عن المنكر). (الحج( 41
وحينئذ عليهم أن يسلموا لها الزمام، وأن يمنحوها كاملا لولاء والطاعة والتأييد.
وأحب أن أقول لهؤلاء: إن "الدولة الإسلامية" ليست هي "الدولة الدينية" التي عرفت في مجتمعات أخرى، أعني: إنها دولة مدنية تحتكم إلى الشريعة، رئيسها ليس "إمامًا معصوما"، وأعضاؤها ليسوا "كهنة مقدسين" بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ويحسنون ويسيئون،ويطيعون ويعصون، وعلى الناس أن يعينوهم إذا أحسنوا، ويقوموهم إذا أساؤا، ويرفضوا أمرهم إذا أمروا بمعصية، كما قال أبو بكر رضي الله عنه في خطابه الأول، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". (متفق عليه عن ابن عمر(
وإذا انتفت العصمة والقداسة فكل الناس بشر، لا يؤمن أن تغرهم الحياة الدنيا ويغرهم بالله الغرور، فيستبدوا ويظلموا،وأشد أنواع الاستبداد خطرًا ما كان باسم الدين، فإذا لم توضع الضوابط، وتهيأ السبل لمنعه من الوقوع، وإزالته إذا وقع، حاق الضرر بالأمة، وأصاب شرره الدين أيضًا.
ولهذا كان إيجاد قوى منظمة تعمل في وضح النهار، وتقدر على أن تعين المحسن وتقوم المسيء، أمرًا يرحب به الشرع ويؤيده، لما وراءه من جلب المصالح ودرء المفاسد.
وأكبر الخطأ أن تظن الدولة، أو يظن بعض الموالين لها: أن الحق معها وحدها، والصواب دائمًا في جانبها، وأن من خالفها فهو على خطأ، بل على باطل.
ولقد رأينا المعتزلة حين استقلوا بالحكم، وانفردوا بالسلطان في عهد الخليفة المأمون ابن الرشيد، وفي عهدي الواثق والمعتصم من بعده، أرادوا أن يفرضوا رأيهم على الكافة، وأن يمحوا الرأي الآخر، من خريطة الفكر، وقاوموا بالسوط والسيف رأي الفئات الأخرى، التي لا ترى رأيهم في القضية الكبرى التي أثاروها والمعروفة في تاريخ العقيدة والفكر باسم قضية "خلق القرآن".
وكانت محنة عنيفة شديدة العنف، أوذي فيها رجال كبار، وأئمة عظام، على رأسهم الإمام التقي الورع أحمد بن حنبل.
وسجل التاريخ على القوم الذين زعموا أنهم أهل العقل وأحرار الفكر، هذه الجريمة المخزية التي يندى لها الجبين، وهي: جريمة اضطهاد المعارضين في الرأي، إلى حد السجن والضرب والتعذيب، ولو كانوا من كبار العلماء.
تعدد الأحزاب كتعدد المذاهب في الفقه:
وعندما نجيز مبدأ التعدد الحزبي داخل الدولة الإسلامية، فليس معناه أن تتعدد الأحزاب، والتجمعات بتعدد أشخاص معينين، يختلفون على أغراض ذاتية، أو مصالح شخصية، فهذا حزب فلان، وذاك حزب علان، وآخر حزب هيان بن بيان. جمعوا الناس على ذواتهم، وأداروهم في أفلاكهم.
ومثل ذلك التعدد المبني على أساس عنصري، أو إقليمي، أو طبقي،أو غير ذلك من إفرازات العصبية، التي يبرأ منها الإسلام.
إنما التعدد المشروع هو تعدد الأفكار والمناهج والسياسات يطرحها كل فريق مؤيدة بالحجج والأسانيد، فيناصرها من يؤمن بها، ولا يرى الإصلاح إلا من خلالها.
وتعدد الأحزاب في مجال السياسة أشبه شيء بتعدد المذاهب في مجال الفقه.
إن المذهب الفقهي هو مدرسة فكرية لها أصولها الخاصة في فهم الشريعة، والاستنباط من أدلتها التفصيلية في ضوئها، وأتباع المذهب هم في الأصل تلاميذ في هذه المدرسة يؤمنون بأنها أدنى إلى الصواب من غيرها، وأهدى سبيلاً، فهم أشبه بحزب فكري التقى أصحابه على هذه الأصول، ونصروها بحكم اعتقادهم أنها أرجح وأولى، وإن كان ذلك لا يعني بطلان ما عداها.
ومثل ذلك الحزب: أنه مذهب في السياسة، له فلسفته وأصوله ومناهجه المستمدة أساسًا من الإسلام الرحب. وأعضاء الحزب أشبه باتباع المذهب الفقهي، كل يؤيد ما يراه أولى بالصواب،وأحق بالترجيح.(20/29)
قد تلتقي مجموعة من الناس على أن الشورى ملزمة، وأن الخليفة أو رئيس الدولة ينتخب انتخابًا عامًا،وأن مدة رئاسته محددة ثم يعاد انتخابه مرة أخرى، وأن أهل الشورى هم الذين يرضاهم الناس عن طريق الانتخاب، وأن للمرأة حق الانتخاب وحق الترشيح للمجلس، وأن للدولة حقا لتدخل لتسعير السلع، وإيجار الأرض والعقار وأجور العاملين، وأرباح التجار، وأن الأرض تستغل بطريق المزارعة لا بطريق المؤاجرة، وأن في المال حقوقًا سوى الزكاة،وأن الأصل في العلاقات الخارجية السلم، وأن أهل الذمة يعفون من الجزية إذا أدّوا الخدمة العسكرية وهي ما يقابل الزكاة التي تؤخذ من المسلم .. إلخ.
وقد تلتقي مجموعة أخرى من"المحافظين" يعارضون أولئك "المجددين" أو أدعياء التجديد في نظرهم، فيرون الشورى معلمة لا ملزمة، وأن رئيس الدولة يختاره أهل الحل والعقد، ويختار مدى الحياة، وأن الانتخاب ليس وسيلة شرعية، والمرأة ليس لها حق الترشيح ولا حق التصويت، وأن الاقتصاد حر، والملكية مطلقة، وأن الأصل في العلاقات الخارجية هو الحرب، وأن الخليفة أو الرئيس هو صاحب الحق في إعلان الحرب أو قبول السلم، وغير ذلك من الأفكار والمفاهيم التي تشمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية وغيرها.
وقد توجد مجموعة أخرى لاهي مع هؤلاء ولا مع أولئك، بل توافق هؤلاء في أشياء وأولئك في أشياء.
فإذا انتصرت فئة من هذه الفئات، وأصبحت مقاليد السلطة بيدها،فهل تلغى الفئات الأخرى من الوجود، وتهيل على أفكارها التراب، لمجرد أنها صاحبة السلطان ؟
هل الاستيلاء على السلطة هو الذي يعطي الأفكار حق البقاء ؟ والحرمان من السلطة يقضى عليها بالفناء ؟
إن النظر الصحيح يقول : لا، فمن حق كل فكرة أن تعبر عن نفسها ما دام معها اعتبار وجيهي سندها، ولها أنصار يؤيدونها.
أما ما ننكره في ميدان السياسة فهو ما ننكره في ميدان الفقه: التقليد الغبي والعصبية العمياء، وإضفاء القداسة على بعض الزعامات كأنهم أنبياء، وهذا هو منبع الوبال والخبال.
التعدد والاختلاف:
ومن الشبهات التي أثيرت هنا : أن مبدأ "التعدد" أو "التعددية" ــ كما هو المصطلح السائدـ يتنافى مع الوحدة التي يفرضها الإسلام، ويعتبرها صنو الإيمان كما يعتبر الاختلاف أو التفرق أخا للكفر والجاهلية.
وقد قال تعالى: (واعتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جميعًا ولا تفرقوا) (آل عمران: 103). وقال: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم). (آل عمران: 105).
وفي الحديث : "لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا". (متفق عليه(
وأود أن أنبه هنا على حقيقة مهمة، وهي أنالتعدد لا يعني بالضرورة التفرق، كما أن بعضا لاختلاف ليس ممقوتًا، مثل الاختلاف في الرأي نتيجة الاختلاف في الاجتهاد ؛ ولهذا اختلف الصحابة في مسائل فرعية كثيرة، ولم يضرهم ذلك شيئًا.. بل اختلفوا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض القضايا مثل اختلافهم في صلاة العصر في طريقهم إلى بني قريظة.. وهي قضية مشهورة، ولم يوجه الرسول الكريم لومًا إلى أي من الفريقين المختلفين.
وقد اعتبر بعضهم هذا النوع من الاختلاف من باب الرحمة التي وسع بها على الأمة وفيها ورد الأثر"اختلاف أمتي رحمة" وفيه ألف كتاب "رحمة الأمة باختلاف الأئمة".
ونقلوا عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أنه لم يكن يود أن الصحابة لم يختلفوا؛ لأن اختلافهم فتح باب السعة والمرونة واليسر للأئمة، بتعدد المشارب وتنوع المنازع.
وبعضهم جعل اختلاف الرحمة يتمثل في اختلاف الناس في علومهم وصناعاتهم، وبذلك تسد الثغرات وتلبي الحاجات المتعددة والمتنوعة للجماعات.
والقرآن يعتبر اختلاف الألسنة والألوان آية من آيات الله تعالى في خلقه، يعقلها العالمون منهم: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). (الروم: 22)
فليس كل الاختلاف شرًا، بل الاختلاف قسمان : اختلاف تنوع، واختلاف تضاد، والأول محمود، والآخر مذموم. (انظر فيذلك: كتابي "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم"، ط. دار الوفاء).
وعلى هذا لا غضاضة ولا حرج من اقتباس مبدأ التعدد الحزبي من الديمقراطية الغربية بشرطين.
أولهما :أن نجد في ذلك مصلحة حقيقية لنا، ولا يضرنا أن نخشى من بعض المفاسد من جرائه، المهم أن يكون نفعه أكبر من ضرره، فإن مبنى الشريعة على اعتبار المصالح الخالصة أو الغالبة، وعلى إلغاء المفاسد الخالصة أو الراجحة.. وقوله تعالى في الخمر والميسر : (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) (البقرة: 291) أصل في هذا الباب.
وثانيهما:أن نعدل ونطور فيما نقتبسه، حتى يتفق مع قيمنا الدينية ومثلنا الأخلاقية، وأحكامنا الشرعية، وتقاليدنا المرعية.(20/30)
ولا يجبرنا أحد أن نأخذ النظام بحذافيره وتفاصيله، ومنها: التعصب للحزب بالحق وبالباطل، ونصرته ظالمًا ومظلومًا، على ظاهر ما كان يقوله العرب في الجاهلية : "انصر أخاك ظالمًا أو مظلوما" قبل أن يعدل الرسول عليه الصلاة والسلام مفهومها لهم، ويفسرها تفسيرًا يجعل لها معنى آخر، فنصره ظالمًا بأن تأخذ فوق يديه، وتمنعه من الظلم، فبذلك تنصره على هوى نفسه، ووسوسة شيطانه.
لمن الولاء:
من الشبهات التي أثيرت كذلك : ما قيل من أن وجود أحزاب داخل الدولة الإسلامية يقسم ولاء الفرد بين حزبه الذي ينتمي إليه، ودولته التي بايعها على السمع والطاعة والنصرة والمعونة.
هذا صحيح إذا كان الفرد سيتخذ موقف المعارضة للدولة في كل شيء والتأييد لحزبه في كل شيء.. وهذا ما لا نقول به.
إن ولاء المسلم إنما هو لله ولرسوله ولجماعة المؤمنين، كما قال تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون). (المائدة: 55،56).
وانتماء الفرد المسلم إلى قبيلة أو إقليم، أو جمعية، أو نقابة، أو اتحاد أو حزب ـ لا ينافي انتماءه للدولة وولاءه لها.
فإن هذه الولاءات والانتماءات كلها مشدودة إلى أصل واحد هو الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والمحظور كل المحظور هو اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين : (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا) (النساء: 139)، (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء). (الممتحنة: 1)
وإذا كان النمط الحزبي المعهود هو تأييد الفرد لحزبه في مواقفه، وإن اعتقد أنه مبطل بيقين، ومعارضة الدولة وإن اعتقد أنها على حق، فهذا ما لا نقره ولا ندعو إليه، وما ينبغي تعديله إلى صيغة تتفق وقيم الإسلام وأحكامه وآدابه
انتهى باختصار من فتوى مطولة لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
والله أعلم
============(20/31)
(20/32)
إن كذب الغرب .. فلا تكذب أنت…العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم.
أمَّا بعد؛
بدايةً أودُّ أن أشكر كلَّ العاملين والقائمين على هذا الموقع.. بارك الله فيكم، وجعل عملكم في موازين حسناتكم.
أنا طالبٌ في إحدى الجامعات، أقوم بتحضير بحثٍ دعويٍّ بعنوان (يجيدون الكذب)، وهو يتحدَّث عن الكذب الذي يمارسه الغرب المستعمر بإتقانٍ تامٍّ، هذه النشرة هي تأكيدٌ على أنَّنا بحاجةٍ لأن نتحرَّر من الجهل والأوهام، وأن ننظر للأشياء بعيوننا نحن وليس بعيون الآخَرِين من أجل فهمها على حقيقتها.. يُجيدون الكذب دراسةٌ موضوعيَّةٌ تبحث في أوهام الغرب وأكاذيبه من أجل فتح عيون القارئ على الحقيقة، وليس لأنَّنا نريد أن نشتم الغرب وكأنَّنا بذلك نسعى لتلبية احتياجات عاطفيَّة.
المطلوب هو التوعية، وإزالة ركام الضلالات والزخرف الكاذب عن الشعارات التي يرفعها الغرب.. مثل الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والحداثة، والتنمية، والعولمة.. الخ.
ما يهمُّنا بالدرجة الأولى هو تحصين الأمَّة من الاختراق، وصدّ الغزو الفكريّ والثقافيّ الذي يمارسه الغرب علينا باسم هذه الشعارات، بل الأخطر من ذلك هو استطاعة الغرب من إيجاد نُخبةٍ ثقافيَّةٍ تربَّت على يديه وتشرَّبت أفكاره تقوم هي بهذا الدور بدلاً منه، وبهذا يقتصر دوره على التمويل ووضع الخطط والبرامج وتمريرها عن طريق الأمم المتَّحدة، مثل مؤتمر بكين للمرأة، ومؤتمر السكان في القاهرة، ومؤتمر الطفل في نيويورك، كل هذه المؤتمرات وغيرها يفرض فيها الغرب هيمنته الفكريَّة والثقافيَّة على العالم كما يفرض العقوبات على العراق، ثمَّ الحصار ثمَّ الحرب التي بعدها سوف تكمل الأمم المتحدة الجريمة وتقوم بإعمار العراق لبسط سيطرة نظامٍ عميلٍ موالٍ للكيان الصهيوني.
إذن؛ الأمم المتحدة حسب تجربة الشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية الأخرى المريرة معها هي فقط وسيلة لتركيعنا والسيطرة علينا.
ولكن هناك مشكلةٌ واجهتني من حيث قلَّة المراجع فيما عدا بعض كتب روجيه جارودي ومقالاتٍ أخرى، فهل بإمكانكم أن ترشدوني إلى مقالاتٍ أو كتبٍ مفيدةٍ في هذا المجال؟
وبارك الله فيكم.…السؤال
ثقافة ومعارف …الموضوع
الأستاذ وسام فؤاد…المستشار
……الحل …
…
…الأخ القعقاع؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
شكرًا لمشاعرك الرقيقة ودعواتك الكريمة.. أسأل الله لك المثوبة، ولي ولإخواني العاملين في إسلام أون لاين.نت إخلاص النيَّة، وتلمُّس الحقّ، والبحث عن الحقيقة.
الوعي ضرورةٌ حياتيَّة:
الهدف الأساسيّ الذي بحثت عنه في رسالتك تمثَّل في ضرورة استهداف الوعي في بناء مشروع الأمَّة للنهضة والخلاص من حالة الاستتباع الذي تعيشه أمَّتنا.
وشقّ الوعي الذي تطالب به هو الشقُّ السلبي القائم على التخلُّص من التأثير السلبي للدعاية التي تباشرها القوى الدوليَّة الكبرى ذات النواة الاستعماريَّة، وهو شقٌّ مكمِّلٌ لوعي الأمَّة بذاتها وبرسالتها التي تستهدف محو الظلم من العالم، وتقديم رسالة التوحيد لهذا العالم.
ويسوؤنا أخي قعقاع ما يسوؤك من تلك الدعايات المختلطة بسعي القوى الدوليَّة العالميَّة فرض نموذجها الحياتي علينا قسرًا، والذي يتمُّ - ليس بثوب رسالة الرجل الأبيض التي كان يسوِّقها الاستعمار الحداثي القديم - بل تلبس الدعاية الجديدة ثوب ضرورة التكيُّف مع النظام العالميّ الجديد، حيث يدَّعي مروجو هذه الدعاية أنَّ "الدول الجنوبيَّة" لن تتمكن من العيش في عالم اليوم من دون تبنِّي منظومة الغرب وقيمه.
وقد تكون هذه الدعاية مقبولة إذا ما تعلَّقت بأساليب إدارة المؤسَّسات بأشكالها المختلفة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، لكن عندما يتعلَّق الأمر بتغيير خصوصيَّات حياتنا، والتشريعات التي تحكم هذه الحياة، وبخاصَّةٍ الأعراف التسليميَّة المنبثقة عن الشريعة، فهذا ما يبعث على ضرورة مراجعة عمليَّة الاستسلام لأنماط الدعاية الغربيَّة هذه.
لكن.. ما هو الغرب؟
عندما نقول لكن.. فهذا يعني استدراكٌ على ما سبق، واستدراكنا هنا ليس على ما كتبناه سلفًا، بل على ما ذكرته في مضمون استشارتك، وأوَّل ما أريد قوله لك هنا أنَّ استشارتك حملت قدرًا من التجنِّي الذي لا يليق بمؤمن يبحث عن الحكمة عقلُه، ويعتبرها ضالَّته، وحين يجدها فهو أحقُّ بها.
الغرب - أخي القعقاع - مكوَّن من عدَّة اتجاهات، بعض هذه الاتجاهات ماديّ مصلحيّ، تقوده ماديِّته نحو انتهاج سياسةٍ وبرنامج حياةٍ استعماريّ حيال الأمم الأخرى، لكن من بين مكوِّناته اتجاهات إنسانيَّةٌ ترفض الاتجاه الماديّ المصلحيّ الاستعماريّ الصرف، وكلّ كيانٍ اجتماعي يمكنك أن تجد فيه هذه التعدُّدية، تلك التي يتعايش في إطارها من يجدِّد في القوَّة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة مصدر نفوذٍ وضغطٍ وتعظيم مصالح، أو يجدها وسيلةً لتحقيق رسالة حضاريَّة ما.(20/33)
من داخل هذا الغرب، وبناء على هذه التعدديَّة جاءنا من ينادي بالعولمة باعتبارها فرضًا للنموذج الحياتي الأمريكي على العالم، وهو ما نسمِّيه "بالأمركة"، ومن ضمن نفس الغرب جاءنا من يرى في العولمة جماعٌ للقيم الكلِّيَّة الإنسانيَّة المشتركة.
الاتجاه الأوَّل اتجاهٌ استعماريٌّ لا يمكننا مراجعتك في اتّهامه والخوف منه، لكن الاتجاه الثاني اتجاهٌ يبحث عن القيم السامية التي يحملها إسلامك وإسلامنا.
وحريٌّ بك أن تقدِّم هذه القيم له، حريٌّ بك كمسلمٍ أن تدعوه لما في هذه القيم من إنسانيَّة ونبالة، ولن تستطيع هذا وأنت تعمي عينيك عمَّا في هذا الغرب من تعدُّديَّة، أنت مطالبٌ كمسلمٍ أن تحمل قيم الإسلام للعالمين، وهؤلاء النفر هم هدفك وضالَّتك، وهم مستعدُّون لأن يطَّلعوا على ما لديك فيأخذونه طوعًا، ويعرضون عليك - طوعًا لا قسرًا - ما يعدون لديهم قيمًا نبيلة، ومن بين هذه القيم، ما رميته بالزخرف والضلال من قيمٍ ديمقراطيَّةٍ وحقوقيَّة.
القيم الضالَّة وضالَّة المؤمن:
تحدثت يا أخي قعقاع في سؤالك عن الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان والحداثة، والتنمية والعولمة، وذكرت أنَّها قيمٌ ضالَّةٌ وزخرفيَّةٌ وكاذبة، فهل ترى أنَّ ذلك صحيح؟
دعنا نطرح السؤال بشكلٍ أكثر عمقًا.. هل ترى في الاستبداد السياسي الذي تعاني منه بعض الدول، ولعلَّ عراق صدام نموذجها، هل ترى في هذا النموذج فائدةً وميزة؟
هل ترى في انتهاك حقوق الناس في هذه البلدان ما يقود إلى سعادةٍ إنسانيَّةٍ حقيقيَّة؟
الحقيقة أيُّها الأخ الفاضل أنَّنا لا نوافق على نفس المضمون الذي يتداوله الغرب لتلك المفاهيم، فلا يزال ينظر إليها باعتبارها منتجٌ حضاريٌّ له، تأثَّر بما تحفل به الحضارة الغربيَّة من ماديَّةٍ ونسبيَّة وتكوينٍ صراعيٍّ تنافسيٍّ يبدأ بحقوق الإنسان، وقد ينتهي بانتهاك هذه الحقوق، ولكن هذه القيم يمكن لكلِّ البشريَّة الاستفادة منها، سواء في مضمون هذه القيم، أو في المؤسَّسات التي أنتجتها.
ولنأخذ معًا مثالاً يريك كيف نستفيد من قيمةٍ مثل الديمقراطيَّة.
بالنسبة للديمقراطيَّة، يمكن لنا أن نستفيد من المفهوم في تشريح وتفكيك ظاهرة الاستبداد التي نعيشها في دول الجنوب عربيَّةً أو إسلاميَّةً أو حتى غير عربيَّةٍ أو إسلاميَّةٍ، وإلا.. فقل لي: كيف يمكن للأقليَّات المسلمة أن تحيا في دولٍ غير مسلمةٍ من غير ديمقراطيَّة ؟ وكيف تدعو لدينها من دون تمتُّعها بحريَّات الفكر والاجتماع والتنظيم.
أنا معك في أنَّ قيمة الديمقراطيَّة فيها أبعادٌ غير مقبولة:
ففيها النسبيَّة: فكلُّ شيءٍ خاضعٌ للتصويت، لكنَّك يمكنك أن تميِّز في ممارستك بين الثوابت والمتغيِّرات.
وفيها مخالفة الحاكميَّة: ويمكنك أنت في ممارستك أن تجعل الشريعة مظلَّة تشريعك لكن الديمقراطية نموذج يفيد أكثر ممَّا نستدرك عليه من عيوب.. كيف؟
- الديمقراطيَّة أمدَّتك بخبرةٍ تاريخيَّةٍ ونظريَّةٍ لتفكيك الاستبداد.
- الديمقراطيَّة أمدَّتك بمؤسَّساتٍ وأفكار مؤسَّسيَّة تصون الخبرات السياسيَّة.
- الديمقراطيَّة أمدَّت التاريخ الإنساني بقيمٍ سياسيَّة مهمَّة، منها.. أنَّ القرار العامّ لا يكون بيد قلَّة، وأنَّ الكلَّ يشرع لنفسه ولا يترك غيره يشرِّع له وينساق وراءه كالأنعام، وأمدّتك بضرورة عدم تركيز السلطات وضرورة الفصل بينها، وأمدَّتك بأشكال الحقوق، وضرورة حمايتها إلخ.
هذا التراث من الحكمة التي لا ننكرها، ولا ينكر أحدنا أن ديننا الإسلامي رفض الاستبداد، لكنَّه تناول الخطوط العريضة، وحضارتنا أنتجت أشكال مضادَّة للاستبداد، لكنَّنا لم نستطع إرساء نموذجٍ مستقرٍّ ودائمٍ يكبح جماح الاستبداد، حتى إنَّ بعض مفكِّرينا طرح فكرة المستبدّ العادل كمخرج فلسفي سياسي - اجتماعي لأمَّتنا من هذه المأساة.
لم يستطع العلماء فرض نموذجٍ رقابيٍّ مؤسَّسٍ ومستمرٍّ ومستقرّ، ومن ورائهم اكتفت شعوبنا بالانتفاضة بين الحين والآخر لكبح جماح الاستبداد، فلماذا لا نستلهم تلك الحكمة، كما استلهم الفاروق عمر رضي الله عنه نظام الإدارة الفارسي، وكما استلهم الرسو صلى الله عليه وسلم نظم الآخر الحضاري، ومنها "خندق" سلمان الفارسي، و"فضول" قريش الجاهلي.
لكنَّنا كمسلمين لا نستلهم تراث الآخر كما يستلهمه الآخر العلماني، فالعلمانيُّون فريقان:
أوَّلهما يستورد تراث الغرب كما هو دونما تحريف.
وثانيهما ينادي بزرع تراث الآخر في بيئتنا بما يلائم خصوصيَّاتنا الاجتماعية (التبيئة).
أمَّا نحن فنستلهم حكمة الآخر - طالما كانت حكمةً حقيقيَّة - وننادي بتفكيكها وإعادة بنائها بما يلائم معطياتنا العقيديَّة والاجتماعيَّة.
أنا أقول لك هذا - أخي القعقاع - لكي نقف معًا على أرضيَّة أنَّ الآخر ليس شرًّا كلَّه، وليس خيرًا كلّه، أنت لا تجابه الشيطان، أنت تجابه جماعةً إنسانيَّةً فيها الجيِّد وفيها الرديء، فيها الخير وفيها الشر، وانعزالك في قوقعة ذاتك يحرمك من التواصل مع ما في الآخر من خير، ومن استعدادٍ للصلاح.
المسلمون ليسوا حجَّةً على الإسلام.. والغربيُّون أيضًا!!(20/34)
نحن في ممارساتنا نقع في كثيرٍ من الأخطاء عندما نجتهد في فهم الإسلام، وعندما يجابهنا غير المسلمين بسلوكنا كحجَّةٍ على الإسلام نقول: الإسلام حجَّة ذاته، ولسنا نحن الحجَّة عليه، فلماذا نقيِّم الغرب بسلوك بعض أفراده، قيم الغرب الحكيمة يظلمها أمثال جورج بوش الابن وغيره بممارساتهم، والديمقراطيَّة وحقوق الإنسان أكبر منه.
لكن من هنا أعود معك إلى قاعدةٍ مهمَّةٍ مفادها أنَّ الغرب لديه حكمة، وأنت لديك أعظم رسالة، وعليك أن تبحث عن ما يحتاجه الناس، وتقدِّمه لهم من زخم ذلك الدين وعطائه غير المجذوذ وغير الممنون إلا بقدر تعطُّل اجتهادنا.
وأظن أخي القعقاع أنَّ إدراك الغرب لنا وإدراكنا له في حاجةٍ إلى إعادة نظرٍ وتغيير.
الإدراك من المراهقة إلى الرشد:
منذ بدأ الغرب عصر نهضته بدا كمراهقٍ أغرته ينعة الشباب وقوّته، ورغبته الحثيثة في التمايز وإنكار فضل الآخر الإسلامي عليه، أغرته فلسفته التي ناضل لإرساء دعائمها، وأعزَّته تضحياته الكبرى في سبيل ثورته، كلّ هذا أغراه بنرجسيَّةٍ فريدةٍ، وزهوٍ متعالٍ، وتمركزٍ حول ذاته التي اعتبرها نموذج الحقّ المثالي الذي سعى لإثبات نفسه في إطاره عبر ما طوَّره من مناهج بثٍّ وتراكمٍ فلسفي، وفي غمرة هذا كلِّه وجَّه احتقاره للآخر.. كل الآخر.
فاعتبر ما دون الغرب همج، وأقاليمهم أرضٌ بلا شعوبٍ ولا أصحاب، نعم حقًا هكذا أسموها "No Man's land" ولعلَّ خبرة الاحتلال اليهوديَّة لفلسطين قامت على أساس مقولة: "أرض بلا شعبٍ لشعبٍ بلا أرض"، وتلك المقولة التي بلورها صاحب نظرية صدام الحضارات "صمويل هنتنجتون" في نظريَّته بقوله: "الغرب والباقون"، أو "The west and the r est " وهي الأطروحة التي ردَّ عليها أصحاب الاتجاه التعاوني من أبناء الغرب أنفسهم، كما رفضناها نحن العرب والمسلمين.
وكنَّا نحن في المقابل مستعمَرون، وجاهدنا من أجل استقلالنا، وفي فترة مراهقة هذا الاستقلال - سواء أكنَّا إسلاميين أم علمانيين - تصوَّرنا أنَّ الغرب كلَّه عدو، وصارت القضيَّة لدينا استقطابٌ من النوع الجغرافي الساذج، الذي عميت عينيه عن حقائق التعدديَّة والاختلاف داخل الآخر، والنتيجة أنَّنا فقدنا قدرتنا على التواصل مع الاتجاه الإنساني التصالحي التعاوني داخل الغرب، ذلك الاتجاه الذي ناصرنا في مؤتمرات العولمة، ورفض في "مؤتمر السكان" أفكار الإجهاض وتغيير شكل الأسرة، وفي "مؤتمر المرأة" رفض الشكل الصراعي الذي يقدِّمه الغرب لإعادة صياغة العلاقة التراحميَّة بين الرجل والمرأة داخل بنيان الأسرة، وبدلاً من أن ندعم نحن هذا الاتجاه الإنساني داخل الغرب تخلَّينا عنه وتركناه يحارب وحده تغوُّل الماديَّة في حياة الغرب كما خسرنا نحن المسلمين مساندته لنا في قضيَّة دعوتنا في المجتمعات الغربيَّة.
نحن في حاجةٍ لبناء روابط بيننا وبين من هو مؤمنٌ بمضمون أفكارنا الإصلاحيَّة في كلِّ مكانٍ وليس في الغرب فقط، حتى وإن لم يؤمن هؤلاء بمصدر قيمنا الإصلاحيَّة هذه.
أخي القعقاع، وسائر إخوتي الذين يقرأون هذه السطور؛
لقد ابتعثنا الله رحمة للعالمين، ابتعثنا الله بقيمٍ ساميةٍ هدفها إعمار الكون، وإنقاذ الإنسان - كلُّ الإنسان - من الشقاء، كان الإعمار والرحمة هدفا الله من هذا الابتعاث، أمَّا الإيمان فقد شدَّد الله تعالى على أنَّه غاية، لكنَّها ليست الغاية التي يتمُّ فرضها قسرًا، لقد أمر الله نبيَّه بتوصيل هذه الرسالة، وأردف أمره بالتأكيد على أنَّ أكثر الناس لن يؤمنوا، ولو حرص صلى الله عليه وسلم على ذلك، أنت أيها الأخ منوطٌ بحمل الرحمة، ولست منوطًا بإكراه الناس على قبول الإيمان، فإن أحسنت عرض بضاعتك فبها ونعمت، وإن أعجب الناس إحدى بضاعتيك دون الأخرى فهو هدى الله يهدي به من يشاء.
الاستعمار شيءٌ آخر:
قال الدكتور محمد عمارة أنَّنا حين نتعامل مع الغرب لا يجب أن نعتبره كتلةً صمَّاء، بل هو منقسمٌ على نفسه إلى، ثلاثة أقسام:
1- الغرب كإنسان.
2- الغرب كتقنية.
3- الغرب كمشروعٍ استعماري.
ومع تحفظنا الشديد على هذه التقسيمة التي ربَّما تتجاهل تقسيمات فرعية أخرى نجده يقول: أمَّا الإنسان فهو هدف رسالة الإسلام، وأمَّا التقنية فما كان مباحًا منها قبلناه، وما كان حرامًا رفضناه، وأم المشروع الاستعماري فلا وألف لا، وقد سمعت منه هذه المقولة ذات يوم في إحدى ندواته.
وأنا أكرِّر معه جملته الأخيرة، فلا يقبل مسلمٌ حرٌّ أن ينهب أحدٌ أرضه، أو أن يسلبه ثروته وموارده ومقدّراته الاقتصاديّة، كما لا يقبل مسلمٌ حرٌّ أن يبيع قيمه المستفادة قطعًا من وحيٍ قطعيِّ الدلالة في وجوب الالتزام بهذه القيم.
فالتواصل ضرورة، وتلمُّس الحكمة غاية، وقبول الاستعماريّ في أيِّ صورةٍ من صوره حرامٌ قطعًا.
مراجع لبحثك:(20/35)
وختامًا.. أريد أن أوجّهك إلى أنَّ أفضل من كتب في المجال الذي تريد البحث فيه علماء وكتاب وساسة غربيون أيضًا.. ولعلك لا تحنق على هذا، ولكنَّك نفسك عندما تحدَّثت عمَّا هو متوفرٌ لديك من مراجع ذكرت كتب "روجيه جارودي"، وهو مفكِّرٌ غربي.. طبعًا هو مفكِّرٌ غربيٌّ مسلم، لكن إسهاماته في المجال الذي تبحث فيه سبقت إسلامه، بل إنَّ إسلامه أتى كنتيجةٍ لما درسه وبحثه قبل ذلك.
وفي هذا الإطار أشير عليك بكتبٍ مثل:
- "المتلاعبون بالعقول" لهيربرت تشيللر، وهو ضمن سلسلة "عالم المعرفة" الكويتيَّة القيمة.
- "من يجرؤ على الكلام" لبول فيندلي، وهو ضابط مخابراتٍ أمريكي.
- "الديمقراطيَّة" لناعوم تشومسكي، اليهودي الأمريكي عالم اللغة.
- كتابات المفكِّرين الغربيِّين النقديِّين أمثال.. هيربرت ماركيوز، ويوريجين هابرماز، وحنا أرندت، ويورجين يوركها يمر.
- بالإضافة إلى صفحة الإسلام وقضايا العصر بإسلام أون لاين.نت.
أرجو أن أكون قد أفدتك، وتقبَّل دعواتي بالتوفيق لما فيه الخير.
=================(20/36)
(20/37)
الإسلام ليس نسخة من الديمقراطية
بقلم / شيرين حامد فهمي
ما أجمل الوثائق الدستورية في كل أنحاء العالم! وما أجمل الدستور الأمريكي إذا قرأناه بالعين المجردة، فسنجد فيه معاني العدل والمساواة والإخاء. ولكننا إذا رجعنا إلى تاريخ وضع هذا الدستور، فسنكتشف أنه يناقض تمامًا ما نص عليه.
لقد تم وضع الدستور الأمريكي على يد توماس جيفرسون Thomas Jeffe r son الذي كان معروفًا بمناهضته لحقوق تحرير العبيد، الذي كان يعتقد اعتقادًا راسخًا في أن تحريرهم سيدمر الدولة الأمريكية؛ ولذلك، فهو يخاطب - في ذلك الدستور - الأحرار ولا يأخذ عبيد الأمة في الاعتبار. نعم، إن المخاطب في الدستور الأمريكي هو الأبيض الخالص، أو الـ Wasp. والمقصود بالجنس في الدستور الأمريكي هو الجنس الأبيض الخالص القادم أصلاً من أوروبا. والمثالية التي يتحدث عنها الدستور إنما هي مثالية قائمة فقط على من ينتمون إلى الجنس الأبيض الخالص، وليس قائمة أبدًا على غير البيض. وعندما يقول الدستور الأمريكي: إنه لا فرق بين الأجناس، فإنه يقصد بذلك أنه لا فرق بين الألماني الأبيض والفرنسي الأبيض، أي أنه لا فرق بين الأجناس الأوروبية البيضاء.
والواقع التاريخي هو أكبر دليل على ذلك. فقد قتل أبراهام لينكولن Ab r aham Lincoln لأنه طالب بتحرير العبيد. وحتى لينكولن، لم يطالب بحقوق العبيد حبًّا فيهم وإنما كسبًا للانتخابات. غير أننا لا نستطيع أن ننكر تعاطفه مع العبيد في الجنوب؛ لأنه كان من سكان الجنوب الذين عايشوا ورأوا أحوال السود المزعجة، مما أدى إلى تعاطفه معهم.
ومن دلائل الواقع أيضًا أنه منذ صدور الدستور الأمريكي في عام 1776 حتى عام 1964 والجنس الأسود الأمريكي محكوم عليه بالانفصال التام عن الجنس الأبيض الأمريكي. ومن أمثلة ذلك الاضطهاد أن التلاميذ الزنوج كان يتم نقلهم إلى مدارس كلها زنوج حتى ولو كانت على مسافة بعيدة من منازلهم. بمعنى أن المدارس القريبة من بيوت الأسر الزنجية كانت تغلق أبوابها في وجوه التلاميذ الزنوج لمجرد أنها مدارس "بيضاء"؛ وكان ذلك يجبر أسرة التلميذ الزنجي على البحث عن مدارس "سوداء" تسمح بدخول ابنهم. وكان هذا النظام يسمى نظام الـ Buffing.
وقد ظل الوضع هكذا حتى جاء مارتن لوثركينج Ma r tin Luthe r king الذي ناضل طويلاً من أجل كسب حقوق الزنوج، والذي طالب بقبول الجنس الأسود الأمريكي في داخل المجتمع الأمريكي. واستمرت العنصرية بقتل مارتن لوثركينج، ولكن الزنوج واصلوا كفاحهم حتى حصلوا أخيرًا على حقوقهم المدنية التي تسمى بالـ Civil libe r ties.
طيلة 200 سنة والحرب دائرة على من يقصده الدستور بالمخاطبة. وحتى عام 1964 كان من المعروف جيدًا أن المخاطب هو المواطن الأبيض الخالص. ولكن عندما قام الزنوج بثوراتهم المتعددة ضد هذه المظالم، تقهقرت الحكومة الأمريكية قليلاً إلى الوراء وأعلنت سياسيًا(فقط) أن الكل-الأبيض والأسود- مخاطب.
أما إجرائيًّا، فقد تفنن المحامون والقضاة الأمريكيون في كسب الجولات القضائية ضد السود. وهنا تظهر مهارة هؤلاء المحامين والقضاة في إنكار استخدام الحقوق.
ولنا مثل واقعي آخر في دولة ليبريا، وهي دولة أفريقية يسكنها زنوج الولايات المتحدة الأمريكية. وهم يعيشون الحياة الأمريكية بكل حذافيرها. وهم أمريكيون إلى النخاع. وفي أثناء الحرب الباردة، كانت أمريكا تستقطب هذه الدولة وتشغلها لحسابها ضد الاتحاد السوفيتي. أما بعد انتهاء الحرب الباردة لصالح أمريكا، وبعد قضاء المصالح، انقلبت السياسة الأمريكية ضد دولة ليبريا والشعب الليبيري. وبعد أن كانت الدولارات الأمريكية تضخ يمينًا وشمالاً، صارت ليبريا منطقة جدباء تفتقر إلى كل سبل الحياة الكريمة. إن هذا دليل على مدى الاضطهاد الذي يلاقيه الزنوج الأمريكيون.
إن المشكلة العامة - التي تخص الدستور الأمريكي وغيره من الدساتير- تتمثل في الازدواجية القائمة في الدستور منذ زمن بعيد. تلك الازدواجية ناتجة عن الآتي: كل الدساتير أصدرتها نُخَب للحفاظ على مصالحها. فعندنا مثلاً الدستور الفرنسي الذي أُصدر عقب الثورة الفرنسية يتحدث عن "حقوق المواطن" ، وعن الأخوة والمساواة. ولكن، يا ترى لمن هذه الأخوة؟ ولمن هذه المساواة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه؛ ولكي يتم الإجابة عليه، فعلينا أن نعلم من الذين وضعوا تلك القوانين واللوائح الفرنسية. إنهم طبقة البرجوازيين الذين يصفون "المواطن" بأنه الفرنسي الذي يملك، أي أن المواطن الفرنسي هو المواطن المالك والذي تجوز عليه تطبيق الأخوة والمساواة. بمعنى آخر، إن المواطن صاحب الحقوق هو المالك صاحب السلطان. وفي عصر الثورة الفرنسية كان يوجد شاعر فرنسي اسمه La Fontainne وكان يقول ساخرًا: "أعجب من الذين يقولون: إن فرنسا ليس فيها مساواة، وقد نجد الغني يستطيع أن ينام تحت الكوبري مثله مثل الفقير".(20/38)
ولدينا مَثَل آخر في إعلان حقوق الإنسان أو الهيومان رايتس Human r ights. ومن العجيب أن هذا المسمى لم ينشأ إلا في عام 1948 ، والأعجب منه أن ينشأ هذا الإعلان في نفس العام الذي تم فيه اغتصاب حقوق الفلسطينيين وكأن الفلسطينيين غير مخاطبين في هذا الإعلان. ألم نقل قبل ذلك أن الوثائق العامة التي يعدها البشر تخاطب مجموعة خاصة من الناس؟ إنها الحقيقية المرة بكل أسف.
إذًا، كل الدساتير الوضعية تخاطب فئة من الناس وليس كل الناس؛ ولذا فهي تأتي ظالمة في كل الأوقات؛ أما الدستور الوحيد الذي يخاطب كل الناس - المؤمنين وغير المؤمنين، فهو القرآن الكريم المنزل من عند الله سبحانه وتعالى العادل؛ ولذا فلا يمكننا أبدًا أن نقارن بين الدستور الأمريكي أو أي دستور وضعي وبين الإسلام، فالدستور البشري فيه تحيز وأنانية، أما الدستور الإلهي فهو يمثل العدل المطلق. وبناء على ذلك، فلا يجوز أبدًا القول بأن الدستور الأمريكي دستور إسلامي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدستور الأمريكي لا يحتوي على أية مفاهيم غيبية أو سنية. باختصار، ليس فيه أي بعد غيبي، فكيف نستطيع أن نصفه بعد ذلك بأنه إسلامي؟ إن الإسلام إيمان وعمل، فأين البعد الإيماني في ذلك الدستور؟
أما إذا تحدثنا عن المجتمع الأمريكي، فهو ليس بأحسن من المجتمعات العربية. فالحياة الأمريكية فيها العيوب مثل المجتمعات الإنسانية الأخرى. والتناقض بين الإعلانات الدستورية والتطبيق موجود في أمريكا مثلما هو موجود في المجتمعات العربية. فالفقير في أمريكا مثلاً يموت جوعًا ومرضًا، مثله مثل الفقير في مجتمعاتنا العربية.
وانتخابات الكونجرس مسيرة بالمال والنفوذ مثل ما يحدث في كل مكان. وهم يواجهون نفس المشاكل التي نواجهها في كيفية تمويل الانتخابات. فعند غياب الأخلاق - سواء في أمريكا أم في غيرها - تسود السلطة التنفيذية. إن النصوص المثالية كثيرة، ولكن أين التطبيق؟ لقد كان من الأجدى أن يناقش الكاتب هذا التضارب بين النظرية والتطبيق، وكيفية حصول المسلمين على حقوقهم في ظل تلك الدساتير "الرائعة".
هناك فارق بين الشورى والديمقراطية
نريد أن نوضح في هذا الصدد حقيقة هامة؛ وهي حقيقة ذات شقين: أولاً، أن الديمقراطية ليست كفرًا؛ وثانيًا: أن مبادئ الشورى ليست نسخة من الديمقراطية. فالشورى فيها من المبادئ ما يرقى عن الديمقراطية بمراحل.
ولنبدأ بالشق الأول؛ أولاً: إن من يقول: إن الديمقراطية كفر بدون فهم أو تريث، فهو خاطئ في حكمه. فمن القواعد المقررة لدى علمائنا السابقين أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وبالتالي، فمن حكم على شيء يجهله - كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي _ فحكمه خاطئ وإن صادف الصواب اعتباطًا؛ لأنها رمية من غير رامٍ.
ثانيًا: هل يعقل أن تكون الديمقراطية التي كافحت من أجلها الشعوب في الغرب وصارعت صراعًا مريرًا لتتخلص من الطغاة والمستبدين، منكرًا أو كفرًا؟ ثم، أليست الشعوب الإسلامية في أمس الحاجة إلى الديمقراطية لكبح جماح الحكم التسلطي؟
ثالثًا: "إن جوهر الديمقراطية من صميم الإسلام" كما يشير الدكتور يوسف القرضاوي. أو بقول آخر: إن دولة الإسلام تقوم على أفضل ما في الديمقراطية من مبادئ. وأفضل ما في الديمقراطية - أو جوهرها - أن يختار الناس من يسوس أمرهم، وأن يكون لهم حق محاسبته إذا أخطأ، وعزله إذا انحرف. والإسلام متفق جدًّا مع مبدأ اختيار الحاكم. وأكبر دليل على ذلك أن الإسلام ينكر أن يؤم الناس في الصلاة من يكرهونه، فما بالنا بالحياة السياسية؟ إذًا، فالاثنان يتفقان في محاربة الطغيان والفساد.
رابعًا: إن البشرية أوجدت للديمقراطية صيغًا وأشكالاً مثل الانتخاب والاستفتاء وترجيح حكم الأكثرية، وتعدد الأحزاب السياسية، وحرية الصحافة، واستقلال القضاء، وحق الأقلية في المعارضة.. إلخ. وكل هذه الأشكال ابتكرها الغرب وسبقنا فيها. وكان من الأجدر أننا كمسلمين أن نكون نحن السباقين؛ إذ إن الإسلام -ديننا الحنيف- سبق الديمقراطية بألف سنة؛ سبقها بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهرها. وفي نفس الوقت ترك "الأشكال" والتفصيلات لاجتهاد المسلمين وفق أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور حياتهم بحسب الزمان والمكان وتجدد أحوال الإنسان. ولكن، للأسف الشديد، تقاعس المسلمون؛ فسبقهم الغرب. وإلى أن يتيسر للمسلمين أن يطوروا من أساليب الديمقراطية لتحقيق الحياة المثلى، فعليهم الاقتباس، أي اقتباس الصيغ والضمانات الديمقراطية الضرورية التي ستوفر لهم العدل والشورى والوقوف أمام جبابرة الأرض. وبالمناسبة، فإن الشرع لا يمنع اقتباس فكرة نظرية أو حل عملي من غير المسلمين. فقد اقتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرة الخندق من الفرس، كما أنه جعل أسرى بدر المشركين يُعلمون المسلمين القراءة والكتابة. وكذلك اقتبس عليه الصلاة والسلام ختم كتبه من الملوك. واقتبس عمر بن الخطاب نظام الدواوين ونظام الخراج. وعلينا أن نعلم في النهاية أن: الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.(20/39)
ومن هنا، لا يلزم من الدعوة إلى الديمقراطية اعتبار حكم الشعب بديلاً عن حكم الله؛ إذ لا تناقض بينهما. فعند المسلم تعتبر الدعوة إلى الديمقراطية شكلاً للحكم يجسد مبادئ الإسلام السياسية في اختيار الحاكم وإقرار الشورى والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الجور. بمعنى آخر، عندما يطالب المسلمون بالديمقراطية، فهم يطالبون بوسيلة تساعدهم على تحقيق أهداف حياة كريمة يستطيعون من خلالها الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. ولن يضرهم أبدًا أن يستخدموا لفظًا غربيًا -كالديمقراطية- فإن مدار الحكم ليس على الأسماء، بل على المسميات والمضامين.
وبالرغم من كل ذلك، فإننا لا نستطيع أبدًا اعتبار الشورى نسخة من الديمقراطية، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: الشورى لها حدود وضوابط شرعية لا تتعداها أبدًا، بينما الديمقراطية لا تعترف بتلك الحدود ولا بتلك الضوابط. فقد تنادي الديمقراطية بتحكيم الأكثرية، ولكن بغض النظر عن مبدأ الصواب أو الخطأ. بمعنى آخر، أي رأي يفوز بالأغلبية المطلقة هو الرأي النافذ حتى ولو كان باطلاً. أما الشورى في الإسلام فلا تعتد بهذه الوسيلة، بل تنظر في ذات الرأي. فإن كان صوابًا من الناحية الشرعية نفذ وإن لم يكن معه صوت واحد، وإن كان خطأ رفض وإن كان معه (99) من الـ(100). والقرآن نفسه يدل على كون الأكثرية دائمًا في صف الباطل: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الأعراف: 187؛ (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) هود: 17. أما المؤمنون فهم الأقلية (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) ص: 24. فالجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. والأمور الشرعية القطعية وأساسيات الدين ليس لها تصويت في الشورى. إنما الشورى أو التصويت يجوز فقط في الأمور الاجتهادية أو "المصالح المرسلة" مثل بناء منشآت صناعية أو إصدار قوانين لضبط المرور.
إذًا، فرأي الأكثرية ليس مؤشرًا على الصلاح، وليس دليلاً على الصواب كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية التي أباحت الشذوذ الجنسي، والتي أباحت شرب الخمر وبيعها وشراءها من خلال رأي الأكثرية. إن الديمقراطية غير محكومة بأصول تقيدها ولا قيم تضبط سيرتها؛ فتحلل الحرام كيفما تريد. وليس أدل على ذلك مما أبداه البرلمان الإنجليزي حينما قال: إنه يستطيع أن يقرر أي شيء إلا أن يُحول النساء رجالا أو الرجال نساء. بل إن رأي الأكثرية في الديمقراطية يمكن أن يلغي الديمقراطية نفسها؛ ولذا فإن الديمقراطية يمكن أن يكون لديها أنياب أشد شراسة وفتكًا من الديكتاتورية.
ومن أثر عدم وجود تلك الأصول والقيم في الديمقراطية، نجد المرشح يرشح نفسه للانتخابات بدون توافر مواصفات أخلاقية كالعدل والأمانة، فيزيف الحقائق وينهب ليحقق مصالح الطبقة التي يخدمها. وكذلك الناخب نجده لا يشهد بالحق. أما في الإسلام، فيشترط أن يكون الناخب فيه ما فيه من الشاهد من العدالة وحسن السيرة "وأشهدوا ذوي عدل منكم" (الطلاق: 2). وكذلك المرشح، فيجب أن يكون حفيظًا عليمًا إشارة إلى قوله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" (يوسف: 55) أو قويًا أمينًا إشارة إلى قوله تعالى على لسان ابنة الشيخ الكبير في قصة موسى: "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" (القصص: 26).
المراجع:
(1) الأستاذ الدكتور علي الغتيت: المفكر وأستاذ القانون المقارن والقانون الدولي بجامعة القاهرة والمحكم الدولي- "محاضرة عن حقوق الإنسان والمواطن بين مثالية النصوص والمخاطبين بها" جامعة القاهرة - قسم اقتصاد وعلوم سياسية، مارس 1998.
(2) الأستاذ الدكتور علي الغتيت - حوار - 4 يوليو 2000.
(3) الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، الفقيه والداعية الإسلامي، "فتاوى عن الإسلام والديمقراطية" و"بين الشورى والديمقراطية" و"هدى الإسلام في اختيار الحكام"، يونيو 2000.
================(20/40)
(20/41)
المسلمون والديمقراطية الأمريكية: مع أم ضد؟
بقلم/ مقتدر خان ترجمة وتحرير/ شيرين فهمي
في هذه المقالة يتعرض الكاتب إلى الرد على بعض المسلمين الأمريكيين الذين يتبنون فكرة الانعزالية عن المجتمع الأمريكي، ومن ثَم عدم المشاركة في السياسات المحلية الأمريكية. ويرى الكاتب أن الحجج التي يسوقها هؤلاء إنما تنبع من عدم الإحاطة الكافية بطبيعة السياسة الأمريكية؛ بالإضافة إلى الأفكار غير المدروسة وغير المبنية على أسس سليمة.
وأول هذه الحجج تقول: إن إيمان المسلمين بالله سبحانه وتعالى على أنه المشرع الأعلى لا يتفق إطلاقًا مع اتباعهم للقيادات الغربية، سواء كانت هذه القيادات سياسية أم دينية. بمعنى آخر، يرى مؤيدو الانعزالية أن الإسلام يحرم على الناس شغل وظيفة التشريع أو أخذ دور المشرع؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يمنح القانون ويعطي الشرع. ومن ثَم، فهم يؤمنون بأن الديمقراطية ليست إلا تحقيقًا لسيادة الإنسان (أو سيادة عقله) وتطويع القوانين -سواء كانت أخلاقية، اقتصادية، أو سياسية- لصالحه ولصالح راحته، بحيث تكون في النهاية غير خاضعة لله سبحانه وتعالى؛ ولذا فهم يؤمنون بأن المشاركة في العملية السياسية الأمريكية بمثابة تأكيد السيادة الإنسانية بدلاً من السيادة الإلهية؛ وهذا طبعًا غير مقبول.
الديمقراطية مع الإسلام وليست ضده
هذه الحجة -للأسف- مبنية على فهم خاطئ للعملية الديمقراطية؛ تلك العملية التي تعني أساسًا إفساح المجال لكل المواطنين لكي يشاركوا في الحكم وفي اتخاذ القرار. إن الديمقراطية هي الدرع الواقي من أزمة احتكار السلطة ووقوعها في أيدي حفنة صغيرة من الناس. تلك الحفنة التي تشرع القوانين المساعدة في تحقيق مصالحها على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي. تلك الحفنة التي تستخدم الدولة كأداة للسيطرة على الجماهير وعلى الشعب في سبيل تحقيق المصالح المرجوة؛ ولذا فإن من أٌولى وظائف الديمقراطية تمكين هؤلاء الذين تم تهميشهم ومن ثَم منحهم صوتًا لتحديد مصائرهم.
إن الديمقراطية هي تطبيق مبدأ تحديد المصير ووضعه عمليًّا في حيز التنفيذ. وإذا قررت الشعوب أن تعيش بمبادئ الإسلام، فلن تكون الديمقراطية عائقًا أبدًا، بل ستكون مساعدًا ومسهلاً.
الديمقراطيات لها أشكال متعددة
الديمقراطية لها أشكال متعددة. ففي بريطانيا مثلاً، حدث تحول تدريجي من الدولة الدينية (theological state) إلى الدولة العلمانية (secula r state). وظلت بريطانيا على ديمقراطيتها في خلال هذا التحول. وفي عالمنا الإسلامي، قام مولانا أبو الأعلى المودودي وآية الله الخميني بتطوير محدود للمشروع الديمقراطي.
فنظرية الخوميني "للدولة" قائمة على مبدأ "ولاية الفقيه" حيث يحكم العلماء المتدينون العادلون باسم الإسلام. وهم مكلفون وملزمون بممارسة الشريعة الإسلامية طبقًا لاحتياجات الجمهورية الإسلامية. ويرى الخوميني أن الديمقراطية ستعمل على إبعاد العلماء غير العادلين وغير المؤتمنين.
أما نظرية المودودي "للدولة"، فهي قائمة على مبدأ الديمقراطية الدينية (theodemoc r acy) أي بمعنى حكومة إسلامية ديمقراطية. وهي ديمقراطية ليست قائمة على أية أفكار نخبوية؛ إنما هي قائمة على تفعيل مبدأ الشورى. فالمجلس التشريعي المنتخب يستقي القوانين الإسلامية من القرآن والسنة؛ ثم يشرف على تنفيذها. وتقوم الانتخابات الديمقراطية حينئذ بالإسهام في توفير الشرعية.
إن نظرية "الديمقراطية الدينية" التي تبناها المودودي تعتمد أساسًا على مبدأ الشورى التمثيلية ( r ep r esentative shu r a). وهذا يلزم الأعضاء المنتخبين في مجلس الشورى الإسلامي بالسير طبقًا للقواعد الشرعية. أما إذا شذوا عنها فستكون النتيجة ضياع مراكزهم في الانتخابات القادمة.
الخلافة الإسلامية
إن مفهوم الخلافة الإسلامية يضع التوكيل السياسي في يد الأمة؛ بمعنى أن يكون الخليفة وكيلاً عنها في إدارة شئونها، فإذا ما ثبت عدم كفاءة الخليفة في تلك المهمة سحبت منه الأمة هذا التوكيل. إن الأمة تمثل مركز السيادة الحقيقي المكلف باختيار، وتعيين أو انتخاب الخليفة الذي سيعمل بعد ذلك كوكيل من وكلاء الله على الأرض.
ويجب أن ننوه هنا على الفارق بين مفهوم الخليفة من ناحية ومفهوم الخلافة من ناحية أخرى. فالخليفة، كما أشرنا من قبل، هو وكيل الأمة. أما مفهوم الخلافة فهو ينطوي على معنى أكبر: وهو جعل الله سبحانه وتعالى الإنسان -كل إنسان من الأمة الإسلامية- خليفة له على الأرض. أي أن كل عضو من هذه الأمة -سواء كان رجلاً أم امرأة- هو خليفة الله على الأرض، ومن ثم فهو مكلف من الله سبحانه وتعالى بتطبيق دينه وإعلاء كلمته.
البيعة والديمقراطية
حسب المعطيات الموجودة لدينا، تصير الديمقراطية هي أسهل الطرق لخوض عملية انتخاب الخليفة. فعدد المسلمين قد وصل حاليًا إلى أكثر من 1.3 بليون نسمة؛ هذا بالإضافة إلى أن المجتمع صار أكثر تعقيدًا؛ ولذا فإنه من الصعب جدًّا إيجاد أي طريق لانتخاب الخليفة إلا من خلال الديمقراطية.(20/42)
والذين يتمسكون بنظام البيعة في الإسلام يحصرون أنفسهم في مصطلح معين، وينسون -على الوجه الآخر- الظروف التي كانت قائمة في عصر الخلافة حيث كانت البيعة تمارس من قبل بضعة آلاف مواطن. ونظرًا لأعداد المسلمين الضخمة التي نراها اليوم، فإن قول "نعم" أو "لا" -سواء من خلال الوسيلة الورقية أو عبر الإنترنت- سيخدم -بلا شك- نظام البيعة… الأمر باختصار، أنه إذا ألقينا نظرة إلى الخطوات الديمقراطية فسنجدها لا تتعارض مع الإسلام.
الغرب أخذ نظرياته من الإسلام
لقد قمت بعمل دراسة واسعة على مفهوم السيادة (sove r eignty) في الإسلام من ناحية، وفي النظرية السياسية الغربية من الناحية الأخرى. وكانت نتيجة هذه الدراسة أنني اكتشفت أن الكثير من مبادئ السيادة التي يتبناها الغرب لا تعارض الإسلام، بل على العكس تنبع مباشرة من الإسلام.
فأوائل الباحثين النظريين في أوروبا احتكوا احتكاكًا مباشرًا مع مفهوم السيادة في الإسلام. فجون بودين Jean Bodin وجان جاك روسو Jean Jaques r ousseau من أشهر الباحثين الذين نظروا نظرية السيادة الحديثة؛ وقد استعانوا في ذلك بمفاهيم السيادة المطلقة والسيادة الشعبية التي يتبناها الإسلام. وقد قام روسو بعمل دراسة مكثفة عن فترة حكم الرسول (عليه الصلاة والسلام) في المدينة؛ لينهل ويستقي منها الأفكار المتعلقة بمفهوم السيادة؛ ولذا نجد أن الإسلام قد ألقى بظلاله -بدون شك- على النظرية الديمقراطية.
الديمقراطية الأمريكية وديمقراطية المودودي
إذا ما ألقينا النظر إلى الديمقراطية الأمريكية، فسنجد أن نموذج تلك الديمقراطية يشبه إلى حد كبير الديمقراطية الدينية التي يتبناها المودودي كما أشرنا من قبل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، توجد الشورى التمثيلية (الكونجرس) التي تستقي قوانينها من الدستور الأمريكي. وتسعى هذه الشورى التمثيلية إلى تشريع القوانين التي لا تعارض -على الأقل- الدستور الأمريكي. وبينما نجد المشرعين المسلمين -في ظل الديمقراطية المسلمة- يسعون إلى حماية القرآن والسنة وتطبيق ما فيهما من تشريعات وأحكام، نجد المشرعين الأمريكيين يسعون إلى حفظ دستورهم وتطبيق ما فيه من بنود وقوانين.
والناقدون للديمقراطية الأمريكية دائمًا ما يلصقونها بالكفر أو بأكثر من ذلك؛ وهم للأسف يطلقون أحكامهم دون تحليل مسبق. وإذا قاموا بتحليل أو بآخر، فإنه يخرج هشًّا ضعيفًا؛ ولذا فقد يستلزم علينا تركيز مناقشاتنا المستقبلية -بطريقة مباشرة- على محتوى الدستور الأمريكي، ومن ثَم التعرف على بنوده، وإدراك ما إذا كانت هذه البنود متوافقة مع المبادئ الإسلامية أم غير متوافقة معها. فإن إدانة الدستور الأمريكي على الدوام يمكن أن تلحق الضرر الشديد بالأمريكيين المسلمين.
نحن في حاجة إلى مرونة
يا ترى، ماذا سيكون رد فعلنا إذا قام بعض الناس غير المسلمين بقراءة كتاب عن الإسلام ثم انصرفوا عنه ورفضوه رفضًا قاطعًا؟ ألن نسارع باتهامهم بالسطحية؟ ألن نصفهم بالتحيز وعدم التعقل في رفضهم للإسلام؟ إذًا، فلنعطى غيرنا نفس مقدار الفضول وحب الاستطلاع الذي نريده. ولنعطى أنفسنا الفرصة لكي ندرس -على الأقل- موقف الآخر برقة ولطف وحذق ومهارة من قبل أن نصدر الأحكام. فالأحكام السريعة غير المبنية على معلومات دقيقة ليست إلا مؤشرًا عن الجهل وعدم التسامح.
وهذا -بدون أدنى شك- سيباعد بين الناس والمسلمين والإسلام… إني أريد أن أوجه هنا سؤالاً للقراء: ما الذي ترونه ضد الإسلام أو ضد الله في مثل هذا الدستور؟ وما هو الشيء غير الإسلامي أو غير الإلهي في هذا الدستور؟
الدستور الأمريكي لا يناقض الإسلام
إن من ضمن نصوص الدستور الأمريكي ما يلي: "نحن شعب الولايات المتحدة الأمريكية -من أجل تشكيل اتحاد أكثر قوة وصلابة- نقيم العدل، نحافظ على الهدوء المحلي، نقوم على توفير الدفاع العام، نُرقي من الخدمات الاجتماعية، ونحمي حرياتنا وممتلكاتنا: [من أجل كل ذلك] نقيم ذلك الدستور للولايات المتحدة الأمريكية".
إني أود أن أعرف ما الذي يمكن أن ترفضه أي دولة إسلامية من هذا الدستور؟ وما الذي يمكن أن ترغب عنه وترفض إعطاءه لشعبها؟ هل الإسلام يسعى إلى حرمان المسلمين مما ينص عليه الدستور الأمريكي من العدل، والاستقرار، والخدمات الخيرية، والحرية والترف؟ (بالطبع لا).
هذا الدستور -طبعًا- لا يُعَرِّف نفسه على كونه إسلاميًّا. (وكيف له أن يفعل ذلك؟) إنما مفهوم ذلك الدستور يتعرض للإسلام، وإن لم يتعرض للمسلمين. فهو خالٍ من المسلمين ولكنه ليس خاليًا من الإسلام. إنه يحتوي على الكثير من القيم الإسلامية؛ أما ما هو غير إسلامي فسأتركه لمن يريد أن ينقده.(20/43)
ولدينا طريقتان في فهم الإسلام: إما أن نفهم الإسلام وندركه عمليًّا، أو أن نفهم الإسلام في حيز الرموز والإعلام أو الملصقات. ومن الظاهر أن المسلمين أكثر شغفًا بظواهر الإسلام المرئية الخارجة عن شغفهم بالإسلام كمؤسسة وكتطبيق للقيم والمثل الإسلامية. وهذا طبعًا لا يعني أن كل شيء في أمريكا إسلامي: بالطبع، لا. إن أمريكا بعيدة كل البعد عن المجتمع الإسلامي المثالي، وكذلك بعيدة كل البعد عن الدستور الذي تتعهد بتنفيذه. ولكن، على الأقل فإن أمريكا تعرف أهدافها جيدًا أكثر من معظم المجتمعات المسلمة مثل دولة صدام، أو دولة القذافي، أو دولة الأسد (التي صارت الآن دولة بشار).
أنا لا أريد أن أحرج القراء باستعراض بقية القائمة. ولكنى أرغب التنويه إلى أن هذه الدولة [الأمريكية] -بفضل مبادئها- تعامل المسلمين أحسن من معظم البلاد المسلمة. وإذا كنت غير موافق على ذلك، فاجمع حقائبك واذهب الآن إلى المكان الذي تريده والذي تعتقد أنك ستصير فيه أكثر إحساسًا بالسعادة والأمن والحرية في تطبيق الإسلام. إنه واجبك الإسلامي، والامتناع عن فعل ذلك سيكون نفاقًا.
المقالة نزلت بموقع الـ iviews.com في 27 يونيو 2000 ، الكاتب يشغل حاليًا المحرر الإداري للجريدة الأمريكية للعلوم الإسلامية الاجتماعية، ويرأس مجلس رابطة الباحثين الاجتماعيين المسلمين.
================(20/44)
(20/45)
تحرير المرأة في عصر "الشرق الأوسط الكبير"
إعداد محرر صفحة الإسلام وقضايا العصر
…
14/06/2004
المشروع الأمريكي عبر هجماته/مبادراته "الإصلاحية" للشرق الأوسط، احتوى على قضية مركزية وهي المرأة. وهذا يطرح تساؤلات مهمة حوله، يجعل من الضروري الالتفات إليها تأملا ومناقشة، فحين نجد أنفسنا بين مطرقة المشاكل الحقيقية التي نعاني منها وسندان الهيمنة الأمريكية التي علينا رفضها.. ماذا نفعل؟ خصوصا أننا أمام تحديات جديدة تنقلنا من نفق التقاليد غير الإسلامية إلى حافة هاوية "الفردية" المتمركزة حول الجسد. وما الذي يمكن أن تضيفه أمريكا في مبادرتها "الشرق الأوسط الكبير" لقضية تحرير المرأة؟ وكيف تخرج المرأة العربية من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل في كل ما يدور حولنا من أحداث؟ وكيف يمكن تفهيم أولئك الذين لا يزالون يدورون في فلك "الجسد/الفتنة" حين يختزلون تحرير المرأة - داخليّا وخارجيّا - في "العري"؟ وكيف يمكن النظر إلى التعديلات التي طاولت -ولا تزال- المرأة الخليجية؟.. أسئلة مهمة تناقشها هبة رؤوف عزت(**) خلال هذا الحوار.
* تعيش المرأة العربية مأزقا خطيرا يتمثل في شعورنا - نحن النساء - بأن هناك مشكلة حقيقية تعاني منها المرأة العربية .. وهي مشكلة الفقر والجهل والبطالة والتمييز.. وهي مشاكل يشترك معنا في كثير منها كثير من الرجال، ولكن تتركز مشكلتنا في ذلك الاستخدام السيئ من قبل قوى خارجية (كأمريكا) وقوى داخلية (أنظمتنا العربية) لهذه المشاكل لمصلحتها. فنجد أنفسنا بين مطرقة المشاكل التي نعاني منها وسندان الهيمنة الأمريكية التي علينا رفضها ... ماذا نفعل حيال هذا الأمر؟
- لا توجد حلول فورية لتغيير أوضاع الفقر والجهل والبطالة والتمييز الجاهلي (التقليدي والمستورد) ضد المرأة؛ فالتغيير يأخذ وقتا ويحتاج إستراتيجيات ولن نستطيع تغييره، ولن تستطيع أمريكا تغييره ببيانات أو مشروعات أو تصريحات.
أعتقد أننا بحاجة حقيقية أولا لمعرفة الواقع، وهذه مهمة تقوم بها -بنشاط- هيئات دولية تدرس وتجمع الإحصاءات وتحلل البيانات، ولا تقوم بها هيئاتنا الإسلامية التي تنصرف إلى كتابة المقالات وإعداد الدراسات النظرية والانتقاد القوي لأطروحات الاستعمارية دون رصد حقيقي وواقعي للتحولات التي تشهدها تلك المرأة العربية.
ويجب التذكير بأن هذه المرأة التي نتكلم عنها، تشكل الفتيات النسبة الغالبة في تكوينها، وأن النسبة المتزايدة هي من سكان الحضر والمدن، ونحن أمام تحديات جديدة تنقلنا من نفق التقاليد غير الإسلامية التي بها تمييز ضد المرأة، إلى حافة هاوية "الفردية" المتمركزة حول الجسد؛ سواء لإعادة صياغة التصورات حول معنى الحرية أم بتفكيك البنى الاجتماعية والمؤسسات المختلفة الجماعية.
بين المطرقة والسندان يمكن أن يكون هناك عجينة لينة قابلة للتشكيل، ويمكن أن يكون هناك كتلة صلبة من الحديد تكسر المطرقة والسندان، والفعل الذي يتم السؤال عنه - في نظري - هو الفعل اليومي، والفعل المتراكم والفعل الممكن الذي يدفع سقف المستحيل، وربما في لحظة معينة تصبح مواجهة الإمبراطورية عن طريق الأفعال الصغيرة أكثر تأثيرا من الخطاب الضخم الذي لا يدل الناس على آليات يومية بسيطة.
ماذا نفعل؟ أنا شخصيا بالأمس كنت في لقاء أشارك فيه بتقرير عن أوضاع المرأة العربية، مع إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، التي لا أرى من المفيد تركها للهيمنة الأمريكية؛ لأنها ليست ملكا خاصا لأمريكا، لكنني اليوم طوال الصباح كنت في اجتماع مع مجموعة من النشطاء نسعى لتجاوز الاختلافات الأيديولوجية وتسجيل منظمة أهلية ضد الفساد في مجتمعي، فالانعزال في دوائر مغلقة لا يفيد، وإنما حركة واسعة لكل واحد منا في مجاله ثم التشبيك والتنسيق حتى يتراكم الفعل.
لننظر حولنا.. في أسرتنا وفي الحي وفي مجال العمل، ولنفكر: كيف يمكن الدفاع عن حقوق المضطهدين وتحسين أوضاع الناس بآليات بسيطة؟ باختصار: ما هو الفعل الممكن الذي يبني زخما لتغيير ديمقراطي يومي يحترم إنسانية الإنسان؟. إننا لا نستطيع أن نواجه الهيمنة الأمريكية ومشاريع الشرق الأوسط الكبير - أو الصغير - ببشر لا يشعرون بآدميتهم، وإذا شعروا بها لا يتشاطرونها مع الآخرين بشكل عادل وكريم!.
لكن مع هذا نحتفظ دائما بالأمل وشعلة النشاط في القلب؛ لأن الله غالب على أمره، ونحن حتى الآن لم نستوف شروط النصر؛ لأننا أهملنا (اقرأ)، وأهملنا (وقل اعملوا)، ولم نبذل كل الوسع بعد.
* لكن ما هي الإضافة الأمريكية في مبادرتها "الشرق الأوسط الكبير" لقضية تحرير المرأة، خصوصا أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة قد غطت الجانب النظري والتنفيذي لما يخص الجوانب المختلفة لقضية المرأة؟.
- الخطط الأمريكية قديمة والتدخل الأمريكي جارٍ على قدم وساق منذ فترة طويلة، والتعليم تم إعادة هيكلته لخلق كوادر ـ رجال ونساء ـ تقبل القيم الاستهلاكية، هذه هي الإضافة المستمرة التي يتم تجديد إستراتيجياتها كي نصبح سوقا بلا ثقافة ولا هوية تستطيع المقاومة.(20/46)
إن ما تود الولايات المتحدة الأمريكية الآن تحقيقه هو تجاوز مرحلة خلق النخب التي تحدث منذ مائة عام أو يزيد عبر التعليم وبرامج التدريب وطرح الرؤى والأفكار واختراق المجتمع المدني، إلى أن يصبح هذا المد الاستهلاكي عامّا وجماهيريا.
وأعتقد أن أخطر ما يمكن أن يحدث للمرأة العربية في المستقبل هو إبعادها عن الثقافة الإسلامية، في الطبقات الوسطى والعليا، ووضع هؤلاء النساء في مواقع صنع القرار فتتم سرقة واختطاف رؤى التحرير والمساواة للمرأة لتخرج خارج إطار النضال الديمقراطي، وهذا حدث بالفعل في بعض البلدان ومنها مصر، فقد تم تأميم الحركة النسائية بالمعنى الذي كان سائدا في الستينيات والسبعينيات، والتي كانت ذات توجه يساري لكنه كان وطنيا وعروبيا.
أما الآن، فالاتجاه إلى الفكر والخيال النسوي، وفصل جهد تمكين النساء عن معركة الديمقراطية الواسعة حتى يظن الناظر إلى الخريطة العربية أن النساء قد حققن مكاسب وهو ليس صحيحا خاصة حين تتولى المناصب القيادية نساء من نفس النخبة السائدة المتأسسة على روابط قبلية أو فئوية أو عرقية أو طبقية.
إن إعادة تشكيل النخبة وإعادة تشكيل الثقافة عبر تهميش التعليم الوطني العام والاحتفاء بالتعليم الأجنبي في المراحل ما قبل الجامعية والجامعية: مسألة حاسمة في خلق أجيال مستفيدة من الاندماج في دوائر الأعمال الأجنبية بأوطاننا وتوسيع هامش الفئات التي تحمل هوية هجينة ملتبسة، وحين يتم الدفع بها إلى مواقع صنع القرار لن تكون أولوياتها وطنية، وقضية المرأة لا تنفك عن كل هذه التحولات.
والجديد ليس اختراعا لمفهوم أو لقضية، بل تحويل المسارات وتغيير الأشكال والتكتيكات، وهنا يجب أن نتابع أوضاعنا جيدا ونرصد تحولات المجتمع والثقافة؛ لأنها أخطر من تصريحات السياسة أو خطب الأنظمة في المناسبات المختلفة.
التغيير من أسفل وضرب البنية التحتية الاجتماعية على هذا النطاق هو الجديد والمتجدد.
* كيف تخرج المرأة العربية من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل في كل ما يدور حولنا من أحداث؟
- "التسلط الذكوري" أحيانا يكون ضاغطا جدّا جدّا، لكنه - أحيانا - أسطورة نبكي بسببها دون أن نرى مصادر القوة في بنيتنا التقليدية الأسرية. أعتقد أنه في ظل أكثر العلاقات استبدادا مع الذكور في الأسرة أو الدائرة الاجتماعية يمكن التماس مسارات للتمكين وللفعل، بالنسبة للسيدات العاديّات مثلا.
السياسة ليست الوصول إلى سدة الحكم، بل هي المشاركة في التأثير على توزيع الموارد المادية والمعنوية في المجتمع بشكل يسمح بعدالة أوسع، في تقاسم السلطة، والثروة. وعلى ذلك فإن كل امرأة يمكنها أن تؤثر في تلك المعادلة، لكننا إما أن نحبس أنفسنا في البيوت، أو نتطلع لرئاسة الوزراء!
في حين أن الفعل المدني الأهلي اليومي قد يكون أكثر تأثيرا وأوسع مدى من الانضمام إلى أي من الأحزاب أو الخروج إلى الترشيح في الانتخابات على أهمية كل هذه الأشكال.
وبالنسبة للأم، من المفيد أن تعلم أنها يمكن أن تكون مسئولة ومشاركة في المجتمع، بل ومؤثرة في السياسات العامة من خلال "الحضور المستمر" في حياة أسرتها، والخروج لمتابعة مصالح تلك الأسرة.
ويمكن لي التمثيل هنا بالتعليم والصحة. في مدرسة أولادي مجلس للآباء، وهو غير يوم لقاء الآباء بالمدرسين، ورغم أن المرأة المصرية في الطبقة الوسطى يمكنها الحركة والمشاركة فإننا يوم الاجتماع الأول لمجلس الآباء في مدرسة بها ألف تلميذ لم يحضر سوى عشرة، منهم ثلاث نساء. وقد استوقفني هذا الأمر؛ فقد كنت دائما أدعو إلى المشاركة السياسية القوية للمرأة والتي أعتقد أنها واجب شرعي وليس ترفا، ولي في ذلك كتابات عديدة شرعية وسياسية، لكنني وجدت نفسي في موقف أتساءل فيه: كيف يمكن أن تشارك المرأة في الجدل الديمقراطي وفي الشأن العام السياسي وفي الدفاع عن حقوقها وحقوق الإنسان وفي المطالبة بتوزيع أكثر عدلا للسلطة وللثروة إذا كانت لا تخرج أصلا لمتابعة السياسة التعليمية في داخل مدرسة أولادها؟
ولا أظن أنه في أي مجتمع ذكوري سيمنعها أحد من ذلك. لكن المشكلة أن المرأة لا تريد أن تكون أكثر فاعلية وأكثر مسئولية في أحيان كثيرة لأسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط في بعض المجتمعات العربية بالرفاهة الزائدة، ومنها ما هو مرتبط في مجتمعات أخرى بالفقر، ومنها ما هو قرين السلبية واستمراء دور الضحية المقهورة.
دعوني أؤكد لكم أنني قابلت كثيرا من النساء هن شعلة من النشاط والفعل والمشاركة، رغم أنهن أميات لا يقرأن ولا يكتبن لكنهن على علم باحتياجات المجتمع الصغير الذي يمارسن فيه دورا فاعلا، كما أنهن يدركن الأمومة بشكل إيجابي ونشيط.
إن المرأة في أشد أوضاع التسلط الذكوري قادرة على توسعة هامش الحرية والفعل والتواصل مع ثقافتها من أجل التغيير واستكشاف مواطن الضعف في تلك البنى الذكورية والضغط عليها، وأزعم أن هناك أفقا دائما للتغيير، وأزعم أيضا أن الله أرحم بكل امرأة من أن يجعلها عاجزة تماما عن أي فعل.(20/47)
لكن المهم أن تنظر كل واحدة إلى مساحات الممكن وتوسع هامشها بدلا من أن تتطلع إلى المستحيل وتظل تتباكى على أنها مقهورة، وأنا أعتقد أن تغيير الخطاب يجب أن يتأسس على ربط اليومي بالمدني، وإتاحة الفرصة لأشكال مختلفة من الفعل وعدم التعميم في تجارب التمكين الفردي والجماعي وتبادل التجارب في نفس الوقت.
ويمكن تبادل الأفكار ونشرها عبر الشبكة، أو الاندراج في برنامج للتعليم المستمر، أو مراسلة "إسلام أون لاين.نت" في قضايا تهمك وجمع المعلومات من على الشبكة في هذا المجال أو الانضمام إلى ساحة من ساحات الحوار الثقافي حول قضية ما.
هناك آفاق كثيرة وهناك دائما.. الإمكانية. دعونا نفكر كيف يمكن أن نتحرك خطوة ولو صغيرة إلى الأمام، وكيف يمكن أن نساعد على رؤية بصيص أمل.
* الغرب واليهود يريدون أن يشاهدوا المرأة العربية والمسلمة تمشي في الشارع شبه عارية - إن لم نقل: عارية - أهذا هو الإصلاح الذي يريدون؟.
- لا شك أن هناك اختلافا في منظومة القيم، والعري جزء من الحرية الفردية في الثقافة الغربية، رغم أنه عندهم أيضا له مساحات وحدود، وهناك تقنين لحقوق الجسد أو - على الأقل - مسيرة من السعي لتوسعة التقنينات.
الأطروحة الغربية تقوم على أولوية الوجود في المجال العام كمؤشر على الفاعلية والقوة، في حين أننا في تصورنا الإسلامي نعتقد أن المجال العام المدني وأيضا المجال الاجتماعي الأسري لا يقل أهمية، وأنه أيضا مساحة حرة حتى إن كان فيها في جانبٍ مساواة، وفي جانب آخر توزيع لبعض (وأكرر: بعض) الأدوار.
حين جاء رسول ا صلى الله عليه وسلم برسالة هي رحمة للعالمين لم تكن قريش يعجبها أن تخرج المرأة، وكان الدور الأسري للمرأة القرشية هو الدور الأول وربما الوحيد، ونذكر أن الموسرات كن يستأجرن الرجال من أجل المتاجرة في أموالهن كما فعلت خديجة رضي الله عنها، لكن المرأة في المدينة كانت تشارك في المجال العام زراعة وتجارة، وكن متواجدات بالرأي وبالحضور في خارج أدوارهن الأسرية، رغم أنهن كن أمهات رائعات ـ لكن زوجات قويات.
التحول الاجتماعي الذي أدى إليه النهج النبوي لم يدفع باتجاه نموذج المرأة القرشية أو المكية، بل دفع باتجاه نموذج المرأة في المدينة، وإن شئت فعد إلى سيرة أم سليم التي هي أم أنس بن مالك، تر نموذجا فريدا لامرأة قوية ومؤمنة صلبة كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يحب زيارة بيتها، بل ودعوة الصحابة إليه للطعام، ويحتفي بمشاركتها في مجالس النساء في المسجد تسأل وإن أحرجت أسئلتها عائشة!
لم يقل أحد حينئذ إن الخروج يعني السفور، وهذه النقلة تمت مصادرتها تاريخيا حين مُنعت النساء من المساجد في المرحلة الأخيرة من عصر الخلفاء، على اختلاف بعدها تاريخيّا في درجة مشاركة المرأة في المجال العام والسياسي والاقتصادي في المجتمعات الإسلامية بعد الفتوح بحسب الثقافة الأصلية للبلدان.
هذه المقدمة ضرورية حتى لا يكون رد فعلنا تجاه "تحرير المرأة" الغربي والهجمة الأمريكية على المنطقة على هذا المسار هو أن نخون تصوراتنا الإسلامية، ونخون الله ورسوله بالتضييق على النساء بزعم أن أي مساحة للفعل توافق المخطط الأمريكي.
إن سد الذرائع لا يجب أن يؤدي إلى سد الشرائع. ويعنيني أكثر من الذي تريده أمريكا: ماذا نريد نحن؟ في زمن خرجت فيه المرأة للتعليم والعمل ولديها مساحات من الحرية، هل ما يقدمه الخطاب الإسلامي هو مشروع يحترم المرأة - أمّا وفتاة وامرأة عاملة وناشطة في المجتمع - ويدفعها إلى أن تدافع لا عن حريتها فقط وإنما عن حرية الأوطان، وحرية أبنائها السياسية في المستقبل واحترام حقوقهم في فرص متكافئة في التعليم والعمل من أجل مستقبل أفضل لأغلبية الشعوب وليس لأقليات فيها؟
هل تأتي قضية الكرامة والحماية من التمييز والتحرش وضمان الحقوق النقابية والمكتسبات القانونية للأمهات العاملات وللطالبات وللنساء العاملات في المجال المدني والأهلي على رأس قائمة الهموم، أم ندور فقط حول قضية السفور والحجاب، وكأن الحجاب هو قرين الحجب لأن الخروج هو قرين السفور والانحلال؟!
القضايا لا تعالج هكذا، وأخشى ما أخشاه أن تكون الهجمة الأمريكية معوقا للتجديد الإسلامي الشرعي المنضبط المستقيم، ويكون رد فعلنا هو غلو وتبسيط، نكون نحن الخاسرين فيه وليس أمريكا، بل أزعم أنه سيحول دون أن نطور مشاريع ناجحة للمقاومة والتعبئة.
خريطة القضايا واسعة، وتعميق التصورات مهمتنا معا، فلنفكر سويّا في كيف نضبط مساحات الحرية حتى لا نرى العري في شوارعنا، ولكن دون أن نختزل فكرة الحرية إلى الجسد. ثم كيف نضبط مساحات الحرية بحرية وبمراهنة على الفطرة السوية داخل نفوس الغالبية كما كان يعلمنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله؛ لأن الإفراط في استدعاء القانون أو استدعاء الدولة يفتح مجالا لها في مساحات المجتمع فتدخل لتصادر الحرية على جميع المستويات.
وفي عصر العولمة كيف يمكن أن نصوغ رسائل واضحة ومركبة في نفس الوقت تكون أفقا للكرامة للناس فنكتسب الأنصار، ونفتح دوائر لا يمكن أن يفتحها خطاب الإدانة.(20/48)
الاجتهاد هنا فريضة؛ لأن سياقات المدن وجسور الاتصال لا ينفع معها كثير من طرقنا في التناول. والتحدي هو كيف نستطيع تطوير رؤانا بشكل واثق للتعامل مع تلك المستجدات؟
ربما نحتاج إلى أن نتبادل الأفكار أكثر، فالمسافة لم تعد فارقة لهذه الدرجة؛ لأن قانون المدنية الحديثة يحكم الأمكنة.
* هل الإصلاحات - فيما يخص المرأة الخليجية - هي إصلاحات وهمية ومنساقة لرغبات أمريكا فقط، دون رغبة حقيقية من النظام هناك في إصلاح وضع المرأة؟
- إن وضع المرأة الخليجية لن يتحسن فعلا إلا في ظل تحول ديمقراطي واجتماعي عميق، وأخشى أن بعض الإصلاحات الجزئية قد تستغل لحجب الإصلاح العميق المطلوب في دول الخليج. ولا أقصد فقط الثقافة التي تقوم - حتى الآن - على إقصاء المرأة من المجال العام، بل أقول أيضا: الثقافة الاستهلاكية لمجتمعات نفطية، وهي ثقافة تنذر بأن خروج المرأة من بيتها - غالبا - لن يكون لدعم قضايا العدل الاجتماعي والمشاركة السياسية، بل سيكون في دعم دوائر الأعمال في اقتصاد يزداد ارتباطا باقتصاد السوق العالمية.
أعتقد أن تحريك الماء الراكد في وضع المرأة في الخليج مهم، خاصة أن من الإسلاميين هناك من يقفون ضد حصول المرأة على حقوق سياسية مكفولة لها في الشرع، وليس عندي أي استعداد للمداهنة أو التلطف في هذه المسألة، والحالة الكويتية نموذج في كيف تحولت قضية المرأة إلى ورقة في النزاع السياسي رغم أن الإسلاميين أولى بأن يكونوا هم طليعة التغيير الاجتماعي لصالح المرأة؛ لأن النساء حين لا يجدن خطابا إسلاميّا رشيدا منصفا فإنهن سينتقلن إلى مساحات أخرى تقدم عدالة ومشاركة حتى إن كان الثمن هو التحرر الوطني ذاته، وهذا في أي مجتمع.
لا أحد يستطيع أن يعرف نوايا التغيير، لكننا نستطيع أن نضبط مساراته إذا شئنا أن نشارك بقوة في صياغته بدلا من التساؤل ونحن جلوس نضرب أخماسا في أسداس.
* ما المقصود بتحرير المرأة في مفهومكم؟
- إن الحرية تصور مرتبط بالإطار المرجعي؛ فهي في فكرة التنوير بدأت تحررا للفكر من الكنيسة وليس من الدين، ثم تطورت إلى تحرر من الدين، يكفي أن نقارن هنا بين فكر جون لوك المؤمن وفكر روسو العلماني المتطرف، وفي هذا السياق كان تحرير المرأة - في بداياته - حصولها على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية في ظل التحول الرأسمالي الصناعي حيث كانت النساء والأطفال يعانون من ظروف غير إنسانية في داخل الآلة الاقتصادية (وهو ما أنشأ النقد الماركسي للرأسمالية).
وكانت قيمة المساواة هي الحاكمة، ثم ما لبث الفكر النسوي أن تطور عبر أجيال مختلفة وتفرقت سبله لنجد فيها المتطرف الذي يرى الرجال مصدر الشر والعنف، والنساء مصدر السلام والرحمة، في رؤية أقرب إلى العنصرية النسوية المعادية للرجال، أما الأسرة فمبكرا تفككت بعد أن سحبت الدولة وظائفها، ثم اختلت العلاقات بداخلها لصالح فك الارتباط ما بين الحب والزواج والجنس والإنجاب، ولذلك أبعاد طبية وأبعاد نفسية وأبعاد اقتصادية ليست بعيدة عن صعود ثم هبوط نموذج دولة الرفاهة.
من المهم أن نفهم سياقات فكرة تحرير المرأة وعلاقتها بالاقتصادي والسياسي. ويمكنني بإيجاز أن أقول: إن الحرية عندي مقترنة بالعدل، يتم تسكينها في أبنية اجتماعية تتوازن فيها الحقوق والواجبات، وتبني هذه الوحدات مجتمعا يحترم العدل في المال والشورى في الأمر، وبذلك تنبني علاقة مركبة بين الشخصي والأسري والاجتماعي، والمدني والسياسي، في شكل دوائر متتالية وأيضا متقاطعة، وتوجد منظومة من القيم الأخلاقية على مستويات شتى تضم هذه الدوائر حتى لا تتشظى.
هذا أقرب إلى متن شديد التركيز - على نهج علماء السلف - يحتاج إلى هامش طويل لشرحه، يدخل فيه تفصيل معنى القوامة والاستخلاف والولاية وإنسانية المرأة في علاقتها بأنوثة المرأة وتداخل الأدوار وتفاعل المساحات وتنوع مضمون القيم ودلالتها حين تنتقل من المستوى الفردي إلى المستوى الجمعي وهكذا.
ولكون الإجابات الموجزة في مثل هذه القضايا المركبة عادة تكون مضللة تماما، لا بد من مطالعة - على سبيل المثال - دراسة لي حول القوامة في صفحة (الإسلام وقضايا العصر) على الموقع هنا لتعطيك نموذجا لكيفية تناول المفاهيم واستكشاف مساحتها ثم علاقتها بمفاهيم أخرى في أنساق فكرية وأيديولوجية مختلفة تقاربا أو ربما تنافرا.
=============(20/49)
(20/50)
مشروع الشرق الأوسط الكبير
الديمقراطية بدعة العصر
الديمقراطية هي بدعة العصر التي انبهر بها كثير من أبناء جلدتنا الجهال المتعامين عن محاسن شريعتنا الغراء، المندحرين أمام بهرج الحياة الغربية الزائفة المتلقفين لقشور تلكم الحضارة بعجرها وبجرها، يريد أسيادهم اليوم فرضها على بلاد المسلمين فرضاً بمقاس خاص ومواصفات محددة ستعرف معالمها فيما يأتي، ومعلوم عند كل من يعرف حقيقة الديمقراطية ويفهم دين الإسلام وملة التوحيد أن الديمقراطية دين كفري لا يمت إلى الإسلام بصلة بل يناقضه ويعارضه ويضاده، وقد بينت ذلك وفصلته في رسالتي (الديمقراطية دين... ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)، وعندما كتبت هذه الرسالة واخترت لها هذا العنوان كنت أقصد تحديداً حقيقة الديمقراطية وأصلها الذي يقوم على رد سلطة التشريع المطلقة للناس لا لرب الناس، وبينت أن هذا كفر بواح وشرك صراح لا يحل لمن شم رائحة التوحيد أن ينتهجه وكشفت شبه المموهين المجادلين عن الديمقراطية الملبسين الحق بالباطل والشورى بالديمقراطية، الساعين إلى تطهير الخلق والبلاد بالنجاسة، الحالمين بتحكيم شرع الله من خلال الكفر وبواسطة الإشراك، المستفتحين وظيفتهم الكفرية ونيابتهم الشركية بالقسم بالله العظيم على احترام الكفر البواح والإخلاص في الولاء لأعداء الله!! ويزيد بعضهم على ذلك سفهاً (وذلك في طاعة الله ورسوله!!). [الكاتب: أبو محمد المقدسي]
==============(20/51)
(20/52)
حقوق الأقليات بين الإسلام والغرب
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
فإذا تكلمنا عن الأقليات واضطهادها، فإنه في مقابل غدر الأوروبيين ونقضهم السريع لعهودهم وعقودهم التي كانوا يبرمونها مع الأقليات المسلمة الذين سقطت ولاياتهم تحت أيدي الاسبان بين يدي سقوط الأندلس، وفي مقابل إبادة أولئك المسلمين وإكراههم على تغيير دينهم أو تخييرهم بين ذلك أو الموت في محاكم التفتيش في غرناطة وغيرها...
في مقابل ذلك فإن المسلمين - دعنا من فترات تاريخهم الذهبية التي لم تشهد صورة من صور إكراه غير المسلمين على الإسلام بل كانت الدولة تتكفل بحمايتهم ورعايتهم وحفظ حقوقهم، عملاً بالنصوص الشرعية الكثيرة التي تأمر بأداء الأمانات والوفاء بالعهود والعقود والأحاديث التي تتوعد من آذى ذمياً أو مستأمناً ؛ وحين تعجز الدولة في بعض أطرافها وولاياتها عن حمايتهم ترد عليهم جزيتهم.. أقول دعك من تلك العصور وتعال معي إلى الخلافة في شيخوختها حيث كانت الأقليات غير المسلمة من الأرمن والروم واليهود في اسطنبول إبان الحكم العثماني تتصل مع أعداء الدولة المسلمة وتكيد لها المكائد وتثير القلاقل والمشاكل مما أغضب السلطان سليم الأول فأصدر قراراً بإجبار هذه الأقليات على اعتناق الدين الإسلامي، فهل رضي بذلك المسلمون وهل أقره عليه العلماء.. إن التاريخ يخبرنا أن العلماء أنكروا عليه ذلك أشد الإنكار ومنهم شيخ الإسلام (زمبيلي علي جمال) الذي ساءه ذلك جداً وواجه السلطان بقوله: (أيها السلطان إن هذا مخالف للشّرع إذ لا إكراه في الدين، وإن جدكم محمد الفاتح عندما فتح اسطنبول اتبع الشرع الإسلامي فلم يكره أحداً على اعتناق الإسلام بل أمن الجميع على عقيدتهم فعليك بإتباع الشرع الحنيف واتباع عهد جدكم محمد الفاتح) وهدد بخلع السلطان إن هو أصر على قراره.. ولكن السلطان الذي كان يحترم العلماء استجاب له وترك للأقليات غير المسلمة دينها وعقيدتها..
وقصة السلطان سليمان القانوني مع يهودي أبى أن يبيع كوخاً له في أرض أراد السلطان إقامة مسجد جامع عليها، صورة مشرقة من ذلك، فمع إصرار اليهودي على رفضه البيع ذهب السلطان إلى كوخ اليهودي يرجوه ويسترضيه ويعرض عليه أضعافاً مضاعفة لثمن كوخه، وذهل اليهودي لمشهد السلطان يرجوه ويسترضيه لأجل بيع الكوخ.. وهو القادر على طرده من الدولة كلها، فوافق على البيع وقام مسجد السلطان سليمان القانوني على تلك البقعة بعد استرضاء وموافقة ذلك اليهودي!!
أقول هذا حدث في شيخوخة الدولة الإسلامية وهرمها وتهلهلها، وأمثاله والله كثير ولست هنا في صدد تتبعه واستقصائه. ومنه تعرف أن وتر الأقليات في الدولة المسلمة والذي يطنطن أحياناً عليه أعداء الإسلام إنما يعزف عليه ويطرب لها أصحاب المآرب الخبيثة الذين يسعون في الحقيقة إلى سيطرة تلك الأقليات التي توافقهم وتقاربهم في الدين على مقاليد الحكم في بلاد المسلمين..
فأنت ترى أن اليهود والنصارى كانوا ينعمون بالأمن والأمان على ممتلكاتهم وعباداتهم وكنائسهم وأنفسهم وذراريهم في ظل دولة الإسلام، ولم يكونوا يكلفون الدفاع عن الدولة أو يجندون تجنيداً إجبارياً بل تتحمل الدولة حمايتهم مقابل جزية زهيدة تدفع بالسنة مرة وكان كثير من الخلفاء والولاة يسقطونها عمن كبر وعجز منهم.. ويردونها عليهم في حال عجز الدولة عن حمايتهم وتأمينهم.. كل ذلك عملاً بقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).. وعملاً بوصية رسول ا صلى الله عليه وسلم في أهل الذمة والمعاهدين الذين يحفظون عهودهم ويلزمون حدودهم فلا يعتدون على الإسلام وأهله.. أليست غضبة عمر ومقالته التي ذهبت مثلاً: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) قيلت انتصاراً لقبطي من مصر ضربه ابن للوالي هناك؟
لن أتكلف هنا إثبات أن الأقليات غير المسلمة كانت تحظى في ظل الدولة الإسلامية بالصون والأمان ما داموا كذلك ؛ وأنهم ذاقوا من الأمن والأمان في ظل عدل الإسلام مالم يذوقوه تحت حكم أبناء جلدتهم وأهل ملتهم ؛ لأنني سأذهب إلى أبعد من ذلك فأقرر أنهم كانوا يعاملون بالعدل والمعروف والإحسان حتى في حال غدرهم بالمسلمين وتعديهم على الإسلام وأهله..(20/53)
وليس أدل على ذلك من مؤامرة قتل الخليفة الفاروق وتعامله رضي الله عنه وهو مطعون على فراش الموت معها، وتعاطي المسلمين بعد موته معها.. إذ يكاد المؤرخون يجمعون على أن القاتل أبا لؤلؤة المجوسي ما هو إلا منفذ لهذه المؤامرة، بينما كان يقف خلفه ويشاركه كل من الهرمزان - الذي كان حاكماً فارسياً على الأهواز وأسر ثم أمنه الفاروق فعاش في المدينة وأظهراً الإسلام - وجفينة النصراني، وقد رأى عبد الرحمن بن عوف السكين ذا الرأسين الذي قتل به عمر قبيل يوم واحد مع الهرمزان وجفينة فسألهما عنها فقالا: نقطع بها اللحم فإنا لا نمس اللحم، ورأى عبد الرحمن بن أبي بكر الثلاثة يتحدثون خفية قبل مقتل عمر، ولما فاجأهم قاموا وقوفاً فسقط منهم الخنجر ذاته، ومع هذا كله فما هو رد فعل الفاروق يوم طعن؟ لقد قال كلمته التي لم ينسها له التاريخ: (إن عشت فالأمر لي وإن مت فالقصاص ؛ رجل برجل).. الله أكبر رجل برجل، الخليفة الفاروق ومع وضوح المؤامرة لا يرضى من القصاص إلا رجل برجل!! ولما ثار ابنه عبيد الله بن عمر بسبب ما سمعه من عبد الرحمن بن أبي بكر فقتل رأس المؤامرة الهرمزان ثم قتل نصيره جفينة، ما كان من الصحابة إلا أن أنكروا عليه وقاموا باعتقاله وحبسه وشاورهم الخليفة عثمان في إقامة القصاص عليه كونه قتل المتآمرين دون محاكمة لهم، ثم دعا القماذبان ابن الهرمزان فأمكنه من عبيد الله بن عمر وقال له: يا بني هذا قاتل أبيك فاذهب فاقتله، يقول القماذبان: فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي، إلا أنهم يطلبون إلي فيه. فقلت: ألي قتله؟ قالو: نعم، وسبّوا عبيد الله. فقلت أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا، وسبوه. فتركه لله ولهم، فاحتملوني فوالله ما بلغت منزلي إلا على رؤوس الرجال وأكفهم. ثم دفع عثمان دية من قتل من ماله. كل ذلك رغم ظهور المؤامرة..
هذا هو ديننا العظيم وهذه عينة من عدالته مع الأقليات في ظل دولته وسلطانه، وقد تقدمت أمثلة من ذلك من شيخوخة الدولة أيضاً..
والآن فلنلتفت قليلاً إلى أعداء الإسلام وسلوكياتهم في الحرب والسلم مع الأقليات بل والشعوب المسلمة أو غيرها يوم كانت تسقط بلادهم في أيدي أولئك الأعداء أو يتسلطون عليها..
تقدمت بعض أفاعيل الصليبيين في بيت المقدس إثر سقوطها في أيديهم وما قابلهم صلاح الدين به من العفو والتسامح يوم فتحها، ولو توقفنا عند هذا المثال وخضنا في تفاصيله لكفى.. لكني سأتحول إلى غيره مخافة السآمة من التكرار فلست مضطراً له لأن الأمثلة لا تكاد تحصى.. تأمل مثلاً ما فعله النصارى يوم سقطت صقلية بأيديهم، إذ بادروا أولاً إلى تحويل مساجدها جميعاً إلى كنائس أو إسطبلات للخيول، ودمرت قرى المسلمين كاملة، وإذا كان المسلمون يأخذون من النصارى الذمة جزية لمرة واحدة في السنة مقابل حمايتهم ويردونها عليهم في حال عجزهم عن ذلك، فإن التاريخ يخبرنا هنا أن النصارى أرغموا المسلمين بعد مصادرة ممتلكاتهم وأراضيهم وتدمير قراهم وذبح طائفة منهم واستعباد طائفة أخرى وتسخيرهم للعمل في أراضي النصارى ؛ أرغموا من تبقى منهم على دفع الجزية مرتين في العام.. وتعرض كثير منهم للإبادة والتنصير القصري، حتى إن المؤرخ الأوروبي دانيال يعلق على ذلك بقوله: (إن هذا الذي حدث هو حقيقة الرحمة التي كانت أوروبا تقدمها دائماً للمسلمين فهي رحمة مشروطة بالقضاء على دينهم) أهـ.
وفي أسبانيا عندما فتحها المسلمون سنة 93هـ كان اليهود محكوماً عليهم بالطرد والقمع والاضطهاد من قبل النصارى ومصادرة أموالهم وفرض التعميد التنصيري على أبنائهم إذا وصلوا سن السابعة، فجاء الفتح الإسلامي منقذاً لهم من استبداد النصارى وقمعهم، ولذلك فرحوا بالفتح الإسلامي ورحبوا بالمسلمين وعاشوا على امتداد الحكم الإسلامي في الأندلس (93 - 897هـ) آمنين يتمتعون بعدالة الإسلام وسماحته.. بل إن بعض حكام المسلمين المتساهلين بالغوا في إكرامهم إلى حد الوقوع في المخالفة الشرعية بتوليتهم الوزارة والولايات المختلفة، فصار المسلمون يقفون بأبوابهم ويحجبون ويذلون، وتجرأ بعضهم كالوزير اليهودي (ابن النرغيلة) فصنف كتاباً يطعن فيه بالإسلام، مما حدا بالإمام ابن حزم إلى الرد عليه ودحره في كتابه (الرد على ابن النرغيلة)، ولا شك أن هذا التساهل كان من أسباب ضعف المسلمين في الأندلس إذ استغل اليهود هذه المناصب للنخر في الدولة واستغلوا ضعف الدولة فأخذوا يتنكرون للمسلمين ويغدرون بهم ويمالئون النصارى عليهم ويدلوهم على عوراتهم، ونسوا كيف كان حال آبائهم تحت نير حكم النصارى وما نقموا على المسلمين إلا تسامحهم معهم وعدالتهم، فأعانوا النصارى وظاهروهم على إسقاط حكم المسلمين.. فبماذا جازاهم النصارى يا ترى؟!(20/54)
لقد سلطهم الله عليهم فأذلوهم وأبعدوهم وصادروا أموالهم وأرغموهم على التنصر كما فعلوا بالمسلمين وكان لهم نصيب من عذابات محاكم التفتيش التي أقيمت أصلاً للمسلمين، وتحدث التاريخ عن الفظائع التي ارتكبت بالمسلمين فيها، وطرد النصارى مائة وخمسين ألفاً من اليهود لجأ أكثرهم ولاذوا بالعالم الإسلامي الذي تآمروا عليه من قبل فآووا إلى كثير من دول شمال إفريقيا..
هذه لمحات من حضارة المسلمين وهذه أمثلة من مبادئنا وعدالتنا ومعاملاتنا للأقليات يشهد بها العدو المنصف قبل الصديق، فهذه ليست قصصاً أو أفلاماً خيالية بل هي حقائق تاريخية مسطورة ومحفورة في تاريخ الغرب نفسه قبل التواريخ الإسلامية..
وتلك هي حضارتهم ومبادئهم وأفعالهم المشينة ليس مع الأقليات وحسب بل مع الأمم والشعوب التي تسلطوا عليها.
إن من يسمون اليوم بالأقليات غير المسلمة يعيشون في بلاد المسلمين وينالون من الحقوق والامتيازات والمناصب في ظل أنظمة الكفر الحاكمة ما لا يحلم به المسلمون المسحوقون المضطهدون من قبل هذه الأنظمة وأسيادها الغربيين، وقد تسلط كثير من أولئك الموصوفين بالأقليات على ثروات المسلمين ومراكز القرار في بلادهم، ولهم من المؤسسات والمنظمات والمراكز التي تبسط سيطرتها على مقدرات المسلمين وتنشر إلحادها وفسادها وتبث وتدعوا إلى عقائدها وأديانها.. كل ذلك ببركات كفر هذه الأنظمة وبدعم الغرب الكافر لتلك الأقليات.. والناظر إلى جنوب السودان وما وصل إليه اليوم (جون قرنق) بدعم أمريكا، والمتأمل بأحوال الأقباط في مصر والنصارى ونشاطهم في الخليج وغيره يعرف أننا لا نتكلم من فراغ..
ومع ذلك يخرج علينا بعض نصارى الغرب ليدعي أن غير المسلمين مساكين في بلاد المسلمين لا ينالون حقوقهم! ولا يستحييون من جعل ذلك سهاماً ومطاعن يوجهونها إلى نحر الإسلام مع أنه مغيب غير حاكم في ظل هذه الأنظمة: فهذا الكاردينال الإيطالي (روبرتو توتشي) يزعم (أن الإسلام لا يعطي احتراماً كافياً لغير المسلمين باعتبارهم مواطنين حقيقيين) ويضيف الكاردينال الذي كان مديراً لإذاعة الفاتيكان على مدى عشرين عاماً: (إن المسيحيين في الدول الإسلامية!! يعانون دونية اجتماعية ويواجهون بالتالي مصاعب اقتصادية وثقافية) أهـ.
وأنا هنا لن أتكلف الرد على هذا الهراء خصوصاً بعدما قدمته لك من أمثلة وحقائق لا يقدر على جحدها وإنكارها والتعامي عنها إلا الكاذبون الحاقدون.. بل سأكتفي بإيراد مقتطفات من رد أحد أبناء ملة هذا الكاردينال وهو الكاتب النصراني (جورج حداد) حيث كتب رداً في جريدة الدستور الأردنية بتاريخ 17/1/2004م تحت عنوان (ادعاءات الكاردينال المجرور بخديعة اليهود) جاء فيه: (يظل اختراق اليهود وتسللهم إلى حلقات صنع القرار في الأوساط الحزبية والسياسية والإعلامية الغربية أقل خطراً وضرراً من اختراقهم الكنائس المسيحية والعبث بلاهوتها ومفاهيمها بحيث يبدو الأمر وكأن التمرس بالقيم المسيحية والإيمان المسيحي لا يستقيم إلا بالتعرض للإسلام والتعريض برسالته وتعاليمه الإنسانية..) - ثم ذكر كلام الكاردينال آنف الذكر - وقال (مثل هذا الاتهام ومثل هذا التعميم عندما يطلق من إذاعة الفاتيكان يكون الخطأ فيه، موازياً للخطيئة..)
إلى أن يقول: (إذا وجد نوع من التمييز ضد مواطنين مسيحيين أو غير مسيحيين في بلد غالبيته العظمى من مواطنين مسلمين، فلا يمكن رد السبب إلى الإسلام. بل إلى الفهم الأعوج لجوهر الإسلام ورسالته وتعاليمه السامية! فالإسلام الذي تنص تعاليمه على أن ".. الناس سواسية كأسنان المشط " وأنه ".. لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ".. ليس ولا يمكن أن يكون مسئولاً عن الشذوذ والإنحراف الذي يأتيه، أو يتورط منه بعض أدعيائه، أو المنتسبين إليه!!) إلى أن يقول: (أما ما زعمه الكاردينال توتشي عن معاناة المسيحيين مما أسماه (دونية اجتماعية) و (مجابهة مصاعب اقتصادية وثقافية) في الدول الإسلامية!! فلا يعتقد عاقل مطلع، منزه عن الغرض والمرض، إلا أنه اتهام ظالم متعسف، لا يبدو أنه خال من التعصب الجهول، حتى لا نقول من الإيحاءات والأصابع اليهودية) أهـ. مختصراً.
=================(20/55)
(20/56)
الغرب هو مبدع التسلط وصانع الديكتاتوريات
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
وإذا تركنا هلوسات هذا الكاردينال الحاقد واكتفينا برد أحد أبناء ملته عليه.. والتفتنا قليلاً إلى حال الأقليات بل الأكثريات والشعوب المخالفة لهم في الدين أو القومية أو حتى اللون في بلادهم، ولن نكرر هنا ما أشرنا إليه من محاكم التفتيش في أوروبا وما فعله الصليبيون في بيت المقدس وسائر بلاد المسلمين...
بل سنذكر شيئاً من جرائمهم وثمرات عنصريتهم وأحقادهم في العصر الحديث..
ابتداء من إبادة شعوب بأكملها واحتلال أراضيها ومصادرة مقدراتها كما فعلوا مع شعب الآزتيك وغيرهم من شعوب أمريكا اللاتينية (الهنود الحمر) بدافع العنصرية ونزع صفة الإنسانية عنهم، وإذلال واحتقار وامتهان من تبقى منهم (ولذلك تقف أمريكا اليوم - كما سيأتي - إلى جنب إسرائيل بقوة ؛ فإن الأخيرة لا تفعل اليوم في فلسطين إلا ما فعلته أمريكا مع سكان أمريكا الأصليين) ومثل ذلك فعلوا في أستراليا وشعبها وسكانها الأصليين الذين يعرفون (بالأبورجينز)...
ومعلوم أن حملة كريستوفر كولومبوس التي وصل الأوروبيون بها إلى أمريكا كانت تضم أعداداً كبيرة من السجناء العتاة والمجرمين الذين أرادت ملكة إسبانيا التخلص منهم ومن شرورهم فضمتهم إلى حملة كولومبوس، فهؤلاء هم أجداد الأمريكان الفاتحين!!
ويقول الكاتب الأمريكي (دي توكفيل) في كتابه (الديمقراطية في أمريكا): (نزلت أول جالية إنجليزية في فرجينيا عام 1607م وكانوا يسعون وراء الذهب، وكانوا قوماً مقامرين نفعيين لا أخلاق لهم) أهـ.
ثم تأمل كيف بنى هؤلاء أمريكا لقد بنوها بسواعد وجهود الأفارقة الذين كانوا يختطفونهم من شواطئ أفريقيا ويجلبونهم بالسلاسل إلى أمريكا فيسترقونهم ويبيعونهم ويسخرونهم في الأعمال الشاقة والفظيعة وازدهرت بذلك تجارة الرقيق، وكانوا يعيشونهم كقطعان الدواب ويستعبدون نسلهم ويتاجرون بهم أيضاً.
وحتى بعد انتهاء حقبة الرق والعبيد لا زالت سلالات اؤلئك العبيد تعاني إلى اليوم من العنصرية والتفرقة وسوء الحالة المعيشية وتدني مستويات الدخل وتفشي البطالة، والمتأمل لمناطق سكناهم وأحوالهم في أمريكا لا يجادل في هذه الحقائق ويعرف عنصرية الحضارة الأمريكية المعاصرة وتمييزها!!
وأيضاً فالمتأمل لتاريخ أمريكا منذ تأسيسها، وتدخلاتها في أنحاء العالم، يجدها تقوم على تحقيق مصالحها بغض النظر عن خسة الوسائل ومخالفتها لمبادئ الحرية والعدالة والحقوق التي تتغنى بها، الشيء الذي يفضح دعاوى ترويجها للديمقراطية والحريات...
فأمريكا هي قامعة كثير من الثورات ضد الدكتاتوريات المختلفة ليس في العالم الإسلامي وحسب بل في العالم كله..
تأمل تدخلاتها في دول أمريكا اللاتينية مثلاً...
فمخابراتها هي التي أطاحت بحكومة منتخبة (أي ديمقراطية في عرفهم) في (جواتيمالا) عام 1954م وأخضعتها لحكم دكتاتوري أربعة عقود ذهب ضحيته عشرات الألوف من الرجال والنساء تحت صنوف التعذيب والقتل الجماعي والخطف والإعدام..
وما حدث في تشيلي فصل آخر من ذلك، حيث أطاحت (بسلفادور الليندي) الذي وصل إلى الحكم من خلال ديمقراطيتهم، و مع ذلك فلمعارضته لأمريكا وميوله الماركسية و مع أنه سعى لجعل تشيلي نموذجاً ديمقراطياً!! وسعى في محاربة الفساد، ونادى بأن يتمتع الشعب بثروات البلاد، إلا أن واشنطن سلطت مخابراتها لإسقاطه، واغتالته في 11/9/1973م وخربت اقتصاد البلد ونشرت الفقر ودعمت الفساد وساندت انقلاباً دموياً أوصل إلى الحكم حكومة ديكتاتورية ذهب ضحيته آلاف الرجال والنساء تحت التعذيب والقتل، حتى استعملت الكلاب المدربة في اغتصاب النساء، كل ذلك ببركات أمريكا..
وهكذا فلا تكاد توجد دولة في العالم سلمت من تدخلات واشنطن في سياساتها الداخلية، وولدت هذه التدخلات في كثير من البلدان حكّاماً فاسدين متسلطين جداً..
أليسوا هم من زرعوا الشاه في إيران وأعادوه بعد أن أبعدته حكومة محمد مصدق فقضوا عليها وأعادوه إلى الحكم عام 1952م؟
أليسوا هم من صنعوا ودعموا الدكتاتور ماركوس في الفلبين؟ وسوهارتو في إندونيسيا، وسوموزا في نيكاراغوا، وباتيستا في كوبا، وبينوشيه في تشيلي.
وفي الدومينكان تدخلوا عام 1916م ضد ثورة الشعب على السلطة الفاسدة وفرضوا حكومة عسكرية عميلة لهم.. وهكذا في جواتيمالا والبرتغال وبولونيا وهايتي كلها شواهد على تدخلات أمريكية لصالح الحكومات الاستبدادية الديكتاتورية العميلة لها ضد رغبات الشعوب. ثم لا يستحيوا مع هذا كله أو يخجلوا أن يتكلموا أو يُنَظِّروا في الديمقراطية والحريات!!(20/57)
وتاريخهم الأسود في فيتنام شاهد على أبشع جرائمهم ضد الإنسانية من عام 1965 إلى عام 1975م حيث خرجوا يجرون أذيال الخيبة رغم أنهم أبادوا فيها الحرث والنسل.. إلى غير ذلك من تاريخهم الخبيث.. ولعل (أرنولد توينبي) المؤرخ والمفكر البريطاني نظر في شيء من هذا التاريخ الأسود يوم قال مقالة في الستينات لو أدرك زماننا لترسخت وتعززت عنده حيث قال: (إن الولايات المتحدة تقود حركة مضادة للثورات على نطاق العالم في سبيل مصالحها، إنها تصارع من أجل ما كانت تصارع من أجله روما ؛ وقفت إلى جانب الأغنياء ضد الفقراء، ولأن الفقراء هم الأكثر فإن سياسة روما قامت على الظلم ؛ إن من يراقب حركة التاريخ الآن يجد أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الأغنياء ضد الفقراء، وإلى جانب المستبدين ضد أنصار الحرية، وتقف إلى جانب العناصر الفاسدة والمفسدة ضد دعاة الإصلاح ومحاربة الجهل والفقر والمرض) أهـ.
أقول: فهي تتقمص روح الإمبراطورية الرومانية على رأي توينبي، الإمبراطورية التي كانت ترى أن من حقها وحدها فقط أن تتصرف في العالم وتحكمه، ولكن الذي لم يشر إليه توينبي هنا أن عجلة التاريخ داست روما وأصبحت إمبراطوريتها نسياً منسياً وكان مصيرها مصير أمثالها من المتجبرين في الأرض..
=============(20/58)
(20/59)
بعض ملامح الديمقراطية الغربية في بلاد المسلمين
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
أما عداؤهم المتجذر للمسلمين وعنصريتهم الحاقدة تجاه الحضارة الإسلامية فحدث عنه ولا حرج..
ابتداء بما فعلوه هم وإخوانهم الأوروبيين ولا زالوا يفعلونه في بلاد المسلمين التي احتلوها ونهبوا خيراتها ولم يخرجوا منها إلا بعد أن نصَّبوا ديكتاتوريات خبيثة عميلة موالية لهم ولمصالحهم، وأذناب لكفرهم حكموا البلاد وأفسدوا العباد بمناهجهم ومذاهبهم وقوانينهم الكافرة.. ولا داعي لأن أستعرض ذلك في بلادنا دولة دولة، فالتاريخ الحديث ما زال ماثلاً لم ينس بعد.. ولم يسلم من بغيهم وحقدهم وعدوانهم وجرائمهم حتى مسلمو أوروبا؛ فمجازر البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو لا زال العهد بها قريباً..
وتصريحات قادتهم وأقطابهم وكتاباتهم المعادية للحضارة الإسلامية (كهلال الأزمات) لكيسنجر، وتصريحات رئيس الوزراء الإيطالي (برلسكوني) ومطاعنه في الحضارة الإسلامية وتصريحات جنرالات أمريكا ضد المسلمين وأنهم يعبدون وثناً، وآخرهم نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات (وليام بويكن) الذي نادى بالجهاد المسيحي ضد الإسلام، وحربهم المعلنة على الحجاب في كثير من دول الغرب معلومة...
ومحاربتهم للمدارس والمعاهد الدينية في الباكستان واليمن وإندونيسيا وغيرها وضغطهم على طواغيت هذه البلاد وغيرها لإغلاقها والتضييق على طلبتها ومدرسيها وسعيهم إلى تغيير مناهج المدارس عموماً لتدجينها أكثر وأكثر مما هي عليه أصلاً وتخنيثها لسياساتهم، والتضييق على الدعاة والعاملين في لجان الزكاة ومحاربة الهيئات الخيرية وتجميد أموالها ومصادرتها، ومطاردة المجاهدين والكيد لهم والتعاون مع أنظمة بلادنا العميلة في اعتقالهم وتسليمهم والتحقيق معهم بل وتصفيتهم، كل ذلك معلوم ومكشوف لم يعد يجادل فيه أحد...
هذا غير ممالأتهم وتسويغهم لجرائم أذنابهم وغيرهم في حق المسلمين في شتى البلاد سواء في الفلبين أو إندونيسيا وجزر الملوك وكشمير والشيشان واليوم في الباكستان والسعودية وغيرها... تحت غطاء حق تلك الدول في مكافحة الإرهاب داخل حدودها وأن ما يجري فيها من مذابح للمسلمين وحرب على الإسلام شأن داخلي، بخلاف ما إذا كان المستهدف فيها من عباد الصليب أو بعض أذنابهم من المنتسبين للإسلام اسماً فالموازين ساعتها تنقلب رأساً على عقب..
أما ما فعلته أمريكا في الصومال وفي أفغانستان من هدم للمساجد والبيوت فوق رؤوس الشيوخ والنساء والأطفال وحرق الأخضر واليابس تحت ستار مكافحة الإرهاب؛ فمشاهده لم تمح بعد من الذاكرة...
ثم ماذا كان بعد أن أسقطوا حكم طالبان وأقاموا حكم عميلهم قرضاي؟ لقد نشروا التبرج والفسق والعهر والفجور، وغضوا الطرف عن عودة الإجرام وخطف واغتصاب النساء وقطع الطريق وزراعة الأفيون ورواج تجارة المخدرات التي كانت قد تقلصت بل تكاد تكون انعدمت في ظل حكم الطالبان، فأصبحت أفغانستان اليوم في ظل حكم قرضاي أكبر منتج للأفيون في العالم وفقاً لتقرير ذكر في صحيفة (بوسطن غلوب) كل ذلك حصل ولا يزال يمارس إلى اليوم تحت غطاء تحقيق الديمقراطية!! والحرية وتكريس حقوق المرأة وحقوق الإنسان!!
أرأيتم.. ماذا يعنون بهذه المسميات!!
ومارست أمريكا خلال ذلك كل أنواع القرصنة والخطف والإرهاب بالتعاون مع عملائها في أفغانستان والباكستان وجورجيا ودول جنوب شرق آسيا والأنظمة العربية. فقامت بخطف كل من تشتبه بأنه يتعاطف مع الطالبان والقاعدة والجهاد ولم يسلم من ذلك كثير من الشيوخ والقاصرين والأطفال في عرفهم وقوانينهم، وسُجنوا في قاعدة غوانتنامو خارج حدود بلادهم، ولماذا؟ قالوا: كي يأخذ المحققون راحتهم ويرتفع عنهم الحرج فلا يكون التحقيق مقيداً بقوانين الولايات المتحدة!!
وللدعوى والسبب ذاته كانوا يقومون بالتحقيق مع بعض المعتقلين في قاعدة باغرام الأمريكية الجوية بالقرب من العاصمة الأفغانية كابل.. وكانوا يوكلون في أحيان أخرى أمر التحقيق القمعي مع بعض المعتقلين والمخطوفين لمخابرات بعض الأنظمة العربية، ويشاركونهم في التحقيق في كثير من البلاد.
واللعبة ذاتها مارسوها في العراق بالاشتراك مع محققين عراقيين في عموم العراق ومحققين أكراد من جماعة طالباني وبرزاني في شمال العراق.. حتى إن الغر عندما ينظر في هذا يظن أو ربما يصدق أن سجونهم ومحاكمهم وقضاءهم خال من التحقيق القمعي والتعذيب، أي أن ديمقراطيتهم تمنع ممارساتهم هذه داخل أمريكا وتجيزها لهم خارج حدودهم!!(20/60)
والحقيقة أسوأ من هذا، فما تعرض له كثير من المعتقلين المسلمين في سجونهم الأمريكية ومن بينهم الدكتور عمر عبد الرحمن، مع أنه ضرير مريض، من إذلال وتعذيب جسدي ونفسي قد سمع به كل أحد. وما تعرض له خالد شيخ محمد وأمثاله من المجاهدين من أصناف التعذيب فيما يعرف عندهم بفندق كاليفورنيا أشد وأعظم كما جاء في مقالة مفصلة عن أساليب التعذيب الوحشية الحديثة التي صُبَّت على خالد شيخ من استعمال أصوات مزعجة تصم الآذان، وإضاءات شديدة تذهب بالبصر، والحرمان من النوم والتجويع والمنع من الشرب في كثير من الأحيان والعزل عن العالم والتعرية والعبث بالأعضاء التناسلية والتعريض للحرارة اللاهبة تارة وللبرودة تارة أخرى إلى غير ذلك من الأساليب التي لا تترك آثاراً ولكنها تؤثر بالدرجة الأولى على عقل الإنسان والتي فصلها الكاتب (الكساندر شفابه) في صحيفة (دير شبيغل) الألمانية تحت عنوان (كيف ستتم معاملة صدام في فندق كاليفورنيا؟) وذكر أن مراكز التحقيق هذه منتشرة في أماكن سرية عديدة في الولايات المتحدة، كل ذلك نقله الكاتب عن مجلة (ذي أتلانتيك مونثلي) الأمريكية في عددها الصادر في شهر آب من العام الماضي، أضف إلى هذا كله الأحوال التي عاشها عموم المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول والتي تُظهِر أنهم يخالفون ديمقراطيتهم في داخل أمريكا كما في الخارج؛ فالاعتقال العشوائي والتوقيف التعسفي والأحكام القائمة على شهود مجهولين إضافة إلى الإذلال والتمييز العنصري والتوقيف الطويل للأبرياء.. هذا وغيره شهده العالم، كما شهد القاصي والداني بمخالفة أوضاع السجناء في معتقل غوانتنامو لحقوق الإنسان وأدنى معايير العدالة والإنسانية، واستنكره عدد كبير من المنظمات الحقوقية وتابعت باستمرار رفضها للحالة التي تم بها اعتقال واحتجاز الأسرى في غوانتنامو كما ذكرت صحيفة (لوموند) الفرنسية في مطلع يناير عام 2004 وركزت الوثيقة التي وقعها آلاف المحتجين وتم تقديمها إلى (برشلونة)، وكذلك منظمة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة ومنظمة العفو الدولية، إذ عبر كل منهم عن سخطه واستنكاره للإجراءات القانونية لهؤلاء المعتقلين وفي الاتجاه نفسه - والكلام للوموند - عبر عدد كبير من القضاة الأمريكيين عن تساؤلهم واستغرابهم للحالة القانونية للمحتجزين وقدموا وثائق استنكار في محكمة فدرالية في ولاية كاليفورنيا، ودعت المحكمة إلى أن يتم على الأقل الاستفادة من القوانين والمحاكم الأمريكية أو أن يتم محاكمتهم في بلدانهم، إلا أن الإدارة الأمريكية رفضت تسليمهم لبلدانهم وقررت أن المحتجزين الأجانب لا يمكنهم الاستفادة من القانون الأمريكي كما ذكرت لوموند.
إذن يحق للأمريكان وفقاً لديمقراطيتهم من الممارسات والمخالفات والتجاوزات ما لا يحق لغيرهم!!
أمريكا اليوم تمارس هذه البلطجة على مستوى العالم كله وتخالف كل الأعراف والاتفاقيات والقوانين الدولية التي تعتبر هي من يخالفها دولاً مارقة يتوجب على العالم وضع عقوبات عليه وتصنيفه ضمن محور الشر والدول الراعية للإرهاب والمخالفة لحقوق الإنسان، تستعمل هذه العصا ضد خصومها فتلوّح وتضرب بها من تشاء، مع أنها أكبر مخالف لذلك يستحق أن يضرب بهذه العصا كما تقدم، ولا زالت تخطف كل من تصفه بأنه عدو محارب لها وتجيز لنفسها وفقاً لقانون الحرب تصفيته أو خطفه وأسره دون محاكمة، وتتعامل على مستوى العالم كله بقانون الحرب الوقائية تحت دعوى الحرب على الإرهاب فتقصف بطيرانها من تشاء في جبال أفغانستان وداخل الحدود الباكستانية وتعربد فوق مدن العراق وتقصف من حيث شاءت في عمق الأراضي اليمنية فتقتل من تريد وتتدخل في مصائر الشعوب وقراراتها بل وثقافاتها ودينها.. ومع هذا كله فهي دولة ديمقراطية!! ليس هذا وحسب بل تريد تعليب وتصدير الديمقراطية للعالم!!!
=============(20/61)
(20/62)
بعض تطبيقات الديمقراطية الغربية في العراق
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
وفي العراق جاءوا بطائراتهم وأساطيلهم ودباباتهم وحدهم وحديدهم تحت غطاء منح الحرية للشعب العراقي، ونقلت لنا الفضائيات الأمريكية وأذنابها من فضائيات أنظمة بلادنا العميلة وركزت على فظائع صدام ومقابره الجماعية وسجونه ومعتقلاته وكأن سائر الأنظمة المجرمة التي ترعاها أمريكا في بلادنا ليست كذلك!! كما نقلت صورة العراقيين وهم يتظاهرون في الشوارع ولم تنس أن تنقل لنا بخبث أيضاً صورهم وهم يسرقون البيوت والمتاجر والمتاحف!! أليست هذه هي الحرية على طريقة الكاوبوي الأمريكي؟ نعم ولكن هذا لا يعني الفضائيات الأمريكية، إنما الذي يعنيها أن تفهم الناس أن العراقي إنسان لص سارق وأمريكا ستعمل على تحضيره وتطويره وجعله إنسان ديمقراطي يطالب بحقوقه بطريقة حضارية وتلك هي صورة المظاهرات...
أجل تريد الفضائيات الأمريكية وصحافتهم أن تري العالم أنهم جاءوا إلى العراق ليلقنوا العراقيين دروساً في الديمقراطية والحرية ولذلك نقلوا لنا صورة الحاكم الأمريكي بول بريمر وهو يفترش مجلساً متواضعاً على الأرض يشارك فيه بإفطار بسيط بعض العراقيات من داعيات تحرير المرأة...
نقلت لنا فضائياتهم ذلك كله لكنها نسيت أو تناست أن تنقل لنا صور الجنود الأمريكان وهم يدوسون ببساطيرهم على رؤوس وأعناق العراقيين كما تناقلتها الصحف والفضائيات الأخرى شارحة ومصورة للطريقة التي يُعلم الأمريكان ويلقنون بها العراقيين دروس الحرية والديمقراطية الأمريكية.. وهي الطريقة ذاتها التي تلقن بها إسرائيل دروس الحرية للفلسطينيين ونقلت لنا الصحافة الأخرى أيضاً صور الجنود الأمريكان وهم يروّعون الأطفال والنساء ويمتهنوهن ويذلونهن بل ويعتقلونهن ضغطاً على أزواجهن ليسلموا أنفسهم، كما اعتقلوا العلماء وأذلوا وجوه العشائر؛ وإذا كانت سجون صدام ممتلئة باللصوص والمجرمين وطائفة من معارضي نظامه؛ فإن السجون اليوم تعج بأضعاف أضعاف ما كانت عليه زمن حكم صدام، وجل المعتقلين اليوم من الأحرار والمقاومين والمجاهدين بينما اللصوص وقطاع الطرق والمجرمون المحترفون أحرار طلقاء في الصحاري والمدن والشوارع وفي مجلس الحكم أيضاً!!!
فهؤلاء جميعاً ينعمون بحرية وديمقراطية أمريكا وحراسة دباباتها وحماية طائراتها ودوس بساطيرها أيضاً، أما الأحرار فمغيبون خلف الأسوار وليس لهم من تلك الحرية نصيباً لأن أمريكا لم تجلبها لهم وإنما جلبتها لأذنابها وعملائها...
وقد تكلم الكاتب (توماس فريدمان) في صحيفة (نيويورك تايمز) عن حقيقة هذه الحرية وذكر أنواعاً من هذا الإذلال اليومي الذي يمارسه الأمريكان مع العراقيين تحت عنوان (عنصر الإذلال في العلاقات الدولية) وكتب (لوك هاردنج) في صحيفة (الغارديان) مقالة مشابهة لكن بعنوان (حذاء في الفم بدل حرية الكلمة) نُشرت ترجمته في صحيفة الدستور 15/1/2004م وذكر فيه بعض ما تعرض له بعض الصحفيين والمصورين العراقيين العاملين في وكالة رويترز للأنباء من اعتقال دون سبب وإذلال وتعذيب وتعرية من الملابس وتهديد باللواط وحشو الأحذية في فمهم أثناء التحقيق معهم من قبل الجنود الأمريكان، إلى غير ذلك من ممارسات الحرية والديمقراطية الأمريكية التي جلبوها للعراقيين!! وإذا قدر لهؤلاء العراقيين أن ينجوا من ربقة الأسر وتمكنوا من إيصال ما حصل معهم إلى الصحافة كونهم من العاملين في وكالة أنباء دولية؛ فهل يتمكن المواطن العراقي العادي من ذلك؟ وإذا كان هذا الإذلال والإهانة والتحقير والتهديد باللواط يمارس مع صحفيين وراءهم وكالات صحافة أوربية فما هو نوع الحرية والديمقراطية التي يمارسها الأمريكان يا ترى مع المواطن العراقي العادي؟
ذكرت صحيفة الإتحاد عن الكاتب (باتريك سيل) وهو كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط، ونشر ذلك في صحيفة الدستور بتاريخ 9/3/2004م أن عدد العراقيين الذين قتلتهم أمريكا منذ الغزو على العراق قبل سنة من الآن وفقاً للتقديرات المتحفظة يعادل تقريباً (عشرين ألف) قتيل من المدنيين والعسكريين إضافة إلى ما بين (عشرين إلى ثلاثين ألف) جريح منهم عدد لا بأس به من النساء الأطفال
أضف إلى هذا وفاة قرابة (خمسمائة ألف) عراقي بينهم عدد كبير من الأطفال كنتيجة لثلاثة عشر سنة من العقوبات والحصار، كل ذلك كان تحت دعوى البحث عن أسلحة الدمار الشامل الموجودة في إسرائيل!!! وليس في العراق.(20/63)
أقول أن مجرد تأمل هذه الأرقام الهائلة مع هذه الحجة الفارغة التي علمت الدنيا كلها زيفها؛ يعرفك بحقيقة الديمقراطية والحرية التي مارستها أمريكا مع المواطن العراقي العادي.. هذا غير استخدامها لقنابل المدفعية ذات الرؤوس المحتوية على اليورانيوم المنضب والتي ضاعفت من انتشار مرض السرطان بنسبة مخزية على حد تعبير الكاتب نفسه في مقالة نشرت في صحيفة الحياة بعنوان (دروس من مدريد) وذكرت صحيفة البيان الإماراتية في 23/2/2004م عن مصادر مطلعة في قوات التحالف أن رامسفيلد ووكالة المخابرات الأمريكية وقيادة قوات التحالف في العراق قد استأجروا عدداً كبيراً من فرق الموت وعصابات المرتزقة من القتلة والمجرمين الدوليين المعروفين من مختلف دول العالم مثل صربيا وكرواتيا وجنوب أفريقيا وايرلندا وألمانيا وإسرائيل يقودهم مجرمي الحروب الذين برزوا في هذه البلدان واشتهروا في عالم الجريمة والقتل، وذكرت المصادر أن نسبة هذه العصابات المكلفة بملاحقة جماعات المقاومة العراقية ورموزها وإرهاب المواطنين العراقيين وقتلهم بشكل عشوائي أكبر بكثير من نسبة الجيش البريطاني المشارك في احتلال العراق، والأجر الذي يتقاضاه هؤلاء القتلة والمجرمون هو خمسة عشر ألف دولار يومياً للقادة وأقل منها بقليل للأفراد ويضاف إلى هذه الأرقام مبالغ إضافية لقاء كل رأس يصطاده هؤلاء المجرمون المسلحون بأحدث الأسلحة من المقاومين العراقيين تماماً كما كان يدفع الأمريكان للقتلة المحترفين والخارجين على القانون لقاء رأس كل مواطن هندي أحمر يصطادونه على حد قول صحيفة البيان.
أقول هذه هي أدوات الحرية عندهم وهذه هي ديمقراطيتهم!! ثم لا يستحيي (رامسفيلد) وقادته من الطعن في المجاهدين ووصفهم بالإرهابيين، وفي المقاومة العراقية بدعوى أنها تستعين بإرهابيين يتسللون عبر الحدود العراقية!! تأملوا المنطق الأمريكي؛ يجوز لأمريكا الغازية المحتلة أن تستعين بإرهابيين من شتى أنحاء العالم وكيف شاءت، ولا يجوز ذلك للمدافعين عن دينهم وأرضهم وعرضهم!!
لا تعجبوا؛ إنها الديمقراطية والحرية التي جاؤوكم بها!!!
والسؤال بعد هذا كله وبغض النظر عما يحصل في العراق وواقع الديمقراطية المفروضة بالبساطير الأمريكية هناك؛ هل يصدق أحد أن أمريكا تريد إزالة الديكتاتوريات في بلادنا ودمقرطة الشرق الأوسط بالصورة الغربية التي تدعيها؟؟
أقول حتى الكتاب الغربيين ومؤسساتهم ومسئولوهم لا يصدقون ذلك.
وكيف يصدقون وتقارير المجلس القومي للاستخبارات الأمريكية تقول علانية: إن البدائل المنظورة لأنظمة الحكم القائمة في بلادنا ستكون أنظمة حكم إسلامية راديكالية!! ويقول مسئولون أمريكيون أن البيت الأبيض لا يمكن أن يضع وعوده وتعهداته تجاه محاولة فرض الديمقراطية في المنطقة موضع التنفيذ لأن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل عكسي لما هو مرغوب فيه ويأتي الراديكاليين ا لمسلمين إلى السلطة.
لذلك فإن منتقدي (بوش) يقولون: إنه يحاول أن يكون له طريقان: تصوير نفسه بأنه بطل التغيير، في الوقت الذي يتمسك فيه بالوضع الراهن.
أقول لا شك أن بوش وغيره من الساسة الأمريكان لا يمكن أن يفرطوا بالوضع الراهن، لأنه الوضع المثالي لتحقيق وحفظ مصالحهم وقمع وإقصاء أعدائهم من المجاهدين، وما دام أذنابهم في أنظمة الحكم في الشرق الأوسط يتكفلون بذلك فلن تتخلى عنهم واشنطن ولو كانوا من أعتى الديكتاتوريات. ولذلك انحازت أمريكا وفرنسا وسائر أوروبا للاستبداد والعسكرة والديكتاتورية في الجزائر كمثال، وغضَّت الطرف عن قمع نتائج ديمقراطيتهم المصدرة للجزائر لمجرد أن أحست أن جهة تمت للإسلام كانت على وشك الوصول من خلالها إلى سدة الحكم، وهكذا هم يدعمون سائر الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط التي هي صنيعتهم أصلاً، ولحرصهم على بقائها يحاولون تجميل وجهها القبيح ببعض مساحيق تجميلهم متمثلة ببعض الوصفات الإصلاحية الشكلية وإنشاء أو دعم بعض المنظمات الحقوقية والنسائية ونحوها، حفاظاً على هذه الأنظمة أن تستبدل إذ يعرفون أن لا بديل لها اليوم عند شعوب المنطقة إلا الخيار الإسلامي، وسابقاً كانت هذه الوصفات تمنح سراً كنصائح ومؤامرات مع هذه الأنظمة، أما اليوم ولشدة خوفهم من العملاق الإسلامي الذي أفاق من غفلته ورعبهم من أن يصل إلى سدة الحكم صاروا يفرضون هذا التجميل فرضاً ولو بواسطة عمليات جراحية الشيء الذي جعل بعض عملائهم في المنطقة يشعر بالمهانة والإذلال كمصر والسعودية ونحوها... والظاهر أن الأمور ستسوى بينهم في خاتمة المطاف على أن تظهر تلك العمليات على أنها إصلاحات داخلية غير مفروضة كي تلقى قبولاً داخليا من الشعوب، وأياً يكن الأمر فالمهم في النهاية أن تبقى هذه الأنظمة صالحة لحراسة مصالح واشنطن وحليفتها إسرائيل وسداً دون وصول الإسلام إلى الحكم... فهذا هو الإصلاح المنشود في المشاريع الأمريكية.. أما أن يتصور أن الهدف هو إزالة الديكتاتوريات فهذا عين الوهم محض الخيال....(20/64)
يقول الكاتب (ستان مور) في صحيفة (ورلدميديا مونيتورز) ناقلاً عن كتاب بعنوان (ما وراء الحرب على الإرهاب) الذي نُشر مؤخراً؛ كانت أمريكا طيلة عقود تتلاعب بالشرق الأوسط لمصالحها الاقتصادية، فإذا تطلبت مصالح أمريكا الاقتصادية أو مصالح شركاتها الكبرى تنصيب دكتاتور مثل شاه إيران وحكوماته القمعية أو الإطاحة بدكتاتور آخر سبق أن دعمته وسلحته مثل صدام حسين فيتم إنجاز المهمة... وهكذا كانت الديمقراطية كلمة عابرة تتناقض كلياً مع الحقيقة، فالمسئولون الذين انتخبوا بشكل ديمقراطي في الحكومات الأجنبية مثل محمد مصدق في إيران أطاحت أمريكا بهم، بل إن بعضهم تعرض للاغتيال على أيدي عملاء أمريكيين، يقول مور: لقد أصبح من الواضح أن الديمقراطية التي تتدخل في المصالح الأمريكية لن تدوم وهذا ما يكشفه الكتاب الجديد بالتفصيل وبدقة موثقة. إلى أن يقول:
لكن ماذا عن العراق ومستقبل العراق؟ هل ثمة من يعتقد فعلاً أن الرئيس (جورج بوش) يسعى لتطبيق الحرية الديمقراطية في العراق؟ الحقيقة أن بوش ومستشاريه ذوي العلاقات الوثيقة مع الشركات الكبرى يريدون السيطرة على العراق وموجوداته وأصوله واقتصاده بشكل نهائي.. بوش يريد النفط العراقي وتحويل موارده إلى أمريكا حتى تدفع الكلفة المالية الباهظة للغزو والاحتلال وإعادة إعمار البنية التحتية في العراق. وليس مهماً ما يريده أغلب المواطنين العراقيين.
إن الحكومة الأمريكية تعرف جيداً أن أغلبية العراقيين لا يوافقون على سيطرة أمريكا على موجوداتهم واقتصادهم، ويعرفون بأن الديمقراطية هي آخر ما يرغب فيه الرئيس بوش وحكومته للعراق. بوش يريد السيطرة، وشكل الديمقراطية الوحيد الذي تسمح به السيطرة الأمريكية هو ديمقراطية زائفة، ديمقراطية تعيين وليس انتخابا، أمريكا تريد حكومة ذيلية في العراق يتم تعيينها والموافقة عليها في واشنطن وليس في الفلوجة أو البصرة أو بغداد..
أمريكا ليست مهتمة بالحرية والديمقراطية، أمريكا مهتمة بالبزنس (الأعمال والأرباح) أمريكا مجنونة بالمال والاستثمار والودائع والموجودات وتشجع على الفساد في سبيل مصالحها.
وإذا استطاعت أمريكا تحقيق الأمن وسيطرت على العراق فستحكم العالم.. انظروا إلى الفساد فها هم المسئولون الأوروبيون يريدون الانضمام إلى حملة الحصول على المغانم هذه.. انظروا إلى الشركات الكبرى كيف بدأت تتجمع مثل قطيع الأسود على جيفة حمار وحشي، إنها سلوكيات الافتراس وستسود هذه السلوكيات إذا فشلت المقاومة العراقية.
وإذا كانت الأخلاق والشرف والعدالة والصدق مجرد اهتمامات هامشية لدى الشعب الأمريكي فستنجح عملية ابتلاع العراق وتحويله إلى مستعمرة فاسدة خلال السنوات القليلة المقبلة بحيث تصبح بغداد بوسطن الجديدة وسيتعرض الإسلام للتآكل من الداخل وسيحقق الغرب الانتصار في صراع الحضارات. لكن هذا لن ينجح باعتقادي.) أهـ. نقلا عن صحيفة الدستور 20/12/2003م.
وما دامت مصالح أمريكا وحليفتها إسرائيل محققة محفوظة محروسة في ظل أنظمة الشرق الأوسط فلا مانع عند أمريكا أن تمنحها جوازات ديمقراطية وشهادات حسن سيرة وسلوك وتصنفها ضمن محور الخير..
فما دامت تركع لأمريكا وتسجد لإسرائيل فهي ديمقراطية وفقاً للتصنيف الأمريكي ولو كان يتربع على عروشها أعتى الديكتاتوريات كما هو حال جميع الأنظمة العربية، والمثال الليبي صارخ للعيان الآن فها قد دخل الجنة الأمريكية بمجرد انبطاحه تحت أقدام الأمريكان.. فمع أن سياساته تجاه الإسلام وحربه للمجاهدين هي هي لم تتغير، ومع أن سجونه لا زالت تغص بالمجاهدين والمضطهدين والمعذبين وما زال الخطف والقتل والتصفية لكل معارض سياسة واضحة لدكتاتوره إلا أنّ القلم قد رفع عنه عند واشنطن ما دام قد دخل جنتها وسجد في محرابها وسيصنّف عما قريب كدولة ديمقراطية مثالية.
مهلاً؛ هذا فقط من حيث السياسات الداخلية؛ فيصنف من هذه الناحية دولة ديمقراطية مهما ارتكب من جرائم في حق الشعب الليبي.. أما من حيث المصالح الأمريكية والإسرائيلية، فلن ترفع واشنطن حذاءها عن رأسه أبداً مهما انبطح وانقاد فهذه هي أصول الديمقراطية الأمريكية وهكذا تدلل واشنطن عملاءها..
وتحت عنوان (وهم الديمقراطية في دولة عربية) كتب الكاتب البريطاني (روبرت فيسك) في صحيفة (الاندبندنت) حول ما يحدث في العراق والخطة الأمريكية لإقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط (إننا " الغرب " الذين صنعنا اغلب الحكام الطغاة في الشرق الأوسط فنحن لم نرد أبدا أن تكون الدول العربية ديمقراطية).
ونقلت (الاندبندنت) عن (فيسك) قوله (عندما حاول المصريون في الثلاثينات إقامة ديمقراطية تدخل البريطانيون ووضعوا المعارضين في السجون، ونحن الغربيين الذين رسمنا حدود اغلب الدول العربية وصنعنا اغلب حكامها الطغاة. الآن يأتي بوش وبلير ويريدان إقامة الديمقراطية في العالم العربي). اهـ. نقلا عن الدستور 14/2/2004م
==============(20/65)
(20/66)
الغرب والديمقراطية الإسرائيلية
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
لكن ماذا عن إسرائيل؟! أيجوز أن نغادر هذا الفصل دون أن نعرّج على ديمقراطيتها مع الفلسطينيين وعلاقات واشنطن والغرب عموماً بهذه الديمقراطية؟!
إن إسرائيل تقوم أصلا على ثقافة دينية يهودية تمتلئ كتبها المقدسة بنصوص وتبريرات لاستعباد أو إبادة جميع الشعوب التي تقع تحت سيطرتها.
انظر على سبيل المثال عهدهم القديم سفر التثنية (20/10 - 17).
وهو على كل حال أمر معلوم لا يخفى على أحد..
لكن الذي قد يخفى على البعض أن لأمريكا ولكثيرٍ من الغربيين ارتباط وثيق بهذه الثقافة، وجذور هذا الارتباط ترجع إلى الفترة التي انتقلت فيها الدعوة إلى الأصولية البروتستانتية الإنجيلية من بريطانيا إلى أمريكا مع الاحتلال البريطاني لأمريكا..
حيث تقوم هذه الأصولية على نبوءات توراتية يهودية تدور حول دور إسرائيل الرئيس في حرب نهاية العالم (هرمجدون) التي تسبق عودة المسيح، وقد ازدادت هذه العلاقة تجذّراً في عهد رونالد ريغان الذي كان من الإنجيليين الذين رسّخوا التحالف اليهودي الأمريكي بإعلانه تأييده المطلق لسياساتها بل واعتقاده بأنه سيكون من الجيل الذي سيشهد (هرمجدون) التي ستهيئ لعودة المسيح..
وظهر المروّجون لهذه العقيدة بتكتل اليمين المسيحي تحت اسم (المحافظين الجدد) الذين تمكنوا من تحقيق فوز بوش الأب وجاء بوش الابن ليكمل المسيرة ولكن بقوة وعلنية أكبر وأوسع، حيث انخرط في التحالف الصليبي اليهودي الموجه ضد الإسلام، وأفرز تحالف المحافظين الجدد مع الأصوليين الإنجيليين التوحد الكامل بين أمريكا وإسرائيل، توحد يقوم على أساس عقائدي ديني..
حتى إن (توم ديلاري) وهو من المحافظين الجدد يقول: (إسرائيل لا تعتبر مشكلة في الشرق الأوسط بل إسرائيل هي الحل) اهـ.
والحل عند هؤلاء المتطرفين أن تحقق إسرائيل النبوءة التوراتية المزعومة، فتهدم المسجد الأقصى لتبني مكانه الهيكل لتهيئ لعودة المسيح بعد معركة (هرمجدون) حيث سيتبع اليهود جميعهم المسيح ويؤمنون به بحسب عقائد هؤلاء الصليبيين، والحقيقة أنهم سيتبعون المسيح الدجال لأن المسيح الحقيقي لم يؤمنوا به بل حاولوا قتله..
وهكذا فإن حقيقة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لا تقوم فقط على توحد المصالح والسياسات والتطلعات بل وتوحّد العقيدة والمصير.. فتطلعاتهم وسياساتهم وعلاقتهم تستلهم رؤاها من أفكار وعقائد الأصولية الصليبية اليهودية مباشرة، وعندما نقول أصولية هنا فلا نعني ارتكازهم إلى أصول المسيحية التي قررها المسيح، كلا! بل نعني اعتمادهم على أصولهم التوراتية المحرفة..
وعليه فدولة كأمريكا تتحرك من هذا المخزون العقائدي الخبيث وتتحكم بسياساتها ثلة من المتطرفين المؤمنين بنبوءاته؛ لا يمكن أن تتخلى أبداً عن حليفتها العقائدية إسرائيل، وستكون قطعاً كاذبة مخادعة في أي وعود قد تقطعها إذا ما كانت تخالف مصالح إسرائيل في المنطقة..
يقول (كولن باول): (منذ أن قامت دولة إسرائيل قبل 50 عاماً والولايات المتحدة ملتزمة التزاماً متواصلا باتجاه إسرائيل، دولتان مرتبطتان معا إلى الأبد بواسطة قيم وأعراف مشتركة، وهذا لن يتغير إلى الأبد) اهـ. الدستور 25/11/2003م
ولذلك فلا ينبغي للمتابع للسياسة الأمريكية وتصريحات مسئوليها المتعاطفة والمؤيدة دوما لإسرائيل وفي كل الظروف والأحوال أن يستغرب ذلك أو أن يتوقع غيره مهما اقترفت إسرائيل من جرائم أو مجازر أو مخالفات وخروقات، وستبقى المكاييل والمعايير والمبادئ والقيم والأعراف والقوانين تتغير وتتلون وتتأرجح عند الساسة الأمريكان لتوافق المصالح الإسرائيلية..
ولذلك ورغم أن استطلاعات الرأي الشعبية الغربية قد أظهرت أن غالبية الغربيين يعتقدون أن إسرائيل أكبر خطر على الأمن والسلام العالمي؛ إلا أن أعتى ما قد يصدر من أمريكا وأوروبا الرسمية من نقد لإسرائيل لا يمكن أن يتعدى في أفظع صوره وفي حال أخطر التجاوزات والمجازر الإسرائيلية عتب أم صبورة وتعاملها مع ابنها الشقي الأرعن الذي تحاول أن تلفت نظره بلطف بالغ كي لا يؤذي نفسه متحملة شتائمه وقرفه وإهاناته.
وبالنسبة للسلاح النووي والكيماوي الذي تمنع أمريكا من امتلاكه خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط مخافة أن يقع تحت أيد إسلامية أو حكم إسلامي في يوم من الأيام..
فهذا المنع لا يطال إسرائيل أبداً، ولا تُحاصر أو تعاقب أو تُحارب كما يحارب ويحاصر غيرها ممن قد يفكر بامتلاك ذلك، بل هو حق مشروع لها تحتاجه لضمان أمنها، أما الآخرون فلا أمن لهم ولا سلام ولا حتى حياة.. أرأيتم الديمقراطية الأمريكية؟!
إسرائيل تمتلك اليوم زهاء ستمائة رأس نووي ولديها ترسانة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وبرامج ضخمة لتطوير السلاح، وتستفيد من جميع برامج التكنولوجيا الأمريكية في مجالات التسلح والأقمار الصناعية وغيرها..
==================(20/67)
(20/68)
وأمريكا تدعم إسرائيل دعماً ماليا سخياً..
وحسب قول الأمريكي (جيمس ديفيد): (فإن إسرائيل كلفت دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من (240) مليار دولار في السنوات الأربعين الماضية))، وتدفع لها أمريكا سنويا ثلاثة مليارات دولار
وأمريكا تدعم إسرائيل إعلامياً، والمتابع لوسائل الإعلام الأمريكية من صحافة وإذاعة وفضائيات يجد التحيّز الظاهر والواضح والصريح لصالح إسرائيل ولا يكاد يرى نقداً أو إظهاراً لمجازر إسرائيل أو إجرامها..
بل حتى التربية الأمريكية لطلبة المدارس تنطلق من هذا التحيّز الظاهر؛ فبينما يتآمر طواغيت العرب لتجريد الأجيال من كل ما قد يعزز ثقافة الجوارح ويعملون جاهدين لبث ثقافة الدواجن من خلال الإعلام بل وخطب المساجد، ويسطون اليوم على ما قد يوجد من مسحة إسلامية في المناهج المدرسية ويعملون على طمس تلكم المسحة أو مسخها لتوائم انبطاحهم لليهود والصليبيين وتناسب أخوّتهم لليهود تحت مسمى بث روح التسامح والإخاء والمحبة (الموالاة) وبدعوى نبذ كل ما يدعو إلى العنف والإرهاب (الجهاد) والكراهية والبغضاء (الولاء والبراء)؛ مع هذا فإننا نرى المناهج الدراسية في المدارس الأمريكية كانت ولا زالت تسرد تاريخ المسلمين والصراع الإسلامي الإسرائيلي سرداً مضللا مشوّها يظهر اليهود على الدوام كأصحاب حق في فلسطين وأنها وطنهم الذي عادوا إليه بعد اضطهاد وتشرد وشتات طويل، ولا تتعرض بحال لذكر أي جريمة من جرائم إسرائيل ومجازرها ومذابحها منذ قيامها إلى اليوم، بل تطمس وتغيّب بخبث كل حقيقة قد تسيء إلى إسرائيل، وتكيل لها الثناء دوما في كتب التاريخ وأغلب الكتب المدرسية، فإسرائيل في هذه الكتب تُقدَّم دائماً للطلاب كدولة ديمقراطية تقدمية رائدة في منطقة البحر المتوسط..
وانظر حول ذلك بحثاً بعنوان (صورة الصراع العربي الإسرائيلي في كتب التاريخ الأمريكي المدرسية في الثانويات الأمريكية للباحث إياد القزاز من جامعة كاليفورنيا).
===============(20/69)
(20/70)
بعض ملامح الديمقراطية الإسرائيلية
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
والآن إلى استعراض سريع لبعض ملامح هذه الديمقراطية الإسرائيلية التي تدعمها وتمتدحها أمريكا في تصريحات ساستها وفي إعلامها ومناهجها..
أكد منسق التحالف الدولي الذي يضم حوالى (400) مؤسسة دولية وفرد في عضويته؛ الحقوقي الأمريكي (جوزيف شاكلا) الذي عمل في مكتب المفوض لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في غزة ما بين عامي (1998 - 2000م) أن إسرائيل تمارس سلسلة من جرائم الحرب بحق الشعب الفلسطيني وتمارس القتل المتعمد ضد المدنيين وترتكب المجازر الجماعية وتهدم المنازل وتشرد اللاجئين وتحل محلهم المهاجرين اليهود من مختلف دول العالم، وأنها تمارس التمييز العنصري ضد السكان العرب الأصليين في الأراضي المحتلة عام 1948م
وتذكر الإحصاءات المختلفة أنه خلال الثلاثة أعوام التي سبقت عام 2003م قد قتل (3500) فلسطيني بينهم ما يقارب (700) طفل وأكثر من (200) امرأة..
فيما بلغ عدد الجرحى نحو (47) ألف جريح ثلثهم من الأطفال، ومنهم ثمانية آلاف فلسطيني أصيبوا بإعاقات دائمة، بينما وصل عدد المعتقلين نحو (35) ألف معتقل لا يزال حوالي (7500) منهم في معسكرات الاعتقال..
كما تم تدمير (7500) ورشة ومحل ومنشأة صناعية، هذا غير تدمير الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار المثمرة..
وقصفت أكثر من (200) مدرسة وتم تحويل أكثر من (45) مدرسة إلى ثكنات عسكرية..
وطالت الانتهاكات والاعتداءات جميع مجالات الحياة الأخرى فشملت المستشفيات والجامعات والمباني العامة ومنازل الفلسطينيين، وبالأرقام فقد دمرت قوات الاحتلال خلال السنوات الثلاث المذكورة (72) ألف منزل منها حوالي 5 آلاف منزل دمرت تدميراً شاملا كلياً وكثير منها دمرت مع أثاثها ومحتوياتها دون أن يمهل أصحابها لإخراجه..
ولسائل أن يسأل لو أن هذه المنازل وضع بعضها فوق بعض فكم برج كأبراج التجارة ستعادل..؟
ومع ذلك فالذين دمروا برجي التجارة إرهابيون عند الغرب ويجوز لأمريكا أن تنتهك جميع الأعراف والمعاهدات والحقوق والقوانين والأخلاق في الحرب عليهم، أما إسرائيل حين تفعل هذه الأفاعيل فهي دولة ديمقراطية تمارس حقها الشرعي في الدفاع عن النفس!! ومقاومة أفاعيلها هذه إرهاب عند الساسة الأمريكان لا يجوز ولو كان دفاعاً عن النفس!!
وكثير من الإحصاءات المتقدمة ذكرتها منظمة العفو الدولية واستنكرت ممارسات القمع والاغتيال والهدم والمصادرة كما ذكرتها أيضا إضافة إلى المنظمات العربية والفلسطينية منظمات حقوقية يهودية، ولم يترك جيش الإحتلال سلاحاً خلال هذه الانتهاكات إلا استعمله باستثناء السلاح النووي؛ ففتحت القوات الإسرائيلية ترسانتها على مصراعيها وجعلت الفلسطينيين حقل تجارب لأسلحتها الحديثة والقديمة فلم تتردد عن استعمال السلاح الخفيف والثقيل والقنص وغيره مروراً بالطائرات المروحية والنفاثة والدبابات والمدفعية والجرافات والنسف والتفجير والوحدات النظامية والخاصة، وحتى الأسلحة الكيماوية فقد أكدت صحيفة هآرتس اليهودية استخدام الجيش الإسرائيلي للأسلحة الكيماوية الحارقة ضد الأطفال الفلسطينيين..
هذا عن السنوات الثلاث قبل عام 2003 م..
أما عام 2003م نفسه فقد ذكر تقرير الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان - نشر في الدستور 13/3/2004م - أنه قد قتل خلال العام المنصرم 2003م ما لا يقل عن (627) فلسطيني من بينهم (123) طفل و (17) امرأة، وتجاوز عدد الجرحى (2000) جريح. وشملت حملات الاعتقال (6206) فلسطيني طالت في كثير من الأحيان أقرباء منفذي العمليات ضد إسرائيل..
ومن بين المعتقلين (275) طفلا و (77) امرأة.
أما هدم المنازل فتم إلحاق الضرر بما لا يقل عن (2000) منزل هدم منها بشكل كلي (790) منزلا.
أما تجريف الأراضي فتم تجريف ما لا يقل عن (3570) دونما زراعيا.
وبالطبع فهذه التقارير لا تتعرض للمنازل والأراضي والقرى الكاملة التي دمرت وصودرت وأبيدت في المناطق المحتلة عام 1948م وحلت مكانها المستوطنات والمدن الإسرائيلية الجديدة ولا المذابح الفظيعة والمجازر الرهيبة التي وقعت فيها كدير ياسين والدوايمة والطنطورة وقبية وغيرها فذلك كله قد أصبح نسيا منسيا..
كل ما تقدم من جرائم قتل وتدمير وغيره يمارس بالمال والسلاح والدعم المعنوي الأمريكي بل والمادي والعملي أحياناً؛ فهل نسينا كيف سارع الأسطول الأمريكي إلى شواطئ بيروت ليساند إسرائيل في غزو لبنان عام 1982م
وهل نسينا مشاركة حاملة الطائرات (أيزنهاور) في دك بيروت بالصواريخ في الوقت نفسه الذي كانت قذائف الجنرال شارون وجيشه تدكها؟
وتؤكد الباحثة النرويجية في حقوق الإنسان (آن كريستين): (أن 70% من أفراد الجيش الإسرائيلي هم مجرمو حرب وفقاً للمعايير الدولية، وأنه أصبح من المعتاد أن يطلق الجندي الإسرائيلي النار بهدف قتل الفلسطينيين دون أن يعاقب على ذلك) اهـ.(20/71)
هذا كله غير آثار الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل وصادرت آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين وحولتها إلى كانتونات معزولة. وآثاره المدمرة طالت أكثر من (200) قرية وبلدة وسيتم بواسطته فصل أكثر من (100) قرية وبلدة فلسطينية بشكل كامل عن أراضيها الزراعية، حتى دعا ذلك منظمة يهودية وهي منظمة (بتسليم) الحقوقية الإسرائيلية إلى استنكار انتهاكات الجدار والتحذير منها، وأشارت في تقرير لها نشر في صحيفة الدستور في 25/12/2003م أن الجدار يصادر قرابة 28 ألف دونم من الأراضي الزراعية أما عموم الأراضي الزراعية وغيرها التي يصادرها الجدار فتجاوز مجموعها في إحصاءات أخرى (164) ألف دونم.
وتكلمت (بتسليم) عن بوابات الإذلال التي أقيمت على الجدار الذي فصل بين الناس ومصالحهم ومزارعهم والطلبة ومدارسهم، ويقف عليها كل يوم المزارعون والطلبة والعمال وغيرهم طوابير طويلة مرهقة ومذلة للوصول إلى مدارسهم أو مزارعهم أو أماكن عملهم وورشهم التي حال الجدار بينها وبينهم، بل إنه شرّد كثيراً من الأسر الفلسطينية وقسم الأسرة الواحدة بين طرفيه. وكم من النساء الفلسطينيات الحوامل وضعن حملهن عند هذه البوابات وغيرها من بوابات الإغلاق أثناء انتظارهن الطويل للسماح لهن بالمرور إلى مستشفيات الولادة..
كما أضافت إسرائيل مؤخراً إلى هذا الجدار بناءها لجدار آخر يحاصر القدس ويكرس تهويدها ويحكم السيطرة اليهودية عليها..
وعلى الرغم من المعارضة الدولية للجدار ومسرحية محاكمته في المحكمة الدولية في (لاهاي) ومخالفة ذلك لقوانينهم الدولية واتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949م التي وضعت كي تفرض على سلطات أي احتلال عدم انتهاك حقوق الإنسان وممتلكاته في البلد المحتل.. ورغم أن الأطراف المتعاقدة على الإتفاقية أكدت انطباق الإتفاقية على وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة في مؤتمريها اللذين عقدا في تموز 1999م وكانون الأول 2001م؛ ورغم ذلك فإن إسرائيل تصر على عدم الاعتراف بانطباق الإتفاقية وأحكامها على الأراضي الفلسطينية.. تماماً كما تصر أمريكا على عدم انطباق أحكام هذه الاتفاقيات المتعلقة بأسرى الحرب على معتقلي جوانتنامو!! وعلى كل ما تشتهيه وتهواه وتختاره من أفاعيل..
وهكذا هو شأنهم مع جميع الاتفاقيات والقوانين والمعاهدات الدولية؛ يشاركون في وضعها وفقاً لأهوائهم ثم يفسّرونها وفقاً لمصالحهم فيقررون انطباقها حيث يشاءون وعدم انطباقها حيث يشاءون..
ولم تعرف الأمم المتحدة في تاريخها دولة متمردة على قراراتها وقوانينها كإسرائيل والولايات المتحدة..
ووفقا للوثائق فقد صدر عن الأمم المتحدة ومنظماتها وجمعيتها ومجالسها المختلفة أكثر من (800) قرار يدين إسرائيل في قضايا مختلفة؛ كلها رفضتها إسرائيل وانتهكتها وضربت بها عرض الحائط واليوم تضرب بها عرض الجدار العازل!!
هذا عندما تصدر مثل هذه القرارات، وهو أمر نادر الحدوث، اللهم إلا في الجمعية العمومية ونحوها من أروقة الأمم المتحدة التي لا قيمة إلزامية لقراراتها؛ وإلا فالأصل أن الأمم المتحدة ألعوبة بيد أمريكا وإسرائيل.. وعلى فرض أن أمريكا أو إسرائيل واجهت في بعض الأحوال بعض القرارات أو التصويتات المزعجة في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن؛ فإن حق الفيتو الأمريكي سيكون جاهزا لاعتراض وتعطيل مثل هذه القرارات، وقد فعلت أمريكا ذلك مراراً وتكراراً..
ومع ذلك فأمريكا دولة ديمقراطية!!.. وإسرائيل أيضا دولة ديمقراطية!! كما يصرح دوماً الساسة الأمريكان ابتداء من بوش إلى أدنى مسئول في البيت الأبيض..
وآخر تصريح صدر عنهم ما قاله مساعد وزير الخارجية الأمريكية (مارك غروسمان) في لقاء مع الصحافة في السفارة الأمريكية في عمان بتاريخ 3 / 3 / 2004 م حيث أعلن أن: (إسرائيل دولة ديمقراطية وليس مستغرباً ولا مفاجئاً أن تدعم بلاده إسرائيل وهذا أمر طبيعي ولا تتردد بلاده في الوفاء بدعمها لإسرائيل!!) أ هـ من صحيفة الدستور 4 / 3 / 2004 م
لماذا دولة إسرائيل الديمقراطية!! بلا دستور!؟:
سؤال أخير أطرحه قبل أن أغادر هذا الموضع تأكيداً للتحيز الأمريكي لإسرائيل، والتلاعب بمعايير الديمقراطية وغيرها لأجل مصالحها..
تقرر القوانين والأعراف الدولية في هذا العصر أنه لا بد لكي تأخذ الدولة الطابع الديمقراطي العصري المرضي عنه دولياً أن تتخذ دستوراً يبيّن الخطوط العريضة في سياسة الحكم ويحتوي على مواد تكفل حقوق الشعب وتكفل حقوق الإنسان وتعلن عن احترام حقوق الأقليات والمرأة والطفل واحترام حرية العبادة وحق التعليم، وتبيّن طبيعة الدولة وحدودها، وتحدد طريقة ولاية الحكم جمهورياً كان أم ملكيا أم غيره.. وتحدّد مهام سلطات الدولة من تنفيذية وقضائية وتشريعية والخطوط العامة لسياساتها والمصادر المعتمد عليها في التشريع ونحو ذلك..
ويعرف الدستور عند القانونيين بأنه (أبو القوانين) لأنه يحدد الخطوط العامة لنظام الحكم ولأن سائر القوانين الفرعية تشرّع وتسن على ضوء خطوطه العامة..(20/72)
وقد بيّنت في كثير من كتاباتي كفر الدساتير الوضعية وأنها وضعت واخترعت من زبالات أفكار وأهواء القانونيين وعلى نهج الدساتير الغربية ولذلك فهي تناقض الإسلام وتضاد ملة التوحيد.. وقد ضربت أمثلة على ما تحويه هذه الدساتير من كفر بواح وشرك صراح في أكثر من كتاب مما كتبته بفضل الله تعالى، انظر على سبيل المثال (كشف النقاب عن شريعة الغاب) النسخة الكويتية والنسخة الأخرى الأردنية المختصرة..
وقد بينت هناك استغناء المسلمين بدينهم واستعلائهم بقرآنهم عن أن يحتاجوا لشيء من هذه الدساتير، وإنما يحتاجها ويفرح بها ويُعظّم من شأنها من لا دين له ويمشي مكبا على وجهه أو أنه عانى من الاستبداد السياسي ولم يجد في دينه المحرف المهلهل ما يرفع عنه ذلك الاستبداد ويمنحه تلك الحقوق التي تتغنى بها هذه الدساتير..
وقد جرى الغربيون واعتادوا أن ينتقدوا الدول التي لا تتخذ دساتير معلنة ويعدون ذلك مطعناً وإهداراً لحقوق الإنسان والديمقراطية فيها.. ولذلك وبعد سقوط أفغانستان والعراق كانت القيادة الأمريكية تلح على ضرورة وضع دستور.. يحقق كما يدعون أماني الشعب ويكفل حقوق طوائفه المختلفة ويحدد السياسات العامة للنظام هنا وهناك.. وضغطت بكل قوة كي لا يكون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع في هذه الدساتير، مع أن هذه الصيغة - كما بيّنا في كتاباتنا المشار إليها لو سمحوا وتفضلوا به على هذه الدول لا يخرج عن الشرك البواح حتى يكون (الإسلام هو المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع)، دعنا من هذا الآن فليس هو موضوعنا هنا وقد فصّلته وأشبعته في الكتب المشار إليها؛ ولنرجع إلى السؤال الذي توقفنا هنا لأجله..
إذا كان هذا هو العرف الدولي وهو عرف أمريكا الديمقراطية!! بالتأكيد، ولذلك تظهر المطالبة به بإلحاح في العراق وأفغانستان..
فلماذا إذن لا تطالب به إسرائيل؟ ولماذا إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن وإلى اليوم ترفض وضع دستور محدد المعالم للدولة؟
ولماذا توصف بأنها دولة ديمقراطية رغم أنها لا دستور لها؟؟
أما الجواب الأمريكي العنصري المتحيّز على هذا السؤال فهو؛ أن إسرائيل دولة ديمقراطية، سواء أوضعت دستوراً أم لم تضع..!
أما الحقيقة فلأن الدستور يقيّد ويحدّد معالم الدولة وسياساتها وخطها ونهجها، وفي الدول التي تحكمها وتسيّرها أمريكا تتعجل فيها وتضغط عليها ولا تغادرها حتى تضع فيها دساتير تكون محددة المعالم وفق الخط والنهج والسياسات التي تريدها أمريكا ووفقا لما يناسب مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل.. ولذلك أشرف على اللجنة التي وضعت الدستور العراقي (نوح فيلد مان) اليهودي الأمريكي..!!
أما بالنسبة لحليفتها إسرائيل فالخط والنهج والسياسة بل والحدود غير محددة، ولأن إسرائيل يجب أن تبقى حرة في كل الظروف والمواقف والخيارات والتوسعات فلا داعي إذن لدستور قد يقيّد مواقفها ويحدد حدودها وتصرفاتها.. ولذلك فالجواب الإسرائيلي الصريح على هذا السؤال يقدمه لنا (ديفيد بن غوريون).. الذي خاض سنة 1949م قبل انتخابات الجمعية التأسسية معركة من أجل عدم كتابة دستور لإسرائيل، وكان بعض العلمانيين مؤيدين لوضع الدستور، أما المتدينون فعارضوا ذلك بشدة، ورجّح كفتهم بن غوريون مع أنه محسوب على العلمانيين، وحين طرحت مسوّدة للدستور الإسرائيلي للنقاش لمدة أربعة أشهر نجح بن غوريون في أن يخرج بالاتفاق على تأجيل الموافقة على الدستور، وإلى هذه الساعة لا زال مؤجلا.. فلماذا؟؟..
يقول بن غوريون ومن يؤيده من المتدينين على عدم وضع دستور: (إن هذه الأرض الفلسطينية ما هي إلا جزء من أرض اليهود وليست كلها ولا يجوز وضع دستور لها إلا بعد أن تستكمل شروط قيام الدولة اليهودية؛ بأن تمتد مساحتها إلى ما بين نهري النيل والفرات كما يشير العلم الإسرائيلي أولاً..
وثانيا لا يمكن وضع دستور ديمقراطي حتى يشارك في وضعه كل يهود العالم وذلك عند استكمال انتقالهم وهجرتهم إلى إسرائيل..)..
إذن فسبب عدم وضع إسرائيل لدستورها؛ أن الدولة لم تأخذ شكلها النهائي بعد لا من جهة الحدود!! ولا من جهة الشعب والسكان..!!
وقد أشاد (ناحوم نيررافالكس) رئيس لجنة الدستور والتشريع القضائي (بأن أهم قرارات الجمعية التأسيسية هو إلغاء مشروع الدستور، لأن لإسرائيل أهدافاً عديدة لم تكتمل بعد، وبدون الدستور نستطيع دوما تحقيق أهدافنا شيئاً فشيئاً..)
أخيراً.. فإن أمريكا تقرر دوماً أن إسرائيل دولة ديمقراطية، رغم أنها دولة قامت على احتلال بلد آخر (لأنها في ذلك تماما كأمريكا) وتشريد شعبه وإحلال شعبها محله (مثل أمريكا) ورغم ارتكابها المجازر والمذابح والانتهاكات في كل كان (كأمريكا) ورغم أنها تضرب بعرض الحائط كل المواثيق والعهود والقرارات الدولية وغيرها (كأمريكا)
أضف إلى ذلك أنها لا دستور لها!!
فأمريكا تقرر رغم ذلك كله أن إسرائيل دولة ديمقراطية رضي العالم بذلك أم أبى..
ولذلك فأمريكا أيضا دولة ديمقراطية!!(20/73)
إنها شريعة الغاب أو قل قانون القوة قانون المخالب والأنياب.. ولن ترفع أمريكا بأسها عنا ولن تكف عن تدخلها في شؤون أمتنا؛ حنى تنمو مخالبنا وأنيابنا التي قلّمها عملاء أمريكا في بلادنا..
عندها سترتدع أمريكا وستقف عند حدها..
بل وستعدّنا ديمقراطيين مهما فعلنا..
==============(20/74)
(20/75)
حقوق الطفل بين حضارتهم وحضارتنا
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
إن حياة الطفل في فلسطين عبارة عن موت يومي ومعاناة دائمة وآلام وعذابات، فكثير من الأطفال الفلسطينيين وضعتهم أمهاتهم وولدتهم على بوابات الإغلاق والإذلال التي تفصل وتقطع أجزاء القرى والمدن الفلسطينية، إما في سيارة تنتظر السماح لها الدخول للوصول إلى مستشفى، أو وضعته في العراء قرب هذه البوابات تستتر بصخرة، فإن لم تتعسّر ولادته وعاش وكبر قال لأقرانه أمي وضعتني هنا إلى جنب تلك الصخرة!! وقد يناله رصاص القناصة أو شظايا القذائف قبل أن يكمل رضاعته، وصورة الطفلة الرضيعة إيمان حجو لم تنس بعد، وقد يطلق عليه الرصاص علانية وأمام شاشات الفضائيات العالمية بدم بارد دون مبالاة، وصورة الصبي محمد الدرة وهو يلتصق ويحتمي بظهر أبيه قبل أن يلفظ أنفاسه ويتمدد ساكنا لا زالت ماثلة للعيان.. وإذا نجا من هذا وذاك لم يسلم من الألغام التي يخلفها الجيش الإسرائيلي على شكل أجسام ملونة يظنها الطفل المسكين ألعابا فتقتله أو تبتر بعض أطرافه وتحدث له إعاقات دائمة، هذا غير الصدمات النفسية التي تؤثر على الأطفال وقد تبقى آثارها خصوصا إذا حصلت في الأعمار الصغيرة.. بل قد أكدت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية استخدام الجيش الإسرائيلي للأسلحة الكيماوية الحارقة ضد الأطفال واستخدام الكلاب ضدهم حال اعتقالهم وتحويلهم إذا كانوا فوق 12 سنة إلى المحاكم العسكرية، وهذا تمارسه أيضاً الأنظمة العربية العميلة في بلادنا فتحاسب الأطفال على أحلامهم بالجهاد والاستشهاد وتحاكمهم في المحاكم العسكرية خصوصاً إذا كانت أحلامهم تحوم حول أسياد هذه الأنظمة من اليهود والغربيين والأمريكان!! وبمجرد أن يوصم هؤلاء الأطفال بالإرهاب من هذه المحاكم أو من إعلام هذه الأنظمة، فلن تجد من أدعياء الحريات والحقوق من يدافع عنهم بل سيصمّون آذانهم ويغضون أبصارهم عن كل قمع وتسلط وأذى وتعذيب وأحكام ظالمة مبالغ فيها بحق هؤلاء الأطفال.. وهذا مشاهد ابتداءاً من المغرب ومحاكمتهم للفتيات الصغار بتهم الإرهاب ومروراً بمصر والأردن حيث يحاكم الأحداث بمحاكم عسكرية بتهم الإرهاب إلى النظام السعودي واليمني وغيره.. وما دام المستهدف هو الإسلام ولو من خلال الفتية والصغار؛ فهذه الدول لم تخالف الديمقراطية والحقوق والحريات بل معظمها يشهد له الغرب بالديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان وفي مقدمتهم طبعاً إسرائيل...
فالطفل المسلم عموما ينشأ اليوم ويشب وسط القمع والاضطهاد؛ توجه إلى صدره فوهات البنادق ويضرب بالعصي والهراوات، أو يشاهد والده وإخوانه كذلك يضربون أو يذلون أو يقتلون، وهذا كله لا يخالف الديمقراطية وحقوق الطفل عند الغرب ما دام المضطَّهَد مسلما..
ألم يعلم العالم كله أن ضمن معتقلي جوانتنامو فتيانا أحداثا مصنفين كأطفال في إعلانهم العالمي لحقوق الطفل..؟ ومع هذا تواطأ مع أمريكا؛ فما داموا قد صنفوا عند أمريكا تحت مسمى الإرهاب فلتفعل بهم أمريكا ما تشاء فهذا لا يخالف حقوق الطفل عندهم ولا يخالف إعلاناتهم ولا ديمقراطيتهم أبداً ما دام هؤلاء الأطفال مسلمون، ولذلك غضوا أبصارهم عن ممارسات أمريكا القمعية واللاإنسانية تجاههم مع أنها مخالفة لجميع أعرافهم وقوانينهم ومبادئهم التي يتغنون بها.
ألم يشاهد العالم كله مئات الأطفال في أفغانستان يُقتلون تحت أسقف منازلهم جراء القصف العشوائي للمدن والقرى الأفغانية بقنابل أمريكا الغبية التي يزن كثير منها أكثر من طن..
ألم يتآمر العالم مع أمريكا على أطفال العراق ثلاثة عشر عاماً ووضعهم تحت حصار ظالم طوال هذه المدة بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل الموجودة في إسرائيل وليس في العراق!!؟
وكم من الأطفال قد قتلوا في حربهم الأخيرة على العراق؟؟ أنسينا صور الأطفال القتلى والجرحى أو المقطعة أيديهم وأرجلهم والتي ظهر بعضها على شاشات الفضائيات، والكثير منها لم يظهر حفاظاً على مشاعر الديمقراطية الأمريكية..!!
إن العالم كله اليوم يشاهد كيف تُواجَه حصيات الأطفال الفلسطينيين بالدبابات والمدافع الرشاشة والرصاص الحي ومع ذلك يقف متفرجاً بل وأحياناً عاتباً على الأطفال الفلسطينيين لاستعمالهم تلك الحصيات واعتدائهم بها على الدبابات والمصفحات والمدرعات الإسرائيلية!!
نقلت وكالة (فرانس برس) عن بعض المنظمات الإنسانية أن نسبة القتلى والجرحى من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن (15) عاما بلغت (20%) من إجمالي القتلى خلال انتفاضة الأقصى..
وأشارت دراسة لمؤسسة الشرق الأدنى الثقافية والتعليمية الكندية إلى أن عدداً كبيراً من الأطفال قتلوا بالرصاص الحي خلال الانتفاضة وأن معظمهم أصيبوا بقذيفة في الرأس أو الصدر أو المعدة مما يثبت النية المتعمدة لقتلهم أو إصابتهم بجروح خطيرة..
وكان أحد جنرالات الجيش الإسرائيلي قد دعا علناً إلى زرع الخوف والجبن في نفوس الأطفال الفلسطينيين حتى تقتل روح المقاومة في الأجيال القادمة.. (نقلاً عن تقرير حول انتهاكات إسرائيل لاتفاقية حقوق الطفل نشر في صحيفة الدستور بتاريخ 1/2/2004م).(20/76)
ونشرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية اعترافات قناص إسرائيلي ضمن إجاباته على أسئلة الصحيفة جاء فيها:
ماذا يقولون لكم في التعليمات العسكرية بالنسبة لإطلاق النار على الأطفال؟
- يسمح لنا بإطلاق النار على طفل عمره (12) عاماً فأكثر لأنه ليس بطفل!!
لكن حسب القانون الدولي فإن الطفل هو من يقل عمره عن 18 عاما
- الأطفال هم من تقل أعمارهم عن 12 عاما حسب تعليمات الجيش الإسرائيلي.
هل توجد تعليمات بإطلاق النار على الذين تتراوح أعمارهم بين 12 عاما و 18 عاما؟
- بالطبع!
هل محض الصدفة أن يصاب الأطفال في رؤوسهم؟
- إذا شاهدت أطفالا مصابين برؤوسهم فهذه الرماية لقناص.
لكنه يظل طفلاً عمره 12 عاما لا يحمل سلاحاً؟
- إذا لم يكن يحمل سلاحا، فإنه قد يحمل زجاجة حارقة.
انتهى الحوار، لكن السؤال الذي لم تسأله الصحيفة الإسرائيلية هو: - حتى لو افترض حمل الطفل لزجاجة حارقة؛ فلماذا لا تختار الطلقة سوى الرأس، ألا يمكن إصابته في رجله أو في يده؟ خصوصاً إذا كان الرامي قناصاً. تجيب عن ذلك صحيفة (يدعوت أحرونوت) الإسرائيلية بخبر مفاده: (إن باراك قد أصدر أمراً للتعامل مع الأطفال الفلسطينيين المتحمّسين وطنياً كما لو كانوا جنوداً مسلحين).
وقد أكدت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال (أن إسرائيل تمعن في انتهاك حقوق الأطفال الفلسطينيين من خلال عمليات القتل التي طالت المئات من الأطفال الفلسطينيين وسقوط الآلاف من الجرحى؛ جزء كبير منهم أصيبوا بإعاقات دائمة..).(20/77)
ليتبين لكل أحد بمنتهى الوضوح أننا أمام سياسة رسمية عقائدية منهجية تستهدف الطفل في فلسطين.. فهناك فتاوى دينية لحاخامات تستبيح دماء الأطفال غير اليهود عموما.. معتمدة ومستندة إلى نصوص توراتهم المحرفة والتي توصي المقاتل اليهودي مع الشعوب التي يتغلب عليها أن يستعبد طائفة منهم، وطائفة لا يبقي منهم نسمة، كما في سفر التثنية (20/10 - 17). هناك تعليمات عسكرية من أعلى المستويات في الدولة الإسرائيلية عُمّمت على الجنود والضباط اليهود بقتل الأطفال المتحمسين بلا هوادة.. وهناك أوامر للقناصة اليهود باستهدافهم ما داموا فوق 12 عاماً ولو لم يكونوا مسلحين؛ وكأن القناص المتحصن على ظهر مبنى أو خلف دبابة سيسأل الطفل عن عمره هل تجاوز 12 عاما!! وحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، فقد بلغ عدد الأطفال القتلى في انتفاضة الأقصى (512) طفلاً بينما بلغ عدد الجرحى حوالى (15) ألف طفل.. كما أشار تقرير فلسطيني صادر عن مركز غزة للحقوق والقانون إلى (أن ما يزيد عن (30) طفلا فلسطينيا توفوا نتيجة منع الجنود الإسرائيليين للأمهات الفلسطينيات من الوصول للمستشفيات لوضع مواليدهن.. وهذا في غزة وحدها.. أما وفيات الأطفال جراء إعاقة وصول الأطفال المرضى أو المصابين إلى المستشفيات أو منع سيارات الإسعاف من نقلهم فحدث ولا حرج.. حتى إن (د. أيل غروس) عضو رابطة حقوق المواطن في إسرائيل والأستاذ المحاضر في قسم الدستور والقانون الدولي بجامعة تل أبيب أشار إلى (أن حياة الفلسطينيين رخيصة جداً في نظر إسرائيل، وأن القضاء الإسرائيلي يتسامح مع جرائم قتل الأطفال الفلسطينيين) أهـ. من (يوميات الدم في أجندة أطفال فلسطين) الدستور 1/2/2004م وجاء في اليوميات نفسها: (أنه قد سقط خلال انتفاضة الأقصى منذ عام 2000م إلى اليوم نحو ثمانية آلاف طفل فلسطيني - حسب التصنيف العالمي لسن الطفل وفق المادة الأولى لاتفاقية حقوق الطفل التي نصت على أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره - ما بين شهيد وجريح إلا أن المجتمع الدولي لم يبد حيال ذلك سوى الفرجة واللامبالاة بل إن بعض الردود الدولية لامت أطفال الحجارة لأنهم هم الذين يعتدون على الدبابات والجرافات الإسرائيلية بالحجارة ويعرضون الأمن الإسرائيلي للخطر) أهـ. وهذا كله يتم كما تقدم بالسلاح والمال والدعم المادي والمعنوي الأمريكي، وفي ظل حمايته بالفيتو الأمريكي من أية إدانات.. والغريب المضحك أن دولة إسرائيل كانت من بين الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل المشار إليها والتي أقرّت من هيئة الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1989م ودخلت حيز التنفيذ عام 1991م.. ولسائل أن يسأل؛ أين أطفال فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من أمثال هذه الاتفاقيات؟! لماذا لا تعبأ دبابات وطائرات وقنابل ورصاص اليهود والأمريكان هناك بهذه الاتفاقيات التي يتغنى بها الغرب؟! ولا يخجلوا أو يستحيوا أن يلمزوا ويهمزوا بالإسلام والمسلمين إذا ما تحفّظوا على شيء من موادها أو انتقدوها.. ويصفونهم لأجل ذلك بالقسوة على الأطفال وانتهاك حقوق الطفل وربما تخيّروا بعض النصوص الإسلامية كالأمر النبوي الشريف بتعليم الصبيان الصلاة لسبع وضربهم عليها لعشر؛ وكأن نبينا صلى الله عليه وسلمحين أمر بهذا قصد الضرب المبرح أو القاتل؟! لا ضرب التأديب الذي يرحم الوالد فيه ولده.. والذي يجمع على ضرورته بقدره المناسب ومكانه الضروري كافة العقلاء بل وكثير من علماء التربية والنفس، حتى إن كثيراً من محاكمهم أقرته قانونيا بعد أن ضاقوا ذرعاً بالفوضى التي يعيشون فيها وتمرد الأبناء الصغار على الآباء بحيث لا يتجرأ الوالد على تأديب ولده أو ابنته الصغيرة مخافة أن ترفع به شكوى إلى القضاء.. فهذه (المحكمة الكندية العليا تقرر أنه للآباء الكنديين مواصلة العقاب البدني لأطفالهم بين سن الثانية والمراهقة. وقررت أن تحويل الآباء إلى مجرمين لاستخدامهم قوة معقولة لتأديب أبنائهم من سن الثانية وحتى سن المراهقة سيكون أكثر ضررا للأسرة.) (الدستور 1/2/2004م) وغير ذلك في الأخبار كثير، لم يستوعبوه ويقرروه إلا بعد تمرد أبنائهم وتحلل أسرهم..(20/78)
أما ديننا العظيم فقد قرر نظاما تربويا أسرياً رؤوفا رحيما عادلا متوازناً شاملا لكل المجالات قبل أربعة عشر قرناً.. أليس هو الدين الذي كتب الإحسان على كل شيء ليس فقط الإحسان للأطفال والإنسان عموما المسلم والكَافر.. بل والإحسان إلى الحيوان والنبات فذم إهلاك الحرث والنسل وأمر بالإحسان حتى في القتل والذبح وفي الحديث: " إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة وليحد أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته " رواه مسلم. فنهى عن تعذيب الحيوان حتى عند ذبحه وأرشد إلى الآداب التي تهوّن الذبح الذي لا بد منه، وكذلك القتل أمر بإحسانه حتى مع الأعداء فنهىعن المثلة والتحريق بالنار لغير ضرورة.. ونهى عن قتل النساء والأطفال ونحوهم من غير المقاتلين، وحث على إطعام الأسارى والإحسان إليهم وأمر بالرحمة العامة كما في الحديث " من لا يَرحم لا يُرحم " رواه البخاري في كتاب الأدب (باب رحمة الناس والبهائم) وذكر فيه أيضاً حديث " ما من مسلم غرس غرساً فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له به صدقة ".
ولذلك حث ديننا على الرفق في التعامل مع الإنسان عموما بل والحيوان وفي الحديث أن بغياً (أي: مومس) دخلت الجنة بكلب رأته عطشان فرحمته وسقته شربة ماء؛ فغفر لها بذلك ودخلت الجنة، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.. وفي الحديث " الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه " رواه مسلم. فإسلامنا وديننا العظيم قد أغنانا عن قراراتهم المتخبطة وقوانينهم وإعلاناتهم المتخلفة حول حقوق الطفل وسبق ذلك كله بأربعةَ عشر قرناً بحقوق عظيمة حقيقية لا مثيل لها في قوانين الدنيا كلها، في كل مناحي الحياة ومن ذلك حقوق الطفل؛ وضعت بحكمة عليم خبير رؤوف رحيم يعرف مصلحة الطفل ما ينفعه وما يضره.. بينما إعلاناتهم وقوانينهم تتناقض وتتخبط تبعاً لأهوائهم، فاليوم تقرر عدم جواز تأديب الأولاد والبنات حتى تجرّئهم على آبائهم فتجعل الأبناء يؤدبون الآباء ويحاكمونهم إذا حاولوا التدخل في سلوكياتهم أو انحرافاتهم أو شذوذاتهم.. ثم يتداركون ذلك بعد فوات الأوان فيرقعونه ويبدّلونه.. وتراهم كما في المادة (14) من إعلانهم العالمي لحقوق الطفل يكفلون للطفل وفقا لعقولهم وأفكارهم النخرة حق الردة والكفر وتبديل الدين عموما تحت دعوى حق الطفل في حرية اختيار الدين..!! ثم يريدوننا أن نترك ما عندنا من شرع عظيم في حقوق الطفل وغيرها ونقبل منهم مثل هذه الزبالات.. وجميع العقلاء يعلمون أن الطفل قاصر الأهلية، وأن عقله خصوصاً قبل البلوغ ليس من النضوج والتمييز الذي يؤهله للاختيار الصحيح وأنه يَسهل التغرير به، ولذلك أناط ديننا مسؤولية الطفل القاصر في هذا الأمر وأشياء أخرى بوالديه، ومن عدالته العظيمة أنه يتبعه بدينهما فإن كان والداه مسلمان فهو مسلم بالتبعية لهما؛ له حقوق المسلمين.. وإن كانا غير ذلك تبع دينهما ولا يجبر أو يكره على الإسلام ما دام لوالديه ولاية عليه حتى يبلغ فتكون له حرية الاختيار إن شاء أسلم أو لم يسلم..
والمادة (20) من الإعلان المذكور تجيز التبني وتجعل حقوق الطفل المتبنى معادلة ومساوية لحقوق الابن الحقيقي.. فأي عدالة هذه التي يتفاخرون بها؟ بل هي والله منتهى الظلم للأبناء الحقيقيين بأن يشاركهم ويشاطرهم الأبناء بالتبني حقوقهم الشرعية قهراً دون رضا منهم بذلك.. ثم إذا هم قننوا ذلك وأقروه بإعلاناتهم فهل تقره الفطر السليمة وتستقيم معه العواطف الإنسانية؟ وهل لنصوص القانون سلطان على القلوب والعواطف والرحمة والفطرة الإنسانية التي زرعت في قلوب الآباء والأمهات..؟ ولأن ذلك لا يستقيم مع الفطر والعواطف فكم تطالعنا صحافتهم من انتهاكات له، خصوصاً مع قوم لا يؤتمنون على أولادهم الحقيقيين فكيف بغيرهم؟ فتلك أمريكية تقتل طفلها بالتبني لأجل أن أكل قطعة بسكويت خلسة دون إذنها، فتعاقبه بلف كامل جسده بشريط لاصق طوال الليل ولا تبرز من جسده إلا أنفه فيموت مختنقاً من الاستفراغ.. (الدستور 31/1/2004م) وأبوان يسيئان معاملة أطفالهما بالتبني ويستعملانهم كالعبيد، وآخران يستغلانهم جنسيا.. إلى غير ذلك مما تطالعنا به صحافتهم كل يوم.(20/79)
أما ديننا العظيم فقد راعى الفطر في تشريعاته لأن أحكامه جاءت من لدن خالق الإنسان العالم بما ينفعه ويناسبه ويصلحه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؟! (الملك:14) ولذلك ألغى نظام التبني الذي كان موجوداً في الجاهلية وحث في مقابل ذلك على كفالة الأيتام وأمر بالإحسان إليهم، قال تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى:9) وصح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما. وتوعّد الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما بعذاب السعير، وشرع الوصية لهم ولغيرهم ممن هم من غير الورثة.. فحافظ بذلك على حقوق الأبناء الحقيقيين في إرثهم أن تمس أو يساويهم فيها أحد غيرهم، وأبقى الباب مفتوحاً لفعل الخيرات بالوصية بحد معقول لغير الورثة.. فيا له من دين عظيم.. أفيجوز لأمة عندها مثل هذا الدين العظيم أن تترك أو تعرض عن هذا الشرع العظيم وتلتفت إلى إعلانات الغرب الساقطة أو شرائعه وقوانينه التي أهانت الطفل ولم تكرمه معنوياً ولا نفسيا ولم تعبأ بضياع أصله ونسبه وانتمائه الأسري حين أجازت تولده من علاقات محرمة فجوّزت التناسل خارج رباط الزوجية (الزنا) بل حطمت الأسرة بتجويزها الزواج المثلي وزواج الشاذين جنسيا..
وكثير من قوانينهم الغربية وعلى رأسها قوانين الثورة الفرنسية العظمى!! التي ملؤوا الدنيا جعجعة بالتغني بعدالتها ومساواتها وحقوقها المزعومة!!
أقول كثير من قوانينهم هذه لا تعتبر الجنين في بطن أمه إنساناً!! ومن ثم فلا تثبت له حقوقاً بل تسلبه حتى حقه في الحياة، ولذلك تجيز قوانينهم قتله والتخلص منه بإباحة الإجهاض تسهيلاً لعهرهم وفجورهم وتقديماً لشهواتهم ونزواتهم على الروح الإنسانية. وعلى غرار ذلك جرت القوانين الأمريكية التي تعتبر الإجهاض حقاً دستورياً بناءاً على طلب قرار المحكمة العليا الأمريكية لعام 1973م ولم تتحرك ضمائرهم لهذا الظلم والتخلف الحضاري إلا قبل أشهر معدودات، وليتها تحركت تحركاً عادلاً إذ لم تسعفهم عقولهم النخرة ولم تسمح لهم شهواتهم وأهوائهم أن يلغوه كلياً بل قننوه فوقع رئيسهم بوش على حظره جزئياً فقط في المراحل المتأخرة من الحمل، وأبقوا أصله على الإباحة ولازال هذا التقنين الجزئي إلى الساعة عندهم بين أخذ ورد ومعارض ومؤيد وترقيع وطعن ونقاش في أكثر من مدينة أمريكية ثم يأتون للأغبياء المنبهرين بحضارتهم الزائفة في بلادنا يُنظّرون عليهم في حقوق الإنسان والأطفال...!!
أيها القوم اعلموا أننا نشمئز من قوانينكم ونتقزز منها، ولا يستسيغها أو ينبهر بها في بلادنا إلا من كان منسلخاً عن دينه أو جاهلاً لا يعرف عظمة شرائعه وحقارة شرائع الغرب...
إن إسلامنا وقبل إعلاناتكم وقوانينكم هذه بأربعة عشر قرناً من الزمان قد جعل للطفل حقوقاً شرعية ونفسية ومعنوية لا أقول بعد ولادته، بل قبل زواج والديه وقبل تخلق والتقاء نطفتي أبويه ولذلك حث ابتداء على اختيار الزوجة الصالحة في دينها كي تصلح لتتحمل أمانة تربية الطفل ورعايته، كما حث على تَخَيُّر الزوج الصالح الدّين الخلوق الذي يصلح لتحمل مسئولية رعاية الطفل وليضمن صلاح الأبناء وتنشئتهم في ظل أسرة نظيفة ترعاهم وفق ما يحبه الله ويرضاه، بل حث على النظر إلى الزوجة قبل الزواج ليتخير الخلقة الحسنة السليمة المعافاة التي تسره إذا نظر إليها وإلى ذريتها..
وحرم الزنا ومنع من نسبة الولد بواسطته حتى يحفظ كرامة الطفل ونسبه ويمنع تناسله من حرام بخلاف قوانين الغرب التي تسهل ذلك وتشجع عليه، ولا فرق عندهم من تولد الولد من نكاحٍ أو من سفاحٍ، وراعى ديننا الطفل أيضاً قبل التقاء نطفتي والديه فأوصاهما حفاظاً عليه من نزغات الشياطين أن يدعوا له قبل اتصالهما بدعاء " بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا " إنه دين عظيم دين نظيف يرعى الأسرة والطفل في كل مراحله..
وجعل له حقوقاً وهو جنين في بطن أمه حتى قبل أن تنفخ فيه الروح فقال محذراً الزوجات المطلقات كتمان حملهن بأطفالهن على آبائهم (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر...) الآية (البقرة: من الآية228)، و (ما) تستخدم لغير العاقل أي قبل أن تنفخ فيه الروح..
وجعل له حقوقاً وإنسانية وعَدَّهُ نفساً وهو في بطن أمه ولذلك حرم الإجهاض وجعل في التسبب فيه دية خاصة بالجنين تدعى (الغرة)، ومنع من إقامة الحدود على أمه الحامل قبل وضعه وانتهائها من رضاعته
وضمان كفالته صيانة له حتى ولو كان ابناً لها من الزنا، فكيف إذا كان ابناً شرعياً؟
وشرع العدّة للمطلقة المتوفى عنها زوجها حفاظاً على حقوق الطفل الجنين في بطنها وحفاظاً على صحة نسبة وصيانة لحقوقه وحقوق سائر إخوانه وجعل له وهو في بطن أمه حقوقا من إرث ووصية وهبه وغيرها. والغرب لا يعدونه إنساناً ولا يمنحونه حق الحياة فضلاً عن أن يعطونه شيئاً من هذه الحقوق...(20/80)
أضف إلى ذلك كله أن ديننا العظيم رعاية للطفل قد خفف كثيراً من التكاليف الشرعية المهمة عن أمه فترة حمله فأباح لها الفطر في رمضان ووضع عنها الصلاة والصيام بعد وضعه مدة النفاس أربعين يوماً وقد تزيد كل ذلك إعانة لها على التفرغ لرعايته وتخفيفاً عنها فترة حمله ووضعه.. ورخص لها الفطر في رمضان في فترة رضاعته حفاظاً على حقه في الرضاعة الطبيعية التي حددها الله بسنتين وتوعد من يمنعن أولادهن هذه الرضاعة دون عذر، وجعل حقوقاً في الحضانة، وأمر بالعدل بين الأولاد في العطية ونهى عن التمييز بينهم، وكان اهتمام صلى الله عليه وسلم بالأطفال عظيماً.. فكان يدعو لهم ويحنك ويبارك المواليد منهم وسن العقيقة ذبيحة شكر لله على المولود، وكان يحملهم ويلاعبهم حتى أن بعضهم ربما بال عليه، فَيُعَلِّم أمته الرأفة بالأطفال فلا حرج في ذلك ولا يحتاج الأمر أكثر من نضح أثر البول بالماء، ومن رحمته بهم كان يقصر الصلاة لبكاء صبي سمعه في صلاته رحمة به وبأمه إذا كانت في الصلاة مع صلى الله عليه وسلم وكان يطيلها للهو طفل (الحسن أو الحسين) ارتحله (أي ركب على ظهره وهو ساجد) فيطيل السجود حتى يقضي الطفل لهوه ولا يقطع ذلك عليه أو يعنفه، وصلى وهو يحمل (أمامة) وهي طفلة يضعها إذا سجد ويحملها إذا قام، ورأى الحسن والحسين يدخلان المسجد عليهما حلة يعثران بها وهو قائم على المنبر يخطب فقطع الخطبة ونزل عن المنبر وحملهما مخافة أن يقعا ورجع إلى خطبته، وكان يمر بالصبيان في سكك المدينة فيسلم عليهم تواضعاً منه وتعليماً لأمته الاهتمام بالصغار.
إلى غير ذلك من المحاسن والمزايا التي يطول تتبعها ويصعب حصرها وقد سبق إليها ديننا العظيم ونباهي بها الدنيا كلها...
فهذه شريعتنا العالية السامية المطهرة.. وتلك هي قوانينهم العفنة النتنة الخبيثة...
هذه هي شريعتنا التي نباهي بها الدنيا كلها، ونستعلي بها ونستغني عن قوانينهم وإعلاناتهم المتناقضة المتهافتة وإنما يحتاج لتلك الإعلانات ويفرح بها ويتغنى من لم يكن عنده دين عظيم كديننا وإسلام راق كإسلامنا... وقران كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كقرآننا
===============(20/81)
(20/82)
الأمة الإسلامية من جديد وليس الشرق الأوسط الجديد
تأليف
الدكتور : أحمد بن سعد بن غرم الغامدي
بسم الله الرحمن الرحيم
هدايات ربانية
الهداية الأولى :
قول الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (النور : 55 ) .
الهداية الثانية :
قول الله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (القصص : 5 ) .
الهداية الثالثة :
قوله تعالى : ( فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) (الروم : 4 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فهذه رسالة بعنوان : ( الأمة الإسلامية من جديد لا الشرق الأوسط الجديد ) . اجتهدت في كتابتها لأسباب سامية من أبرزها الآتي :
1. رجاء أن تكون موعظة للمغرر بهم الذين لم يتجاوزوا بأنفسهم ما رسمته لهم دول الاحتلال الغربي بعد سقوط الدولة العثمانية .
2. رجاء أن تكون نذارة للغافلين الذين لم يشعروا بعظم الخطر القادم من دول الاحتلال الجديد المتمثل في أمريكا ومن سار في ركابها والذي كان من أواخره احتلال أفعانستان والعراق والحرب اللبنانية وغيرها تمهيداً لمشروع : ( الشرق الأوسط الجديد ) ، أو غيره ، والذي سيزيد في الفرقة والتشرذم والبعد عن روح الوحدة الإسلامية .
3. رجاء أن تكون رداً للخادعين الذين يفتون في عضد الأمة الإسلامية بالطعن في عوامل الوحدة الإسلامية ومحاربتها .
4. رجاء أن تشحذ همم المبادرين للم شعث أمتنا الإسلامية ، ونظمها في منظومة واحدة قوية تحقيقاً لوعد الله تعالى بخلافة الأرض ووراثتها ، الوعد الذي لا يتغير ولا يتبدل .
5. استجابة لما تمليه العقيدة الإسلامية الصحيحة ، والأخوة الإيمانية الصادقة ، والضرورة الحياتية الملحة ، على الغيورين بالدفاع عن الحقوق الإسلامية ، والتي من أبرزها وحدة الأمة الإسلامية .
هذا و للرسالة أهمية كبرى تبرز عبر الآتي :
1. أنها تسعى أن تقوم بواجب النصيحة الدينية التي أخذت على المسلمين بعامة ، وأهل العلم بخاصة.
2. أنها تساهم في رد الوحدة الإسلامية كما كانت واقعاً في حياة الأمة الإسلامية من قبل اتفاقية سايكس بيكو الإحتلالية .
3. أنها تسهم في التأكيد بأن الوحدة الإسلامية حل ناجع لغالب ما يعيشه المسلمون في العصر الحاضر ، من تخلف وضعف وهوان وتبعية ، لأنها تشكل القوة التي تضمن بعد الله تعالى الحياة الكريمة .
4. أنها تحاول أن تساعد في التجاوز بالمسلمين إلى السعة بعد الضيق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، هذا الضيق الذي رسمته الولاءات الغربية ، و الدعوات القومية ، والنعرات الطائفية ، والقوانين العشائرية ، والتحكمات الأسرية .
وأما محاور الرسالة فهي كالآتي :
المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية .
المحور الثاني : التعريف بالأمة الإسلامية .
المحور الثالث : مقومات الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تطمئن الشعوب إليها .
ثانياً : الأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها .
ثالثاً : الإنسان الذي تتألف منه الأمة .
رابعاً : العزة والحمية الإيمانية القوية .
خامساً : النظام السياسي الذي يمثل الأمة .
المحور الرابع : سمات الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : إفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة .
ثانياً : إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم وحده دون سواه .
ثالثاً : القيام بالعدل والإحسان
رابعاً :الحرص على التعاون على البر والتقوى .
خامساً : عدم التشبه بالكافرين .
المحور الخامس : واجبنا تجاه الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية .
ثانياً : الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية .
ثالثاً : الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية .
رابعاً : الدفاع عن ثروات و مقدرات الأمة الإسلامية .
خامساً: الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية .
سادساً : الدفاع عن حق الأمة الإسلامية في اختيار من يحكمها .
ولا ريب أن هذا الموضوع العظيم لا يكفي في بعثه رسالة مختصرة كهذه ، لكني آمل أن تفتح الباب وغيرها الآن أمام دراسات صادقة جريئة تعيد الحق الغائب والمسلوب إلى نصابه .
وفق الله الجميع للقيام بواجب الدفاع عن الأمة الإسلامية ، عبادة لرب العالمين ، وحمية للدين ، ونصرة للمظلومين .
الباحث
الدكتور . أحمد بن سعد بن غرم الغامدي
المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية :(20/83)
من نافلة القول أن الأمة الإسلامية تعرضت لنكبات عدة قسمت أرضها وفرقت بين شعوبها وأحيت النعرات العرقية والطائفية بينها ، وما تعيشه الأمة الإسلامية الآن هو مرحلة من مراحل ذلك التقسيم ، وحيث إن هذه المرحلة استنفدت أغراضها عند المحتل وأدت الدور في كبح جماح المد الشيوعي الذي كان يهدد المعسكر الغربي والأمريكي تمثلت في معاهدة لوزان واتفاقية سايكس بيكو وغيرها ، كان من الطبيعي عند العدو النهم الجشع أن يبادر بمشروع يقتل ما بقي من عوامل الوحدة الإسلامية ، وكان هذا المشروع الإحتلالي الجديد هو ما يسمى بـ" الشرق الأوسط الجديد " ، ولأهمية هذا المشروع جعل الخبراء والمراقبون والمحللون السياسيون والدبلوماسيون يحرصون بقوة على معرفة خارطته الجديدة والاهتمام بتفاصيله الجغرافية والسياسية ، ويجدر بنا هنا الحديث بإلمامة عن أهم عناصر التقسيمات قديماً وحديثاً :
أولاً : التقسيمات قديماً :
هناك مؤامرة قديمة تعود إلى مئات السنين للوراء ، وكانت في الماضي القديم كما هي اليوم تستهدف إيقاظ النعرة المذهبية والطائفية والعرقية في الحاضر الإسلامي بهدف تمزيقه رغم أنه ممزق ، وبهدف تركيعه ، وشطب بعض دُوَلِهِ عن خارطة الوجود أو تقسيمها أو فرض دول جديدة مصطنعة ، ثم رسم خارطة جديدة بعد كل هذه المتغيرات تجسد من ضمن ما تجسد الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى أمريكا اليوم إلى صناعته بما يتفق مع المصلحة (الأمريكية - الإسرائيلية) فقط !! نعم هكذا كانت أهداف هذه المؤامرة في الماضي القديم وهكذا هي أهدافها اليوم ، وهي نفس الأهداف لم تتغير سوى أن فاشية (بوش- رايس) تحاول أن تتحدث عنها اليوم بمصطلحات العصر الحاضر وتعابيره السياسية والإعلامية مع الاحتفاظ بنفس المعنى بالضبط .
وفي وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس ، هي عبارة عن رسالة كان قد أرسلها لويس التاسع ملك فرنسا عندما أُسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في مصر خلال فترة الحروب الصليبية حيث يقول في هذه الرسالة الآتي :" إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب ، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة بإتباع الآتي :
أ- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين ، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملا في إضعاف المسلمين .
ب- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح .
ج- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء ، حتى تنفصل القاعدة عن القمة .
د- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه .
هـ - العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة .
و- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً أنطاكية شمالاً ، ثم تتجه شرقاً ، وتمتد حتى تصل إلى الغرب."
وعند التأمل في هذه الوثيقة نجد أن فكرة المشروع الصهيوني لم تكن فكرة صهيونية فقط بل هي فكرة غربية كذلك ، وهي ليست فكرة جديدة تعود إلى مؤتمر بازل الذي عقد عام 1897م بل هي فكرة قديمة تعود إلى فترة الحروب الصليبية الأولى ، فها هو لويس التاسع ملك فرنسا يدعو صراحة في هذه الوثيقة إلى إقامة دولة غربية على أرض فلسطين التاريخية ، بحيث تكون هذه الدولة مشروعاً استيطانياً قابلاً للامتداد في العمق الإسلامي والعربي شرقاً ونحو أنطاكية شمالاً ، أي الحرص على الهيمنة على لبنان على الأقل وصولا إلى أنطاكية ، وما يجري على أرض الواقع اليوم هو صدى عملي لتلك الوثيقة ، بل إن الأبجديات الأساس لمشروع الشرق الأوسط الجديد نجدها في هذه الوثيقة ، إذ أن هذه الوثيقة كما هو واضح لكل من يتأملها تدعو إلى إحياء النعرات المذهبية والطائفية والعرقية في العمق الإسلامي والعربي ، وتدعو للإبقاء على أنظمة حكم تبعية فاسدة ، وتدعو إلى تجريد الحاضر الإسلامي والعربي من ثقافة المقاومة ، وتدعو إلى مواصلة شرذمة الحاضر الإسلامي والعربي إلى دويلات ، وإن كل هذه المطالب التي تدعو إليها هذه الوثيقة هي ذات المطالبة العلنية أو المدفونة بين السطور التي يدعو إليها مشروع الشرق الأوسط الجديد ، مع بض التعديلات إضافة أو حذفاً ،(20/84)
ولم أقل أن مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ليس جديداً استناداً إلى هذه الوثيقة فقط بل هناك عشرات الوثائق الأخرى التي جاءت بعد هذه الوثيقة وسأذكِّرُ بأهمها ، ومن أهمها ما نجده من أفكار متناثرة لمشاريع عمل يدعو إلى تنفيذها لورانس ملك العرب في كتابه المعروف (أعمدة الحكمة السبعة) ، فهو الذي عمل على إسقاط (مبدأ الخلافة) لتمزيق الحاضر الإسلامي إلى شذر مذر ، وهو الذي عمل على فرض شرخ عميق بين الحاضر العربي وتركيا ، وهو الذي هيأ الأرضية لمشروع ( سايكس-بيكو) فيما بعد ، وهذا ما كان حيث تمّ تقسيم الحاضر الإسلامي والعربي وفق مصالح (بريطانيا- فرنسا) ، وهو الذي هيأ الأرضية من خلال كل ذلك لإنجاح المشروع الصهيوني فيما بعد على أرض فلسطين التاريخية ، لذلك فإن لورانس ملك العرب كان ممن مارسوا عملياً فرض شرق أوسط جديد فيما مضى ، ولعله لا يختلف عن مشروع (بوش- رايس) إلا ببعض الفروع وإلاّ فالجوهر واحد والمستهدف واحد ، ولكن في هذه المرة ليس لصالح (بريطانيا- فرنسا) بل لصالح المؤسسة (الأمريكية- الإسرائيلية) ، وبذلك قدم لورانس النموذج العملي لمن بعده ، ومن أهم هذه الوثائق فيما بعد وثيقة " مؤتمر لوزان " وما حملت من شروط فرضتها بريطانيا يومها على تركيا ، حيث اشترطت بريطانيا على تركيا بواسطة هذه الوثيقة أنها لن تنسحب من الأراضي التركية إلاّ بعد تنفيذ الشروط الآتية :
أ- إلغاء الخلافة الإسلامية ، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله .
ب- أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة .
ج- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام .
د- أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام ، فكان أن نفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة فانسحبت الدول المحتلة من تركيا ، ولما وقف كرزون وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا ، احتج عليه بعض النواب البريطانيين بعنف واستغربوا كيف اعترفت بريطانيا باستقلال تركيا ، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب ، فأجاب كرزون : " لقد قضينا على تركيا ، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم ... لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين : الإسلام والخلافة" ، ولو تأملنا هذه الوثيقة وممارسات كرزون لوجدنا فيها خطوات سابقة ومتقدمة سعت إلى فرض شرق أوسط جديد كجزء من خارطة عالم إسلامي وعربي جديدة تقوم على أساس تفكيك عناصر القوة في العمق الإسلامي والعربي ، والتي كان فيها كرزون على قناعة أنه لن يتم تفكيكها إلا بإلغاء مبدأ الخلافة ، لأن إلغاء مبدأ الخلافة يعني إلغاء مبدأ القدرة على بناء وحدة إسلامية تجسد معسكراً مقاوِماً للطمع الإحتلالي الغربي في العمق الإسلامي ، ومن أهم هذه الوثائق فيما بعد ما نجده من تقييم لحاضر ومستقبل العالم الإسلامي والعربي وما نجده من مشاريع مقترحة قرينة لهذا التقسيم في كتاب : (الإسلام قوة الغد) للرحالة الألماني (بول أشميد) حيث يقول (أشميد) في هذا الكتاب : (إن مقومات القوة في الشرق الإسلامي تنحصر في عوامل ثلاثة :
أ- في قوة الإسلام كدين وفي الإعتقاد به ، وفي مُثُله ، وفي مؤاخاته بين مختلفي الجنس واللون والثقافة .
ب- في وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي ، وتمثيل هذه المصادر العديدة لوجهة اقتصادية سليمة قوية ، ولاكتفاء ذاتي ، لا يدع المسلمين في حاجة مطلقاً إلى أوروبا أو إلى غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا .(20/85)
ت- خصوبة النسل البشري لدى المسلمين ، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة ، ثم يقول (أشميد) : ( فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث ، فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة ، وتوحيد الله ، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزيد عددهم ، كان الخطر الإسلامي خطراً منذراً بفناء أوروبا وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله) ، ثم يقترح (أشميد) أن يتضامن الغرب شعوباً وحكومات ويعيدوا الحروب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر !! ولكن بأسلوب نافذ حاسم !! ولو تأملنا كتاب (أشميد) جيداً لاكتشفنا بسهولة أنه يتحدث عن (صدام الحضارات) دون أن يستخدم هذا المصطلح، ويتحدث عن ضرورة تفكيك عناصر القوة في العالم الإسلامي ، ويتحدث عن ضرورة غزو عسكري غربي في عقر دار العمق الإسلامي قبل أن يتحول هذا الحاضر الإسلامي إلى مارد يهدد أوروبا بالفناء !! وهي تحليلات سبق بها مدرسة (صدام الحضارات) في أمريكا !! وهي دعوة لصناعة شرق أوسط جديد تضمن فيه أوروبا دوام العجز الإسلامي !! وهي دعوة لأوروبا كي تتحد وكي تعود إلى حملاتها الصليبية تحت مسميات جديدة ، وبذلك يكون (أشميد) أذكى من (بوش الإبن) الذي أعلنها حرباً صليبية غربية على المكشوف ، عندما بدأ يستعد لغزو أفغانستان ، ثم غزو العراق ، ثم الانتشار في العمق الإسلامي !! ولذلك فإن الدور العدائي الذي تقوم به أمريكا ضد الحاضر الإسلامي على صعيد مفكريها وسياسييها ليس جديداً بكل ما قدم من أفكار مثل فكر (صدام الحضارات) ومن مشاريع مثل مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ، بل أن هذا الدور العدائي الأمريكي فكراً ونهجاً هو استمرار للدور الغربي السابق شبراً بشبر وذراعاً بذراع سوى بعض المتغيرات التي تقتضيها قبل كل شيء المصلحة الأمريكية الإسرائيلية.
ومن الضروري أن نعلم أن روح هذه الوثائق ومعانيها وما تحمل من أفكار ومشاريع قد واصل العالم الغربي الحديث عنها شفاهة أو كتابة ، وواصل تحديد علاقته مع العالم الإسلامي على ضوئها حتى اليوم ، وعلى سبيل المثال فها هي مجلة روز اليوسف تنقل في عددها الصادر بتاريخ 29/6/1963 لأحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية ما قاله عام 1952م وقد جاء فيه ما يلي :" ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي ، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي ، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي ، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة ، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد ، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية ، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في النطاق الواسع ، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين ، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ ، وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعوب المسلمة ، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة ، إن العالم الإسلامي عملاق مقيد ، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً ، فهو حائر وهو قلق ، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه ، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر .. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء ، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني حتى لا ينهض ، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف ، بإبقاء المسلم متخلفاً ، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه ، فقد بؤنا بإخفاق خطير ، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب ، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم " . ولو تأملنا أقوال هذا المسؤول الفرنسي لوجدنا أنها تحمل روح أفكار (أشميد) الألماني وتدعو في سطرها الأخير إلى ( صدام حضارات) اضطراري وفق رؤية هذا المفهوم الفرنسي ، لأنه وفق رؤيته لا يمكن التعايش بين الحضارة الإسلامية العربية وبين الحضارة الغربية , وحتى تحافظ الحضارة الغربية على بقائها وتفوقها يجب عليها أن تمنع انبعاث جديد للحضارة الإسلامية !! هكذا يفكر هذا المسؤول الفرنسي وإذا افترضنا أنه يعبر عن فكر المؤسسة الفرنسية الرسمية فعندها سنفهم لماذا تبنت فرنسا إقامة المشروع الذري الإسرائيلي في ديمونا والذي عُرف باسم (خيار شمشوم) !! ولماذا منعت فرنسا الحجاب الإسلامي في أراضيها !! ولماذا كانت فرنسا اللاعب الأساس في صياغة قرار مجلس الأمن الأخير رقم (1701) الذي يطمعون من ورائه القضاء على ثقافة المقاومة في العمق الإسلامي !!(20/86)
، وها هو أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م يقول :" إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي ، فلسفته، وعقيدته، ونظامه وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي ، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي ، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام ، والى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية ، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها " ، فهذا روستو لا يخفي ما يريد !! إنه يريد تدمير الحضارة الإسلامية ، وتبني دولة إسرائيل ، والسير خلف خُطى العالم الغربي المحاربة للإسلام !!(1)
ب ) التقسيمات حديثاً :
ـ مشروع الشرق الأوسط الجديد :
أن صاحب امتياز هذا الاسم " الشرق الأوسط الجديد " هو شيمون بيريز، المسئول الإسرائيلي وقطب حزب العمل الشهير والذي طرحه عبر كتابه الذي حمل اسم "الشرق الأوسط الجديد" - صدر عن دار نشر(إيليمنت) البريطانية عام ،1994 وأصدرت دار الجيل بعمان الأردن ترجمة عربية له في ذات العام، وفيه طرح بيريز مفهوماً لهذا الشرق الأوسط الذي بدأ أنه علي وشك ولوج حقبة جديدة، في أعقاب إنجاز التسوية الأمريكية للملف الفلسطيني - الإسرائيلي، المتمثلة في اتفاق أوسلو الموقع بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال، اسحق رابين عام ،1993 ومن هنا جاء مشروع " الشرق الأوسط الجديد " متكيفاً مع هذه الظروف المستجدة ، دون أن يتخلي بأي صورة من الصور عن مستهدفاته الإستراتيجية الثابتة، مستهدفات المشروع الصهيوني الإمبريالي الأصلي ، لكنها هذه المرة مع التحوير الضروري والملائم، الذي عبر عنه اسحق رابين رئيس الوزراء الصهيوني المقتول، قبل اغتياله، بقوله ساخراً من فجاجة معارضيه من حزب الليكود وضيق منظورهم! : ( إن هؤلاء يقيسون قوة إسرائيل بمساحة ما تستولي عليه من أراض، أما نحن فنقيس قوة إسرائيل بمقدار ما تسيطر عليه من أسواق ) . وكان أحد الأهداف المهمة لهذا الطرح، هو استبدال الهوية الإسلامية التاريخية والثقافية للمنطقة، بأخري مصطنعة، مشوشة، مائعة، هي الهوية الشرق أوسطية التي تعني إذابة العرب في كيان هلامي غير واضح المعالم ، أوضح ما فيه هو خضوعه للهيمنة الإسرائيلية المباشرة والكاملة، وقد تطور هذا الطرح في أعقاب 11 سبتمبر، وما تلاه من تداعيات أبرزها احتلال العراق وتدمير بنيته المؤسسية، وتحول دولة المنطقة وبالذات الخليجية إلي مستعمرات وقواعد عسكرية ومراكز استخباراتية وإدارية لآلة الحرب الأمريكية ، التي رأت أنه من الصالح لها التدخل المباشر لفرض السيطرة علي منابع النفط العربي ، من غير وسيط !. وتقدم مشروع الهيمنة الأمريكي في هذا السياق بتطوير أمريكي لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" وطرحه في صور مستحدثة باسم " الشرق الأوسط الكبير" ، روج لها الرئيس بوش وأركان حربه، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وغيرهم من أركان الإدارة الأمريكية، وفحوى مشروع الشرق الأوسط الكبير، كما قدمه الخبراء الأمريكيون يتبلور في عملية مزدوجة، لتفكيك وإعادة تركيب دول المنطقة بإجراء تقسيمات وتخطيطات جديدة تعيد رسم خرائطها على النحو الذي يضمن المصالح العليا الأمريكية، وأساسهاً البترول، وإسرائيل باستخدام القوة والتدخل المباشر، في مسار مشابه لما جرى عام ،1916 حينما تم تقاسم تركة " الرجل العثماني المريض " بين الإمبراطوريات الغربية المهيمنة آنذاك، وبالذات الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية... (2)
ج ) تقسيمات " مشروع الشرق الأوسط الجديد " :
توضح الخارطتان المرفقتان بالتقرير طبيعة التغيير المقترح ، وهاتان الخارطتان ليستا سوى خارطتين من جملة خرائط أخرى متداولة في أوساط البنتاغون ولكنها جميعاً تقوم على المبدأ نفسه ، التقسيم والتمزيق .
فقد نشرت مجلة "القوات المسلحة الأمريكية" في عددها الأخير، والذي يرسم مستقبلاً للمنطقة يقوم على "إعادة هيكلة الشرق الأوسط" -وكان هذا هو عنوان التقرير- بحيث يجرى تقسيم العراق وسوريا والسعودية، إلى دويلات طائفية متنازعة، فيما يتم توسيع المملكة الأردنية الهاشمية، على حساب العراق والسعودية، وتحافظ "اسرائيل" على سيطرتها على جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، ليكون "السلام" قائما على أساس قوة الردع "الاسرائيلية" من ناحية، وتمزق وتنازع دول المنطقة فيما بينها وفى داخلها من ناحية أخرى.
وبالنظر إلى خارطة المنطقة الحالية وخارطة المشروع الجديد يتبين الفرق وعظم الخطر ، فالخارطة الأولى التي الخارطة الحالية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو و هي كالآتيالآتي:(20/87)
والتقرير أعده الخبير (رالف بيتر) الكولونيل المتقاعد من الجيش الأمريكي، الذي سبق له أن عمل في سلاح المدرعات وشعبة الاستخبارات العسكرية، وهو ما يزال على صلة وثيقة بمراكز الأبحاث التي يشرف عليها البنتاغون.
والرجل يملك دراية واسعة بتاريخ المنطقة وهو ملم إلى حد كبير بالرؤية الاستراتيجية التي يعبر عنها المحافظون الجدد، ناهيك عن معرفته عن قرب بالعوائق والصعوبات التي يمكن أن تعترض المشروع الأمريكي وتحول دون ترجمته على أرض الواقع.
وكان هذا الخبير العسكري عبر عن مخاوفه بهذا الصدد على مضض في حواره مع جيمي جلازوف رئيس تحرير المجلة الصهيونية الشهيرة F r ont page بتاريخ 2 أغسطس-آب الجاري بالقول : (أن هذه الحرب أول حرب تخسرها إسرائيل إعلامياً وعسكرياً ). ويتابع : ( إنه لا خيار لإسرائيل سوى تعديل الكفة... ودفع قواتها البرية بأقصى ما تملك للقضاء على حزب الله كلياً. فالمعركة مصيرية وهى مسألة حياة أو موت للكثير من الرهانات في المنطقة ).
فحكومة بوش عملت ما في وسعها لتمنح "إسرائيل" الوقت الكافي لإكمال المهمة وتحقيق الأهداف لكن صلابة المقاومة اللبنانية أثبتت أن حكومة أولمرت تعد الأضعف في تاريخ "إسرائيل" عسكريا. وبيت القصيد في هذا الحوار، كما في كتابهNeve r Quit the Fight - لا تتخلى عن القتال مطلقا - أن تستمر الحرب على نحو لا يجب إيقافها أبدا كما يبدو من عنوان الكتاب الذي اختاره.
وكان (رالف بيتر) استعار جوانب مهمة من هذا الكتاب في إعداد التقرير الذي قدمته مجلة " القوات المسلحة الأمريكية".
ولكي نقدم أبرز ما جرى في التقرير، تجدر الإشارة إلى أنه لا يتحدث أبداً عن "مشروع الشرق الأوسط الكبير" بل عن "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، وذلك عطفاً على تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء تعليقها على ما جرى في مجزرة قانا الرهيبة، والذي قالت فيه : ( أن ذلك هو بمثابة الألم الذي لا بد منه للولادة العسيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد ) !.
وكان من الواضح أنها اختارت تعبيراً كان يخضع في الأصل لمداولات وخطط وخرائط داخل المؤسستين العسكرية والسياسية حول شكل البيئة الإقليمية المناسبة لكي تعيش "إسرائيل بأمن وسلام"!.
ـ أهمية " مشروع الشرق الأوسط الجديد " استراتيجياً :
يكشف التقرير أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المنطقة عمّا عداها، لا يعدم تبريراً وأهميته للآتي :
أولاً : لأن المنطقة تقع على خطوط الممرات الجوية والبرية والبحرية ذات الأهمية الكبرى لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على أنها شريان الطاقة العالمي بامتياز طوال خمسين سنة المقبلة.
ثانيا : إن هذه المنطقة تحفل بتهديدات شتى ، سواء تلك التي بدرت رفض شعوب المنطقة للمشروع الأمريكي أم تلك التي ستظهر مع تعاظم دول الشرق الأقصى -الصين، والهند...- العملاقان المقبلان .
ثالثاً : إن تكسير الجدار العربي مقدمة لتكسير أكثر الهويات التاريخية تجذراً وممانعة في تاريخ هذه المنطقة، تمهيداً لتكسير هويات قومية وثقافية أخرى للاستفراد بالعالم وإحلال هيمنة الثقافة الواحدة والنظام السياسي الواحد وتسييج العولمة بثوب ومقاس الإمبراطورية الجديدة.
الوجه الأول : ملامح خارطة "الشرق الأوسط" حالياً :
ويبدو أن نشر التقرير كان يعنى فيما يعنيه أن الحرب العدوانية "الإسرائيلية" على لبنان ليست سوى محطة من محطات أخرى للحرب المعلنة والخفية على الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة بعامة والدول والتنظيمات الممانعة بخاصة.(20/88)
ويقترح التقرير، أن يتم تقويض أركان دول وإعادة رسم جديدة لكيانات دول جديدة وابتعاث دول أخرى ، إذ تمثل الخريطة الجديدة المعروضة " للشرق الأوسط الجديد" إعادة رسم جذرية لكيانات الدول الوطنية التي خرجت من معطف الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وستتغير ملامح دول لتندمج بعض مناطقها في دول أخرى من ناحية، كما ينذر المشروع باقتطاع أجزاء من دول وطنية من ناحية أخرى، ناهيك أن حدود الخريطة الجديدة واضحة وتختلف عن الخريطة القديمة في مجملها، إذ إن الخريطة المقترحة تتضمن تعديلاً وتقسيماً يمس الدول التالية: سوريا، إيران، العراق، السعودية، باكستان، الإمارات العربية المتحدة، تركيا. وما يتم اقتطاعه يتم إلحاقه بالدول التالية: الأردن، اليمن وأفغانستان، كما يلوح المشروع بـ" دولة كردستان الجديدة " ، وبداية، يعلن التقرير ضرورة إعادة رسم حدود وكيان الدول التالية على المدى القصير والمتوسط، بحيث تأتى العراق والسعودية وإيران على قائمة الدول المعرضة للبلقنة والتقسيم على أساس طائفي ومذهبي ، وما جرى في العراق أثبت أن "الديموقراطية" التي بشر بها المسؤولون الأمريكيون في مشروعهم الأول، لم تؤد إلى كسب رهان السيطرة على العراق كلياً ، بيد أن العراق يكتوي حالياً بمؤامرة الحرب الأهلية وسياسات فرق تسد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، بطبيعة الحال، تعرض الخريطة الجديدة ميلاد " دولة كردستان الكبرى" تضم شمال العراق -كركوك النفطية- ومحافظات الموصل وخانقين وديالى والمناطق الكردية التي يتم اقتطاعها من تركيا وسوريا وإيران وأرمينيا وأذربيجان. ويتم هذا بدعوى "رد حقوق الأقليات التي هضمت تاريخياً". وبطبيعة الحال، بهدف كسبها لصالح الدفاع عن المشروع الأمريكي- "الإسرائيلي" في المنطقة ، ويعرض التقرير حدود هذه الدولة التي تمتد من ديار بكر التركية إلى تبريز في إيران. ومؤدى هذا المشروع أن ترك الأنظمة العربية كما هو عليه حالها اليوم، لن يمنع عن الولايات المتحدة من أن تتلقى مصالحها ردود فعل شعبية عنيفة في المنطقة، ستكتوي بنارها طال أم قصر الزمن. وبالتالي أصبح الرهان على الديموقراطية مجرد وهم نحن غير جديرين بها على ضوء هذا المشروع الجديد، ما دامت تجربة (حماس) وفوزها في الانتخابات بدَّدت حسابات ورهانات الإدارة الأمريكية حول الديموقراطية في "الشرق الأوسط".
ويمكن القول إن ما تسعى إليه إدارة بوش الجديدة هو وضع لبنات تغيير ملامح "الشرق الأوسط" قاطبة، على نحو يأتي مقاسه يناسب حذاء "إسرائيل": الحليف الوحيد الذي يمكن أن تثق به.
ويقوم عنوان هذه الخريطة الجديدة على تقسيم طائفي ومذهبي وعرقي يشمل خريطة "الشرق الأوسط" برمتها. وينتظر أن يشكل تقسيم العراق إلى دويلة للأكراد في الشمال، دويلة للشيعة في الجنوب ودويلة للسنة في الوسط النموذج الذي سيتم تعميمه في كل المنطقة.
ومن خلال هذا التقسيم يمكن أن تلعب الجماعات "الشيعية" الموالية للولايات المتحدة في العراق دور المساندة والدعم لإخوتهم "الشيعة" في محافظة الأحساء - موطن الأقلية الشيعية في السعودية - تمهيداً لإلحاقهم بـ"دولة عربية شيعية" في جنوب العراق تحول دون حلم "جمهورية إيران الإسلامية" أن تصبح " قبلة كل شيعة العالم".
لا يخفى هذا المشروع أن جمع الأقليات "الشيعية" في دولة يكون عمادها الجنوب العراقي وحكامها من "الشيعة" الموالين لواشنطن، تمكننا من فهم دلالات الحرب الدائرة ضد "حزب الله" في لبنان ومحاولة القضاء عليه للتخلص نهائيا من "مشروع شيعي" يدافع عن القضايا القومية العربية ويقف حائلاً أمام إدماج لبنان في "مشروع الشرق الأوسط الجديد".
وتمتد حدود هذه "الدولة الشيعية العربية" إلى الجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الغربية من إيران الذي يعرف بالأهواز. ويمكن القول أن هذه "الدولة الشيعية العربية" سيلقى على عاتقها الوقوف في وجه إيران الحالية، فوجود "دولة شيعية" موالية للولايات المتحدة سيكون بمثابة قوة التوازن مع وجود "دولة شيعية" معادية، وستكون الأولى، بما يتوفر لديها من إمكانيات مادية - نفطية بالدرجة الأولى - وبما لديها من "آيات الله" تم ترويضهم لخدمة المصالح "الإسرائيلية"، قادرة على سحب البساط من تحت أقدام النزعة الثورية في إيران.
غير أن ما يتهدد البلدان الأخرى، بخاصة السعودية لا يقتصر على إذكاء نار التفرقة المذهبية والطائفية بين "الشيعة والسنة"، بخاصة في منطقة (الأحساء) التي تقطنها أقليات "شيعية"، فخبايا المشروع تهدف إلى حرمان خزينة المملكة من عوائد النفط التي تزخر بها المنطقة الغنية بالنفط، تمهيداً لتجريد "الدولة السعودية" من أي قوة وأية موارد، و"سيكون ذلك بمثابة العقاب النهائي على قيام سعوديين- وهابيين بتفجيرات 11 سبتمبر 2001"!. فـ"الوهابية" التي تثرى بالنفط اليوم يجب أن تفقر وتنشغل بحروب داخلية بين نجد والحجاز والأحساء لاستعادة أمجاد الماضي - الراهن-.(20/89)
ويحمل في طياته ظهور "فاتيكان جديد" للعرب في إمارة الحجاز، يوكل الإشراف عليها لأمير هاشمي يعول عليه في إذكاء وإحياء نار الصراع المذهبي الذي حدث سنة 1924، بين آل سعود وآل هاشم حكام الأردن حالياً ، تمهداً لخروج الأماكن المقدسة من سيطرة " الدولة السعودية"، بحيث يتم إعداد لجنة دينية مكونة من المذاهب الإسلامية يعهد لها مهمة الإشراف على مناسك الحج والشؤون الدينية.
بطبيعة الحال، فأن ما يبرر ظهور هذا "الفاتيكان" الجديد في إمارة الحجاز، يجد سنداً في المزاعم التاريخية الآتية :
فالإمارة وقعت بالفعل تحت إمرة الأشراف، فرع بني هاشم الذين حكموها إلى غاية سنة 1924، موعد سقوطها في يد آل سعود. والهدف هو تحجيم التأثير الوهابي المسؤول في نظر واشنطن عن "التطرف الإسلامي"، كما عن امتداده وتغلغله في باقي البلدان العربية والإسلامية.
ويتعمد أصحاب المشروع تناسى الدور الذي قام به آل سعود من جهود لتوحيد قبائل المملكة في حينه وضمان الأمن في ربوع الحجاز ومنع لانتشار الفوضى القبلية، وما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب من رد البدع وعدم التمسح بالأضرحة والقبور والدعاء ، ومهما يكن من أمر، فأن هذه الدعوة يتم اتخاذها مطية للتبشير بتقويض دور السعودية الديني ودورها في العالم العربي والإسلامي عبر السيطرة على الأماكن المقدسة، مما يسهل من أمر بعث هذه الإمارة من جديد. وما يتم تقديمه من ذرائع في هذا الباب يستند على ضرورة إحيائها من جديد، بحيث تتم الإشارة التاريخية إلى مؤسس الدولة الهاشمية الحسين بن على وأبنائه - علي، عبد الله، فيصل وزيد -. فابنه علي أكبرهم كان أمير الحجاز قبل سقوط الإمارة في يد سعود الكبير موحد الجزيرة العربية، أما عبد الله فتولى مقاليد الأردن ومن بعده جاء الملك الراحل الحسين . بينما عرف حكم فيصل للعراق فشلا ذريعاً بعد قيام الثورة. وهذا القسم الذي يتم بتره وإلحاقه بالمملكة الأردنية الهاشمية، يمثله الحجاز والقسم المتعلق بشمال وشرق المملكة.
مؤدى هذا التحول إغراق السعودية في بحر القلاقل والتوترات وعزل حكم آل سعود في منطقة نجد، ما يرشح المملكة الهاشمية الأردنية أن تمد من نفوذها وتستعيد ماضيها التليد في الحجاز. لكن الهدف من هذا كله هو ضمان عمق جغرافي وغيره "لإسرائيل" عبر هذه الدولة الحليفة، تحول دون أي مفاجآت قد تأتى من منطقة نجد.
ويعتبر التقرير أن المملكة العربية السعودية ليست سوى كيان مصطنع لا يملك شرعية تاريخية ولا مقومات البقاء، بالقياس إلى أن تاريخ نشأة المملكة حديث مقارنة مع تاريخ الدول والممالك.
لذلك تراه يعول بالأساس إلى ركوب موجة التذمر والغضب المستشرية بين الناقمين على آل سعود، بخاصة في منطقة (الأحساء وعسير والحجاز)، فهذه المناطق تعتبر مفتاحاً لإثارة المزيد من التوترات وإشعال فتيل الفتنة الطائفية والمذهبية، بغاية تفجيرها في الوقت المناسب لإعادة صياغة خريطة المملكة.
وما يقدمه التقرير من تعليل لإسناد مشروع التقسيم على أساس طائفي ومذهبي وعرقي يستند في عموميته إلى ما يلي :
إن طبيعة منطقة الحجاز أبعد ثقافيا واجتماعيا ومذهبيا من تمثل المذهب الوهابي الذي تم فرضه بحد السيف والإكراه فيها. فأهل الحجاز تبنوا طويلا مذهب الحنفية المعتدل، بحيث لن العودة لإذكاء نار الاحتراب الداخلي على قاعدة مذهبية يعنى محاولة تقليم أظافر الوهابية وإرجاعها إلى موطنها الأصلي في (الدرعية) وربوع نجد بعد تجريد آل سعود وآل الشيخ من الإشراف على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة على نحو يضمن ويقلل من شرعية آل سعود القائمة على توحيد البلد سياسياً ومذهبياً ، فالحجاز قلب الإسلام، وأي سيطرة على المدينة ومكة يخول لصاحبها دوراً ومكانة رمزية لا يستهان بها، كما أن هوية الحجاز الإقليمية وطباع أهلها في نظر التقرير يؤهلها للاستقلال عن حكم آل سعود، بحيث تتميز مدن جدة والطائف عن سائر مدن المملكة طباعاً وسلوكاً ومذهباً ، علاوة أنهم اعتماداً على التقارير التي استندوا إليها وتصلهم من عين المكان تقوم على دراسة طباع أهل الحجاز، تثبت بالنسبة لهم أن أهلها يختلفون في كثير من تقاليدهم وعاداتهم عن عادات البدو الصلدة وأهل نجد. فأهلها في نظرهم متسامحون دينياً بفعل إتباعهم مذهب الحنفية الوجه النقيض للوهابية، مما ساعدهم على نبذ التعصب الديني. كما أنهم منفتحون ومن أكثر الناس اختلاطاً ، إذ تزاوجوا مع كثير من الوافدين من خارج الجزيرة.(20/90)
ويتنبه الخبير (رالف بيتر) إلى أهمية استغلال عامل إضافي قد يذكى النعرات القبلية والمذهبية بشدة، فهو يرى "أن آل سعود أحكموا قبضتهم على موارد البلاد، ما وضع أهل الحجاز في مرتبة دونية"، أي جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية يأتي بعدهم "الشيعة" في المرتبة الثالثة. ويطرح الخبير ضرورة بلورة مخطط لفصل الحجاز وانشقاقه بمساعدة عودة الهاشميين إلى الحكم في إمارة الحجاز، فهو يرى أن عودة أمير هاشمي لحكم إمارة الحجاز سيفتح آفاقاً أمام الأسرة الحاكمة في المملكة الأردنية الهاشمية كي تلعب دوراً كبيراً في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ومن شأنه إضعاف آل سعود إلى الأبد.
لا يقف هوس العداء إلى أي حد بحيث يتم اتهام السعودية بأنها "تقف وراء الإرهاب"، بخاصة عندما يعتبر "أن انتماء عدد من منفذي أحداث 11 سبتمبر هم من منطقة عسير"، والمقصود من هذه الإشارة التي لا تخلو من مغزى، أن منطقة (عسير) أصبحت في نظرهم خزاناً لتفريغ المتطرفين والإرهابيين، لذلك يجب استغلال هذا الوضع لدفع أهلها لتفجير نقمتهم وغضبهم على آل سعود. ومن ثم التمهيد لانفصال هذه المحافظة عن السعودية وإعادة إلحاقها وإدماجها في اليمن.
أما بخصوص سيناريو الخريطة الجديدة بالنسبة لإيران، فهو يشابه في ضرره ما سيلحق السعودية أو يزيد، بحيث يلحقها الاقتطاعات الآتية :
جزء كردى يلتحق بـ"الدولة الكردية"، و"دولة شيعية عربية"، و"دولة بلوشية"، ودفع "الأقلية الأذربيجانية" للانفصال - حدثت بالفعل توترات كبيرة في هذه المنطقة مؤخرا ، وفي نفس الوقت، يتم اقتطاع جزء من أفغانستان الذي توجد به "أقلية شيعية" كي يتم إلحاقه بإيران الجديدة. كما يرى التقرير ضرورة اقتطاع أجزاء من باكستان وإلحاقها بأفغانستان الجديدة.
وبطبيعة الحال، يتم تبرير هذا التقسيم ومنطق الحدود الذي يتضمنها "مشروع الشرق الأوسط الجديد" استناداً للدعاوى الآتية :
1- لم تعد الحدود الموروثة عن الاستعمار البريطاني والفرنسي تفي بضمان مصالح الإمبراطورية الجديدة وممارستها الوصاية على الممرات البحرية والبرية على نحو كامل، ويتم ترجمة ذلك بلغة دبلوماسية، مفادها "أن الحدود الإقليمية الموروثة غير عادلة وأضرت كثيراً بالعديد من الأقليات والطوائف"...
2- منطق الجغرافيا السياسية الحالية في "الشرق الأوسط" تمت لصالح طوائف ومذاهب بعينها كرست الاستبداد والاستحواذ على السلطة، لذلك يجدر إعادة التوازن برسم "خريطة جديدة تمكن أقليات وطوائف ومذاهب لعب دور التوازن". ومؤدى هذا الأمر إضعاف الدول الوطنية الحالية وتحويل المنطقة إلى أشبه بمقاطعات... دائماً بحاجة إلى الحماية الأمريكية.
3- بدعوى أن العديد من الأقليات والطوائف تتحمل وزر الحدود الحالية، يجب تغيير الحدود السياسية وفق منطق طائفي يجعل في نظرها الحدود الجديدة أكثر ثباتاً وأمن الدول أكثر استقراراً ، ويشير التقرير إلى كثير من الأمثلة مثل ما لحق يوغوسلافيا من تفتيت وما تمخض عنه التقسيم: كوسوفو، صربيا وما جرى أيضاً في القوقاز.
4- الحدود الحالية في "الشرق الأوسط" تخدم أنظمة أقلية تسيطر على الدولة - الأمة وتستفرد بثرواتها على حساب الأقليات القومية والدينية والعرقية، ما يولد رد فعل لدى هذه الأقليات ويدفع العديد من أفرادها لحمل السلاح والتطرف.
وبإيجاز شديد، هكذا، انقلب مشروع "نشر الديموقراطية" على ظهر دبابة إلى مشروع طائفي وعرقي بامتياز، حيث يتم تسويغ مفاهيم حقوق الأقليات والمطالبة بالتوازن ورد الاعتبار للأقليات - الأكراد، البلوش، الشيعة العرب، المسيحيين...- كي يتم صياغة خريطة "الشرق الأوسط الجديد".
وبالعودة إلى ما سبق هذا التقرير من مشاريع سبقته وتحمل نفس المضمون، سنجد دراسة زاشاري لطيف التي تم نشرها سنة 2002، أي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، لتكون دليلا على أن يتم التخطيط له في البنتاغون ينفذ بالفعل في آخر المطاف. فقد اقترحت هذه الدراسة التي طبق "الحاكم المدني بريمر" بعض ما ورد فيها تقسيم العراق طائفيا وإخراج بدائل سياسية عرقية ومذهبية في كل من شمال ووسط وجنوب العراق، وقد شددت نفس الدراسة على ضرورة إعادة تشكيل خريطة العراق وإيران والسعودية وتقسيمها إلى عدة دويلات.
ـ الوجه الثاني لمشروع (رالف بيتر) :
أنه يجمع في محتوياته أيضاً ما كان قد اقترحه "شيمون بيريز" سنة 1992، للإجهاز على ما تبقى من لحمة "جامعة الدول العربية" المعطوبة وضم دولها إلى حظيرة "سوق مشتركة في الشرق الأوسط" تضمن من خلالها "إسرائيل" الاعتراف والتطبيع والريادة. غير أن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وفشل محاولات بيل كلينتون في "الشرق الأوسط" قبر المشروع في ذلك الوقت.
ولكن، يبدو أن الوقت قد حان، للبدء بمحاولات جديدة لمشروع " الشرق الأوسط الجديد " كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس . (3)(20/91)
وصدق الله تعالى حيث يقول : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال : 30 ) ، ويقول تعالى : ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة : 217 )
إن هذا المكر الغربي الخادع بهذه المشارع التقسيمية الإحتلالية وغيرها مما سيأتي غداً ، هو بحاجة ماسة من كل مؤمن غيور إن يدفعه بقوة بمشروع مضاد له ، يجمع الأمة الإسلامية ويشد من قوتها ، ويستوعب طموحاتها ، وليس ثمة مشروع يحقق الهدف ممثل مشروع الأمة الإسلامية من جديد ، وهذا المشروع الرباني هو ما تبشر به هذه الرسالة .
المحور الثاني : التعريف بالأمة الإسلامية .
أولاً : في اللسان العربي المقصود بالأمة : الجماعة . (4)
ثانياً : أقسام الأمة :
الأمة قسمان :
القسم الأول : أمة الدعوة ، وتشمل الثقلين جميع الإنس والجن ، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) . (5)
والقسم الثاني : أمة الإجابة ، وهي الأمة التي استجابت للدعوة الإسلامية ، ونسبتها إلى الإسلام لتمسكها به ، وكل من أستسلم لله تعالى بالتوحيد وانقاد له بالطاعة وخلص من الشرك دخل في جماعة المسلمين ، قال الله تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء : 92 ) ، وعن عرفجة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول ( إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ) .(6)
والأمة الإسلامية بهذا الوصف تشمل البر وغيره ، كما قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (فاطر : 32 ) وبهذا أفادت الأخبار النبوية ، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( يكون في أمتي فرقتان فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق ) . (7) ، وهذه الأمة هي أعز الأمم على الله تعالى ، وآخرها بقاء ، وأكثر الأمم دخولاً الجنة ، كما قال تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) (آل عمران : 110 ) وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال صلى الله عليه وسلم ( عرضت علي الأمم فأجد النبي يمر معه الأمة ، النبي يمر معه النفر ، والنبي يمر معه العشرة ، والنبي يمر معه الخمسة ، والنبي يمر وحده ، فنظرت فإذا سواد كثير قلت : يا جبريل هؤلاء أمتي ؟ قال لا ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قال : هؤلاء أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب ، قلت : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) . فقام إليه عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم قال : ( اللهم اجعله منهم ) . ثم قام إليه رجل آخر قال : ادع الله أن يجعلني منهم قال : ( سبقك بها عكاشة ) . (8) ، وعلى التحقيق فأول هذه الأمة خير من أخرها وفي كل خير كما جاء عن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( خير أمتي القرن الذين يلوني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) (9) وأما عن بقائها فقد جاء عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ، والله يعطي ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) .(10)(20/92)
والجدير بالذكر هنا أن هذه الأمة يدخل فيها ظاهراً من ليس منها باطناً كالمنافقين الذين يظهرون الإسلام ، وكذا يدخل فيها من أهل البدع طوائف كثيرة ، وهم يقربون ويبتعدون عن الإسلام بحسب قربهم منه وبعدهم عن هدي النبوة النقي ، كما قال تعالى : ( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )(البقرة : 14) وعن أهل البدع جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم ( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) .(11)
وفي الجملة لكل طائفة من الطوائف التي تنتسب للإسلام حقها من الولاء والبراء بقدر قربها وبعدها من السنة النبوية ولا ينكر ما معها من الحق ، وتؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .
المحور الثالث : مقومات الأمة الإسلامية .
لم تقم أمة من الأمم قديماً أو حديثاً إلا بمقومات تتظافر في لم شعثها ووحدة كلمتها ومواقفها ، وهذه المقومات كالآتي :
الأول : العقيدة التي تؤمن بها الشعوب وتقدسها وترتبط بها .(20/93)
وعلى وجه اليقين التام ليس ثمة عقيدة تصدق بها النفوس ، وتطمئن لها القلوب ، وتزكي الروح والجسد ، وتبني الدنيا والآخرة ، وتجيب عن كل التساؤلات عن الله تعالى ، وما يجب له وما يمتنع عليه ، وعن الحياة والكون وما فيها ، والموقف من ذلك كله ، وعن المصير ، سوى هذه العقيدة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها سلف هذه الأمة ، كما قال تعالى على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (الأنعام : 161 ) ، وكما قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الأنعام : 162 ) ، إن هذه العقيدة هي التي سلمت من التحريف والتغيير والتبديل ، وهي التي تشبع حاجات الروح والجسد معاً ، وهي التي تلبي نداء الفطرة ، كما أكد الشرع الحنيف أن كل إنسان فطر مسلماً ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه كان يحدث قال صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) . ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم : 30 ) ، (12) ، ثم عقب علماؤنا على هذا الحديث العظم ببيان يؤكد هذا المعنى ، فقال النووى ـ رحمه الله تعالى ـ : ( يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) يجعلانه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً حسب ملتهما بترغيبهما له في ذلك أو بتبعيته لهما ، ( تنتج البهيمة ) تلد الدابة العجماء ، ( بهيمة جمعاء ) تامة الأعضاء مستوية الخلق ، ( تحسون ) تبصرون ، ( جدعاء ) مقطوعة الأذن أو الأنف أو غير ذلك أي إن الناس يفعلون بها ذلك ، فكذلك يفعلون بالمولود الذي يولد على الفطرة السليمة . ( اقرؤوا إن شئتم ) أن تتأكدوا هذا المعنى . ( فطرة الله ) ملة الإيمان والتوحيد ومعرفة الخالق سبحانه . ( فطر الناس ) خلقهم . ( الآية ) (13) ، إن هذه العقيدة هي التي تحقق للعبد عبوديته لله تعالى كما أراد الله تعالى لا كما أراد العبد والتي مصادرها الكتاب العزيز ، والثابت من السنة النبوية ، بدلالة اللغة العربية ، وفي ضوء فهم السلف الصالح لها لا غير ، وفي معنى العبادة كلام نفيس لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ يعلن أن العقيدة الصحيحة هي تحرر العباد من كل طاعة إلا طاعة الله وحده وما أمر بطاعته في المعروف ديناً قال : التحقق بمعنى قوله : " إني أعبدك " : التزام عبوديته من الذل و الخضوع و الإنابة ، و امتثال أمر سيده ، و اجتناب نهيه ، و دوام الافتقار إليه ، و اللجوء إليه ، و الاستعانة به ، و التوكل عليه ، و عياذ العبد لربه ، و لياذه به ، و أن لا يتعلق قلبه بغيره محبة و خوفاً و رجاءاً ، و فيه أيضاً : إني عبد من جميع الوجوه : صغيراً و كبيراً ، حياً و ميتاً ، مطيعاً و عاصياً ، معافى و مبتلى ، بالروح و القلب و اللسان و الجوارح ، و لا حياة و لا نشوراً ، و أن ناصيتي بيدك ، أنت المتصرف فيَّ تصرفني كيف تشاء ، لست أنا المتصرف في نفسي و كيف يكون له في نفسه تصرف من نفسه بيد ربه و سيده ، و ناصيته بيده ، و قلبه بين أصبعين من أصابعه ، و موته و حياته ، و سعادته و شقاوته ، وعافيته و بلاؤه كله إليه سبحانه ليس إلي منه شيء ، بل هو في قبضة سيده أضعف من عبد مملوك ضعيف حقير ، ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له ، تحت تصرفه و قهره ، بل الأمر فوق ذلك ، و متى شهد العبد أن ناصيته و نواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ، و لم يرهبهم ، و لم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين ، المتصرف فيهم سواهم ، و المدبر لهم غيرهم ، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره و ضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له ، و متى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم و لم يتعلق أمله و رجاءه بهم فاستقام توحيده و توكله و عبوديته (14) . و قد أبان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن هذه العقيدة بما لا مزيد عليه .
فقال : أهل السنة و الجماعة : " الفرقة الناجية " وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل ، فالمسلمون وسط في أنبياء الله و رسله و عباده الصالحين ، لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى ، و لم يجفوا عنهم كما جفت اليهود ، و هم وسط في شرائع دين الله ، فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء و يمحو ما شاء و يثبت ما شاء ، كما قالته اليهود ، و لا جوزوا لأكابر علمائهم و عبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاءوا ، و ينهوا عما شاءوا كما يفعله النصارى .
و هم كذلك وسط في باب صفات الله تعالى : فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة ، و النصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به ، هذا في باب يطول حصره .(20/94)
و أما أهل السنة و الجماعة في الفرق فهم وسط كذلك ، فهم في باب أسماء الله وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الله و آياته و يعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه ، حتى يشبهوه بالعدم و الموات ، و بين أهل ( التمثيل و التشبيه ) الذين يضربون له الأمثال و يشبهونه بالمخلوقات . و أما هم : فيؤمنون بما وصف الله به نفسه و ما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف و لا تعطيل و لا تكييف و لا تمثيل .
و أما في باب الخلق و الأمر ، فهم وسط بين المكذبين بقدرة الله الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة و مشيئته الشاملة و خلقه لكل شيء ، و بين المفسدين لدين الله الذين لا يجعلون له مشيئة و لا قدرة و لا عملاً فيعطلون الأمر و النهي و الثواب و العقاب ، فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا : ] لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ [ [ الأنعام / 148 ] .
و أما أهل السنة و الجماعة فوسطيتهم في إيمانهم بأن الله على كل شيء قدير ، فيقدر أن يهدي العباد ، و يقلب قلوبهم ، و أنه ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن ، فلا يكون في ملكه ما لا يريد و لا يعجز عن إنفاذ أمره و أنه خالق كل شيء من الأعيان و الصفات و الحركات ، كما يؤمنون في الوقت نفسه أن العبد له قدرة و مشيئة و عمل و أنه مختار ، و لا يسمونه مجبوراً ( أي فيما كلف به ) إذ إن المجبور من أكرة على خلاف اختياره ، و الله سبحانه و تعالى جعل العبد مختاراً لما يفعله فهو مختار مريد ، و الله خالقه و خالق اختياره .
و هم في باب الأسماء و الأحكام و الوعد و الوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار و يخرجونهم من الإيمان بالكلية ، و يكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم و بين المرجئة الذين يقولون : إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء ، و الأعمال الصالحة ليست من الدين و الإيمان ، و يكذبون بالوعيد و العقاب بالكلية ، فيؤمن أهل السنة و الجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان و أصله ، و ليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة ، و أنهم لا يخلدون في النار ، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، أو مثقال خردلة من إيمان .
و هم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط بين الغالية الذين يغالون في علي - رضي الله عنه - و أهل البيت ، فيفضلون علياَّ على أبي بكر و عمر ، و يعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما ، و أن الصحابة ظلموا و فسقوا ، و كفروا الأمة بعدهم كذلك ، و ربما جعلوه نبياً و إلهاً ، و بين الجافية الذين يعتقدون كفره و كفر عثمان ، و يستحلون دماءهما و دماء من تولاهما ، و يستحبون سب علي و عثمان و نحوهما ، و يقدحون في خلافة علي - رضي الله عنه - و إمامته .
[ وهم وسط في تعاملهم مع الحاكم المسلم بين الغلاة والجفاة }، الغلاة الذين أطاعوا في المعصية وأقروا بالباطل ودعوا إليه ، وبين الجفاة الذين عصوا في المعروف فلم يقدروا المصالح والمفاسد ].
و وسطيتهم في سائر أبواب السنة راجع لتمسكهم بكتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و ما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان (15) .
الثاني من مقومات الأمة : الأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها .
إذا لم يكن هناك أرض يملكها الإنسان ، فيها متاعه وعليها استقراره وتكاثره ، بحيث تستوعب نشاطاته وطموحاته ، فليس ثمة أمة على الحقيقة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (البقرة : 36 ) ، وقد حرص الإسلام كل الحرص على تحقق هذا المقوم حيث عرض صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل ليوفر لأتباعه أرضاً تمكنهم من تكوين أمة فاعلة في الحياة ، وكان السبق والفضل للأنصار في المدينة النبوية مهاجر صلى الله عليه وسلم ، كما حكى الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (الأنفال : 74 ) وهكذا امتدت الأرض بامتداد الأمة الإسلامية التي رضيت به ديناً ، فكانت كلها أرض للجميع يملكها وينعم بها ويستميت في الدفاع عنها ، ومن نعم الله تعالى على هذه الأمة أنه أنزلها أحسن أرض وأوسطها ، وأكثرها مقدرات متنوعة ، بحيث تسهم بشدة في استقراره وحسن عيشه .
الثالث من مقومات الأمة : الإنسان الذي تتألف منه الأمة .
والإنسان محور أصل في الأمة إذ بمجموعه تكن الأمة ، وتكاثره وتناسله والحفاظ على وجوده صحيحاً سليماً يمكن من وجود أمة عزيزة منيعة ، وقد حرص صلى الله عليه وسلم على توافره وتكاثره ، فعن معقل بن يسارـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها ؟ قال : ( لا ) ، ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) . (16)(20/95)
ومن نعم الله تعالى على هذه الأمة أنها وبرغم ما يراد لها من تقلص عددي إلا أنها أكثر الأمم قاطبة ، ومن أعاجيب الدنيا الآن أن يصبح تناسل الإنسان المسلم عند من لا بصيرة له كارثة يجب الحد منها خلافاً للأمم الأرض قاطبة التي تسعى بكل ما أوتيت أن تكون كتلة بشرية هائلة تكن مصدر وجود وقوة لها .
الرابع من مقومات الأمة : العزة والحمية الإيمانية القوية .
إن الأمة المنيعة من أطماع الآخرين وبطشهم ، هي الأمة التي حرمت على نفسها الاستخذاء والجبن والخور ، وامتلأت قلوب أفرادها بالعزة والشهامة والشجاعة والحمية الإيمانية ، المقرونة بأسباب القوة المادية والمعنوية ، والتي ترخص الحياة عند أهلها إذا تعرضت لهوان ، كما قال تعالى : ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (المنافقون : 8 ) ) وقد نهى الله تعالى عباده الخلص عن الوهن وبشرهم بالعلو و الرفعة إن هم صدقوا في إيمانهم ، فقال جل ذكره : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران : 139 ) وحذر الله تعالى من ابتغاء العزة من الكافرين فقال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) (النساء : 139 ) وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (الممتحنة : 1 وأبان جل في علاه أن الإستقواء بغير المسلمين محرم على أهل الإيمان وأنه سمة أهل القلوب المريضة ، كما قال تعالى : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة : 52 ) وخروجاً من الضعة والاستعباد لغير الله تعالى أخذ الرسو صلى الله عليه وسلم بأسباب القوة حتى أقام أمة لم تزل مضرب المثل لكل منصف ، ففي حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ يقول : سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا أن القوة الرمي ألا أن القوة الرمي ألا أن القوة الرمي ) . (17) وكل من مكن لعقيدته ، وعظمت عنده حريته، واستغنى عن غيره ، و رد العدوان عن نفسه وعقيدته ومقدراته ، فهو العزيز القوي حقاً ، وهكذا يجب أن تكون أمة الإسلام اليوم كما كانت بالأمس عزيزة منيعة حرة ، ومن العجب العجاب أن بعض أبناء الأمة الإسلامية يشك في إمكانية عزة الأمة ووحدتها الآن ، وكأنه بمغيب عن تجارب الأمم المعاصرة مع فساد المعتقد وبعد الروابط إلا أنها تمكنت من بناء أمة كالصين والهند وغيرهما .
الخامس من المقومات : النظام السياسي الذي يمثل الأمة :
يختلف النظام السياسي في الإسلام عن غيره من النظم الأخرى جملة وتفصيلاً ، ونجمل ذلك الاختلاف في الآتي :
1 . أن النظام السياسي في الإسلام يجعل الأمر والحكم لله تعالى ، لأنه هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بمصالحهم في العاجل والأجل ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف : 54 ) ، ومن الأمر الحكم ، كما قال تعالى : (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص : 70 ) .
2 . أن النظام السياسي في الإسلام يتخذ الكتاب العزيز والثابت من السنة النبوية مصدرا التشريع في النظام السياسي الإسلامي ، كما قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء : 105 ) ، وقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة : 44 )(20/96)
3 . أن النظام السياسي في الإسلام يقيم العدل في الحكم ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء : 58 ) .
4 . أن النظام السياسي في الإسلام يرعى الدين والدنيا ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج : 41 ) ، وقال تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص : 83 ) .
5 . أن النظام السياسي في الإسلام يقوم على الشورى ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى : 38 ) ، وقال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران : 159 ) . وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( من بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين ، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه ) . (18)
6 . أن النظام السياسي في الإسلام يقوم على مبدأ الخلافة أو الإمامة لا الملك العضوض المتوارث ، وهي عقد طرفه بيد الأمة ، وطرف آخر بيد من توافرت فيه شروط الإمامة ، يكون كالوكيل عنها من غير أن يفتات على مشاورتها في ما تتطلبه الشورى ، كما قال تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص : 26 ) ، وقال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص : 5 ) وعن أبي مسعود قال أتى صلى الله عليه وسلم رجل . فكلمه . فجعل ترعد فرائصه . فقال له: ( هون عليك . فإني لست بملك . إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد ) . (19)
7 . أن النظام السياسي في الإسلام يوجب إقامة خليفة أو إمام للأمة الإسلامية ، وعلى هذا اتفقت جميع طوائف المسلمين من إقامة إمام عادل يقيم في الأمة أمر الله تعالى ، ويسوسها بأحكام الشريعة . (20)
8 . أن النظام السياسي في الإسلام اشترط شروطاً في الإمام العادل وأوجب توافرها ، وهي : الإسلام ، والذكورية ، والحرية ، والتكليف ، والعلم ، والعدل ، والكفاية ، والسلامة ، والقرشية إن أمكن . (21)
9 . أن النظام السياسي في الإسلام لا يعقد الإمامة لأحد ما لم تبايعه الأمة عن رضاً واختيار . وكان هذا واضحاً عند الصحابة رضي الله عنهم ، كما جاء عن(20/97)
أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أيها الناس هذا علي بن أبي طالب فلا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره ألا وأنتم بالخيار جميعاً في بيعتكم إياي فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعه فلما سمع ذلك علي من قوله تحلل عنه ما كان قد دخله فقال لا حل لا نرى لها غيرك فمد يده فبايعه هو والنفر الذين كانوا معه وقال جميع الناس مثل ذلك فردوا الأمر إلى أبي بكر ) . (22). وعن أبي السفر أن أبا بكر أشرف من كنيف أو رفيف وأسماء بنت عميس هي ممسكته وهي موشومة اليدين : ( أترضون بمن استخلف عليكم فوالله ما ألوت ولا تلوت ولا ألوت عن جهد رأي ولا وليت ذا قرابة استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا قالوا سمعنا وأطعنا ) . (23) وفي قوله أترضون دلالة على أن البيعة لا تنعقد للإمام إلا برضا الناس واختيارهم ويؤكد ذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم ، : ( فلما دفن عمر ـ رضي الله عنه ـ جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة ، ويقال في بيت المال ، ويقال في حجرة عائشة بإذنها ، وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم ، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، فجلسا بالباب فحصبهما سعد واقامهما ، وقال تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في أهل الشورى ، فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام ، فقال أبو طلحة أنا كنت لأن تدفعوها أخوف مني لأن تنافسوها ، لا والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم ، ثم أجلس في بيتي فأنظر ما تصنعون ، فقال عبدالرحمن : أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها ، على أن يوليها أفضلكم ؟ فلم يجبه أحد ، فقال : فأنا أنخلع منها ، فقال عثمان : أنا أول من رضي ، فإني سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول أمين في الأرض أمين في السماء ، فقال القوم : قد رضينا ، وعلي ساكت ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : أعطني موثقاً لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الأمة ، فقال : أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدل وغير وأن ترضوا من اخترت لكم علي ميثاق الله ألا أخص ذا رحم لرحمه ولا ألو المسلمين ، فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله ، فقال : لعلي إنك تقول إني أحق من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد ؟ ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر؟ قال : عثمان ، وخلا بعثمان ، فقال : تقول شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول ا صلى الله عليه وسلم ، وابن عمه لي سابقة وفضل لم تبعد ، فلن يصرف هذا الأمر عني ؟ ولكن لو لم تحضر فأي هؤلاء الرهط تراه أحق به ؟ قال : علي ، ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان ، فقال : عثمان ، ثم خلا بسعد ، فكلمه فقال : عثمان ، فلقي علي سعداً ، فقال : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا أسألك برحم ابني هذا من رسول ا صلى الله عليه وسلم وبرحم عمي حمزة منك ألا تكون مع عبدالرحمن لعثمان ظهيراً علي ، فإني أدلي بما لا يدلي به عثمان ، ودار عبدالرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد ، وأشراف الناس يشاورهم ، ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان ، حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل ، فأيقظه فقال : ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض ، انطلق فادع الزبير وسعداً فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان ، فقال له : خل ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال : نصيبي لعلي ، وقال لسعد أنا وأنت كلالة ، فاجعل نصيبك لي فأختار، قال : إن اخترت نفسك فنعم وإن اخترت عثمان فعلي أحب إلي أيها الرجل ، بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا قال : يا أبا إسحاق إني قد خلعت نفسي منها علي أن أختار، ولو لم أفعل وجعل الخيار إلي لم أردها، إني أريت كروضة خضراء كثيرة العشب فدخل فحل فلم أر فحلا قط أكرم منه ، فمر كأنه سهم لا يلتفت إلى شيء مما في الروضة حتى قطعها لم يعرج ، ودخل بعير يتلوه ، فاتبع أثره حتى خرج من الروضة ، ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه يلتفت يميناً وشمالاَ ويمضي قصد الأولين حتى خرج ، ثم دخل بعير رابع فرتع في الروضة ، ولا والله لا أكون الرابع ، ولا يقوم مقام أبي بكر وعمر بعدهما أحد فيرضى الناس عنه ، قال سعد: فإني أخاف أن يكون الضعف قد أدركك ، فامض لرأيك فقد عرفت عهد عمر وانصرف الزبير وسعد ، وأرسل المسور بن مخرمة إلى علي ، فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر، ثم نهض وأرسل المسور إلى عثمان فكان في نجيهما حتى فرق بينهما أذان الصبح ، فقال عمرو بن ميمون قال لي عبدالله بن عمر: يا عمرو من أخبرك أنه يعلم ما كلم به عبدالرحمن بن عوف علياً وعثمان فقد قال بغير علم ، فوقع قضاء ربك على عثمان فلما صلوا الصبح جمع الرهط ، وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد ، فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله ، فقال : أيها الناس إن الناس قد(20/98)
أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم ، وقد علموا من أميرهم ، فقال سعيد بن زيد إنا نراك لها أهلاً ، فقال : أشيروا علي بغير هذا ، فقال عمار : إن أردت ألا يختلف المسلمون فبايع علياً ، فقال المقداد بن الأسود : صدق عمار إن بايعت علياً قلنا سمعنا وأطعنا ، قال ابن أبي سرح : إن أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان ، فقال عبدالله بن أبي ربيعة : صدق إن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا ، فشتم عمار ابن أبي سرح ، وقال متى كنت تنصح المسلمين ، فتكلم بنو هاشم وبنو أمية ، فقال عمار أيها الناس إن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت منكم ، فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يابن سمية ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها ، فقال سعد بن أبي وقاص : يا عبدالرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس ، فقال عبدالرحمن : إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً ، ودعا علياً ، فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده ؟ قال : أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان ، فقال له مثل ما قال لعلي ، قال نعم فبايعه ، فقال علي حبوته حبو دهر ، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك ، والله كل يوم هو في شأن ، فقال عبدالرحمن : يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً ، فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان ، فخرج علي وهو يقول سيبلغ الكتاب أجله ، فقال المقداد : يا عبدالرحمن أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، فقال : يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين ، قال إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين ، فقال المقداد : ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم ، إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول إن أحدا أعلم ولا اقضى منه بالعدل ، أما والله لو أجد عليه أعواناً ، فقال عبدالرحمن : يا مقداد اتق الله ، فإني خائف عليك الفتنة ، فقال رجل للمقداد : رحمك الله من أهل هذا البيت ، ومن هذا الرجل ؟ قال : أهل البيت بنو عبدالمطلب ، والرجل علي بن أبي طالب ، فقال علي : إن الناس ينظرون إلى قريش وقريش تنظر إلى بيتها ، فتقول إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً ، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم ، وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان ، فقيل له بايع عثمان ، فقال : أكل قريش راض به ، قال : نعم ، فأتى عثمان ، فقال له عثمان أنت على رأس أمرك إن أبيت رددتها ، قال أتردها ؟ قال : نعم ، قال : أكل الناس بايعوك ؟ قال : نعم ، قال : قد رضيت لا أغرب عما قد أجمعوا عليه وبايعه ) . (24) ولما قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ ذهب الصحابة ـ رضي الله عنهم إلى علي يعرضون عليه أن يبايعوه ، فقال : ( لا حاجة لي في أمركم ، فترددوا مراراً وصمموا على مبايعته ، فقال : إذن في المسجد ، فاجتمع الناس وبايعوه ) . (25)
10 . أن النظام السياسي في الإسلام لا يقر توريث الخلافة أو الإمامة ولا ولاية العهد لأحد بعد الإمام ، كما تفعل الملوك ، لأن ذلك مخالفة صريحة للشورى التي أمر الله بها المؤمنين في كل أمر ذي بال ، ولا شك أن أمر الإمامة والخلافة من أهم الأمور ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى : 38 ) ، وهكذا فهمت الأمة هذا الحق ، كما جاء ( أن مروان لما تكلم في البيعة ليزيد بن معاوية قال سنة أبي بكر وعمر فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر بل سنة هرقل ) . (26) وكان خير مثال لرد الأمر إلى نصابه ما فعل عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لما استخلفه سليمان بن عبد الملك ، صعد المنبر وقال : ( إني والله ما استؤمرت في هذا الأمر وأنتم بالخيار ) وفي رواية ( أيها الناس إني قد
ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ) . (27)
11 . أن النظام السياسي في الإسلام يحدد حقوق الأمة و حقوق الإمام ، فحقوق الأمة على الإمام رعاية الدين ، وسياسة الدنيا به ، وحفظ الأمة وحمايتها ، ورعايتها وحماية مصالحها ، وحقوق الإمام على الأمة السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، في غير معصية الله تعالى .
المحور الرابع : سمات الأمة الإسلامية . وفيه :
أولاً : إفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة .
إن توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة والطاعة هو أعظم سمات الأمة الإسلامية ، وهو أول واجب على المكلف وآخر واجب عليه ، وهو تحقيق لمعنى لا إله إلا الله ، تلك الكلمة العظيمة التي حررت الإنسان من غير طاعة الله تعالى وعبادته ، كما قال تعالى ( قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران : 32 ) ، وقال تعالى : ( طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا(20/99)
عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ) (محمد : 21 ) ، وللأسف الشديد فقد خرج عن مفهوم الطاعة لله تعالى من أطاع غيره في معصية الله تعالى وليس في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء : 59 ) حجة له لأن الطاعة في الآية لغير الله تعالى مقيدة بما عرف حسنه شرعاً ، دل على ذلك بوضوح حديث علي ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول ا صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد ناراً وقال ادخلوها فأراد الناس أن يدخلوها وقال الآخرون إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول ا صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها : ( لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ) وقال للآخرين قولا حسنا وقال ( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) . (28) وقد أكد المحققون من العلماء أن طاعة غير الله تعالى فيما حرم الله تعالى شرك ، مستدلين على ذلك بحديث عن عدي بن حاتم قال : أتيت صلى الله عليه وسلم و في عنقي صليب من ذهب فقال : ( يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ) فطرحته فانتهيت إليه و هو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة : 31 ) حتى فرغ منها فقلت : إنا لسنا نعبدهم فقال : ( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه و يحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ ) قلت بلى قال : ( فتلك عبادتهم ) . (29) ، ويستوي في ذلك طاعة العلماء والأمراء وغيرهم من أهل الأمر والنهي ، ومع بالغ الأسى فإن هذا النوع من التوحيد يكاد يكون غائباً الآن ، أو يراد له أن يغيب ، ولازم ذلك ما نال جموعاً من هذه الأمة من الخروج عن الطاعة الحق إلى الطاعة المحرمة ، مما جعلها تتنكب الصراط المستقيم ، وترتمي في رغبات وأهواء من لا يستطيع أن يبرها كبرالله تعالى بها ، ولا يرعى مصالحها ، كرعاية الله لها ، إن الطاعة المطلقة لغير الله تعالى في ما حرم الله تعالى ، هي تحكم في عباد الله تعالى ، وتعبيدهم لغيره جل وعز ، والله تعالى يأبى ذلك على المؤمنين مهما نالهم من ذلك ، إن مثل هذه الطاعة في واقعنا المعاصر أفسدت الدين والدنيا معاً ، فغدت أمة الإسلام شذر مذر كل قطر له من يأمره وينهاه ، فتفرقت الجموع وتنازعت الفئات ، ورضي كل فريق بما معهم من الطاعة فما رفعت بذلك رأساً ولا بنت به مكرمة .
ثانياً : إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه .(20/100)
السمة الثانية من سمات الأمة الإسلامية : هي إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه ، لأنه النبي والرسولل والأمام والقائد والمعلم الذي ارتضاه الله لها قدوة ، كما قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب : 21 ) ، فطاعته من طاعة الله تعالى ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (النور : 54 ) ، وعن عرباض بن سارية قال : صلى لنا رسول ا صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب ، قلنا أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا قال : ( ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وان كل بدعة ضلالة ) (30) وهذه القدوة والأسوة يجب أن تكون في جميع مناشط الحياة من عبادة وسياسة واقتصاد واجتماع وغيرها ، وللأسف الشديد فقد انحسر مفهوم القدوة والطاعة النبوية في العبادة فقط دون السياسة والاقتصاد والاجتماع الآن في واقع الأمة الإسلامية ، مما جعلها متذبذبة في القدوة بين المذاهب العالمية ، حتى كاد يستقر بها الحال إلى اتباع الغرب في السياسة والاقتصاد والاجتماع ، وصدق عليها حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أن صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ) ، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال ( فمن ) (31) ، وما دام الحال هكذا بعداً عن إفراد القدوة في الرسو صلى الله عليه وسلم فإن الأمة ستتفرق عن القدوة ب صلى الله عليه وسلم ، وعندها لن تكون أمة أسلامية واحدة أبداً ، حتى تعود إلى إفراد القدوة في الرسو صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً في العبادة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها.
ثالثاً : القيام بالعدل والإحسان .
ومن سمات الأمة الإسلامية القيام بالعدل والإحسان ويتأتى العدل في كل مجال من عقائد و شرائع و سير مع الناس في الأمانات و ترك الظلم و الإنصاف و إعطاء الحق (32) .
كما قال الله تعالى : ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ [ النحل / 90 ] فهذه الآية عامة في كل ما يفتقر صلاحه إلى العدل ، لأن الألف و اللام فيه للعموم ، كما يشعر بذلك حذف المعمول (33) .
فشملت العدل بين العبد و بين ربه ، و ذلك بإيثار حقه تعالى على حظ نفسه ، و تقديم رضاه على هواه ، و الاجتناب للزواجر ، و الامتثال للأوامر ، و ذلك لمقتضى خلق الله تعالى له حيث جعل الغاية من خلقه عبادته تعالت ، كما قال سبحانه : ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [ [ الذاريات / 56 ] والعدالة تقتضي القيام بعبادة الله على النحو الذي ذكر، و من لم يفعل كان مفرطاً ، و ذلك هو الظلم بعينه .
و شملت العدل بينه و بين نفسه ، و ذلك بمنعها عما فيه هلاكها كما قال الله تعالى : ] وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [ [ النازعات / 40 ] و عزوب الأطماع عن الإتباع ، و لزوم القناعة في كل حال و معنى ، لأنه إذا لم يفعل ذلك جرته نفسه إلى إتباع الهوى، و ارتكاب حدود الله تعالى ، كما قال الله تعالى : ] إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّو?ءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي? [ [ يوسف / 53 ] ، و إذا فعل ما أمرته كان مجانباً
للعدل معها ، كما قال الله تعالى : ] وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [ [ الطلاق/1 ] .
و شملت العدل بينه و بين الخلق ، و ذلك ببذل النصيحة لهم ، و ترك خيانتهم فيما قل أو كثر ، و الإنصاف من النفس لهم بكل وجه ، و لا يوصل إلى أحد مساءة بقول و لا يفعل ، لا في سر و لا علن ، و الصبر على ما يصيبه منهم من البلوى و إذا لم يفعل ذلك فلا أقل من الإنصاف من النفس و ترك الأذى (34) . و من الآيات العامة في العدل قوله تعالى : ] قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ [ [ الأعراف / 29 ] . و قوله تعالى : ] لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [ [ الحديد / 25 ] .(20/101)
ومن الواضح أن الإحسان درجة أعلى و دائرة أشمل من العدل ، لأن العدل يعني أن يأخذ الإنسان ماله و يعطي ما عليه ، و الإحسان يعني أن يأخذ الإنسان أقل مما له و أن يعطي أكثر مما عليه ، فالإحسان بذلك زائد على العدل ، و العدل يكون في الأحكام و الإحسان يكون في المكارم ، و إذا كان تحري العدل من الواجبات فإن تحري الإحسان ندب و تطوع ، و كلاهما مأمور به في قوله تعالى : ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ [ [ النحل / 90 ] . و بالعدل و الإحسان يستحق العبد الخلافة في الأرض و عمارتها ، و غاية الإحسان أن يقع من الإنسان أفضل الإحسان من غير فكر و لا روية كأنه مطبوع عليه (35) .
شمول الإحسان :
من البين للباحث المدقق في النصوص الكريمة الواردة في الإحسان أنه مع العدل يشكل مضامين العلاقة مع الإنسان نفسه و الإنسان الآخر و أحكامها ، و أن دائرة هذا الإحسان تتسع لتشمل النفس و الأسرة و الأقارب ثم المجتمع و الإنسانية عامة ، و الحياة بأسرها .
فالدائرة الأولى : و هي دائرة الإحسان إلى النفس ، و تتضمن كمال الطاعة و إتقانها و إخلاصها لله تعالى على أكمل وجه و كأن الطائع يرى ربه تعالى ، كما تتضمن القيام على شؤون نفسه بما يصلحها في الظاهر و الباطن . قال الله تعالى : ] إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [ [ الإسراء / 7 ] .
أما الدائرة الثانية : فتشمل الإحسان إلى القرابة الأدنين و هم الوالدان ، و الزوجة ، و الأولاد . قال الله تعالى : ] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُو?اْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [ [ الإسراء / 23 ] .
أما الدائرة الثالثة : فإنها تشمل الإحسان إلى القرابة الأبعد من الوالدين ، و الزوجة ، و الأولاد ، و هم الإخوان و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أبناؤهم و بقية الأنساب و الأصهار . قال الله تعالى : ] وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي? إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى [ [ البقرة / 83 ] .
أما الدائرة الرابعة : فهي أوسع من سابقتيها فإنها تضم الإحسان إلى المسلم و تشمل الجيران ، و الإخوان في الله و بقية أفراد المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان و الإحسان هذا أكثر ما ينصب على الجانب الفقير في المجتمع ، كاليتامى و المساكين و ابن السبيل و المماليك . قال الله تعالى : ] وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [ [ النساء / 36 ] و في الآية أمر بالإحسان إلى من ذكر ، و نهى عن الترفع عنهم كبراً و اختيالاً .
أما الدائرة الخامسة : و هي الأوسع في العلاقات الإنسانية فتشمل الإحسان إلى المخالفين في العقيدة الذين لا يدينون بدين الإسلام غير المحاربين للمسلمين قال الله تعالى : ] لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُو?اْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ (36) [ الممتحنة / 8 - 9 ] .
و أما الدائرة السادسة : و هي الإحسان مع غير الإنسان و تضم الإحسان إلى الملائكة الكرام - عليهم السلام - و النباتات و الحيوانان و الجمادات و غيرها
فلا نؤذي الملائكة بمنظر أو ريح كريه ، ولا النبات والحيوان والجماد بالإفساد .
رابعاً : الحرص الشديد على التعاون البر والتقوى .(20/102)
ومن سمات الأمة الإسلامية ، الحرص الشديد على التعاون على جميع خصال الخير ، في الدنيا والآخرة ، وعمل كل ما من شأنه تحقيق تقوى الله تعالى بالتواصي بالحق والصبر عليه ، كما قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة : 2 ) ، وقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة : 71 ) ، وقال تعالى : (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر : 3 ) ، إن هذه السمة ضرورة لإقامة أمة أسلامية حقيقية ، لأن الإنسان لا يستطيع بمفرده الاستقلال بمصالحه الدينية والدنيوية ، فكان لا بد من تعاون وتكافل وتآزر يمكن من لم الشعث وتحقيق المصالح تعبداً لله تعالى ، وقياماً بواجب الأخوة الإيمانية ، بعيداً عن المتاجرة والمعاوضة ، يؤيد ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس قال : تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، قال : والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) . (37) ، والسلامى : هي مفاصل العظام في الإنسان ، ونختم هذا المحور بالتأكيد الشديد أن توافر العقيدة التي تطمئن الشعوب إليها ، والأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها ، و الإنسان الذي تتألف منه الأمة ، والعزة والحمية الإيمانية القوية ، وإفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة ، وإفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه ، والحرص على التعاون البر والتقوى ، هي أهم المقومات والسمات لقيام أمة إسلامية صحيحة الجسد فاعلة في الحياة نشطة ، تستحق خلافة من سبقها من القرون المفضلة في صدر الإسلام .
خامساً : عدم التشبه بالكافرين .
من السمات الفيصل بين أفراد الأمة الإسلامية وجماعتها وأنماط حياتها ، وبين أفراد الأمم الأخرى وجماعاتها وأنماط حياتها ، عدم التشبه بهم ، فيما اختصوا به من عبادة وسلوك و وطرائق حياة ، يؤيد ذلك حديث ابن عمر قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) . (38) ، إن الإسلام بهذا الهدي المتميز يلزم أتباعه نهج الصراط المستقيم لا غير ، كما قال تعالى : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) (الفاتحة : 6 ـ 7 ) ، وهنا يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : ( إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك ، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق والسفر والإقامة والركوب وغير ذلك ، وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ، وقد بعث الله عبده ورسوله محمدا r بالحكمة التي هي سنته وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له ، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين وأمر بمخالفتهم في الهدى الظاهر وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها :
1. أن المشاركة في الهدى الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين ، يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمر محسوس فإن اللآبس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ، واللآبس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع .
2. أن المخالفة في الهدى الظاهر ، توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال ، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان ، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين ، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام ، الذي هو الإسلام لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم وبعد عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد .
3. أن مشاركتهم في الهدى الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية .(20/103)
هذا إذا لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم .
وهنا نكتة وهي أن الأمر بموافقة قوم أو بمخالفتهم قد يكون لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة ، وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم مصلحة بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول ا صلى الله عليه وسلم والسابقين من المهاجرين والأنصار في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا فيها مصلحة لما يورث ذلك من محبتهم وائتلاف قلوبنا بقلوبهم وإن كان ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى إلى غير ذلك من الفوائد كذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها ، وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة لأن ذلك الفعل الذي يوافق العبد فيه أو يخالف متضمن للمصلحة والمفسدة ولو لم يفعلوه لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف فتكون موافقتهم دليلا على المفسدة ومخالفتهم دليلا على المصلحة ، واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب قياس الدلالة وعلى الأول من باب قياس العلة وقد يجتمع الأمران أعني الحكمة الناشئة من نفس الفعل الذي وافقناهم أو خالفناهم فيه ومن نفس مشاركتهم فيه وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهي عنهما فلا بد من التفطن لهذا المعنى فان به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتباعهم وموافقتهم مطلقا ومقيداً .
واعلم أن دلالة الكتاب على خصوص الأعمال وتفاصيلها إنما يقع بطريق الإجمال والعموم أو الاستلزام وإنما السنة هي التي تفسر الكتاب وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه .
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس ، ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه وهو الكمال المذكور في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة : 3) . (39)
المحور الخامس : واجبنا تجاه الأمة الإسلامية . وفيه :
أولاً : الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية .
الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية يتخذ صوراً شتى منها :
الصورة الأولى : الدفاع عنها بالحجة والبيان والرد على الطاعنين فيها ، وهذا النوع من الدفاع هو أكبر الدفاع وأجله ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً ، فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان :51 ـ 52 ) ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ قوام الدين بالعلم والجهاد ولهذا كان الجهاد نوعين :
الأول : جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير.
والثاني : الجهاد بالحجة والبيان .
وهذا جهاد الخاصة من اتباع الرسل وهو جهاد الأئمة وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً ، فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان :51 ـ 52 ) فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين وهو جهاد المنافقين أيضاً فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين بل كانوا معهم في الظاهر وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ومع هذا فقد قال : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة : 73 ) ، ومعلوم أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن والمقصود أن سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله ولهذا قرن سبحانه بين الكتاب المنزل والحديد الناصر كما قال تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد : 25 ) فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قوام الدين كما قيل :
فما هو إلا الوحي أو حد مرهف ... تميل ظباه اخدعا كل ما يل
فهذا شفاء الداء من كل عاقل ... وهذا دواء الداء من كل جاهل . (40)(20/104)
والجدير بالذكر هنا أنه يجب على المسلمين في جميع أدوار بقائهم أن يتفرغ منهم جماعة ، لتتبع الآراء السائدة في طوائف البشر والعلوم المنتشرة بينهم ، وفحص كل ما يمكن أن يأتي من قبله ضرر على المسلمين ،لا سيما في المعتقد الذي لا يزال ينبوع كل خير راسخاً رصيناً ويصير منشأ كل فساد إن استحال واهناً واهياً ، فيدرسون هذه الآراء ، والعلوم دراسة أصحابها أو فوق دراستهم ليجدوا فيها ما يدفعون به الشكوك التي يستثيرها أعداء الدين بوسائط عصرية ، حتى إذا صوب متقصد سهماً منها نحو التعاليم الإسلامية من معتقد وأحكام وأخلاق ، ردوها إلى نحره اعتماداً على حقائق تلك العلوم وتجاربها واستناداً على إبداء نظريات تقضي على نظريات المشككين ـ وجل الدين الإسلامي أن يصطدم مع حقائق العلوم ـ وأقاموا دون تسرب تلبيساتهم سوراً حصيناً واقياً ، وعبأوا الأمة على أنظمة يتطلبها الزمن في غير هوادة ولا توان ،ودونوا ما استخلصوه من تلك العلوم من طرائق الدفاع في كتب خاصة ، بأسلوب يعلق بالخاطر وتستسيغه العامة ، لتكون سداً محكماً مدى الدهر دون مفاجأة جوارف الشكوك ، وإن لم يفعلوا ذلك يسهل على الأعداء أن يجدوا سبيلاً إلى مواقع خصبة بين المسلمين ، تنبت فيها بذور تلبيساتهم ، بحيث يصعب اجتثاث عروقها الفوضوية ، بل تسري سموم الإلحاد في قلوب خالية تتمكن فيها فيهلك الحرث والنسل ، هذا ولقد غزت قلوب كثير من المسلمين عقائد وأفكار ونحل ومبادىء وأحكام وآراء ، واستولت على بعض تلك القلوب التي زين لها الشيطان أن لا تعارض بين تلك الآراء والعقائد ، وبين الإسلام ، وأن لا حرج على المسلم أن يكون مسلماً شيوعياً ، أو مسلماً علمانياً أو لبرالياً في آن واحد ، حتى خرج الإسلام من تلك القلوب وتمكن فيها الإلحاد والزندقة ،
فالواجب على كثير من المسلمين القادرين علماً وقلماً نصيباً من المؤاخذة ، على ما آل إليه قلوب كثير من المسلمين ، إن لم يقولوا ولم يدرسوا ولم يكتبوا وينشروا ، ومن الحق أن يقرأ علماؤنا خاصة ، ويقرئوا في دروسهم ويقولوا ذلك في خطبهم مما هو حق وصريح في رد الإلحاد وقمعه ) . (41)
الصورة الثانية : الدفاع بالقتال عن عقيدة الأمة الإسلامية :
إذا رأت الأمة الإسلامية أن القتال هو الحل الناجع للدفاع عن العقيدة الإسلامية فقد أذن الله بذلك ، كما قال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة : 193 ) ، وانتفاء الفتنة يتحقق بأحد ثلاثة أمور :
الأول : بدخول المشركين في الإسلام فتزول فتنتهم فيه .
والثاني : بأن يقتلوا جميعاً فتزول الفتنة بفناء الفاتنين .
الثالث : انتفاء الفتنة بظهور المسلمين عليهم ومصير المشركين ضعفاء أمام قوة المسلمين ، بحيث يخشون بأسهم وهذا حل مؤقت في غير جزيرة العرب ، لأن الفتنة لما كانت ناشئة عن التصلب في دينهم وشركهم لم تكن بالتي تضمحل عند ضعفهم ، لأن الإقدام على إرضاء العقيدة يصدر حتى من الضعيف ، كما صدر من اليهود غير مرة في المدينة ، في مثل قصة الشاة المسمومة ، وقتلهم عبد الله بن سهل في خيبر ولذلك فليس المقصود هنا إلا أحد أمرين : إما دخولهم في الإسلام ، وإما إفناؤهم بالقتل وقد حصل كلا الأمرين في المشركين ففريق أسلموا وفريق قتلوا يوم بدر وغيره من الغزوات ومن ثم قال علماؤنا : لا تقبل من مشركي العرب الجزية ومن ثم فسر بعض المفسرين الفتنة هنا بالشرك تفسيراً باعتبار المقصود من المعنى لا باعتبار مدلول اللفظ ، وقوله ( ويكون الدين لله ) عطف على ( لا تكون فتنة ) فهو معمول لأن المضمرة بعد حتى أي وحتى يكون الدين لله . أي حتى لا يكون دين هنالك إلا لله أي وحده ،
فالتعريف في الدين تعريف الجنس لأن الدين من أسماء المواهي التي لا أفراد لها في الخارج ، فلا يحتمل تعريفه معنى الاستغراق ، واللام الداخلة على اسم الجلالة لام الاختصاص ، أي حتى يكون جنس الدين مختصاً بالله تعالى على نحو ما قرر في قوله : الحمد لله وذلك يؤول إلى معنى الاستغراق ، ولكنه ليس عينه إذ لا نظر في مثل هذا للأفراد والمعنى : ويكون دين الذين تقاتلونهم خالصاً لله لا حظ للإشراك فيه ، والمقصود من هذا تخليص بلاد العرب من دين الشرك على الأخص لاختصاص الإسلام بها ؛ لأن الله اختارها لأن تكون قلب الإسلام ومنبع معينه فلا يكون القلب صالحاً إذا كان مخلوط العناصر وتخليص بلاد المسلمين على وجه العموم . (42)(20/105)
ومما يجب التنبيه عليه هنا أن فئة من الأمة الإسلامية انطلت عليها دعوات الحوار مع الآخر بزعمهم مع عدم توافر شروطه التي تحقق الغرض من الحوار ، أو أخوة الأديان كما قالوا ، ولعمر الله إنها لغش و لدس للسم في العسل حتى تكون الهلكة الماحقة ، وصدق الله تعالى حيث يقول : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة : 217 ) .
ثانياً : الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية .
إن وجود الأمة الإسلامية مرهون بوجود أفرادها ، وزوالها مرهون بزوال أفرادها ، وقد قررت الأدلة الشرعية المتظافرة أن حياة الفرد المسلم عزيزة عند الله تعالى جد عزيزة ، فكيف بحياة جماعات من المسلمين يشردون ويقتلون ، ويسبون ويؤسرون ويفتنون ، على سمع ونظر الأمة جميعاً ، جاء ذلك صريح في حديث عبد الله بن عمروـ رضي الله عنه ـ عن صلى الله عليه وسلم قال : ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) . (43) وإذا كان الحال كذلك فإن الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية واجب شرعي لا مناص منه ، يؤكده الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، ففي استفهام إنكاري يقول الله تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء : 75 ) وليس الأمر مقتصر على فئة دون فئة بل الواجب أن تكون الأمة الإسلامية كلها كالجسد الواحد يتداعى بعضه لنصرة بعض كما جاء عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) (44) وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) . (45) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال :( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) . (46)(20/106)
، وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) . فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال ( تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ) (47) ووجه الدلالة هنا وجوب نصرة المسلم و تحريم خذلانه ، وإسلامه للعدو ، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة ، والله تعالى تكفل بالنصر لمن نصر المسلمين ، فقال تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج : 40 وقد ضرب الرسو صلى الله عليه وسلم مثلاً رائعاً في الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية حيث : صالح رسول ا صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض فدخلت خزاعة في عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم ودخل بنو بكر في عهد قريش فعدت بنو بكر على خزاعة ونقضوا عهدهم وكان سبب ذلك دما كان لبني بكر عند خزاعة قبل الإسلام بمدة فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية أمن الناس بعضهم بعضا فاغتنم بنو الديل من بني بكر - وهم الذين كان الدم لهم - تلك الفرصة وغفلة خزاعة وأرادوا إدراك ثأر بني الأسود بن رزن الذين قتلهم خزاعة فخرج نوفل بن معاوية الديلي فيمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة حتى يبيتوا خزاعة واقتتلوا وأعانت قريش بني بكر بالسلاح وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم فانهزمت خزاعة إلى الحرم على ما هو مشهور مسطور فكان ذلك نقضاً للصلح الواقع يوم الحديبية فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي وقوم من خزاعة فقدموا على رسول ا صلى الله عليه وسلم مستغيثين به فيما أصابهم به بنو بكر وقريش وأنشده عمرو بن سالم فقال :
( يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا )
( كنت لنا أبا وكنت ولدا ... ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا )
( فانصر هداك الله نصراً عتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا )
( فيهم رسول الله قد تجردا ... أبيض مثل الشمس ينمو صعدا )
( إن سيم خسفاً وجهه تربدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا )
( إن قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا )
( وزعموا أن لست تدعوا أحدا ... وهم أذل و أقل عددا )
( هم بيتونا بالوتير هجدا ... و قتلونا ركعاً و سجدا )
فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم ) لا نصرت إن لم أنصر بني كعب ثم نظر إلى سحابة فقال إنها لتستهل لنصر بني كعب ( يعني خزاعة وقال رسول ا صلى الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء ومن معه : ( إن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد ويزيد في الصلح ، وسينصرف بغير حاجة ، فندمت قريش على ما فعلت ، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليستديم العقد ويزيد في الصلح ، فرجع بغير حاجة ، كما أخبر رسول ا صلى الله عليه وسلم على ما هو معروف من خبره ، وتجهز رسول ا صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ففتحها الله وذلك في سنة ثمان من الهجرة ) . (48)
ومما يحسن ذكره هنا أنه أذا كان من أحيا نفساً واحدة فأجره كمن أحيا الناس جميعاً فكيف بمن دافع عن وجود الأمة جميعاً ، لا شك أن أجره مضاعف بقدر ما أحيا من النفوس المسلمة ، يقول الله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة : 32 ) وهنا وقفة أتسأل فيها لمن بقي في قلبه ذرة من عزة وحمية إيمانية ، أين العلماء الربانيون الذين يربون الأمة على العزة والكرامة ؟ أين العلماء الربانيون الذين لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ،أين العلماء الربانيون الذين لا يحرفون الكلم عن مواضعه ؟ أين العلماء الربانيون الذين لا يبدلون الشريعة نزولاً عند رغبة أحد من الخلق ؟ أين الساسة الصادقون الذين يمثلون طموحات شعوبهم ، أين الساسة الصادقون الذين لا يستقوون بغير الله تعالى ؟ أين الساسة الصادقون الذين لا يعتزون بغير المؤمنين ؟ أين تجار الأمة وأرباب الأموال الذين يسدون جوعها ؟ أين تجار الأمة وأرباب الأموال الذين يجهزون الغزاة للدفاع عنها ؟ أين طلاب الحسنات والثواب المقاتلون الصابرون ، عن أنين المستضعفين والمستضعفات ؟ يقول الله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج : 39 ) عجباً لأمة ربطت مصيرها بيد غيرها أو بيد واحد منها ، وتخلت عن حقوقها , وأصبحت سوقاً لباعة الكلمة والمواقف على حساب عقيدتها ووجودها ، يقررون عدوها وصديقها ، وحربها وسلمها .(20/107)
ثالثاً : الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية .
لم يختلف سلف هذه الأمة على أهمية الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية أبداً ، لذا قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : ( الفيء فيه حق لكل المسلمين وهو بين الغني والفقير ،ويبدأ بالأهم فالأهم من سد ثغر وكفاية أهله لأن أهم الأمور حفظ بلاد المسلمين وأمنهم من عدوهم ، وحاجة من يدفع عن المسلمين ) . (49)
وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ، و يجب على جميع أهل المكان النفير حتى تتحقق الكفاية ، أما إن كان العدو كثيراً لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين ، فهنا يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ، ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم ،
فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب ، والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا، والرباط أفضل من المقام بمكة إجماعاً . (50)(20/108)
وليس القتال هنا من باب الندب بل من باب الوجوب ، كما قال تعالى : ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة : 190 ) ، وكما قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 216 ) وأكد الإيجاب وعظم أمر الجهاد في عامة السور المدنية وذم التاركين له ووصفهم بالنفاق ومرض القلوب فقال تعالى : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (التوبة :24 ) وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ( الحجرات : 15) و قال تعالى : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ، طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ) (محمد : 20 ـ 21 ) وهذا كثير في القرآن وكذلك تعظيمه وتعظيم أهله في سورة الصف التي يقول فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (الصف 10 ـ 13 ) وكقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة 18 ـ 22 )وقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (المائدة : 54 ) وقال تعالى : (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (التوبة : 120 ـ 121 )(20/109)
والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر ، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان ، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم التطوع ، كما دل عليه الكتاب والسنة عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت يا رسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ قال : بخ بخ ! لقد سألت عن عظيم ، و إنه ليسير على من يسره الله عليه ، صل الصلوات المكتوبة ، و أد الزكاة المفروضة ، أولا أخبرك برأس الأمر و عموده و ذروة سنامه ؟ أما رأس الأمر فالإسلام من أسلم سلم ، و عموده الصلاة ، و ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) . (51)
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، و فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) (52)
وعن أبي عبس هو عبد الرحمن بن جبر ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ) . (53)
عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان ) . (54) عن أبي صالح مولى عثمان قال : سمعت عثمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : ( رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل ) . (55)
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : (عينان لا تسمهما النار عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) . (56)
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد ؟ قال : ( لا أجده ) . قال: ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر ) . قال : ومن يستطيع ذلك ! قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات ) . (57)
والجهاد في سبيل الله باب واسع و لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه فهو ظاهر عند الاعتبار فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين الدنيا ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة فإنه مشتمل من محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع الأعمال على مالم يشتمل عليه عمل آخر والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنيين دائماً إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة ، ثم إن الخلق لا بد لهم من محيا وممات ، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما فإن من الناس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا مع قلة منفعتهما ، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد وقد يرغب في توقية نفسه حتى يصادفه الموت فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهي أفضل الميتات . (58)
رابعاً : الدفاع عن ثروات و مقدرات الأمة الإسلامية .(20/110)
إن الله تعالى بواسع منه وكرمه ، اختار للمسلمين أواسط الأرض التي استودع باطنها الكنوز العظيمة ، وظاهرها كل ما يضمن بقاء الحياة الكريمة ، مما يمكن المسلمين من القيام بواجب الرسالة الإسلامية في يسر وسهولة ، بعيداً عن الخضوع إلى أمة من الأمم ، ولما علم العدو هذه الخاصية للأمة الإسلامية التي لا تتم للمسلمين إلا بوحدتهم الإسلامية ، سعى جاهداً في تمزيق أوصال الأمة حتى يفتقر كل قطر إلى مقوم من مقومات الحياة فلا يجدها ، ثم بحيلة ما وحسب اتفاقيات يضطره إلى تحصيلها من عنده فقط ، وتفرد هو لنهب كنوز الأمة ومقدراتها المتنوعة ، بالسطو عليها عند احتلاله لبلاد المسلمين ، أو بشرائها بثمن بخس تحت قوة الهيمنة على القرار السياسي ، ناهيك عن إفساد التربة والبذور ، والحرب على مصادر المياه ، وقبر النفايات المضرة في بلاد المسلمين مما يفسد الحرث والنسل ، إن هذا الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية الآن أضعف قدراتها ، وعرضها لمديونيات هائلة للغرب المادي الربوي ، إن هذا الواقع يستدعي الدفاع عن مقدرات الأمة الإسلامية التي لعب بها السفهاء والحمقى والمغفلون والعملاء الذين ساهموا في سرقة تلك المقدرات وأصبحت أرصدتهم في البنوك الغربية محركاً رئيساً لاقتصادها ، وسرعان ما يغضب الغرب على أحدهم لأمر ما فيجمد أرصدته ، فلا سعد بما سرق ، ولا سلم من أثمه ، هكذا أصبحت مقدرات الأمة الإسلامية نهباً لكل طامع ، وتسعة أعشار المسلمين يعيشون تحت خط الفقر بستين درجة ، ومع هذا الحال المشين قلما تسمع حراً يطالب بحق الأمة في التصرف في مقدراتها وترشيد استهلاكها ، ومن المسلم به أن لصاحب الحق مقال ، وأن المناضلة دون أموال الأمة مشروعة ، فالله تعالى حرم أكل الأموال بالباطل وما يقال في المال الخاص يقال في المال العام ، كما قال تعالى : (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة : 188 ) وفي حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال فلا تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلني ؟
قال قاتله قال أرأيت إن قتلني ؟ قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النار) . (59)
خامساً: الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية .(20/111)
حرص الإسلام كل الحرص على إقامة جماعة واحدة تكون هي النواة الأولى للأمة الإسلامية ، ولأجل ذلك رغب القرآن الكريم في الهجرة إلى المدينة النبوية أجمل ترغيب ، فقال تعالى : ( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء : 100 ) ، وبهذه النواة الأولى قامت الأمة الإسلامية والدولة الأولى ، وتحددت ملامح الحكم والسياسة الإسلامية ، وفي هذا يقول الله تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء : 92 ) ، وقال تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (المؤمنون : 52 ) ، ويقول تعالى : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران : 103 ) ، وقد امتن تعالى على المؤمنين بهذه الوحدة فقال تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : 63 ) وبهذه النصوص وأمثالها تحددت الوحدة ، وبقوله تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج : 78 ) ، تحددت التسمية ، فهي الأمة الإسلامية الواحدة ، وجاءت النصوص الأخرى لتبين التركيبة الجسدية والنفسية والروحية لهذه الأمة الفتية التي يتولى بعضها بعضاً بالمحبة والنصرة والتأييد والكون معها باطناً وظاهراً ، كما قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة : 71 ) ، وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قال رسول ا صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . (60) ، وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) . (61) ، ولم تكتف النصوص الشرعية بهدا القدر من الوشيجة بل جسدتها في مصطلح الأخوة الإيمانية السامي ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات : 10 ) وكان من لوازم هذه الأخوة الإيمانية النصح لها ، والقيام بحقوقها ، كما جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) . (62) ، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) . (63) ، إن هذه الوحدة الإسلامية الرائعة الجميلة وإلى وقت قريب ، كانت من البدهيات والمسلمات عند المسلمين مما أغنى عن التأليف فيها أو الإطناب في الحديث عنها ، غير أن العدو المحتل مزق أوصالها ، وسدت هذه الحاجة بالقوميات والنعرات الجاهلية ، والتحزبات السياسية ، مثل الجامعة العربية ، وغيرها، فحلت القومية محل الأخوة الإيمانية ، والقطرية محل العالمية ، وملوك الطوائف محل الخلافة الإسلامية ، وفرح كل بما هو فيه ، وأغرقت الأمة في ملذات الحياة في ناحية ، وأشغلت بالسعي لسد رمق الحياة في ناحية أخرى ، وفتح باب التغريب على الجميع ، وروضت الأمة بالإعلام ، والمناهج الدراسية وغيرهما ، حتي ألفت هذا الواقع الممسوخ ، وتعاظم حكامها فكل يحكي التأريخ المجيد(20/112)
له ولآبائه ، وحتى لا نبخس الواقع صدقته فقد أسست رابطة العالم الإسلامي جسداً صغيراً هزيلاً بغير روح ، وزاد الأمر سوء أنها توظف لصالح جهة أو أخرى ، إن هذا الواقع المرير بحاجة ماسة إلى تغيير في الشكل والمضمون ، تغييراً مناسباً في الحال والمقال ، والزمان والمكان ، يحمل هذا التغيير الخلص من أبناء هذه الأمة يتعصبون له ويبشرون به ، ويصبرون على الأذى فيه ، مستصحبين فقه المقاربات ، لا يهدمون النافع من الواقع بل يصلحونه ويبنون عليه إن كان صالحاً ، وصدق الله تعالى حيث يقول : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) (الرعد : 11 ) ، هذا ومن المناسب التأكيد بأن واقع الأمة الإسلامية الآن أقرب للوحدة الإسلامية أكثر من ذي قبل ، وذلك لما رأت من فشل الطروحات القومية ، والعلمانية ، والشيوعية ، والعشائرية ، والأسرية ، التي طمست معالم هويتها الدينية ، وأسلمتها للعدو وشاركت في دفن كرامتها ، وسرقت خيراتها ، وعرضتها للإحتلال من جديد ، فبالله تعالى لا بغيره يكون النصر والظفر، وبالهدى والبينات يزول الضلال والزغل ، وبأيدي العصبة المؤمنة تكون المدافعة والمغالبة ، والله تعالى يقول : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم : 47 ) ، وقال تعالى : (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران : 160 ) ، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه كيف تكون الوحدة الإسلامية ، والمسلمون طوائف عدة ؟ والجواب أن أصول تلك الطوائف كانت في القرون المفضلة ، وقد كان هناك خطاباً شرعياً وسياسياً وقدرات مكنت من القدر الأساس وزيادة في تحقيق مفهوم الوحدة الإسلامية ، وبتحديد معالم ذلك الخطاب والقدرات يمكن أن نحقق القدر الأساس الذي يمكن من الوحدة الإسلامية ، وهذا لا يعني أن يذوب الحق في غيره بل الحق هو المثال الذي يؤمر به ويدعى إليه .
ومن المؤكد إن الوحدة الإسلامية عائدة حقيقة ، لأنها وعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد بأن الاستخلاف والوراثة في الأرض للمؤمنين ، كما قال تعالى : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران : 139 ) ، وقال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور : 55 ) ، إن هذا الوعد أنجزه الله تعالى للمؤمنين السابقين ، وهو منجز وعده الحق بالوراثة في الأرض للمؤمنين اللاحقين كما قال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص : 5 ) وبهذا الجزم صرحت السنة النبوية ، فعن معاوية ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ، والله يعطي ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) .(64)
إن هذا الوعد الحق أمل لاحت بيارقه ، وسطعت شمسه ، وتهللت أساريره ، وصدق الله تعالى حيث يقول : (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف : 21 )
سادساً : الدفاع عن حق الأمة الإسلامية في اختيار من يحكمها وعزله .
إن للأمة الإسلامية الحق الشرعي في اختيار من يحكمها وعزله ، وهذا الحق تقرره النصوص الشرعية بوضوح تام ، كالآتي :
1 . أنه مقتضى الشورى التي أمر الله بها ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى : 38 ) .(20/113)
2 . أنه مقتضى سنة الرسو صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده في الحكم والإمامة ، فعن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ قال : ( صلى بنا رسول ا صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) . (65) وفي الحديث ثلاث مسائل مهمة :
الأولى : أن من الناس من فهم الحديث بوحوب الطاعة لمن تولى على المسلمين بالغلبة ، وإن لم تتوافر فيه الشروط وهذا مخالفة صريحة للنصوص
المحكمة التي تعارض ذلك ، ومن ذلك آخر الحديث الذي يفسر أوله بقوله : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ، فسنة الخلفاء الراشدين تقر ولاية من توافرت فيه شروط الإمامة وتنفي من لم تتوافر فيه ، مع رفضها الشديد لتوريث الإمامة .
الثانية : المبالغة و التأكيد الشديد على السمع والطاعة لمن توافرت فيه الشروط ، وبايعته الأمة عن رضاً واختيار ، لا إقرار إمامة العبد والمتغلب على الأمة ووجوب السمع والطاعة له ، وذلك نظير قوله تعالى : ( قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف : 81 ) فهو من باب ضرب المستحيل ، لا إقراره ، والمعني على فرض جواز أن يكون لله ولد تعالى الله عن ذلك وتنزه وهذا مستحيل ، فأنا أول المؤمنين بعبودية الله تعالى ، وعليه فمعنى الحديث على فرض جواز إمامة العبد الآبق وهذا مستحيل ، فاسمعوا وأطيعوا لمن توافرت فيه الشروط .
الثالثة : أن الرسو صلى الله عليه وسلم لم ينص على وجه الإلزام بإمامة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ من بعده ، يدل على ذلك اختلاف الأنصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعدة إذ كيف يختلفون على أمر الرسو صلى الله عليه وسلم لو كان هناك أمر فلما لم يكن ساغ الاختلاف حتى حصل الإتفاق على بيعة أبي بكر عن رضاً واختيار كما سبق بيانه . يؤيد ذلك مقالة عمر ين الخطاب رضي الله عنه كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
قيل لعمر ألا تستخلف ؟ قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه فقال راغب وراهب وددت أني نجوت منها كفافاً لا لي ولا علي لا أتحملها حيا وميتا ) . (66) ولا يفهم من الحديث في الاستخلاف الإلزام بل هو الترشيح من عمر ـ رضي الله عنه ـ وهذا حق له يرشح من يراه مناسباً كما سبق بيانه في نظام الإسلام في الحكم ، ويكفي في تأييد ذلك قول عبدالرحمن ـ رضي الله عنه ـ : ( يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان ) . (67)
وأما حق الأمة في جواز عزل الأمام أو عماله ، فمن أجاز لهم حق اختيار يجيز لهم حق العزل إذا كان هناك مصلحة من عزله فللوكيل أن يفسخ الوكالة عن موكله إذا لم يتحقق الغرض من الوكالة.
هذا وإذا انظم ما هنا من تقرير على ما سبق في نظام الإسلام في الإمامة تقرر بوضوح حق الأمة في اختيار من يحكمها ، وإن الدفاع عن هذا الحق مشروع لأنه هدي النبوة الراشدة ، وسنن الخلفاء الراشدين ، فعن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن الله تعالى بعث محمدا r فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان فاستجاب له من استجاب فحيى بالحق من كان ميتا ومات بالباطل من كان حيا ثم ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة ثم يكون ملكاً عضوضاً فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه والحق استكمل ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافا يده وشعبة من الحق ترك ومنهم من ينكر بقلبه كافا يده ولسانه وشعبتين من الحق ترك ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه فذلك ميت الأحياء ) . (68)
وفي الختام : فإن الدفاع عن الأمة الإسلامية مسئولية الجميع كل بحسب قدراته ، وعندما تتظافر الجهود ، وترسم الخطط ، وتحدد الأهداف والوسائل ، ويعطى المشروع حقه من الوقت الكافي لإعادة ما دمرته الدول والهيئات والأشخاص من وحدة الأمة ، كما قال تعالى : (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (الروم : 4 ) يفرح المؤمنون بالتمكين ، كما قال تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (القصص : 5 ) ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
- - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الخامس ... 2
الشرق الأوسط الكبير ... 2(20/114)
(20/115)
مستجدات الخطة الصهيونية للشرق الأوسط ... 2(20/116)
(20/117)
الشرق الأوسط الجديد مسرحية هزليه تنتظر طلقة الرحمة ... 6(20/118)
(20/119)
رؤية أميركية في ملفات الشرق الأوسط ... 10(20/120)
(20/121)
نفط الشرق الأوسط .. لا تضع كل البيض في سلة واحدة!! ... 14(20/122)
(20/123)
فراغ القوة في الشرق الأوسط! ... 19(20/124)
(20/125)
الشرق الأوسط بين الجديد والكبير ... 26(20/126)
(20/127)
حكاية مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط ... 30(20/128)
(20/129)
الشرق الأوسط بانتظار أسابيع خطيرة ... 35(20/130)
(20/131)
ماذا تفعل كوندوليزا في الشرق الأوسط؟! ... 39(20/132)
(20/133)
التغيير بين طموحات الشعوب وأطماع الأمريكان ... 43(20/134)
(20/135)
المطامع العسكرية والبترولية في الشرق الأوسط ... 46(20/136)
(20/137)
ولادة شرق أوسط من لبنان طليعته المقاومة! ... 50(20/138)
(20/139)
الشرق الأوسط بين الجديد والكبير ... 54(20/140)
(20/141)
الشرق الأوسط الجديد سفاح أمريكي صهيوني ... 57(20/142)
(20/143)
الشرق الأوسط الجديد سِفاح أمريكي صهيوني ... 60(20/144)
(20/145)
بوش ومسلسل الانتكاسات في الشرق الأوسط ... 63(20/146)
(20/147)
صدمة أخرى لمشروع الشرق أوسطية ! ... 66(20/148)
(20/149)
الشرق الأوسط في ناظري كوفي أنان ... 70(20/150)
(20/151)
تركيا والدور الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ... 75(20/152)
(20/153)
ضجيج الإصلاح .. جردة حساب أولية ... 78(20/154)
(20/155)
ماذا حل بمشروع الشرق الأوسط الكبير ؟ ... 81(20/156)
(20/157)
هل تراجع الأمريكيون عن مشروع الشرق الأوسط الكبير ؟ ... 85(20/158)
(20/159)
أمريكا وديمقراطية التقسيم ... 87(20/160)
(20/161)
د.أسامة قاضي:آلية الإصلاح ضرورة في الوطن العربي ... 90(20/162)
(20/163)
الصراع على المياه في الشرق الأوسط ... 94(20/164)
(20/165)
تركيا الدولة النموذج أمريكياً ... 100(20/166)
(20/167)
البزنس والسياسة:التطبيع مع إسرائيل مُنتجاً ... 103(20/168)
(20/169)
الاستخبارات الإسرائيلية وصناعة الخطر النووي الإيراني! ... 108(20/170)
(20/171)
أرى خلل الرماد وميض نار! ... 114(20/172)
(20/173)
علي بوخمسين علاقات القوة ... 117(20/174)
(20/175)
دور تركيا في مشروع الشرق الأوسط الكبير ... 123
فلسطين ومشروع الشرق الأوسط الكبير ... 129(20/176)
(20/177)
وثيقة أمريكية ترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد ... 134(20/178)
(20/179)
نص مشروع الشرق الأوسط الكبير ... 141(20/180)
(20/181)
مشروع الشرق الأوسط الكبير ... 154(20/182)
(20/183)
الاتحاد الأوروبي يدفع باتجاه الشرق الأوسط الكبير ... 167(20/184)
(20/185)
الخطة الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط من منظور إسرائيلي ... 169(20/186)
(20/187)
مشروع الشرق الأوسط الكبير أم وجه جديد للاستعمار بشكليه القديم والجديد؟ ... 173(20/188)
(20/189)
قمة الثمانية والشرق الأوسط الكبير ... 182(20/190)
(20/191)
حملة أمريكية تروج لمبادرة الشرق الأوسط الكبير ... 188(20/192)
(20/193)
تفاصيل المشروع الأمريكي لدمقرطة الشرق الأوسط ... 189(20/194)
(20/195)
بين مطرقة "خطة شارون" وسندان "الشرق الأوسط الكبير"! ... 202(20/196)
(20/197)
بين الجامعة العربية و( الشرق الأوسط الكبير ) ... 207(20/198)
(20/199)
بوش يعلن بدء تنفيذ المؤامرة الكبرى ... 211(20/200)
(20/201)
العراق « نافذة » بوش لمشروع الشرق الأوسط الكبير ... 223(20/202)
(20/203)
الشرق الأوسط الكبير والمشاريع المقابلة له .. العربية والأوروبية ... 225(20/204)
(20/205)
أمة تحت الوصاية ... 232(20/206)
(20/207)
الشرق الأوسط الكبير إشاعة للديمقراطية أم تبعية أمريكية ... 237(20/208)
(20/209)
المناخ الدولي والإقليمي والشرق الأوسط الجديد ... 243(20/210)
(20/211)
مشروع الشرق الأوسط الكبير قراءة في البعد الثقافي ( 2 – 2 ) ... 255(20/212)
(20/213)
الشرق الأوسط الكبير .. مصطلح جديد للهيمنة الأمريكية ... 260(20/214)
(20/215)
الشرق الأوسط الكبير ... 265(20/216)
(20/217)
الشرق الأوسط ( الكبير ) رشوة جديدة لصانعي الرئاسيات ... 270(20/218)
(20/219)
نص المبادرة الفرنسية الألمانية للإصلاح في الشرق الأوسط ... 275(20/220)
(20/221)
الدكتور اللاوندي: في العصر الأمريكي .. لا مكان للأمم المتحدة! ... 282(20/222)
(20/223)
عوض القرني: إسرائيل تفرح بصراعاتنا الطائفية ... 289(20/224)
(20/225)
محنة أهل السنة ...هل تكون العراق بوابة للاختراق الشيعي الإيراني! ... 293(20/226)
(20/227)
الصحوة الإسلاميّة في السنغال..نجاحات ثقافيّة واقتصاديّة ... 311(20/228)
(20/229)
تبرئة قاتل إيمان!! ... 317(20/230)
(20/231)
أثر القلم النسائي في معالجة القضايا ... 320(20/232)
(20/233)
لا صلة للسودان بالتمرد في اتشاد ! ... 322(20/234)
(20/235)
د.زينب: تحريف القرآن دعاني لترجمته ... 327(20/236)
(20/237)
بيت سيئ السمعة ... 331(20/238)
(20/239)
المرأة السعودية بين التحرير والتطوير ... 335(20/240)
(20/241)
معالجات المسألة الثقافيّة بين قرنين ... 359(20/242)
(20/243)
الشرق الأوسط بين "الجديد" و "الكبير" ... 362(20/244)
(20/245)
المرأةُ بينَ التّحريرِ من الحِجابِ والتَّحرُّرِ من الشّرفِ ... 366(20/246)
(20/247)
(...) في إسرائيل! ... 372(20/248)
(20/249)
تقرير "البيان" الاستراتيجي الثاني ... 375(20/250)
(20/251)
المبادرة الخامسة : حتمية إنشاء مؤسسات المجتمع المدني ... 381(20/252)
(20/253)
الليبراليون الجدد.. في حِقبة ما ( تحت ) الحداثة! ... 387(20/254)
(20/255)
وهذا البلد الأمين (الحلقة الأولى) ... 395(20/256)
(20/257)
إدارة المعلومة في الحرب على الإرهاب ... 406(20/258)
(20/259)
صحافة ضد المقاومة: جريدة الشرق الأوسط أنموذجا (1/3) ... 407(20/260)
(20/261)
إحلال القيم.... الانتخابات نموذجاً ... 439(20/262)
(20/263)
دور المرأة في المحن والشدائد ... 442(20/264)
(20/265)
عندما تذهب السكرة ...وتجيء الفكرة ... 449(20/266)
(20/267)
الشرق الإسلامي بين المشاريع الرومانية والأطماع الفارسية ... 454(20/268)
(20/269)
غزَّة وابن تيمية والنشيد الوطني الصهيوني ... 462(20/270)
(20/271)
من يجني ثمار الجهاد في العراق ؟؟ ... 470(20/272)
(20/273)
أفي جهاد الصليبيين الغزاة شك ؟ ... 475(20/274)
(20/275)
من وحي الهجرة ... 484(20/276)
(20/277)
عزة المؤمن ... 488(20/278)
(20/279)
سنة التغيير ... 494(20/280)
(20/281)
الحملات المسعورة ضد الإسلام وأهله ... 499(20/282)
(20/283)
الشرق الأوسط الجديد ... 504(20/284)
(20/285)
•…مسار المأساة وأسبابها بين الحملتين الصليبيتين الثانية والثالثة ( 1798 م -1990م) ... 510(20/286)
(20/287)
•…هزائم العرب والمسلمين وتفككهم و مسيرهم نحو قعر الهاوية خلال النصف الثاني من القرن العشري: ... 542(20/288)
(20/289)
•…من تكتيكات ( حرب الأفكار ) الأمريكية : ... 576(20/290)
(20/291)
العقيدة هي كل لا يتجزأ ... 581(20/292)
(20/293)
خلاصة واقع الحملات الأمريكية و الواقع العربي ... 588(20/294)
(20/295)
هـ - حلفاء أمريكا وعملائها داخل الصف العربي والإسلامي: ... 595(20/296)
(20/297)
أمريكا ومشروع التقسيم في العراق ... 598(20/298)
(20/299)
عندما تذهب السكرة ... وتجيء الفكرة ... 606(20/300)
(20/301)
عولمة الغضب ... 612(20/302)
(20/303)
أسلمة الديمقراطية .. حقيقة أم وهم ؟ (1/2) ... 629(20/304)
(20/305)
الإصلاح على الطريقة الأميركية ... 641(20/306)
(20/307)
الترابي.. في مواجهة أمطار غزيرة ....! ... 642(20/308)
(20/309)
الحوار بين الحضارات ... 646(20/310)
(20/311)
الليبراليون الجدد في حِقبة ما تحت الحداثة! ... 655(20/312)
(20/313)
تفكيك إيران صراع السحالي والملالي ... 663(20/314)
(20/315)
الدول الإسلامية بين التفكيك والتقسيم ... 668(20/316)
(20/317)
حاجة البشرية جمعاء إلَى الإسلام ... 683(20/318)
(20/319)
حزب الله يقاتل اليهودمحاولة للاستنتاج .. ولا تثريب. ... 686(20/320)
(20/321)
دور الرسالة الإعلامية في توحيد المسلمين حول قضاياهم الكبرى ... 706
(فلسطين نموذجاً) ... 706(20/322)
(20/323)
صحافة ضد المقاومة جريدة الشرق الأوسط أنموذجا (1/3) ... 725(20/324)
(20/325)
غفلنا عن الكراع فطمعوا في الذراع !!! ... 757(20/326)
(20/327)
قانون الأخلاق ... 763(20/328)
(20/329)
مبادرة الشرق الأوسط الكبير ... 764(20/330)
(20/331)
مشروع الشرق الأوسط الكبير! ... 765(20/332)
(20/333)
معالجات المسألة الثقافيّة بين قرنين ... 772(20/334)
(20/335)
تحرير المرأة في عصر "الشرق الأوسط الكبير" ... 776(20/336)
(20/337)
ماذا يريد مشروع الشرق الأوسط الكبير من المرأة المسلمة ؟ ... 785(20/338)
(20/339)
المدارس الأجنبية في بلادنا ... غزو آن له أن ينتهي ... 793(20/340)
(20/341)
ثلاث رسائل ... 801(20/342)
(20/343)
إطلالة على أحداث لندن ... 806(20/344)
(20/345)
رايس تفضح عملاء أميركا في الشرق الأوسط ... 810(20/346)
(20/347)
الشرق الإسلامي بين المشاريع الرومانية والأطماع الفارسية ... 813(20/348)
(20/349)
أفي جهاد الصليبيين الغزاة شك ؟ ... 821(20/350)
(20/351)
ريح الجنة تهب من الفلوجة ... 830(20/352)
(20/353)
الجامعة العربيّة وظاهرة القِمم ... 831(20/354)
(20/355)
في العصر الأمريكي .. لا مكان للأمم المتحدة! ... 835(20/356)
(20/357)
تقرير التنمية .. تقييم جيد لكن أين الحل؟! ... 842(20/358)
(20/359)
حقيقة التغيّر في الموقف الفرنسيّ من سوريا ... 846(20/360)
(20/361)
الحكيم والحرب الطائفية في كل المنطقة!! ... 850(20/362)
(20/363)
المغاربيون والتطبيع العسكري في الناتو! ... 852(20/364)
(20/365)
" دافوس" شرم الشيخ .. تكريس سياسات الهيمنة ... 855(20/366)
(20/367)
المصالحة مع الذات لمواجهة التحدي الخارجي ! ... 859(20/368)
(20/369)
بعد عشر سنوات..ماذا حقق مشروع برشلونة؟ ... 861(20/370)
(20/371)
محنة أهل السنة ... ... 869
هل تكون العراق بوابة للاختراق الشيعي الإيراني! ... 869(20/372)
(20/373)
قمة الكبار.. في مواجهة التحديات ! ... 887(20/374)
(20/375)
الصحوة الإسلاميّة في السنغال.. ... 891
نجاحات ثقافيّة واقتصاديّة ... 891(20/376)
(20/377)
ابتزاز " أردوغان" بالعسكر ونظريّات الإصلاح!! ... 896(20/378)
(20/379)
الشرق الأوسط الجديد .. قديم(1) ... 899(20/380)
(20/381)
الشرق الأوسط الكبير ... 904(20/382)
(20/383)
الولايات المتحدة وديمقراطية الأنابيب من المغرب إلى باكستان! ... 909(20/384)
(20/385)
البعد الثقافي في مشروع الشرق الأوسط الكبير (1/2) ... 917(20/386)
(20/387)
بوش والشرق الأوسط والخلطة السرية! ... 929(20/388)
(20/389)
د. حبيب: مبادرة الإخوان إصلاح شامل ... 934(20/390)
(20/391)
ملاحقة أمريكا للإسلام.. طريقها للهاوية ... 940(20/392)
(20/393)
القمة العربية..من أجل شارون وبوش! ... 944(20/394)
(20/395)
العقلية الإسرائيلية.. كيف تفكر! ... 948(20/396)
(20/397)
قمة الأزمة.. أم أزمة القمة؟ ... 953(20/398)
(20/399)
قنابل موقوتة وراء الشرق الكبير.. ... 959(20/400)
(20/401)
القمة العربية .. منزلقات جديدة! ... 966(20/402)
(20/403)
قمة تونس .. أسباب التأجيل وقصة إصلاح الجامعة ... 968(20/404)
(20/405)
صراع الانتخابات البلدية في تركيا ... 971(20/406)
(20/407)
المسكوت عنه في قمة تونس المؤجلة !! ... 974(20/408)
(20/409)
واشنطن .. وتعميم النموذج التركي ... 980(20/410)
(20/411)
الإصلاح الأمريكي يحقق هدف من؟ ... 984(20/412)
(20/413)
لماذا تفشل مشروعات الإصلاح ؟! ... 989(20/414)
(20/415)
مفتي فلسطين: بلادنا ليست مزرعة لبوش ... 992(20/416)
(20/417)
الشرق الأوسط..الكبير..الجديد!! ... 997(20/418)
(20/419)
قمة تونس وتجاوز المأزق العربي! ... 1004(20/420)
(20/421)
قمة الثمانية.. والشرق الأوسط الكبير ... 1010(20/422)
(20/423)
القمة ومحرقة المقاومة ... 1016(20/424)
(20/425)
من يملأ الفراغ الاستراتيجي العربي؟ ... 1018(20/426)
(20/427)
فرض الإصلاح ..مستحيل ... 1022(20/428)
(20/429)
البطحي: تقرير(راند) يستهدف السعودية ... 1024(20/430)
(20/431)
الشرق الأوسط بين "الجديد" و "الكبير" ... 1031(20/432)
(20/433)
الإصلاح على أسِنّةِ الرّماح ... 1034(20/434)
(20/435)
المرأةُ بينَ التّحريرِ من الحِجابِ والتَّحرُّرِ من الشّرفِ ... 1038(20/436)
(20/437)
ميل لـ CIA: نحن نساهم في إشعال الحرب الأهلية بالعراق(1) ... 1045(20/438)
(20/439)
الصّراع في دارفور ومخاطر التّقسيم ... 1050(20/440)
(20/441)
"كوندي" تبشر بشرق أوسط جديد! ... 1054(20/442)
(20/443)
لماذا يشتري الإسرائيليّون الأراضي التركيّة؟ ... 1056(20/444)
(20/445)
الاقتصاد والإرهاب ودلال اليهود لدى (كيري) و(بوش) ... 1060(20/446)
(20/447)
تقرير "البيان" الاستراتيجي الثاني ... 1064(20/448)
(20/449)
المبادرة الخامسة : حتمية إنشاء مؤسسات المجتمع المدني ... 1070(20/450)
(20/451)
رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية: لا نسعى لعتبات الحكام ... 1076(20/452)
(20/453)
فرنسا والمغرب العربي..العودة للدور القديم ... 1084(20/454)
(20/455)
منتدى المستقبل واجهة الشرق الأوسط الجديدة ... 1087(20/456)
(20/457)
وهم الدّراسات المستقبليّة! ... 1089(20/458)
(20/459)
الليبراليون الجدد.. في حِقبة ما ( تحت ) الحداثة! ... 1096(20/460)
(20/461)
تراجعات عربيّة والإصلاح هو وسيلة الابتزاز ... 1104(20/462)
(20/463)
بوشارون: المخلوط السياسي الذي يحاصر المنطقة العربية ... 1107(20/464)
(20/465)
إدارة المعلومة في الحرب على الإرهاب ... 1111(20/466)
(20/467)
عون وجنبلاط .. وسرقة الأضواء ! ... 1112(20/468)
(20/469)
هل تراجع الأمريكيون عن مشروع الشرق الأوسط الكبير؟؟ ... 1115(20/470)
(20/471)
هل تنتهي طموحات "الأخ القائد" في أحضان شارون ؟؟ ... 1117(20/472)
(20/473)
تقرير " ميليس" بين الحياد والتسييس ! ... 1122(20/474)
(20/475)
"رايس" وتسويق الخداع بالشرق الأوسط ! ... 1125(20/476)
(20/477)
البوليساريو...ولعبة المصالح الدولية ! ... 1128(20/478)
(20/479)
أمريكا وبلدان المغرب العربي: تعاون أم استقطاب؟ ... 1135(20/480)
(20/481)
اتحاد المغرب العربي .. والمسيرة المتعثرة ... 1139(20/482)
(20/483)
حرب لبنان تفضح العجز الأوروبي ... 1144(20/484)
(20/485)
الحوار بين الحضارات ... 1149(20/486)
(20/487)
"العدالة والتنمية" والطريق إلى السلطة ... 1157(20/488)
(20/489)
لماذا الإصرار على الطائفية يا أهل لبنان؟ ... 1162(20/490)
(20/491)
من يدقّ طبول الحرب في واشنطن؟ ... 1165(20/492)
(20/493)
لملاحقة النفوذ الأمريكي والصيني ... 1171(20/494)
(20/495)
الطابور الخامس! ... 1175(20/496)
(20/497)
كسر شوكة الإسلام هدفهم .. ... 1178(20/498)
(20/499)
هلا ّ انتهزنا الفرص السانحة! ... 1182(20/500)
(21/1)
لهذا يحاربون الإسلام .. ... 1185
ويسعون للقضاء على المسلمين (1 من 2) ... 1185(21/2)
(21/3)
القضية الفلسطينية: الواقع والآفاق ... 1191(21/4)
(21/5)
محو الحضارة العراقية من التاريخ ... 1193(21/6)
(21/7)
تزايد حركة التنصير وإرسال بعض الكوادر لتلقي دورات تدريبية في واشنطن ... 1198(21/8)
(21/9)
ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير ... 1203(21/10)
(21/11)
سعد الدين العثماني: ... 1207
الحل في تحديث "الحركات" وإصلاح الذات ... 1207(21/12)
(21/13)
عبد الصمد فتحي: "لا نهوض لأمتنا إلا بالتكتل" ... 1213(21/14)
(21/15)
الإصلاح العربي.. بالثورة على الفساد ... 1219(21/16)
(21/17)
الشرق الأوسط: من الاستعمار التقليدي إلى التعريف الأمريكي ... 1223(21/18)
(21/19)
مصر وتركيا و"الشرق الأوسط الكبير" ... 1229(21/20)
(21/21)
مصر وتركيا و"الشرق الأوسط الكبير" ... 1239(21/22)
(21/23)
أمريكا تبحث عن شريك إسلامي "مودرن" ... 1250(21/24)
(21/25)
هل تفرض واشنطن إصلاحاتها على النظم العربية؟! ... 1257(21/26)
(21/27)
ديمقراطية بلا إسلاميين وإصلاح بلا ديمقراطيين ... 1266(21/28)
(21/29)
حمزة منصور: الحركة الشعبية مقابل الشرق أوسطية ... 1269(21/30)
(21/31)
نص مبادرة الإخوان للإصلاح في مصر ... 1274(21/32)
(21/33)
نص المبادرة الفرنسية الألمانية للإصلاح في الشرق الأوسط ... 1291(21/34)
(21/35)
أمريكا مغاربيا: الأمن أولا.. الديمقراطية ثانيا ... 1299(21/36)
(21/37)
هاني فحص: الإصلاح يبدأ بتجديد الذات ... 1303(21/38)
(21/39)
أمريكا للأحزاب المصرية: لن نفرض الإصلاح ... 1305(21/40)
(21/41)
وجاء دور التنفيذ: مشروع الشرق الأوسط الكبير* ... 1307(21/42)
(21/43)
مشروع أميركا للديموقراطية في الشرق الأوسط "الكبير" - نعم لكن مع من؟* ... 1312(21/44)
(21/45)
من سايكس بيكو إلى الشرق الأوسط الكبير* ... 1315(21/46)
(21/47)
الشرق الأوسط الكبير ... 1318(21/48)
(21/49)
مشروع الشرق الأوسط الكبير.. مشروب قديم في آنية جديدة ... 1331(21/50)
(21/51)
إستراتيجية الشراكة: "معا نقمع الإرهاب" (**) ... 1335(21/52)
(21/53)
ماذا وراء "وصفة بوش" الديمقراطية للعرب؟! ... 1342(21/54)
(21/55)
خطاب بوش في احتفالية مؤسسة الصندوق القومي للديمقراطية* ... 1348(21/56)
(21/57)
المسلمون في مدرسة الديمقراطية الأمريكية.. بالإكراه! ... 1360(21/58)
(21/59)
نص خطاب هاس الكامل ... 1370(21/60)
(21/61)
أمريكا والعالم الإسلامي: علاقة متأزمة تنتظر الحسم! ... 1388(21/62)
(21/63)
الصحافة الأمريكية: المسلمون لا يعادوننا ولكنهم محبطون! ... 1403(21/64)
(21/65)
الإعلان الإمبراطوري الأمريكي** ... 1406(21/66)
(21/67)
رؤية أمريكية.. لماذا يكرهوننا؟! ... 1420(21/68)
(21/69)
هذا ما جنته أيدينا ... 1422(21/70)
(21/71)
لماذا فاز الإسلاميون في الانتخابات؟ ... 1426(21/72)
(21/73)
الشرق أوسطية.. مسمار بوش في المنطقة العربية! ... 1433(21/74)
(21/75)
الإمبراطورية الأمريكية.. ثلاثية الثروة والدين والقوة ... 1437(21/76)
(21/77)
الإعلان الإمبراطوري الأمريكي** ... 1456(21/78)
(21/79)
الولايات المتحدة بين نموذج القوة وقوة النموذج ... 1470(21/80)
(21/81)
الإستراتيجية الأمريكية.. منع الحرب قبل اندلاعها!!* ... 1477(21/82)
(21/83)
شرطي العالم المتجول في عصر العولمة ... 1490(21/84)
(21/85)
من وثائق الكونجرس.. خطة احتلال منابع النفط ... 1496(21/86)
(21/87)
التعاون العسكري الخليجي.. أمريكي المضمون ... 1505(21/88)
(21/89)
الانتخابات الأمريكية: ... 1513(21/90)
(21/91)
الصواريخ الأمريكية تعجّل الطلاق الأطلسي ... 1523(21/92)
(21/93)
التحالف الدولي.. ضد مَن ولماذا؟ ... 1529(21/94)
(21/95)
مؤتمر الدوحة.. خطوة أولى لحوار إسلامي أمريكي ... 1540(21/96)
(21/97)
الإستراتيجية الأمريكية.. نزوع إمبراطوري ينذر بفوضى دولية ... 1547(21/98)
(21/99)
11 سبتمبر والتحولات في السياسة الخارجية الأمريكية ... 1552(21/100)
(21/101)
بأيدينا الأصيلة.. لا بأيديهم المشبوهة ... 1556(21/102)
(21/103)
طارق البشري يجيب على أسئلة الزمن الصعب ... 1564(21/104)
(21/105)
التعددية الحزبية .. رؤية فقهية…العنوان ... 1582(21/106)
(21/107)
إن كذب الغرب .. فلا تكذب أنت…العنوان ... 1591(21/108)
(21/109)
الإسلام ليس نسخة من الديمقراطية ... 1599(21/110)
(21/111)
المسلمون والديمقراطية الأمريكية: مع أم ضد؟ ... 1606(21/112)
(21/113)
تحرير المرأة في عصر "الشرق الأوسط الكبير" ... 1611(21/114)
(21/115)
مشروع الشرق الأوسط الكبير ... 1621
الديمقراطية بدعة العصر ... 1621(21/116)
(21/117)
حقوق الأقليات بين الإسلام والغرب ... 1622(21/118)
(21/119)
الغرب هو مبدع التسلط وصانع الديكتاتوريات ... 1628(21/120)
(21/121)
بعض ملامح الديمقراطية الغربية في بلاد المسلمين ... 1631(21/122)
(21/123)
بعض تطبيقات الديمقراطية الغربية في العراق ... 1635(21/124)
(21/125)
الغرب والديمقراطية الإسرائيلية ... 1641(21/126)
(21/127)
وأمريكا تدعم إسرائيل دعماً ماليا سخياً.. ... 1644(21/128)
(21/129)
بعض ملامح الديمقراطية الإسرائيلية ... 1645(21/130)
(21/131)
حقوق الطفل بين حضارتهم وحضارتنا ... 1653(21/132)
(21/133)
الأمة الإسلامية من جديد ... 1663
المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية : ... 1666
المحور الثاني : التعريف بالأمة الإسلامية . ... 1683
المحور الثالث : مقومات الأمة الإسلامية . ... 1685
المحور الرابع : سمات الأمة الإسلامية . وفيه : ... 1697
المحور الخامس : واجبنا تجاه الأمة الإسلامية . وفيه : ... 1705(21/134)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (6) التنصير
الباب السادس
التنصير
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السادس
التنصير(22/1)
(22/2)
كيف نواجه هجمة التنصير ؟!!
محمد خميس امذيب
هناك حرب يتزامن شنها على الدول الإسلامية مع الحرب الدولية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية على ما تسميه بالإرهاب هي حرب التبشير والتنصير التي تتخذ من دول العالم الإسلامي هدفاً رئيساً لها!!
حيث تقوم حملات التنصير على أسس ومحددات واضحة تمكنها من اختراق دول العالم الإسلامي وتحقيق أهدافها وهي الأسس والمحددات التي بنيت على ضوء الواقع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه هذه الدول وما قامت به المؤسسات والجمعيات التنصيرية من مسوحات ميدانية من خلال تغلغلها غير المباشر تحت مسميات الجمعيات الخيرية وتمكنت من تحديد وتشخيص المتطلبات والحاجات التي تفتقر إليها بعض فئات المجتمع في العالم الإسلامي التي افرزها التردي الاقتصادي والمعيشي نتيجة انعدام منهج التخطيط السليم والتوزيع غير العادل للموارد مما أدى إلى تزايد نسبة البطالة والعاطلين عن العمل مع انتشار الفقر واتساع قاعدته.
لقد نقل عن السيد داريل اندرسون أحد أعضاء الكنيسة الإنجيلية الحرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو أيضا من خبراء العملية التنصيرية قوله « نحن نتحرى المجالات التي تفتقدها الحكومات المسلمة حتى نبعث إليهم مختصين من عندنا وبعد ذلك نتحدث عن عقيدتنا بحرية في حدود القدر الذي تسمح به إيديولوجية الحكومة التي تستضيفنا »، وقول السيد داريل اندرسون هذا يتطابق مع ما ذكرته مجلة تايم الأمريكية في تقرير نشرته في عددها الصادر يوم 72فبراير 2004م من: (أن خبراء العملية التنصيرية يحرصون على إيفاد منصرين إلى البلاد الإسلامية المختلفة من المختصين في مجالات تحتاجها تلك البلاد وبفضل ذلك فقد استطاع نشاط المؤسسات والجمعيات التنصيرية ان يجد له موطئ قدم في بعض دول العالم الإسلامي مثل الجزائر وبدأ يؤتي ثماره فيها حيث ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في تقرير عن اختراق بعثات التنصير منطقة القبائل في الجزائر نشرته في عددها الصادر يوم 15/6/2004م: إن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية تجري تحقيقاً واسعاً حول الموضوع وتخص الظاهرة ولايتي تيزي وزو وبجاية) وقالت (يبدو أن الظاهرة أكثر وضوحاً في (تيزي ورو) باعتبار أن فيها كنيستين وعشرات البيوت التي حوّلها أصحابها إلى كنائس) في حين كانت صحف جزائرية قد أفادت أن الكنائس تنتشر بشكل مخيف في منطقة القبائل وان عددها وصل إلى خمس وخمسين كنيسة في ولاية تيزي وزو وحدها)
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن ا لعراق قد أصبح هو الآخر هدفاً لحملات التنصير وهذا ما كشف عنه التقرير الذي نشرته مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر يوم 72/ فبراير4002م والذي أشار بالقول: « استعدادات المنصرين الإنجيليين والكاثوليك لاجتياح العراق بعد ما انفتحت ابوابه لهم على مصاريعها في ظل الاحتلال وهو ما حدث من قبل في أفغانستان حيث هيأ الاحتلال الأمريكي فرصة مواتيه لأولئك المنصرين وقالت: (انه بينما كانت القوات الأمريكية تحتشد وتستعد لغزو العراق كانت المنظمات التنصيرية تعد برامج موازية لإعداد المبشرين عن طريق تعريفهم بجغرافية العراق والعالم العربي وبظروفه الاجتماعية ثم تعريفهم بالإسلام وتلقيهم عبر مائة وخمسين محاضرة كيفية التعامل مع المسلمين والنفاذ إلى قلوبهم وعقولهم »، ويتوافق ذلك مع ما ذكر ه الاستاذ فهمي هويدي في مقاله الذي نشر في العدد الصادر يوم 01/7/4002م من مجلة المجلة الذي أشار فيه إلى انه تلقى رسالة من مسلمة تعيش في الولايات المتحدة الامريكية تضمنت عدة منشورات ونداءات وجدتها في صندوق بريدها وأن هذه الرسالة كانت عبارة عن ثلاثة أجزاء خطاب موقع باسم فيرنون بريوير يرأس منظمة مسيحية تدعى (عون العالم) والورقة الأولى من الخطاب تحمل اسم مكتب مشروع العراق وفي زاوية من رأس الخطاب رسمت خريطة العراق وفي قلبها صليب كبير والجزء الثاني بيان بالمقترحات لإيصال الإنجيل إلى مليون عراقي مع الميزانية المطلوبة لتغطية تكاليف كل مقترح. الجزء الثالث ورقة من الإنجيل مكتوبة باللغة العربية. وقال الاستاذ فهمي هويدي. إن خطاب بريوير أشار إلى أن جيش الإنجيليين العامل في العراق يوزع على الناس إلى جانب الإنجيل كتباً أخرى وذكر أن الخطاب قد أشار إلى الميزانية التي قدرت لتغطية كلفة التنصير والتبشير أنها بلغت مليونين وثلاثمائة وواحد وخمسين ألف دولار منها (57) ألف دولار لتدريب العراقيين المتحولين إلى المسيحية على كيفية التبشير بين أقاربهم و(56) ألف دولار لمساعدتهم على إقامة الكنائس في المحيط الذي يقيمون فيه.(22/3)
إن المؤسسات والجمعيات التنصيرية تهيئ لنشاطها التبشيري الذي يستهدف العالم الإسلامي بحملات سياسية وإعلاميه واسعة النطاق لتشوه ديننا الإسلامي الحنيف وتشكك في القرآن الكريم مستعينة في ذلك بجهات مختلفة حيث يأتي في سياق هذه الحملة الورقة السياسية الاستراتيجية التي نشرتها مؤسسة راند المعروفة بصلاتها مع وزارة الدفاع الأمريكية تحت عنوان (كيف نواجه ما يسمى بالأصولية الإسلامية) والتي قامت بإعدادها السيدة سيرل بينارد زوجة زلمامي خليل زاد المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي جورج بوش « الابن » في أفغانستان والعراق حيث أشارت هذه الورقة في الصفحة الخامسة إلى القرآن الكريم بالقول: « انه قرآن تاريخي ولا يصلح لتبنيه في هذا العصر » وقالت في الصفحة(18) أن القرآن كتاب غامض وفيه تعاليم غامضة وغير واضحة) وتطالب في نفس الصفحة الإدارة الأمريكية القيام بالضغط على المملكة العربية السعودية لتسمح للمسيحيين واليهود ببناء كنائس ومعابد.
وتقول هذه الورقة في الصفحة (72): (بأن المجتمع الديمقراطي المدني لا يمكن أن يقبل باحكام الشريعة الإسلامية) وهنا مربط الفرس!!
وفي إطار حملة التشويه والإساءة للقرآن الكريم وشخص الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وسلم ) اورد هنا ما قاله جيري فالويل مراسل قناة cNNالأمريكية عندما وقف بعد اكتوبر2001م في مركز لتحفيظ القران الكريم في بيشاور: (هنا ورشة الارهاب) وامسك بمصحف وقال: (هذا هو انجيل الإرهاب أما بات روبرتسون يعمل هو الآخر في قناة CNNفقد ظهر على هذه القناه ويقول: (الآن اكتشفنا أن محمداً زعيم من زعامات الإرهاب في التاريخ) فما يمكن قوله هنا: (إن حملة الإساءة لديننا الحنيف والتشكيك فيه، المترافقة مع تلك الهجمة الثقافية والفكرية لنشر قيم ومعتقدات المجتمع الغربي التي تسير جنباً إلى جنب مع هجمة التبشير والتنصير التي تزايدت بفعل الظروف التي هيأتها وأوجدتها الحرب الدولية على الإرهاب وأفسحت لها المجال واسعاً في حرب المواجهة مع الإسلام، ولذا فإنه لا سبيل أمامنا لمواجهة هذه الهجمات إلاّ بالتصدي لها عبر تنظيم حملات التوعية لدحض وكشف وتعرية تلك الادعاءات ولافتراءات إضافة إلى إبراز هشاشة وزيف مباهج قيم ومعتقدات ثقافة المجتمع الغربي وابراز تأثير خطرها على معتقدنا وعلى مجتمعاتنا نظراً للآثار التدميرية التي تحملها والعمل على تحصين مجتمعاتنا تحصيناً دينياً بعيداً عن ا لتشدد والتعصب في مواجهة تلك ا لهجمات.
http://www.26sep.net المصدر:
==================(22/4)
(22/5)
أمريكا : لن نمنع التبشير في العراق
ذكرت مجلة نيوزويك الأمريكية أن البيت الأبيض أعلن الأسبوع الماضي أنه لن يمنع ما أسماه "الجمعيات الخيرية المسيحية" من ممارسة مهامها التنصيرية داخل العراق. ويدين 98% من العراقيين البالغ عددهم 24 مليون نسمة بالإسلام، فيما يدين 2% فقط بالمسيحية واليهودية.
وقالت المجلة في عددها على الإنترنت الذي نشر الخميس 1-5-2003: إن جمعية الكتاب المقدس الدولي أرسلت إلى العراق 10 آلاف نسخة من كتيبات باللغة العربية، وتحمل عنوان "المسيح جاء بالسلام".
وأضافت أن الجمعية تعتزم إنتاج ما يقرب من 40 ألف نسخة أخرى في شهر مايو الجاري، غير أنه لم يتم الإعداد بعد لنسخ هذه الكتيبات باللغة الإنجليزية.
ولم تنشر جمعية الكتاب المقدس الدولي أسماء ما تسميهم بـ"الجماعات الخيرية" التي ستقوم بتوزيع تلك الكتيبات في العراق.
ويقول روبرت فيزرلين المتحدث باسم التحالف المسيحي المبشر - إحدى الجمعيات المسيحية التي ستقدم على الخطوة نفسها - للمجلة: "سنكون حذرين إزاء هذه المسألة".
وأضاف موضحًا "سيتم الإشارة إلى المبشرين على أنهم عاملون تابعون لكنيسة مسيحية"، مشيرًا إلى أن كلمة التبشير أصبحت كلمة سيئة.
وأطعمة أيضًا
أما مارك كيللي المتحدث باسم مجلس التبشير الدولي، فأكد أنه سيتم إرسال أيضًا نسخ من الكتاب المقدس إلى العراق، مشيرًا إلى أن المجلس يقوم بإرسال الأطعمة في صناديق مكتوب عليها كلمات من الكتاب المقدس.
كانت منظمتان تنصيريتان أمريكيتان هما المؤتمر المعمداني الجنوبي أكبر التجمعات البروتستانتية في الولايات المتحدة، وفرانكلين جراهام ساماريتانس بيرس قد أعلنتا أواخر شهر مارس 2003 أنهما تعدان فرق عمل لدخول العراق ونشر الديانة المسيحية بين مواطنيه بعد انتهاء الحرب.
وحدة الاستماع والمتابعة - إسلام أون لاين. نت/ 1-5-2003
http://www.islamonline.net المصدر:
=================(22/6)
(22/7)
الغزو التنصيري لأرض العراق .. لقاء مع منصر أمريكي
لقد منح الجيش الأمريكي الحرية الدينية للعراقيين وجاء دور الكنيسة الأمريكية لمساعدتهم على ممارسة هذه الحرية'
كانت هذه كلمات القسيس الإنجيلي الأمريكي جون هول رئيس منظمة 'إكويب' التنصيرية العالمية ومقرها أطلانطا في لقائه الهاتفي مع شبكة 'كروس ووك' عقب عودته من أرض العراق لتدريب زعماء الكنائس والقساوسة على المهام التنصيرية هناك.
وهذا نص المقابلة الهاتفية:
+ كروس ووك: نود أن تخبرنا عن المناخ العام الذي يعيش فيه المسيحيون العراقيون الآن؟
- القسيس: حتى ندرك الوضع لا بد أن نعلم أن العراق في عهد صدام حسين كانت به عدد محدود من الكنائس، تجد كنيسة في بغداد وأخرى في البصرة وثالثة في الموصل، فالكنائس قليلة العدد ومحدودة جدا.
وفي الحقيقة هذه الكنائس كانت مجرد رموز فهو استعملها لأسباب سياسية حتى يظهر أنه يسمح بوجود الكنائس، وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت طائفة من رجال ونساء متمسكة بإيمانها بيسوع، وتعمل في الخفاء، كانوا يخططون للانتقال لعمل عسكري يوما ما، أو نشاط تبشيري لمنحهم حرية ممارسة دينهم.
وقد استطاعت هذه الشبكة الصغيرة جدا من المسيحيين أن تقيم كنائس تحت الأرض.
لكننا اليوم نتحدث عن واقع مختلف تماما، فعدد الكنائس الإنجيلية في بغداد وحدها بلغ 9 كنائس حتى الآن، وقبل عام واحد كان هناك 3 كنائس تعمل في الخفاء، حيث يلتقي المؤمنون في أماكن مختلفة، وأيام مختلفة من الأسبوع، وساعات مختلفة من اليوم.
وبعد التحرير أصبحوا قادرين على اللقاء في العلن وبشكل منتظم وبدعم غربي بنيت أماكن ثابتة لهم ومازالوا بحاجة إلى التطوير والدعم.
+ كروس ووك: ما هي التحديات التي تواجه المسيحيين في الأمم الإسلامية؟
-القسيس: إن المسيحيين في العراق مثل المسيحيين في كافة الدول الإسلامية عرضة دائما لاضطهاد محتمل، بالنبذ والإهمال وربما بالأذى الجسدي.
لكن الوضع في العراق الآن سيكون له نموذجا جديدا، فالوجود الأمريكي هناك يعمل على إقامة دولة ديموقراطية لتكون نموذجا يحتذى في العالم العربي والإسلامي، فالدستور الجديد سيتضمن بنودا تنص على الحريات الدينية وحرية العبادة بشكل علني ومفتوح.
وفي المنطقة الكردية تجد أشياء رائعة حقا، فقد التقينا برئيس وزراء الأكراد وأخبرنا أنه سيسر جدا بأي وجود مسيحي في المنطقة، وهناك إذن مطلق بإقامة الكنائس هناك، فأنت ترى هناك المسيحيين الذين عاشوا لسنوات في خوف وتخفي يعيشون بحرية وتفتح على العالم.
+ كروس ووك: ماذا فعلتم في الزيارة لخدمة المسيحيين هناك ودعم النشاط التبشيري؟
- القسيس: إنهم يحتاجون إلى مساعدات وعناية فهم يواجهون واقعا جديدا، فالكنيسة التي كان أتباعها المخلصون ثلاثين أو أربعين، انضم إليها اليوم ثلاثمائة وأربعمائة، فهم يحتاجون لعدد أكبر من القساوسة وأدوات علمية وتمويل وقيادات نشيطة.
- في الفترة التي قضيناها في العراق أقمنا ندوة تدريبية نهارية في أربيل لـ140 مؤمن واستمرت 5 أيام شجعناهم وعلمناهم مباديء أساسية في التعامل مع بعضهم البعض ومع المسلمين، وأوضحنا لهم التحديات التي قد يواجهونها وأجبنا على أسئلتهم، كما قمنا بتوزيع محاضرات وإرشادات عليهم.
+ كروس ووك: ما ذا فعلت منظمتكم للعراق والشرق الأوسط؟
- القسيس: إن منظمتنا تعمل على تدريب كوادر وقيادات للنشاط التبشيري حول العالم، وفي عام 1999 أقمنا علاقات مع كنيسة 'قصر الدوبارة' الإنجيلية بالعاصمة المصرية القاهرة وكانت هذه الكنيسة ترسل المبشرين في هدوء وخفاء إلى العراق وإلى اللاجئين العراقيين في الأردن بعد حرب الخليج الأولى، وقد استطاع المبشرون أن يقتادوا عددا منهم إلى السيد المسيح، وقاموا بتقديم المساعدات الإنسانية.
وبعد تحرير العراق أرسلت كنيسة قصر الدوبارة عددا من المبشرين والمؤمنين إلى شمال العراق وقاموا بتعليم 90 مؤمنا عراقيا وتدريبهم وتشجيعهم.
وسوف نعقد مؤتمرا في شهر سبتمبر القادم بناءا على دعوة من الزعماء المسيحيين العراقيين'.
ومن الجدير بالذكر أن البروتستانت كانوا من أولى الطوائف النصرانية التي زحفت إلى العراق فقد زار وفد كنسي من كنيسة 'المؤمنون بعودة المسيح' بغداد في شهر أكتوبر الماضي وقاموا بافتتاح مدرسة كنسية في بغداد.
وتؤكد الإحصائيات أن نحو 100 منظمة تنصيرية قد تدفقت إلى أرض العراق خلال عام 2003.
ولا يقتصر النشاط التنصيري على الإنجيليين بل إن الأرثوذكس يتركزون في الموصل وما حولها من شمال العراق، وذلك بمساعدة 'هيئة الأساقفة الأمريكيين الأرثوذكسيين' و'مجلس الشرق الأوسط الكنائس'، مع وزارة الخارجية اليونانية.
وتقوم الكنائس العراقية بتزويد المنظمات التنصيرية بقوائم الأسر الفقيرة، فينطلق المنصِّرون إليها حاملين الطعام والدواء والمواد التموينية، فيتلقفها الأهالي البؤساء مضطرين، وفي تلك الأثناء يعرض عليهم الدين النصراني.
نقلاً عن (مفكرة الإسلام)
http://tansee صلى الله عليه وسلم jee r an.com المصدر:
=====================(22/8)
(22/9)
الجزائر تواجه محاولات تنصير البربر بترجمة القرآن إلى الأمازي
كشفت وزارة الشؤون الدينية الجزائرية أمس الثلاثاء أنها انتهت من ترجمة القرآن إلي اللغة الأمازيغية التي يتحدث بها السكان البربر المنتشرون خاصة بمنطقة القبائل شرقي البلاد وأنها ستبدأ في طبع نسخ منه وتوزيعها عليهم.
وقال محمد أيدير مشنان مدير التعليم القرآني في الوزارة: إن هذه الخطوة تعتبر عملا حضاريا ووطنيا وله أهميته الدينية والاجتماعية مشيرا إلي أن الترجمة تتم حاليا بالأحرف اللاتينية وحروف تيفيناغ التي يكتب بها البربر.
وأكد أن المشروع الثاني يخص ترجمة القرآن إلي الأمازيغية ولكن بالخط العربي.
وكان تنامي ظاهرة التنصير في منطقة القبائل ذات الأغلبية البربرية أثار جدلا سياسيا واجتماعيا وصل إلى البرلمان، كما تم تناول الظاهرة في ملتقيات وندوات بالجزائر، قدمت فيها أرقاما مذهلة لعدد المتنصرين خاصة في أوساط الشباب.
وحذر العديد من العاملين في المجتمع المدني والجمعيات الأهلية من نشاط مشبوه ومركز تقوم به الكنيسة الأنغليكانية باتجاه الشباب في منطقة القبائل، حيث تقدم اغراءات وتستعمل وسائل ضخمة مادية وإعلامية في وسط يعيش اضطرابا متواصلا.
ويربط متتبعون اعتناق بعض الجزائريين للمسيحية إلي تداعيات ظاهرة الإرهاب التي راح ضحيتها الآلاف من الناس وربطها بالاسلام، وتزامن ذلك مع استغلال البعثات التبشيرية للمشاكل الظرفية التي يعيشها المجتمع الجزائري من خلال استعمالها لوسائل اغرائية مقابل التنصر.
وتذكر تقارير جزائرية أن أشخاصا أجانب (مسيحيين) يأتون للجزائر بتأشيرات سياحية، ويتعرفون علي جزائريين بواسطة الانترنت، ويقومون باغرائهم لتحويل منازلهم إلى أماكن للعبادة (كنائس سرية) وحدث ذلك مثلا في مدينة برج منايل (70 كم) شرق العاصمة الجزائرية.
وفي هذا الصدد لا تتردد أوساط جزائرية في اتهام الكنيسة الأنغليكانية التي تلقي الدعم من جمعيات أمريكية وبريطانية، بالوقوف وراء حملات التبشير علي الرغم من أنها لا تحصي في الجزائر إلا 9 أشخاص وهم طلبة جاؤوا من دول افريقية لطلب العلم والدراسة بالمعاهد والجامعات الجزائرية.
وكان البرلمان الجزائري سن في اذار/مارس الماضي قانونا خاصا لمواجهة ظاهرة التنصير، أطلق عليه اسم قانون ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، والذي قرر منع استعمال وسائل الإغراء وجمع التبرعات والهبات بغرض استمالة الأشخاص لاعتناق ديانة أخري والتشكيك في عقيدة الجزائريين الإسلامية.
ويأتي هذا القانون لسد فراغ قانوني في هذا المجال سمح بتزايد نشاط الجمعيات التبشيرية في الجزائر في السنوات الأخيرة، خاصة في منطقة القبائل التي عرفت اضطرابات مناوئة للحكومة.
ومنح القانون السلطات الآليات اللازمة لتأطير ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وأقر عقوبات صارمة ضد المخالفين تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات سجن بالإضافة إلي غرامات مالية من مستعملي دور العبادة لغير المسلمين للتحريض علي العصيان والتبشير بدين آخر باستعمال وسائل الإغراء المادية لحمل المسلم علي تغيير دينه.
ويمنح القانون القضاء حق طرد الأجانب المخالفين لهذا التشريع من الجزائر بصفة نهائية أو لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
ويؤكد القانون علي أن ممارسة الشعائر الدينية لا بد أن يتم في إطار جمعيات ذات طابع ديني معتمدة وفق القانون المعمول به للجمعيات، ووضع اجراءات قانونية تحد من النشاط الفوضوي للأشخاص الأجانب والجمعيات الدينية، في تعاملها مع الجزائريين باستعمال وسائل غير مشروعة والدعاية المغرضة واستغلال الظروف الاجتماعية أو غيرها لتحويل الجزائريين عن دينهم.
http://p214.ezboa r d.com المصدر:
================(22/10)
(22/11)
التنصير والمنصرون إحصائيات عالمية
*بلغت قيمة التبرعات للأغراض الكنسية 70 مليون دولار في عام 1970م.
*وفي عام 2001م بلغت 280 بليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تبلغ في عام2025م مبلغ 950 بليون دولار.
*الجرائم في الكنيسة بلغت عام 1970م خمسة ملايين جريمة، وفي عام 2001م وصلت إلى 17 مليون جريمة، ومن المتوقع أن تصل في عام 2025م إلى 65 مليون جريمة.
*بلغ عدد المنظمات التي ترسل مبشرين 2200 منظمة عام 1970م، وفي عام 2001م بلغ العدد 4100 منظمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 6000 منظمة عام 2025م.
*كان هناك 1230 محطة إذاعة وتلفزيون تنصيرية في عام 1970م وفي عام 2001م بلغت 4450 محطة، والمتوقع أن تصل إلى 5400 محطة عام 2025م.
* المستمعون للمحطات التنصيرية بلغوا عام 1970م مئة وخمسون مليون مستمع، وفي عام 2001م بلغوا 619 مليون، ومن المتوقع أن يصلوا إلى 1300 مليون مستمع عام 2025م.
* عدد ساعات البث التنصيرية بلغ عام 1970م، 25 بليون ساعة، وفي عام 2001م بلغ 172 بليون ساعة، والمتوقع عام 2025م أن تصل ساعات البث إلى 425 بليون ساعة.
* بلغ عدد مخططات التنصير عام 1970م 510 خطط، وفي عام 2001م بلغ 1540 خطة، ويقدر أن يصل العدد عام 2025م إلى 3000 خطة.
* عدد المنصرين الأجانب بلغ عام 1970 حوالي 240 ألف منصر، وفي عام 2001م 425 ألف منصر، ومن المتوقع أن يبلغ العدد عام 2025م حوالي 550 ألف منصر.
* تعداد النصارى من جميع الطوائف بلغ عام 1970م 1236374000 نصراني، وفي العام 2001م بلغ 2024929000 نصراني، والمتوقع أن يبلغ عام 2025م حوالي 261667000 نصراني.
* تعداد المسلمين بلغ عام 1970م حوالي 553528000 مسلم، وفي عام 2001م حوالي 1213370000 مسلم، ويقدر أن يبلغ العدد عام 2025م حوالي 17848760000 مسلم.
* عدد اليهود بلغ عام 1970م حوالي 14767000 يهودي، وفي عام 2001م بلغ 14552000 يهودي. ويقدر أن يصل عام 2025م إلى 16053000 يهودي.
ــــــــــــــــــ
مجلة النبأ - العدد 60- جمادى الأولى 1422 هـ
http://www.islammemo.cc المصدر:
===============(22/12)
(22/13)
التنصير والاستشراق
أودّ أن ألمس بعض النواحي لهذه القضية التي تتكرر في أذهان كثير من الناس عندما يجرى الحديث حول الاستشراق في التأريخ وفي الحاضر.
نشأت الدراسات الأولى حول الإسلام واللغة العربية في القرن 12 م إذ تم ترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية عام 1143 م على يد الراهب Pet r us Vene r albilis. أما الراهب الآخر الذي طلب بإلقاء محاضرات في الجامعات حول اللغة العربية والإسلام فهو نشأ على جزيرة مالورقة: صلى الله عليه وسلم aymundus Lullus: طالب بشدة الحوار مع العرب وسافر لهذه الأغراض إلى شمال أفريقية لكي يقنع العرب من طريق الحوار بعدم صلاحية دينهم! نعم، تم تأسيس المعاهد للدراسات العربية والإسلامية في الجامعات المعروفة في القرون الوسطى وتحت سيطرة الكنيسة لهذه الأغراض: لاقناع الطرف المسلم بعدم صلاحية إيمانه ولتنصيره.
لم تخرج هذه الحركة الدينية في رحاب تلك المعاهد من إطار المناظرات والمجادلات الدينية والعقائدية ضد الإسلام بل بذلت أيضا جهدها لاقناع الأوروبيين بعداوة الإسلام على النصرانية (قل: الكنيسة الكاثولوكية وقتذاك).
أما الاستشراق الحديث، اعتبارا من القرن 18 م تقريبا والاستشراق المعاصر من منتصف القرن 19 م فلا علاقة لهما بما سبق ذكره لا تأريخيا ولا(روحيا ـ كما يقال). لم ينشأ الاستشراق ولم تؤسس المعاهد للدراسات الإسلامية وللغة العربية من أجل تنصير، بل أسست تلك المعاهد، التي ما زالت موجودة إلى يومنا هذا، كما أسست غيرها لدراسة الحضارات واللغات للشعوب الشرقية...حتى إلى اليابان.
إذا، فهذا الاستشراق الحديث يبحث في تلك الحضارات والأديان كما تبحث المعاهد الأخرى في تأريخ أوروبا واللغات الأوروبية الأخرى وآدابها، بل كما تدرس العقائد النصرانية دراسة نقدية بعيدا عن القيود الدينية التي تفرضها الكنيسة على جامعاتها هي. تغيرت ظروف الأبحاث بعد الفصل بين الدين والدولة في جميع مجالات التعليم.
يفتخر الاستشراق الألماني، وبالحق كما أرى، بمستشرقين كبار من منتصف القرن 19 م تقريبا،
فلا يجد المرء بينهم مبشّرا واحدا أو خادما واحدا للدولة وضع أبحاثه وعلمه تحت تصرف الدولة لأغراض سياسية بحتة.
http://www.tafsi صلى الله عليه وسلم net المصدر:
================(22/14)
(22/15)
التنصير في موريتانيا حقائق وأرقام
الحافظ ولد الغابد
يعتبر التنصير من أخطر الجبهات التي يوظفها العدو اليوم لتحقيق أهدافه بكل أبعادها الإستراتيجية اقتصادية واجتماعية وسياسية وذلك عن طريق النفاذ من ثغرات الضعف في مجتمعنا والتي يوظفها هؤلاء بذكاء لإحداث تحول في القيم والعقائد كمقدمة لممارسة التنصير على هذه الشعوب التي أفقروها ونهبوا مقدراتها ودعموا كل عوامل الانحطاط في حياتها وسوف نحاول رغم شح المصادر في الموضوع أن نوضح جملة حقائق ونرصد جملة أرقام.
أولا: الحقائق
ثانيا: الأرقام
ثالثا: كيف نواجهه
أولا: الحقائق
قبل أن ندخل في التفاصيل لابد أن نشير هنا إلى مفهوم التنصير والتبشير إذ هما "علمان على الحركة الدينية والسياسية والاستعمارية التي بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الشعوب والأمم الأخرى والمسلمين على وجه الخصوص وليس بالضرورة قصد تنصيرهم وإنما كما يقول القس صومئيل زويمر في مؤتمر القدس التنصير 1935{لكن مهمة التبشير التي انتدبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية فإن هذه هداية لهم وتكريم وإنما" وانطلاقا من هذا فإننا نشير إلى الحقائق التالية:
أ- التدثر بالعباءة الإنسانية: إن هذه المنظمات تنشط متدثرة بلافتات وشعارات إنسانية مختلفة وتتدخل في مجالات حيوية كالصحة والتربية والبيئة والسكان والوسط الريفي والأمن الغذائي والاتصال - دعم وسائل الإعلام- ونقل المزارعين - والتدخل في حالات الطوارئ التدخل في حالة الكوارث إضافة إلى عشرات المجالات الأخرى وعشرات المنتظمات ذات الصبغة الإنسانية الحكومية مثل هيئة السلام الأمريكية أو المنظمات التي تعمل من خلال واجهات أخرى محلية مثل الهلال الأحمر الموريتاني والبرنامج الوطني لمكافحة السيدا وتستخدم هذه المنظمات وسائل كثيرة لاختراق المجتمع منها المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية وقادة الرأي والمنتخبون المحليون.
ولإحكام السيطرة ودفع الريبة عن نفسها في مجتمع إسلامي شديد التمسك بدينه -كمجتمعنا- لا تستنكف هذه المنظمات عن بناء المساجد أو تدريس القرآن من خلال دفع رواتب لمدرسيه إمعانا في تجسير العلاقة بالمجتمع تمهيدا لبلبلة القيم والثوابت كمقدمة أولى للاختراق ثم البذر - أي بذر قيم النصرانية في الناشئة- ثم مرحلة الكشف والإعلان كمرحلة مهمة للإنشاء طائفة مسيحية.
ب - الحماية بالتواطؤ الرسمي: لئن كانت أجنده التنصير بدأت بالنشاط منذو وقت مبكر غير أنها ازدهرت منذو وصول الرئيس الحالي للسلطة في انقلاب عسكري 12-12-84- إثر إعلان سلفه لتطبيق الشريعة 1982-والذي أثار آن ذاك حنق دوائر استعمارية وتنصيرية غربية حيث حركت أجندتها باتجاه البلاد على وقع الجفاف والكوارث واٍلآثار المدمرة لحرب الصحراء فأتاح ولد الطايع لها مجالا واسعا للعمل خصوصا وأنه ذو خلفية اشتراكية لا دينية وقد صرح سنة 1985لمجلة جونا افريك الفرنسية أنه إنما جاء لإيقاف دولة الشريعة ومن ذوا ذلك الحين وهذه المنظمات تذرع البلاد طولا وعرضا وتجد كل التسهيلات في الوقت الذي تشن فيه حرب واسعة على العمل الإغاثي الإسلامي كما حصل سنة 1994حيث أغلق أكثر من عشر منظمات إسلامية عاملة في المجال الخيري...وكما حصل سنة 2003-2004حيث أغلق أكثر من عشر جمعيات إسلامية من بينها كلية للشريعة ومعهدين إسلاميين بينما تقدم حماية من طرف السلطات لكافة الوسائل غير المشروعة التي تستخدمها هذه المنظمات التنصيرية الصليبية بغية كسر الوازع الديني مثل بيوت التهتك والدعارة التي ترعاها هذه المنظمات ولا يمكن حتى للصحف المستقلة أن تتطرق لكل هذه المظاهر وصودرت عدة صحف في السنوات الماضية بسبب تطرقها لهذه المجالات.(22/16)
ثانيا الأرقام: كما سبق وأن أشرنا فالمصادر شحيحة في هذا المجال لا تكاد تجد أية معطيات عن أهداف هذه المنظمات وحتى أنشطتها وخصوصا على مستوى البرامج التنصيرية أو المصادر المالية أو الميزانيات وذلك نظرا لحساسية الموضوع بالنسبة لها حيث لا تريد أن تثير الحمية الدينية في المجتمع ضد مشروعها الذي يعتمد على تخطيط مرحلي هادئ وطويل النفس غير أنه واعتمادا على المتوفر من المعلومات فإن هذه المنظمات ناشطة بحماس وتجد تجاوبا كبيرا من المجتمع بسبب عوامل الفقر والجهل والمرض فقد بلغت هذه المنظمات العاملة في هذا الميدان وذات الأهداف التنصيرية أكثر من مأة منظمة نصرانية غربية تجد لها امتدادا واسعا في الإطار الجمعوي الأهلي حيث أجرى مشروع جفآjva إحصاء للجمعيات الشبابية العاملة في المجال أوصلها 319هذا في المجال الشبابي أما الجمعيات غير الحكومية فهي برأي بعض المراقبين تتعدى الألف إضافة إلى مئات التعاونيات النسوية التي تجد فيها هذه المنظمات بغيتها حيث هي نافذتها على المجتمع وتنفذ من خلالها مشاريع اختراق مهمة لإستراتجيتها حيث تدعم منظمة كار تاس لوحدها فقط مأة100 تعاونية تعمل في قطاعات الزراعة والتحويلات الغذائية وكذا الأعمال الحرفية والتجارية كما تشرف ذات المنظمة على حوالي 60فصلا بتابع الدروس فيها 2000شخص لبرامج محو الأمية "محو الهوية" مدعومة ببرامج صحية يستفيد منها أكثر من 150000مأة وخمسون ألفا شخص عبر 36وحدة صحية " 1- وحسب بعض المراقبين فإن ميزانية كار تاس وحدها أكثر من ثلاثة مأة مليون أوقية إن هذه المنظمات تعمل بخطى حثيثة لتحقيق أهدافها في الوقت الذي لا تبذل جهود موازية كافية لسد الثغرات التي تنفذ منها مع ضعف الوعي بمخاطرها بل إن مجتمعنا معروف بانفتاحه وبساطته مما يجعله معرضا لمخاط كبيرة في هذا السياق.
كما تركز هذه المنظمات على مناطق محددة من البلاد وعلى فئات بعينها نتيجة لوضعية التهميش التي تعيشها بعض الطبقات نتيجة ظروف مختلفة منها الاقتصادي وحتى السياسي وتنشط هذه المنظمات مركزة جهودها في الجنوب والشرق والشمال على مدن بعينها: كيفة مقطع لحجار وروصووتنفوند سيفى وأطار تركيزا كبيرا كما تهتم هذه المنظمات باليتامى وأطفال الشوارع وتكفل آلافا من هؤلاء وتشرف على عدة مراكز لتربيتهم ولاشك أن هؤلاء بعد سنوات قليلة سوف يشكلون نواة مهمة لتحقيق أهداف هذه المنظمات كما نقل عن أسقف كنيسة أنوا كشوط في الثمانينات قوله: " ألقينا البذور ونحن الآن ننتظر الحصاد " 2 وإذا كانت هذه هي مرحلة التنصير في المرحلة الراهنة فكيف سيكون التعاطي معه في المستقبل.
ثالثا كيف نواجهه:
المرجوا أن يكون الوعي الإسلامي بالبلاد قد تجاوز مرحلة الارتجالية والعويل على الأنات والآهات وتحول مبدأ أن توقد شمعة واحدة خير من أن تسب الظلام ألف مرة من شعار إلى حقيقة على أيدي المخلصين من أبناء الدعوة الإسلامية والصحوة الإسلامية العالمية وبناء عليه فإن مواجهة التنصير أمر قائم بحمد الله وإن احتاج إلى تفعيل ومضاعفة الجهود نتيجة اشتداد الوطأة مع انطلاق موجة الحرب الصهيوا صليبية في السنتين الماضيتين ونريد هنا أن نشير إلى جملة معالم تساهم بالدفع بالأمام لجهودنا المبذولة في هذا السياق:
أولا: تفعيل ما يمكن تسميته بحملة التثبيت: وهي حملة ذات شقين شق تضامني مع الشرائح المهددة والمناطق التي توسع فيها تغلغل المنظمات التنصيرية عبر تجسيد شعار الأخوة الإسلامية وكون الأمة "سدا واحدا إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" كما في الحديث ولابد أن يكون ذلك التضامن مبنيا على دعم مادي ومعنوي حتى يثبت هؤلاء على دينهم ويثقوا من أمتهم وعقيدتهم وعندها سيطردون المنصرين صاغرين فاشلين بعد أن أنفقوا أموالهم وتكبدوا المشاق نفاذا لسنة الله القدرية: {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}
وأما الشق الثاني: فهو شق توعوي تضامني موجه للمجتمع بكل فئاته حيث يجب إطلاق صيحات تحذيرية من هذا الخطر الداهم عبر المساجد ووسائل الإعلام والملصقات لحث الجميع على التصدي لهذا الغزو النصراني الصليبي الماكر والذي يتستر تحت يافطات شتى ويعمل معاول هدمه في كيان الأمة وأساسها الذي قامت عليه وحدتها العقدية الإسلامية حتى يتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم الجهنمية ولنا في تجارب شعوب إسلامية كثيرة عبرة وعظة حيث تم استنبات التنصير بها حتى نصرت بالكامل - زنجبار الإسلامية العربية التي غدت تنزانيا وكمبوديا والفلبين - ولابد أن تجسد هذه الحملة التوعوية نتائج عملية عبر مشاريع تدرس للإقامة عمل إغاثي محلي يشارك في تمويله الغني والفقير والصغير والكبير فبذلك يكون جيل الصحوة المعاصر ببلدنا قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم الذي كرر علينا شعار مقاومة الدجل الأصغر والدجال الأكبر " يا عباد الله اثبتوا "" يا عباد الله اثبتوا " وحتى نحرز موعود الله - عز وجل -: "والذين يمسكون بالكتاب وأقاما الصلاة إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا"
ثانيا تفعيل ثقافة المقاومة:(22/17)
إن مجتمعنا من الشعوب المبدعة في مجال ثقافة المقاومة أو "المقاومة الثقافية" التي لاذبها في حقبة الاستعمار وعصمته بحول الله من المسخ الحضاري وبناء على تلك الخبرة السابقة ووفاء للأسلاف المجاهدين فلابد من تطوير نموذج جديد للمقاومة الثقافية هو ما يعرف اليوم على مستوى العالم بثقافة المقاومة والتي يجب أن تضع في سلم أولوياتها مقاومة الاختراق الصهيوني الصليبي عبر كافة أشكال المقاومة وهنا نتذكر ذلك النموذج الموريتاني المقاوم المناضل الفاضل الزايد ولد الخطاط - رحمه الله - الذي صفع الوفد الصهيوني الزائر ومضيفيه صفعة لا تزال مدوية فهذا النموذج مطلوب اعتماده وتطويره... ولله عاقبة الأمور.
http://www. r ayah.info المصدر:
================(22/18)
(22/19)
التنصير في العصر الحديث
أهداف التنصير
التنصير في أساسه يهدف إلى تمكين الغرب النصراني من البلاد الإسلامية وهو مقدمة أساسية للاستعمار وسبب مباشر لتوهين قوة المسلمين وإضعافها(5).
يقول القس سيمون: إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية وتساعد على التملص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة من أجل ذلك يجب أن نجول بالتبشير باتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية.
وقال صموئيل زويمر كذلك في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م: "لكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونوا أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية....لقد أعددتم في ديار الإسلام شباباً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشء طبقاً لما أراده الاستعمار، لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا الشهوات"(6).
ومن أهداف التنصير الأخرى:
1) الحيلولة دون دخول النصارى في الإسلام، ويعبر عنه البعض بحماية النصارى من الإسلام.
2) الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى (غير النصرانية) في الإسلام.
3) بذر الاضطراب والشك في المبادئ الإسلامية لدى المسلمين.
4) الإيحاء بأن المبادئ والمثل النصرانية أفضل من أي مبادئ أخرى لتحل المبادئ النصرانية محل المبادئ والمثل الإسلامية.
5) الإيحاء بأن تقدم الغربيين الذي وصلوا إليه إنما جاء بفضل تمسكهم بالنصرانية، بينما يعزى تأخر العالم الإسلامي إلى تمسكهم بالإسلام.
6) تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي (الأبيض) على بقية الأجناس.
7) التغريب، وذلك بالسعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته بأنواعها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والأسري والعقيدة من أصالتها الإسلامية إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة وفي هذا يقول (روبرت ماكس) أحد المنصرين في أمريكا الشمالية: (لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قداس الأحد في المدينة)(7).
----------------------------------------
(5) الإنترنت، وسائل التنصير ص(5).
(6)الإنترنت التنصير طرقه وأساليبه ص(1-2)بتصرف.
(7) عبد الودود شلبي، الزحف إلى مكة:حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي ص(13).
http://www.t r uth.o r g.ye المصدر:
================(22/20)
(22/21)
التنصير في العالم العربي
خطط مستمرة
إن بعثات التنصير لا تزال تعمل بإصرار من أجل تحقيق أهدافها، وبخاصة في أنحاء العالم الإسلامي، والعالم العربي بشكل أخص، وهي تعتبر أن مجال العمل في صفوف المسلمين في العالم العربي من أشق المهام، وهي قلقة - كعادتها دائماً - من مزاحمة الإسلام لها، فإذا أحرزت بعض النجاح في البلاد التي تعتبر مهداً للإسلام فإنها تكسب كسباً مادياً ومعنوياً.
أما الكسب المادي فإنها تكون قد أوجدت القاعدة التي تتكئ عليها من أهل البلاد الأصليين.
وأما الكسب المعنوي فهو ظهورها أمام من يرعون نشاطات التنصير في العالم، وخاصة في العالم الغربي بأنها حققت شيئاً فتكسب تعاطفهم وحماستهم لتأييدها بما يستطيعون ولذلك فإن التنصير يلح على أن يعمق جذوره في العالم العربي، ويعد من أجل ذلك الدورات والمؤتمرات، ويشرف على النشاطات السرية والعلنية المرتبطة بمنظمات نشطة في أوربا وأمريكا. وقد أرسل إلى هذه المجلة أحد الدعاة من أمريكا عدداً من نشرة تبشيرية تصدر هناك تسمى ديت لاين (Date Line)، تخطط لأتباعها طرق التنصير، وتحضهم على الانضمام إلى دوراتها التدريبية التي تعقدها لتأهيلهم للقيام بهذه المهمة.
حول النشرة:
النشرة موجهة أصلاً إلى المسيحيين الذين يهتمون بتنصير المسلمين وبأوضاع العالم العربي، فهي من جهة تحضهم على التطوع للعمل في هذه البلاد، وتبث في نفوسهم العزيمة من أجل القيام بهذا العمل الشاق، ثم تلقنهم كيفية نشر أصول الدعوة المسيحية بين المسلمين عن طريق تقريب وجهات النظر فيما يخص مفهوم التوحيد والتثليث، ثم تركيز بشكل خاص على القسم الشمالي الغربي من إفريقية ودعوة (للصلاة) من أجل فتح (المغرب)، بالإضافة إلى إعلانات تتعلق بهذه الأنشطة.
تحت عنوان(لابد أن يفتح الباب إذا واصلت قرعه):
ورد في النشرة ما يلي:
(يا من لهم تمرس أكبر في العمل في ديار الإسلام - أنتم ولا شك تعلمون أنه لا يسمح للمسلم شرعاً أن يرتد عن دينه ويعتنق ديناً آخر، وقد تستنتجون من ذلك استحالة العمل بينهم، وكذلك لا مجال للبعثات التنصيرية للعمل هناك، إذ ليس مصترحاً لها بالنشاط، فقد أسدل الستار وبني الحصن بقوة قد تبدو غير قابلة للاختراق خاصة في نظر الذين يغفلون عما يصنعه الرب في العالم العربى. هناك إحساس لدى العاملين في البلاد الإسلامية أننا أمام فتح مبين، صحيح أن بعض الجهات في العالم الإسلامي أصبحت أكثر تعصباً، ولكنها تبقى أقلية شديدة البروز فقط، والذي يدفعنا إلى مضاعفة جهودنا الآن هو ما نراه من تغير في المواقف والمزاج لدى الأغلبية.
إن ما يربو على 65% من سكان العالم العربي الآن هم دون الثلاثين، وفي دائرة هذه السن تقوى نزعة البحث عن الحقيقة والاستقرار، والعثور على منارة هادية في خضم الاضطرابات التي تعترضهم وهم يواجهون مشكلات العصر، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة المتعلمين فإن نسبة البطالة ارتفعت كذلك. صحيح أن دعوات التزمت الديني قائمة، ولكن الذين يناصرون الغرب، ويحبذون اتباع سبله كُثر. ومما يزيد في تعقيد هذه المشكلة الأزمات الإسكانية وعدم الاستقرار الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية في وقت يسعى فيه الجميع إلى تحسين مستوى معيشتهم.
هناك بعثات تنصيرية فعالة تعمل حالياً بنجاح في هذه البلاد المنيعة ظاهرياً، ولكن هذه البعثات تتعرض يومياً لتوترات وضغوط لا يمكن تجاوزها إلا بوسائل روحانية (!! ) فنحن شهود عيان لما تصنع يد الرب في أوضاع قد تبدو مستحيلة، نحن نشهد نتائج لا يمكن تفسيرها إلا بقبول صلواتنا، إن الصلاة هي جانب من أعظم جوانب الشعائر التي يجب على الكنيسة في الغرب الاهتمام بها، بإمكاننا الادعاء بالنجاح في فتح الأبواب على مصاريعها، بإمكاننا دخول أمصار جديدة، بإمكاننا بعون الله، وبفضل كل صلوات المبشرين وتضحياتهم - تسريب فرق همها الشاغل هو كسر قبضة الإسلام الحديدية، فقد عُرف العالم العربي بأنه أشد المناطق صعوبة على وجه الأرض لدخول الإنجيل، ولا يزال غير ملتفت إليه بشكل كافٍ.
من قبل رجال الكنيسة نتيجة لجهلهم، إن العالم العربي لم يحصل على هذه السمعة إلا لقلة المتطوعين للتضحية في سبيل إعلاء كلمة الإنجيل.
نحن نعيش في مجتمع يقيس النجاح بالكم، وكلمتنا هذه نظرة للكيف عن طريق الطاعة، وعلينا أن ننظر إلى العالم العربي من منظار الرب، فلو أننا استصعبنا هذه المهمة لكنا قد ظننا نقصاً في قوة الرب، فكأننا نزعم أن هذا المجال يعجز الرب عن العمل فيه. وقد وصلنا مؤخراً في اجتماعات مؤتمر الكنائس العالمي في فرنسا إلى اتخاذ قرارات حددنا فيها أهدافنا إلى عام 2000م، وبعد صلواتنا المكثفة (الحارة) شعرنا أن الرب يحثنا على الانفتاح وعدم التواني في فتح أبواب جديدة على العالم العربي، وسيركز العدد القادم من ديت لاين Date Line على الطرق الجريئة التي تدخل في باب المستحيل، صارخاً: افتحوا الأبواب!
دعاء من أجل فتح المغرب!(22/22)
تحت هذا العنوان تقدم هذه الفقرة لمحة تاريخية عن المغرب من وجهة نظر مسيحية، ولكنها تعترف - مرغمة - بأن الغالبية الساحقة من سكان المغرب مسلمون - ما عدا أقلية من اليهود، وأخرى من المسيحيين - من أصل أوربي. ويدعو كاتب هذه الفقرة أتباعه إلى الصلاة من أجل تحقق حرية أكثر للأديان في المغرب (يقصد حرية البعثات التنصيرية)، ويشير إلى جهود الإذاعات التنصيرية الموجهة إلى الشعب المسلم في المغرب، وكذلك إلى جهود التنصير عن طريق المراسلة، ويذكر أن حوالى (150) ألف مغربي تُرسل إليهم الدروس التنصيرية عبر البريد من أوربا ومن مركز التنصير الخاص بالعالم العربي (A.W.M. ) مع اعترافه بالصعوبات التي تلقاها هذه الجهود إلا أنه مستبشر بالنتائج إذا سبقها الإصرار والمتابعة.
إرشادات للمتطوعين:
الفقرة التالية فيها تحذير أن تقع نشرات خطط التنصير بأيدي المسلمين لأن في ذلك خطراً وتعطيلاً لبرامج نشر المسيحية بين المسلمين: مديرنا العام كثيراً ما ذكرنا بأننا لسنا في نزهة ترفيهية، وإنما نحن في حالة حرب (!! ) لهذا فنحن نؤكد على أهمية الصلاة والدعاء وطلب العون من محبي ومؤيدي الصلاة، ولكي يكون لصلاتنا معنى، فنحن بحاجة إلى الوقت والجهد وتحمل أعباء العالم الإسلامي، وإلى المعلومات الصحيحة الوافية. إن كنت تريد الصلاة دورياً والحصول على نشرتنا الشهرية (آخر الأنباء) فالرجاء إعلامنا بذلك، إن هذه النشرة تحتوي على معلومات سرية حول الصلاة، ولأننا نعمل في بلاد معادية للمسيحية فهذه النشرة ترتدي طابعاً سرياً لا يجوز أن يطلع عليه العوام، فلو وقعت هذه المعلومات في أيدٍ غير موثوقة لربما أدى ذلك إلى عواقب وخيمة؛ لهذا السبب نطلب تزويدنا باسم كنيستك والقس الذي يديرها لأسباب أمنية فقط!.
طبيعة عمل بعثات التنصير:
تسعى بعثات تنصير العالم العربي أولاً إلى تأسيس كنيسة (يسوع المسيح) في العالمين البربري والعربي (! ! ) ولدينا فرق تعمل في صفوف المليوني مسلم من المغرب العربي في فرنسا، ونبث برامج مراسلة وإذاعية لنشر الإنجيل على أوسع نطاق ممكن انطلاقاً من مركزنا الإعلامي الموجه إلى العالم العربي.
التحدي:
نهدف - في هذه المرحلة تحديداً - إلى دخول 100 مدينة جديدة موزعة على 20 دولة حتى في عام 2000م، ونحن ننتظر بشوق وحماسة إمكانية نجاحنا في إيصال هذه البشارة إلى أمكنة لم يسبق أن وصلتها من قبل.
فرصة سانحة:
إن العالم الإسلامي هو أحد الأماكن التي تحظى بالقليل من الرعاية والكثير من الإهمال من قبل المنصرين حالياً، فخمس سكان العالم اليوم (كذا) مسلمون، وهو آخر الخطوط الدفاعية الأخيرة التي لابد للإنجيل من اختراقها، فإن كنت ترغب في مواجهة التحدي وتوسيع الأفق، والتعرف على حاجات العالم الإسلامي الحالية فهلُمّ للمشاركة في إحدى دوراتنا التدريبية الصيفية، اكتشف حقيقة الإسلام، تعرّف على ما يؤمن المسلم، وعش معنا تلك اللحظات التي يشترك فيها النصراني مع المسلم في الرسالة!.
دورات ومهام:
نحن نؤمن بأننا دخلنا في عهد ملىء بالانتصارات داخل العالم، لماذا لا تشارك في إحدى الدورات التالية، ولا تشهد بنفسك صنع الرب (! ) داخل العالم الإسلامي؟
في مونتريال - تورنتو - فيلادلفيا:
دورات مكثفة حول المسائل الإسلامية والرد المسيحي عليها - تدريب على الانفتاح المركّز على التنصير عن طريق الصداقة (4 أسابيع).
في فرنسا: الخروج إلى مدينة فرنسية نسبة المغاربة فيها كبيرة (4 أسابيع). لندن: دراسات إسلامية والرد المسيحي (أسبوعان).
في تونس: برنامج توجيهي وخروج، تدريبات في لندن، طِر إلى تونس وتجول في أرجاء البلاد وزر مدناً كبيرة (4-6 أسابيع).
الشرق الأوسط: برنامج توجيهي ومخيم في عمَّان، جولة في سورية ومصر، برنامج الخروج في لندن (6-8 أسابيع).
المغرب: برنامج توجيهي وخروج في لندن، زيارة برية للمغرب عبر أوربا (4-6 أسابيع).
هذه دورات مكثفة تحتاج إلى صبر ومتابعة وينبغي أن يتصف راغبو الالتحاق بها بالوعي وبتزكية موثوقة.
يشتمل البرنامج على خروج واتصال بالمسلمين وباقي نشاطات بعثات التنصير في العالم العربي، السن المطلوبة: 18 فما فوق.
شبهات:
الفقرة التالية فقرة إرشادية لمن يقومون بالتنصير بين المسلمين وما يواجهونه من صعوبة في الرد على فكرة الشرك والتثليث عند النصارى:(22/23)
(لا إله إلا الله) يرددها المسلم العادي مراراً كل يوم في صلواته، وإعلاناً عن عقيدته الإسلامية. والقرآن يعتبر أن أعظم الذنوب وأكبر الكبائر هو الإشراك بالله. ومع أن القرآن يعترف في مواضع عدة منه بعبادة اليهود والنصارى لإله واحد؛ فإنه يشير أيضاً إلى أن النصارى يعبدون أكثر من إله، أو أنهم يعبدون عيسى المسيح من دون الله: ] لَقَدْ كَفَرَ الَذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [[المائدة: 73]، ] وإذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ [[المائدة: 116]، ] لَقَدْ كَفَرَ الَذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [[المائدة: 17]. يعتقد كثير من المسلمين أن النصارى مثلّثون يؤمنون بثلاثة آلهة، بدلاً من حقيقة كوْنهم موحدين (! ) يؤمنون بوجوه ثلاثة للإله الواحد. والثالوث هو: الرب، مريم، عيسى أو: الرب، وعيسى، والروح القدس. وهكذا يعتقد المسلمون أن النصارى يناقضون في عقيدتهم الركن الأساسي في الإسلام وهو توحيد الله الذي ليس كمثله شيء، وهكذا يكونون قد سقطوا في وهدة الشرك وعبادة الأصنام. فعلى المسيحي أن يسارع بطمأنة صديقه المسلم منذ بداية النقاش أن الكتاب المقدس يشهد بأن الله واحد، وأنه الوحيد الجدير بالعبادة (سفر الخروج 20 /2-3) و (مرقس 12/29).
لابد لنا فعلاً من الاعتراف بأن الله واحد وأنه لا إله إلا هو حتى نكون عباداً صالحين له، ولكن علينا أن نفهم كنهه وطبيعته وما صنعه من أجلنا تكرماً منه، وما يطلب منا أن نكون، وأن نعمل على طاعته.
تعليق أخير:
بعد قراءة محتوى هذه النشرة هناك نقاط كثيرة يحسن الوقوف عندها، ونكتفي ببعضها، موجهين الكلام إلى الذين قد يقعون تحت تأثير هؤلاء المنصرين فيقفون أمامهم إما حيارى أو متعاطفين:
1 - يتهم هؤلاء المنصرون بعض المسلمين بالتعصب الديني وينسون أنفسهم، ونحن لا ندري بماذا نسمي عملهم هذا الذي يهدف إلى حث المسلمين على ترك دينهم واتباع الإنجيل، ولئن دل هذا على شيء فإنه يدل على قلة الحياء والتلاعب بالألفاظ، وهما من أهم صفات المنصرين في كل عصر.
2- أن دراسة هؤلاء لظروف المسلمين في العالم - وفي العالم العربي بشكل خاص - تدفعنا إلى أن نكون نحن أولى بذلك ليكون فهمنا للواقع وتحليلنا للظروف التي يمر بها المسلمون دافعاً للسيطرة على العقبات، وأساساً لمعالجة هذه الأزمات.
3 - أن أشد ما يثير حنق المنصرين وأتباعهم هو قبضة الإسلام الحديدية؛ لذلك هم يعملون جاهدين لانحلال هذه القبضة عن طريق تشكيك أجيال المسلمين بدينهم، وزرع المفاهيم الغريبة بينهم.
4- يصلي هؤلاء من أجل تحقيق حرية الأديان في المغرب، وهم يقصدون حرية النشاطات التنصيرية في المغرب أكثر مما هي عليه الآن، وهم لو كانوا منصفين لأقروا بأن المغرب من أكثر الدول تسامحاً مع اليهود والنصارى. ولأمرٍ ما تركز مراكز التنصير على المغرب العربي، فهو الجزء الأقرب إلى أوربا وهو جسر العبور إلى باقي العالم العربي وإفريقية، وهو المكان المحتمل منه الخطر على الحضارة الأوربية أكثر من غيره.
5 - ليس هناك أصدق ولا أبلغ من وصف حالة المنصرين مع المسلمين بأنها " حالة حرب " كما ورد في (إرشادات للمتطوعين) وهذا الوصف كلمة حق ينطق بها العدو من أجل أن يعرف كيده ويحتاط له الاحتياط كله.
أن من فضل الله على المسلمين أن جعل عقيدتهم سهلة واضحة، تتقبلها الفطرة، وتأبى على! لأساليب الملتوية، والمداورات التشكيكية ولا غرابة في ذلك فهي عقيدة الرسل جميعاً من لدن آدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . وأن عقيدة التوحيد هي الأساس الذي يتحطم عليه كل ادعاء، وأي مسلم يقرأ محاولة هؤلاء المنصرين إثبات أنهم يؤمنون بإله واحد - كإيمان المسلمين - يكتشف أنهم يتلاعبون بالحقائق، ويسخرون من العقول. وهم إذا أرادوا من المسلم أن يتجاوز عن وصف القرآن لهم بالكفر في أكثر من موضع فهم أمام أمرين:
أ- أن يشك المسلم بأن هذا القرآن - أو بعضه - كلام الله وهذا كفر صريح لا يقدم عليه مسلم وهم يطمحون إلى ذلك طبعاً.
ب - أو أن يقولوا له: إن القرآن حين وصف من وصف من النصارى بالكفر إنما وصف طائفة منهم انقضى أمرها ونحن لسنا منها في شيء، أما نحن فنرفض التثليث ونؤمن بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وعند ذلك ينتفي عنهم الشرك، وهم لا يثبتون ذلك طبعاً بل يصرون على التثليث من حيث يوهمون أنهم يقولون بالتوحيد. والمسلم لا يرى فرقاً بين من يؤمن بثلاثة آلهة وبين من يؤمن بثلاثة وجوه للإله الواحد! ! فكل ذلك كفر.
نعوذ بالله من همزات الشياطين ونفثات المبشرين.
صفر 1409
أكتوبر 1988
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
================(22/24)
(22/25)
التنصير .. أهم المؤتمرات والمراكز التنصيرية
أولاً: المؤتمرات
لقد كان للمؤسسات التنصيرية ـ وما يزال ـ الكثير من المؤتمرات الإقليمية والعالمية ومن ذلك:
مؤتمر القاهرة عام 1324هـ 1906م، وقد دعا إليه زويمر بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين، وقد بلغ عدد الحاضرين 62 شخصا بين رجال ونساء، وكان زويمر رئيسا لهم.
المؤتمر التبشيري العالمي في أدنبرة باسكوتلندة عام 1328هـ 1910م، وقد حضره مندوبون عن 159 جمعية تبشيرية في العالم.
مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند عام 1339هـ 1911م حضره صموئيل زويمر، وبعد انفضاض المؤتمر وزعت على الأعضاء رقاع مكتوب على أحد وجهيها تذكار لهكنؤ سنة 1911م وعلى الوجه الآخر اللهم يا من يسجد له العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع انظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح.
مؤتمرات التبشير في القدس:
في عام 1343ه1924م.
في عام 1928م مؤتمر تبشيري دولي.
في عام 1354ه1935م وقد كان يضم 1200 مندوب.
في عام 1380ه1961م.
مؤتمر الكنائس البروتستانتية عام 1974م في لوزان بسويسرا.
وأخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادوا في 15 اكتوبر 1978م تحت اسم مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين، حضره 150 مشتركا يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق، وقدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل وتقديمه للمسلمين والكنائس الديناميكية في المجتمع المسلم، وتجسيد المسيح وتحبيبه إلى قلب المسلم، ومحاولات نصرانية جديدة لتنصير المسلمين، وتحليل مقاومة واستجابة المسلم، واستخدام الغذاء والصحة كعنصرين في تنصير المسلمين، وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي.
وقد انتهى المؤتمر بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها، مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها (1000) مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلا وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى.
المؤتمر العالمي للتنصير الذي عقد في السويد في شهر اكتوبر 1981م تحت إشراف المجلس الفيدرالي اللوثراني، والذي نوقشت فيه نتائج مؤتمري لوزان وكولورادو، وخرج بدراسة مستفيضة عن التنصير لما وراء البحار بهدف التركيز على دول العالم الثالث.
ومن مؤتمراتهم كذلك:
مؤتمر استانبول.
مؤتمر حلوان بمصر.
مؤتمر لبنان التبشيري.
مؤتمر لبنان بغداد البتشيري.
مؤتمر قسطنطينة التبشيري في الجزائر وذلك قبل الاستقلال.
مؤتمر شيكاغو.
مؤتمر مدارس التبشيري في بلاد الهند، وكان ينعقد هذا المؤتمر كل عشر سنوات.
مؤتمر بلتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية 1942م، وهو مؤتمر خطير جدا، وقد حضره من اليهود بن غوريون.
بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاما جديدا، إذ ينعقد مؤتمر للكنائس مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلا من بلد إلى آخر.
مؤتمر امستردام 1948م هولندا.
مؤتمر إيفانستون 1954م أمريكا.
مؤتمر نيودلهي 1961م الهند.
مؤتمر أوفتالا 1967م أوفتالا بأوروبا.
مؤتمر جاكرتا 1975م أندونيسيا وقد اشترك فيه 3000 مبشر نصراني.
عقد المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي في يوليو سنة 1980م في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وقد حث المؤتمر على ضرورة زيادة البعثات التنصيرية بين مسلمي الشرق الأوسط خاصة في دول الخليج العربي.
ثانيا: أشهر المراكز والمعاهد التنصيرية
معهد صموئيل زويمر في ولاية كاليفورنيا، وقد تم إنشاؤه بناء على توصية من قرارات مؤتمر كولورادو.
المركز العالمي للأبحاث والتبشير في كاليفورنيا، الذي قام بتقديم الأشخاص اللازمين للإعداد لمؤتمر كولورادو مع تهيئة عوامل نجاح هذا المؤتمر.
الجامعة الأمريكية في بيروت، الكلية السورية الإنجيلية سابقا، أنشئت عام 1865م.
الجامعة الأمريكية في القاهرة أنشئت لتكون قريبة من الأزهر ومنافسة له.
الكلية الفرنسية في لاهور.
جمعية التبشير الكنيسية الإنجليزية، وهي أهم جمعية بروتستانتية، وقد مضى على إنشائها قرابة قرنيين من الزمان.
إرساليات التبشير الأمريكية أهمها الجمعية البشيرية الأمريكية، والتي يرجع عهدها إلى سنة 1810م.
جمعية إرساليات التبشير الألمانية الشرقية أسسها القسيس لبسيوس سنة 1895م، وقد بدأ عملها فعلا سنة 1900م.
أسس الإنجليز في سنة 1809م الجمعية اللندنية لنشر النصرانية بين اليهود، وبدأ عملها بأن ساقت اليهود المتفرقين في شتات الأرض إلى أرض فلسطين.
01/01/2002
http://www.islamweb.net المصدر:
==============(22/26)
(22/27)
التبشير و الصراع بين الإسلام و الغرب
الجذور العدائية
المدخل الوحيد لفهم ظاهرة هجمة وكالات التبشير و مؤسساته على العالم الإسلامي هو عداء الغرب المسيحي للإسلام و المسلمين..و لنبحث جذور و أسباب العداء استناداً إلى كتابات باحثين غربيين، و ننقل عن أحدهم قوله إن وجود الإسلام في حد ذاته يثير عميق الانزعاج عند الغرب..فالإسلام في نظر الغربيين خطر يزيد من حدته غموضه و عدم قابليته للوضع تحت منظار التنبؤ و القياس. و الغرب لم يكن في البداية يستطيع فهم الإسلام، و لم يجد العون على ذلك من أي مصدر جديد أو قديم. و على الرغم من وجه الشبه الذي لاحظه الغربيون بين الإسلام و اليهودية ـ حسب رأي الباحث الغربي ـ إلا أن اليهودية بتخلفها و خضوعها للمسيحيين لا سيما في العصور الوسطى لم تكن مستعصية على الفهم و الإسقاط من الاعتبار كقوة مهزومة ضعيفة. أما الإسلام فكان حتى العهود الحديثة قوة ناهضة ناجحة متجددة مهما ضربتها المحن. و بالتالي لم يكن الغرب ليستطيع أن يتهكم على دين اعتنقه رجال يُكبرهم الغرب نفسه و لا يشك في حكمتهم كصلاح الدين الأيوبي و الفارابي و ابن سينا.
و يذهب كاتب غربي آخر إلى أن سبب عداء الغرب المسيحي للإسلام يكمن في توسع هذا الدين و مجابهته للنشاط التنصيري و قيامه بالدعوة لجلب الأتباع و المؤمنين. و يقول هذا الباحث و هو عضو في لجنة التبشيربكنيسة اسكتلندا أن الأديان الأخرى كاليهودية و الهندوكية لا تنشر نفسها، بينما يطرح الإسلام نفسه كدين عالمي و ينافس المسيحية في هذه الدعوة. و يضيف: أن المسلمين الذين أسقطوا الصلبان في الشام و غيرها يتطلعون الآن إلى بناء مساجدهم في قلب انجلترا و إسقاط الصلبان حتى في الكنائس الريفية النائية بذلك البلد. و الإسلام كما يقول الباحث المبشر آخر دين كبير جاء بعد المسيحية، و عقيدته نسخ هذا الدين و إنكار حقيقته.. و الإسلام هو الدين الوحيد الذي هزم المسيحية في فترات الصراع بينهما، و هو الوحيد الذي يتصدى لها في أجزاء كثيرة من العالم.. و هو الذي يتحدى المسيحية بإنكار كل مبدأ من مبادئها الكبرى، و يجعل من هذا الإنكار عقيدة راسخة عنده، سواءً تعلق الأمر بأبوة الرب أو بنوة المسيح للرب و تجسده و صلبه أو قيامته.. و القرآن جاء ليصحح هذه المفاهيم، و لا يوجد دين آخر يتخذ هذا الموقف من المسيحية.. و الإسلام فوق هذا و ذاك يحير المسيحية برفضه الاستسلام بعد هزائمه السياسية في العصر الحديث، و ببساطة عقيدته في التوحيد و خلوها من مظاهر التعقد و الأسرار الكهنوتية.. و المسلمون هم وحدهم الذين يجابهون المسيحية بدين موثوق في أصله التاريخي و بكتاب يؤمنون بأنه وحي سماوي، و لايستطيع خصومهم أن يشككوا في نسبته إلى الرسول أو في دخول التحريف عليه.
و هكذا نجد أن جذور العداء ضاربة، و هي لا ترجع إلى طمع اقتصادي أو توسع استعماري بقدر ما تُفسَّر بالخوف أمام تحدي الإسلام الديني و الحضاري و السياسي.. و نرى أن الأطماع الاقتصادية الاستعمارية هي التي تُفسَّر بالعداء للإسلام.. فالغرب يطمع فيما عند المسلمين من موارد لأنه يكرههم و يبغض أن تكون بين أيديهم، و يريد أن ينتزعها منهم لعلهم ينتكسون و يضيع معهم دينهم. و الغرب يتوسع في أراضيهم ليستأصلهم و يضيع عقيدتهم.. و من هنا نربط بين الاستعمار في العصر الحديث و بين العداء للإسلام و التمكين للنصرانية في بلاد المسلمين.
تنصير الطفولة المسلمة
و نذكر في هذا الصدد كتاب "الطفولة في العالم الإسلامي" الذي ألفه المستشرق و المنصر صمويل زويمر عام 1915.. و يهلل زويمر لظاهر الاحتلال الإنجليزي للعراق و الإيطالي لليبيا التي كانت تحدث في ذلك الوقت، و يتنبأ بأنه مع امتداد السيطرة الاستعمارية على العالم الإسلامي من الهند و ما وراءها إلى المغرب، فإن العادات و التقاليد و القيم و القوانين المسيحية الأوروبية ستنتقل إلى بلاد المسلمين و تهيئهم بعد ذلك لتقبل المسيحية نفسها بعد ضياع الإسلام.. و نستغرب عندما نجد هذا الكاتب ـ الذي يقول عنه تلاميذ المستشرقين عندنا أنه باحث ـ قد جاء ليصفق بيديه فرحاً لانتشار الملابس الغربية بين المسلمين؛ لأن ارتداء الأحذية و الجوارب ـ كما يقول بالحرف ـ ستزيد من صعوبة الوضوء!!
و يزيد الاستغراب و التساؤل عندما يقول زويمر إن ضياع الاستقلال السياسي للبلدان الإسلامية يتواكب مع ما يسميه بحركة عصرية تدعو إلى تقليد الغرب و نقل نماذجه و مُثُله الفكرية و الاجتماعية.. و يركز على أهمية النظام التعليمي بالنسبة لجهود المبشرين، حيث يرى أنه يعرف الناشئة و هم في سن الانطباع على حضارة الدين المسيحي.. و يمتدح الحكومات المقامة في البلاد الإسلامية و التي نشرت مثل هذا النظام على حساب التعليم الإسلامي.. و يلمح في هذا الوضع الجديد فرصة لم تتح من قبل منحها الرب ـ حسب قوله ـ لتنصير الطفولة المسلمة. و نتركه يتحدث:-(22/28)
لقد فقد الإسلام قوته في كل مكان.. و بينما كانت غيرة الحكام المسلمين في السابق تمنع جهود التبشير بين المسلمين أو تعرقلها، فإن سيف الإسلام الآن قد انكسر و ذلت قلوب المسلمين و خضعت في كل الأرجاء بسبب الكوارث التي قامت بهؤلاء الحكام.. و لا ريب أو وقوع البلدان الإسلامية تحت الحكم الأوروبي بما يعنيه من استقرار الإدارة و التعليم يعني حتمية انهيار المعارضة الإسلامية.
الأخطبوط التنصيري
نستخلص من هذه الأقوال و ما يشابهها سنة لا تتغير من سنن الهجوم الغربي على الإسلام.. فهناك التوسع العسكري و الاقتصادي و الثقافي للغرب، و يتواكب مع تغريب البلاد الإسلامية بالكامل و ضياع أراضيها و استقلالها في هذه المجالات، ثم إضاعة الإسلام بعقيدته و مظاهره و إحلال العقائد الغربية ـ و على رأسها النصرانية ـ محله.. و من المؤكد أن النجاح الذي حققته جهود التبشير في السنوات الأخيرة في إندونيسيا و باكستان لم يكن ليحدث إلا في ظل سيطرة غربية كاملة على حكومات هذه البلاد التي شجعت بالفعل النشاط التنصيري و دعمته لإرضاء مسانديها الغربيين، محتجة بشعارات التسامح و الليبرالية و العلمانية، و نضرب المثل على هذا الاتجاه بما وقع في إندونيسيا عقب الانقلاب العسكري الموالي للغرب الذي حدث هناك عام 1966.. و نذكر هنا شهادة مجلة التايم الأمريكية في 16 يونيو 1967:
إن هذه الأمة الإسلامية اليوم مسرح لنشاط تنصيري متصاعد أطلقت عليه جريدة مسيحية أمريكية وصف أكبر حركة باتجاه المسيحية في الفترات الحديثة، إذ يقدر أن الكنائس الكاثوليكية و البروتستانتية قد اكتسبت حوالي ربع مليون متنصر خلال الأشهر العشرين التي أعقبت الثورة المضادة للشيوعية.. و قد اعتنق المسيحية في جاوة الشرقية و الوسطى في تلك الفترة خمسة و ستون ألف شخص، بينما انضم ستة عشر ألفاً إلى الكنائس في سومطرة الشمالية، و أقيمت ثلاثون كنيسة جديدة في إقليم واحد بغرب بورنيو تضم خمسة آلاف شخص.. و نظمت في العاصمة خمسون حلقة لدراسة الأناجيل التي نفذت طبعاتها لاشتداد الطلب عليها.. و قد خصص مجلس الكنائس الأمريكي حوالي ثلث مليون دولار لمساعدة الكنائس البروتستانتية بإندونيسيا على استيعاب الأعضاء الجدد.
و على الرغم من أن معظم المتنصرين إن لم يكن كلهم من القطاعات الوثنية أو المسلمة بالنسبة فقط، إلا أن مجرد قيام هذا النشاط الوقح المدعم بالأموال الأمريكية في بلد تصفه المجلة الأمريكية ذاتها بأنه مسلم بنسبة 90% يدل على أمور خطيرة.
أساليب المبشرين
نمضي في استعراض بعض أساليب المبشرين، و ننتقي مثلاً من مخطط وضعه أحدهم لمنطقة غرب أفريقيا و نيجيريا في مواجهة الإسلام و مده. و من الغريب أن نجد المبشر يضع خطة و يعنونها "الجهد المنظم لمكافحة تقدم الإسلام في غرب أفريقيا".. و نتساءل: هل المطلوب نشر النصرانية أم ضرب الإسلام أم أن الاثنين لا ينفصلان؟.. و نتساءل عمن يمكِّن لهؤلاء أن يضعوا خططهم و ينفذوها؟ هلى الحكومات الاستعمارية التي زالت رسمياً أم خلفاؤها الذين يتربعون على رءوس السلطة تحت اسم الحكام الوطنيين المستقلين؟.. و نسير مع خطة المبشر لنجده يوصي بإصدار كتب باللغات العامية تتناول دحض ما يسميه الافتراءات المحمدية القائمة على الجهل، و يقول: إن هناك مواداً كافية متاحة حول هذا الموضوع في مصر و الهند، و المطلوب نقلها إلى غرب أفريقيا حتى تُستَخدم الأسلحة المصاغة على الحرب ضد الإسلام في كل مكان.
و الخطوة الثانية في مشروع المبشر أخطر من الأولى: يجب أن تدرس في مدارس البعثات التبشيرية كل أخطاء الإسلام، و أن يحذر التلاميذ منها. و مدارس البعثات التبشيرية هذه هي القائمة بيننا بأسماء أجنبية معروفة و التي تتقاضى أعلى المصروفات. أما الخطوة الثالثة فتنادي بعقد اجتماعات خاصة للمحمديين كما يسميهم المبشر و البحث في الوسائل التي يمكن بها النفاذ إليهم و التأثير عليهم لترك دينهم و الإقبال على النصرانية. و الخطوة الرابعة لافتة للنظر: يجب احتلال المراكز (المدن) المحمدية الهامة حيث أن الدعوة الإسلامية تنتشر منها إلى المناطق الوثنية المجاورة.. و نتساءل عمن سيحتل هذه المراكز و كيف سيكون الاحتلال؟
و الخطوة الخامسة خطيرة و ذكية: يجب تعيين مبشرين أو دعاة متجولين للنصرانية على غرار الدعاة المسلمين المتنقلين.. و على كل منهم أن يمكث في القرية الواقعة ضمن نطاق عمله مدة تكفي للتأثير على الناس و إقامة مكان للعبادة، و يجب الاعتناء باختيار هذه العناصر إذا كانت هناك قرى مسلمة يف المنطقة. و الخطوة السادسة ليست غريبة: يجب إقامة كلية مسيحية تضم الخبراء في الشئون الإسلامية في كل مكان يكون فيه المسلمون أغلبية.
الإسلام يتحدى(22/29)
و على الرغم من كل هذه الجهود يقف الإسلام الأعزل يتحدى المخططات. و يحاول الكاتب الأمريكي "ألان مروهيد" في كتابه "النيل الأبيض" الصادر علم 1960 تحليل التحدي الإسلامي تمهيداً للتغلب عليه.. و يحدد التحدي الإسلامي في بساطة العقيدة فكراً و ممارسة و غياب الكهنوت و سهولة العبادة دون وساطة.. و يرى مورهيد أن هذه السمات تلائم العقل الأفريقي الساذج و المتخلف الذي لا يستطيع أن يفهم أسرار و فلسفات المسيحية.. و ياله من اتجاه عنصري يسم الأفارقة بالبلاهة و هو يخطط لتنصيرهم!! غير أن الكاتب نفسه يعود ليكشف عن حقيقة غربة النصرانية عن أفريقيا و تناسب الإسلام معها و رسوخه في تربتها.. فيرى أن المسيحية جاءت إلى القارة السوداء بطراز معماري أوروبي للكنائس و بثياب أوروبية ضيقة لا تتفق و المناخ الحار. أما عمارة المسجد لمساحاته الممتدة تحت القباب المستديرة فيتواءم مع البيئة و نوعية الأرض كما يناسبها الجلباب العربي الفضفاض.
و تنصب جهود المبشرين الأجانب حتى وقتنا الراهن في محاولة استنباط شكل من الممارسة الكنسية يكون ملائماً لأفريقيا و آسيا و يمكِّن عقيدتهم من الوقوف في وجه الإسلام.. غير أن المؤسسة الكنسية هي نبت أوروبي سار مع مسار التاريخ الغربي و تطور مع تطورات الحضارة الأوروبية في وقت ضعفت فيه الكنائس الشرقية، و لا ريب أن أي محاولة لتغطية الوجه الغربي الأوروبي للمسيحية العالمية هي محاولة مصطنعة فاشلة.
الرق:
نمر على قضية يثيرها المبشرون في أفريقيا لتشويه صورة الإسلام بربط التجار المسلمين بالرق، و الوصول من ذلك إلى أن الإسلام يناصر الاستعباد.. و هنا نقف مرة أخرى لنسأل هل هم ينشرون المسيحية أم يحاربون الإسلام؟.. و نذكر أن الكتب المقدسة للمسيحيين لا تقول شيئاً عن الرق إلا في رسائل القديس بولس، حيث تأمر العبد بالطاعة و الاستسلام لسيده إلا أنها لا تتعرض لحاله على الأرض، بينما يحث الإسلام على عتق الرقاب و يجعل ذلك كفارة عن بعض الذنوب و يسد ينابيع الاسترقاق و يفتح باب التحرير.. و تلاحظ مريم أن النصارى و المسلمين كان لهم دور في تجارة الرقيق بأفريقيا في القرن التاسع عشر غير أن قيام بعض المسلمين بذلك كان مخالفاً لتعاليم الإسلام. ثم إن نظام العبودية ظل قائماً في أمريكا المتحضرة حتى عام 1965.
العنصرية:
مازالت آثار التفرقة العنصرية و التعصب ضد السود قائمة حتى الآن في الكنائس المنفصلة للبيض و السود.. و لا يغير تغرُّب الأسود و تقبله للنصرانية من الأمر شئ.. فمهما فعل يظل أقل مكانة من الأبيض.
و تتحدد نظرة كل من المسيحية و الإسلام إلى المسألة العنصرية أو الطبقية في قضية محدة العبادة. فمازالت كنائس البيض منفصلة عن كنائس السود حتى الآن في مناطق واسعة من أمريكا و في كل أنحاء جنوب أفريقيا. و عندما عقد مؤتمر كنسي في جنوب أفريقيا أواخر عام 1954 قسمت القائمة إلى نصفين خصص أحدهما للكهنة البيض و الآخر للسود، جلسوا ليبحثوا مشكلة التفرقة العنصرية. و قد خطب في الجمع قس أسود فقال لهم: إنهم قسموا المسيح كما قسموا القاعة، و سخروا منه و هم يقولون إنه ابن للأب، فإلى أي فريق ينحاز الأب و إلى أي جماعة يذهب المسيح إذا عاد إلى الأرض.. و أدان قس آخر دفاع الكنيسة البروتستانتية في جنوب أفريقيا عن مبدأ التفرقة العنصرية مذكراً قادتها بأن الحب الذي يقولون إنه جوهر المسيحية لا يتحقق عندما يحرم طفل أفريقي من التمتع بجمال حديقة مقصورة على البيض أو يمنع عامل أسود من الجلوس مع مخدوميه البيض في كنيسة واحدة.
و على النقيض نجد صورة تعبر عن المساواة في العبادة عند المسلمين.. و هي صورة رسمها قلم كاتب إنجليزي زار القاهرة في مطلع القرن الحالي و دخل أحد المساجد خلسة ليفاجأ في صفوف المصلين بنماذج لكل طبقات و مستويات المجتمع المصري تقف متراصة متوحدة خاشعة لله في الصلاة بدون تفرقة أو تمييز. و يحدثنا الكاتب عن الفلاح الواقف بجانب التاجر الغني و العامل المكدود و الطالب لابس الثياب الأفرنجية و الشيخ بعباءته.. و تتعدد أشكال و ألوان الملابس داخل المسجد، و لكن تتوحد القلوب و أركان الفريضة لتدل على أعظم إنجازات الإسلام كما وصفها المؤرخ البريطاني المشهور توينبي و هي إلغاء المشاعر العنصرية.
أساليب تنصيرية أخرى(22/30)
و نعود لنلقي الأضواء على بعض أساليب المستشرقين، و ننظر لنجد الاستغلال البشع ممثلاً في تلك الجماعة التبشيرية التي استقرت بالمغرب في أوائل القرن الحالي و احتمت بالاستعمار الفرنسي و الأسباني لتأخذ أيتام المسلمين في مدينة طنجة و تنصرهم لقاء الخبز و المأوى، ثم ترسل بهم ليكونوا مرتزقة في خدمة الجيش الفرنسي الاستعماري في حروبه ضد الشعوب المسلمة و غير المسلمة.. و نلمح هنا التدني و الحقارة في قصة ذلك المبشر الذي أقنع أحد الأطفال الهنود المسلمين بأنه إذا صلى للمسيح و رسم علامة الصليب على صدره فإن فريقاً لكرة الكريكيت سينتصر على الخصوم بفضل الرب. ثم نرى كيف يضع المبشرون أساطيرهم حول مهارتهم في التنصير لنقرأ ما كتبه أحدهم عن شاب دمشقي من عائلة مسلمة كفر بالدين بعد اطلاعه على العلم الحديث، لكنه عاد و آمن بالمسيحية عندما أخبره صديق نصراني أن المسيحية لا تحرم الموسيقى و الرسم كما يفعل الإسلام المتعصب.
المرأة و أسلحة المنصرين
و نقف عند نشاط المبشرين في مجال العلاقات الاجتماعية في البلاد الإسلامية لتلاحظ أنهم يهتمون كثيراً بما يسمونه تحرير المرأة أو تنفيرها من الإسلام و تعويدها على العادات الغربية لهز الإيمان في نفسها و زعزعته أو وأده في أطفال المستقبل. و يركز المبشرون في العديد من المناطق على ضرورة تخلي المرأة المسلمة عن الزي المحتشم و تمردها على الأسرة و خروجها إلى المراقص و الملاهي حتى و إن لم يؤدِ ذلك في النهاية إلى اعتناق المسيحية. و يتضح من هذا الاتجاه أن للتغريب و التشكيك في الإسلام أهدافاً أصيلة في عمل المبشرين تفوق بالفعل اهتمامهم بالدعوة إلى النصرانية. و يبرز هنا كمثال قيام مبشرة هولندية بإنشاء مدرسة للبنات في مدينة البصرة عام 1909 لتربيتهن تربية أوروبية صرفة و تجهيزهن لإكمال التعليم في الغرب حين يبعدن عن الإسلام تماماً. و كانت هذه المبشرة تهتم بمتابعة أخبار طالباتها و تفرح عندما تسمع أنهن تخلين عن الزي العراقي التقليدي و اتبعن العادات الغربية في بيوتهن و مع أطفالهن.. و قد سجلت تجربتها هذه في كتاب صدر في أمريكا عام 1961، و تتحدث بابتهاج عن التغير الاجتماعي المواتي للغرب الذي يمكن للمعاهد العلمية التبشيرية و الغربية أن تحدثه.. و تجدر الإشارة هنا إلى الدور الذي تقوم به الجامعة الأمريكية في القاهرة و بيروت و كلية روبرتس في إسطنبول و غيرها.
السلبية البغيضة
لكن الجانب الأخطر في كل هذه النشاطات التنصيرية يكمن في جهل المسلمين بها و سلبيتهم إزاءها و تواطؤ الحكومات في البلاد الإسلامية معها.. فالدعوة الإسلامية غائبة عن الأقليات غير المسلمة المقيمة في بلاد المسلمين.. و الحكام العلمانيون تخلوا عن واجب الحاكم في الإسلام الذي يحتم عليه رعاية القيم الدينية لمواطنيه و تشجيع الدعوة لنشر الإسلام. و يقف المسلمون في حالة من الغفوة المشينة إزاء المبشرين المسلحين بالأموال الطائلة و النفوذ السياسي، و الذين يسخرون المؤسسات الاجتماعية الضرورية كالمكتبات و المدارس و الملاجئ و المستشفيات و دور الرعاية و مراكز الشباب لنشر دعوتهم حتى في داخل بلاد المسلمين أنفسهم. و المبشرون ينوعون أساليبهم ما بين الإقناع و الإرهاب و الإغراء و استغلال الجهل و الحاجة، و هم يجتذبون الفقراء بالمال أو تزويد المسكن أو الإرشاد الزراعي أو الخبز أو فرص التعليم أو مناصرة قضايا المظلومين بالاستناد إلى الحماية الخارجية. و هكذا يتحول المبشرون إلى تيار اجتماعي سياسي قوي ينافس الدولة و يخيفها إن لم يسيطر عليها.. و بهذه الطريقة ضاعت الأغلبية المسلمة في كثير من الدول الأفريقية و اهتزت في بلاد إسلامية كبيرة كأندونيسيا و الباكستان.
و عندما قام حاكم مسلم مستنير كأحمد وبيلو، و أبو بكر تيفاواباليوا في نيجيريا أسقط فوراً في انقلاب عسكري دموي دبرته الصليبية الدولية بالتحالف مع الصهيونية، و كانت جريرته التي قتل بها في يناير عام 1966 أنه شجع الدعوة الإسلامية مما أدى إلى اعتناق الألوف المؤلفة من النصارى و الوثنيين للإسلام.. و قبلها بعامين تحالفت الصليبية مع الشيوعي السابق جوليوس نيريري و بعض الاتجاهات العسكرية الماركسية لقلب حكومة زنزبار المسلمة و تنحية الحاكم العربي الشرعي السلطان جمشيد و إحلال حكم مسيحي محله بعد ذبح أعداد لا حصر لها من المسلمين في هذه الجزيرة و تصفية سكانها من العرب.. و ببساطة شديدة انتهت زنزبار كمعقل إسلامي كبير و قديم في شرق أفريقيا.
الجهود التنصيرية في باكستان(22/31)
يمتد الأخطبوط التبشيري بتحالفاته السياسية الواسعة إلى قلب بلد كان يظن أنه بمنجى عن مخططات التنصير و التغريب و هو باكستان التي قامت على الإسلام لجمع شمل المسلمين، فما هي الصورة في ذلك البلد؟ و لنترك الأرقام تتحدث: ففي عام 1958 ذكر المسيحيون أن أعدادهم هناك تبلغ حوالي ثلاثمائة ألف، و قالوا إن نسبة زيادة المسيحيين خلال عشر سنوات من عام 1941 إلى 1951 بلغت حوالي 30% و كانت الزيادة في منطقة البنغال الشرقية وحدها (بنجلاديش الآن) تصل إلى 45%، و وصلت في منطقة لاهور بالجزء الغربي من البلاد إلى 50% بينما ارتفعت في مدينة كراتشي إلى مائة بالمائة.. أما في الفترة من عام 1951 ـ 1958 فقد زادت الأعداد بنسب أعلى لاسيما فيما يتصل بالمنضمين إلى المذهب الكاثوليكي.
و ترجع نشاطات التنصير إلى أواخر الأربعينات، حيث استغلت الهيئات التبشيرية حالة الفوضى السائدة عقب التقسيم و ما تبعه من متاعب و نشوء تجمع لاجئين كبير في الانتشار بين الأوساط الإسلامية و التركيز عليها. و قد ذكرت جريدة "العالم الإسلامي" التي تتبع إحدى جهات التبشير الأمريكية أن المجتمع الإسلامي قد ساده الاضطراب عام 1947 مما أدى إلى أن يصبح المسلمون أكثر تقبلاً لصداقة المسيحيين المبشرين الذين قدموا المعونات و الهداية و الإرشاد من خلال تنظيمات مثل اللجنة المسيحية لإغاثة باكستان الغربية و مقرها لاهور. و قد دعمت حكومة باكستان هذه الأعمال التبشيرية و سهلت لها نشاطاتها من النواحي المادية و المعنوية فضلاً عن تدفق الأموال من أمريكا و بريطانيا و فرنسا و إيطاليا و السويد على أكثر من أربعين منظمة تبشيرية تنشط في باكستان من خلال المؤسسات التعليمية و غيرها.
و تركز جهات التنصير في باكستان على النواحي التعليمية بعد أن استقرت هناك باستغلال الاضطراب و العَوَز الناجمين عن التقسيم. و من المؤسسات التعليمية كلية فورمان المسيحية للشباب، و كلية كينيرد للشابات، و دير عيسى و مريم للأطفال.. و كلها تدرس بالإنجليزية و مقرها لاهور. و تعتمد الحكومة الباكستانية أساليب و أنظمة و مناهج و فلسفات التعليم في المدارس و المعاهد التبشيرية كنماذج و قدوة و مثل عليا تصاغ على أسسها سياسات التعليم في المدارس الحكومية باللغتين الأردية و البنغالية؛ و لهذا السبب تتضاءل أهمية تدريس اللغة العربية و الفارسية في التعليم الحكومي و تهيمن الإنجليزية ليس كلغة فحسب، بل و ثقافة أيضاً حيث يدرس الأطفال تاريخ إنجلترا على حساب تراثهم الوطني، و لا يتعلمون أي شئ عن الإسلام أو تاريخه سواءً في الخارج أو في بلدهم الإسلامي نفسه. و تحاط دراسة المواضيع الإنجليزية بمغريات شتى تحبب التلاميذ فيها بينما تقدم مادة الإسلاميات في صورة منفرة غير متصلة بالواقع سواءً في مراحل التعليم الأولية أو الجامعية. أضف إلى ذلك أن الدراسات الإسلامية في الجامعات تقدم من وجهة نظر غربية استشراقية مما يعني أن الطلاب المسلمين يدرسون دينهم على يد أعدائه. و مما لا ينبغي إغفاله أن المدارس التبشيرية الخاصة في باكستان تعمد إلى صياغة سلوكيات الطلبة على الأنماط الغربية فتفرض عليهم الزي الأوروبي الكامل بما فيه رباط العنق الذي لا يتناسب مع حرارة الطقس، كما تقدم لهم أصناف الطعام الإنجليزي.
مواجهة النشاط التبشيري
مواجهة النشاط التبشيري في البلاد الإسلامية يجب أن تبدأ بمنع هذه التحركات المستغلة للعَوَز و الحاجة، كما لابد أن يقترن ذلك بدعوة إسلامية إيجابية و ذكية متحررة من قيود السلطة أو روتينية الوظيفة يقوم بها الأفراد و الجماعات. و من المؤكد أن الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين لن يكتب لها النجاح عاى نطاق واسع إلا إذا قام مجتمع أو دولة إسلامية تكون بمثابة القدوة للطبيعة العملية و الممكنة للمنهج الإسلامي و تقدم البديل العملي الناجح و القائم في وجه المنهج الغربي الفاشل على تعدد أساليبه.. فمثل هذه الدولة الإسلامية الحقيقية هي الكفيلة بإنجاح جهود الدعوة كما كانت في المدينة المنورة في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام -.
و إذا كان المبشرون يعتمدون على مجال الخدمات الاجتماعية و الاقتصادية للوصول إلى الجماهير المحرومة، فلابد من دعم جهود التنمية و الوفاء بحاجات الناس الصحية و التعليمية من خلال مؤسسات إسلامية تابعة للحكومات أو الأفراد أو الهيئات، و لابد كذلك من التعرف بعمق على الفكر و العقيدة المسيحية و أوجه القصور و الضعف فيها.
ملاحظات عامة على المسيحية(22/32)
نحاول هنا أن نطرح بعض الملاحظات على المسيحية الغربية التي تمثل مناطق عيب تقابلها أوجه قوة في الإسلام. أولى هذه الملاحظات تتعلق بغياب مفهوم الأمة الواحدة العامة في الممارسة المسيحية و غلبة المفاهيم العنصرية و القومية.. فالعنصرية تحكم المسيحية الغربية مع الشعوب الأخرى حتى لو اعتنقت المسيحية، و القومية تهيمن على العالم المسيحي الغربي الذي يفصل بين الدين و الدولة مما أدى إلى ظهور شرور النازية و الفاشية و الشيوعية.. و في كل الأحوال فإن غياب مركزية التوجه و وحدته قد أصاب المسيحية الغربية بضعف شديد تحاول الآن التغلب عليه من خلال تحركات البابوية الرومية و مجلس الكنائس العالمي في ميدان السياسة.
و العيب الثاني الرئيسي في المسيحية هو تعقد عقائدها و غموضها المضطرب كعقيدة التثليث مثلاً، و نجم عن ذلك تحول المسيحية إلى مجرد محاولة غير ناجحة لتحويل بعض الأفكار الفلسفية إلى دين لا تتقبله الفطرة الذهنية. كما نجم عنه أيضاً حركات الإصلاح المتتابعة منذ البرتستانتية و التي سعت كلها إلى جلاء غموض الفلسفات و المذهبيات المتداخلة في العقيدة المسيحية.. لكن هذه الخركات بدورها حولت الدين إلى كتلة باردة فاقدة لحرارة الإيمان و الإخلاص.. و انتهى الأمر إلى ضيق المفكرين و العامة من الأمر برمته و رواج الدعوة إلى فصل المسيحية عن تسيير الشئون السياسية و الاجتماعية إذا كانت عقائدها الأساسية على هذه الدرجة من التخبط، و مع ذلك بقي دعاتها يؤكدون أن صعوبة عقائدها تعني أنها موجهة بالإساس للعقول المتحضرة و ليس للسذج في بلدان آسيا و أفريقيا ممن يقبلون على الإسلام لبساطته.
و العيب الثالث القاتل هو خلو المسيحية من فلسفة اجتماعية شاملة و فعالة، فهي منذ بايتها لا تعلق على شئون الحياة و البشر و ليس لديها رأي في مسائل الدولة و القانون و الإنتاج، و لا بديل أمامها إلا أن تعيش منفصلة عن الدولة أو أن تسعى إلى مناقضة نفسها بالعمل على السيطرة على الدولة التي توجد الكنيسة في دائرتها. و تعود نظريتها في هذا المجال إلى القرنين الأول و الثاني من تاريخها، حيث ترعرعت إلى جانب الدولة الرومانية و تركت قضايا الحياة للقياصرة الأقوياء، مكتفية بالحديث عن ملكوت الرب.. و كان من شأن هذه الثنائية و البعد عن الحياة أن تثور ردود فعل قوية ضد المسيحية في تاريخها الطويل في أوروبا لعل أشهرها كان تفشي المذهب الشيوعي في بلدان الغرب ليحاول ملء الفراغ الدنيوي الخالي من أي توجيه ديني، و لا ريب أن محاولة فصل الدين عن الحياة تفشل لأن الحياة لا تقبل أن تنقسم و تحصر في أطر ضيقة.
ومن العيوب الأخرى التي أصابت المسيحية اقتصارها على الشعوب الغربية و تطبعها بأفكارها و مذاهبها و عاداتها، و لم تنتشر المسيحية خارج أوروبا إلا في بلدان العالم الجديد في أمريكا الشمالية و الجنوبية حيث واجهت وثنيات متخلفة، لكنها حينما حاولت أن تتوسع في البلدان ذات الأديان المنظمة حتى و إن كانت وثنية كالهندوكية و البوذية فشلت و لم تحرز أي تقدم إلا في ظل سيطرة الاستعمار الغربي و بمساعدته و التحالف معه و استغلال أوضاع محلية معينة من الأزمات و الحروب و الفقر و الجهل و التفكك الاجتماعي و التدهور الثقافي و ضرب الحضارات الأصلية.
و نختتم جولتنا المطولة عبر أفكار و ممارسات المسيحية بتساؤل: ترى لو عاد المسيح - عليه السلام - فهل سيتعرف على أتباعه في الغاتيكان أم في مسلمي فلسطين و البلاد المجاورة الذين سيعرفون قدره كنبي و يرحبون به حتى و هم في حالة الاستضعاف؟ إن عيسى - عليه السلام - لن يسعى لمقابلة البابا، لكنه سيحاول تحرير القدس كما حررها من قبل من الغارسيين و الكتبة و المنافقين، و سيقود جيش المسلمين من فلاحي مصر و الشام و فلسطين..
----------------------------------------
نقلاً ـ بتصرف ـ عن كتاب (رحلتي من الكفر إلى الإيمان ـ قصة إسلام الكاتبة الأمريكية المهتدية "مريم جميلة")
http://tansee صلى الله عليه وسلم jee r an.com المصدر:
============(22/33)
(22/34)
التنصير: تعريفه وأساليبه وأثره (2/2)
د. يوسف محمد صديق*
إن مما ساعد على ازدهار و نجاح أساليب التنصير و فتح الباب أمامها واسعاً، الآتي:
التنصير2 (1) العكوف بالدراسة على تحديثها وتطويرها و تجديدها، بين الفينة و الفينة، مما جعل مهمة سيطرة المسلمين عليها صعبة، قال أحد زعماء التنصير في المؤتمر الذي عقد في عام 1978م بأمريكا:( قد لا يكون المسلم المعاصر مبالياً بعقيدته الدينية ولكنه يريد أن يظل مسلماً لأسباب حضارية وثقافية، إن تغيير ديانته قد يعني عزل نفسه عن أسرته، وعليه فإن الرد النصراني يجب أن يكون ثقافياً دينياً إذا ما أردنا أن يكون نشاطنا النصراني فعالاً )
2) عامل الفقر المدقع لدى المسلمين و الضارب عليهم الذلة والمسكنة و المهدد لهم بالموت؛ اتخذه الاستشراق مطية تهديد ووعيد فرهبوا به ضعفاء المسلمين، كفعل الجن، قال تعالى: ( الشيطان يعدكم الفقر)، فساعد الفقر على التنصير، لأن الفقر كفر فبذلت الأموال من المنصرين لجذب هؤلاء الفقراء. و قد كان دعاء المعصوم r (وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا يبيد).
3) قلة ثقافة ووعي المسلمين بما يخططه الاستشراق تجاه الإسلام، واختلاط الحق بالباطل عند كثير من المسلمين واختلاط الصدق بالخرافة، فعمد المنصرون إلى ترسيخ هذه المفاهيم.
4) تساهل بعض الحكام باستقبالهم المنصرين وإعطائهم التسهيلات لإقامة مؤسساتهم التنصيرية.
حصاد التنصير
رغم هذه الإمكانيات العالية و الأساليب المتنوعة، و رغم تعثر انتشار الإسلام في إفريقيا جنوبي الصحراء، إذ كان المسلمون عشرة أضعاف المسيحيين واليوم أصبح المسيحيون أضعاف المسلمين. إلا أن التنصير بين المسلمين فيه صعوبة كبيرة جداً، و لم يكن بعشر معشار ما بذل من أجله، لذا لجأ الاستشراق إلى غير منحاه و اتجاهه الأول، و قنع و رضي بأساليب التشكيك في العقيدة الإسلامية فحقق نوعاً من النجاح، في أوساط العوام والبعيدين عن الدين أما الواعين من المسلمين فلم تفلح جهود المنصرين عندهم.
و للمحافظة على هذا و النهوض به لزم التوصيات الآتية
1- يلزم كل المؤسسات العلمية، أن يكون لها دور واضح في الدفاع عن الدعوة و المسلمين، في مقدمتها دور الإفتاء و الروابط الإسلامية العالمية و جمعيات أوربا و أمريكا الإسلامية الجامعات الإسلامية، كما يجب أن تخص الفتيات و الشباب بمزيد عناية و رعاية.
3- العناية بالبرامج الدعوية المكثفة من خلال الإعلام الواعي و بجميع اللهجات واللغات، خاصة مراكز ثقل المسلمين في العالم و توجيه هذا البث إليهم.
4- يجب أن تتخصص بعض مراكز البحوث في دراسة خطط التنصير و إبطالها فكرياً، خاصة شبههم حول القرآن و الرسو صلى الله عليه وسلم ، و تضم في عضويتها كوكبة من المخلصين من العلماء وطلبة العلم.
5- يحرم على الحكومات الإسلامية أن تيسر التسهيلات لحملات التنصير، وعليها أن تغلق باب البعثات الدبلوماسية المتسترة بالأطباء و الممرضين وغيرهم.
6- العمل على إنشاء الجمعيات الخيرية العالمية تحت رعاية الدول المسلمة التي تقوم بسد حاجة الفقير المسلم ـ كي لا يكون تحت رحمة النصارى الصليبيين ـ و حماية عقيدته. و لقد استغل المبشرون ـ بدعوى المساندة و الإعانة في ما تتعرض له الكثير من الشعوب الإسلامية من الفقر الشديد والمجاعات و الأوبئة ـ الأوضاع لنشر عقيدتهم.
========(22/35)
(22/36)
اعتراض المسلمين على التنصير أثار غضب نصارى نيجيريا
أعلن أحد زعماء المسلمين في العاصمة النيجيرية لاجوس أن السبب الرئيس للعدوان النصراني البربري على المسلمين هو الاعتراض على الأنشطة التنصيرية.
وأخبر الزعيم المسلم 'ظاهر عبد الله' لشبكة 'ويست أفركا' أن المنصرين اتخذوا من مدينة جوس النيجيرية مركزًا رئيسيًا لنشاطهم التنصيري وسط وغرب القارة الإفريقية.
وقال ظاهر إن المنصرين لا يتخفون بأنشطتهم كما كان الحال في السابق؛ بل إنهم الآن بلغوا من القوة والإمكانات المادية مبلغًا ملحوظًا، ويعلنون عن مؤسساتهم بشكل واضح.
وقال ظاهر: 'إنك تستطيع أن تسير في مدينة جوس مثلاً فتقع عينك على لافتة تحث على اتباع الدين النصراني، في بلد يشكل المسلمون فيه 76%.
ويُذكر أن تطبيق الشريعة الإسلامية في ولايات الشمال - حيث الأغلبية المسلمة - قد تسبب في توتر العلاقات بين النصارى والمسلمين؛ حيث يعارض النصارى تطبيق الشريعة في ولايات الشمال؛ بحجة أنه مخالفة للقانون النيجيري، كما أنه يثير مخاوفهم، خاصة فيما يتعلق بمصير القاطنين في تلك المناطق من الأقليات النصرانية، والتي تدعي معاناة التهديد والاضطهاد.
http://tansee صلى الله عليه وسلم jee r an.com المصدر:
==============(22/37)
(22/38)
المنظمات الاجنبية وسيناريوهات التنصير في دارفور
أحمد إسماعيل*
المنظمات الاجنبية دارفور للمنظمات الغربية المرتبطة بالمشروع الكنسي تاريخ طويل في إثارة واستغلال الاضطرابات والحروب الأهلية في السودان. منذ اندلاع أول تمرد عسكري في جنوب السودان عام 1955م مروراً بكل دورات الحرب الأهلية في الجنوب 1962م ـ1983م مروراً بما حدث في جبال النوبة ـ انتهاء بما يجري في دارفور الآن. ذلك لأن تحجيم معابر الثقافة العربية الإسلامية في القارة الأفريقية ظل على الدوام هو الهدف الأسمى والأكبر للكنيسة العالمية
ومنذ أن عرف الإسلام طريقه إلى هذا البلد ـ السودان ـ، ودارفور قد عرفت كمنطقة من مناطق التمدد الإسلامي التام.. فقد عرفها التاريخ بممالكها الإسلامية منذ سلطنة الفور الكبرى، وسلطنة المساليت المرتبطة تاريخياً بسلطنة ودّاي.. كما عرفها كمعقل ارتكاز للثورة المهدية وكآخر الحصون المسلمة سقوطاً في مواجهة الاستعمار الإنجليزي 1916م.. والناظر في تاريخنا يجد أن الإسلام لم يجد له مزاحماً في دارفور حتى الوقت القريب.. فالمسيحية قد تمددت في جنوب كردفان وجبال النوبة ـ واستطاعت ان تحوز بعض النفوذ في جنوب السودان. ولها نقاط في عدد من مناطق السودان.. ولكن دارفور لم تكن تواجه هذا الواقع، حتى مع توافد الهجرات الإفريقية عبر حدودها المفتوحة من جهة الغرب، فانه لم يكن يفد إليها في هذه الهجرات إلا المسلمون - رغم وجود النصرانية في الدول المتاخمة لها فالمهاجرون كانوا في الغالب من المسلمين الذين يفدون مسافرين في طريقهم إلى الحج.. أو من الرعاة الوافدين من شمال نيجيريا وغيرها. وهؤلاء وأولئك كانوا يفدون عابرين، فمنهم من يستقر بها ومنهم من يواصل سيره وربما استقر في منطقة أخرى من مناطق السودان، شمالاً أو شرقاً أو وسطاً، ثم يتداخل مع قبائلها وينتسب إليها.. أو يظل محتفظاً بكيانه القبلي.
ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية في الإقليم.. ونشوء ألازمة الإنسانية الكارثية التي تم استغلالها ببراعة من قبل القوى العالمية وأعلنت كأكبر كارثة إنسانية في العالم، تدافعت المنظمات الغربية التنصيرية بكثافة الى دارفور تحت شعار الإغاثة والعمل الإنساني لتمارس دوراً قذراً لتبديل الواقع الديني والديمغرافي الممثل بسيادة الإسلام ولتمارس عملاً تنصيرياً ربما ليس بالمفهوم التقليدي، وهو التبشير المباشر بالمسيحية - وان كانت لم تغفله تماماً. ولكن بأساليب أخرى أكثر تكنياً وأسرع نتائجاً.
لقد أدت الحرب وحالة انعدام الأمن.. إلى هجران السكان لمعظم القرى في دارفور وتجمعهم في معسكرات حول المدن الكبرى مثل نيالا وكتم وغيرها ولهذا كان البرنامج الأول لتلك المنظمات هو المحافظة على حالة عدم الاستقرار هذه لتحافظ على وجودها الدائم في دارفور.. وطبيعة هذه المنظمات هي العمل في جو الإضطرابات كأفضل جو يوفر لها القدرة على العمل دون تضييق من السلطة المركزية، ففي أحداث الجنوب من قبل كانت تقوم بإذكاء نار الحرب ودعم المتمردين بالسلاح ففي تمرد 1962م كان من الأسباب المباشرة التي دعت حكومة الفريق إبراهيم عبود إلى إخلاء الجنوب ـ في سبعة أيام فقط ـ من كل المبشرين الأجانب البالغ عددهم أربعمائة.. هو تورطهم المباشر في مساعدة المتمردين ودعمهم.. فقد كانوا يقومون بدور الوسيط بين قادة التمرد في الخارج وبين المواطنين في الداخل.. كما كانوا يقومون بتسريب الجنوبيين عبر الحدود إلى الدول المجاورة حيث معسكرات اللاجئين والتدريب العسكري.. وفي السنوات القريبة قبل توقف الحرب في جنوب السودان كانت المنظمات التنصيرية الكبرى مثل مؤسسة (صندوق الراعي الصالح) التي لها وجود ضاغط في الكونغرس الامريكي، تعمل على دعم المتمردين بالمال والسلاح، تهبط طائراتها في وضح النهار في الأراضي السودانية بما تحمله من دعم للمتمردين.. أما في أحداث دارفور فقد ضبطت الحكومة لأكثر من مرة أدلة مباشرة تشير إلى دعم هذه المنظمات والدول التي من ورائها لحركات التمرد من طائرات محملة بالسلاح وغيرها، وقد قامت الحكومة السودانية باستدعاء السفير الألماني وطلبت تفسيراً لأشياء من هذا القبيل.. وذات هذا الأمر هو الذي دعى الحكومة إلى التشدد في تفتيش عربات الإغاثة.. ولكن هذه المنظمات لم تقف مكتوفة الأيدي بل استغلت الضغط الدولي على الحكومة في الخرطوم لتفرض عليها إطلاق يدها عن حركة الإغاثة التابعة لتلك المنظمات!!(22/39)
ومن جانب آخر، فان هذه المنظمات لتدعيم وجودها والمحافظة على حالة النزوح وعدم الاستقرار أغرقت الارض بأموال طائلة لتخلق نوعاً من الارتباطات المصلحية المعقدة.. ففي معسكرات اللاجئين قامت بتوفير ما يحتاج اليه إنسان دارفور وما لا يحتاجه، بل وما لم يكن يحلم به، وبالتالي صار هذا الانسان يفكر، ما الذي يدعوه إلى العودة إلى القرى المحروقة وهو يجد أكثر مما يحتاجه في هذه المعسكرات بدون عناء ؟!.. وفي المدن ارتفعت قيمة ايجارات المساكن والسيارات بصورة جنونية بسبب وجود هذه المنظمات، مما يوجد عدداً من الطبقات المستفيدة من الوجود الأجنبي.. كل هذا أدى إلى تثبيط فاعلية البرنامج المضاد الذي تقوم به الحكومة والمنظمات الوطنية والإسلامية لإعادة النازحين إلى قراهم بتطبيق برنامج الإغاثة على أراضيها.
لقد بدأت المنظمات تمارس العمل التنفيذي المباشر.. فالمراقبون على الساحة قد أحصوا أعداداً ليست قليلة من الذين تضرروا.. ولكن البرنامج الأكثر تقدماً الذي يتوقع أن تقوم به في ظل حالة عدم الاستقرار هو:
1/ تشجيع حركة النزوح عن القرى وخاصة إلى خارج الأراضي السودانية تشاد مثلاً وهذا هو الذي يجري الآن على الأرض، فقد نقلت أجهزة الإعلام الخارجية قبل أسابيع انباءاً عن احتشاد بضع مئات من اللاجئين السودانيين على الحدود مع تشاد رغم نفي الحكومة لهذا النبأ.. وفي حرب الجنوب نجد مثالاً لهذا الدور. فقد تولت الكنائس أمر إخراج اللاجئين الجنوبيين إلى الدول المجاورة حيث تولت كل أمورهم من سكن وإعاشة وسفر.. وهكذا فإن ذات السيناريو يمكن أن يتم تنفيذه في معسكرات خارج الحدود.. ولك أن تتوقع البرنامج الذي يمكن ان يتم تنفيذه من تعليم، وعزل ثقافي ولغوي لأبناء النازحين، وتزكية للأحقاد ضد العرب.. هذا السيناريو تم تطبيقه في جبال النوبة على الأرض وليس خارجها، فقد حكى لنا بعض شهود العيان من أبناء المنطقة، أن بعض المناطق في الجبال لا تتحدث العربية بل الانجليزية.. من الصبيان وحتى العجزة !!
2/ سياسة الإحلال لأعداد كبيرة من الوافد غير الوطني (نصارى في الغالب) لإحداث تغيير في الميزان الديمغرافي. فإن الدرب الأسهل هو استيراد النصارى بدلاً من تنصير المكون المحلي.. هذا السيناريو سيتم عبر مراحل تبدأ أولا بإدماجهم تدريجياً في المعسكرات خارج الحدود.. ثم تسريبهم في المراحل التالية عندما يبدأ برنامج إعادة توطين النازحين..
3/ محاولة تقليص الوجود العربي المسلم، بإذكاء الحقد، وإشعال نيران الحرب بين الحين والآخر وفي هذه الحالة سيكون ميزان القوى قد اختل.. وسيقع القتل والتهجير على الجانب العربي مما يمهد الطريق لتطبيق برنامج العزل الثقافي على القبائل غير العربية.. والعزل الثقافي على الدوام هو طريق الكنيسة للتنصير.. مثلما سنوا قانون المناطق المقفولة في فترة الحكم الثنائي.. إذ كانت المنظمات الكنسية تشرف على عمليات القتل مباشرة للعنصر العربي المسلم في جنوب السودان.. فقد جاء في جريدة الرأي العام 14 سبتمبر 1955م أن القس (بلم ترى )، حضر الاجتماع الذي عقد قبل التمرد بيوم واحد، وقرر فيه الجنوبيون ذبح الشماليين، وقد دعا لهم القس بالتوفيق وتكليل المسعى بالنجاح.
هذا السيناريو المتوقع ليس رجماً بالغيب.. بل له شواهد من الواقع في كثير من الدول في العالم ذات الأغلبية المسلمة.. كيف تحول المسلمون فيها إلى أقليات وقد كانوا أكثرية، الفلبين التي قتلت (ماجلان) لأنه أراد أن يرفع الصليب على أراضيها المسلمة، وكان اسم حاضرتها (امان الله) وتعرف الآن بـ (مانيلا).. اريتريا ارض الهجرة الأولى.. تنزانيا !! موزمبيق امارة (موسى بك) وغيرها من المآسي.. لابد للمسلمين من دور إيجابي لتحويل وجه الأحداث، وستكون الظروف والواقع الأصلي مع شيء من الصبر والجلد والجهد - في صالحهم. وإلا فلات ساعة مندم.
============(22/40)
(22/41)
أصابع التنصير الخفية تقف وراء التدخل الدولي في دارفور
حذر د. محمد الأمين دفع الله رئيس لجنة الزراعة والثروة الحيوانية بالمجلس الوطني السوداني (البرلمان) ومسئول صندوق إعمار جنوب السودان سابقاً من أن التدخل الأجنبي الذي تزمع أمريكا ودول أوروبية القيام به في دارفور تحت غطاء الأمم المتحدة له أهداف أخرى تتمثل في السعي لتنصير هذه المنطقة المهمة والسيطرة عليها لما لها من أهمية إستراتيجية وغناها بالموارد الطبيعية وعلى رأسها البترول.
وأكد في حوار معه أن التدخل الغربي جاء أصلاً لأهداف إستراتيجية وأن هدفه فصل العالم الإفريقي المسلم عن باقي القارة الإفريقية خشية انتشار الإسلام في ربوع إفريقيا؛ ولهذا يسعون لعزل العنصر الإفريقي المسلم عن العنصر العربي وتنصير هذا الجزء المسلم..وفيما يلي تفاصيل الحوار:
شكوك وهواجس تطرح من قبل السودان من أن تكون الدعوة الأمريكية لتدخل دولي في دارفور لها أغراض خفية؟
هي ليست شكوكاً بل حقائق، التدخل أصلاً لأهداف إستراتيجية، فأمريكا تريد أن تستعبد العالم الإسلامي، وتريد أن تفصل العالم المسلم الإفريقي عن باقي القارة الإفريقية خوفاً من انتشار الدين الإسلامي في المنطقة وساعدتها الصهيونية العالمية.
وحقيقة لا يوجد أي داع لهذا التدخل الأممي، لأنها قضية داخلية، والسودان يسعي مع جيرانه وأصدقائه لحلها عن طريق الحوار كما حدث من قبل في حل قضية الجنوب التي تعقدت لأكثر من عشرين عاماً والتي كانت معقدة أكثر من قضية دارفور.كما أن دارفور مسلمة مائة في المائة فكل سكانها مسلمون وليس بينهم مسيحيون مثل الجنوب مثلاً، وبالتالي فحل قضية دارفور أسهل من حل مشكلة الجنوب، ولكن ما يعقد المشكلة هو الأطماع الخارجية في الموقع الاستراتيجي بالإضافة إلى الموارد الكثيرة جداً الموجودة في دارفور، سواء كانت من الموارد البترولية أو اليورانيوم، أو الحديد وغيرها من المعادن، وبالتالي هناك هدف وغرض خفي وخبيث يسعى لتنصير هذا الجزء العزيز من البلد، ويريد أن يعزل العنصر المسلم الإفريقي عن العنصر العربي.
تحدثت عن خطط لتنصير دارفور.. ما الغرض الأساسي لهذه الخطط هناك؟
الغرض الأساسي هو وقف انتشار الإسلام من هذه البوابة التي تشكل المنطقة الغربية للقارة الإفريقية والتي هي أساساً منطقة مسلمة بالتاريخ والجغرافيا رغم الهجرة القسرية التي تمت من جامبيا والسنغال وغيرها، وهي مناطق معروفة بأنها مناطق إسلامية، وتسعى الكنيسة الغربية منذ زمن للتواجد فيها، لأنها ذات أهمية كبيرة جداً بحكم موقعها الإستراتيجي، ورغبة الغرب في الاستفادة من خيرات هذا البلد، إضافة لسعيهم من خلال احتلال دارفور لوقف الانتشار "الإسلامي الأيديولوجي" الذي بدأ ينتشر في السودان. ويعتقد الغرب أن السودان لو انتصر في هذه المعركة، فسيكون هذا ضد مصالحها وضد البرنامج الصهيوني للمنطقة.
وعلى هذا الأساس أنا أعتقد أن التدخل له بعد استراتيجي غربي صهيوني ويعمل الجميع على تنفيذه، ويجد الآن ضالته في ضعف العالم الإسلامي والعربي، والانفراد الأمريكي بحكم العالم، مع مساندة الدول التي تسمى ب "العظمى" لتنفيذ المخطط الصهيوني، ولكن أهل السودان واعون لهذا الدور، كما أن دارفور عصية جداً على هذا المستعمر لأنها بلد المحمل وكسوة الكعبة المشرفة التي كانت تُحمل من دارفور إلى مكة، ولم يسبق أن دخل دارفور مسيحي واحد. إنهم في النهاية يهدفون لتغيير الهوية هناك ووقف المد الإسلامي في هذه القارة.
هناك أحاديث عن مخطط أمريكي للسيطرة على منطقة القرن الإفريقي وعلى رأسها السودان ما رأيك؟
أنا لا أستبعد أي شيء، فأي شيء متاح، في ظل الانفراد الأمريكي والسيطرة بالقوة على العالم، والتبعية الذليلة الضعيفة المهينة لبعض الدول الضعيفة وحكامها ولا أقول الشعوب فأنا أتحدث عن مواقف الحكام السلبية جداً أمام الضغوط الأمريكية، والتي تكاد تنهار أمام الضغوط. هذا الدور الأمريكي الضاغط ظهر جلياً في القمة الإفريقية، وفي المجلس الإفريقي للسلم والأمن، حيث انهار الكثير من الدول الإفريقية تماماً أمام هذا الضغط الأمريكي.
والأطماع الأمريكية للتحكم في القارة الإفريقية موجودة منذ فترة طويلة جداً، فهم أرادوا أن تكون إفريقيا مدخلهم للعالم العربي والعالم الإسلامي بالسيطرة على هذه المنطقة، لأنها تاريخياً وحتى الآن.. منطقة من يستطيع السيطرة عليها، يسيطر على إفريقيا وعلى المضايق (باب المندب) وكل المداخل ويسيطر على عمليات نقل السلاح، وبالتالي أتفق مع التصورات التي تتحدث عن أن الإستراتيجية الأمريكية تريد أن تتحكم في القرن الإفريقي والسودان.
القمة الإفريقية الأخيرة كان من المفترض أن تختار السودان رئيساً ومع هذا تم اختيار الكونغو، وأعقب هذا موافقة الاتحاد الإفريقي على التدخل الفوري للقوات الدولية في دارفور.. ما تفسير لذلك؟(22/42)
السودان بكل المقاييس كان المفترض أن يكون رئيساً لقمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة هذا العام 2006 وفق الأعراف والتقاليد، وفي القمة الأخيرة جرت ضغوط أجنبية على الدول الإفريقية لرفض رئاسة السودان هذا العام لأنها الفترة التي تريد أمريكا أن تفرض خلالها عقوبات على السودان وتطرح فكرة التدخل الدولي في دارفور!
وكانت أمريكا تعترض من الأساس أن يكون انعقاد القمة في السودان، لأسباب منها أنها لا تريد للمجتمع الإفريقي أن يعرف ماذا يجري في السودان من تطور، وألا تتغير الصورة النمطية السيئة التي رسموها في عقولهم عن الخرطوم هذه العاصمة الإسلامية، ولكننا بالإصرار على عقد القمة في السودان نجحنا في تحقيق الهدف الأول بتغيير هذه الصورة بعدما رأى الأفارقة كيف تغيرت الخرطوم وكيف أصبح السودان قادراً على الاضطلاع بمسئولية رئاسة إفريقيا، ولكن المشكلة أن الأفارقة قالوا صراحة إن ضغوطاً أمريكية وأوروبية قد مورست عليهم لرفض تولي السودان الرئاسة.
إن أمريكا والغرب لا يريد باختصار أن يكون السودان رئيساً في الفترة التي عزموا فيها على فرض العقوبات عليه، ولذلك هددنا بالانسحاب من الاتحاد الإفريقي لو تمت الموافقة على إحلال قوات دولية في دارفور بالقوات الإفريقية لأن هذا باطل من أساسه ومخالف لتقاليد الاتحاد الإفريقي.
وهل تعتقد أن الضغوط الغربية على الدول الإفريقية لرفض رئاسة السودان للاتحاد لها علاقة أو هي مقدمة لهذه الدعوات للتدخل الدولي في دارفور؟
طبعاً، تمهيد لتدخل القوات الدولية.. هي مراحل.. هي خطة مدبرة بدقة ضد السودان وصرفوا عليها الكثير من الأموال من أمريكا والأمم المتحدة، وبدلاً من أن ينفقوا هذه الأموال على اللاجئين والمشردين الأولى بالرعاية، ينفقونها في التدخل في شئون الدول!
إنهم يريدون السيطرة على العالم كله والتحكم فيه واستغلال موارد الشرق المسلم. وما يقال عن حرية وديمقراطية من جانب الغرب حديث زائف، ووضح هذا عندما فازت حماس في فلسطين واعترضوا عليها، ولن يكون السودان تابعاً خائفاً ذليلاًًً لأمريكا إن شاء الله.
لو تدخلت أمريكا أو الأمم المتحدة الآن في دارفور رغماً عنكم بعدما مارست ضغوطاً على الدول الإفريقية كي توافق.. فماذا سيفعل السودان؟ هل ستحاربون هذه القوات الأجنبية؟
نحن الآن بدأنا نعد أنفسنا لهذا اللقاء وهذه الحرب، ووزارة الدفاع السودانية بدأت تعد وتطور قواتها، وحتى قوات الدفاع الشعبي التي حاربت في الجنوب وهي الآن في استراحة المحارب يمكن أن نستدعيها في حالة الحرب هذه لتعود للقتال، وإذا لم نحارب عندما يهاجم أحد بلدنا وديننا ومعتقداتنا فمتى نحارب؟
لو تدخلوا فسننتصر بإذن الله، ولا ننسى ما يحدث في العراق.. صحيح أنه شتان بين ما يحدث في العراق ودارفور، ولكن أهل السودان قادرون على الدفاع عن بلادهم كما يفعل العراقيون.
ترددت تقارير تشير إلى أن تنظيم القاعدة سوف يدخل الحرب في دارفور لو دخلتها قوات أمريكية.. فهل هذا متوقع؟
أنا لا أقول إن القاعدة موجودة أو غير موجودة، ولا علم لي بذلك، وحقيقة نحن لا نطلب من أحد أن يأتي ليدافع عن بلادنا وأرضنا. وأنا أقولها بوضوح وصراحة: نحن نريد فقط الدعم المعنوي والسياسي والدبلوماسي، وأن يقف العرب والعالم مع هذه القضية العادلة، ولا نريد أن نكرر المأساة التي حدثت في العراق ولا نريد الحرب الأهلية أو أن يحدث تقتيل وتشريد بين أهلنا، ولا نريد حرباً قبلية، ولا نريد أن يستغل البعض هذه "القاعدة" في تبرير الدخول إلى السودان كما هو هدفهم.
نحن شعب السودان قادرون على الدفاع عن بلادنا وحماية أنفسنا من العدوان وأن نرجع الحق لأهله، وكما فعلنا سابقاً في حرب الجنوب دون أي دعم من أي جهة نستطيع أن نفعل ونسترد الحقوق في دارفور وغيرها، خاصة أن أهل دارفور بكل فئاتهم يرفضون هذا التدخل الأجنبي لأنهم يعلمون مساوئه وأهدافه، أما الوجود الإفريقي الحالي فجاء نتيجة اتفاق معنا بغرض "مراقبة" وقف إطلاق النار وليس "التدخل"، وإذا عجزت القوات الإفريقية عن هذا الهدف فعليها أن ترحل.
معنى هذا أنكم لا ترحبون بأي "مجاهدين" عرب للدفاع عن دارفور لو حدث تدخل كما حصل في العراق؟
لو فتحنا الباب لهذا فعليك أن تتوقع كل الاحتمالات، فهناك من يرغب بالفعل في الدفاع عن السودان وهناك من يرغب في أن يضر السودان.. نحن لا نريد من أحد سوى الدعم المعنوي، ولكن لو حدث ذلك وحدث التدخل وحدث انفلات أمني كما وقع في العراق وانفلات حدودي.. لا تستطيع حينئذ أن تسيطر على من يدخل أو من يخرج، وفي هذه الحالة، فإن الذي يحاسب هو الذي بدأ العدوان ولسنا نحن لأننا لا نريد لأحد أن يتدخل ولم نطلب من أحد أن يتدخل أو يرسل قوات أو سلاحاً لبلادنا.
23/04/2006
http://www.islamweb.net المصدر:
============(22/43)
(22/44)
العولمة من خلال رؤية إسلامية
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدهُ ونَستعينُهُ ونستغفره، ونعوذ بالله مِنْ شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مِنْ يَهدِه اللهُ فَلَا مُضل لَهُ، وَمَنْ يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ? [آل عمران: 102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا? [الأحزاب: 70، 71].
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم، واقتفى أثرَهم إلى يوم الدين.
أما بعد :
فالحديثُ في السنوات الأخيرة تكرر حول عنوان كثيرًا ما يظهر؛ إما في عناوين الكتب، أو في الطُّرُوحات الأخرى؛ كالمجلات والصحف والوسائل الإعلامية، وهذه الطُّرُوحات المتنوعة المتعددة كثيرًا ما تتحدث عن هذه القضية التي سنعرض لجانب منها؛ ألا وهي: " العولمة "، وسنُرَكِّز عليها في إطار "نَظراتُنا لها من خلال المنهج الإسلامي".
تعريف العَوْلَمة
إنَّ العولمة من خلال تعريف سهل ميسر هي : جَعْلُ العالَم واحدًا.
فهي مُشتقَّة من العالَم؛ فهي تَفاعُل وانْفِعالٌ يقصد إلى جَعْل العالَم واحدًا في تَوَجُّهاتِه وأحواله الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
وهذه الدعوة التي اتَّخَذت اسم " العولمة " لا تقتصر على الطَّرْح الفكري أو الإعلامي فقط، وإنما تُمَارس الطَّرْح العملي في حياة الأمم والشعوب، ويُهِمُّنا نحن المسلمين أثرها ومؤثراتها علينا وعلى ديننا وعقيدتنا وأخلاقنا.
ونحن نعلم بادئ ذي بَدْء أَنَّ الإسلام نفسَه دِينٌ عالَمي، فلو استَعَرْنا المصطلح لَقُلْنا: إنَّ دِين الله سبحانه وتعالى يسعى إلى عولَمةِ العالَم، لكنْ من خلال أصول تُسْعِد الإنسانَ في الدنيا والآخرة، من خلال منهج رباني دَعَت إليه رسل الله عليهم الصلاة والسلام، ومِن ثَمَّ فتاريخ الرُّسل وعقيدتهم ومنطلقاتهم واحدة، فَلَمَّا خُتِمت الرسالات بنبينا صلى الله عليه وسلم جعلها الله للعالمين جميعًا: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا? [سبأ: 28]؛ ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ? [الأنبياء: 107].
وبالفِعْلِ انْطَلَق الصحابة رضي الله عنهم ومَن بعدهم مَشْرقًا ومَغرِبًا، ينشرون دين الله سبحانه وتعالى، حتى إنهم لَمَّا قابلتهم البحار قال قائلهم: لو أنني أعلم أن بلادًا خَلْف هذا البحر لركبتُ إليها ؛ ماذا يقصد؟!!
إِنَّه نشرٌ لدين الله سبحانه وتعالى، وإخراجٌ لهم من النَّار إلى الجنة، ومن عبودية العباد إلى عبودية رب العباد تبارك وتعالى، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
ومِنْ ثَمَّ فمِثل هذه الدعوة بمجردها تَطْمَح إليها جميع الأمم؛ فالشيوعية حاولت أن تكون عالمية ولكنها جُوبِهت، والاستعمار الحديث - وأعني به في القرن الماضي - حاول أن يَفرض نفسه على العالم كله، لكنه واجَهَ مقاومات وفشل إلى حد كبير، فالمحاولة الأخيرة التي نعيشها في السنوات الأخيرة هي محاولة ضمن تاريخ ونُسُق عاشته قوى وأمم أرادت أن تفرض فِكْرَها وعقيدتها وأخلاقها ونظام حياتها فيمن تستطيع أن تفرضها عليه.
خُطُورةُ العَوْلَمة في وَاقِعِنا المُعَاصِر
وأَخْطَرُ ما في العولمة التي نعايشها في هذه السنوات الأخيرة أنها قامت على خمسة أَذْرُع، وهذه الأذرع في الحقيقة أدَّتْ إلى ما نعايشه اليوم من خطر أحسَّتْ به غالبيةُ الدول؛ إسلاميةً كانت أو غير إسلامية، لكنَّ الإحساس بالخطر كان من جانب المسلمين أكبر لأمر؛ وهو أن هذه العولمة وإنْ وُجِّهت إلى دول العالم كلها؛ إلا أنها موجهة إلى العالم الإسلامي بشكل واضح وصريح.
العَوْلَمة وأَذْرُعُها الخَمْسة!!
الأول : " الذراع العسكري ".
ويُقْصَد به القوة العسكرية الضاربة التي تريد أنْ تَفرض العولمة من خلال هذه القوة، وقد سمَّاها بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية من عشر سنين بـ" العصا الغليظة ".(22/45)
وسمى شَعْبَه هناك بـ" شعب الله المختار" الذي أرسله الله إلى العالمين؛ ليبثوا وينشروا فيهم الديمقراطيةَ أو الحريةَ، وحقوقَ الإنسان والرخاءَ الاقتصادي ونحو ذلك، فهذه العصا الغليظة بمنجزاتها العسكرية المتنوعة - سواء منها ما يتعلق بالسلاح النووي والبيولوجي، أو بأسلحتها المتنوعة المختلفة الأخرى المعروفة - هم يَسعَوْن بهذه القوى العسكرية إلى أنْ يفرضوا عولَمتهم.
الثاني : " الذراع السياسي " .
ويكون استخدامه من خلال السيطرة على المنظمات السياسية العالمية وتوجيهها الوجهة التي يريدونها، ومن ثَمَّ نجد أن هذه التوجهات والمنظمات السياسية العالمية تسير وتُقَاد بطريقة معينة، وتفرض من خلال ضغوطها وشروطها ونظمها ومواثيقها على دول العالم الأخرى السير في الركب؛ شاءوا أم أبوا !!
ومن ثَمَّ استخدم الغرب هذه الذراع لفرض هذه العولمة مع الأذرع الأخرى التي سنوردها هاهنا.
الثالث : " الذراع الاقتصادي".
ويستخدم أيضًا من خلال المنظمات العالمية، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية والبنوك العالمية الكبرى، والشركات العالمية، ومن خلالها يحاولون أن يُعَوْلِموا العالم، ويسيطروا عليه اقتصاديًّا، ونَعْلَم أهمية القضية الاقتصادية فيما يتعلق بحياة الأمم والشعوب؛ فتَجِدُ مثلًا بعض هذه القوى الاقتصادية أو الشركات تستطيع بقدرتها المالية أن تبتلع دولًا، وهذا الابتلاع مقتضاه أن هذه الدول تصبح مدينة خاضعة تُمْلِي عليها النظم والحياة، وتسير من خلال استعمار اقتصادي، والتجارب متعددة، وما جرى لشرق آسيا حين حاولوا أن ينهضوا اقتصاديًّا - بما سُمُّوا بالنُّمور هناك - جَعَلَتْ أعداء الله ( يتدخلون في أمور هذه الدول من خلال الناحية الاقتصادية، ويخترقون شركاتها وأسسها الاقتصادية، ثم بطُرُق معينة يلعبون بالاقتصاد لينهار السوق في ساعات محدودة!!
كيف سار هذا؟!
إِنَّه استخدام لهذه الذراع الاقتصادية؛ لأجل إخضاع كل من لا يسير على الطريق الذي لا يريدونه، وإذا ما برزت قوة اقتصادية حاولوا تدميرها بقواهم الاقتصادية الأخرى.
الرابع : " الذراع التقني والعلمي ".
ونستطيع أن نعتبرها من أهم هذه الأذرع؛ لأنَّ أثرها كان كبيرًا، فأعداءُ الله في السابق حاولوا عولمة العالم واستعمار العالم الإسلامي، لكنْ ما كانت التقنية العلمية - المتمثلة في الاتصالات ووسائل الإعلام والشبكات العنكبوتية والمحطات الفضائية وغيرها من الوسائل - ما كانت مؤثرةً وبالغةَ الدقة كما هو الحال في السنوات المتأخرة؛ فهذه التقنية العالية عند الغرب جعلته بالفعل يستخدم هذه الذراع بكل ما يملك من قوة لِفَرض العولمة على غيره من دول العالم الثالث ومنها العالم الإسلامي، وهي قضية واضحة مثل الشمس؛ لأنَّ هذه التقنيات فعلًا قد اخترقت الحُجُبَ، وأصبحت الدول التي كانت تَظن أنها تحيط نفسها بسُور من الجمارك مثلًا أو من غيرها؛ لتمنع وصول ما لا تريده إليها، أصبحت من خلال هذه التقنية تَرِد إلى بلادها وبيوتها، ومن خلال هذه الوسائل التقنية الدقيقة؛ لتخترق الحواجز والحجب، وتَنْفُذ لتنشر ما تريده من فكر وعقيدة وأخلاق ونظم .. إلى آخره.
فهذه الذراع التقنية المتطورة، والتي تتطور بسرعة، استطاعوا أن ينفذوا من خلالها، وهذا النفوذ الخطير هو الذي عَجَّل بالمتغيرات الكبيرة في كثير من بلاد العالم، ومنها بلاد العالم الإسلامي.
الخامس : " الذراع العقدي والثقافي والفكري ".
وهي من أخطر هذه الأذرع، وما الأذرع السابقة إلا لأجل أن تُمَكِّن هذا الذراع من أن يصل إلى الدول الأخرى، ويَنْفُذ في داخل المجتمعات من خلال وسائل متعددة، لينشر فيها عقيدة الغرب، ومنطلقاته الفكرية وثقافته، وحضارته ونظمه وأخلاقه وحياته، وهذا هو الخطر الأكبر .
هذه العولمة الثقافية والفكرية والعقدية حاولت أن تَنْفُذ، وتَنْقُل ما عند الغرب من حياة على مختَلف وجوهها إلى تلك الدول؛ مُعَوْلِمة لها، وفارضة عليها ما تريد؛ لتحقق بذلك جميع أهدافها، ومن ثَمَّ فإن هذه الذراع الخطيرة التي نعيشها نحن المسلمين بشكل أوضح؛ لأنَّ عقيدتَنا وإسلامَنا ودينَنا وشريعتَنا متميزةٌ، لها خصوصيتها الدقيقة الواضحة، أي أنه عند شعوب أخرى ربما لا يُهِمُّها أن تَنْتَقل من إلحادٍ إلى إلحاد، أو من كُفرٍ إلى كفر؛ لا يُهمها أن تَنْتَقل من مظاهر حضارية إلى مظاهر حضارية أخرى مختلفة، لا يهمها أن تنتقل مِن نظام وتشريع إلى نُظُمٍ أخرى مختلفة عنها، أما نحن المسلمين فلا؛ فالأمر عندنا خطير وكبير ومُهِمٌّ جدًّا.
آثَارُ العَوْلَمة في الجَانِب العَقَدي والثَّقافي والفِكْري
ومِنْ ثَمَّ فإن التفصيل في هذه الذراع وأثرها مهم جدًّا؛ ونحن نَقِف مع بعض آثارها باختصار:
[1] الانْحِراف العَقَدي(22/46)
إنَّ من الآثار المتعلِّقة بهذه الذراع العقدية والفكرية والثقافية هو ما يتعلق بالعقيدة ، ونعني بها: أَنَّ حضارة الغرب أصلًا تقوم على الإلحاد، فهي حضارة مادية كافرة، وهي في ظل العولمة تَنْقُل إلينا نحن المسلمين عقيدتها، وإلحادها وماديتها، وهذا أمر واضح المعالم؛ فبلاد أوروبا اليوم تعيش على أصل كبير جدًّا يقوم على ركيزتين:
الركيزة الأولى: هي العلمانية الشاملة.
فهذه هي حياة الغرب، حتى وهُمْ يُدَعِّمون التنصير، ويدعمون الخدمات التي تقدمها الجهات الدينية وغيرها، لكنها حضارة قائمة بأصلها على العلمانية الشاملة.
الركيزة الثانية: أنها تنطلق من الحياة المادية، فالحياة عندهم هي أكل وشرب واقتصاد ?مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا? [الجاثية: 24].
هذانِ الركيزتان يَبرز من خلالهما - بصورة كبيرة جدًّا - الهدف من كون الغرب يريد أن يُعَوْلِمَ العالمَ الآخر، ومنه العالم الإسلامي؛ فإِنَّه ينقل إليه هذه الأصول الإلحادية الكبرى.
ولكَ أَنْ تتصور حياة الغرب القائمة على الكفر بالله ، سواء كان إلحاداً أو ودينٌ محرَّف..
عبادة المسيح..! عبادة العُزَيْر..! أديان إلحادية أخرى وَثَنِية..!
فهذه هي التشكيلة الغربية سواء ما كان منها فلسفة معاصرة من اشتراكية أو شيوعية، أو من يكون منها مرتبطًا بِنَزَعات دينيةٍ سابقةٍ، لكنها تقوم على الكفر بالله سبحانه وتعالى ، وهي بِمُجْملها يريد العالم أن ينقلها إلينا نحن المسلمين عن طريق العولمة.
[2] الانْحِراف في النُّظُم والتَّشْرِيع
ومما أثر ت فيها العولمة أيضًا: نُظُم الحياة التي نسميها نحن بالشريعة، فالعدو يريد أيضًا من خلال هذه الذراع أن يفرض علينا نُظُمَهُ وحياته، فحياة الغرب ونظمه تختلف تمامًا عن حياتنا نحن المسلمين القائمة على أساس العقيدة التي تَنْبَثِق منها شريعة متكاملة تشمل جميع شئون الحياة، أي أَنَّ الْمُسلم لا يمكن أن يخرج في أي شأنٍ مِنْ شئونه عن شريعة الله سبحانه وتعالى الكاملة: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا? [المائدة: 3].
والحقيقةُ أنَّ هذا المظهر من أخطر المظاهر؛ لأنَّ مظهر الحياة الغربية بنظمه لَمَّا تَعَوْلَم وانتشر في العالم - ونحن من هذا العالم - فإِنَّنَا نحن المسلمين نكون في هذه الحالة ممن يرتضي نظمًا غربية ونتخلى عن دينه وشريعته، وكما قال علماء السلف الصالح قديمًا: (مَا مِنْ بِدْعَةٍ تَحْيَا إِلَّا وَتَمُوتُ فِي مُقَابِلَهَا سُنَّةٌ) ، فكذلك أيضًا: مَا مِنْ نُظُم حياة تُسْتَوْرَد إلا ويقابِلُها انحسارٌ في شريعة الإسلام بالنسبة لنا نحن المسلمين؛ وبالطبع فنلاحظ أننا نَفْصِل تمام الفصل بين الشريعة المبنية على أصول عندنا نحن المسلمين وبين القضايا الإدارية البَحْتة، فنحن نتكلم اليوم عن الْأُوْلَى بشكلٍ أساسي، ونتكلم عن الثانية التي تَقْدُم إلينا بأصولها وجذورها.
[3] الانْحِراف الأخْلاقِي
كذلك أيضًا بالنسبة للأخلاق ومعرفة الآثار الأخلاقية للعولمة في بلاد العالم الإسلامي؛ فالفسادُ الأخلاقي المتنوِّع تجد أن هذه الذراع الثقافية بالفعل تؤثِّر وبشكل مباشر، وأظن أن هذا الأمر واضح تمام الوضوح، وأمثلتها كثيرة جدًّا، ونذكر منها :
• المرأة :
وخَصَّصْناها لأنَّها - فِعْلًا - مِيدانٌ ضخم لحرب الإسلام والمسلمين وتَغْيِير أحوالهم؛ فجاءت العولمة بالنسبة للمرأة لتؤَثِّر على كثير مما يتعلق بحياة المرأة المسلمة، سواء ما يتعلق منها بدينها، وأهدافها، وغاياتها، أو بمظاهر الأخلاق والتصرفات، أو بالألبسة والأزياء وغيرها.
• اللغة العربية :
إِنَّ اللغة العربية هي لغة القرآن، فالعولمة الآن تحاول أن تطغى لتجعل لغة العالم هي اللغة الأجنبية، وبالأخص اللغة الإنجليزية، وكثيرٌ من شبابنا اليوم بدأت طموحاته متأثرة بعوامل عِدَّة، يرى أَنَّ النمو الحضاري لن يكون إِلَّا بأنْ يكون صاحب لغة أجنبية يُتْقِنها!!
وإتقانها - والحالة هذه - سيكون على حساب لغته العربية، فكيف إذا تطور الأمر ليكون منهج المدارس الابتدائية وما بعدها؟!
كيف إذا تطور الأمر لتنشأ المدارس العالمية التي تُدَرِّس أحيانا باللغة الأجنبية؟!
كيف إذا تطور الأمر إذا صار الخطاب الإعلامي في كثير من أحواله لا يكون إلا باللغة الأجنبية؟!
ونحن نعلم أَنَّه في الشبكة العنكبوتية لا تكاد تَذْكُر اللغة العربية، أما المواقع التي تُعَدُّ بالملايين باللغات الأخرى وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، فهذا التَّصَلُّب اللغوي هو مظهر خطير جدًّا من مظاهر العولمة الفكرية والثقافية.(22/47)
وينتج عن ذلك بالفعل عدةُ مؤثرات تتعلق بالأسرة وبالشباب وبالتعليم، تتعلق بحياة الإنسان وخصوصياته؛ هذه الأمور وغيرها هي من المظاهر الخطيرة بالنسبة للعولمة، وكثير من الناس - وإِنْ طُرِحَت عليه العولمة الاقتصادية أو السياسية أو غيرها - إِلَّا أَنَّه يرى أن الخطر الأكبر حين تكون العولمة فكرية ثقافية أخلاقية؛ لأن الأمم إذا دُمِّرَت من الداخل فإنها ستكون قد انتهت، إذا خَرِبت قلوبُها وعقيدتها وأخلاقها وأهدافها في الحياة، فإنها ستكون غنيمةً سهلة لأعدائها.
إنَّ الأَذْرُع الْأُوْلَى كافَّةً؛ السياسي، والعسكري، والاقتصادي، والتقني، كلها جاء لتُسْتَخدم لفرض هذا المظهر والذراع الخطير، ألا وهو الخطر العقدي والفكري والثقافي على العالم الإسلامي.
العَوْلَمة والدَّعَوات البَاطِلة
هناك مظاهر عالمية أحيانًا تجدها تُقَادُ مِنْ قِبَل الغرب القوي المسيطر، والعالم الإسلامي يعاني ما يعاني منها؛ ومن أمثلة ذلك:
دعوى " حقوق الإنسان " :
فهي في المنهج الإسلامي منضبطة بالضابط الشرعي.
أما اليوم فانظر كيف تدور قضايَا حقوق الإنسان عالميًا ليُفرض المنهج الغربي؛ حتى وهو يَكيل بمكيالين مَفْضوحَيْنِ أمام العالم كله، إنها قضية تُطرح عالميًّا وتتعلق بحقوق الإنسان، والعالم الإسلامي يتلقى مثل هذه الطروحات ولا يدري كيف يتعامل معها؛ طُرُوحات لحقوق إنسان مبنية على المنهج الغربي والإلحاد الغربي، بالرغم من أنَّ لدينا منهج مُؤصِّل ونظيف في حقوق الإنسان، ثم تأتي حقوق الإنسان أو المنظمات العالمية لتبني منطلقاتها على المساواة التامة ، ومقتضى هذا أنه لا فَرْقَ بين دِين ودِين، لا فرق بين من يعبد الأحجار، وبين من يَعبد الواحد القهار؛ فكل هؤلاء سواسِية، وفي منهج الإسلام العظيم لا يمكن أن يستوي هؤلاء: ?لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ?[الحشر: 20].
?أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ?[ القلم: 35، 36].
وهكذا عندما تأتي الطُّروحات العالمية، مثل: المساواة بين المرأة والرجل، وهي قضية تخالف الطبيعة؛ فربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: ?وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى? [الليل: 1-3].
فالليلُ ليلٌ والنهار نهارٌ؛ هذا له طبيعته، وهذا له طبيعته، كذلك أيضًا الذَّكر له طبيعته والأُنْثى لها طبيعتها، فعندما تأتي مثل هذه الدعوات لتنادي بالمساواة، يأتي المنهج الإسلامي ليقول: لا.
فالبديل هو العدل، والعدل أحيانًا يكون بالمساواة، وأحياناً يكون بعدم المساواة، ولو قال قائل: تجب المساواة بين المجرم وغير المجرم!! لكان جميع الناس يعترضون على مثل هذا الطرح، وهل هناك أعظم إجرامًا ممن يكفر بالله سبحانه وتعالى ويلحد لنساويه بالمؤمن العابد لله تبارك وتعالى؟!
دعوى " تقارب الأديان العالمية " :
والمقصودُ بها عولمة هذه الأديان؛ ليخضع الإسلام لها، فعندما تأتي المؤتمرات العالمية كمؤتمر " السكان "، أو " المرأة "، أو غيره .. تجد أَنَّ هذه المؤتمرات تفرض حياة الغرب وثقافته، ونظمه.
والعالم الأخر أو الثالث، ومنه العالم الإسلامي يستجيب ويُوَقِّع ولا يعترض، وليس هذا للجميع، بل فيهم من يعتذر عن مثل ذلك، لكنَّ الغاية لِمِثل هؤلاء هي أن يتحول هذا المؤتمر المنبثق من قضايا غريبة ليفرض على المسلمين في حياتهم ودينهم وتعليمهم وأخلاقهم.
هذه الأذرع الخمسة للعولمة قد أَوْجَدت حالةً في العالم كله ومنه العالم الإسلامي، هذه الحالة سارت مسار نقاش وطروحات متعددة؛ لأن الكل يَحس بها ويراها ويعايشها..
مَوْقِفُ المُجتَمَعَات مِنْ العَوْلَمَة؟!
لقد بَرَزَت مواقف عِدَّة لِفِئَاتٍ عِدَّة مِنْ هَذِهِ العَوْلَمة نُشِير إِلَيها باختصار، ونُفَصِّل فيما نراه أصولًا ومنطلقات في الموقف من العولمة .
الفئة الأولى : وقفت بالنسبة للعالم الإسلامي من العولمة موقفَ المرحِّب بها الداعي إليها؛ ففَتَحَتْ لها ذراعيها، وهَلَّلَتْ لها، وصارت تنتظر سرعةَ تأثيرها في بلاد المسلمين، وهذا النوع يشمل غالبية أصحاب الأفكار المنحرفة في داخل العالم الإسلامي؛ كأصحاب التوجهات الاشتراكية، واليسارية، والقومية، والعلمانية، وأصحاب الحداثة الفكرية على مختلف مدارسها..
فكُلُّ هؤلاء يرحبون بالعولمة، ورأوا أنها ستكون وسيلةً لتحديث بلاد العالم الإسلامي وتغييرها، وهؤلاءِ إنما رحَّبوا بها لأنهم يَعيشون غربةً في بلاد المسلمين، يَعيشون صراعَ نُخَبٍ عربية ترى أنها هي الأعلى فكرًا وثقافةً .. إلى آخره.(22/48)
لكنها تَصطدم مع أصول المجتمع وقضاياه وأُسُسه الإسلامية والعقدية، وهذا الصراع برزت مظاهرُه أكبرَ فأكبرَ من خلال المرحلة الماضية بالنسبة للصحوة الإسلامية التي بدأت بعد هزيمة (67)(1)، ومِن ثَمَّ فإن أصحاب هذه الأفكار لَمَّا أقبلَتْ هذه العولمة بأَذْرُعتها وجدوها مخرجًا له، وهذا المخرَج جعلهم يُرحِّبون بهذه الحضارة وعولمتها وفسادها وإفسادها، وتَبِعَهم على ذلك جمهرةٌ من العامة أصحاب الشهوات والفجور؛ فهم يريدون هذه العولمة ليأخذوا منها ما يشاءون بحسب ما تريده شهواتهم.
فهذا النوع من المفكرين والمثقفين رحَّبوا بالغرب، وبكل ما يأتي من الغرب، وليسوا بِدْعًا؛ فقد سَبَقهم قبل سبعين وثمانين سنة مِن أساتذتهم مَن أتى بنفس الفكرة لَمَّا استعمر الغرب العالم الإسلامي بعد سقوط الدولة العثمانية ، فكانت هناك دعوات لأدباء ومفكرين في ذلك الوقت تنادي بأن نكون قطعة من أوروبا، وبأن نتحول إلى جزء من الحضارة الغربية؛ رافضين لدينهم وإسلامهم وعقيدتهم وتراثهم.
الفئة الثانية : هي الفئة التي رَفضت العولمة، وهذه الفئة رأَتْ أَنَّ العولمة مظهر من مظاهر الاستعمار والاستعباد، وأنها خطر على الأمة، فرفضتها واعتزلتها اعتزالًا تامًّا؛ وهذا النوع من العجيب أنه انقسم - وإن كانوا قلةً - نوعانِ متضادانِ:
النوع الأول: من الأخيار الذين رأوا أن خطر هذه العولمة يقتضي العزلة؛ عليكَ بخاصة نفسك.
وهذا بلا شك إنِ اسْتطاعه فردٌ أو فردانِ، لكنْ من الناحية العملية؛ ففيه صعوبات كبيرة جدًّا، خاصَّةً في هذه الأحوال التي نعيشها .
النوع الثاني: هو فئات من أصحاب التوجهات اليسارية وغيرها الذين رأوا في العولمة استعمارًا رأسماليًّا ؛ فرفضوها من منطلقات يسارية إلحادية.
الفئة الثالثة : وَهُم بعض الذين طرحوا هذه القضية ، وحاولوا أن يعالجوا وضعها؛ فانتهوا إلى حلٍّ هم يسمونه وسطًا ؛ وأعني به الحلَّ الْمُلَفَّق بين " الحضارة الغربية والإسلام "!!
بمعنى : أن هؤلاء رأوا أَنَّه لا يمكن أن نقاوم العولمة بالقرآن والسنة، أو بكتب الفقهاء المتقدمين، وقال هؤلاء: لا يمكن أن نواجه حضارة المحطات الفضائية والإنترنت والاتصالات والإعلام والسرعة .. إلى آخره بتلك!!
إذًا؛ فما هو الحل عندهم؟
جاء في أُطْرُوحاتِهم أَنْ لَا نَتَخلى عن أصولنا، لكنْ أيضًا يمكن أن نواكب هذه المتغيرات لنجد لها مساحات معينة في المنهج والفكر الإسلامي وفي الفتاوى الإسلامية، في كلام الفقهاء، وأحيانًا في شذوذات الفقهاء، في رخصهم وهكذا..
عملوا نوعًا من الدمج والجمع بين هذينِ؛ ليتَوَصَّلوا إلى منهج عصراني يتواكب مع الحالة المعاصرة والعولمة التي نصطلي بنارها في هذه السنوات الأخيرة.
إنَّ هذا النموذج أيضًا ليس بِدْعًا؛ فقد سَبَقه إليه أيضًا نموذجٌ آخرُ قبلَ سبعين أو ثمانين سنة لَمَّا جاء الاستعمار إلى العالم الإسلامي، فهناك فئات أرادت أن تجمع بين الإسلام والحضارة الغربية، وأن تخضع لكثير من الأمور الحضارية الغربية بعض الأصول والقواعد الإسلامية والشرعية، وجمعوا بينهما بما يسمى بـ" المدرسة العقلية الحديثة "، لكنها في النهاية لم تنجح، والسببُ في ذلك هو أن هذا الطَّرْح المبني على تنازلاتٍ، وإخضاع أصول الدين وقواعده لتلك الأحوال المعاصرة من باب مجاملتها.
كل ذلك يؤدي في النهاية إلى أن يَعتَزَّ الغرب بطرحه، ويؤدي إلى أن يكون المسلم المتبَنِّي لذلك أن يَضْعُف انتماؤُه لأصولِه، فهو بذلك يشبه إلى حد كبير علماءَ الكلام الذين كانوا في الزمن الأول.
كان في الزمن الأول وفق الكتاب والسنة والعقيدة الصافية، ثم تُرْجِمت الفلسفة اليونانية، فاطلعوا عليها وأُعْجِبوا بها، فلمَّا أُعْجِبوا بها أرادوا أن يجمعوا بين أصولهم الإسلامية وبين الفلسفة اليونانية الإلحادية، فحدث الخَلْط بينهما، ونَتَج ما سُمِّي بـ" علم الكلام "، الذي أصوله فلسفية، ومُزَيَّن ومُزَرْكَش بما يوافقه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وما الذي أنتجه علم الكلام هذا؟
كان أحد أسباب تأخُّر العالم الإسلامي؛ لأنه شغلهم في مناقشات لا مساس لها بالواقع والحياة العملية، فأصبح علماء الكلام كما قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا للفلاسفة كسروا، ولا للإسلام نصروا)(2).
فانتبهوا إلى العبارة!! لأن الفلاسفة تسلطوا عليهم لَمَّا وافقوهم على بعض أصولهم.
كذلك أيضًا التوجهات العصرية في هذه الأيام؛ فلو أنها - واللهِ- كَسَرَتِ الغربَ وأَحْرَجَتْه، واستطاعت أن تنتج لنا - فعلًا - توجهاتٍ فيها الاستقلال، ولو أنه فيه ما فيه؛ لقلنا واللهِ: نعم .. هذه جهود لها ثمرتها ونحترمها؛ لكنها طُرُوحات أَطْمَعت فينا الغرب مرةً ثانيةً؛ وأيما دولة إسلامية أو عالِم أو مفكر إسلامي قدِّم تنازلاته بهذه الطريقة إلا وجعل أعداءَ الله سبحانه وتعالى يطمعون فيه وفي دينه؛ ليقوم بتنازلات أكثر فأكثر.
الطَّرْحُ المُعاصِر " اسْتِسْلام المَغْلُوب "!!(22/49)
ومِنْ هنا فإنَّ هذا الطَّرْح - الذي نسميه نحن بالطرح المعاصر - خطورَتُه تأتي مِنْ أَنَّه ينظر إلى القضية من خلال تنازلاتٍ يجب أَنْ يُقَدِّمها لعدوٍ غَالبٍ ظالِم مُسَيْطِر، أي: أَنَّه استسلام المغلوب؛ هذا الوضع سيجعل هذا الطاغي الظالم يطالب بتنازلاتٍ أكثرَ فأكثرَ؛ مع أنه في دين الله سبحانه وتعالى الأمر واضح تمام الوضوح؛ يقول الله - تبارك وتعالى- فيه ? وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ?[البقرة: 120].
البلاد العَلْمانية اليوم في كثير من العالم الإسلامي، أليست بعلمانيتها قد لَحِقت برَكْب علمانية الغرب؟!
الجواب: بلى.
وهل الغرب اليوم يحترمها ويُقَدِّرها؟!
الجواب: لا؛ فهو لا يزال يعتبرها شرقيةً، ويطلب منها المزيد من الخضوع، لا يزال يَسْخر منها ويحتقرها، لا يزال يقول بصوت عالٍ: إن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي للغرب وليست لهؤلاء؛ إذا كنا قَدَّمْنا لأعدائنا وتنازلنا لهم إلى حد أن نُقَدِّم لهم العلمانية ونفرضها ونحارب دين الله من أجل ذلك، ومع ذلك فالغرب لا يرضاه، وإنما يريد المزيد من التبعية والتبعية حتى يكون الدهس بالأقدام؛ أي: إلغاء الهوية من جميع جوانبها، فكذلك أيضًا نقوله لمن يريد أن يَطْرح طُرُوحات معاصرة؛ فنقول له: إنَّ هذا الطرح في النهاية لن يُرْضِي الغرب، ولن تكون - والحالة هذه - ممن ثبت وبَقِيتَ على منهجك وعلى أصول دينك.
مَوَاقِفُنا تِجاهَ " العَوْلَمَة "
إنَّ مَوْقِفنا من هذه العولمة اليوم ينبغي أن يكون موقفًا مدروسًا، واسمحوا لي في هذه الفقرة الأخيرة أن أطرح جملة من المنطلقات التي يجب أن ننطلق منها في موقفنا من العولمة:
أولا : أن نحدد منذ البداية طبيعة الدين الإسلامي في موقفه من " الجديد " :
بمعنى: أننا لا يجوز لنا أن ننظر إلى قضية العلم والإسلام على أنها صراع، فقد وُجِد الصراع نعم في الغرب بين الدين والعلم؛ لأن الدين محرَّف، أما عندنا نحن المسلمين فلا يمكن من أن يوجد صراع، لا يمكن أن يكون في دين الله من كتاب الله والسنة الصحيحة ما يخالف نظرية غربية صحيحة أبدًا، فلا صراع بين الدين والعلم، ولا تَعارُض بين العقل والنقل في المنهج الإسلامي؛ لأن كليهما من الله ?أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأمْرُ?[الأعراف: 54].
فالحضارةُ المعاصرة هل هي التي اخترعت؟!
بالطبع لا؛ فهي تعمل في مخلوقات الله عز وجل، واللهُ هو الذي جعل في هذه المواد القابليةَ للتصنيع وليس الغربُ، ولهذا فَإِنَّ غاية الغرب أَنَّه يكتشف، حتى الإنسان خلقه اللهُ، غاية ما عنده من العلم أَنَّه يكتشف طبيًّا خليةً كان جاهلًا بها آلاف السنين، لكنَّ الخلقَ خَلْقُ اللهِ.
وكذلك كتابُ الله وسنةُ صلى الله عليه وسلم التي هي وحيٌ، فهما عندنا يجب ألا نوجِد الصراع بينهما؛ لأنه لا يوجد في المنهج الإسلامي.
فهذا المنطَلق من هذه القضية مهم جدًّا؛ حتى نعلم كيف يتميز الإسلام عن غيره في نظرته للحياة؟
الإسلام دين الله الحقُّ، فالقضيةُ فيه منفصلة، فهو ليس دين يقول لك: اجلس في المسجد إذا أردت العبادة وانتهى الأمر؛ فهو ليس دين رهبنة، ولا صوفية ولا غيرها من المناهج التي تريد أن تعزل الإنسان عن الحياة، بل بالعكس، فديننا دين علم يبني حضارة، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
ثانيا : أن نواجه عولمة الغرب بالعودة إلى الذات :
العودة إلى ما عندنا من أصول ؛ إلى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وما يَنْبَثِق عنهما من عقيدة وشريعة.
وقد يقول قائل: وهل هذه العودة ممكنة مع هذه العولمة الطاغية؟!
فأقول: هناك دول أخرى كافرة مثل اليابان؛ دولة وثنية ومتطورة صناعيًّا، وبالفعل واجهت العولمة كغيرها، أتدرون كيف واجهتها؟!
واجهتها بأن عادت إلى أصولها وجذورها وهي كافرة؛ حتى لُغَتها، ويخبرني أحد الأطباء ويقول لي: " جاء فريق طبي ياباني ليُجري عملية في مستشفى الملك فهد في الرياض، وجلسنا نحن معه في أثناء العملية، وأشدُّ ما أَحْرَجَنا أنه في أثناء العملية لا يعرف اللغة الإنجليزية؛ حتى المِقص والقطن كنا نحاول أن نُفْهِمه إياها بالإنجليزية، فكان لا يعرفها ".
فسبحان الله!! فلاحظ كيف يعتزُّ بلُغَته، وكيف يبني حضارة من خلال لُغَته.
ويقول لي هذا الأستاذ: " واللهِ في الجامعة في اليابان كنتُ قد بحثتُ عن كتاب بالإنجليزية لأقرأ فيه وما وجدتُ؛ بل كلها مترجمة إلى اللغة اليابانية ".
فأقول: سبحان الله!! دولة وثنية تواجه العولمة وتعود إلى أصولها وتؤصل. فأين نحن منها؟!
ونحن المسلمون لدينا دين وعقيدة وشريعة، بل بعض دول أوروبا مثل فرنسا وألمانيا ترفض عولمة أمريكا، وترفض عولمة اللغة الإنجليزية وحضارة أمريكا؛ لأنها لها أصولها وتراثها ولغتها، فإذا كانت هذه الدول نفسها تعود إلى أصولها وجذورها مواجِهةً لهذه العولمة، فما بالُنا نحن المسلمين؟!(22/50)
إنَّ المنطلق الثاني الأساسي حقيقةً بالنسبة لنا نحن المسلمين في مواجهة هذه العولمة هو فعلًا أنْ نسارِع إلى أن نواجه عولمة الغرب بالتأصيل، والعودة إلى أصولنا وجذورنا وإلى ديننا، وليس بالانسياح أمام ثقافة هؤلاء الأعداء وفكرهم وعقائدهم.
ثالثًا : الأخذ بالأسباب الشرعية والمادية في مواجهة هذه العولمة :
ونحن نَعْلَم علم اليقين أن قوة العدو مهما كبرت وكثر عددها وعدتها، إلا أنها في ميزان الصراع بين الحق والباطل حين يكون المسلمون حاملين لدينهم الحق لا يمكن أن يُنظر إليها على ميزان المساواة، فتاريخُ المسلمين من أوله إلى آخره وانتصاراتهم كلها مبنيَّة على قلة المسلمين وضعفهم في العدد والعُدَّة وعلى كثرة عدوهم؛ فكذلك أيضًا بالنسبة لقوة هذه العولمة وتأثيرها؛ فإننا نستطيع أن نواجهها بأمرينِ:
• الأخذ بالأسباب الشرعية. • الأخذ بالأسباب المادية.
فربُّنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: ?وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ? [الأنفال: 60]، وبالإمكان أن نحول تقنية هذه العولمة بضوابط إلى أن تكون وسيلةً لنا نحن؛ لنقاوم هذه العولمة، ونعيد تأصيل حياتنا ومناهجنا.
رابعًا : مواجهة عولمة الغرب بعالمية الإسلام :
والحقيقةُ أنَّ هذا خيارٌ عالمي بالنسبة لنا نحن المسلمين؛ أَنْ نواجه عولمة الغرب بِأنْ نَنْشُر وندعو بكل الوسائل إلى عالمية الإسلام.
وهذه الدعوة يجب أن يُلاحَظ فيها الأمور التالية :
1- أنه لا مكان للقوميات والجاهليات في بلاد المسلمين :
فإنَّ أمةٌ الإسلام، أمةٌ واحدة، وهي لا يمكن أن تدعو إلى عالمية الإسلام في الغرب ما لم تكن أيضًا بلاد المسلمين يجمعها فقط رابطٌ واحد؛ هو رابط الإسلام، ومن هنا فإن الدعوات القومية والوطنية والمادية الجاهلية وغيرها هي بالفعل بالنسبة لنا نحن المسلمين تنتهي إلى أن يتفرد الغرب بعولمته من هذه الدولة إلى تلك الدولة؛ لتكون في النهاية أشتاتًا ممزَّقة بين أنياب الغرب الذي لا يَرْحم.
2- نحن ندعو إلى عالمية الإسلام في مقابل عولمة الغرب :
نُقَدِّمه ونحن نَثِق بهذا الإسلام وبهذا الدين، والإنسان الذي لا يَثِق بدينه لا يمكن أن يُقَدِّمه؛ فالمهزومُ الذي يرى عدوَّه هو الأقوى والمنتَصِر، ويُعْجب به وبحضارته وفِكْرِه لا يمكن أن يقاوِم أبدًا، فضلًا أن يقدِّم البديل.
ومِن هنا فلا بُدَّ أن ننطَلِق من الثقة في الذات؛ ففي زمن صلى الله عليه وسلم تَحزَّبت الأحزاب على المسلمين من كل ناحية، فماذا فعل المسلمون؟ قال الله تعالى: ?وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا?[الأحزاب: 22]؛ فانظر إلى المنهج! فعولمة الغرب يجب أن تَزِيدكَ ثقةً في إسلامِكَ، وليس رَكْضًا ولَهْثًا أمام الزُّبالات من أفكار الغرب.
3- أن نقدم النموذج لتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة :
ومِنْ ثَمَّ فلا مكانَ للعلمانية في بلاد العالم الإسلامي، فإذا أردنا أن نواجه هذه العولمة فعلينا أن نقدِّم النموذج الصحيح، وإذا صَدَقْنا - وأعني بذلك جميع فئات الأمة - في العودة لديننا وتحكيمه، فسَنُقدِّم - فعلًا - النموذج؛ لأن دين الله لا يمكن إلا أن يكون صالحًا لكل زمان ومكان.
4- اليقين بأن المستقبل للإسلام :
فالإسلامُ ينتشرُ وينتصر؛ فالرسو صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب وهم ينتظرون الأحزاب مُقْبِلين على المسلمين لِيدمِّرُوهم في ساعةٍ كان r في أثناء حَفْر الخندق في قصة الصخرة يُبشِّرُهم بفتح كنوز كِسْرى وقيصر واليمن ، إنه يبيِّن لهم أنه مهما حُورِب الإسلام، ومهما تَحزَّب عليه أعداؤُه؛ إلا أن المستقبل للإسلام.
وواللهِ؛ إِنَّ هذا لَيُرَى اليوم رَأْيَ العين، فالإسلام يَنْتشر ويَقوَى في كل مكان.
ووالله؛ إنكَ لتَعْجب أنكَ لَتَجِدُ في بعض المسلمين ضعفًا وخَورًا وتنازلاتٍ في نفس اللحظة التي ينتصر فيها الإسلام وينتشر هنا وهناك. لِمَ؟!
لأنه دين الله الحق، ورسول ا صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح أَنَّ رُوما ستُفْتَح(3)؛ روما عاصمة النصرانية سيَفْتَحُها المسلمون، وهذا خبرُ مَن لا يَنطق عن الهوى r، وقال في الحديث الآخر: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)(4).
إِذًا؛ ننطلقُ من خلال إدراكنا أَنَّ المستقبل للإسلام، وأَنَّه لا مستقبل للبشرية حقيقيًّا وحياةً حقيقيةً إلا بالإسلام.
5- أن نقدم عالمية الإسلام ونحن نُوقِن أنه هو البديل لعولمة الغرب وحضارته الزائفة:
إِنَّ حضارة الغرب هي حضارة تحمل في طَيَّاتها عواملَ انهيارها وفسادها، وما رأيُكم بحضارةٍ تقوم على الإلحاد، وعبادة الإنسان؟!
ما رأيكم بحضارة تقوم على الأخلاق النفعية؟!
فمُنْذُ خمسين أو ستين سنة يُطَنْطِن الغرب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فلمَّا تعارضت مع مصالحه صار يَدْهَسُها بالأقدام!!
فهل هذه حضارة تقدِّم للعالم ؟!
لا يمكن.(22/51)
ما رأيكم بحضارة الانحراف الخُلُقي والإيدز؟!
حضارة يُقِرُّ البرلمان - الذي يُمَثِّل الشعبَ - الشذوذَ الجنسي، ويضع له نظامه، ويحترم أصحابه!!
حضارة تُقِرُّ بقضية الخيانة الزوجية بين الطرفين!!
حضارة عُرْي!!
حضارة مادة!!
صحيحٌ أنَّ لها عنوانًا مظهرِيًّا وهو: (القوة سياسيةً كانت أو عسكريةً)؛ لكنها في داخلها يَنخر فيها الفسادُ، ولا أَسْتثني من ذلك دول أوروبا كلها، ولهذا لا يَشْعر بهذه الحقيقة إلا المسلمُ الذي أَسْلَم من بلاد أوروبا؛ هو الذي يُحِس بالفارق الكبير بين ما يقرأه ويُحِسُّه ويشعره عن الإسلام، وبين الحضارة الغربية بكل ما فيها من مظاهر جوفاء خَدَّاعة.
يُخْبِرني أحدُ الإخوة ويقول:
" بعضُ البَعثات الدَّعَوية في فرنسَا كان لهم جهودٌ، فأَسْلَم على يديهم رجلٌ مفكِّرٌ فرنسيٌّ، ويقول بأنه رجلٌ فاضلٌ وأَسْلم، فيقول: دَعَوْناه إلى إحدى دول الخليج للزيارة، فزَارَنا، ووَضَعْنا له حفلةً ضخمةً في إحدى الصالات حتى نلتقي به ونسأله، فجَهَّزْناها وحَضَر الحاضرون، وجاء هذا الأخُ على المنَصَّة وبجانبه المقدِّم، وإذا به يقول للمُتَرْجِم: قل لهؤلاء الحاضرين لا سلامَ عليكم ولا رحمةً ولا بركةً، فتَلَعْثَم المترجِم!!
فالأخوة قد فَرِحوا به ويريدون أن يسمعوا منه ويسمع منهم، وإذا به يُجابِهُ بهذه الكلمة الغريبة!!
فأعاد عليه مرةً ثانيةً وقال له: قل لهم أقول لكم لا سلامَ عليكم ولا بركةً ولا رحمةً، فتَلَعْثَم، فقال: قُلْهَا؛ لا تتردد، أنا أعني ما أقول، فقال : أخوكم في الله يقولُ لا سلامَ عليكم ولا بركةً ولا رحمةً، فضَجَّت القاعة؛ كيف يحدث هذا؟!
ولكنه سُرْعانَ ما تكلَّم وقال لهم: اسمعوني، أنا جِئْتُكم من بلاد الغرب وهداني الله للإسلام، أين أنتم منذ عشرين وثلاثين سنة وأربعين سنة؟!
أين أنتم ومعكم هذا النور المبين؟! لماذا لا تقدموه لنا؟!
أنا ماتت أمي، وماتت أختي وأقاربي على غير الإسلام، فأين أنتم من هذا النور؟
لماذا لا تقدِّمُونه لنا في بلاد الغرب؟! "
إِنَّ حَرْبَ الغرب للمسلمين وتشويههم، يمكن أن نَنْفذ من خلالها، لكن بشرط أن نُقَدِّم هذا الإسلام للناس حضارةً ليس لها بديل.
في عالم اليوم حضارة قابلة للانهيار؛ لأنها منهارة من الداخل، فالبديل ما هو؟
البديل لن يكون إلا بالإسلام؛ لأنه - فعلًا - دِينُ الله الذي ارتضاهُ، دينُ العبودية للواحد القهار، دين السعادة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة.
وهو - واللهِ - لَدَوْرٌ عظيم بالنسبة لنا نحن المسلمين، يجب أن يُنَبِّه له العلماء والدعاة ورجال الصحوة وطلاب العلم، وكلُّ مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يدرك ويعلم أنه على ثَغْرة من ثغور الإسلام.
فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبَلِك في ظل عولمةٍ طاغية لا تَرْحم.
أسأل الله تعالى أن يُعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأنْ يجعلنا من أنصار هذا الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المحتويات
الموضوع الصفحة
مقدمة ........................................................................
تعريف العولمة .................................................................
خطورة العولمة في واقعنا المعاصر ................................................
العولمة وأذرعها الخمسة ........................................................
الأول : الذراع العسكري .....................................................
الثاني : الذراع السياسي .......................................................
الثالث : الذراع الاقتصادي ....................................................
الرابع : التقني العلمي .........................................................
الخامس : العقدي والثقافي والفكري ............................................
آثَارُ العَوْلَمة في الجَانِب العَقَدي والثَّقافي والفِكْري ...............................
1- الانْحِراف العَقَدي ........................................................
2 - الانْحِراف في النُّظُم والتَّشْرِيع ............................................
3- الانْحِراف الأخْلاقِي .......................................................
العَوْلَمة والدَّعَوات البَاطِلة .....................................................
دعوى " حقوق الإنسان " ....................................................
دعوى " تقارب الأديان العالمية " ...............................................
موْقِف المجتمعات مِنْ هَذِهِ العَوْلَمَة؟! ............................................
الطَّرْحُ المُعاصِر " اسْتِسْلام المَغْلُوب "!! .........................................
مَوَاقِفُنا تِجاهَ " العَوْلَمَة " ......................................................
المحتويات .....................................................................
(1) يُقْصَد : حرب (5 / يونيو / 1967) .(22/52)
(2) مجموع الفتاوى( 16/300) ، ودرء التعارض(3/345) .
(3) [صحيح] أخرجه أحمد [2/176]، والدارمي [1/126]، وابن أبي شيبة في المصنف [2 /47/ 153] وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة [1/33/4] .
(4) [صحيح] أخرجه أحمد في المسند (4 / 103) ، والحاكم في المستدرك (4/ 477) وغيرهما من حديث تميم الداري رضي الله عنه ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي بقوله : على شرط البخاري ومسلم .
============(22/53)
(22/54)
تمويل التنصير الفاتيكاني للمسلمين
الهيثم زعفان
4/9/1427هـ
جددت تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة المعادية للإسلام التساؤلات الحائرة حول النفقات المالية المصاحبة للدور التنصيري للفاتيكان، وحجم الإمكانات المادية والتنظيمية للمنظمات التنصيرية التي تعمل تحت مظلة الفاتيكان، وكذا آلية حركتها داخل العالم الإسلامي المدندنة على وتر مساعدة الفقراء والمعوزين، والمستثمرة للكوارث والنكبات، والتي وصفهم فيها غراهام هانكوك في كتابه القيم والمحظور من الفاتيكان "سادة الفقر" بأنهم (السائحون على الكوارث)، وسيحاول التقرير المختصر تقديم بعض المؤشرات لحجم الأموال التي تنفق من خلال الفاتيكان لتنصير المسلمين، وكذا بعض الإحصاءات المرتبطة بالعمليات التنصيرية، مع إطلالة لآليات تحرك بعض المنظمات التنصيرية التابعة للفاتيكان داخل الدول الإسلامية.
بداية يرجع المنصرون الصعوبات التي تواجههم في عمليات التنصير إلى تضييق الحريات الدينية، ففي مقابلة أجرتها إذاعة الفاتيكان مع عميد مجمع تبشير الشعوب الكردينال "كريشينسيو سيبي" قال فيها: هناك مصاعب ذات طابع اقتصادي، وأخرى ذات طابع اجتماعي ثقافي، سياسي وديني، وأوضح أن حديثه منصب على الدول التي تحدُّ من الحريَّة الدينيَّة، وتبحث في غالب الأحيان عن منْع نشر الإنجيل.
ولتحقيق ذلك تسخر الإمكانات المادية والبشرية والتي يواجه الباحث فيها صعوبة شديدة في حصرها نظراً للسرية التي تصاحبها، وعلى الرغم من ذلك فإنه تتناثر بين الحين والآخر بعض الأرقام التي يمكن أن تعكس حجم تمويل العمليات التنصيرية، ففي كتاب700 خطة لتنصير العالم الصادر بالولايات المتحدة الأمريكية لاثنين من خبراء التنصير العالمي هما "دافيد باريت" محرر دائرة المعارف المسيحية، والذي يلعب دوراً رئيساً في تخطيط برامج الكنائس الغربية، والذي عمل مستشار الفاتيكان لشئون التنصير العالمي، و"جيمز ريبسوم" خبير شؤون التنصير، ذكرا أن المنظمات المسيحية العالمية تنفق سنوياً 145 مليار دولار، ويعمل في أجهزتها 4.1 مليون عامل متفرغ، وتدير 1300 مكتبة عامة كبرى، وتنشر 220 مجلة بمختلف اللغات عبر العالم.
كما تنشر 4 مليارات نسخة من الكتاب المقدس في العام الواحد، وتدير 1800 محطة إذاعية وتليفزيونية في أنحاء العالم، وتستخدم المنظمات الكنسية ثلاثة ملايين جهاز كمبيوتر، وهناك أربعة آلاف وكالة تنصيرية يعمل بها 262300 منصر يكلفون الكنائس أكثر من 8 مليارات دولار، ويصدر كل عام 10000 كتاب وبحث حول التنصير الخارجي، وقد أدرك الغرب المسيحي أهمية استخدام الإذاعة لنشر المسيحية في شتى أنحاء العالم، وكان الراديو هو الوسيلة الأكثر انتشاراً بين جميع الفئات خاصة الأميين فكانت إذاعة راديو الفاتيكان التي أنشأها مخترع الراديو الشهير ماركوني عام 1931 وقدمها هدية للبابا والفاتيكان.
ويقول المؤلفان في صدر ذكر الإحصائيات: أن الكنيسة قد وظفت 160 مليون سنة عمل للتنصير على وجه الأرض خلال القرون العشرين الماضية، بتكلفة إجمالية تبلغ 350 مليار دولار، بمعدل 2.200 دولار للداعية الواحد في السنة، أما المشاريع التنصيرية السبعمائة والثمانية والثمانون 788 التي تتناولها هذه الدراسة فقد استهلكت 45 مليار دولار.
و33 مشروعاً من هذه المشاريع هي ما تطلق عليه الدارسة وصف "المشاريع الضخمة"، وهي التي ينفق كل واحد منها مئة ألف سنة عمل، أو مئة مليون دولار سنوياً، أو ألف مليون دولار عبر عمرها، وأكبر هذه المشاريع الضخمة ينفق الآن 550 مليون دولار سنوياً على أنشطتها التنصيرية في أنحاء العالم. أهـ
وكانت نتائج ميزانيّة الكرسي الرّسولي العامّة بالفاتيكان لعام 2004 قد أشارت إلى أن مدخول الكرسي قد بلغ نحو مائتَين وخمسة ملايين يورو، أما المصروف العام فقد بلغ نحو مائتَين واثنَين مليون يورو، وقد كشف الكردينال "سيرجيو سيباستياني" رئيس دائرة الشؤون الاقتصاديّة في الكرسي الرّسولي أن القسم الأكبر من المصاريف شمل دوائر ومؤسّسات الكرسي الرّسولي التي تعاون الحبر الأعظم في أداء خدمته الراعويّة للكنيسة الجامعة والكنائس الأخرى المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وأوضح أنه يعمل في دوائر الكوريا الرومانيّة والمؤسسات التابعة للفاتيكان حوالي ألفَين وستمائة وستة وستّين شخصاً، سبعمائة وتسعة وخمسون منهم كهنة، وثلاثمائة وستّة وأربعون راهباً وراهبة، بالإضافة إلى ألف وخمسمائة وثمانية وخمسين علمانياً؛ أما عدد الموظّفين المتقاعدين فيبلغ نحو ألف وأربعمائة وثلاثين متقاعداً.
وعن فلس القدّيس بطرس الذي يُجمع لشخص البابا من أجل إتمام رسالته فقد بلغ مجموعه عام 2004 ما يوازي اثنَين وخمسين مليون دولار أميركي، والتي كرّس البابا جزء كبير منها لدعم مراكز التنشئة الكاثوليكيّة في البلدان المحتاجة.
أما مساعدات الأبرشيات في العالم للكرسي الرّسولي فقد بلغت نحو سبعة وعشرين مليون دولار أميركي.(22/55)
ولما كان الفقر هو أحد مداخل التنصير في العالم الإسلامي فقد صدر بيان مشترك عن مجلس أساقفة الولايات المتحدة ومنظمة كاثوليك ريليف سيرفيسز طالب فيه الكونجرس الأمريكي تخصيص ما يقارب خمسة مليارات دولار أمريكي لتمويل "برامج التنمية الإنسانية"، ومئة وخمسين مليون دولار للشعب الفلسطيني، وثلاثة مليارات وسبعمائة مليون دولار لمكافحة أمراض خطيرة وفتاكة ومن بينها داء السل.
وعلى مستوى المنظمات التي يشرف عليها الفاتيكان فقد أكّدت منظمة الصليب الأحمر أنه للعام الثاني على التوالي تجاوزت النفقات المخطّط لها لأفريقيا ثلاثمائة مليون دولار أمريكي "بسبب الأوضاع في دارفور، وشمال أوغندا، والأجزاء الشرقية من جمهورية الكونغو الديموقراطية، والصومال وشاطئ العاج ".
كما أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن السودان ما يزال يمثّل كبرى عمليات اللجنة الدولية على المستوى العالمي بميزانية تبلغ حوالي مئة مليون دولار أمريكي لعام 2006، يليه كلّ من باكستان، فلسطين المحتلة، أفغانستان، والعراق.
منظمة أخرى هي "هيئة مساعدة الكنيسة المتألمة" التابعة للفاتيكان والتي أسسها "وينفريد فان ستراتين" في عام 1947، والتي تقدم تقريرها السنوي المُعتاد حول الحريَّة الدينيَّة في العالم، والذي جاء في آخر تقارير المنظمة أن المسيحيين ما يزالون عرضة للاضطهاد وسوء المعاملة في آسيا، وأفاد التقرير أنه خلال العام 2005 تعرض آلاف المسيحيين للسجن والتعذيب في عدد من الدول الآسيوية، وأكد التقرير أن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد بصورة انتظامية في عشر دول آسيوية وشرق أوسطية، وهي: الصين، الهند، سريلانكا، لاوس، فيتنام، كوريا الشمالية، إيران، العراق، المملكة العربية السعودية، وفي فلسطين.
وكانت الهيئة قد مولَّت في عام 2004 خمسة آلاف وتسعمائة مشروع راعوي في 137 بلداً في العالم، وقد بلغت المساعدات المقدَّمة للهيئة في هذا العام 66 مليون ومائتي ألف يورو.
وعن استثمار تلك الهيئة للكوارث أعلنت أنَّها وضعت مشاريع راعويَّة بقيمة 840 ألف يورو للبلدان التي تضرَّرت من المدِّ البحري الذي سبَّب خسائر بشريَّة وماديَّة كبيرة، وقد اهتمَّت الأبرشيات في إندونيسيا والهند وسريلانكا والصومال بتنفيذ تلك المشروعات، وأعلنت الهيئة عن تنفيذ 23 مشروعاً ذات طابع راعوي خلال العام الجاري في الأبرشيَّات التي تضرَّرت من المدِّ البحري، كيما تتمكَّن الجماعات الكاثوليكيَّة من مواصلة حياتها الدينيَّة بشكل طبيعي، وتمَّ تخصيص 55 ألف يورو لإعادة بناء "معبد عذراء مادار" في سريلانكا.
أما عن منظمة كاريتاس الدولية التابعة للفاتيكان والتي تدخلت بعد ساعات قليلة على حصول كارثة تسونامي مقدِّمة المساعدات الأوَّلية، من أغطية وألبسة ومواد غذائية،حيث حصل نصف مليون شخص على المساعدة في المرحلة الأولى من حالة الطوارئ، فقد وزَّعت كاريتاس الدولية المواد الغذائية على 118 ألف عائلة، وبنتْ ثلاثة آلاف مسكن مؤقت، وقدَّمت المساعدات اللازمة لِ 7500 صياد سمك، وقالت بهذا الصدد المديرة التنفيذية لهيئة كاريتاس باكستان "أنيلا جيل": إننا نحاولُ أن نؤمّن المأوى لأكبر عدد ممكن من الأيتام، وأكدت أنه وفقاً لإحصاءات قامت بها الحكومة الباكستانية تبين أن الهزة الأرضية شرّدت ما يقارب خمسين ألف طفل، وعليه وبحسب وكالة الأنباء الكاثوليكية الأمريكية كاثوليك نيوز سيرفيس فقد استعدت الكنيسة الكاثوليكية في باكستان لاستضافة أكثر من ألف طفل يتّمهم الزلزال الذي ضرب إقليم كشمير وذلك لتنشئتهم وفق تعاليم الكنيسة، موضحة أن هؤلاء الأطفال سيقيمون في أحد الفنادق بالقرب من العاصمة الباكستانية إسلام أباد.
وفي سريلانكا ساعدت الهيئة 24 ألف عائلة خلال مرحلة الطوارئ، وأعادت ترميم 37 مدرسة، وقدَّمت المراكب والشباك لزهاء 3 آلاف صياد سمك، وفي إندونيسيا حصل أكثر من 250 ألف شخص على المساعدة من كاريتاس الدولية، وجميعها تعمل تحت شعار "احمل الصليب واتبعني" وهذا واضح جلي في تيمور الشرقية، حيث أعلنت هيئة كاريتاس أستراليا أنها ما تزال ناشطة في تيمور الشرقية، حيث تمد يد العون إلى آلاف العائلات المهجرة، وأوضحت الهيئة الكاثوليكية - في بيان لها - أن ما يقارب من خمسين ألف شخص لجؤووا إلى الكنائس عقب أعمال العنف 1999، وكذلك الحال في كافة البقاع التي توجد بها هيئة الكاريتاس الدولية وباقي المنظمات التابعة للفاتيكان.
http://www.almoslim.net:المصدر
================(22/56)
(22/57)
الدعم الغربي لمخططات التنصير حول العالم
كشف تقرير صادر عن البيت الأبيض أن الإدارة الأمريكية قدمت خلال عام 2005م أكثر من ملياري دولار كمنح للجمعيات الدينية المسيحية، وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية الصادرة يوم 16 صفر 1427ه الموافق 16-3-2006م، أن هذا الرقم الذي تم الكشف عنه "لا يشمل كل المنح التي قدمتها الإدارة الأمريكية"، وقالت الصحيفة: إنه تم من قبل "تحويل ما يعادل 4مليارات جنيه إسترليني لدعم برامج الرهبنة، كانت مخصصة لمكافحة مرض الإيدز".
وقد أثارت تلك الأنباء ردود فعل غاضبة لدى جماعات الحرية المدنية والمتخصصين في مجال المساعدات داخل أمريكا، حيث وجهت اتهامات لإدارة الرئيس بوش بأنها "تعهدت بالتكفل بحملات التبشير التي يقوم بها اليمين المسيحي".
وبنظرة أوسع إلى دور الجمعيات والمؤسسات التنصيرية، وما تتلقاه من دعم واسع في الغرب ذكرت إحصائية نشرتها جمعية NC r P الأمريكية لدعم العمل التطوعي ومقرها واشنطن عام 1998م أن حجم التبرعات لعام 1998م فقط بلغ 175 مليار دولار يذهب تسعة أعشارها لدعم الكنائس والأنشطة الدينية الأخرى، ومنها التنصير بالطبع.
وفي بريطانيا يبلغ حجم المال الذي تتداوله المؤسسات الخيرية 22 مليار دولار.
وفي نفس الوقت الذي تتلقى فيه المؤسسات والجمعيات التنصيرية كل هذا الدعم، تتلقى المؤسسات اليهودية المتطرفة نفس الدعم والحماية. وخير مثال على ذلك ما يسمى ب"صندوق الهيكل في القدس"، الذي يهدف إلى هدم المسجد الأقصى المبارك، وإنشاء الهيكل المزعوم مكانه، وهو يتلقى تبرعات منتظمة من المنظمات اليهودية والنصرانية والإنجليزية حول العالم.
بل إن المنظمات اليهودية والأمريكية في أمريكا تقوم بالسعي للتضييق على المسلمين وأنشطتهم داخل الولايات المتحدة. يقول الكاتب إسماعيل الكيلاني في مؤلفه "الخلفية التوراتية للموقف الأمريكي": إن هناك 250 منظمة يهودية نصرانية في أمريكا قدمت ورقة عمل مشتركة لوضع حد لتزايد أعداد المسلمين في أمريكا.
إن هذه الأنباء تؤكد ما سبق أن أكدنا عليه مراراً، وهو أن الحكومات الغربية بصفة عامة تفتح الباب على مصراعيه لدعم الأنشطة التنصيرية حول العالم، تحت لافتات العمل الإغاثي والخيري، وتقدم كل التسهيلات والأموال والغطاء السياسي لتلك الأنشطة، بينما تشن حملة واسعة على العمل الخيري الإسلامي، متهمة إياه بتمويل ما يسمى ب"الإرهاب" وتلك تهم كاذبة لم تثبت صحتها، فالمنظمات الخيرية براء من تلك الاتهامات. ورغم ذلك قامت بعض الدول الغربية تحت تلك المزاعم بإغلاق مؤسسات خيرية إسلامية على أراضيها، ومارست ضغوطاً غير مسبوقة على الكثير من دول العالم لشل عمل المؤسسات الخيرية والنشاط الخيري فيها، ومازالت تسعى حتى اليوم لشل أنشطة العمل الخيري الإسلامي. وتلك مفارقة غريبة ومفضوحة!
إنه تضييق بكل السبل والوسائل على العمل الخيري الإسلامي الذي يرعى الأيتام والأرامل والمشردين والمنكوبين وغالبيتهم من المسلمين حول العالم أو يواجه أمراضاً فتاكة أو مجاعات قاتلة، وفي المقابل يتم تقديم دعم غير محدود وتسهيلات واسعة للجمعيات التنصيرية لتنطلق وتمارس عمليات تنصير واسعة بين المسلمين. وما تم الكشف عنه خلال محن المسلمين في البوسنة وكوسوفا، وأراكان والصومال وغيرها من البلاد الإسلامية، وما يجري اليوم من هذه المنظمات التنصيرية تحت شعار الإغاثة في دارفور وتم الكشف عنه أيضاً، هو خير شاهد ودليل.
إن المخطط الدائر يسير نحو محاولة تجفيف منابع العمل الخيري الإسلامي بكل السبل، بوضع العراقيل أمام التبرعات وزعزعة الثقة في أهلية العمل الخيري الإسلامي، وإشاعة اليأس لدى العاملين والمبدعين للعمل الخيري الإسلامي من تجميد أموال التبرعات، وإغلاق المؤسسات ووضع بعضها في لائحة ما يسمى بالإرهاب، ومنع المؤسسات الأخرى من العمل في ميادين الإغاثة وأعمال الخير، وكل ذلك لإفراغ الساحة للعمل التنصيري؛ سعياً لتحقيق مخططات الكنيسة بين المسلمين حول العالم.
ومن هنا، فإن المسلمين حكومات وشعوباً مطالبون بدعم مؤسساتهم وجمعياتهم وأنشطتهم الخيرية وحماية رسالتها السامية وأهدافها النبيلة؛ دون أن تأخذهم في الله لومة لائم، أداءً للواجب، ونصرة للدين، وإشاعة للخير والبر والإحسان.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(22/58)
(22/59)
مسلمو السودان يواجهون التنصير
مواقع أخرى*
قرّرت الحكومة السودانية مؤخراً طرد أعضاء بعض المنظمات الدولية التي تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية من السودان لعدم الالتزام بقوانين البلاد وتدخلهم في الشؤون السياسية .. وقد طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من السودان التراجع عن قرارها .. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات السودانية إلى طرد بعض العاملين في مؤسسات الإغاثة الدوليّة من السودان.
فقد سبق للسلطات السودانية أن طردت (272) شخصاً من العاملين بإحدى وكالات الغوث الكاثوليكية .. كما طردت (28) عاملاً بمؤسسة للغوث التابعة للكنائس البروتستانية .. بعد أن ثبت للسلطات السودانية أن العاملين في هذه المؤسسات يستغلون حاجة اللاجئين للدواء والكساء والطعام والإيواء وتعمل على تغيير عقيدتهم الإسلامية.
التنصير بالأرقام
نُشِر حديثاً بالخرطوم .. دراسة للأب الدكتور ج فانتين وتقول هذه الدراسة: إن عدد النصارى بالسودان كان عشرة أشخاص فقط في عام 1911م ميلادية .. زادوا إلى 1500 عام 1921 ميلادية وأصبحوا عشرة آلاف عام 1931 ميلادية .. ثم ارتفع العدد إلى مائة ألف عام 1951 ميلادية، ثم إلى (300) ألف عام 1961 ميلادية وإلى (480) ألف عام 1964م ميلادية، وأصبح عددهم (880) ألف في عام 1982م ميلادية .. أما اليوم فقد تجاوزوا أربعة ملايين نسمة من المسيحيين.
أما عدد الكنائس بالسودان .. فقد بلغ 1200 كنيسة في عام 1982 ميلادية بالإضافة إلى60 مركز تنصيري وعدد كبير من المؤسسات التنصيرية المتخصصة في التعليم والصحة ..
وبلغت قيمة ممتلكات هذه المؤسسات التنصيرية ما يزيد عن 60 مليون جنية استرليني.
ويرجع تاريخ العمل التنصيري بالسودان إلى عام 1884ميلادية .. بوصول الأب دبليو ورفاقه إلى الخرطوم ومن أشهرهم : دانيال كسبوغ الذي توفي بالخرطوم عام 1886 ميلادية .. ثم بدأت مرتكزات العمل التنصيري في السودان تأخذ صورتها الكاملة في عهد الاستعمار الإنجليزي للسودان الذي خطّط للتنصير بالوسائل التالية:
- إقامة المدارس والمستوصفات التنصيرية.
- تنمية العمل التنصيري عن طريق المؤسسات وبلوغ هذا العمل إلى كافة المناطق السودانية.
- العمل ضد الإسلام والمسلمين .. وقد أدى ذلك إلى طرد الكثير من المنّصرين من السودان بعد ضبط آلاف من الكتيبات التي تتهجم على الإسلام.
- العمل على استيعاب القبائل الزنجية بالجنوب السوداني، وإثارة الفتنة بينهم بنشر الأكاذيب ضد المسلمين وتشجيع اضطهادهم.
مسيرة الإسلام
تقول كتب التاريخ .. أنه بعد أن فتح المسلمون مصر في عام 20 هجرية .. بعث عمرو بن العاص القائد عقبة بن نافع إلى بلاد النوبة .. ولكن المسلمين لقوا من أهلها قتالاً شديداً .. ولما تولى عبد الله بن سعد أمور مصر صالحهم على غير جزية .. وكانت غزواته قد وصلت إلى دنقلة عام 31 هجرية.
وبنهاية الدولة الأموية كان بأرض النوبة مملكتان مسيحيتان: مملكة "المقرة" في الشمال ومملكة " علوة " في الحنوب .. وقد قامت بعض العناصر البشرية التي تعيش بين النيل والبحر الأحمر ـ في المنطقة جنوب النوبة ـ ببعض الغزوات على صعيد مصر .. مما جعل الخليفة العباسي المتوكل يقوم بإرسال حملة لتأديبهم .. فانتصر عليهم في حرب البجة عام 241 هجرية، وفرض على ملكهم دفع الجزية .. ومنذ هذا التاريخ تكاثر عدد العرب المسلمين في هذه المنطقة.
ولما جاء عصر المماليك قاموا بحماية الساحل الإفريقي للبحر الأحمر ضد الصليبيين .. كما أرسل الظاهر بيبرس حملة استولت على "سواكن" فلم يعجب ذلك ملك " مقرة " المسيحي فهاجم حدود مصر الجنوبية .. مما اضطر الظاهر بيبرس الاستيلاء على مملكتهم وضمّها إلى السلطنة المملوكية .. فأعلن ملك النوبة إسلامه في عام 823 هجرية .. وتساقطت المملكات المسيحية وانتشر الإسلام في النوبة .. وواصل الإسلام مسيرته إلى كردفان وقامت ممالك إسلامية في السودان .. ونشطت الدعوة الإسلامية، وتسابق العلماء إلى السودان لنشر هدايات الدين الإسلامي الحنيف وصارت السودان دولة عربية إسلامية.
الجنوب السوداني
إن سكان الجنوب السوداني الأصليون .. مجموعة من القبائل الوثنية التي لم تعرف الأديان السماوية إلا منذ عهد قريب، وذلك لأن طبيعة الجنوب صعبة .. فالأمطار مستمرة هناك لمدة عشرة شهور .. والغابات بوحوشها وحشراتها .. لذا ظلت الأديان السماوية غير معروفة لدى الجنوبيين لصعوية الوصول إليه .. ولم تعرف قبائل الجنوب الأديان إلا منذ عهد محمد علي وبسبب اكتشاف منابع نهر النيل.
بدأ الصراع العقائدي في الجنوب .. عندما لاحظ المستعمر أن هجرة التجار من شمال السودان إلى جنوبه .. أدّت إلى انتشار الإسلام .. فإن مجرد قيام التاجر المسلم بالوضوء وأداء الصلاة أمام أهل الجنوب كان دافعا للتساؤل ثم التقليد.(22/60)
لهذا فإن المسلم الذي يذهب إلى الجنوب السوداني كان يتحول إلى داعية للإسلام .. وقد أدّى انتشار الإسلام في الجنوب السوداني إلى نشر اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم .. وقد ساعد على انتشار اللغة العربية هناك أن قبائل الجنوب السوداني ليست لهم لغة محددة يتحدثون بها .. مما أتاح للغة العربية أن تنتشر بالجنوب السوداني منذ الفتح التركي ـ المصري وأن تصبح لغة تخاطب .. ومن القبائل التي تعرّبت بالجنوب السوداني قبائل: " الدينكا " و " الباريا " .. مما أدّى إلى انزعاج المؤسّسات التنصيرية فعملت على محاربة الإسلام واللغة العربية .. حيث أصبح عدد المسلمين ـ في بداية الدعوة الإسلامية هناك (148241) بمديرية أعالي البحار و (2160080) بمديرية بحر الغزال و (12417) بالمديرية الاستوائية بالجنوب السوداني.
تخريب قرى المسلمين
قامت مؤسّسات التنصير بالعمل على تخريب القرى الإسلامية الواقعة على الحدود بين الشمال السوداني وجنوبه .. حتى لا تكون هذه القرى حلقات وصل بين الشمال السوداني المسلم والجنوب .. وحتى يظل الجنوب السوداني مرتعاً لنشاط المؤسسات التنصيرية المعادية للإسلام والمسلمين.
وحاربوا اللغة العربية ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك ـ وعملوا على تشجيع اللهجات المحلية وتدوينها بالأبجدية اللاتينية، ثم جعلوا لغة التعليم بمدارس الإرساليات باللغة الإنجليزية .. إلى أن تمكنوا من إرغام السلطات السودانية لجعل اللغة الإنجليزية لغة التعليم، ولغة عمل بالجنوب السوداني بموجب اتفاقية أديس أبابا .. بالرغم من أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للسودان.
الدعوة بالجهود الفرديّة
بالرغم من كل هذه القيود التنصيرية .. اعتمدت الدعوة الإسلامية بالجنوب السوداني على الجهود الفرديّة التطوعيّة .. ومن أشهر دعاة الإسلام هناك الشيخ محمد أبو صفية الذي عمل على نشر الإسلام بين أفراد قبيلته " الدينكا " حتى توفي ودفن بمدينة "الأبيض"، والشيخ محمد أمين القرشي الذي يُعتبر من رواد الدعوة الإسلامية بالجنوب السوداني .. وكان قاضياً شرعياً، وتفرّغ للدعوة فأسّس جمعية " التبشير الإسلامي " وأسس العديد من الخلاوي القرآنية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم .. وقد أسلم على يديه أكثر من عشرين ألف سوداني بالجنوب.
وأمام هذا النجاح الذي حققه دعاة الإسلام .. قرّرت المؤسسات التنصيرية العاملة بالسودان .. اتخاذ كافة الإجراءات لوقف انتشار الإسلام بالجنوب السوداني .. والتصدي لكل من يحاول نشر الإسلام هناك بما في ذلك الطرق الصوفية.(1)
----------
(1)نفلاً عن الإسلام اليوم كتبه محمود بيومي
===============(22/61)
(22/62)
«الحرية الدينية» . . . رأس الحربة الجديدة
د. عبد العزيز كامل
لم يكد العالم الإسلامي يفيق من إحدى صدمات صِدَام الثقافات، وأكثرها استفزازاً واستغضاباً، وهي قضية الرسوم الفاجرة التي تطاول بها الدانماركيون، ومعهم معظم الأوروبيين والغربيين على شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حتى تفجرت قضية أخرى لا تقل خطورة في مدلولاتها، وإن كانت أقل في تفاعلاتها، وهي قضية الهجوم على شريعة الإسلام تصريحاً أو تلميحاً من معظم دول الغرب باسم «الحرية الدينية»، بمناسبة تفاعل قضية الرجل الأفغاني الذي ارتد عن الإسلام، ودخل في النصرانية.
لقد كان من الممكن أن تمر قضية هذا المرتد عن الدين، كقضايا العديد ممن يرتدون بأشكال وأنواع من الردة كل يوم دون أن يأبه بهم أحد، ولكن تلك القضية أخذت أبعاداً أخرى عقائدية وحضارية وقانونية وسياسية؛ لا ينبغي أن تمر مرور الكرام. وملخص قضية ذلك المرتد ويدعى: (عبد الرحمن عبد المنان) هو أنه كان يعمل مع إحدى المؤسسات الإغاثية التنصيرية في مدينة بيشاور بباكستان عام 1990م، أي في ذروة الجهاد الأفغاني ضد الروس، فتنصر راغباً عن التوحيد إلى التثليث، ثم سافر بعد ذلك بثلاث سنوات إلى ألمانيا، محاولاً الحصول على لجوء سياسي لينجو من ملاحقة المجاهدين، لكنه لم يفلح في الحصول على هذا اللجوء، ولم يفلح أيضاً في الحصول عليه من بلجيكا، وبعد عشر سنوات من الإقامة كافراً بين الكفار، عاد إلى أفغانستان عام 2003، بعد سقوط حكومة طالبان، وبدأ يُعلن ردته، فطلبت زوجته الفراق منه، واحتدم الخلاف بينهما حينما طالب المرتد بضم بناته إليه ليكُنَّ معه في دينه ودنياه الجديدة، وظل الخلاف بينهما مدة ثلاث سنوات، ثم رفعت الزوجة أمرها للقضاء الأفغاني، الذي لا يزال بعض قضاته متوهمين أنه يمكن لهم الرجوع لأحكام الشريعة في القضاء والحكم في ظل الاحتلال.
حتى تلك المرحلة؛ كان الأمر يبدو وكأنه مجرد مقاضاة في قضية أشبه بالأحوال الشخصية بين زوجين، إلا أن الدول الغربية أعطتها بُعداً آخر، بعدما قرر القاضي الأفغاني محاكمة المرتد على شأن الردة الذي هو أخطر من المظلمة الزوجية، لكن الرجل أصر على أنه التحق بالنصرانية مختاراً، ولن يتحول عنها... ومن حينها؛ خرجت القضية إلى العالم، على أنها اعتداء على «الحرية الدينية» وشاء بوش وحلفاؤه أن يجعلوا منها سلاحاً حديثاً في الحرب العالمية على الإسلام.
تحت هذا العنوان «الحرية الدينية» التي تعد الوجه الاعتقادي في الليبرالية الغربية؛ بدأت الولايات المتحدة ومعظم دول الغرب في خوض حملة مكثفة للإفراج عن المرتد، قبل أن تبدأ محاكمته أو حتى استتابته!
وبدأ الرجل يظهر في وسائل الإعلام الغربية وبيده نسخة خاصة من الإنجيل، مكتوبه بلغة محلية لأغراض التنصير، وبدأت في موازاة ذلك حملة عالمية لنصرة ذلك المرتد، احتفت بها وسائل الإعلام الدولية، ولم تحفل بها كثيراً وسائل الإعلام العربية والإسلامية رغم خطورتها وحساسيتها، ولا ندري لماذا كان هذا التجاهل؟!
الحاصل أن الحملة بدأت بسرعة كبيرة، ولكنها انتهت وطويت بسرعة أكبر، لا لأن الغرب أراد حسمها عاجلاً لتفادي المزيد من (صدام الثقافات)؛ ولكن لأن «الخصم» رفع الراية البيضاء مبكراً، قبل أن تحتدم المباراة الأحدث داخل حلبة الصراع الحضاري!
صدر الكثير جداً من الكلمات والتصريحات على ألسنة الزعماء السياسيين والكتاب والمفكرين في الغرب باسم (الحرية الدينية) مع القليل جداً أو النادر من جانب الزعماء السياسيين والكُتَّاب والمفكرين في الجانب العربي والإسلامي، مع أن جوهر القضية متعلق بأصل التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، وليس مجرد الحكم على مارق عنها خارج عليها يعلم الجميع أنه لن يُنفذ.
3 تدخَّل جورج بوش ـ شخصياً ـ بوصفه رئيساً للولايات المتحدة «زعيمة العالم»، ليثبت مرة أخرى أن الولايات المتحدة ماضية في حربها للإسلام عقيدة وشريعة، وقال في خطاب له في ولاية فرجينيا: «إنني منزعج جداً لسماعي أن شخصاً تحوَّل عن الإسلام قد يعاقَب على ذلك، هذا ليس بالتطبيق العالمي للقيم التي تحدثنا عنها».. «من المزعج للغاية، أن بلداً ساعدناه على التحرر يعاقب شخصاً لاختياره ديناً آخر».. «إن لدينا نفوذاً في أفغانستان وسنستعمله، لنؤكد لهم أن هناك قيماً عالية يجب احترامها»!!
هذا بعض ما صرح به بوش، لكن الذي لم يصرح به؛ هو أن «التحول عن الإسلام» على حد وصفه هو أحد الأهداف الرئيسية التي لأجلها فتحت أبواب التنصير في أفغانستان وفي غيرها، في الوقت الذي أغلقت فيه الأبواب أمام الجمعيات الإسلامية الخيرية الإغاثية في كل مكان.
وما لم يصرح به أيضاً.. هو أن ما سماه «التطبيق العالمي للقيم التي تتحدث بها أمريكا» يهدف إلى أن تمنح الدول الإسلامية كل الحق لأي مسلم ـ من ناحية قانونية ـ أن يعتنق أي دين غير الإسلام، وأن يدعو إليه، وألا تعرقل أي حكومة جهود أي ملة أو نِحْلة تريد أن تنشط بدعوتها بكامل حريتها في أوساط الشعوب الإسلامية تحت حماية القانون الدولي والمحلي.(22/63)
3 أما كوندليزا رايس التي تعتبر نفسها وزيرة خارجية العالم، فقد ذهبت أبعد مما ذهب إليه بوش وقالت: «لن أتوقف عن ممارسة الضغط حتى يفرج عن عبد الرحمن».... «إن هذا أمر مقلق للغاية.. لقد اتصلت بكرزاي، وأثرت معه الموضوع بأشد لهجة ممكنة، لكي تؤكد أفغانستان تمسكها بالدستور الجديد الذي ينص على احترام حقوق الإنسان».. «الحرية الدينية مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية».
3 وأما الصحافة الأمريكية، فقد وجدت في الموضوع فرصة لإثارة قضية تراها أهم، وهي قضية تضمين الدساتير في الدول الإسلامية إشارات تعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع، وتساءلت: هل يتناسب هذا مع الهدف الذي لأجله تسيِّر أمريكا جيوشها وتضحي بشبابها... ؟!
3 قالت صحيفة نيويورك تايمز في مقالها الافتتاحي في 3 مارس 2006 تحت عنوان (سخط على أفغانستان): «يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان مراجعة القوانين المعمول بها هناك».. «إن أفغانستان ليست الحليف الوحيد الذي يطبق قوانين دينية قاسية».. «إذا كانت أفغانستان تريد العودة إلى أيام طالبان فلتفعل، ولكن من دون مساعدة أمريكية».
3 وقالت صحيفة الواشنطن بوست في مقال لها في 23 مارس 2006، تحت عنوان (أطلقوا سراح عبد الرحمن): «من الناحية النظرية، ينص الدستور الأفغاني على ضمان الحرية الدينية، ولكن في الوقت نفسه ينص على أن الشريعة الإسلامية قانون البلاد، ولم يمض وقت طويل حتى ظهر ضرر هذا التعارض».. «لقد أمضى الرئيس كرزاي وقتاً طويلاً لتفادي أزمة دستورية بسبب التعارض بين مبدأ الحرية الذي يكفله الدستور، وبين مبدأ العمل بالشريعة»... «ما جدوى أي إنجاز للجنود الأمريكيين إذا لم ينجحوا في إنهاء تلك الحقبة الهمجية المنتمية إلى القرون الوسطى».
3 وأما مجلة ناشيونال رينيو الأمريكية الصادرة في 22 مارس 2006، فقد قالت في مقال لها بعنوان: (نحن وأفغانستان ومشكلة الشريعة): «نحن نحصد ما زرعناه في أفغانستان، ما يحصل هناك هو ما جلبناه على أنفسنا حين شاركنا في صياغة دساتير لا تفصل فصلاً تاماً بين السلطتين الدينية والمدنية»... «لقد جعل هذا الدستور الإسلام دين الدولة، جاعلاً للشريعة قوة مهيمنة على القانون، وناصّاً على ضرورة «دراسة» الفقه الإسلامي، وبعد كل هذا نأتي لنحتج على ذلك كنتيجة لهذا التداخل.. إن هذا يعد احتجاجاً فارغاً»!
3 وفي صحيفة (ببتسبيرج تريبيون) صحفي يهودي من المحافظين الجدد، وهو باتريك بوكانان، علق على قضية المرتد في مقال له بعنوان: (أي ديمقراطية هذه؟) قال فيه: «أي ديمقراطية هذه التي يفاخر بها الرئيس بوش، هل هذا شيء يستحق أن نرسل شبابنا الأمريكي للحرب أو الموت من أجله؟ إذا كان الشعب الأفغاني متقبلاً محاكمة ومعاقبة عبد الرحمن لتركه الإسلام؛ فما هي الرسالة التي نستشفها عن مدى تسامحهم مع المسيحية ومدى التزامهم بالحرية الدينية؟ » ومما قاله أيضاً: «لا يبدو أن المسيحية في وضع أفضل في تلك الديمقراطية الجديدة الأخرى في العراق».. «إن المسيحيين يهربون إلى سورية فراراً من الاضطهاد في العراق، وإن المحافظين الجدد الذين يتوقون إلى تحرير سورية كما حرروا العراق؛ إذا نجحوا في ذلك فليتولَّ الله المسيحيين في سورية حينئذ؛ لأنهم سيعاملون مثلما يعامَل المسيحيون في العراق».
3 انتقل التصعيد إلى أكثر من بلد أوروبي، بل إلى كل دول أوروبا ممثلة في الاتحاد الأوروبي، حيث ألقى هذا الاتحاد بثقله وراء حملة «الحرية الدينية» وأعلن على لسان وزيرة الخارجية النمساوية التي تترأس بلادها الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية أن: «على الاتحاد الأوروبي أن يبذل ما بوسعه للإفراج عن الأفغاني الذي اعتنق النصرانية».. «إن رئاسة الاتحاد الأوروبي ستتابع الوضع عن كثب، وستقرر الخطوات التالية حسب تطور القضية».
3 وقد هددت معظم الدول الأوروبية بوقف المساعدات عن أفغانستان إذا لم تفرج عن الأفغاني المرتد، ودخلت على خط المطالبة الرسمية بالإفراج عنه كل من بريطانيا وفرنسا وكندا وهولندا والنمسا والدانمارك وألمانيا التي هددت بسحب قواتها العاملة لحماية نظام كرزاي في أفغانستان المحتلة، وتبعتها في التهديد بلجيكا. أما إيطاليا فقد أرادت أن يكون لها دور يليق بموقعها كدولة راعية للنصرانية الكاثوليكية في العالم؛ فقد دعا البابا الجديد (بندكيت) إلى الإفراج الفوري عن الأفغاني المرتد وطالب باستعمال الرأفة معه، واستدعت إيطاليا سفيرها في أفغانستان وأعلنت ـ بعد مطالبتها بالإفراج عن المرتد ـ أنها مستعدة لاستضافته كلاجئ سياسي، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ آتت تلك الحملة العالمية النصرانية لمناصرة المرتد ثمرتها العاجلة بالإفراج السريع عنه رغماً عن الدستور الأفغاني والقضاء الأفغاني والبرلمان الأفغاني والشعب الأفغاني، بالرغم من ثبوت الاتهام ضده، واعترافه به وإصراره عليه!
قصة أخرى... ومواقف أخرى:(22/64)
مرت في السنوات الأخيرة قصة أخرى بتفاعلات مختلفة أعطت معنى إضافياً للحرية الدينية في فهم أنصارها من النصارى، حينما تتعلق تلك الحرية بالدخول في الإسلام لا الخروج منه، والقصة تتعلق بامرأة مصرية مارست حقها في «حرية الاعتقاد» التي ينادي بها الغرب، وغيَّرت دينها من النصرانية إلى الإسلام بكامل حريتها وإرادتها؛ فماذا كان موقف المسؤولين وغير المسؤولين من المسلمين وغير المسلمين؟ وماذا كان موقف دعاة حرية الاعتقاد وحرية التدين.. ؟!
تبدأ القصة بمشاهدة المرأة برنامجاً في التلفزيون المصري، يتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن، حيث تأثرت به، وبدأت تسأل زملاءها في العمل عن هذا الموضوع الذي أهمها كمهندسة زراعية، فزودها بعضهم بإفادات ومصادر عن الموضوع، فزاد تعلقها وشغفها بالاطلاع على أسرار القرآن، وقادها ذلك إلى الهداية، وانشرح قلبها بالإسلام، فدخلت فيه سراً خوفاً من أسرتها، ومن زوجها الذي كان يعمل كاهناً في إحدى الكنائس المصرية، ولها منه ابن وابنة كلاهما جامعيان. وظلت المرأة على إسلامها سراً تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، حتى حفظت منه سبعة عشر جزءاً، ثم عرفت ابنتها بالأمر، ومع الوقت عُرف أمرها من قِبَل أسرتها وزوجها.. وأهم من ذلك.. من قِبَل الكنيسة!
لقد كان من الممكن أن يمر الأمر كعشرات الحالات من الدخول في الإسلام سواء كان من مصريين أو أجانب، وهو ما يقره القانون المصري، إذا لم يكن عن قسر وإكراه، إلا أن المناخ الدولي المغاير، وجد من يريد استغلاله، وشاءت زعامة الكنيسة أن تصعِّد الأمر، وتصنع منه سابقة تجعل من دخول النصارى في الإسلام مشكلة، ريثما يأتي الوقت الذي يسوِّغون فيه دخول المسلمين في النصرانية بلا أي معضلة، لهذا اعتصم راعي الكنيسة في ديره حتى تُسلَّم المرأة المسلمة لكنيسته. وأخذت القضية أبعاداً خارجية، وبدأت الجاليات النصرانية المصرية في الغرب تولول على المرأة التي يمكن أن يفتح إسلامها الباب أمام المزيد من الدخول في الإسلام، باعتبار أن زوجها الكاهن لم يفلح في إقناعها بالردة عن الإسلام.
لقد تفاعلت الأحداث بابتزاز داخلي، وضغط خارجي، حتى سُلّمت المرأة للكنيسة دون أن تقوم لنصرتها حملة عالمية ولا محلية رسمية ولا شعبية، حتى أعلن النائب العام المصري بعد مدة من الحجز الكنسي (خارج إطار القانون) أن المرأة عادت إلى النصرانية ولم يبين كيف ولماذا؟!
إلى هنا انتهت قصة المرأة التي أسلمت ثم أُجبرت على التنصر، والتي وإن انتهت حكايتها كقصة مأساوية، إلا أنها لم تنته كقضية اعتقادية، تماماً مثل قضية الأفغاني المرتد عن الإسلام، التي يمكن أن تكون قد انتهت كقصة محلية، لكنها لن تنتهي كقضية دولية.
ولنا على القصتين أو القضيتين وقفات وتعليقات:
أولاً: ما حدث في أفغانستان، قابل لأن يتكرر في أي مكان من العالم الإسلامي، يرتد فيه شخص أو عدة أشخاص عن الإسلام، وسيفتح هذا باب التشجيع لكل من أراد أن يكون محوراً لحديث العالم واهتمام الغرب واحتفائه وتكريمه، والمشكلة هنا ليست في تعطيل حد الردة، فهو معطل منذ زمن، ولكن في إباحة تلك الردة وإتاحتها في ظل حماية قانونية محلية عالمية.
ثانياً: كل الحجج والمسوِّغات التي استند إليها الغرب في القيام بحملته ضد حكم الردة في الإسلام (مع أنه لا يُطبق أبداً) يمكن أن تستخدم ويُستند إليها في بقية أحكام الشريعة في الجزاءات المتعلقة بجرائم شرب الخمر والسرقة والزنا والفواحش، وغيرها من الكبائر التي تجرِّمها وتحرِّمها الشريعة، وهذا مكمن خطر مستقبلي، ومدعاة لتكرار الحملة الدولية على شريعة الإسلام في وقائع أخرى وأحكام أخرى، بذرائع مشابهة مثل: «الحرية الشخصية».. «قسوة العقوبة».. «ضرورة الاحتكام إلى قوانين لا دينية مدنية».
ثالثاً: هناك حملة قادمة ضد الدساتير في العالم الإسلامي لحذف كل ما يتعلق بالشريعة منها برغم علمانيتها، والدستور الأفغاني في ظل الاحتلال، قد أشرف الأمريكيون على صياغته؛ بحيث يستبعد حاكمية الشريعة بالمرة، إلا أن بعض «الثغرات» التي تشير إلى «احترام الشريعة» من الناحية الشكلية بقيت، فثارت على أثرها هذه الضجة الدولية، وطالب الثائرون بعد حادثة المرتد بـ «تنقية» الدساتير في العالم الإسلامي من أية إشارة إلى الشريعة، وعلى هذا فإن هذه الدساتير التي وضعت، والتي ستوضع أو تعدل، ستظل قنابل موقوتة، تتفجر كلما طالبت جماهير الأمة بحقها وواجبها في الاحتكام إلى شريعة الإسلام الذي تدين به.
رابعاً: أي سيادة للدول تبقى، وأي إرادة واستقلال للشعوب يصدُق، عندما يصل «القهر الديمقراطي»، إلى حد إجبار الحكومات على تعديل دساتيرها وتسليم رعاياها لدول أجنبية في الخارج، أو لأقليات متسلطة في الداخل، حيث يُجَرَّمُ بريء، أو يُبَرَّأُ مجرم؟ وهل نحن دخلنا بالفعل في عصر «الحكومة العالمية» التي لا تعترف إلا بمن يعترف بسيادتها وقيادتها وشريعتها؟(22/65)
خامساً: عندما نقارن بين مستوى حملة النصرة التي قام بها الغرب كله «رسمياً»، على المستوى السياسي والإعلامي للرجل الذي خرج عن الإسلام نابذاً القرآن وحاملاً الإنجيل، بالموقف «الرسمي» المتخاذل والمخزي عربياً وإسلامياً، داخلياً وخارجياً من المرأة التي أحبت القرآن حتى دخلت في الإسلام، ندرك الفارق بين منزلة الإسلام والقرآن عند قوم، ومنزلة النصرانية والإنجيل عند آخرين.
سادساً: بعض الجهات الإسلامية المحسوبة على الفقه الإسلامي «الأوروبي» انبرت تدافع عن «حق الردة» إي واللهِ.. «حق الردة»! مرددة مقالة ضالة تزعم أن الإسلام كفل لأتباعه أن يخرجوا منه وقتما شاؤوا دونما أي مساءلة أو عقاب، وأن هذا من «حقوق الإنسان» التي أعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع!!
وهذا القول الساقط، الذي تجاوزته ثقافة العوام، يجد اليوم من يردده باسم الفقه والدين؛ فإلى الله المشتكى من هؤلاء الذين يسوِّغون للطغاة طغيانهم، وللكفار كفرهم.
سابعاً: أسوأ ما في الموقف (شبه المتعاطف) مع المرتد الأفغاني، كان ذلك التصرف الذي صدر من بعض المحسوبين على العلم في مصر أثناء أزمة المرأة التي أسلمت؛ إذ صدرت وقتها تصريحات تقول: «وماذا سيستفيد المسلمون من دخول امرأة جديدة في الإسلام؟! وهل نحن في حاجة إلى مسلمين جدد، والعالم الإسلامي يزيد سكانه عن مليار مسلم.. ؟!!
وهو كلام لا يصدر إلا ممن لا يعرف حقيقة أن الأمة كلها مسؤولة أمام الله ـ وعلى رأسها علماؤها ـ إذا تسببوا في انتكاس إنسان عن الحق، حتى يكون مصيره مع الكافرين في النار.
ثامناً: الموقف الإعلامي في العالمين العربي والإسلامي، لم يكن له حضور يذكر في أزمة الهجوم على الشريعة المتزامن مع قضية الردة، مثلما كان الأمر أثناء أزمة الهجوم على العقيدة المتزامن مع قضية الرسوم المسيئة، والسبب فيما يظهر أن الوعي بخطورة الهجوم على الشريعة قد تضاءل لدى الشعوب من كثرة إهمالها في بلاد المسلمين في ظل الهيمنة العلمانية، وهو ما يوجب على علماء المسلمين ودعاتهم أن يعيدوا الاعتبار إلى مفهوم الشريعة بمعناها الواسع المرادف للدين، كما دل عليها قول الله ـ - تعالى -ـ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
تاسعاً: في الوقت الذي يحارب فيه الغربيون الأعمال الإغاثية الإسلامية وأنشطة الجمعيات الخيرية ويطاردونها في كل مكان؛ فإن أعمال التنصير من خلال المنظمات التبشيرية التنصيرية، تنشط في معظم بلاد المسلمين بلا حسيب أو رقيب، وقد كان ذلك الضال المرتد أحد ضحاياها، عندما أتيحت لها «الحرية» لتعمل على إخراج المسلمين من دينهم، أو على الأقل تشككهم فيه، باسم «الحرية الدينية»، و «حرية التعبير» عن المعتقد.
ومن المؤسف هنا ـ بل من المفجع ـ أن نرى بعض المحسوبين على حماية الدعوة ونشرها، يسمحون بما يسمى بـ «حرية التنصير» في بلد الأزهر؛ وذلك من خلال التوقيع على وثيقة تدعو إلى ذلك، كبرهان على «سماحة الإسلام» وأنكى من هذا وأشد، أن يسمح في ذلك البلد ذاته، الذي تزيد نسبة المسلمين فيه عن 90%، بقبول النِّحْلة (البهائية) كديانة معترف بها لمن اعتنقها من المواطنين، بحيث تُثَبَّت في البطاقة الشخصية أو بطاقة الهوية مع أن تلك النِّحْلة الضالة تقوم على إنكار عقيدة (ختم النبوة) بمحمد صلى الله عليه وسلم وادعاء أن خاتم الأنبياء، هو (المرزا حسين علي) الملقب بـ (البهاء). وقد جاء القرار بقبول واعتراف بتلك الديانة المسخ استجابة لضغوط أمريكا من خلال تقريرها السنوي عن الحرية الدينية في العالم، والذي وبخت فيه الحكومة المصرية على عدم قبولها بالحرية الدينية، وامتناعها عن الاعتراف بالطائفة البهائية!
عاشراً: كان المسوِّغ المعلن للإفراج عن المرتد من طرف دولة أفغانستان «المستقلة» أنه تبين (لعدالة المحكمة) فيها أن المتهم مختل عقلياً.. !!
وهو تسويغ ربما رأى القضاة الأفغان فيه حسن تخلص من الورطة التي دخلوا فيها؛ باعتبار أنه لا يمكن أن يخرج من الإسلام مختاراً، إلا من سفه نفسه، وفقد عقله، ومع هذا فالأمر لا يخلو من مفارقة مضحكة؛ إذ كيف ثارت كل هذه الضجة في الغرب، حتى صارت أشبه بمقدمات إعلان الحرب، من أجل «مجنون»؟!
ألأجل هذا (المجنون) هُددت أفغانستان بقطع المعونات، وإغلاق السفارات وسحب القوات وفرض العقوبات؟!.. ولأجل جنونه وسواد عينيه تبرع «العقلاء» في إيطاليا بمنحه (حق اللجوء السياسي) قبل أن يعود إلى عقله، بعودته إلى دينه؟!
أحقاً كل هذا من أجل مجنون؟!
اللهم احفظ علينا عقولنا..!
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============(22/66)
(22/67)
التنصير في تركيا بين الوهم والحقيقة
كارل فيك - واشنطن بوست
ترجمة: زينب كمال
17 ربيع الأول 1427هـ الموافق له 15 أبريل 2006م
كان الخلاف الذي اندلع بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على أشده صباح يوم الأحد عندما اخترقت رصاصة قلب القديس 'أندريا سانتورو', والتي على إثرها لقي الكاهن البالغ من العمر 61 عاماً مصرعه في الحال، لقد كان الكاهن سريع الاستثارة بوجه خاص في الجدال الدائر بين أتباع الديانتين الذين يتصايحون فيما بينهم.
والآن وبعد مرور شهرين على تلك الحادثة لا يزال الكثير من الناس مقتنعين بهذا التفسير حتى اليوم، فطبقاً لما رواه الشهود أطلق القاتل النار على القس الإيطالي من الخلف, ثم صاح بعدها قائلاً: 'الله أكبر'.
ولكن هناك تفسير آخر للحادثة سيطر بشدة على أذهان السكان الذين يقطنون تلك المدينة الصغيرة التي تطل على البحر الأسود, وذلك في الأسابيع التي أعقبت تلك الحادثة التي وقعت في الخامس من شهر فبراير بالقرب من منصة الكنيسة الوحيدة هناك، والتي تقع على بعد مئة ميل، كان السكان يتهامسون فيما بينهم أن القس كان يعمل منصراً, وأن مقتله كان بسبب نزاع على النقود التي يقول الأتراك منذ فترة طويلة: إن المنصرين يدفعونها للمسلمين سعياً لتحويلهم للنصرانية.
يقول رجب هيكوركميز سائق إحدى سيارات الأجرة الصغيرة البيضاء التي تكتظ بها شوارع المدينة شديدة الانحدار: 'كل الناس يقولون إنه كان يدفع للكثير من طلبة الجامعات 100 يورو شهرياً لتنصيرهم'، وتقول امرأة تطل شرفة الشقة التي تقطنها على الكنيسة: 'أنا أيضاً سمعت ذلك الكلام'، موضحة أنها سمعت سانتورو يتجادل مع جماعة من الشباب في اليوم الذي سبق الحادثة، ولكنها قالت: إنها لم تسمع الحوار الذي دار بينهم، وأضافت: 'إنهم يقولون إن الفتى أخبر صديقه بأن القس أعطاه مئة يورو للتسجيل هنا, وأنه إذا ما رحل فإنه سوف يحصل على نفس المبلغ منه'.
ويبدو أن هذه فقط هي كل الآراء التي يرى الناس أنها سبب في الحادث، ويقول 'ماهيا أوستا' - المحامي الذي يتولى الدفاع عن الفتي التركي المتهم باغتيال الكاهن -: إن هذه الأنشطة التنصيرية 'ليست لها أي علاقة بقضيتنا'، كما قال زعماء الجالية المسيحية شديدة الصغر الموجودة بتركيا، إن الإشاعات القديمة التي تقول بأنهم يدفعون أموالاً لتنصير المسلمين قد أضرت بسانتورو على وجه الخصوص.
ويقول الأسقف لويجي بادوفيز أسقف الكاثوليك بالأناضول: 'ليس لدينا مال ندفعه لأحد'، وأضاف: 'إنني أعطي لأندريا نفسه 300 يورو شهرياً، فمن أين له أن يعطي هو لكل فرد 100 يورو شهرياً!'.
ولكن يبدو أن لهذه الروايات المحلية للحادثة خلفية ما في الحقيقة, هذه الخلفية تكمن في ذلك االشعور المترسخ في تركيا - تلك الدولة التي من المفترض أنها جمهورية علمانية، والتي كثيراً ما يستشهد بها المسئولون الأمريكيون حيث يعتبرونها نموذجاً للديمقراطية في العالم الإسلامي - من انعدام الثقة، والارتياب في المسيحية.
يقول عيسى كيراتيس الناطق باسم الكنائس البروتستانتية الإنجيلية والتي يبلغ عددها حوالي 80 كنيسة: 'ربما تكون تركيا حقاً دولة علمانية, ولكن تصرفاتها وسلوكياتها ليست كذلك'.
لقد كانت تركيا تلزم النصارى واليهود بدراسة الدين الإسلامي في حصص الدين التي تعد بدءاً من السنة الرابعة بالمدارس التركية, وذلك إلى أن تمكنت الأقليات الدينية من تغيير القانون، كما قامت الدولة بمصادرة المئات من ممتلكات الكنيسة, ولكنها أعادت مؤخراً بعضاً مما صادرته تحت ضغط الاتحاد الأوروبي التي تسعى للانضمام إليه.
إن تركيا التي يبلغ عدد النصارى بها 100.000من إجمالي عدد السكان البالغ 70 مليون نسمة تؤيد بصفة رسمية، وتحمي كل المعتقدات الأخرى غير الإسلام, ولكن تركيا على خلاف أفغانستان التي هددت الشهر الماضي بإعدام أحد المرتدين الذي تحول إلى النصرانية, ليس لديها قوانين تجرم الردة بالنسبة للمسلمين, أو تمنع المحاولات التي تسعى لإغوائهم بترك دينهم أو لتنصيرهم.
ورغم ذلك قامت الشرطة التركية بتوجيه تهم لـ293 شخصاً بدعوى ممارستهم لـ'أنشطة تنصيرية', وذلك في الفترة من عام 1998 وحتى 2001, وهذا طبقاً لما أعلنه رئيس الوزراء أمام البرلمان مؤخراً، بالإضافة إلى ذلك فإنه يتم تحذير كل من يجري مكالمة هاتفية مع الجماعات المسيحية العاملة داخل تركيا من التفوه بكلمة 'منصر' على أي خط هاتف مفتوح.
ويقول أحد موظفي الاستقبال: 'الكثير من أصدقائي يستخدمون كلمة 'إم' بدلاً منها.
ويعود هذا التوتر على الأقل إلى القرن الثالث عشر، عندما تم طرد الصليبيين من تلك المدينة التي تحمل اليوم اسم إسطنبول.(22/68)
وقامت مديرية تركيا للشئون الدينية بإصدار نشرة في شهر يونيو الماضي أعلنت فيها أن 'العمليات التبشيرية لها علاقة بالحملات الصليبية'، كما قامت تلك المديرية والتي تتولى السيطرة على المساجد التركية بتوزيع نص لخطبة الجمعة على المساجد منذ عام مضى، وقام الأئمة بناء عليها بتحذير المسلمين من أن الحملات التنصيرية مشتركة في مؤامرة لـ'سرقة معتقدات شبابنا وأطفالنا'.
ويعكس هذا التحذير حقيقة صعبة كامنة تحت ذلك القناع الرسمي الذي تضعه تركيا والذي يمثل الفكر العلماني والحداثة الغربية، فالهوية التركية الآن على الرغم من مرور سبعمئة عام على الحملات الصليبية، وثمانية قرون على انهيار الدولة العثمانية التي كانت توحد المسلمين تحت خلافة واحدة؛ تتشكل من مزيج قوي من الوطنية والدين.
لقد صارت عبارة: 'أحمد الله على أنني تركي ومسلم!' شعاراً لا يزال يستخدمه الأشخاص القدامى، وتعود جذور الهوية التركية بصورة جزئية إلى السياسة التي كانت سائدة في العشرينات في الوقت الذي كانت القوى الأوروبية تعزز من الطموحات الإقليمية للدول المسيحية المجاورة لتركيا, وخاصة اليونان، كما يعود العداء الخاص تجاه الحملات التنصيرية إلى القرن السابق عندما استغلت الدولة العثمانية المنهارة الدين لحماية أركانها.
واليوم تشير هذه الموجة من العداء التي يصفها المسيحيون الأتراك بشكل ضمني خطير إلى القوى الغربية، فقد كشفت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من المسلمين يرون أن الحرب في العراق وأفغانستان ما هي إلا هجوم على الإسلام، أما في تركيا العضو في حلف شمال الأطلنطي، والتي كثيراً ما توصف بأنها تمثل جسراً بين الحضارات, يكون الشعور بالعداء تجاه الولايات المتحدة مرتفعاً بصفة دائمة.
ويقول كيراتس الناطق باسم كنائس البروتستانت: إن نظراءه من الأتراك يسألونه 'إذا حدثت حرب فإلى أي جانب ستقاتل؟ إنني حقاً لم أستطع أن أجعلهم يدركون أنني على الرغم من أنني مسيحي, فإن شعوري تجاه بلادي هو نفس شعوري تجاه ديانتي، ولكنهم لا يدركون ذلك'.
لقد تعرض بيهنان كوناتجان مسئول الجمعية الإنجيلية في تركيا للاعتقال أكثر من مرة, وذلك لأنه كان يقول بأن كل مسيحي عليه أن يقوم بنشر 'الكلمة الطيبة'، وبالدعوة إلى النصرانية، وأضاف: 'عندما أقوم بإلقاء موعظة ما يظن الناس أنني عدو لبلدي'.
وهكذا ربما يكون العنصر الوطني قد تجسد في حادثة مقتل سانتورو، وذلك لأن مدينة وميناء طرابزون لا تشتهر بالأصولية الدينية، ولكنها معروفة بانتشار المتعصبين القوميين بها.
ويقول الأسقف بادوفيس: 'إننا نعتقد أن المسألة ليست مسألة دين فقط, ولكنها مسألة قومية أيضاً، إنها قضية الاثنين معاً'، وقال: إنه كانت تصلهم أنباء من أن سانتورو يواجه الكثير من الأشخاص الثائرين الذين يتهمونه بالقيام بأنشطة تنصيرية, والتي يزعم بادوفيس أن الكنيسة حريصة على عدم تشجيعها.
ويقول عبد الله يوردوسيفين الذي يعمل ترزياً، ويحمل المقطع الأخير من اسمه معنى المحب لوطنه: 'إن هذا يشبه ما يحدث قبل الانتخابات, فدائماً ما يقول الناس: إن الأحزاب تقوم بتوزيع أموال في القرى'، وأضاف: 'إننا لا نعرف أبداً صدق هذه الدعاوى من كذبها'، ويقول كيراتس: إنه قبل شهر من حادثة الاغتيال تعرضت إحدى البعثات التنصيرية الأجنبية للضرب المبرح، ثم تم طردها من المدينة بعد أن تلقت تهديدات بالقتل, وأضاف: 'إن طرابزون مدينة مضطربة إلى حد ما'.
ليس هناك الكثير من المعلومات المتاحة عن الفتى ذي الستة عشر عاماً المشتبه به، والذي من المنتظر أن تتم محاكمته في قضية سانتورو، كل ما يعرف عنه هو أنه تم فصله من مدرسته الثانوية القريبة من منزله بسبب كثرة تغيبه عنها, وقد أكد محاميه الخاص أنه كان يعالج عند طبيب نفسي.
ويقول كاهيت كوس صاحب المكتبة الملاصقة للمنزل الذي يعيش به هذا الفتى برفقه والدته: إنه 'لم يكن لديه أصدقاء, حيث كان انطوائياً'، وأضاف كاهيت: 'أعني أنه - تخيل - يمر كل يوم على نافذة العرض هذه، ومع ذلك فإنني لم أره مطلقاً'.
وصرحت صحيفة 'كارادينز' المحلية التركية في عنوان لها 'ها هو الفتى' وذلك بعد أن تم إلقاء القبض على شخص يشتبه به، ولكن الصحيفة القومية قامت بالتشويش على وجهه، وتقول الصحيفة: 'الدليل الأول: لقد طلب مبلغ 500 دولار, ولكنه لم يتمكن من الحصول عليها'.
http://www.islammemo.cc:المصدر
===========(22/69)
(22/70)
دارفور..الغرب يدخل من بوابة التنصير قبل السلاح!
عبدالحي شاهين*
حذّر دعاة سودانيون من جهود تقوم بها منظمات تنصيرية ناشطة في إقليم دارفور المضطرب لتنصير اللاجئين من أهالي الإقليم الذين يستوطنون في مخيمات خارج المدن بعد خروجهم منها بسبب هجمات المتمرّدين.
وأكد الدعاة في تصريحات متطابقة أن منظمات التنصير تعمل في مخيمات لاجئي دارفور بنشاط كبير تحت غطاء الإغاثة، وبحماية المنظمات الدولية العاملة هناك, وأبدى الدعاة استغرابهم من غياب المنظمات الإسلامية في دارفور بعكس الأزمات السابقة التي مرّت بها أقاليم أخرى في العالم الإسلامي.
وقال الدكتور إسماعيل حنفي -عميد كلية الشريعة بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم-: إنه قام بعدة جولات دعوية في مخيمات الدارفوريين، ولمس بنفسه حجم النشاط التنصيري الذي يتم هناك. وأضاف د. حنفي أنه لاحظ بروز بعض "المظاهر السيئة" التي ظهرت مع المنظمات الغربية مثل: دفع النساء للتبرج، وتوفير الخمور، وإلحاق الأطفال بمؤسسات التنصير, موضحاً أن الوسائل التي تقوم بها تلك المنظمات في التنصير تنحصر في الإغراء المادي بتوظيف اللاجئين أو مدّهم بكميات كبيرة من المواد الغذائية بجانب توفير المأوى والملبس لهم.
وأكد حنفي أن هذه الأعمال التنصيرية تُنفّذ تحت غطاء المنظمات الإغاثية والصحية أو رعاية المشرّدين إلى غيرها من "اللافتات البرّاقة", وسط غياب المنظمات الإسلامية والعربية.
من جانبه قال الداعية عز الدين إبراهيم: إن عدداً من المنصّرين في إقليم دارفور قاموا بتوزيع كتب التنصير على المواطنين هناك لتنصيرهم وإبعادهم عن الدين الإسلامي، وقال إبراهيم: إن الخطر الحقيقي ليس في التدخل الخارجي بالسلاح, ولكن في تنصير مواطني دارفور الذين عُرفوا بحبهم للقرآن وكتابتهم للمصحف الشريف.
وكشف الهادي الأمين الناشط الإسلامي في دارفور أن عدد المنظمات الأوربية والأمريكية العاملة في دارفور يبلغ أكثر من (30) منظمة تقوم بأدوار في غاية الخطورة، وتستغل العمل الإغاثي في عمليات التنصير في الإقليم الذي يُعتبر غالبية سكانه مسلمين، ولا يوجد به كنيسة واحدة.
وتتصدر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة تقديم المساعدات من المأكل والمشرب والكساء والدواء للاجئين من إقليم دارفور إلى شرق تشاد. والذين يبلغ عددهم قرابة المليون ونصف المليون معظمهم من النساء والأطفال والعجزة، وحسب قول مدير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المقيم في تشاد فإن العدد الذي ظل خارج المخيمات أكبر من الذي في داخلها.
وتُعتبر دارفور أكبر أقاليم السودان, وتقع في الغرب منه وتمثل حدوده الغربية الحدود السياسية للسودان في تلك الجهة مع ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، ويبلغ عدد سكان الإقليم نحو 6.7 مليون نسمة، وجميع سكانه مسلمون سُنّة، وقد قُسّم الإقليم منذ عام 1994م إلى ثلاثة أقاليم متجاورة ومختلفة الأعراق، وهي الغرب والشمال والجنوب, وتبلغ نسبة الجماعات الأفريقية نحو 60% بينما تبلغ نسبة العرب 40%.
وبدأت خطط تنصير السودان منذ فترات بعيدة وتحديداً في عام 1917 حينما بدأ الاحتلال البريطاني في بناء سياج سياسي وإداري بين شمال السودان وجنوبه، فقد شجع الاحتلال الإرساليات التنصيرية، وفتح لها الباب على مصراعيه، وحُوّلت العطلة الرسمية في الجنوب من الجمعة إلى الأحد، واستبعدت قوات الأمن الإسلامية من المناطق الجنوبية.
وفي عام 1921 أصبح هناك فصل إداري بين الشمال والجنوب، بعد أن قرّر الاحتلال أن يعتمد الجنوب على حكام جنوبيين.
وخطا الاحتلال البريطاني خطوات أوسع حينما أصدر قانون 'المناطق المقفلة' والذي بموجبه أصبحت كل من مديرية دارفور، والاستوائية، وأعالي النيل وبعض أجزاء من المديريات الشمالية، وكردفان، والجزيرة، وكسلا، مناطق مغلقة.
وقانون المناطق المغلقة يحرم على غير المواطنين السودانيين دخول أو البقاء في هذه المناطق إلا بإذن خاص من السكرتير الإداري أو من مدير المديرية التي يتبعها ذلك الجزء الممنوع دخوله، وكذلك من حق السكرتير الإداري أو مدير المديرية المختص منع أي مواطن سوداني من الدخول أو البقاء في تلك المناطق.
- - - -
نشر المقال عبر موقع الاسلام اليوم
==============(22/71)
(22/72)
مسلمو أوغندا بين التهميش والمد التنصيري
الاحد :21/05/2006
(الشبكة الإسلامية)
تعد أوغندا إحدى بلدان شرق أفريقيا، وبالتحديد منطقة البحيرات العظمى ويحدها من الشرق كينيا ومن الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية ومن الشمال السودان ومن الجنوب رواندا وبروندي، وكانت أوغندا من قبل حلما أسطوريا لكل المكتشفين والرحالة الذين انطلقوا بحثا عن منابع نهر النيل وعن بحيراتها الكثيرة وغاباتها الواسعة، ففيها بحيرة ألبرت وجورج وإدوار وفكتوريا التي تعد المنبع الحقيقي لنهر النيل ولعل وفرة البحيرات والمعدل المتوسط لسقوط الأمطار كانا الضمان لأوغندا من عدم الجفاف والتصحر، فهي خضراء دائما بسبب موقعها المهم واعتدال أجوائها.
دخول الإسلام
وقد دخل الإسلام أوغندا عبر العديد من التجار المسلمين من السودان ومصر، حيث كان التجار المسلمون يحملون البضائع والهدايا إلى ملوك القبائل الأوغندية بالإضافة إلى دورهم الدعوى إلى دين الله، وعرض الإسلام على كل من يتعامل معهم وعلى الملك داود الثاني ملك قبيلة بوكندا الذي أسلم وحسن إسلامه، ومنذ ذلك الحين أخذ الإسلام يشق طريقه بين القبائل الأوغندية، وقد أدت الحملة المصرية على منابع النيل في القرن التاسع عشر دورا مهما في نشر الإسلام عبر إرسال العلماء إلى هناك للمشاركة في العمل الدعوي وهداية الأوغنديين، وقد حققت هذه البعثات نتائج مهمة وانطوى عدد كبير من الأوغنديين تحت لواء الإسلام وأسست ممالك إسلامية عديدة، ويفخر المسلمون في أوغندا بأن الدين الإسلامي هو أول دين سماوي يدخل الأرض الأوغندية، فقد سبق الديانات المسيحية كما سبق الوثنية بعشرات السنوات، غير أن الوسائل الخبيثة التي لجأ إليها الاستعمار في إشاعة الأمية في أوساط المسلمين وكذلك الفقر لدرجة أفقدتهم أي نفوذ في أوغندا رغم أنهم شكلوا الأغلبية لأوقات طويلة وبنسب كبيرة على معتنقي الديانة المسيحية والوثنيين على حد سواء.
تهميش سياسي
وقد عانى مسلمو أوغندا في العقود الأخيرة من حالات تهميش سياسي واقتصادي، فرغم أنهم كانوا يشكلون 40 % من سكان البلاد إلا أن هذه النسبة قد تراجعت إلى 20% من عدد السكان البالغ تتعداهم 25 مليون، أي أن أعداد المسلمين تصل إلى حوالي 5 ملايين نسمة.
هذا ولم يشهد المسلمون صعودا سياسيا إلا في عهد الرئيس الأوغندي الراحل الجنرال عيدي أمين الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري في ظل الرئيس الأوغندي حينذاك ميليون أبوتي وعمل خلالها على إعلاء شأن الإسلام في بلاده فقام بالحد من الحريات التي كانت تتمتع بها الإرساليات التبشيرية فطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من كمبالا، وألقى القبض على أفرادها وقرر انضمام أوغندا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وشن حرباً على الجماعات المرتدة مثل البهائية و القاديانية، التي عملت على إشعال الحرب بين أوغندا وتنزانيا وانتهت باندحار قوات عيدي وطرده من السلطة وعودة أبوتي إلى الحكم ومنذ ذلك التاريخ أي في نهاية حقبة السبعينات من القرن الماضي يعاني المسلمون من تهميش سياسي رهيب، فرغم أنهم يشكلون 20 % من سكان البلاد إلا أنهم محرومون من الوصول إلى مناصب قيادية في السلطة أو في الجيش.
أمية وتخلف
ويعاني مسلمو أوغندا حزمة من المشكلات يأتي في مقدمتها الفقر والمرض والجهل والتخلف، وذلك بسبب الأمية التي تتفشى فيهم، فكلنا يعلم أن التعليم في أوغندا قد بدأ على يد الإرساليات التبشيرية مما أدى لابتعاد الأغلبية العظمى من المسلمين عنها خوفا على عقيدة أطفالهم الدينية، خصوصا أن أوغندا قد شهدت طوال تاريخها موجات تنصيرية شديدة استهدفت مناطق المسلمين مستغلة الفقر والحاجة ومدت يدها إلى أهالي هذه المناطق عبر إنشاء المستشفيات والمدارس ورعاية الأيتام والجوعى متزامناً مع وجود يهودي مكثف خصوصا أن الصهيونية العالمية لم تنس أن أوغندا كانت إحدى ثلاث بلدان اختارهما وزير المستعمرات البريطاني تشمبرلين وطناً قومياً لليهود.
إرث صهيوني نصراني
من ثم فإن هذا الإرث النصراني الصهيوني الشديد أثر بشدة على أوضاع المسلمين في أوغندا، فهم يعانون الفقر الشديد في مناطق توينا وامبالي وانكانكافورت وبورتل وسوروبي وخلوها من أي خطط تنموية مما أسهم في تزايد الفقر في أوساطهم وسمح لمنظمات التنصير التي تغرق البلاد في مقدمتها الكنيسة الإنجيلية التي تعد أوغندا أرضا خصبة للعمل التنصيري، ومنظمة بلا حدود كموميشون والإرساليات المعمدانية، ويعزز عمل هذه الإرساليات وجود شبكة قوية من الإذاعات المحلية تضم 4 إذاعات على رأسها كرتولايف، وراديو أوغندا وراديو ماريا توب وراديووعد، ومن الأندية الماسونية مثل الروتاري والليونز.
ثمار قليلة(22/73)
ورغم المناخ المهيأ للجماعات التنصيرية وإمكاناتها الصحية إلا أن النتائج التي حققتها لا تقاس بقدر النفقات التي أنفقت عليها، فالمسلمون في أوغندا تحدوا كل الظروف وما زالوا متمسكين بدينهم، ناهيك عن أن أوغندا تعد من أكثر الدول التي يقبل فيها الوثنيون على اعتناق الإسلام يومياً؛ غير أن هذا الوجود المكثف لجماعات التنصير أسهم في تنامي نفوذها لدرجة أنها أوعزت إلى البرلمان الذي يضم 35 عضواً مسلما من جملة أعضائه الـ 308 ليتبنى تغييراً في قوانين الأحوال الشخصية.
طموح إسلامي
وقد شجعت هذه الخطوة المسلمين على الشعور بأهميتهم في المجتمع وضرورة استغلال هذا الدور في انتزاع تنازلات من الحكومة وزيادة نصيب المسلمين في التشكيلة الوزارية التي يشغل المسلمون 3 مناصب وزارية فيها، ووصل الطموح الإسلامي في الدعوة التي أطلقها مفتي أوغندا شعبان رمضان موباجي الذي طالب فيها بحق المسلمين في الحصول على منصب نائب رئيس الجمهورية ونقل موباجي هذا الطلب إلى الرئيس موسيفيني الذي رحب به مما يدلل على أن المسلمين في أوغندا قد بدؤوا ينفضون غبار الماضي ليستعدوا للحصول على حقوق توازي أعدادهم.
الدعم الإسلامي
ويراهن مسلمو أوغندا في ذلك على ضرورة وجود دعم إسلامي لجمهورهم لاستعادة وزنهم السياسي والاقتصادي الذي شهد في الفترة الأخيرة تصاعداً نتيجة تراجع نسبة الأمية في صفوفهم وتوسيع المسلمين من ممارسة أنشطة اقتصادية وتجارية ووجود بعض المنظمات الإغاثية الإسلامية، التي ما زالت تعمل في البلاد وتدعم بناء المساجد والمدارس والمؤسسات الإسلامية غير أن هذا الوجود لا يقارن من بعيد أو قريب بالوجود المكثف للمنظمات التنصيرية متأثرا بالحملة العالمية على الإرهاب التي اهتمت بإغلاق العديد من مراكز الإغاثة الإسلامية التي كانت ترعى فقراء المسلمين وتكفل أيتامهم وتتكفل بنفقات الدراسة لأبنائهم.
نظرة مستقبلية
وعن مستقبل مسلمي أوغندا يرى موباجي أن دور المسلمين في المجتمع الأوغندي في تصاعد وأعدادهم في تنامي نتيجة إقبال العديد من غير المسلمين على اعتناق الإسلام وتحرك المسلمين للتغلب على المشكلات التي حالت دون أدائهم دورا سياسيا كبيرا لافتا إلى أن هناك إقبالا من المسلمين على تعلم مبادئ الإسلام وحفظ القرآن الكريم وإجادة اللغة العربية.
وطالب موباجي الهيئات الإسلامية مثل الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والجامعة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية بدعم مسلمي أوغندا ومضاعفة عدد المنح الدراسية الممنوحة لهم وزيادة عدد الدعاة ومحفظي القرآن حتى تنجح في خلق صحوة إسلامية تعيد للمسلمين هناك دورهم الطبيعي
مجلة الفرقان الكويتية العدد 392
==============(22/74)
(22/75)
التنصير في غرب إفريقيا.. إتحاد السيف والصليب!!
إدريس جالو*
التنصير في غرب إفريقيا.. إتحاد السيف والصليب!! يخطئ من يظن أن الحرب بين الإسلام وأعدائه قد وضعت أوزارها، كما يكون مخطئا من يتصور أن أعداء الإسلام قد سكتوا عنه، بعد أن تحالفوا ضد أهله فغلبوهم، وقسموهم إلى أمم بعد أن كانوا أمة واحدة، فالحقيقة أن أعداء الإسلام يدبرون ليل نهار لمحاربته، ويعتقد المنصرون أن الإسلام هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا، فقد قدم المنصرون في إفريقيا للتلاميذ في المدارس لاسيما في عهد الإستعمار مبادئ هدامة، وذلك لما يعلم المنصرون من خطر هذا الدين على مخططاتهم التي يرسمونها على أساس قتل معاني الإنسانية؛ حتى تموت مشاعر الناس ويضيع وجودهم، فالتنصير بدأ في غرب إفريقيا بمجيء الأوربيين اليها، وقد مرت عملية التنصير في تلك المنطقة بثلاث مراحل أساسية وهي كما يلي:-
المرحلة الأولى من (1445-1790) :
فهذه المرحلة بدأت على يد البرتغاليين، وهي أول دولة نالت إستقلالها في غرب أوربا، وبعد أن اكتملت وحدتها السياسية وضعت لها أهدافا للسيطرة على إفريقيا، ومن هنا بدأت في الكشوفات الجغرافية للاستفادة من الذهب الذي سمعت كثيرا بأنه يوجد في إفريقيا، وكذلك بجانب دافع التنصير؛ والذي كان هدفا هاما للقضاء على المسلمين في الأندلس وشمال إفريقيا، وقد اهتم (هنري الملاح) ولي عهد البرتغال بجمع المعلومات الجغرافية لبدء مرحلة الكشوف الجغرافية، كما وصف هذا الأمير بأنه كان كاثوليكيا متعصبا ومتحمسا لنشر النصرانية على المذهب الكاثوليكي.
كانت أوربا قد أحست بأن القضاء على المسلمين بعد الحروب الصليبية ليس بالأمر السهل، ولذلك فكرت بالسيطرة الإقتصادية والسياسية والعسكرية على المسلمين حتى تتمكن من هزيمتهم ونشر النصرانية بينهم، لذلك كان التنصير هدفا بارزا من أهداف الكشوفات الجغرافية.
وبناء على ذلك أصدر البابا في روما قرارا لدولة البرتغال بأن تبدأ مرحلة التنصير، وأنه على استعداد بأن يرسل مع كل سفينة مبشرين للقيام بهذه المهمة، ولذلك أخذت كل سفينة متجهة إلى غرب إفريقيا عددا من القسس لنشر المسيحية هناك، خاصة على المذهب الكاثوليكي، ومن هنا بدأ العمل التنصيري في غامبيا وغينيا بيساو وسيراليون وغيرها من مناطق غرب إفريقيا، وفي هذه المرحلة برزت عدة نتائج تميزت بخصائص أهمها:-1/ارتبطت البعثات التنصيرية بالنظام الملكي الحاكم في البرتغال، وهي تخرج بأمر الملك وتعتمد في تمويلها على الدولة.
2/ اعترض المنصرون عوائق اللغة والطقس والأمراض ومقاومة السكان لهم في كثير من الأحيان
3/ عدم استجابة القبائل الإفريقية للحملات التنصيرية بتعارضها مع ما يدينون به، كما أن الإنسان الإفريقي لم يرغب في النصرانية حيث نظر إليها على أنها ديانة الرجل الأبيض المتكبر، الذي يظن أنه أحسن منهم.
4/ كان الإسلام عائقا وسدا منيعا أمام حركة التنصير الصليبية؛ حيث أن الإسلام كان ثابت الأركان داخل القارة.
تميزت هذه الفترة باحتكار البرتغاليين للتنصير إلى أن دخل العنصر الإسباني الآخر، وبدأ دورهم التنصيري في منطقة غامبيا، ولكنهم لم ينجحوا في مهمتهم للأسباب المذكورة أعلاه، إضافة إلى مضايقات البرتغاليين لهم؛ إذ اعتبروهم جواسيس وأنهم لم يأتوا للتنصير وإنما لأسباب أخرى، وعندما شعر البابا بخطورة الخلاف بين الدولتين أصدر قرارا بابويا بأن ينحصر نشاط البرتغال التنصيري فى شرق المحيط الأطلسي، وأن ينحصر النشاط الإسباني في غرب المحيط الأطلسي.
وهذه المرحلة لازمها الفشل في غرب إفريقيا على الرغم من طول الفترة.
المر حلة الثانية1790-1840م:(22/76)
تميزت هذه المرحلة بدخول منافسين آخرين غلب عليهم المذهب البروتستانتي، وقد شهدت الفترة دخول أمريكا في هذا المجال، كما شهد القرن الثامن عشر في أوربا ازدياد النقد على تجارة الرق، وظهرت طائفة تدعو إلى إبطال هذه التجارة، كما أن الثورة الصناعية أدت إلى اختراع آلات حديثة لا تحتاج إلى أيد عاملة؛ مما أدى إلى تفشي العطالة بين ذوي الأصول الإفريقية، ورآهم الأروبيون بأنهم يشكلون خطرا على أمن المجتمع، ولذلك جاءت الدعوة لتحرير الرقيق، كما ظهرت جمعية الأصدقاء؛ ومن أبرز أعضائها قرنبل شارب، وتوماس كلاركسون؛ وقاد هؤلاء حملة من داخل البرلمان البريطاني تنادي بإلغاء تجارة الرقيق، وقد أفلحوا في حمل البرلمان البريطاني على إصدار قرار سنة 1807م بتحرير الرق في بريطانيا، إذاً؛ نتيجة لتفشي العطالة وخاصة بين ذوي الأصول الإفريقية، وحلاً لهذه المشكلة؛ ظهرت فكرة إعادتهم إلى أوطانهم في غرب إفريقيا، وقد ساندت الكنيسة هذه الفكرة التي كانت تدعو لها جمعية الأصدقاء، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر كانت أهم الإرساليات التي أرسلت إلى غرب إفريقيا تشمل الجمعيات التالية:- الجمعية اللندنية التنصيرية، الجمعية الكنسية التنصيرية، جمعية الكتاب المقدس البريطانية وغيرها من الجمعيات التي انطلقت من الجامعات في غرب إفريقيا، وقد نشاط هذه الإرساليات إلى مناطق الأرقاء، وفي سنة 1787م وصل إلى سيراليون مجموعة 350 من الأرقاء المحررين ومعهم قسس من جمعية الكتاب المقدس، وأنشئوا مدينة خاصة بهم في سيراليون تسمى مدينة قرانفيل التي استبدل فيما بعد إلى مدينة فريتاون، كما استمدت الكنيسة قوتها التبشيرية من هؤلاء المحررين الغرباء؛ حيث كانوا غريبين في طباعهم ونظام حياتهم ولغتهم عن مجتمع سيراليون المحلي، ولذلك لم يستطيعوا الإندماج في ذلك المجتمع، فكان العائد التنصيري حينئذ -بهذا السبب ول-بغيره خاصة تمكن الإسلام- في داخل سيراليون ضعيفا جدا.
المرحلة الثالثة:- 1840-1890م :
وتميزت هذه المرحلة بخاصية قيام الكنائس الإفريقية المستقلة المعتمدة على نفسها في الإدارة والتنظيم، حيث وضح أن الكنيسة الأوربية المعتمدة على القساوسة البيض لا يمكن أن تنجح في تنصير الأفا رقة لاختلاف البيئة واللغة، ولعدم تحمل البيض الطقس، ومن هذا المنطلق فكرت الإرساليات المسيحية في قيام كنائس وإرساليات إفريقية ذات منهج إفريقي يدار بالأفارقة ويرتقي بمستواهم التنصيري، ذلك أن الأفارقة هم أنسب من يقوم بهذا العمل، وقد شملت هذه التجربة كل إفريقيا، وهنا سنذكر ثلاث تجارب في مناطق غرب إفريقيا كأمثلة وليس للحصر وهي:-
سيراليون:-
بدأت الكنيسة الإنجليزية البروتستانتية هذا العمل في سيراليون؛ حيث بدأت في تدريب المنصرين الأفارقة، كما استعانت الكنيسة بطبقة الكريول؛ وهم المحررين من الرقيق المذكور آنفا لتنفيذ هذه المهمة، وتغير الأسلوب بأن أدخلت الكنيسة نظام التعليم المدني الحديث بجانب تعليم الإرساليات الأساسي، وكان الهدف من ذلك هو رفع مستوى الأفارقة المنصرين اجتماعيا وثقافيا وماديا، ورغم كل هذه الجهود فقد كان الفشل نصيبهم بفضل الإسلام، وخاصة في مجال التعليم؛ حيث حرص المسلمون على تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن منذ الصغر قبل مجيء هؤلاء المنصرين، ولكن سيراليون اليوم تعتبر مركزا لهذه الإرساليات استغلالا للحالة التي تمر بها سيراليون، ويأتي على رأس هذه المنظمات منظمة (ايه-ام-اس) البروتستانتية؛ والتي لها نشاط واسع في العا صمة فريتاون وضواحيها، وتمتلك عددا كبيرا من المدارس والمستشفيات العامة والمتخصصة في مجالات الإعا قة والطب البديل والرمد، كما يوجد نشاط واسع لمنظمات "الميوديست" التي تتركز في الإقليم الجنوبي الشرقي، وإرساليات (اس-دي- اي) فضلا عن النشاط المحموم لمنظمة شهود يهوه؛ التي تستطيع بإمكانياتها المالية الوصول إلى المناطق النائية التي لا يستطيع نظراؤها الوصول إليها، كما تستغل غياب الأزواج المسلمين عن منازلهم في وقت الدوام الرسمي مستغلة حالة الفقر والأمية لدى الزوجات لإغرائهن بمزايا التنصير عبر توزيع الهدايا والأطعمة والسلع الأساسية عليهن، مرفقة بمجلات وصلبان، وكذلك مجلات تنصيرية شهرية ويومية مثل اليقظة وبرج المراقبة.
ليبيريا:-
السياسة التي اتبعتها الكنائس الإنجليزية طبقت في ليبيريا، ولكن قامت هنا الكنائس الأمريكية حيث اضطلعت تلك الكنيسة بالدور الأعظم في هذا المجال وذلك بإنشاء إرساليات كثيرة بالعمل التنصيري في غرب إفريقيا، فقد أرسلت الكنيسة الأمريكية كوادر من ذوي الأصول الإفريقية والذين تخرجوا كقساوسة أرسلتهم الكنيسة إلى ليبيريا لينشئوا الكنائس وليقوموا بالمهام التنصيرية، وقد وجدوا أرضا صالحة لأداء مهمتهم والمتمثلة في الذين جيء بهم من أمريكا ليصبحوا جزءا من المجتمع في ليبيريا في مرحلة سابقة، فقد نجح التنصير في تلك الفترة في ليبيريا أكثر من سيراليون وذلك للأسباب التالية:
1/ لم يكن وجود الإسلام في ليبيريا كمستوى سيراليون.(22/77)
2/ كان عمال المنطقة أغلبهم من الزنوج الأمريكان الوافدين من أمريكا، وهم أساسا ذوي الأصول الإفريقية، وقد استفادت الكنيسة من هؤلاء في مهمة التنصير.
نيجيريا:-
كانت نيجيريا مهدا للدعوة الإسلامية حيث قامت فيها إمارات إسلامية، ثم قامت فيما بعد امبراطورية "سكتو" الإسلامية على يد الشيخ المجاهد عثمان دانفوديو؛ في الفترة ما بين 1803-1940م، ثم بدأت الحركة التنصيرية في منتصف القرن التاسع عشر في منطقة بيافرا؛ مناطق قبيلة الإيبو؛ حيث نشطت حركة التنصير بعودة بعض المحررين من الأرقاء من منطقة سيراليون ووصولهم إلى منطقة بيافرا، حيث عاد هؤلاء إلى وطنهم الأصلي في منطقة دلتا نهر النيجر، وهناك عملوا على إحياء النشاط التنصيري، وقد تركز ذلك النشاط بصورة خاصة في مدينة "ابياكوتا" النيجيرية، وكان عدد سكانها أربعين ألف نسمة وتقع في وسط قبائل يوربا، حيث أصبحت مركزا للتنصير بذهاب معظم المحررين إليها، ومن أهم الذين وفدوا إلى "ابياكوتا" القس النيجيري صمويل كرواثر؛ ولعل قصة حياته ونشاطه في نشر المسيحية في نيجيريا تمثل أكبر نجاح حققته الحركة التنصيرية في غرب إفريقيا، أما هؤلاء المحررين فقد تم تدريبهم وتعيينهم في سيراليون؛ ثم تدرجوا في المناصب الكنسية رفيعة حتى وصل بعضهم إلى منصب أسقف، واستطاعت الكنيسة في تلك المنطقة إنشاء مدارس إرساليات لتعليم الأطفال المسيحية، كما أنشأت معاهد صناعية ليكسب أهل المنطقة المعارف الصناعية مما أدى الى دعاية واضحة للتنصير؛ والتي كان أهلها وثنيين، وهذا النشاط توقف في أوائل الستينات من القرن التاسع عشر بسبب نشوب حرب أهلية في المنطقة، ونتيجة لتلك الحروب تحرك صمويل من أبياكوتا إلى لاغوس سنة 1865م، ومن ثم أصبحت لاغوس المركز الرئيسي للكنيسة، ونتيجة للنجاح الذي حققه صمويل فقد قسمت نيجيريا إلى أغلبية مسلمة في الوسط والشمال وأقلية مسيحية ووثنية في الجنوب، وفي أواخر القرن التاسع عشر اتجه الإنجليز شمالا لمحاربة الدولة الإسلامية الكبرى التي أسسها الشيخ عثمان دانفوديو منذ أوائا القرن التاسع عشر، وفعلا استطاع الإنجليز الاستيلاء على هذه الدولة؛ وأنشئوا نيجيريا الحالية بحدود المعروفة الآن عام 1903م.
وهذا كله جزء يسير من العمل التنصيري في منطقة غرب إفريقيا التي دخلها الإسلام منذ فجره الأول ، وهو -النشاط التنصيري- كذلك مع بقية دول المنطقة؛ حيث وضعت لبعض الدول خططا خاصة بهم، وهذا كله يتطلب من المسلمين الاستيقاظ للدفاع عن دينهم الحنيف في وجه حركة التنصير الشرسة التي تواجهها المنطقة منذ أمد طويل.
=============(22/78)
(22/79)
الغزو الإنجيلي الأمريكي في العالم العربي وأفريقيا
حسن السرات
منذ سنوات قليلة، أصبح التطرف الديني، واستغلال الدين لأغراض سياسية، أحد العناصر الأساسية في الجغرافيا السياسية بالعالم كله. وفي الوقت الذي لا تكف فيه وسائل الإعلام وبعض الدوائر عن اتهام الإسلام بالوقوف وراء كل الشرور والبأساء التي تضر بالمجتمعات والدول، تخرس الألسنة وتجف الأقلام عن الحديث عن مسؤولية الكنائس البروتسانتية التي تمضي نحو مزيد من تجييش الوضع وصب الزيت فوق النار الملتهبة.
ولا يخفى على أحد اليوم المكانة المتزايدة للكنيسة الإنجيلية الأمريكية بالولايات المتحدة حيث تمارس تأثيرا ظاهرا على سياسة إدارة الرئيس بوش، بعد أن لم يسلم من تأثيرها كل الرؤساء الأمريكيين السابقين. ومعروف أيضا أن أعضاء هذه الكنيسة هم أشد الناس نصرة ومساندة لدولة "إسرائيل" ويرفضون أي تنازل عن أي شبر للفلسطينيين. الإنجيليون الذين يندرجون ضمن حركة المسيحيين المتصهينين (وهي حركة بروتستانتية نشأت في نهاية القرن التاسع عشر تزعم أن ظهور دولة "إسرائيل" هي تصديق لنبوءة الإنجيل) لا يكتفون بالدعم المعنوي للاحتلال الصهيوني، بل إن أموالهم توظف لمساعدة يهود روسيا وأوكرانيا على الهجرة نحو الدولة العبرية. وحسب الحاخام حزقيال إكشتاين الذي يسير إحدى أكبر الوكالات المختصة في جمع التبرعات والمساعدات لإسرائيل لدى الإنجيليين الأمريكيين، استطاعت مؤسسته أن تجمع أكثر من 100 مليون دولار في سبع سنوات. في أكتوبر 2003ضم اجتماع بفندق الملك داود بالقدس المحتلة متطرفين صهيونيين وإنجيليين، بحضور ريشارد بيرل (وكان يومها رئيس مجلس سياسة الدفاع القومي الأمريكي بالبنتاجون والمستشار الأقوى تأثيرا في الرئيس بوش) ووزراء في حكومة شارون للاحتفال بمجيء أورشليم السماوية التي ستتلو التدمير النهائي للإسلام". ومن المعروف كذلك أن التيار الإنجيلي، الذي يضم أكثر من 70 مليونا من المواطنين الأمريكيين، والذي يعتمد على آلاف من "الرهبان الدعائيين" المحترفين، يجد صدى عريضا في أمريكا اللاتينية (منظمة الاتحاد الإنجيلي لجنوب أمريكا، خاصة في البرازيل حيث حصدت الكنيسة أكثر من 30 مليونا من الأتباع، وفي اليابان وأفريقيا - تابع مثلا دور الإنجيليين المقربين من الرئيس الغابوني اغباغبو، في الأحداث الدائرة في ساحل العاج -، وفي أوروبا وحتى في الهند جمعية البعثة الهندية - وفي الصين...)
لعبة الإنجيليين في العالم العربي:
في العالم العربي، تتزامن الهيمنة السياسية والعسكرية مع حركة التبشير الإنجيلي، ويمضي الأمريكيون بيد تمسك بسلاح التهديد، وأخرى تمسك بالإنجيل، وترتكز خطة الإنجيليين على ثلاثة محاور:
1- الدعاية المستمرة ضد الإسلام والمسلمين، واتهامهم بأشنع التهم وأبشعها، وتحميلهم مسؤولية كل الآلام والشرور التي يعرفها العالم. ولهذا، وبتعاون مع المحافظين الجدد ذوي الالتزامات الصهيونية الواضحة، كان الإنجيليون أول من نظم الحملات التي تربط الإسلام بالإرهاب، وتبعا لذلك بمحور الشر. وتعتبر المملكة العربية السعودية الهدف المفضل والدائم لهم، إذ لا يملون من مواصلة الحملة الدعائية ضدها، وبتوجيه التهمة لها كلما أصدرت واشنطن تقريرها السنوي عن الحرية الدينية في كل بلدان العالم، إلا الولايات المتحدة نفسها، كما يسعون إلى تشجيع بعض التوجهات الدينية بها لإنهاكها وتمزيق وحدتها الدينية والسياسية.(22/80)
2- استغلال الطوائف المسيحية الموجودة في المشرق العربي، كمسيحيي لبنان, وفلسطين, والعراق, وسوريا. ففي لبنان، يقوم مبشرون إنجيليون بجولة شاملة في مجموع البلد كل صيف، وفقا لبرنامج تعده سفارة الولايات المتحدة به. وتقوم جماعات من الشبان بمهرجانات وسهرات ولقاءات على الشواطئ، قبل المرور إلى لقاءات خاصة، يرجون منها إقناع الشبان المسيحيين، وخاصة المارونيين، بالانخراط في الكنيسة الإنجيلية، مستعملين في سبيل ذلك كل وسائل الإغراء كتمويل الدراسة والحصول على رخص الإقامة في الولايات المتحدة وكل أنواع الامتيازات. ويصاحب هذا النشاط التبشيري حملة مضادة للدين الإسلامي يمكن تفسيرها بتصاعد الطائفية بلبنان، حسب شهادات حصل عليها عالم السياسة شارل سانت - برو مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية بفرنسا. وعلى المنوال نفسه، ولكن بطريقة سرية، يعمل الإنجيليون في سوريا، بسبب يقظة السلطات. أما في العراق فقد وصل المبشرون الإنجيليون إليه محمولين على ظهور المدافع والدبابات وفي بطون الطائرات والقواعد العسكرية المتنقلة. وعلى وجه السرعة، طفقوا يقنعون المسيحيين العراقيين بتحويل النحلة والدخول في النحلة الإنجيلية الأمريكية بكل وسائل الترغيب. وفضلا عن الفاتيكان، لا تنفك الكنائس التقليدية عن التحذير من خطر الإنجيليين الأمريكيين. قال القس المسؤول في قرية عين قاوة القريبة من الموصل "إننا نشرح للمؤمنين في التجمعات الدينية أن هؤلاء المبشرين ليسوا في الحقيقة إلا عناصر أمريكية تسعى إلى شراء العراقيين، وغرباء يريدون القضاء على تاريخنا وصنع صراعات طائفية بالعراق، ونحذر دائما من فتح المجال أمامهم ليصلوا إلى أطفالنا وإقاماتنا وتجمعاتنا". كما أكد المسيحيون العراقيون أن هؤلاء الإنجيليين لا يسعون فقط إلى تشتيت المؤمنين، بل يريدون إحداث مناخ من الصراع الطائفي الذي لم يكن موجودا من قبل في العراق. إن هؤلاء الأجانب يريدون تخريب علاقاتنا الطيبة مع المسلمين وتعايش عرفناه منذ ملايين السنين". وكذلك يسعون بين الفلسطينين تمزيقا وتشتيتا.
3- الجهد الأكبر والأخطر لهؤلاء الإنجيليين هو سعيهم لإخراج المسلمين من دينهم وإدخالهم في النحلة الإنجيلية. الأسلوب المتبع هنا هو تنظيم شبكة خاصة منسجمة تعمل لهذا القصد، وتطوير خطاب يراعي ثقافة المسلمين، وتكييف الخطاب مع الرسالة القرآنية. ويتوجه هذا الجهد نحو أقليات وإثنيات من أجل إعداد مشاريع انفصالية مناهضة للعرب: يقع هذا بين أكراد سوريا, والعراق، ومناطق القبايل والأمازيغ بالجزائر والمغرب.
ففي المغرب أنفق المنصرون الإنجيليون الأمريكيون كل ما في وسعهم سرا وعلانية، لتنظيم مهرجان مسيحي بمدينة مراكش أيام 6 و7 و8 ماي 2005 تحت غطاء "قافلة الصداقة، وكان البرنامج الأصلي يتضمن مناقشات ولقاءات مع الشباب حول المسيحية والإسلام، وزيارات لبعض المدارس، لكن حركة الاحتجاج والرفض دفعت المنظمين إلى تغيير البرنامج والاكتفاء بالسهرات التي أدخلوا فيها فنانين مغاربة. وذكرت الصحيفة الأسبوعية "لاغازيت دوماروك" أن مايكل كيرتلي هو الذي ضغط على السفير المغربي بواشنطن عزيز مكوار للتدخل لدى السلطات المحلية بمراكش. وأشارت عدة تقارير صحافية غربية ووطنية، بل منذ أكثر من عام، إلى تكثيف النشاط التبشيري الأمريكي بالمغرب مع صبغه بالطابع المحلي المغربي (مذكرات سنوية وأشرطة سمعية وبصرية ومراسلات شخصية وكتب موزعة.. )
أكثر من هذا، كشفت التحقيقات المغربية، وفق ما جاء في "لاغازيت دوماروك"(العدد 416/ الاثنين 18 أبريل 2005/ ص 22- 24) عن قيام هؤلاء المبشرين بعمل مزدوج، أي التنصير من جهة، والتجسس من جهة أخرى لعدة دول منها الكيان الصهيوني، مستغلين في ذلك الفراغ القانوني، والتقاعس عن تعريف المغاربة بدينهم على نطاق واسع وشعبي.
وكانت قد شهدت مدينة طانطان تسليم القوات الأمريكية لإدارة مدرسة عين الرحمة بالمدينة كمية من اللوازم المدرسية يوم 7 أبريل 2005 قصد توزيعها على التلاميذ ووضعت في المحافظ ورقة تحمل اسم كنيسة بمدينة سالت لايك بولاية إيتا في الولايات المتحدة الأمريكية وعنوانها، ويتعلق الأمر بكنيسة عيسى المسيح لقديسي اليوم الآخر.
أما في الجزائر، فقد ركز الإنجيليون جهدهم في منطقة القبايل الأمازيغية الفقيرة، واستطاعوا استقطاب عدد من الجزائريين وأخرجوهم من الإسلام إلى المسيحية مستغلين ظروف الحاجة والأمية والاضطرابات التي شهدتها الجزائر. وقالت السلطات الجزائرية المسؤولة إن المبشرين تسللوا عن طريق الأجهزة الأمنية المخابراتية، وأنهم يسعون لبث الفرقة والبلبلة. بل إن إسلاميي الجزائر اتهموا الحركة الأمازيغية المتطرفة بتلك المناطق بتشجيع وتمويل حركات التنصير، وأن الهدف البعيد هو تكوين أقلية دينية مسيحية تحظى بالحماية والرعاية من لدن الدول الغربية، مما يسمح لها بالتدخل لحمايتهم من التشدد الإسلامي،، إن الأمر نفسه يجري العمل له في المناطق الأمازيغية النائية من المغرب.(22/81)
النشاط الإنجيلي الأمريكي يحظى بمتابعة إعلامية لعدد من المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تستفيد من دعم الولايات المتحدة، خاصة من الكونغرس والمخابرات المركزية (السي أي إي): مثل إذاعة المحبة وقناة سي إن أي لشمال أفريقيا، وقناة لايف تي في وميراكل تلفزيون، وغيرها. وذلك دون احتساب القناة الأمريكية "الحرة"، وشبكات المواقع الإلكترونية، مثل برنامج التدريب على استعمال الإنترنت (غلوبل أنترنت بوليسي إينيسياتيف) التي أطلقتها كتابة الدولة الأمريكية ضمن مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط التي تشمل الجزائر, وتونس, والمغرب, ومصر, وسوريا, ولبنان, والأردن, والعراق, والمملكة العربية السعودية, والبحرين, والكويت, وعمان, وقطر, والإمارات العربية المتحدة, واليمن, وفلسطين.
وينبغي التأكيد على أن الغاية الكبرى، ليست هي نشر الإنجيلية في العالم كله، إذ يعرف القوم أن هذا أمر مستحيل، ولكن القصد هو اختراق العالم الإسلامي والعربي وزعزعة الاستقرار به وإضعافه، وتهيئة المناخ لصدام الحضارات وبناء الشرق الأوسط الكبير كقاعدة كبرى للولايات المتحدة الأمريكية.
التمدد الإنجيلي جنوب الصحراء بأفريقيا:
تتمدد الكنائس الإنجيلية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية جنوب الصحراء الأفريقية مسلحة باستراتيجية حديثة ونشاط تبشيري مكثف. ويتزايد عدد المعتنقين الجدد للنحلة الإنجيلية الأمريكية تحت سمع وبصر الكنائس الأخرى. ومنذ بدايات 1990 شهدت عدة بلدان أفريقية اكتساح هذه الكنائس لمساحات جديدة بفضل وسائل فيها كثير من التجاوز ولكنها فعالة.
في أفريقيا الوسطى أصبحت الكفة متعادلة بين الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية بعد أن كانت الثانية أسبق مدة وأكثر عدة، ويقوم بالتنشيط والتبشير في كثير من الأحيان رهبان أجانب قدموا من الخارج، وفق ما جاء في قصاصة لوكالة الأخبار الفرنسية "فرانس برس" من داكار السنغالية يوم 19 أكتوبر 2005.
في الغابون، يوجد حوالي 1070 كنيسة إنجيلية في مقابل حوالي 60 عام 1992. "الاستقطاب يتم بطريقة عجيبة وانفعالية، وعن طريق وعود ومعجزات وكرامات بالشفاء عن طريق الإيمان"، كما يصف خبير نفسي غابوني مختص في السلوك الديني. وتشكل الجمهورية الديمقراطية للكونغو بؤرة فوارة لهذه الكنائس التي تمتلك قنوات تلفزيونية قوية. أما في زامبيا فتجذب الكنائس الإنجيلية جماهير غفيرة عن طريق صلوات يتطرق فيها إلى المشاكل اليومية التي يعاني منها الناس"، كما يؤكد القس بيتر باندا راهب كنيسة "المعجزة".
وفي الجنوب الغربي لأفريقيا تناسلت عدة جمعيات إنجيلية موالية للولايات المتحدة الأمريكية أنشأها نيجيريون وغانيون وبينينيون. وفي الطوغو استوطن المبشرون في الضواحي المحيطة بالمدن الكبرى محولين الدكاكين والمرائب إلى أماكن للعبادة. وفي ليبيريا يستغل المبشرون الأزمة الاقتصادية لمخلفات الصراع السياسي بتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين.
وفي أفريقيا الشرقية يسعى الإنجيليون إلى تثبيت أقدامهم، في كينيا على الخصوص، باستثمار الزيارة التي قام بها القس الشهير الأفريقي الأمريكي ت. د. جيك. وقال هذا القس بكل صراحة "إننا نأمل أن نكون شركاء لإخواننا الأفارقة في الهموم والإنجيل معا".
توطيد العلاقة مع الزعماء السياسيين:
وأمام هذه الوسائل الغازية تعاني الكنائس التقليدية معاناة شدية في سد الطريق أمام هروب "المؤمنين"، وتجتهد في تحسين صورتها وتجديد وسائل عملها بتقليد الإنجيليين الجدد. لكن هؤلاء يعززون المواقع التي احتلوها بتوطيد العلاقات مع المسئولين السياسيين ودوائر القرار والنفوذ. فرئيس أفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزيه، المتدين جدا، يعتبر من المؤسسين للكنيسة الإنجيلية "المسيحية السماوية الجديدة أورشليم". ورافق الرئيس الأسبق لزامبيا فريدريك شيلوبا الإنجيليين الزامبيين في عدة أنشطة، خاصة أنشطة القس التلفزيوني الشهير نيفير مومبا الذي أسس عام 1998 حزبا سياسيا هو "التحالف المسيحي الوطني"، وهو حزب جذب إليه عددا من الأتباع المسيحيين الإنجيليين الجدد. في ساحل العاج تصاعد الوجود الإنجيلي بعد أحداث 19 سبتمبر 2002، أي بداية الأزمة العسكرية السياسية التي ما زال البلد يعيشها. وكثير من العاجيين ينظرون إلى أزمتهم نظرة دينية، ويعود السبب إلى أن الرئيس اغبابو وأتباعه يظهرون انتماءهم الديني الإنجيلي. في الغابون يتزايد عدد النخبة في قلب هذه الكنائس، وقد قامت السفارة الأمريكية في العاصمة "ليبرفيل" بتمويل مشاريع صغرى تسيرها كنائس "اليقظة" مدشنة بذلك أسلوبا جديدا في نشر الإنجيلية.
دولة دينية بلا منازع:(22/82)
انتقلت المسيحية الإنجيلية الأمريكية، عبر مراحل من التطور والتنظيم، من التحكم في القرار الاقتصادي والإعلامي ثم السياسي داخل الولايات المتحدة، إلى الهيمنة بعد ذلك على البيت الأبيض وعلى العقل الجماعي الأمريكي. والآن تستغل الإنجيلية السيطرة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة لبسط نفوذها في العالم كله. ولا تستثني العالم العربي والإسلامي من ذلك، وتعول كثيرا على أسطورة عودة المسيح - عليه السلام - ومعركة ياجوج و مأجوج للقضاء النهائي على الإسلام والمسلمين، ثم القضاء بعد ذلك على اليهود واليهودية أو إرغامهم على اعتناق الإنجيلية. وفي سبيل ذلك تقوم بحملة تعبئة عالمية، لإحكام الطوق على العالم العربي وبث الفرقة والاضطرابات فيه. وبذلك تصبح الولايات المتحدة دولة دينية بلا منازع، وزعيمة التطرف الديني بامتياز، والصانعة الأولى للإرهاب والإرهابيين.
http://al-shaab.o r g المصدر:
==============(22/83)
(22/84)
صفحات من تاريخ التنصير في شرق أفريقيا
إدريس جالو*
صفحات من تاريخ التنصير في شرق أفريقيا دخل الاسلام في منطقة شرق أفريقيا منذ فجر الاسلام، وانتشر في كل مناطقها رغم وجود المسيحية فيها، وشرق أفريقيا يضم سابقا عدة ممالك شهيرة استأثرت بالجهد التنصيري من بينها تنزانيا ، كينيا، وأوغندا والصوال ....الخ.
ولكن فتحت صفحات جديدة في تاريخ العلاقة بين الاسلام والمسيحية في تلك المنطقة عام 1498م؛ حين ظهر فاسكو ديجاما باكتشافات - وهو برتغالي الجنسية- في ساحل شرق أفريقيا المعروف بالساحل الزنجي والذي يمتد من مدينة سوفانا جنوبا حتى الصومال شمالا، وقد قامت في تلك المنطقة سبع إمارات إسلامية عرفت بدول الطراز الاسلامي وامبراطورية الزنج الإسلامية وعاصمتها كلوة، وقد استطاع المسلمون أن يحققوا مكاسب ضخمة في هذه الممالك كلها؛ خاصة بعد أن كانت الهجمات البرتغالية الأولى قد طردت المسلمين منها، ثم استردها المسلمون ثانية، وقد نشطت دعوتهم، وتثبتت أصولهم في السنوات الأولى من بداية القرن التاسع عشر، وكانت مجتمعاتهم متماسكة ومتمسكة بالعقيدة، ولكن ضعفت قوتهم ووحدتهم بسبب الخلافات بينهم، ولما وصل البر تغاليون الكاثوليك إلى منطقة شرق أفريقيا بدأت الحرب الصليبية بين القوة الإسلامية المتمثلة آنذاك في الدولة العثمانية من جهة؛ والبرتغال من جهة أخرى، وإنتهت المعركة لمصلحة البرتغاليين الذين جاءوا بهدف الاستعمار؛ فاستولوا على الساحل ومن ثم بدأت محاولات التنصير والاستيلاء على الساحل الشرقي بالقوة فتصدى لهم المسلمون بكل قوتهم، ولم يستسلموا لهم رغم هزيمتهم، ونجحوا في إفشال تلك الخطة الصليبية وسط المسلمين، ولكن المنصرين لجئوا إلى أساليب أخرى في عملية التنصير؛ وهي أخذ الاطفال إلى مناطق خارج الساحل لتنصيرهم، كما فعلوا بابن الملك يوسف بن الحسن بن سلطان ممبسا؛ والذي أخذوه صغيرا إلى المستعمرة البرتغالية بالهند وتسمي -قابو- ، وعملوا على تنصيره وتربيته وعندما بلغ الحلم أعيد لملك آبائه في ممبسا إعتقادا من المستعمرين أنه سيستطيع تنصير المنطقة كلها بكل سهولة طالما أنه هو الملك، ولكن خاب ظنهم، وفو جئوا مفاجأة مذهلة عندما ترك يوسف النصرانية ورجع إلى دينه السابق الإسلام سنة1630م، وهذا يعتبر أبلغ دليل على الفشل الذي لازم المنصرين في أفريقيا عموما لعقود طو يلة، وترجع أسباب هذا الفشل إلى عوامل عديدة في هذه المرحلة اهمها:
1- رسوخ الإسلام في المنطقة منذ قرون.
2- أسلوب البرتغاليين المتعصب والمتشدد بمذهبهم الكاثوليكي أبعد الناس عنهم.
3- إختلاف اللغة بين المنصِّرين والمنصَّرون، إضافة إلى سلوك البرتغاليين السيئ.
ثم بدأت المرحلة الثانية من مراحل التنصير في المنطقة عام 1844- 1874م، في هذه المرحلة ظهر دور الكنائس الإنجليزية وذلك بقدوم -جون لويس كراف- الألماني الجنسية والذي كان يعمل لحساب جمعية الكنسية التبشيرية الإنجليزية، وهو أول من أسس مركزا للتنصير في مدينة ممبسا، وكان لهذا المركز دور كبير في التنصير، كما قام هذا المركز بترجمة كتابهم المقدس إلى اللغة السوا حلية، مما فتح أمامهم آفاقا رحبة للتنصير؛ فأسس مركزا آخر بمدينة بوجامايو على الساحل المواجه لجزيرة زنجبار، بالتعاون مع منصر آخر يدعي ربمان، وقد استفادة هذا الرجل من أخطاء البرتغاليين فغير أسلوب التنصير وحاول استمالة الناس إلى جانبه حيث وصف بحسن السلوك، وقد تميز بالذكاء والقدرة على التعامل مع الناس في كافة المستويات. وبدأ هذا القسيس خطواته الأولى بطلب من السلطان أن يسمح له بالتنصير خارج مناطق المسلمين فأذن له السلطان بذلك، كما حاول إقامة علاقات حسنة مع المسلمين فتحرك إلى داخل أفريقيا ليقوم بالتنصير وسط القبائل الوثنية بعيدا عن الساحل الذي يقطنه المسلمون، وإذاك خلت هذه الفترة من التو ترات بين المسلمين والمنصرين إلى حد كبير، كما أن الارساليات التنصيرية العاملة في شرق أفريقيا وجهت جهودها لاستكشاف مناطق ما وراء الساحل والقيام بدراسة السكان ومعرفة لغاتهم وعاداتهم تمهيدا لبذر النصرانية بينهم.(22/85)
وفي عام 1844م؛ إكتشف قبطان مسلم ويدعي سليم منطقة البحيرات العظمى، وتمكن لأول مرة من اختراق عقبة السودان النباتية مما جعل النيل منفذا مفتو حا إلى سكان البحيرات الاستوائية، فهرعت قوات الإحتلال إلى المنطقة وسيطرت عليها، وما لبث أن أرسل جريجوري السادس بابا روما في العام 1846م؛ أي بعد سنتين من اكتشافها بعثة تنصيرية ضخمة أطلق عليها (نيابة أفريقيا الوسطي الرسولية)؛ يبدأ نشاطها من قلب القاهرة ويمتد إلى جنوب أوغندا، ثم أرسلت أول بعثة كاثوليكية معتمدة إلى جنوب السودان لاختراق قلب أفريقيا بقيادة -الاب ريلو- ، ومن أهم المنظمات التي قامت بالدور التنصيري في منطقة شرق أفريقيا هي: (البعثة التبشيرية الأسقفية)، و(البعثة العامة للجامعات الإنجليزية وسط أفريقيا)؛ وكانت هذه بقيادة الدكتور لفنجستون والذي دخل لتلك المناطق واختفى وسط القبائل في منطقة البحيرات فترة من الزمن حتى استطاع المكتشف الانجليزي المشهور ألبرت العثور عليه وسط منطقة البحيرات وهو يمارس نشاطه التنصيري.
وفي هذه المرحلة يمكن القول أن التنصير نجح لحد ما في منطقة القبائل الوثنية في شرق أفريقيا، ويرجع ذلك النجاح للأسلوب الذي اتبعه المنصرون في هذه المرحلة، وعلى الرغم من هذا النجاح المحدود وهذا الجهد النشط للفاتيكان والحما ية التي تلقاها من السلطات المحتلة؛ فإن النصرانية ظلت محصورة في المناطق الساحلية دون القدرة على اختراق المناطق الداخلية التي كانت تنتشر فيها الدعوة الإسلامية، بفضل الجهود التي قامت بها بعض السلطنات الإسلامية؛ حيث قام الشيخ محمد بن حميد المرتضي المعروف -بنبوت- بدور كبير في التصدي لمحاولات التنصير بنشر الإسلام في وسط أفريقيا، وكان هو العقبة الرئيسية أمام حركات التنصير، فالأعداء لن يستسلموا مهما كلفهم الأمر، وسينفقون كل غال لتحقيق أهدافهم، فماذا يفعل المسلمون للتصدي لأكبر هجمة تنصيرية تشهدها المنطقة برعاية رسمية من الدول، فهلا استيقظ المسلمون وأفاقوا للدفا ع عن دينهم؟؟
والله المستعان..
=================(22/86)
(22/87)
لماذ تهتم اسرائيل بأرتيريا؟
إدريس جالو*
لماذا تهتم إسرائيل بإرتريا أرتيريا دولة صغيرة تقع في شمال شرقي أفريقيا علي الساحل الغربي للبحر الأحمر وتمتلك مجموعة من الجزر غير مؤهولة إضافة إلى ميناءي (عصب) و(مصوع)، فأرتيريا كانت خاضعةً لسلطان الخلافة الإسلامية لثلاثة قرون إلى أن جاء الاحتلال الأوربي بعد قيام الحرب الصليبية في الشام، حيث جاء الاحتلال البرتغالي بالتعاون مع الأحباش من أجل القضاء علي الممالك الإسلامية في المنطقة، وبقي هذا الاحتلال من 1520 إلي 1557م؛ عند ما جاء الأسطول العثماني وطرد البرتغاليين من البحرالأحمر ، ثم جاء الاستعمار الإيطالي عام 1885م، وبقي حتى عام 1941م ، وبعد ذلك تم ربط أريتريا بأثيوبيا الفدرالية من عام 1952م وحتي عام 1993م، فهذا تاريخ مختصر عن أرتيريا .
ولكن التغلغل الصهيوني الإسرائيلي في هذا البلد بدأ بالجانب التجاري، الذي دائماً تتخذه الدول الكبرى واليهود؛ لتدخل في شؤون الدول الصغرى خاصة في أفريقيا، ولكن التدخل والاهتمام الإسرائيلي بأرتيريا، يمكن تقسيمه إلى مراحل ثلاث وهي علي نحو التا لي :
المرحلة الأولي :
من عام 1920 الي 1970م، حيث بدأ التفكير الإسرائيلي بأفريقيا منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد بمدينة بازل بسويسرا عام 1897م، ومنذ ذلك الوقت دخلت القارة الأفريقية في الحسابات الإسرائيلية، وتم إنشاء أول شركة يهودية في أرتيريا وهي شركة "النهضة التجارية "برؤوس أموال إسرائيلية تتستر خلف واجهة شركة إيطالية، هذه الشركة أنشئت في غرب أرتيريا بالقرب من "جزيرة حنيش" علي مساحة تقدر ب 7000 فدان، وظلت تعمل إلى أن تمت مصادرتها أثناء الاحتلال البريطاني، ثم جاءت بعد ذلك شركة "إخوان هارون" في عام 1964م، يديرها يهودي إيطالي الجنسية يدعي (باراك)، وظلت هذه الشركة تسيطر علي الاستيراد والتصدير منذ الستينات وحتي اليوم.
المرحلة الثانية:
وتبدأ من 1970 حتى بداية التسعينات:- خلال هذه المرحلة بدأت إسرائيل تعمل على اختراق الثورة الأرتيرية، لأن أكثر ما أزعج إسرائيل وأثيوبيا هو علاقة جبهة التحرير الأرتيرية بمصر والثورة الفلسطينية، وفي نهاية الثمانينات قدم مجلس الكنائس ومجموعة من الباحثين الأمريكيين المختصصين في الشأن الأرتيري منهم -جورج تينت- تقريراً إلى الكونغرس الأمريكي جاء فيه "إن أنسب شخص للحكم في أسمرا هو - أسياسي أفورقي- وبذلك تم تهميش الجانب الإسلامي من قبل رئيس الإمريكي جيمي كارتر!..وفي مفاضات السلام في لندن، وفي عام 1990م دخل أسياسي أفورقي أسمرا بعد الاتفاق مع الدوائر الغربية.
المرحلة الثالثة :
من 1990 إلي 2005م : بعد استيلاء أفورقي علي السلطة في أسمرا أرسلت إسرائيل وفداً لإقامة علاقات سياسية بين أسمرا وتل أبيب، على أن يبقى ذلك سرياً إلى حين الحصول علي الدعم العربي وأفريقي في مساعي أرتيريا للاستقلال عن أثيوبيا عبرالاستفتاء، واشترطت إسرائيل مقابل الوقوف مع أرتيريا ثلاث شروط هي :
- بناء قواعد إسرائيلية في البحرالأحمر .
- عدم انضمام أرتيريا إلى جامعة الدول العربية إلى أجل غير مسمي أى حتي يحل النزاع الأراضي المحتلة .
- إبعاد هوية أرتيريا عن التوجه الإسلامي العربي .
ووافقت أرتيريا على هذه الشروط، ومن ثم كانت إسرائيل هي ثالث دولة تعترف بأرتيريا. إذن فإن الاهتمام الإسرائيلي بأرتيريا لم يأتي علي وجه الصدفة إنما هناك أهداف وأسباب أساسية تجعل إسرائيل تسعى دوماً إلى توطيد علاقاتها مع أسمرا، وهذه الأسباب والأهداف تتمثل في الآتي :
* تحقيق سياسة إسرائيل الإقتصادية وإيجاد أسواق لمنتجاتها في أفريقيا.
* إيجاد عمق استراتيجي في البحرالأحمر لإسرائيل، ورصد أي تحرك عربي في المنطقة أو إسلامي لاسيما (الصومال)- جارة أرتريا- التي تعتبر أكبر دولة إسلامية في القرن الأفريقي.
* فك دائرة العزلة المفروضة عليها من قبل معظم الدول العربية، وكذلك فك أي حصارعربي ضدها في البحرالأحمر في حال نشوب أي حرب بين العرب وإسرائيل.(22/88)
فالعلاقة بين البلدين تقوم في مجالات متعددة ليس فقط ما ذكرنا، لأن أرتيريا تريد أن تكون علاقتها مع إسرائيل معبراً لها إلى الغرب، وكذلك للحصول علي معونات اقتصادية. فالعلاقة بين إسرائيل وأرتيريا علاقة متينة في جميع المجالات سواء في جانب السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، بحيث تجد - مثلا- في مجال السياسي هناك تمثيل دبلوماسي إسرائيلي كبير جداً في أرتيريا وصل إلى أكثر من 50 شخص في السفارة الإسرائيلية، وفي مجال العسكري تم تحديث الجيش الأرتيري عام 1995م، حيث أبرمت صفقة بين الدولتين زودت إسرائيل بموجبها أرتيريا بـ 104 زورق حربي، و 6 طائرات هيلوكبتر، و7 بواخر متوسطة الحجم مع تدريب مجموعة من القوات البحرية الأرتيرية، وقد ذكرت صحيفة (عال) الإسرائيلية في فبراير 1995م أن عشرين مستشاراً إسرائيلياً يرابطون في أرتيريا لمراقبة التحركات في البحرالأحمر، أما في المجال الاقتصادي فهناك شركة "أنكولا" التي تستثمر في مجال الأسماك لتغطية حاجة إسرائيل من الثروة السمكية.. وفي عام 1991م، تم إرسال أربعة وفود إسرائيلية بغرض تقديم الاستشارة في المجال الزراعي، كما قدمت إسرائيل منحة لبناء محطة كهربائية ضخمة تمد ستة أقاليم أرتيرية بالتيار الكهربائي، بالإضافة إلى صيانة من عدد الأرصفة البحرية وماكينات الري.. وتحتكر شركة "اخوان هارون" - التي بدأت منذ الستينات ومازالت مستمرة حتي اليوم- للاستيراد والتصدير، وتكمن خطورة هذه الشركة في إن إسرائيل تستطيع أن تمرر من خلالها كل صادراتها إلي أرتيريا ومنها إلى دول شرق أفريقيا.
كما دخلت العلاقة بين البلدين المجال الثقافي؛ أي التبادل الثقافي؛ حيث قامت إسرائيل في عام 1992م بالإعلان عن منح دراسية تصل إلي 75 منحة سنوية في الجامعات الإسرائيلية، في حين قلت المنح الدراسية العربية التي كانت تمنح للطلاب الأرتيريين في نفس العام، كما تم تبادل الزيارات الثقافية بين البلدين كان من أهمها زيارة توماس هنري (رجل الموساد الإسرائيلي)، الذي ألقى عدداً من المحاضرات علي طلاب جامعة أسمرا، حيث تعمد إسرائيل إلي التأثير في العقلية الأرتيرية وثقافتها. فهذه الموجودة بين البلدين لها آثار سالبة في مستقبل المنطقة أي القرن الأفريقي وكذلك علي أرتيريا وأهم هذه الآثار:
- تأجيج الخلاف الطائفي في أرتيريا؛ أما بين القبائل أو بين المسلمين أنفسهم، وهذا السلوك معروف عن اليهود منذ القدم، هو أمر يضر بمصلحة الشعب الأرتيري.
إبقاء المنطقة في نزاعات دائمة، وحالة من عدم الأمن والاستقرار، لتتوقف عجلة التنمية ويتفشي الجوع والفقر والمرض، وهو جزء من مخططات العدو الصهيوني والمستعمرين عموما، ليتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم و نهب الثروات كما يريدون برعاية عملائهم المحليين.
- محا صرة المد الإسلامي في المنطقة حيث صرح أفورقي في عام 1993م ، عقب عودته من إسرائيل "إننا اتفقنا علي محاربة المد الإسلامي في أرتيريا ومحاربة الأصولية الإسلامية. -سيطرة إسرائيل علي المضايق المائية في البحر الأحمر، ومنع الفرص الإستراتيجية العربية في البحرالأحمر.
- ربط الاقتصاد الأرتيري بالاقتصاد الإسرائيلي وجعله تابعاً له يحركه ويديره كيف يشاء، فهذا أيضاً جزء من سياسة المستعمرين للدول النامية.
هذة نبذة عن العلاقة بين البلدين التي أصبحت وطيدة، فمن خلالها استطاعت إسرائيل اختراق القرن الأفريقي وأصبح لها وجود قوي في المنطقة، فيجب علي دول المنطقة أن يكونوا متيقظين؛ فهذا الكيان معروف عند المسلمين- قديماً وحديثاً- بإثارته للفتن وغيرها، كما يجب سعي الجاد لإيقاف هذا المد الإسرائيلي في المنطقة وإلا ستبقى المنطقة في نزاعات دائمة، وتنشغل الدول والشعوب بنفسها وتتوقف عجلة التنمية والإنتاج وتحدث المجاعات؛ مما يجلب التدخلات في شؤون الدول من قبل ما يسمي بالمجتمع الدولي.
===============(22/89)
(22/90)
أساليب جديدة للتنصير في مصر
د. ليلى بيومي
السبت 28 ذي الحجة 1426هـ - 28 يناير 2006م
عملت أمريكا وحلفاؤها في العراق على وتر تعميق الخلافات الطائفية والعرقية والمذهبية ما بين السنة والشيعة والأكراد، وقد خططوا لهذا الأمر منذ سنوات، والآن ينفذون مخططهم، وهو ما يحدث في سوريا ولبنان أيضاً.
أما في مصر فالأمر يحتاج لنفس طويل، والعمل على عدة مستويات، فأقباط المهجر من ناحية يساهمون في استقواء أقباط الداخل، وإثارة القلاقل، هذا إلى جانب التنصير ودوره في عملية الاختراق وهو محور حديثنا اليوم.
وشبكة التنصير في مصر لم تعد تعمل بنفس الأساليب القديمة، أو الأساليب التي كانت شائعة حتى وقت قريب في بلاد العالم الإسلامي، فالإرساليات الأجنبية التي كانت تنشئ كنيسة، وتجمع حولها بعض الأفراد وتنصرهم بعد تقديم مبالغ مالية، أو خدمة صحية، أو بعض الأدوية؛ لم تعد هي كل أساليب التنصير الآن، فالتنصير الحديث يسير جنباً إلى جنب مع المؤسسات المالية الدولية مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد، ووكالات الإغاثة المختلفة.
والجميع الآن لكي يخترق البلاد الإسلامية - وخصوصاً بلدان القلب في العالم الإسلامي - يستخدمون أسلوب المشاريع الاقتصادية المصغرة، ويتخفون خلف ستار ما يسمى بالتمكين، والاهتمام بالأقليات، وبالجامعات الهامشية، والمرأة وما أشبه.
وعلى هذا فاللعبة الجديدة الآن للاختراق هي تقديم أموال من خلال ما يسمى بمنظمات غير حكومية تتخذ أسماء جذابة وخداعة لا معنى لها، وهي تأخذ هذه الأموال وتنفقها داخل البلدان المستهدفة في مشاريع وأنشطة غير تلك التي يفترض أن هذه الجمعيات تعمل فيها، واللعبة الآن هي إعطاء قروض صغيرة للأشخاص الفقراء من خلال الجمعيات التنصيرية، والتي تتستر وراء أسماء تنظيم الأسرة، أو تمكين المرأة، أو تنمية المجتمع، أو الإعانة الاقتصادية؛ لكي يقوم هؤلاء الأفراد بمشاريع تعود عليهم وعلى أسرهم بالدخل، مما يجعلهم قوة اقتصادية في وسط فقير ومنهار من المسلمين، ومما يساعد على جذبهم أكثر إلى الكنيسة المسيحية في بلدهم، وهم قبل ذلك من المسيحيين أو معظمهم من المسيحيين، أما المسلمون الذين يأخذون هذه القروض فهم أيضاً مستهدفون لكي ينجذبوا إلى الدعوة التنصيرية من خلال هذا العائد الاقتصادي أو المنفعة الاقتصادية، أو على الأقل لا ينتمون إلى دينهم أو يغارون عليه أو يتمسكون بتعاليمه.
إذن الأمر الآن لم يعد مجرد تقديم المعونات الخيرية، وإنما أصبح يقوم على إكساب الجمعيات التنصيرية المستترة وضعاً في النظام الاقتصادي للبلاد، وتسليم فئة معينة من المواطنين لهم لكي يعملوا في مشاريعهم، وبالتالي يصبح ولاؤهم للنصرانية وللغرب عموماً.
وفي نفس الوقت فإن هذه المجموعة التي تنتفع بالأرباح الاقتصادية تصبح مجموعة قوية ومستقلة داخل المجتمع، وتشكل بالتالي نقطة جذب لمسلمين آخرين يريدون الالتحاق بها وتقليدها، كما أنها تصبح داعية إلى القيم الغربية بمجرد قوتها الاقتصادية التي تعطيها فوق ذلك وضعاً متميزاً داخل المجتمع لاسيما عندما تدخل بكل قوة إلى دنيا السياسة، وتخلق لها منابر إعلامية، وجمعيات ثقافية وفكرية تتحدث باسمها، وتروج لأفكارها.
ولا يقتصر هذا الاختطاف للمواطنين إلى المسيحية وإلى الغرب على الأقباط والمسلمين، وإنما يمتد إلى جماعات يسمونها بالعرقية مثل أهل النوبة في مصر الذين تدور بينهم [وإن كان بعيداً عن الأضواء الإعلامية] نشاطات أمريكية وأوروبية عديدة تسعى إلى خلق ما يسمى بالوعي القومي بينهم، وعزلهم كمجموعة مستقلة عن الشعب المصري لها أهدافها، ولها لغتها، ولها مؤسساتها الخاصة التي تعيش بها بعيداً عن المجتمع المصري.
وقد أفصح عن ذلك لوسائل الإعلام أحد هؤلاء الرموز، وهو حجاج أدول الذي حصل على إحدى جوائز الأدب المحلية، واحتفى به الغرب وأمريكا من خلال بعض المؤسسات المشبوهة التي حاولت من خلاله عرض معاناة مفتعلة وحقوق ضائعة للنوبيين في مصر، وهذا يؤكد وجود عملية اختراق لمصر على المستوى الطائفي والعرقي، وباستخدام أساليب متنوعة وحديثة في العمل التنصيري والتحريض.
وفي جولة سريعة ما بين منشأة ناصر ومقابر اليهود، ومصر القديمة والبساتين، والدويقة وجبل المقطم [وهي مناطق شعبية فقيرة في القاهرة] تعمل العديد من المؤسسات التنصيرية منها مؤسسة بيلان ودير مريم، وهذه مؤسسات تنصيرية تقليدية قديمة تقدم المعونات واحتفاليات الأحد، وتشجع الصداقة بين الشباب والفتيات من سن 11 - 15 سنة من مصر والبلاد الأوروبية.
أما الجديد والذي فوجئت به أن مؤسسة تدعى جمعية حماية البيئة ولها العديد من الفروع في تلك المناطق الشعبية وفي شتى أنحاء مصر، وتلك المؤسسة تقوم على آلاف الأمتار في منشأة ناصر كمجمع متكامل، وقد التقيت بالعديد من السيدات العاملات هناك، ومنهن: إيفون عازر، ومرزوقة، وحنان إبراهيم، وقد رأيت بنفسي خطابات من متبرعات غربيات.(22/91)
والمجمع يضم العديد من الورش، ويتم تدريب شباب وفتيات من كافة الأعمار على الأشغال اليدوية، هذا إلى جانب دور الحضانة والمدارس، وإنتاج تلك الجمعيات يتم بيعه للأجانب، وبالتنسيق مع السفارات وخاصة السفارة الأمريكية التي تساهم في إعداد معارض محلية ودولية لتلك المنتجات، وهي غالباً منتجات متواضعة، فهي تتمحور حول لعب الأطفال، وتدوير الورق، وعمل كروت ومشغولات ورقية وفنية، وكذلك تدوير البلاستيك والقماش وعمل سجاد وكليم.
وقد لاحظت وجود أطفال رضع مع الأمهات العاملات، وقد ذكرت لي إحداهن أنه مسموح لهن اصطحاب الأطفال الرضع حتى سن 3 شهور، ومنذ 6 شهور ينضمون لدور حضانة خاصة بهم نظير مبلغ زهيد وهو 2 جنيه في الشهر، هذا إلى جانب المدارس الداخلية أيضاً التي ترحب بكل أطفال المنطقة، إنها مؤسسات متكاملة تنطلق وتتشعب وتنتشر بين الطبقات الشعبية لتخلق عالماً جديداً ينتمي إلى الغرب، أو على أسوء الظروف يتخلي عن الإسلام وقيمه تحت ستار حماية البيئة، وهي في الحقيقة مؤسسات تنصيرية تعمل على رعايتها كنائس أوروبا وأمريكا، وتغدق عليها أموال طائلة.
http://www.islammemo.cالمصدر :
===========(22/92)
(22/93)
الإنجيليون : الشق الديني من المشروع الأمريكي في المنطقة
عبد الحق بوقلقول
منذ سنوات قليلة، أضحت منطقة الشرق الأوسط - على وجه الخصوص - الإقليم المفضل لكل النشاطات التي تكتسي طابعا دينيا في واقع الصراعات السياسية العالمية, أي ما يعني أن توظيف الوسائل الدينية صار أحد أهم المعطيات الجيوسياسية في المنطقة.
إنه وفي الوقت الذي أضحى الإسلام العدو المفضل الذي لا تتردد كثير من الوجوه السياسية والوسائل الإعلامية في توجيه كل تهم الإرهاب نحوه، لا نكاد نلحظ أن أي واحد من هؤلاء السياسيين ولا أي عنوان من بين تلك العناوين الإعلامية الكثيرة التي يقال أنها تلبس رداء الحداثة، يتشجع على توجيه أي تهمة أو أن ينبس ببنت شفة بخصوص ضلوع تلك الطوائف البروتستانتية الجديدة "الإنجيليون" التي تلعب أدوارا رئيسية في تأجيج هذه الصراعات وجعلها تأخذ طوابع أكثر راديكالية.
الإنجيليون، الذين ينتمون إلى التيار المسيحي المتصهين الذي بدأ الحديث عنه أول مرة منذ نهاية القرن التاسع عشر, والذي يعتقد أن قيام دولة يهودية على أرض فلسطين هو ضرورة تمليها نبوءة الإنجيل، لا يساندون دولة الاحتلال بطريقة أخلاقية فقط؛ لأن أموال المنتسبين إليها تساعد على ترحيل يهود روسيا وأوكرانيا نحو "أرض الميعاد" إذ على حسب الحاخام يشيل إكشتاين الذي يدير شئون إحدى أكبر وكالات جمع هذه "التبرعات" من قبل الإنجيليين الأمريكان فإن وكالته استطاعت أن تجمع في فترة سبع سنوات ما يزيد عن مبلغ 100 مليون دولار كهبات لصالح هذه الوكالة لوحدها مما يعني أن هذا المبلغ هين جدا بالنظر للعدد الذي لا يمكننا حصره من الجمعيات التي هي من شاكلة وكالة إكشتاين.
هذا التيار يضم من الأعضاء ما يناهز رقم السبعين مليون منتسب في الولايات المتحدة لوحدها و يعتمد على مئات من القساوسة المبشرين المتفرغين لهذه المهمة.
في أكتوبر 2003، احتضن فندق الملك داوود في القدس -الغربية- اجتماعا ضم عددا من بين أكثر المتحمسين للمشاريع المتصهينة من الديانتين المسيحية واليهودية في حضور المسمى: رتشارد بيرل الذي كان يشغل خلال الفترة التي سبقت غزو العراق والأيام الأولى من تلك الحرب منصب رئيس مجلس سياسات الدفاع لدى البنتاغون, إلى جانب منصب المستشار المقرب جدا من الرئيس بوش, بالإضافة إلى عدد كبير من أكثر وزراء حكومة أرييل شارون نفوذا, ولقد كانت مناسبة هذا اللقاء: "انتظار هبوط أورشليم السماوية الذي سوف يعقب اندحار الإسلام".
هذا التيار يضم من الأعضاء ما يناهز رقم السبعين مليون منتسب في الولايات المتحدة لوحدها ويعتمد على مئات من القساوسة المبشرين المتفرغين لهذه المهمة، ولقد بدأ الآن في الانتشار المقلق في كامل القارة الأمريكية الجنوبية من خلال منظمة "اتحاد الإنجيليين في أمريكا اللاتينية" حتى أن الأخبار الواردة من ذلك الجزء من العالم تتحدث عن بلوغ المنتسبين لهذه النزعة الدينية الجديدة سقف الثلاثين مليون عضو في البرازيل لوحدها من غير أن ننسى سفر هذه "البشارة" عبر الباسيفيكي إلى اليابان وحتى إلى أفريقيا التي تجلت أوضح أمارات بلوغ هذه الموضة الدينية ترابها خلال النزاعات التي حدثت في دولة ساحل العاج في غرب القارة حين ظهر للعيان أن أنصار الرئيس غباغبو كانوا من بين هؤلاء, وهذا ما يجعل في مقدورنا تفهم سبب معارضة فرنسا لهذا الرئيس بما أن فرنسا هذه تعتبر نفسها حامية العقيدة الكاثوليكية في العالم.
لا يجدر بنا الاكتفاء بهذا لأن عقيدة الصهاينة الجدد تعرف حاليا انتشارا مريعا سريعا في أوروبا أيضا وحتى في الهند بواسطة "جمعية المبشرين الهنود", بل وحتى في الصين الشيوعية التي ظل الاعتقاد سائدا بأنها كانت حتى وقت قريب في مأمن من هذه الأمواج الروحية الطارئة.
في المنطقة الإسلامية بوجه عام، يرتكز نشاط الإنجيليين على ثلاثة مظاهر:
- الدعاية المعادية للإسلام والتي تتوفر على مقدرات ووسائل هائلة وهدفها: إلصاق كل الشرور التي يعرفها العالم بهذا الدين والمؤمنين به ومن هنا يمكننا أن نفهم سبب إصرار هؤلاء وحلفائهم من المحافظين الجدد على ربط الإسلام بالمفهوم الجغرافي بمعنى جعله في الحقيقة ما في مقدرونا نعته "منحًى" لمحور الشر, ويكفي هنا قولنا بأن أحد أفضل أهدافهم حاليا هي المملكة العربية السعودية التي يشنون ضدها حملة شرسة أبرز ملامحها قيامهم بتشجيع جهات محددة لغرض إيقاع الشقاق الديني داخل النخب السياسية والاقتصادية والدينية في بلاد الحرمين الطاهرة.
لا يجدر بنا الاكتفاء بهذا لأن عقيدة الصهاينة الجدد تعرف حاليا انتشارا مريعا سريعا في أوروبا أيضا و حتى في الهند بواسطة "جمعية المبشرين الهنود", بل و حتى في الصين الشيوعية .(22/94)
- استعمال الطوائف المسيحية العربية في المنطقة وتوظيفها في فلسطين, وسورية, والعراق, وأما في لبنان الذي بات يمثل أشهى طبق يمكن البدء به, فلقد صار تقليدا أن يزروه سنويا في فصل الصيف، مبشرون إنجيليون يجوبون أرجاءه وفق خط سير يتم رسمه بالتنسيق مع سفارة الولايات المتحد هناك, حيث تقوم مجموعات من الشباب بتنظيم حفلات ومهرجانات ولقاءات على الشواطئ اللبنانية لتشجيع الشباب المسيحي اللبناني الماروني بوجه خاص على الانتماء إلى الطائفة الإنجيلية بواسطة تمنيتهم بأنه سوف يتم التكفل بهم وبدراساتهم وحتى منحهم تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة, وكل ما يمكننا تصوره من خدمات ومغريات أخرى. إن هذه الإرساليات تمارس أيضا نفس النشاط في سورية ولكن بطريقة أكثر إثارة هناك بالنظر للوسائل الحازمة التي تمارسها السلطات السورية, وأما في العراق فإن المبشرين الإنجيليين وصلوا، مثلهم مثل سادة العراق الجدد، فوق المدرعات والدبابات الأمريكية الغازية, وصاروا يمثلون هم أيضا تروسا يمكننا مصادفتها في الشوارع العراقية بشكل ملفت, ويعملون على إيجاد تحالف بين الغزاة والمسيحيين من أهل البلد, وتحويلهم من عقيدتهم الشرقية التقليدية وضمهم إليهم مما يعني حملهم على تشكيل طوائف تعمل على الانفصال مستقبلا, وأما الوسائل فهي دائما نفسها: التكفل بهم, وبأبنائهم أي خلق وظائف لهم ورعاية أسرهم. لا يجب أن ننسى هنا التطورات الأخيرة التي عرفتها أرض الكنانة مصر من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام عما اصطلح على تسميته "أحداث الإسكندرية" التي لا يجب علينا أن نظن أنها حدثت هكذا عرضا.
- أما المظهر الأهم من بين هذه فيتعلق بنشاطات تحويل المسلمين أنفسهم عن دينهم فإستراتيجية التنصير التي تنتهجها الولايات المتحدة, والتي تستهدف الشعوب الإسلامية بلا استثناء, ترتكز على شبكات عالمية منظمة ولكنها أيضا تعتمد على خطاب إنجيلي خاص, بمعنى أنها لا تجنح كثير إلى معارضة القرآن الكريم إدراكا منها بأن المسلمين يعتقدون أن قرآنهم أكبر من أن تدحضه خرافات تنسجها عقول هؤلاء. إن هذا معناه أن المبشرين الإنجيليين في البلاد الإسلامية لا يهدفون كمرحلة أولى سوى إلى إحداث فجوات الشك العقلي لدى بسطاء المسلمين, ولا يتطرقون إلى نقد النص القرآني إلا في مراحل متأخرة من عمليتهم. وهنا أيضا ينبغي التذكير بأن هذه الحملات تستهدف حاليا بعض تلك الإثنيات التي تعيش في المجتمعات الإسلامية والتي تنتمي إلى جذور مغايرة للعنصر العربي الذي هو عماد الإسلام بغية العمل على خلق حركات ستكون مطالبها من نفس مطالب باقي "المهتدين الجدد": الانفصال والاستقلال. هذه هي الحالة مع الأكراد في العراق وسورية وهي أيضا نفس الحالة مع البربر في كل من الجزائر والمغرب الأقصى.
- استعمال الطوائف المسيحية العربية في المنطقة و توظيفها في فلسطين, و سورية, و العراق, و أما في لبنان الذي بات يمثل أشهى طبق يمكن البدء به .
كتبت اليومية الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية "الوطن" في أحد أعدادها المتأخرة ما ترجمته: "إن التنصير -التبشير الإنجيلي في هذه الحالة- في منطقة القبائل هو جزء من إستراتيجية منظمة وممولة أمريكياً هدفها الشعوب الإسلامية على وجه عام، ففي الجزائر يستثمر الإنجيليون الميادين الإنسانية ويختارون طرائدهم من بين الأشخاص الأكثر حرمانا, فلقد أفادتنا الأخبار أن كل متنصر هناك يتلقى "علاوة" قدرها 2000 دينار جزائري -ما يعادل 30 دولار أمريكي-". هذا ما يتعلق بمنطقة القبائل, وأما منطقة قسنطينة تلك المدينة المليونية حاضرة الشرق الجزائري فآخر الأخبار تتحدث عن قيام الكنيسة البروتستانتية فيها باستهداف تلامذة الثانويات؛ لأنها أعلنت أنها قررت منحهم رعاية تعليمية مجانية وزيادة على تلك الدروس، تلقى هؤلاء التلاميذ أقراصا مضغوطة وكتبا تحوي نصوصا تبشيرية إنجيلية بطبيعة الحال.
هذا حال الجزائر وأما حال المغرب فلقد تواترت الأخبار الآن على أن أعدادا غير معروفة من المنظمات الأمريكية صارت تنشط بشكل سري أو علني، حسب الظروف، في المناطق الفقيرة المحرومة داخل تراب المملكة المغربية وحتى في بعض المدن الداخلية الهامة كما هو الحال مع مراكش العريقة, فمنظمة كتلك التي تسمى "إرساليات العالم العربي" تعلن أن شعارها هو: "إعلام المسلمين في العالم العربي بالبشارة المتعلقة بقرب وصول منقذهم" ولقد تضاعف عدد أعضائها حاليا ثلاثة مرات منذ العام 2002 وصار يبلغ رقم الثمانمائة ناشط تتعدد صورهم إذ يمكن أن تجد من بينهم: الطبيب, والممرضة, والمهندس, ومناضل حقوق الإنسان, والمدرس, وحتى المقاول المستثمر.
في بداية العام الحالي، 2005، زار المغرب المبشر التلفزيوني جوش ماكدويل ممثلا عن التنظيم الذي يسمى: "الحملة الصليبية الدولية من أجل المسيح" والتي تضم عبر العالم أكثر من 7000 ناشط مما حدا بالأسبوعية المغربية الصادرة باللغة الفرنسية "ماروك إيبدو" إلى التعليق على تلك الزيارة بالقول: "البروتستانت الأمريكان الجدد يغزون المغرب".(22/95)
إن هذا النشاط الذي يزعم أن هدفه تنصيري هو في الواقع بعيد كل البعد عن المرامي الدينية التي من عادتها ألا تحمل برامج سياسية بين جنباتها أو هكذا يفترض، تموله حكومة الولايات المتحدة من غير الحاجة إلى قولنا أن هذه الأخيرة لا تحركها مشاعر وأحاسيس دينية صادقة لأن الهدف غير المعلن من وراء كل هذا لا يعدو أن يكون خلق مناطق صدع داخل البلدان العربية والإسلامية -أعتذر هنا عن عدم إيراد أمثلة عن النشاطات في غير البلاد العربية حتى لا تتشعب الحكاية- وأما هدفها اللحظي فهو تأجيج مفهوم صراع الحضارات الذي طورته مراكز الفكر الأمريكية -ثينك تانكس- وفق مفاهيم واقع عالم ما بعد 11/9 وكل هذه الأعمال تصب ببساطة شديدة ضمن إناء واحد: سعي الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل المنطقة وجعل الهيمنة الأمريكية واقعا يرادف لغويا مصطلحي الحداثة والحرية.
4/11/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
===========(22/96)
(22/97)
البوليساريو.. جذور المشكلة وآفاق الحل
إدريس جالو*
البوليساريو.. جذور المشكلة وآفاق الحل منطقة الصحراء الغربية كانت تعرف سابق بالصحراء الاسبانية، وتتميز تلك المنطقة بأهمية كبرى من حيث الموقع؛ إذ أنها تقع على ساحل المحيط الاطلسي، وكذلك من حيث الموارد الطبيعية، وأهم تلك الموارد الحديد، والنحاس، واليورانيوم ....إلخ.
وقد ظهر النزاع حول الصحراء الغربية ناتجا عن الإرث الاستعماري كبقية الدول الأفريقية التي قسمها الإستعمار بينها كقطعة كعكة، كل طرف يريد نصيبه منها، ورغم هذا فالتقسيم لم يقم على أسس موضوعية؛ حيث أنهم قسموا الإثنيات المختلفة على أكثر من دولة ليكون ذلك بؤرة توتر بين الأفارقة وينشغلوا عن التنمية والحكم الرشيد والعيش الكريم.
فالمغرب تطالب بالصحراء الغربية كحق تاريخي لها، والجبهة الشعبية لتحرير بوليساريو تطالب بالإستقلال، وهذه المنطقة كانت مستعمرة إسبانية وقسمها الإسبان إلى أربعة أجزاء هي: ايفني، وطرفانة، والساقية الحمراء، ووادي الذهب. وبعد استقلال المغرب من الاستعمار عام 1956م بقيادة الملك محمد الخامس ضمت طرفاية إلى السيادة المغربية بعد عامين من استقلالها، بينما عادت ايفني للمغرب عام 1969م.
ومن ثم أصبحت الصحراء الغربية تتكون من إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، واتخذت مدينة العيون فيما بعد عاصمة لها. ونتيجة لمقاومة المغرب للوجود الإسباني في الصحراء كمستعمرة؛ اضطرت إسبانيا إلى تغيير سياستها من فكرة الحق الاسباني في الصحراء الغربية والضم النهائي لها بسبب ثروتها الطبيعية الهائلة إلى الموافقة على تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية. وبالرغم من أن الظروف الداخلية والخارجية قد أجبرت إسبانيا على الانسحاب من تلك النطقة إلا أنها قامت بتأسيس كيان صحراوي موال لها مما يكشف النوايا الحقيقية للاستعمار الغربي ضد القارة الافريقية، بحيث سعت إلى إقامة علاقات سرية بينها وبين جبهة البولساريو، خاصة بعد تصاعد الخلافات بين المغرب وإسبا نيا؛ حيث طالب المغرب بعودة الصحراء إليه، وكذلك موريتانيا التي طالبت بالصحراء في مذكرتها للأمم المتحدة في أغسطس عام 1974؛ بينما نادت الجزائر وليبيا باستقلال الصحراء الغربية، وقد تم أخيرا تقسيم الصحراء بين موريتانيا والمغرب، وبعد هذا التقسيم ركزت جبهة البوليساريو هجماتها المسلحة على الطرف الأضعف في التحالف المغربي الموريتاني؛ وهو موريتانيا مما أدى بها في النهاية إلى الانسحاب من وادي الذهب وسارعت القوات المغربية بالسيطرة عليه خلفا لموريتانيا.
وقد شهدت تلك الفترة أي الثمانينات؛ معارك ضارية بين المغرب وجبهة البوليساريو في داخل الصحراء، وركزت الجبهة في معاركها على حرب الاستنزاف ضد المغرب، وقدرت تكلفتها بنحو مليون دولار يوميا، وتقلصت حدة المعارك في عقد التسعينات بعد توقف ليبيا عن دعم الجبهة عسكريا؛ واكتفائها بالدعم المعنوي واللوجستي فقط، وقد نشطت الدبلوماسية الجزائرية في أروقة منظمة الوحدة الأفريقية مما أدى لتحرك المنظمة لبحث حل لمشكلة الصحراء عبر إجراء استفتاء في الصحراء الغربية، كما اعترفت المنظمة بجمهورية البوليساريو في نوفمبر عام 1984م مما زاد الأوضاع تفاقما بحيث انسحب المغرب من المنظمة وجمدت عضويتها منها احتجاجا على هذه الخطوة.
ولكن حدث بعض الإنفراج للنزاع الصحراوي بعد قبول الملك الحسن الثاني لمبدأ الاستفتاء بتقرير المصير للصحراويين عبر الأمم المتحدة وإقامة علاقات دبلوماسية بين الجزائر والمغرب عام 1988م، وكذلك عقد لقاءات مباشرة مع قيادات جبهة البوليساريو، وهذا ما كان يرفضه المغرب لسنوات طويلة. وهذا الوعد لم يتحقق حتى الآن بسبب خلافات بين المغرب والبوليساريو في كيفية إجراء هذا الاستفتناء، وأهم نقاط الخلاف:-
1/ تطالب الجبهة قبل كل شيء بانسحاب القوات المغربية والإدارة المغربية من الصحراء الغربية؛ والمغرب ترفض ذلك جملة وتفصيلا.
2/حول الإحصاء السكاني للصحراويين؛ فالجبهة تصر على إضافة الصحراويين النازحين في الخارج؛ خاصة في الجزائر بينما يركز المغرب على الصحراويين بالداخل فقط، وربما كان إصرار المغرب على أن ينحصر الاستفتاء على سكان الداخل يعطيها نتيجة مضمونة لصالحها وهي اندماج الصحراء في المغرب.
وقد بعث الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثه الخاص لمنطقة الصحراء لبحث حلول بين الأطراف المتنازعة؛ ولكنه لم يفلح في تلك المبادرة حتى الان.
فالملك محمد الثاني قد سار على نفس نهج والده بالاتفاق مع القوى السياسية المغربية التي تعتبر قضية الصحراء قضية مصيرية لا يمكن التنازل عنها.(22/98)
ومواصلة للبحث عن حل لهذه القضية المعقدة؛ طرح الملك محمد السادس مبادرة في نوفمبر 2005م؛ يقترح فيها إعطاء المنطقة الصحراوية حكما ذاتيا موسعا في إطار المملكة المغريبة؛ وهذا ما ترفضه جبهة البوليساريو، فقد قام محمد السادس بزيارة للمنطقة وعقد اجتماعات مع أعيان المنطقة، ولكن رغم هذه الجهود كلها ما زالت القضية على صفيح ساخن تراوح مكانها بدون حل. ومما زاد القضية الصحراء تعقيدا هو اعتراف بعض الدول الأفريقية بدولة البوليساريو؛ واعتبار المغرب دولة محتلة وأن للصحراويين حق المقاومة من أجل التحرير، وهذا يزيد الطين بلة، ولا يؤدي إلا إلى زيادة التوتر، وتمسك كل طرف بموقفه. فالقارة يكفيها ما ذاقت وما تذوق يوميا من جوع وأمراض مستعصية وحروب في كل مكان.
وقد آن الأوان كي يعرف الأفارقة أن هذه النزاعات كلها لصالح المستعمر الذي غرس بذور هذه الصراعات لتبقي القارة على ما هي عليه في ذيل الأمم؛ لا تقدم ولا تنمية؛ منشغلة بحل قضاياها الداخلية، وكذلك صرف كل موارد الدولة في شراء الأسلحة؛ والمستفيد هم تجار الأسلحة وصناعها وهم معروفون، ولايريد هؤلاء أن تنتهي الحروب في أفريقيا؛ فكلما سعى الأفارقة في حل مشكلة أوقدوا نارا في منطقة أخرى.
================(22/99)
(22/100)
حوار الغافلين والجادين المهملين مع النصارى
محمد جلال القصاص
صورتان:
الأولى: لمجموعة من المُنَصرين...المتمرسين... المتفرغين... الحاقدين على الإسلام والمسلمين، يجلسون مع مجموعة منتقاة من موظفي الدين الرسميين... عديمي الكفاءة العلمية... محدودي الصلاحيات فيما يسمى بالحوار بين الأديان.
والجلسة أشبه ما تكون بين محقق ومتهم، الطرف الإسلامي في وضع اعتذاري... تسويغي، يدافع عن الإسلام ضد تُهم الطرف النصراني، ويحاول جهده أن (يحسن) صورة الإسلام أمام الطرف الآخر، فمرة ينكر الجهاد (جهاد الطلب بل والدفع أحيانا)، ومرة يتنكر للتعدد - تعدد الزوجات - أو يقيده بقيود ما أنزل الله بها من سلطان، ومرة يتكلم عن محبة (الآخر)، وأن الإسلام نزع من قلوبنا بغض من حاد الله ورسوله ولو كانوا مقاتلين مُغتصبين، ويتلجلج في نطقه ويتصبب عرقا حين يسأل عن جهاد نبيه صلى الله عليه وسلم , وصحابته, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ناهيك عما يفعله (الإرهابيون) اليوم. !!
الحوار له أهمية في إضعاف معنويات الخصم، وتجنيد طابور خامس فهناك من يُسلم في السر، ولا تدري عله ينفعنا يوما. وما أمر نعيم بن مسعود منكم ببعيد
والطرف الثاني في هذا المشهد هم الغافلون.
غافلون عن أن للطرف الأول - النصراني - أهدافاً أخرى يرمي إليها، فالحوار بمثابة الاعتراف به من جهة إسلامية (رسمية) تعطي الكنائس شرعية لما تمثله من عقائد ودعاوى، وهذا الأمر في غاية الخطورة، فهم يُثَبِّتون قومهم على الكفر بهذا الاعتراف، يقولون لهم (مشايخ) الإسلام يعترفون بنا ويقرون بشرعيتنا، وهم يُدْخِلون الناس في الكفر بهذا الاعتراف - الذي يأخذونه من هذه الحوارات - حين يُسَوِّقونه في الأماكن التي ينشط فيها التنصير، يُظهرون لهم أن (مشايخ) الإسلام لا تُخَطِئهم - في الجملة - وهذا صدٌّ صريح عن دين الله.
في كثير من حوارات البالتوك مع النصارى تكلم أكثر من فرد - من النصارى - مستشهدا بأقوال نفر من المسلمين على صحة ما يعتقدون. يقول: وقد اعترف بهذا فلان وفلان ممن يحملون أسماء إسلامية واشتهروا بين الناس بأنهم من علماء الدين الرسميين، أقول هذا لتعرف خطورة الأمر.
وهم غافلون لأنهم بحوارهم بهذه الطريقة يُعدِّلون المفاهيم الإسلامية مثل الجهاد, وأوضاع المرأة، وتحديد النسل... الخ.
وهم غافلون عن أن هذا الطرف النصراني هو هو بأم عينه الذي يمارس التنصير في بلاد العالم الإسلامي كلها، في ذات الوقت الذي يتحاور فيه معهم.
وهم غافلون عن أن هذا الطرف النصراني المتحاور هو الذي يحرك العداء الديني للإسلام في الغرب برمته، وهو هو الذي يساند الأقليات الكافرة في بلاد المسلمين لخلق البلبلة والتشتت حتى أصبحت الكنائس في العالم الإسلام مراكز قوى.
ولولا غفلتهم لتساءلوا لماذا الحوار فقط مع الكنائس ولم يكن مع عوام النصارى ومثقفيهم؟
ولماذا الحوار فقط في الإسلاميات - الشبهات المثارة حول الإسلام - دون النصرانيات - ضلالات النصارى وما يفترونه على ربهم ونبيهم -؟
والصورة الثانية التي في خيالي:
لأحمد ديدات وهو يحمل كتبه ويرفع لا فتة كتب عليها قول الله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (سبأ: من الآية24).
لقد خط أحمد ديدات خطا جديدا, وسن سنة حسنة في الحوار بين الأديان، فتح جبهة على القوم ما كانوا يحسبون لها حساب.
وحين تَرِد صورة أحمد ديدات ومن على دربه في خاطري أردد قول الله تعالى:{فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (الحشر: من الآية2). وقد بارك الله له في جهده، وأتى سعيه أُكله ضعفين، فأسلم عدد غير قليل على يده، وصار على دربه ثلة من الشباب، والله أسأل أن يتقبل منه ومنهم وأن يكتب أجره وأجرهم أضعافا مضاعفة.
وأحمد ديدات ومن على دربه هم الجادون المُهْمَلون.
والعجب أنهم مُهملون. مع أن الكل يتكلم عن أهمية إيصال صورة واضحة للإسلام لعامة النصارى في الغرب والشرق.
والعجب أن الكل يقف عند حد التنبيه على أهمية هذا الأمر دون التحرك للتحاور مع عوام النصارى، أو التوجه إليهم بخطاب ينقض معتقداتهم الباطلة في المسيح, أو الأحبار والرهبان، أو يحسن لهم صورة محمد صلى الله عليه وسلم . بعد أن رماه قساوستهم بالخنا والفجور, وعظائم الأمور.
والعجب أن الجامعات الإسلامية تخرج أساتذة متخصصين في ما يسمى بعلم (مقارنة الأديان) ولا وجود لهم في الميدان، اللهم نفر أو نفران.
والعجب أننا نبادر بالحديث إلى المثقفين ونترك العوام، وغالب الظن أن المثقفين لا يجهلون الإسلام، وهم هم الملأ الذين يمكرون على قومهم بالتعاون مع الساسة، ونترك عوام الناس الذين يريدون أن يعبدوا ربهم.
والعجب أننا نرفع عقيرتنا بالشكاية من التنصير، الذي اجتاح كل بلاد المسلمين، من المغرب العربي إلى أندونسيا مرورا بأفريقيا التي كاد يأكلها والجزيرة العربية وباقي دول المسلمين، ثم لا نقوم بنشر ثقافة مضادة له تواجه شبهاته أو معتقداته التي يبثها في أرضنا بين شبابنا.(22/101)
والعجب أن يصرح المسئولون في الكنيسة المصرية الأرثوذكسية الحاقدة الثائرة أن النشاط التنصيري في مصر بلد الأزهر والصحوة الإسلامية مُرضي للغاية. وأنهم موجودون حتى في الجزيرة العربية. !!
والعجب كل العجب من هذا البليد الذي يسمع سبَّ نبيه - صلى الله عليه وسلم ويرى الناس تكفر بربهم ولا يتحرك. !!
إرشادات للمشاركة:
ميدان التصدي الفكري للنصرانية المحرفة - أو حملات التنصير خصوصا - وكذا دعوة عوام النصارى الذين يبحثون عن الحق، هو من الطريق الذي شقه أحمد ديدات وتبعه عليه كثيرون في كل بقاع العالم، وهم متواجدون الآن في البالتوك بصفة أساسية، وعلى أرض الواقع، ولهم إصدارات مكتوبة ومسموعة، والملاحظ أنهم - وكذا شيخهم أحمد ديدات - رحمه الله - رحمة واسعة ليسوا بطلبة علم شرعيين، وربما كانت هذه هي الثغرة في فكر الرجل، وهم يحتاجون لطلبة العلم الشرعي للانضمام إليهم. فهل من مجيب؟
ومن يريد المشاركة... من يريد التعرف على شبهات النصارى والرد عليها، أو إيجاد طرح إيجابي مضاد لطرح النصارى، فعليه فقط أن يدخل للبالتوك يوما أو يومين وينصت إلى النصارى، أو يتكلم مع المسلمين المتمرسين في غرف البالتوك وهم يُعَرِّفوه.
- لا يُفهم من كلامي أبدا أنها دعوة للتوجه للمشاركة في غرف البالتوك، وإنما هي دعوة للتصدي للتنصير بدراسة شبهاتهم، ثم تكوين مادة علمية مضادة لهذه الشبهات وطرحها على عوام النصارى الذين يكذب عليهم الأحبار والرهبان, وكذا عوام المسلمين الذين يستهدفهم التنصير.
أرجو قراءة الثلاثة أسطر الأخيرة مرة ثانية. !!
- شيوخنا الأفاضل الذين من الله عليهم بانتشار خطبهم عن طريق الشريط معنيون بهذا الأمر أكثر من غيرهم, فمنبرهم عال وجمهورهم غفير ومن كل المستويات، والشريط طويل العمر واسع الانتشار.
ولا يحتج علينا أحد بضيق الوقت وكثرة الشواغل، فهل هناك أعظم من الذب عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ثم إنه تنزل النوازل - كالسيول والإعصار والعمليات (التفجيرية) - فينقطع لها جدول أعمال الشيوخ للتعقيب عليها، وسب نبينا وكفر أبناءنا وإخواننا والله إحدى الكُبر التي ينقطع لها القلب لا الوقت.
والمطلوب تحديدا هو:
عرض موجز لعقيدة النصرانية وكيف فسادها، وسرد شبهات النصارى والرد عليها.
وقد خالطنا التنصير ونزل بساحتنا فلم نجلس عن مواجهته؟!
ونريد من الأكادميين والمتخصصين حوارا بمستوى عال يخاطب علمائهم الدينيين ومنظريهم، ولا مانع من أن يأخذ الحوار صفة الالتفاف عليهم، أو أي صفة أخرى كتسكينهم وفتح دوامات فكرية لهم بإثارة الشبهات وطلب الرد عليها من أجل إشغالهم، فأولئك الملأ، ويجوز في حقهم مالا يجوز في حق غيرهم.
- في افتتاح المركز الإسلامي الذي قام به الشيخ الدكتور سفر الحوالي - حفظه الله - من كل سوء - وحضره الشيخ ابن باز, والشيخ ابن عثيمين، اقترح الشيخ سفر ترجمة (الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، وقد توقف العمل أو تأخر، واقترح الشيخ ابن عثيمين في مؤتمر الافتتاح، أن تفرد - من الكتاب - رسائل صغيرة - مطويات - في المواضيع ذات الشأن. فلم لا ننشط لهذا؟
لم لا يوضع كشف زيف النصرانية إحدى موضوعات الدروس والخطب والمطويات؟ لم؟ ولو بمحاضرة أو محاضرتين من كل شيخ؟
وأختم بهمسة في أذن أولي الألباب وأصحاب النظرة البعيدة أقول:
الحوار له أهمية في إضعاف معنويات الخصم، وتجنيد طابور خامس فهناك من يُسلم في السر - من العوام ومن القساوسة وهذا أمر مشاهد معلوم - ولا تدري عله ينفعنا يوما. وما أمر نعيم بن مسعود منكم ببعيد.
28/10/1426
http://www.almoslim.net :المصدر
============(22/102)
(22/103)
التنصير والاستعمار : وجهان لعملة واحدة
أميمة بنت أحمد الجلاهمة
لم أكن أتوقع أن أجد خلف تلك الملامح المستكينة خبراً جللاً. هكذا ظننت وأنا أتابع "إقبال" إحدى طالباتي حاملة بين يديها كتاباً صغيراًً نسبياً (أعتقد أنه كتاب يستحق الدراسة. لقد وجدته على إحدى أرفف المكتبة العامة ظناً مني أنه يعالج مشكلة إسلامية، لكني وجدته غريباً في محتواه خطيراً في مضامينه.. آمل أن أسمع رأيك فيه قريباً)!! أجبتها بإيماءة سريعة؛ فلم أكن أملك غير هذا.. أمام ازدحام الطالبات اللائي يستفسرن عادة- في مثل تلك الفترة عن مواعيد الامتحانات، ولهذا دون غيره اختلست نظرة سريعة على عنوان الكتاب الذي وُضع عنوة بين يديّ، وللوهلة الأولى وجدته تقليدياً (التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)، مما دفعني إلى وضعه جانباً، فلم يكن همي في تلك اللحظة إلا استيعاب المقترحات المطروحة أمامي، ومعالجتها بما أستطيع.
بقي الكتاب مهملاً عدة أيام، إلى أن بادرتني إحدى زميلات صاحبة تلك الملامح المستكينة.. (هل اطّلعت على الكتاب ؟ متى سنسمع رأيك ؟) لم أملك إلا الاعتذار لها ولزميلتها، فقد نسيت أمره لانشغالي بالإعداد لموسم الامتحانات , وما يتبع هذا الموسم من تنظيم.. و.. و.. ولكني سوف.. وسوف..، كانت مسوغات واهية بطبيعة الحال، ولذا حرصت في نهاية دوام ذلك اليوم على مرافقته ضيفاً عزيزاً في منزلي، وكيف لا أفعل.. وأنا التي كنت دوماً أحض طالباتي على إنجاز الأعمال المناط بهن في حينه، ألا يكفيني ما قدمته من تسويف.. فعلت ذلك وقد عزمت النية على النظر فيه، ولو بشكل سريع؛ إذ لم أعتقد أنه يحمل الجديد، خاصة أنه لم يُذيّل باسم كاتبه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان حجم الحرف الذي اختير لطباعته صغيراً نسبياً، أما صفحاته فقد تجاوزت الثمانين صفحة.
وتكرر الأمر مجدداً، لم أتمكن -ولعدة أيام من تصفّحه- هذه المرة كان انشغالي غير مقبول لا لي ولا لغيري، عندها أدركت أنه لا بد من اقتطاع -ولو ساعة- من وقتي.. لعلي أطلع على أسباب اهتمام شابتين متميزتين بمناقشة محتوياته..
وكانت المفاجأة والصدمة تنتظرني مع سطوره الأولى؛ فهو يحكي قصة ميلاد مؤتمر عالمي خُصّص لتنصير المسلمين، هذا الكتاب بطبعته العربية لم يُطبع ليقع بين يدي أمثالنا، بل ليكون مرجعاً للمنصّرين الجدد في عالمنا العربي، هذا ما ذكرته بوضوح المقدمة التي جاء فيها: (عملية تنصير المسلمين من أعظم التحديات على مر العصور.. وانطلاقاً من ذلك فإن لجنة التنصير في لوزان قد تسلمت -بارتياح شديد- اقتراحاً لعقد هذا المؤتمر في أمريكا الشمالية عام 1978م.. كما قدمت منظمة التصور الدولي الدعم المالي السخيّ لإنجاح هذا المشروع.. وقد تم اختيار المشاركين فيه بكل عناية ودقة بحيث يكونون أكثر الناس اندفاعاً وحماساً للعمل.
قامت لجنة المؤتمر بتوزيع أربعين بحثاً أساسياً على أشخاص بارزين في مجال التنصير، كما تم اختيار المشاركين في المؤتمر، والذين بلغ عددهم (150) شخصاً، عملوا على مجابهة مشاكل تنصير المسلمين وتقييم تجارب الماضي وجهود الحاضر، وقد انتهى هذا المؤتمر العالمي إلى تحديده للهدف الكبير ألا هو العمل على تنصير 720 مليون مسلم)!! هذا العدد هو عدد مسلمي العالم فترة انعقاد المؤتمر.
كما جاء في تصدير هذا المصنف ما يلي: (يجتمع المؤتمرون في كثير من المؤتمرات فيتبادلون الرأي ويعلنون بعض القرارات ثم ينفضون فتصبح مجهوداتهم حبراً على ورق.. ولكن بعض المؤتمرات تغيّر مجرى التاريخ، ولا ريب أن مؤتمر (صاموئيل زويمر) الذي انعقد في أمريكا الشمالية عام 1978م، قد أصبح واحداً من هذه المؤتمرات القادرة على تغيير مجرى التاريخ.. تشرح الأبحاث الأساسية للمؤتمر.. الفرص المثيرة للتنصير في الوقت الحاضر؛ فالعالم الإسلامي يمر اليوم بحالة من التمزّق الاجتماعي والسياسي، ولذلك يوجد لدى المسلمين اليوم استعداد قلبي وعقلي لتقبل رسالة المسيح.. ).(22/104)
إن الناظر غير المتحيز في هذا الكتاب سيدرك أن تنصير المسلمين لن يكن في الحقيقة ماثلاً كهدف أوليّ في أذهان هؤلاء ، مع تتبعه للصفحات الأولى لهذا الكتاب؛ إذ سيجد أن ارتداد المسلمين عن دينهم -على أهميته بالنسبة لهؤلاء- يتراجع أمام طمع هؤلاء المنصرين في ثروات العالم الإسلامي الذي هو المحرك الأساس لتحركاتهم في هذا الاتجاه ، وسأذكر لكم هنا مثاليين من السطور الأولى من البحثين الأولين واللذين عُرضا في هذا الكتاب، فقد جاء في بداية الدراسة المقدمة من (دون ماكري) والمعنونة بـ(حان الوقت المناسب لمنطلقات جديدة) ما يلي: (ظل النزاع العربي الإسرائيلي محط الأنظار السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والبترول الذي يشكل شريان الحياة الصناعية في الغرب هو اليوم أساس الاقتصاد العالمي.. )، أما العرض الذي قدمه (ستانلي مونيهام) تحت عنوان (الخطاب الرئيسي) فقد جاء في سطوره الأولى: (أولاً.. أشعر بدقة التوقيت الصحيح لهذا المؤتمر، وأشعر أنه عُقد في الوقت المناسب الذي اختاره الرب، إن العالم الإسلامي يشغل اليوم حيزاً مهماً في الأخبار أكثر من أي وقت مضى.. وكل إنسان في العالم يتأثر في الواقع تأثراً مباشراً متى اجتمعت الأمم الإسلامية المنتجة للنفط لتقرر كم ستتقاضى على برميل النفط الخام، ويحبس العالم أنفاسه قلقاً كلما اجتمعت منظمة الأوبيك) لا أعرف ما علاقة النفط بهذا المؤتمر التنصيري ليولوه هذا الاهتمام، فيقوموا بالحديث عنه ابتداءً!!.. ألا يبدو لكم هذا المؤتمر كمؤتمر عُقد للبحث في قضايا ومشكلات الطاقة ؟!
لا شك أن الحديث قد يطول، ولكني قد عزمت الأمر على محاولة تحريك المياه الراكدة، داعية المولى أن يعينني وإياكم على الصبر فأستطيع -بعون الله- الإشارة في المقال التالي إلى أهم محتويات هذا الكتاب الخطير في خطته وأقلامه وأهدافه.. ولكني قبل أن أصل إلى نهاية الطريق، أجد أن الواجب يحتم عليّ توجيه الشكر لطالبتيّ على غيرتهما، وبعد نظرهما؛ فهذا المؤتمر مع أنه قديم نسبياً إذ انعقد عام 1978م، إلا أنه يوضح مدى الخطورة التي كانت وما زالت تحيط بنا كمسلمين ومجتمعات مسلمة..فهل نحن غافلون..أم مستغفلون؟
21/9/1426
24/10/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============(22/105)
(22/106)
صابع التنصير "الخفية" تقف وراء التدخل الدولي في دارفور
الاحد :23/04/2006
(الشبكة الإسلامية)
السودان
حذر د.محمد الأمين دفع الله رئيس لجنة الزراعة والثروة الحيوانية بالمجلس الوطني السوداني (البرلمان) ومسئول صندوق إعمار جنوب السودان سابقاً من أن التدخل الأجنبي الذي تزمع أمريكا ودول أوروبية القيام به في دارفور تحت غطاء الأمم المتحدة له أهداف أخرى تتمثل في السعي لتنصير هذه المنطقة المهمة والسيطرة عليها لما لها من أهمية إستراتيجية وغناها بالموارد الطبيعية وعلى رأسها البترول.
وأكد في حوار معه أن التدخل الغربي جاء أصلاً لأهداف إستراتيجية وأن هدفه فصل العالم الإفريقي المسلم عن باقي القارة الإفريقية خشية انتشار الإسلام في ربوع إفريقيا؛ ولهذا يسعون لعزل العنصر الإفريقي المسلم عن العنصر العربي وتنصير هذا الجزء المسلم.. وفيما يلي تفاصيل الحوار :
شكوك وهواجس تطرح من قبل السودان من أن تكون الدعوة الأمريكية لتدخل دولي في دارفور لها أغراض خفية؟
هي ليست شكوكاً بل حقائق، التدخل أصلاً لأهداف إستراتيجية، فأمريكا تريد أن تستعبد العالم الإسلامي، وتريد أن تفصل العالم المسلم الإفريقي عن باقي القارة الإفريقية خوفاً من انتشار الدين الإسلامي في المنطقة وساعدتها الصهيونية العالمية.
وحقيقة لا يوجد أي داع لهذا التدخل الأممي، لأنها قضية داخلية، والسودان يسعي مع جيرانه وأصدقائه لحلها عن طريق الحوار كما حدث من قبل في حل قضية الجنوب التي تعقدت لأكثر من عشرين عاماً والتي كانت معقدة أكثر من قضية دارفور. كما أن دارفور مسلمة مائة في المائة فكل سكانها مسلمون وليس بينهم مسيحيون مثل الجنوب مثلاً، وبالتالي فحل قضية دارفور أسهل من حل مشكلة الجنوب، ولكن ما يعقد المشكلة هو الأطماع الخارجية في الموقع الاستراتيجي بالإضافة إلى الموارد الكثيرة جداً الموجودة في دارفور، سواء كانت من الموارد البترولية أو اليورانيوم، أو الحديد وغيرها من المعادن، وبالتالي هناك هدف وغرض خفي وخبيث يسعى لتنصير هذا الجزء العزيز من البلد، ويريد أن يعزل العنصر المسلم الإفريقي عن العنصر العربي.
تحدثت عن خطط لتنصير دارفور.. ما الغرض الأساسي لهذه الخطط هناك؟
الغرض الأساسي هو وقف انتشار الإسلام من هذه البوابة التي تشكل المنطقة الغربية للقارة الإفريقية والتي هي أساساً منطقة مسلمة بالتاريخ والجغرافيا رغم الهجرة القسرية التي تمت من جامبيا والسنغال وغيرها، وهي مناطق معروفة بأنها مناطق إسلامية، وتسعى الكنيسة الغربية منذ زمن للتواجد فيها، لأنها ذات أهمية كبيرة جداً بحكم موقعها الإستراتيجي، ورغبة الغرب في الاستفادة من خيرات هذا البلد، إضافة لسعيهم من خلال احتلال دارفور لوقف الانتشار "الإسلامي الأيديولوجي" الذي بدأ ينتشر في السودان. ويعتقد الغرب أن السودان لو انتصر في هذه المعركة، فسيكون هذا ضد مصالحها وضد البرنامج الصهيوني للمنطقة.
وعلى هذا الأساس أنا أعتقد أن التدخل له بعد استراتيجي غربي صهيوني ويعمل الجميع على تنفيذه، ويجد الآن ضالته في ضعف العالم الإسلامي والعربي، والانفراد الأمريكي بحكم العالم، مع مساندة الدول التي تسمى ب "العظمى" لتنفيذ المخطط الصهيوني، ولكن أهل السودان واعون لهذا الدور، كما أن دارفور عصية جداً على هذا المستعمر لأنها بلد المحمل وكسوة الكعبة المشرفة التي كانت تُحمل من دارفور إلى مكة، ولم يسبق أن دخل دارفور مسيحي واحد. إنهم في النهاية يهدفون لتغيير الهوية هناك ووقف المد الإسلامي في هذه القارة.
هناك أحاديث عن مخطط أمريكي للسيطرة على منطقة القرن الإفريقي وعلى رأسها السودان ما رأيك؟
أنا لا أستبعد أي شيء، فأي شيء متاح، في ظل الانفراد الأمريكي والسيطرة بالقوة على العالم، والتبعية الذليلة الضعيفة المهينة لبعض الدول الضعيفة وحكامها ولا أقول الشعوب فأنا أتحدث عن مواقف الحكام السلبية جداً أمام الضغوط الأمريكية، والتي تكاد تنهار أمام الضغوط. هذا الدور الأمريكي الضاغط ظهر جلياً في القمة الإفريقية، وفي المجلس الإفريقي للسلم والأمن، حيث انهار الكثير من الدول الإفريقية تماماً أمام هذا الضغط الأمريكي.
والأطماع الأمريكية للتحكم في القارة الإفريقية موجودة منذ فترة طويلة جداً، فهم أرادوا أن تكون إفريقيا مدخلهم للعالم العربي والعالم الإسلامي بالسيطرة على هذه المنطقة، لأنها تاريخياً وحتى الآن.. منطقة من يستطيع السيطرة عليها، يسيطر على إفريقيا وعلى المضايق (باب المندب) وكل المداخل ويسيطر على عمليات نقل السلاح، وبالتالي أتفق مع التصورات التي تتحدث عن أن الإستراتيجية الأمريكية تريد أن تتحكم في القرن الإفريقي والسودان.
القمة الإفريقية الأخيرة كان من المفترض أن تختار السودان رئيساً ومع هذا تم اختيار الكونغو، وأعقب هذا موافقة الاتحاد الإفريقي على التدخل الفوري للقوات الدولية في دارفور.. ما تفسير لذلك؟(22/107)
السودان بكل المقاييس كان المفترض أن يكون رئيساً لقمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة هذا العام 2006 وفق الأعراف والتقاليد، وفي القمة الأخيرة جرت ضغوط أجنبية على الدول الإفريقية لرفض رئاسة السودان هذا العام لأنها الفترة التي تريد أمريكا أن تفرض خلالها عقوبات على السودان وتطرح فكرة التدخل الدولي في دارفور!
وكانت أمريكا تعترض من الأساس أن يكون انعقاد القمة في السودان، لأسباب منها أنها لا تريد للمجتمع الإفريقي أن يعرف ماذا يجري في السودان من تطور، وألا تتغير الصورة النمطية السيئة التي رسموها في عقولهم عن الخرطوم هذه العاصمة الإسلامية، ولكننا بالإصرار على عقد القمة في السودان نجحنا في تحقيق الهدف الأول بتغيير هذه الصورة بعدما رأى الأفارقة كيف تغيرت الخرطوم وكيف أصبح السودان قادراً على الاضطلاع بمسئولية رئاسة إفريقيا، ولكن المشكلة أن الأفارقة قالوا صراحة إن ضغوطاً أمريكية وأوروبية قد مورست عليهم لرفض تولي السودان الرئاسة.
إن أمريكا والغرب لا يريد باختصار أن يكون السودان رئيساً في الفترة التي عزموا فيها على فرض العقوبات عليه، ولذلك هددنا بالانسحاب من الاتحاد الإفريقي لو تمت الموافقة على إحلال قوات دولية في دارفور بالقوات الإفريقية لأن هذا باطل من أساسه ومخالف لتقاليد الاتحاد الإفريقي.
وهل تعتقد أن الضغوط الغربية على الدول الإفريقية لرفض رئاسة السودان للاتحاد لها علاقة أو هي مقدمة لهذه الدعوات للتدخل الدولي في دارفور؟
طبعاً، تمهيد لتدخل القوات الدولية.. هي مراحل.. هي خطة مدبرة بدقة ضد السودان وصرفوا عليها الكثير من الأموال من أمريكا والأمم المتحدة، وبدلاً من أن ينفقوا هذه الأموال على اللاجئين والمشردين الأولى بالرعاية، ينفقونها في التدخل في شئون الدول!
إنهم يريدون السيطرة على العالم كله والتحكم فيه واستغلال موارد الشرق المسلم. وما يقال عن حرية وديمقراطية من جانب الغرب حديث زائف، ووضح هذا عندما فازت حماس في فلسطين واعترضوا عليها، ولن يكون السودان تابعاً خائفاً ذليلاًًً لأمريكا إن شاء الله.
لو تدخلت أمريكا أو الأمم المتحدة الآن في دارفور رغماً عنكم بعدما مارست ضغوطاً على الدول الإفريقية كي توافق.. فماذا سيفعل السودان؟ هل ستحاربون هذه القوات الأجنبية؟
نحن الآن بدأنا نعد أنفسنا لهذا اللقاء وهذه الحرب، ووزارة الدفاع السودانية بدأت تعد وتطور قواتها، وحتى قوات الدفاع الشعبي التي حاربت في الجنوب وهي الآن في استراحة المحارب يمكن أن نستدعيها في حالة الحرب هذه لتعود للقتال، وإذا لم نحارب عندما يهاجم أحد بلدنا وديننا ومعتقداتنا فمتى نحارب؟
لو تدخلوا فسننتصر بإذن الله، ولا ننسى ما يحدث في العراق.. صحيح أنه شتان بين ما يحدث في العراق ودارفور، ولكن أهل السودان قادرون على الدفاع عن بلادهم كما يفعل العراقيون.
ترددت تقارير تشير إلى أن تنظيم القاعدة سوف يدخل الحرب في دارفور لو دخلتها قوات أمريكية.. فهل هذا متوقع؟
أنا لا أقول إن القاعدة موجودة أو غير موجودة، ولا علم لي بذلك، وحقيقة نحن لا نطلب من أحد أن يأتي ليدافع عن بلادنا وأرضنا. وأنا أقولها بوضوح وصراحة: نحن نريد فقط الدعم المعنوي والسياسي والدبلوماسي، وأن يقف العرب والعالم مع هذه القضية العادلة، ولا نريد أن نكرر المأساة التي حدثت في العراق ولا نريد الحرب الأهلية أو أن يحدث تقتيل وتشريد بين أهلنا، ولا نريد حرباً قبلية، ولا نريد أن يستغل البعض هذه "القاعدة" في تبرير الدخول إلى السودان كما هو هدفهم.
نحن شعب السودان قادرون على الدفاع عن بلادنا وحماية أنفسنا من العدوان وأن نرجع الحق لأهله، وكما فعلنا سابقاً في حرب الجنوب دون أي دعم من أي جهة نستطيع أن نفعل ونسترد الحقوق في دارفور وغيرها، خاصة أن أهل دارفور بكل فئاتهم يرفضون هذا التدخل الأجنبي لأنهم يعلمون مساوئه وأهدافه، أما الوجود الإفريقي الحالي فجاء نتيجة اتفاق معنا بغرض "مراقبة" وقف إطلاق النار وليس "التدخل"، وإذا عجزت القوات الإفريقية عن هذا الهدف فعليها أن ترحل.
معنى هذا أنكم لا ترحبون بأي "مجاهدين" عرب للدفاع عن دارفور لو حدث تدخل كما حصل في العراق؟
لو فتحنا الباب لهذا فعليك أن تتوقع كل الاحتمالات، فهناك من يرغب بالفعل في الدفاع عن السودان وهناك من يرغب في أن يضر السودان.. نحن لا نريد من أحد سوى الدعم المعنوي، ولكن لو حدث ذلك وحدث التدخل وحدث انفلات أمني كما وقع في العراق وانفلات حدودي.. لا تستطيع حينئذ أن تسيطر على من يدخل أو من يخرج، وفي هذه الحالة، فإن الذي يحاسب هو الذي بدأ العدوان ولسنا نحن لأننا لا نريد لأحد أن يتدخل ولم نطلب من أحد أن يتدخل أو يرسل قوات أو سلاحاً لبلادنا.
ــــــــــــــ
المجتمع 1695 ( أجرى الحوار في القاهرة : محمد جمال عرفة )
=============(22/108)
(22/109)
أساليب المنصرين
قادني القدر ونحن نحذر من بعض الفرق أن نتكلم عن التنصير ومنها بدأ تنكشف أمامي عدو خطير، يعمل بنشاط ولديه من الوسائل المرعبة التي نحن غافلين عنها، وبدأ العمل على صد هذا الإخطبوط الخطير الذي يحيط بالمسلمين صغارا وكبارا، يدخل لهم عن طريق التلفاز تارة وعن طريق الكتب تارة والمذياع والمجلات دون ملل، وهنا أقدم دعوة لكل مسلم أن يتعامل مع الأخطار بإيجابية ويعمل بإخلاص لنصرة الدين، أضع بين أيديكم بعض خططهم آملا منكم التصدي لهذا الخطر كل في ما يملكه من إبداعات ومواهب، لا تقل لا أستطيع فالذين يخدمون التنصير متعاونون من جميع طبقات المجتمع (فنانون ولاعبي كرة وجامعي قمامة) كلهم يقدمون ما يستطيعون لخدمة اليسوع والكتاب المقدس، ونحن أصحاب الدين الحق نتقاعس كلا أنتم شباب السمو فلا ترضوا دون السماء:
من أساليب المنصرين
الوسيلة الأولى: القصص للأطفال المسلمين:
أقدم لكم بعض الكتب التي يستخدمونها في التنصير للأطفال المسلمين يوزعونها المحتاجين واليتامى منهم
هذه الكتب يقوم المنصر الذي يعمل في الطب أو التعليم بإهداء الأطفال المحتاجين هذه الكتب ويقول: اقرأها وأعطيك جائزة وبعدها يسأله هل فهم ويبدأ معه مشوار التنصير الذي ينتهي بإرساله كبعثة علمية للخارج ليتلق الدين النصراني وسط البيئة النصرانية وبدروس مكثفة لزرع الكره للمسلمين ويكون أداة بيد النصارى في حرب المسلمين.
الوسيلة الثانية: أفلام الفيديو:
وقد تم إنتاج فيلم سينمائي يحكي قصة اليسوع(عيسى - عليه السلام -)وتم دبلجته إلى أكثر من 70 لغة وأكثر من200لهجة محلية، فمثلا يوجد باللغة العربية بعشرين لهجة (المصرية، الفلسطينية، العراقية، اليمنية، الجزائرية..الخ)ويوزع مجانا عن طريق المنصرين المتعاونين غير الموظفين، فمثلا في البحرين تم توزيعه عن طريق مدرسين اللغة الإنجليزية في معاهد اللغات، وفي السودان عن طريق معرض الكتاب الدولي حيث تم توزيع المئات في العام الفائت عن طريق دار الكتاب المقدس.
الخطورة في مشاهدة الفيلم:
الخطورة تكمن بعد المشاهدة بأن تتذكر اللقطات كلما ذكر عيسى - عليه السلام - وترتبط صورة الممثل لا إراديا بشخص عيسى - عليه السلام -، بل الأخطر أن تشعر بالحزن لتعذب الممثل أثناء صلبه حزنا على الرسول عيسى وهذا والله الكفر بعينه لتكذيب القرآن (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)
وهناك الكثير من القنوات الفضائية وللأسف بعضها عربية قامت بعرض الفيلم، وهذا غلاف الفيلم، -النسخة التي على اليمين للكبار و الشمال خاصة للأطفال- ليتم التحذير عند مشاهدته عند أحد
ملاحظة حرم العلماء مشاهدة الفلم لما فيه من التمثيل بأدوار الأنبياء ولما فيه من الكفر الصريح بقولهم إنه ابن الله تارة وبأنه ربهم تارة أخرى، فليحذر الإخوة من المغامرة بمشاهدته ولو لقطة واحدة فإنك لا تعلم ما يفتن قلبك به
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك
الوسيلة الثالثة: الأشرطة السمعية:
وهذه الوسيلة أكثر انتشارا لانتشار أجهزة التسجيل في كل بيت، وقد تم توزيع أشرطة باللهجة الصعيدية في مصر في داخل القرى على الفلاحين وهذا هو الشريط الذي تم توزيعه ويلاحظ على الغلاف عبارة بالهجة العامية
أحب أن أوضح هنا أننا لسنا بصدد أن نظخم من جهود المنصرين ولكن الغرض الرئيسي أن نشد من همم المسلمين حتى يقدموا لدينهم الحق بمقارنتهم بما يقدمه المنصرين لدينهم الباطل، وبعد ذلك يحذر من يعرف من خطر المنصرين وأعوانهم، كما قال الله - تعالى -: (ولتستبين سبيل المجرمين)
الوسيلة الرابعة: التلبيس:
يكثر إستخدام هذه الوسيلة في المناطق التي يتحدث فيها أهلها بغير العربية وقل عندهم العلم الشرعي، وذلك حتى يسهل نشر ما يريدون بدون أن يجدوا من يردعهم من يعرف أساليبهم ويكشفهم، فمثلا يستغلوا حب العجم لتعليق آيات القرآن على الجدران فيقوم المنصرين بتوزيع بعض اللوحات التي تعلق على الحائط مكتوبة بخط قريب من الخط المستخدم في كتابة القرآن وهي في الأصل من الكتاب المقدس (المحرف)للنصارى، فينخدعوا بها ويظنوها من القرآن ويعلقها ويعودوا أولادهم على احترامها، الهدف من توزيعهم هذه اللوحات: هو هدف بعيد المدى أي يتحقق بعد أن يموت الجيل الأول فيأتي الجيل الثاني ويرى أن أهله قد علقوا هذه الكتابات فيبدأ المنصرين بالكذب بقولهم أن أهليكم كانوا يقرأون الكتاب المقدس ويحترمونه فانظروا لماذا علقوها فيجب عليكم أن تكونوا كأبائكم في احترام الكتاب المقدس.
الوسيلة الخامسة: الإغاثة:
وهذه الوسيلة معروفة عند الجميع ولكن الجديد في الأمر أنه تعدوا أسلوب الإغاثة التقليدي في الحروب والنكبات إلى الدخول إلى الأماكن التي يكون فيها المسلم بأشد الظروف النفسية صعوبتا وقد انصرف عنه أكثر المسلمين بل ولا يتعاطفون أو يفكرون بمساعدته وذلك لأنه مجرم في نظرهم وهو السجين، بدأ المنصرين بالدخول إلى السجن باسم الصليب الأحمر بحجة حقوق المساجين تارة و بحجة علاج المرضى تارة أخرى والمعلوم أن شعار أطباء الصليب الأحمر: (نقدم العلاج بيد والكتاب المقدس باليد الأخرى).(22/110)
http://www.sst5.com المصدر:
=============(22/111)
(22/112)
هجرة العقول الافريقية للغرب.. الآثار والحلول
إدريس جالو*
إلى أين يذهبون بالأسرة المسلمة؟! أنجبت القارة الأفريقية الكثير من العلماء والمفكرين في جميع المجالات، ولكن لم تستفد منهم إلا قليلا؛ بل لقد أصبحوا وبالاً عليها، بحيث هاجر ثلثين من هؤلاء المفكرين والأكاديميين إلى بلدان غربية متقدمة، فقضية الهجرة رغم أنها لا تخص أفريقيا فقط إلا أننا نخصص هذا المقال لأفريقيا باعتبار أن جميع الدول الأفريقية دول نامية وأحوج ما تكون لعقولها المؤهلة في جهود التنمية، فهجرة العقول الأفريقية هي عبارة عن إهدار للموارد الشحيحة أصلا للدول الافريقية، والعائق الرئيسي الذي يقف في طريق تنمية هذه الدول؛ فقد ظلت الدول الأفريقية تصرف نسبة عالية باستمرار من رأسمالها البشري لصالح الدول الغربية المتقدمة بصورة تؤثر على بناء قدراتها اللازمة لإحداث التنمية، لأن زيادة الإستثمار لزيادة القدرات يقابله نزيف من القدرات بهجرة العقول الأفريقية ذات الكفاءة العلمية والمهارات العالية، لذلك مهما تبذل الجهود لبناء القدرات في الإسراع في خطى التتنمية فإن عائق الهحرة يعمل على هدمها بصورة مستمرة، تجعل القدرات الأفريقية دوما أقل مما ينبغي وتطيل أمد توفير القدرات اللازمة لاحتياجات التنمية وترجع أسباب هجرة العقول الأفريقية إلى عاملين أساسيين: العوامل الطاردة والجاذبة؛ فالعومل الطاردة هي:-
* عدم الحصول على دخل مقنع يمكن من العيش في المجتمع بصورة محترمة تحفظ كرامته وسمعته الحسنة.
* عدم توفر متطلبات العمل الفنية والأجهزة التي تمكن من تفجير الطاقات العلمية والفكرية والبحثية الكامنة في العلماء والاكاديميين والمتخصصين.
*عدم اتاحة فرص العمل والتنافس الشريف؛ باختصار (الفساد الإداري بكل ما يحمله من معاني).
*عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي بسبب الصراعات وما تحدثه من عدم الاستقرار النفسي على الفرد.
أما العوامل الجاذبة للعقول الأفريقية في الدول المتقدمة:-
* سعي الدول المتقدمة لإغراء العلماء والمهنيين والمتخصصيين من الدول الأفريقية بتقديم كثير من الحوافز التي يفتقدونها في بلادهم، وارتفاع مستوى المعيشة في المجتمعات الغربية المتقدمة يرضي طموحات العقول الأفريقية.
* توفر متطلبات العمل المهني المتخصص بصورة تمكن العلماء من الابداع وتفجير الطاقات، كما أن الدول الغربية تشجع -هجرة العقول الأفريقية إليها للاستفادة من علمها وقدراتها باعتبارها كفاءات عالية وجاهزة لا يتطلب منهاالصرف المالي لإعدادها، و كذالك باعتبارهم أيدي عاملة رخيصة، وفي هذا الصدد نستشهد بما قاله الدكتور أريدو الاستاذ بجامعة أديس أبابا: "تفقد افريقيا 4 بليون دولار أمريكي سنويا مقابل من يغادرها من المهنيين للعمل في الدول الغربية، إذ "يغادر قارة أفريقيا سنويا 200000 من المهنيين"، وتقول كاترين كاوان لو التابعة لمنظمة الهجرة العالمية "إ أو ام"؛ أن هناك من العلماء والمهندسين الأفارقة في الولايات المتحدة أكثر مما هو موجود من هذه الكوادر في أفريقيا"، ويدعم هذا القول الدكتور أدوكات بروفيسور الاقتصاد المشارك في جامعة ياوندي بالكاميرون بقوله: "معظم المهاجرين من الكاميرون من أساتذة الجامعات والمهنيين، يهاجرون إلى أمريكا الشمالية وغرب أوربا".
وفي نفس هذا الاتجاه؛ جاء تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية يوضح "أن 600-700 طبيب غاني يعملون في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين، ويمثل هؤلاء حوالي 50% من جملة الأطباء الغانيين، وتقول كذلك منظمة الهجرة العالمية أن إثيوبيا فقدت 74.6% من رأسمالها البشري خلال الفترة 1980-1990م، ومقابل كل بروفيسور في الاقتصاد في إثيوبيا يوجد أكثر من 100 اقتصادي إثيوبي في الولايات المتحدة.
وهذا عبارة عن نماذج لما يحدث من نزيف في كوادر القارة؛ فالقارة تفقد أبناءها المؤهلين الذين صرفت أموالا طا ئلة لإعدادهم داخل القارة أو خارجها بالهجرة المستمرة إلى الدول المتقدمة، هذا النزيف الدائم من العقول الأفريقية معول يهدم باستمرار بناء القدرات الأفريقية التي يؤمل أن تشارك مشاركة إيجابية في جهود التنمية في أفريقيا.
تقول اللجنة الاقتصادية لأفريقيا :- خلال الفترة من 1985-1990م فقدت أفريقيا حوالي 600.000 من أطباء وأساتذة جامعات ومهندسين وغيرهم من المتخصصيين بسبب الهجرة، كما أورد الدكتور بن باركا في عام 1993م عن أوين قوله "يوجد في المملكة المتحدة 134.000 أفريقي منهم 14.500 يحملون الدرجة الجامعية الأولى في حين أن 4600 يحملون درجات فوق الجامعية "، وتشير دراسة أعدها البنك الدولي في عام 1995م أن 30% من العمالة ذات المهارات العالية في أفريقيا هاجرت للدول الصناعية خلال 1960-1978م وتقول نفس الدراسة "أن حوالي 23.000 أكاديميا وعدد 50.000 فرد من ذوي المهارات الوسيطة والعالية من الإداريين يغادرون أفريقيا سنويا لرواتب أعلى وظروف عمل أفضل.
الآثار الناجمة عن هجرة العقول الأفريقية:-(22/113)
لا شك أن هذه الهجرة الكبيرة والمتزايدة للكفاءاءت العلمية والمهنية العليا لها الكثير من الآثار السلبية الخطيرة على الدول الأفريقية يمكن الإشارة إلى بعضها في النقاط التالية:-
* تسعى الدول الأفريقية إلى بناء قدراتها بالتوسع في إقامة المؤسسات التعليمية العامة والعليا وابتعاث أبنائها للخارج باستقطاع جزء مهم من مواردها المالية الشحيحة لتعليم وتأهيل أبناءها، لكن هجرة العقول الأفريقية تعمل في اتجاه معاكس يؤدي إلى تآكل رصيد القدرات الأفريقية ويحول دون تحقيق أفريقيا لهذه الغاية السامية.
* سعي الدول الأفريقية للاستثمار في رأسمالها البشري وزيادة بناء القدرات لتعويض القدرات المفقودة وتوفير احتياجات التنمية من الكفاءات العلمية يحتم عليها الزيادة في نفقاتها العامة على التعليم بمستوياته المختلفة مما يزيد الضغوط على موارد الدول الأفريقية النادرة، ويحتم عليها أيضا طلب العون الأجنبي من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية والإقليمية، ويكون في صورة قروض تنهك كاهل الدول الأفريقية عند خدمة الديون في المستقبل.
* هجرة العقول الأفريقية للدول الغربية تترك فجوة كبيرة في القوى العاملة المدربة التي تسعى الدول الأفريقية لملئها باستجلاب خبراء أجانب من الدول الغربية بمبالغ كبيرة، لتأكيد هذه الحقيقة يقول بن باركا نقلا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "يقدر أن حوالي 100.000 خبير أجنبي يعملون في أفريقيا، في حين أن حوالي 100.000 أفريقي ماهر يعملون في أوربا وأمريكا الشمالية.
* هجرة العقول الأفريقية هي في الحقيقة هجرة الأموال الأفريقية إلى الدول المتقدمة، لأنه كل ما صرف على العقول الأفريقية المهاجرة هو إنفاق أفريقي لصالح الدول الغربية، إذن فبدلا من أن تدعم الدول الغر بية المتقدمة الدول الأفريقية بالمنح والعون الفني لتطور القارة الأفريقية وتزيل عن كاهلها جزء كبير من الفقر والمعاناة أصبحت أفريقيا تمول تطور الدول الغربية بتقديم أندر كوادرها وأكثرها علما وخبرة لتساهم في تطور الدول الغربية المتقدمة.
*هجرة العقول الأفريقية تحد من قدرة هذه الدول للاتجاه نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت سمة العصر في هذا العالم سريع التطور والتغيير.
كيفية استعادة العقول الأفريقية المهاجرة إلى أفريقيا:-
هجرة العقول الأفريقية هي فقد عظيم لقدرات تلك العقول الضرورية لتطوير المجتمع الأفريقي اقتصاديا واجتماعيا وعلميا وتكنولوجيا، وبالتالي فإن فقدانها يؤثر سلبا على جهود تنمية أفريقيا وأقطارها المختلفة، فإذا ما ترك أمر هجرة العقول يسير بصورته الحالية ستصبح القارة خالية من عقولها، لذلك فإن على الدول الأفريقية أن تستنبط من الحلول وتبتكر من الوسائل التي تمكن من إيقاء عقولها الموجودة وتعيد عقولها التي هاجرت إلى أوطانها، فإني أرى أن المؤشرات التالية من أهم أسس حل هذه المشكلة المعقدة :-
* العمل على تحسين بيئة العمل وتو فير متطلبات الرضى الوظيفي وتقديم الحوافز المادية والأدبية المناسبة.
* دخول العلماء والمهنيين والمتخصصين والفئات ذات الخبرة النادرة لتوفير عيشة كريمة لهم عدم اعتبار الاتجاهات السياسية والعقدية كأساس لاستخدام معايير مزدوجة في معاملة الكفاءات العلمية المتساوية في التوظيف والترقي وكذلك ترك المحسوبية في التوظيف والترقي دون كفاءات.
* مطلوب من الدول الأفريقية أن تقف وقفة تقييم عقلاني وموضوعي لقضية هجرة العقول الأفريقية لتعرف على وجه اليقين حجم الضرر الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والفني والفكري الذي يحدثه نزيف عقولها نحو الدول المتقدمة.
* البدء في بناء قاعدة للمعلومات شاملة لكل تصنيفات العقول المهاجرة وتخصصاتها وأعدادها والدول التي تتجه إليها والأسباب التي تدعو للهجرة.
وبهذا أعتقد أن الدول الأفريقية تستطيع حل المشكلة والاحتفاظ بأيديها العاملة ويساهموا في تنمية القارة واستغلال موارها الضخمة خير استغلال، وطرد الذين جاءوا لنهب خيرات القارات، وإلا فإن القارة تدور في حلقة مفرغة إلى ما شاء الله.
===========(22/114)
(22/115)
مناخ لمن سبق
عبد الملك القاسم
دين الإسلام دين الفطرة التي فطر الناس علها لا تبديل لخلق الله، وهذا مشاهد في الأطفال الصغار وكبار السن من أهل الإسلام بعيداً عن التأثيرات الخارجة!
أحد الدعاة ذهب إلى أثيوبيا وذكر أنه سمع أن المنصرين سارعوا إلى العمل على تنصير قبيلة لا دينية هناك. وذكر المنصرون لرئيس القبيلة واتباعه الكثير عن عيسى- عليه السلام - بأنه يغفر الخطيئة ويخلصكم من العذاب ومن الجحيم.
وهنا سئل رئيس القبيلة ومن هو عيسى هذا؟ فأجابوه: بأنه ابن الله.
وطلب رئيس القبيلة مهلة للرد على الجواب الذي هو مفترق الطرق لأمته وقبيلته كلها. وبعد حين اجتمع رئيس القبيلة وكبارها مع المنصرين وقالوا له: سمعنا كلامكم ونريد أن نسألكم: هل والد عيسى موجود؟ قالوا نعم. قال رئيس القبيلة رأينا أنه من غير المنطقي بل ومن ((العيب)) أن نتعامل مع الابن ووالده موجود هذا نقص في حقه وفي قدر والده. كيف نذهب للابن ونقدمه وأباه حي
هنا أسقط في أيدي المنصرين وعلموا أنهم يحرثون في البحر وأن الفطرة السليمة لا تنقاد لترهات النصارى وخرافاتهم
لكن السؤال أين أهل العقيدة الصحيحة عن أولئك ومتى يصلون إليهم. فالأرض منبتة وهي مناخ لمن سبق
11/11/2004
http://www.almunadi.net المصدر:
=============(22/116)
(22/117)
الصراعات في أفريقيا(1)
إدريس جالو*
القارة الأفريقية منذ أمد طويل تعاني من ويلات النزاعات والحروب الأهلية، والتي ازدادت في العقد الأخير من القرن الماضي بشكل ملحوظ، بحيث وصلت إلى حد المجازر والإبادة الجماعية، كما حدث في رواندا عام 1994م، فهذه النزاعات الخطيرة مرتبطة بالأزمات السياسية الداخلية كالصراع علي السلطة أو الخلافات السياسية بين دول متجاورة كما حدث في منطقة البحيرات العظمي وفي القرن الإفريقي .
فهذه النزاعات لم تكن وليدة اليوم بل جاءت نتيجة لتراكمات تاريخية، منذ عهد الإستعمار الأوربي للقارة الأفريقية والذي بدا عقب مؤتمر برلين ، الذي سعي لتقسيم القارة بين الدول الأوربية الإستعمارية، وقد سُميت تلك السياسة بحملة " التكالب علي أفريقيا "، وقد وقعت هذه النزاعات - أيضا بسبب ممارسات الخاطئة لسلطات المتعاقبة في معظم الدول الأفريقية، وعبر ظاهرة الإنقلابات العسكرية التي انتشرت في القارة بعد تحررها من الإحتلال.
إذن، جذور النزاعات في أفريقيا سببها الرئيسي هو الإستعمار الأوربي الذي غرس بذور ها من خلال حملات التنصير وسياسة فرق تسد، ومحاباة القبائل الصغيرة " الأقليات" بوضع كل امكانات السلطة والثروة في أيديهم مع تهميش الغالبية من القبائل الكبرى بهدف تحقيق الأهداف الإستعمارية التنصيرية الصهيونية، حيث لا تجد هذه الأقليات الحاكمة والممكنة من سبيل لحفظ سلطانهم سوى الوقوع في أحضان هذه القوى الإستعمارية و الوقوف في صفها ضد شعوبها.
كما نلاحظ كذالك إن النزاعات في القارة من تداعياتها أيضا هو سياسة التي اتبعتها المستعمر الأوربي بتقسيم القارة تقسيما لا تقوم علي الموضوعية، حيث تم رسم حدود الاصطناعية بين دول القارة بدون استشارة شعوبها، الأمر الذي نتج عنه توزيع الجماعة الإثنية الواحدة علي عدة كيانات سياسية كما هو واضح في معظم الدول الأفريقية في غرب القارة وفي القرن الأفريقي وغيرهما.
والواضح إن الإستعمار الأوربي كان ينص دائماً علي عدم وجود تجانس عرقي ومذهبي في المستعمرات الأفريقية (لحاجة في نفس يعقوب) وهي إعاقة الوحدة الوطنية بداخلها لتحقيق أهدافه، كما لم يلاحظ المستعمر ظروف بعض المناطق من حيث مصادر المياه والموارد الإقتصادية، فبقيت بالتالي بعض المناطق جاذبة والأخرى طاردة مما أدي إلى تنافر الجماعات وإلى الصراعات الدموية بينها خاصة بين المزارعين والرعاة.
لقد كان لكل من بريطانيا وفرنسا النصيب الأكبر من التقسيم الإستعماري الأوربي علي القارة الأفريقية حيث استأثرت بريطانيا بوادي النيل وجنوب الأفريقي، بينما سيطرت فرنسا علي المغرب العربي وغرب الا فريقي بشكل عام، وبقيت ايطاليا في ليبيا، بينما ارتبطت أنغولا و موزمبيق بالبرتغال، وكأمثلة علي السياسات الإستعمارية لكل من بريطانيا وفرنسا، نستطيع أن نسوق ما حدث في السودان ونيجيريا وتشاد وساحل العاج، بحيث فصلت بريطانيا شمال السودان عن جنوبه بموجب ( قانون المناطق المغلقة)، بينما قسمت نيجيريا إلى ثلاثة أقاليم عرقية وهي إقليم الهوسا واليوربا والإيبو، وبالنسبة لفرنسا فقد فصلت بين المسلمين والمسيحيين في كل من تشاد وساحل العاج في شطري البلاد شمالا ذات أغلبية مسلمة وجنوبا ذات أغلبية مسيحية، وقد ترتب علي هذه السياسات حدوث نزاعات في هذه الدول وغيرها من الدول الأفريقية، ومن المؤسف أن الرؤساء الأفارقة بعد الإستقلال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم يلتفتوا لتصحيح هذا الوضع السالب المورث من المستعمر الأوربي؛ وتركوه كما هو بل اعترف به كحدود دائمة للدول الأفريقية، فقد نص ميثاق منظمة الو حدة الأفريقية في عام 1963م؛ علي عدم المساس أو تغيير الحدود الموروثة من العهد الإستعماري وكأنها حدود مقدسة، وبالرغم من المساوئ التي ترتبت عنها في تمزيق الجماعات العرقية بين عدة دول مجاورة، مما سبب نزاعات مع الجماعات العرقية الأخرى مخالفة لها في العرق أو الثقافة، مما جعل مهمة بناء الوحدة الوطنية شاقة للغاية بعد الإستقلال في كثير من الدول الأفريقية .(22/118)
ويبدو إن القادة الأفارقة أرادوا أن يتجنبوا بعد الإستقلال حروب حدودية بين الدول ولذالك أكدوا علي عدم تغييرها في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، ورغم ذالك فقد حدث بعض الحروب في تلك المجال أبرزها ما حدث بين ارتريا وأثيوبيا بعد انفصال الأول عن الثاني عام 1994م وما زال الخلاف الحدودي قائما بين الدولتين بالرغم من القرار الدولي الخاص بترسيم الحدود، إضافة إلى ذالك من الملاحظ أن خلال العشرة سنوات الأخيرة اشتعل نزاعات جديدة بين الحكومات والمعارضة في عدد من الدول الأفريقية بصورة غير طبيعية بعد أن كانت هذه الدول تحظي بالاستقرار السياسي والاقتصادي ويتعايش أهلها في تسامح فيما بينهم بالرغم من الفوارق العرقية والدينية كما حدث مثلا في دول غرب أفريقيا مثل سيراليون وليبيريا وساحل العاج، وبالإضافة لهذه النزاعات فانه قد تفجرت أيضا صراعات عرقية وطائفية مثل حالة نيجيريا وبصورة أسوأ حالة رواندا، كما اشتعلت الحرب المدمرة بين ارتريا وأثيوبيا في القرن الأفريقي.
إذن من الواضح أن العامل الخارجي له دور كبير في تأجيج هذه الصراعات والحروب وذالك بسبب أجندة خفية للقوي الغربية وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها، في إطار إستراتيجيتها الجديدة في العالم والمرتبطة بما سمي بالنظام العالمي الجديد، ومخططات العولمة وأطماع الشركات العملاقة في شتي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي تريد السيطرة على القارة مواردا وأسواقاً، عبر إشعال الحروب ودعم انقلابات العسكرية، والتبرير لها من خلال زرائع المختلفة.
إن إفرازات هذه الصراعات والحروب في أفريقيا كبيرة و خطيرة جدا بحيث تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح البشرية والممتلكات والمنشآت، كما إنه يترتب عنها تشرد أعداد ضخمة من النازحين واللاجئين إلى الدول المجاورة وغيرها، مما يؤدي إلى المآسي إنسانية بالغة تأتي بفعل الإنسان ولا تقل آثارها السالبة عن الكوارث الطبيعية التي ازداد عددها أيضا وتنوعت أشكالها، كما تترتب علي النزاعات انتهاكات في أوضاع حقوق الإنسان كما حدث في ففي رواندا، كما تؤدي إلى انتشار السلاح وانهيار الدولة كما حدث في الصومال، ومن نتائجها كذالك تدهور في الأداء الإقتصادي وعرقلة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة مع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، والاضطراب الأمني، إذن هذه النزاعات لها دور كبير لتخلف القارة عن ركب الأمم والتقدم والتنمية بحيث يتم هدم كل المحاولات التي تسعي إلى إخراج القارة من هذا النفق المظلم التي سببها الإستعمار الحاقد.
وأدت هذه النزاعات في القارة للتدخلات الخارجية في شؤون القارة، بدعوة إعادة الأمن و الإستقرار، وهي في الحقيقة تأجيج للنزاع؛ لأن لها أجندة خفية.
هذا هو حال القارة وهي بحاجة إلى القيادات الوطنية تعمل من أجلها وليس من أجل أهداف الآخرين أو من اجل خدمة قبيلة أو قومية معينة أوعشيرة الخاصة . هذه أهداف كثير من قيادات القارة،وقد حان وقت التغيير.
=================(22/119)
(22/120)
أفريقيا في مواجهة المد التنصيري
الاحد :09/05/2004
(الشبكة الإسلامية) ابراهيم دوكوري
إن المشاكل التي تواجه الإسلام في أفريقيا عديدة ومتنوعة جدا، و لكن أكبر هذه المشاكل تهديدا لمستقبل الإسلام في أفريقيا هو المشكلة التبشيرية، و بدون مبالغة يمكن أن نقول إن أفريقيا تواجه طوفانا تنصيرياً يوشك أن يغرقها إن لم تؤخذ التدابير اللازمة لمساعدتها على مقاومة هذه الجحافل التنصيرية التي بدات تتغلغل في أدغال أفريقيا وصحاريها وسهولها وتلالها وقمم جبالها الشامخة.
وكما نعلم جميعا فان الدوائر التنصرية تملك وسائل وإمكانات مادية وتعليمية وطبية وحتى سياسية هائلة، وميزانياتها التي تاتي من كبريات الدول الاستعمارية القديمة والحديثة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
ونحاول هنا أن نتطرق لبعض الوسائل التي تمتطيها هذه الدوائر للوصول إلى هدفها الذي هو إبعاد الاسلام عن أفريقيا وجعله خبرا بعد عين كما حصل في الأندلس، وتتمثل هذه الوسائل في الخدمات الاجتماعية التي تستعملها الدوائر التنصرية لكسب أتباع جدد، وهم يعلنون دائما أنهم يخدمون جميع طوائف الشعب بدون تمييز عرقي ولا ديني، إلا أن هدفهم وراء ذلك هو استقطاب واستدراج المسلمين ليكونوا اتباعا جددا للنصرانية.
و من بين هذه الوسائل:
الوسيلة التعليمية
الدوائر التنصيرية هي التي كانت تقود زمام التعليم في أفريقيا في عهد الاستعمار باتفاق مع السلطات الاستعمارية التي كانت ترى في ذلك وسيلة ضغط على الشعوب المسلمة لحملها على التنصر، لأن مدارس دوائر التنصير كانت تدرس النصرانية كمادة أساسية بجانب المواد الاخرى، كما أنه كان واجبا على التلاميذ كلهم حضور قداس يوم الاحد والمشاركة في جلسات الصلوات التي كانت تسبق بداية الدروس، بل كان التعميد شرطاً للقبول في هذه المدارس.
وهكذا تخرجت النخبة السياسية الافريقية في الستينات أي جيل الاستقلال والجيل الذي يليهم من هذه المدارس، ولهذا تجد أن من لم يتنصروا منهم يبدون تفهماً وتساهلاً مع هذه الدوائر التنصيرية.
وبعد الاستقلال تم تأميم المدارس في بعض الدول وفي أخرى أبرمت هذه الدوائر اتفاقيات مع السلطات تسمح لهم بإدارة مدارسهم، كما أن نفس الدوائر عمدت الى إنشاء مدارس خاصة، و الحال مازال كذلك في معظم الدول الأفريقية، وهذه المدارس اشتهرت بأنها أجود المدارس في أفريقيا، ولذا تلحق النخبة السياسية والاقتصادية أبناءها بها، رغم أن هذه المدارس لم تنبذ أبدا وراء ظهرها مهمتها الاولى، الا وهي تنصير ابناء المسلمين بكل تمهل وهدوء.
القضية تستحق أن تثير مخاوفنا وتحملنا على أن نأخذ حذرنا، لأن الدوائر التنصيرية تضع خططها للمدى البعيد وهي في تصورنا تسعى في المرحلة الأولى لجعل أبناء المسلمين أنصاف مسلمين لكونهم مقطوعين عن كل ثقافة إسلامية ومطبوعين على حب الثقافة الغربية المسيحية ؛ و في المرحلة الثانية جعل أبناء السالفين لادينيين لأن علاقة آبائهم مع الاسلام كانت علاقة اسم و مظاهر اجتماعية، وبالتالي لم يعرفوا ابناءهم الا الثقافة الغربية ؛ وفي المرحلة الثالثة خلق مسيحيين من الجيل الثالث الذي لم تعد له صلة بالإسلام بحكم ثقافة آبائه وأجداده.
وكما نرى فالمخاطر التنصيرية محدقة بالمسلمين من ناحية المجال التعليمي، فهل من سامع ومغيث ؟
الوسيلة الطبية:
والخدمة الاجتماعية الثانية والأكبر انتشارا هي العلاج الطبي، لقد بنت الدوائر التنصيرية مستوصفات ومراكز طبية وحتى مستشفيات في جميع أنحاء افريقيا حيث يقدم العلاج الطبي برسوم رمزية إن لم يكن مجاناً، ولذا تشهد هذه المراكز الطبية ازدحاما من بداية الدوام ( العمل ) الى نهايته، نظراً لحالة البؤس العام التي تعيشها أفريقيا، وكما هو معروف فإن الفقر و المرض توأمان.
وعلاوة على مراكزها ومستشفياتها، فإن راهبات الدوائر التنصيرية تعرض خدماتها على مستشفيات الدولة حيث يقمن برعاية المرضى الفقراء موزعات عليهم الأدوية والأطعمة و مزودات جميع غرف المستشفى بنسخ الإنجيل والمنشورات التنصيرية؛ وهن يقمن أحيانا بهذه الأعمال في مناطق لايوجد بها مسيحيون.
وكمثال : المنطقة التي أنا منها شخصياً، وهي محافظة نارا في جمهورية مالي على الحدود الموريتانية، وهذه المحافظة لايوجد بها مسيحي إلا إذا كان موظفا قادما من منطقة اخرى، أقامت فيها الدوائر التنصيرية محطة تديرها راهبة تزودها أسبوعيا طائرة خاصة من العاصمة باماكو بلوازمها من مواد غذائية ومستحضرات طبية ومنشورات تنصيرية طبعا ؛ والغريب في الأمر أن مطار هذه المدينة كان مهجوراً ولم تهبط فيه طائرة منذ أكثر من ثلاثين سنة ..، وهاهم اليوم لأغراضهم التنصيرية أحيوه وتنزل فيه طائرتهم أسبوعيا، وتحمل في عودتها إلى العاصمة المرضى الذين تقتضي حالتهم ترحيلا صحيا مجانا ؛ والراهبة نفسها تقدم خدماتها في المستشفى الوحيد بالمدينة موزعة أدوية ومواد غذائية.. ومنشورات تنصيرية ، .. فماذا ستكون النتيجة بعد سنوات في مجتمع يعيث فيه الفقر والمجاعة والجهل فسادا ؟
الوسيلة الاعلامية(22/121)
وأهمية الإعلام في عالمنا اليوم لاتخفى على أحد فهو الذي يكون الرأي العام ويجعله يتعاطف أويتنافر مع قضية ما.
ولذا عمدت الدوائر التبشيرية إلى اتخاذ وسائل الاعلام ركيزة أساسية لتبليغ رسالتها التبشيرية إلى الشعوب الأفريقية فأنشأت محطات إذاعية وتلفازية في جميع أنحاء أفريقيا، وهي تبث بمختلف اللغات الأفريقية، كما أنها تصدر الجرائد والمجلات التي تعبر بالإضافة إلى الرسالة التنصيرية ، عن وجهة النظر السياسية للكنيسة في القضايا التي تعيشها البلاد، وزد على ذلك دور النشر والمكتبات التي تجعل المنشورات الدينية المسيحية والكتاب المقدس باللغات الوطنية الأفريقية والرسمية في متناول الجميع بأسعار رمزية.
والواقع أن الدوائر التبشيرية تسعى بجميع وسائلها التعليمية والطبية والإعلامية إلى ملاحقة الإسلام في معاقله في أفريقيا، وحمل ابنائه على التنصر ونبذ عقيدتهم الإسلامية الحنيفة.
والهجمة التبشيرية على إفريقيا شرسة وعامة، وأذكر أنني لما كنت مسافرا عن طريق البر ومررت بشمال جمهورية بنين الذي كان المسلمون فيه أغلبية، فقد لاحظت كثرة المباني الكنسية إلى جانب المساجد ؛ ولم أتمالك أن دمعت عيناي حينما رأيت مكتوبا على جدار قرب كنيسة هذه العبارة بالعربية "هذه البلاد للمسلمين" إنها صرخة امتعاض من مغلوب على أمره، وتلك حال جميع المسلمين في أفريقيا، فماذا عساهم يستطيعون أمام هذه الدوائر التي تملك ما تملك من إمكانات مادية و معنوية، وهم في أغلب الأحيان فقراء وأميون.
ولهذا ولغير هذا، فإننا نرى أن حاضر الإسلام ومستقبله في أفريقيا يدعونا إلى التيقظ والصحوة فعلينا أن نقوم بتوعية إخواننا وتبصيرهم ومد يد المساعدة إليهم قدر الاستطاعة حتى يصمدوا أمام المد التنصيري الذي يجتاح القارة الأفريقية ؛ وقد وعدنا الله بالنصر إن قمنا بواجبنا: {ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم }.
==============(22/122)
(22/123)
الرياض تتهم المدافعين عن حقوق الانسان بـ«التنصير»
الاحد :19/05/2002
(الشبكة الإسلامية) ميدل إيست أونلاين
اتهمت المملكة العربية السعودية السبت اعضاء منظمات حقوق الانسان الذين انتقدوا تطبيق الشريعة الاسلامية في المملكة بـ "التنصير".
وقال وزير العدل السعودي عبد الله آل الشيخ لصحيفة "الجزيرة" السعودية "لا يغب عن اذهان الجميع ان لبعض منظمات حقوق الانسان اهدافا تنصيرية تنفذ من خلال برامج تلك المنظمات وما ترعاه من انشطة".
ويحظر في السعودية التنصير او ممارسة اي ديانة اخرى غير الاسلام .
واضاف الوزير "ان من المثير للجدل كثيرا وقوع هذه المنظمات في الكيل بمكيالين والوزن بميزانين في مواقفهم واحكامهم على قضايا الامم في انحاء العالم".
فحين يكون الحق للمسلمين تتكاسل المنظمات عن الحديث عن قضيتهم بشكل يتلاءم وحجم الموضوع فضلا عن ان يكون ثمة موقف او اجراء او مطالبة وان وقع شيء من ذلك فهو للتسويق ليس الا" . "بينما في احايين كثيرة حين يكون الحق لغير المسلمين نجد هذه المنظمات تثير حملات دعائية وزوابع من الاثارة حول موضوعات قد لا تستحق ذلك في حجم موضوعها".
وكان الوزير يشير بذلك الى انتقادات منظمات حقوق الانسان لانتهاكات حقوق الانسان في عدة دول عربية وبينها العربية السعودية التي ترفض في كثير من الاحيان هذه الانتقادات باعتبارها تدخلا في شؤونها الداخلية.
وتطبق المملكة الشريعة الاسلامية التي تنص على اعدام المدان بالقتل اوالاغتصاب او الردة او السطو المسلح وكذلك على تجار المخدرات الذين يكررون الجرم .
==============(22/124)
(22/125)
التنصير في العالم العربي
السبت :24/11/2001
(الشبكة الإسلامية) جمال سلطان
كنت عائدًا من سفرة في العاصمة البريطانية «لندن» لحضور ندوة عقدتها مؤسسة إسلامية فكرية، عن « التفكير في سياقه الحضاري » وكان خط الرحلة يمر وجوبًا بجزيرة مالطا، وهي جزيرة صغيرة في البحر المتوسط ، تقع بالقرب من الشواطئ الليبية، وعلى مقربة أيضًا من شاطئ جزيرة صقلية الإيطالية وهي معروفة بشكل أكبر لعرب المغرب العربي ، وقليل من أهل المشرق من يعرفونها بحكم الموقع الجغرافي ، وكانت هذه الجزيرة إحدى حواضر الإسلام، وحتى الآن ما تزال لغتها وأسماء أحيائها تحمل معالم العربية الواضحة مثل أحياء سليمة والمدينة ، والرباط ، وهي تنطق كما هي مكتوبة أمام القارئ الآن عربية فصيحة، مع بعض التكسير بسبب العجمة ، ومفردات اللغة هناك مترعة بالألفاظ والتراكيب العربية .
مالطا تشهد على الدوام أفواجًا من الشباب العربي الهائم على وجهه من ليبيا أو تونس أو مصر ، الذي يهرب إلى هناك بحثًا عن العمل ، أو بحثًا عن سبيل إلى الدخول إلى إيطاليا عن طريقها، والغالبية الأعم من هذا الشباب من قليل الثقافة والمسحوقين اقتصاديًا والعاملين في مهن متدنية، قضيت يومًا في التجول بالجزيرة حيث كثرة الكنائس بصورة ملفتة للنظر، وشعارات الصليب والصور المنسوبة للمسيح والسيدة مريم في كل مكان يقابلك، من محلات البقالة الصغيرة إلى معارض السيارات ، إلى جدران الحافلات العامة إلى مداخل البيوت .
في المساء التقيت به : شاب عربي كادح يبحث عن فرصة عمل ما إن اطمأن إلي ملامحي حتى اقترب مني وعلى الفور فاتحني بالموضوع ، أخرج لي من حقيبته الصغيرة كتيبًا أنيقًا، في طباعة فاخرة ، ولا تصدمك فيه على الفور علامات الصليب المعتادة أو الأيقونات النصرانية المعروفة ، وإنما كأنك تطالع مجلة عربية عامة ، قلبت في الكتيب سريعًا، وجدته منشورًا تنصيريًا، مترعًا بالخداع والأكاذيب ، في صورة رسائل مرسلة من أشخاص مسلمين في مصر واليمن والخليج والمغرب والجزائر والأردن وغيرها، تسأل المجلة عن دقائق العقيدة النصرانية والمجلة تجيب ، ولا يوجد اسم واحد من السائلين نصراني ، وإنما أسماء إسلامية من النوع الفاقع، مثل محمد وأبو بكر وعلي وعبد الرحمن ، وفاطمة وعائشة وخديجة ، وكانت الإجابات مدهشة لأنها تضع القواعد الإسلامية ثم تحاول ملأها بضلالات الشرك ، مثل التأكيد على أن الله أحد لم يلد ولم يولد ، ولكنها تستطرد بوضع استثناء المسيح بتفاصيل لا يحتملها عقل ، وعلى هذا النحو من التلبيس يسير الكتيب ، وواضح أنه مصوغ بطريقة مقصود بها الشباب العربي المسلم تحديدًا ، وفي الكتيب عناوين وأرقام هواتف وإذاعات وغيرها، حدثني الشاب عن أن اثنين من الشباب العرب قابلاه في أحد الشوارع في العاصمة فاليتا، وعرضا عليه المساعدة، ودعواه إلى غداء «فاخر جدًا» على حد تعبير الشاب المذهول، وكانا في شدة اللطف ، وقال إنه لم يتصور أبدًا أنهم مسيحيون حتى آخر لحظة ، وحتى الكتيب الذي أعطوه إياه قال إنه كان يظنه كتابًا دينيًا إسلاميًا حتى ارتاب في بعض الجمل والكلمات ، وقال إنه واضح أنهم متفرغون لهذا العمل وأخبروه أنهم من بلد عربي حددوه بالاسم .
قضيت مع الشاب بعضًا من الوقت الذي يسمح به موعد رحلة العودة ، وأوضحت له أوجه التضليل والخداع فيما هو مكتوب وفي السلوك الذي اتخذوه معه ، ثم فارقته عائدًاإلى القاهرة ، وطول الرحلة وأنا أقلب الخاطر في هذا الذي قابلته في مالطا متأملاً فيما يمكن أن يتمخض عنه من أخطار، وكيف يمكننا مواجهته ، ثم كالعادة انهمكت في أعقاب كل سفرة ، رحت أقلب في عجلة في أكوام الصحف التي تراكمت في مكتبي أثناء سفري ، فوقعت عيني على أكثر من خبر من الجزائر يتعلق بطلبات استجواب في البرلمان عن عمليات التنصير التي تتم في مناطق البربر ، وخاصة المناطق الأكثر معاناة اقتصاديًا واجتماعيًا، وأن أحد من قدموا الاستجواب أخرج تقريرًا يقول إن هناك سبعة من الجزائريين يتم تحويلهم إلى النصرانية يوميامن قبل منظمات أجنبية عديدة تنشط وسط « خراب » المواجهات الدموية والمحن الاقتصادية.
مر على خاطري شريط طويل من أندونيسيا والفليبين إلى ألبانيا الأسيرة للتنصير الآن ، إلى أطراف عديدة من ضحايا التنصير في العالم الإسلامي ، أمسكت قلمي ووجدت أنه ربما من المناسب أن أبعث بتلك القصص إلى المؤسسات الدعوية والإغاثية العربية .
إن الخطر لم يعد هنالك في أدغال أفريقيا وجنوب السودان أو أطراف آسيا، وإنما بدأ الإصرار على الاختراق في عمق ديار العرب والمسلمين .
_______________________
عن : المحايد
-==========(22/126)
(22/127)
جهود التنصير في اليمن.. ماذا حققت؟
الاحد :07/10/2001
(الشبكة الإسلامية) عن الشرق القطرية
في عام1992 قام يمنيان في منطقة جبلة التابعة لمحافظة (إب) جنوبي العاصمة صنعاء - بتمزيق القرآن الكريم ورميه في حمامات مسجد الأشرفية ، في جريمة هزت المجتمع اليمني، وبعد التحقيق معهما اعترفا أمام المحاكم بأنهما ارتدا عن الإسلام ، ودخلا في الديانة النصرانية من خلال شخص ثالث ، وعند استدعاء الأخير أقر باعتناق المسيحيه نتيجة قراءته واطلاعه على الكتاب المقدس (الإنجيل) .
وأشار أحد الثلاثة إلى أن المحور الرئيسى لحركة التنصير أحد الأطباء العاملين في مستشفى جبلة المعمداني (من جنسية أجنبية) وتحدثوا عن وعود بتلقي مبالغ مالية ، مقابل ما يقومون به من جهد تنصيري داخل المديرية .
وفي العام الماضي تنصر مسلم صومالي يقيم في عدن كلاجئ بسبب الحرب الأهلية في بلاده على يد قسٍٍ أجنبي يعمل في إحدى كنائس المدينة وطلب تغيير اسمه إلى اسم آخر أمام الجهات اليمنية المهتمة بشؤون الهجرة والجوازات والإقامات ، فقامت بتوقيفه وتمت محاكمته ، ولكن قبل النطق بالحكم تم تسفيره إلى دولة أوروبية ؛ بحجة حصوله على حق اللجوء الإنساني فيها من خلال متابعة القس ، وطوي ملف القضية، وثم موضوع مشابه ، وهو اعتناق صومالي آخر النصرانية مؤخراً ولا يزال يتفاعل حتى الآن.
وفي منتصف شهر إبريل الماضي ألقت شرطة الأمن المركزي القبض على رجل بريطاني كان متنكراً بزي امرأة صنعانية اسمه (ارن هاورد) 32عاماً - وكشفت التحقيقات معه أنه أقام بصفة غير شرعية لمدة خمسة أشهر قبل أن ينكشف أمره، وأدين من قبل محكمة سنحان الابتدائية في العاصمة صنعاء بثلاث تهم أبرزها ممارسة النشاط التنصيري داخل البلاد وارتكاب أفعال فاضحة.
البداية قبل نصف قرن
محاكمة (هاورد)لن تكون الأخيرة في مسلسل الأنشطة التنصيرية التي تجري على نطاق واسع منذ نصف قرن .
وتشير التقارير إلى أن أول عمل تنصيري منظم بدأ في اليمن كان في مدينة عدن جنوبي اليمن في خمسينيات القرن الميلادي الماضي، أما في الشطر الشمالي - سابقاً- فكان حوالي عام 1970م وذلك من خلال منظمة فدائية تدعى (فريق البحر الأحمر الدولي) التي أسسها المنصر (ليوني قرني) عام 1951 وكان يطلق عليها (الخيامون) وهم النصارى القادمون للعمل في البلاد الإسلامية في مجالات مختلفة كالطب والتعليم والتمريض وشعار هذه المنظمة (الإسلام يجب أن يسمعنا) وهدفها نشر الإنجيل بين المسلمين ، ومركزها الرئيسي إنجلترا، وتحصل على الدعم من الكنائس والأفراد ومنظمات العون النصراني ويشرف هذا الفريق على عدد من المشاريع التنموية في عدد من البلاد الإسلامية والأفريقية منها: جمهورية مالي، جيبوتي، باكستان، اليمن، تنزانيا، وبموافقة الدول المضيفة.
يتحرك نشاط التنصير في اليمن من خلال الكنائس -علي ندرتها والمستشفيات والجمعيات ذات الاهتمام الإنساني والمهتمة بالأمومة والطفولة والمعوقين والبيئة وتعليم اللغات والابتعاث الدراسي والسياحة ؛ سواء في أوساط اليمنيين أم أوساط اللاجئين الأفارقة ، وأغلبهم من الصوماليين.
وهناك أكثر من 150 ألف صومالي مقيم في اليمن ، منهم ما يزيد على 50 ألفاً مسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، وهو ما يعطي النشاط التنصيري مساحة واسعة وأرضاً خصبة للتحرك .
ويعتقد بعض المهتمين أن هذا النشاط حقق عدة قفزات بعد عام 1990 والسبب يعود إلى ما يلي:
* الاستفادة من الأجواء التي وجدت بعد وحدة شطري اليمن عام 1990م والسماح بوجود وعمل المنظمات الأهلية والطوعية بصورة أكبر ، مع وجود رقابة قليلة على أعمالها وحركتها.
* تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن - إثر أزمة الخليج الثانية - لأسباب منها : عودة مئات الآلاف من العاملين اليمنيين في دول الخليج ، وازدياد معدلات الفقر ،وبلوغ من هم تحت خط الفقر حوالي 24%.
* نزوح مئات الآلاف من الصوماليين عن بلادهم ، إثر الحرب الأهلية إلى اليمن، ولا تزال موجات النزوح مستمرة وإن كانت بمعدلات أقل .
وثمة أسباب أخرى مثل: ضعف مستويات الرعاية الصحية ، وكثرة الأمراض والأوبئة ، وتدني مستويات التعليم لا سيما في أوساط المرأة.
== ويتحرك التنصير في اليمن على محورين:
الأول: القيام بالتنصير وحمل بعض اليمنيين ضمنا على ترك الإسلام، وتُقَدَّيم النصرانية على أنها (الملخص) و(المنقذ) لأحوال البشرية .
ويساعد على ذلك استغلال فقر الناس وحاجتهم . وتقوم بعض الجهات بضمهم لصالح جهات تنصيرية من خلال تعبئة استمارات خاصة بهذا الغرض .
وذكرت بعض الإحصاءات أنه عن طريق البعثة المعمدانية الأمريكية (مستشفى جبلة) تم تنصير 120 مسلماً ، وتعتمد بعض الكنائس توزيع الانجيل والمجلات النصرانيةوالأشرطة المسموعة والمرئية .
وعلى سبيل المثال قامت سفينة سياحية زارت عدن عام 99 بتوزيع الانجيل ، ومجلة اسمها (FISHE r S) تدعو إلى اعتناق النصرانية، وهناك نشرة اسمها (الأشبال) تصدر من أسبانيا يتم تداولها في أوساط بعض الشبان اليمنيين.(22/128)
الآخر: محاولة إفساد الشباب وزعزعة ثقتهم وعقيدتهم من خلال إغراءات مختلفة منها الرحلات والحفلات وعرض الأفلام وبعثات تعلم الإنجليزية في الخارج .. وعلى سبيل المثال فقد زارت امرأة تدعى (سوزان اسكندر) من أصل مصري وعضوة في الجمعية الإنجيلية الفنلندية عدن - قبل أكثر من ثمان سنوات - وركزت في زيارتها على شريحة الشباب والفتيات ، تحت ستار تلمس احتياجاتهم وأحوالهم، وقد قامت بإجراء استبيان لصالح جامعة هلسنكي - في فنلندا - تضمن أسئلة مشبوهة من ضمنها:
- ماذا ترتدين خارج المنزل (شيذر - بالطو - حجابا - منديلا - نقابا - بدون نقاب) ؟
- هل ترغبين في العمل خارج المنزل ؟ متى تستيقظين ومتى تذهبين إلى الفراش ؟
وقد زارت هذه المرأة مدارس إعدادية وعرضت على الطلاب صوراً خليعة وطلبت من بعضهم التعليق عليها، وسألت بعض الطلبة عما إذا كانوا يتفرجون على أفلام جنسية أو يمارسون العادة السرية)!!
أبرز الكنائس والمنظمات
هناك جهات متعددة تتبنى التنصير في اليمن وسوف نكتفي بالإشارة إلى أهمها:
== الكنيسة الكاثوليكية بالتواهي: أهم موقع كنسي تم افتتاحه في الخمسينيات إبان الوجود البريطاني في محمية عدن، وربما تكون أهم كنيسة تم بناؤها في شبة الجزيرة العربية، أعيد افتتاحها مع مركز طبي ملحق بها عام 1995 من قبل السفارة الأمريكية بصنعاء.
== البعثة النصرانية المعمدانية الأمريكية بإب : تنشط من خلال مستشفى جبلة التابع لها والكنيسة الملحقة بالمستشفى بصورة قويةويمتد نشاطها إلى محافظة تعز تحت شعار الاهتمام بالفقراء ودور الأيتام وسجون النساء.
== أطباء بلا حدود: بعثة طبية تدعو إلى اعتناق المسيحية بالإغراء بالمال ؛ مستغلة حاجة الناس وفقرهم، وذكرت بعض الأنباء الصحفية أنها استطاعت تنصير عدد من الأسر في بعض أحياء مدينة عدن.
== وبعثة الإحسان: لها نشاط في تعز والحديدة وخصوصاً في أوساط المصابين بالجذام والأمراض العقلية وكان لها ارتباط مباشر بالمنصرة الهندية المعروفة بـ (الأم تريزا)، ولها مقر ملحق بالمستشفى الجمهوري فيه عشر راهبات ، وتشرف على دار للرعاية النفسية بمحافظة الحديدة الساحلية ودارين للعجزة في صنعاء وتعز.
== المعهد الكندي بصنعاء: يتخذ من تعليم الإنجليزية غطاء لأنشطته، وتتميز دوراته بقلة التكلفة مقارنة بتكلفة دورات المعاهد الأجنبية الأخرى ، ويعتمد على الرحلات وحفلات نهاية الدراسة المختلطة ،ويستمر التواصل بين المدرسين الكنديين مدة إعارةكل منهم سنةواحدة وطلابهم حتى بعد عودة المدرسين لبلادهم وكثيراً ما يثير هؤلاء مع طلابهم نقاشات تتضمن إثارة الشبهات حول الإسلام.
- لاتوجد لدى الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال الدعوة الإسلامية أولوية للتصدي للتنصير المستتر في اليمن .وتعتبر الجهود ضئيلة في الكشف عن هذه المؤسسات وتعريف الرأي العام بها وبأخطارها ، والأهداف الخفية لعملها ، ومن خلال النشاط المضاد للتبشير بالإسلام وهديه في أوساط الجاليات الأجنبية والأفريقية والآسيوية العاملة في اليمن، وتوجد في هذا الصدد لجنة اسمها (لجنة التعريف بالإسلام) مقرها صنعاء ومركز الدراسات الشرعية ومقره مدينة إب.
نصارى يمنيون :
وقبل أن نختتم هذا الموضوع نشير إلى وجود أقلية نصرانية في اليمن تحمل الجنسية اليمنية، وهم عدد قليل من الأسر تعود إلى أصول هندية مقيمة في عدن منذ عدة عقود، وقد كفل الدستور اليمني لهذه الأسر الحق في التسجيل والمشاركة في الانتخابات،
وفيما يخص الشعائر الدينية وأماكن العبادات توجد في مدينة التواهي بعدن الكنيسة الأنجليكانية الكاثوليكية (كنيسة المسيح) وهي كنيسة قديمة يعود بناؤهاإلى خمسينيات القرن العشرين إبان الوجود البريطاني في عدن وتتبع هذه الكنيسة المجمع الكنسي في لارنكا بقبرص ، لكنها ومنذ إعادة افتتاحها عام 1995 ماتزال تدار مؤقتاً من قبل الإدارة الإنجليكانية في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ، ويوجد في الكنيسة مركز طبي كنسي ملحق بها يقدم الخدمات الصحية .
وحتى فترة قريبة كانت توجد كنيسة معمدانية في مدينة كريتر بعدن ولكنها ألغيت وتحول مبناها إلى منشأة حكومية، كما توجد في المعلا بعدن مقبرة نصرانية تضم رفات كثير من المسيحيين وتشرف كنيسة المسيح بالتواهي على هذه المقبرة، وتخلو المحافظات الشمالية من أية كنيسة ؛ لكن الأجانب المسيحيين يقيمون صلواتهم يوم الأحد بانتظام في بيوت خاصة مستخدمة دورا عبادة خصوصاً في صنعاء.
وبوجه عام فالنصارى اليمنيون ممنوعون من القيام بعمليات تنصير ، وللغرض نفسه تشير بعض المصادر إلى تعرض الرسائل الخاصة برجال الدين المسيحيين للمراقبة بانتظام، وقد تعرضت كنيسة المسيح بالتواهي بعدن لعملية تفجير بعبوة ناسفة في الأول من شهر يناير الجاري على يد أشخاص محسوبين على جماعات الجهاد أسفر عن إحداث أضرار مادية في مرافق الكنيسة ، وتجري حالياً محاكمة هؤلاء الأشخاص.(22/129)
وكان تقرير الخارجية الأمريكية الخاص بممارسات حقوق الإنسان في اليمن الصادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأمريكية (فبراير 2001) قد أعاد التذكير بحادثة مقتل ثلاث راهبات من جماعة (الأخوات في أعمال الخير) بالحديدة يوليو 1998 وأيضاً تعرض مستشفى جبلة إلى تهديدات ومضايقات من قبل من تم وصفهم بالمتطرفين في المنطقة من الذي يخشون استخدام المستشفى لنشر المسيحية، كما أشار التقرير إلى إقامة علاقات ديبلوماسية بين اليمن والفاتيكان عام 1998 وموافقة الحكومة اليمنية إثر ذلك على إنشاء وتشغيل (مركز مسيحي) في صنعاء.
===========(22/130)
(22/131)
في أفغانستان : المتهمون بالتنصير يواجهون الإعدام
الاربعاء:05/09/2001
(الشبكة الإسلامية) ميدل إيست أونلاين- وكالات
كابول - صرح كبير قضاة حركة طالبان المتشددة الحاكمة في أفغانستان اليوم الاربعاء بأن عمال الاغاثة الثمانية الذين يحاكمون حاليا بتهم تحويل أفغان مسلمين إلى النصرانية قد يحكم عليهم بالاعدام إذا ما ثبتت إدانتهم.
ونسبت وكالة الانباء الاسلامية الافغانية التي تتخذ من باكستان مقرا لها إلى القاضي مولوي نور محمد ثاقب قوله "سوف نحكم عليهم وفقا لجريمتهم. وسوف تكون العقوبة طبقا للشريعة الاسلامية، سجنا كانت أم غرامة أم إعداما".
وقال إن عمال الاغاثة الثمانية الذين تجري محاكمتهم، وهم أربعة ألمان وأمريكيان وأستراليان، من الممكن أن يحكم عليهم بالاعدام "وفقا لجريمتهم".
وردا على أحد الاسئلة قال القاضي إن للمتهمين حرية توكيل محام للدفاع عنهم، مضيفا أنه " ليس في الاسلام أو في أفغانستان ما يمنع توكيل محام سواء كان مسلما أو غير مسلم، أفغانيا أو غير أفغاني".
وجاءت تصريحات ثاقب بعد يوم من بدء محكمة طالبان العليا المكونة من 12 قاضيا في محاكمة عمال الاغاثة الثمانية في جلسة مغلقة في كابول.
وقال ثاقب إن "للمتهمين الحق الكامل في الدفاع عن أنفسهم ولكن ليس من الضروري أن يكون آخرون حاضرين "، في إشارة إلى أنه لن يسمح لاطراف أخرى بحضور المحاكمة.
وكان ثاقب قد صرح الثلاثاء قائلا " لم نصدر أية إعلان"، عندما ذكر بتصريحات وزير خارجية طالبان وكيل أحمد متوكل التي قال فيها أنه سيسمح للصحفيين والدبلوماسيين وأقارب المتهمين الثمانية بحضور المحاكمة.
إلا أن ثاقبا صرح للوكالة قائلا "ولكن إذا ما رأى قضاتنا وعلماء ديننا أن وجود أشخاص آخرين ضروري في المحاكمة، فسوف يتم ذلك ".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت طالبان سوف تسمح بحضور ممثل عن الفاتيكان لاجراءات المحاكمة بصفته مراقبا أو محاميا للمتهمين، قال قاضي طالبان "لن يكون هناك اعتراض إذا ما حضر بصفة محام .
ولكن فيما يتعلق بوجوده أثناء المحاكمة، فإن وضعه سيكون مماثلا لوضع الدبلوماسيين والصحفيين وغيرهم".
وقال ثاقب إن قضاة طالبان يعكفون حاليا على دراسة التشريعات الاسلامية المتعلقة بالقضية، وإنه " سيتم إحضار المتهمين للمثول أمام المحكمة في كل مرة يتطلب فيها الامر ذلك".
وزعم القاضي أن "هيئتنا التشريعية مستقلة تماما، إنها لا تتأثر بأحد ولن تقبل أي ضغط من أية جهة".
وطبقا لمسؤولي طالبان، فإن محاكمة 16 أفغانيا يزعم أن المتهمين كانوا يعظونهم بالتحول من الاسلام إلى المسيحية سوف تجرى بشكل منفصل عن محاكمة عمال الاغاثة في موعد لم يكشف عنه.
يذكر أن ثلاثة دبلوماسيين غربيين ووالدي الامريكيتين المحتجزتين موجودون في كابول منذ أسبوع لمتابعة العملية القضائية. وقد اجتمعوا مرتين مع العمال المحتجزين.
وفي غضون ذلك، توجه المسؤول القنصلي الاسترالي ألاستر آدامز والدبلوماسي الالماني هيلموت لانديس والدبلوماسي الامريكي ديفيد دوناهو إلى محكمة أفغانستان العليا الاربعاء.
وصرح آدامز للصحفيين خارج مبنى المحكمة " لقد عرفنا من خلال الصحافة أن كبير قضاة طالبان مستعد للاجتماع بنا لمناقشة العملية القضائية. وقد قررنا أن نأتي من تلقاء أنفسنا .
============(22/132)
(22/133)
التنصير في زنجبار
الخميس :28/06/2001
(الشبكة الإسلامية) اينا
فشلت جهود الكنائس والمنظمات التنصيرية في تنصير المسلمين في جزيرة زنجبار رغم جهود دؤوبة قامت بها لتحقيق هذا الهدف .
ويقول المؤرخون إن الإسلام دخل جزيرة زنجبار في مرحلة مبكرة من القرن الهجري الأول وقبل دخوله في أجزاء من الجزيرة العربية ، لأن بعض المهاجرين الأوائل من المسلمين إلى الحبشة وصلوا سواحل شرق أفريقيا ، ونشروا الإسلام في هذه المناطق ومنها زنجبار .
وعندما جاء الاستعمار البريطاني إلى هذه المناطق بدأ بناء الكنائس للأجانب الذين وفدوا إلى جزيرة زنجبار ، وبدأ مع ذلك النشاط التنصيري .
وقد قامت الكنائس ببناء المستوصفات الطبية والمدارس وقدمت الخدمات الاجتماعية لتنصير المسلمين ، كما اشترت الكنائس باسعار مغرية قطع من الأراضي لبناء كنائس عليها في المستقبل .
وفي جزيرة بمبا التابعة لجزيرة زنجبار قامت الكنيسة ببناء مركز متخصص للتنصير ، وتنشر الكنيسة دعاية للتأثير على المسلمين تقول فيها أنها ستوفر الخبز والطعام والخدمات الاجتماعية للجميع.
============(22/134)
(22/135)
تزايد حملات التنصير في الجزائر
الثلاثاء:24/04/2001
(الشبكة الإسلامية) الجزائر -وكالات
ذكرت مصادر جزائرية، نقلا عن وزارة الشؤون الدينية وجمعية العلماء المسلمين عن تزايد ملحوظ لعدد المرتدّين عن دين الإسلام واعتناقهم النّصرانية، خاصّة بمنطقة القبائل وجنوب الجزائر.. وفتحت كنائس جديدة يؤطّرها رهبان من المذهب البروتستانتي.. وقال ذات المصدر أن هؤلاء الرهبان من دول أوربية كانوا يشتغلون في أجهزة أمنية رسمية ومن بينهم ضباط عسكريين..ويعمل هؤلاء، حسب قول وزير الشؤون الدينية الحالي وفق استراتيجية الهيمنة وعودة التمركز والاستقرار، مستغلّة سوء الأوضاع الاجتماعية والفراغ الروحي..ومن جهته استغرب عبد الرحمن شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين موقف "السلطة" المتساهل وعدم ردّ فعلها عن هذا الاعتداء والتطاول على عقيدة الإسلام وثوابت الشّعب..ويبدو، أن هذه المعلومات صحيحة تستند إلى تقارير متطابقة، لكن وبالمقابل، أليست هذه الوزارة، وزارة الشؤون الدينية، مسؤولة إلى حدّ كبير عن هذه الظاهرة الخطيرة، ردّة مرتبطة بالحملات القمعية المتواصلة المؤصّلة ضدّ الدّعاة وشباب الصّحوة.أليست هذه الردّة ذات صلة بكبت النّشاط الإسلامي عبر المدن والقرى والمؤسسات؟ والتمكين لعناصر ممسوخة فكريا وخلقيا، وولاؤها معقود على "الأم الحنون" فرنسا.فحريّ بهؤلاء "المسؤولين" الذين يعيشون على هامش الأحداث والقرارات، قبل أن يتّهموا قوى أمنية خارجية ، أن يراجعوا وضع النشاط الدعوي بالجزائر، الذي تسببوا بشكل أو بآخر في إفراغه من محتواه ومحاصرته.
============(22/136)
(22/137)
النزاعات في أفريقيا (ساحل العاج نموذجا) (2)
إدريس جالو*
النزاعات في أفريقيا (ساحل العاج نموذجا) (2) في المرة الماضية ذكرنا النزاعات في القارة الأفريقية ودور القوى الإستعمارية فيها، والمخططات التي وضعوها من أجل تفتيت القارة لتنفيذ أجندتهم الخفية، واليوم سنتناول جانب من هذه الأجندة الخبيثة في المنطقة الإسلامية غرب أفريقيا، فهذه الدول الواقعة في تلك المنطقة قد تعرضت كثير منها إلى نزاعات دامية تركزت معظمها على السلطة في أحايين كثيرة، وفي بعض الأحيان أيضا يكون الصراع إثنيا، وهذه كلها ضمن سياسة الإستعمار الأوربي الذي ترك بؤرا تسبب النزاعات بين الدول؛ ليستفيد في التدخل في شؤون تلك الدول ولتنفيذ أجندته الخفية؛ سواء في نهب الموارد أو أهدافه التنصيرية؛ كما حدث في ليبيريا عندما نشب الحرب الأهلية عام 1989م، وسيراليون التي بدأت الحرب الأهلية فيها في مارس 1991م بعد دخول قوات الجبهة الثورية المتحدة بقيادة فودي سنكو إلى أراضيها، إلى غيرها من النزاعات في منطقة غرب أفريقيا.
لكننا في هذا المقال سنركز على النزاع في ساحل العاج لأن الصراع فيها خطير، فساحل العاج لا تختلف حالتها عن العديد من الدول الأفريقية من حيث ترسيم الحدود الإستعمارية بصورة غير موضوعية، فقد تم ترسيم الحدود بحيث ضم هذا البلد كتلة سكانية من المسلمين في الشمال؛ كانت تنتمي بحكم الجغرافيا والعرق إلى كل من مالي وبوركينا فاسو، ومن ثم نشأ التنافس بين الشمال الذي يغلب عليه المسلمون وبين الجنوب ذو الغالبية المسيحية، وتحول هذا التنافس إلى نزاع حاد في التسعينات من القرن الماضي.
,,تعرضت كثير من دول أفريقيا إلى نزاعات دامية تركزت على السلطة وأحيانا يكون الصراع إثنيا وهذه ضمن سياسة الإستعمار الذي ترك بؤرا تسبب النزاعات ,,
ويمكننا معرفة حقيقة وتطورات هذا النزاع من خلال متابعة الحكومات المتعاقبة في ساحل العاج منذ الاستقلال.
الحكومة الوطنية الأولى عام 1960م كانت برئاسة (فيلكس هوفيه بوانجيه) الذي قاد الكفاح السياسي ضد الإستعمار من أجل الإستقلال، وحكم البلاد بعد الإستقلال إلى وفاته عام 1993م، ونجح خلال حكمه لمدة 33 عاما في خلق الإستقرار والتعايش بين القبائل التي تقدر في هذا البلد بنحو 63 قبيلة، وكذلك بين الديانات المختلفة، لكن هذا الوضع كان يمكن وصفه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، بحيث توفي بوانجيه وكثير من قضايا البلاد عالقة دون حل خاصة مشكلة شمال البلاد.
الحكومة الوطنية الثانية عام 1993م برئاسة (هاري كونا بيديه) بعد وفاة بوانجيه، بدأت مرحلة جديدة بحيث بدأت ظهور بوادر النزاعات والتوترات الإثنية في المجتمع الإيفواري، وكذلك التنافس على السلطة بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة، ومن هنا بدأت الشرارة الحقيقية للحرب الأهلية حيث ركز هاري بيديه على "المواطنة الأصلية" وذلك بهدف إقصاء معارضيه في الانتخابات أبرزهم (الحسن وتارا) رئيس الوزراء السابق وزعيم "تجمع الجمهوريين" المسلم.
الانقلاب العسكري في ديسمبر 1999م بقيادة الجنرال روبيرت غي، الذي تحول إلى الحكومة الانتقالية بعد تدخل منظمة الوحدة الأفريقية، وبعد إجراء الانتخابات فاز زعيم الجبهة الشعبية (لوران بغابو) الرئيس الحالي على الجنرال غي رئيس الحكومة الانتقالية، وحاول هذا الاخير رفض النتائج باستخدام القوة؛ مما ترتب عنه مظاهرات ومواجهات بين أنصار بغابو وأنصار الحسن وتارا من جهة وقوات الامن من جهة ثالثة، قتل فيها عدد كبير من المدنيين واحرقت دور للعبادة، وشرد الآلاف.
وكان الجنرال غي قد عدل الدستور ليشترط أن يكون رئيس الجمهورية من أب وأم إيفواريين ليستبعد الحسن وتارا من انتخابات عام 2000م؛ المتهم بأنه من أصول بوركينابية.
الحكومة الوطنية الرابعة عام 2000م برئاسة زعيم الجبهة الشعبية (لوران بغابو)، وكان تلك المرحلة بداية شعور المجتمع الدولي والإقليمي بخطورة الصراع في سا حل العاج، وبدأت الوساطات بين الفرقاء لحل الازمة، وتمت وساطة إقليمية أفريقية للمصالحة الوطنية في لومي عاصمة توغو بين بغابو والحسن وتارا، الذي ينتمي الى شمال البلاد ذو الأغلبية المسلمة، وكان أهم نتائج المحادثات إعادة الانتخابات الرئاسية بمشاركة جميع الاطراف المتصارعة، ووقف سياسة العداء الديني والعرقي في البلاد، وحسم قضية الجنسية لزعيم المعارضة الحسن وتارا المتهم كما أسلفنا بأن جنسيته من بوركينا فاسو حيث كان يدرس هناك من قبل، وهذا الإدعاء وإن كان صحيحا تاريخيا إلا ألأن ظهوره في الوقت الراهن يثير التساؤلات بأن وراءه أهداف خفية لأن وتارا تقلد مناصب عليا في ساحل العاج (رئيس الوزراء وممثلا في المحافل الدولية) إذاً لماذا إثارتها بهذه الصورة الآن؟؟!!(22/138)
وما تم الاتفاق عليه في لومي لم يلتزم به بغابو خوفا من فقدان الرئاسة، ولذالك واصل في سياسته العنصرية مما أثار غضب بعض الأحزاب وفي مقدمتهم تجمع الجمهوريين الذين يأتي أغلبهم من المناطق الشمالية، وأدى ذلك في النهاية إلى انقلاب عسكري في ديسمبر 2002م، إلا أنه فشل في حل الأزمة، وأدى إلى تقسيم البلاد بين الحكومة والتمرد، وكان الهدف المعلن للمتمردين هو الإطاحة بحكومة بغابو وتنظيم إنتخا بات جديدة بدلا من انتخابات الجنرال غي عام 2000م؛ باعتبارها خارج الشرعية، وكذلك إلغاء القرارات المتعلقة بتسريح بعض الجنود من الخدمة العسكرية الذين جندوا في عهد الجنرال غي، وبعد فشل الإنقلاب في تحقيق أهداف المتمردين لجأت واستولت على مدينة بواكيه ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة وعدة مدن أخرى مما مكنهم من الاستيلاء على كامل الجزء الشمالي من البلاد، مما دعا حكومة أبيدجان لأن تتهم جارتها الشمالية بالتدخل في شؤونها ومساندة المتمردين، لأن بعضا من حكوماتها السابقة كانت تطالب بمدينة بواكيه باعتبارها مدينة بوركينابية في الأصل، وهذا ما كانت تنفيه حكومة بوركينا فاسو باستمرار.
وهذا الوضع الجديد في ساحل العاج أدى إلى قتل المئات من القوات المسلحة والمدنيين بما فيهم الجاليات الموجودة هناك؛ خاصة البوركينابية والمالية والغينية وغيرها، ولكن أاشدها كان في الجالية البوركينابية بحيث قتلوا وشردوا بصورة مقصودة ومستهدفة للاعتبارات التي ذكرتها آنفا، لكن حكومة بوركينا فاسو اعتبرت هذا التصرفات من قبل حكومة أبيدجان تصرفات حمقاء، وأنها تستطيع الرد بالمثل، ولكنها غلبت لغة العقل على لغة السلاح والقوة كما قالت، وقتل في هذه الأثناء الجنرال روبيرت غي وأسرته في أبيدجان وكذلك وزير الداخلية، وتمكن الحسن وتارا من الفرار إلى سفارة فرنسا بعد إحراق منزله، ومن ثم تحركت الدبلوماسية الإقليمية والدو لية الرامية لاحتواء النزاع من جديد، مما أدى لانتقال محادثات السلام إلى كل من العواصم لومي، ودكار، وماركوسيس(ضواحي باريس)، وأكرا.
في محادثات لومي تم التوقيع لوقف إطلاق النار وتوضيح شكل تسوية الأزمة نهائيا، ولكن ذلك فشل كما فشلت أيضا قمة دكار، ومن ثم تم اللجوء للدور العسكري للإيكواس(القوات المشتركة لدول غرب أفريقيا) بنشر 1500 جندي كقوة أفريقية بدل القوات الفرنسية لمراقبة وقف إطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة وفي قمة أديس أبابا في فبراير 2003م أعرب الاتحاد الأفريقي دعمها الكامل لاتفاق ماركوسيس بفرنسا في يناير 2003م مع طلب إجراء بعض التعديلات عليه ليحقق رضا الأطراف، كما دعا الزعيم الليبي القذافي بحلول القوات الأفريقية عام 2004م في قمة تجمع الدول الساحل والصحراء في باماكو عاصمة مالي..
,,لفرنسا قاعدة عسكرية كبيرة في هذا البلد منذ الإستقلال هدفها المعلن حماية البلاد ولكن لم يكن لها أي دور في منع التصعيد والاقتتال الداخلي بل لقد بقيت متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها ,,
وقد كان اتفاق ماركوسيس كفيلا بوضع حد للصراع بحيث اتفق الفرقاءعلى الآتي: إصلاح تشريعي في الدستور للترشيح للرئاسة بإلغاء شرط الأب والأم، بدء نزع السلاح، إقامة حكومة مصالحة وطنية ....الخ، ومن ثم فتح البند الأول الطريق أمام الحسن وتارا للترشيح لانتخابات الرئاسة مما أزال سبب حدة الأزمة الرئيسي، وتم توزيع الحقائب بين كافة أطراف ماركوسيس في الحكومة الانتقالية برئاسة لوران بغابو، ولكن بغابو رفض فيما بعد بضغط من أنصاره ذوو الغالبية المسيحية على منح وزارتي الدفاع والأمن والداخلية للمتمردين، وأدى ذالك لعرقلة تنفيذ الاتفاق، ومن ثم عادت المحادثات إلى مربعها الأول.
ولكن كل هذه التحركات؛ من تنصل من الاتفا قات وتأجيج الصراع وراءها القوى الاستعمارية خاصة فرنسا، وخاصة إذا علمت أن لفرنسا قاعدة عسكرية كبيرة في هذا البلد منذ الإستقلال؛ هدفها الرئيسي المعلن حماية البلاد، وإذا لاحظنا مجريات هذا الصراع فإننا لا نرى دور هذه القوات في منع التصعيد والاقتتال الداخلي، بل لقد بقيت متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها، أو انحيازا إلى طرف دون الآخر؛ رغم المجازر التي حدثت هناك، إلا بعد هجوم القوات الحكومية في المناطق الشمالية فقتل فيها تسعة جنود فرنسيين وجرح آخرون؛ وهنا قامت فرنسا بتدمير السلاح الجوي الإيفواري وبالسيطرة على مطار أبيدجان، فهذا الرد يبين النية المبيتة للقوى الإستعمارية؛ وهو تدمير الدولة وترك المنطقة في حالة من عدم الإستقرار المستمر وفي مواجهة مفتوحة، وفي الآونة الأخيرة بدأت التحركات من جديد من قبل رئيس بوركينا فاسو بليزكو مباوري؛ بوساطة بين الفرقاء وتقريب وجهات النظر، فهل ينجح كومباوري ما فشل فيه الآخرون؟ فالأزمة مازالت تراوح مكانها دون التوصل لحل نهائي يعيد للبلاد استقرارها ووحدتها، مما شل حركة الحياة فيها.
============(22/139)
(22/140)
الصحوة الإسلامية وعقباتها: التنصير وسط أنماط البشر
حسين أبو بكر إدريس*
الصحوة الإسلامية وعقباتها نرى أن من أهم العقبات التي تعترض طريق الإسلام في هذا الزمان المعاصر هو التنصير (أي التبشير بالديانة المسيحية) في أوساط المسلمين وغير المسلمين أصحاب الديانات والعقائد الأخرى.
نرى في أفريقيا وآسيا أن التبشير المسعور يعم كل الأرجاء يحاول أن يجتذب للمسيحية ملايين البشر من أصحاب الديانات الأخرى الموجودة في آسيا كالبوذية والهندوسية والكنفوشية، وأيضا يجتذب إليه اللادينيين. ودخول هؤلاء المسيحية ليس خطرا ضدنا من الناحية الدينية فحسب، ولكنه خطر سياسي واقتصادي أيضا. فإن المسيحية التي يعلّمها هؤلاء المبشرون ليست هي الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام. إنما هي المسيحية السياسية التي ترمي أولا: إلى ربط آسيا وأفريقيا بعجلة الغرب عن طريق نشر الدين وترمي ثانيا: إلى خلق فكر مسيحي يقف أمام المسلمين وأمام الفكر الإسلامي في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والدولية.
وقد انتهى الاستعمار السياسي في هذه البلاد ولكنه يحاول أن يستعيد نفوذه عن طريق المبشرين وأحيانا عن طريق عملائهم.. وكثرت وسائل نشر المسيحية وتبرز هنا بعض وسائل نشر المسيحية بالشرق الأقصى وأفريقيا. منها:
- وفود العلماء اللاهوتيين المبشرين وإقامة كليات لاهوتية.
- الرجال الذين يعملون في السلك الدبلوماسي ولهم دراسات لاهوتية.
- الكتب اللاهوتية التي تباع بأرخص الأسعار وتقدم كهدايا في كثير من الأحوال- وأيضا هناك المجلات الدينية التي توزع مجانا.
- نشرات التبشير ونسخ الكتاب المقدس التي تصرف مجانا أيضا.
- المراكز الصحية والمستشفيات المسيحية التي توجد في كل مكان- والمدارس المسيحية الكثيرة والإرساليات.
- البعثات التي تخصص لخريجي الجامعات والمعاهد وتمنحهم الشهادات في وقت وجيز لكن يصلوا بها إلى أرفع المناصب الدولية لخدمة أغراضهم التبشيرية.
- وهنالك أيضا البعثات السرية التي يدعى لها مئات الصبيان من أعمار ستة عشر إلى ثمانية عشر لزيارة دول الغرب لفترة وجيزة يتلقون خلالها ما يفسد عقائدهم.
- أيضا الإذاعات التبشيرية التي تنطلق في دول أفريقيا والبرامج التي تبثها هذه الإذاعات بل حتى في الإذاعات والتلفزيونات القومية لهذه الدول وذلك بحجة حرية الأديان. ويؤسفني أن أقول أن المسلمين لم يعلموا شيئا ذا بال لمقاومة هذا المد التنصيري مما سيعود بالخسارة علينا وعلى بلادنا إن لم نوقف تياره. ومن هنا نود أن نذكر أن النشاط التنصيري فتح له جبهات في البلاد الإسلامية ليفسد الأجيال القادمة من المسلمين وليشغلنا عن مقاومته في الجبهات الخارجية.
وجد المنصرون أرضا خصبة في الدول غير الإسلامية سواء في أفريقيا أو أسيا. وذلك لأن هذه الشعوب تعبد آلة متعددة من شجر أو حجر أو حيوانات أو جمادات أو بشر.
أما في دولنا الإسلامية وجد التنصير بعض الحظ, وذلك لضعف الوازع الديني عند بعض المسلمين وعوامل التنشئة عند البعض الآخر وذلك من انبهارهم بالغرب وبديمقراطيتهم التي ينادون بها وانبهارهم بالتكنولوجيا الغربية من فضائيات وشبكات انترنت. يقوم المنصرين باستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض الدول المسلمة واستغلال الفاقة والحاجة. وأيضا التسلل والدخول لهذه الدول تحت غطاء الإغاثة لتلبية حاجات المواطن ومن ثم تنصيره. لذا وجب التنبيه لخطر التنصير ويجب أن نعمل في نشر الدعوة الإسلامية وتنوير المواطنين عن خطر التنصير وما يؤدي إليه وذلك لوقف زحفه في بلاد المسلمين.
هذا حال الإنسان البسيط الذي يسكن في الأصقاع بعيدا عن مناطق العلم والمعرفة يستدرج إلى التنصير باستغلال حاجياته في الحياة من مأكل وملبس ومسكن وترفيه. فما بال الإنسان المتعلم القارئ كيف يستدرجونه إلى التنصير؟
نرى إن بعض المسيحيين قاموا بربط المسيحية بالإسلام بل أصروا عليها وقالوا: إن الإسلام بل القرءان الكريم أجاز المسيحية على حالها بما فيها التثليث (أي تعدد الآلهة) وأن المسيح سيحاسب الناس يوم القيامة وأن المسيح مصدر الحياة.. والإيمان به كإله هو النجاة كما جاء عندهم في انجيل يوحنا 11/25 (أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا) قالوا: هذه الفقرة مطابق لها الآية في سورة النساء 171 (... إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) لاحظ هنا أخي المسلم أنهم أخذوا جزءا من الآية ولم يأخذوا الآية من أولها تقول: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح ...) نرى أن أول الآية ينسف ادعاءهم وقولهم الباطل في المسيح عليه السلام. ولست أدري كيف توحي هذه الآية الكريمة بأن المسيح مصدر الحياة ومبعث الكون؟! مع أن الآية تنص بوضوح على أن الله خلق عيسى من مريم بعد أن ازدهر الكون وعمر.(22/141)
إننا والحمد لله نجلّ القرآن وننزهه على أن يكون فيه دليل الكفر لكن النصارى يتجرأون على الزعم بتأييد آيات القرآن الكريم لعقيدتهم الباطلة في تأليه المسيح. والحق أننا كمسلمين لا تضرنا مثل هذه التمويهات والافتراءات ولكن ذلك لا يمنعنا من الرد عليهم ودحض افتراءاتهم على القرآن الكريم.
يزعم النصارى أنهم يستنبطون من القرآن الكريم ما يدلهم على ألوهية عيسى عليه السلام وذلك مثل قوله تعالى في سورة النساء آية 171 (... إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم روح منه) نفس الآية الأنفة الذكر والآية 91 سورة الأنبياء (فنفخنا فيه من روحنا) يأخذ النصارى أجزاءً من الآية بما يوافق ميولهم. ويقولون أن هذه خاصية امتاز بها المسيح دون غيره من الأنبياء ولا معنى لكونه روحا من الله غير أنه الأقنوم الثاني (أي الإله الثاني) من الثالوث وأنه مرسل من قبل أبيه وأنه مثله لأن كلمة (منه) تقتضي البعضية (أي أنه جزء من الله) فالمسيح من الله وهو روح منه إذن هو إله هذا هو تفسيرهم بأخذهم الجزء الذي يتوافق معهم.
ونرد على استدلالهم هذا بعدة أوجه:
*الوجه الأول: بالنسبة لتخصيص المسيح في القرآن الكريم بلفظ (وروح منه) في سورة النساء كان للرد على اليهود الذين زعموا إن عيسى ليس نبيا ووصفوه بأشنع الألفاظ وقالوا إن به روحا نجسة شيطانية واتهموه أيضا بأنه ابن زنا (والعياذ بالله من قولهم) جاء ذلك في انجيل مرقس 3/22-30 (وأما الكتب الذين نزلوا من أورشليم فقالوا: إنه مع بعلزبول وأنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين) في انجيل يوحنا 7/20 (أجاب الجمع وقالوا: بك شيطان) وفيه أيضا 10/20 (فقال كثير منهم به شيطان وهو يهزيء لماذا تستمعون إليه) وفقرات كثيرة في كتب الأناجيل.
وبهذا نرى أن أعداء المسيح ورؤساء اليهود من (الكتبة والفرسين) وغيرهم الكثير من اليهود اتهموه أن به روحا شيطانية وشاع ذلك بينهم حتى عصر نبينا صلى الله عليه وسلم فنطق القرءان الكريم مصرحا بأنه روح من الله نافيا عنه ما رماه به أعداؤه.
الوجه الثاني:
ورد في الأسفار حلول لفظ (روح الله) على غير المسيح ففي سفر اشعياء 61/1 (روح السيد عليّ لأن الرب مسحني لأبشر المساكين) وفي سفر حزقيال 36/27 (واجعل روحي في داخلكم) وفي سفر أخبار اليوم الثاني 24/20 (ولبس روح الله زكريا) وفي الرسالة إلى أهل رومية 8/9 (إن كان روح الله ساكنا فيكم).
هذه الفقرات وغيرها الكثير تبين أن روح الله حلت على كثير من الأنبياء وعلى أهل (رومية) جميعا ولم يلزم من حلولها البعضية (أي أنهم جزء من الله) فالروح هنا ليست جزءا من الله تعالى وإلا لزم أن يكون أهل (رومية) والأنبياء المذكورين آلهة ولم يقل بذلك أحد.
فالاستدلال بمثل هذه الألفاظ على الاتحاد والحلول الحقيقي مردود ولا شك أن النصارى يوافقوننا في عدم ألوهية جميع الذين حل عليهم روح الرب. وأن الحلول هنا ليس حلولا حقيقيا في أولئك المطلق عليهم ويوافقوننا كذلك على وجوب التأويل. فما الذي يجوز لهم القول بالحلول الحقيقي في المسيح؟! إن كان هو الأخذ بظاهر النصوص فيجب تأويلها في حقه كما أولوها في حق غيره وإن كان عندهم دليل يخصصه دون غيره فليظهروه وإلا فإن المساواة بينه وبين غيره في عدم الألوهية واجبة.
الوجه الثالث:
إن إضافة الروح للمولى عز وجل هي إضافة للتشريف وقد ورد مثلها في القرءان الكريم. ففي سورة الحجر آية 29 وسورة ص آية 72 يقول الله تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وفي سورة الشمس آية 13 (ناقة الله وسقياها) وفي سورة الحج آية 26 (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود).
فالإضافة في هذه الآيات جميعها هي إضافة تشريف، أي لبيان أن الله يحب هذه الأشياء المضافة ويرضاها أو يصطفيها ويقربها. فهي إضافة أعيان لا إضافة صفات وذلك يدل على أنها مخلوقة ومملوكة لله تعالى لكنها مختصة بصفات ميزتها من غيرها حتى استحقت الإضافة وقوله تعالى عن عيسى (وروح منه) هو من قبيل الإضافة التشريفية وإن كانت جميع الأرواح من خلقه ولا يفهم من ذلك (التبعيض) أي انه جزء من الله وهي مثل قوله تعالى في سورة الجاثية آية 13 (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) فليست (من) هنا (للتبعيض) لكنها لابتداء الغاية والمعنى من خلقه ومن عنده.
وردت مثل هذه الإضافة في أناجيل العهد الجديد ففي رسالة يوحنا الأولى 4/1و4و6(1- امتحنوا الأرواح هل هي من الله... 4-أنتم من الله أيها الأولاد... 6- نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا من ليس من الله لا يسمع لنا من هذا نعرف روح الحق من روح الضلال).(22/142)
فإضافة الأشياء المذكورة كلها من قبيل الإضافة التشريفية ولا دلالة فيها على (البعضية) فالأرواح كلها من الله أما أرواح حق فهي أرواح الصالحين الذي يوحدون الله وينفذون تعاليمه في الأرض هم الذين يتشرف بهم المولى عز وجل يضيفهم إليه مثل الأولياء الصالحين يقال لهم (أولياء الله). أما أرواح الضلال والشر فهؤلاء يضافون إلى الشيطان. بالرغم من أن كل الأرواح من خلق الله وأرواح الضلال الذين حادوا عن الطريق وسلكوا طريق الشيطان فاستحقوا الإضافة للشيطان.
الوجه الرابع:
إن اشعياء فسر المقصود بروح الرب الذي يحل على المسيح وغيره تفسيرا واضحا يزيل كل شبهة وغموض ففي سفر اشعياء 11/2-5 (2- ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب 3- ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب أذنيه 4- بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالأنصاف لبائس الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه).
لم يفسر اشعياء معنى حلول روح الرب على المسيح بالأقنوم الثاني ليكون المسيح إلها وابن إله. لكنه فسره بمعنى روح الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب حتى لا يقضي إلا بالعدل والحق متزرا بإزار البر والأمانة. ولا يفهم أي دارس لهذه الفقرات معنى غير هذا المعنى المقبول وبنفس هذا التفسير من اشعياء فسر دانيال أيضا في سفر 5/11/14 (11- يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة والقدسيين وفي أيام أبيك وجدت فيه نيرة وفطنة وحكمة...) قد سمعت عنك أن فيك روح الآلهة وأن فيك نيرة وفطنة وحكمة فاضلة) وفي سفر حزقيال أيضا 36 /27 (واجعل روحي في داخلك وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها).
وبهذا يتبين أنه ليس في قوله تعالى (وروح منه) ولا في أمثالها من الآيات القرآنية الكريمة آية حجة للنصارى على ألوهية عيسى عليه السلام. وأن القرآن الكريم وكتب العهدين واللغة تنفي نفيا قاطعا هذا الفهم الخطأ.
في الختام (نشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له وأن محمدا r وعيسى عليه السلام عبدان كريمان مخلوقان ونبيان كريمان).
============(22/143)
(22/144)
أناخ ركابه
عبد الملك القاسم
أطلت على الأمة الإسلامية ريح عاصف تنذر بشر وبلاء، كانت حديث المجالس وأفسحت لها الصحف والمجلات صدر صفحاتها، فقد شرق الناس وغربوا في أمر تنصر أربعة من الكويتيين علانية وملأت صورهم ومقابلاتهم وسائل الإعلام وانقسم الناس عند سماع هذا الخبر إلى فئتين:
الفئة الأولى: كانت في حالة ذهول من الخبر وتساءلت كيف تم الأمر؟ وهالها أن يعلن تنصر أربعة في تتابع سريع، وهذه الفئة يبدو أنها تعيش في معزل عن العالم ولا ترى ما يجري على الساحة الإسلامية من فتن متلاطمة أظلت سماءها وسقت أرضها.
الفئة الثانية: تتابع وترصد جهود التنصير وعلى علم وإطلاع بما يجري ولديها تصور مبدئي بأن لهذه الجهود ثمرة قلت أو كثرت حتى وإن تأخر نتاجها إلى سنوات طويلة قادمة، وطالما رفعت الصوت محذرة ومنبهة من قادم أناخ ركابه، وصدقوا فهذا أول حصاده.
ومع أن المسلم تحيطه كآبة حزن لهذه الحال، إلا أن ما يلفت النظر ويزيد لوعة الأسى هو كثرة من أقروا هؤلاء الأربعة على ردتهم وأفسحوا لهم صدور صفحاتهم ومجلاتهم ومجالسهم، بل وبدأوا يدافعون عنهم علماً بأن هذا حق شخصي وحرية فردية . وهذه ولاشك أكبر خدمة تقدم للمنصرين، بل إنها أفسحت المجال للحديث عن التنصير ظاهرة عادية لا تلفت النظر ولا تحرك ساكناً فتستمرؤها النفوس وترضى بها القلوب.
وبإلقاء نظرة سريعة ولمحة عابرة على امكانات التنصير الهائلة وموارده المالية الكبيرة وجهوده المتواصلة منذ مئات السنين، إلا أنه في الفترات الماضية رغم ذلك كله لم ينل مبتغاه نتيجة لتمكنين الدين في النفوس وبقاء الفطرة كما هي أما الآن فإن الأمر اختلف وما نقدمه نحن المسلمين عامة - من خلال ضعف الدين في نفوس أبناء وشبابها وعدم تحصينهم بالعلم الشرعي وتنشئتهم التنشئة الصالحة- إنما تفتح ثغرة نفسح من خلالها لمنصر متحفز أن يدخل بيوت المسلمين ومدارسهم، وقد بدأ الكثير أولى الخطوات بالسماح للغزو الإعلامي الفكري المركز أن يصول ويجول في عقول شباب الأمة الذي سيؤتي ثماره حيناً من الزمن وإن بعد .
والبعض على كره منه للمنصرين إلا أنه يقدم خدمات جليلة لهم دون أن يشعر.. فإذا اجتمع المال والامكانات الهائلة وكان رب البيت بالدف ضارباً .. فالله المستعان.
وصدق الله - عز وجل -:(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) البقرة: من الآية120.
اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين غير ضالين ولا مضلين.
18/09/2005
http://www.almunadi.net المصدر:
===================(22/145)
(22/146)
قصة احتيال بطلها " نجم " التنصير العالمي روبرتسون وصفقات مشبوهة مع دكتاتور لايبيريا !
بما أن تايلور نفسه يتبنى النصرانية وجد باترسون ضالته و أنكر على الذين انتقدوا تعامله مع زعيم دكتاتوري ينتهك حقوق الإنسان و يضطهد شعبه. و اشترى روبرتسون صمت الشريك السابق للملكية بورك بمقابل ما نسبته 0، 5% من رأس المال...و طالب روس بعدها باجتماع أخير مع فريق روبرتسون لتسوية القضية بالتراضي و تم ذلك في شهر أغسطس 2000.و اقترح منحه قطعة من الأرض التي توجد فيها المناجم و التي أنفق أمواله لدراستها (28 ميلا مربعا) أو منحه 5 مليون دولار ليتخلى عن مطالبته بها. غير أن روبرتسون رفض كلا الحلين و اقترح أحد رفاقه على روس "الدعاء لوالده المريض" فكان رده: "تحتالون على والدي ثم تدعون له أي تناقض هذا؟! "
معروف أن المنصرين الأمريكان و الغربيين يفضلون البلدان الإفريقية على غيرها لنشر المسيحية بين شعوبها الفقيرة التي خرج معظمها للتو من حروب أهلية دموية لا تنتهي. غير أن هناك عامل آخر يجذب القساوسة الغربيين خاصة من الكنيسة البروتستانتية نحو إفريقيا: مناجم الذهب و الألماس. و تبدو قصة أحدهم مثيرة و جديرة بالعرض لأنها قد تسحب على عدد من "نجوم" التنصير الأغنياء بعدما مزجوا بين جلب الفقراء إلى طريق الشيطان من جهة و التواطؤ مع الأنظمة الدكتاتورية للاستحواذ على خيرات شعوب المنطقة.
إنه وجه من أوجه نشاط "المبشر" الأمريكي المعروف بات روبرتسون الذي يتربع على شبكة سي بي أن و "نادي ال700" (الذي تخلى عنه لابنه تيم)، ترويه مجلة "فورتون" في عدد الأسبوع الماضي. يقول التقرير المطول أن روبرتسون الأنيق ببذلاته عالية الجودة و ذي النظرات "الإبليسية" الثاقبة كان قد واجه صعوبات مالية قبل سنوات بعد أن اضطرت (سي بي أن) لتسريح 600 موظف في آخر الثمانينيات، و بدأ يفكر في مشاريع مربحة تمكنه من تشييد "مملكته الدينية" على غرار قساوسة اشتهروا قبله من بينهم روبرت شولر و جيمي سواغارت. و بما أن هؤلاء يغلفون كل أعمالهم - الماكر منها و الخبيث ب"إرادة الإله"، فقد اعتقد روبرتسون، حسب أحد مساعديه السابقين، أن جميع الخيرات الباطنية في الأرض مسخرة لأناس "استثنائيين" مثله لخدمة "كلمة الرب".
وجد المنصر في شخص المستثمر الأسترالي الصهيوني روبرت مردوخ الذي يملك معظم شبكات التلفزيون في بريطانيا و أمريكا، المنقذ حيث اشترى منه أسهم مؤسسته "آي أف إي" الإعلامية و دفع نقدا 1، 9 بليون دولار. أخذ روبرتسون له و ل"سي بي آن" و لأطراف أخرى متصلة 400 مليون دولار، وضعت كلها في خدمة المشروع المفترض.
بعد وقت قصير تقدم شخصان بخطة استثمار في لايبيريا، البلد الإفريقي الفقير الذي أسسه العبيد الذين عادوا من أمريكا في أواسط القرن ال18. لايبيريا التي يحكمها الدكتاتوري تشارلز تايلور خرجت منهكة من حرب أهلية طاحنة عام 1997 لا تتعدى نسبة المسيحيين فيها 10% و تبلغ نسبة المسلمين بها حدود 20% أما باقي السكان فيعتنقون ديانات و طقوس محلية. و مع ذلك فقد تحولت مرتعا للقساوسة و المبشرين النصارى ينهبون خيراتها بمباركة نظام تايلور. و وجد الأخير ضالته مع المستثمرين الغربيين الخواص بسبب تعرض نظامه للعقوبات الإقتصادية بعد أن ثبتت ضده انتهاكات لحقوق الإنسان منذ أن كان يقود جيشا من الأطفال دربهم على القتال الوحشي و على جرائم الحرب ضد المجموعات الأخرى خلال الحرب الأهلية. كما اتهم من قبل الأمم المتحدة بدعم المتمردين في سييراليون بأموال مناجم الألماس.
و كان أحد الشخصين اللذين قصدا روبرتسون قسيسا في لايبيريا، مع أن مستثمرين أمريكان آخرين كانوا السباقين إلى البلد الإفريقي الفقير، و تواجد أحدهم هناك منذ العام 1978 ثم اضطر لوقف استثماراته خلال الحرب. و يتعلق الأمر بعضو سابق في المجلس التشريعي في ولاية كاليفورنيا كين روس جنيور الذي استثمر أمواله في مسعى استغلال مناجم تقع جنوبي شرق لايبيريا تسمى "بيكون جيدي". و بما أن تركيبة التربة في المنطقة تحتاج إلى إمكانيات ضخمة اضطر روس للبحث عن شراكة مالية من أجل استخراج الذهب. غير أنه أوقف المشروع خلال ثماني سنوات بسبب الحرب الأهلية و لم يغادر البلاد. و ما إن انتهت الحرب حتى أصيب بالسرطان و اضطر للعودة إلى أمريكا تاركا إبنه كين روس الثالث لتولي أمر الاستثمار.
لجأ الأخير على الرئيس "المنتصر" تشارلز تايلور الذي وجهه بدوره إلى بات روبرتسون. دعا الأخير روس الإبن إلى مقر سي بي آن في ولاية فيرجينيا في آخر شهر نوفمبر 1998. و اقترح روس على روبرتسون و مساعديه أحدهما محامي مولود في لايبيريا و تربطه علاقات وطيدة بدكتاتور البلد فيما يبدو، ملكية نصف المناجم مقابل شراء أسهم الشريك السابق لروس ويليام بورك بدفع قيمة 12، 5 مليون دولار. و وعد روبرتسون بدراسة العرض لكن لم يتصل به ثانية من يومها و دخل القضية - مستحوذا من النافذة!(22/147)
زعم محامي روبرتسون أن روس اقترح أن تُسحب ملكيته للمناجم من قبل الحكومة اللايبيرية و تمنح ملكيتها لمؤسسة جديدة يتقاسمها روبرتسون مع روس، غير أن الأخير كذب ذلك. و الحاصل أن ملكية روس ألغيت بعد شهر واحد و تحولت فجأة خلال شهر ديسمبر 1998 إلى شركة تحمل إسم "فريدوم غولد" (حرية الذهب) و مالكها الوحيد "مؤسسة بات روبرتسون الخيرية"! في شهر مايو 1999 كان المحامي بادمور و مسير "حرية الذهب" جاو ماتيوس يجلسان مع تشارلز تايلور في مقره بالعاصمة مانروفيا للتفاهم حول المشروع. و كأي مستثمر في مناجم الذهب، على روبرتسون دفع 10% من رأسمال الشركة إلى خزينة الدكتاتور. و قد يبدو الأمر غريبا بالنسبة للبعض أن يخوض روبرتسون "الرجل الذي يخشى الرب" في صفقات مع تايلور الذي يخشاه الناس و كأنه الإله"!
و بما أن تايلور نفسه يتبنى النصرانية وجد باترسون ضالته و أنكر على الذين انتقدوا تعامله مع زعيم دكتاتوري ينتهك حقوق الإنسان و يضطهد شعبه. و اشترى روبرتسون صمت الشريك السابق للملكية بورك بمقابل ما نسبته 0، 5% من رأس المال. و لم يجد روس الإبن سبيلا لاسترجاع حق مؤسسة والده سوى اللجوء إلى المحاكم اللايبيرية التي لم تتوان في دحض قضيته بحجة أنه تأخر و لم يلجأ إلى المحكمة المختصة في الإشكال المطروح.
و طالب روس بعدها باجتماع أخير مع فريق روبرتسون لتسوية القضية بالتراضي و تم ذلك في شهر أغسطس 2000. و اقترح منحه قطعة من الأرض التي توجد فيها المناجم و التي أنفق أمواله لدراستها (28 ميلا مربعا) أو منحه 5 مليون دولار ليتخلى عن مطالبته بها. غير أن روبرتسون رفض كلا الحلين و اقترح أحد رفاقه على روس "الدعاء لوالده المريض" فكان رده: "تحتالون على والدي ثم تدعون له أي تناقض هذا؟! "
غير أن ما كسبه روبرتسون من صفقته مع تايلور خسره في مشروع استثماري نفطي عبر شركة "سينكو" في كاليفورنيا عندما فشل في مواجهة أنصار حماية المحيط رغم تواطؤ سلطات الولاية معه و فقد 78 مليون دولار من ثروته.
21/2/2005
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws المصدر:
=================(22/148)
(22/149)
حكم زيارة بابا الفاتكان للمسجد الأموي
تاريخ الفتوى : …28 صفر 1422 / 22-05-2001
السؤال
هل يجوز للبابا أن يصلي في المسجد الأموي أو حتى الدخول إليه ؟ و لماذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حكم دخول الكافر المسجد تحت الفتوى رقم: 4041
وبُيَّن فيها خلاف العلماء في ذلك، وأن الراجح من أقوالهم جواز دخول الكافر جميع المساجد -إلا المسجد الحرام- إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أو كان في دخوله مصلحة كدعوته إلى الإسلام.
لكن هذا لا يعني أن يسمح لرأس الكفر الصليبي أن يدنس مساجد المسلمين، وهو القائم على حملات التنصير والتضليل التي تغري فقراء المسلمين بالردة، مستغلة حاجتهم إلى الطعام والشراب والدواء.
وكيف يسمح له أن يدخل مساجد المسلمين، وهو رأس النصرانية التي تحارب المسلمين في بقاع شتى من العالم، وليس في دخوله إلى المسجد مصلحة ولا حاجة، كما أن من استضافه لم يكن من أهدافه أن يدعوه إلى الإسلام، ولا سعى إلى ذلك.
فدخول الكافر المسجد ليسمع الإسلام، أو يعمل فيه بناء وصباغاً لون، ودخوله ليوهم الناس أنه متسامح، وأنه يحمل رسالة التقارب بين من يزعمون أن الله ثالث ثلاثة، وبين من يوحدون الله تعالى لون آخر، ولا يخفى ما يترتب على ذلك من تشويش على دهماء المسلمين، وقد باضت هذه الدعوة وأفرخت أفراخاً: منهم من زعم أن النصارى مؤمنون، ومنهم من زعم أن أتباع الديانات الثلاث يشتركون في أصول الإيمان، كالإيمان بالله واليوم الآخر والنبوة والكتاب، وأن هؤلاء جميعاً يمكن أن يقفوا صفاً واحداً في وجه الإلحاد واللادينية، ضاربين صفحاً عن حقيقة ما عليه النصارى واليهود من الكفر والشرك والتبديل الذي انسلخوا به عن شرف الاتباع، وثبت عليهم به معرة المنابذة والشقاق عن علم وسبق إصرار، فحظهم من الديانتين هو من جنس حظ أبي جهل وأبي لهب وعبد الله بن أبي بن سلول من الإسلام، ومن جنس حظ المشركين من التوحيد، مع أنهم يثبتون لله الربوبية: (ولن سألتهم من خلقهم ليقولن الله). [الزخرف:87]
وقد تقرر أنه لا يجوز إقرار الكافر على ممارسة شعائر كفره في بيوت الله التي إنما أقيمت لتوحيده وذكره.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==================(22/150)
(22/151)
فتوى الشيخ ابن عثيمين حول الدش
تاريخ الفتوى : …25 جمادي الأولى 1423 / 04-08-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله ألف خير على هذا العمل.
أريد من الله ثم منكم المساعدة: أريد فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في دخول الدش في المنزل؟
السلام عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإليك نص فتوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فيما يتعلق بالدش منقوله من كتاب فتاوى إسلامية 4/377.
هل الدش (الصحن) حرام أم حلال؟
انتشر في الآونة الأخيرة ما يسمى (الدش) الصحن الهوائي، حيث ينقل القنوات الخارجية الكافرة وغيرها التي تعرض فيها أفلام خليعة يظهر فيها التقبيل واضحاً والرقص الشبه عاري والكلام الساقط والبرامج التي تدعو إلى التنصير، فهل يجوز اقتناء مثل هذه الأجهزة والدعاية لها والتجارة فيها وتأجير المحلات لهم، علماً أن البعض يدعي أنه يشتريها لغرض مشاهدة الأخبار العالمية؟
فأجاب: قد كثر السؤال عن هذه الآلة التي تلتقط موجات محطات التلفزيون الخارجي وتسمى (الدش) ولا شك أن الدول الكافرة لا تألوا جهداً في إلحاق الضرر بالمسلمين عقيدة وعبادة وخلقاً وآداباً وأمنا، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن تبث من هذه المحطات ما يحقق لها مرادها وإن كانت قد تدس في ضمن ذلك ما يكون مفيداً من أجل التلبيس والترويج، لأن النفوس لا تقبل -بمقتضى الفطرة- ما كان ضرراً محضاً.
ولكن المؤمن حازم فطن علَّمه الله تعالى كيف يقارن بين المصالح والمفاسد، وبين المنافع والمضار، وعنده من القوة والشجاعة ما يستطيع به التخلص من أوضار هذه المفاسد والمضار، وإذا كان أمر هذه الدشوش ما ذكر في السؤال فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا الدعاية لها ولا بيعها وشراؤها لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه بقوله تعالى: ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
فنسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا صراطه المستقيم، وأن يجنبنا صراط أصحاب الجحيم من المغضوب عليهم والضالين. محمد الصالح العثيمين
وللشيخ فتاوى أخرى عن الدش يمكنك معرفتها بالدخول على موقع الشيخ على الإنترنت
وراجع الفتوى رقم:1886 والفتوى رقم:14366.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===================(22/152)
(22/153)
من المسؤول عن النشاط التنصيري في مصر؟
محمد جلال القصاص
8/7/1426هـ
في يوم 24/5/1425هـ نشر موقع المسلم خبراً بعنوان ( مسؤول كنسي: نتائج التنصير في مصر مرضية للغاية)، وتحت العنوان جاء في الخبر على لسان هذا المسؤول الكنسي رفيع المستوى أن عملية التنصير تتم بمنهجية دقيقة، ويقوم عليها خلايا مدربة تدريباً مكثفاً، وأن هناك موارد ضخمة تم رصدها لهذا الغرض، مؤكداً على أنه ليس هناك أي مشكلة مالية على الإطلاق، وأن هناك رضا تام عن عملية التنصير في مصر من قبل رجال الكنيسة.
وحيث إنني من المهتمين بأمر مكافحة التنصير عموماً وفي مصر خصوصاً، ولي تجارب مباشرة مع كثير ممن أسلموا وممن لم يسلموا بعد، وأعمل ( أدمن ) في غرفة أهل السنة والجماعة لدعوة النصارى ( Islam o r Ch r istianity ) بالقسم العربي على البالتوك؛ أردت أن أسجل هنا بعض الحقائق الميدانية عما يحدث في مصر خصوصاً، وأبين السبب الحقيقي وراء النشاط التنصيري في مصر، وأذكر بعض المقترحات للعلاج، وأؤكد على أن ما سأذكره الآن في تقريري هو حقائق ميدانية:
- كل من قابلت شخصياً، ومن استمعت إليه ممن ارتد إلى النصرانية لم يكن العامل المادي له شأن كبير في تنصره، بل كانت رحلة من البحث عن الحقيقة انتهت في الأخير بالنصرانية!!
- للنصارى فرق منظمة تعمل بين الشباب في الجامعات، وفي المدارس الفنية المتوسطة ( الدبلومات )، وتستهدف هذه الفرق نوعية من الشباب المتذبذب دينياً، كثير الأسئلة في أمور الدين، كما تستهدف الشباب المنحرف.
- أكثر شبهات النصارى تدور حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهم شبهات حول القرآن، وأخرى حول بعض أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأسرة والجهاد وأهل الذمة وما إلى ذلك، إلا أن محورهم الرئيس الآن هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم .
- كل الحالات التي تنصرت حين عرضت عليها شبهات النصارى ذهبت إلى ( شيوخ ) المساجد في مصر تسألهم وتطلب منهم إجابة على هذه الشبهات ولم يجدوا رداً، بل وجدوا زجراً وأمراً بالسكوت وعدم الخوص في مثل هذه الأمور؛ لأن هذا نوع السياسة وإثارة الفتن الطائفية في البلاد على حد قول: ( أئمة المساجد ).
- يلاحظ أن النصارى كانوا حريصين على توجيه الشباب إلى ( أئمة المساجد ) لسؤالهم عن هذه الشبهات لما يعلمونه من جهل هؤلاء ( الأئمة )، وعدم قدرتهم على الرد، بل وخوفهم من اتخاذ أي خطوة عملية تجاه هذا الأمر حتى لا يرموا بتهمة إثارة الفتنة الطائفية.
- يمارس النصارى نوعاً من الدعوة العملية في وسط الشباب وذلك بتعريفهم على بعض الكرماء السمحاء، المؤدبين - ولا مانع من أن توجد بعض هذه الصفات في الكفار فهذا لا يتعارض مع الكفر، كما أنه ليس من شروط صحة الإيمان - كصورة للمجتمع النصراني، ثم تتلى عليهم قصص عن بعض (شيوخ المساجد) ممن لهم انحرافات سلوكية - وهي كثيرة ومتداولة بين الناس - لتُعقد المقارنة!!
- عند النصارى جاهزية عالية جداً لاستيعاب أي عدد من المتنصرين، وتوفير المسكن والمأوى، بل وربما الترحيل لخارج مصر وخاصة أمريكا.
- يوجد حالات تعتنق الإسلام، وبالاستقراء وجد أن أغلبها ينجذب إلى الإسلام من سلوك أحد الأفراد المسلمين في الحياة اليومية، وتظل الغرف الإسلامية في البالتوك هي النور الذي يستضيء به من أراد الله له الخروج من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.
- نقطة الاحتكاك الرئيسة المباشرة اليوم بين النصارى والمسلمين هي: البالتوك، ويوجد بصفة مستمرة ما لا يقل عن ألف فرد من المسلمين والنصارى على مدار الساعة في غرف البالتوك في القسم العربي وقسم الشرق الأوسط موزعين على غرف المسلمين وغرف النصارى، يتناقشون في (النصرانيات) و (الإسلاميات).
- غرف النصارى كثيرة، وبها أعداد أكبر، وهي من حيث العدد بعد غرف تداول الأسهم السعودية، وتسبقها أحياناً.
- يلاحظ من الطرح الموجود بهذه الغرف أن لها قيادة واحدة تحركها، فمن البين جداً أنها تسير في أطر محددة، وتتفاعل في وقت واحد مع قضايا محددة، وهي اليوم تركز في شبهاتها على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتتخذ كل الغرف من هذا الموضوع شعاراً لها في ( البانر )، فمثلاً كتب في أعلى إحدى الغرف النصرانية: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق؟ أذكر خمسة أدلة فقط على مكارم أخلاق محمد؟ - وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم -، وفي الطرح المسموع والمكتوب على ( التكست ) ما يشيب الرأس.
- كانت هذه الغرف سبب في ضلال كثير ممن ضلوا، وهي السبب الرئيس في تثبت كثير من أهل الضلالة على ضلالهم.
- غرف المسلمين صغيرة - من فئة المئتين فرد سوداء اللون إلا واحدة - بينها تعاون ظاهر، وتعقد مناظرات ينتصر المسلمون فيها كلها - ولله الحمد -.
- في حين أننا لا نجد في غرف النصارى غرفة واحدة تلتزم أدنى قواعد الأدب في الحوار مع الأخر، نجد أن كل غرف المسلمين تلتزم الأدب مع المخالف - ولله الحمد -.
- جمهور أهل الغرف الإسلامية من الشباب، وقليل منهم المتخصصين، وكلهم من الأسماء المغمورة.(22/154)
والآن بعد هذا العرض الموجز أتساءل: على من تقع مسؤولية النشاط التنصيري في مصر؟ وأي طريق للمشاركة لصد هذه الحملة الصليبية المستعرة في أرض الكنانة مصر؟
أجيب - إن شاء الله - ومع الإجابة أضمن ما أقترحه كحل:
بلا مقدمات ولا موارية؛ المسؤولية تقع في المقدمة على ( أئمة المساجد ) لجهلهم، وعلى شيوخ الصحوة لغفلتهم عما حدث.
فأئمة المساجد هم الذين يلجأ إليهم من يتنصرون كي يسألونهم عن شبهاتهم، وهم الذين يلجأ إليهم من يريدون الإسلام كي يستوضحون ما أشكل عليهم، وأقول لو أنهم تفقهوا أو دلوا على من أفقه منهم أو سكتوا حين جهلوا، ولو أنهم اتقوا الله في سلوكهم وقد علموا أنهم هم الصورة الظاهرة للإسلام في أعين عامة الناس من المسلمين والنصارى؟!
وشيوخ الصحوة في مصر - حفظهم الله - في غفلة تامة مما يحدث - وأنا أعي تماماً ما أقول، وأتكلم من الميدان -، ولم نسمع لمشاهير الشيوخ في مصر شيئاً يذكر في مواجهة حملة التنصير المستعرة على أرض الواقع، فقط حدث نوع من التفاعل مع فيلم: (صلب المسيح)، والطرح الموجود في هذا الموضوع وعظ ليس إلا، وهو بعيد كل البعد عما يردده النصارى في مصر، ويشارك نفر أو نفرين منهم - حفظهم الله - في البالتوك، ولكن بخطبة أو درس مما يقال في المساجد للموحدين المحبين لا المجادلين من المتنصرين.
ونريد من شيوخنا أن يتصلوا بالقائمين على الغرف الإسلامية وهم سلفيون مثلهم ليعلموا ما يردده النصارى حول نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحول القرآن الكريم، والأحكام الإسلامية، ويدرسوها في مساجدهم لطلابهم لنشر ثقافة عامة ضد النصرانية الثائرة في البلاد، ولينقذوا هذه النفوس التي تتفلت إلى النار، وقبل ذلك لينقذوا أنفسهم من حساب الله غداً.
وأريد أن أنقل بعض مما يقال على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم أستثير به الهمم، وكلما هممت تجري عيني، وتنقبض يدي؛ لفحش ما يقال، مع يقيني بأن ناقل الكفر ليس بكافر، فأين أنتم يا أنصار السنة وقد سب صاحب السنة؟!
أيها الأحبة:
" إن الباطل كان زهوقاً "، " إن كيد الشيطان كان ضعيفاً " فما انتصر الباطل لقوة منهجه، وإنما غفل أهل الحق عن حقهم فانتفش الباطل، وأراها جرذان لم تخرج من جحورها إلا حين استيقنت أن البيت خلي من أهله، فعودوا إلى بيوتكم، ودمدموا عليهم بأرجلكم قبل أن ينخروا الجدران، وينهدم البيت على من فيه.
والمسؤولية تقع على كل ذي مال أو سلطان ممن يحب الله ورسوله، أو يحب وطنه، فقد أنشأ بعض الدعاة أكاديمية التصدي لهذا الشأن، ولو أنها وجدت من يساعد مالياً أو إدارياً أو ينفق على من يعلم أو يتعلم لربما كان الوضع أفضل من هذا.
يتذرع النصارى بالفتنة الطائفية في مصر، وهم الذي يشعلون نارها بإصرارهم على سب الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وكلهم مصريون، وكثير منهم معروف، فلم لا يرفع الأمر إلى ذي السلطان لينهاهم عن ذلك، ويحذرهم من مغبة ما يفعلون، وأنهم يشعلون ناراً ستبدأ بهم - إن شاء الله -.
وأنا أقول لهؤلاء ما قاله مسلم بين سيار لبني أمية حين بدأت دعوة بني العباس تظهر في خراسان:
أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها الكلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام
كتبت معذرة إلى ربي، والله أسأل أن يبارك لي في كلماتي هذه، وأن يبلغ عني، اللهم قد بلغت، اللهم قد بلغت، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=658
==================(22/155)
(22/156)
التنصير الحر قبل التبادل الحر
حسن السرات
" التنصير الحر " يسبق " التبادل الحر " ، هذا ما يصفع وجه الإنسان وهو يرقب مسارعة الإنجيليين الأمريكيين إلى العمل بنظرية " مسيحية الإنسان " والانتقال بها إلى " مسيحية المغربي " (أي أن الإنسان يولد مسيحيا بالفطرة، في حين أن الإسلام قرآنا وسنة يخبرنا بأن الإنسان مسلم مؤمن بالفطرة وأن أبويه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) . فعلى الرغم من التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في المجالات الاقتصادية والتجارية، وعلى الرغم من عدم الشروع في تطبيقها، إلا أن الحركة الإنجيلية الأمريكية سبقت الحركة الاقتصادية والتجارية بمراحل وأوقات . ويبدو أن شهية المنصرين الأمريكيين تفتحت إلى أقصى الحدود بعد نجاحها المدوي داخل بلادها وفي أمريكا اللاتينية، وأخذت تشتغل بهمة عالية ونشاط دائب في مناطق النفوذ الأمريكي، مستعيدة بذلك قصة الاستعمار الأوروبي منذ أكثر من قرنين عندما تحالفت حركة التبشير وحركة الاحتلال والاستيطان للهيمنة على العالم عامة والعالم الإسلامي خاصة. وتستعين الولايات المتحدة في مشروعها للهيمنة بممارسة الضغوط المستمرة على الأنظمة والحكومات وبعض المنظمات المدنية المتأمركة لعرقلة حركة الصحوة والبعث الإسلامي -رسمية وشعبية- ومضايقتها وتقييدها في عقر دارها، وتجفيف ينابيع العلم والعلماء وتكميم أفواههم وأرزاقهم، وإفساح المجال للتغريب والعلمنة وصنع الأزمات، بل واستغلال الكوارث الطبيعية، من أجل التدخل ونشر الدعوة النصرانية الأمريكية الأصولية المتشددة، وزرع جيوب اصطناعية من معتنقي المسيحية الجدد للدفاع عنهم كأقليات مضطهدة وتوزيع النقط الحسنة والسيئة على البلدان في تقريرها السنوي عن الحرية الدينية.
في مقابلة ذات صلة بملف التنصير المشتعل ببلادنا، سئل فضيلة الدكتور رضوان بنشقرون رئيس المجلس العلمي المحلي للدار البيضاء من لدن الأسبوعية المغربية "لاغازيت دوماروك" عن هذه القضية فأحسن الجواب عندما ذكر أن من أسباب الانتقال من الإسلام إلى المسيحية في العالم الإسلامي عامة والمغرب خاصة، حالة التجاهل والجمود في تجديد الإيمان وتقديم العقيدة للناس في حلة معاصرة، إلى جانب الفقر والحاجة. (العدد417- بتاريخ الاثنين 25 أبريل 2005-الصفحة 9).
وذلك يعني أن ما سماه الفقهاء قديما ب" الردة " لا يحتاج إلى حكم فقهي حالي، بل يحتاج إلى دراسة أسبابه ودوافعه القريبة والبعيدة والبسيطة والمركبة، مع استصحاب رؤية قرآنية دقيقة لقيمة حرية الاعتقاد والتدين . فغالبية المسلمين اليوم يعانون من العلمنة والتغريب والتفسيخ بإكراه سياسي وعسكري وإعلامي قادم من القوى الغربية المتنفذة ، وليس من الغرب كله ، مما يجعل المسلمين أول من يعاني من الاضطهاد الديني والحرمان من الحرية الدينية في ديارهم وبحراسة أجنبية . ويكفي استقراء أحوال الحركات الإسلامية الدعوية - بل ودول وحكومات إسلامية - وأشكال التقييد الذي تعاني منه ، مما يجعل المواطن العادي يقارن ذلك بالحرية التي يتمتع بها التنصير .
والمغرب يقع اليوم تحت ضغط إنجيلي أمريكي تجاوز الخطوط الحمراء، ويريد أن يعلن عن نفسه في العاصمة التاريخية مراكش الحمراء، ولا شك في أن الشعب المغربي يرفض مثل هذا الابتزاز والضغط، وينتظر من حكومته أن تفعل شيئا ملموسا للحفاظ على "الأمن الروحي" والسكينة الإيمانية والاجتماعية والنفسية والفكرية للمغاربة، بل وتنشيط هذا الأمن والإيمان في وسائل التربية والتثقيف والإعلام.
http://al-shaab.o r g المصدر:
-================(22/157)
(22/158)
التنصير عبر الإنترنت
أحمد محمود أبو زيد
وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة من أهم وأخطر الوسائل التي يعتمد عليها التنصير في نشر أفكاره ودعوته، والوصول بها إلى جميع بقاع العالم.
والمنصرون لم يتركوا وسيلة إعلام إلا وقد استغلوها لخدمة أهدافهم، وبث سمومهم؛ حتى وصل الأمر إلى استغلال مستحدثات الإعلام من أقمار صناعية، وبث مباشر، وإنترنت، فالمنظمات التنصيرية تملك الصحف والإذاعات الموجهة إلى البلاد الإسلامية حتى أن الدراسات قد أثبتت وجود أكثر من خمسين إذاعة كنسية في أفريقيا تبث برامج بمختلف اللهجات واللغات الأفريقية، كما يستغل المنصرون وسائل الإعلام المحلية في البلاد الإسلامية نفسها لبث أفكارهم على عامة المسلمين، فما من بلد إسلامي إلا وسنجد فيه صحيفة مسيحية أو أكثر إلا بعض الدول القليلة كالمملكة العربية السعودية.
وقد أشارت أحدث إحصائية صدرت عن التنصير في السنوات الأخيرة إلى أن عدد المجلات والدوريات والنشرات المسيحية التي توزع في العالم تبلغ (22700) مطبوعة، أما محطات الإذاعة المسموعة والمرئية المسيحية في العالم كله فتبلغ نحو (1900) محطة.
فاعتماد الحركة التنصيرية على الإعلام ظاهرة خطيرة وجديدة، ولقد انطلقت الكنيسة ومؤسسات التنصير في اهتمامها بهذه الوسائل من حقيقة مهمة أكدت عليها كثيراً وهي "أن هذه الوسائل إنما تساهم بصورة فعالة في تثقيف العقل، والترويح عنه، وتساعد على انتشار ملكوت الله وتدعيمه" وعلى هذا الأساس، وارتكازاً إلى هذه المعتقدات، وانطلاقاً منها؛ شهدت ساحة التنصير العالمية طوال السنوات الثلاثين الماضية - وحتى الآن - عشرات المؤتمرات الإعلامية التي ضمت صحفيين، وإذاعيين، وخبراء إعلام، وأساقفة من كل أنحاء العالم، والتي بحثت موضوع وسائل الإعلام، وتطوير استخدامها والتوسع في إنشاء مؤسساتها وأنشطتها في مجال التنصير، والذي يرجع إلى وثائق هذه المؤتمرات يجد أن هناك استراتيجية متكاملة لمخطط العمل الإعلامي التنصيري؛ حيث حددت هذه المؤتمرات: لماذا، وأين، وكيف تستخدم هذه الوسائل؟! كما أكدت على ضرورة تدعيمها مالياً كي تواجه كافة الصعوبات والعقبات التي تعترض عملها، أو تعوق نشاطها، وأوصت دائماً على أهمية إعداد الكوادر النصرانية المؤهلة عقائدياً وفنياً لإدارة هذه الوسائل واستخدامها بأقصى طاقة وأكبر قدر من الفعالية والتأثير، وقد جاءت ملامح هذه الاستراتيجية الإعلامية التنصيرية وأسسها والتي جسدها المرسوم الذي أصدره "المجمع المكسوني الفاتيكاني الثاني" الذي عقد عام 1962م وحضره ما يقرب من ثلاثة آلاف من الأساقفة الذين يمثلون الكنيسة في جميع أنحاء العالم - على النحو التالي: (1)
1- أن استخدام وسائل "التعبير" يعد واجباً من واجبات الكنيسة؛ لنشر رسالة الخلاص بين الناس.
2- من الضروري أن تستخدم الكنيسة وسائل الاتصال الجماهيري، وأن تمتلكها؛ لأنها ضرورية للتربية المسيحية، ولكافة الأعمال الدعائية الأخرى.
3- ينبغي استخدام هذه الوسائل استخداماً صحيحاً في ضوء طبيعة الوسيلة والظروف التي تستخدم فيها، والغاية من استخدامها والأشخاص والزمان والمكان الذي تستخدم فيه.
4- على جميع أبناء الكنيسة أن يوحدوا جهودهم، وأن يتعاونوا على استخدام وسائل التعبير بصورة فعالة، ودون إبطاء، وبأعظم قدر من الاهتمام.
5- على الدعاة أن يبادروا في هذا الميدان إلى استخدام هذه الوسائل للقيام بواجب التبشير بالإنجيل الذي هو من صميم مهمتهم.
6- ينبغي إنشاء محطات إذاعية كاثوليكية كلما سنحت الفرصة لذلك، والاهتمام بأن تكون على مستوى عال من الكفاءة والجودة.
7- الإسراع في إعداد الكهنة والرهبان القادرين والمؤهلين لاستخدام هذه الوسائل لتحقيق أهداف "الرسالة" وهنا يجب الالتزام بإعدادهم إعداداً فنياً وعقائدياً وأدبياً مناسباً.
8- يجب الاهتمام بإنشاء العديد من المدارس والمعاهد والكليات التي تتيح للصحفيين ومنتجي الأفلام ومذيعي الراديو والتليفزيون - ولكل المعنيين بهذه الأمور - تحصيل ثقافة كاملة مشبعة بالروح المسيحية تنصب بوجه خاص على التعليم الاجتماعي للكنيسة.
9- على أبناء الكنيسة القيام بواجبهم في مساندة ومساعدة الصحف الكاثوليكية- وتدعيم النشرات والدوريات، والأفلام السينمائية ومحطات الراديو والتليفزيون؛ حتى لا تواجه الفشل بسبب الصعوبات الفنية، أو نقص الأموال التي تحتاج إليها.
10- إنشاء مؤسسات محلية لانتاج الأفلام السينمائية وبرامج الراديو والتليفزيون وتدعيمها وتزويدها بكافة الإمكانات.
11- يجب استخدام هذه الوسائل "لتوعية المسلمين" أي تنصيرهم ولإعداد وتدريب المنصرين في نفس الوقت وتزويدههم بكافة ما يحتاجونه من معلومات في هذا المجال.
12- ينبغي ترجمة المطبوعات إلى مختلف اللغات وتبادلها مع مختلف الجهات التي تحتاج إليها في أي مكان في العالم.(22/159)
ومما لا شك فيه أن الهيئات والمنظمات التنصيرية أفادت فائدة عظمى من جراء استخدام هذه الوسائل الجماهيرية؛ إذ تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن الإرساليات الكبيرة قد تمكنت عبر هذه الوسائل وبواسطتها أن تصل بصوتها إلى 48 مليون شخص يومياً عام 1986م، وكان هذا الاتصال يتم بواسطة توزيع الكتب والنشرات التنصيرية والإذاعة وعرض الأفلام(2).
المطبوعات التنصيرية:
الحقيقة إن استخدام المطبوعات ضمن الاستراتيجية الإعلامية التنصيرية كان له السبق على استخدام الإذاعة المسموعة والمرئية، بحكم السبق التاريخي لظهور المطبوعات.
ولقد اهتم المنصرون باستخدام المطبوعات منذ زمن بعيد حيث ظهرت أول مطبعة عربية في أوربا في مدينة "فانوا" بإيطاليا وهي التي صدرت عنها بعض الكتب النصرانية عام 1514م.
وقد اهتمت الإرساليات بإصدار العديد من المطبوعات (كتب - مجلات - نشرات)، وكما تسعى هذه المطبوعات إلى نشر النصرانية من خلال نشر الإنجيل، والتعريف بالمسيح؛ فإنها تعمل في نفس الوقت على تشويه الإسلام، والإساءة إليه، وقد أنشأت المؤسسات التنصيرية العديد من دور النشر، بل تخصصت بعض الإرساليات والمنظمات في هذه المهمة ومنها:
1- رابطة الإيمان لمساعدة الإرساليات التي تأسست عام 1915م ولها عدة فروع في بريطاينا وفرنسا وهولندا وجنوب أفريقيا.
2- منظمة نشر النصرانية في الشرق الأوسط ومقرها بيروت.
3- منظمة نشر النصرانية في الشرق الأوسط أيضاً ولها فروع في بال بسويسرا والنمسا وهولندا.
4- دار النشر الفرنسيه "شرق".
5- دار الهداية ومقرها النمسا.
وإذا كان من غير الممكن إحصاء دور النشر التنصيرية في العالم فإنه من الصعب كذلك إحصاء المطبوعات التي تصدر سواء كانت كتباً أو مجلات أو نشرات بمختلف اللغات ومن بينها اللغة العربية، فهناك العديد من القوائم التي تضم ملايين الكتب والمجلات والنشرات التي صدرت وتصدر في مختلف أنحاء العالم، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن جمعية ترجمة الإنجيل في أفريقيا تتولى إعداد أكثر من (442) ترجمة للإنجيل، وبلغ عدد النسخ التي جرى توزيعها من هذا الكتاب عام 1986م ما يقرب من 66 مليون نسخة إلى جانب 46 مليون نسخة من العهد القديم "التوراة"(3) فضلاً عن النسخ الصوتية التي يجرى تسجيلها على أشرطة صوتية من أجل الأميين أو المطبوعة بالأحرف البارزة "طريقة برايل" للمكفوفين.
ويمكن القول بأنه إلى جانب طبع الإنجيل ونشره بمختلف اللغات فإن المطبوعات التنصيرية تدور حول الموضوعات والمحاور الآتية: (4)
- شرح العقيدة النصرانية والتركيز على أنها "الخلاص"، وأن المسيح هو المخلص الفادي.
- سرد سيرة المسيح "ومعجزاته" وشخصيته.
-تشويه الإسلام، والتشكيك في العقيدة، وإثارة الشبهات حولها.
- تحريف القرآن، والأحاديث النبوية.
- الدعوة إلى حوار مسيحي إسلامي.
- تصوير الآباء والقديسين النصارى في مظهر القدوة الصالحة للمجتمع.
- بحوث ودراسات عن أحوال المسلمين فكرياً وسياسياً واجتماعياً.
- تعليم المنصرين وتدريبهم.
- تقديم القصص الدينية النصرانية للأطفال.
- الدعوة إلى تدعيم النشاط التنصيري في مختلف أنحاء العالم.
- سرد تجارب المرتدين عن الإسلام، وكيفية اعتناقهم للنصرانية، ولكي تحقق هذه المطبوعات الهدف المنشود منها فإنه يجري توزيعها على أوسع نطاق ممكن بأسعار زهيدة جداً أو مجاناً، ويتم توزيعها عبر العديد من المنافذ والوسائل مثل: المكتبات في الكنائس والإرساليات، والمدارس، والمستشفيات، والأندية أو المكتبات المحمولة على أظهر السفن أو العربات المتنقلة، أو ترسل بالبريد، كما يجري توزيعها يدوياً في المدارس والتجمعات المختلفة.
وقد ناقش المنصرون عدداً من القضايا والمشكلات الخاصة باستخدام المطبوعات في مجال التنصير وتوصلوا إلى أن هناك بعض المعوقات التي تقف في سبيل انتشار هذه المطبوعات وتحقيق الهدف منها، ومن هذه المشكلات: (5)
1- انتشار الأمية في العديد من المناطق التي تحتاج إلى التنصير.
2- تشكك المسلمين في هذه المطبوعات النصرانية.
3- تنوع البيئات والأجناس والثقافات والعادات في المناطق الإسلامية المختلفة.
4- أن المطبوعات التنصيرية تقتصر على الشئون الدينية فقط ولا تربط بين الدين والمشكلات الحياتية اليومية للناس.
5- ندرة المطبوعات الخاصة بالمرأة.
6- الحاجة إلى تطوير المطبوعات المخصصة لمساعدة المتنصر الجديد.
7- ندرة الكتب الخاصة بمواد تعليم القراءة والكتابة وتعليم اللغة الإنجليزية للمسلمين.
وتعمل هيئات التنصير ومنظماته لتذليل هذه العقبات والمعوقات والعمل على نشر المطبوعات التنصيرية في العديد من بقاع العالم.
استغلال شبكة الإنترنت:(22/160)
ومع ظهور شبكة الإنترنت التي تتميز بسعة الانتشار على مستوى العالم بدأت منظمات التنصير التفكير في استغلال هذه الشبكة لتنصير العالم، وقامت عام 1997م بإنشاء "اتحاد التنصير عبر الإنترنت" والذي يعقد مؤتمراً سنوياً عاماً يحضره ممثلو الإرساليات التنصيرية والقائمون على الصفحات التنصيرية على الشبكة الدولية لدراسة أفضل السبل لاستخدام إمكانات "الإنترنت" في نشر الدعوة التنصيرية.
وقد أثمر هذا النشاط التنصيري الكبير من خلال شبكة الإنترنت آلاف المواقع التنصيرية التي تفوق عدد المواقع الإسلامية بعشرات المرات، فالاحصائيات تؤكد أن عدد المواقع التنصيرية تزيد عن المواقع الإسلامية بمعدل 1200%، وأن المنظمات المسيحية هي صاحبة اليد العليا في الإنترنت حيث تحتل نسبة 62% من المواقع، وبعدها المنظمات اليهودية، أما المسلمون فيتساوون مع الهندوس في عدد المواقع والذي لا يزيد عن 9% من مواقع الشبكة(6).
وهذه الأرقام تدق ناقوص الخطر وتضع المسلمين أمام تحد صعب وسباق يجب أن يدخلوه لاستغلال شبكة الإنترنت دعوياً بالشكل المطلوب ومواجهة هذا الخطر التنصيري المتنامي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1-د. كرم شلبي - الإذاعات التنصيرية الموجهة إلى المسلمين العرب - مكتبة التراث الإسلامي - القاهرة - الطبعة الأولى 1991 - ص: (58).
2- نذير حمدان - في الغزو الفكري - مكتبة الصديق - الطائف - المملكة العربية السعودية - ص: (134).
3- مجلة الدعوة - السعودية - العدد (1095) - 19 شوال 1405ه.
4- د. كرم شلبي - مرجع سابق - ص: (60).
5- المرجع السابق - ص: (61).
6- نشرة "التبشير على الإنترنت" العدد السادس عشر - يوليو 2000م.
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
==============(22/161)
(22/162)
بابا الفاتيكان الرحيل والأثر
23 صفر 1426هـ الموافق له 3 أبريل 2005 م
أعلن الفاتيكان مساء يوم السبت 2/4/2005 موت زعيم النصارى الكاثوليك في العالم, البولندي الأصل 'كارول فويتيلا' والمعروف باسم [البابا يوحنا بولس الثاني].
ويوحنا المولود عام 1920 بالقرب من مدينة كراكو البولندية، هو البابا الأول غير الإيطالي منذ البابا أدريانوس السادس [1522- 1523م]، كما يعتبر أصغر بابا في القرن العشرين، حيث تولى البابوية عام 1978، وكان عمره آنذاك 58 عاماً.
وقال الفاتيكان في بيان: إن البابا الذي بلغ من العمر 84 عاماً، ورأس الكنيسة الكاثوليكية على مدى 26 عاماً توفي في الساعة 9.37 مساء بالتوقيت المحلي في مقر سكنه الخاص.
وأعلن نبأ وفاة البابا على الفور على حشود ضخمة تجمعت في ميدان 'القديس بطرس' في الفاتيكان، حيث أقيمت صلوات على أضواء الشموع.
وبحسب دستور الفاتيكان الصادر في 1996 فإن القداس الديني الجنائزي عند وفاة البابا يجب أن يتم على مدى 9 أيام، على أن يتم الدفن ما بين اليوم الرابع واليوم السادس الذي يلي الوفاة، كما يقضي بدفن جثمانه في سرداب أسفل كنيسة 'القديس بطرس'، إلا إذا حددت وصية الدفن مكاناً آخر أو طريقة مغايرة.
تدهور صحته [البابا الأبكم]:
وكان يوحنا قد نقل مؤخراً مرتين إلى المستشفى بعد أن أصيب بمشاكل في التنفس ازدادت سوءاً بسبب إصابته بمرض الشلل الرعاش، ثم خضع لجراحة في الحنجرة 'فبراير الماضي' للتخفيف من مشكلات التنفس التي كان يعاني منها، مما سبب له صعوبات في النطق والكلام بعد العملية، خاصة بعد تركيب جهاز في الرقبة لتسهيل التنفس.
وفور الإعلان عن العملية أكدت الصحافة الإيطالية الصادرة السبت 26/2/2005 أن الفاتيكان والكنسية الكاثوليكية تستعدان لاستقبال بابا أبكم، وذكرت صحيفة 'كوريا ديلا سوريا' أن الفاتيكان يستعد لبابا لا يتكلم، مشيرة إلى أنه دون نقاش لن يتخل البابا عن مهامه حتى وإن أصبح أبكم نهائياً، كما ذكرت صحيفة 'الميساجيرو' إلى أن البابا يستطيع الإدارة من خلال القيام بالإشارة، فيما نوهت صحيفة 'لا ريبوليك' إلى قيام 'البابا بنظام صامت'.
وأشارت الصحف الإيطالية الثلاث إلى أن الكاردينال الإيطالي 'ماريو فرانسيسكو بومبيدا' البالغ 75 عاماً - والذي كان يتقلد منصب وزير العدل الأسبق - أكد على أن البابا يستطيع حكم الكنسية من المستشفى من خلال التعبير عن رغبته، أو كتابة الأمور والإجراءات، أو الإدلاء ببعض الإشارات.
وفي الأيام الأخيرة قبيل الوفاة تدهورت صحة يوحنا بشدة، وحسب ما نشرته مجلة 'دير شبيجل' الألمانية فقد تخلف بابا الفاتيكان وللمرة الأولى منذ توليه البابوية عن حضور مراسم احتفال النصارى بيوم الفصح يوم الأحد 27/3/2005، حيث لم يستطع مجرد الوصول إلى الشباك من أجل إلقاء نظرة على أتباعه, وذكرت المجلة أن الأطباء المعالجين له حذروه من خطورة أن يحاول الوصول إلى نافذة الغرفة من أجل الظهور أمام الناس, وتحدثت صحيفة 'التليجراف' البريطانية في موقعها على الإنترنت عن اللحظات الأخيرة في حياة 'يوحنا بولس الثاني' بابا الفاتيكان الذي أُعْلِنت وفاته مساء أمس السبت.
وأوضحت الصحيفة أنه في يوم الأربعاء الماضي قام الأطباء بإدخال أنبوب تغذية إلى معدة البابا في محاولة منهم لزيادة حيويته، وذلك بعد يوم واحد من تطور المرض، وارتفاع الحمى؛ مما أدى إلى عجز القلب، ومن ثم إصابة الكلية واضطرابها ثم الوفاة.
جدير بالذكر أن يوحنا قد تعرض لمحاولة اغتيال حيث أصيب برصاص مواطن تركي 'محمد علي آغا' في 13 مايو 1981 في ساحة 'القديس بطرس' بالفاتيكان.
متى مات البابا؟
وكان وزير الصحة في الفاتيكان قد أعلن صباح الجمعة 1/4/2005 أن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني يحتضر، وفي حينه أيضاً ذكر كبار رجال الدين في الفاتيكان أن البابا يحتضر، وهو على مشارف الموت، وكان الفاتيكان قد وصف حالة البابا بأنها 'خطيرة للغاية' بعد أن تعرض لنوبة قلبية، وأشار مسؤول في الفاتيكان إلى أنه يكاد لا يعتقد أن الوضع سيتحسن، في حين قال كاردينال كبير: إن البابا يشارف على النهاية، غير أن وسائل الإعلام في إيطاليا حيث يتواجد الفاتيكان أكدت وفاة البابا، مشيرة إلى توقف أجهزة تخطيط القلب، كما أكدت مصادر بالفاتيكان أن بولس الثاني قد توفي، ومن المقرر أن يعلن المقر البابوي ذلك لاحقاً.
وفي وقت سابق من اليوم ذاته أعلن الفاتيكان أن البابا 'يوحنا بولس الثاني' لا يزال في حالة خطرة، وأن ضغط دمه غير مستقر بالإضافة إلى مشاكل في التنفس، وأكد 'غواكين نافارو فولز' كبير المتحدثين باسم الفاتيكان للصحفيين أن المراسم الدينية الكاثوليكية الأخيرة التي تجرى عادة للمرضى وهم على فراش الموت قد أجريت للبابا.
من يخلف يوحنا(22/163)
وكانت الوعكات الصحية المتتالية ليوحنا في الآونة الأخيرة قد فتحت باب الخلافة على رأس الكنيسة الكاثوليكية على مصراعيه، وأصبح كبار مسؤولي الفاتيكان يناقشون الموضوع في وسائل الإعلام بعد أن كان ذلك في حكم المحظور قبل سنوات، خاصة وأن النصارى يعتبرونه 'وريث كرسي القديس بطرس'، كما يزعمون أنه 'يستمد شرعيته من المسيح مباشرة'، وليس له الحق في العدول عن 'رسالته الإلهية' ما دامت الروح تسري في عروقه.
ويقرر 'الدستور الرسولي' الذي تمت المصادقة عليه عام 1996م أنه في حال وفاة البابا ينعقد مجمع الكرادلة في جلسة مغلقة لانتخاب خلف له بغالبية ثلثي الأصوات، ومن المقرر أن يبدأ المجمع الانتخابي المكون من 120 كاردينالاً بعد حوالي أسبوعين بالاجتماع لانتخاب رئيس جديد للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح البابا رقم 265 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
ويتم انتخاب البابا ضمن طقوس خاصة تحيطها أسرار الغرف السوداء، إذ أن الكرادلة المؤهلين لاختيار بابا جديد يدخلون اجتماعاً مغلقاً، وينقطعون عن العالم حتى ينتخبوا من بينهم البابا الجديد، في غضون ذلك تكون ساحة 'القديس بطرس' مكتظة بجماهير غفيرة تنتظر من سيكون 'نائب المسيح' على حد وصفهم.
وبعد كل جولة من المناقشات السرية يتصاعد دخان من مدخنة الشرفة التي تطل على الساحة، فإذا لم يتم الاختيار يصعد دخان أسود، وإذا تم الاختيار يصعد دخان أبيض، ويخرج بعد قليل عميد الكرادلة إلى شرفة كنسية القديس بطرس ويعلن اسم البابا الجديد.
وتشكيلة مجمع الكرادلة الحالي الذي عينه بولس الثاني تغلب عليها ما سماه المحلل الإيطالي المتخصص في شوؤن الفاتيكان 'جان كارلو زيزولا' بالنزعة العالمية، إذ أن كرادلة دول العالم الثالث يمثلون نحو 40 % من المجمع أي ما مجموعه 54 كاردينالاً، وذلك أمام تراجع الكتلة الإيطالية [24 كاردينالاً] التي فقدت كرسي البابوية منذ أكثر من 4 قرون، وفي هذا الصدد يرى البعض أن البابا القادم قد يكون من خارج أوروبا، وربما من أميركا اللاتينية.
كما أن كاثوليك أفريقيا - وخاصة النيجيريين - بدؤوا يحلمون بأول بابا أسود على رأس الكنيسة، وتوقعت بعض الأوساط الكاثوليكية أن يكون البابا أحد أقرب المستشارين ليوحنا، وهو بحسب صحيفة 'جولف دايلي نيوز' الكاردينال النيجيري 'فرانسيس آرينز' البالغ من العمر 72 عاماً.
ويأتي هذا التوقع مع وجود إحدى نبوءات [الكتاب المقدس] لدى الكاثوليك، وهي نبوءة تكرس سياسة التمييز العنصري، وظهرت في القرن السادس عشر، وتزعم أن القيامة ستقوم عندما يأتي بابا أسود على رأس الكنيسة الكاثوليكية بالفاتيكان, ويدخل الإيطاليون على خط الصراع، حيث يرغبون في استعادة مكانهم الذي استمروا فيه 4 قرون.
ومن جانبه كشف موقع [نيوز فرست كلاس] الأخباري الصهيوني السبت 2/4/2005 أن أحد ورثة بابا الفاتيكان وهو الكاردينال 'كريستوفر شونبرن' بطريرك فينا قد زار الكيان الصهيونى مؤخراً، وتحدث خلال تلك الزيارة عن 'حق اليهود في الأرض المقدسة'، وقال الموقع: إن الكاردينال كريستوفر أوضح ذات مرة أنه يرفض ما يقال حول أن التأييد الأوروبي لـ 'إسرائيل' ينبع من الإحساس بالذنب تجاههم.
وكان يوحنا قد زار الكيان الصهيونى عام 2000 م، والتقى بكبار المسؤولين والحاخامات، وقام بزيارة حائط البراق، وأعلن خلال تلك الزيارة عن 'أسفه' على ما لحق باليهود من معاناة على مدار التاريخ، وطلب منهم الصفح والعفو، وقال: إنه يريد عقد حلف صداقة بين المسيحيين واليهود.
آخر أعماله اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!
وقد كان البابا يوحنا واضحاً حين أعلن عن رغبته في توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط، واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة، وصارت تحمل لقب 'تاريخية'، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.
فالبابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجداً حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001 م، وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما، وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جداً بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994م، بعد أن كان أيضاً أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبداً يهودياً عام 1986 م, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق، وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون، كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية كرئيس لما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية'، والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.(22/164)
وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران 'جوفاني بيرناردو جريمولي' الذي كان يشغل هذا المنصب، وعين مكانه المطران 'بول هيندر' الذي كان أسقفاً لمنطقة شبه الجزيرة العربية، وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراة في القانون الكنسي.
وتم إنشاء ما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية' في شبه الجزيرة العربية - التي تتخذ من العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقراً لها - في 28 من يونيو من عام 1889م، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتداداً في العالم، ويعمل فيها نحو 40 كاهناً و70 راهبة.
المصدر : http://www.islammemo.cc/taq r e r /one_news.asp?IDnews=366
==============(22/165)
(22/166)
من الحروب الصليبية إلى التنصير
مصطفى بن سعيد إيتيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد بعث الله - سبحانه وتعالى - نبيه محمدًا إلى الناس كافة: عربهم وعجمهم، باديهم وحاضرهم، إنسهم وجنهم، قال - تعالى -: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [سبأ: 28]، وأمره - سبحانه - أن يقول: "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا" [الأعراف: 158].
بعثه الله - سبحانه - وأهل الأرض صنفان: أهل كتاب، وزنادقة لا كتاب لهم، وكان أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى أشرف الصنفين لما عندهم من النصيب من الكتاب الذي أوتوه على نسيانهم حظًا منه، وتحريفهم لما حرّفوا.
أشرقت شمس الرسالة على أهل الأرض فكانت لهم سراجًا منيرًا، فأنعم الله بها عليهم نعمة لا يستطيعون لها شكورًا، وأهل الكتاب وقتئذ مترقبون ينتظرون، فلما أشرقت من مكة ببعثة محمد بن عبد الله الهاشمي كفروا بها وجحدوها إلا قليلاً منهم، وكانوا هم أولى باتباع النبي لما يجدونه مكتوبًا عندهم في كتبهم، ولأنهم كانوا أعرف به منهم بأبنائهم، قال - تعالى -: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل" [الأعراف: 157]، وقال - تعالى -: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" [البقرة: 146].
أرسل الله نبيه بالهدى ودين الحق، وأنزل معه الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، ولم يقبل - سبحانه - بعد الإسلام دينًا سواه، قال - تعالى -: "أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون" [آل عمران: 83].
وخص الله - سبحانه - أهل الكتاب بدعوة خاصة فقال - تعالى -: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" [المائدة: 15، 16].
فناداهم بـ(يا أهل الكتاب) تشريفًا وتكريمًا، وليكون ذلك أدعى لقبول ما جاء به محمد لأنه من جنس ما جاءت به الرسل قبله، فالإيمان بالكتب إيمان بالوحي، وهو جنس واحد لا يتجزأ ولا يفترق.
فكان منهم من أسلم فسلم، وآمن فأمن، وكتب له الأجر مرتين، قال: ((من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه ما علينا))[1].
وكان منهم من أخذه الكبر والحسد، فكفر وجحد، ومع ذلك أقرهم الإسلام على دينهم، وأذن للمسلمين في الإحسان إليهم، وعصم دماءهم وأموالهم، وحفظ لهم حقوقهم، وأبقاهم بين المسلمين رجاء الخير لهم بإسلامهم وإيمانهم.
فكان الإسلام عليهم نعمة، والمسلمون لهم رحمة، ما ظنكم ـ أيها المسلمون ـ بدين يفتي علماؤه ويقررون بأن من كان معه ماء لوضوئه ووجد مضطرًا من أهل الكتاب أو من دوابهم المعصومة وجب عليه أن يعدل إلى التيمم وأن يسقي ذلك المضطر أو تلك الدابة[2] إنه مصداق قوله - تعالى -: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء: 107].
أيها المسلمون، إن أهل الكتاب ما نعموا بعدل ولا سعدوا بأمن إلا تحت حكم المسلمين، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة:
لما انسحب أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - من حمص ـ بعد أن فرض عليها الجزية ـ بكى النصارى في حمص وقالوا: "يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم ـ أي الروم ـ غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا"[3].
ولما قتل صالح بن علي بن عبد الله بن العباس مقاتِلةَ لبنان وأجلى بعضهم، كتب إليه الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: "وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئًا لمن خرج على خروجه ممن قتلتَ بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت، فكيف تؤخذ عامةٌ بذنوب خاصةٍ حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم، وحُكمُ الله - تعالى -أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدي به، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله فإنه قال صلى الله عليه وسلم : ((من ظلم معاهدًا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه))" [4].(22/167)
وإليكم أيها المسلمون شاهدًا آخر لكنه هذه المرة من أهلهم، يقول جوستاف لوبون: "ما كانت انتصارات العرب لتعمي أبصارهم لأول أمرهم، وتحملهم على الإفراط المألوف عند الفاتحين في العادة، ولا اشتدوا في إرهاق المغلوبين على أمرهم، ولا فرضوا عليهم بالقوة دينهم الجديد الذي كانوا يريدون بثه في أقطار العالم، ولو عملوا ذلك لأهاجوا عليهم جميع الشعوب التي لم تخضع لهم، فاتقَوا حق التقاة هذه التهلكة التي لم ينج منها الصليبيون الذين دخلوا الشام في القرون اللاحقة، بل رأيناهم ـ أي المسلمين ـ حيث دخلوا في الشام ومصر وإسبانيا يعاملون الشعوب بمنتهى الرفق، تاركين لهم أنظمتهم وأوضاعهم ومعتقداتهم، غير ضاربين عليهم في مقابل السلام الذي ضمنوه لهم إلا جزية ضئيلة، كانت على الأغلب أقل من الضرائب التي كان عليهم أداؤها من قبل. وما عرفت الشعوب فاتحًا بلغ هذا القدر من المسامحة، ولا دينًا حوى في مطاويه هذه الرقة واللطف"[5].
هكذا كان الإسلام لهم، وهكذا أمر الله ورسوله المسلمين أن يكونوا لهم.
وفي مقابل هذا البر والإحسان والرحمة والإنعام، كيف كان أهل الكتاب للمسلمين؟
إنهم كانوا يكيدون لهم كيدًا، ليردوهم عن دين الله فردًا فردًا، سلكوا في ذلك جميع السبل والوسائل، ونفذوا من أجله مخططات الأواخر والأوائل، فمَّرة مكر وخديعة في ثوب الناصح الأمين، ومرّة غصب واستعمار تحت ستار الإعانة والتأمين، وها هو التبشير والتنصير قد أنشب أظفاره وكشر أنيابه، وهو نتيجة من نتائج التعصب الصليبي المسلح، ومولود من مواليد القوة الطاغية التي تسمي كل ما ترضى عنه من الأعمال المنكرة حرية دين، أو حرية فكر، أو حرية رأي، وتسمي كل ما لا ترضى عنه من المطالبة بالحقوق المغصوبة وغير ذلك تسميه إرهابًا وعنفًا وأصولية وتشددًا.
فالتبشير والتنصير في حقيقة أمره مسار الاستعمار ودرب الغصب، أمدته القوة الطاغية بالمعونة والتأييد، فمد سلطانه حتى أصبحت جميع الأوطان أوطانه، فمن رام فضح أمره قالت له القوة الطاغية: اسكت، التبشير حر وأنا حامية الحرية، وهو عمل إنساني وأنا منقذة الإنسانية[6].
أيها المسلمون:
إنه لا عجب في أن يكذِّب اليهود والنصارى بالقرآن الكريم، ولكن العجب كل العجب فيمن يقول من الغافلين والخائنين من المسلمين: إن اليهود والنصارى إخوان لنا، راضون عنا!! وهو يسمع قول الله - عز وجل -: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" [البقرة: 120].
العجب كل العجب فيمن يزعم أنه يؤمن بالقرآن الكريم ثم هو يقول: إن اليهود والنصارى يحبوننا ولا يكنّون لنا العداوة والبغضاء!! والله - تعالى -يقول: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" [البقرة: 217].
العجب كل العجب فيمن يقول من المتخاذلين والمخذولين من المسلمين: إن اليهود والنصارى يحترمون ديننا ويعظمونه ويقرّوننا عليه!! والله - تعالى - يقول: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" [البقرة: 109].
عداوة أهل الكتاب للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بينها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببينة القرآن ولم يكفه شاهد العيان فلا حيلة إليه.
أيها المسلمون:
اذكروا الجرائم الشنيعة والعظائم الفظيعة التي ارتكبها النصارى في حق مسلمي الأندلس، أجبروهم على التنصر، وحوّلوا مساجدهم إلى كنائس، وأتلفوا كتبهم ومصاحفهم، واعتبروا أطفالهم نصارى، فعمّدوهم بالقوة، ومحوا شعائرهم وشعاراتهم، ومنعوا تقاليدهم وعاداتهم، ونكثوا العهود والمواثيق التي أخذت منهم أن لا يتعرضوا للمسلمين، فقتلوا وعذبوا، ونكَّلوا وشرَّدوا.
واذكروا الحروب الصليبية الكبرى التي شنها النصارى على الشرق الإسلامي طيلة قرنين من الزمان، ويسمونها (الحرب من أجل تحرير القبر المقدس)، كم ارتكبوا فيها من مذابح بقيت شامة عار في جباههم، ففي الحملة الأولى فقط أبادوا أهل أنطاكية وذبحوا في القدس أكثر من سبعين ألفًا من المسلمين، وخربوا حمص وبعلبك وحماة وعسقلان وقِنّسرين وطبرية وغيرها من البلاد، وهجَّروا أهلها منها، وفعلوا الأفاعيل العظيمة التي استحى حكماؤهم ومؤرخوهم منها.
واذكروا ما فعل الاستعمار الصليبي في بلاد المسلمين في القرن المنصرم من قتل وتشريد، وفساد وإفساد، وتخريب ودمار، ونهب للأموال والممتلكات، وحرم المسلمين من أدنى الحقوق التي لا تحرم منها الدواب والبهائم، وليست مذابح البوسنة والهرسك ومجازر كوسوفا منكم ببعيد.
وها هم اليوم يتغنون كذبًا وزورًا بالأمن والسلام، والوحدة والوئام؛ فهذا مجلس الأمن، وذاك مبعوث السلام، وهذه خطة أمن، وتلك صلاة سلام، فبالله عليكم متى علمتم الوحوش الضارية استأنست، ثم هل تلد الوحوش غير الوحوش؟!(22/168)
بالأمس القريب كانت صلاتهم اليومية التي يقولها الصغير والكبير والذكر والأنثى منهم: (يا قلب يسوع الإلهي، أتقدم إليك بقلب مريم الدامي، بصلواتي وأعمالي وآلامي في هذا النهار، وأقدم إليك صلواتي من أجل الغاية التي أنت ساع في سبيلها كل يوم على المذبح، وأقدم إليك صلواتي بصفة أخص، من أجل اتحاد كل الكاثوليك، ومن أجل محاربة الإسلام)[7]، هذه صلاتهم وهذه عقيدتهم التي كانوا عليها بالأمس ولا يزالون عليها اليوم، يقول الفيلسوف الكبير الدكتور جوستاف لوبون ـ متأسفًا ـ: "إن العقيدة الكاثوليكية المتوارثة فينا تجعلنا من ألد الأعداء للمسلمين"[8].
ومثال آخر مشهور وهو الأنشودة الإيطالية التي تسمى بـ(الوطنية)، يحفظها الصغير والكبير، ويتغنى بها الوجيه والحقير، يغذون بها أرواحهم بالحقد والشحناء، والعداوة والبغضاء، وهي مؤلفة من أربعة أدوار، واسمعوا إلى الدور الثاني منها لتعلموا ما يكنه النصارى لكم: (ليمت الشعب الإسلامي التعس. وليحارَب هذا الدين الإسلامي. الذي يضع المخدَّرات من النساء تحت تصرف السلطان. إني سأحارب بكل شجاعة لمحو القرآن. وبذلك أموت طليانيًا شريفًا)[9].
فاعرفوا أيها المسلمون أعداءكم، وإياكم ثم إياكم من زخارف القول.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
----------------------------------------
[1] أخرجه أحمد (5/259)، والطبراني في الكبير (8/190-191) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [304].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (21/80).
[3] فتوح البلدان للبلاذري (137) والخراج لأبي يوسف.
[4] فتوح البلدان للبلاذري.
[5] الإسلام والحضارة العربية (1/144).
[6] انظر مقدمة سجل مؤتمر جمعية العلماء الجزائريين لمحمد البشير الإبراهيمي (ص 65).
[7] انظر: آثار عبد الحميد بن باديس (5/464).
[8] انظر المصدر السابق (5/49).
[9] انظر المصدر السابق (5/50).
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والله المستعان على ما نسمع ونرى ونشاهد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عظم المطلوب وقل المساعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، خير هذه الحياة ناقص وشرها زائد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد ولا ند ولا ولد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وسيد كل عابد وزاهد، وأكرم كل معلم وأصبر كل مجاهد.
اللهم فصل وسلم على نبينا محمد الراكع الساجد، ومنقذ كل معاند وجاحد، من درن الذنوب وخبث العقائد، وعلى آله وصحبه الأماجد، وعلى التابعين لهم بإحسان في الوسائل والمقاصد.
أما بعد:
أيها المسلمون:
لقد علمتم وسمعتم بما حدث في هذا الأسبوع من زيارة كبير النصارى الكاثوليكيين البابا يوحنا بولص الثاني لبلاد سوريا مدينة دمشق، والسماح له بدخول المسجد الأموي، وبإقامة قداس كبير، وإلقاء المواعظ والخطب، وأداء صلاة السلام، وغير ذلك من الأمور الخطيرة التي تتم من وراء حجاب أو مستورة بجلباب.
ولقد لقي هذا الضيف الثقيل ترحابًا كبيرًا، وحفاوة عظيمة، حيث فرشت له السبل، وزينت له الطرق، وخرجت إليه الجماهير تصفق وتزمر، وأكرم غاية الإكرام، وعظم منتهى التعظيم، وإن في هذا الحدث الخطير لتنبيهاً لنا معاشر المسلمين وإيقاظًا لنا من غفلتنا:
• فهذا الحدث الخطير دليل على ضعف المسلمين وخضوعهم لطلبات أعدائهم من اليهود والنصارى وغيرهم.
• وهو دليل على قوة نفوذ النصارى في بعض بلاد المسلمين، وتغلغلهم في مراكزها الحساسة بما يمكنهم من اتخاذ القرارات وإصدار الأوامر والتوجيهات، فكم من بلد إسلامي منع فيه بيان بطلان دين النصارى سواء بالقلم أو اللسان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
• هذا الحدث الخطير أيها المسلمون علامة صحيحة على سير مخططات التنصير السير الحثيث، ودليل واضح فاضح على نجاح تلك الخطط، أفيقوا أيها المسلمون فإن التنصير يغزو العالم الإسلامي، التنصير يداهم بيوتكم، ليخرج المسلمين من الإسلام ويشككهم في دينهم وفي نبيهم محمد، وليحول دون انتشار الإسلام، وتمهيدًا لإخضاع العالم الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريا تحت سيطرة النفوذ الغربي.
• هذه الزيارة المشؤومة ليست هي الأولى، ولن تكون هي الأخيرة ما دام المسلمون في غفلتهم، بل هي زيارة من بين الزيارات الكثيرة المقررة في الخطة التنصيرية، فلقد قام البابا يوحنا بولص الثاني في الفترة ما بين 5/2/1980م و20/9/1995م بست وأربعين زيارة لأربعين دولة إفريقية كما زار لبنان سنة 1997م، وهذه الزيارات مجال واسع رحب للتنصير، وتفتح أبوابا للمنصرين لترويج دعاياتهم المضللة والمزيفة، كما تضفي على العملية التنصيرية الصبغة الرسمية بسبب ما يصحبها من مشاركة بل رعاية حكومية.(22/169)
• وأخيرًا أيها المسلمون إن هذا الحدث الخطير ليقطع القلوب ويفطر الأكباد، أين تعظيم العلماء العاملين، وأين تكريم الدعاة الصادقين، وأين احترام الصالحين المصلحين في تلك البلاد التي عُظم فيها هذا الضيف الثقيل وغيرها من بلاد المسلمين، يُعظَّم من دينه عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة في الحيطان، يُعظَّم من أصل عقيدته أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن الصاحبة وجرى به ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن، يقولون في دعائهم: "يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا"، يُعظَّم من دينه شرب الخمور وأكل الخنزير وترك الختان، والتعبد بالنجاسات واستباحة كل خبيث، والحلال ما حلله القس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير، وفي مقابل هذا التعظيم وتلك الحفاوة يشرَّد الدعاة المصلحون وينكَّلُ بهم، وتسلب حقوقهم الإنسانية، فضلاً عن حقوقهم كمسلمين، ولا يسمح لهم بالدعوة إلى دين الحق، وتكسر أقلامهم، وتعقد ألسنتهم، ويتهمون بالتهم العقيمة لتبرير هذه الشناعات العظيمة، فهذا أصولي متطرف ورجعي متشدد، وذاك يخيط له ثوبه، وهذا إرهابي خطير ومشاغب كبير، وذاك يخصف له نعله، فكم أخرج من بلاد الشام من عالم مصلح، أخرج من داره وماله، واكتوى بلأواء الاغتراب، والويل له ثم الويل لو رجع إلى أهله ووطنه، ولا زال حاضرًا في أذهاننا معاشر المسلمين ما عاناه أحد كبار الدعاة المصلحين، وأحد المجددين في هذا القرن، ألا وهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ - رحمه الله - رحمة واسعة ـ وغيره من أمثاله كثير.
فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أسأل الله - عز وجل - أن يعيد للمسلمين عزهم وكرامتهم، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يحفظ دينه ويعلي كلمته وينصر عباده المؤمنين.
http://www.alminba صلى الله عليه وسلم net المصدر:
==================(22/170)
(22/171)
السياحة : آثارٌ وأخطارٌ
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان،
أمَّا بعدُ:
أيّها الأخوة في الله:
لا تزال هذه الجزيرة العربية هي معقل الإسلام والمسلمين، وعاصمته الخالدة، وقلب العالم الإسلامي؛ ورأس مال المسلمين، والخط الأخير في الدفاع عن الوجود الإسلامي.
وهذه الجزيرة في العالم الإسلامي بمثابة مركز القلب في الجسم الإنساني، فإذا عاش وقَوِي وأدى مهامه في تغذية الجسم بالدماء، حافظ على نظام الجسم الحيوي والصحي؛ عاش الجسم وقوي، وأمّا دب الوهن إلى هذا القلب أو اعتل، وتخلى عن وظيفته ودوره؛ أسرع الموت إلى الجسد، فاستولت عليه الأمراض والعلل، وعجز الأطباء الحاذقون عن إعادة الحياة إليه بالطرق الصناعية الطبية التي يعرفونها.
وذلك أن الجزيرة مركز الإسلام الدائم، وعاصمته الخالدة، وهي البلد المثالي، والمقياس الصحيح الدائم للحياة الإسلامية، ومعيار تعاليم الإسلام العالمية، وصلاحيتها للبقاء والتطبيق، وظهور المجتمع الإسلامي في حيويته وأصالته، وجماله وقوته.
فالرسالة الإسلامية مهما كانت عالمية تجول في الآفاق، لابد لها من مركز يعد مقياساً وميزانا لعمليتها وواقعيتها، وأسوة وقدوة لجميع المدن والقرى والمجتمعات التي تؤمن بهذه الرسالة، وتحتضن هذه العقيدة والدعوة.
ولما كانت هذه الجزيرة، وهذه البقاع المقدسة مصدر الإشعاع العالمي الإسلامي، مقياس قوة الإسلام وسلطانه، كان علماء المسلمين وقادتهم في كل زمن وبلد شديدي الحساسية لما يقع فيها من حوادث، ولما يجري فيها من تيارات، دقيقي الحساب لمدى تمسكها بالتعاليم والآداب الإسلامية، ومحافظتها على الروح الدينية والعاطفة الإسلامية، كبيري الغيرة عليها وعلى قيادتها للعالم الإسلامي.
وإنّ من الأمور التي تؤثر على هذه البلاد: ما يطرح في الآونة الأخيرة من مصطلح السياحة في صفحات الصحف المحلية والمجلات الدورية، حيث يجري عرضه على أساس أنه أحد مصادر الدعم المادي للبلاد! وقد صاحب ذلك إعدادٌ لبرامج سياحية هنا وهناك، ورسمٌ للخطط لإقامة مشروعات في صناعة السياحة!.
أيها الأخوة في الله:
إنّ الهدف المعلن للتنمية السياحية هو الجانب الاقتصادي أو المادي، وهذا ما يعلن عنه بوضوح!.
والسؤال هنا: لمن ستعود هذه المكاسب الاقتصادية؟!.
أترجع للبلد الغالي أو إلى المواطن؟!.
أم أنها سترجع إلى أصحاب الأموال وشركات الاستثمار السياحية؟!.
وعلى أية حال، أيا كان المستفيد ودرجة استفادته المادية ومقدارها، فإنّ ما يهم هنا أن ندرك أن أصحاب هذا الهدف الاقتصادي سيتطلعون إلى جلب أكبر قدر ممكن من الناس إلى قطاع السياحة، وتشجيعهم على إنفاق أكبر قدر من مقدراتهم المالية لرفع العائد الاقتصادي؛ والهدف من ذلك تحقق الجدوى الاقتصادية وراء إنشاء المشاريع السياحية الضخمة، وهذا يعني بذل الجهد في إيجاد ما يساهم في تشجيع الناس على الإنفاق المالي سواء كان ذلك للحصول على خدمات أو سلع أو رغبات بصرف النظر عن حلها أو حرمتها وهذا ما يشكل مكمن الخطر.
ومما يشهد على هذه الخطورة: ما نراه من واقع السياحة في العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، وواقعها في دول العالم بشكل عام.
كما تشهد لهذه الخطورة التطبيقات الأولية المحلية الحالية والإرهاصات المستقبلية لها. يقول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً). [سورة الإسراء، الآية: 16].
إن دعوى أهل الصحافة والأقلام حول أهمية السياحية للاقتصاد تحتاج إلى نظر وتأمل، وذلك من خلال طرح الأسئلة التالية:
هل فعلا هذا هو المصدر ذو الأهمية الأولية التي يتوجب التوجه له حالاً، وبكل قوة؟!.
أم أن هناك مصادر أخرى أبلغ في تحقيق الدعم للاقتصاد ومعالجة مشاكله؟!.
وهل مخاطر هذه السياحة وآثارها على معتقدات البلد وأخلاقياته وأعرافه تُعدُّ الأقل من بين نظيراتها من الوسائل الداعمة للاقتصاد؟!.
وما أثر هذه المخاطر على الاقتصاد ذاته على المدى البعيد؟!.
وهل مآل هذه التنمية السياحية مقبولٌ شرعاً وعرفاً وعقلاً؟!.
إنّ السياحة عند جميع الاقتصاديين تعتبر رافداً للاقتصاد، لا أصلاً كما يصوره بعضٌ من الكُتّاب، ولو صرفت هذه الجهود في سبيل التنمية الزراعية أو الصناعية ونحوها لاستفاد المجتمع بإيجاد ركائز اقتصادية ضخمة، ولسلم العباد والبلاد من شرور ومخاطر السياحة.
وإن نظرةً واقعية إلى دولة من أعظم البلدان في مجال السياحة، والتي تمتلك كثيرا من آثار الفراعنة والقرى السياحية ما لا تملكه غيرها من الدول، إضافة إلى الخبرة الكبيرة في هذا المجال، ومع ذلك فإنها غارقة في الديون، بالإضافة إلى ما سببته السياحة لها من مفاسد عقدية وأمنية وأخلاقية.
أيها المسلمون:(22/172)
إنّ الذين يفدون إلى هذه البلاد للسياحة أحد فريقين:
المسلمون: وعامتهم يطلبون السياحة الدينية؛ حيث يقصدون آثاراً ومزارات وقبوراً لا يكادون يجدون نحوها في كل بلاد الدنيا، ولا يخفى ما في هذا السلوك من إحياء الوثنية وتشييد وتعظيم المزارات البدعية والشركية، وإعادة تمجيدها بعد أن طهر الله منها هذه البلاد على يد الإمامين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود وأبنائهما يرحمهم الله تعالى فنعوذ بالله من الحور بعد الكور، ونعوذ بالله أن نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة.
وأمّا الفريق الآخر: فهم الكفار؛ حيث يفدون على أنهم ضيوف لهم حق الضيافة، وفي الوقت الذي لا يجوز للكفار دخول جزيرة العرب أو الإقامة فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا". [أخرجه مسلم].
فإن هناك أمراً أكثر خطورة، وهو أن دخولهم على هذه الصفة مدعاة لموالاتهم ومودتهم، وقد قال الله تعالى:
(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). [سورة المجادلة، الآية: 22].
كما أن ذلك مثار للإعجاب بهم وتقليدهم، والتشبه بهم في السمت الظاهر، وهو أمرٌ يقود إلى المشابهة في الباطن، عافانا الله وإياكم من ذلك.
إن أبناء المسلمين اليوم يتلقّفون عادات الكفار وتقاليدهم عبر القنوات الفضائية من على بعد آلاف الأميال، وقد رأينا أثر ذلك في واقعنا، فهو ظاهرٌ من خلال تلك التقليعات والموضات وأصوات الموسيقى الغربية الصاخبة!.
فما الظن حينما يرى الشباب أولئك العظماء في نفوسهم، وقد جاءوا عندهم على أرض الواقع؟!، فلقد زار هذه البلاد بعض اللاعبين والملاكمين، ورأينا كيف تزاحم الشباب لتقبيلهم وأخذ صورة تذكارية معهم!.
فكيف سيكون الحال عند قدوم آلاف الغربيين بصورهم الفاتنة، وأشكالهم المغرية؟!.
ولنتذكّر أن انفتاح المجتمعات المسلمة على المجتمعات الخارجية من أهم أسباب ذوبانها وإضعاف دوافع التدين لدى أبنائها.
إنّ السياحة تشكّل غطاء لأمرين خطيرين:
الأول: عصابات الجنس، التي تسعى لنشر الفاحشة وتسويقها.
والثاني: الهيئات التنصيرية التي ستستفيد من قرار التأشيرات السياحية والاستثمار الأجنبي، وستحاول تملّك العقارات لبثّ شرّها.
وقد يقول قائلٌ: كيف لأهل التوحيد أن يتنصروا وقد تغلغل الإيمان في قلوبهم؟!.
وأقول: لابد أن تعلم يا أخي، أن التنصير والدعارة والفساد، هما وجهان لعملة واحدة، فنشر الفساد هي المرحلة الأولى لانتشار التنصير، ولتقوية البعثات الكنسيّة في أي بلد، والدليل على ذلك ما قاله رئيس المبشرين (القس زويمر) في مؤتمر القدس للقساوسة، والذين اجتمعوا من كل مكان: "إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليه الأمم في حياتها، وبهذا تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ".
ويقول في كلام آخر له: "أخرجوا أبناء المسلمين من الإسلام ولا تدخلوهم المسيحية، فإن هذا تشريفٌ لهم، بل اجعلوهم إن عملوا؛ عملوا للشهوة، وإن جمعوا المال فلها، وإن صرفوا فللشهوة، فإذا أصبحوا بلا دين ولا مبادئ ولا أخلاق بإمكانكم أن تسيطروا عليهم وتقودهم إلى حيث شئتم".
ومن أخطار السياحة أيضاً: أن الدول التي فتحت أبوابها للسياح أصبحت تعاني من تفشي الأمراض المعدية؛ وبخاصة الجنسية منها، ولعل الدوائر الصحية قد اكتشفت حالات من المرض الجنسي الشهير (الإيدز) نتيجة سفر بعض الشباب إلى تلك البلاد، فكيف يكون الحال إذاً حينما نستقطب أجناس الناس من كافة الأرض - ولكل بلاد أمراضها وفيروساتها - فهكذا ستجتمع أخبث الأمراض في بلادنا، وستتلقفها أجساد أبنائنا؟!.
أيها الأخوة في الله:
إنّ هذه البلاد - ولله الحمد والمنة - تنعم بأمن لا مثيل له في العالم بسبب ارتفاع الوازع الديني لدى شعبها، لذا فإن مجيء السياح الأجانب سيساهم في تقليص هذا الوازع مما يجعل الجرائم أمراً معتاداً، هذا من جانب.
ومن جانب آخر سيكون نفس السائح الأجنبي مصدراً للجريمة والفساد حيث لا وازع يردعه، ومن خلال مظلة السياحة تتسلل عصابات المافيا والجنس الذين سيغرقون البلاد بأنواع الجرائم، من السرقات والنصب والاحتيال إلى الاختطاف والقتل، إلى ترويج المخدرات والعملات المزورة وغسيل الأموال والمتاجرة بالجنس.(22/173)
ومن المعلوم أن الجهات الأمنية تعاني من العمالة الوافدة التي جاءت إلى البلد محتاجة تحت شروط وضوابط، ومع ذلك فكم من شبكات وعصابات تكتشف كانت تستهدف أمن هذا البلد واستقراره!.
فكيف بمن يفدون إلينا ونحن نهدف إلى استقطابهم والترحيب بهم، نسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد أمنها واستقرارها.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها الأخوة في الله:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
إن الله تعالى ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، تلك رسالتنا، وهذه غايتنا، فنحن ما خلقننا من أجل أن نصرف اهتماماتنا في مباحات، ونبدد طاقتنا في فضول الأعمال.
لقد كان هدى أسلافنا الأوائل في حياتهم وسياحتهم مصروفاً في معالي الأمور، فقد كانوا يحيون بالقرآن ويعيشون بالقرآن، ويهتدون بهديه، ويعملون بأحكامه.
لقد كان القرآن لهم نبراس الحياة، وينبوع الضياء.
نعم، لقد كانت حياتهم وسياحتهم جهاداً في سبيل الله، خرجوا من ديارهم طلباً للنصر أو الشهادة في سبيل الله.
كم هم الذين ماتوا من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم في المدينة؟! وكم هم الذين نالوا الشهادة في أرجاء المعمورة؟!
اسألوا أرض الشام؛ كم من أبطال الإسلام دفن تحت أرضها؟!.
اسألوا أرض مصر؛ كم هم الذين قضوا نحبهم فيها؟!.
اسألوا أرض اليرموك والقادسية، وحطين وعين جالوت، وغيرها من معارك الإسلام، وفتوحات الإسلام.
اسألوا الدنيا كلها.
فإنك لا تكاد تجد أرضاً من أرضي الإسلام إلا وفيها أجساد طاهرة، وأرواح فاضلة! تلك كانت سياحتهم! وذاك الدافع لترحالهم وخروجهم من ديارهم!.
ولم تكن سياحتهم في الجهاد فحسب، بل كان طائفة منهم يسيحون لطلب العلم والسعي فيه، قدوتهم نبي الله موسى عليه السلام، عندما خرج يطلب للقاء الخضر عليه السلام لينتفع من علمه، وينهل من معينه.
فقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه مسيرة شهر كامل إلى عبد الله بن أُنيس، وذلك في طلب حديث واحد، يقول جابر رضي الله عنه: "بلغني عن رجل من أصحاب صلى الله عليه وسلم حديثٌ سمعه من رسول ا صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيراً ثم شددت رحلي، فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام... ".
هكذا كان حرص الصحابة على تحصيل السنن النبوية، لقد صارت هذه الرحلات لدى العلماء السابقين جزءاً أصيلاً من حياتهم العلمية، وقد لقي الرّحالون في أسفارهم متاعب ومصاعب، وشدائد لا تحصى، دُوّن بعضها، وذهب بعضها دون تدوين.
لقد سار - على سبيل المثال - محمد بن إدريس الرازي - رحمه الله - على قدميه ألف فرسخ؛ والفرسخ ثلاثة أميال، هذا ما كان يعدّه، ثم ملّ و ترك العد، يقول رحمه الله تعالى:
"أمّا ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما أُحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت من البحر من قرب مدينة سلا - وذلك في المغرب الأقصى - إلى مصر ماشياً، ومن مصر إلى الرملة ماشياً، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان - ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى أنطاكية، ومن أنطاكية إلى طرسوس، ثم رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان بقي عليّ شيء من حديث أبي اليمان فسمعته، ثم خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد، وخرجت إلى الشام من واسط إلى النيل، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيا، هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة، أجول سبع سنين".
هكذا كانت تُصرف تلك الطاقات، ما كانوا يفكرون في إنشاء كليات متخصصة!.
أيّها المسلمون:
إنها دعوة لأن يدرك كل مسلم أن لهذه الجزيرة خصوصيتها، حيث إن هذه الجزيرة المباركة تحظى بتوجيه رسول الله رسول ا صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين منها، وأنه لا يجتمع فيها دينان.
ألا إنها دعوة لتهيئة المصائف والمنتزهات - فعلا - لتكون بديلاً مناسباً ومباحاً عن السياحة الخارجية، وتطهيرها من المهرجانات الغنائية والمشاهد المسرحية والاختلاط ونحوها، والحذر من أن تتخذ الآثار مزارات لإحياء البدع الشركية في البلاد.
ألا إنها دعوة، أن يقوم كل مسلم بدوره في الاحتساب على ما يقع من مخالفات وفق القواعد الشرعية، قبل أن يستفحل الخطر، ويصبح أمراً واقعاً يصعب تغييره، خاصة إذا ما ارتبطت أرزاق الناس به.
أيّها الإخوة:
إنّ هذه الجزيرة حباها الله تعالى بالكثير من النعم، والتي تؤهلها أن تكون بلداً سياحياً نظيفاً طاهراً، فهي بحق، قادرة على إعطاء مفهوم جديد للسياحة، والتي ارتبطت في أذهان الكثيرين أنها صناعة فاجرة، وممارسة منحلة، وهذا مُشاهد من خلال واقع الدول التي تمارسها.(22/174)
إننا في هذه الجزيرة نملك مقومات السياحة الطاهرة النقية، فمن الحرمين اللذين هما مهوى أفئدة الناس، إلى الشواطئ الصافية، والبيئة النقيّة الخالية من أمراض الحضارة المادية وإفرازاتها الضارة، إلى الصحراء الممتدة ذات الرمال الذهبية، تلك المناطق البكر النقية من مخلفات الإشعاعات النووية، إلى الجبال الفاتنة ذات الهواء النقي والأودية الخضراء.
إننا نملك أن نكوّن بيئة سياحية نظيفة تستهدف المحافظين الذين يريدون التنزّه وتجديد النشاط، حتى ينصرفوا عن السفر إلى بلاد الكفر والإباحية، ذات التأثيرات العقدية والسلوكية، إضافة إلى المخاطر الأمنية والتعرّض للأمراض الخبيثة والمستعصية.
إننا نملك أن نستقطب أعداداً كبيرة من المسلمين الذين ينشدون الطهر والعفاف في أجواء سياحية ماتعة مباحة.
إننا جميعاً مع السياحة بمفهومها النظيف المنضبط بالأحكام الشرعية، لا أن نستورد أمراض الأمم وإفرازاتها الخبيثة ومفاهيمها الضالة، وتصوراتها المغلوطة وسلوكياتها المنحرفة، إننا لنحيي المجتمع المحافظ الذي لا يقبل البرامج السياحية المنحرفة ليدلل على أن السياحة المستوردة لا يمكن لها ولا ينبغي أن تنجح بين جنبات المجتمع المحافظ المتميز.
أيّها المسلمون:
إنها دعوة لأن يتداعى المخلصون من العلماء والاقتصاديين وأصحاب الفكر لبيان خطورة ما يقع الآن في البرامج السياحية، ووضع الضوابط الشرعية لتلك البرامج، خاصة فيما يتعلق بدخول الكفار إلى هذه الجزيرة، والتي هي وقف على أهل الإسلام، وخطورة الاستثمار والتملّك من الكفّار في أرض الجزيرة.
وأطار حقد الخائنين صوابي …يا أمة الإسلام، جلّ مصابي
فعجزت عن نطق وعن إعراب …يا أمة الإسلام، داهمني الأسى
لهب أبث به صريح عتابي …ماذا أقول وفي فمي من حسرتي
وعلى محبتها لبست ثيابي …فعلى محبتها كتبت قصائدي
ما زلت قادرة على الإنجاب …يا أمة الإسلام لست عقيمة
عما تخبئه يد القصّاب …إني أعاتب فيك قلباً غافلاً
بالأمس لم تقفي على الأعتاب …يا أمة الإسلام كنت عزيزة
وطويت بالإيمان كل صعاب …سافرت في درب الجهاد كريمة
مكسورة النظرات والأهداب …ماذا جرى حتى غدوت ذليلة
منك الجواب فقد عرفت جوابي …لا؛ لا تجيبي ما سألتك طالبا
وغرقت في رتب وفي ألقاب …لم تجعلي للدين وزنا صادقا
أنستك معنى نقمة وعقاب …وسكرت بالنعم الوفيرة سكرة
ورحلت في الأوهام دون إياب …فوقعت فيما أنت فيه من الأسى
رتب العلا بالمال والأحساب …يا أمة الإسلام لن تتسنمي
وبكثرة الأعوان والأصحاب …لن تسلكي درب الخلاص بمدفع
وتعلق بالخالق الوهّاب …لن تبلغي إلا بنهج صادق
وننال بالإيمان عز جناب … تفنى الجيوش وتنتهي آثارها
وتظل قوة ربنا الغلاب …تفنى القوى مهما تكاثر عدها
اللهمّ إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم اهدنا، ويسّر الهدى لنا، وثبتنا على الإسلام حتى نلقاك عليه.
============(22/175)
(22/176)
موت بابا الفاتيكان يكشفُ انحرافاتٍ في عقيدةِ الأمةِ
عبد الله زقيل
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
قرأتُ بعضَ التعليقاتِ لبعضِ الكُتابِ في الساحةِ السياسيةِ على موتِ كبيرِ النصرانيةِ في هذا الزمانِ، ولن أذكر الأسماءَ، وحسبي أنني أمتثلُ قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما بال أقوام )، فإنهُ من المؤسفِ أن ترى الانحرافَ الخطيرِ في ثوابتِ الدينِ من أجلِ إرضاءِ غيرِ اللهِ - جل وعلا -، فهذا يترحمُ على موتِ الطاغوتِ البابا! وذلك يجعل الإنسانيةَ هي الجامع بينهُ وبين البابا!، والبعضُ يختارُ الفتاوى أو الآياتِ التي تناسبُ هواهُ لينصر فكرتهُ بالهوى المتبعِ - نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ -، وكأن القرآن والسنة النبوية لم يبينا الموقفَ من موتِ الكفارِ، ورابعٌ يستدلُ بالمتشابهِ ويتركُ المحكمَ ليلوي أعناقَ النصوصِ لتوافق هواهُ - نسألُ اللهَ السلامة والعافيةَ -، فأرجو أن تتسعَ صدورهم، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطلَ باطلاً ويرزقهم اجتنابهُ.
مدخل:
ولا شك أن الإنسانَ إذا مات فإن كان من أهلِ التوحيدِ بكت عليه السماءُ، وأما إن كان من أي ملةٍ أخرى يهودية أو نصرانية أو غيرها فقد استراحت الأرضُ والسماءُ منه ولا شك قال - تعالى-: (( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ))[ الدخان: 29 ]، أَيْ لِكُفْرِهِمْ، فالسماءُ والأرضُ لا تبكيان على الكافرين، بل تبكيان على فراقِ المؤمن الصالحِ من هذه الدنيا، قال المباركفوري في " تحفةِ الأحوذي ": " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ " أَيْ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تَصْعَدُ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَتَبْكِي عَلَى فَقْدِهِمْ، وَلَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِقَاعٌ عَبَدُوا اللَّهَ - تعالى- فِيهَا فَقَدَتْهُمْ فَلِهَذَا اِسْتَحَقُّوا أَنْ لَا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ، وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ ".ا.هـ.
وليس بالضرورةِ أن يكونَ هذا البكاءَ المذكور في الآيةِ بدموعٍ وأنينٍ حتى يشبه بكاء الإنسِ، ولكنهُ بكاءٌ خاصٌ بهما، لا يعلمهُ إلا خالقهما، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية كما في " جامع الرسائل " ( ص 37 ): " بكاءُ كلِ شيءٍ بحسبهِ، قد يكونُ خشيةً للهِ، وقد يكونُ حزناً على فراقِ المؤمنِ ".ا.هـ.
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: ( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ )، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: ( الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ ) رواه البخاري (6512)، ومسلم (950)، وبوب عليه النسائي في سننهِ: " الاستراحةُ من الكفارِ ".
الأدلةُ من القرآنِ:
وهذا الانحرافُ في ثوابتِ الدينِ والعقيدةِ لا بد أن يقابلَ بالردِ عليه من نصوصِ الكتابِ والسنةِ والإجماعِ، وبيانِ الموقفِ الشرعي من أعداءِ الملةِ من اليهودِ والنصارى وغيرهم من الأديانِ الوثنيةِ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة - نسألُ اللهَ الثبات -.
* قال - تعالى-: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))[ البقرة: 161 ].
أَخْبَرَ - تعالى- عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْحَال إِلَى مَمَاته بِأَنَّ " عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا " أَيْ فِي اللَّعْنَة التَّابِعَة لَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، ثُمَّ الْمُصَاحَبَة لَهُمْ فِي نَار جَهَنَّم الَّتِي " لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَاب" فِيهَا أَيْ لَا يُنْقَص عَمَّا هُمْ فِيهِ، " وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ" أَيْ لَا يُغَيَّر عَنْهُمْ سَاعَة وَاحِدَة وَلَا يَفْتُر بَلْ هُوَ مُتَوَاصِل دَائِم - فَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ -.
قال الجصاصُ في " تفسيره ": " بَابُ لَعْنِ الْكُفَّارِ: قَالَ اللَّهُ - تعالى-: (( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَعْنَ مَنْ مَاتَ كَافِراً، وَأَنَّ زَوَالَ التَّكْلِيفِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ لَعْنَهُ، وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " قَدْ اقْتَضَى أَمْرَنَا بِلَعْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ".ا.هـ.(22/177)
* وقال - تعالى-: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ))[ آل عمران: 91 ]، أَيْ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ خَيْر أَبَداً وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْء الْأَرْض ذَهَباً فِيمَا يَرَاهُ قُرْبَة كَمَا سُئِلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْد اللَّه بْن جُدْعَان - وَكَانَ يُقْرِي الضَّيْف، وَيَفُكّ الْعَانِيَ، وَيُطْعِم الطَّعَام - هَلْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ( لَا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً مِنْ الدَّهْر رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ).
* وقال - تعالى-: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))[ المائدة: 17، 72 ].
* وقال - تعالى-: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ))[ المائدة: 73 ].
* وقال - تعالى-: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ))[ التوبة: 30 ].
الأدلةُ من السنةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ؛ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) رواهُ مسلم (153).
قال الإمامُ النووي في " شرحِ مسلم ": " وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم ، وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ) أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهاً عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَاباً فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".ا.هـ
وَقَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: كُنْت لَا أَسْمَع بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهه إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه أَوْ قَالَ تَصْدِيقه فِي الْقُرْآن، فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار )، فَجَعَلْت أَقُول: " أَيْنَ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه؟ "، قَالَ: وَقَلَّمَا سَمِعْت عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَجَدْت لَهُ تَصْدِيقاً فِي الْقُرْآن حَتَّى وَجَدْت هَذِهِ الْآيَة " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " قَالَ: " مِنْ الْمِلَل كُلّهَا ".
قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: (( وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده ))[ هود: 17 ]: " ثُمَّ قَالَ - تعالى- مُتَوَعِّداً لِمَنْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " أَيْ وَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الْأَرْض مُشْرِكهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ وَمِنْ سَائِر طَوَائِف بَنِي آدَم عَلَى اِخْتِلَاف أَلْوَانهمْ وَأَشْكَالهمْ وَأَجْنَاسهمْ مِمَّنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن كَمَا قَالَ - تعالى-: (( لِأُنْذَركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )) وَقَالَ - تعالى-: (( قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ))، وَقَالَ - تعالى-: (( وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده )) ا.هـ.
هل أعمالُ البرِ التي فعلها البابا تنفعه؟
ومن الطوامِ التي قرأتها لبعضِ الكتابِ أنهُ يعددُ أعمالَ الهالك البابا، ومواقفهُ من قضايا المسلمين - زعم -، ويجعلُها مسوغاً لذكرِ مآثرهِ وأعمالهِ، بل ربما يترحمُ عليه، فلننظر ماذا قال اللهُ ورسولهُ عن مثل هذه الأعمالِ؟(22/178)
قَالَ - تعالى-: (( وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئاً ))[ النور: 39 ].
قال ابنُ كثيرٍ في " تفسيره ": فَأَمَّا الْأَوَّل مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاة إِلَى كُفْرهمْ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء مِنْ الْأَعْمَال وَالِاعْتِقَادَات، وَلَيْسُوا فِي نَفْس الْأَمْر عَلَى شَيْء، فَمَثَلهمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَان مِنْ الْأَرْض عَنْ بُعْد كَأَنَّهُ بَحْر طَامّ، فَكَذَلِكَ الْكَافِر يَحْسَب أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلاً، وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّلَ شَيْئاً، فَإِذَا وَافَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَاله؛ لَمْ يَجِد لَهُ شَيْئاً بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبِلَ: إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاص، أَوْ لِعَدَمِ سُلُوك الشَّرْع كَمَا قَالَ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُوراً ))ا.هـ.
وقال القرطبي: " وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه - تعالى- لِلْكُفَّارِ يُعَوِّلُونَ عَلَى ثَوَاب أَعْمَالهمْ؛ فَإِذَا قَدِمُوا عَلَى اللَّه - تعالى- وَجَدُوا ثَوَاب أَعْمَالهمْ مُحْبَطَة بِالْكُفْرِ؛ أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئاً كَمَا لَمْ يَجِد صَاحِب السَّرَاب إِلَّا أَرْضاً لَا مَاء فِيهَا؛ فَهُوَ يَهْلِك أَوْ يَمُوت "ا.هـ.
ومصداقاً للآية ما جاء في سنةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم من حوارٍ بين الله - جل وعلا - وبين من كان يعبدُ غيرَ اللهِ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " نَعَمْ؛ قَالَ : " هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: " لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ "، قَالَ: " مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتعالى - يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَ الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ " قَالُوا: " كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ بْنَ اللَّهِ "، فَيُقَالُ: " كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: " عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ "، قَالُوا: " كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ بْنَ اللَّهِ "، فَيُقَالُ لَهُمْ: " كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ "، فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَاذَا تَبْغُونَ؟، فَيَقُولُونَ: " عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا "، قَالَ: " فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ... " الحديث أخرجه البخاري (4581)، ومسلم (182).
* وَقَالَ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))[ الفرقان: 23 [.
* وَقَالَ - تعالى-: (( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ))[ إبراهيم: 18 [.(22/179)
قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: " هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّه - تعالى- لِأَعْمَالِ الْكُفَّار الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره، وَكَذَّبُوا رُسُله، وَبَنَوْا أَعْمَالهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس صَحِيح؛ فَانْهَارَتْ وَعَدِمُوهَا أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهَا فَقَالَ - تعالى-: (( مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ )) أَيْ: مَثَل أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا طَلَبُوا ثَوَابَهَا مِنْ اللَّه - تعالى- لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى شَيْء فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، وَلَا أَلْفَوْا حَاصِلاً إِلَّا كَمَا يَتَحَصَّل مِنْ الرَّمَادِ إِذَا اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ " فِي يَوْم عَاصِف " أَيْ ذِي رِيح شَدِيدَة عَاصِفَة قَوِيَّة فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْء مِنْ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا يَقْدِرُونَ عَلَى جَمْع هَذَا الرَّمَاد فِي هَذَا الْيَوْم كَقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))، وَقَوْله - تعالى-: (( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )) وَقَوْله - تعالى-: (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ))، وَقَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة (( ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد )) أَيْ سَعْيهمْ وَعَمَلهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس وَلَا اِسْتِقَامَة حَتَّى فَقَدُوا ثَوَابَهُمْ أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهِ (( ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد )).ا.هـ.
* وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ؟ "، قَالَ: ( لَا يَنْفَعُهُ؛ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ).أخرجهُ مسلم (214)، وبوب عليه النوويُّ: " الدليلُ على أن من مات على الكفرِ لا ينفعهُ عملٌ ".
وقال النوويُّ في " شرحِ مسلم ": " مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلهُ مِنْ الصِّلَة وَالْإِطْعَام وَوُجُوه الْمَكَارِم لَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة ; لِكَوْنِهِ كَافِراً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صلى الله عليه وسلم : ( لَمْ يَقُلْ رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقاً بِالْبَعْثِ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّق بِهِ كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ عَمَل، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تعالى-: وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْكُفَّار لَا تَنْفَعهُمْ أَعْمَالهمْ، وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيف عَذَاب، لَكِنَّ بَعْضهمْ أَشَدّ عَذَاباً مِنْ بَعْض بِحَسَبِ جَرَائِمهمْ ".ا.هـ.
فالخلاصةُ أن أعمالَ البرِ التي قام بها البابا - كما يزعمُ البعضُ - أو أي كافرٍ لا تنفعهُ يومَ القيامةِ، بل تكونُ هباءً منثوراً كما قررت الآياتُ وسنةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم .
الاستغفارُ للكافرِ والترحمُ عليه محرمٌ:
من العجبِ أن ترى البعضَ يترحم على البابا، ويستدلُ بقولهِ - تعالى-: (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ))[ الزلزلة: 7 ]، وهذا - والذي نفسي بيده - لمن أعجبِ العجبِ، وقال هذا الكلامُ ممن يفتون في الفضائيات - نسألُ اللهُ السلامة والعافية -، وأقولُ: سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ، ألهذا الحدُ بلغ بك أن تأخذ بالمتشابهِ وتتركُ المحكم الذي جاءت نصوصٌ كثيرةٌ بمنعِ الاستغفارِ والترحمِ على الكافر؟!
وإليكم النصوصُ المحكمةُ الدالةُ على المنعِ من الاستغفارِ للكافرِ أو الترحمِ عليه، وقبل ذلك نردُ على الاستدلالِ بالآية التي جوز فيها مفتي الفضائيات الترحم للبابا، والردُ يكونُ من لسانِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين ما المقصود بالآية؟(22/180)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( الْخَيْل لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْر فَرَجُل رَبَطَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَأَطَالَ طِيَلهَا فِي مَرْج أَوْ رَوْضَة فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْج وَالرَّوْضَة كَانَ لَهُ حَسَنَات، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَ آثَارهَا وَأَرْوَاثهَا حَسَنَات لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تُسْقَى بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَات لَهُ، وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُل أَجْر، وَرَجُل رَبَطَهَا تَغَنِّياً وَتَعَفُّفاً، وَلَمْ يَنْسَ حَقّ اللَّه فِي رِقَابهَا وَلَا ظُهُورهَا فَهِيَ لَهُ سِتْر، وَرَجُل رَبَطَهَا فَخْراً وَرِيَاء وَنِوَاء فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْر )، فَسُئِلَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحُمُر فَقَالَ: ( مَا أَنْزَلَ اللَّه شَيْئاً إِلَّا هَذِهِ الْآيَة الْفَاذَّة الْجَامِعَة (( فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ )) أخرجهُ البخاري (4962)، ومسلم (987).
وَالطِّوَل وَالطِّيل: الْحَبْل الَّذِي تَرْبِط فِيهِ، مَعْنَى الْفَاذَّة: الْقَلِيلَة النَّظِير، وَالْجَامِعَة: أَيْ الْعَامَّة الْمُتَنَاوِلَة لِكُلِّ خَيْر وَمَعْرُوف.
وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَمْ يَنْزِل عَلَيَّ فِيهَا نَصٌّ بِعَيْنِهَا, لَكِنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْعَامَّة، فهذهِ الأعمالُ لا يؤجرُ عليها إلا مؤمنٌ وليس الكافر، ويجدُ ثوابها في الآخرة بنيتهِ التي نوى بها.
ونأتي الآن على مسألتنا وهي الاستغفار والترحم على الكافر.
إبراهيمُ عليه السلام تبرأ من أبيه الكافر:
قَالَ - تعالى-: (( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ))[ التوبة: 114 [.
قال القرطبي: " وَالْمَعْنَى: لَا حُجَّة لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم الْخَلِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - لِأَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَنْ عِدَة "ا.هـ، والمقصود بـ " عِدَة " قولهُ - تعالى-: (( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي ))[ مَرْيَم: 47 ]، ولكن عندما تبين أن أباهُ مات على الكفرِ تبرأ منه - عليه السلام -، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكونُ مآلُ والد إبراهيم؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة، فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُول أَبُوهُ: فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رَبِّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد، فَيَقُول اللَّه: إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحْتَ رِجْلَيْك؟ اُنْظُرْ، فَيَنْظُر فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخ، فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار " أخرجهُ البخاري (3350) وَالذِّيخ بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ذَكَر الضِّبَاع، وَقِيلَ لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (8/359) عن الحكمةِ من مسخِ آزر على صفةِ الذيخِ: " قِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه لِتَنْفِرَ نَفْس إِبْرَاهِيم مِنْهُ، وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّار عَلَى صُورَته فَيَكُون فِيهِ غَضَاضَة عَلَى إِبْرَاهِيم، وَقِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه ضَبْعاً أَنَّ الضَّبْع مِنْ أَحْمَق الْحَيَوَان، وَآزَرَ كَانَ مِنْ أَحْمَق الْبَشَر، لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَده مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات أَصَرَّ عَلَى الْكُفْر حَتَّى مَاتَ، وَاقْتَصَرَ فِي مَسْخه عَلَى هَذَا الْحَيَوَان لِأَنَّهُ وَسَط فِي التَّشْوِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير، وَإِلَى مَا فَوْقَهُ كَالْأَسَدِ مَثَلاً، وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيم بَالَغَ فِي الْخُضُوع لَهُ، وَخَفْض الْجَنَاح، فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ، وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْر، فَعُومِلَ بِصِفَةِ الذُّلّ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلِأَنَّ لِلضَّبْعِ عِوَجاً فَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ آزَرَ لَمْ يَسْتَقِمْ فَيُؤْمِن بَلْ اِسْتَمَرَّ عَلَى عِوَجه فِي الدِّين "ا.هـ.(22/181)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: تَعَلَّقَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِغْفَار لِأَبِي طَالِب بِقَوْلِهِ - تعالى-: (( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي ))[ مَرْيَم: 47 ] فَأَخْبَرَهُ اللَّه - تعالى- أَنَّ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ كَانَ وَعْداً قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن الْكُفْر مِنْهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْكُفْر مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَسْتَغْفِر أَنْتَ لِعَمِّك يَا مُحَمَّد وَقَدْ شَاهَدْت مَوْته كَافِراً.
النبي صلى الله عليه وسلم يُنهى عن الاستغفارِ للمشركين:
قال - تعالى-: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم ))[ التوبة: 113 [.
قال القرطبي في " تفسيره ": " هَذِهِ الْآيَة تَضَمَّنَتْ قَطْع مُوَالَاة الْكُفَّار حَيّهمْ وَمَيِّتهمْ فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، فَطَلَبُ الْغُفْرَان لِلْمُشْرِكِ مِمَّا لَا يَجُوز، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْم أُحُد حِين كَسَرُوا رَبَاعِيَته، وَشَجُّوا وَجْهه: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَكَيْفَ يَجْتَمِع هَذَا مَعَ مَنْع اللَّه - تعالى- رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَلَب الْمَغْفِرَة لِلْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْل مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيل الْحِكَايَة عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيّاً مِنْ الْأَنْبِيَاء ضَرَبَهُ قَوْمه وَهُوَ يَمْسَح الدَّم عَنْ وَجْهه وَيَقُول: " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ". وَفِي الْبُخَارِيّ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ نَبِيّاً قَبْله شَجَّهُ قَوْمه فَجَعَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُخْبِر عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ "، قُلْت: وَهَذَا صَرِيح فِي الْحِكَايَة عَمَّنْ قَبْله، لَا أَنَّهُ قَالَهُ اِبْتِدَاء عَنْ نَفْسه كَمَا ظَنَّهُ بَعْضهمْ ".ا.هـ.
وقد جاء في سببِ نزولِ هذه الآيةِ:
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي طَالِبٍ: ( يَا عَمِّ؛ قُلْ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: " يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "؛ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: " هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ "، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تعالى- فِيهِ: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ))، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[ الْقَصَص: 56 [ أخرجهُ البخاري (4675)، ومسلم (24(.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح ": " أَيْ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ".ا.هـ.
والنبي صلى الله عليه وسلم نهاه ربهُ عن الاستغفار لأمه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: " زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ) أخرجه مسلم (976).
قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم ": " وَفِيهِ: النَّهْي عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ ".ا.هـ.(22/182)
وجاء في " الموسوعةِ الفقهيةِ " عند مادةِ " استغفار ": " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيباً لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تعالى- لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ".ا.هـ.
والنبي صلى الله عليه وسلم حكم على أبيه أنهُ في النارِ لأنه مات على الكفرِ:
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيْنَ أَبِي؟"، قَالَ: ( فِي النَّارِ )، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: ( إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ) ( أخرجهُ مسلم )، قال النووي في " شرح مسلم ": " فِيهِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار، وَلَا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ ".ا.هـ، وقال في " المجموعِ " (5/144): " وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ ".ا.هـ.
قال العلامةُ الألباني - رحمه الله - في " أحكامِ الجنائزِ " ( ص 124 ): " ومن ذلك تعلمُ خطأَ بعضِ المسلمين اليوم من الترحمِ والترضي على بعضِ الكفارِ، ويكثُرُ ذلك من بعضِ أصحابِ الجرائدِ والمجلاتِ، ولقد سمعتُ أحدَ رؤساءِ العربِ المعروفين بالتدينِ يترحمُ على " ستالين " الشيوعي الذي هو ومذهبهُ من أشدِ وألدِ الأعداءِ على الدينِ! وذلك في كلمةٍ ألقاها الرئيسُ المشارُ إليه بمناسبةِ وفاةِ المذكورِ، أذيعت بالراديو! ولا عَجَبَ من هذا فقد يخفى عليه مثلُ هذا الحكمِ، ولكن العجب من بعضِ الدعاةِ الإسلاميين أن يقعَ في مثلِ ذلك حيثُ قال في رسالةٍ له: " رحم اللهُ برناردشو... "، وأخبرني بعض الثقاتِ عن أحدِ المشايخِ أنه كان يصلي على من مات من الفرقةِ الإسماعليةِ الباطنيةِ مع اعتقاده أنهم غيرُ مسلمين؛ لأنهم لا يرون الصلاةَ ولا الحجَّ ويعبدون البشرَ! ومع ذلك كان يصلي عليهم نفاقاً ومداهنةً لهم، فإلى اللهِ المشتكى وهو المستعان ".ا.هـ.
لا يجوز تشميتُ العاطس الكافرِ بالرحمةِ:
أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: " كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ " يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ "، فَيَقُولُ : ( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) أخرجهُ الترمذي (2739) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " تعليقاً على حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: " وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الشَّرْع فَحَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الْأَمْر بِالتَّشْمِيتِ، لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلَا مَانِع مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الْكُفَّار ".ا.هـ.
الإجماعُ على كفرٍ من لم يكفرِ الكافرَ أو شك في كفرهِ:
وبعد هذه النصوصِ نأتي على مسألةٍ مهمةٍ لها علاقةٌ وثيقةٌ بما نحن بصددهِ ألا وهي من لا يريدُ أن يكفرَ أو يشككَ في كفرِ الكافرِ من أمثالِ الطاغوتِ البابا، وهذا مزلقُ خطيرٌ جداً قد يوقعُ الإنسانَ في الكفر شعر أم لم يشعر، وقد حكى الإجماعَ عددٌ من العلماءِ على تكفيرِ من لم يكفر أو شك أو توقف في كفرِ الكافرِ.
فهذا القاضي عياض - رحمهُ اللهُ - في " الشفا " (2/281) ينقلُ الإجماعَ على كفرِ من لم يكفر الكافر أو شك في كفره، وذلك عند كلامهِ عن تكفيرِ من صوب أقوال المجتهدين في أصولِ الدين حيثُ قال: " وقائلُ هذا كلهِ كافرٌ بالإجماعِ على كفرِ من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك ".ا.هـ.
وقال أيضاً: " ولهذا نكفرُ من دان بغيرِ ملةِ الإسلامِ من المللِ، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم وإن أظهرَ مع ذلك الإسلامَ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافرٌ بإظهارهِ ما أظهر من خلافِ ذلك ".ا.هـ.
وقال صاحبُ " مغني المحتاج إلى معرفةِ ألفاظ المنهاج " في معرضِ سرده لصورِ الردة: " أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ... أَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ مَثَلاً: الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ ".ا.هـ.(22/183)
وقال صاحبُ " كشاف القناع " في كتابِ الردةِ: " ( أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ ) أَيْ تَدَيَّنَ ( بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى ) وَالْيَهُودِ ( أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ))ا.هـ.
وقال أيضاً: " ( وَقَالَ الشَّيْخُ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَنَائِسَ بُيُوتُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يُعْبَدُ فِيهَا، وَأَنَّ مَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِبَادَةً لِلَّهِ، وَطَاعَةً لَهُ وَلِرَسُولِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ يَرْضَاهُ ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا ) أَيْ الْكَنَائِسِ ( وَإِقَامَةِ دِينِهِمْ وَ ) اعْتَقَدَ ( أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ أَوْ طَاعَةٌ فَهُوَ كَافِرٌ ) لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَقَالَ ( الشَّيْخُ ) فِي مَوْضِعِ آخَرَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ زِيَارَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كَنَائِسِهِمْ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدّاً ) لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله - تعالى-: (( إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )).ا.هـ.
وقال صاحبُ " مطالبِ أولي النهى ": " ( أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ )؛ أَيْ: تَدَيَّنَ ( بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ ) كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ ( أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ ) أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ))الْآيَةَ ".ا.هـ.
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (2/368) في بيانِ حقيقةِ عقيدةِ وحدةِ الوجودِ، وأنها أشرُ من قولِ النصارى: " فهذا كلهُ كفرٌ باطناً وظاهراً بإجماعِ كلِ مسلمٍ، ومن شك في كفرِ هؤلاءِ بعد معرفةِ دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ كمن يشكُ في كفرِ اليهودِ والنصارى والمشركين ".ا.هـ.
وهذا الشيخُ محمدُ بنُ عبد الوهابِ يعدُه من نواقضِ التوحيدِ فيقول في الناقضِ الثالثِ: " من لم يكفرِ المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم ".
فليحذر المميعين للدينِ من أجل إرضاءِ الناسِ بسخطِ اللهِ.
http://www.islamselect.com
===============(22/184)
(22/185)
خطر التنصير في تركيا
طه عودة
2/12/1425 الموافق له 13/01/2005م
بدأ المبشرون يظهرون على الواجهة الاجتماعية في تركيا بقوة علنية بعدما كانوا يمارسون أعمالهم بسرية تامة قبل أعوام؛ خوفاً من ملاحقة السلطات التركية لهم، وقد بدأ المنصرون يستغلون تهاون السلطات الرسمية مع نشاطاتهم مما شجعهم على فتح موقعٍ على الإنترنت يدعو إلى ذلك، بالإضافة إلى تأسيس شركات في كبرى المدن التركية داخل اسطنبول وإزمير وأنقرة لتلقي الاتصالات الهاتفية تحت اسم "ألو.. دعاء".
وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة التركية منشغلة طيلة العام الماضي بمسألة العضوية في الاتحاد الأوروبي؛ كثفت المنظمات التنصيرية من عملها في تركيا، واستطاعت في فترة وجيزة الوصول إلى مناطق عديدة لتنشر النصرانية، وفتح الكنائس، وفي ذات الوقت فقد حذر مجلس الأمن القومي التركي في التقرير الذي نشرة بعنوان "النشاطات التنصيرية داخل تركيا والعالم" من أن المبشرين البروتسانتيين في تركيا يهدفون إلى تنصير 10% من مسلمي تركيا.
ونقلت جريدة "زمان" التركية ما أكده التقرير من أن المبشرين البروتستانتيين يركزون في أعمالهم التنصيرية بشكل أساسي على الأكراد والعلويين في تركيا مستغلين حالة الفراغ النفسي لهاتين الفئتين، ورصد التقرير تحركات المنصرين ضمن استراتيجية تقوم على استراتيجية وهي: أن الإسلام يفرق بين السنيين والعلويين، وطبقاً للتقرير فإنه يوجد في تركيا (69) مكاناً للعبادة غير رسمي لـ(47) بروتستانتي، وتسعة للبهائيين، و(12) من شهود يهوا، كما أكد التقرير تحول ما يقارب خمسة الآلاف مسلم تركي عن دينه خلال السنوات الثلاث الماضية إلى النصرانية والبهائية وشهود يهوا واليهودية، مشيراً إلى أن (185) مواطناً تركياً قصدوا مديريات الأمن لتغيير ديانتهم في هويّاتهم الشخصية من الإسلام إلى النصرانية، وشخص واحد إلى اليهودية.
كما حذر التقرير من أن الفقر والجهل والمرض هو المثلث الذي تنطلق منه مؤسسات التنصير في العالم، وبأنه تحت شعار تقديم المعونات الغذائية والطبية اكتسح المنصرون منطقة مرمرا بعد تعرضها لزلزال قوي في أغسطس عام 1999 لينجحوا في تنصير نحو (2500) مواطن تعرضت منازلهم للدمار الشامل، كما أشار التقرير إلى أن هؤلاء المنصرين ينشطون في المناطق التي تتضرر من الكوارث الطبيعية متستّرين بزي المؤسسات الخيرية لإقناع المنكوبين باعتناق النصرانية مقابل منحهم أموالاً كبيرة، وقد أجبر مواطنون أتراك في أنقرة بعض المنصرين على مغادرة الشوارع التي كانوا يوزعون فيها الإنجيل مجاناً، هذا وقد خرج المبشرون - ومعظمهم من الأجانب - إلى شوارع أنقرة محاطين برجال شرطة لتوزيع الإنجيل مجاناً على المارين، مؤكّدين بأنهم حصلوا على تصريح رسمي من والي أنقرة من أجل التوزيع.
وفيما لقي هذا التوزيع المجاني اهتماماً من قبل بعض المواطنين إلا أنه أثار غضب أغلبية المارّين، وخاصة المتدينين منهم الذين استنكروا بشدة سماح السلطات الرسمية بتوزيع الإنجيل، ووصفوه بأنه قلة احترام للإسلام والمسلمين، وتساءلوا: "هل كانت السلطات لتتسامح مع توزيع القرآن الكريم، أم تراها كانت ستقيم الدنيا وتقعدها، وتعتقل الموزّعين تحت اسم الأصولية والتشدّد الإسلامي"، وفي اتجاه مضادّ قامت بعض المنظمات والجمعيات التركية بتنظيم ندوات للتعريف بدين الإسلام تضمنت تحذيراً للمواطنين من الأهداف الخفية لتلك الجماعات التنصيرية، وقامت إحدى الجمعيات الإسلامية بتوزيع نسخ من القرآن الكريم في الميدان الرئيس بقلب العاصمة أنقرة، وأعلنت مديرية الأديان أنها ستقوم بتوزيع نسخ أخرى من القرآن الكريم على نزلاء السجون والمعتقلات.
مشوار التنصير في تركيا المسلمة - والتي تُعد البلد الثاني بعد فلسطين المحتلة من حيث الأماكن التبشيرية - يبدأ مع المتعطشين - زعماً - لرؤية تراثهم الضائع، بينما هم في الواقع يعتدون على الدين الإسلامي بصور وأشكال مختلفة من أجل محاولة إخراج المسلم عن دينه وعقيدته من قبل مؤسسات تنصيرية تعمل تحت غطاء الخير، حيث تراهم يستغلون محنة الفقر والجوع لتنفيذ برامجهم في المناطق الإسلامية الأكثر تضرراً لرد أبناء هذه المناطق عن دينهم الإسلامي، وحملهم على اعتناق النصرانية.
وانطلاقاً من هذه الذريعة تبدأ الفعاليات والنشاطات التنصيرية التي ازدادت بشكل خطير في تركيا في السنوات الأخيرة، والتي باتت تهدد الوحدة القومية التركية بشكل جدي، حيث يستفيد دعاة التنصير من الفراغات الموجودة في القوانين التركية ليقوموا بإملائها عبر اللعب على "الوتر العرقي" في تشكيل كتلة من الأقلية النصرانية الجديدة داخل الأراضي التركي، ونتيجة لذلك نرى أنه بينما تم توزيع نحو ثمانية ملايين إنجيل في غضون السنوات الثلاث الأخيرة، فقد اكتسحت الكنائس والأديرة التي يتم بناؤها بالتهريب ( أي تلك التي يتم استئجار، أو شراء شقق سكنية، وتحويلها إلى كنيسة وهمية لجذب المتنصرين إليها ) اكتسحت المدن التركية و خاصة "اسطنبول" أكبر المدن التركية.(22/186)
دعاة الحملة التنصيرية يتبنون أساليب مختلفة تتلاءم مع عادات وطباع كل منطقة فمثلاً:
هم يتولون توزيع الإنجيل والكتب التنصيرية وأشرطة (السي دي) باللغة الكردية في جنوب شرق الأناضول لكي تتلاءم مع لغات الأكراد هناك، حتى يتمكنوا من فهمها واستيعابها، ومن جهة أخرى يقومون بتمويل التلفزيونات المحلية بدفع مبالغ طائلة على دعايات الأفلام الكردية التي تدعو إلى التنصير.
أما المناطق التي تتعرض للزلازل فإنهم يحاولون استغلال حاجة وحزن المنكوبين الذين أصبحوا بدون مأوى ليعرضوا عليهم أموالاً ومشاريع سفر إلى الخارج، حيث أثبتت الإحصائيات مؤخراً بأن دعاة التنصير التابعين للفاتيكان نجحوا في دفع ثلاثة آلاف مواطن تركي من المنكوبين في زلزال سكاريا إلى اعتناق النصرانية.
وأخيراً فإنّ أحوال المسلمين في تركيا جرح ينزف منذ عشرات السنين؛ إذ رشحتها المؤتمرات التنصيرية لتكون من ضمن الدول الإسلامية التي تحاول النصرانية إعمال فأسها فيها؛ فباتت المنظمات التنصيرية بأشكالها المتعددة تصول وتجول هناك، تدسّ السمّ في العسل، وتسقيه للمسلمين، وتدعوهم إلى النصرانية تحت غطاء العمل الإغاثي والخيري، وإذا ما زدنا عليها إهمال الأنظمة الرسمية في الدولة لهذا الخطر الداهم، والمرض المميت الذي بدأ يتفشى وينخر في بنية المسلمين الضعفاء الإيمان؛ فإننا نرى بأن الإسلام اليوم يواجه بالفعل أكبر حملة صليبية مخيفة في تاريخه!!
المصدر : http://www.islamtoday.net/a r ticles/show_a r ticles_content.cfm?id=102&catid=105&a r tid=4965
=========(22/187)
(22/188)
الحوار الإسلامي المسيحي...نظرة شرعية
تاريخ الفتوى : …01 رجب 1423 / 08-09-2002
السؤال
مارأيكم في الحوار الإسلامي المسيحي وماهي فوائده ومضاره وكيفية إيجاده ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلمون مأمورون بالدعوة إلى الله تعالى، ونشر الإسلام، وتبليغ الدين الحق للنصارى وغيرهم، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن [النحل:125].
وقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.
ولا شك أن هذه الدعوة تتطلب عقد مجالس للحوار، والنقاش، وعرض الإسلام، وإبطال ما خالفه من الأديان والمذاهب، والفائدة المرجوة منه هو:
1- حصول الهداية للمدعو.
2- أو إقامة الحجة عليه ليهلك من هلك عن بينة.
3- تنفيذ المسلم لأمر ربه في الدعوة والتبليغ.
4- الوصول ببعض الكفار إلى موقف الحياد أمام دعوة الإسلام في حال عدم دخولهم فيه، وذلك مما يرونه من سطوع أدلته، وما يقفون عليه من جوانب عظمته.
وأما المضار التي تترتب أحياناً على هذه الحوارات فمنها:
1- أن يدخل في هذا الحوار من لا يحسن عرض الإسلام، فيكون عرضه مشوها لجمال الإسلام.
2- مشاركة غير المختصين في هذه الحوارات مما يؤدي إلى فتننة بعضهم أو تشككة فيما هو عليه من الحق.
3- طرح هذه الحوارات أمام العامة، وهذا خطر عظيم، إذ يمكن أن يخفق المحاور في عرض حجته فيكون فتنة لهؤلاء الحاضرين.
ولهذا ينبغي أن تقتصر هذه الحوارات على أهل العلم الراسخين فيه، وأن لا يلجأ المحاور إلى مناظرة عامة إلا في حالات خاصة وفق ضوابط ومعايير محددة تضمن بيان الحق وعدم إثارة الشبه قدر الإمكان.
4- مشاركة بعض الضلال أو الجهال في هذه الحوارات.. كالذين يعتقدون أن المسلمين والنصارى واليهود جميعاً على ملة إبراهيم عليه السلام، وأنه يمكن توحيد هؤلاء جميعهم لمواجهة الإلحاد والوثنية!! وأعظم من ذلك انحرافا قول بعضهم: إن اليهود والنصارى الآن ليسوا كفاراً، وإنما هم أهل كتاب!! وقد بينا سابقاً أن هؤلاء كفار، مع كونهم أهل كتاب، وأن الحكم عليهم بالكفر أمر معلوم من الدين بالضرورة، انظر الفتوى رقم:
2924.
فمشاركة هؤلاء الضلال في هذه الحوارات يسهم في إضلال النصارى، وإغوائهم، وصدهم عن دين الله الحق، فماذا الذي يدعو النصراني إلى التخلي عن دينه إذا لم يكن ثمة فرق كبير بين الإسلام والنصرانية؟!
كما أن دعاة التنصير يستغلون التصريحات البلهاء التي تخرج من دعاة التقريب هؤلاء لتكون سندا لهم في ترويجهم للنصرانية بين المسلمين.
فهذه بعض المضار التي يمكن أن تترتب على الحوارات الإسلامية النصرانية إذا قام بالحوار من ليس أهلاً له.
وهذا الحوار يحسن أن تشرف عليه جهات علمية دعوية لتختار له الأشخاص المناسبين، والمكان والظرف المناسب، مع دعمهم المحاورين بما يحتاجونه من كتب وأشرطة وغيرها من وسائل الدعوة.
لكن الأمر لا يقتصر على هذه الجهات، بل كل مسلم متمكن من دينه، مطلع على دين النصارى، وما فيه من خلل وانحراف لا ينبغي أن يفوت الفرصة في دعوة ومحاورة من يلقاه من أهل الكتاب.
ونحيلك على بعض الفتاوى السابقة المتصلة بهذا الموضوع للاستفادة:
19218
10326
8210
2105
9732
14742.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==========(22/189)
(22/190)
قراءة كتب أهل الكتاب...نظرة شرعية
تاريخ الفتوى : …20 رمضان 1423 / 25-11-2002
السؤال
أسكن في الجزائر في ولاية تيزى وزو( بلاد القبائل) حيث التنصير بلغ حده فأبادلهم الكتب ويلحون أن أقرأ كتبهم فهل أفعل أم لا علما أني طالب علم وبماذا تنصحونني ؟ والسلام عليكم...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قراءة كتب أهل الكتاب وخصوصًا دعاة التنصير والتهويد من قبل غير المتخصصين فيها خطر لا يخفى، فهي تقوم على إثارة الشبهات، والتلبيس، فلذلك لا ينصح بقراءتها لغير المتخصصين في رد باطلها، وقد أمر r من سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر: إن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن، ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه. رواه أبو داود والحاكم:
فالبعد عن قراءة أمثال هذه الكتب أولى ولو كان الدافع هو الرد عليهم؛ إلا لعالم راسخ يعرف شبه القوم وكيفية ردها، وأنصحك بأن تكثف جهدًا مع أمثالك من الشباب الملتزمين في دعوة الناس وربطهم بالإسلام وكشف حجم المؤامرة التي تحاك لهم وإشعال الغيرة في صدورهم، وإن المسلم ليقف عند التأمل في جهود التنصير الواسعة، وجهود الدعوة الإسلامية المتواضعة موقف الأسى والألم، فعلى حين يقوم النصارى بجهد عظيم يهدفون من خلاله إلى إدخال الشعوب في الديانة النصرانية سواء الشعوب المسلمة أو الوثنية أو غيرها، يقف المسلمون - إلا من رحم الله - أمام هذا الخطر مكتوفي الأيدي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذا فنحن نناشد أهل الخير والهيئات الإسلامية القادرة أن يمدوا جميعًا يد العون المادي والدعوي لإخوانهم هناك، فجيوش المنصرين تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة، فتفتن المسلم عن دينه، مقابل كسرة خبز أو شرطة طبيب، بل إن هدفها يتجاوز هذا الحد إلى العمل من أجل تنصير الشريط الصحراوي الفاصل بين شمال إفريقيا العربي المسلم وغرب إفريقيا الأسود المسلم، والممتد من شرق جمهورية النيجر إلى حدود مالي مع موريتانيا.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
============(22/191)
(22/192)
حكم عمل المرأة في مؤسسات أجنبية
تاريخ الفتوى : …13 ربيع الثاني 1424 / 14-06-2003
السؤال
العمل في مؤسسة تابعة لمؤسسات أجنبية مع أني محافظة على عادات وتقاليد البلد وملتزمة بالدين والشرع والحجاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كانت المرأة تحتاج إلى العمل والتزمت بالآداب الشرعية من التستر وعدم الخلوة والاختلاط وتجنب الزينة والطيب.... فلا حرج في عملها -إن شاء الله تعالى- إن كان مباحاً في أصله. والأصل أن تعمل المرأة في بيتها وفي المجالات التي تلائم طبيعتها، ولكن إذا اضطرت للعمل في المجالات الأخرى فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى- إذا التزمت بالشروط المذكورة، ولمزيد من الفائدة والتفصيل نحيلك إلى الفتوى رقم: 3859. وننبه السائلة الكريمة إلى أن المؤسسات الأجنبية يجب الحذر منها، فربما تكون مرتبطة بمؤسسات التنصير أو التهويد، أو غير ذلك من المنظمات المشبوهة التي تسعى لإفساد شباب المسلمين. فهذا النوع من المؤسسات لا يجوز العمل فيه ولا التعاون معه، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول في محكم كتابه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]. والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=========(22/193)
(22/194)
أقسام المؤلفة قلوبهم، والفرق بين التأليف والتنصير
تاريخ الفتوى : …07 ربيع الثاني 1424 / 08-06-2003
السؤال
السلام عليكم أرجو إفادتي بما يلي: من هم المؤلفة قلوبهم, و ما الفرق بينهم و بين الطرق التبشيرية عند النصارى.. هذا السؤال للرد على نصراني.؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالمؤلفة قلوبهم في الإسلام على قسمين: الأول: كفار يرجى إسلامهم، وهؤلاء يعطون -الآن- من الزكاة على مذهب المالكي ة والحنابلة، ولا يعطون على مذهب الحنفية والشافعية. الثاني: مسلمون يرجى ثباتهم، وهؤلاء يعطون عند المالكية والشافعية والحنابل ة. وذهب الحنفية إلى أن المؤلفة لا يعطون شيئا -الآن- سواء أكانوا كفارا أم مس لمين، لأن الله قد أعز دينه، فلا حاجة إلى تألُّفِهم، ومن كان من المسلمين لم يثبت ويرسخ في الإسلام وكان فقيرا، فإنه يعطى لا لكونه من المؤلفة، وإنما لكونه من الفقر اء. هذا بيان من هم المؤلفة قلوبهم في الإسلام وحكم إعطائهم من الزكاة. والفرق بين هذا وبين التنصير واضح لكل عاقل، حيث إن التأليف لمقصد عظيم هو إخراج هؤلاء من الكفر إلى الإسلام ومن الظلمات إلى النور ومن الباطل إلى الحق، وعلى عكسه تماما التنصير، فهو إخراج للناس من النور إلى الظلمات، ومن الإسلام إلى الكفر ، ومن الحق إلى الباطل المحض. والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(22/195)
(22/196)
لا يحل التعاون مع المنصرين
تاريخ الفتوى : …19 شعبان 1425 / 04-10-2004
السؤال
تعرفت على شاب أجنبي من نيوزلندا مسيحي عايش هنا في اليمن ويستطيع التحدث بالعربية ويرغب أن يعمل منهج تدريس عربية على اللهجة اليمنية وقد تعرفت عليه عن طريق صديقي وللعلم أني أكتب قصصاً قصيرة وبعض الحكايات الشعبية وقد أخبرني هذا الشاب الأجنبي إذا كان بأمكاني مساعدته على طريق للتدريس مثلا أن أعطيه من الحكايات التي أكتبها حتى يتسنى له تدريس الأجانب اللهجة اليمنية أو العربية بشكل عام وإلى الآن لم أقدم له أي مساعدة في هذا المجال بسبب أن صديقي الذي عرفني عليه أخبرني أن هذا الشاب الأجنبي يدعو إلى التنصير ولكن بشكل سري ويدعو ضعاف الدين ممن يراهم قد انحرفوا عن الإسلام ولكن بشكل تدريجي المهم السؤال هو: هل يجوز أن أعطيه كتاباتي حتى يعلم الأجانب العربية وأنا قد علمت أنه يدعو إلى التنصير وهل في هذا ضرر عليا أو إثم إذا ساعدتهم في تعلم العربية ولكني أخشى أن يستتغلوا تعلمهم للعربية في التنصير
أرجو إفادتي وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ظننت أن هذا النصراني يعمل على تنصير ضعاف الإيمان من المسلمين، فيحرم عليك مساعدته وإمداده بما يعينه على نجاحه، قال تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
ويجب عليك إبلاغ المسؤولين في الدولة عن نشاطه المريب، وكذلك يجب عليك تحذير الناس منه، وصدهم عن معاونته وتخويفهم بالله، فإن من يعاونه على التنصير وهو يعلم، فقد وقع في ناقض من نواقض الإسلام، وخرج من الملة، فقد قال تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة: 51}.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(22/197)
(22/198)
خدمة الدعوة عن طريق مهنة الطب
تاريخ الفتوى : …25 ذو القعدة 1425 / 06-01-2005
السؤال
نحن مجموعة أصدقاء نكتب إليكم هذا السؤال: نحن طلاب في كلية من كليات القمة وقد دخلناها على حسب مجموع الثانوية العامة وهذه الكلية التي دخلناها لا نعرف لها ما هي هدفها أو كيف نخدم بها الإسلام والمسلمين فهل أرجوكم توضحوا لنا كيف نخدم - بالعلاج الطبيعي - الإسلام والمسلمين؟ وكيف يكون هدفنا؟
شكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هدف المسلم في هذه الحياة هو أداء ما خلق من أجله، وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56}.
وعبادة الله تعالى معناها أداء الشعائر التعبدية، وتوجيه جميع مناشط الحياة فيما يوافق الشرع ويخدم المجتمع، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام: 162-163}.
فإذا علم المسلم هذه الحقيقة واستصحب النية الصالحة في أعماله التعبدية والعادية، فإنها جميعاً تصبح عبادة وقربة إلى الله تعالى ينال بها رضا الله. ومن أهم ما يمكن أن يخدم به المسلم دينه ومجتمعه مهنة الطب، وقد جعلها الإسلام من فروض الكفاية لأهميتها والعناية بها، فقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها، والطبيب الذي يعالج الناس ويخفف عنهم الآلام النفسية والعضوية له تأثير عظيم في نفوسهم، وخاصة إذا كان قدوة حسن الأخلاق طيب المعاملة.
لهذا إذا كنتم تريدون خدمة دينكم ومجتمعكم بهذه المهنة الطيبة والفريضة العظيمة، فعليكم بإخلاص النية لله تعالى، والصدق مع الناس، وستجدون نتيجة عملكم عاجلاً وآجلاً إن شاء الله تعالى.
فهذه المهنة من أهم ما يخدم به المسلم دينه، فقد أهمل كثير من دعاة الإسلام مهنة الطب بينما استغلها دعاة التنصير والباطل، فأفسدوا بها الناس، وفتنوا بها ضعاف النفوس من المسلمين عن دينهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
============(22/199)
(22/200)
…التنصير.. معناه..خطره.. وأهدافه
تاريخ الفتوى : …06 ذو الحجة 1425 / 17-01-2005
السؤال
ما معنى التبشير؟ وما أهدافه؟ وما موقف الإسلام منه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصواب أن يقال (التنصير) بدلاً من (التبشير) ومعناه: قيام النصارى بدعوة المسلمين وغيرهم إلى الدخول في دينهم المنسوخ المحرف.
والواجب على المسلمين إيقاف المد التبشيري (التنصيري) وعدم السماح لهم بإنشاء جمعياتهم في بلاد المسلمين، وعدم التعاون معهم بأي وجه من أوجه التعاون.
هذا.. ولينتبه إلى أن من المنصرين من يأتي إلى بلاد المسلمين في شكل واضح سافر، ومنهم من يتخذ أشكالاً متعددة، فمنهم من يتخذ من الاستشراق واجهة له، فيدَّعون أنهم متخصصون في دراسة تراث المسلمين، وأحياناً يكون المنصرون في شكل أطباء أو ممرضات وحكيمات، أو خبراء وفنيين، أو هيئات إغاثية تقدم المساعدات الإنسانية، ونحو ذلك من الأشكال.
ولكنهم مع تعدد أشكالهم ومسمياتهم فإن غرضهم واحد ونيتهم واحدة، ألا وهي إخراج المسلمين عن دينهم، وزعزعة تمسكهم بعقيدتهم، مستغلين في ذلك ضعف المسلمين وفقرهم وجهلهم بدينهم.
ولمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع -راجع ما كتبه الأستاذ/ محمد قطب في كتبه- (هل نحن مسلمون) و (واقعنا المعاصر) و (مذاهب فكرية معاصرة) و (المستشرقون والإسلام)، وما كتبه عبد الرحمن حبنكة الميداني في (أجنحة المكر الثلاثة)، وما كتبه الدكتور محمد محمد حسين في (الإسلام والحضارة الغربية) و(الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر).
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
============(22/201)
(22/202)
مواجهة التنصير الذي تمارسه الجماعات التنصيرية
تاريخ الفتوى : …28 ربيع الثاني 1426 / 06-06-2005
السؤال
ما رأيكم في جمعية كاريتاس التي وجدتها على النت تتبع الفاتيكان ولها فروع في بعض البلاد العربية من بينهم بلدي، ولها لجان داخل المدارس يقرها مديرو المدارس في مقابل أموال يتقاضونها مع كل اجتماع لتلك الجمعية بدعوى أن تلك الجمعية هدفها الخير من رعاية طبية للطلبة من التدخين والإيدز وغيرها من مبرارات ولها فروع أخرى لأولاد الشوارع تقدم لهم الطعام والملبس ثم تطلقهم مرة أخرى في الشارع بحجة أن أهداف الجمعية العطف على الأطفال وليس إيواءهم أو تعليمهم حرفة تقيهم ذل التسول وغيرها من لجان فهل لجنة كهذه تتبع الفاتيكان ليس لها أهداف تبشيرية، أو ليس في الإسلام ما ينادي بكفالة اليتيم والعطف على المحتاج حتى نلجأ إلى رؤوس أموال كنائسية تنفق على المسلمين بدعوى أنها لا تفرق بين الناس، وهل التعاون مع هذه اللجان حلال، وهل المال المأخوذ منها حلال، أرجو سرعة الرد فهناك من المسلمين من يغتر بهذه الجمعية ويدعو لها ويزينها في عيون الآخرين، وما دوري كمسلم لأدافع عن الدين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الهدف الرئيس للجمعيات التنصيرية هو صد المسلمين عن دينهم، وربطهم بالديانة المسيحية التي قد حرفها أصحابها وبدلوها منذ زمن بعيد، والتي قد نسخ العمل بها منذ بعثةمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن أبرز المنظمات التنصيرية منظمة كاريتاس التي تقوم بدور بارز في دعم برامج التنصير وتمويل المشروعات الاستثمارية للشباب والنساء والتي دعت إلى جمع ملايين الدولارات للمساهمة في الإغاثة.
ومن الطرق التي تستخدمها الجمعيات التنصيرية لجلب قبول الناس كفالة الأيتام، وعلاج المرضى، والسعي للوقاية من الأمراض، والإنفاق على التعليم، وتمويل مشاريعه، وغير ذلك من الأساليب التي تهدف في باطن أمرها إلى محاربة الإسلام وتعاليمه ولغته.
تقول د: سهير أحمد السكري أخصائية اللغويات في جامعة جورج تاون: قد آمن المستعمرون الإنجليز والفرنسيون بأن المعركة مع المسلمين يجب أن تبدأ من الفصل الدراسي -من المدرسة- بتدمير التعليم الديني، كما تكون بنشر المدارس الأجنبية المنافسة في كل البلاد العربية، ومحاربة اللغة العربية، وبالإنفاق ببذخ على تعليم اللغات الأجنبية وربطها بالتقدم والتكنولوجيا، والعلوم العصرية، وفرص الثراء والمرتبات الأكبر. انتهى.
وعليه فإن الجمعية المذكورة تحرم المعاملة معها وإمدادها بأي شيء يمكن أن يعينها على النجاح في مهمتها، قال الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وحرم أخذ المال منها ما دامت تتوصل بذلك إلى تحقيق أهدافها، ويجب حينئذ تحذير الناس منها، وصدهم عن معاونتها، ولو أدى ذلك إلى بقاء الأولاد بدون كفالة أو بدون تعليم، فلا ريب في أن مفسدة ضياع وذهاب الدين والقيم والأخلاق لا تساويها مفسدة ترك الولد من غير كفالة أو من غير تعليم مدرسي.
وإن المسلم يجب أن يكون غيوراً على دينه وقيمه، ويجب أن ينتبه لهذا الخطر العظيم والشر المستطير، وأن يعلم أن الله وهب له الأولاد واسترعاه عليهم، وسيسأله عما استرعاه، فعليه أن يعد الجواب من الآن.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
============(22/203)
(22/204)
من أعمال الكفر: مظاهرة المشركين على المسلمين
تاريخ الفتوى : …03 رجب 1426 / 08-08-2005
السؤال
أنا في مدرسة ثانوية أتانا رجل نصراني وتجرأ ودعا إلى النصرانية وبعد البحث وجدنا أنه أتى من مدرس مسلم بالمدرسة وعندما قلنا للمدرس لماذا أنت تفتن الطلاب به وتأتي به قال(لأنه يأتي إلى المدرسة بالهدايا وينفع المدرسة )وعندما جاء النصراني إلى المدرسة فإذا عنده منهج في الدعوة فهو في أول جلسه لم يتحدث عن ملته حتى يكسب قلوب الطلبة ثم ينشر دعوته والحمد لله أن العام الدراسي انتهى ولكن ماذا نفعل معه إذا جاء في العام القادم عبر المدرس الذي ينتسب إلى الإسلام أفيدونا رحمكم الله إنها فتنه أنقذونا منها
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يتعاون مع المنصرين ويسهل لهم التواصل مع شباب المسلمين لإلقاء الشبه عليهم لفتنتهم عن دينهم رجل خائن للأمانة التي أنيطت بعنقه، مظاهر للمشركين على المسلمين، وعمله هذا عمل كفري مخرج عن ملة الإسلام، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
هذا بالنسبة لذلك المدرس الذي يمهد لدخول هذا النصراني إلى قلوب أولاد المسلمين ونشر دعوته وإثارة شبهاته فيجب عليه أن يكف عن هذا العمل وأن يسد بابه، وليعلم أنه عمل كفري كما قدمنا، ولا يسوغه ما يقدمه ذلك النصراني لخدمة دعوته، وصدق الله تعالى حيث يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ {الأنفال: 36}
أما أنتم فيجب عليكم منع هذا النصراني من الدخول إلى المدرسة وطرده منها، فإن كنتم لا تستطيعون ذلك فبلغوا السلطات وأولياء أمور الطلبة حتى يردعوا هذا النصراني عن عمله ذلك، وعلى المستطيع منكم أن يقوم بتوعية الطلاب بخطر التنصير وتحفيزهم للتمسك بدينهم والاعتزاز به وعدم التفريط فيه وتوعيتهم بمخططات الكفار وحقدهم على المسلمين، وأن الحرب مع الكفار هي حرب عقدية في الحقيقة وإن أخذت شكل الاحتلال العسكري.
كما يجب على الطلاب أن يعلموا أن النصارى واليهود كفار ومأواهم النار خالدين فيها أبدا، وأنهم لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2924، 5750، 7299.
وكذلك يجب تحذير الطلاب من خطر الردة وأن المرتد خالد في النار ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وأن متاع الدنيا لا يقارب بعذاب الآخرة، وانظر الفتوى رقم: 14927.
ومن وسائل توعية الطلاب: توزيع المطويات الإسلامية التي تحذر من التنصير وتثير الحمية لهذا الدين ومنها:
- من رسائل المنصرين.
- صانعوا الخيام.
- التنصير يجتاح الجزيرة.
- 59 وسيلة لمواجهة التنصير.
- مصدر عزة المسلم.
- من لجراحات المسلمين.
وكل هذه الأشرطة للشيخ سلمان بن فهد العودة، وتجدها وغيرها على موقع طريق الإسلام على الإنترنت www.islamway.com
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 58129، 54174.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(22/205)
(22/206)
بعد إسلامه المنصر العالمي السابق أشوك كولن يانق يكشف:
تفاصيل المخطط الكنسي لتنصير المسلمين في العالم
حوار: أيمن إبراهيم
أشوك كولن يانق في سطور:
- ولد في السودان في مدينة يرول، منطقة البحيرات جنوب السودان، وتلقى تعليمه الابتدائي في المدينة نفسها.
- تلقى تعليمه الثانوي والعالي في أوغندا.
- درس في ولاية تكساس الأمريكية علم اللاهوت.
- كان والده مسؤول الكنيسة في شرق ووسط إفريقيا ومقرها أوغندا.
- حصل على عدة دبلومات في مجالات التخطيط وإدارة التعليم الكنسي، والتنصير، وتنمية المجتمع من النرويج وكينيا والخرطوم.
- حصل على ماجستير في مقارنة الأديان جامعة أكسفورد بريطانيا.
- تقلد العديد من المناصب الكنسية منها: ( مدير المنظمة النرويجية للعون الكنسي، مدير المنظمة النرويجية لرعاية الطفولة ).
- مدير منظمة درء الكوارث عن السودان وهي منظمة سويدية دانماركية هولندية.
- قسيس في الكنيسة الأسقفية بالخرطوم.
- مدير برامج الإنماء في الصومال وهي تابعة للأمم المتحدة.
- الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي بشرق ووسط إفريقيا (1992 1993م).
- مسؤول التعليم الكنسي العالمي في وسط وشرق إفريقيا.
- مدير كلية النيل للاهوت في السودان.
- أمين عام منظمة الشباب المسيحي عام 1987 - 1988م.
- أمين عام منظمة التضامن المسيحي في إفريقيا.
- اعتنق الإسلام عام 2002 م.
- وحالياً أمين عام منظمة التضامن الإسلامي لتنمية وإعمار السودان 2003م.
كشف أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقاً أشوك كولن يانق أبعاد المخطط الذي تتبعه آلاف المنظمات الغربية الكنسية في تنصير المسلمين، عبر وسائل وأساليب متعددة منها الغطاء الإنساني، وسلاح المعونات، وممارسة الضغوط على الحكومات العربية والإسلامية حتى تستجيب للمطالب الغربية.
وأكد أشوك في حوار موسع مع مجلة المجتمع أنه شارك في مؤتمر سري عقد في ولاية تكساس الأمريكية لدراسة أوضاع كل دولة إسلامية على حدة، واتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل تنصير أبنائها، أو إبعادهم عن دينهم.
وقال: لقد كلفت بمهمة تسلم مبلغ مليون و800 ألف دولار من الكنيسة الهولندية، وتسليمه إلى نظيرتها المصرية بهدف إنفاقه على الحركات العلمانية، وبعض الأفراد في جهاز أمني رفيع لضرب حركة الإخوان المسلمين، والزج بأعضائها في السجون والمعتقلات حتى لو وصل الأمر إلى تصفية رموزها.
وأوضح أن أموال المؤسسات الاستثمارية الغربية العاملة في العالم العربي والإسلامي تذهب لرعاية الأنشطة التنصيرية، لافتاً إلى أن جميع الدول الإسلامية تشهد موجات واسعة من التنصير، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
ما الدور الذي تقوم به المنظمات الغربية الخيرية في إفريقيا خاصة، والعالم العربي والإسلامي بصفة عامة؟
هي في حقيقتها منظمات كنسية تعمل تحت غطاء إنساني، لكن جوهر عملها تنصير المسلمين، أو إبعادهم عن دينهم بأساليب مدروسة ومتنوعة.
كم عدد المنظمات التي يرعاها مجلس الكنائس العالمي؟
هذا العدد من الصعب إحصاؤه، لكن أستطيع القول إنه بالآلاف، والسودان وحده يعمل فيه أكثر من 500 منظمة كنسية.
كيف تقوم المنظمات الكنسية بأعمال التنصير؟
المنظمات الكنسية أو بالأحرى التنصيرية لا تعمل عشوائياً، وإنما وفق دراسات وأبحاث دقيقة، فهي تدرس الدولة أو المنطقة المرشحة للتنصير من حيث خريطة أديانها وعددها، ومدى تمسك الناس بدينهم، ونوعية الأجناس، وتحديد احتياجات المنطقة من مال وغذاء، وتعليم وخدمات صحية وغيرها.
وأساليب التنصير كثيرة، وهي تختلف حسب دين الشخص المستهدف، ومدى تمسكه به، ومدى احتياجه إلى المال والصحة والتعليم وغير ذلك، فاللادينيون تدفعهم الحاجة إلى اعتناق المسيحية دون عناء إذا ما توافرت لهم احتياجاتهم، أما المسلمون فالمنظمات الكنسية تعمل في اتجاهين: إما تنصيرهم، أو إبعادهم عن دينهم، وأساليب تنصير المسلمين تقوم على الترغيب والتدرج والمرحلية.
وكيف كنتم تبعدون المسلم عن دينه؟
إذا كان متديناً كنا ندخل إليه من خلال بوابة الشهوات كالشهرة، أو التعليم، أو المنصب، أو النساء، وبأن يقوم أحد المنصرين بمصادقته، والوقوف على احتياجاته، والعمل على حل جميع مشكلاته حتى يصبح أسيراً له، ومعتمداً عليه بدرجة أساسية، ومن ثم يتحكم فيه، ويتحول تلقائياً إلى النصرانية، أو يبتعد عن دينه.
وإذا فشلتم في تحقيق أهدافكم في بعض البلاد ماذا كنتم تصنعون؟
إذا فشلنا في تحقيق مرادنا كنا نلجأ إلى أساليب أخرى كثيرة، منها الضغط على الحكومات التي لا تأخذ بتوجيهات الكنيسة عن طريق دول بعينها في الغرب، ونهدد بوقف الخدمات التي نقدمها لشعوبهم، وتلك الخدمات التي أصبحت لا غنى لهم عنها، ولا يستطيعون العيش من دونها، أو الخيار الآخر وهو فرض العقوبات عليها، وإثارة فتن واضطرابات داخلية.
ماذا عن مصادر الأموال التي تنفقها المنظمات الكنسية؟(22/207)
يوجد في الدول الغربية عرف سائد بموجبه يتم اقتطاع 5% من مرتب كل موظف للتنصير، هذا فضلاً عن أن معظم المؤسسات الاستثمارية الغربية العاملة في إفريقيا وآسيا هي مؤسسات كنسية بالدرجة الأولى، أي أن أموالها تذهب لصالح أنشطة الكنيسة، وبدورها تقوم الكنيسة برعاية أنشطة التنصير، فالكنيسة المصرية مثلاً كانت ترعى أكثر من 10 آلاف طالب من جنوب السودان، وتعمل على تأهيلهم لكي يصبحوا منصرين وقساوسة.
من الملاحظ أنك تقلدت العديد من المناصب الكنسية الرفيعة كيف كنت تعيش في ظلها؟
المنظمات الغربية كانت تغدق علينا الأموال بلا حساب، وكانت توفر لنا كل ما نحتاجه من سيارات فارهة، ومساكن فاخرة، وأسفار إلى كل دول العالم، وكنا ننفق ببذخ شديد، ونعيش في ثراء وترف، غير أن كل ذلك لم يكن ليشعرني بالاستقرار النفسي، فكنت دائماً أشعر أن الأعمال التي نقوم بها غير متلائمة مع فطرتي، الأمر الذي كان يشعرني بالقلق.
كيف تركت كل هذا الترف وتحولت إلى الإسلام؟ وكيف اقتنعت به؟
الحمد لله لقد تركت للكنيسة كل شيء، وشعرت أنني ولدت من جديد، ومستقر نفسياً، بعد اعتناقي الإسلام عام 2002م رغم ما أعيشه الآن من شظف العيش، وقد تحولت إلى الإسلام عبر دراستي لمقارنة الأديان في مرحلة الماجستير، وخرجت بالنتائج التالية:
القرآن لا يحمل اسم مؤلف كما هو حال كل الأناجيل.
القرآن هو كلام الله - تعالى- فهو يتناول سيرة الرسل من سيدنا آدم وحتى سيدنا محمد.
السيرة النبوية تؤكد أن الإسلام هو أول دين وآخر دين.
جميع الرسل نادوا بالتوحيد اتساقاً مع الإسلام.
كل رسول كان لديه مهمة محددة، وأُرسل لقوم بعينهم، بينما جاءت الرسالة الإسلامية للناس كافة.
الكتب السابقة لا نستطيع أن نميز فيها بين كلام الله وكلام الرسول وكلام المؤلف، فكل ما قرأناه قال يوحنا وقال بطرس وقال...
كلام الله في الإسلام واضح، وأقوال الرسول وأفعاله معروفة، وسيرة النبي محددة، وهذا يدل على حفظ الله لهذا الدين.
الإسلام فيه عدالة ومساواة بين جميع المسلمين، ووضوح رؤية، أما في المسيحية فهناك أشياء كثيرة كنت أخجل منها بسبب عنصريتها، إذ كنت أخجل من لون بشرتي السوداء، فضلاً عن أن البشر في ظل المسيحية مستويات ودرجات، فالسود يصلون وحدهم، والبيض يصلون وحدهم، ففي الكنائس الأمريكية لا يستطيع الأسود أن يصلي في كنائس البيض، فوزير الخارجية الأمريكي نفسه كولن باول لا يستطيع أن يدخل كنيسة البيض ويخاطبهم، أما في الإسلام فلا يوجد هذا التمييز، فمن يسبق إلى المسجد يصلي في الصف الأول، والناس أمام الله سواسية، ويمكن أن يكون الإمام أسوداً أو أبيضاً لا فرق.
كيف تلقت الكنيسة خبر إسلامك؟
انزعجت بشدة، وعملت جاهدة على ارتدادي عن الإسلام بشتى الوسائل، ومن ذلك جاءت إلي وفود ولجان كثيرة من داخل السودان وخارجه، ومارست ضغوطاً كبيرة، وقدمت في سبيل ذلك إغراءات لا حدود لها، غير أنني بإسلامي الذي اعتنقته عن دراسة واقتناع أصبحت قوياً، ولم تنجح هذه المحاولات في إعادتي إلى النصرانية، ولما فقدت الكنيسة الأمل في ذلك هددتني بالتصفية الجسدية، وجندت بعض أتباعها لاغتيالي غير أنها لم تنجح في ذلك، وأنا الآن لا أسافر إلى الدول الغربية حتى لا أتعرض للقتل، كما أن موقعي القبلي يحميني، ففي إحدى المرات التي تعرضت فيها للقتل - وكتب الله لي النجاة - دافعت عني القبيلة، ومنذ إسلامي وأنا أشعر أنني في حماية الله - تعالى-، كما أنني كمسلم أصبحت مقتنعاً أن الموت حق، ولست خائفاً منه، فمن يمت دفاعاً عن إسلامه فهو شهيد، وأجره عند الله عظيم، أما المسيحيون واليهود فهم يحرصون على الحياة.
بعد أن أسلمت كيف رسمت مستقبلك؟
ألفت بعض الكتب منها ( لماذا أسلمت؟ )، وكتاب عن سماحة الإسلام، وآخر عن البدع المسيحية الحديثة، وتفرغت لدعوة غير المسلمين للإسلام، والمشاركة الفعلية والمنتجة في بناء السودان من خلال منظمة التضامن الإسلامي لتنمية وإعمار السودان التي أترأسها.
كتاب لماذا أسلمت ما أهم محاوره؟
عقدت فيه مقارنة بين الإسلام والأديان الأخرى، وكشفت عن التناقضات الموجودة في هذه الأديان، وتحدثت عن ثوابت الإسلام، وقد بهرني نظام توزيع المواريث في الإسلام، فالميراث في اليهودية موجود لكن بصورة غير مرضية وغير عادلة، وهو في المسيحية غير موجود أصلاً، أما الإسلام فقد عالجه بدقة وعدالة غير مسبوقة، حتى إن قبيلة الدينكا التي أنتمي إليها وهي قبيلة مسيحية طبقت نظام المواريث في الإسلام، ووجدت في ذلك حلاً لجميع نزاعاتها التي دامت فترات طويلة.
كما تحدثت في كتابي عن شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة، وكيف أن الإسلام ينقل من يعتنقه ويؤمن به قولاً وعملاً نقلة كبيرة تسمو به، أما بقية الأديان ففيها صراعات بين تعاليم الأديان والثقافات، فهذه الأديان لا تغير من ثقافة من يعتنقها، حيث يمارس الشهوات والملذات كما يشاء، ولا حظ له من هذه الأديان إلا الاسم.
ما عدد الذين اتبعوك بعد أن أسلمت؟(22/208)
بفضل الله أسلم على يدي أكثر من 150 ألفاً، ومن القيادات الكنسية أسلم أكثر من 2500 من كبار القساوسة والمنصِّرين، وجميعهم من جنوب السودان وجبال النوبة ومنطقة الأنجسنا.
وكيف أقنعت هذا العدد الكبير بالإسلام؟
من السهل جداً إقناع غير المسلم بالإسلام لأنه فارغ تماماً، ومن ثم فقد أوضحت لهم أن الإسلام دين لا شك في حقيقته، وهو دين مميز عند الله (( إن الدين عند الله الإسلام ))( آل عمران :19 )، ويخاطب جميع البشر، وهو دين يعالج جميع مشاكل الحياة، كما أنني وجهت عدداً من الرسائل لكل من آمن بالمسيح وأحبه وأثبت فيها ما يلي:
إن الله واحد لا شريك له، وأن الله ليس ثالث ثلاثة.
أن عيسى إنسان ورسول أرسله الله - عز وجل - إلى قومه، وليس إلهاً أو ابن إله.
أن عيسى رسول الله لبني إسرائيل، وأن رسالته ليست عامة لكل الإنسانية، وأنه ليس ابن الله الذي نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر، ثم عاد مرة أخرى إلى السماء ليجلس على يمين أبيه!.
لكن ألم تثنك أوضاع المسلمين المتردية عن الدخول في الإسلام؟
لقد ذهلت عندما اعتنقت الإسلام ووجدت أن المسلمين لا يطبقونه في حياتهم، فقد حدد الله - تعالى- في الإسلام مصدرين للحياة المدنية والسياسية هما القرآن الكريم والسنة النبوية، ومع الأسف فإن المسلمين لا يحتكمون إليهما، والحكومات في الدول العربية والإسلامية لا تلتزم بالمنهج الإسلامي، ولهذا فإن ضعف المسلمين جاء نتيجة الابتعاد عن دينهم، وضعف إيمانهم، ولو تمسكوا به لقويت شوكتهم.
هل ثمة علاقة بين المنظمات الكنسية والصهيونية من واقع خبرتك؟
لقد زرت "إسرائيل" عدة مرات في إطار العلاقة الوطيدة التي تربط بين المنظمات الكنسية والدفاع عن "إسرائيل" وحمايتها، حتى إنني أصبحت أتحدث العبرية بطلاقة، وليس هناك فرق بين هذه المنظمات و"إسرائيل"، فالأهداف مشتركة وهي الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مسلمة في المنطقة حتى لا يشكل ذلك خطورة على مستقبل "إسرائيل" في المنطقة، ولهذا فإن الهجمة الغربية الآن ضد الإسلام والمسلمين تصب في مصلحة الصهيونية، وتعمل على حمايتها، ومن ثم فالدول الأقرب للإسلام مستهدفة من الغرب مثل: إيران، وأفغانستان، والسودان، وإذا رفضت الانصياع للغرب فإنها قد تتعرض للعقوبات.
والمساعدات التي تقدمها أمريكا لمصر لا تحصل عليها أية دولة أخرى لماذا؟
بسبب موقع مصر الاستراتيجي، ودورها في حماية "إسرائيل"، ولهذا لا تستطيع مصر أن ترفض طلباً لأمريكا لأنها أصبحت أسيرة مساعداتها، وأذكر أن أمريكا فرضت على مصر أن تفتح سفارة إسرائيلية رغم رفض الشعب المصري بكل فاعلياته، وأستطيع القول إن الغرب والكنيسة و"إسرائيل" اتحدوا على مواجهة الإسلام، ولكل طرف مهمة محددة في هذه المواجهة، فالكنيسة تقوم بدور التخطيط، والمنظمات الغربية تقوم بدور التنفيذ، واذا فشلت في مهمتها التنصيرية فإنها تلجأ إلى الحكومات الغربية لكي تمارس بدورها الضغوط على الحكومات الإسلامية لتنفيذ مقاصد الكنيسة.
نود أن تحدثنا عن بعض الممارسات الكنسية التي شاركت فيها ضد الإسلام والمسلمين؟
في عام 1981م عقد مؤتمر سري في مركز الأبحاث الاستراتيجية بولاية تكساس، وكنت أحد المشاركين الفاعلين في هذا المؤتمر، وكان شعاره كيف نواجه المد الإسلامي؟، وتم تقسيم الدول الإسلامية إلى دول أكثر فاعلية، وأكثر تطوراً مثل: مصر والعراق وباكستان، ودول أكثر حباً للإسلام مثل: إيران وأفغانستان وطاجيكستان والشيشان والسودان وتشاد وتركيا.
وأخضع المؤتمر كل دولة للدراسة على حدة، وأجابت الدراسة عن سؤال مهم هو كيف يمكن الدخول إلى شعوب هذه الدول والعمل على تنصيرها؟ فإذا لم يتحقق هذا الهدف تلجأ الكنيسة إلى خلق النزاعات الأهلية والفتن، وقد نجحوا في تحقيق ذلك في أفغانستان، وقسموا البلاد إلى جماعات، وأشعلوا الحرب فيما بينها، وقدموا جميع أشكال الدعم لكل مجموعة دون أخرى.
وحاولوا ذلك في إيران، ولعبوا على وتر الطائفية حتى لا تتحد الشيعة والسنة، وما توتر العلاقات بين الشيعة والسنة الآن في إيران ودول الخليج إلا نتاج للممارسات الكنسية، وحينما جاءت الكنيسة إلى السودان وجدت أن الإسلام هو الدين السائد في الجنوب، ووجدت أن السودان يجاور عدداً من الدول الإسلامية، فأمر الحاكم العام الإنجليزي للسودان في ذلك الوقت بسن قانون المناطق المكفولة، وهو القانون الذي يمنع السودانيين الشماليين من دخول الجنوب، والعكس حتى يتسنى نشر المسيحية في الجنوب، واستئصال الإسلام، وظل هذا القانون إلى عهد الاستقلال عام 1956م، وكان لهم ما أرادوا، والكنيسة الآن تخطط لضرب الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان، لاعتقادها أنها تقف في مواجهة المد التنصيري.
وكيف خططت الكنيسة للنيل من الدول التي صنفتها ضمن الدول الأكثر تطوراً في هذا المؤتمر الذي شاركت فيه عام 1981م؟(22/209)
من هذه الدول العراق ومصر وباكستان، وقد وضعها الغرب بإيعاز من الكنيسة تحت المجهر للتحكم فيها، وذلك من خلال خلق المشكلات والنزاعات الداخلية من ناحية، وبين هذه الدول وجيرانها من ناحية أخرى، وكان الهدف من ذلك وقف التقدم العلمي والتكنولوجي في هذه البلاد حماية الكيان الصهيوني، وبخصوص العراق فقد جاءت بريطانيا المستعمر القديم للعراق، وأقنعت صدام حسين بموجب بعض الخرائط أن الكويت من محافظات العراق، وشجعوه على ذلك، وكان لأمريكا دور كبير في إغراء صدام باحتلال الكويت، وبعد أن تورط صدام في احتلال الكويت لعبت أمريكا عدداً من السيناريوهات ما زالت تطبق حتى اليوم، وقد كان لها ما أرادت.
ما الدور الذي اضطلعت به شخصياً وما الجهات التي كنت تتعامل معها؟
لقد أوصى المؤتمر بضرورة استخدام العلمانيين في ضرب الحركة الإسلامية عن طريق دعم المجموعات العلمانية، والضغط على إحدى الحكومات العربية للزج بأعضاء الحركة الإسلامية في السجون والمعتقلات، ولو وصل الأمر إلى تصفية رموزها.
وانحصر دوري في هذا الشأن في تسلم وتوصيل مبلغ مليون و800 ألف دولار من الكنيسة في أمستردام (هولندا) إلى الكنيسة في هذا البلد العربي، بهدف إنفاقه على بعض الأفراد في جهاز أمني رفيع، وعلى الحركات العلمانية، لضرب حركة الإخوان المسلمين على وجه التحديد، وكان ذلك خلال عامي (1996م 1998م) وكانت ترد إلينا تقارير أولاً بأول، وكانت الجهات التي شاركت في هذا المخطط لا تعرف بعضها البعض.
ما الأشخاص والجهات التي شاركت في هذا المؤتمر؟
ممثلون عن الكنائس في الدول العربية والإسلامية والكنائس الغربية، وكان محور أعمال هذا المؤتمر: كيف تتحكم الكنيسة في جميع الدول العربية والإسلامية، إما عبر الغطاء الإنساني، أو الضغط على الحكومات أو غير ذلك من الأساليب التي ذكرتها سابقاً.
ألا ترى أن هذا الكلام الذي تقوله خطير وقد يعرض حياتك للخطر؟
أدرك ذلك، لكنني أردت أن أكشف حقيقة ما يدور في الدهاليز والأروقة الكنسية من استهدافات للإسلام والمسلمين، خاصة بعد أن أصبحت مسلماً، وأنا لم أعد أخشى الموت خاصة إذا كان دفاعاً عن دين عظيم كالإسلام.
أي البلاد العربية والإسلامية توجد فيها حركات تنصيرية؟
معظم البلاد العربية والإسلامية تشهد موجات عاتية من التنصير، ولكل دولة برامج خاصة بها، ويستطيع الغرب أن يبني أي عدد من الكنائس فيها، وله في ذلك أساليب مختلفة ومتنوعة.
في إطار مكافحة ما يسمى بالإرهاب الدولي يبدو أن هناك مخططاً لضرب العمل الخيري الإسلامي كيف ترى سيناريوهات هذا المخطط؟
تنامي المد الخيري الإسلامي أزعج المنظمات الكنسية، ومن ثم فقد اتخذت العديد من التدابير والإجراءات لوقفه ومنها ما يلي:
توجيه الحكومات العربية والإسلامية لإيقاف نشاط المنظمات الدعوية والخيرية الإسلامية.
العمل بكل السبل على وقف المنظمات الإسلامية حتى تخلو الساحة للمنظمات الكنسية لتعمل بدون منافسة حقيقية في مجال التنصير.
تنمية دور المنظمات الغربية التي تعمل تحت الغطاء الإنساني للقيام بمهمات استخباراتية، وجمع معلومات.
إذا فشلت الكنيسة في تحقيق مقاصدها تجند بعض الأتباع والعملاء لإحداث الفتن والتخريب، وزعزعة الاستقرار.
في تقديرك لماذا هذه الهجمة الغربية الشرسة ضد الجمعيات والهيئات الخيرية الإسلامية؟ ومتى بدأ هذا المخطط؟
لأن انتشار الإسلام بهذه السرعة الكبيرة يخيف أمريكا وأوروبا، ولهذا فإن الكنيسة تعمل على منع المنظمات الإسلامية من ممارسة العمل الخيري، وتجفيف منابعه، وتحجيم نشاطاته، وهذا المخطط بدأ منذ 20 عاماً، ونحن الآن في المراحل الختامية لتنفيذه، وإغلاق جميع المنظمات الخيرية ذات الطابع الإسلامي، لأن هذه المنظمات لها دور كبير في نشر الإسلام، وتحصين المسلمين ضد التنصير، وتوفير احتياجات الفقراء والمنكوبين، في الوقت الذي لا تعمل فيه المنظمات الكنسية إلا في مناطق الفاقة والحاجة والكوارث، والآن أصبح سيف الولايات المتحدة الأمريكية مسلطاً على الحكومات العربية والإسلامية لتحجيم العمل الخيري الإسلامي، وتجفيف مصادر الدخل والدعم حتى تتوقف هذه المنظمات الإسلامية عن أداء دورها الرسالي.
وما الرسالة التي تحب أن توجهها للمسلمين؟
إلى إخواني المسلمين أقول: لقد أنعم الله - عز وجل - عليكم بالإسلام فلا تهجروه، ولا تفرطوا فيه، لأنه ثروة حقيقية مستهدفة من الغرب المسيحي، وإن طبقتم الإسلام في حياتكم فسوف تكونون أقوياء، وسوف يخشاكم الغرب، وما عليكم إلا أن تهتموا بالعلم من أجل بناء قاعدة علمية تمكنكم مادياً وعلمياً من مواجهة المؤامرات والفتن، وفي تقديري لو طبق المسلمون 10% من دينهم في حياتهم لتفوقوا على الغرب، وتجاوزا كثيراً من مشكلاتهم، فما بالنا لو طبقوه كاملاً.
المصدر : http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=152316
http://www.almujtamaa-mag.com/detail.asp?InNewsItemID=152316&InPageNo=2
http://www.almujtamaa-mag.com/detail.asp?InNewsItemID=152316&InPageNo=3
==============(22/210)
(22/211)
أزمة عقدية تعيشها النصرانية في أفريقيا
قد يعتقد البعض أنني أبالغ أحياناً عندما أورد بعض الحقائق عن حياة رجال الدين النصارى وما يجري وراء جدران الكنائس، أو ما تعبر عنه ألسنة الأتباع، لكنني لست الشاهد الوحيد على تلك الحقائق، فلربما أصبح كل شيء في هذه الحياة يشهد بها حتى الدواب والشجر والحجر، ولكننا لا نفقه شهاداتهم، مما يدل دلالة قاطعة على اقتناع أتباع العقيدة النصرانية في قرارة أنفسهم بأنها عقيدة باطلة وزائفة، ومتعارضة مع الواقع والمنطق والفطرة، ولكنهم مع ذلك يتمسكون بها، ويدافعون عنها، ويحاربون ما سواها لحاجة في نفس يعقوب.
لقد اعترف لي عشرات القساوسة الذين قابلتهم في أماكن مختلفة في القارة الأفريقية أن لقمة العيش هي التي تشدهم إلى دين النصارى، ولولاها لأعلنوا إسلامهم دون تردد لاقتناعهم بأنه الدين القيم، ومما يؤكد هذا الواقع حرصهم الشديد على تربية أبنائهم خارج بيئة الكنيسة لعلمهم أنها بيئة ملوثة عقدياً وخلقياً وحتى مالياً: بسبب تعدد طوائفها، واختلافها على دينها، وتفشي الموبقات والرذائل فيها كالزنا، والاستهانة بالأعراض، والسرقات، وشرب الخمور، وأكل أموال الناس بالباطل, إلى حد أن بعض القساوسة تمردوا صراحة على كنائسهم، فأرسلوا أبناءهم إلى مساجد المسلمين ليتعلموا أخلاق الإسلام.
هذا على مستوى القمة، أما على صعيد قاعدة الأتباع فالأمثلة أكثر من أن تُعد وتحصى، وأحب هنا أن أذكر موقفاً واحداً يمثل صورة واقعية في المأساة العقدية التي يعيشها 'المؤمنون' بالنصرانية، كان ذلك قبل سنوات عندما خرجت في رحلة برية عبر طريق وعر نحو أحد مراكز الأيتام في وسط كينيا، وهو المركز الذي كان يعمل فيه بعض الصباغين النصارى الكاثوليك، حيث أتيحت لي فرصة محاورة أحدهم، وكان شديد التعصب لعقيدته.
فلما سألته عن معاملة العمال المسلمين به شهد شهادة حق بأنها معاملة حضارية، وأثنى كثيراً على خلقهم الرفيع الذي يمنعهم من ارتكاب المحرمات كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، واسترسل في مدحه أخلاق المسلمين، حتى إذا استوقفته بسؤال عن 'أخلاق' الكنيسة أطرق برأسه إلى الأرض فسكت ولم يجبني، وعملاً بخلق الكريم الذي لا يستقصي توقفت عن طرح المزيد من الأسئلة، فطفقت أبين له الدين الصحيح، وشعائره السمحة التي تلائم فطرة الإنسان، وترقى بسلوكه عن الدنايا والأباطيل، وتحرره من الجهل والتخلف، ومظاهر العبودية والاستغلال، والفقر الحقيقي، وكنت في نفس الوقت أظهر له إعجابي بإتقانه لعمله، وإخلاصه فيه؛ بغض النظر عن عقيدته, وقد بلغني عقب هذا اللقاء بأيام أن هذا العامل قد أسلم وحسن إسلامه، وأصبح من المحافظين على أداء الصلاة في المسجد.
إن هذه الأزمة العقدية التي تعيشها النصرانية في باطنها وظاهرها، والتي صنعت هذا الإيمان الزائف في نفوس رهبانها وأتباعهم منذ بدايتها؛ تتفاقم عصراً بعد عصر، وجيلاً بعد جيل، وتتحول تدريجياً إلى دليل قاطع على أن المستقبل في أفريقيا وفي غيرها سيكون للإسلام - بإذن الله تعالى -، ليتحقق وعد الله - عز وجل - القائل: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ))[الفتح:28].
اعترافات قس مهتدٍ:
بوسيروكا قرية تقع على مقربة من بحيرة ألبرت الأوغندية، يعاني سكانها مشكلة النقص الحاد في مياه الشرب، حيث يضطرون إلى قطع مسافة نصف ساعة مشياً على الأقدام لبلوغ البئر الوحيدة التي يتزاحم حولها السقاة، ويتدافعون من أجل قليل من الماء.
إلى هذه القرية الفقيرة توجه وفد من دعاتنا ليطلعوا على أحوال إخوانهم المسلمين فيها، ويدعوا غير المسلمين إلى دين الله الحق، وكان في هذه القرية قسيس كبير يعد من الشخصيات البارزة في هذه المنطقة، حيث كان يشغل منصب رئيس لجنة المقاومة، ورئيس الدائرة الكاثوليكية التابعة لهذه المنطقة التي تضم سبع كنائس لمدة ثماني سنوات.
وقد عرف بإخلاصه في عمله، وتفانيه في خدمة الكنيسة، ولم يكن عمره يتجاوز ستة وأربعين عاماً عندما هداه الله لنور الإسلام.
ويورد هذا القس لدعاتنا الزائرين بقوله: 'لقد لاحظت أن الكنيسة لا تشجع الناس على قراءة الإنجيل خوفاً من أن يطلعوا على تعاليمه المضطربة، فيدفعهم ذلك إلى الخروج عليها، وإنشاء طوائف جديدة، ولذلك لم تسمح لي الكنيسة بقراءته إلا بعدما أصبحت قسيساً.
وكنت أشعر بالحزن والأسى في صلاة يوم الأحد التي اقتصر فيها على قراءة موعظة واحدة، ومن كتاب واحد موزع على أسابيع السنة، في الوقت الذي كان فيه المسلمون يطبقون في صلواتهم تعاليم الإنجيل التي تركها الكاثوليك والبروتستانت كسجود عيسى وحوارييه تقرباً إلى الله، وطلباً للنجاة.(22/212)
وقد تزوجت ولم تنكر عليَّ الكنيسة ذلك رغم أن القساوسة الكاثوليك يحرم عليهم الزواج، فلما تبين أن زوجتي عقيم اضطررت إلى الزواج بثانية، فتدارس القساوسة أمري، وقرروا عزلي عن مسؤولية الكنيسة، وأعمال الرهبنة بما فيها صلاة يوم الأحد، واتهموني بأني شيطان أريد الزعامة من دون أن أفهم وجه العلاقة بين الوصول إلى هذه الزعامة والزواج من زوجة ثانية! ولكنهم لم يعزلوني عن رئاسة الدائرة الكاثوليكية لما عرفوا من حسن العلاقة التي تربطني بأتباعي وبعض المسؤولين الكبار في المنطقة، ومنهم وزير الأشغال الذي تربطني به علاقة صداقة خاصة رغم أنه كاثوليكي، لدرجة أنني كنت أقضي معه الأيام الطوال في بيته خصوصاً في فترة الحملة الانتخابية.
والذي أثار إعجابي الشديد بالإسلام هو مظهر التكافل الاجتماعي الذي يوحِّد المسلمين في سرائهم وضرائهم، ويؤلف بين قلوبهم ليجعلها قلباً واحداً على أساس التراحم، والتعاطف، والمساواة، كما هو مشاهد في مشروع إفطار الصائم، أو في تلك الأضاحي التي يبعث بها العرب المسلمون من أقطارهم البعيدة إلى إخوانهم في هذه المنطقة، رغم أنهم لا يعرفونهم ولا يرونهم، فأين هذه المعاني الجميلة والقيم الإنسانية الرفيعة في الديانات الأخرى القائمة على الاستعباد والعنصرية، والطبقية واستغلال الشعوب المستضعفة باسم الشعارات المضللة؟
فلما تبين لي الرشد من الغي، وعرفت الحق من الباطل، دخلت في دين الله الحق، وندمت أشد الندم على الفترة التي أفنيتها من عمري في الكفر والضلال، ولكن فرحتي كانت أعظم بهؤلاء الأتباع الذين أسلم أغلبهم بإسلامي، وحتى أولئك الذين لم يسلموا أمروا أولادهم باعتناق هذا الدين الفضيل.
وفي غمرة هذا العرس الرباني أهدانا أحد الكاثوليكيين الذي كان معجباً بآداب الطهارة في الإسلام غرفة في منزله كان يستخدمها خمارة قبل خمس سنوات لتكون مسجداً مؤقتاً في انتظار بناء مسجد مناسب لعدد المسلمين المتزايد - بإذن الله -، وروضة لأطفالهم، وبيتاً للإمام، وقد تمكنَّا بفضل الله من شراء قطعة أرض مساحتها أربعة آلاف متر مربع لإنجاز هذا المشروع بمساعدة المهتدين الجدد - إن شاء الله -.
من أسباب اعتناقي الإسلام:
التقيت في أحد الأيام بزعيم الكنيسة في منطقة رباي بدولة كينيا القس مالو ' r ev. Malau' الذي بلغ من العمر عتياً، وحدثني عن تلاعب السياسيين بمناصب الكنسية، مستشهداً بوزير الأمن السابق في الحكومة الكينية شارلز نجونجو 'cha r les njonjo' الذي أصبح يشغل منصب رئيس الأساقفة لكنيسة 'c.P.k' مع أنه - حسب كلام القس مالو - غير مؤهل لمثل هذا المنصب الذي يفترض أن يسند إلى القس: مانا سيس كوريا 'm.du r ia' باعتباره الزعيم المناسب.
بل حتى التوزيع الجغرافي للأساقفة - كما يقول مالو - يخضع للمد والجزر بتدخلات رجال السياسة، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى اختلافات وصراعات بينهم وبين رجال الدين، ينتهي بعضها باستخدام لغة السيوف والسكاكين، وسقوط قتلى وجرحى، ما يؤدي بدوره إلى نفور الأتباع من حياة الكنيسة.
وهو الوضع الذي لا تعرفه حياة المسلمين لعدم وجود طائفية دينية بينهم كما هو الشأن عند النصارى الذين يتوزعون بين خمس وثلاثين ألف طائفة، وإنني أعتقد أن هذا هو أحد أسباب اعتناق الكثير من النصارى دين الإسلام.
والذي يؤيد كلام هذا القس تلك المذكرات التي كتبها رئيس الجمهورية سيراليون الأول د. ستيفنسن التي يعترف فيها بأنه نشأ في مجتمع يؤلف بين المسلمين، وأنه متدين، ومحافظ على صلاته الأسبوعية في الكنيسة، ومع ذلك يؤمن بأن الخلافات الجوهرية التي توجد بين الطوائف الكنسية ستجعل من القارة السمراء قارة الإسراء في المستقبل.
الكوثر :عدد 59 ـ رجب ـ شعبان 1425هـ
المصدر : http://www.islammemo.cc/KASHAF/one_news.asp?IDnews=685
============(22/213)
(22/214)
أعياد الميلاد .. وصيحة نذير من خطر التنصير
منذ دخول شهر ديسمبر تبدأ عند النصارى احتفالاتهم بولادة عيسى بن مريم - عليه السلام - آخر رسل الله إلى بني إسرائيل - ويعتقدون أنه ابن الله أو ثالث ثلاثة وامتزج به الناسوت واللاهوت والطبيعة البشرية والإلهية - تعالى -الله عما يقولون علواً كبيراً - قال - تعالى -: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً " أواخر سورة مريم..فهذه عدّها الله - سبحانه - شتيمة وسباً ففي الحديث القدسي - شتمني ابن آدم.. وكيف يشتمك وأنت الرب...
فنرى مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة تفوق الوصف في معظم الديار الإسلامية بدءاً بنشرات الأخبار وتحول أجهزة الإعلام المختلفة إلى الكنائس وهم يزيلون الستار عن تصاوير تمثل عيسى وأمه والرب وجبريل ثم يقبل حبر الكنيسة عيسى بزعمهم ثم يركع ويسجد وتبدأ مراسيم الاحتفال!!
ولقد زينت بعض الفنادق بأشجار الميلاد والإضاءات والصور المعنية وبدأت الأسواق تنزل البضائع المتعلقة بتلك الاحتفالات بدءا من الموسيقى والأغاني وبطاقات التهنئة إلى الأطعمة الخاصة المتعلقة بهذه المناسبة وعمل مسابقات وجوائز وغيرها.
ثم إذا عرجنا إلى الشقق وبعض المنازل وجدنا التعمد بوضع الشجرة والإضاءة أمام المنازل وفي نوافذ الشقق وكلما اقتربت المناسبة مع نهاية العام الميلادي تضبط وزارة الداخلية مشكورة كميات كبيرة من الخمور والمخدرات وشقق البغي والزنا وأشرطة الخلاعة والمجون كما قال أول طبيب منصّر في العهد الحديث في دول المنطقة - صموئيل زويمر - في مؤتمر القدس عام 1910: - ليس هدفنا من التبشير إدخال المسلم في المسيحية فهذا شرف له ولكن هدفنا أن نحول المسلم عن دينه حتى يبقى بلا دين -!! فالمسلم لا يمكن أن يرتد عن دينه ولكن قد ينحرف إلى الملذات والشهوات المحرمة ففي الحديث -حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات -. وقبل أيام مضت أجرت إحدى القنوات الفضائية لقاء مع أول منصر كويتي عمانويل الغريب فقال في إحدى إجاباته: نعم نحن نعمل في التبشير -التنصير- داخل الكويت ولكن ليس بصورة علنية!
التنصير في المدارس الأجنبية الخاصة:
لقد انتشرت هذه المدارس بصورة كبيرة وإقبال الناس عليها في تزايد مستمر رغم الرسوم الباهظة فنجد مداخل وصفوف وساحات هذه المدارس تعج برسومات ومعلقات على شكل الصليب والكنيسة وتقدم في طابور الصباح بعض العبارات المنتقاة من الكتاب المقدس المحرف في بعض المدارس ويأتي قسيس من إحدى الكنائس بهيئته ومعه شخصية بابا نويل ليعرفهم بالنصرانية عقيدة وشريعة! وتعريفهم بمواقع نصرانية عبر شبكات الإنترنت كلها تمثل عقيدة التثليث والإساءة إلى ذات الله - تعالى -لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم-! -المائدة73-.
وتعطل هذه المدارس في أواخر شهر ديسمبر حتى أوائل شهر يناير! والدراسة مختلطة ويلبسون لباساً فاضحاً ولا توجد الحشمة فيها وتجتهد المدارس تلك بعمل احتفالات مختلطة وأبرزها -عيد الحب، وعيد الكريسماس- وما يحدث فيها يندى له الجبين.
وأثبتت دراسة ميدانية تقدمت بها إحدى الباحثات -مقارنة بين المدارس الأجنبية والمدارس الحكومية في الكويت- أن هناك انحرافاً واضحاً في مجال العقيدة والأخلاق لدى المنتسبين للمدارس الأجنبية.
وأدى ذلك إلى ضعف القيم الدينية والاجتماعية في المدارس الأجنبية وتقدم المدارس الحكومية في هذا الشأن في حين ارتفاع القيم الثقافية في المدارس الأجنبية.
ولقد أشرنا إلى توزيع كتاب -الفرقان الحق- وهو كتاب محرف في العقيدة وأول من فضح هذا الكتاب -مجلة الفرقان في عددها 283- على بعض المدارس والقصد منه طمس الهوية الإسلامية والدعوة إلى التنصير.
{وهناك أناشيد تجرى للطلبة باللغة الإنجليزية وعباراتها كفرية صراحة - ليس هناك دين ولا جنة ولا نار.. الحياة الحياة هي هدفنا-!!
{وهناك حفلات تعمل في خارج الكويت يتم اختيار طالبين وطالبة لمؤتمر سنوي يشرف عليه المجمع الكنسي العالمي ويعقد مرة في القاهرة وأخرى في لبنان وثالثة في بريطانيا ورابعة في فرنسا.. وحتى تكون تلك المدارس قوية تلحق بسفارات دول أجنبية لخصوصيتها.
التنصير في المراكز الصحية:
هناك شكاوى كثيرة من قبل الأهالي بشأن أطباء يقومون بلبس الصليب وأحياناً يضعونه وشما على أيديهم ويوزعون منشورات ويقيمون علاقات مع الشباب يدعوهم صراحة إلى الاحتفال بهذه المناسبة وكذلك الممرضات وكان هناك بعض المنصرين يدخلون إلى المستشفيات الخاصة ويعودون بعض المرضى قبيل إجراء العملية أو في حال انتكاس حالته الصحية ويدعونه للدخول في النصرانية وتعرض بعض الأفلام عبر شريط الفيديو في تلفزيونات العرض الخاصة. وهذا يستدعي إعادة النظر في جلب العمالة على أساس ديني ولا حرج في ذلك فهم يوظفون العرب النصارى صراحة في هيئاتهم الخاصة والحكومية ولا يفضلون المسلمين.(22/215)
التنصير في الأسواق والجمعيات:
للأسف إن محلات كثيرة تبيع الصليب الذهبي أو صور للعذراء وابنها وأيضاً كتباً ومجلات وبطاقات تهنئة وشجرة -الميلاد- التي تمثل شعارهم وكذلك يوظفون رجالاً ونساء يعلقون في صدورهم الصلبان وعلى أيديهم الوشم وهم يقدمون البضاعة أو الوجبات السريعة وحتى الكثير من الهدايا تتعلق صراحة بهذه المناسبة شكلاً ومضموناً.
فالمؤسف له أن الجمعيات التعاونية أقيمت بمساعدة الدولة مشكورة وبأموال الأهالي المسلمين فلماذا تطرح مثل هذه البضائع! بابا نويل وملابس عليها عبارات تمثل الحب والولاء لهم إلى جانب الصور وغيرها؟!
التنصير داخل المنازل:
العمالة النصرانية مدربة من قبل مكاتب - تأهيل العمالة للدول الخليجية - والتي يشرف عليها المجمع الكنيسي العالمي فيعلمهم الإتقان في العمل والبذل والعطاء والتفاني والأخلاق والنظافة بهدف الوصول إلى قلوبهم ونيل ثقة أبنائهم وتغيير حياتهم! وثبت أنهم يستخدمون السحر وأحياناً جذب الشباب لارتكاب الفواحش والمنكرات والعجب أن هناك تعاوناً بين دولهم والمكاتب التجارية حتى يصلوا بأبخس الأثمان وأسرع وقت ممكن!!.
التنصير في الإعلام:
نجد كثيراً من نشرات الأخبار تولي خبر رأس السنة الميلادية اهتماماً كبيراً وتنقل صوراً حية من داخل الكنيسة وتبادل التهاني والتبريكات وعرض أفلام تتحدث صراحة عن النصرانية والكنيسة والصليب. والله - عز وجل - يقول لعيسى - عليه السلام -أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته-المائدة: 116-.
التنصير في الكنائس:
للأسف إن غالبية الدول الإسلامية لم تحصل على استقلالها إلا بعد تجنيس مجموعة من النصارى، وتتعاهد ألا تطبق الشريعة في القوانين والتشريعات لتبقى علمانية وأن الذي وضع القوانين ولوائح تفسيرها وضعها لخدمتهم واختاروا أفضل المواقع لإقامة الكنائس عليها ومن المعروف أن الكنيسة تؤدي طقوسها يوم الأحد ولكنها في الدول الإسلامية تكون يوم الجمعة ويفترض أن تقتصر على النصارى ولكنها تدعو المسلمين وتطالب كل طائفة لتكون لها كنائس وفروعاً وشققاً لإقامة محافلها وطقوسها.
التنصير الثقافي:
سمح لهم بفتح مكتبات ونواد ثقافية وإقامة دورات واستغلوا رغبة الشباب في مواصلة التعليم العالي ففتحوا مراكز لذلك عن طريق المراسلة البريدية أو المحادثة عن طريق الإنترنت وبرسوم زهيدة، والآن كثرت الكتب والنشرات التي تصل عن طريق البريد تدعو إلى النصرانية.
وتدخلت في فرض سياسة تعليمية معينة تؤدي إلى تفريغ المناهج من الآيات والأحاديث التي تكشف خططهم وتؤجل عقيدة الولاء والبراء وغيرها.
التنصير داخل في السياسة والاقتصاد:
نشرت جريدة القبس مجموعة مقالات للعقيد العراقي المتقاعد جورج الأشودي والذي طلبت إليه أمريكا إعادة بناء الجيش العراقي يقول: قبل أسبوع من الإطاحة برأس النظام البائد جاءت مبادرة من المجمع الكنسي العالمي اخرج من العراق ومعك 400 شخصية لتسكن في الهند أو الصين أو روسيا وستكون في حماية وتستقبل كرئيس دولة، وذيلت بتوقيع الرئيس جورج بوش، ولكنه رفض.. هذه الكلمات تبين بكل وضوح تدخلهم في السياسة. إضافة إلى ذلك لاحظ وجود سفارة الفاتيكان في كل الدول رغم أن دولة الفاتيكان لا تتجاوز 7 كيلومتر مربع مقتطعة من إيطاليا. ويتعمد رئيس الفاتيكان أن يصرح في كل مناسبة سياسية أو أزمة.
ولا يخفى تدخلهم في الاقتصاد من حيث إنشاء البنوك الربوية وربطهم الدول بعملات تلك الدول الغربية وغالبية الشركات النصرانية عليها ضريبة دينية لنشر النصرانية في العالم قال - تعالى -: -إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون-الأنفال: 36-.
التنصير والسياحة:
جبل الغالبية على حب السفر والسياحة في الصيف ففي الغالب تدرج في جداول السياحة زيارة الكنائس والبابوات وتعليمهم تاريخ الكنيسة ودورها ومطالبة بعض المسلمين بالمساهمة في بناء أو ترميم أو شراء أرض للكنيسة!
وهاهم استطاعوا تجميد أنشطة العمل الخيري في الخارج ليهنأ لهم جو التنصير بحماية دول التحالف والسفارات والتعاون الرسمي فلا تكاد تجد سفارة إلا وفيها ملحقية دينية يشرف عليها قساوسة حتى إن أتباعهم سئموا من أعمالهم فها هو وزير التخطيط الأفغاني يطالب بإغلاق 260 منظمة نصرانية تعمل في أفغانستان ووصله تهديد إن كرر مطالبته وعليه بالرضا أو تقديم الاستقالة!
عزاؤنا هو أن هناك جمعيات خيرية مفاتيح للخير مغاليق للشر هدفها دعوة الجاليات والعمالة للدخول في الإسلام وقد لاقت بفضل الله قبولاً واسعاً وتفاعلاً كريماً وتغيرت أحوالهم وأيضاً هناك من قبل الوزارات المعنية التربية والصحة والشؤون وحتى الداخلية دور في متابعة أنشطة هؤلاء للحد منها وإنزال العقوبات على المتورطين فيها قال - تعالى - يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون -.
http://www.al-fo r qan.net المصدر:
===========(22/216)
(22/217)
التنصير : تاريخه وسائله أهدافه
عبد الحليم توميات
الخطبة الأولى:
إن التحدث "التنصير والمنصرون" أمر عظيم وخطر جسيم، خطر يهدد كيان المسلمين، وطوفان عظيم ينبغي لكل غيور على هذا الدين أن يحترز منه، هذا الطوفان الذي يحلو لهم أن يسموه: التبشير والمبشرون!!
وكلنا يعلم علم اليقين أنه مهما اجتهد المبطلون، وتحالف الكافرون والمجرمون فإنهم لن يمسوا الإسلام بمثقال حبة من خردل من سوء، فما مثلهم إلا كمثل غلام رمى البحر بحجر.
كناطح صخرة يومًا ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
قال الله - تعالى -: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " [الصف: 8، 9].
ولكننا نخشى على المسلمين، إننا نخاف عليهم من الوقوع في حبائل الكائدين، لذلك علينا أن نسعى جاهدين للقيام بواجب الذب عن دين رب العالمين، وكما أننا مستيقنون أن الله هو الخالق ثم نسعى إلى التناسل، وكما أننا موقنون أن الله هو الرازق ثم نسعى إلى ابتغاء الرزق، كذلك علينا أن نسعى إلى نصرة دين الله ونحن موقنون أنه مظهره وناصره، لذلك قال - تعالى - بعد هاتين الآيتين اللتين تلوناهما عليكم: " يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ " [الصف: 10، 11]
فماذا عن التنصير؟ ولماذا اخترنا الحديث عن هذا الموضوع فجأة ؟
ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ أن دعاة التنصير لا يخلو منهم بلد من البلدان، وفي هذه البلاد كان نشاطهم مكثفًا إلى حد بعيد في مناطق كبعض مدن القبائل والجنوب. أما اليوم، فإننا نراهم قد توغلوا أكثر فأكثر، ولا أحد ينكر، ولا أحد يغضب لله ويغار عليه.
انتشرت الرذيلة ونحن ساكتون، انتشرت الخلاعة ونحن صامتون، عمت الرشوة وفشت المعاملات المحرمة، واقتصرنا على دعوة الناس إلى الرجوع إلى الله بالتي هي أحسن كما أمر، والخير كله فيما أمر. ولكن لا يمكننا أبدًا أن نسكت على نشر دين غير دين الإسلام، لا يمكن بحال أن نسمح برواج شريعة غير شريعة الرحمان، لا نرضى أبدًا بالشرك بالله والكفر بالله.
لذلك ندعو اليوم قلب كل مؤمن غيور ننادي قلب كل من عرف الإسلام دينا وإقدامًا، وعملاً ورسالة، ولم يعرفه استسلامًا وجمودًا، وخوفًا وترددًا، إلى هذا القلب نقدم نُبذا عن التنصير في العالم بمعرفة تاريخه ووسائله وغايته.
التنصير دعوة إلى دين النصارى، وحركة دينية وسياسية واستعمارية ظهرت عند فشل الحروب الصليبية في مهمتها وهي القضاء على الإسلام ونشر النصرانية، فأول من حمل لواء هذه الدعوة الخبيثة الإسباني "ريمون لول" في القرن السادس عشر، فتعلم اللغة العربية، وجال في بلاد المسلمين ليدرك نُقط ضعفهم بحثًا عن وسائل إغرائهم وإغوائهم، ثم حمل اللواء بعده الألماني "بيتر هلينغ" الذي احتك بالمسلمين في سواحل إفريقية، فتنصر على يديه سنة 1721م مائة ألف مسلم.
ثم نهضت الحركة عن طريق إنشاء مدرسة جامعية تكون قاعدة للتنصير، تُعلم لغات الشرق لطلابها، ثم جاءت جمعية لندن التبشيرية وذلك عام 1795م، ثم أخرى في اسكتلندا فنيويورك فألمانيا فغيرها من البلدان الأوربية، حتى قاموا بإنشاء جمعياتٍ تبشيرية طبية، ونجحت نجاحًا باهرًا.
ولما كان الإسلام هو العدو الأول لنشر التنصير في العالم كما صرح به القس "بولس" حين قال: "إن الدين الإسلامي هو العقبة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا"، هنالك دخل المنصرون إفريقيا، واتفقت الجمعيات التبشيرية مع أقباط مصر سنة 1819م على إنشاء جمعية لنشر الأناجيل في إفريقيا، ورغم النزاع القائم بين الكاثوليك والبروتستانت لم يمنع ذلك من إنجاح مهمتهم.
ثم جاء دور شمال إفريقيا، فأنشؤوا لها "جمعية تبشير شمال إفريقيا"، فانتشر التبشير في الجزائر وتونس والمغرب، ولا نريد التحدث عن انتشاره في آسيا والهند فإن ذلك لا أظنه يخفى عليكم. المهم أنهم دخلوا الجزائر عام 1846م ولا يزالون إلى يومنا هذا، فقد عقدوا مؤتمرًا عام 1982م تحت شعار: "الإسلام دين الشيطان" قاتلهم الله، تدارسوا فيه الوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى غايتهم.
فما وسائلهم تلك؟ وأين كان المسلمون حينذاك؟.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينًا، وأنزل إلينا قرآنًا مبينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكفى بربك هاديًا ومعينا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أدّى الأمانة وبلغ الرسالة فكان مبلغًا صادقًا وأمينًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإننا سنسرد على مسامعكم عشرة وسائل يعتمدها المنصرون في دعوتهم ليكون كل منا على حذر:(22/218)
1- إنهم يحاولون قدر إمكانهم إقناع المسلمين أن النصارى ليسوا أعداء لهم، قال القس "صمويل زويمر" في أحد مؤتمراتهم: "يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم"، فتراهم لأجل ذلك يبذلون جميع أموالهم لعقد مؤتمرات تقارب الأديان، وبذلك يُهدم صرح الإيمان الذي يقوم على أعمدة الولاء والبراء، قال - تعالى -: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51]، وصدق الله حين قال: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة: 120].
2- قديمًا كانوا لا يرسلون إلا القساوسة والطلبة المتفوقين منهم، أما اليوم فهم يركزون ويرتكزون على النصارى الجدد من العرب للقيام بالدعوة في أماكن العمل وخاصة في ميدان الطب والتعليم، قال القس "صمويل": "تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول منهم ومن صفوفهم".
3- إقامة عدة ندوات ودورات تعليمية للمتنصرين الجدد، لا لتعليمهم النصرانية فقط، بل لتعليمهم اللسان العربي لمعرفة نقط ضعفهم.
4- الحث على اختلاط المسلمين بالنصارى بالتشجيع على السفر إلى بلاد الكفر، ومن لم يسافر إليهم جاؤوه عن طريق المقعرات الهوائية المعروفة لدى الناس باسم "الدّش".
5- التركيز على المراسلات عبر المجلات، وهو ما يسمى بركن التعارف.
6- الاعتماد على الإعلام بجميع وسائله، فمنظمة التنصير تملك أكثر من 1500 محطة راديو وتلفزيون، وإحدى وعشرين ألف (21000) جريدة ومجلة مطبوعة على الورق الممتاز لجلب القراء، ولقد وزعت عام 1984م أربع وستون مليون نسخة إنجيل مجانًا، ولقد كشفت السلطات الجزائرية باخرة معبأة بالأناجيل ولم تقبل دخولها، فهذا الذي كشفته، فما بالك بما مر ولم توضع عليه يد المراقبة؟! ومؤخرًا ظهرت عدة قنوات إذاعية باللغة الأمازيغية تدعو بصراحة متناهية إلى التنصير.
7- انتشرت مؤخرًا في المدة الأخيرة الأشرطة السمعية والبصرية (الفيديو)، وذلك بمختلف اللغات واللهجات المحلية، بل وجدنا هذه الأشرطة في عدة مدارس وثانويات يتناقلها الشباب بينهم.
8- إعادة فتح الكنائس، وقد ذكرت الصحف الوطنية أنه قد دق الناقوس في ثلاث كنائس في القطر الجزائري.
9- تشجيع الحروب والفتن في البلدان الإسلامية لإضعافهم ولإثارة الاضطرابات في صفوفهم، إما بالسلاح أو بالفكر وذلك بإحياء النزعات القبلية، فقد نجحوا في إحياء العصبيات الفرعونية بمصر، والفينيقية بالشام، والآشورية بالعراق، والبربرية بالجزائر.
10- تحرير النسل بين شعوب الكنيسة وتحديده بين شعوب المسلمين.
11- تشجيع الأعمال الخيرية والإغراءات الصريحة، وذلك بمساعدة الفقراء المرضى وإيجاد فرص العمل لمن لجأ إليهم.
كل ذلك ـ عباد الله ـ من وسائلهم التي استطاعوا بها التغلغل في صفوف المسلمين، وأين المسلمون؟؟ أين أمة خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف؟
إنهم في سكرتهم يعمهون، وأمام شاشات الكفار خاشعون، وفي الملاعب يصرخون، والصالحون منهم قليلون..
هذه هي غايتهم العمل على تنصير المسلمين، هكذا كانت في أول ظهور التنصير، أما اليوم فغايتهم ما ورد على لسان القس "صمويل زويمر" حيث قال في مؤتمر لهم: "مهمة التبشير التي ندبتكم إليها الدول المسيحية ليست تحويل المسلمين إلى المسيحية، فإن في هذا تكريمًا لهم، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصير مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها".
فحان الوقت ـ إخوتي الكرام ـ لأن نستيقظ من السكرة وننتبه من الغفلة.
15/2/1421
http://www.alminba صلى الله عليه وسلم net المصدر:
=============(22/219)
(22/220)
صفحات من التنصير في كردستان العراق
جابان الكردي
لا يتورع الغرب عن استخدام كافة الأسلحة واستغلالها لتحقيق أهدافه والحصول على أعلى المكاسب المادية الاستراتيجية البعيدة المدى، بما في ذلك استغلال المشاعر الدينية لدى النصارى في المناطق التي يعيشون فيها كأقلية وخاصة في الشرق الإسلامي؛ بحيث كلما ذُكر التنصير والمنصرون جاء إلى ذهن الشرقي المسلم الاستعمار والغرب. والضحية كانت المشرقيين وخاصة النصارى الذين أصبحوا أداة بيد الغرب سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا، وخير شاهد كما يروي لنا التاريخ هو كيفية تعاون النصارى مع الصليبيين إبان الحروب الصليبية، وفي عصرنا نلحظ دورهم في الجنوب اللبناني، وتعاونهم مع الصهاينه المحتلين.
بدأ التبشير في المشرق الإسلامي منذ قرون عديدة؛ وذلك بأساليب مباشرة أو غير مباشرة، مع ظهور الغرب باعتباره قوة على الساحة الدولية، وكانت الطلائع من المنصرين الذين شكلوا بدورهم رأس الحربة للقوات الغربية الغازية. فبدءاً من الكشوفات البرتغالية في القرن الخامس عشر الميلادي ووصولهم إلى رأس الرجاء الصالح وانتهائهم إلى الهند، كانت العملية استعمارية تماماً؛ فقد اكتشفوا أن تحصينات المسلمين كانت ضعيفة يسهل اختراقها، وصحت ظنونهم وفازوا بما أرادوا بعد ذلك. وفي الوقت نفسه انقسمت أوروبا على نفسها بين (الكاثوليكية) و (البروتستانتية)، وانعكس ذلك على الشرق بعد ذلك بفترة؛ بحيث أفضت الصراعات إلى تدخلات أجنبية في العراق بالذات بين فرنسا الكاثوليكية وبريطانيا الإنجليكانية، وكل منهم يحلم بحشد أكثر الجماعات النصرانية تحت لوائه، ترقباً لانهيار الخلافة العثمانية، لذلك أكثروا من النشاط التنصيري.
بدأ المنصرون البروتستانت الإنجليز يظهرون في العراق منذ أوائل القرن التاسع عشر وبالذات عام 1829م، وأولهم (غروفر G r ove r ، وبعد ذلك (صمويل) ترافقه البواخر الحربية والقوات المسلحة البريطانية، والتي كانت تهدف إلى فرض السيطرة على طريق العراق المؤدي إلى الشرق الأقصى بالقوة. قال الوكيل السياسي البريطاني في الشام (باركر Ba r ka r ) في أوائل القرن التاسع عشر: إن تسهيل المواصلات بين الشرق والغرب عبر الشام، ووضع هذه المواصلات في أيدي الأوربيين تسهيلاً لنشر المسيحية في المشرقيين الأوسط والأقصى أمر ملح. فأيدت جماعات تبشيرية غربية كثيرة هذا التوجه منها جماعة (سان سيمون).
لعدم قدرة المبشرين البريطانيين على مواجهة منافسيهم الفرنسيين فقد رحبوا بالمنصرين الأمريكيين البروتستانت، وكان هدفهم تحويل نصارى العراق، وخاصة كردستان من المذهب الكاثوليكي إلى المذهب البروتستانتي، بالإضافة إلى محاولة تنصير المسلمين. تمت هذه البعثة تحت إشراف (كرانتG r ant)؛ والذي كان أول منصر يدخل إلى كردستان رسمياً(1). وكان (كرانت) يعتقد أن تحويل نصارى العراق وخاصة النساطرة عن مذهبهم إلى المذهب البروتستانتي يعتبر خطوة مكملة لمجهودات البعثات التنصيرية الأمريكية في تحويل نساطرة إيران إلى البروتستانتية. وإذا ما نجحت هذه الخطة فإنهم بذلك يحرزون انتصاراً على الجهات الكاثوليكية التي تبذل جهداً مضاعفاً لتحويل هذه الجماعات المسيحية إلى المذهب الكاثوليكي.
نجح كرانتG r ant في استمالة النساطرة إلى الغرب، وبدؤوا بتوجيه الاتهامات والإهانات إلى العثمانيين والكرد الذين كانوا أمراء المنطقة، بعد أن كانوا يعيشون مع الكرد مسالمين.
بدأت المشكلات، وثار النصارى ومن ورائهم المنصرون، خاصة عندما لبى (مار شمعون) بطريرك النساطرة النداء معتمداً على العطف الأوروبي وتشجيعات (كرانت G r ant)، فكانت النتيجة مأساة للنصارى وتدخلاً أقوى للغرب في المنطقة بحجة حماية النصارى؛ ففرنسا حملت راية الدفاع عن الكاثوليك، أما بريطانيا فادعت حماية البروتستانت، فما زادت المنطقة إلا بلبلة وآلاماً(1).
+ الموقف العدائي التنصيري ضد الثورات الكردية التحررية:(22/221)
لا يخفى على الباحث الحصيف دور المنصرين في دعم الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في كردستان لكي يحصلوا على فرص التنصير، فحدث أن وصلت الثورات الكردية مراحل متقدمة، وكانت قاب قوسين أو أدنى للوصول إلى تحقيق شيء من الحرية لولا المؤامرات المدبرة والمكايد من كل جانب وخاصة الغرب النصراني. وليس كلامنا هذا من قبيل التحامل أو عدم الإنصاف، بل حدث في تاريخنا الطويل المليء بالمآسي والأحزان، مرات ومرات، أن الأكراد كانوا ضحية هؤلاء المتآمرين، ونحن لا نذكر أسباب النكسات، بل نشير إلى أيدي خفية وراءها. على سبيل المثال نأخذ تجربة الشيخ عبيد الله النهري ـ - رحمه الله - ـ الذي حاول أن يعيد الحق إلى أصحابه بوسائل شرعية ومشروعة، فيروي لنا محمد أمين زكي الرواية هكذا: «وكان من أسباب هزيمة الشيخ عبيد الله النهري سنة 1881م أن بعثة التنصير الأمريكية لعبت دوراً مهماً في هزيمته (الشيخ عبيد الله النهري). فكان للدكتور كوشران رئيس البعثة نفوذ كبير عند الشيخ، وعندما هدد الشيخ المجتمعات النصرانية(2) في أورمية أنقذتهم البعثة (التنصيرية) فقد عرفت البعثة الشيخ، وكانت تعالج زوجته. كانت البعثة تعرف أن القوات الفارسية في طريقها إليه، وأقنعته أن يؤخر زحفه لعدة أيام حتى وصلت هذه القوات، حينها هرب أتباعه إلى المنطقة التركية، واندحر هو، ونقل إلى مكة منفياً حيث مات هناك»(3). وهنا تنتهي رواية المؤرخ الكردي المعاصر تقريباً لأحداث الثورة، ولا شك أن هذه الحادثة مظهر من مظاهر التآمر النصراني على الشعوب الإسلامية وخاصة الشعب الكردي.
وإذا اعتقدنا أن الدين في الغرب منفصل عن السياسة فنحن واهمون؛ فعلى سبيل المثال: كان رئيس قوات التحالف الدولي عام 1995م في زاخو امرأة أمريكية؛ حيث قادت قوات أحد الأحزاب الكردية وشجعته في مدينة أربيل ضد حزب آخر(4). وهذه المرأة أخت لأكبر منصر وماسوني أمريكي اسمه (دوكلاس)Douglas وهو غني عن التعريف في كردستان(5). فقد قال في محاضراته التي قدمها أنه رأى بأم عينيه وتجول في أراضي كردستان بمساعدة أخته شبراً شبراً. وليس معنى التجوال السياحة أو البحث عن الاستجمام في جبالها وسهولها، بل كان الهدف وما يزال هو تنصير الشعب الكردي، إذ التنصير حلقة من حلقات الزحف الغربي على العالم الشرقي الإسلامي وبخاصة على الشعب الكردي المسلم، وفي الوثائق أدلة واضحة على ما نذهب إليه سنأتي على ذكرها وترك القارئ الكريم أن يصل إلى الحقائق بنفسه مع تعليق وجيز منا.
الوثيقة رقم (1):
المنظمة العالمية عن حقوق الإنسان Hakla r ini Savunma
ريكخراوي جيهاني بوداكوكي كردن لة مافي مروف asla r asi Insan O r gutu
INTE r NATIONAL O r GANIZATION FO r THE DEFENCE OF HUMAN r IGHT
إلى/ الرأي العام وكافة وسائل الإعلام
م/ استنكار
ليس بخاف على أحد إذا قلنا إننا نعيش اليوم في كردستان في ظل ظروف صعبة ومعقدة بسبب الاقتتال الداخلي وعواقبه الوخيمة، وكذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها المواطن؛ إلى جانب الأوضاع السياسية المعقدة وغير المستقرة في المنطقة عموماً، وهذه الظروف تهدد بكوارث اجتماعية ونتائج غير محمودة العواقب. وعليه فإن الحاجة تدعو إلى بذل كل الجهود من أجل السلام والتعاون ورص الصفوف بالوحدة والتآخي بين كافة أبناء كردستان من كافة التلاوين (الاتجاهات) القومية والدينية لمواجهة هذه الظروف الصعبة وتخفيف آثارها قدر المستطاع. ولكن ما يدعو للأسف أن نلاحظ هنا وهناك بعض التصرفات والتصريحات التي تدعو إلى التفرقة والإساءة إلى مشاعر الآخرين، ولقد نسجت خطبة (ملاَّ بشير) التي ألقاها بتاريخ 5/1/1996م وتم بثها من قِبَل بعض القنوات الإعلامية على هذا الموال؛ حيث كان فيها إساءة واضحة إلى مشاعر (الإخوة النصارى) ونحن إذ نستنكر مثل هذه الأحاديث التى لا تخدم أحداً ولا تخدم الإسلام ولا المنطقة عموماً، والتي لا تنسجم وروح الحوار القائم بين المسيحية والإسلام منذ عهد نجران عام (4) للهجرة بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبين مرجعية النصارة في حينه والمستمر إلى يومنا هذا. فإننا ندعو إلى العمل على توطيد الروابط وبث مشاعر الأخوة والإنسانية بين المسلمين والمسيحيين الذين يتعايشون معاً في هذه المنطقة منذ آلاف السنين، وشاركوا بعضهم البعض السراء والضراء ولقد كان الأجدر بالخطيب أن يدعو إلى السلام وإلى تعميق روح التآخي والمصير المشترك، ويدعو للتقارب بين أبناء هاتين الديانتين السماويتين، وأن يتحدث عن الآيات الكريمة العديدة في القرآن الكريم والتي تدعو للتآخي والتقارب. ونحن كمنتظمة تعني بحقوق الإنسان إذ نستنكر ثانية مثل هذه الإساءة إلى مشاعر الإخوة النصارى فإننا ندعو كافة الجهات للوقوف بحزم أمام كافة محاولات التفرقة والإساءة إلى مشاعر الآخرين والتي لا تخدم سوى مصالح أعداء الإخوة في الإقليم.
المنظمة العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان
الأمانة العامة 15/1/1996م
عنوان الأمانة العامة ص. ب: 917
أربيل ـ مركز المدينة ت: 00873682622757
فاكس: 00873682622753
التعليق:(22/222)
تعليقنا على هذه الوثيقة: أولاً: أن هؤلاء لا يجيدون اللغة العربية، وأن كثرة أخطائهم اللغوية دليل على ذلك، والكلمات التي تحتها الخط وغيرها أمثلة على ذلك. ثانياً: أنا كنت شخصياً شاهداً على القضية، وأعرف شخص الخطيب وهو الشيخ الأستاذ بشير - حفظه الله -. فقد ألقى خطبة بمناسبة رأس السنة الجديدة عام 1996م بعد نقل القنوات التلفزيونية المحلية لمراسم القداس داخل الكنائس العراقية وهم يهللون باسم الرب يسوع وابن الله أو ابن الرب الذي دأب القرآن على تكذيبهم في ادعائهم. فقام الرجل بإلقاء خطبة ليبين للناس حقيقة الأمر، فقال: إن المسيح ليس ابن الله، وليس هو الله، بل هو رسول من عند الله. هذا كل ما قاله الرجل ولم يرد من وراء ذلك إلا وجه الله - سبحانه وتعالى -، وهو شخص معروف في الأوساط الكردية بنزاهته وصدقه. والشريط المسجل متوفر في كردستان لمن يريد أن يستمع إليه. فقامت القيامة على الرجل، وأثارت المنظمات التنصيرية حفيظة العلمانيين لإشعال الفتن بين الناس. والمنظمة المعنية بحقوق الإنسان في كردستان ليست إلا وجهاً من وجوه التغريب والانحراف، وتتستر وراء هذا الاسم. فنتساءل: لماذا لم يدافعوا عن مشاعر المسلمين وهم السواد الأعظم عندما نقلت القنوات التلفزيونية قداس النصارى وهم يرتلون ويدعون المسبح ابنَ الله والرب، وهم حثالة في المنطقة؟ هل لهؤلاء النصارى شعور والمسلمون بغير شعور؟ أم هو النية المبيتة والمكر والخبث ضد الإسلام والأكراد باسم حقوق الإنسان؟ وأين الأخوة التي يدعون إليها؟ فلماذا سكتوا عندما شتم دوكلاس في قاعة ميديا في أربيل ربيع عام 1966م، وهو يشتم الرسول والإسلام(1)؟ فما بال هؤلاء القوم إذا وقف شخص وقال كلمة حق انكبوا عليه وانهالوا عليه من كل جانب، باسم الحرية والأخوة؟ جدير بالذكر أن معظم المنظمات الغربية العاملة، إن لم نقل كلها، بما فيها منظمة الأمم المتحدة يفضلون التمركز في محلة عنكاوة النصرانية على أماكن أخرى في مدينة أربيل.
والدعوة إلى التقارب بين الأديان التي جاء ذكرها فكرة ماسونية تروجها الأوساط الضعيفة والمشبوهة والمنهزمة أمام الزحف الغربي، والله ـ - سبحانه وتعالى - ـ قد أمرنا أن نسالمهم وأن نعايشهم بالمعروف. أما الدعوة إلى التقارب فعقيمة وباطلة، وقول الله قاطع دابر كل ضعيف ومكابر: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] فلا فائدة من وراء ذلك، والقول باحترام مشاعر النصارى ليس بأمر جديد؛ فنحن نسمع ونسمح لهم منذ 1400 سنة وهم يرددون: (المسيح هو الله، وابن الله)، وبالرغم من ذلك فلم يسئ إليهم أحد ما داموا لا يروِّجون دعوتهم، ولا يجهرون بها بين المسلمين كما يفعل المسلمون الآن بدلاً عنهم بنقل مراسمهم وطقوسهم على شاشات التلفزيون.
الوثيقة (2):
رئاسة أسقفية أربيل الكلدانية
أربيل ـ عنكاوة
التاريخ: 5/12/1995م الثلاثاء
إيضاح
سلام أخوي من الرب:
منذ مئات السنين ونحن نعيش في هذه المنطقة جنباً إلى جنب مع إخوتنا المسلمين الأعزاء، ولم تحدث بيننا مشكلات أو نزاعات دينية أو طائفية بل كنا ولا نزال وسنستمر نعيش كإخوة في منطقة واحدة لكي تزدهر إيمانياً وثقافياً واجتماعياً رغم كل المحاولات التي تريد زرع المشاكل بيننا. إننا جميعاً أبناء إبراهيم أبي المؤمنين، نؤمن بإله واحد القادر على كل شيء، نؤمن بحياة أبدية وبقيامة الموتى. لذا نؤكد لإخوتنا المسلمين الأعزاء بأن الكنائس المحلية لا علاقة لها مطلقاً بتوزيع النشرات الدينية في الشوارع والمحلات والدوائر الرسمية؛ إذ إننا لم ولن نقوم بمثل تلك الأعمال، ونريد أن نعلن لإخوتنا المسلمين بأننا في مؤتمراتنا الكنسية ندعو دائماً إلى الحوار الأخوي بين النصارى والمسلمين، وإلى التعاون للعمل ضد الإلحاد والتفرقة الدينية.
عاشت الأخوة الإسلامية ـ النصارى في كل مكان. والله هو الموفق، وعليه اتكالنا دائماً. وبعد هذا الإيضاح القصير الذي كان لا بد منه في هذه الظروف، تقبلوا فائق تقديرنا واحترامنا راجين منه ـ - تعالى -ـ أن يكون في عون كل المخلصين والعاملين من أجل التآخي والمحبة والسلام. أدامكم الرب.
أخوكم ومحبكم
حنا مرخو
رئيس أساقفة أربيل وتوابعها عن الكلدان
تعليق:
النصارى في محلة عنكاوة يصاهرون روحياً المنظمات الغربية العاملة في كردستان والتي يتمركزون فيها، وهم يقدمون للنصارى كل الدعم مادياً ومعنوياً؛ فبالرغم من الحصار الظالم من الأمم المتحدة والحكومة العراقية لم يواجه النصارى خاصة في عنكاوة صعوبة العيش وقسوته كما عانى الاكراد، بسبب المساعدات السخية التي يحصلون عليها من الغرب.(22/223)
قلنا إن المنظمات استقرت في عنكاوة منذ دخولها كردستان، ومن ضمنها منظمة تنصيرية ماسونية اسمها: خدمات تنمية الشرق الأوسط MEDS Middle East Development Se r vices، يقودها شخص بريطاني ولد في مصر وهو يجيد اللغة العربية (وخاصة اللهجة المصرية) وتساعده زوجته كريستينا (التي غيرت اسمها إلى الكردية كويستان). وبقية أعضاء المنظمة هم من الأقباط المصريين الذين يحقدون على كل ما هو إسلامي، ومعظمهم عاش في العراق إبان أيام الخير، فيبدو أن الحسد قد دب في عروقهم لما كان يعيش العراقي في نعيم. إن هؤلاء ينتمون إلى الكنيسة البروتستانتية الأنجليكانية، الذين يرون أن هداية الكاثوليك النصارى (وأهل عنكاوة على هذا المذهب) واجب ديني، فحاولوا التقرب إلى رؤوس الكنائس، ويبدو أنهم أخفقوا في ذلك، بل حاربوهم أيضاً؛ فلذلك سلكوا طريقاً آخر وهو جر بعض شباب الكاثوليك إلى مذهبهم، ولم يحالفهم الحظ كثيراً؛ فقد شك نصارى عنكاوة في نياتهم، وبدؤوا يشتكون إلى المقامات العالية في الخارج، ولذا أرادت هذه المنظمة أن تعكر صفوهم، والأمر سهل للغاية، فقد كان إسكندر يدرِّس في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة صلاح الدين، وكان بين الطلاب طالب نصراني طيب القلب انخدع بوعوده، فانتمى إلى كنيسة الله الجديدة كما يسمونها. ومن عادات هذه المنظمة إقامة الحفلات، وتصنُّع المناسبات لذلك، وأخذ الصور(1)، وذات مرة أخذوا الصور إلى استوديوهات عنكاوة لتحميضها، لا سيما أن أهلها يعرف بعضهم بعضاً جيداً، فإذا بالمصور يأخذ الصورة إلى الكنيسة بغية تدارك القضية وهي ارتداد كاثوليكي إلى بروتستانتي، وعندما علمت الكنيسة بذلك أخذوا الشاب ومعه أخته وأهانوهما وحلقوا رأسيهما، ودبروا لهما مقلباً أودى بهما إلى السجن لفترة تأديباً لهم وزجراً. كان هدف المنظمة إثارة البلبلة بين النصارى والتوغل بينهم من خلال سياسة فرق تسد، ثم إن هذه المنظمة تبشر علناً بموافقة حكومة الإقليم، ولها محطة إذاعية تبث برامجها التنصيرية في منتصف كل ليلة. ولهذا عندما لم يجدوا ضالتهم بين أهل عنكاوة، وبعد إخفاقهم في استدراج بعض شبابها وبعدما حدث طردوهم من عنكاوة، ذهبوا إلى خارجها ولو لفترة مؤقتة، ومع ذلك لم يسكتوا، بل وجهوا رسائل إلى شخصيات عالمية نصرانية للتدخل سنذكرها فيما بعد إن شاء الله. ولهذا اضطرت كنيسة عنكاوة أن تظهر للنصارى الكاثوليك والمسلمين أن لا علاقة بينها وبين المنشورات وعمليات التنصير التي تدار في كردستان وخاصة المنظمات التنصيرية. بل هناك مجموعة من وراء (الكواليس) تريد تعكير الصفو، وشق الصفوف، ولهذا أصدر رئيس أساقفة الكلدان مرسوماً كنسياً يبرئ ذمته من هذه الأعمال، وهو يدرك أن هذه الدعوات لا تخدم النصارى ولا علاقتهم مع المسلمين.
الوثيقة (3):
مدير منظمة رعاية وإغاثة الأكراد
الكنيسة الأسقفية
لويس فيلي/ كينتاكي الولايات المتحدة الأمريكية
رحمة واسعة من الكنيسة الأسقفية
إلى/ المطران عبد الأحد يعقوب (السليمانية)
المطران حنا فلو (دهوك)
المطران حنا مرخو (أربيل)
الخوري فيليب (دهوك)
الأخ غالب بطرس (C.F.T.K. دهوك)
الأخ إيليا يعقوب (C.F.T.K. دهوك)
أصدقائي الأعزاء المحترمون
سلام ونعمة من الله أبينا وربنا يسوع المسيح ـ السليمانية.
يرجى الإصغاء إليّ بانتباه الآن. أنا أسمع وبصورة مستمرة كلاماً فيه نميمة وافتراء وأنصاف حقائق محرفة و...إلخ من الكلدان والآشوريين في شمال العراق ضد الأخ يوسف والأخ أندريه نوريو.إن القس يوسف متى، وأنا لا نعمل معاً، ولكنه صديقي، وأنا أبدي احتراماً لعمله بالرغم من وجود اختلاف كبير بين عمله وعملي. أما الأخ أندريه نوريو يعمل معي لكنه لديه الحرية الكاملة للقيام بعمله في دهوك كما يأمره الروح القدس.
يقول (ربنا يسوع المسيح)!: (أوصيكم بأن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أحبوا أنتم أيضاً بعضكم بعضاً بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إذا أحببتم بعضكم بعضاً: يوحنا 13/34 ـ 35). وقال المسيح أيضا: (هذه وصيتي: أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم. ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه عن أحبائه، فإن عملتم بما أوصيكم به كنتم أحبائي: يوحنا: 15/ 13 ـ 14).
إني أسمع دائماً عن تقارير مطران الكلدان حنا فلو (دهوك) والمطران حنا مرخو (أربيل) والخوري الآشوري فيليب (دهوك) تتضمن كلمات سيئة أو أنصاف حقائق محرفة ضد القس يوسف متى والأخ أندريه نوريو وكذلك ضد كل المسيحيين الأجانب الذين يعملون في شمال العراق.(22/224)
إني التزمت الصمت لمدة ثلاث سنوات ونصف، ولكن إذا استمر المطارنة والقسس من الكلدان والآشوريين في مضايقة المسيحيين الآخرين العاملين هنا(1)، عندئذ سوف أقوم بكتابة تقرير واضح إلى البابا يوحنا بولص الثاني في الفاتيكان وإلى البطريك مار دنخا الرابع في شيكاغو، وكذلك إلى الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وإلى النائب ايل كور وإلى الوزير الخارجية وارن كريستوفر وإلى سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت. أقدم شكوى ضد الكلدان والآشوريين عن أحاديثهم وافتراءاتهم وعن عدائهم الذي يحدث هنا. وكذلك أوصي بإيقاف كافة المساعدات الغذائية والكتب والتجهيزات الأخرى عن الكلدان والآشوريين العراقيين.
أرجو أن تعلموا بأنC.F.T.K لا ترغب بجعل أي من الكلدان والآشوريين بروتستنتياً، نحن نأمل ونريد أن يبقى جميع الآشوريين والكلدان في الكنيسة الآشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وأن يحبوا المسيح من كل قلبهم وذهنهم وروحهم، ويزداد إيمانهم بقوة روح القدس الإله بالمسيح ربنا: (مرقس 11/29 ـ 31، لوقا 11/9 ـ 13، يوحنا 3/1 ـ 21). آمين.
على كل حال فإنه إذا رغب أي نصراني عراقي، على سبيل المثال، أن يترك الكنيسة الآشورية أو الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كما يرشدهم الروح القدس للانضمام إلى الكنيسة الأرثوذكسية أو الإنجيلية أو البروتستنتية... إلخ فهذا اختيارهم الحر وحقهم الممنوح من الله، ولا يحق لأحد أن يقوم بمضايقتهم أو التميز بينهم.
لكن الافتراء والنميمة أو أنصاف الحقائق المحرفة هي إثم عظيم ضد الله والإنسان. وسوف يدين الله الناس الأشرار على أقوالهم السيئة (القساوة، الخبث والإثم)، اقرأ بطرس: 4/17، يعقوب: 3/1 ـ 12، متى: 12/ 31 ـ 37.
الندامة:
يقول ربنا يسوع المسيح: إن خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها وهي تتبعني، وأنا أهب لها الحياة الأبدية، فلا تهلك أبداً، ولا يختطفها أحد من يدي (يوحنا: 10/27 ـ 28). وهكذا فالمشكلة ليست إلى أية طائفة كنسية ينتمي شخص ما أو يعمل، لكن هل الأشخاص (المسيحيين) يتبعون السيد المسيح حقاً وينفذون كلامه بقوة روح القدس، آمين.
قدمت بفائق الاحترام مع المحبة بالمسيح.
أخوكم الأصغر وليم براون
مدير منظمة رعاية وإغاثة الأكراد
الكنيسة الأسقفية ـ الولايات المتحدة الأمريكية
نسخة إلى:
ملف C.F.T.K.
الأخ أندريه نوريو ـ دهوك.
القس يوسف متى ـ دهوك.
تعليق:
هذه الوثيقة تزيح الستار عما خفي ولم يظهر للعيان. لقد ذكرنا أن النصارى في عنكاوة خاصة وفي كردستان العراق عموماً لا يحبذون وجود منظمات تنصيرية بروتستانتية في المنطقة، والمسألة بسيطة هي الصراع على النفوذ، والاستحواذ عليها؛ فالكل يريد أن يجمع حوله أكبر عدد ممكن من الناس. والمنظمات لا تخفى عليها ذلك، ولهذا حاولوا الدخول من الشباك وليس من الباب، ومع ذلك لم ينجحوا إلا نادراً، مع ما قدمت لهم من مساعدات؛ فالمعروف أن كل النصارى ـ خاصة أهل عنكاوة ـ يملكون بطاقات تموينية يحصلون بموجبها على المساعدات والإعانات الشهرية من الأغذية والمال.... من المنظمات الغربية وخاصة التنصيرية. بالرغم من ذلك لم ترضَ الكنائس المحلية بالتنصير بينهم، وعندما علموا أن المنظمات التنصيرية تحوم حول الشباب وتحاول جرهم إلى مذهب البروتستانت، تصدت لهم الكنائس المحلية بكل الوسائل مما أغضب تلك المنظمات حتى لم تعد تطق ذلك وتصبر، فهددوا من خلال الرئيس الأمريكي والبابا والوزراء واليهودية مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقه وسفيرتها في الأمم المتحدة سابقاً. وهذا أمر خطير ونذير شؤم للنصارى في كردستان، بمعنى: إن لم تسمحوا لنا بالعمل؛ فالويل لكم. الكلام في الوثيقة دال على الوعيد أكثر من الشكوى أو الرجاء، وقلنا إن التنصير ليس إلا مظهراً من مظاهر التغريب والزحف النصراني على العالم الإسلامي، وأنهم يخرجون في أوكار المخابرات والدسائس الغربية، والدليل ما جاء في الرسالة من أسماء وشخصيات تحكم العالم. فماذا يعني أن منظمة تنصيرية تهدد كافة الكنائس في كردستان لسبب بسيط أنهم لا يرضون عن منهجهم، ولا يشجعون الناس على المضي قُدُماً لتنفيذ مخططاتهم. وإن نصارى كردستان على وعي بما يجري وراء الكواليس ويبدو أنهم يفضلون السكوت.
والدفاع عن بعض الأشخاص مثل يوسف متى ليس من باب الإنصاف؛ فهذا الرجل من نصارى الموصل يعمل قسيساً في دهوك وصديق لدوكلاس وجماعته، وقريب منه، وتردد على ألسنة الناس أن يوسف متى كان ضابطاً ضمن الجيش العراقي إبان عمليات الأنفال السيئة الصيت في كردستان، وقد ذُكر أنه استحوذ على مبالغ طائلة مقابل ما يدعو إليه من أفكار الكنيسة البروتستانتية في كردستان العراق.
+ المنظمات التنصيرية ونشاطها في كردستان العراق:(22/225)
منظمة إغاثة ضحايا الحروب الأهلية: Eme r gency life suppo r t fo r civilian wa r victims. أنشئت في بدايات سنة 1995م في مدينة ميلانوmilano الإيطالية من قِبَل مجموعة من عناصر وأعضاء سابقين في (الصليب الأحمر) الدولي بقيادة الجراح الإيطالي المتخصص والمتجنس الأمريكي الدكتور Gino St r ada وممرضة العمليات النرويجيةLiv Amund ومضمد العمليات الإيطاليWalle r والممرضة الإيطالية Giovanna والممرضة السويديةTu r id وممرض الطوارئ الفنلنديAoke. وكان الهدف من تكوينها تقديم المساعدات إلى الشيشانيين وعندما حاولوا دخول الشيشان منعتهم الحكومة الروسية فغيروا وجهتهم إلى كردستان العراق بالخصوص إلى مدينة حلبجة الشهيرة كفرقة إغاثة، كان ذلك في كانون الثاني 1995م، وفي حينه كان القتال بين الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي(PDK) والاتحاد الوطني الكردستاني (PUK)على أشده في المنطقة الواقعة بين السليمانية وحلبجة، وحاولوا لمدة ثلاثة أيام العبور إلى حلبجة ولكنهم أخفقوا، واضطروا للعودة إلى مدينة السليمانية. وهناك اتصلوا بمنظمة MAG البريطانية المتخصصة في رفع الألغام، فأمضوا عدة أيام عندهم، ثم نصحوهم بالتوجه إلى قصبة جومان، التي يوجد فيها مستشفى مؤهل ومناسب للعمل الطبي، بالإضافة إلى تمركز فرع لمنظمةMAG في جومان. وهذا المستشفى كانت تديره حكومة إقليم لكردستان العراق، ولهذا بدؤوا في المرحلة الأولى بالإشراف على غرفة العمليات ثم إزاحة الشخصيات الإدارية المهمة غير المرغوبة لديهم، والذين يشكلون عقبة في طريقهم لتنفيذ مخططاتهم العدائية. واستغلوا في ذلك علاقتهم بالمكتب السياسي للحزب الديمقراطي وزعيمه تحت ذرائع شتى، وخلا لهم الجو بالكامل في شهر نيسان/ إبريل 1995م، وخصصوا الرواتب للعاملين في المستشفى.
+ سياسة المنظمة في كردستان:
السياسة التي تتبعها هذه المنظمة في كردستان تصبُّ في خدمة التنصير والحقد الغربي على المسلمين بشكل عام، ويتجلى ذلك في الآتي:
1 ـ اتباع سياسة فرق تسد بين الأعضاء والعاملين معهم من الكرد في المستشفى، والدوائر الحكومية في ضومان، ودائرة الصحة ووزارة الصحة، والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
2 ـ العنجهية والتكبر على العاملين الكرد، والنظر إليهم كمواطنين من درجة ثانية أو كخدم لهم، خاصة عند اعتراض أحدهم على مخططاتهم أو إبداء رأي ما. وكانوا يقولون لهم: نحن ندفع لكم الأجور، والذي لا يرضى فالباب واسع ومع ألف سلام. وكانوا يقولون دائماً بدون خجل: ما أتينا حتى ندللكم ونأخذ بخاطركم، والذي لا يرضى فليترك العمل معنا.
3 ـ محاولة تغليب العنصر النسائي على الرجالي بين الكرد عند التقديم للعمل معهم؛ فالأفضلية عندهم للمرأة على الرجال.
4 ـ لم يُبدوا أي اهتمام بالرعاية الصحية، ومن ذلك إهمال المرضى وعدم العناية بهم، وخاصة: الأمومة والطفولة، الإرواء الفموي للأطفال، التلقيحات، رقابة المطاعم والمخابز المتعاملين معهم. ومنها أيضاً إهمال: الرعاية الطبية الأولية للمراجعين، وعدم توفير الأدوية للقسم الطبي في المستشفى، عدم السماح لمن يشكون من أمراض باطنية بالدخول إلى المستشفى، وعدم القيام بالعمليات الجراحية للحالات الباطنية الطارئة وإهمالهم. ببساطة: ينظرون إلى المستشفى كأنه حقل لتجارب الفئران (والفأر هو الكردي المسكين البائس).
5 ـ إهمال أبسط المبادئ الأساسية للصحة والجراحة، وإهمال ذوي الخبرات من غير أعضائهم الأوروبيين. على سبيل المثال عندما شارك ثلاثة من الجراحين الكرد من مدينة أربيل في العمل معهم أهملوهم حتى تم طردهم أو انسحبوا هم نتيجة عدم العناية بهم وتقديرهم. والسبب كان بسيطاً أن هؤلاء الثلاثة كانوا ذوي مقدرة كبيرة في الجراحة؛ ومن المضحك أن هؤلاء الجراحين الكرد كان عليهم أن يأخذوا الأوامر من مضمد فنلنديAKO الذي لا خبرة له في عالم الجراحة، وهو ليس إلا ممرضاً صغيراً مقابل هؤلاء الجراحين الكرد. فحدث أكثر من مرة في حالات الطوارئ أن أدخلوا مَنْ مرضُه أقل خطورة من غيره فمات الثاني وهو ينتظر العملية؛ لأن صاحب الجلالة المضمد لم يأمر الجراحين الكرد بإجراء العملية له وإدخاله غرفة العمليات. والأمرّ من ذلك لم يجد هذا الأمر آذاناً صاغية من قِبَل المسؤولين الكرد، والسبب يبدو أنه مخفي وراء الكواليس.(22/226)
أما في غرفة العمليات فقد كان على الجراحين، والأمر كان كذلك لمن بعدهم، أن ينتظروا الأوامر من المضمدAKO: أي خيط يستخدمون، وفي أي مكان يشقون، وكيف يخيطون الجرح، وكيف يقطعون العظم؟ ببساطة: كان على الجراحين أن يكونوا مضمدين وسيادته هو الطبيب والمشرف عليهم، وهذا من منطلق أن الكردي هو الخادم والأوروبي هو السيد. أما في قاعة المرضى أي بعد انتهاء العملية؛ فمن المفروض أن الجراح الذي قام بالعملية هو الذي يشرف على مريضه يومياً ويكتب له الدواء، أما هناك فكان الأمر من أعجب الأعاجيب؛ إذ إن الذي يعطي الدواء هو المضمد أو الممرضة، والأغرب أنهم لا يستخدمون المضادات بعد العمليات؛ وهذا من أبسط وأهم مراحل العلاج، كأنهم يتبعون منهج آبائهم في القرون الوسطى في العمليات الجراحية، ولهذا كانت الجروح تستغرق فترات طويلة حتى تندمل، وقد أقسم من نثق به قال: حدث أن رأينا الدودة في الجرح أكثر من مرة، وأن طيلة بقائهم في جومان لم يستخدموا أبداً المضادات، من له أذن فليسمع كما يقول هؤلاء النصارى.
6 ـ الحوامل: الويل لمن أتى بها القدر إليهم؛ فالمقص والشفرات تنتظرها، والعمليات القيصرية هي الحل الوحيد ثم استئصال الرحم بحجج واهية وجهل الأزواج بالأمر والفاقة هما سببان رئسيان في قبولهم بالعمليات. وكانوا يقولون إن عدم استئصال الرحم يؤدي إلى موت الأم؛ فما كان على الزوج المسكين إلا الإذعان والسكوت. فحدث أكثر من مرة أن دخلت امرأة حامل وهي شابة في مقتبل عمرها أنجبت مرة أو مرتين..
عمليات استئصال الرحم:
تاريخ العملية
تسلسلها في ملفات
الجراح عمر الحامل
اسم المرأة
(1) 12/9/95
247 Aibe r to/Gino
27 بدرية أمين
(2) 7/11/95
299 Yassin 28 آيش حسن
(3) 9/1/96
346 Alessand r o/Yassin
30 آمنة عمر
(4) 20/5/96
511 Stive 25 بيروز مصطفى
(5) 30/5/96
828 Aibe r to 25 جميلة أحمد
بدون مشكلة ما أن تصل إليهم يقومون بالعملية القيصرية لها، وبعد ذلك استئصال الرحم، وهذا أمر غريب في منطقتنا فلم نسمع به إلا نادراً. وهذه بعض الأسماء لعل من له قلب أن يعي ما يحدث في كردستان، ولا ينخدع بدعواتهم:
من الملاحظ أن أعمارهن تتراوح بين 25 ـ 30 سنة، والهدف من هذه العمليات تقليل نسبة الإنجاب بين المسلمين، والغريب أن الإخوة الشيشانيين أكدوا لنا أن عمليات استئصال الرحم جارية على قدم وساق في الشيشان، وكانت المنظمة قد حاولت في البداية الدخول إلى الشيشان ولم يستطيعوا، ويبدو أن هناك من يؤدي دورهم هناك. والله المستعان.
ورد اسم الدكتور ياسين وهو غربي في شكل كردي، وهو أشد قسوة من هؤلاء، وترددت أنباء بأنه كاكائي (فرقة ضالة وكافرة). أما الجراحStive هو جراح نصراني كردي من السليمانية هو أشد قسوة من سابقيه لحقده النصراني وولائه للغرب.
وأكد لنا بعض الإخوة أن كثيراً من الشرفاء من الأطباء والجراحين الكرد رفضوا العمل معهم لمعرفتهم ما يكيدون، ولا حول لهم ولا قوة إلا الرفض وعدم المشاركة في هذه الجريمة، وتلويث أسمائهم من أجل حفنة من الدولارات. على سبيل المثال نذكر ذلك للتاريخ أن طبيباً من أهل السليمانية اسمه (سرمد) لم يطع أوامرهم، وكانت أخلاقه وضميره ودينه ينهاه أن يسلك سبيل المجرمين، فكانت عاقبته الطرد من المنظمة، وسبقه في ذلك طبيبان جراحان كرديان من مدينة أربيل.
7 ـ نتيجة لنفاقهم واتباع سياسة فرق تسد مع دوائر حكومة الإقليم أدركت الجهات المسؤولة والشرفاء الذين يهتمون بالشعب الكردي أن هؤلاء شر على المنطقة، فعملوا على طردهم منها، فذهبوا إلى مدينة السليمانية ووجدوا وكراً لهم، فأسسوا مستشفى خاصاً للعمليات الجراحية والطوارئ، ولهم حرية مطلقة في كل ما يفعلون. وقدموا طلباً إلى مستشفيات ولادة أربيل ودهوك أن يديروها ويشرفوا عليها بغية تنفيذ مؤامراتهم وخططهم التنصيرية، وقد باءت محاولاتهم بالإخفاق نتيجة مواقف الأطباء والمسؤولين الشرفاء من أبناء الكرد الذين يدركون أن هؤلاء لا يريدون خيراً لأحد. والجدير بالذكر أن المنظمات التنصيرية لها اجتماع دوري لمعرفة مستجدات الساحة الكردية وكيفية السبيل إلى تنفيذ مؤامراتهم، ويكون عادة في مقرات الأمم المتحدة الكائنة في محلة عنكاوة النصرانية.
وما قدمناه هو تقرير ووثيقة تاريخية، وجعلنا الحقائق نفسها تنطق كما هي. ونقول: لا خير في هؤلاء؛ فإن قدموا لنا مساعدة، فوراءها (فاتورات) علينا أن ندفعها، ولأنهم لم ولن يرضوا عنا، كما بين - عز وجل - في قوله - تعالى -: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]؛ فعلينا الحذر كل الحذر منهم ومن مساعداتهم، والله هو المولى ونعم النصير.
----------------------------------------
(1) كردستان قبل التقسيم الأخير بين الترك والعرب والفرس وغيرهم.
(1) لمزيد من المعلومات انظر: مجلة الثقافة (العراقية)، التي كانت تصدر من بغداد، مقالة: التبشير البروتستانتي في العراق، للدكتور عبد العزيز نوار.
(2) مع الأسف الشديد هذا الموقف من هؤلاء مع أنهم يعيشون بيننا ولكنهم يتعاطفون مع غيرنا!(22/227)
(3) محمد أمين زكي، تاريخ الكرد والكردستان، ص 26.
(4) في مناظرة علنية في ميدياTV بين سعدي بيرة والدكتور الكركوكي وبعض الشخصيات الكردية أشار المعلق إلى قيادة رئيس قوات التحالف الدولي ومشاركته في الاقتتال ولم ينف أحد التهمة.
(5) فقد قدم محاضرات في كبريات القاعات في كردستان عام 1996م شاتماً الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو صاحب كتاب منحرف «الكورد في التوراة» باللغة الكردية.
(1) والذي قام بالرد عليهم ورمي الأوراق الموزعة في وجوههم هو القاص والكاتب الكردي عزيز، وحيث ترك القاعة بعد ذلك لما رأى من قلة الأدب والوقاحة من دوكلاس. والجدير بالذكر أن كثيراً من الكتاب والأدباء كانوا مدعوين للحضور.
(1) كان طلاب قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب يُدعون إلى حفلات ترتل فيها الدعوات، وتؤدى فيها الصلوات والطالب لا يستطيع الرفض؛ وإلا فالرسوب أمامه. وأخبرني طلاب القسم بذلك في حينه.
(1) يقصد المنصرين العاملين في المنظمات التنصيرية التي تتستر خلف أسماء مختلفة مثل حقوق الإنسان والمنظمات الطبية وغيرها.
السنة التاسعة عشرة * العدد 206* شوال 1425هـ * نوفمبر/ديسمبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============(22/228)
(22/229)
النصارى يحاولون احتلال تركيا!
محمد نور الدين
28/12/1425
"تركيا الآن تحت احتلال المنصرين" هكذا وبكل بساطة يقول سنان آيغون (رئيس غرفة تجارة أنقرة)، التي أصدرت تقريراً مفصلاً وشاملاً حول النشاط التنصيري في تركيا.
ليس التنصير في تركيا موضوعاً جديداً للمناقشة، ففي الأشهر الأخيرة كان يظهر هذا الموضوع من وقت لآخر في وسائل الإعلام، لكن البيان المكتوب الذي أصدرته رهشان زوجة بولنت أجاويد (رئيس الحكومة السابق) قبل ثلاثة أسابيع، وحذرت فيه من انتشار النصرانية في تركيا، وتكاثر عدد الكنائس في الشقق والأبنية، والخشية من "ذهاب الدين (الإسلامي) من أيدينا" أعطى زخماً للسجالات حول مسألة التبشير النصراني في تركيا.
ولم يقتصر تفاعل الموضوع على النقاشات الفكرية، بل شاركت في المساهمة فيه القوات المسلحة التركية، وهيئات اقتصادية علمانية وإسلامية، ولم يتأخر أيضاً (رئيس الحكومة) رجب طيب أردوغان في الإدلاء بدلوه، على أن البعد الأكثر دلالة من هذه المسألة هو انتقالها إلى الشارع، حيث بادر العديد من الشبان المسلمين بتوزيع القرآن الكريم في ساحة "قيزيل آي" وسط أنقرة رداً على توزيع مجموعات تنصيرية في الساحة نفسها لنسخ من الإنجيل، مما يجعل السؤال ممكناً حول ما إذا كانت تركيا ستكون مسرحاً لحرب من نوع جديد بين الإسلام والنصرانية عشية بدء مرحلة مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي.
في المعطيات المتوافرة أن عدد النصارى في تركيا يقارب الستين ألفاً، فيما تستخدم مجموعات التبشير النصرانية ما يقارب الثلاثمئة كنيسة، ومكتبات بأعداد كبيرة، وتمتلك هذه المجموعات ست مجلات، وخمس محطات إذاعية، وسبع شركات، وسبع صحف، ومقاه ووكالات سياحية، وفندق واحد وعشرات الجمعيات الأخرى، وقد سجل عام 2003م مئة وتسعين نشاطاً تنصيرياً، ومع أن للبهائيين بعض النشاط إلا أن الجماعات البروتستانتية لها حصة الأسد، حيث تدار من مدينة شورمدورف في ألمانيا، ويمثلها اتحاد الكنائس البروتستانتي لتركيا ومقره في أنقرة، وفي عام 2000م فقط افتتح المنصرون البروتستانت حوالي عشرين كنيسة في تركيا، ويمتاز التنصير البروتستانتي بإقامة معسكرات صيفية للطلاب، مع الإشارة إلى أن كنيسة "فورتولوش" تقوم بالدور المخطط لهذه النشاطات، في إطار مجموعة مؤلفة من مئة وثلاثين فرداً، وينشط هؤلاء في الأحياء الراقية من اسطنبول، وفي معظم المدن الرئيسة التركية، وإلى البروتستانت هناك نشاطات متفاوتة لجماعات أخرى مثل: شهود يهوه، والكاثوليك، والأرثوذكس، والسريان، وإن بصورة محدودة قياساً إلى النشاط البروتستانتي.
ويعلق سنان آيغون على النشاطات التنصيرية بقوله: إنها استمرار للذهنية النصرانية، وإن السبب الرئيس وراء تصاعد هذه الموجة هو صدور قوانين المواءمة مع الاتحاد الأوروبي التي سهلت عمل المنصرين تحت ذريعة الحريات الدينية، ويقول: إن هؤلاء المبشرين يجولون على المنازل ومعهم المال، مغررين بالشبان، وهم ينتظمون في كل زاوية بأنقرة، ويقومون بتنظيم رحلات وسياحة واجتماعات، ويدرّسون ولا أحد يستطيع أن يسألهم: من أنتم وماذا تفعلون؟؛ لأن الجواب جاهز: القوانين الأوروبية تسمح لنا بذلك، ويتساءل آيغون: إذا لم يكن هذا احتلالاً فماذا يكون؟ وهل يتطلب الاحتلال حمل السلاح؟ إن سلاحهم الدين، ولا حاجة لهم لسلاح آخر.
يؤكد أنور مهتشي أوغلو (رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في غازي عينتاب) ما ذهب إليه رئيس غرفة تجارة أنقرة، إذ حين يسأله الأكاديمي مصطفى أوزيل قبل عامين عن القطاع الأكثر حيوية في عينتاب (وكان يقصد بسؤاله القطاعات الاقتصادية) أجابه مهتشي أوغلو: التنصير! في دلالة على المسألة الضاغطة على السكان في غازي عينتاب وغيرها.
يذكر أوزيل الناشط كذلك في "مركز دراسات العلم والصناعة" أن النشاط التبشيري البروتستانتي الكاثوليكي فاعل جداً، وهم يسعون للتديين على الصعيد الفردي، فيما اجتماعياً يقومون بخدمات دنيوية، وينقل أوزيل في حوار له في مجلة "أنلايش" مع عالم الاجتماع الإنجليزي مايكل مان أن النخب الأوروبية اتخذت قرارها بإلحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي، النخب تعرف عملها، وسيأخذون تركيا إلى حيث يريدون، أما الشارع الأوروبي المعارض الآن لتركيا فسيتغير قراره ومزاجه مع الوقت.
ويعلق أوزيل على كلام مان بالسؤال: هل تريد أوروبا تنصيرنا؟ ويلمح أوزيل إلى الإجابة: بنعم غير مباشرة عندما يستشهد بقول شهير لرئيس إحدى القبائل الأفريقية: "عندما جاء الأوروبيون إلى بلادنا كانت الأرض بيدنا، والإنجيل بيدهم، أما اليوم فبيدنا الإنجيل، وبيدهم أرضنا".(22/230)
ويدخل إيلبير أورتايلي أحد أبرز المؤرخين الأتراك المعاصرين على الخط بمقال في صحيفة "حريات" بعنوان "التنصير" ويرى فيه أن النشاط التنصيري خلق من المشكلات أكثر مما أعطى من سعادة، وأن المدارس التي أنشأتها البعثات التنصيرية في الأناضول أثارت بلبلة دفعت بأنصار أتاتورك في مطلع الثورة إلى إصدار قانون توحيد التدريس الذي ألغى هذه المدارس، ووضع كل مدارس الجمهورية تحت رقابة الدولة، ويتهم أورتايلي الطبقة العلمانية المثقفة في تركيا باللامبالاة واللامعرفة، محذراً من أن تغيير جغرافية الإيمان يخلق نتائج خطيرة بقدر التغيير في جغرافية السكان.
ويتهم مصطفى فايدا (عميد كلية الأديان بجامعة مروة) تقاعس الدولة في مجال التربية الدينية بأنه أفسح أمام نشوء فراغ استغلته البعثات التنصيرية، يقول فايدا: إن المادة 24 من الدستور تعهد إلى الدولة بالتعليم الديني، وإذ لا تقوم الدولة بواجبها يحصل فراغ، لذا يجب تفعيل التربية الدينية.
ويتساءل أحمد شاهين في مقال له بصحيفة "زمان" عما إذا كان ممكناً تنصير الشباب المسلم بتوزيع الإنجيل، ويجيب: لا، هذا غير ممكن عقلاً وعلماً ومنطقاً؛ فالإسلام يؤمن بكل الأنبياء والكتب السماوية، ويستشهد عدد كبير من الكتاب الأتراك بما كان يقوله (المفكر الإسلامي الراحل) جميل ميريتش من أن "هدف التبشير ليس تنصيرنا بل قطعنا عن الإسلام"، أي كما يقول مصطفى أوزيل: "جعل إسلامنا بلا معنى، وضرب قوة الممانعة والمقاومة عندنا، فمن لا يستطيع أن يحمي إيمانه لا يستطيع أن يحمي وطنه".
دخل رئيس الحكومة بقوة على خط السجال الدائر حالياً بقوله: إنه قبيح جداً أن يعمد نصراني إلى محاولة تنصير مسلم، فيما يذهب تقرير للقوات المسلحة التركية إلى أن هدف النشاط التنصيري رفع عدد المتنصرين في تركيا من خمسة آلاف اليوم إلى ثمانية ملايين عام 2020م! داعياً إلى التوعية لمواجهة هذا الخطر.
فهل تركيا فعلاً أمام خطر التنصير؟ أم أن انضمامها المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي كفيل لوحده بنزع "الخطر الكامن" من دولة كانت رأس حربة الإسلام في مواجهة أوروبا نفسها على امتداد ألف سنة؟
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=556
============(22/231)
(22/232)
الصومال بين مطرقة التنصير وسندان الفقر
نجاح شوشه
18 محرم 1426هـ - 27 فبراير 2005 م
تمكنت الحملات الاستعمارية الأوروبية أن تحفظ وجودها في القارة السوداء حتى بعد رحيلها ومنحها الاستقلال الصوري للدول الأفريقية، وذلك عبر التقسيم المتعمد للدول، بحيث تتناثر النزاعات الحدودية الدموية في أنحاء القارة، وتشتعل الثورات والاضطرابات الداخلية في كل دولة، وتحرك القوى الغربية مسارات الصراع, وتتوالى النداءات المستغيثة بقواتها لحفظ السلام، وتتبدد قوى الشعوب الأفريقية في دوائر مفرغة للصراع، وتصبح غاية الثروات الموجودة في هذه الأرض أن تسد رمق البطون الجائعة.
أما عن استغلال واقع الحروب والمجاعات والأمراض في أفريقيا في مجال التنصير فهو أمر معروف، فأفريقيا هي الغنيمة الباردة، حيث الضعف البشري، والتعاون بين القوى العسكرية الغربية والقوى البابوية والكنسية من الحقائق الشهيرة في هذا العالم.
الصومال في سطور:
تقع الصومال في شرق أفريقيا، ويحدها خليج عدن والمحيط الهندي شرقاً، وتجاورها كل من 'جيبوتي'، و'إثيوبيا'، و'كينيا، أما مساحتها فتصل إلى 246200 ميل مربّع.
تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وتعد من أكثر دول العالم فقراً بسبب قلة الموارد، وكثرة الحروب.
يزيد عدد سكانها عن سبعة ملايين ونصف المليون نسمة، وإن كان الحصول على أرقام دقيقة لتعداد السكان أمر صعب نظراً لحالة الاضطراب، ووجود لاجئين صوماليين في الدول المجاورة، ودول الخليج، وأوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، ونيوزيلنده.
ويشكل المسلمون 100% من السكان، أي أن الصومال بلد بلا أقليات على الرغم مما تدعيه وسائل الإعلام الغربية من أن نسبة المسلمين 98% لإيجاد المبرر للوجود الكنسي في البلاد.
ويمثل البدو وأشباه البدو الغالبية العظمى من السكان، ويعتبر المجتمع الصومالي مجتمعاً قبلياً، ولكل قبيلة سلطات وشيوخ ووجهاء وهم الذين يشرفون علي نظام الحياة اليومية، ويسهرون علي أمن أفراد القبيلة.
ويعد رعي الماشية من أهم النشاطات في الصومال ففيه أكبر قطعان للجمال والبقر على مستوى العالم.
وتعاني الصومال من المجاعات، واستخدام مياه شرب ملوثة، وتفشي الأمراض والأوبئة، وضعف الرعاية الصحية، والنزاعات القبلية.
فن اختراع الأقليات:
اخترعت المنظمات الكنسية أقلية مسيحية صومالية، وبالطبع فإنها تعاني من الاضطهاد والتضييق!!
وسارت لجنة الحريات الدينية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن الصومال على هذا النهج مدعية وجود أقلية مسيحية في الصومال تتعرض لـ[ الإساءات الدينية]، بالإضافة لاعتبار اللجنة تجريم التبشير في لدستور ومحاربته من قبل الصوماليين اضطهاداً دينياً.
وكانت منظمة كنسية بريطانية تدعى [ بارنبس فاند] قد زعمت في تقرير لها لأواخر عام 2003 عن وجود أقلية مسيحية مضطهدة في الصومال، ولكنها تناقضت إلى حد بعيد في تعداد هذه الأقلية المزعومة، فالإحصاء الذي أوردته ذكر أنها تتراوح بين الخمسمائة والألف، بينما ذكرت في ثنايا تقريرها أن نسبتهم تصل إلى 5.% من السكان، وهي نسبة مضاعفة لما ذكرته من قبل أضعافاً كثيرة.
والواقع الذي تؤكده رابطة علماء الصومال أن بلادهم إسلامية بلا أقليات على الرغم من الجهود التنصيرية الكبيرة منذ عقود طويلة، وأنه لا يوجد صومالي غير مسلم إلا أفراداً يعدون على أصابع اليدين يعيشون في أوروبا.
الصومال والاستعمار:
قسم مؤتمر برلين عام 1885 الصومال إلى 3 مناطق وزعها على 3 دول غربية هي: فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، فكان من نصيب الأولى الجزء المطل على مضيق باب المندب والمعروف اليوم بـ'جيبوتي'، وكان من نصيب الثانية جنوب البلاد، وحصل المستعمر البريطاني على شمال البلاد وإقليم الأوجادين الذي منحه لاحقاً لأثيوبيا، بالإضافة إلى أجزاء أخرى منحها لكينيا.
وقد أدى هذا التقسيم إلى صراعات بين الصومال وجيرانه، وفجوة داخلية بين شماله وجنوبه حتى بعد الاستقلال الرسمي عام 1960.
الصومال بين أنياب المنصرين:
على الرغم من أن الصومال كان له تميز ديني حيث إنه بلد بلا أقليات، إلا أن عمليات التقسيم التي تعرض لم تجعله محصناً، فإقليم الأوجادين منح لأثيوبيا، وأجزاء منحت لكينيا، أما الدولة الصومالية الحالية فأصبحت بين فكي قطرين هما بمثابة مركزين للتنصير في القارة الأفريقية عامة، وفي شرقها خاصة.
وقد استغلت المنظمات التنصيرية [ حرب الأوجادين ] في تثبيت أقدامهم، وممارسة نشاطاتهم في الصومال، فبدءوا بإقامة الكنائس، ومن الغريب أن العاصمة 'مقديشيو' يوجد بها أربع كنائس كبيرة على الرغم أنه في وقت إقامتها لم يكن ثمة نصراني واحد في البلاد!.
واتخذ النشاط التنصيري الشكل الإغاثي، بل إن هذه الكنائس ذاتها أعدت ميزانية خاصة لوجبات يومية تقدمها للزائرين وتتضمن الحبوب واللحوم، والعصائر والحلوى؛ في بلد يعاني من المجاعات المضنية.(22/233)
وأقيمت المراكز الثقافية التنصيرية في العاصمة والمدن والقرى الكبيرة، واستطاع المنصرون في وقت سابق أن يبسطوا نفوذهم على مراكز حساسة في الدولة، كما خصصت إذاعات للصومال تبث من مناطق مختلفة وبخاصة إسبانيا.
نماذج للأنشطة والمنظمات التنصيرية بالصومال:
ونظرًا للحالة الأمنية المتدهورة تدار معظم أنشطة تلك المنظمات من العاصمة الكينية 'نيروبي' والتي تعد مركز التنصير في شرق القارة الأفريقية.
- منظمة [ مجتمع التوراة] من أقدم المنظمات العاملة في الصومال حيث يعود نشاطها هناك إلى ما قبل عام 1968، حيث طبعت أكثر من أربعين ألف نسخة من [العهد الجديد]، ووزع منها قرابة ثلاثة آلاف نسخة في حينها على الصوماليين في الداخل والخارج.
- منظمة [آباء كونسولاتا] تمارس عملها التنصيري في ثوب إغاثي عبر إدارة وحدات طبية، ودور أيتام ومدارس.
- منظمة [ أخوات كونسولاتا] في عام 2002 برنامجاً للإغاثة الكاثوليكية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية يتضمن برامج غذائية إضافية للأطفال المصابين بالسل - الوباء الأكثر انتشاراً في الصومال -، ومستشفى للأطفال في العاصمة 'مقديشيو'، ويهدف هذا المشروع للوصول إلى تنصير 300 طفل سنوياً، ويوزعون على الأهالي الأرز والذرة والسكر والحليب.
أما منظمة كاثوليك ريليف فقد آلت على نفسها مساعدة المنظمات التنصيرية المختلفة في الصومال منذ عام 2002، ومن بينها [ أخوات كونسولاتا].
- منظمة [ المينونايتيون]: وهي طائفة نصرانية تنتسب إلى القس الهولندي 'مينو سمونس' الذي تحول من الكاثوليكية إلى البروتستانية، وأضفى معايير جديدة عن أهمية التبشير الإغاثي، ويمارس المينونايتيون نشاطهم في الصومال منذ خمسين عاماً، حيث يعلنون عما يسمونه 'طريق يسوع بين الصوماليين' عبر الوسائل الإغاثية التي تتركز في:
* توزيع البذور والأغذية على شيوخ القبائل، دفع تكاليف المراقبة الصحية غير الحكومية لوباء الكوليرا الذي تفشى في منطقة 'جوبا'، ويركزون على التعليم بدعم المدارس المحلية، وإمدادها بالكتب الدراسية والمناضد والكراسي والأدوات التعليمية، وأحياناً بدفع الرواتب للمعلمين.
* الاهتمام الخاص بـ[الأيتام] - كعادة المنصرين - وذلك عبر مشروعهم المسمى [ البرنامج العائلي العالمي]، كما يهتم هذا البرنامج بالنساء، حيث أقام لهن مركزاً في 'مقديشيو' يقوم بتعليم القراءة والكتابة والحياكة، أما النساء المتعلمات فيعلمهن مهارات الحاسب الآلي.
* تقديم خدمات اجتماعية يدربون شباب البدو فيها على أمور مثل: الصحة الإنسانية، والصحة الحيوانية والبيئية، بالإضافة إلى تعليم الشباب.
* توزيع الكتب الموجهة مثل كتيب [ معاني السلام] هو كتيب طبعته المنظمة ليستعمل في قاعات التدريس الصومالية، حول أهمية السلام والطرق إليه.
- منظمة التطوير الإغاثية الكنسية [C r DE] تهدف إلى الدعوة الصريحة إلى المسيحية، وتقدم الدعم الإغاثي للصوماليين عبر مشاريع إنمائية زراعية شمال غربي الصومال، ويتم فيها إيواء ما يزيد عن 300 ألف لاجيء.
الحرب القذرة [محاربة العمل الخيري الإسلامي]:
واجهت عمليات التنصير في الصومال فشلاً حقيقياً تمثل في ثبات شعبه على الإسلام، ومواجهته للحملات الكنسية بقوة الكلمة، وقوة السيف، وعلى مدى سنوات طويلة - ورغم الفاقة - فإن الصومال استعصى على عمليات التنصير.
إلا أنه في السنوات الأخيرة وبعد زوال الحكومة عام 1991 ساءت الأوضاع، وسال لعاب المنصرين من جديد نتيجة حالة الفوضى السائدة.
ومارس شياطين التنصير حرباً قذرة لم تحتج إلى مزيد جهد باستعداء أمريكا على العمل الخيري الإسلامي الذي كان ملاذاً للمسلمين الصوماليين.
وبمنع المنظمات الخيرية الإسلامية من ممارسة نشاطاتها في الصومال ازدادت حدة الحملات التنصيرية وصفاقتها في إعلانها عن هدفها، ونشرها للأناجيل، ومجاهرتها بالصلبان.
وإن الفراغ الذي أحدثه غياب الدعم الإسلامي جعل النشاط التنصيري في الصومال الآن خطراً حقيقياً يسترعي كل انتباه.
وكمثال على استغلال شياطين التنصير لفاقة مسلمي الصومال فقد فرضت منظمة تنصيرية على الفتيات الدارسات في قرية دار السلام الواقعة جنوب غربي مقديشيو نزع النقاب مقابل دعم المدرسة مالياً.
وقد تظاهر آلاف الصوماليين في شوارع مقديشو احتجاجاً على الممارسات التنصيرية للهئيات التي تعمل تحت ستار [الأعمال الإغاثية].
وقام العلماء والدعاة المسلمون بتنظيم الاحتجاجات والمظاهرات بعد قيام هيئة تنصيرية تابعة للكنيسة السويسرية بتوزيع المساعدات على التلاميذ بالمدارس مع الهدايا التي تحمل الشعارات النصرانية، والعبارات التي تخالف العقيدة الإسلامية.
وأحرق المتظاهرون مئات [الهدايا] التي كتبت عليها عبارات التثليث، والصور المزعومة للمسيح المصلوب، مع توقيع الكنيسة السويسرية.
وكان المنصّرون قد أهدوا الطلاب في مدينة 'مركا' أدوات مدرسية [أقلام وملصقات ولعب مسلية] عليها صورة 'العذراء' وصلبان، وملصقات المنظمة، وأنكرت 'رابطة علماء الصومال' هذا النشاط التنصيري المعلن في بلد إسلامي عريق مثل الصومال.
الدور الخبيث لأثيوبيا:(22/234)
تشترك أثيوبيا مع شمال الصومال في حدود طويلة مفتوحة على مصراعيها، ونظراً لغياب الضوابط الأمنية، والتداخل بين الصوماليين والإثيوبيين من حيث الشبه الكبير في اللون، وبعض العادات؛ فقد دخل عدد من الأثيوبيين إلى شمال الصومال للترويج للفواحش، ونشر الفساد الأخلاقي والعقدي.
ويعمل هؤلاء الأثيوبيين على إشاعة الفاحشة، وبيع الحشيش والخمر والمخدرات لإغراق المجتمع الصومالي المسلم بها.
أما عن الجهد التنصيري الأثيوبي فقد أشار مسئولو الأمن في وقت سابق إليه، حيث ضبطت عدة مجموعات تنصيرية أثيوبية تعمل في البلاد بطريقة منظمة.
وينطلق الأثيوبيين الأرثوذكس من مركز 'ديردوه' على الحدود الأثيوبية الصومالية بعون من المنظمات الغربية لممارسة نشاطاتهم التي تبدأ من زرع الشقاق بين الصوماليين، والتشكيك في عقائد الإسلام، وتنتهي بالنشر الصريح للنصرانية.
مقتل منصرين:
تأخذ بعض الصوماليين الحمية من وقت لآخر فيستهدفون بعض المنصرين الذين يكشفون عن وجوههم بممارسة أعمالهم في وضح النهار، ففي أواخر عام 2003 قتلت المنصرة الإيطالية الكاثوليكية 'أنالينا تونيلي' عن عمر 60 عاماً في منزلها ببوراما الصومالية.
وقد نشطت 'أنالينا' في العمل التنصيري بالصومال لما يزيد عن 30 عاماً، عبر إدارة مشفى وملجأ للأيتام في مدينة 'ميناء ميركا' وبوراما، بالإضافة إلى نشاطات في مجال التعليم.
وفي الثاني والعشرين من شهر أكتوبر لعام 1995 قتل منصر إيطالي يدعى 'جرازيلا فوماجالي' في ميناء ميركا، بعد عمله لمدة عام في الأنشطة التنصيرية برعاية منظمة [ كاريتاس] التنصيرية الشهيرة.
استخدام المرأة:
دعم المعهد الكاثوليكي للعلاقات العالمية بلندن منظمة اتخذت لها اسم [ منتدى النساء الصوماليات السياسي] يهدف إلى حصول المرأة الصومالية على حق المساواة في العملية الانتخابية، وإيجاد دور سياسي فعال لهن في الحالة الصومالية المتدهورة، وتوفير حق اتخاذ القرار للنساء داخل نظام العشائر.
إسلام رئيس بعثة تنصيرية:
نشرت جريدة المسلمون في عددها الستين بعد المائتين خبراً عن إسلام مسؤول بعثة تنصيرية قادمة من ألمانيا للعمل في الصومال تحت شعار إغاثي وتحمل اسم [ المشروع الوطني لمحاربة أمراض العمى].
وقد تحركت البعثة التي رأسها طبيب العيون 'جي ميشيل' - 36 عاماً - إلى الصومال عام 1978 للميلاد، ولكن الأمور تغيرت تماماً عندما بدأ والد أحد أصدقائه المسلمين الصوماليين يدعوه إلى الإسلام في الوقت الذي كان 'ميشيل' يسعى جاهداً لجذبه إلى النصرانية.
وأسلم الطبيب الألماني متأثراً بتفسير بعض آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وبدأ عمله الخيري لمحاربة أمراض العيون تحت لواء رابطة العالم الإسلامي.
وختاماً:
فإن الجهود الإسلامية الصادقة لا تنكر في الصومال، ولكن حملات التضييق على العمل الخيري الإسلامي في الآونة الأخيرة يتطلب جهداً مضاداً يتمثل في دعم العلماء والمصلحين داخل هذا البلد، والتوعية الدينية، ونشر روح التكافل، وشن الحملات على المنظمات التنصيرية.
المصدر : http://www.islammemo.cc/taq r e r /one_news.asp?IDnews=340
=============(22/235)
(22/236)
التنصير في موريتانيا
رضا عبد الودود
5/1/1426 الموافق له 14/02/2005
يعيش الواقع الموريتاني حالة من التقلّب الشديد في ظل حكومة ولد طايع التي باتت تلتحف بعباءة التطبيع الصهيوني والنفوذ الأمريكي في غرب أفريقيا، ومحاولاته المستمرة لمصارعة النفوذ الفرنسي في تلك المنطقة الهامة، والتي تلعب أدواراً عدة لما تحويه من الملفات الحيوية مثل: أمن الأطلنطي، وبترول نيجيريا، وموريتانيا، وغرب أفريقيا.
ولعل السياسة الموريتانية حالياً باتت تسبح في فلك تلك الأهداف الصهيوأمريكية بصورة مزعجة؛ فبينما يتم التضييق على كافة الاتجاهات القومية والإسلامية في موريتانيا رغم إدانات منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الغربي والأوربي والإسلامي لما يحدث من محاكمات هزلية لقادة التيار الإسلامي والمعارضة؛ في ضوء مسرحيات الانقلابات العسكرية والمدنية الذي برع فيها النظام ولد الطايع ضد معارضيه منذ اعتلائه كرسي الحكم (خمس محاولات انقلاب فاشلة)، وبين ذلك التضييق والاستبداد بحق الإسلاميين؛ انفتحت الساحة الموريتانية بصورة غير مطمئنة تماماً للمنصّرين والمنظمات التنصيريّة في موريتانيا.
التنصير هدف قومي!
ولعل النظرة المتأنية لصفحات ذلك الملف الملتهب تكشف أن أجندة التنصير في موريتانيا بدأت نشاطها منذ وقت مبكر، غير أنها ازدهرت منذ وصول ولد طايع للسلطة في انقلاب عسكري؛ إثر إعلان سلفه لتطبيق الشريعة الإسلامية، والذي أثار وقتئذ حُنق الدوائر الاستعمارية والتنصيريّة الغربيّة، حيث حرَّكت أجندتها باتجاه موريتانيا مستغلة ظروف الجفاف والكوارث/ والآثار المدمرة لحرب الصحراء، فأتاح ولد الطايع لها مجالاً واسعاً للعمل والانتشار، وخصوصاً أنه ذو خلفية معادية للقيم الإسلامية، وقد صرح عام 1985م لمجلة (جون أفريك) الفرنسية: أنه إنما جاء لإيقاف دولة الشريعة، ومنذ ذلك الحين وهذه المنظمات تجد كل التسهيلات، في الوقت الذي تشن فيه حرب واسعة على العمل الإغاثي الإسلامي كما حصل سنة 1994م، حيث أغلق أكثر من عشر منظمات إسلامية عاملة في المجال الخيري، وكما حصل سنة 2003 و2004م حيث أغلق أكثر من عشر جمعيات إسلامية من بينها كلية للشريعة ومعهدين إسلاميين، بينما تحمي السلطات كل الوسائل غير المشروعة التي تستخدمها هذه المنظمات التنصيريّة الصليبيّة بهدف كسر الوازع الديني، وقد صُودرت عدة صحف في السنوات الماضية بسبب تطرقها لعمل المنظمات التنصيرية، خاصة وأن السرية تغلف مجال عمل وسائل هذه المنظمات نظراً لحساسية الموضوع بالنسبة لها، ورغبتها في الوقت نفسه بعدم إثارة الحمية الدينية في المجتمع ضد مشروعها الذي يعتمد على تخطيط مرحلي هادئ، وطويل النفس.
المرأة كلمة سرّ المنصّرين:
كما أن هذه المنظمات نشطة وتجد تجاوباً كبيراً من المجتمع بسبب عوامل الفقر والجهل والمرض، فقد بلغت هذه المنظمات العاملة في هذا الميدان ذات الأهداف التنصيريّة أكثر من مئة منظمة تنصيريّة غربيّة تجد لها امتداداً واسعاً في إطار إحصاء للجمعيات الأهلية العاملة، أما الجمعيات غير الحكومية فهي (319) جمعية تعمل في هذا المجال، وبعض المراقبين يرى أنها تتعدى الألف، إضافة إلى مئات التعاونيات النسوية التي تجد فيها هذه المنظمات بغيتها، حيث هي نافذتها على المجتمع، وتنفذ من خلالها مشاريع اختراق مهمة لاستراتيجيّتها، حيث تدعم منظمة "كاريتاس" وحدها فقط مئة تعاونية تعمل في قطاعات الزراعة والتحويلات الغذائية، وكذا الأعمال التجارية والحرفية، كما تشرف ذات المنظمة على حوالي (60) فصلاً تضم أكثر من (2000) دارس لبرامج محو الأمية - بل محو الهوية - مدعومة ببرامج صحية تستفيد منها أكثر من (150000) امرأة في (36) وحدة صحية، وحسب بعض المراقبين فإن ميزانية كاريتاس تزيد عن (300) مليون أوقية موريتانية ( 254 أوقية تساوي دولاراً )، وهذه المنظمات تعمل بخُطا حثيثة لتحقيق أهدافها، في الوقت الذي لا تبذل جهود مضادة كافية لسد الثغرات التي تنفذ منها، مع ضعف الوعي بأخطارها.
كما تركز هذه المنظمات على مناطق محددة، وعلى فئات بعينها تعاني حالة التهميش التي تعيشها بعض الطبقات نتيجة ظروف مختلفة منها الاقتصادي، وحتى السياسي، وتنشط هذه المنظمات مركزة جهودها في الجنوب والشرق والشمال، على مدن بعينها مثل (كيفة، ومقطع لحجار، وروصو، وتنفوند سيفى، وأطار) تركيزاً كبيراً، كما تهتم هذه المنظمات باليتامى، وتكفل آلافاً من هؤلاء، وتشرف على عدة مراكز لتربيتهم، ولاشك أن هؤلاء بعد سنوات قليلة سوف يشكلون نواة مهمة لتحقيق أهداف هذه المنظمات.
ويتم ذلك عبر عدد من المنظمات ذات الصبغة الإنسانية الحكومية مثل: "هيئة السلام الأمريكية" أو المنظمات التي تعمل من خلال واجهات أخرى محلية مثل: "الهلال الأحمر الموريتاني"، و"البرنامج الوطني لمكافحة السيدا الإيدز"، وتستخدم هذه المنظمات وسائل كثيرة لاختراق المجتمع منها المؤسسات الحكومية، والمنظمات الأهلية، وقادة الرأي.(22/237)
ولعل الغريب في الأمر والذي يحتاج إلى وقفة على المستوى الإسلامي الذي طبقت دوله مقررات الإرهاب الأمريكية فأوقفت المساعدات الإسلامية، وأوقفت برامج التعليم الإسلامي في موريتانيا واليمن وغيرها من مؤسسات إسلامية تعاني العنت الحكومي في سبيل أمركة مقرّراتها التعليمية، وأن هذه المنظمات التنصيرية تقوم ببناء المساجد، بل وتدريس القرآن من خلال دفع رواتب لمدرسيه إمعاناً في تجسير العلاقة مع المجتمع تمهيداً لبلبلة القيم والثوابت كمقدمة أولى للاختراق التنصيري، وذلك لإحكام السيطرة، ودفع الريبة عن نفسها في مجتمع إسلامي شديد التمسك بدينه كالمجتمع الموريتاني.
المصدر : http://www.islamtoday.net/a r ticles/show_a r ticles_content.cfm?id=102&catid=105&a r tid=5139
===========(22/238)
(22/239)
تسخير موجات الأثير لخدمة أغراض التنصير
لم تعد الحروب اليوم مقصورة على الحروب العسكرية التقليدية، ولم يعد الغزو محدوداً بالغزو العسكري المعهود، أصبحت الحروب والغزوات الحديثة ذات أوجه متعددة، وتستخدم أسلحة متنوعة، بل إن بعض القوى المتسلطة في عالم اليوم تحقق كثيراً من أهدافها وغاياتها بأسلحة ليس بينها القنابل والدبابات والبندقية والرصاصة، إنها تحارب وتغزو بسلاح الكلمة والصوت والصورة فتصيب ما ترجوه من أهداف وتحقق ما تأمل فيه من مصالح ومنافع!.
ولقد أدرك أصحاب الأديان والأفكار والمذاهب ما لوسائل الإعلام الحديثة من تأثير خطير في حياة الأفراد والمجتمعات، وما لسلاح الكلمة المسموعة من دور بارز في تبليغ الأفكار ونقلها عبر الحدود الجغرافية والحضارية، فقاموا باستثمار وسائل الإعلام الحديثة والإذاعة المسموعة بشكل خاص ـ واستغلالها للترويج لأفكارهم والتعريف بمذاهبهم ودعوة الناس إلى اعتناق مبادئهم.
وكان دعاة التنصير أسبق الجماعات إلى إدراك هذا الأمر فبدأوا صلتهم بوسائل الإعلام الحديثة منذ وقت مبكر، وقد بدأ (راديو الفاتيكان) ببث برامجه الدينية في عام 1931م عندما قام مخترع الراديو (ماركوني) بإهداء مرسلة إذاعية بموجة قصيرة إلى البابا، وقدمه إلى الناس عبر الأثير لأول مرة في تاريخ النصرانية.
وقد توسعت هذه الإذاعة وتطورت فأصبحت اليوم تبث برامجها الدينية والثقافية والإخبارية عبر ست مرسلات إذاعية ذات موجات قصيرة بطاقة تصل إلى 500 كيلو وات، ويذيع (راديو الفاتيكان) الآن بخمس وثلاثين لغة إلى أنحاء العالم ويخصص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ساعتين أسبوعياً باللغة العربية، وكانت هذه المحطة تذيع في نشأتها الصلوات الدينية، ولكنها الآن تبث ـ إلى جانب ذلك ـ الموسيقى والأغاني وغيرهما وذلك لجذب المستمعين واستمالتهم إلى رسائلها الدينية التي تتخلل هذه المواد الإذاعية المنوعة.
إذاعات شتى:
إن استخدام الراديو لخدمة أغراض التنصير غدا اليوم ظاهرة إعلامية واضحة، وتذكر إحصائية قديمة نشرت عام 1981م أن هناك أكثر من أربعين محطة نصرانية في العالم يبلغ إجمالي عدد ساعات بثها ألف ساعة في الأسبوع، ومعظم هذه المحطات يتبع الكنائس والجمعيات الكنسية الأمريكية، ولبعض هذه المحطات تعاون وثيق مع إذاعة (صوت أمريكا) كما أن إذاعة (عبر العالم) التنصيرية المشهورة تستخدم موجات إذاعة (مونت كارلو).
وبالإضافة إلى هذه المحطات الإذاعية التنصيرية، فإن هناك إذاعات دينية محلية في بعض البلدان الإفريقية أنشأتها الدول الاستعمارية فيها وبقيت بعد استقلال هذه الدول، وما تزال هذه الإذاعات تقدم برامجها في المجتمعات المحلية، كما أن بعض إذاعات الدول الإفريقية تخصص بضع ساعات من بثها الإذاعي لبرامج تنصيرية تعدها المنظمات الكنسية مثل إذاعة نيجيريا وزامبيا مع أنهما بلدان فيهما أغلبية مسلمة!.
وقد أنشأت الهيئة التنصيرية العالمية عام 1970م مركزاً ضخماً للإنتاج الإعلامي في دولة زامبيا، ويقوم هذا المركز بإمداد الإذاعات الدينية وغيرها من الإذاعات الإفريقية بالبرامج والمواد الإعلامية المختلفة.
وتعد إذاعة (حول العالم) T r answo r ld r adio أهم الإذاعات التنصيرية العالمية وأقواها، وتقدم هذه الإذاعة برامجها من محطة إرسال الإذاعة (مونت كارلو) ولها جهاز إرسال قوي في جنوب إفريقيا، وتستهدف المستمعين العرب والمتحدثين بالعربية في القارة الإفريقية.
ومن الإذاعات التنصيرية الأخرى في إفريقيا إذاعة "إلوا" ELWA وتعني عبارة "بمنتهى الحب نكسب إفريقيا" ومقرها ليبيريا التي تحوي نسبة كبيرة من المسلمين، وتتبع هذه الإذاعة البعثة الأمريكية السودانية وتبث برامجها بخمسين لغة ولهجة من لهجات إفريقيا، وهناك إذاعة أخرى هي إذاعة صوت الإنجيل التي بدأت إرسالها من أديس أبابا سنة 1963م وهي تابعة لهيئة الكنائس اللوثرية، وتستهدف الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي قارة آسيا هناك إذاعة الشرق الأقصى التي تبث برامجها التنصيرية من جزيرة (سيشيل) وتوجهها إلى الهند والباكستان وبعض أجزاء الساحل الشرقي لإفريقيا، أما إذاعة (راديو أدفانتست العالمي) فهي تستأجر ساعات بثها من محطات تجارية وتبث من خلال هذه المحطات برامجها التنصيرية للقارتين الأوروبية والآسيوية.
وفي أمريكا (إذاعة واير) وهي محطة خاصة تعمل على الموجه القصيرة ومقرها في ولاية كاليفورنيا، وتبث باللغة العربية ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً، وتدير مؤسسة التنصير الدولية بالراديو ومقرها في ولاية فلوريدا إذاعة (صوت الانديز) البروتستانتية في الأكوادور بأمريكا الجنوبية، وتبث برامجها بالاتفاق مع حكومة الأكوادور.(22/240)
هذه الإذاعات الدينية الموجهة، التي تمولها المنظمات والهيئات الكنسية العالمية، وخصوصاً في الولايات المتحدة، تستهدف نشر الأفكار والمبادئ المحرفة وترويج السياسات التي تنتهجها القوى الغربية الصليبية، ولكن الملاحظ كما تشير بعض التقارير والدراسات الميدانية ـ أن حركة التنصير العالمية تركز نشاطاتها على بلدان المسلمين ومناطقهم وتسعى إلى بلبلة أفكار المسلمين ـ وبخاصة في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها أقليات أو جاليات ـ ولذلك نجد أن معظم الإذاعات التنصيرية يتوجه بثها إلى الدول المسلمة والمجتمعات التي تحوي نسباً كبيرة من المسلمين وخصوصاً في قارتي آسيا وإفريقيا، فهي ـ إذاً ـ غزوة تنصيرية مقصودة، والمسلمون هم المستهدفون بالدرجة الأولى، وقد لا يكون الهدف من هذه الغزوة الشرسة تحويل المسلمين إلى النصرانية، إذ يعلم المنصرون من خلال تجاربهم أن ردة المسلمين عن دينهم واعتناقهم للنصرانية أمر صعب المنال، لذلك يكفي دعاة التنصير أن يشككوا ضعاف المسلمين وأجيالهم الناشئة في مبادئ دينهم، وقد صرح أحد زعمائهم بقوله: "ليس من الضرورة أن يترهب المسلمون، لكن يكفي أن نزعزع إسلامهم" وكم يصيبنا الحزن والأسى ونحن نرى هذه الجهود الضخمة والمتواصلة لدعاة التخريب الفكري التي تستهدف عقائد المسلمين وأخلاقهم وحضارتهم في الوقت الذي يقف فيه المسلمون يتفرجون، أو يحاولون مجابهة هذه الغزوة بوسائل غير مكافئة وبجهود شحيحة عرجاء!!.
إن الأمر جد خطير ويحتاج من المسلمين ـ حكومات ومؤسسات ـ وقفة جادة لإنقاذ أجيال المسلمين في كثير من المجتمعات من هذا التخريب الفكري الرهيب. وسلاح الإعلام اليوم يقتل من أبنائنا وشبابنا ما لا تقتله القنابل، ولابد من مجابهة هذه الهجمة الإعلامية التنصيرية بيقظة إعلامية قوية تسخر الوسائل الحديثة لخدمة أغراض التحصين الفكري ورد الكيد وحماية المجتمعات المسلمة من التلوث والخراب.
http://www.khayma.com المصدر:
============(22/241)
(22/242)
تسخير موجات الأثير لخدمة أغراض التنصير
لم تعد الحروب اليوم مقصورة على الحروب العسكرية التقليدية، ولم يعد الغزو محدوداً بالغزو العسكري المعهود، أصبحت الحروب والغزوات الحديثة ذات أوجه متعددة، وتستخدم أسلحة متنوعة، بل إن بعض القوى المتسلطة في عالم اليوم تحقق كثيراً من أهدافها وغاياتها بأسلحة ليس بينها القنابل والدبابات والبندقية والرصاصة، إنها تحارب وتغزو بسلاح الكلمة والصوت والصورة فتصيب ما ترجوه من أهداف وتحقق ما تأمل فيه من مصالح ومنافع!.
ولقد أدرك أصحاب الأديان والأفكار والمذاهب ما لوسائل الإعلام الحديثة من تأثير خطير في حياة الأفراد والمجتمعات، وما لسلاح الكلمة المسموعة من دور بارز في تبليغ الأفكار ونقلها عبر الحدود الجغرافية والحضارية، فقاموا باستثمار وسائل الإعلام الحديثة والإذاعة المسموعة بشكل خاص ـ واستغلالها للترويج لأفكارهم والتعريف بمذاهبهم ودعوة الناس إلى اعتناق مبادئهم.
وكان دعاة التنصير أسبق الجماعات إلى إدراك هذا الأمر فبدأوا صلتهم بوسائل الإعلام الحديثة منذ وقت مبكر، وقد بدأ (راديو الفاتيكان) ببث برامجه الدينية في عام 1931م عندما قام مخترع الراديو (ماركوني) بإهداء مرسلة إذاعية بموجة قصيرة إلى البابا، وقدمه إلى الناس عبر الأثير لأول مرة في تاريخ النصرانية.
وقد توسعت هذه الإذاعة وتطورت فأصبحت اليوم تبث برامجها الدينية والثقافية والإخبارية عبر ست مرسلات إذاعية ذات موجات قصيرة بطاقة تصل إلى 500 كيلو وات، ويذيع (راديو الفاتيكان) الآن بخمس وثلاثين لغة إلى أنحاء العالم ويخصص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ساعتين أسبوعياً باللغة العربية، وكانت هذه المحطة تذيع في نشأتها الصلوات الدينية، ولكنها الآن تبث ـ إلى جانب ذلك ـ الموسيقى والأغاني وغيرهما وذلك لجذب المستمعين واستمالتهم إلى رسائلها الدينية التي تتخلل هذه المواد الإذاعية المنوعة.
إذاعات شتى:
إن استخدام الراديو لخدمة أغراض التنصير غدا اليوم ظاهرة إعلامية واضحة، وتذكر إحصائية قديمة نشرت عام 1981م أن هناك أكثر من أربعين محطة نصرانية في العالم يبلغ إجمالي عدد ساعات بثها ألف ساعة في الأسبوع، ومعظم هذه المحطات يتبع الكنائس والجمعيات الكنسية الأمريكية، ولبعض هذه المحطات تعاون وثيق مع إذاعة (صوت أمريكا) كما أن إذاعة (عبر العالم) التنصيرية المشهورة تستخدم موجات إذاعة (مونت كارلو).
وبالإضافة إلى هذه المحطات الإذاعية التنصيرية، فإن هناك إذاعات دينية محلية في بعض البلدان الإفريقية أنشأتها الدول الاستعمارية فيها وبقيت بعد استقلال هذه الدول، وما تزال هذه الإذاعات تقدم برامجها في المجتمعات المحلية، كما أن بعض إذاعات الدول الإفريقية تخصص بضع ساعات من بثها الإذاعي لبرامج تنصيرية تعدها المنظمات الكنسية مثل إذاعة نيجيريا وزامبيا مع أنهما بلدان فيهما أغلبية مسلمة!.
وقد أنشأت الهيئة التنصيرية العالمية عام 1970م مركزاً ضخماً للإنتاج الإعلامي في دولة زامبيا، ويقوم هذا المركز بإمداد الإذاعات الدينية وغيرها من الإذاعات الإفريقية بالبرامج والمواد الإعلامية المختلفة.
وتعد إذاعة (حول العالم) T r answo r ld r adio أهم الإذاعات التنصيرية العالمية وأقواها، وتقدم هذه الإذاعة برامجها من محطة إرسال الإذاعة (مونت كارلو) ولها جهاز إرسال قوي في جنوب إفريقيا، وتستهدف المستمعين العرب والمتحدثين بالعربية في القارة الإفريقية.
ومن الإذاعات التنصيرية الأخرى في إفريقيا إذاعة "إلوا" ELWA وتعني عبارة "بمنتهى الحب نكسب إفريقيا" ومقرها ليبيريا التي تحوي نسبة كبيرة من المسلمين، وتتبع هذه الإذاعة البعثة الأمريكية السودانية وتبث برامجها بخمسين لغة ولهجة من لهجات إفريقيا، وهناك إذاعة أخرى هي إذاعة صوت الإنجيل التي بدأت إرسالها من أديس أبابا سنة 1963م وهي تابعة لهيئة الكنائس اللوثرية، وتستهدف الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي قارة آسيا هناك إذاعة الشرق الأقصى التي تبث برامجها التنصيرية من جزيرة (سيشيل) وتوجهها إلى الهند والباكستان وبعض أجزاء الساحل الشرقي لإفريقيا، أما إذاعة (راديو أدفانتست العالمي) فهي تستأجر ساعات بثها من محطات تجارية وتبث من خلال هذه المحطات برامجها التنصيرية للقارتين الأوروبية والآسيوية.
وفي أمريكا (إذاعة واير) وهي محطة خاصة تعمل على الموجه القصيرة ومقرها في ولاية كاليفورنيا، وتبث باللغة العربية ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً، وتدير مؤسسة التنصير الدولية بالراديو ومقرها في ولاية فلوريدا إذاعة (صوت الانديز) البروتستانتية في الأكوادور بأمريكا الجنوبية، وتبث برامجها بالاتفاق مع حكومة الأكوادور.(22/243)
هذه الإذاعات الدينية الموجهة، التي تمولها المنظمات والهيئات الكنسية العالمية، وخصوصاً في الولايات المتحدة، تستهدف نشر الأفكار والمبادئ المحرفة وترويج السياسات التي تنتهجها القوى الغربية الصليبية، ولكن الملاحظ كما تشير بعض التقارير والدراسات الميدانية ـ أن حركة التنصير العالمية تركز نشاطاتها على بلدان المسلمين ومناطقهم وتسعى إلى بلبلة أفكار المسلمين ـ وبخاصة في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها أقليات أو جاليات ـ ولذلك نجد أن معظم الإذاعات التنصيرية يتوجه بثها إلى الدول المسلمة والمجتمعات التي تحوي نسباً كبيرة من المسلمين وخصوصاً في قارتي آسيا وإفريقيا، فهي ـ إذاً ـ غزوة تنصيرية مقصودة، والمسلمون هم المستهدفون بالدرجة الأولى، وقد لا يكون الهدف من هذه الغزوة الشرسة تحويل المسلمين إلى النصرانية، إذ يعلم المنصرون من خلال تجاربهم أن ردة المسلمين عن دينهم واعتناقهم للنصرانية أمر صعب المنال، لذلك يكفي دعاة التنصير أن يشككوا ضعاف المسلمين وأجيالهم الناشئة في مبادئ دينهم، وقد صرح أحد زعمائهم بقوله: "ليس من الضرورة أن يترهب المسلمون، لكن يكفي أن نزعزع إسلامهم" وكم يصيبنا الحزن والأسى ونحن نرى هذه الجهود الضخمة والمتواصلة لدعاة التخريب الفكري التي تستهدف عقائد المسلمين وأخلاقهم وحضارتهم في الوقت الذي يقف فيه المسلمون يتفرجون، أو يحاولون مجابهة هذه الغزوة بوسائل غير مكافئة وبجهود شحيحة عرجاء!!.
إن الأمر جد خطير ويحتاج من المسلمين ـ حكومات ومؤسسات ـ وقفة جادة لإنقاذ أجيال المسلمين في كثير من المجتمعات من هذا التخريب الفكري الرهيب. وسلاح الإعلام اليوم يقتل من أبنائنا وشبابنا ما لا تقتله القنابل، ولابد من مجابهة هذه الهجمة الإعلامية التنصيرية بيقظة إعلامية قوية تسخر الوسائل الحديثة لخدمة أغراض التحصين الفكري ورد الكيد وحماية المجتمعات المسلمة من التلوث والخراب.
http://www.khayma.com المصدر:
===========(22/244)
(22/245)
خطوات عملية لمواجهة التنصير
بعد أن قمت ببيان بعض وسائل المنصرين كنت أرغب بإعطاء المزيد منها ولكن حتى لا ننسى الهدف الأساسي من طرحنا مثل هذه المواضيع وهو العمل، فالعمل هو نتيجة أي علم نتعلمه ولا فائدة من المعرفة إن لم يكن يحركنا إلى عمل يفيد أنفسنا وأمتنا
فاليوم سنبدأ أولى الخطوات العملية التي ممكن أن نقوم بها كأفراد كل بحسب طاقاته وإمكانياته (واستعن بالله ولا تعجز) وكل منا يستطيع أن يكون حارسا لدين الله ولكن بشرط وجود النية الصادقة والعزيمة الأكيدة، فلنبدأ العمل:
كيف نقاوم التنصير؟
(1) اليقظة لنشاطات المنصرين وتكثيف المراقبة عليهم بشتى الوسائل وتبليغ العلماء والمشايخ المختصين بكل ما يُكتشف في ذلك أو يُرتاب في أمره
(2) توسيع نشاط الدعوة إلى الله - تعالى - في أوساط النصارى من المقيمين في بلاد الإسلام وغيرهم وهذا يحقق عدة أهداف: -
أولها: هداية ما شاء الله منهم ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من حمر النعم
ثانياً: وسيلة فعالة لإحباط جهود النصارى.
ثالثاً: إن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم فهو يواجه الكيد التنصيري بوسائل مكافئة.
رابعاً: في ذلك فضح لأعمال المنصرين لأن هؤلاء المسلمين الذين دخلوا في الإسلام حديثاً يعرفون بني قومهم وخططهم وربما حضروا معهم في بعض الأعياد والمناسبات والطقوس وغيرها فيقومون بالتبليغ عنهم وكشف خططهم....
إن من واجبنا جميعاً هو دعوة العمال ومناقشتهم والتأثير عليهم فما من أحد منا إلا وقد احتك يوما بالعمال من غير المسلمين فلماذا لا يجعل من احتكاكه معهم فرصة لدعوتهم إلى الإسلام وتشكيكهم في الأديان الباطلة التي يعتنقونها وحثهم على التفكير على الأقل في قضية الدين والبحث على الدين الحق لعل الله يهديهم إلى سواء السبيل وإلى الصراط المستقيم.
(3) نشر العلم الصحيح بين المسلمين وتوعيتهم بأمر دينهم عقيدة وأحكاماً وأخلاقاً وذلك لحمايتهم من التأثير بالآخرين، فإنه ليس بمكان للوثات المنصرين إلى القلوب السليمة والعقول المنيرة إنما يكون خطرهم على الجهال ولذلك ينبغي ترتيب أمر توعية المسلمين ونشر الدعوة الصحيحة فيما بينهم في كل مكان.
(4) بذل الجهود لحماية الشباب والفتيات من الغزو السلوكي المنحرف المتمثل في وسائل الإعلام والمتعددة والمتاحة فلابد من عمل دعوي جاد يكتسح تجمعات الشباب ومجتمعات الفتيات ويربطهم بالدين ويحملهم مسئولية الدفاع عنه ويكشف لهم حجم المؤامرة التي تحاك عندهم. إن من المجرَّب أنه حتى أولئك الشباب الذين قد يبدو عليهم شيء من التقصير في إلتزامهم في الإسلام لمّا تحدثهم عن إلتزامهم ومسئوليتهم في الدعوة إلى الله وعن الخطر الذي يهددهم وعن الكيد الذي يقوم به النصارى أن قلوبهم تكون أكثر استعداداً للخير وأكثر وعياً وإدراكاً للمسئولية، فلماذا لا نخاطب هؤلاء الشباب بمثل ذلك الحديث، إن أمامك دوراً شخصياً ينتظرك في مثل هذا المجال مع إخوانك ومع قرابتك ومع زملائك ومع معارفك أن تدعوهم إلى الله - عز وجل - وتحصنهم من الغزو المنحرف سواءً كان غزواً تنصيرياً أو غزواً تخريبياً.
(5) المساعدة في قيام مؤسسات طبية خيرية إسلامية تستثمر جهود الأطباء وتقتطع من وقت فراغهم ولو شيئاً يسيراً لتطبيب المسلمين في كل مكان ويصاحب ذلك جهد دعوي لعودتهم إلى الله - تعالى - ودعوتهم إلى التوبة من الذنوب والمعاصي والآثام إن دور الطبيب المسلم يجب أن يقوم حتى ولو كان دوراً فردياً لا يجوز أن ننتظر قيام تلك المؤسسات مع أنها يجب أن تقوم إنما ينبغي أن يقوم الطبيب المسلم بدوره حتى ولو كان دوره جهداً فردياً، ما هو الذي يمنع الطبيب المسلم من أن يقضي إجازته السنوية في أحد البلاد الإسلامية يعالج المرضى ويعطيهم مع جرعة الدواء كلمة طيبة ودعوة إلى الله - عز وجل - وتذكيراً بوجوب طاعته وتحذيراً من معصيته وبياناً لخطر اليهود والنصارى على المسلمين.
(6) إيجاد مواقع على الإنترنت ومنتديات خاصة بدراسة موضوع التنصير ومتابعته وإعداد الدراسات والتقارير بشأنه وحفظ الوثائق المتعلقة به وإصدار النشرات الدورية التي تلاحق كل جديد في هذا المجال ويمكن لهذه المواقع أو المنديات أن تتولى أمر الدعوة إلى قيام مؤتمر إسلامي عالمي عام يناقش موضوع التنصير ويكون دورياً سنوياً أو كل أربع أو خمس سنوات يناقش موضوع التنصير من جميع جوانبه وتقدم فيه الدراسات والبحوث والإقتراحات.
(7) إعداد مطويات مختصرة بلغات شتى عن التنصير وخطره.
(8) دعوة بعض المتهمين بموضوع التنصير إلى لقاءات مع الطلاب ومع المثقفين ومع أساتذة الجامعات ومع عامة المسلمين لبيان مخططات النصارى. ويضاف إلى ذلك إعداد المقالات والملاحق الصحفية عن هذا الموضوع.
(9) تصميم وعمل برامج كمبيوتر عن التنصير وخطره على الشريط الممغنط تتسم بالسهولة والوضوح والإعتماد على المنهج الشرعي الصحيح المبني على الكتاب والسنة ونشر هذه البرامج في مجال الكمبيوتر عن طريق الشبكات الدولية للكمبيوتر.(22/246)
(10) العناية الخاصة بالمسلمين الجدد فإننا نجد النصارى يعتنون كثيراً بالنصارى الجدد ويشعرون الداخل حديثاً بالدين يشعر بغربة لابد من إزالتها ليس مهمتنا إعلامية فقط أن نعلن كل أسبوع أن 20 فلبيني يشهرون إسلامهم ثم ينتهي دورنا عند هذا الحد لا.. مهمتنا تبدأ من يوم أن دخل هذا الشخص في الإسلام، فلابد أن نحتضنه ونعلمه ونتلطف معه بحسن الخلق وندعوه إلى الله - عز وجل - ونؤلف قلبه على الخير ونعمل على الإتصال به بالهدية بالكلمة الطيبة بالزيارة بالدعوة والعزيمة ومحاولة تعميق الإسلام في قلبه.
(11) محاربة أي بضاعة تمتُّ للتنصير بصلة أو تكون مبنية على فكرة تنصيرية كلعب الأطفال والأدوات المنزلية أو الملابس فضلاً عن برامج الكمبيوتر و الأشرطة والمواد التعليمية وتشديد المراقبة عليها وتشديد المراقبة على الرسائل والطرود البريدية المشتبه فيها وكلنا يجب أن نكون جنوداً فيها هذا المجال.
(12) عدم استقدام العاملين النصارى إلى بلاد الإسلام من السائقين والخدم و الممرضين والموظفين والصيادلة وغيرهم خاصة تلك المهن التي يسهل وجود المسلمين فيها والحذر من السائقين والخادمات أن تقوم على رعاية الأطفال وغيرهم فتربيهم على عادات النصارى وتقاليدهم. ولابد أن يُتناول هذا الموضوع من خلال خطب ومحاضرات ومقالات وأحاديث في المجالس ومناقشات ولابد، يصدر العلماء الموثوقون رسائل وبيانات وفتاوى مع تزويدها بالحقائق والوثائق والمعلومات المؤثرة في الناس.
(13) التيقظ من النشاط الماروني التجاري والإداري إن الموارنة اللبنانيين من أكثر النصارى تلطفاً ونعومة ولباقة وقد اتضح أن لهم نشاطاً واسعاً من خلال وجودهم في الشركات والمطاعم والمتاجر وقد نشطوا في ترتيب وإدارة عمليات البغاء والإستفادة من الأعداد الكبيرة من الممرضات والمضيفات في الخطوط وغيرها.
(14) المساعدة في إنشاء مراكز التوعية الإسلامية ودعوة النساء غير المسلمات إلى الإسلام وتقوم على هذه المراكز بعض الأخوات المحتسبات وتنشط في أوساط المضيفات الممرضات وغيرهن...
(15) تحصين الشباب المسافرون إلى الخارج من مخاطر التنصير سواء كانوا مسافرين للدراسة أو العمل أو غير ذلك ويكون التحصين بأمرين:
* الأول: العلم الصحيح الشرعي الذي يقاومون به الشبهات.
* الثاني: الدين والورع والخوف من الله - عز وجل - الذي يقاومون به المغريات والشبهات ولابد من تزويدهم بأهداف النصارى ومخططاتهم وتعميق المعاني الإسلامية لديهم...
(16) الحذر والتحذير من التيارات العلمانية والتيارات الحداثية التي هي في حقيقتها الوجه الفكري والأدبي للتنصير أو على أقل التقدير هي إحدى الحلفاء التاريخيين للنصرانية. وإذا كان النصارى يتحالفون مع الجميع فإن أفضل حليف لهم هم العلمانيون الذين فقدوا الغيرة الدينية والنخوة الإسلامية والحداثيون الذين يدعون إلى التغيير الدائم المستمر وعلى أقل الأحوال فإن هناك عدو مشترك للنصارى وللعلمانيين وللحداثيين هو الإسلام والصحوة الإسلامية وهم يجتمعون في مواجهة الخطر المشترك.
(17) النزول إلى الميدان وعدم الهروب، إن مجرد الكلام عن فساد هذا الجهاز أو ذاك أو هذه الشركة أو تلك، لا يحقق شيئاً كبيراً وهو ذاته لم يكن ليتم لو لم يكن هناك عناصر متدينة غيورة ترفض المنكر وتحاربه داخل تلك الأجهزة ولهذا يجب أن يوجد بالمستشفيات داخل الإدارة المختلفة والشركات والمؤسسات من الصالحين من تقوم بهم الكفاية في مقاومة المنكر ونشر الدعوة والمعروف وإن بذلوا كل ما يستطيعون في الدعوة إلى الله - تعالى - وإصلاح الأحوال فإن مجرد الشكوى لا تكفي........
(18) الولوج في التخصصات العلمية المختلفة ووجود المتخصصين من الشباب في كل هذه الأمور فلن تكون الأمة بخير ما دامت الخبرة التي تحتاجها يملكها عدوها وليس في عقول المسلمين بحمد الله نقص من غيرهم بل هم روّاد الحضارة في فترة من فترات التاريخ فيجب أن ينبري أصحاب المواهب والخبرات والإمكانيات إلى التخصصات والدراسات العلمية الجادة ويسعوا إلى اكتشاف أسرار التقنية ونقلها إلى بلاد المسلمين ليتم الإستغناء عن الخبراء من اليهود والنصارى وغيرهم.
(19) دعم المسلمين الذين يحاربون التنصير مثل ما نجد اليوم حرب المسلمين ضد النصارى في السودان أو حرب المسلمين ضد النصارى في الفلبين فلابد من دعم قوي للمسلمين بكافة وسائل الدعم، الدعم المالي والدعم الإغاثي والدعم الإنساني وأن هناك دعم آخر لابد أن يُتقن له ألا وهو دعمهم بدعوتهم إلى الله - تعالى - فلن ينتصروا بالبندقية وحدها بل بطاعة الله ورسوله...
(20) العناية بالمناطق النائية كالقرى ومثلها الدول البعيدة أي البعيدة عن مراكز العلم وينبغي أن يكون هناك تضحية في هذا السبيل كما نضحي من أجل زيادة الراتب فلماذا لا نضحي من أجل الدين كما نضحي من أجل الدنيا، على الأقل يجب أن نصبر على بقائنا هاك ويكون لنا دور في إصلاح المسلمين هناك وتوعيتهم.(22/247)
(21) أسلوب المناظرة خاصة من الراسخين في العلم مع القساوسة النصارى وينبغي أن يكون هذا الأسلوب مضبوط بضوابط ينبغي الإستفادة منه وتجنب سلبياته.
(22) إبراز قصص بعض النصارى الذين أسلموا مثل كتاب " لماذا أسلم هؤلاء " أو كتاب " رجال ونساء أسلموا " مثل ما يسعى النصارى إلى تزوير أسماء بعض الناس وتصوير أنهم كانوا مسلمين ثم أنهم تنصروا بعد ذلك لأن هذا يُحدث أثراً نفسياً كبيراً لدى أصحاب الدين السابق فينبغي أن نشهر ونعلن عن النصارى الذين أسلموا من خلال الكتابات ومن خلال تقديمهم للناس ولكن ينبغي ألا نبالغ في هذا الإشهار والإظهار حتى يضر بهؤلاء المسلمين أنفسهم وأن نعطيهم القيادة ونسلم إليهم الزمام فقد نجني عليهم حين نسلط عليهم الأضواء كثيراً فنسبب لهم بعض المضايقات والآفات التي تصيبهم فيجب أن يكون هناك قدر من الاعتدال في هذا الأمر.
(23) على من يجيدون اللغة الإنجليزية مسئولية كبيرة خاصة في إبراز الجوانب المهمة التي يجب أن يُعرّف بها غير المسلمين وإدارة النقاشات والحوارات بكل مناسبة معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن كما قال - عز وجل -: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) وأخيرا هذه بعض خطوات إستفدتها من شريط للشيخ سلمان العودة عن التنصير و أرجوا أن لا نتوقف عند هذه الأفكار فقط بل على الجميع المشاركة في إعداد خطوات أخرى فعقولنا لوحدها محدودة وتكمله عقول الآخرين بالأفكار الموفقة بإذن الله.
http://saaid.net المصدر:
===========(22/248)
(22/249)
زوجة القس واحتلال العراق
ياسر سعد
هل ثمة علاقة بين التصعيد الكبير في مواقف بعض الأقباط فيما يتعلق بقضية السيدة وفاء التي أشهرت إسلامها؛ وتطورات ما بعد احتلال العراق.
الإجابة ببساطة ويسر: نعم.
فتداعيات ما بعد أحداث سبتمبر ومن ثم الحرب على العراق أفرزت واقعاً جديداً أعاد تعريف مفهوم السيادة، ومسألة الشؤون الداخلية، والقيم التي تحكم المنطقة، ساعد في ذلك الوضع السياسي المحتقن، والاقتصادي المتردي، والاجتماعي الصعب؛ والذي لا تستطيع كثير من الأنظمة العربية من خلال معطياته مواجهة الضغوط الخارجية؛ خصوصاً في مرحلة القطب الواحد.
مسألة عزام عزام والدفء المفاجئ في العلاقات المصرية - الإسرائيلية، وتوقيع اتفاقية الكويز التجارية، والنشاط الدبلوماسي باتجاه تنشيط مسار المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، والهرولة السورية باتجاه إسرائيل عبر بوابة القاهرة؛ تظهر جلياً أن الوضع العربي الرسمي في كثير من جوانبه قد سلم بأن التعاطي مع الواقع الجديد والذي فرضته أجندة المحافظين الجدد في البيت الأبيض يكون بالتجاوب معه؛ والاستجابة لمتطلباته.
الديمقراطية, حقوق الإنسان, الحريات والأقليات، والديون والقروض؛ أوراق متيسرة في السياسة الأمريكية للضغط على الدول العربية متى لزم الأمر، يعزز ذلك ضعف إن لم نقل انهيار المناعة السياسية في الجسم السياسي العربي الرسمي، لم يكن مستغرباً أن تلجأ الجمعية القبطية بقيادة موريس صادق إلى مناشدة شارون مساعدة الأقباط في مصر وحمايتهم، وإلى الطلب من أمريكا التدخل، بل إن بعض التجمعات القبطية في المهجر دعت إلى وقف المساعدات الأمريكية لمصر، واستخدمت في دعواتها تلك ألفاظ شديدة القسوة، كما طالبت جمعية صادق بمنح الأقباط حكماً ذاتياً، وجاء في بيانها: أن هذا التطور جاء ثمرة تغيرات أساسية في ميزان القوي في الشرق الأوسط، واعتراف النظام العالمي الجديد بالحقوق التاريخية والقانونية للأقباط.
مقارنة سريعة بين موقف الكنيسة القبطية من قضية السيدة وفاء قسطنطين؛ ومن موضوع قصة الراهب المفصول من الكنيسة والذي نشرت قصته صحيفة النبأ المصرية مثيرة ضجة كبرى حينها؛ توضح المعنى الذي ذهب إليه بيان الجمعية فيما يتعلق بمسألة ميزان القوى، وقتها نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن الأنبا يوأنس المتحدث باسم البابا قوله: إن البابا شنودة ذكر في لقائه مع الأقباط صباح أمس أنه (لا مبرر للتعامل مع الموقف الآن بشكل انفعالي خاصة أن الدولة اتخذت على الفور إجراءات ايجابية لتهدئة الأوضاع، وضمان تحقيق السلام الاجتماعي، والحفاظ على الوحدة الوطنية).
وقالت الوكالة: إن عدداً كبيراً من الأقباط تجمع صباح أمس أمام الكاتدرائية، أما الآن فقد ذكر الأنبا بيشوي في تصريحات لصحيفة "العربي" اليوم الأحد أسباب غضب البابا شنودة؛ وتوجهه إلى دير الأنبا بيشوي في مدينة وادي النطرون على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ولخصها في تأخير أجهزة الأمن المصرية تسليم زوجة القس السيدة وفاء قسطنطين إلى الكنيسة يوم الأربعاء 8-12-2004 مدة ساعتين تقريباً؛ مما اعتبره البابا تلاعباً بالكنيسة.
في الوقت الذي يجب فيه إزالة الظلم الفعلي على كل المواطنين في بلادنا العربية وبشكل مساوي, فالمواطن بشكل عام - وبغض النظر عن انتمائه - محروم من ممارسة حقه في التعبير والتغيير، والمساهمة السياسية في غالبية البلاد العربية، غير أن الاستفادة من الظروف والمتغيرات الخارجية لتحقيق مكاسب داخلية آنية سيكون له أثر سلبي على المدى البعيد مما يهدد الأمن والسلم الاجتماعي؛ والذي عاشت فيه مكونات المجتمع العربي بسلام ووئام وتفاهم لقرون طويلة.
النظام المصري لم يستطيع مقاومة الضغوط في مسألة السيدة قسطنطين، وقام بتسليمها رغم إعلانها الواضح أنها أسلمت بمحض إرادتها للكنيسة القبطية في خطوة أثارت غضب قطاع كبير من المصريين، عبر عنه بيان المثقفين المصريين، فمصر التي تحاول ترتيب أوراقها في مسألة خلافة الرئيس تبدوا مستعدة وبشكل جلي للتجاوب مع متطلبات المرحلة أمريكياً، وعلى كافة الأصعدة من مسألة عزام عزام، إلى ما يستجد من أحداث ومتغيرات.
المصدر : http://www.islamselect.com
==========(22/250)
(22/251)
ما وراء مظاهرات أقباط مصر
حسن الرشيدي
07/11/1425
'أنا القبطي الفرعوني صاحب الأرض، أنا القبطي الشامخ صاحب هذا الوطن الذي سُلِبَ مني منذ الغزو الإسلامي وإلى الآن، وسيرحل قريباً كما رحل من أسبانيا، فلم تعد النعرة الإسلامية لها جاذبيتها الآن في جو أصبح الغرب المتحضر يفهم أن العرب جرب'.
هذا قول أديب مجلي في مجلة صوت مصر الحر الصادرة في الولايات المتحدة؛ يعبر بها عن الشعور السائد لدى الأقباط في مصر منذ عدة عقود؛ لتنفجر على شكل موجات غضب مفتعلة كل فترة من الزمن، والتي كانت آخر موجاتها المظاهرات التي تم تنظيمها في ساحة الكاتدرائية المرقصية في ميدان العباسية بالقاهرة الأسبوع الماضي بعد فرار زوجة أحد القسس بدينها الإسلامي الذي اعتنقته عن طيب خاطر وإيمان بالله الواحد القهار.
وإذا كانت جميع المصادر الصحفية والإعلامية قد أجمعت على أن هذه السيدة قد أسلمت باختيارها ولم يخطفها أو يغويها أحد من المسلمين كما زعم الأقباط؛ يبقى السؤال المحير: لماذا إذن ثار ألأقباط؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من تتبع منهج تحليلي يراعي ثلاثة أمور أهمها:
الأقباط أنفسهم ومخططاتهم.
الدور الخارجي في هذه الأزمة.
موقف الحكومة المصرية.
مخططات الأقباط في مصر:
لا شك أن هدف الأقباط الذي طالما يحلمون به هو حكم مصر؛ لأنهم يعتبرون أنفسهم هم أهل البلد الأصليين، مع الإحاطة بأنهم لم يحكموا مصرا طوال تاريخهم، وتقول جريدة صوت الأقباط: 'إنه علينا أن نعمل بكل جهدنا وطاقتنا وأموالنا وذكائنا، وأن نطرد الشر، ونقاوم كل سهامه الشريرة، وأن نستأصل الاستعمار الإسلامي من جذوره في مصر.. كل مصر؛ فأمة الأقباط ليست لبني إسماعيل فيها جذور، وإذا كان المستعمر المسلم قد فقد كرامته وحياءه فوجب عليه أن يرحل بإرادته عن مصر؛ ويترك أصحاب الأرض الأقباط في حالهم؛ لذا وجب علينا نحن الأقباط الذين هاجرنا بعيداً عن عبودية الإسلام أن نعمل جاهدين على طرد المستعمر المسلم قبل أن يبيد المسيحيين ويطردهم من ديارهم؛ فإن كان طرد الاستعمار الإسلامي قد يأخذ أجيالاً ولكنه في الإمكان طرده؛ فقد حدث في أسبانيا بعد استعمار إسلامي لقرون طويلة، وحدث في الفلبين وبعض جزر اليونان، ولن يخرج الاستعمار الإسلامي من مصر إلا بالقوة'.
هذه هي أهدافهم كما ترد على ألسنتهم، وإذا كان أقباط المهجر أي الذين يعيشون في خارج مصر يرددون هذا الكلام بحرية حيث لا تحسب عليهم هذه التصريحات؛ فإن أقباط الداخل أكثر حرصاً وابتعاداً عن الصراحة والوضوح.
وبتولي شنودة رئاسة الكنيسة المصرية في عام 1971 تطور الدور القبطي سواء في الداخل والخارج، واتخذا أبعاداً جديدة، وبتتبع هذا الدور في الثلاثة و الثلاثين عاماً الماضية وجد أن شنودة قد استطاع جعل الكنيسة أشبه بتنظيم جماعي له قيادة وتسلسل هرمي، وأصبح الكهنة والقساوسة هم رؤوس هذا التنظيم الذي تغلغل في أماكن وتجمعات النصارى في كل حي وقرية ومدينة مصرية، حيث يعيش النصارى، وكما صرح شنودة نفسه عندما سأله أحد الصحفيين في حديث لصحيفة الأهرام سؤالاً يتعلق بمؤامرة قبطية مزعومة بإقامة دولة للأقباط تمتد من أسيوط وحتى الإسكندرية مروراً بوادي النطرون؟ فأجاب شنودة: أن هذا يجعل الأقباط مركزين في منطقة واحدة، وليس هذا هدفنا؛ فنحن منتشرون في جميع أنحاء الدولة، وفي جميع المدن على حد قوله، وما يقوله شنودة صحيح على حد كبير، فالأقباط وتنظيمهم الكنسي حريص على التواجد في جميع المدن، وما من تجمع للنصارى في مكان حتى ولو كان فردين إلا وحرصت الكنيسة على تواجدها مع هذين الفردين، وفي المدن الجديدة تحرص الكنيسة على التواجد، وبناء الكنائس، وبالتدريج سيطر هذا التنظيم على الساحة السياسية القبطية التي كانت تعج في السابق بالشيوعيين والناصريين والوفديين وغيرها من التوجهات السياسية، وأصبح ولاء غالبية الأقباط للكنيسة، وبطبيعة الحال فإن هذا الوضع التنظيمي الصارم يتبعه سلبيات خاصة بكثرة الانشقاقات على الكنيسة.
وكانت هذه الخطوة الأولى للأقباط لتنفيذ مخططاتهم، وجاءت الخطوة الثانية متمثلة في بناء هيكل ما يسمى بأقباط المهجر، وكانت أول كنيسة قبطية قد تأسست في الولايات المتحدة هي كنيسة مار مرقص في جيرسي سيتي، وكان ذلك في عام 1964م، وفي عام 1968م سجلت ثاني كنيسة قبطية للمهاجرين في نيويورك، وتبعتها كنيسة في المدينة نفسها عام 1970م، وبعد أن تولى الأنبا شنودة كرسي البابوية توالت الكنائس في جميع بلاد المهجر حتى إنها بلغت 46 كنيسة في أمريكا، و 38 في أوروبا، و 15 في كندا، و 23 في أستراليا وغيرها من البلدان.
والمرء يندهش وتتملكه الحيرة من كثرة عدد الكنائس في المهجر خاصة بعد تولي الأنبا شنودة شؤون بطريركية الأقباط في مصر، ويزداد الاندهاش حينما يعلم أن بعض البلدان العربية توجد فيها كنائس قبطية؛ حيث يقول الأنبا شنودة: 'لنا كنائس في أبي ظبي، ودبي، والبحرين، ومسقط، وبغداد، والأردن، والكويت، ولبنان، والقدس، وليبيا، والسودان'.
ولكن ما الدور المنوط بهذه الكنائس؟(22/252)
يقول الأنبا شنودة: 'ولاهتمامي بشؤون المهجر أنشأت مكتباً في المقر البابوي بالقاهرة لشؤون المهجر يتلقى أخبار كنائس المهجر والرسائل والفاكسات، ويعد ملفاً لكل كنيسة ولكل موضوع...'، ويضيف قائلاً: 'نحن لا نعمل لليوم ولكن نعمل للمستقبل، ونرى أن تمتد الرعاية لكل قبطي في الخارج مهما يكن في أماكن بعيدة'.
ويقول في حديث آخر عندما سئل عن الأسباب التي أدت إلى تمدد الكنيسة خارج الحدود؛ فأجاب مباشرة: 'ربطهم انتمائياً إلى الكنيسة'، ويقول في موضع آخر: 'الجنسية شيء، والولاء شيء آخر، والأطفال في الصلوات يذَكَّرون باستمرار بالكنيسة وآبائها ورئاستها وقوانين الكنيسة'.
ولكل كنيسة من كنائس المهجر مجلة؛ فضلاً عن توزيع كنائس المهجر لمجلة الكنيسة مترجمة باللغة الإنجليزية، وبخلاف ذلك تقوم كنائس المهجر بالتحرك على محاور أخرى لربط أقباط الخارج بها مثل: إنشاء مراكز قبطية تعتبر بيوتاً للخلوة، وتلقى فيها المحاضرات، إقامة كليات لاهوت كالتي في سيدني بأستراليا وجيرسي سيتي بالولايات المتحدة، ترجمة الكتب الدينية بلغات أبناء المهجر.
هل الرعاية هي غاية الكنيسة المصرية أم أن هناك دوراً لهذه الكنائس الخارجية يخطط له شنودة؟ لقد ظهر فيما بعد هذا الدور؛ فعندما تبدأ كنائس مصر إضراباً وصياماً تساندها كنائس المهجر؛ وبذلك يكون الصوت مدوياً في أرجاء المعمورة، وليس قاصراً أو منزوياً في دولة، ويقول شنودة متحدثاً عن زيارة الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة التي جاءت في أعقاب حوادث قرية الكشح المصرية، وما تبعها كالعادة من اتهام الحكومة المصرية باضطهاد الأقباط: 'لقد أمرتُ كهنة الكنائس هناك - يقصد بالخارج - بالخروج لاستقبال الرئيس'، والذي يأمر بالخروج قادر على إصداره أوامر بالمقاطعة في الوقت الذي يريد.
وفي ظروف بدت غامضة لبعض الناس ظهرت منظمات الأقباط في المهجر، وعند التحري عن توقيتها بدت وكأنها متصلة مع غيرها من الصدامات القبطية في مصر، وتعددت هذه المنظمات بدءاً بالهيئة القبطية، والمنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان، كما تتواجد أيضاً عدة هيئات وتجمعات صغيرة بعضها يصدر نشرات دورية وغير دورية مثل: نشرة الرسالة التي تصدرها جمعية الدراسات القبطية في نيو جيرسي منذ عام 1982م، وتعرِّف نفسها بأنها صوت الشعب القبطي الصارخ من أجل الكنيسة وتقاليدها، ويرأس تحريرها [رودلف يني] من بنسلفانيا، وهناك المؤسسة القبطية ويرأس مجلس إدارتها [عصمت زقلمة]، والفيدرالية القبطية ويمثلها [منير بشاي]، والاتحاد القبطي ويمثله الدكتور [محب ميخائيل] و [رفيق ميخائيل]، وأخيراً أعلن في أمريكا عن تأسيس منظمة التحرير القبطية.
وهكذا تكون الجناح الضاغط للكنيسة المصرية في الخارج، وتحققت الخطوة الثانية لشنودة نحو تحقيق أهدافه في مصر.
ثم جاءت الخطوة الثالثة باستغلال الظروف الداخلية والخارجية المساعدة؛ فأمريكا نصبت نفسها ووضعت نصب أعينها تغيير الخارطة السياسية للشرق الأوسط فيما اصطلح على تسميته بالشرق الأوسط الكبير، والحكومة المصرية تعيش في أضعف فتراتها لعوامل عديدة، وبدا لكثير من المراقبين أن هذه الحكومة باتت في طور الاستجابة لكثير من الضغوط التي تمارس عليها، ومن هنا تنتهز الكنيسة القبطية هذا الوضع الداخلي و الخارجي المواتي لتقوم كل فترة بإظهار العضلات، والحصول على مزيد من المكاسب التي كان من آخرها حقها في تسلم القبطي أو القبطية التي تدخل الإسلام لثنيه أو لثنيها حتى ولو بالقوة عن دينها.
المصدر : http://almokhtsa صلى الله عليه وسلم com/html/news/1425/11/07/9/1185.php
==========(22/253)
(22/254)
العمل للدين مسؤولية الجميع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد بن عبد الله، الرسول الأمين:
إنّ مما زرعه الاستعمار وعززه الإعلام العربي الفاسد أن خدمة دين الله والدفاع عنه من مهمات المتدين فقط! وليس لغيره الدفاع عن شريعة الرب، وليس له صد الهجمات التي تستهدف العقيدة!.
و هذا والله من وساوسهم ومداخلهم على الصف الإسلامي.
ففي الغرب نجد المغني والمطربة، والراقصة، والممثل والممثلة، وعارضة الأزياء, نجدهم يقتطعون من مداخيلهم ورؤوس أموالهم الضخمة بغرض نصرة دعم التنصير والصهيونية، وغيرها من قضاياهم الخاسرة.
وفي المقابل لا يطلب المسلم العادي - و قلت العادي لأنهم جعلوه كذلك - من نفسه نصرة الدين، أو الدعوة إلى الله، أو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر, ولا يطلبه منه غيره, لأنَّ المجتمع رُوِّضَ على تتبع المباحات والملهيات، وليس من شأنه الدفاع عن دينه أو المبادرة لنصرة الحق.
أنا لا أطلب من المغني أن يبني مسجداً، أو من مروِّج المخدرات والسّموم أن يقيم داراً للأيتام, لأنني أعلم يقيناً أن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيّباً. ولكن الذي أعنيه هم عامة الناس من البسطاء، وغير المهتمين بالقضايا الكبرى، ممن يغلب عليهم الخير والاستقامة.
لماذا لا يُزرع في أذهانهم أنهم من جنود الله في الأرض؟!. وأنهم من كوادر نصرة العقيدة، والذب عن حرمها، والدفاع عن حدودها؟!.
لماذا لا يُعلَّم العامة أنهم المعنيون بقيادة المرأة، وخروجها، وتعريتها، بدعوى العمل والرياضة، والفكر والثقافة، والتعليم والابتعاث؟!.
لماذا لا يُناط بهؤلاء دورٌ في التصدي لكتَّاب الصحافة المنسلخين عن الفضيلة؟!.
لماذا لا يُعلَّمون أن نصرة الحق لا يُشترطُ لها مظهرٌ معين، أو وظيفةٌ معينة، أو درجةٌ محددة من العلم؟!.
لماذا لا يُعلَّم هؤلاء أن نصرة الدين تكون بالمال، وليس فقط بالنفس أو اللسان؟!.
إنّ المال يبني مسجداً و يوزع شريطاً، وأيضاً ينشئ موقعاً على الإنترنت للدفاع عن الرسو صلى الله عليه وسلم .
ولا ننسى هنا موقف ذلك الرجل النبيل، الذي أعطى الشيخ (سليمان الخراشي) مالاً، وقال للشيخ: " أنا لست (مطوعاً)، وأريد أن أدافع عن النبي صلى الله على وسلم، وأريدك أن تقيم موقعاً على الشبكة للتعريف بسيرة أكرم الخلق!".
إنّ عامة المسلمين لعبوا دوراً وقف التاريخ مشدوهاً أمامه، وذلك الموقف كان في تأديب الغرب والدنمارك بصورة خاصّة, وقد علم الغربيّون أنّ المسلمين يمثّلون طوفاناً هائلاً عندما يريد الله لهم ذلك.
إنَّ تحريك العامّة في قضية من القضايا عاملٌ استعملته كثير من الفرق في فترات مختلفة من تاريخ المسلمين, وهذا العامل كان في الاعتبار والحسبان بمكانٍ عند رسولنا الأعظم r، فعندما سأله بعضهم أن يقتل رأس النفاق عبد الله بن أُبَيْ بن سلول، قال صلى الله عليه وسلم "لا، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه!".
إذاً فعلى أهل الحق أن يحرّكوا عامة المسلمين إلى نصرة دينهم والدفاع عن عقيدتهم, وعليهم أن يبنوا في قناعة هؤلاء العامّة أنّهم جزء من المعركة ضد الباطل، وأّنهم جزءٌ من النصر أو الهزيمة.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
===========(22/255)
(22/256)
بعد هلاك بطرس السابع هل يتبدد حلم الإسكندرية؟
نجاح شوشة
الثلاثاء 25 شوال 1425هـ - 7 ديسمبر 2004 م
مفكرة الإسلام: لم يكن بوسع قائد الطائرة التي تحطمت فوق شبه جزيرة هالكيديكي اليونانية الواقعة في بحر إيجه أن يعصي أوامر سيده بطرس السابع الذي أصر على قائد الطائرة أن يدور في الفضاء في جولة تأملية حول الجزيرة [المقدسة] ومجمعات الأديرة المنتشرة عليها، فكانت آخر جولة في حياته، حيث تحطمت الطائرة التي لم يمر على شرائها سوى ثمانية عشر شهراً، ولقي بطريرك الإسكندرية للروم الأرثوذكس حتفه قبل أن يحتفل بـ[عيد دير الفاتوبيذي] على الجزيرة اليونانية.
وبعدما ووريَ جثمان بطرس السابع بطريرك الإسكندرية وأفريقيا في تراب مصر القديمة اهتزت أحلام الروم الأرثوذكس في اليونان وفي مصر بجعل الإسكندرية عاصمة النصرانية الأرثوذكسية، ومركز [للحوار بين الأديان] في العالم، وهذا ما كان يسعى إليه بطرس السابع سعياً محموماً على قدم وساق؛ مستخدماً خبراته الطويلة حول العمل المسيحي عموماً، والعمل التنصيري على وجه الخصوص من خلال ترأسه لأسقفية كينيا وأوغندا ومدغشقر والكاميرون.
وهاهو البطريرك الجديد ثيودوروس الثاني أسقف زيمبابوي - 50 عاماً - الذي انتخب قبل أسابيع، وحصل على نسبة عالية من أصوات الروم الأرثوذكس؛ يقسم على مواصلة ما بدأه سلفه الذي عمل معه بالإسكندرية بعد ترأسه لأسقفية الكاميرون ثم زيمبابوي.
وبنظرة سريعة على منهج ووسائل بطرس السابع للوصول إلى غايته؛ نستطيع أن نضيق دائرة التوقعات حول مستقبل الروم الأرثوذكس ومشروع الإسكندرية.
أولا: علاقة بطرس السابع بالروم الكاثوليك:
كانت تربطه بيوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان علاقة تبدو في ظاهرها شخصية إلى حد بعيد، وهاهو البابا يقول عن بطرس السابع :'إنني أتذكر بامتنان شديد تبادل الرسائل الأخوية فيما بيننا، فقد شاركت البطريرك الراحل وبابا الإسكندرية بطرس السابع في لقاءات وأحداث تحمل معانٍ بالغة الأهمية'.
ثانياً: علاقته بالأقباط الأرثوذكس:
لا توجد فوارق عقدية وفكرية ذات بال بين الروم الأرثوذكس والأقباط الأرثوذكس، والخلاف بينهم يكاد ينحصر في الجوانب التاريخية والعرقية، فالأقباط يرون أن الرومان القدماء كانوا يسومونهم سوء العذاب قبل الفتح الإسلامي لمصر، وعليه فإن الأقباط يرغبون في السيادة على أرضٍ يقولون: إنهم أصحابها الأصليون.
لكن بطرس ومدرسته التي تركها من بعده أرادت تنحية الخلاف الأرثوذكسي - الأرثوذكسي حتى حين، لأن ذلك في المقابل يساعد على تمدد الكنيسة الرومانية في أفريقيا التي تعد ساحتها المفضلة.
ومهما يكن من أمر فإن الواقع يؤكد أن الأقباط الأرثوذكس يبسطون نفوذهم في شمال مصر وجنوبها وشرقها وغربها، وهم كذلك متغلغلون في أجهزة الدولة, بل ويتخذون من الإسكندرية مقراً لكرازتهم المرقصية.
وفي النهاية فإن كلا الفريقين مستفيد من المكاسب التي يحققها الآخر، لذا فإن وقت الصدام بينهما لم يحن بعد.
تلاقي المصالح والأهداف مع الأقباط:
لا شك أن شنودة الثالث بابا الإسكندرية خطا خطوات واسعة نحو هدف بطرس لكن على طريقة الأقباط، بيد أنه بذلك فتح أبواباً كانت موصدة أمام الرومان الذين سارعوا إلى مؤتمر الحوار بين الإسلام والمسيحية بالعاصمة القطرية الدوحة الذي عقد في مايو 2004.
وكذلك اقتفى الرومان أثر الأقباط في الحوار مع المسؤولين المصريين لاسيما المؤسسة الأزهرية التي وقَّع شنودة مع شيخها اتفاقات [التقارب بين الأديان]، والتي نصت على التعاون بين معتنقي 'الديانتين' في القضايا الدينية والثقافية والإنسانية، و'احترام الأخوة المتبادلة'، وتحقيق المصالح المشتركة، كما نصت الاتفاقية على عقد لقاء سنوي للحوار بين الديانتين حول موضوعات تتعلق بحوار الحضارات.
لكن الموت لم يمهل بطرس السابع كي يلبي دعوة محافظ الإسكندرية الدكتور عبد السلام المحجوب بالتحضير لمؤتمر التحاور بين الأديان المزمع عقده خلال أشهر بمدينة الإسكندرية.
توقعات المرحلة القادمة:
إذا تقرر لدينا أن أية مكاسب تحققها طائفة من الطوائف المسيحية في مصر أو أفريقيا تعد مكاسب لبقية الطوائف؛ فلنا أن نقول: إن ثيودوروس الثاني - اليوناني المولد والنشأة - سوف يبدأ من حيث انتهى بطرس السابع؛ وعليه فسوف يشارك باعتباره ممثل عن الروم الأرثوذكس في 'مؤتمرات الحوار الإسلامي المسيحي' التي أصبحت سمة لمصر والعالم العربي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ويقوي هذه الرؤية تأييد دولة مهمة مثل اليونان لتوجه مدرسة 'بطرس السابع' وحلمه القديم، وقد حضر الرئيس اليوناني كوستاس كارمانليس بنفسه مع وفد دبلوماسي من السفارة اليونانية الاحتفال بتنصيب بطريرك الإسكندرية الجديد.
المصدر : http://www.islammemo.cc/taq r e r /one_news.asp?IDnews=283
===========(22/257)
(22/258)
التنصير بالتبنّي أحدث صور استثمار الفقر!!
أحمد أبو زيد
23/8/1425
يعد مخطط التنصير الشرس - الذي تقوده وتدعمه الدول المسيحية ومجلس الكنائس العالمي - من الجبهات المعادية القوية التي تعمل ضد الإسلام وعقيدته ودعوته في هذا العصر، ومنذ عهد الحروب الصليبية، ويستمد هذا المخطط قوته من الإمكانيات الضخمة التي تسخر له، ومن الدعم المالي الكبير الذي يقدم له سنوياً لدعم أنشطته وإرسالياته في مختلف دول العالم - وخاصة المناطق الإسلامية الفقيرة التي تعاني من الفقر والحاجة، والجوع والمرض، والكوارث الطبيعية والبشرية -، حيث يغزوها المنصرون بما في أيديهم من غذاء ودواء وكساء، والمقابل معروف وهو التنصير، واعتناق المسيحية.
فتنصير المسلمين وإخراجهم من الإسلام هدفٌ من أهداف قوى الكفر والإلحاد من اليهود والنصارى، فهم لا يرضون عن المسلم إلا أن يكون على دينهم، أو يتخلَّى عن دينه إلى أيٍّ وجهةٍ أخرى، وهذه الحقيقة بيَّنها القرآن الكريم في قوله - تعالى-: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتَّبع ملَّتهم قل إنَّ هدى الله هو الهدى ولئن اتَّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من وليٍّ ولا نصير ))(البقرة /120)، وقوله - تعالى-: (( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ))(البقرة/ 217).
ومن أجل تحقيق هذا الهدف شهد القرن المنصرم هجمة تنصيرية عاتية سعت إلى تنصير أكبر عدد من المسلمين، أو إفساد عقيدتهم، وأنفقت أموالاً طائلة وجهوداً هائلة، وأعدت الخطط، وسهرت العقول، وتحركت جيوش من المنصرين للعمل في شتى بلدان المسلمين، وأجلب المنصرون بخيلهم ورَجِلهم على أُمَّة الإسلام، ولوَّنوا وسائلهم، فتارةً بوسيلة الاستشراق، وتارةً بوسيلة الحملات التنصيريَّة من قِبَل رهبانهم وأحبارهم ودعاتهم بدعمٍ من كنائسهم ودُوَلهم، وتارةً بواجهات المؤسسات الدوليَّة، والمنظمات الإنسانيَّة، والتعليميَّة والصحيَّة، والإغاثيَّة والتثقيفيَّة... وغيرها، وتارةً بأساليب السياسة وضغوطاتها وهيمنتها، ومكرها وخداعها، وتارةً بوسيلة القتل وإشعال الحروب في بلاد المسلمين تحت مظلاتٍ وواجهاتٍ متعدِّدة.
أطفال الظروف الصعبة:
ولقد ركزت حملات التنصير نشاطها ومازالت على أطفال العالم باعتبار أن هؤلاء الأطفال يشكلون حالياً ثلث سكان العالم، وسوف يشكلون نصف سكان العالم بعد 25 عاماً، وتنطلق هذه الحملات في عملها بين "الأطفال المعرضين للمخاطر" على أساس أن واحداً من كل 5 أطفال في العالم يعيش عرضة لمخاطر الفقر، أو الاستعباد، والاستغلال، أو الحرب، أو التشرد وحياة الشوارع، أو الإيدز، وأن 10 ملايين طفل دون سن الخامسة يموتون سنوياً بسبب سوء التغذية، ومليون طفل آخرين يُستعبدون في تجارة الجنس، و100 مليون طفل يعملون في ظروف عمل قاسية وخطيرة، ومن هنا يتم استغلال أوضاع الأطفال لتنصيرهم.
وتعد جهود الحركة الإنجيلية مجتمعة من أكبر الجهود الموجهة للأطفال المعرضين للمخاطر في العالم، ففي ولاية تاميل نادو الهندية وحدها هناك 1500 مشروع إنجيلي للأطفال، و200مشروع في كينيا، و100 كنيسة في ليما العاصمة البيروية مهتمة بالأطفال، و150 مشروعاً طفولياً في ميامي، و103 مجموعات كنيسة مهتمة بالأطفال في كيب تاون.
وباعتراف المنصرين أنفسهم وكما تؤكد الإحصائيات فان هناك ما بين 20 - 25 ألف مشروع كنسي يخدم مليوني طفل بشكل دائم حول العالم، ويعمل فيها 110 ألف عامل نصراني في 200 بلد.
ولأن الإحصائيات قد أظهرت أن كثيراً ممن تم تنصيرهم في العالم كانوا من الأطفال، ولأن العقدين القادمين سيشهدان زيادة مطردة في عدد الأطفال؛ تم إنتاج قصة عيسى للأطفال، وقد أنتج الفيلم المعد لعقلية الطفل ليثير لديه حب عيسى - عليه السلام -، ويثير تساؤلات صعبة بداخله؛ مما يمهد إلى تحوله للنصرانية، أو تقبل أفكارها حتى يتحول رسمياً إلى أحد أطفال الكنيس، وقد ترجمت نسخة الأطفال حتى الآن إلى 7 لغات.
منظمة الشفقة الدولية:
وفي مؤتمر "الزمالة التنصيرية الدولية" الذي عقد في ماليزيا في أول مايو عام " 2001م "؛ قدم العاملون في شبكة فيفا، ومنظمة الشفقة الدولية المختصتين بالعمل بين الأطفال عدداً من البحوث وأوراق عمل تضم إستراتيجيات وخططاً تعكس تخصصهما كإرساليتين للإغاثة التنصيرية للأطفال، وشبكة "فيفا" تعد أكبر المنظمات الإغاثية الإنجيلية المتخصصة بالأطفال، والبعض يعدها ضمن أكبر ثلاث منظمات نصرانية مختصة بالأطفال عالمياً، خصوصا أنها تولي رعاية الأطفال النصارى اهتماماً خاصاً، وهي تنطلق في عملها بين الأطفال المعرضين للمخاطر.
وقد أكد المؤتمر على أهمية الفئة العمرية بين سن الرابعة والرابعة عشرة التي يتعرف خلالها 85% من نصارى الولايات المتحدة على دينهم، وفي خارج الولايات المتحدة ومن خلال مسح أجراه المنصر " د.دان " فإن 60% ممن سئلوا عن المدة التي تنصروا فيها قالوا: إنها كانت قبل الـ14.(22/259)
ولأن80% من أطفال العالم يعيشون في الدول النامية والفقيرة طالب المؤتمر الكنيسة بمراجعة أولوياتها واستراتيجياتها العامة بشأن الأطفال في العقد القادم"، يقول د. دان:"إن عاملاً مهماً وسائداً وهو أن الناس يميلون لتقبل رسالة الإنجيل عندما تضطرب حياتهم بفقر أو استغلال، وليس هناك من فئة بشرية أكثر تعرضاً لذلك من الأطفال والشباب".
ويؤكد هذا المنصر الخبيث على أهمية توجيه جهود حملات التنصير نحو الأطفال المسلمين، والأطفال الصينيين، وأطفال المدن الأخرى في العقد القادم؛ باعتبار ذلك أسرع طريق لزرع الكنائس، وبذر بذور مجتمعات نصرانية جديدة، كما يؤكد على أن المدارس التبشيرية في آسيا وإفريقيا قد أخرجت جيلاً من زعماء الكثير من دولها، ويرى أن الأسلوب الأمثل هو الاهتمام بالأطفال؛ لأن أطفال اليوم هم القيادة النصرانية التي نحتاجها في المستقبل، وشدد على أهمية الصبر والعمل المتواصل لمدة قد تستمر لعشرين عاماً حتى يرى المنصرون النتيجة التي بذروها في قلوب الأطفال.
وعرض باتريك مكدونالز (المدير العام لشبكة فيفا) على المؤتمرين تجربة عمله بين أطفال 40 بلداً، مؤكداً على أنه "عندما يكون هناك أطفال في خطر ونصارى إلى جانبهم؛ فإنه لا بد أن تجد استجابة لك".
وقد قدم المؤتمر للمنصرين المشاركين فيه التوجهات الاستراتيجية المؤثرة على أطفال العالم لمساعدة العاملين في إرساليات الأطفال النصرانية في وضع خططهم، مع تأكيده على أن فهم انعكاسات التوجهات العالمية على أطفال كل دولة لا بد أن يكون دقيقاً وحذراً للاختلاف بين الدول.
ومن هذه التوجهات: النظر في المناطق التي لم تلق اهتماماً مكثفاً من المنصرين كالسواحل الإفريقية الشمالية والغربية، والدول العربية، ودول آسيا الوسطى المسلمة، وبعض أجزاء شبه القارة الهندية، وغرب الصين ( وكلها مناطق مسلمة)، والتركيز على الأطفال في تلك المناطق التي لا تستقبل سوى 1.2 % من جهود العمل التنصيري.
والتركيز على الأطفال المعرضين للصراعات والحروب، فـ540 مليون طفل يعيشون في ظروف غير مستقرة، و300 ألف طفل مجندون في الحروب، ومليون طفل راحوا ضحية الحروب في عقد التسعينيات.
التنصير بالتبنّي:
وإمعاناً في استغلال معاناة الأطفال وظروفهم الاجتماعية القاسية أصبح " التنصير بالتبنّي " هو أحدث صور الاستثمار التنصيري للفقر في العالم الثالث، ففي تقرير نشره فرع منظمة رعاية الطفولة والأمومة "يونيسيف" في ألمانيا مؤخراً ذكر إحصاء أن عدد أطفال الدول الفقيرة الذين تمّ تبنّيهم من قِبل عائلات قادرة مالياً في دول الغرب هو 23 ألف طفل خلال عام 1999م وحده، وأشار الإحصاء إلى أن هؤلاء الأطفال تمّ تبنّيهم في 7 دول غربية هي: "الولايات المتحدة، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وأستراليا، والسويد"، وأن غالبيتهم من ثلاث قارات، هي: أفريقيا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية.
ووفقاً لتقرير اليونيسيف فإن الوازع الرئيس لتبنّي أطفال العالم الثالث هو حاجة بعض الأسر الغربية إلى الأطفال بسبب عدم قدرة هذه الأسر على الإنجاب، كما أن المؤسسات الدينية الكبرى في الغرب - كما يقول التقرير- تحثّ أتباعها - وبالذات في الكنائس المسيحية ومعابد اليهود - من أجل تبنّي أطفال الدول الفقيرة والمناطق المنكوبة بالمجاعات والكوارث الطبيعية، وغير الطبيعية كالحروب وغيرها.
وبالإضافة إلى عمليات التبني - التي يتم بمقتضاها إحضار أطفال الدول الفقيرة من الأيتام أو المشردين إلى العائلات الغنية في الغرب؛ من خلال طلبات رسمية تتقدم بها هذه العائلات إلى وزارات الهجرة المختصة في بلادهم - تقوم مؤسسات أخرى ذات طابع ديني أو إنساني بحملات واسعة للترويج لطريقة أخرى من طرق التبني، يطلق عليها البعض اسم "التبني عبر البحار"، وفى إطار هذه الطريقة تقوم جمعيات خيرية (لا يحددها تقرير اليونيسيف) بإعداد ملفات حول عشرات الآلاف من الأطفال الأيتام والمشردين في الدول الفقيرة، وإرسالها إلى المؤسسات الدينية والإنسانية في الغرب، والتي تقوم بدورها بطبع هذه الملفات - مرفقة بصور الأطفال -، وتوزيعها حسب الطلب على الأسر التي ترغب في إعالة من يشاؤون منهم بطريقة الكفالة، أو تولّي نفقات، أو جزء من نفقات المعيشة والتعليم الخاصة بهؤلاء الأطفال.
وفى ضوء هذه الطريقة فإن الجمعيات الخيرية - التي يتحدث عنها التقرير، ويقول: إنها تقوم بتجميع معلومات عن الأطفال الأيتام والمشردين، ومن ثم إرسالها إلى المؤسسات الدينية والإنسانية في الغرب - هي على الأرجح جمعيات تابعة للإرساليات التنصيرية التي توجهها الكنائس الغربية الكبرى إلى الدول الفقيرة والمنكوبة.
مزادات للأطفال في الكنائس:
وفي دولة كالشيشان استغلت المنظمات الكنسية التي تعمل تحت ستار الإغاثة الأوضاع المأساوية للشعب الشيشاني الذي شرده الروس، ونقلوا الكثير من أبناء المسلمين إلى الكنائس والأديرة في الغرب، بعد أن أوهموا ذويهم أنهم سيقومون باستكمال تعليمهم على أعلى مستوى.(22/260)
وهناك الكثير من المنظمات الغربية الكبيرة التي تستغل المآسي والكوارث التي تحدث للمسلمين، وتنقل مئات من الأطفال إلى الغرب وتبيعهم بأسعار كبيرة جداً، وقد كشف عن بعض هذه المنظمات، وهي تتاجر بأطفال المسلمين البوسنيين الذين شردتهم الحرب، وأطفال المسلمين في كوسوفا!!
وكشف مسؤول شيشاني النقاب عن وجود عصابة دولية تتاجر بالمشردين من أبناء المسلمين الشيشان الموجودين في داغستان وأنجوشيا وعلى الحدود الشيشانية، وقال: إن أفراد العصابة يحملون جنسيات دول غربية، وإنهم استغلوا الظروف المأساوية التي يعيش فيها اللاجئون في الشيشان على الحدود، وقاموا بنقل أطفال قصر إلى بعض العواصم الغربية بحجة رعايتهم، ثم قاموا ببيعهم مقابل 15 ألف دولار للطفل الواحد.
? المراجع:
1. الغارة على العالم الإسلامي أ.ل. شاتليه ترجمة محب الدين الخطيب.
2. تقارير منظمة اليونيسيف الدولية عن حالة الأطفال في العالم.
3. "عيسى".. تمت ترجمته إلى 663 لغة - كوالالمبور - صهيب جاسم - إسلام أون لاين.نت/8-5-2001
4. أطفال المسلمين والصينيين.. الفئة المستهدفة تنصيرياً! - كوالالمبور - صهيب جاسم - إسلام أون لاين.نت/12-5-2001
5. تبنّي أطفال الفقراء أحدث وسائل التبشير - الإسلام على الإنترنت - 6 يوليو 2000م.
6. أطفال المسلمين للبيع في مزادات الكنائس - مجلة المستقبل الإسلامي العدد (108) ربيع الثاني 1421هـ.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=496
============(22/261)
(22/262)
المد التنصيري بالمغرب والصورة الموازية لتحجيم العمل الإسلامي
عبد الرحمان الهرتازي
28/08/2004
أصبح لظاهرة التنصير بالمغرب بروز إعلامي خاص في الأسابيع القليلة الماضية، إذ تسلمت الملف - على غير العادة - صحافة ما يسمى بالإعلام "المستقل"، بعدما صامت عنه مؤجلاً الصحافة الإسلامية.
جاء ذلك بعد أن أثير الموضوع تحت قبة البرلمان المغربي، وتم الحديث في الصحافة الوطنية (المستقلة) عن قدوم منتظر لأكثر من 90 منصراً أمريكياً إلى المغرب، وهو المعطى الذي يأتي في سياق الحديث عن المد التصاعدي الذي عرفه التنصير بالمغرب كواحدة من نتائج تفجيرات الدار البيضاء في السادس عشر من مايو 2003.
والواضح أن الظاهرة التي كانت المادة الخام لصحف التيار الإسلامي قبل هجمات 16 مايو ضد العاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء، يتم تناولها في الصحافة "المستقلة" بشكل يشي بكونها (أي الظاهرة) ماضية في التوسع، رغم أن تناول الصحافة "المستقلة" لإشكالية التنصير في المغرب ضمن البحث عن مواضيع الإثارة، وما تسميه بـ"المسكوت عنه"، على عكس صحافة الحركة الإسلامية التي تتناول الموضوع إعلامياً من باب الالتزام والمسؤولية في كشف خطره على الوحدة العقدية للمغاربة.
لم تكن تفجيرات 16 مايو 2003 الآثمة ضد المغرب والمغاربة في عاصمتهم الاقتصادية مجرد حادث غير عادي انتهى بحصيلته البشرية الثقيلة؛ ولكنها كانت طبقاً لرأي المراقبين منعطفاً تاريخياً خاصاً كانت له تداعياته المستقبلية على المدى القريب والبعيد على المجتمع المغربي، وعلى العمل الإسلامي والدعوي الذي انشغلت به جل الجماعات الدعوية البارزة صاحبة الخط المعتدل والسلمي، مثل حركة التوحيد والإصلاح، وجماعة العدل والإحسان، ثم جماعة "الدعوة والتبليغ" المغربية المتمركزة في الدار البيضاء نفسها، هذه الأخيرة وإن اتسمت في منهجها وآلياتها الدعوية بنوع من السطحية، إلا أن عملها مثمر على مستوى معين في معظم التراب الوطني المغربي.
كانت تفجيرات الدار البيضاء المؤلمة ذريعة لحملة داخلية وخارجية واسعة النطاق قادها رموز اليسار المغربي القديم، إضافة إلى ما بات يعرف في المغرب باسم "جبهة الحداثيين الجدد"، من خلال صحافة حزبية، وبعض منابر الصحافة "المستقلة" ضد كل ما هو إسلامي بزعم محاربة الإرهاب، ومن هو مسؤول عنه "مسؤولية معنوية"، وكان في مرمى مدافع تلك الحملة الإعلامية الشرسة حزب العدالة والتنمية، وحركة "التوحيد والإصلاح" الداعم والمنخرط أعضاؤها في الحزب.
وجرت الحملة في اتجاه تكميم أفواه العاملين لصالح العمل الدعوي (والخيري على شحه وضآلته) ضمن العمل السياسي - وحتى في الحياة العامة - بممارسة الرقابة والتجسس على جمعيات التخييم، والجمعيات التربوية والخيرية، وعلى الخطباء، واتهامهم بـ"احتكار الدين والأخلاق"، في مقابل ذلك تولت منابر أخرى (صحيفتا "الأحداث المغربية" و"النهار المغربية") كبر الدعوة إلى حرية الجسد بدعوى الثقافة الجنسية، بل إن الأمر اتخد بعداً أكبر، فقد شهدت الساحة الإعلامية فصول معركة ساخنة قادها اليسار والحداثيون على خطباء الجمعة بسبب استنكار الخطباء لاستفحال ظاهرة العري التي ترتفع حدتها في فصل الصيف.
وفي محاولة هدفها تكميم أفواه الدعاة - في وقت لا نعلم بلغة الأرقام والحقائق الكاشفة كيف تصول وتجول جماعات التنصير في المملكة - وصفت المنابر اليسارية الخطباء بـ"الظلامية، والرجعية، والتطرف"، ففي الصفحة الأولى ليومية "الأحداث المغربية" القريبة من حزب الاتحاد الاشتراكي اعتبرت الصحيفة ما جاء في الخطب المذكورة "آراء متطرفة"، لا لشيء إلا لأنها دعوة للمجتمع - ومنها المرأة - بالستر والتمسك بهويتها، وفي تحد كبير ومستفز لشخصيات الدولة نشرت أسبوعية "البيضاوي" على صفحتها الأولى صورة تم تركيبها تظهر وزير الأوقاف أحمد التوفيق وبجانبه مغنية شبه عارية تتكئ على كتفه، وفوق الصورة عنوان بارز ومستفز للحركة الإسلامية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية "الحرب المقدسة ضد الميني بوط".
واللافت للنظر أنه خلال الجدل الذي دار بين إعلام الحركة الإسلامية المعتدلة وإعلام اليسار و"الحداثيين الجدد" حول مقاربة أسباب العنف الذي كان من نتاجه أن ضرب المغرب عبر مدينة الدار البيضاء، فسر الإسلاميون الظاهرة على أنها وليدة عوامل موضوعية جذرية تتمثل في الفقر والبؤس، والتهميش، وغياب العدل، وتغيب دور العلماء والدعاة والحركات الإسلامية الوطنية الفاعلة في التوعية وتعميق الحس الوطني والديني بما يحصن الشباب المغربي ضد آفة التطرف، أو الوقوع فريسة للدعوات الضالة ومنها التنصير، هذا في الوقت الذي تتناول فيه الصحافة "المستقلة" الحديث عن التنصير بالمغرب.
اليوم يكاد المشهد الدعوي في المغرب ينعكس، جاء في واحدة من أسبوعيات الصحافة "المستقلة" أسبوعية "الأخبار" وهي تقدم في تناولها لظاهرة التنصير مشهداً مختلفاً في المحطة البرية بالعاصمة الإدارية الرباط:(22/263)
طفل رث الثياب، فقير الحال، كما هو شأن الكثيرين من أقرانه، يبيع المناديل الورقية، يمشي بين السيارات والحافلات، يقفز بين هذه وتلك لعله يقنع الركاب والسائقين بطلب بضاعته دون جدوى، وتتوقف في اللحظة سيارة فارهة من ذوات الدفع الرباعي، يتكلم ركابها بوجه بشوش إلى الطفل، ويقنعونه بالركوب لاصطحابهم لعلهم يستطيعون تغيير شيء من حاله وهندامه وحتى وضعه.
هكذا والمتأمل لهذا المشهد "التبشيري" الذي يصور واحدة من آليات التنصير بالمغرب، لا شك وأنه يتذكر كيف انسحب المواطن المغربي المؤطر في ساحة العمل الدعوي في المحطات البرية، والحافلات، وعلى طريق السفر، وفي البوادي والحواضر، وهو الدور الذي كان يتوزعه رجال جماعة "الدعوة والتبليغ" المغربية وباقي الجماعات، إلى وقت قريب قبل تفجيرات الدار البيضاء كانت المحطات البرية، وحافلات المسافات الطويلة الرابطة بين الحواضر والبوادي تشهد نشاطاً دعوياً مثمراً يحركه متطوعوا "التبلغ والدعوة"، والفضل لهؤلاء يشهد لهم به العديد من المراقبين في إنقاذ الكثيرين من الانحراف والإحباط، وتنظيف عدد من بؤر الإجرام في مدن المغرب، وخاصة في العاصمة الاقتصادية ذاتها.
إذن نحن أمام صورة مختلفة انقلبت فيها الحقائق المتعلقة بواقع الدعوة من جهة والتنصير من جهة أخرى، إذ انحسر دور المواطن في ملء الفراغ الروحي المتأتي من الهجمة الثقافية الغربية، وحملات الانحلال؛ لحساب المد التنصيري، ولا نقول إن هذا التحول هو لغير حساب المد الإسلامي الدعوي بالكامل، بل يبقى عاملاً مستفزاً للحركة الإسلامية ومعها الدولة إن كان الطرفان يدركان الخطر.
من جهة أخرى فإنه من المعروف أن البعد السياسي يشكل واحداً من أهداف ووسائل خطط التنصير في العالم، والعبرة في تجارب عدد من الدول الإسلامية أو ذات الغالبية المسلمة، والمثال ليس عنا ببعيد، فقد اقتطعت "تيمور الشرقية" من إندونيسيا المسلمة بعدما أتى التنصير فيها على الأخضر واليابس، أضف إلى ذلك السودان المسلم وما دبر له في الجنوب، ويدبر له في الغرب، وحتى في الشرق، الجنوب نصر جله منذ عقود، والآن يحضر له الانفصال بعد 6 سنوات من فترة الحكم الذاتي، والأزمة الإنسانية في دارفور في الغرب تحولت إلى أزمة سياسية، ويجري تصويرها كنزاع لعرق عربي مسلم ضد عرق إفريقي مسلم!! يحدث هذا بموازاة حضور تنصيري حثيث، فهل ما يراد للمغرب عبر بوابة التنصير يكون على هذا المنوال؟
لا نستغرب هذا السؤال مادام هناك من يتحدث (في الصحافة "المستقلة": أسبوعية "النهار") عن حزب سياسي نصراني، مادام هناك حزب سياسي ديني إسلامي في البلاد!!
ولا نستغرب إذا وجدنا من يدافع (في الصحافة "المستقلة": أسبوعية الأخبار) عن حق المنصرين في حرية الحركة، مادام الإسلاميون يمارسون الدعوة، ويبنون المساجد!! ولا نستغرب أيضاً ممن أصبح يتحدث أيضاً عن "الشيعة المغاربة" رغم أن المغاربة عاشوا على مذهب "مالك" منذ أن عرفوا الإسلام!!. وفي الوقت نفسه لا نستغرب من الحملة الإعلامية الشعواء لإسكات العلماء إذا ما قرروا الابتعاد عن السياسة (إثر حملة سابقة)، ولكن مع الالتزام بواجب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، ولا نستغرب كذلك إذا ما وجدنا أيضاً بعض تلك الصحف تفتح صفحاتها لثقافة العري والدعارة والشذوذ الجنسي باسم حرية التعبير، بموازاة فتح مدافع الكذب والبهتان والاتهامات النكراء على كل ما هو إسلامي، في مقابل ذلك كله تفتح المقابلات والحوارات مع "المسيحيين المغاربة"، ويتحدث معهم ولهم عن حزب سياسي، وعن نفوذ سياسي بالمغرب بحثاً عن التحكم في دواليب القرار السياسي.
والمضحك أن أسبوعية "النهار" (قبل أن تتحول إلى يومية متخصصة في الحديث عن "المسكوت عنه") تناولت ملف التنصير قبل أحداث 16 مايو الأليمة، وأقحمت بشكل غريب جداً حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المدعوم من "حركة التوحيد والإصلاح" وهي تتحدث عن آليات التنصير قالت بالحرف: "يعتمد المسيحيون نفس الميكانيزم الذي يعتمده الإسلاميون، إذ إنهم يتوجهون بقوة المال، والخطاب اللغوي الديماغوجي إلى الطبقات المسحوقة بالأحياء الشعبية، و"أحزمة العار" و"الكاريانات" (أي دور الصفيح)، مع فارق بسيط أن الدستور ضمن لإسلاميي العدالة والتنمية حرية التعبير.."، ثم تقول الصحيفة ذاتها قبل ذلك: "وإذا كان حزب العدالة والتنمية تغلغل في عمق المجتمع المغربي، وكسب طبقات وشرائح مجتمعية واسعة، وفي بعض الأحياء الراقية؛ بسلوك أساليب الوعظ والإرشاد والعمل الإنساني من خلال المساعدات المادية والغذائية، وتشييد الجوامع والمساجد، وتمويل الخيريات .....فالمسيحيون المغاربة (كذا) راهنوا على مستجدات العولمة، وأنظمة السوق، وعزفوا على الوتر الحساس للشباب المغربي بتهجيرهم إلى دول أوروبا..."، هكذا يتحدث عن إسلاميي المغرب و"مسيحيي المغرب"، وكأن الإسلاميين قوم جاؤوا لتوهم من كوكب آخر، وبدين جديد غريب عن المغاربة، ثم يتحدث في مقابل ذلك عن "المسيحيين المغاربة" كند ديني سياسي قائم.(22/264)
بيد أن الملاحظين يردون مثل كلام "النهار" إلى سياق الحرب التي تُشن على الإسلاميين قبل وبعد هجمات 16 مايو لإقصائهم من أو التضييق عليهم وتحجيمهم (على الأقل) في الحياة السياسية والحياة العامة، ومن ثم تربط تلك التفسيرات الأمر بدعوات منع الأحزاب الدينية، وصياغة قانون للأحزاب ينسجم ويعكس هذه الدعوة.
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?fuseaction=content&contentid=5632&catego r yid=16
==========(22/265)
(22/266)
جهود تنصير جزيرة العرب
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
عناصر الموضوع:
*جهود تنصير جزيرة العرب:
- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح
- تحريف الدين النصراني
- جهود التنصير قديماً
- جهود التنصير حديثاً
- أوكار التنصير
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم تكن له صاحبة، ولم يكن له شريكٌ في الملك، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأمره بأن يقول للذين جعلوا لله ولداً: (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُون ))[آل عمران:64].
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وحطم الأصنام، وقضى على الطواغيت، ورفع راية التوحيد, وأعز الله - تبارك وتعالى - به ملة إبراهيم، ودين إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط الذين كانوا جميعاً لا يعبدون إلا الله، ولا يؤمنون إلا بالله وحده، لا يجعلون له صاحبة ولا ولداً.
ثم أما بعد:
فإن الموضوع الذي نريد الحديث عنه في هذا الدرس - نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا في ذلك، وأن يتقبل منا ومنكم - هو تكملة لحلقة تقدمت عن هذا الكتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح "، وما منكم إلا ويعلم أن هذا هو عنوان الكتاب العظيم الذي ألفه وكتبه الشيخ الإمام العلامة المجاهد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه، وجزاه خير الجزاء على ما قدم لهذه الأمة من جهود في كل ميدان من ميادين العلم، وما رفع الله - تبارك وتعالى - به من رايات الحق، وما نكَّس بكتاباته وبعلمه من رايات الباطل، وهذه هي الحلقة الأخيرة في هذا الموضوع.
وإن الموضوع أو المشروع الذي نتحدث عنه في هذا الدرس هو منكم وإليكم, وتعلمون جميعاً أننا قد ذكرنا أكثر من مرة أن كل أخ لديه أي اقتراح أو فكرة لمقاومة التنصير ومجابهته فليتقدم بها, وقد جمعت بالفعل, وقد أفدت منها فائدة عظمى, وأشكر كل أخ بذل جهده، وكتب لنا شيئاً من ذلك، وأشكركم جميعاً على تعاونكم وعلى غيرتكم في هذا الشأن، وانبثاقاً وانطلاقاً من واقع نعلمه ونشهده هنا من أعمال التنصير وجهوده، ومما اقترحتم وكتبتم - وفقكم الله جميعاً - كان هذا المشروع وبرز, وسوف نحدثكم عنه - إن شاء الله - في آخر المحاضرة.
تحريف الدين النصراني:
إننا نواجه غزواً فكرياً وسلوكياً عظيماً جداً يقوم به هؤلاء الوثنيون، يدَّعون الإيمان بالمسيح - عليه السلام - وهم منه براء, وهو منهم بريء، يجعلون لله - تبارك وتعالى - ولداً، ويقولون: (( إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )) [المائدة:73] ويقولون: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))[المائدة:17].
واتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله، فهذه العقائد الوثنية المرفوضة والتي بيَّن علماء الأديان والمؤرخون قديماً وحديثاً أنها ليست من عند الله - تبارك وتعالى -في شيء، وشهد بذلك كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالبحوث جميعاً تُجمِع على أن ما يعتقده هؤلاء هو من بقايا الوثنيات السابقة التي أدخلها عليهم بولس الذي كان يسمى شاؤل اليهودي، فغير الدين الذي جاء به المسيح - عليه السلام -، ومع ذلك فإنهم مع شركهم ووثنيتهم وإلحادهم، وسبهم لله - تبارك وتعالى -، وقولهم فيه ما لم يقله أحد إلا من شابههم من قبل من المشركين الأولين؛ مع ذلك كله فإنهم أشد الأمم في الأرض اليوم حرصاً على نشر هذا الدين الباطل.
وأعجب من ذلك أنهم أشد ما يكونون نشراً له، وحرصاً على تبليغه في بلاد المسلمين، بين المؤمنين الموحدين الذين يشهدون: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهم يريدون هذه البلاد بالذات.
جهود التنصير قديماً:
وأذكر عن جهودهم في تنصير العالم الإسلامي أمثلة عابرة، وسوف ينصب الحديث عن جهودهم في تنصير هذه الجزيرة بالذات، ومدينة جدة على وجه الخصوص، فمتى بدأ هذا العمل؟
من الناحية التاريخية: نجد أطماعهم قديمة للدخول في هذه البلاد، ففي أيام الحروب الصليبية حاولوا ذلك مراراً, وأوضح مثالٍ على ذلك أن إحدى الحملات الصليبية في أيام صلاح الدين - رحمه الله - استطاعت أن تدخل إلى ميناء ينبع, ومن هنالك اقتحم بعض أفرادها الجبال، وتوغلوا فيها، وحاصرهم المسلمون، وأُبيدوا عندما وصلت طائفة منهم قرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان غرضهم إغاظة المسلمين بنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإحراق جثته - قاتلهم الله وقبحهم -، ولكن خيب الله فَأْلَهُمْ وظنهم.(22/267)
ومن هنا انصب اهتمام صلاح الدين - رحمه الله - على تقوية الموانئ الإسلامية على البحر الأحمر بجانبيه الشرقي والغربي، وينتهي عهده، ويأتي بعد ذلك بأمد عصر المماليك، وتبدأ أوروبا تفكر في الالتفاف حول العالم الإسلامي عن طريق الكشوفات والرحلات التي ابتدأها البرتغاليون، ومن هنا ظهرت لهم فكرة جديدة وهي الدخول إلى جدة واحتلالها، ومن ثم اقتحام مكة والمدينة.
وقد حاول البرتغاليون ذلك في زمن المماليك ثم في زمن الدولة العثمانية ولكن الدولة العثمانية تصدت لهم، وهذا من أعمالها المشكورة في التاريخ، ولما عرفت هذه الأطماع أعلنت أن البحر الأبيض المتوسط كله بحيرة إسلامية، وأن البحر الأحمر كله بحيرة إسلامية، ومنعت دخول السفن والبواخر النصرانية في البحر الأحمر من أوله إلى آخره، ووسعت ميناء عدن، وجعلته مقراً لاستقبال كل البواخر التي تقدم من أوروبا وغيرها للنصارى، وآخر مدى يمكن أن تصل إليه سفنهم هو ميناء المخا في اليمن جنوب الحديدة، ولا يمكن أن يتعدوا ذلك شمالاً؛ بل يفرغون حمولتهم في سفن إسلامية تحملها إلى جدة أو ينبع أو السويس حتى لا يقربوا البحر الأحمر بتاتاً.
وكذلك عملت الدولة العثمانية على ألا يدخلوا الخليج مطلقاً, فبذلك استطاعت أن تحفظ الجزيرة بحرياً، لأنهم لم يستطيعوا في ذلك الحين أن يدخلوها أو ينفذوا إليها.
وظل هذا العمل حتى سقطت الدولة العثمانية، وجاء الاستعمار الذي خلفها، وجاءت الحملات الصليبية تحت رايات الاستعمار الجديد, وحينئذٍ عادت إلى أذهانهم فكرة اقتحام هذه الجزيرة وهذه الأماكن المقدسة، وجاء المُنَصِّر المشهور الذي لا يخفى اسمه على أحد في عالم التنصير، والذي باسمه اليوم تسمى كليات ومعاهد في التنصير في أمريكا وغيرها وهو زويمر، فجاء بالفكرة وأحياها، وأراد أن يتخذ من جدة مقراً له في أواخر الدولة العثمانية, وفي ظل الحكم البريطاني الذي كان يدعي المهادنة والمصادقة للدولة العثمانية، فلم يستطع الإقامة في جدة؛ لأن هذه البلاد من طبعها في تلك الأيام أن ترفض كل من لا يدين بالإسلام، ليست الحكومات بل الشعوب، وعلم أن كثيراً ممن جاءوا إلى هذه الجزيرة من قبله قد قتلوا ورجموا, فرجم بعضهم في اليمن , ورجم بعضهم في نجد, ورجم بعضهم في الحجاز، ولم يستطع أحد أن يدخل هذه الديار إلا من تزيَّا بزي المسلمين، وادعى أنه اعتنق الإسلام ودخله, وكثير من هؤلاء دخلوا تحت شعار وستار اكتشاف جزيرة العرب.
ولكم أن تقرءوا الكتاب المعروف الذي حققه وأخرجه حمد الجاسر بعنوان (اكتشاف جزيرة العرب ) - يعتبرون ذلك اكتشافاً -، منهم بلجراف وهوجارث، ومنهم كذلك امرأة تدعى جروترد بل وكانت نائبة للمندوب السامي في العراق, وأمثالهم ممن كانوا يجمعون بين الجاسوسية والتنصير تحت شعار التنقيب عن الآثار.
وكان زويمر يعلم أن من تقدموه لقوا حتفهم، ولاقوا مصيراً غير حسن, فبدأ عمله في البحرين، وقال كلمة مشهورة، قال: ''عن طريق الخليج نستطيع الوصول إلى الحجاز '' فبدأ العمل في البحرين، وأسس هنالك مركزاً للتنصير الذي لا يزال إلى اليوم من أكبر أوكار التنصير في جزيرة العرب، وكانت تحت حكم الإنجليز، فبدأ زويمر هنالك عام (1905م)، ثم عقد في عام (1910م) مؤتمر أدمبره في بريطانيا، وهو مؤتمر ضخم مشهور كبير جداً، وكان من أهم المواضيع التي عقد من أجلها كيفية الدخول إلى الحرمين واقتحامهما، وأعاد زويمر في المؤتمر الفكرة، وطرح الموضوع، وقال: لا بد من ذلك، واقترح لذلك أن ينشأ تحت الانتداب البريطاني وفي ظله معهداً خاصاً للتنصير في جدة، لأنها كما قال: بوابة مكة والمدينة؛ ولكن المشروع أيضاً تعثر، وكانت الأحداث التي جاءت من بعده وهي الحرب العالمية الثانية جديرة بأن لا يفتح وينفذ هذا المشروع، ولكن العمل استمر في الجانب الآخر - أي في الخليج - فأنشئوا في الكويت، وأنشئوا في الموانئ التي تسمى الآن دولة الإمارات مراكز تنصيرية، وكذلك في البصرة في جنوب العراق.
فكانت جدة كما ترون هي محط أنظار هؤلاء، ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إليها في ذلك الحين، فبقيت لديهم محفوظة في قلوبهم، لكنهم لم يستطيعوا ذلك عملياً إلا عن طريق السفارات أو القنصليات؛ أما الوسيلة التي اتخذوها للتنصير في الخليج فكانت قوية وفعالة، وكان من أعظم الوسائل في ذلك أنه عندما تفجر النفط في المنطقة الشرقية، جاءت الشركات الأمريكية الأربع التي وحدت باسم أرامكو.
وعندما جاءت أرامكو جاء معها المنصرون والمستشرقون، بل إن الذي أبرم العقد أول الأمر، وجاب المنطقة كان مستشرقاً يتكلم اللغة العربية، ودرسها في بلاد الشام مع الإرساليات التنصيرية، فهو من المستشرقين، والشريط الذي توزعه شركة أرامكو عن تاريخها ونشأتها يظهر فيه ذلك بوضوح.(22/268)
ولما نزلت أرامكو بَنَتْ أكبر مستوطنة تنصيرية في العالم، وإلى الآن لا يوجد أكبر منها، وتبلغ مساحتها حوالي 160 كيلومتر مربع، ولها منفذ على البحر، ولا يستطيع أحد أن يدخل إليها إلا من يريدون، وكانوا يمارسون كل شعائر دينهم كما يريدون، ويخططون كما يريدون، ولا أستطرد في ذلك، لكن أذكر لكم مثالاً واحداً مما عملته شركة أرامكو أول ما نزلت، وهو يبين أنها لم تكن مجرد شركة بترول، وذلك أنها أرسلت مندوبيها لجمع المخطوطات، فكانوا يتجولون في المساجد: في المنطقة الشرقية, وفي الرياض, وفي القصيم، وفي مناطق أخرى، حتى جمعوا كل ما وجدوه في المساجد أو عند بعض الأشخاص, وشروا المخطوطات بثمن بخس، وجمعت جميعاً في مكتبة أرامكو في الظهران، وأرسل بعضها إلى مكتبة الكونجرس في أمريكا ولا تزال هنالك، فهي شركة ذات عمل مزدوج، وكان لأتباع زويمر والقائمين على منهجه اليد الطولى في أن تظل مستوطنة كبرى لهم، ينفذون من خلالها إلى الخليج كله، وتحت ستار وشعار البترول، لكنهم يعملون في حذر شديد جداً، وبشكل سري لا بشكل مكشوف؛ لأنها وصية بولس لهم عندما كانوا في ظل الاضطهاد الروماني، قال لهم بولس في رسائله: ''إذا عجزتم أن تكونوا وعّاظاً، فكونوا من صانعي الخيام'' فاذهبوا إلى القرى والأرياف وكأنكم تصنعون الخيام وتبيعونها، وعظوهم بهذا الدين، ومن هنا أصبح المصطلح المشهور عنهم وهو صانعو الخيام أو الخيامون.
وليست الخيام وحدها بل أي عمل أو أي حرفة, أو أي مهنة فهي داخلة تحت وصية بولس، فدخلوا بهذا الاتجاه، ولذلك اسألوا أي موظف من قدماء الموظفين في الشركة، كانوا يحرصون على النصراني إن كان مصرياً أو سورياً أو ليبياً أو عراقياً قبل أي عربي غير نصراني، حتى في الهند تجد أن كثيراً من موظفي أرامكو الهنود نصارى, رغم أن النصارى في الهند لا يشكلون إلا واحداً بالمئة من السكان، لأنها شركة تنصيرية، ومكتبها في نيودلهي يشترط بأن يكون المتقدم نصرانياً في الدرجة الأولى.
كانت هذه هي المركز الوحيد حتى شاء الله - تعالى - وجاءت الطفرة الهائلة في هذه البلاد جميعاً, والقفزة العمرانية, والتوسع الكبير في الحياة الدنيا ومباهجها ومفاتنها، وهي نعمة لا شك، والحمد لله على ذلك، لكنها في جانبها الآخر نقمة.
جهود التنصير حديثاً:
عندما جاء عام (1395هـ) بعد ارتفاع أسعار النفط وما بعدها من الأعوام؛ بدأ الناس يتوافدون على هذه البلاد من جميع الأقطار, وفتحت الأبواب على مصراعيها؛ مع أنهم كانوا من قبل كذلك, لكن الانفتاح الكبير إنما حدث بعد هذا التاريخ، وكان أكبر مقر وأكبر مركز لهذا الانفتاح هو مدينة جدة بالذات، فسكنوها بمختلف الأديان والألوان والأجناس، حتى أصبح المسلم غريباً فيها، ولا أحد منكم إلا وهو يذكر ذلك، وإلى الآن هناك أماكن كثيرة من جدة أنت غريب فيها، لكن قبل بضع سنوات كنت إذا مررت في شارع قابل، أو شارع الملك عبد العزيز أو غيرها، ورأيت إنساناً يلبس شماغاً، فإنك تراه غريباً بينهم؛ لأنهم كانوا أكثرية، وجاءوا بتخطيط عميق، وبعيد المدى، ومن هناك بدؤوا يعملون في أكثر من مجال، لم يعد في إمكاننا أن نحصر المجالات التي بدأ التنصير يعمل أو يشتغل فيها, سواءً على الطريقة المكشوفة أي: طريقة الدعوة السافرة الصريحة إلى دينهم، أم على طريقة الخيامين التي هي الدعوة المبطنة المتسترة التي تدخل إلى الناس وهم لا يشعرون، والتي من أساسياتها أن يخرج المسلم من دينه هذه المرحلة الأولى, ثم بعد ذلك يدخل الجيل الثاني أو الثالث في دين النصرانية، لكن الجيل الأول مهمتهم معه أن يخرج من الإسلام وينسلخ منه, ويتزيا بزي الحضارة الغربية ظاهراً وباطناً.
وعندما توسع وانتشر هذا أصبح المسلم يحار! وأصبح في غربة! لا يدري كيف يقاوم هذا؟! لا يدري ماذا يفعل بهؤلاء الناس؟!
فكثير منا أطرقوا رؤوسهم, وقالوا: لا حرج في هذا، وكثير لم يهتموا بالموضوع لأن همهم هو الدنيا، حتى إن البعض إذا قيل له: لِمَ لَمْ تأت بعمال من المسلمين, يقول: يهمني إنجاز العمارة، أو المشروع، والمسلمون يصلون ويعتمرون، وهم يتأخرون في العمل, لكن هؤلاء جادون في العمل!! فأهم شيء عند كثير من الناس الدنيا! وأصبحت الدنيا عندهم أعظم من الدين! - والعياذ بالله -، وصدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم :{دينار أحب إلى أحدهم من صلاته }، وفعلاً صارت هذه القاعدة في تلك الأيام، ولا يزال لها أثر إلى اليوم، فتوغلوا في كثير من مجالات الحياة قبل أن تفيق الصحوة الإسلامية، وتبدأ تمارس بعض المجالات الدعوية التي شهدتموها جميعاً, والحمد لله.
وعندما تأتي للدعوة إلى الله في هذا البلد, وقد قرأت في الكتب عن التنصير وأعماله؛ تفاجئ وأنت ترى هذه الأعمال أمام عينيك مكشوفة وواضحة في قطاعات كثيرة!! حتى إنني فكرت مرة وقلت: لماذا لا نعرض على الإخوان بعض الإحصائيات عن الشركات التي يديرها نصارى؟ ثم قلت لنفسي: قد نكون بهذا العمل مثل الذي يعد نجوم السماء أو يعد موج البحر!(22/269)
هل أستطيع أن أحصي الشركات في جدة وحدها التي يديرها ويرأسها بالكامل مدراء نصارى، ولا يوظفون إلا نصارى، ويمنعون الشاب المسلم أو العمال المسلمين من الصلاة؟! لا أستطيع ذلك أبداً!! رغم ما جمع لدي من حقائق في هذا، فقلت: لا يمكن أن نستطيع ذلك، ولا نضيع وقت الإخوان بالحديث عنهم, أو ذكر أسمائهم أو أعمالهم أو وظائفهم, لكنها موجودة ومعروفة؛ إنما الذي يمكن في الجملة أن نشير إليه هو أوكار التنصير.
أوكار التنصير:
فمن أوكار التنصير:
1. المستشفيات: وهي كثيرة جداً في جدة كما تعلمون، منها المستشفيات العسكرية التي تديرها شركات من هؤلاء القوم، ومنها المستشفيات الحكومية العامة، ومنها: المستشفيات والمستوصفات الخاصة.
وهذا القطاع من أخطر القطاعات، وأين ما ذهبت فتجدهم فيه ظاهرين، وتجد أعمالهم إن كنت منقباً وكان لديك عينان كما في المثل: من كان له عينان نظر بهما، رأيت في كل هذه المستشفيات أعمال التنصير ماثلة للعيان، ولا داعي للتعديد أو للتفصيل، ولعلنا نذكر نموذجاً واحداً وهو الذي تذكرونه في الدرس كما نبهنا عليه، وقلنا: نرجو أن نجد من ينكر لجرأتهم ووقاحتهم - أعني المنصرين فيه - وهو مستشفى الملك عبد العزيز، ولم يحدث شيء من ذلك، فأحببت أن أذكره كمثال فقط :
المنصرون - زعماء التنصير - في مستشفى الملك عبد العزيز:
1- د: صارفو: أخصائي النساء والتوليد: وهو قسيس وداعية للتنصير، وتعرض بدعوته لبعض المسلمين صراحة، فدعاهم إلى الإيمان بالنصرانية صراحة، وهو يقيم في منزله وبالاشتراك مع أصحابه اجتماعاً تنصيرياً باسم الإخوة أو الإخوان، يجتمعون فيه لمدارسة شئون التنصير في المستشفى وفي هذا البلد، يرافقه ويعاونه:
2- د: بنكولي : أخصائي جراحة الأطفال، وهو يجتمع مع د/ صارفو ، وزوجة الدكتور/ بنكولي تحمل على صدرها لافتة مكتوب عليها بالإنجليزية ما معناه: أنا أحب المسيح، وهذه الشعارات تباع في المستشفى، ولدينا نماذج منها، وتباع ملصقات في السوبر ماركت أو السوق الصغير في المستشفى، وفيها شعارات ملصقة عن المسيح وما أشبه ذلك، وموجود منها نماذج معي أيضاً.
3- د: لايث : أخصائي المسالك البولية، انظروا الاختصاصات! توليد، أطفال، مسالك؛ لأنهم يريدون من وراء ذلك شيئاً، ولا أظن أنه يخفى على واحد منكم، ما حصل منه في التعقيم الذي ثبت في عدة حالات، وفي عدة مستشفيات؛ وهذا الطبيب لايث، كان هو وزوجته في إيران ثم في البحرين، وقد استطاعت زوجته أن تنصر أربعة من المسلمين في البحرين، ثم ذهبوا إلى جنوب إفريقيا، ثم جاءوا إلى جدة، والزوجة نشطة جداً أنشط من الزوج، فأرادت أن تعمل في مدرسة خاصة من أجل أن تنشر هذا الدين، فاستطاعت أن تتعاقد مع دار الحنان، لتدرس اللغة الإنجليزية المحببة لدى الجميع, والتي يراد أن تكون من الابتدائي, فتحت شعار اللغة تأتي هذه المرأة التي تدعى هيلين وتدرس في دار الحنان، ومن هنالك بدأت في أعمالها التنصيرية مع الأطفال، حتى إنها تحرص على تعلم اللغة العربية، وإقامة علاقات قوية جداً مع العاملين والعاملات في المدرسة أو في خارجها، وتأتي بأفلام تنصيرية أو دعاية للتنصير معها، ومن الأطفال الذين تهتم بهم: أسرة إنجليزية مسلمة, يرجع الأطفال إلى أمهم المسلمة, ويسألونها: لماذا لا يوجد عندنا إنجيل مثل كتاب أولاد هيلين؟! ولماذا - يا أماه - ليس عندنا صورة لعائلة الرب مثل هيلين وأبنائها؟!!
وهذا دليل على أنها ناجحة ونشطة في عملها هذا، وغير ذلك كثير، ولا نطيل بذكر الأمثلة.
والمهم أن المستشفيات هي أحد أوكار التنصير، ولهم أكثر من هدف في ذلك، وقد عملوا في عدة مناطق، وثبتت قضايا تعقيم قام بها أطباء أقباط، كما ثبتت أيضاً قضايا أخرى، ومنها محاولة تنصير بعض العوام من سكان المناطق النائية، ولولا أن الله - تعالى - قدر لتنصرت أسرة مسلمة بأكملها في إحدى المناطق، لا نريد أن نذكرها، وبعضكم يعرفها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
2. أيضاً: المدينة الصناعية، وما أدراك ما المدينة الصناعية!
المدينة الصناعية التي في إحدى مصانعها بني مسجد وظل سنتين، والعمال المسلمون بجواره لا يستطيعون أن يصلوا فيه، ولا نسمي لكن القضية معروفة.
يوجد بها - كما قيل - عشرون ألفاً أو ثمانية عشر ألفاً أكثرهم نصارى، من العمال والمهندسين، ومن الخبراء إلى آخره، يسكنون فيها، ويقومون بتنصير من يعيشون معهم من البوذيين وأشباههم، فيأتي البوذي بوذياً ويرجع نصرانياً، واكتشفت عدة شبكات للتنصير في المدينة الصناعية، بعضها إيطالي كاثوليكي، وبعضها يتبع الجمعيات البروتستانتية الأمريكية، وبعضها الأرثوذكسي.
من الأوكار أيضاً:
3. جامعة الملك عبد العزيز , وقد تكلمنا عن هذا الموضوع، وقد وصلتنا الأدلة والإثباتات على ذلك، والمعاملة ذهبت ولا تزال تدور ولا ندري متى تنتهي، لكن هناك حقائق عن أعمال التنصير بين العاملات والعاملين في الجامعة من الفلبينيين وغيرهم، وبكل برود وعدم اكتراث وعدم اهتمام يبارك لهم رسمياً بأعياد الميلاد، ويهنئون بها، بل ربما يحضر البعض حفلاتهم في ذلك، ولا يبالون بشعائر دينهم!!(22/270)
4. الخطوط السعودية، وهي وكر من أوكارهم، وأذكر لكم مثالاً واحداً فقط: الخطوط السعودية تعطي إعفاءات للأعمال الخيرية وهذا شيء طيب في الحقيقة، لكن بعض الطيارين الأمريكان يجمعون من هذه البلاد التبرعات ويحملونها مجاناً في طيارات الخطوط السعودية، فإذا نزلوا في باكستان أو بنجلادش أوصلوها إلى منظمة تنصيرية تستقبلهم في المطار أو يذهبون إليها، وهذا أيضاً ثابت، وتحدثنا عن هذه القضية فيما مضى، فلا نطيل وإنما قصدنا التمثيل، ويضيق الوقت عن الاستطراد.
5. المدارس الخاصة - وهذه أمرها عجيب - ففي بعض المدارس الخاصة ثبت لدينا وتواتر أنها تقوم بنشاط تنصيري مكثف بمدرسات أمريكيات ولبنانيات وغيرهن، وأنهم يقومون جميعاً بأعمال لا منهجية: نشاطات خارج المنهج، ورحلات إلى البحر يومين أو ثلاثة أيام، ورحلات إلى مناطق أخرى، ومن خلالها يربون الأولاد والبنات على الأفكار التنصيرية تدريجياً.
كذلك هناك معاهد التدريب، ومعاهد اللغات, ومعاهد الكمبيوتر إلى آخره, وهي كثيرة.
ولدي وثائق وحقائق عن كثير منها تنتشر في جدة، ويذهب إليها الناس ليتعلموا اللغة العربية، أو الكمبيوتر، أو دورة إدارية، أو ما أشبه ذلك، وإنما يسيرون وفق خطط تنصيرية محددة الأهداف، ومبرمجة تماماً، والمناهج تدل على ذلك، والأسلوب يدل على ذلك، وسلوك المدرسين أو المدرسات يدل على ذلك، وفي النهاية يخرجون بثمرات واضحة ولا شك فيها، ولو لم يكن منها إلا الخطوة الأولى كما يقولون وهي: إخراج المسلم من دينه، ثم بعد ذلك الجيل الآخر يدخل في دينهم، وهنا تلتقي العلمانية والتنصير، أو جهود التغريب وجهود التنصير، فالتغريب خطوة إلى التنصير؛ ولذلك تتعاون المؤسسات والشبكات التنصيرية في جميع أنحاء العالم مع الحكومات والمستعمرات، ومع وزارات الخارجية، ومع الاستخبارات الغربية؛ لأنهم يعتبرون أن هذا مقدمة لهذا, وأن هذا مصير إلى هذا، وكتاب (التبشير والاستعمار ) وإن كان قديماً؛ لكنه مثال لعملهم الذي تطور فيما بعد وارتقى, وخاصة بعد مؤتمر كولورادوا الشهير الذي أصدر الكتاب المترجم الذي رأيتموه, الكتاب الضخم والذي لا بد أنكم اطلعتم عليه، ولديهم مؤتمر ضخم سيعقدونه بعد حوالي ثلاثة أشهر أو أربعة، لإتمام ما عقدوا من قبل.
6. كذلك الأسواق والتجارة: وهي من أهم المنافذ التي ينفذون منها، فهم خبثاء جداً، يهمهم أن يرتفع شعار الصليب على المباني, والرخام، وعلى صدور الشباب في الملابس, وعلى صدور النساء، في حِلق الأذان, وفي الأقلام، وفي أي شيء، صورة المسيح المصلوب كما يزعمون، أو على الأقل الصليب وحده, يهمهم أن تنتشر في كل مكان؛ لأن هذا يهيئ الأذهان للتنصير مستقبلاً، وكذلك عن طريق الوكالات التجارية, وعن طريق البضائع, وعن طريق كثير من هذه المنافذ يدخلون أيضاً إلى عقول المسلمين ولا سيما المرأة.
المصدر : http://www.alhawali.com/index.cfm?fuseaction=pa r ag r aphs&ContentID=661
===========(22/271)
(22/272)
الأهداف "الخفية" للحرب الأمريكية على الإرهاب:
تصفية العمل الإغاثي الإسلامي لإفساح المجال إمام التنصير الغربي للمسلمين
علي عليوه
لم تكن أحداث 11 سبتمبر 2001 مجرد حادث غير عادى انتهى بإزالة أنقاض برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع في كل من نيويورك وواشنطن، ولكنها طبقاً لرأى المراقبين تعد منعطفاً تاريخياً مهماً ستكون له تداعياته المستقبلية على المدى القريب والبعيد سواء على المجتمع الأمريكي، أو العالم العربي والإسلامي؛ فقد كانت تلك التفجيرات ذريعة لحملة واسعة النطاق تقودها أميركا ضد كل ما هو إسلامي بزعم محاربة الإرهاب.
وقد نالت المنظمات والهيئات الخيرية الإسلامية نصيب الأسد من ذلك الهجوم، وقامت الولايات المتحدة بوضع 27 منظمة وجمعية خيرية إسلامية على قائمة المنظمات التي تدعم وتمول الإرهاب، ومارست ضغوطاً شديدة على الدول العربية والإسلامية حتى تضع تلك الجمعيات التي تؤدى دوراً مهماً في محاربة الفقر، ورعاية الأيتام؛ تحت الرقابة الأمنية الصارمة، وطالبت بتغيير مناهج التربية الإسلامية، وحذف العديد من الآيات والأحاديث ووقائع التاريخ الإسلامي، ورافق ذلك كله حملة إعلامية شرسة على الإسلام والمسلمين.
واللافت أن الحرب المعلنة على العمل الخيري الإسلامي تزامنت مع تردى الأوضاع الاقتصادية داخل الكثير من البلدان العربية والإسلامية، وتجاهلت الإدارة الأمريكية النتائج السلبية الخطيرة التي ستنجم عن تلك الحرب، فقد كشف تقرير ( التنمية الإنسانية لعام 2001 ) الذي أصدرته الأمم المتحدة مؤخراً أن معدل نمو الدخل للفرد العربي هو الأقل في العالم ما عدا أفريقيا جنوب الصحراء، وتزايد اتساع رقعة الفقر، فمازال هناك واحد من بين كل خمسة من العرب يقل دخله عن دولارين في اليوم، وتزيد البطالة عن 15% من قوة العمل، مع ارتفاع أعداد الأميين الذين يمثلون ما يقرب من 50% من تعداد السكان، مع استمرار تدنى مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.
ولا تختلف الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلدان الإسلامية كثيراً عن مثيلتها في المنطقة العربية، يضاف إليها أن أكثر من ثلثي اللاجئين في العالم هم من المسلمين، وغالبيتهم من النساء والأطفال (إجمالي عدد اللاجئين في العالم 27 مليون لاجيء) طبقاً لإحصائيات المفوضية العليا لشئون اللاجئين، ويهدد الجفاف والتصحر الملايين من المسلمين في العديد من البلدان الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة، كما تحصد النزاعات المسلحة في البعض الآخر أعداداً أخرى مما يجعل حياة تلك الشعوب أكثر قسوة وحرماناً.
التنصير المنظم:
أحد قساوسة التنصير في أفريقيا؟!!
وفى وسط هذه الأجواء القاتمة وجدت المنظمات التنصيرية المدعومة من الكنائس الغربية فرصتها، فتحت ستار تقديم العون الغذائي والدوائي يتم العمل الدؤوب لتنصير المسلمين سواء داخل المنطقة العربية، أو البلدان الإسلامية خاصة في أفريقيا، تطبيقاً لمخططات تم وضعها بعناية، وتم توفير الإمكانيات البشرية والمالية اللازمة من خلال مؤتمرات عقدت لهذا الغرض يأتي في مقدمتها المؤتمر الذي عقد في ولاية كلورادو الأمريكية عام 1978، والذي وضع خطة شاملة لتنصير المسلمين خلال خمسين عاماً.
وهناك مؤتمر آخر عقد في مدينة أمستردام الهولندية ونظمته الطائفة البروتستاتينة في شهر أغسطس عام 2000 واستمر تسعة أيام، وحضره عشرة آلاف مندوب من أنحاء العالم، وتكلف المؤتمر 45 مليون دولار تبرع بها المنصر الشهير بيلى جراهام، كما شهدت مدينة "أنديانا بولس" الأمريكية مؤتمراً آخر شارك فيه 35 آلف مندوب من أنحاء العالم، وأعلن في هذا المؤتمر أن متوسط دخول الناس في النصرانية من خلال الطائفة المنظمة للمؤتمر هو عشرة آلاف شخص يومياً.
ورصد مؤتمر (يونايتد ميثوديستس) الذي عقد في مدينة" كليفلاند" الأمريكية 545 مليون دولار لأنشطة طائفتهم في السنوات الأربع القادمة، وقد أسفرت تلك الجهود عن نتائج مؤسفة، ففي دولة أندونيسيا المسلمة تم تنصير الكثير من المسلمين، فحتى عام 1989 تم تنصير ثلاثة ملايين مسلم، ولم يكتف الغرب بذلك بل نجح في فصل (تيمور الشرقية) عن اندونيسيا بعد سنوات من الجهود المنظمة من جانب المنظمات التبشيرية بالتعاون مع أعوانهم في البلدان الغربية.
وقد حققت المنظمات التنصيرية نجاحات أخرى في باكستان، وبنجلاديش، وجنوب السودان، وفى بلاد عربية مثل المغرب والجزائر، ففي أكتوبر عام 2000 نقلت وسائل الإعلام نبأ إقامة الكنيسة الباكستانية حفلاً تنصيرياً كبيراً في مدينة "لاهور" عاصمة إقليم البنجاب شارك فيه أكثر من عشرة آلاف شخص 60% منهم كانوا في الأصل مسلمين، وتحولوا عن دينهم، وهناك مشروع يطلق عليه اسم ( اليسوع) تقوم بتمويله 71 منظمة تنصيرية غربية، تتولى جمع الأموال لدعم مشاريع التنصير، وبناء الكنائس التي بلغ عددها في دولة مثل بنجلاديش 170 كنيسة خلال ثلاث سنوات، وقامت بالتعاون مع المنظمات الأخرى بمضاعفة عدد الكنائس في أفريقيا خلال العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 24 ألف كنيسة.(22/273)
وتخطط الكنائس الفرنسية والبريطانية والسويسرية لتكثيف نشاطها في البلاد العربية، وتم اتخاذ العديد من القرارات في هذا المجال، ففي اجتماعات مؤتمر مجلس الكنائس العالمي الذي عقد في فرنسا كان من بين توجيهات تلك الاجتماعات ضرورة أن يعمل المنصرون من أجل فتح المغرب العربي، وأن تمارس حكومات الغرب المزيد من الضغوط لتوفير الحرية للبعثات التنصيرية العاملة في تلك البلاد.
وكشفت التقارير التي تصدرها المنظمات التنصيرية أن حوالي 150 ألف مغربي يتلقون عبر البريد من مركز التنصير الخاص بالعالم العربي المسمي (A.W.M) دروساً في المسيحية، ولدى هذا المركز منصرين يعملون وسط المليوني مسلم القادمين من دول المغرب العربي والمقيمين في فرنسا، وتملك هذه المنظمات إلى جانب ذلك برامج اذاعية وتليفزيونية دولية لنشر الإنجيل، إضافة إلى 635 موقع تنصيري على الانترنت.
بروز العمل الإسلامي:
مركز إسلامي أقامته منظمات الإغاثة.
في وسط هذه الظروف غير المواتية برز العمل الخيري الإسلامي تحت مظلة هيئة شعبية برئاسة شيخ الأزهر أطلق عليها المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، اتخذ من القاهرة مقراً له، وانضوى تحت لواءه عدد محدود من المنظمات الإغاثية والدعوية، وما لبث هذا العدد أن تضاعف حتى وصل حالياً إلى 72 منظمة أخذت على عاتقها تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب الفقيرة، ومنكوبي الصراعات المسلحة والكوارث، وهى تقدم تلك المساعدات للمسلمين وغير المسلمين وفقاً للنظام الأساسي الذي أقيم عليه المجلس.
وحقق العمل الإغاثي الإسلامي منذ إنشاءه حتى الآن إنجازات كبيرة، وأصبح نشاطه ملموساً في مناطق النزاعات المسلحة في العالم، وقدمت عشرات الملايين من الدولارات للشعوب المنكوبة في الصومال، والبوسنة، وكوسوفا، وفلسطين، والشعوب الأخرى التي يفترسها الفقر في أفريقيا وآسيا، واكتسبت تلك المنظمات خبرة وكفاءة عالية، وتبنت فلسفة تنموية متكاملة في مناطق تواجدها تقوم على محاربة الفقر من خلال المشروعات الإنتاجية التي تناسب سكان وظروف المنطقة التي تعمل فيها، وأعطت اهتماماً ملحوظاً بمشاريع التعليم، وأنشئت عدداً كبيراً من المدارس الإسلامية ومكاتب تحفيظ القرآن في دول آسيا الوسطي، والبوسنة، وكوسوفا، وألبانيا، وأفريقيا حيث النشاط التنصيري المكثف والمدعوم من الغرب.
وشاركت منظمات المجلس في أكثر من 188 مؤتمراً دولياً؛ منها 30 مؤتمر هذا العام فقط، وحصل الكثير منها على عضوية المنظمات العاملة بالأمم المتحدة، وأسهمت لجنة المرأة والطفل التابعة للمجلس في التصدي للكثير من البنود الإباحية في المواثيق الدولية التي تبنتها الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والطفل والشباب، وتمكنت من حذف الكثير من هذه البنود أثناء مناقشتها داخل لجان الصياغة، وأصبح الصوت الإسلامي مسموعاً سواء داخل المنظمة الدولية أو خارجها من خلال لجان المجلس خاصة لجنة فلسطين، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة التعليم والدعوة، ولجنة الحوار بين الحضارات.
هذا النمو المضطرد للمنظمات الاغاثية الإسلامية، والفاعلية والتواجد القوي في قلب الأحداث الدولية، والدعم الملموس للأقليات المسلمة والفئات المهمشة في المناطق الفقيرة داخل العالم الإسلامي أزعج الهيئات التنصيرية التي وجدت البساط ينسحب من تحت أقدامها، وخسرت ورقة الغذاء والدواء والعمل الإنساني التي كانت تتخذها تلك المنظمات مبرراً وغطاءا للأعمال التنصيرية، فبدأت أعمال الدس والتشويه من جانب الإعلام الغربي قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر بسنوات طويلة.
الفقر أحد مداخل التنصير لأفريقيا:
وكان الهدف هو إحداث وقيعة بين الحكومات العربية والإسلامية وبين تلك المنظمات، ولكن التزام القائمين على العمل الإغاثي الإسلامي بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة عربية أو إسلامية افشل ذلك المخطط، إلى جانب أن تلك الحكومات أدركت قيمة وأهمية العمل الإغاثي الإسلامي في التقليل من حجم الفقر الذي تعاني منه الكثير من شعوبنا.
وبعد إحداث 11 سبتمبر تزايدت الضغوط على الحكومات العربية والإسلامية بغرض فرض رقابة أمنية صارمة على المنظمات الاغاثية الإسلامية، والمطالبة بإغلاق بعضها وضغطت الحكومة الأمريكية على أوروبا لنفس الهدف، فتم إغلاق العديد من مكاتب تلك المنظمات في البوسنة، ومقدونيا، وألبانيا، والباكستان، وأمريكا، وبريطانيا، وايطاليا، وزادت الإجراءات الرقابية الأمنية على ما تبقى من تلك المنظمات داخل أمريكا وأوروبا بعد أن أصبحت في دائرة الاتهام.
الإدارة الأمريكية لم تكتف بتوجيه سهامها نحو العمل الخيري الإسلامي بل بدأت بعد انتهاء حملتها العسكرية على أفغانستان، وفرض حكومة عميلة لها برئاسة حامد قرضاى الاستعداد لغزو العراق لإزاحة صدام حسين، وتشكيل حكومة موالية للولايات المتحدة الأمريكية تمهيداً لفرض الهيمنة على حقول النفط العراقية لصالح الشركات الأمريكية.(22/274)
ويري المراقبون أن المتغيرات الجديدة جعلت كل من الحكومات العربية والإسلامية والمنظمات الاغاثية الإسلامية يقفان في خندق واحد أمام المخططات الأمريكية التي ستهدف الجميع، إلى جانب محاولة رسم خريطة جديدة للمنطقة تكون فيها إسرائيل هي صاحبة اليد الطولي تحقيقاً للنبؤة التوراتية التي يؤمن بها الرئيس الأمريكي بوش بأن إبادة المسلمين على يد إسرائيل والغرب في معركة" هرمجدون"خطوة ضرورية لنزول المسيح المخلص، فهل ستتمكن المنظمات الإغاثية الإسلامية من العمل وسط هذه الظروف الجديدة، وتنجح في مواجهة الحصار الغربي، وبالتالي الحد من خطر التنصير الذي يهدد الشعوب الإسلامية؟ الأيام القادمة وحدها قد تحمل لنا الإجابة علي هذا التساؤل.
المصدر : http://www.aliman.o r g/usa/hdefafe.htm
===========(22/275)
(22/276)
الشيخ أحمد ديدات: الدعوة الإسلامية في مواجهة التنصير
الدعوة الإسلامية في أشد الظروف وأصعبها، التنصير في العالم الإسلامي، شهود يهوه، فرقة نشيطة، واجب المسلمين، الحالة غير ميئوس منها، انتصار الإسلام.
الدعوة الإسلامية في أشد الظروف وأصعبها:
إن جمهورية جنوب أفريقيا هي بمثابة محيط من النصرانية، وإذا كانت ليبيا تتباهى بوجود أعلى نسبة من المسلمين بها بين سائر بلدان قارة أفريقيا، فإن جمهورية جنوب أفريقيا تتباهى أيضاً بوجود أعلى نسبة من النصارى بها بين بلدان القارة الأفريقية، حيث يشكل المسلمون ( بالكاد ) - 2% - من مجموع السكان، أننا أقلية محرومة من حق الانتخاب: فمن الناحية العددية لا نساوي شيئاً، ومن الناحية السياسية لا نساوي شيئاً أيضاً.
فلو اننا تظاهرنا بالسكون فقد نعذر!. ولكن لا، إنه يتعين علينا أن نعلن إرادة ربنا، لابد أن نظهر الحق سواء أحببنا أم لا، وقد قال عيسى - عليه السلام -: ( وتعرفون الحق، والحق يحرركم )( يوحنا 32:8 ).
التنصير في العالم الإسلامي:
لقد فقدنا مهارة وبراعة نشر الدين لأننا توقفنا لقرون طويلة عن دعوة من حولنا إلى الإسلام، إن النصارى يطرقون أبوابنا، والذين عميت قلوبهم وبصيرتهم، والذين يحاولون تجنب الخطر برفضهم مواجهته (( كالنعام )) في وسطنا هم فقط الذين لا يقدرون ( حجم الخطر )، فقد كان يوجد في الكويت أسرة نصرانية عربية واحدة منذ حوالي خمسين عاماً، واليوم هناك خمسة وثلاثون كنيسة في هذا البلد الصغير ( هذه الإحصائية ترجع إلى سنة 1981).
إن شهود يهوه: إحدى الفرق النصرانية التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ مئة عام مضت؛ يزعمون أن ثاني تجمع لهم خارج الدولة التي نشأوا فيها هو في دولة نيجيريا المسلمة.
وفي أندونيسيا - أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان المسلمين - هناك ستة آلاف منصر يبلغون دينهم، ويعملون طوال اليوم، وهم ليسوا قساوسة أو أصحاب أبرشيات أو كهنة يقومون بالخدمة متصلين بكنائسهم، ولكنهم دعاة ناشرون لدينهم ( صليبيون يعملون بتعصب وحماسة ( ضمن خطة للدعوة ) بين غير النصارى، ويضايقون باستمرار الوثنيين ( الهمج غير المتمدنين كما يسمونهم)).
إن هؤلاء المنصرين لديهم عدد من المهابط للطائرات الخاصة بهم أكثر مما تملكه الحكومة الإندونيسية!!.
ولديهم سفن للتنصير، ترسوا بعيداً عن الجزر، لأن إندونيسيا دولة تتكون من أكثر من ألفي جزيرة، ليس بها موانئ أو أرصفة كثيرة، وهم يدعون أبناء البلد لتناول الشراب أو الطعام، ولحضور حفلات الترفيه على متن السفن، ثم يدعونهم " بخبث ومهارة " إلى كفرهم، وهم يهدفون من خلال عمليتهم التي يرمز اليها سراً بـ( الإسراف في القتل ) إلى تحويل إندونيسيا إلى أمة نصرانية بحلول القرن القادم.
ومن بين الستمائة ألف منصر - الذين يثيرون الاضطراب في كل مكان من العالم - فإن أكثر من نصفهم مشغولون بمهامهم في أفريقيا.
إن أفريقيا: القارة الوحيدة المسلمة اليوم، تتعرض للغارة من قبل الصليبين العصريين، الذين يهدفون إلى جعلها قارة نصرانية أيضاً بحلول القرن القادم.
إن درعنا وسيفنا وترسنا في هذه المعركة العقائدية هو القرآن الكريم، الذي طالما رتلناه لقرون طويلة من دون العمل به، ولكن يجب علينا اليوم أن نستثمره في ساحة القتال.
شهود يهوه:
انتشرت فجأة وبسرعة مقلقة منذ مئة عام أكثر من مئة فرقة وطائفة نصرانية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومؤسس فرق (( شهود يهوة )) هو القاضي ( رثرفود )، لقد كان هذا القاضي لا يشبع من مطالعة الكتب، وكان كاتباً كثير التأليف، ولقد تعثر في كلمة (( جيهوفة )) التي أبهجته لدرجة كبيرة، فصنع منها ديانة!!
لقد ابتدع القاضي (( رثرفود )) ومن بعده (( تشارلز ت. رسل )) كنيسة جديدة، فريدة من نوعها في العالم، من حيث تنظيمها وإدارتها، وهناك الكثير الذي يمكننا أن نتعلمه ( نحن المسلمون ) من طريقتهم، فلتقرأ كتاب (( ثلاثون عاماً كخادم لبرج المراقبة ))، ( إنني لست معجباً بعقيدتهم، ولكن تعجبني طريقتهم في العمل )، فلتقرأ كيف أوشكت هذه الفرقة الفاسدة على إخضاع ألمانيا قبل زمن ( هتلر ).
فرقة نشيطة:
لقد حقق (( شهود يهوة )) نجاحاً غير عادي بالنسبة لكل الفرق الدينية التي ظهرت خلال المئة عام الماضية.
فالبهائيون يتحركون ببطْ ء شديد إذا ما قورنوا بـ(( شهود يهوة )).
وهؤلاء (( الشهود )) هم أكثر إعداداً واستعداداً في معركتهم ضد النصارى الآخرين، وضد المسلمين أيضاً.
والسبب في ذلك: هو أنهم ينخرطون خمس مرات أسبوعياً في نظام يتخذ الفاعلية تجاه تحقيق الأهداف، وذلك في (( قاعات اجتماعات الملكوت ))، وفي نهاية كل أسبوع ينفذون ما تعلموه في هذه الاجتماعات.
يفترض علينا كمسلمين أن (( نجتمع )) خمس مرات يومياً بأدائنا الصلاة، ولكننا ضللنا عن المقصد الحقيقي من هذه الدعامة من دعائم الإسلام، فقد أصبحت صلاتنا خالية جوفاء من معناها الحقيقي.(22/277)
إنهم يطرقون أبواب الناس سائلين: ( ما اسمه )؟ ( أي ما اسم الإله )، فيجيب النصراني العادي: ( الرب )، فيردون عليه بأن: ( الرب ليس اسماً، فما اسمه؟ )، فيقول النصراني العادي - محاولاً الإجابة للمرة الثانية -: ( الأب )، فيسالونه: ( هل أبوك هو الرب؟! لا طبعاً فما اسمه؟! إن اسمه (( جيهوفة ))!).
هذا ما يقوله (( شاهد يهوة )) لكل من المسلمين وغير المسلمين على السواء.
واجب المسلمين:
نحن كمسلمين ( اليوم ) لم نفعل شيئاً حقاً من أجل ملايين الضالين في العالم، يجب علينا أن ننقذهم من ( الشرك ). إن الذين يتخذون آلهة بشرية ويعبدونها من دون الله في أرض الله أكثر من هؤلاء الذين يعبدون الله الواحد الحق - سبحانه وتعالى -، والشقاء الذي يعيش فيه العالم الإسلامي هو بسبب إهمالنا الكامل في العمل بالإسلام، والدعوة إليه، إن نشر الإسلام هو فرض على المسلم، إذا سقطت هذه الدعامة عندك فأنت على خطر عظيم، ولتعلم أن عقاب الله يأتي بغتة.
وإذا سألت: كيف لك أن تقوم بدورك في دعوة النصارى؟!
فالإجابة ببساطة هي: أن تحفظ ( على الأقل ) آية واحدة من كتاب القرآن الكريم، وهي: (( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام أنظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ))( المائدة 75).
انك بهذه الآية الوحيدة فقط ثم بقذيفة من العلم الشرعي - ولو كان قليلاً - مهيأ لاقتلاع كل نوع من أنواع الشرك بالله التي ابتلي بها عباد الله.
يقول - عز وجل -: (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ))( الصف 9 ).
ألا تؤمن بوعد الله؟!! (( وعد الله حقاً ))( النساء 122 ).
الحالة غير ميئوس منها:
إن واجبنا هو أن نبلغ الرسالة بصوت مسموع واضح، وأن نترك الباقي ( الهداية ) على الله - سبحانه وتعالى -، والحالة غير ميئوس منها.
يجب أن نجد طرقاً وأساليب ووسائل للاتصال بالكفار، وتبليغهم الدعوة.
افتح القران الكريم، واجعل من تعرف من النصارى يقرؤون الآيات التي تقول: (( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم )( مريم 34-36 ).
انتصار الإسلام:
(( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ))( الصف 9).
قبل أن تنقضي عشرون سنة على نزول هذه الآية كان قد تحقق الوعد المذكور، وقد ضعضعت الدولتين العظيمتين في تلك الأيام وهما فارس والإمبراطورية الرومانية بيد المسلمين، وسادت قوة الإسلام لقرون من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي.
ويا للحسرة على المسلمين اليوم فقد فترت همتهم، ولكن لا تخف ولا تحزن، فالعالم الإسلامي ينهض الآن، وهناك رجاء، وأصحاب الرؤى والبصائر من غير المسلمين في الغرب أيضاً قد تنبأوا بأن يعلو قدر الإسلام عالياً من جديد.
يقول هـ و ج و ولز ( مؤلف إنجليزي يعتبر أحد أبرز كتاب الروايات ): ( إن أفريقيا مجال طيب لجميع الأديان، ولكن الدين الذي سيقبله الأفريقي هو الدين الذي يناسب حاجاته بشكل أفضل، وكل من يحق له الكلام في هذا الموضوع يقول: إنه الإسلام ).
ويقول برنارد شو: ( لو قدر لأي دين أن يغزو انجلترا، بل أوروبا في خلال المئة عام المقبلة، فالإسلام هو ذلك الدين ).
إنه بدون أي جهد حقيقي من المسلمين يخبرنا الغربيون بأنفسهم: أن الإسلام اليوم هو أسرع الأديان نماء في العالم،
وأرجو ألا يجعلنا هذا الخبر السار نهدأ، ونشعر بالسعادة، وأننا بخير.
إن وعد الله حق، وما قدره الله سيكون، ولكن مطلوب من جانبنا أن نبذل قليلاً من الجهد.
إنه قدرنا: أن نغلب وننتصر، ونحل محل، ونطرح كل فلسفة ومذهب وضعي وديانة، مهما كان مقدار شدة كراهية الكافرين لرسالة الإسلام.
المصدر : http://www.aljame3.com/modules.php?name=News&file=a r ticle&sid=39
===========(22/278)
(22/279)
الخطة للقضاء على الإسلام
(من فتوى للشيخ عطية صقر)
لقد عثرت على كتاب بعنوان "الغارة على العالم الإسلامي" لمؤلفه " ل : شاتلييه " تحدث فيه عن خطط التبشير التي يوجد بعضها في كتاب للقسيس "فليمينغ " الأمريكي في الفصل الأول والثاني، ومما جاء فيه عن هذه الخطط ما يأتي:
1 - نشر اللغات الأوروبية، فعن طريقها يقرأ المسلمون أفكار الغرب؛ فتهدم الفكرة الإسلامية التي لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها، وهذا طريق غير مباشر لزحزحة العقيدة الإسلامية من نفوس المسلمين.
يقول شاتلييه: ولا شك أن إرساليات التبشير تعجز عن أن تزحزح العقيدة من نفوس المسلمين، ولا يتم لها ذلك إلا بتسرب الأفكار الغربية عن طريق اللغة، وهنا تقرأ الصحف، وتمهد السبل لتقدم إسلامي مادي.
2 - يكتفون بانحلال الروح الدينية، ولا يطمعون مباشرة في إحلال فكرة بدلها، فسيأتي ذلك حتماً بعد الفراغ الروحي أو تخلخل العقيدة الأولى، وعدم فرض العقيدة إلا بعد الاطمئنان على تهيؤ النفس لها، ومحاولة عدم النزاع مع المسلم.
3- خطتهم لها أساسان: الهدم والبناء، أو التحليل والتركيب.
4 - الظهور بمظهر الوحدة والتعاون بين البروتستانت والكاثوليك: لأن عقلاء المسلمين يرون في اختلافهم طعناً في جهودهم، ولا يهتمون بأفكارهم الدينية، بل يقتصرون على اقتباس الحضارة والأفكار الأخرى.
5 - تخصيص مبشِّرين مناسبين للمسلمين، وآخرين للوثنيين.
6 - استعمال الموسيقى لأنها تطرب المسلمين، وإلقاء الخطب بأصوات رخيمة وبفصاحة.
7- تأسيس مصحات للقاء بالمرضى المسلمين، وملازمة المريض خصوصاً عند الاحتضار كما أوصى "سمبسون " ومن وصية الدكتور "أراهارس " المبشر بطرابلس الشام: أن الطبيب لا يجوز أن ينسى أنه مبشر أولاً ثم طبيب ثانياً.
8- تعلم لهجات المسلمين، وذلك للتغلغل مع كل طبقاتهم ومستوياتهم.
9 - دراسة القرآن لمعرفة ما فيه، والرد عليه أو نقده.
10 - مخاطبتهم على قدر عقولهم، ورخامة الصوت، وفصاحة اللسان.
11 - عدم تخلل الخطابة لكلمات أجنبية عنهم لا يفهمونها فلا تصل إليهم الأفكار كاملة، وقد تثير الشك في نفوسهم، أو تصرفهم عنهم.
12 - أهمية اختيار الموضوعات التي يتحدثون فيها، بحيث تكون منتزعة من واقع ظروفهم، واستغلالها لبث الفكر المطلوب الذي يشد انتباههم، وحتى لا يكونوا في واد وهم في واد آخر.
13 - التنبه لموضع المناقشات في آيات القراَن والإنجيل.
14 - الخبرة بالنفس الشرقية، والاعتماد على التشبيه والتمثيل ووسائل الإيضاح أكثر من المنطق الذي لا يعرفه الشرقيون.
15 - إنشاء مدرسة لتخريج المبشرين في مصر، وهم يحمدون الله لتوفيقهم لاختيار مصر.
16 - الاهتمام بتجنيد النساء في الطب، لعدم خوف المسلمين منهن كما يخافون من الرجال.
17 - عرقلة جهود الأزهر في بعثة العلماء إلى أفريقيا، وتعليمه الوافدين، والإنفاق عليهم، وعودتهم إلى بلادهم ثانية، لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في أفريقيا، ومن عرقلة جهوده فتح مدارس وجامعات لتعليم اللغة العربية والدراسة الإسلامية على منهجهم وبأفكارهم.
18 - الاهتمام بتربية مبشرين علمانيين من بين المسلمين لينصِّروا غيرهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أصحابها كما قال "زويمر" في كتابه "العالم الإسلامي".
19 - رسم خطة لتنصير العالم كله في 25 سنة " ص 235".
20 - التذرع بالصبر الطويل، والثقة بالفوز.
21 - عمل صداقات واحتكاكات مع المسلمين، والظهور بمظهر المحب للخير لهم ولاستقلال لبلادهم، وعن طريق ذلك يكون الإعجاب بالفكرة التي تلقى عرضاً.
22- التحدث إلى الشبان في التاريخ والأخلاق والاجتماع بعيداً عن الدين، ليجذبوهم إليهم، لأن أية طريقة لها صبغة دينية مصيرها الفشل.
23 - الاهتمام بتأليف جمعيات للتقريب بين الطرفين لتنمية روح التفاهم الإنساني.
24 - التجاوز عن بعض عادات المسلمين كتعدد الزوجات.
25 - الموازنة بين حياة الأمم النصرانية وأخلاقها ومقابلها عند الأمم الإسلامية ليظهر ترجيح النصارى عليهم.
26 - ظهور المبشر بأخلاق طيبة لأنه صورة للمسيح؛ فيجذب المسلم إليه.
27 - نشر الإنجيل مترجماً، وكذلك الكتب الدينية، وفتح مكتبات للبيع بثمن زهيد، مع فرصة التحدث للمشترين.
هذا بعض ما نقلته من كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" يمكن للدعاة المسلمين أن يستفيدوا منه في إطار العقيدة والقيم الإسلامية.
وأكثر ما جاء من هذا التخطيط تشهد له النصوص، وتقره فلسفة التربية، وكتب عنه علماء الدين.
المصدر : http://islamna.o r g/qadayatabshi r 4.htm
===========(22/280)
(22/281)
التنصير يغزو العالم الإسلامي
أحمد عبد الله سيف الرفاعي
عندما نقارن بين المخاطر التي تشكلها الحروب التي يشنها الأعداء ضد المسلمين، وبين المخاطر التي يشكلها الغزو الفكري الثقافي عليهم؛ فإننا نذهب إلى أن النوع الثاني أشد تدميراً، وأكثر ضراوة، وأعمق تأثيراً من النوع الأول، أي أنه يُخشى على المسلمين من التدمير الفكري الثقافي أكثر من أن يُسحقوا مادياً تحت وطأة الجيوش والأسلحة، هذا فضلاً عن أن المسلمين يخرجون من حروبهم مع أعدائهم أشد عزماً، وأقرب رجوعاً لدينهم وتمسكاً به، وفيما يلي نتعرض لأحد معاول الهدم الخبيثة التي تحاول دائماً النيل من الإسلام ومن المسلمين، ألا وهو التنصير:
أولاً: لماذا هدفهم الإسلام؟!
يستهدف المنصّرون الإسلام - قبل أي دين آخر - لأنهم يعرفون من تاريخهم كله أنه لم يغلبهم إلا هذا الدين، يوم كان يحكم الحياة، وأنهم غالَبوا أهله طالما لم يُحكِّمه أهله في حياتهم.
ولقد عَدَلَ النصارى الصليبيون عن مواجهة الإسلام، أو الاصطدام بالمسلمين؛ لأن الغلبة في النهاية تكون من نصيب المسلمين، فالأمة الإسلامية قد تمرض ولكنها لا تموت، وتغفو ولكنها لا تنام، والمسلمون قد يهزمون ولكنهم لا يبادون أو يسحقون، ومهما كانت الحروب معهم - أعني المسلمين - سجالاً؛ فالغلبة لهم في النهاية متى جعلوا نصرة الله نصب أعينهم، وهدفهم المنشود، وما أن يُخلِص المسلمون في عودتهم إلى دينهم حتى يصبحوا قوة لا تقهر، ولقد عرف النصارى الصليبيون هذه الحقيقة، وأكدها لهم لويس التاسع ملك فرنسا بعد أن هزمه المسلمون شر هزيمة، وأسروه في موقعة المنصورة بمصر، ثم خرج صاغراً من أسره، وكتب وصيته الشهيرة - والتي عُرفت بوصية القديس لويس - ليؤكد فيها أن المسلمين لا تهزمهم الجيوش مهما كانت، وعلى الغرب الصليبي أن يتخلى عن استخدام أسلوب الحروب المادية، وأن يستبدلها بالحروب الثقافية الفكرية، وكانت وصيته تلك بمثابة إعلان عن أن الصراع بين المسلمين والنصارى بدأ يأخذ شكلاً جديداً، فاستُبدلت الحروب المادية بأخرى فكرية ثقافية، وإن لم يخلُ الأمر من صِدام مادي، وقتال دموي على طول محطات التاريخ.
ثانياً: أهداف التنصير:
يسعى المخطط التنصيري إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في البلاد الإسلامية، فالمنصِّرون يعتبرون الإسلام هو الدين الوحيد الخطر عليهم، فهم لا يخشون البوذية، ولا الهندوسية، ولا اليهودية، إذ إنها جميعاً ديانات قومية لا تريد الامتداد خارج أقوامها وأهلها، وهي في الوقت نفسه أقل من النصرانية رقيّاً، أما الإسلام فهو - كما يسمونه - دين متحرك زاحف يمتد بنفسه، وبلا أية قوة تساعده، وهذا هو الخطر فيه - كما يقولون -، ومن هنا نجد أن للتنصير أهدافاً متنوعة، منها ما هو تقليدي، ومنها ما هو غير تقليدي، ومن هذه الأهداف ما هو ظاهر جليّ، ومنها ما هو باطني خفيّ، بل إن للتنصير أهدافاً بالغة الخطورة على الإسلام وعلى المسلمين، ورغم ذلك يكاد أن لا يشعر بها أحدٌ من المسلمين، ويمكن تركيز أهداف التنصير في ثلاثة أهداف متدرجة كما يلي:
1. إخراج المسلمين من الإسلام: والتشكيك فيه، وفي سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتزييف مفاهيمه، وهدم عقيدته، يقول زويمر - أحد أقطاب التنصير -: "إن مهمة التنصير ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية (النصرانية)، فإن هذه هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله"، وصدق الله إذ يقول : ((ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق))(البقرة 109).
2. الحيلولة دون انتشار الإسلام: فالمنصّرون يشنون هجومهم على الإسلام خوفاً على قومهم من معرفته أكثر من رغبتهم في تنصير المسلمين، فهم يخافون الإسلام، ويرددون دائماً أنه الدين الوحيد الخطر عليهم، ويفضل الغرب أن يظل يُنعت بالنصرانية على الرغم من علمانيته وإلحاده، وعلى الرغم من تهميشه للكنيسة هناك، ويأتي تبشير الغرب بالنصرانية - أو ما نسميه نحن بالتنصير - مسوغاً اصطنعه ليواجه التوسع الإسلامي، وليضفي الشرعية على هذه المواجهة، ويتقاسم مع التوسع الإسلامي أسس الهداية والإيمان، وكثيراً ما يتَّهم الغربُ الإسلام - كذباً وزوراً - بأنه انتشر بالسيف، ليجعل من ذلك مسوغاً لاستخدام السيف هو الآخر، فهو في الحقيقة لا يصف التوسع الإسلامي بقدر ما يبحث عن شرعية ضرب الشعوب بالسيف تحت ستار التبشير أو التنصير، والواقع - كما يرى الغرب - أن حالات دخول الإسلام أكثر عدداً من حالات التنصر من غير مراكز تنصيرية، ومن غير ضرب الشعوب بالسيف.(22/282)
ويجدر بنا أن ننبه على أن هدف التنصير يختلف من منطقة إلى أخرى، ففي البلاد العربية يكتفي بزعزعة عقيدة المسلم، وإخراجه من الإسلام، وليس مهماً أن يدخل النصرانية، أما خارج البلاد العربية فيتم تنصير المسلمين فعلاً، وليس معنى هذا أن البلاد العربية ذات حصانة ضد التنصير، فقد وقع فيها أعمال للتنصير آتت أكلها الخبيثة في أحيان كثيرة، وتنصَّر بعضٌ من الناس بالفعل في تلك البلدان، ولكن كان التنصير أكثر وقعاً في البلدان الإسلامية الأخرى.
3. التمهيد لإخضاع العالم الإسلامي سياسياً واقتصادياً وثقافياً لسيطرة النفوذ الغربي: وتهيئة الأجواء لقبول ما يسمى بـ "العولمة" أو "الكوكبة"، وما يتبع هذا النظام من توحيد الأيديولوجية السياسية العالمية، وإقامة هيكل اقتصادي جديد، وبث قيم اجتماعية عصرية، وإزالة الحواجز الثقافية، وتذويب الفروق بين المجتمعات الإنسانية المختلفة انتهاءاً برعاية الحوارات الدينية والثقافية، بل والدعوة إلى ما يشبه الدين العالمي، إلى غير ذلك من شعارات وأهداف براقة ينخدع بها الكثيرون، فإن ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها فيه الخسران، إذ هي في حقيقتها تسعى لحصار المسلمين، وفرض التبعية الغربية عليهم، وإقامة آليات السيطرة حولهم، واختراق الحضارة والهوية الإسلامية، خاصة بعد أن غَيّر الغرب من أساليب السيطرة العسكرية التقليدية، واستبدالها بأساليب حديثة تعطي النتائج نفسها (راجع مقالة "العولمة : حلقة في تطور آليات السيطرة" خالد أبو الفتوح..مجلة البيان العدد 136).
أترون أن التنصير والقائمين عليه سيقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه المتغيرات الدولية؟
لا .. فإنهم سيكدُّون لتحقيق أهدافهم تحت مظلة تلك المتغيرات التي يعتبرونها فرصة ثمينة وسانحة لبلوغ مآربهم.
إن الزمان قد دار دورته، وما اليوم من الأمس ببعيد، فهاهم أُولاء المنصرون يجدون تحت مظلة العولمة فرصة لدعم التنصير ونشر النصرانية كما فعلوا قديماً تحت رعاية الاستعمار العسكري الأوروبي، ومن قبله الحروب الصليبية، ثم يخرج علينا من يقول: إن الحروب الصليبية قد انتهت.
لا وألف لا، ما انتهت، راقبوا أعمال التنصير الدؤوبة في ديار الإسلام فسترونها جهاراً نهاراً، بدون بندقية ولا مدفع إلا نادراً.
ثالثاً: وسائل التنصير.. بين القديم والجديد:
لقد أخذت أعمال التنصير في السنوات الأخيرة أشكالاً جديدة، واخترع المنصرون وسائل حديثة لتنصير المسلمين أكثر خفاءاً، وأعمق تأثيراً، وأشد مكراً وخداعاً من الوسائل "التقليدية" المعهودة، وبذلوا لذلك جهودهم لاستحداث وسائل جديدة للتنصير، مما لا يجعل من المبالغة أن أقول: إن المنصّرين استفتحوا على المسلمين كل باب، وأتوهم من طرق شتى تكاد لا تخطر على المسلمين ببال، سواء كانت طرقاً ذات طابع سياسي، أو اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي.. أو غير ذلك.
وأصبح التنصير اليوم يتكئ على هذه الوسائل الحديثة فضلاً عن القديمة، وفيما يلي نسلط الأضواء على وسائل التنصير بنوعيها مع ذكر بعض النماذج والأمثلة:
- استغلال الكوارث الطبيعية، والحروب الأهلية: وما ينتج عنها من دمار وخراب، وأوضاع مأساوية في أغراض التنصير، فضلاً عن أوضاع المسلمين المأساوية من أيتام وأرامل، وما يحتاجون إليه من طعام وكسوة ومسكن، بالإضافة إلى التعليم والعلاج؛ مما يجعلهم فريسة سائغة لاستغلال المنصرين، الذين يتظاهرون بمواساتهم مادياً ومعنوياً، ويدّعون الاهتمام بهم صحياً وتعليمياً، وصولاً إلى اكتساب قلوب هؤلاء المسلمين البسطاء، ومن ثم السيطرة على عقولهم، وإقناعهم بأن في النصرانية خلاصهم من عذاب الآخرة، وفقر الدنيا، ويشترط هؤلاء المنصرون على أولئك المسلمين الذهاب إلى الكنيسة لأداء قداس الأحد مثلاً، أو يشترطون عليهم عدم المشاركة في الأنشطة الإسلامية نظير خدماتهم تلك.
لقد بلغت تقديرات نسبة اللاجئين المسلمين 80% من مجموع اللاجئين في العالم كله، لجؤوا إلى بلدان أخرى لأسباب عديدة منها: الحروب، والكوارث، وبطش الحكومات والأنظمة المعادية للإسلام، أو خوفاً من الاضطهاد الديني والسياسي العرقي، ويعاني هؤلاء اللاجئون من تشتت الأسر، وفقدان مقومات الحياة الأساسية، ولذلك فإنهم يمثلون مجالاً واسعاً، وتربة خصبة لعمل الجمعيات والمنظمات التنصيرية، وفيما يلي بعض هذه الأمثلة:
بعد الحرب الأهلية في سيراليون عام 1996م والتي قُتل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص، وتسببت في نزوح مليون ونصف مليون شخص من منازلهم، قال "كرسبين كول" أحد قادة منظمة الإغاثة Wo r ld r eleif Co r po r ation: "إن الأبواب مفتوحة أمامنا لتنصير هؤلاء المسلمين".
منظمة "الرؤيا العالمية" التي لها نشاط في أكثر من 80 دولة، وتشرف على 86 ألف لاجئ مسلم صومالي، توفر لهم الدواء والكساء والتعليم، وتدعوهم إلى النصرانية، علماً بأن نسبة المسلمين في الصومال 100%، وفي الصومال أيضاً كان الهدف الحقيقي للمشروع الألماني الوطني لمحاربة أمراض العمى هو نشر النصرانية، والدعوة لها، وهذا ما اعترف به مسؤول المشروع د. جي ميشيل بعد إسلامه.(22/283)
كما أن هناك حركة تنصيرية قوية يشارك فيها البروتستانت والكاثوليك وسط قبائل الطوارق في شمالي نيجيريا، ومالي، في وقت قتل الجفاف ماشيتهم، وضربت المجاعة مناطقهم، ومات منهم المئات بسبب الفقر والجوع والمرض.
في البوسنة وزعت الإرساليات التنصيرية 700 ألف كتاب تنصيري، كما وزعت عدة آلاف من قصص الإنجيل على أطفال العراق، مع مجموعة من الأشرطة السمعية مستغلة الحصار الدولي عليه.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة في التنصير والدعاية له: كاستخدام البريد الإلكتروني، وشبكة الإنترنت، وبلغ عدد أجهزة الكمبيوتر المستخدمة لخدمة التنصير (206.961.000) جهاز عام 1996م.
ولقد قامت شركة مايكروسوفت لبرامج الكمبيوتر العالمية بتزويد المؤسسات التنصيرية ببرامج مجانية بقيمة خمسة ملايين دولار خلال عام 1993م.
وقام القس الأمريكي المشهور "بيلي جراهام" - صاحب معهد خاص بتنصير المسلمين - بحملة صليبية تهدف للوصول إلى 400 مليون شخص في 500 مدينة، عن طريق الأقمار الصناعية، عبر 16 قرصاً للأقمار الصناعية إلى 170 دولة، وهذه هي أكبر عملية لنشر النصرانية تستخدم فيها التكنولوجيا الحديثة بهذا الزخم.
دعت الكنيسة في إنجلترا أتباعها إلى أداء الصلاة على الإنترنت، وفتحت الكنيسة موقعاً على الشبكة تبين من خلاله كيفية أداء الصلاة بشكل بسيط، وربطت الكنيسة في الموقع نفسه بين الالتزام بالصلاة، وبين التمسك بالريجيم الغذائي، أو المواظبة على العناية بحديقة المنزل.
بناء الكنائس والمراكز التنصيرية بشراهة زائدة مفرطة:
كانت هناك كنيسة وحيدة في العاصمة "باماكو" بمالي، حيث لا يوجد إلا 2% من السكان من النصارى، إلا أنه الآن وبسبب النمو الكبير في حركة التنصير تم بناء 32 كنيسة في العاصمة وحدها.
وفي غانا شُيّدت 600 كنيسة جديدة خلال عام واحد 1993م (صدق أو لا تصدق).
التنصير بالبريد: انتشرت هذه الظاهرة في بعض البلدان العربية كـ (مصر) فكثيراً ما يصل إلى أحد المسلمين رسالة من مصدر مجهول داخل مصر - أو خارجها - تتضمن رسالة تنصيرية وقحة، ويمكن الربط بين هذه الظاهرة المريبة وبين نعي الوفاة الذي ينشر في الجرائد مشفوعاً بالعنوان البريدي لإرسال برقيات العزاء، وعلى أي حال يبقى سؤال لا بد من طرحه وهو: إذا كان بعض الناس يتحدث الآن عن مراقبة البريد لمعرفة "الإرهابيين" المزعومين، فلماذا لا يراقبون بريد هؤلاء التنصيريين؟!
- التخصصية الفائقة الدقة في التنصير: تُشَكَّل الجمعيات التنصيرية لتتخصص في تنصير قبيلة في أدغال إفريقية، أو أخرى في أواسط آسيا، أو لتنصير عرقية محددة في أقصى سيبيريا، ولذلك تراهم يترجمون الإنجيل خصيصاً بلغة تلك القبيلة، أو العرقية، ويطبعون الكتب التنصيرية لنشرها بينها، وتقام دورات للمنصِّرين لتعلُّم لغات تلك القبائل، وعاداتها وأيديولوجياتها، وفيما يلي بعض الأمثلة:
ترجمت إرسالية طائفة المينونايت - ومقرها الولايات المتحدة - الإنجيل خصيصاً لتنصير أبناء قبيلة "الولوف" السنغالية المسلمة.
تبث الإذاعات التنصيرية - أو حتى برامج في إذاعات أخرى - بلغة قبائل معينة، وهذا ما فعلته محطة إذاعة "حول العالم" التنصيرية التي تبث برامج خاصة بلغتي قبائل "لوموا" و"ماكوا" الإفريقيتين.
أرسلت منظمة G r eat Cammossion Cente r (إحدى المنظمات التنصيرية بالولايات المتحدة) عشرين منصراً إلى مسلمي إقليم "تونغ غان" في غرغيزستان في الصين، حيث يبلغ تعداد المسلمين هناك نحو (300) ألف مسلم، فكم جمعية عند المسلمين تخصصت لنشر الإسلام الصحيح بين المسلمين في الصين؟!
تم ترجمة الإنجيل باللغة الألبانية - لأول مرة - بجهود الإرسالية المسيحية الأوروبية (E.C.M)، وتم إهداء النسخة الأولى منها للرئيس الألباني.
تمت ترجمة الإنجيل كاملاً إلى لغة "المانيكا" وهي قبيلة مسلمة 100% في غامبيا.
تأسست جمعية متخصصة للمهتمين بتنصير العرب سنة 1995م، شارك في تأسيسها منصرون من (إسرائيل)، والضفة الغربية، ومصر، والأردن، وعدة دول عربية أخرى، كما شاركت فيها إرسالية (تنصير العالم العربي)، وجمعية "بيلي جراهام" للتنصير، ولجنة مؤتمر لوزان بسويسرا وغيرها.
كما توجد "إرسالية أوروبا الكبرى" في إيلينوي بالولايات المتحدة G r eate r Eu r ope متخصصة لتنصير المهاجرين المسلمين في دول الغرب.
- استغلال المناصب السياسية والإعلامية لخدمة التنصير: فرغم أن الكنيسة ما تزال ترفع شعار الابتعاد تماماً عن السياسة؛ إلا أنها تدفع بالرهبان والقسس لتقلد المناصب السياسية، ليتسنى لهم من خلالها خدمة التنصير، ففي خمس دول إفريقية هي: توغو، بنين، الكونغو، الغابون، زائير؛ يترأس المجالس النيابية في هذه البلاد قسس ورهبان.(22/284)
حَكَم (جاليوس نيريري) - وهو قس سابق متعصب - تنزانيا (75% مسلمين) لمدة 26 سنة، حشد خلالها كل أجهزة الدولة ضد الإسلام، وحرم المسلمين من حق التعليم، والمناصب الإدارية، وممارسة شعائر دينهم، بل من حق المواطنة، في حين قدم التسهيلات والتشجيعات للكنيسة ورجالها، ولم تخلُ خطاباته خلال حكمه من التذكير بأنه نصراني يفتخر بذلك (حتى في خطابه في جامعة القاهرة في إبريل 1976م)، ومثله الرئيس النصراني المتشدد (دانيل آراب مويْ) رئيس كينيا السابق.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر الدور البارز الذي قام به مجلس الكنائس العالمي في إدارة حرب الجنوب في السودان - علماً بأن عدد النصارى هناك لا يتجاوز 7% من تعداد السكان في الجنوب -، كما أن العميل جون جارانج قائد التمرد هناك كان يتخذ الكنائس مقراً وقاعدة للانطلاق.
- منح الجوائز التشجعية العالمية أو شبه العالمية لمن كان لهم دور بارز في خدمة قضايا التنصير، أو حتى في قضايا ضد الإسلام:
فلقد منحت لجنة جائزة "أوناسيس" (الجائزة الكبرى) وقدرها 250 ألف دولار أمريكي للأرثوذكسي بطرس غالي - سكرتير عام الأمم المتحدة سابقاً - نتيجة جهوده في التفاهم الدولي، والتمييز الجماعي، ويقصدون دوره الكبير في مشكلة البوسنة والهرسك، وقد أعلن عن تلك الجائزة مباشرة بعد سقوط الجيب الآمن الذي أعلنته الأمم المتحدة في سربنيتشا في البوسنة، وقد قتل عدة آلاف من المسلمين العزل هناك.
اختارت جمعية كنائس (ماترا) في فنلندا الأسقف "باريد نابان" أسقف مدينة (توريت) في جنوب السودان لجائزة (السلام) التي تمنحها عادة لأولئك الذين يبذلون جهوداً كبيرة في هذا الميدان.
الزيارات المتكررة والمكثفة التي يقوم بها كبار دعاة النصرانية، وكبار المنصرين على المستوى الدولي لكثير من الدول خاصة المستهدفة بالتنصير: لقد قام البابا يوحنا بولس الثاني في الفترة من 05/02/1980م وحتى 20/09/1995م بست وأربعين زيارة لأربعين دولة إفريقية، وبالمقارنة لا نجد أحداً من الباباوات زاروا إفريقيا بهذا القدر الهائل من الزيارات كما فعل البابا يوحنا هذا، وتعكس هذه الزيارات ذات الطابع الرسمي مجالات أوسع للتنصير، وتفتح كذلك مجالات أرحب للمنصرين لترويج دعاياتهم المضللة والمزيفة، كما ستضفي على العملية التنصيرية الصفة الرسمية بسبب ما يصاحبها من مشاركة حكومية، وهذا يكسبها بعض المواقع الهامة، والجولات التنافسية، ولكن يبقى لنا أن نسأل: لماذا يهتم البابا بإفريقيا بالذات كل هذا الاهتمام؟!
إنه الإفلاس العقائدي للنصرانية في أوروبا، وروح الصليبية التي لم تمت في نفوسهم، وكراهية الإسلام، فضلاً عن مراقبة أعمال المنصرين ودعمها في إفريقيا - كما قدمنا - كل هذا كان السبب في هذا الاهتمام.
ولا يخفى علينا زيارة البابا يوحنا بولس للبنان سنة 1997م، وما كان لها من أثر ومغزى عميقين، وما تلاها من زيارات أخرى للمنطقة، أضف إلى ذلك زيارات سفراء الدول العظمى المتكررة لمواقع عمل ومكاتب المؤسسات (الخيرية) التنصيرية.
افتتحت الأم تريزا أربع مدارس تنصيرية أثناء زيارتها لمصر، فضلاً عن رعايتها لكثير من الاجتماعات والاحتفالات "المقدسة".
ادعاء حدوث كثير من المعجزات والخوارق على أيدي كثير من المنصرين، وإيهام البلهاء بأنها حقيقة، ومثال ذلك: في فبراير 1992م زار أحد المنصرين الأمريكيين عدة دول إفريقية، ودعمته الكنائس هناك، وكان يزعم أنه يحيي معجزات المسيح، ولبث مدة شهر كامل أسفرت عن تنصير قرابة 200 مسلم، ولقد شاء الله أن يفتضح أمره، إذ كان يستأجر بعض الأشخاص نظير مبلغ من المال لتمثيل دور المريض المقعد، أو الكفيف الذي يُشفى بعد إيمانه المزعوم بالمسيح.
التنصير والسينما: بدأ عرض الأفلام التنصيرية في القرى الإفريقية في كينيا، ووصل عدد المسلمين الذين حضروا بعض هذه العروض 2000 مسلم، أبدى 65 مسلماً منهم استعدادهم للتحول إلى النصرانية، وما أسرع ما كانت متابعة المنصرين لهم، وتقديم العون والمساعدات لهم.
وفي إحدى السنوات بمعرض القاهرة الدولي للكتاب بيعت أفلام تنصيرية كثيرة كفيلم يسوع Jesus الذي صور حياة المسيح ومعجزاته - وغيره من أفلام على شاكلته - بيعت بأرخص الأثمان.
وافق بابا الفاتيكان على الظهور لأول مرة في فيلم غنائي أطلق عليه: "الرجل الذي جاء من بعيد".
أنتجت الكنيسة البروتستانتية في أمريكا فيلماً عن حياة المسيح من وجهة نظر الكنيسة، بتكلفة عدة ملايين من الدولارات، ولقد شاهد الفيلم 503 مليون شخص منهم 33 مليون قرروا الالتزام بالمبادئ العامة للنصرانية، وتم عرض الفيلم في 197 دولة، واستفادت منه 380 منظمة تنصيرية عرضته ضمن برامج دعوتها، والفيلم موجود بـ 241 لغة مختلفة، ويتم ترجمته حالياً إلى أكثر من 100 لغة أخرى، ويقوم بالإشراف على عرضه 320 فريق عرض.
- توطين النصارى في مناطق الأقلية المسلمة، وتشجيعهم على ذلك؛ لتغيير الصبغة الإسلامية لتلك المناطق، والأمثلة في ذلك كثيرة:
تم توطين النصارى القادمين من روسيا في تراقيا الغربية ذات الأغلبية المسلمة في اليونان.(22/285)
أُجبِر المسلمون البوسنيون على الهجرة من أراضيهم ليحل محلهم الصرب الأرثوذكس، أو الكروات الكاثوليك، وبلغ عدد هؤلاء المسلمين المهجّرين مليوناً و730 ألف مسلم حتى منتصف عام 1995م، وتكرر الأمر مرة أخرى مع مسلمي كوسوفا.
ويحدث مثل ذلك أيضاً في أقاليم غرب الصين حيث الأغلبية المسلمة، إذ بلغ عدد المسلمين في الصين 93 مليون مسلم يمثلون 10% من مجموع السكان، ويُعتبرون أكبر أقلية مسلمة في العالم، وقامت الحكومة الصينية بتهجير المسلمين من إقليم "نيتفشيا" ذي الأغلبية المسلمة، وتوطين قرابة مليون شخص من غير المسلمين هناك، كما قامت بنقل 1.3 مليون شخص من غير المسلمين إلى تركستان الشرقية، وهذا كله سيخل بالتركيبة السكانية، وسيجعل الأقلية المسلمة تذوب وتندثر في أوساط غير المسلمين.
نقل رئيس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الصربية مقر إقامته من بلجراد إلى كوسوفا إبان حملات الناتو ليقنع الصرب بالبقاء والمقاومة.
- طباعة الشيكات، وإعلانات الدعاية، وأوراق المعاملات الرسمية وغيرها من قِبَل كثير من الشركات والمؤسسات المالية، وعليها صور نصرانية في خلفيتها، كما أنها قد تحتوي في جوانبها على كلمات من الإنجيل، وانتشرت ظاهرة : "الشركات المتدينة" و"شيكات يحترمها الرب" في بعض دول العالم، بل وفي بعض الدول الإسلامية بهدف جذب أموال المستثمرين المتعصبين للنصرانية، إلى جانب دعاوى إحلال البركة على الأموال - على حد زعمهم -، فضلاً عن نشر النصرانية بين الموظفين والعملاء الذين تمر عليهم تلك الأوراق، والجدير بالذكر أن هذه الأعمال وتلك الشركات تؤيدها الكنائس، وتُشجَّع من قبل الاتجاهات السياسية اليمينية.
- الابتعاد عن استخدام العبارات المثيرة ضد المسلمين: وذلك بإلغاء الكلمات التي ارتبطت بأذهانهم بالاستعمار أو نحوه، فمن تلك العبارات الشهيرة التي عادة ما كان يستخدمها المنصرون: "مليار مسلم سيذهبون إلى الجحيم ما لم يتم تنصيرهم"، ومن الكلمات الملغاة كلمة "المنصرون"، وليس الأمر عند هذا الحد بل إن القائمين على التنصير كثيراً ما يستخدمون أسماء وعبارات تروق للمسلمين خداعاً وتضليلاً، فأحد البرامج بإحدى الإذاعات التنصيرية اسمه "نور على نور"، والقائم عليه اسمه "الشيخ عبد الله"، وإحدى المستشفيات في نيروبي تسمى بـ "اسم الله"، وتسمية الكناس "بيوت الله"، وأنها تقام ليذكر فيها "اسم الله".
- إحداث لَبس لدى فكر المسلمين وعقائدهم، وإثارة الشبهات لديهم: في سبيل ذلك يقدم المنصرون بعض التنازلات - إن صح التعبير - ويتظاهرون بالتودد، والتشبه والتزلف للإسلام والمسلمين، فلقد وجد المنصرون أنه من الصعب على إنسان ظل يعتنق ديناً يعتقد أن فيه خلاصه وصلاحه في الدنيا والآخرة أن يتركه إلى دين آخر يختلف عن دينه الأول، ويكون الأمر أكثر صعوبة لو كان هذا الإنسان هو المسلم، ويراد له أن ينتقل عن إسلامه إلى النصرانية، والفرق بين الإسلام والنصرانية شاسع البعد، ولذا فإنهم يأخذون بأيدي المسلمين بهدوء خطوة خطوة إلى النصرانية، فيخلخلون ثبات المسلم وتمسكه بدينه شيئاً شيئاً حتى ينتهى به المآل إلى الشك واللبس في الإسلام، أو الإعجاب والحب بالنصرانية - إن لم يعتنقها المسلم -، ولو لم يكن لهذه السياسة الماكرة الخبيثة من خطر إلا إثارة الشبهات لدى المسلمين لكفى، وهذه السياسة لا تنطلي إلا على السُذَّج والبسطاء من المسلمين، بل إن إثارة الشكوك لدى المسلم، وإبعاده عن دينه؛ يعتبر في حد ذاته هدفاً يسعى إليه المنصرون، ويقفون عنده، ويكتفون به دون أن يسعوا إلى تنصير المسلم، أو حتى ترغيبه في النصرانية، فهم يرون في أحيان كثيرة أن اعتناق المسلم للنصرانية شرف عظيم لا يستحقه المسلم، ولعل الأمثلة الآتية توضح بعض ما قلناه آنفاً:
نشرت بعض المنظمات التنصيرية الإنجيل باللغة العربية في عدد من الدول الإفريقية، وقد كتب بطريقة "تشبه" القرآن الكريم، وفيه بعض الزخارف، ويبدأ كل فصل منه بكلمة "بسم الله الرحمن الرحيم"، وتشكل الكلمات بحركات التشكيل، كما حرصوا على اختيار كلمات قرآنية كثيرة في داخل الترجمة مثل (قل يا عبادي الذين هم لربهم ينتظرون اعملوا في سبيله واحذروه كما يحذر الخدم ساعة يرجع مولاهم فما هم بنائمين .. قال الحواريين أيريدنا مولانا بهذا أم يريد الناس أجمعين؟ فضرب لهم عيسى مثلاً..)"لاحظ الأخطاء النحوية فيما سبق".
إن قيام المنصرين بكتابة الإنجيل بطريقة تحاكي القرآن - كما يزعمون - لَهُوَ اعتراف منهم بالإخفاق الذريع، وبأن الإنجيل بعد تحريفه وتبديله لم يعد قادراً على هداية أتباعه فضلاً عن أعدائه.
وكذلك قراءة الإنجيل بطريقة "تشبه" تلاوة القرآن الكريم.
- إقامة القداس الأسبوعي يوم الجمعة بدلاً من يوم الأحد: وهذا ما فعلوه في الكويت، بل إقامته بطريقة "تشبه" صلاة المسلمين في حركاتها.
- تزيي (لبس) المنصرين بأزياء الدعاة والمشايخ كما حدث في بلدان إفريقية كثيرة.
- بناء الكنائس الجديدة بتصاميم تشبه المساجد، فتقام لها قبة وما يشبه المئذنة.(22/286)
- الموافقة على بعض المبادئ والشعائر الإسلامية التي من العسير جداً أن يتركها من يدعونهم إلى النصرانية مثل: مبدأ تعدد الزوجات: فقد وجدوا أن بعض القبائل الإفريقية قد يجمع الرجل فيها بين أكثر من زوجة وزوجتين، ويصعب على مثل هذا الرجل أن يتخلى عنهن، ويقتصر على واحدة إن هو تنصر، ويفضل المنصرون أن يدخل هذا الرجل في النصرانية، ويظل متزوجاً بأكثر من واحدة من أن يبقى على إسلامه، وربما في مرحلة لاحقة يقنعونه بالتنازل عنهن، ويختار من بينهن واحدة، ومثل ذلك أيضاً موافقتهم على الختان.
هذا وقد مرّ بنا من قبل أن المنصرين يقلعون عن العبارات المثيرة لسخط المسلمين، ويستبدلونها بغيرها مما تروق للمسلمين، وتنال استحسانهم.
- تشويه صورة الإسلام: وعلى خطٍّ موازٍ لإثارة الشبهات لدى المسلمين، وتحبيب النصرانية إليهم؛ فإننا نرى المنصرين دأبوا على تشويه صورة الإسلام ورموزه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فكثيراً ما يلصقون بالإسلام تهماً كالهمجية والرجعية والإرهاب، وإليكم بعض الأمثلة:
ذكرت الكنيسة الهولندية في تقرير مشهور لها تم توزيعه على نطاق واسع: "أن الإسلام دين كاذب False r eligion، وأنه خطر على العالم".
نشرت إحدى المنظمات التنصيرية صوراً لمسجد يصلي فيه المسلمون كتب تحتها: "من أوكار الإرهاب".
قيام الحملات الإعلامية والدعايات التلفزيونية لحرب المراكز الإسلامية العاملة في تلك الدول، واتهامها بالعمالة لدول معادية، أو بالتخطيط للقيام بحرب دينية أو نحو ذلك، وهذا ما حدث ضد مركز الدعوة الإسلامي العالمي الذي كان يترأسه فضيلة الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله -.
- استغلال الأدب في التنصير، وهذا ما يسمى بالأدب التنصيري: استغل التنصير ودعاته مجال الثقافة والأدب وسيلة لنشر أفكارهم الضالة، وبث سمومهم بين المسلمين، فلم ينته الأمر بهذا المخطط الآثم إلى الاعتماد على التعليم والخدمات الاجتماعية والطبية والوسائل التقليدية لتنصير المسلمين، وزعزعة العقيدة في نفوسهم؛ بل سعى لاستغلال الأدب والثقافة حتى تتسع دائرة نشاطه، ويصل إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين، فقد قام المنصِّرون بتأليف الكتب والقصص والروايات التي تدعم نشاطهم حتى اشتهر في عالم الأدب ما عرف بـ (الأدب التنصيري) وهو يتمثل في ألوان الأدب المختلفة من قصة ومسرحية وقصيدة ومقالة وخاطرة ونصوص سينمائية، وكلها تحمل في طياتها الدعوة إلى اعتناق النصرانية، والتنفير من الإسلام.
ولم يكن الأدب التنصيري يسير وحده، فقد نسق مع جهات أخرى كثيرة تشارك معه في المصلحة والهدف، وركز على منهج التربية والتعليم في البلدان التي وقعت مستسلمة تحت سيطرة الغزاة سياسياً وعسكرياً وفكرياً.
ولم يقع الأدب التنصيري في السذاجة والسطحية، بل استخدم الإمكانيات الفنية المتاحة له والمجربة في بلاده بدهاء وحنكة بالغين، فمزج السم بالدسم، ولجأ إلى التلميح بدلاً من التصريح، واستخدم الرمز وألوان الإثارة والتشويق، ونأى بجانبه عن السرد الأجوف، والتعبير المباشر الممل، ووظف الإيحاءات توظيفاً ماكراً، ورسم حركة الحياة والأفراد وأنماط السلوك رسماً يتفق ومعتقداته، ويبعد بها عن النماذج الإسلامية.
والواقع أن القصة كانت المجال الخصب للدعوات التنصيرية في كل مكان، وهذه الروايات التنصيرية في عمومها تتخذ منهجاً خاصاً.. يمكن إيجازه فيما يلي:
تصوير القساوسة والرهبان بصورة ملائكية فريدة، يخوضون الأخطار دون خوف، ويتَّسِمون بجمال الملامح، وجلال المظهر، وتألق الثياب، وحُسن السَّمْت.
يتصف (رجل الله) - كما يسمونه - بالصبر، والحلم، وتقديم التضحيات دون مقابل.
يعمد الكُتَّاب التنصيريون أساساً إلى البساطة في الأسلوب مهما كان المعنى عميقاً، وتجنب التعقيد والغموض.
تشويه صورة الإسلام بطريقة غير مباشرة، وإظهاره بمظهر الانحراف.
الحرص على الحفاظ على القيم الجمالية للشكل الفني، لأنه بدون ذلك لا يمكن أن يتحقق الهدف، وينجح المخطط الموضوع.
والحركة التنصيرية حركة معادية للإسلام تضع الأدب وفنونه في المكان الصحيح، تخطط له، وترصد له الإمكانيات المادية الكافية، وتهتم بترجمته إلى عديد من اللغات حتى يؤتي أكله في كثير من مناطق العالم الإسلامي، وتتكفل بحملات إعلان عنه، وتوعز إلى النقاد بتناوله بالتقييم والتقديم، وترصد له الجوائز العالمية الكبيرة، وتجعل منه مصدراً لأعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية، وتستنهض همم كبار الكتاب للمشاركة فيه، وتنعم عليهم بأرفع الأوسمة، وتعرض أعمالهم بأسعار رمزية، وبشتى الوسائل.
والأدب التنصيري الغربي ليس في الحقيقة مجرد تبيان لمحاسن أخلاق المنصرين والقساوسة والرهبان فحسب؛ ولكن هناك ما هو أخطر من هذا التصور، إذ يهدف هذا الأدب إلى أمرين خطيرين هما:
- تشويه صورة الإسلام والنيل منه، وتوهين عرى الالتقاء بين المسلم، وتراثه العقدي والسلوكي.(22/287)
- التمهيد لمفاهيم غربية أشد التصاقاً بالاتجاه الديني النصراني، ولعل هذا يفسر السلوك الغربي المنافي لعقيدتنا في السهرات والاختلاط، وتجاهل القيام بالفرائض، والتخلي عن السنن والآداب الإسلامية.
وقديماً كتب كل من (إسكندر دوين) و(بريدو) و(روسّو) و(فولتير) قصصاً تنصيرية، أوسعوا الإسلام وأشبعوه فيها سباً وقذفاً، ولنسمع ما قاله توفيق الحكيم عن مسرحية (محمد) (ونقول : r) التي كتبها (فولتير) حيث قال: "قرأت قصة فولتير التمثيلية (محمد) (ونقول: r) فخجلت أن يكون كاتبها معدوداً من أصحاب الفكر الحرّ، فقد سَبّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم سباً قبيحاً عجبت له، وما أدركت له علة، لكن عجبي لم يطل، فقد رأيته يهديها إلى البابا (بنوا) الرابع عشر".
ويضيف توفيق الحكيم: "لقد قرأت فيما بعد رَدّ البابا على فولتير، فألفيته ردّاً رقيقاً كيِّساً لا يشير بكلمة واحدة إلى الدين، وكله حديث في الأدب".
نشرت المجلة الدولية للبحوث الآثارية الأمريكية Inte r natianal Bullettin of Missiona r y r esea r ch بعض الأرقام عن النشاط التنصيري لعام 1990م:
عدد المنظمات العاملة: 2100 منظمة.
عدد المعاهد التي تبعث بمنصرين: 3970 منظمة.
عدد المعاهد التنصيرية: 99200 معهد.
عدد المنصرين العاملين داخل أوطانهم: 3.923.000 منصر.
عدد المنصرين العاملين خارج أوطانهم: 285.250 منصر.
عدد المجلات والدوريات التنصيرية: 23.800 مجلة دورية.
عدد نسخ الإنجيل والعهد الجديد: 129 مليون نسخة.
التبرع للكنيسة: 157 بليون دولار.
أنواع الكتيبات الجديدة: 65.600 كتيب.
عدد محطات الإذاعة والتلفزيون: 2160 محطة.
عدد المستمعين والمشاهدين شهرياً: 1.369.620.600 شخص.
ونشرت المجلة نفسها إحصائية أخرى لأعمال التنصير لعام 1996م جاء فيها:
عدد المنظمات العاملة: 4500 منظمة.
عدد المنظمات التي تبعث بمنصرين: 23200 منظمة.
عدد المنصرين العاملين داخل أوطانهم: 4635500 منصر.
عدد المنصرين العاملين خارج أوطانهم: 398000 منصر.
التبرع للكنيسة: 193 بليون دولار.
عدد أجهزة الكمبيوتر في خدمة التنصير: 206.961.000 جهاز.
أنواع المجلات والدوريات التنصيرية: 30100 مجلة دورية.
عدد نسخ الأناجيل والعهد الجديد: 178317000 نسخة.
عدد محطات الإذاعة والتلفزيون: 3200 محطة.
المصدر : http://www.khayma.com/happy-family/Files003/000003.html
==========(22/288)
(22/289)
كيف نواجه حملات تنصير المسلمين؟
د. عبد الله قاسم الوشلي
"اعلم أخي الكريم أنَّ تنصير المسلمين وإخراجهم من الإسلام هدفٌ من أهداف قوى الكفر، وبالأخصِّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم لا يرضون عن المسلم إلا أن يكون على دينهم، أو قد تخلَّى عن دينه إلى أيٍّ وجهةٍ أخرى، وهذه الحقيقة بيَّنها القرآن الكريم حين قال الله - عز وجل -: (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتَّبع ملَّتهم قل إنَّ هدى الله هو الهدى ولئن اتَّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من وليٍّ ولا نصير )).
ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد أجلبوا بخيلهم ورَجِلهم على تحقيقه في أُمَّة الإسلام، ولوَّنوا وسائله وأساليبه في بلاد الإسلام، فتارةً بوسيلة الاستشراق، وتارةً بوسيلة الحملات التنصيريَّة من قِبَل رهبانهم وأحبارهم ودعاتهم بدعمٍ من كنائسهم ودُوَلهم، وتارةً بواجهات المؤسسات الدوليَّة والمنظمات الإنسانيَّة، والتعليميَّة، والصحيَّة، والإغاثيَّة، والتثقيفيَّة، وغيرها، وتارةً بأساليب السياسة وضغوطاتها وهيمنتها ومكرها وخداعها، وتارةً بوسيلة القتل وإشعال الحروب في بلاد المسلمين تحت مظلاتٍ وواجهاتٍ متعدِّدة، وهي في الحقيقة تهدف إلى إذلال المسلمين واستكانتهم حتى يقعوا فريسةً في أيديهم استعماراً لأرضهم، ونهباً لثرواتهم، وإرغاماً للمسلمين في أن يقبلوا أفكارهم وتوجُّهاتهم والدينونة لهم، وغير ذلك من أساليب تحقيق هذا الهدف.
ولذا أخي الكريم فإنَّ مواجهة حملات التنصير تستدعي ضرورةً وفريضةً أن تتضافر جهود المسلمين للتصدِّي لها، والوقوف أمام أنشطتها وأعمالها في بلاد الإسلام، وبين أُمَّة الإسلام حتى لا تصل إلى هدفها في المسلمين، وهذه الجهود يقوم بها:
أوَّلا: علماء المسلمين والدعاة إلى الله - عزَّ وجلَّ - والعاملون للإسلام، وذلك من خلال التالي:
1- إرسال القوافل الدعويَّة والتعليميَّة إلى هذه البلدان الإسلاميَّة التي تتعرَّض لهذه الهجمة الشرسة، لكي يقوموا بواجب الدعوة، والتعليم، والتربية في المسلمين، ويزيلوا عنهم الأميَّة بالإسلام، ويحصنُّوهم بالعقيدة الصحيحة، والتعاليم الإسلاميَّة السليمة، والقدوة الحسنة حتى لا يستطيع هؤلاء المنصِّرين والضالِّين أن ينالوا منهم، وأن يقوموا بفضح أهداف هؤلاء المنصِّرين والمبشِّرين للمسلمين، وأنَّها أهدافٌ استعماريَّةٌ استذلاليَّةٌ استغلاليَّة، وأنَّهم يسعَون للتمكين لدولهم النصرانيَّة، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر بيان فساد المعتقدات النصرانيَّة وضلالها وانحرافها، وعدم استقامتها على ما جاء به عيسى - عليه السلام -.
على أن يتسلَّح هؤلاء الدعاة بالعلم الراسخ، والقدوة الحسنة، وأسلوب الحكمة والبصيرة، وسَعة الصدر، والصبر، والمرونة، وعدم الشدة، والسهولة والسماحة في التعامل، وحسن القول، وأدب الخطاب، وأن يتسلَّح باللغة أو اللهجة الشائعة بين المدعوِّين.
كما أنَّه من الضروري أن تكون الأولويَّات واضحةً لدى هؤلاء الدعاة فيما يمارسونه من مهامِّ الدعوة والتعليم والتفقيه، وأن يكونوا بحقٍّ ربَّانيِّين كما قال تعالى: (( ولكن كونوا ربَّانيِّين بما كنتم تُعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ))، كما أنَّ عليهم أن يتدرَّبوا ويتأهَّلوا لأساليب الدعوة إلى الله - عزَّ وجلّ -، وطرق القيام بها، حتى تكون دعوتهم ناجحةً ومثمرة.
2- أن يستقبلوا عدداً من أبناء هؤلاء المسلمين في مؤسَّسات العلم والتفقيه المنتشرة في بلاد الإسلام، ويقوموا بتعليمهم وتفقيههم وتربيتهم وإعدادهم وتأهيلهم للقيام بواجب الدعوة والتفقيه والتربية، ثم يعيدونهم إلى بلدانهم التي عمَّ فيها الجهل، وانتشر فيها التنصير، حتى يتحقَّق على أيديهم الوقاية ودفع هذا الشرَّ عن إخوانهم، قال تعالى: (( وما كان المؤمنون لينفروا كافَّةً فلولا نفر من كلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلَّهم يحذرون )).
ثانياً: تجَّار المسلمين:
الواجب عليهم أن يقتطعوا جزءاً من أموالهم من الزكاة ومن غيرها يرصدونها لدعم هذه المهمَّة، لكفالة دعاة، ومعلِّمين، ومفقِّهين، ولبناء مساجد ومدارس ومعاهد، ولدعم منظَّماتٍ خيريَّةٍ وإنسانيَّةٍ تقوم بخدماتها بين هؤلاء المسلمين؛ تعليماً، وصحَّة، وإغاثة، ورعاية، وغير ذلك.
ثالثاً: حكَّام المسلمين وولاتهم:(22/290)
عليهم واجبٌ كبيرٌ تجاه من يرعونهم من المسلمين في المحافظة على عقيدتهم، وثباتهم على دينهم دين الحقِّ الإسلام، ولذلك - بحكم فريضة الله التي فرضها - عليهم الحفاظ على الدين أهم كلِّيات الشرع الخمس الضرورية، فإنَّ عليهم ألا يسمحوا لهؤلاء المنصِّرين والدعاة إلى المسيحيَّة أن يقوموا بذلك بين المسلمين، وأن يراقبوا تحرُّكاتهم وأنشطتهم، وأن يحصروا ما يقومون به في إطار المصلحة للمسلمين إذا كان هناك ثَمَّ مصلحة، وأن يتحركوا سياسيّاً في مواجهة هذا النشاط حتى يمنعوه، كما أنَّ عليهم واجباً تجاه المسلمين يتمثَّل في إقامة المؤسسات التعليميَّة والدعويَّة والتفقيهيَّة والتثقيفيَّة، وتوفير متطلَّباتها ومسلتزماتها الماديَّة والمعنويَّة، وتوفير الدعاة والمعلِّمين والمفقِّهين لهذه البلدان التي أصبحت محلَّ استهدافٍ من النصارى والقوى الاستعمارية، كما أنَّ عليهم واجباً أن يجعلوا من إعلامهم ما يحقِّق التوعية للمسلمين بدينهم، ويدافع عن معتقداتهم وتعاليمهم، ويفضح أهداف وأنشطة هؤلاء المنصِّرين الذين هم جسر المستعمرين في بلاد الإسلام.
رابعاً : المعنيُّون بهذه المهمة:
عليهم أن يستخدموا في سبيل مواجهة هذا التنصير كلَّ وسيلةٍ معاصرةٍ من شأنها تحقيق التوعية للمسلمين، وتحذيرهم ممَّا يخالف دينهم مثل: وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئيَّة، والاستفادة من تقنيَّات العصر في إيصال الهدى والنور إليهم بل وإلى سائر البلاد المعمورة.
وقبل ذلك كلِّه الاستعانة بالله، واستمداد توفيقه وتسديده، لأنَّ التنصير ونشاطه أصبح خطيراً ومدعوماً من القوى الدوليَّة المهيمنة بكلِّ الوسائل والإمكانات، ولكن لِنَثِق أنَّ دين الله الإسلام هو الدين المرتضى للعباد، وهو الحقُّ والنور الذي لا يمكن أن يُطفَأ أو يُطمَس (( يريدون أن يُطفِئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتِم َّ نوره ولو كره الكافرون ))، (( يريدون ليُطفِئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون )).
وعقب إجابة الدكتور الوشَلي الشاملة الكافية، أنبِّه الدعاة القائمين والمضطلعين بهذه المهمَّة إلى ضرورة تعاونهم فيما بينهم، وألاَّ تصبح هذه البلاد مسرحاً للخلافات والتنازعات الإسلاميَّة، وقد رأينا ذلك - للأسف - في العديد من الأماكن التي هبَّ إليها المسلمون لحمايتها من حملات التنصير، فإذا بهم ينسَون هذه المهمَّة الجليلة، ويتحوَّلون للتنازع فيما بينهم أيُّهم يكسب أرضاً أكثر، فيكونون - بإغفالهم لاولويَّاتهم - عوناً للنصارى على إخوانهم المسلمين!
فيا إخواننا الدعاة القائمين على هذه المهمَّة الجليلة اتَّفِقوا بينكم على كلمةٍ سواء، تجاوزوا خلافاتكم الفرعيَّة أو "الانتمائيَّة"، ضعوا أيديكم في أيدي بعض، تعاونوا على البرِّ والتقوى، وتذكَّروا مهمَّتكم الأساسيَّة التي تركتم بلادكم وأهليكم من أجل القيام بها، وانظروا إلى فعل اليهود والنصارى في إخوانكم المسلمين، وبعد المشاهدة ستكونون بالتأكيد أكثر سَعةً في الصدر، وأقدر على تجاوز الخلافات، فحقِّقوا بينكم التكامل، ولا تعملوا على أنَّ كلَّ واحدٍ منكم أُمَّةٌ وحده.
المصدر : http://islamna.o r g/qadayatabshi r 5.htm
==========(22/291)
(22/292)
كيف نواجه حملات تنصير المسلمين؟
د. عبد الله قاسم الوشلي
"اعلم أخي الكريم أنَّ تنصير المسلمين وإخراجهم من الإسلام هدفٌ من أهداف قوى الكفر، وبالأخصِّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم لا يرضون عن المسلم إلا أن يكون على دينهم، أو قد تخلَّى عن دينه إلى أيٍّ وجهةٍ أخرى، وهذه الحقيقة بيَّنها القرآن الكريم حين قال الله - عز وجل -: (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتَّبع ملَّتهم قل إنَّ هدى الله هو الهدى ولئن اتَّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من وليٍّ ولا نصير )).
ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد أجلبوا بخيلهم ورَجِلهم على تحقيقه في أُمَّة الإسلام، ولوَّنوا وسائله وأساليبه في بلاد الإسلام، فتارةً بوسيلة الاستشراق، وتارةً بوسيلة الحملات التنصيريَّة من قِبَل رهبانهم وأحبارهم ودعاتهم بدعمٍ من كنائسهم ودُوَلهم، وتارةً بواجهات المؤسسات الدوليَّة والمنظمات الإنسانيَّة، والتعليميَّة، والصحيَّة، والإغاثيَّة، والتثقيفيَّة، وغيرها، وتارةً بأساليب السياسة وضغوطاتها وهيمنتها ومكرها وخداعها، وتارةً بوسيلة القتل وإشعال الحروب في بلاد المسلمين تحت مظلاتٍ وواجهاتٍ متعدِّدة، وهي في الحقيقة تهدف إلى إذلال المسلمين واستكانتهم حتى يقعوا فريسةً في أيديهم استعماراً لأرضهم، ونهباً لثرواتهم، وإرغاماً للمسلمين في أن يقبلوا أفكارهم وتوجُّهاتهم والدينونة لهم، وغير ذلك من أساليب تحقيق هذا الهدف.
ولذا أخي الكريم فإنَّ مواجهة حملات التنصير تستدعي ضرورةً وفريضةً أن تتضافر جهود المسلمين للتصدِّي لها، والوقوف أمام أنشطتها وأعمالها في بلاد الإسلام، وبين أُمَّة الإسلام حتى لا تصل إلى هدفها في المسلمين، وهذه الجهود يقوم بها:
أوَّلا: علماء المسلمين والدعاة إلى الله - عزَّ وجلَّ - والعاملون للإسلام، وذلك من خلال التالي:
1- إرسال القوافل الدعويَّة والتعليميَّة إلى هذه البلدان الإسلاميَّة التي تتعرَّض لهذه الهجمة الشرسة، لكي يقوموا بواجب الدعوة، والتعليم، والتربية في المسلمين، ويزيلوا عنهم الأميَّة بالإسلام، ويحصنُّوهم بالعقيدة الصحيحة، والتعاليم الإسلاميَّة السليمة، والقدوة الحسنة حتى لا يستطيع هؤلاء المنصِّرين والضالِّين أن ينالوا منهم، وأن يقوموا بفضح أهداف هؤلاء المنصِّرين والمبشِّرين للمسلمين، وأنَّها أهدافٌ استعماريَّةٌ استذلاليَّةٌ استغلاليَّة، وأنَّهم يسعَون للتمكين لدولهم النصرانيَّة، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر بيان فساد المعتقدات النصرانيَّة وضلالها وانحرافها، وعدم استقامتها على ما جاء به عيسى - عليه السلام -.
على أن يتسلَّح هؤلاء الدعاة بالعلم الراسخ، والقدوة الحسنة، وأسلوب الحكمة والبصيرة، وسَعة الصدر، والصبر، والمرونة، وعدم الشدة، والسهولة والسماحة في التعامل، وحسن القول، وأدب الخطاب، وأن يتسلَّح باللغة أو اللهجة الشائعة بين المدعوِّين.
كما أنَّه من الضروري أن تكون الأولويَّات واضحةً لدى هؤلاء الدعاة فيما يمارسونه من مهامِّ الدعوة والتعليم والتفقيه، وأن يكونوا بحقٍّ ربَّانيِّين كما قال تعالى: (( ولكن كونوا ربَّانيِّين بما كنتم تُعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ))، كما أنَّ عليهم أن يتدرَّبوا ويتأهَّلوا لأساليب الدعوة إلى الله - عزَّ وجلّ -، وطرق القيام بها، حتى تكون دعوتهم ناجحةً ومثمرة.
2- أن يستقبلوا عدداً من أبناء هؤلاء المسلمين في مؤسَّسات العلم والتفقيه المنتشرة في بلاد الإسلام، ويقوموا بتعليمهم وتفقيههم وتربيتهم وإعدادهم وتأهيلهم للقيام بواجب الدعوة والتفقيه والتربية، ثم يعيدونهم إلى بلدانهم التي عمَّ فيها الجهل، وانتشر فيها التنصير، حتى يتحقَّق على أيديهم الوقاية ودفع هذا الشرَّ عن إخوانهم، قال تعالى: (( وما كان المؤمنون لينفروا كافَّةً فلولا نفر من كلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلَّهم يحذرون )).
ثانياً: تجَّار المسلمين:
الواجب عليهم أن يقتطعوا جزءاً من أموالهم من الزكاة ومن غيرها يرصدونها لدعم هذه المهمَّة، لكفالة دعاة، ومعلِّمين، ومفقِّهين، ولبناء مساجد ومدارس ومعاهد، ولدعم منظَّماتٍ خيريَّةٍ وإنسانيَّةٍ تقوم بخدماتها بين هؤلاء المسلمين؛ تعليماً، وصحَّة، وإغاثة، ورعاية، وغير ذلك.
ثالثاً: حكَّام المسلمين وولاتهم:(22/293)
عليهم واجبٌ كبيرٌ تجاه من يرعونهم من المسلمين في المحافظة على عقيدتهم، وثباتهم على دينهم دين الحقِّ الإسلام، ولذلك - بحكم فريضة الله التي فرضها - عليهم الحفاظ على الدين أهم كلِّيات الشرع الخمس الضرورية، فإنَّ عليهم ألا يسمحوا لهؤلاء المنصِّرين والدعاة إلى المسيحيَّة أن يقوموا بذلك بين المسلمين، وأن يراقبوا تحرُّكاتهم وأنشطتهم، وأن يحصروا ما يقومون به في إطار المصلحة للمسلمين إذا كان هناك ثَمَّ مصلحة، وأن يتحركوا سياسيّاً في مواجهة هذا النشاط حتى يمنعوه، كما أنَّ عليهم واجباً تجاه المسلمين يتمثَّل في إقامة المؤسسات التعليميَّة والدعويَّة والتفقيهيَّة والتثقيفيَّة، وتوفير متطلَّباتها ومسلتزماتها الماديَّة والمعنويَّة، وتوفير الدعاة والمعلِّمين والمفقِّهين لهذه البلدان التي أصبحت محلَّ استهدافٍ من النصارى والقوى الاستعمارية، كما أنَّ عليهم واجباً أن يجعلوا من إعلامهم ما يحقِّق التوعية للمسلمين بدينهم، ويدافع عن معتقداتهم وتعاليمهم، ويفضح أهداف وأنشطة هؤلاء المنصِّرين الذين هم جسر المستعمرين في بلاد الإسلام.
رابعاً : المعنيُّون بهذه المهمة:
عليهم أن يستخدموا في سبيل مواجهة هذا التنصير كلَّ وسيلةٍ معاصرةٍ من شأنها تحقيق التوعية للمسلمين، وتحذيرهم ممَّا يخالف دينهم مثل: وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئيَّة، والاستفادة من تقنيَّات العصر في إيصال الهدى والنور إليهم بل وإلى سائر البلاد المعمورة.
وقبل ذلك كلِّه الاستعانة بالله، واستمداد توفيقه وتسديده، لأنَّ التنصير ونشاطه أصبح خطيراً ومدعوماً من القوى الدوليَّة المهيمنة بكلِّ الوسائل والإمكانات، ولكن لِنَثِق أنَّ دين الله الإسلام هو الدين المرتضى للعباد، وهو الحقُّ والنور الذي لا يمكن أن يُطفَأ أو يُطمَس (( يريدون أن يُطفِئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتِم َّ نوره ولو كره الكافرون ))، (( يريدون ليُطفِئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون )).
وعقب إجابة الدكتور الوشَلي الشاملة الكافية، أنبِّه الدعاة القائمين والمضطلعين بهذه المهمَّة إلى ضرورة تعاونهم فيما بينهم، وألاَّ تصبح هذه البلاد مسرحاً للخلافات والتنازعات الإسلاميَّة، وقد رأينا ذلك - للأسف - في العديد من الأماكن التي هبَّ إليها المسلمون لحمايتها من حملات التنصير، فإذا بهم ينسَون هذه المهمَّة الجليلة، ويتحوَّلون للتنازع فيما بينهم أيُّهم يكسب أرضاً أكثر، فيكونون - بإغفالهم لاولويَّاتهم - عوناً للنصارى على إخوانهم المسلمين!
فيا إخواننا الدعاة القائمين على هذه المهمَّة الجليلة اتَّفِقوا بينكم على كلمةٍ سواء، تجاوزوا خلافاتكم الفرعيَّة أو "الانتمائيَّة"، ضعوا أيديكم في أيدي بعض، تعاونوا على البرِّ والتقوى، وتذكَّروا مهمَّتكم الأساسيَّة التي تركتم بلادكم وأهليكم من أجل القيام بها، وانظروا إلى فعل اليهود والنصارى في إخوانكم المسلمين، وبعد المشاهدة ستكونون بالتأكيد أكثر سَعةً في الصدر، وأقدر على تجاوز الخلافات، فحقِّقوا بينكم التكامل، ولا تعملوا على أنَّ كلَّ واحدٍ منكم أُمَّةٌ وحده.
المصدر : http://islamna.o r g/qadayatabshi r 5.htm
============(22/294)
(22/295)
التبشير والصراع بين الإسلام والغرب
الجذور العدائية، تنصير الطفولة المسلمة، الأخطبوط التنصيري، أساليب المبشرين، الإسلام يتحدى، أساليب تنصيرية أخرى، المرأة و أسلحة المنصرين، السلبية البغيضة، الجهود التنصيرية في باكستان، مواجهة النشاط التبشيري، ملاحظات عامة على المسيحية.
الجذور العدائية:
المدخل الوحيد لفهم ظاهرة هجمة وكالات التبشير ومؤسساته على العالم الإسلامي هو عداء الغرب المسيحي للإسلام والمسلمين، ولنبحث جذور وأسباب العداء استناداً إلى كتابات باحثين غربيين، وننقل عن أحدهم قوله: إن وجود الإسلام في حد ذاته يثير عميق الانزعاج عند الغرب، فالإسلام في نظر الغربيين خطر يزيد من حدته غموضه وعدم قابليته للوضع تحت منظار التنبؤ والقياس، والغرب لم يكن في البداية يستطيع فهم الإسلام، ولم يجد العون على ذلك من أي مصدر جديد أو قديم، وعلى الرغم من وجه الشبه الذي لاحظه الغربيون بين الإسلام واليهودية - حسب رأي الباحث الغربي -، إلا أن اليهودية بتخلفها وخضوعها للمسيحيين لا سيما في العصور الوسطى لم تكن مستعصية على الفهم والإسقاط من الاعتبار كقوة مهزومة ضعيفة، أما الإسلام فكان حتى العهود الحديثة قوة ناهضة ناجحة متجددة مهما ضربتها المحن، وبالتالي لم يكن الغرب ليستطيع أن يتهكم على دين اعتنقه رجال يُكبرهم الغرب نفسه، ولا يشك في حكمتهم كصلاح الدين الأيوبي والفارابي وابن سينا.
ويذهب كاتب غربي آخر إلى أن سبب عداء الغرب المسيحي للإسلام يكمن في توسع هذا الدين، ومجابهته للنشاط التنصيري، وقيامه بالدعوة لجلب الأتباع والمؤمنين.
ويقول هذا الباحث - وهو عضو في لجنة التبشيربكنيسة اسكتلندا - : أن الأديان الأخرى كاليهودية والهندوكية لا تنشر نفسها، بينما يطرح الإسلام نفسه كدين عالمي، وينافس المسيحية في هذه الدعوة، ويضيف: أن المسلمين الذين أسقطوا الصلبان في الشام وغيرها يتطلعون الآن إلى بناء مساجدهم في قلب انجلترا، وإسقاط الصلبان حتى في الكنائس الريفية النائية بذلك البلد، والإسلام - كما يقول الباحث المبشر - آخر دين كبير جاء بعد المسيحية، وعقيدته نسخ هذا الدين وإنكار حقيقته، والإسلام هو الدين الوحيد الذي هزم المسيحية في فترات الصراع بينهما، وهو الوحيد الذي يتصدى لها في أجزاء كثيرة من العالم، وهو الذي يتحدى المسيحية بإنكار كل مبدأ من مبادئها الكبرى، ويجعل من هذا الإنكار عقيدة راسخة عنده، سواءً تعلق الأمر بأبوة الرب، أو بنوة المسيح للرب، وتجسده وصلبه أو قيامته، والقرآن جاء ليصحح هذه المفاهيم، ولا يوجد دين آخر يتخذ هذا الموقف من المسيحية، والإسلام فوق هذا وذاك يحير المسيحية برفضه الاستسلام بعد هزائمه السياسية في العصر الحديث، وببساطة عقيدته في التوحيد وخلوها من مظاهر التعقد والأسرار الكهنوتية، والمسلمون هم وحدهم الذين يجابهون المسيحية بدين موثوق في أصله التاريخي، وبكتاب يؤمنون بأنه وحي سماوي، ولا يستطيع خصومهم أن يشككوا في نسبته إلى الرسول، أو في دخول التحريف عليه.
وهكذا نجد أن جذور العداء ضاربة، وهي لا ترجع إلى طمع اقتصادي، أو توسع استعماري؛ بقدر ما تُفسَّر بالخوف أمام تحدي الإسلام الديني والحضاري والسياسي، ونرى أن الأطماع الاقتصادية الاستعمارية هي التي تُفسَّر بالعداء للإسلام، فالغرب يطمع فيما عند المسلمين من موارد لأنه يكرههم ويبغض أن تكون بين أيديهم، ويريد أن ينتزعها منهم لعلهم ينتكسون، ويضيع معهم دينهم.
والغرب يتوسع في أراضيهم ليستأصلهم ويضيع عقيدتهم، ومن هنا نربط بين الاستعمار في العصر الحديث وبين العداء للإسلام والتمكين للنصرانية في بلاد المسلمين.
تنصير الطفولة المسلمة:
ونذكر في هذا الصدد كتاب "الطفولة في العالم الإسلامي" الذي ألفه المستشرق والمنصر صمويل زويمر عام 1915، ويهلل زويمر لظاهر الاحتلال الإنجليزي للعراق، والإيطالي لليبيا التي كانت تحدث في ذلك الوقت، ويتنبأ بأنه مع امتداد السيطرة الاستعمارية على العالم الإسلامي من الهند وما وراءها إلى المغرب فإن العادات والتقاليد والقيم والقوانين المسيحية الأوروبية ستنتقل إلى بلاد المسلمين، وتهيئهم بعد ذلك لتقبل المسيحية نفسها بعد ضياع الإسلام، ونستغرب عندما نجد هذا الكاتب - الذي يقول عنه تلاميذ المستشرقين عندنا أنه باحث - قد جاء ليصفق بيديه فرحاً لانتشار الملابس الغربية بين المسلمين؛ لأن ارتداء الأحذية و الجوارب - كما يقول بالحرف - ستزيد من صعوبة الوضوء!!(22/296)
ويزيد الاستغراب والتساؤل عندما يقول زويمر: إن ضياع الاستقلال السياسي للبلدان الإسلامية يتواكب - مع ما يسميه - بحركة عصرية تدعو إلى تقليد الغرب، ونقل نماذجه ومُثُله الفكرية والاجتماعية، ويركز على أهمية النظام التعليمي بالنسبة لجهود المبشرين، حيث يرى أنه يعرّف الناشئة وهم في سن الانصياع على حضارة الدين المسيحي، ويمتدح الحكومات المقامة في البلاد الإسلامية؛ والتي نشرت مثل هذا النظام على حساب التعليم الإسلامي، ويلمح في هذا الوضع الجديد فرصة لم تتح من قبل منحها الرب - حسب قوله - لتنصير الطفولة المسلمة، ونتركه يتحدث:-
لقد فقد الإسلام قوته في كل مكان، وبينما كانت غيرة الحكام المسلمين في السابق تمنع جهود التبشير بين المسلمين، أو تعرقلها؛ فإن سيف الإسلام الآن قد انكسر، وذلت قلوب المسلمين، وخضعت في كل الأرجاء بسبب الكوارث التي قامت بهؤلاء الحكام ولا ريب، أو وقوع البلدان الإسلامية تحت الحكم الأوروبي بما يعنيه من استقرار الإدارة، والتعليم يعني حتمية انهيار المعارضة الإسلامية.
الأخطبوط التنصيري:
نستخلص من هذه الأقوال وما يشابهها سنة لا تتغير من سنن الهجوم الغربي على الإسلام، فهناك التوسع العسكري والاقتصادي والثقافي للغرب، ويتواكب مع تغريب البلاد الإسلامية بالكامل، وضياع أراضيها واستقلالها في هذه المجالات، ثم إضاعة الإسلام بعقيدته ومظاهره، وإحلال العقائد الغربية - وعلى رأسها النصرانية - محله، ومن المؤكد أن النجاح الذي حققته جهود التبشير في السنوات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان لم يكن ليحدث إلا في ظل سيطرة غربية كاملة على حكومات هذه البلاد التي شجعت بالفعل النشاط التنصيري، ودعمته لإرضاء مسانديها الغربيين، محتجة بشعارات التسامح والليبرالية والعلمانية، ونضرب المثل على هذا الاتجاه بما وقع في إندونيسيا عقب الانقلاب العسكري الموالي للغرب الذي حدث هناك عام 1966، ونذكر هنا شهادة مجلة التايم الأمريكية في 16 يونيو 1967:
إن هذه الأمة الإسلامية اليوم مسرح لنشاط تنصيري متصاعد أطلقت عليه جريدة مسيحية أمريكية وصف أكبر حركة باتجاه المسيحية في الفترات الحديثة، إذ يقدر أن الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية قد اكتسبت حوالي ربع مليون متنصر خلال الأشهر العشرين التي أعقبت الثورة المضادة للشيوعية، وقد اعتنق المسيحية في جاوة الشرقية والوسطى في تلك الفترة خمسة وستون ألف شخص، بينما انضم ستة عشر ألفاً إلى الكنائس في سومطرة الشمالية، وأقيمت ثلاثون كنيسة جديدة في إقليم واحد بغرب بورنيو تضم خمسة آلاف شخص، ونظمت في العاصمة خمسون حلقة لدراسة الأناجيل التي نفذت طبعاتها لاشتداد الطلب عليها، وقد خصص مجلس الكنائس الأمريكي حوالي ثلث مليون دولار لمساعدة الكنائس البروتستانتية بإندونيسيا على استيعاب الأعضاء الجدد.
وعلى الرغم من أن معظم المتنصرين إن لم يكن كلهم من القطاعات الوثنية أو المسلمة بالنسبة فقط؛ إلا أن مجرد قيام هذا النشاط الوقح المدعم بالأموال الأمريكية في بلد تصفه المجلة الأمريكية ذاتها بأنه مسلم بنسبة 90% يدل على أمور خطيرة.
أساليب المبشرين:
نمضي في استعراض بعض أساليب المبشرين، وننتقي مثلاً من مخطط وضعه أحدهم لمنطقة غرب أفريقيا ونيجيريا في مواجهة الإسلام ومده، ومن الغريب أن نجد المبشر يضع خطة ويعنونها "الجهد المنظم لمكافحة تقدم الإسلام في غرب أفريقيا"، ونتساءل: هل المطلوب نشر النصرانية أم ضرب الإسلام أم أن الاثنين لا ينفصلان؟
ونتساءل عمن يمكِّن لهؤلاء أن يضعوا خططهم وينفذوها؟ هل هي الحكومات الاستعمارية التي زالت رسمياً، أم خلفاؤها الذين يتربعون على رؤوس السلطة تحت اسم الحكام الوطنيين المستقلين؟ ونسير مع خطة المبشر لنجده يوصي بإصدار كتب باللغات العامية تتناول دحض ما يسميه الافتراءات المحمدية القائمة على الجهل، ويقول: إن هناك مواداً كافية متاحة حول هذا الموضوع في مصر والهند، والمطلوب نقلها إلى غرب أفريقيا حتى تُستَخدم الأسلحة المصاغة على الحرب ضد الإسلام في كل مكان.
والخطوة الثانية في مشروع المبشر أخطر من الأولى: يجب أن تدرس في مدارس البعثات التبشيرية كل أخطاء الإسلام، وأن يحذر التلاميذ منها.
ومدارس البعثات التبشيرية هذه هي القائمة بيننا بأسماء أجنبية معروفة، والتي تتقاضى أعلى المصروفات.
أما الخطوة الثالثة فتنادي بعقد اجتماعات خاصة للمحمديين - كما يسميهم المبشر -، والبحث في الوسائل التي يمكن بها النفاذ إليهم، والتأثير عليهم لترك دينهم، والإقبال على النصرانية.
والخطوة الرابعة لافتة للنظر: يجب احتلال المراكز (المدن) المحمدية الهامة، حيث أن الدعوة الإسلامية تنتشر منها إلى المناطق الوثنية المجاورة.
ونتساءل عمن سيحتل هذه المراكز، وكيف سيكون الاحتلال؟(22/297)
والخطوة الخامسة خطيرة وذكية: يجب تعيين مبشرين أو دعاة متجولين للنصرانية على غرار الدعاة المسلمين المتنقلين، وعلى كل منهم أن يمكث في القرية الواقعة ضمن نطاق عمله مدة تكفي للتأثير على الناس، وإقامة مكان للعبادة، ويجب الاعتناء باختيار هذه العناصر إذا كانت هناك قرى مسلمة في المنطقة.
والخطوة السادسة ليست غريبة: يجب إقامة كلية مسيحية تضم الخبراء في الشئون الإسلامية في كل مكان، يكون فيه المسلمون أغلبية.
الإسلام يتحدى:
وعلى الرغم من كل هذه الجهود يقف الإسلام الأعزل يتحدى المخططات، ويحاول الكاتب الأمريكي "ألان مروهيد" في كتابه "النيل الأبيض" الصادر عام 1960 تحليل التحدي الإسلامي تمهيداً للتغلب عليه، ويحدد التحدي الإسلامي في بساطة العقيدة فكراً، وممارسة، وغياب الكهنوت، وسهولة العبادة دون وساطة، ويرى مورهيد أن هذه السمات تلائم العقل الأفريقي الساذج والمتخلف الذي لا يستطيع أن يفهم أسرار وفلسفات المسيحية، ويا له من اتجاه عنصري يسم الأفارقة بالبلاهة، وهو يخطط لتنصيرهم!! غير أن الكاتب نفسه يعود ليكشف عن حقيقة غربة النصرانية عن أفريقيا، وتناسب الإسلام معها، ورسوخه في تربتها، فيرى أن المسيحية جاءت إلى القارة السوداء بطراز معماري أوروبي للكنائس، وبثياب أوروبية ضيقة لا تتفق والمناخ الحار، أما عمارة المسجد لمساحاته الممتدة تحت القباب المستديرة فيتواءم مع البيئة، ونوعية الأرض، كما يناسبها الجلباب العربي الفضفاض.
وتنصب جهود المبشرين الأجانب حتى وقتنا الراهن في محاولة استنباط شكل من الممارسة الكنسية يكون ملائماً لأفريقيا وآسيا، ويمكِّن عقيدتهم من الوقوف في وجه الإسلام، غير أن المؤسسة الكنسية هي نبت أوروبي سار مع مسار التاريخ الغربي، وتطور مع تطورات الحضارة الأوروبية في وقت ضعفت فيه الكنائس الشرقية، ولا ريب أن أي محاولة لتغطية الوجه الغربي الأوروبي للمسيحية العالمية هي محاولة مصطنعة فاشلة.
الرق:
نمر على قضية يثيرها المبشرون في أفريقيا لتشويه صورة الإسلام بربط التجار المسلمين بالرق، والوصول من ذلك إلى أن الإسلام يناصر الاستعباد، وهنا نقف مرة أخرى لنسأل: هل هم ينشرون المسيحية أم يحاربون الإسلام؟
ونذكر أن الكتب المقدسة للمسيحيين لا تقول شيئاً عن الرق إلا في رسائل القديس بولس، حيث تأمر العبد بالطاعة والاستسلام لسيده، إلا أنها لا تتعرض لحاله على الأرض، بينما يحث الإسلام على عتق الرقاب، ويجعل ذلك كفارة عن بعض الذنوب، ويسد ينابيع الاسترقاق، ويفتح باب التحرير، وتلاحظ - مريم جميلة - أن النصارى والمسلمين كان لهم دور في تجارة الرقيق بأفريقيا في القرن التاسع عشر؛ غير أن قيام بعض المسلمين بذلك كان مخالفاً لتعاليم الإسلام، ثم إن نظام العبودية ظل قائماً في أمريكا المتحضرة حتى عام 1965.
العنصرية:
مازالت آثار التفرقة العنصرية والتعصب ضد السود قائمة حتى الآن في الكنائس المنفصلة للبيض والسود، ولا يغير تغرُّب الأسود وتقبله للنصرانية من الأمر شيء، فمهما فعل يظل أقل مكانة من الأبيض.
وتتحدد نظرة كل من المسيحية والإسلام إلى المسألة العنصرية أو الطبقية في قضية محدة العبادة، فما زالت كنائس البيض منفصلة عن كنائس السود حتى الآن في مناطق واسعة من أمريكا، وفي كل أنحاء جنوب أفريقيا، وعندما عقد مؤتمر كنسي في جنوب أفريقيا أواخر عام 1954 قسمت القائمة إلى نصفين؛ خصص أحدهما للكهنة البيض، والآخر للسود، جلسوا ليبحثوا مشكلة التفرقة العنصرية، و قد خطب في الجمع قس أسود فقال لهم: إنهم قسموا المسيح كما قسموا القاعة، وسخروا منه، وهم يقولون: إنه ابن للأب، فإلى أي فريق ينحاز الأب، وإلى أي جماعة يذهب المسيح إذا عاد إلى الأرض، وأدان قس آخر دفاع الكنيسة البروتستانتية في جنوب أفريقيا عن مبدأ التفرقة العنصرية، مذكراً قادتها بأن الحب الذي يقولون: إنه جوهر المسيحية لا يتحقق عندما يحرم طفل أفريقي من التمتع بجمال حديقة مقصورة على البيض، أو يمنع عامل أسود من الجلوس مع مخدوميه البيض في كنيسة واحدة.
وعلى النقيض نجد صورة تعبر عن المساواة في العبادة عند المسلمين، وهي صورة رسمها قلم كاتب إنجليزي زار القاهرة في مطلع القرن الحالي، ودخل أحد المساجد خلسة ليفاجأ في صفوف المصلين بنماذج لكل طبقات ومستويات المجتمع المصري، تقف متراصة متوحدة خاشعة لله في الصلاة، بدون تفرقة أو تمييز، ويحدثنا الكاتب عن الفلاح الواقف بجانب التاجر الغني، والعامل المكدود والطالب لابس الثياب الأفرنجية والشيخ بعباءته، وتتعدد أشكال وألوان الملابس داخل المسجد، ولكن تتوحد القلوب وأركان الفريضة لتدل على أعظم إنجازات الإسلام - كما وصفها المؤرخ البريطاني المشهور توينبي - وهي إلغاء المشاعر العنصرية.
أساليب تنصيرية أخرى:(22/298)
ونعود لنلقي الأضواء على بعض أساليب المستشرقين، وننظر لنجد الاستغلال البشع ممثلاً في تلك الجماعة التبشيرية التي استقرت بالمغرب في أوائل القرن الحالي، واحتمت بالاستعمار الفرنسي والأسباني لتأخذ أيتام المسلمين في مدينة طنجة، وتنصرهم لقاء الخبز والمأوى، ثم ترسل بهم ليكونوا مرتزقة في خدمة الجيش الفرنسي الاستعماري في حروبه ضد الشعوب المسلمة وغير المسلمة، ونلمح هنا التدني والحقارة في قصة ذلك المبشر الذي أقنع أحد الأطفال الهنود المسلمين بأنه إذا صلى للمسيح، ورسم علامة الصليب على صدره؛ فإن فريقاً لكرة الكريكيت سينتصر على الخصوم بفضل الرب.
ثم نرى كيف يضع المبشرون أساطيرهم حول مهارتهم في التنصير، لنقرأ ما كتبه أحدهم: عن شاب دمشقي من عائلة مسلمة كفر بالدين بعد اطلاعه على العلم الحديث، لكنه عاد وآمن بالمسيحية عندما أخبره صديق نصراني أن المسيحية لا تحرم الموسيقى والرسم كما يفعل الإسلام المتعصب.
المرأة و أسلحة المنصرين:
ونقف عند نشاط المبشرين في مجال العلاقات الاجتماعية في البلاد الإسلامية لتلاحظ أنهم يهتمون كثيراً بما يسمونه تحرير المرأة، أو تنفيرها من الإسلام وتعويدها على العادات الغربية لهز الإيمان في نفسها، وزعزعته، أو وأده في أطفال المستقبل.
ويركز المبشرون في العديد من المناطق على ضرورة تخلي المرأة المسلمة عن الزي المحتشم، وتمردها على الأسرة، وخروجها إلى المراقص والملاهي حتى وإن لم يؤدِ ذلك في النهاية إلى اعتناق المسيحية.
ويتضح من هذا الاتجاه أن للتغريب والتشكيك في الإسلام أهدافاً أصيلة في عمل المبشرين تفوق بالفعل اهتمامهم بالدعوة إلى النصرانية، ويبرز هنا كمثال: قيام مبشرة هولندية بإنشاء مدرسة للبنات في مدينة البصرة عام 1909 لتربيتهن تربية أوروبية صرفة، وتجهيزهن لإكمال التعليم في الغرب حين يبعدن عن الإسلام تماماً، وكانت هذه المبشرة تهتم بمتابعة أخبار طالباتها، وتفرح عندما تسمع أنهن تخلين عن الزي العراقي التقليدي، واتبعن العادات الغربية في بيوتهن، ومع أطفالهن، وقد سجلت تجربتها هذه في كتاب صدر في أمريكا عام 1961، وتتحدث بابتهاج عن التغير الاجتماعي المواتي للغرب الذي يمكن للمعاهد العلمية التبشيرية والغربية أن تحدثه، وتجدر الإشارة هنا إلى الدور الذي تقوم به الجامعة الأمريكية في القاهرة وبيروت، وكلية روبرتس في إسطنبول وغيرها.
السلبية البغيضة:
لكن الجانب الأخطر في كل هذه النشاطات التنصيرية يكمن في جهل المسلمين بها، وسلبيتهم إزاءها، وتواطؤ الحكومات في البلاد الإسلامية معها.
فالدعوة الإسلامية غائبة عن الأقليات غير المسلمة المقيمة في بلاد المسلمين، والحكام العلمانيون تخلوا عن واجب الحاكم في الإسلام الذي يحتم عليه رعاية القيم الدينية لمواطنيه، وتشجيع الدعوة لنشر الإسلام، ويقف المسلمون في حالة من الغفوة المشينة إزاء المبشرين المسلحين بالأموال الطائلة، والنفوذ السياسي، والذين يسخرون المؤسسات الاجتماعية الضرورية كالمكتبات والمدارس والملاجئ والمستشفيات ودور الرعاية ومراكز الشباب لنشر دعوتهم حتى في داخل بلاد المسلمين أنفسهم.
والمبشرون ينوعون أساليبهم ما بين الإقناع والإرهاب، والإغراء واستغلال الجهل والحاجة، وهم يجتذبون الفقراء بالمال، أو تزويد المسكن، أو الإرشاد الزراعي، أو الخبز، أو فرص التعليم، أو مناصرة قضايا المظلومين؛ بالاستناد إلى الحماية الخارجية، وهكذا يتحول المبشرون إلى تيار اجتماعي سياسي قوي ينافس الدولة ويخيفها إن لم يسيطر عليها، وبهذه الطريقة ضاعت الأغلبية المسلمة في كثير من الدول الأفريقية، واهتزت في بلاد إسلامية كبيرة كأندونيسيا والباكستان.
وعندما قام حاكم مسلم مستنير كأحمد وبيلو، وأبو بكر تيفاواباليوا في نيجيريا أسقط فوراً في انقلاب عسكري دموي دبرته الصليبية الدولية بالتحالف مع الصهيونية، وكانت جريرته التي قتل بها في يناير عام 1966 أنه شجع الدعوة الإسلامية مما أدى إلى اعتناق الألوف المؤلفة من النصارى والوثنيين للإسلام، وقبلها بعامين تحالفت الصليبية مع الشيوعي السابق جوليوس نيريري وبعض الاتجاهات العسكرية الماركسية لقلب حكومة زنزبار المسلمة، وتنحية الحاكم العربي الشرعي السلطان جمشيد، وإحلال حكم مسيحي محله بعد ذبح أعداد لا حصر لها من المسلمين في هذه الجزيرة وتصفية سكانها من العرب، وببساطة شديدة انتهت زنزبار كمعقل إسلامي كبير وقديم في شرق أفريقيا.
الجهود التنصيرية في باكستان:(22/299)
يمتد الأخطبوط التبشيري بتحالفاته السياسية الواسعة إلى قلب بلد كان يظن أنه بمنجى عن مخططات التنصير والتغريب وهو باكستان التي قامت على الإسلام لجمع شمل المسلمين، فما هي الصورة في ذلك البلد؟ ولنترك الأرقام تتحدث: ففي عام 1958 ذكر المسيحيون أن أعدادهم هناك تبلغ حوالي ثلاثمائة ألف، وقالوا: إن نسبة زيادة المسيحيين خلال عشر سنوات من عام 1941 إلى 1951 بلغت حوالي 30%، وكانت الزيادة في منطقة البنغال الشرقية وحدها (بنجلاديش الآن) تصل إلى 45%، ووصلت في منطقة لاهور بالجزء الغربي من البلاد إلى 50%، بينما ارتفعت في مدينة كراتشي إلى مئة بالمئة، أما في الفترة من عام 1951 ـ 1958 فقد زادت الأعداد بنسب أعلى لاسيما فيما يتصل بالمنضمين إلى المذهب الكاثوليكي.
وترجع نشاطات التنصير إلى أواخر الأربعينات، حيث استغلت الهيئات التبشيرية حالة الفوضى السائدة عقب التقسيم وما تبعه من متاعب، ونشوء تجمع لاجئين كبير في الانتشار بين الأوساط الإسلامية، والتركيز عليها، وقد ذكرت جريدة "العالم الإسلامي" التي تتبع إحدى جهات التبشير الأمريكية أن المجتمع الإسلامي قد ساده الاضطراب عام 1947 مما أدى إلى أن يصبح المسلمون أكثر تقبلاً لصداقة المسيحيين المبشرين الذين قدموا المعونات والهداية والإرشاد من خلال تنظيمات مثل: اللجنة المسيحية لإغاثة باكستان الغربية ومقرها لاهور.
وقد دعمت حكومة باكستان هذه الأعمال التبشيرية، وسهلت لها نشاطاتها من النواحي المادية والمعنوية فضلاً عن تدفق الأموال من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد على أكثر من أربعين منظمة تبشيرية تنشط في باكستان من خلال المؤسسات التعليمية وغيرها.
وتركز جهات التنصير في باكستان على النواحي التعليمية بعد أن استقرت هناك؛ باستغلال الاضطراب، والعَوَز؛ الناجمين عن التقسيم.
ومن المؤسسات التعليمية كلية فورمان المسيحية للشباب، وكلية كينيرد للشابات، ودير عيسى ومريم للأطفال، وكلها تدرس بالإنجليزية ومقرها لاهور، وتعتمد الحكومة الباكستانية أساليب وأنظمة ومناهج وفلسفات التعليم في المدارس والمعاهد التبشيرية كنماذج وقدوة ومثل عليا تصاغ على أسسها سياسات التعليم في المدارس الحكومية باللغتين الأردية والبنغالية؛ و لهذا السبب تتضاءل أهمية تدريس اللغة العربية والفارسية في التعليم الحكومي، وتهيمن الإنجليزية ليس كلغة فحسب، بل وثقافة أيضاً؛ حيث يدرس الأطفال تاريخ إنجلترا على حساب تراثهم الوطني، ولا يتعلمون أي شيء عن الإسلام أو تاريخه سواءً في الخارج أو في بلدهم الإسلامي نفسه، وتحاط دراسة المواضيع الإنجليزية بمغريات شتى تحبب التلاميذ فيها، بينما تقدم مادة الإسلاميات في صورة منفرة غير متصلة بالواقع؛ سواءً في مراحل التعليم الأولية أو الجامعية.
أضف إلى ذلك أن الدراسات الإسلامية في الجامعات تقدم من وجهة نظر غربية استشراقية مما يعني أن الطلاب المسلمين يدرسون دينهم على يد أعدائه، ومما لا ينبغي إغفاله أن المدارس التبشيرية الخاصة في باكستان تعمد إلى صياغة سلوكيات الطلبة على الأنماط الغربية، فتفرض عليهم الزي الأوروبي الكامل بما فيه رباط العنق الذي لا يتناسب مع حرارة الطقس، كما تقدم لهم أصناف الطعام الإنجليزي.
مواجهة النشاط التبشيري:
مواجهة النشاط التبشيري في البلاد الإسلامية يجب أن تبدأ بمنع هذه التحركات المستغلة للعَوَز والحاجة، كما لابد أن يقترن ذلك بدعوة إسلامية إيجابية وذكية متحررة من قيود السلطة، أو روتينية الوظيفة، يقوم بها الأفراد والجماعات.
ومن المؤكد أن الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين لن يكتب لها النجاح على نطاق واسع إلا إذا قام مجتمع أو دولة إسلامية تكون بمثابة القدوة للطبيعة العملية، والممكنة للمنهج الإسلامي، وتقدم البديل العملي الناجح والقائم في وجه المنهج الغربي الفاشل على تعدد أساليبه.
فمثل هذه الدولة الإسلامية الحقيقية هي الكفيلة بإنجاح جهود الدعوة كما كانت في المدينة المنورة في عهد الرسول - عليه الصلاة و السلام -.
وإذا كان المبشرون يعتمدون على مجال الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للوصول إلى الجماهير المحرومة، فلابد من دعم جهود التنمية والوفاء بحاجات الناس الصحية والتعليمية؛ من خلال مؤسسات إسلامية تابعة للحكومات أو الأفراد أو الهيئات، ولابد كذلك من التعرف بعمق على الفكر والعقيدة المسيحية وأوجه القصور والضعف فيها.
ملاحظات عامة على المسيحية:(22/300)
نحاول هنا أن نطرح بعض الملاحظات على المسيحية الغربية التي تمثل مناطق عيب، تقابلها أوجه قوة في الإسلام. أولى هذه الملاحظات تتعلق بغياب مفهوم الأمة الواحدة العامة في الممارسة المسيحية، وغلبة المفاهيم العنصرية، والقومية، فالعنصرية تحكم المسيحية الغربية مع الشعوب الأخرى حتى لو اعتنقت المسيحية، والقومية تهيمن على العالم المسيحي الغربي الذي يفصل بين الدين والدولة، مما أدى إلى ظهور شرور النازية والفاشية والشيوعية، وفي كل الأحوال فإن غياب مركزية التوجه ووحدته قد أصاب المسيحية الغربية بضعف شديد تحاول الآن التغلب عليه من خلال تحركات البابوية الرومية، ومجلس الكنائس العالمي في ميدان السياسة.
والعيب الثاني الرئيسي في المسيحية هو تعقد عقائدها، وغموضها المضطرب؛ كعقيدة التثليث مثلاً، ونجم عن ذلك تحول المسيحية إلى مجرد محاولة غير ناجحة لتحويل بعض الأفكار الفلسفية إلى دين لا تتقبله الفطرة الذهنية، كما نجم عنه أيضاً حركات الإصلاح المتتابعة منذ البروتستانتية، والتي سعت كلها إلى جلاء غموض الفلسفات والمذهبيات المتداخلة في العقيدة المسيحية، لكن هذه الحركات بدورها حولت الدين إلى كتلة باردة فاقدة لحرارة الإيمان والإخلاص، وانتهى الأمر إلى ضيق المفكرين والعامة من الأمر برمته، ورواج الدعوة إلى فصل المسيحية عن تسيير الشئون السياسية والاجتماعية إذا كانت عقائدها الأساسية على هذه الدرجة من التخبط، ومع ذلك بقي دعاتها يؤكدون أن صعوبة عقائدها تعني أنها موجهة بالإساس للعقول المتحضرة، وليس للسذج في بلدان آسيا وأفريقيا ممن يقبلون على الإسلام لبساطته.
والعيب الثالث القاتل هو خلو المسيحية من فلسفة اجتماعية شاملة وفعالة، فهي منذ بدايتها لا تعلق على شؤون الحياة والبشر، وليس لديها رأي في مسائل الدولة والقانون والإنتاج، ولا بديل أمامها إلا أن تعيش منفصلة عن الدولة، أو أن تسعى إلى مناقضة نفسها بالعمل على السيطرة على الدولة التي توجد الكنيسة في دائرتها، وتعود نظريتها في هذا المجال إلى القرنين الأول والثاني من تاريخها، حيث ترعرعت إلى جانب الدولة الرومانية وتركت قضايا الحياة للقياصرة الأقوياء، مكتفية بالحديث عن ملكوت الرب، وكان من شأن هذه الثنائية، والبعد عن الحياة؛ أن تثور ردود فعل قوية ضد المسيحية في تاريخها الطويل في أوروبا لعل أشهرها كان تفشي المذهب الشيوعي في بلدان الغرب؛ ليحاول ملء الفراغ الدنيوي الخالي من أي توجيه ديني، ولا ريب أن محاولة فصل الدين عن الحياة تفشل، لأن الحياة لا تقبل أن تنقسم وتحصر في أطر ضيقة.
ومن العيوب الأخرى التي أصابت المسيحية اقتصارها على الشعوب الغربية، وتطبعها بأفكارها ومذاهبها وعاداتها، ولم تنتشر المسيحية خارج أوروبا إلا في بلدان العالم الجديد في أمريكا الشمالية والجنوبية؛ حيث واجهت وثنيات متخلفة، لكنها حينما حاولت أن تتوسع في البلدان ذات الأديان المنظمة حتى وإن كانت وثنية كالهندوكية والبوذية فشلت، ولم تحرز أي تقدم إلا في ظل سيطرة الاستعمار الغربي وبمساعدته والتحالف معه، واستغلال أوضاع محلية معينة من الأزمات والحروب، والفقر والجهل، والتفكك الاجتماعي، والتدهور الثقافي، وضرب الحضارات الأصلية.
ونختتم جولتنا المطولة عبر أفكار وممارسات المسيحية بتساؤل: ترى لو عاد المسيح - عليه السلام - فهل سيتعرف على أتباعه في الغاتيكان، أم في مسلمي فلسطين والبلاد المجاورة الذين سيعرفون قدره كنبي؟ ويرحبون به حتى وهم في حالة الاستضعاف؟ إن عيسى - عليه السلام - لن يسعى لمقابلة البابا، لكنه سيحاول تحرير القدس كما حررها من قبل من الغارسيين والكتبة والمنافقين، وسيقود جيش المسلمين من فلاحي مصر والشام وفلسطين.
نقلاً ـ بتصرف ـ عن كتاب (رحلتي من الكفر إلى الإيمان ـ قصة إسلام الكاتبة الأمريكية المهتدية "مريم جميلة")
المصدر : http://tansee صلى الله عليه وسلم jee r an.com/st r uggle.html
==========(22/301)
(22/302)
التبشير في بلاد المسلمين
الدكتور يوسف القرضاوى
التبشير يجاور الاستعمار:
الحمد لله نستهديه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، خصنا بخير كتاب أنزل، ونبي أرسل، وأشهد أن سيدنا وإمامنا عبد الله ورسوله، أما بعد:
فيا أيها الأخوة المسلمون قد شكا إلي كثير من الأخوة والأخوات النشاط التبشيري الملحوظ في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج، وأرسلوا إلي صوراً من الرسائل التي تأتيهم عبر البريد تطلب إليهم أن يبحثوا عن خلاصهم ونجاتهم في الإيمان بالرب يسوع، الذي يغفر لهم كل خطاياهم بمجرد أن يؤمنوا به، وأن في الكتاب المقدس شفاء لكل داءً، وحلاً لكل مشكلة، وهذا عجيب حقاً أن يمارس هؤلاء نشاطهم علانية وجهرة في بلاد إسلامية عريقة، هي مهد الإسلام، وهي دار الإسلام.
كنا نود من هؤلاء أن يذهبوا بنشاطهم إلى بلاد الوثنية في آسيا وإفريقيا فهناك وثنيات كبرى، فيها آلاف الملايين من الناس، وهناك بلاد عاشت في إطار الإلحاد سنيناً عدداً، عقوداً من السنين، كنا نريد من هؤلاء المبشرين والمنصّرين أن يذهبوا إلى تلك الديار ليهدوهم إلى نصرانيتهم، أما أن يذهبوا إلى بلاد المسلمين فهذا هو العجب حقاً، وهذا ليس بجديد، الحملة التبشيرية بدأت مع الاستعمار، منذ دخل الاستعمار بلاد المسلمين وبلاد غيرهم في آسيا وأفريقيا، كان يجاور الاستعمار جنباً إلى جنب التبشير، أوروبا تخلصت من الدين في ديارها، كان الدين - دينها دين الكنيسة، ورجال الكنيسة - كان عقبة في سبيل النهوض، كان الدين ضد الفكر، وضد العلم، وضد الاختراع، وضد التحرر، كان مع الملوك ضد الشعوب، وكان مع الإقطاعيين ضد الفلاحين، وكان مع الظلم ضد العدل، وكان مع الظلام ضد النور، وكان مع الجمود ضد التحرر، ولذلك ثار الناس على الدين هناك، وقالوا كلمتهم الشهيرة: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس، تحرروا من دينهم دين الكنيسة، الدين الذي وقف ضد هذه المعاني الهادية، والمعاني الطيبة، وقفوا ضد هذا الدين وثاروا عليه، ومع هذا صحبوا الدين في رحلاتهم الاستعمارية، الدين الذي حاربوه في الداخل اصطحبوه معهم للخارج، اصطحبوا معهم المبشرين والأناجيل - كما قال أحد الأفارقة -: "جاء الأوروبيون فأخذوا أرضنا وثروتنا، وأعطونا بدلها الإنجيل".
كان التبشير في خدمة الاستعمار، منذ بدأ الاستعمار والتبشير يسير في ركابه، ويقدم له الخدمات، وهذا ما لاحظناه من قديم، ومنذ بداية هذا القرن ذهب إلى مصر حملات هائلة للتبشير، حاولوا أن يغروا مصر بلد الأزهر والعلماء، ولكنهم لم يجدوا أذناً صاغية، ولم يجدوا من يستجيب لهم، حتى القرى التي تشكوا من سوء الحال، ومن ضيق العيش كان الرجل يذهب إليهم فيحكي عن عجائب المسيح ومعجزات المسيح والعذراء، والناس يسمعون وفي النهاية يقول أحد الحاضرين: وحدوه!! فيقول الناس: لا إله إلا الله، صلوا على النبي، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، فيقولون: لم نستفد شيئاً.
سيظل الإسلام صخرة عاتية:
لم يجدوا من يستجيب لهم، وكتب كبيرهم في ذلك تقريراً مطولاً قال: في نهايته سيظل الإسلام صخرة عاتية في مصر تتحطم عليها محاولات التبشير المسيحي مادام للإسلام هذه الدعائم الأربع: القرآن الكريم، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعي، والحج السنوي.
مادام القرآن يُقرأ ويتلى ويحفظ ويسمع فهو يوقظ ويحرك، ومادام الأزهر يخرّج علماء يعلّمون ويعظون ويذكّرون الناس فسيظل الناس مشدودين إلى الدين، ومادام اجتماع الجمعة الأسبوعي يربط الناس بالمسجد، ويربط الناس بالدين، وبالعلم وبالموعظة، وبذكر الله فأيضاً سيظل الناس على صله بالدين، وهذا المؤتمر في الحج السنوي، يذهب الإنسان عاصياً ويعود تائباً، يذهب بعيداً عن الله ويعود قريباً من الله، هذه الدعائم الأربع، وهذه الدعائم موجودة في كل بلد، فليس المقصود بالأزهر هو البناء، المقصود العلماء، المؤسسة التي تخرج علماء الدين ودعاته، في كل بلد فيها القرآن والعلماء واجتماع الجمعة وفيها الحج، فلذلك لم يستطع التبشير أن ينجح، وصدر في ذلك كتاب مشهور اسمه الغارة على العالم الإسلامي، وقال القائل في ذلك الكتاب: أنه مادام هناك القرآن، ومادامت هناك الكعبة؛ فلن نستطيع أن نغزو المسلمين".(22/303)
وستظل الكعبة، ويظل المصحف - إن شاء الله -، ولكنهم غيّروا طريقتهم استطاعوا أن يطّوروا أنفسهم، وكتب منهم من كتب إنه ليس من الضروري أن نحول المسلم إلى نصراني، ليس من الضروري أن يتحول محمد وأحمد وعبد الرحمن وعلي إلى جورج ومتىّ وبولص، إنما المهم أن نزعزع ثقة المسلم بإسلامه، أن نشككه بالإسلام، أن ندخل عليه مفاهيم جديدة تخالف مفاهيم الإسلام، وقيماً جديدة تخالف مفاهيم الإسلام، وهكذا صنعوا، وخصوصاً في المنطقة العربية، فالمنطقة العربية يصعب فيها أن ينتقل إنسان من مسلم إلى مسيحي، ولكن هذا حدث في غير المنطقة العربية خارج العالم العربي، وجدنا أناساً ينتقلون من الإسلام إلى النصرانية، خصوصاً الأطفال الذين يأخذونهم منذ نعومة أظفارهم ليعلموهم في مدارسهم، ويلقنون عقائدهم ومبادئهم، فينشأوا على ما علمهم معلموهم، هذا وجدناه في آسيا وأفريقيا.
منذ عقود من السنين حكم نيجيريا حاكم مسيحي، هذا الحاكم المسيحي من قبيلة مسلمة، كيف صار هذا؟؟ إنه ارتد بواسطة التعليم في المدارس، حدث هذا في نيجيريا، وكثيراً ما تذهب تجد على لافتات المحلات اسماً مسيحياً وجده اسماً مسلماً، أو قبيلته إسلامية، وهكذا كان في إندونيسيا، أذكر من حوالي ربع قرن حينما ذهبت إلى إندونيسيا وفي الطائرة سألت المضيّفة: سألتها هل أنت مسلمة؟ فقالت: لا لست مسلمة أنا مسيحية، ولكن أسرتي مسلمة، معناها أنها ارتدت والعياذ بالله، وسألت المضيف: هل أنت مسلم! فقال: لا ولكن زوجتي مسلمة، وهذه مصيبة أخرى، كيف تتزوج المسلمة غير مسلم؟؟ حدث خلل في المجتمع استطاع هؤلاء المنصّرون أن يكسبوا بعض المسلمين بوسائل شتى، إغراءات مختلفة، إغراءات للبلاد الفقيرة، والقرى النائية، والناس الأميين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، وبواسطة التعليم هذا ما فعلوه، ومع هذا - مع أنهم كسبوا ما كسبوا - ترى المبشرين ينشرون أنهم لم يستطيعوا أن يؤثروا في المسلمين، ولم يستطيعوا أن يكسبوا المسلمين، وهذا لعله مقصود منهم، مقصود أن ينشروا ذلك ليشعروا المسيحيين الأغنياء أنهم في حاجة إلى مزيد من الأموال لتتدفق عليهم المليارات، فكلما شعروا أن الأمر فيه عقبات ومعوقات، ويحتاج إلى جهود أكبر، وإلى أموال أكثر؛ جاءت لهم هذه المعونات بالمليارات، ومن ناحية أخرى لعلهم يريدون أن ينومونا ويخدرونا، أن يخدروا الفريسة حتى نقول: الإسلام بخير، ونسكت على ما يجري من حولنا ولا نقاوم، هذا هدف أيضاً.
أمنيتهم منذ 30 عاماً تحويل العالم الإسلامي لنصراني:
ومن ناحية ثالثة فهذا أيضاً لعله دون ما كانوا يتمنون، إنهم كانوا يتمنون أن يغزو العالم الإسلامي، ويحولوه إلى النصرانية، هذه كانت أمانيهم منذ نحو 30 سنة، وضعوا خطة لتنصير إندونيسيا أكبر بلد إسلامي في العالم أن ينصروها في 50 عاماً، وذهب بعض الأخوة إلى إندونيسيا، وعرض عليهم الأخوة هناك الخطط التي وضعها المنصّرون، وهي خطط جهنمية ورائها إمكانات هائلة، المسلمون في إندونيسيا - في إندونيسيا آلاف الجزر - يتنقلون بالقوارب، وهؤلاء يتنقلون بالطائرات، طائرات الهليوكوبتر، هناك حوالي ستين مطاراً تملكها الإرساليات التنصيرية في إندونيسيا، لهم مدارس ومستشفيات، ولهم أندية، ولهم ولهم، جاء هؤلاء الأخوة يقولون: يا مسلمون أنقذوا إندونيسيا، وحينما زرت إندونيسيا منذ ربع قرن رأيت ذلك، عرض علي بعض الأخوة هذا الأمر، وقال: ادعوا المسلمين في أنحاء العالم أن يقفوا معنا، ووقف الدكتور محمد ناصر وإخوانه هناك في المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية يقاومون بإمكاناتهم القليلة، ولم يستطع التنصير أن يحقق أمنيته، بالعكس جاءت صحوة إسلامية جديدة في إندونيسيا لم تخطر لهم على بال، وإذا بالشباب الإندونيسي يتحول منه إلى الإسلام، ويقف مع الإسلام، ويدعو إلى الإسلام، لذلك حينما يقول المنصّرون نحن قد أخفقنا وفشلنا مع المسلمين لأنهم لم يحققوا كل أمانيهم.
في سنة 1978م انعقد مؤتمر للمنصرين البروتستانت في ولاية كلورادو في أمريكا، 150 من عتاة المبشرين قدموا أربعين دراسة عن علاقة الإسلام بالمسيحية، وكان الهدف المعلن لهذا المؤتمر هو تنصير المسلمين في العالم.(22/304)
سنة 1986م انعقد مؤتمر في بازل في سويسرا بتنصير العالم، وفي سنة 87 بعدها بسنة بتنصير المسلمين في العالم، يعني أول ما يجب أن يبدؤوا به هم المسلمون ليسوا الوثنيين أو الملاحدة؟؟!!! هذا هو العجب، المسلمون يجب أن ينصَّروا، ورصدوا لذلك ألف مليون دولار، جمعوها من المليارديرات الكبار في الحال، ألف مليون دولار، وأنشأوا لهذا معهداً أسموه معهد زويمر، وزويمر هذا أحد المنصرين العتاولة، كان مقره في البحرين في أوائل هذا القرن، ورأس مؤتمر المبشرين الذي عقد في القاهرة سنة 1906م في أوائل هذا القرن، أرادوا أن يحيوا ذكراه، وأن ينشؤوا معهداً متخصصاً في تنصير المسلمين، معهد يدرس فقط كيف تنصر المسلمين؟، هؤلاء متخصصون في جنوب إفريقيا، وهؤلاء في شرق إفريقيا، في غرب إفريقيا، في وسط إفريقيا ، في شمال إفريقيا في كذا ، وكل جماعة يعرفون المنطقة التي يبشرون فيها، يعرفون لغتها، يعرفون لهجاتها وقبائلها، وشيوخ القبائل، والمذهب الفقهي السائد، الطريقة الصوفية السائدة نقشبندية أو تيجانية أو قادرية أو كذا، يعرفون المذهب العقدي هل هم أشاعرة، هل هم سلفيون أو كذا، يعرفون كل شيء عن المنطقة، ويدخلونها يحاولون أن يغزوها من الداخل، وأن يفرقوا بين أبنائها، وأن يفعلوا وأن يفعلوا، هذا هو المعهد الذي أنشأوه، وهذا الذي دفعني في تلك الأيام أن أنادي المسلمين في بلاد شتى: يا مسلمون قفوا ضد هذا الغزو الجديد.
ديننا دين عالمي ونحن مأمورون بتبليغه:
إذا كان هؤلاء قد رصدوا ألف مليون دولار لتنصير المسلمين في العالم؛ فلنرصد ألف مليون دولار لحماية الوجود الإسلامي في العالم، لا لأسلمة العالم، مع أن ديننا دين عالمي، ونحن مأمورون أن نبلغه إلى العالمين، لأنه رحمة الله للعالمين، ليكون للعالمين نذيراً ((يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ))، إذا لم نفعل ذلك فعلى الأقل نحمي المسلمين، المسلمون الذين يستغلون فقرهم وجوعهم، ويستغلون بطالتهم وعطالتهم، ويستغلون أمراضهم وأوجاعهم، ويستغلون يتمهم وتشردهم، يستغلون تلك الأشياء لينشؤوا منشآتهم، وهذه المنشآت باسم المسيحي والمسيحية، وهكذا لم نستطع نحن المسلمين أن نجمع الألف مليون دولار، بل لم نجمع إلى الآن 40 مليون دولار، وإن كنا يعني أقمنا نشاطاً كبيراً ولكن الهدف أن نجمع ألف مليون دولار لنوظفها ونستثمرها، وننفق من عائدها هذا كان الهدف، وإذا كان هؤلاء رصدوا ألف مليون دولار فهم يجمعون سنوياً عشرات آلاف الملايين.
في حلقة من حلقات برنامج " الشريعة والحياة " كنت أتحدث عن جهود هؤلاء المنصرين، وقلت: أنا أظن أن لهم ربع مليون مبشر في أنحاء العالم، فرد علي أحد الأخوة المعنيين بهذا الأمر رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت - الشيخ عبد الله المطوع حفظه الله - وبعث إلي إحصائيات منهم، هم كتبوها بأنفسهم، وقال: إن هناك 4 ملايين و 750ألف مبشر ومبشرة يتبعون الكنيسة في أنحاء العالم، ويأخذون أجورهم من الكنيسة، خمس ملايين إلا ربع يعملون للكنيسة!! أنفق عليهم سنة 1996 ، 193 مليار دولار، وفي سنة 1997م قاربوا ال200 مليار، انظروا أيها المسلمون! القوم يعملون لابد أن نعترف بهذا، هم يعملون فماذا نعمل نحن؟ إننا لا نعمل على مستوى الإسلام الذي نؤمن به ونمثله، ولا على مستوى العصر الذي نعيش فيه، ولا على مستوى ما يعمل هؤلاء لدينهم الذي نعتقده نحن ديناً باطلاً، نحن نؤمن بالمسيح - عليه السلام -، ونؤمن بموسى، ونؤمن بأصل اليهودية والنصرانية، ولكن نعتقد أن هذه الديانات حرّفت وبدّلت لأنها كانت ديانات موقوتة لزمن معين، ولذلك لم يتكفل الله بحفظ كتبها، إنما استحفظها أهلها ((بما استحفظوا من كتاب الله)) فلم يحفظوه، ونسوا حظاً ما ذكروا به، وكتبوا الكتاب بأيديهم، وقالوا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم مما كسبت أيديهم أو كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون.
نحن مع أهل الكتاب:
القرآن جعل لأهل الكتاب منزلة خاصة، وأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن، ونقول آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون، بل أجاز لنا عند الحاجة أن نتزوج من نسائهم، وأن نأكل من ذبائحهم، ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب))، ولكنهم للأسف لم يعاملونا بمثل ما نعاملهم به، إنهم يضمرون الكيد لنا دائماً من قديم ومن حديث، من قديم كانت الحروب الصليبية، والصليبية ليست نزعة دينية، إنها نزعة استعمارية كلها أحقاد وكراهية وبغضاء، والبغضاء هي الحالقة لا تحلق الشعر بل تحلق الدين، إنهم يعاملوننا بهذه الروح الصليبية ولا يعاملوننا أننا أهل كتاب، فهؤلاء هم الذين يحاولون اليوم أن يغزونا في عقر دارنا، وأن ينصِّرونا وهيهات هيهات.
هناك من نذروا أنفسهم لنشر المسيحية، فأين نحن؟؟(22/305)