(1/436)
ما هي هويتنا نحن المسلمين
الدكتور بشر بن فهد البشر
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
الانتماء الذي نريدُ أن نتحدث عنه هو الانتماء إلى هويةٍ واضحةٍ ثابتة، هوية مستقلة متميِّزة؛ فهو الذي يُعطي الأمم الوصف الذي تستحق به أن تكون أمماً، وهو القاعدة الأساسية لبناء الأمم، لأنَّ الهوية التي تنتمي إليها أي أمة هي تميزها عن غيرها.
فما هي هويتنا نحن المسلمون؟ ولمن يكون انتماؤنا؟ وإلى من ننتسب؟ ولأي شيءٍ نتعصب؟ وعلى أيِّ شيءٍ نوالي ونعادي؟
في العصور الأخيرة، وبالتحديد في القرن الهجري الماضي، حصل للأمة المسلمة ما يمكنُ أن نسميهِ أو نطلق عليه " بأزمة الهوية "، أزمة تحقيق الانتماء، فحصل فيها ولها من التخبط والتنقل على موائد الشرق والغرب، ما أضاع الأمة وأفقدها استقلالها وتميزها وشخصيتها، وإلى هذا اليوم لا تزال الأمةُ تعيشُ هذه الأزمة، أزمة الهوية، أزمة الانتماء، إما في ضياع الهوية ضياعاً كاملاً عند فئةٍ من المستغربين، و إمَّا بالغش والغُبارية وتكدر الرؤية، عن كثير ممن ينتسبُ لهذه الأمة، سواءً كان من عامةِ الشعوب، أو كان ممن ينتمي إلى العمل الإسلامي، أو حتى من الحكومات أو غير ذلك.
لذلك يجبُ أن نحدد هويتنا بدقة، وأن نعرفها بوضوح؛ لنعرف ما هي حقيقتنا و أهدافنا، وما هو المنهج الذي يجبُ أن نسير عليه؟
فهل هويتنا هي القومية أم الوطنية؟ أم التبعية للشرق أو الغرب أو لهيئة الأمم؟ أم هويتنا هي السير وفق النظام العالمي الجديد؟
ما هي هويتنا نحن المسلمين؟
إن َّالقومية جاءتنا عن طريق الغرب، عن طريق أوروبا، ونشرها اليهود في تركيا، فأثاروا النعرة القومية الطورانية؛ ثُمَّ أخذها النصارى المارونيون في لبنان بالتحديد ونشروا القومية العربية، ففرقت بين المسلم من أرض العرب وبين المسلم من البلدان الأخرى، فبدل أن يكون الرقم الذي معنا يتعدى الألف مليون، أصبح لا يتجاوزُ مائة وخمسون مليون.
ثم حصل التفرق والانحطاط، هذه القومية ما أخذت حتى بقيم العرب في الجاهلية، والتي عبر عنها شاعرهم بقوله:
و أغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
بل أخذت التحلل والتهتك، والفجور والفساد، ونقلوهُ إلى بلاد العرب بصفةِ التقدم والرقي والحضارة.
هل هويتنا هي الوطنية؟!
إنَّ الأوطان رقعةٌ ضيقة، ما الذي يحدها؟ ما الذي يُبَيِّنُها؟ هل هي المكان الذي قضيتَ فيه حياتك؟ وما تحديد هذا الوطن الذي يجبُ أن يتعصب له الإنسان، وأن يوالي عليه وأن يعادي؟ إنَّ الوطن لا يُحد ولا يوضح، فإذا قيل مثلاً: إنَّ أهل مصر يجبُ أن يتعصبوا لمصر، فسيختلفُ أهل مصر لأي شيءٍ يتعصبون: للصعيد أم للقاهرة؟ وأهل الصعيد سيختلفون لأي شيءٍ يتعصَّبون لأسوان أو لأسيوط؟ إنَّ هذه الهوية لا تحديد لها، وإنَّها تفرقةٌ وضعفٌ وخورٌ في الأمة.
هل ننتمي لهيئةِ الأمم؟ وللشرعيةِ التي يُطنطنون بها، وهي في واقع الأمرِ جاهلية يُسيِّرها اليهود والنصارى، فنحن كما قال جرير:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم * * * ولا يستأمرون وهم شهود
أم هل ننتمي للنظام العالمي الجديد؟ الذي نكون عجلةً من عجلاته، ولكن السائق غربي يقود الحافلة، إلى أي شيءٍ ننتمي؟ وما الذي يُميزنا عن غيرنا؟ وما الذي يحدد هوية هذه الأمة؟ ما الذي يجعلنا نجتمع على كلمة سواء؟
إنَّ هويتنا أيُّها ـ الأخ القارئ ـ هي هذا الدين الذي أكرمنا الله به وأخرجنا به من الضلالةِ إلى الهدى، ومن العمى إلى البصيرة، هذا الدين هو القاسم المشترك الوحيد الذي تلتقي عنده وحدة الإسلام، هذه الأمة الكبرى من مشرق الأرض إلى مغربها، فلا يجمعها جنسٌ ولا تجمعها لغةٌ ولكن يجمعها دين واحد، هو هذا الدين الذي اتحدت وائتلفت عليه.
لقد كان المسلمُ يخرجُ من أقصى المغرب وينتقل إلى أقصى المشرق وهو يعتبر الجميع بلاده، بل إنَّهُ ينتقلُ من بلدٍ بعيد إلى بلد آخر، فإذا جاء احتفى به أهل البلد وعينوه لهم قاضياً و إماماً.
انظر مثلاً إلى ابن خلدون العالم الكبير والمؤرخ، وهو صاحبُ المقدمة التي هي من قواعد علم الاجتماع، ولد في بلاد تونس، وفيها نشأ وانتقل إلى بلاد الأندلس، فاستقبلوه استقبالاً حافلاً، وانتقل إلى مصر فعينوه فيها قاضياً، وهكذا كانت الأمة:
ولستُ أدري سوى الإسلام لي وطناً *** الشام فيه ووادي النيل سيانِ
و كل ما ذكر اسمُ الله في بلدٍ *** عددت أرجاءه من لب أوطانِ
بل إنَّ تاريخ هذه الأمة المسلمة يتعدى الألف وأربع مائة سنة، الماضية إلى أعماق التاريخ، إلى يوم أن أنزل آدم - عليه السلام - إلى هذه الأرض، منذ أن وجد الإسلام على هذه الأرض وذاك هو تاريخنا.(1/437)
إن َّالأمة المسلمة أمة واحدة من عهد آدم عليه السلام كما قال الله تعالى: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) (سورة الأنبياء: 92).
وقال سبحانه في سورة المؤمنون: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) (سورة المؤمنون: 51).
فدين هذه الأمة دين واحد هو الإسلام: ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)) (سورة آل عمران)، وتاريخها واحد هو تاريخ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ثم أتباعهم من المؤمنين، ولذلك فنحن نتفاعل مع قصص الأنبياء عندما نقرؤها في كتاب الله جل وعلا، فعندما تقرأ سورة يوسف، أو عندما تقرأ قصة إلقاء أبينا إبراهيم في النار، أو عندما تقرأ قصة موسى مع فرعون تحس بشعور غريب، كأنما أنت ممن شهد الحدث، وممن هو معني به، كما أنك أيضاً عندما تقرأ هذه القصص تجد في نفسك العداوة للطواغيت فرعون وهامان وقارون، كما في نفس الوقت تعادي أبا جهل وأُبي بن خلف وعبد الله بن أُبي ومن تبعهم إلى عصرنا.
إن هذا هو الشعور الواحد شعور الأمة الواحدة، كما قال الله سبحانه: ((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ)) (سورة الحج: 78) هو: أي الله عز وجل، سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا: أي في هذا القرآن: ((لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)) (سورة الحج: 78) ز
ويقو صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي الحارث الأشعري رضي الله تعالى عنه: ((ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من حثى جهنم، قيل: وإن صلى وصام، قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله)) ([1]).
إنَّ لنا ثلاثة أسماءٍ سمانا الله بها (المسلمين)، (المؤمنين)، (عباد الله)، إذن دعوى الجاهلية التي جاءت في هذا العصر الحديث، وتوعد عليها بأنَّ صاحبها من حثى جهنم هو كل تعصب لغير هذا الدين، سواءً كان تعصباً لجنس، أو لقبيلة، أو لوطن، أو لأرض، أو لقومية، أو لغة، فكل تعصبٍ لغير هذا الدين على غير حق فصاحبه قد دعى بدعوى الجاهلية.
فالتعصب للأوطان أو للأنساب، أو الدعوة للقومية أو الوطنية هو أمرٌ من أمور الجاهلية، فكيف بالسعي لتعميق هذه الانتماءات، ثم أيضاً التفريق بين الناس على هذا الأساس، ووزنهم بهذا الميزان: ميزان القوميات والوطنيات واللغات والأجناس؟ إنَّ هذا كلَّهُ من دعوى الجاهلية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من غراء الجاهلية).
و قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية للإنسان، ومثلهُ التعصب للمذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعض على بعض، وكونه منتسباً إليه يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي ويزن الناس به، فكلُّ هذا من دعوى الجاهلية ".
ثم نتذكر القصة المشهورة التي رواها البخاري ومسلم عندما ضرب رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال المهاجرين: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها خبيثة، دعوها فإنها منتنة)) رواية البخاري ((دعوها فإنَّها خبيثة))، ورواية مسلم: ((دعوها فإنها منتنة))مع أن هذه " يا للأنصار يا للمهاجرين " أوصاف يحبها الله ورسوله، فإنَّ الله عز وجل سمَّى المهاجرين بهذا الاسم، وهو الذي سمى الأنصار بهذا الاسم فقال: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ)) (سورة التوبة: 100) ومع ذلك لما أصبحت الدعوة هنا على غير حقٍ تعصب للباطل، أصبحت من دعوى الجاهلية، فكيف بغير ذلك أيُّها الأخ الكريم.
ومما يجدرُ أن نذكره في هذا الحديث ما ذكره بعض الدعاة إلى الله عز وجل عن قصةٍ مؤثرة ينبغي أن نأخذ منها عبرة...يقول:(1/438)
(أنه عقدت ندوة في فلسطين المحتلة عام 1980هـ وبالتحديد في 19/12/1980هـ، حضرها من مصر الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق وحضر هذه الندوة عددٌ من الأساتذة اليهود المتخصصين في الشؤون السياسية والعربية، فقال خليل هذا: ((أودُّ أن أطمئنكم، أننا في مصر نفرق بين الدين و القومية، ولا نقبل أبداً أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة إلى عقائدنا الدينية)، فوقف أحدُ اليهود بروفيسور اسمه " دافين " قائلاً: ((إنكم أيُّها المصريون أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة، ولكنني أحب أن أقول لكم، إننا في إسرائيل نرفضُ أن نقول إنَّ اليهودية مجرد دينٍ فقط؛ بل إننا نؤكد لكم أنَّ اليهودية دينٌ وشعبٌ ووطن)، وقام آخر البروفيسور " تيفي ياقوت " وقال: (أودُّ أن أقول للدكتور مصطفى خليل، أنَّه يكون على خطأ كبير إذا أصر على التفريق بين الدين والقومية، و إننا نرفضُ أن يعتبرنا الدكتور خليل مجرد أصحاب دين لا قومية، فنحنُ نعتبر اليهودية دينناً وشعبناً و وطننا) إلى آخر كلامهِ الذي ذكر فيه أن القومية أوروبية المنشأ والمصدر، وأنَّ الأوربيون صدروها إلى الشرق.
ألا شاهت وجوه الناعقين بالانتماء لغير الإسلام، الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، فلهم أقول: خذوا الدروس من هذا اليهودي إذا كنتم قد صددتم عن أخذ الدروس من الكتاب والسنة.
-------------------------
[1] أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم، وهو حديث صحيح، صححه جماعة من أهل العلم قديماً وحديثاً، وممن صححه في عصرنا سماحة الإمام الشيخ: عبد العزيز بن باز - رحمه الله والعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله.
23/3/1426 هـ
02/05/ 2005
http://www.islamlight.net المصدر:
============(1/439)
(1/440)
كتاب الله مستهدف من قوى شتى
أيقنت أنه معجزة الإسلام الخالدة ودرعه الحصينة
حامد بن محمد آل إبراهيم
"الفرقان الحق" طعن في القرآن وتضليل لعامة المسلمين
أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف قراراً بالإجماع، يطالب فيه جميع الدول الإسلامية والعربية، بمنع تداول كتاب "الفرقان الحق" قام بتأليفه قس عربي لما فيه من طعن في القرآن، وتضليل للعامة من المسلمين، حيث وضعوا أسماء للفصول باسم سور القرآن، إمعاناً في تضليل القارئ.. وأضافت جريدة "المدينة" السعودية، في عدد يوم الأحد 8 ربيع الأول 1426ه الموافق 17 أبريل 2005م: "لولا يقظة الأزهر والأجهزة الأمنية لأغرقونا بآلاف النسخ من هذا الكتاب الباطل".
إن كتاب الله مستهدف من قوى شتى، وما ذلك إلا لأن القوم قد تيقنوا أنه هو عماد هذا الدين، وكما قال وزير المستعمرات البريطاني "جلادستون" في مجلس عمومهم: "لن نستقر في بلاد المسلمين ما دام هذا الكتاب (يعني القرآن العظيم) بين أيديهم".
ونحن على يقين بأن الكتاب محفوظ بحفظ الله القائل: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (9) (الحجر)
ولكن هل نكتفي بهذا الوعد دون أن نبذل الغالي؟! إن الدفاع عن كتاب الله يجب أن يبذل فيه الغالي والنفيس، ونعطيه من أنفسنا، وأوقاتنا، وفكرنا، ما استطعنا.
وإني أهتبل هذه الفرصة من منبر مجلة المجتمع لأقترح على جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية، تبني مؤتمر، على المستوى المحلي والعربي والإسلامي لطرح الطرق، والوسائل والأساليب العاجلة، وتلك طويلة الأمد، لمحاربة مثل هذه الهجمات، التي لا تمل ولا تكل للقضاء على كتاب الله العزيز، والمتوقع من هذا المؤتمر أن يدرس الوسائل والطرق التي استخدمها هؤلاء المخربون قديماً وحديثاً، حتى لا نكون دائماً في موقف ردود الأفعال، بل نستبق ونحصن أنفسنا، وأهلينا، وبلادنا ضد هذا الغزو الآثم لديننا وعقيدتنا.
القرآن.. مأدبة الله للمسلمين جميعاً
ولا يفوتني في هذا الموضع أن أحذر من الآراء التي ترتدي لباس النصح والابتكار، في طرق التعامل مع القرآن العظيم، حتى إنها لتخدع العاملين في الحقل الإسلامي، فلا يأبهون بها، بل ربما وقفوا حجر عثرة أمام من ينبري للدفاع عن الكتاب الكريم، تحت دعاوى شتى، فمنهم: من شرح طريقة جديدة، في زعمه، للتعامل مع القرآن، ولكنه -شعر أو لم يشعر- يقلل من أمر قراءة القرآن وتلاوته، إذا ما قورنت التلاوة بغيرها من الأحوال مع القرآن: من تدبر، وفهم للمعاني. ويوشك أن يضع من شأن التلاوة والقراءة بإصرار وتعمد.
وسوف نبين خطأ ما يذهبون إليه، ومن يحاولون الإصلاح وإرشاد المسلمين إلى حسن التعامل مع كتاب الله، بالانتقاص من قيمة القراءة والحفظ، فيسيئون من حيث أرادوا الخير، فلسنا نسيء الظن بأحد.
ومنهم من أراد ترك حفظ القرآن، والاكتفاء بالوسائل الحديثة في حفظ كتاب الله، بدلاً من قلوب المؤمنين وأولي العلم، فبدلاً من حمل كتاب الله في الصدور، يحمل على الأقراص المدمجة CD، وعلى الحاسبات الالكترونية، والأشرطة وغيرها. إن واقع أهل الكتاب المعاصرين أثبت فشل تلك الوسائل، على عظمتها، فهي لم تحل دون تدليس رجال دينهم وتزويرهم وتحريفهم، ويكفي في ذلك محاورة العلامة أحمد ديدات مع القس سويجارت.
إن الحقيقة التي غفل عنها الإخوة أصحاب هذه الآراء المنقوصة أن القرآن مأدبة الله، فيه خيرات كثيرات، فيه:
1 - القراءة والتلاوة.
2 - وفيه الحفظ والاستظهار.
3 - وفيه التدبر في المواعظ والآيات.
4 - وفيه الغوص في المعاني والعبارات.
5 - وفيه المعجزات البينات في البيان والصياغة واختيار الكلمات.
6 - وفيه القدرة على التغيير.
7- وفيه المعجزات العلمية في خلق الإنسان والكون.
8 - وفيه المعجزات في علوم الفلك وعلوم النفس والتاريخ.
9 - كل هذا وأكثر في القرآن.
فإن تتعجب فعجب قولهم إنه يجب عليك أن تتمسك بواحدة من هذه الأشياء والآيات. ويقارنون بين سبيل وسبيل من سبل القرآن، ويستشهدون بآيات وآيات، ولو تدبروا القول، لوجدوا لكل من هذه المناحي دليلاً من كتاب الله.
وهذا هو المنزلق الخطير، ولو أنهم قالوا:
1 - للمقصر في التلاوة: عليك بتلاوة كتاب الله حتى تقرأه كله في شهر ولا تقرأه في أقل من ثلاثة أيام، كما ورد في الحديث.
2 - وقالوا للذين يقرؤون ولا يتدبرون: تدبروا في آيات الكتاب حين تقرؤون، فإذا لم تستطيعوا التدبر، فاستعينوا بكلام العلماء في تدبر الآيات البينات.
3 - وقالوا للذين لا يفهمون معاني بعض الآيات: اجعلوا لكم ورداً مع التفسير كما لكم ورد في القراءة.
4 - وقالوا للذي لا يتأثر بالآيات ولا يبكي، تباك وردِّد الآيات المؤثرات في القلوب.
5 - وقالوا لمن يدعو الله بكلمات من عند نفسه: ادع بالدعاء المأثور وبالدعاء من القرآن فإنه أسمع.
وهكذا، إذا لوحظ نقص عند جماعة من المسلمين لُفت انتباهم إلى هذا النقص دون لمز للجوانب الأخرى من القرآن، فكتاب الله مائدة تتسع لكل ذلك، ولا يقبل التقليل من شأن أي جزء منها.(1/441)
وقال: إن واقع المسلمين الغثائي، نشأ لأننا نقرأ القرآن على غير الطريقة التي يراد لها"، بينما نص حديث رسول الله {أشار إلى السبب "حب الدنيا وكراهية الموت" ونحن في واقعنا الآن نرى محبة الموت قد داعبت المسلمين في كل مكان.
أما الذين يقولون بأن المطلب هو عدد الحسنات فقط، ولا عبرة للأوامر الشرعية التي تحدد الفروض التي افترضها الله على عباده، فهل نترك الأعمال كلها ونذهب للسوق تاركين الصلاة والزكاة، لأن تلاوة ذكر معين ثوابه أكبر!! وقد ثبت أن حديث الذكر في السوق ضعيف (انظر الأحاديث المختارة ج1-ص297).
إن الإسلام علمنا أن هناك أوقاتاً تحرم فيها الصلاة، وأماكن يحرم فيها الذكر، ولحظات ترديد الأذان فيها أولى من الصلاة، إن اعتساف الأمر بهذا الأسلوب يضر ولا ينفع ولا يخدم القرآن ولا قارئيه.
لقد عهدنا من علمائنا الأفاضل، الحذر الشديد عند الحديث عن العلة والمقصود من أوامر الله ورسوله {فيقولون: "ومن مقاصد الصلاة" أو يقولون: "والذي نراه أن بعض المراد من هذا العمل هو.. " ولايجزمون إلا في الأعمال التي فيها نص صريح واضح مثل قوله - تعالى -عن الصيام لعلكم تتقون. فما الدليل على هذه النصوص الجازمة في قول بعضهم:
1 - المعنى هو المقصود.
2 - قيمة القرآن وبركته الحقيقية تكمن في معانيه.
3- لا بديل عن التدبر.
4 - ثم يناقضون قولهم السابق، فيقولون: فتدبر القرآن.. ليس غاية في حد ذاته!!
5 - إعجازه الأعظم في قدرته على التغيير.
آثار القرآن واضحة
ثم يبدؤون في جلد الذات والحط من شأن الصحوة، فيقولون: "مع وجود عشرات بل مئات الآلاف من الحفاظ.. إلا أن الأمة لم تجن ثماراً حقيقية لهذا الاهتمام بالقرآن".
وهذا كلام يناقض الواقع، إننا نرى أثر هذا الإقبال على القرآن في هذا الشباب الذي ترك الدنيا ولم يخف الموت، وأسرع إلى الجهاد في سبيل الله متى أمكنه ذلك، ومتى استطاعه، ونرى ذلك في طاعة النساء لله وتركهن السفور والتبرج، واهتمام الناس بالصلاة، فأنت ترى الآن المساجد وقد ضاقت بالمصلين، ورأيت الحجاج والمعتمرين وقد ضاقت بهم ساحات الحرمين الشريفين، والمسارعة في الصدقات والزكاة، كلها آثار من آثار قراءة كتاب الله وتلاوته وتدبره وفهم مراميه، بما لم يكن نراه فقط قبل عقدين من الزمان.
ويخترعون لنا قاعدة جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، وأسموها "لأننا لا نوفر للقرآن الشروط التي يحتاجها لتظهر معجزته".
وحاش للقرآن أن يحتاج منا شروطاً لتظهر معجزاته، إن القرآن قائم بذاته، يظهر معجزاته دون شروط منا، ولا يستطيع أحد أن يوقف معجزة القرآن كما يدعون. ويقولون أن نجعل المعنى هو المقصود، فينصرف القارئ عن ورده اليومي في القراءة إلى كتب التفسير، فإذا كان قائماً بالليل، ترك صلاته وذهب إلى المكتبة واستخرج كتاب التفسير ليفهم المعنى، فالبعض عندما يشرع في تدبر القرآن، يقف متمعناً عند كل لفظة فيه، مما يجعل التدبر عملية شاقة عليه، ويقترحون لحل هذه المعضلة حلاً سخيفاً لم نسمعه في الأولين ولا في الآخرين، ولا من رسول الله {ولا الصحابة أجمعين، ألا وهو: عندما نمر ببعض الألفاظ التي لا نعرف معناها، علينا أن نتعرف المعنى من السياق، كمن يقرأ مقالاً باللغة الإنجليزية مثلاً ولا يعرف معنى بعض الكلمات فإنه يفهم المعنى الإجمالي من السياق.
لذا يلزم علينا تبعاً لطريقتهم غير المثلى، أن نعلم المسلمين جميعاً اللغة الإنجليزية حتى يتعلموا كيف يفهمون معنى الآيات على طريقة الإجمال لا التفصيل!!
وهنا مصيبتان: إحداهما أن المعنى العام الذي أرادوا، تحول إلى معرفة للكلمات، والثانية التي لم يدلنا على كيفية حلها في اللغة الإنجليزية حتى نتبعها في القرآن، ألا وهي؛ إذا تتالت الكلمات غير المعروفة!! مثال ذلك.
( والعاديات ضبحا (1) فالموريات قدحا (2) فالمغيرات صبحا (3) فأثرن به نقعا (4) فوسطن به جمعا ) (5)(العاديات)
القرآن كلام الله - سبحانه وتعالى - يخاطب الإنسان المؤمن، كلاًّ بلا تقسيم ولا تجزئة، فليس فيه آيات تخاطب القلب فقط، وآيات تخاطب العقل فقط، وآيات إذا تم ترديدها زادت الإيمان، الإيمان ليس العواطف والمشاعر، فتعريف رسول الله {له، حين سئل عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خير وشره..قال:صدقت" رواه مسلم عن عمر بن الخطاب}، بل إن القرآن نفسه قد أطلق الإيمان على العمل، أي الصلاة (انظر تفسير: القرطبي، وابن كثير، والطبري، والجلالين).
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============(1/442)
(1/443)
مثل وقدوة ولكنه مع ذلك يواقع معصية
لا يستطيع الفكاك منها وهي النظر إلى النساء
مشكلة الأخ (أبو ابتهال) التي يذكر فيها أنه متزوج وله خمسة أولاد، ويحضر الكثير من مجالس العلم وحبق الذكر، وينظر له غيره على أنه مثلٌ وقدوة ولكنه مع ذلك يواقع معصية لا يستطيع الفكاك منها وهي النظر إلى النساء، وانصراف قلبه إلى ذلك، وكلما حرص على الابتعاد وعاهد نفسه على ذلك لم يستطع الوفاء، وانجرف في المآثم مرة أخرى، وهو يبحث عن الدواء الذي ينتزعه من هذا الداء المهلك.
هل تملك الإرادة؟!
تمتلئ الحياة الدنيا بالابتلاءات والفتن والمصائب، جنباً إلى جنب مع الطرائف والأحداث والعجائب، ولم يكن لحال شخص أن يستقر أبداً طول الدهر فلابد له من تغير وتحول.
حالك يا أخي ليس لغريب عليَّ ولم يدهشني أو يهزني لأنني أعرف كثيراً من الشباب الملتزم ظاهراً يعانون مما تعاني على اختلاف وتنوع المعاصي التي هم عليها.
من المحزن حقاً أن يضحك الإنسان على نفسه، ولولا أن الله جل جلاله يمهل العبد لكانت العاقبة وخيمة؛ فضائح تتوالى ويتسامع بها الخبيثون عن الطيبين فتشيع الفاحشة بين المؤمنين وربما كانت العاقبة هلاكاً ودماراً قال الله - تعالى -: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة).
أخي الحبيب: لا يملك لك أحد من قراء " الأسرة " الكرام حلاً ذهبياً يقدم لك على ورق المجلة ولو خط بماء الذهب. ولو فعلوا ذلك وأنت لا تملك إرادة التغيير لما أفلحوا في إنقاذك وتخليصك من حبائل هذه المعصية؛ ولذا كان لزاماً عليك أن تبدأ الإصلاح بنفسك:
أولاً: أوجد في نفسك إرادة محفزة للتغيير، إرادة لا تتراجع عند لحظة الفعل فتخذلك وترجع إلى معصيتك مرة أخرى، وهذه الإرادة لا توجد بمفردها بل لابد أن يرافقها صبر وتحمل (والله يحب الصابرين) وتذكر أنه لولا صبر الشجاع المقاتل عند لحظة المبارزة والقتال لما استطاع أن يتغلب على خصمه وعدوه.
ثانياً: عليك بالمداومة على قراءة القرآن بتدبر وخشوع، ولو جزء في اليوم وإن استطعت أن تحفظ القرآن كاملاً فهذا حسن؛ فهو: (هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين)، كما وصفه ربنا - عز وجل -.
ثالثاً: دوام على الصلوات الخمس في جماعة والأفضل أن تبكر إليها وتكون في الصف الأول، وأن تدخل إلى الصلاة وكأن ملك الموت سينزع روحك بعد الصلاة! فأقبل عليها بخشوع وسكينة ودافع وساوس الشيطان قدر ما تستطيع.
صلّ الفجر في جماعة وحاول أن تجلس بعد صلاة الفجر تذكر الله حتى تطلع الشمس وتصلي ما شئت، وتذكر أن الله - تعالى -قال عن الصلاة: (تنهى عن الفحشاء والمنكر).
رابعاً: لا يقعدك حالك هذا عن حضور مجالس العلم والمنتديات النافعة والمشاركة في الأعمال الدعوية والخيرية وسماع الأشرطة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قال العلماء: (حق على من يتعاطون الكؤوس أن ينهي بعضهم بعضاً)، فكلنا خطاءون وكلنا ذاك المقصر ولكن السعيد من اتعظ وانتبه من غفلته وفتوره.
من ذا الذي ما ساء قط = ومن له الحسنى فقط
خامساً: ابتعد عن كل ما يثير شهوتك تجاه المرأة من رؤية النساء الحسناوات سواء كان ذلك في مجلة أو على شاشة التلفاز أو نحو ذلك، وإني أربأ بك أن تكون من المعتكفين على مشاهدة الأفلام عربية كانت أو غربية أو المسلسلات والمسرحيات فإن حصل ذلك فاعلم أنه سم قاتل يجب أن تبتعد عنه.
سادساً: قف مع نفسك قليلاً، وتذكر لو أن لديك ثلاث بنات مثلاً في غاية الحسن والجمال وإذا برجل يترصد لهن وربما مد حبال المعصية إليهن هل كانت ترضى بذلك؟ فإن كنت لا ترضى هذا لبناتك فإن الناس لا يرضونه لبناتهم كما قال صلى الله عليه وسلم .
سابعاً: حاول أن تذهب إلى العمرة في شهر رمضان وتعتكف في العشر الأواخر منه وتشرب وتتضلع من ماء زمزم، هنالك تدعو الله بصدق وتنكسر بين يديه وتسيل دموع الندم على خديك وتناديه وتقول: (اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك)، وتناجيه وتعترف بزلاتك بين يديه وتدعوه دعاء المضطر؛ دعاء ركاب سفينة ماجت وهاجت بهم أمواج البحر فإذا بنصف السفينة قد غرق في الماء وكادوا أن يغرقوا فرفعوا أكف الضراعة إلى الله لينجيهم فأنجاهم - سبحانه - (أمن يجيب المضطر إذا دعاه وبكشف السوء)
وختاماً أسأل الله أن يحفظك وينجيك من مهالك المعاصي ويثبت قلبك على طاعته.
طه بن حسين بافضل حضرموت
أينك من فضيحة الآخرة؟!
قرأت رسالتك مراراً وتأثرت بها كثيراً وآسفني ما وصل إليه حالك أسأل الله لك التوبة النصوح.
أخي في الله: أنت تعلم قبل كل شيء أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس فلا تُتبع النظرة بالنظرة، فلقد ذكرت أن بصرك أوردك المهالك وهذا بدايته تتابع النظرات، وإليك هذه النصائح التي أسأل من الله أن ينفعك بها:
* لا تنس الدعاء وخاصة في الثلث الأخير من الليل، ابكِ واخشع وتضرع وارفع شكواك إلى الله بقلب صادق أن يعينك على حفظ بصرك، فمن حفظ بصره نوّر الله بصيرته.
* عندما تنظر إلى ما حرم الله اصرف نظرك بسرعة ولا تعد النظرة واستعذ بالله من الشيطان الرجيم واذهب من مكانك فوراً..
* تذكر أن:(1/444)
كل الحوادث مبدؤها من النظر = ومعظم النار من مستصغر الشرر
* ذكرت في رسالتك أنك تخاف أن يفضحك بصرك في الملأ.لقد خفت من فضيحة الدنيا ولم تخف من فضيحة الآخرة أمام الخلق جميعاً، فإن كان الله قد سترك في الدنيا فلابد من فضيحة الآخرة ما لم تتب، أفتخاف أن يراك الناس ولا تخاف من نظر الله إليك فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك..
* لقد وهبك الله زوجة حلالاً فلا تدع الحلال وتذهب للحرام.
* اعلم أن من أهم أسباب طلاق النظر ضعف مبدأ مراقبة الله - تعالى -، فلا تنس أن الله يراك..
* أنجح دواء لغض البصر هو مجاهدة النفس والصبر مع غض البصر..
وأخيراً أنصحك بسماع شريط السهم المسموم للشيخ إبراهيم الدويش.
أم عبد الرحمن المخلافي اليمن - تعز
إنتبه إلى طريقك
الشهوة الميل للجنس الآخر غريزة فطر الله الناس عليها.
فلو كانت هذه الشهوة ضعيفة لقلت رغبة الناس في الزواج ولضعفت العلاقة والألفة والمحبة بين الزوجين ولكثر الطلاق لأتفه الأسباب.. الخ.
فهناك أسرار وحكم لا يعلمها إلا الله - عز وجل -، وقد جعل - سبحانه - هذه الغريزة على مقدار من القوة بحيث يستطيع الرجل السيطرة على نفسه وكبح جماح شهوته.
فتخيل يا أبا ابتهال أنك تقود سيارتك في طريق سوي واضح المعالم إلا أنه يوجد في هذا الطريق حفر ومنحدرات خطيرة قد وضعت أمامها لوحات إرشادية تحذر منها، ثم قال لك شخص: اترك مقود السيارة ودعها تسير بنفسها ولمدة دقائق فقط!!
لا شك أنك ستقول عنه إنه مجنون؛ لأنك بعقلك السليم تعرف أن هذه السيارة سوف تنحرف بك عن الطريق السوي وتوقعك في تلك الحفر والمنحدرات التي ربما تنتهي بك إلى الهلاك، فكذلك هذه النفس تريد من يقودها في طريق هذه الحياة بيقظة وحذر وانتباه.
وقياساً على ذلك: لو كنت تمشي في الشارع فوقع بصرك على امرأة متبرجة فتذكر أن أمامها لوحة إرشادية تقول: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.. ) الآية. وما وضعت هذه اللوحة أمامها إلا لأنها حفرة في طريقك وربما منحدر سحيق يودي بك إلى الهلاك لا سمح الله.
وهكذا في كل ما حرم الله، فعليك أن تقود هذه النفس بحذر شديد حتى تصل بها إلى بر الأمان وهو رضى الله والجنة: إن عرضك لمشكلتك دليل على صدق توجهك ورغبتك في التخلص والخروج مما أنت فيه، فجدد همتك وقوَّ عزيمتك واستعن بالله ولا تعجز، وتذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم : (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.. ) الحديث.
وأتوجه بندائي للمرأة المسلمة فأقول: اتقي الله في نفسك، اتقي الله في شباب المسلمين، لا تكوني عوناً للشيطان عليهم لا تخرجي من بيتك إلا لحاجة ولو خرجت فالتزمي بحجابك الشرعي وإياك وتلك العباءة الخبيثة السافرة، والله إن إحداكن لتخرج وهي تلبس تلك العباءة التي لا ترضي الله فتعود إلى بيتها وهي تحمل أوزاراً كالجبال على ظهرها تدري ذلك أو لا تدرِ لما تحدثه من إفساد لقلوب كثير من الرجال.
وإني والله لأرى المرأة المحتشمة في لبسها فأدعو الله لها من قلبي أن يحفظ لها عفتها ويكثر من أمثالها،
وأرى المرأة المتبرجة في لبسها ومشيتها فأدعو الله أن يهديها أو يشل أركانها ويقعدها في بيتها حتى ترتاح عيون الرجال منها.
أبو مجاهد الرياض
إجراءات
يقول الله - عز وجل -: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
ويقول - عز وجل - (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً).
اعلم أيها الأخ المسلم أن لك في الحياة غاية عظيمة ألا وهي رضى الله عنك والجنة وأن الله - عز وجل - سيبتليك ببعض الأمور التي ستكون مقياساً لمؤشر الإيمان في قلبك ومن تلك الأمور غض البصر.
ستقول: إنك حاولت ولم تنجح وتغلب الشيطان عليك، أقول: قبل المحاولات عليك باتخاذ الإجراءات التالية التي إن اتبعتها بدقة فإنك ستنجح حتماً بإذن الله - تعالى -ألا وهي:
أولاً: استحضر عظمة الله - عز وجل - في قلبك واستشعر حقيقة عبوديتك لله - عز وجل - وأنه مالك الملك، حتى يقشعر بدنك وتدمع عينك.
ثانياً: تذكر دائماً أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى الحرام، فعندما تشعر أنك بمقربة من امرأة أو أنك تقترب من قسم المجلات المليئة بصور النساء، تذكر أن الله - عز وجل - ينظر إليك وأن أنفاسك بيديه - سبحانه -، فلو شاء لأوقفه!، فكيف وبأي وجه تلقاه وأنت تنظر، وهو يقول: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم).
ثالثاً: تذكر قبل أن تعصي الله أنك تعصي الله بنعم الله، والواجب عليك شكره على نعمة البصر، وشكرها يكون بحفظها عن الحرام، وأن الذي منحك إياها قادر على سلبها منك، أفلا تعض.
رايعاً وأخيراً: اعلم أن لغض البصر مكافأة عظيمة من الله - عز وجل -، ألا وهي حلاوة تجدها في القلب كلما غضضت بصرك، وإن كثرة التلفت والنظر تورث البلادة وفراغ القلب، وإن من أسباب الفراسة غض البصر، فجاهد نفسك، ومن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه.
أم عبد الله - المدينة
http://www.saaid.net المصدر:
==============(1/445)
(1/446)
" الإيدز الثقافي " والتبعية
متى تستعيد الأمة مناعتها الذاتية؟!
صلاح حسن رشيد
طوال تاريخ الإسلام المجيد كانت طوائف المجتمع المختلفة مترابطة فيما بينها باحثة عن تحقيق النهضة من خلال المقومات الذاتية وبالاعتماد على تراثنا ناصع البياض وليس الارتماء في أحضان الشرق والغرب واستيراد بضاعات ثقافية واقتصادية ماتت بين ذويها وتخلى عنها أصحابها بعدما عرفوا تفاهتها وأكاذيبها، لكن البعض من بني قومنا لا يحلو لهم الحديث إلا بضرورة اللحاق بالآخر عبر تقليد مذاهبه الثقافية والفكرية ونقلها بحذافيرها إلى البيئة العربية الإسلامية، ناهيك عن تطبيق التجربة الغربية الاقتصادية كما هي، بدلاً من البحث عن الذات وإثبات عراقة وأصالة حضارتنا الإسلامية التي تحوي عيون النظريات الفلسفية والثقافية والاقتصادية.
ترى لماذا يلجأ التغريبيون والعلمانيون العرب إلى مثل هذه التيارات الفاسدة والترويج إليها على أنها أحدث منجزات العقل البشري المتقدم، بينما أثبت الواقع عكس ذلك؟! ومتى تستعيد الأمة عافيتها ومناعتها الذاتية بدلاً من استيراد الإيدز الثقافي والاقتصادي الذي أطاح بالنخب المستهجنة؟!
حملة نابليون
في البداية يقول اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجي المعروف إن قضية التغريب والتذويب الحضاري حاضرة في العقلية العربية وازداد خطرها أيام الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، عندما أراد بونابرت تطبيق الحياة الفرنسية على الأرض المصرية عبر أفكاره التي تتناقض مع الإسلام والعادات والتقاليد المعروفة، من هنا استطاع الغرب أن يوجد لنفسه فريقًا على الأرض العربية من المؤمنين بالعلمانية والتغريب الذين يقومون بتلميع نظريات الآخر والترويج لها مهما كانت درجتها من حيث القوة أو الضعف، ولهذا سمعنا طه حسين يشكك في الشعر الجاهلي لخدمة أربابه التغريبيين، وسلامة موسى يطعن في العربية ويدعو إلى العامية بدلاً منها كما سمعنا مؤخرًا عمن يصرح بسقوط سيبويه مثلاً، وأعتقد أن هؤلاء الناس يعملون وفق منظومة وخطة مدروسة لسحب البساط من تحت أقدام ماضينا العريق واستقدام نظريات وأفكار باطلة؛ لهذا يجب التصدي لهم بكل قوة عبر فريق من الباحثين المؤهلين لذلك، والقادرين على إثبات زيفهم وكذب دعاواهم.
أما الدكتور نبيل راغب الناقد الأدبي وعميد معهد التذوق الفني بأكاديمية الفنون سابقًا فيرى أن إشكالية الوافد الأجنبي لن تنتهي من الرقعة العربية مادام هناك من يتغنى بأمجاد الغرب ويتكلم بلسانهم ويحاكي طريقتهم في التفكير والكتابة والفهم والاقتداء، صحيح أن أعداد هؤلاء لا تساوي شيئًا؛ لأنها قليلة جدًا لكنهم يمتلكون أدوات التأثير والإعلام والمناصب الكبرى التي تمكنهم من إيصال أفكارهم بسهولة، على أن الناظر لحال العرب والمسلمين اليوم يحار كثيرًا بسبب تغلغل الأيدي الأجنبية في مقدرات حياتهم، برغم أنهم يمتلكون مؤهلات اقتصادية ضخمة فهناك النفط والزراعة والتجارة والمواد الخام والموقع الاستراتيجي، إلا أنهم يفضلون للأسف خبراء أجانب يتلاعبون في اقتصاداتهم ومشاريعهم وفكرهم.
وهذا ينسحب على الجميع، فهناك خبراء للزراعة والاقتصاد والثقافة والفنون من البلدان الأجنبية حتى وإن لم يوجدوا فهناك من يقتدي بهم من المفكرين العرب الذين يطبقون السياسات الغربية كما هي، متخلين عن قدراتنا الذاتية وأفكارنا الحرة وبضاعتنا المحلية واقتصادنا المهول بلا أي سبب مقنع. والنتيجة أن الإيدز الفكري والثقافي والاقتصادي حدا بالأجنبي للتدخل في شؤوننا الداخلية.
اللوبي الحداثي
ويؤكد الدكتور عبد العزيز حمودة رئيس جامعة مصر الدولية والناقد الكبير هذه الحقائق قائلاً: هناك "لوبي" عربي غربي يسيطر على مقاليد الأمور ثقافيًا واقتصاديًا، يريد ألا نتقدم للأمام وأن نظل كما نحن متأخرين "محلك سر" على أن لهم طرائق في ذلك منها الدعوة بكل قوة لأفكارهم التي لا يقتنعون بها بين أنفسهم لكنهم يروجون لها لأغراض أخرى، وهذا ما أوضحته في كتبي التي أثارت ضجة وهي المرايا المحدبة والمرايا المقعرة وسلطة النص والخروج من التيه، أي أننا نعيش في تيه مظلم على كافة الأصعدة والاتجاهات بسبب سيطرة الحداثيين على الحياة الفكرية وعدم سماحهم لأبناء الأصالة والحضارة العربية الإسلامية أن يطلوا برؤوسهم ويعبروا عن ذواتهم على الساحة، فهناك هجمة غربية لوأد أية صحوة ثقافية تنهل من الذات ومن الماضي، ولذا فإن أغلب جوائزهم لا يفوز بها إلا الحداثيون لكي يصرفوا الأنظار عن الماضي برمته.
وهي نفس الوجهة التي يراها الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بقوله: إن عوامل إثبات الذات عربيًا وإسلاميًا يتم محاربتها والتضييق عليها وخنقها قبل ولادتها فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا. فما نراه من تبعية ذليلة وتطبيق أعمى لسياسات الآخر في بيئتنا برغم اختلاف الظروف والأحوال ينبئ عن إيدز تم حقنه في الجسد العربي والإسلامي لكي يفقد مناعته الذاتية ويصير لا حول ولا قوة له.(1/447)
وبالنسبة للمشهد الاقتصادي هناك مساع عربية لتقليد الغرب في كل شيء والرضوخ لقراراته وشروطه وإملاءاته، وعدم السماح للصناعات الوطنية بالنمو استجابة لرغبات الغرب. والدليل أن اتفاقية الجات والاتفاقيات الحرة للتجارة مع واشنطن لن تصب في الخانة العربية على الإطلاق لاختلاف القدرات الصناعية والاقتصادية بين الجانبين، فضلاً عن ضعف المنتجات العربية مقارنة بالآخر، على أن كل ما يقال حول انتعاش الاقتصاد العربي هو من قبيل المسكنات والأمصال التي لا تقضي على المرض لكنها تسمح له بالنمو والانتشار لدرجة أن مناعتنا انعدمت أساساً.
تطبيع اقتصادي
ويؤكد الدكتور عبد الحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن اتفاقية الكويز المبرمة أخيراً بين مصر والكيان الصهيوني والولايات المتحدة تدلل على انجرافنا إلى هوة الآخر بإرادتنا وكأننا معصوبو العيون؛ لأن هذه الاتفاقية هي تطبيع اقتصادي مع الصهاينة واعتراف صريح بهم كقوة اقتصادية، كما أن الاتفاقية تسمح للكيان ولبضاعته بدخول أراضينا وأسواقنا، وتعود بالفائدة على تل أبيب التي فشلت كثيرًا في الوجود على الرقعة العربية الرافضة لها.
ويؤيد البرلماني البدري فرغلي الرأي السابق المعارض لاتفاقية الكويز التي لا يرى فيها خيرًا ولا مصلحة لمصر على أية حال؛ لأن الاتفاقية لم يقرأها أحد ولم يطلع عليها الرأي العام؛ ولأن هذا يعني الارتماء في أحضان الكيان الصهيوني الذي يقتل ويحصد أبناءنا في فلسطين. فبدلاً من مواجهته والتصدي له نقوم بمكافأته على إجرامه بهذه الاتفاقية وهذا التطبيع.
ويؤيد ذلك النائب أبو العز الحريري الذي يرى أن سياسات واشنطن الاقتصادية باتت خنجرًا على رقاب الجميع؛ لأن الكويز ضد الصناعات المصرية الوطنية وضد الاعتماد على النفس؛ لأنها بكل بساطة رضوخ وتبعية وتطبيع، من هنا كان الإيدز الاقتصادي محطمًا لآمال الجميع وهو ما ينبغي مقاومته ورفضه.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===========(1/448)
(1/449)
يا مسلمون ... إنها قاديانية جديدة
الدكتور جابر قميحة
تنسب «القاديانية» إلي «غلام أحمد» الذي ولد سنة 1839م في قرية «قاديان» إحدي قري البنجاب في الهند. وأبوه كان عميلاً للاستعمار الإنجليزي ففي سنة 1851 - حينما ثار الهنود ضد الحكومة الإنجليزية - أمدها بخمسين جنديًا من رجاله، وكذلك بخمسين فرسا. وكان غلام أحمد - من طفولته - غريب الأطوار والسلوك، مصابًا بعدد من الأمراض: منها الجسمي، ومنها النفسي.
بداية الظهور
وكانت سنة 1877 هي بداية ظهور هذا الرجل الغريب حين استغل حماسة المسلمين، وتوهج مشاعرهم الدينية، فنشر إعلانات ومقالات ضد الهندوس والنصارى. ثم أعلن أنه شرع في كتابة كتاب من خمسين مجلدًا، ينقض كل ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات وافتراءات ضد هذا الدين العظيم. ولكن «غلام أحمد» أعلن أنه عاجز عن تكاليف طبعه، ووعد بأنه سيرسل المجلدات الخمسين تباعًا بنصف الثمن لمن يدفع مقدمًا، فانهالت عليه الأموال من كل مكان. ثم فوجئ المسلمون بأن الأجزاء الأولي تتحدث عن كراماته، وعن عظمة الاستعمار الإنجليزي، وضرورته للهند وبلاد الشرق. فلما اعترض المسلمون علي هذا كتب في الجزء الرابع من كتابه هذا الذي سماه "براهين أحمدية "».. فليعرف كل واحد أني ما مدحت هذه الحكومة (حكومة الاستعمار الإنجليزي (إلا اتباعًا لتعليمات القرآن والسنة.
ولكن الكتاب وقف عند الجزء الخامس، وحينما سأله الناس كيف يفعل هذا، مع أنه أخذ منهم قيمة خمسين مجلدًا لا خمسة قال بالحرف الواحد «نعم أنا وعدت بطبع الكتاب في خمسين مجلدًا، ولكن لا فرق بين (5 و50 ) إلا نقص النقطة الواحدة، لذلك أنا لم أخلف الوعد »!!، وهو تلاعب عبثي بالألفاظ ظاهر المغالطة.
ولما اعترض عليه المعترضون لأنه يجمع مبالغ طائلة باسم الدفاع عن الدين، ثم ينفق هذه الأموال الطائلة على نفسه وزوجاته - كان رده ".. أنا خليفة اللّه في الأرض، فلا يمكن أن أُسأل أين أنفقت، وأين صرفت، إن المؤمنين حقًا هم الذين يعطونني ما لا ثم لا يسألونني"...
ادعاء النبوة
ويدّعي النبوة، ويوظف «نبوته المدعاة» لمصلحة الاستعمار الإنجليزي، والتمكين له، فيكتب في كتاب له باسم «تذكرة وحي المقدس»: إني رأيت مَلَكًا في صورة شاب إنجليزي، ما تجاوز عمره عشرين سنة، وهو جالس على كرسي، وأمامه منضدة، فقلت له إنك جميل جدًا، فقال أي نعم.
ويدعي أنه أُلهم - أو أوُحي إليه - بعض العبارات الإنجليزية، وهي ""I Love you"" يعني أنا أحبك، وكذلك I with you يعني أنا معك، وكذلك I can what I will do أي نحن نستطيع أن نفعل ما نريد. ففهمت التلفظ واللهجة كأن إنجليزيًا يتكلم عند رأسي» (من كتابه: براهين أحمدي).
ويصرح بإخلاصه، ووفائه للمستعمرين الإنجليز، فيكتب: "نحن نتحمل كل البلايا لأجل حكومتنا المحسنة، وسنتحمل أيضًا في المستقبل، لأنه واجب علينا أن نشكرها لإحسانها ومنّتها علينا، ولا شك نحن فداء بأرواحنا وأموالنا للحكومة الإنجليزية".
إلغاء فريضة الجهاد
وأخطر من ذلك إعلانه انتهاء فريضة «الجهاد»، وأنه لا مكان شرعيًا لها علي أيامه "إن اللّه خفف شدة الجهاد، أي القتال في سبيل اللّه بالتدريج: فكان يقتل الأطفال في عهد موسي، وفي عهد محمد ألغي قتل الأطفال والشيوخ والنسوان، ثم وفي عهدي (!!) ألغي حكم الجهاد أصلاً".
ويقول: " اليوم ألغي حكم الجهاد بالسيف، ولا جهاد بعد هذا اليوم، فمن يرفع بعد ذلك السلاح علي الكفار، ويسمي نفسه غازيًا، يكون مخالفًا لرسول اللّه الذي أعلن قبل ثلاثة عشر قرنًا بإلغاء الجهاد في زمن «المسيح الموعود» (أي في زمن القادياني)، فأنا المَسيح الموعود، ولا جهاد بعد ظهوري الآن، فنحن نرفع علم الصلح، وراية الأمان ".
ومن أقواله كذلك:
-" اتركوا الآن فكرة الجهاد، لأن القتال للدين قد حُرم، وجاء الإمام والمسيح، ونزل نور اللّه من السماء، فلا جهاد، بل الذي يجاهد في سبيل اللّه الآن فهو عدو اللّه، ومنكر للنبي".
- " إن هذه الفرقة - الفرقة القاديانية - لا تزال تجتهد ليلاً ونهارًا لقمع العقيدة النجسة، عقيدة الجهاد من قلوب المسلمين".
القاديانيون الجدد
وفي أيامنا هذه المنكوسة الموكوسة نري «القاديانية» تُبعث من جديد بأسماء جديدة، ودعاوي صريحة أو مغلفة، وبأدعياء جدد يعتبرون الجهاد إرهابا وتخريبًا، وأن الدفاع عن الدين والوطن والأرض والعرض خيانة وطيش وغباء، والذين نهضوا لذلك لا يدركون أن المواضعات العالمية الجديدة تقتضي توقف المقاومة، وإلقاء السلاح، وموادعة الأعداء الناهبين القتلة، واحتضان السلام أي الاستسلام التام للإرادة الأمريكية. تمامًا كما كان يدعو الكذاب «غلام أحمد القادياني» إلي الرضوخ الكامل لحكومة جلالة الملكة البريطانية، والعيش في ظلها، والتمتع بعطاياها ومنحها، ونعمها.(1/450)
وقام «القاديانيون» الجدد بإلغاء المدارس الدينية في بعض البلاد الإسلامية كاليمن وباكستان، وحل الجماعات الإسلامية وإلقاء القبض علي قادتها، والآلاف من أعضائها. وتجفيف المنابع - بأمر من أمريكا سيدة العالم - قائم علي قدم وساق باسم القضاء علي الإرهاب من جذوره، ومن مظاهره القائمة والمنتظرة: تعديل المناهج والمقررات التعليمية بإلغاء آيات الجهاد، والآيات التي تكشف مخازي اليهود وآثامهم وجرائمهم في حق الأنبياء والشعوب.
وكذلك إلغاء مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وخيبر، وكيف واجههم بحسم، وقضي عليهم، بعد أن خانوا، وغدروا وناصروا الكفار عليه، وحاولوا اغتياله، والقضاء علي الدولة الإسلامية الناشئة.
وكذلك إبعاد خطباء المساجد غير «المستأنسين»، وتوحيد خطبة الجمعة.. إلخ.
هذه هي بعض مظاهر «القاديانية الجديدة»، وما أشبه الليلة بالبارحة.
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/451)
(1/452)
مشاريع الإصلاح الأمريكي .. الخطر القادم
كمال حبيب*
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والفارقة في التاريخ الأمريكي على الأقل، عرف العالم الإسلامي أجندة أمريكية دفع ثمنها كنوع من الثأر اليميني المحافظ من الضربة التي وجهت لهم على حين غرة، ورغم أن عقلاء كثيرين في أمريكا والغرب دفعوا بعدوانية السياسة الخارجية الأمريكية والتي أرادت أن تفرض ثمن الهجمة علي العالم الإسلامي كله، رغم أن من قام بها هم عصبة محددة يختلف القطاع الواسع من العالم الإسلامي مع رؤاهم وأفكارهم، لكن التوتر المحموم للنخبة الأصولية اليمينية المحافظة الحاكمة في البيت الأبيض جعلهم يشنون حربين كبيرين علي العالم الإسلامي في أفغانستان وفي العراق واكتوي بنيران هذه الحرب غير المبررة والأخلاقية ولا يزال مدنيون ومواطنون لا ناقة لهم ولا جمل في المواجهة التي شنتها العصبة الحاكمة في البيت الأبيض كنوع من الانتقام المدفوع بمحاولة إعادة الاعتبار وفرض الهيمنة علي العالم، وتلوثت الأجندة الأمريكية بروح مغامرة ذات طابع أصولي إنجيلي متطرف خرج على كل ما كانت أمريكا تفخر به وتبشر وهو احترام العدالة والقانون وقيم الحرية والمساواة، ولازالت المكارثية الأمريكية تفعل فعلها الذي بدت فيه التقاليد الأمريكية منتهكة كما حدث في معتقل جوانتانامو وأبي غريب، الأجندة الأمريكية كانت معبأة بأفكار أيديولوجية تري أن الثقافة الإسلامية ذات طابع صلب لا يمكن اختراقه وهو ما يعبر عن الجمود وإنتاج العنف في هذه المنطقة من العالم التي بدت وكأنها تقاوم العولمة والعدوان الثقافي علي قيمها المنبثقة من الإسلام، بدت الأجندة الأمريكية الجديدة وهي تحاول تطويع الحضارة الإسلامية إلي شروط هذه الأجندة فيما يمكن أن نصفه دون تجاوز بأنه غزة ثقافية حضارية كبيرة مدعومة بقوة السلاح ومراكز الفكر والأبحاث المتخصصة في التعامل مع العالم الإسلامي، فرأينا الحديث عن تغيير مناهج التعليم الديني حتى لا تنتج أصوليين يهاجمون أمريكا في عقر دارها رغم أن أيا ممن شاركوا في حدث سبتمبر لم يكونوا خريجي مدارس دينية، ورأينا الحديث عن المرأة المسلمة وضرورة تمكينها فيما عرف بتمكين المرأة، والتمكين هنا معناه دفع المرأة للاستجابة للمطالب الثقافية الأمريكية بحيث تغلب قراراها الفردي علي مصلحة أسرتها، أي أن التمكين يقصد زرع الطابع الفردي في نفس المرأة المسلمة بحيث تصبح بلا مرجعية مقدسة دينية، وإنما مرجعيتها تكون لهواها ونزقها ومصلحتها، بحيث تحيا بلا هدف ولا معني سوي الاستجابة لرغباتها الخاصة ونزواتها النفسية الجامحة التي لا تحدها حدود فيكون هواها هو معبودها، والأمر نفسه مع الأطفال الصغار من البنات خاصة حيث استخدم مصطلح التمكين لهن أيضا ومعناه باختصار هو نزع القداسة عن سلوك الأطفال لبناء علاقات مفتوحة بلا حدود ولا ضوابط ولا قيود وهذا لعمر الله تدمير للحضارة الإنسانية جمعاء وتدمير لمعنى الاستخلاف والحياة معا.
من يتابع الدعوات الأمريكية للإصلاح عليه أن يتابع دعوات الإصلاح الأوروبية التي خربت الدولة العثمانية حتى حولتها من دولة ذات مرجعية إسلامية إلى دولة مرجعيتها علمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر فيما عرف بفترة التنظيمات الخيرية
وسمعنا مما جاء في المقرر الأمريكي للعالم الإسلامي تشجيع التيارات الصوفية والابتداعية التي توسع من المشتركات مع الحضارة الغربية حيت تجعل الدين مكانه دور العبادة وتنزع من القيم الإسلامية طابع الخصوصية التي تجعل من المسلمين أمة واحدة بينهم حقوق وواجبات كأمة، ومن هنا كانت السهام موجهة لمفهوم الولاء والتضامن بين المسلمين كأمة وصرنا بإزاء التلاعب في القيم والمفاهيم العقدية والحضارية والأساس الذي قام عليه الوجود الإسلامي ذاته، وفي التحليل النهائي فإن الأجندة الأمريكية لا تريد صوتا مسموعا للإسلام غير تلك التي تقره هي وتريده.
أهداف الحوار الأمريكي مع الحركة الإسلامية:(1/453)
يرفض المسلمون الهجمة الأمريكية علي حرمات مقدساتهم وشاعت موجة كراهية عاتية للولايات المتحدة الأمريكية جعلت الأمريكان يتساءلون لماذا يكرهوننا، ومن ثم بدا للاستراتيجيين الأمريكان أن الوسيلة الأفضل لتطويع العالم الإسلامي هي دعاوى الإصلاح السياسية وليست الدينية، ومن ثم سمعنا عن تغيير النظم السياسية التي تراها أمريكا مستبدة وإشاعة قيم الديموقراطية بمفهومها الغربي في العالم الإسلامي، ومن خلال التعمق الأمريكي في فهم أحوال العالم الإسلامي ذهبت النخبة الاستراتيجية الأمريكية إلي أن الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي والعربي لا يمكن بدون القوي الإسلامية باعتبارها التيار الرئيسي الجامح والفعال والمقبول جماهيريا لدي الناس، ومن هنا كانت فكرة الحوار مع الإسلاميين، بل وقبول وصولهم إلي السلطة في بلدانهم، لأن خطر استمرار النظم المستبدة القائمة هو أشد وطأة علي الأمن القومي الأمريكي من قبول الإسلاميين في السلطة، ومن هنا كانت دعوات أمريكا علي لسان أكبر المسئولين فيها للحوار مع الإسلاميين والقوي التي وصفتها بالاعتدال في العالم الإسلامي والعربي بحيث لا تهدد هذه القوي المصالح الأمريكية والغربية وتعترف وتقبل بقواعد اللعبة السياسية الديموقراطية، ويكاد هذا الموضوع يكون هو أهم القضايا المطروحة على أجندة السياسة العربية سواء بالنسبة للنظم السياسية أو الحركات الإسلامية المعتدلة، وهو ما يشير إلى أن العامل الإسلامي أصبح أحد أهم مدخلات تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، وهنا تكمن المشكلة التي نود أن نشير إلي خطرها وهي أن السياسة الأمريكية تريد أن تورط الحركات الإسلامية في تنفيذ الأجندة الأمريكية عبر السماح لها بالمشاركة في السلطة أو حتى الانفراد بها، فبدلا من الاعتماد علي النظم العلمانية لماذا لا نجعل الإسلاميون هم أنفسهم الذين يقومون بتنفيذ المطالب الأمريكية أي بيد الإسلاميين نحارب الإسلام وهنا مكمن الخطر الكبير، بل الفتنة الكبيرة التي تنتظر الحركة الإسلامية، والمتابع لمجمل ما نشر من تقارير ودراسات غربية حول الظاهرة الإسلامية يلاحظ بوضوح محاولة نقل الصدام الحضاري داخل الحالة الإسلامية فبدلا من أن يكون الصراع بين الإسلام والغرب يكون الصراع والصدام داخل الحضارة الإسلامية ذاتها بل وداخل الحالة الإسلامية ومنذ كتاب الفرصة السانحة لريتشارد نيكسون " وهو منشور قبل أحداث سبتمبر نجد الحديث عن الإسلام التقليدي والإسلام السياسي والإسلام الأصولي والإسلام السلفي والإسلام المعتدل والإسلام المتشدد والجهادي، فهم يرون الظاهرة الإسلامية من منظور تفتيتها وتجزئتها وغرس عوامل الصراع والنزاع داخل أطرافها رغم أن الجميع يشملهم مفهوم الإسلام والجماعة والأمة طالما أنهم يلتزمون بقواعد الفهم للكتاب والسنة كما فهمها سلف هذه الأمة وخيرها وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، فالمحاولة الأمريكية الجديدة من الإصلاح والحوار مع الإسلاميين اليوم هي بغرض توريط الحركة الإسلامية ذاتها في تحقيق أهداف الأجندة الأمريكية ومن أجل بذر بذور الصراع والشقاق داخل الحالة الإسلامية، ومن ثم فالحركة الإسلامية تواجه لحظة خطر حقيقية نري أنها تفرض الوعي بالمخاطر الماحقة التي تجعل الهدف من الوجود الإسلامي لهذه الحركات في الميزان، فالحركة الإسلامية بالأساس هي حركة للأمة ومعبرة عن ضميرها ووجودها بالأساس قائم علي الدعوة إلي الدين الصحيح وتذكير الناس بالتمسك بدينهم " فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك علي صراط مستقيم " وحين يتعارض هذا المقصد الرئيسي مع الحوار الأمريكي أو حتى الوصول إلي السلطة فإن الحركة الإسلامية عليها التمسك بدعوتها ووظيفتها التي أعطتها شرعية وجودها " ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " وقوله تعالي " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر "، ومن يقرأ تقرير مؤسسة راند يعرف كيف يفكر الأمريكيون تجاه الحركة الإسلامية وتجاه العالم الإسلامي، فاللحظة الحاضرة هي لحظة فتنة وخطر تستدعي أقصي روح من الوعي والتثبت والتثبيت "وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً"الإسراء:( 74)
معالم الخطر القادم:
موضوع بحثي للدكتوراه في العلوم السياسية هو تركيا وحزب الرفاه والدولة العثمانية ومن يحاول معرفة الخطر الذي تواجه الحركة الإسلامية من جراء دعوات الإصلاح الأمريكية عليه أن يقرأ بعمق محاولات الإصلاح في الدولة العثمانية وهو الإصلاح المؤسسي داخل الدولة للحاق بالغرب، ومن يتصفح ما جرى من تحولات داخل دولة الخلافة منذ أواخر القرن الثامن عشر كأنه يقرأ الحاضر، فمثلا علي سبيل المثال معظم وصفات الإصلاح التي قدمت للدولة العثمانية كانت تقدم من الفرنسيين في إطار الصراع الفرنسي مع بقية القوي الأوربية خاصة بريطانيا وروسيا.(1/454)
وكانت الدولة تستخدم كأداة لنشر أفكار الثورة الفرنسية، وظلت الدولة مع زيادة ضعفها وارتهانها لمشاريع التفتيت الغربية تستجيب لأجندة الإصلاح الغربية بحيث كان محور نشاط الدول الغربية المعادية للدولة العثمانية والطامعة فيها هو مطالبتها بأجندة إصلاحية لتحديثها وإدماجها في المنظومة الغربية وشيئاً فشيئاً كانت الدولة تمعن في اللحاق بأجندة الإصلاح الأوروبية حتى جاءت نخبة علمانية جديدة هي التي قادت إلي تخريب الدولة والانقلاب علي السلطان عبد الحميد وبعضهم كان عميلا للإنجليز كمدحت باشا.
وظن بعضهم أن الإصلاح الدستوري والعمل البرلماني سينقذ الدولة وفق الصيغة الغربية ولكنه كان سبباً في تجزئتها وتفتيتها، وبعد سقوط السلطان عبد الحميد عام 1908 خربت النخبة العلمانية الجديدة الدولة وهزمت في الحرب الأولي ثم اختتمت بكمال أتاتورك الذي أسقط الخلافة وأعلن علمانية الدولة التركية وأحدث انقلابا مروعا في حياة دولة الخلافة لا يزال المسلمون يعيشون آثاره حتى اليوم.
من يتابع الدعوات الأمريكية للإصلاح عليه أن يتابع دعوات الإصلاح الأوروبية التي خربت الدولة العثمانية حتى حولتها من دولة ذات مرجعية إسلامية إلى دولة مرجعيتها علمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر فيما عرف بفترة التنظيمات الخيرية، إن العقل الأداتي الغربي هداه شيطانه إلي التفكير بتغيير قواعد اللعبة من وجهة نظره بنزع المقاومة والتحدي عن الأمة في مواجهة مشاريعه بجعل من ينفذونها هم من المسلمين أنفسهم، وإذا كانت حربه ضد العالم الإسلامي تمت بأيدي علمانية من أبناء العالم الإسلامي فها هو يسعى لخطوة خطيرة وشيطانية وهي استخدام الإسلاميين أنفسهم لتحقيق مآربه وأهدافه، فليحذر قادة الحركات الإسلاميين وعموم العاملين في حقل العمل الإسلامي من خطر اللحظة الأمريكية القادمة وليتمسكوا بثوابتهم وقواعدهم وقيمهم ولا ينجرفوا لمخاطر الألعاب السياسية ويدركوا أنهم دعاة إلى الله وأنهم موقعون عن الله ومعبرون عن الأمة وهم دعاة المقاومة والرباط والصمود والمواجهة وإلا فالخطر القادم وهو حركة إسلامية بلا معالم ولا ثوابت ولا مرجعيات وحينها تجري علينا سنن الله الكونية فيما نطلق عليه جدل الاستبدال والتغيير "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: من الآية38).
فالله حفظ هذه الأمة بالذكر ولم يجعل حفظها وفعلها وحيويتها مرهونة بإمام أو جماعة أو طائفة أو ملة وستبقي سنة الله جارية فيها لا تتبدل ولا تتغير "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر: 9).
----------------------------------
* داعية وباحث إسلامي
http:// المصدر: 216. 55. 137. 18
=============(1/455)
(1/456)
تحت شعارات التحديث واللحاق بالعصر الإلكتروني
الدعوة إلى استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي .. خبيثة
مبارك عبد الله
تكثر في بعض الأوساط الشبابية الكتابة بالحرف اللاتيني عبر الحاسوب، وذلك إما بسبب كون جهازهم لا يحتوي على نظام يدعم اللغة العربية، أو لكون بعض مواقع الإنترنت لا تسمح بإدخال النصوص باللغة العربية، الأمر الذي يدفع المتحاورين إلى استخدام الحروف اللاتينية "فيستخدمون الرقم 3 للدلالة على حرف العين، و7 للحاء، و6 للطاء، ويضعون إشارة بعدها، لتصبح 3 "غيناً، و7"خاءً"، و6 "ظاءً".
لقد انعكست هذه الطريقة في الكتابة على كثير من الشباب، وانتشر استخدامها ليس فقط عبر الحاسوب ورسائل هاتف الخلوي، بل أيضاً عبر الرسائل العادية التي يكتبها الشباب فيما بينهم، الأمر الذي يزيد من المخاوف من تفاقم هذه العادة السيئة التي تخدم الأعداء بالدرجة الأولى، وتنفذ لهم برامجهم ومخططاتهم بيسر وسهولة.
أهداف هذه الدعوة
إن الوقفة التاريخية حول بدء الدعوة إلى استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي تبيّن أن جذورها تعود إلى أواسط القرن الماضي، حيث نجحت هذه الدعوة في دفع أتاتورك في تركيا إلى تحويل الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني، كما نجحت أيضاً في بعض الدول الإسلامية الأخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا اللتين كانتا تعتمدان الحروف العربية في الكتابة، ومثل ألبانيا والبوسنة ونيجيريا التي نجح الإنجليز في نقل حروف اللغات المحلية فيها من العربية إلى اللاتينية، وقُطعت صلة هذه الدولة بتاريخها العربي عبر القضاء على آثارها العلمية القديمة.
لقد كان لنجاح الاحتلال الغربي في التخلص من الحرف العربي في كثير من الدول أثره في تزايد أطماعه في تمرير دعوته إلى داخل الدول العربية نفسها، وذلك تحت شعارات عديدة، لعل آخرها دعوات العولمة الثقافية ومحاربة الإرهاب وغير ذلك من الشعارات الأخرى.
إن القراءة الموضوعية لأهداف هذه الهجمة الشرسة على الحرف العربي تظهر بوضوح أن المستهدف من وراء هذه الهجمة هو الإسلام والمسلمون الذين يرتبطون باللغة ارتباطاً عقائدياً، ومن الدلائل على ما نقول:
1- تخصيص اللغة العربية من دون سائر لغات العالم بهذه الدعوة، فلا نجد مثل هذه الدعوات عند الأمم الأخرى مثل التايلنديين والصينيين والهنود واليابانيين والفيتناميين والكوريين وغيرهم الذين رفضوا تبني الحرف اللاتيني وأصروا على حرفهم الذي كتب تراثهم، فلم يحدث قط أن اليابانيين أو الصينيين أو الكوريين أو اليهود اقترحوا تغيير حروف لغتهم من أجل اللحاق بما يسمى بالركب العالمي، مع أن المتتبع لبعض هذه اللغات يجدها أكثر تعقيداً من اللغة العربية، ففيما تقتصر اللغة العربية على 28 حرفاً تحتوي اللغة اليابانية على 880 "إيديوجرام" (شكلاً صينياً) بالإضافة إلى 46 حرفاً أخرى.
2- رفع لواء هذه الدعوة الهدّامة من قبل بعض المستشرقين من النصارى الغربيين والعرب بمشاركة بعض المستغربين من أبناء المسلمين ممن تربّوا على منهجهم واستقوا من منابعهم، فكان على رأسهم المنصر "ماسينيون"، الذي نشر دعوته في المغرب ومصر وسورية ولبنان، ثم تبعه كثير من العرب منهم أنيس فريحة وسعيد عقل من لبنان، وسلامة موسى وعبد العزيز فهمي من مصر، وكان مما قاله هذا الأخير في معرض دفاعه عن الحرف اللاتيني: "الواقع أن اقتراح الخط اللاتيني هو وثبة نحو المستقبل، ولو أننا عملنا به لاستطعنا أن ننقل مصر إلى مقام تركيا التي أغلق عليها هذا الخط أبواب ماضيها وفتح لها أبواب مستقبلها".
3- تحذير بعض المنصفين من الباحثين الغربيين من الأهداف المستترة لمثل هذه الدعوات، ومن هؤلاء "إدوارد بنسون" مدير مدرسة اللغات الشرقية في لندن: "حذار من استعمال الحروف اللاتينية في كتابة اللغة العربية.. لأن الحروف العربية هي حروف لغة القرآن، وإذا مسستم الحروف العربية مسستم القرآن، بل هدمتم صرح وحدة الإسلام لأن الإسلام أساسه اللغة العربية، فإذا ضاعت ضاع الإسلام ".
4- الإعلان الصريح عن الأهداف والمخططات في الأبحاث والدراسات الغربية والتي تتستر بشعارات عديدة منها العلني مثل الادعاء ب "محاربة الإرهاب" أو "تجفيف المنابع"، ومنها المستتر مثل رفع شعار "التيسير والتطوير" وشعار "مواكبة العصر الألكتروني".
ولقد صدرت تحت هذه الشعارات قوانين ودراسات غربية عديدة دعت إلى اعتماد الحرف اللاتيني في الكتابة العربية، فأصدرت فرنسا في هذا الإطار قراراً عام 2000م يلزم متعلمي العربية بكتابتها بالحرف اللاتيني.(1/457)
كما كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن مشروع خطير هدفه "تغيير شكل حروف اللغة العربية واستبدال اللغة اللاتينية بها" تحت زعم تحديث الثقافة العربية، واعتبر هذا المشروع جزءاً من خطة الإصلاح في المنطقة والتي تدخل ضمن إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، ويهدف هذا المشروع إلى تعديل الحرف العربي كمقدمة لتعديل القرآن الكريم، واستبدال كتاب جديد به أعد مؤخراً اسمه "الفرقان الحق" أو الفرقان الأمريكي. وقد ادعى واضعو المشروع أن في الحروف العربية كثيراً من التعقيدات مثل الارتفاع في الحرف "ع" أو الانخفاض في الحرف "ح"، والإقفال في حرف "ه" أو "ة" الهاء أو التاء المربوطتين، إضافة إلى التشابه في كثير من الحروف التي لا تتميز عن بعضها إلا بالتنقيط مثل: "ب، ت، ث"، "ج، ح، خ"، "د، ذ"، "ر. ز"، "س، ش"، "ص، ض"، "ط، ظ"، "ع، غ"، "ف، ق". مما يزيد من صعوبة استيعاب وتعلم التلاميذ لهذه الحروف.
وقد جعل هذا المشروع الحروف اللاتينية الجديدة "تعتمد على عدد من الأشكال الهندسية المحاسبية الجديدة والتي تقتصر على 7 أشكال فقط حسبما أكد المشروع". من هذه الأشكال المثلث والمستقيم والدائرة، وقد ادعى معدو المشروع، من أجل إنجاح مشروعهم، أنهم استعانوا بعلماء النفس الذين أثبتوا أن استخدام هذه النماذج يدل على الشخصية السوية، بينما تدل بعض الأشكال القديمة على شخصية عدوانية!
أخطارها
لقد كان لتماسك المسلمين القوي عبر تاريخهم أثره في رد وإحباط الهجمات التي طالت لغتهم، ولكن ما يحدث الآن أن الهزيمة النفسية التي منوا بها جعلتهم، وخوفاً من أن يتهموا بالأصولية والإرهاب، يتراجعون عن كثير من الأسس والثوابت، فعدّلت بعض الدول العربية قوانينها إرضاءً للغرب، وغيّرت دول أخرى برامجها الدراسية لتتناسب مع تطلعات الغرب، وحوّل البعض الآخر مدارسه وكلياته إلى منابر تدرس فيها لغات الغرب... كل هذا بغفلة أو تغافل عن المؤامرات التي تحاك ضد لغة القرآن الكريم.
إن الأهداف التي يمكن رصدها حول أخطار الهجوم على الحرف العربي عديدة منها تفريغ العرب والمسلمين من تراثهم الثقافي ومحو ذاكرتهم وخاصة الإسلامية منها تمهيداً لاستبداله ثقافة وحضارة اللغة التي يعتمدونها بها، ومنها أيضاً التأثير على العديد من اللغات الأخرى التي تستخدم اللغة العربية في كتابتها، ومن هذه الدول أفغانستان وإيران ومالطا والهند وباكستان وكازاخستان وماليزيا وإندونيسيا وغيرها، وكذلك ضياع اثني عشر حرفاً من حروف اللغة العربية لعدم وجود الحرف المقابل لها في الحرف اللاتيني، "وهذه الحروف هي: الثاء والجيم والحاء والدال والذال والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف، لأنه لا يوجد في الحروف اللاتينية ما يقابلها بنصها، وسوف تدخل في حروف أخرى وتضيع الحروف الأصلية".
اللغة العربية من ثوابت الأمة
في الختام، إن ما تتعرض له الأمة الإسلامية من غزو عسكري وفكري وثقافي يستوجب توحيد الجهود من أجل الدفاع عن الثوابت الإسلامية، والتي تشكل اللغة إحدى مقوماتها الأساسية، لأنها بدونها ستفقد وجودها وتاريخها ولن تنال بالمقابل رضا من فعلت ذلك لأجلهم، فها هي تركيا تتخلى عن الحرف العربي، وتكتب لغتها بالحروف اللاتينية منذ خمسة وسبعين عاماً، وبرغم هذا فإن وزير خارجية فرنسا دومنيك دوفيلبان قال بالأمس القريب: "إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يهدد هوية أوروبا وحدودها".
إن الدفاع عن لغة القرآن الكريم يتطلب من كل مسلم غيور على دينه أن ينشر الوعي بين الناس حول الأهداف والمخططات الدولية التي تسعى إلى تحويل الخط العربي إلى فن من الفنون الجميلة التاريخية.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(1/458)
(1/459)
الديمقراطية هكذا .. !
عبد الله عيسى السلامة
دار الحوار التالي بين أحد الناشطين السياسيين المطالبين بالديمقراطية، وبين الدكتاتور الذي يحكم البلاد بالحديد والنار:
قال الدكتاتور للمعارض: ماذا تعني لك الديمقراطيّة؟
المعارض: أن أقول ما أشاء، وأفعل ما أشاء، دون خوف من سجن أو تعذيب أو ملاحقة أو حرمان.
الدكتاتور: حتى لو خالفتَ القوانين، واعتديتَ على الناس بقولك أو فِعلك؟
المعارض: بالطبع لا.. فأنا رجل مثقّف، أعرف القوانين جيّداً، وأعرف الحدود التي يجب أن أقف عندها.
الدكتاتور: حسناً.. فأين المشكلة إذن؟ ولِمَ تصدّع رؤوسنا صباحَ مساءَ بالديمقراطيّة!؟.
المعارض: لأنها غير مطبقة في بلادنا.
الدكتاتور: ومَن أخبرك بهذا؟
المعارض: وهل أنا بحاجة إلى من يخبرني بهذا، وأنا أعيش في هذا البلد؟
الدكتاتور: وهل اكتشفتَ بعيشك في هذا البلد، أنّ الديمقراطيّة غير مطبقة فيه؟
المعارض: طبعاً.
الدكتاتور: هذا يعني أنك لا تعرف معنى الديمقراطيّة!
المعارض: وكيف لا أعرف معناها، وقد سألتَني عنه قبل قليل، وأجبتك؟!
الدكتاتور: تقصد: أن تقول ما تشاء، وتفعل ما تشاء، دون مخالفة للقوانين؟!
المعارض: أجَل.
الدكتاتور: ومَن منعَك مِن هذا؟
المعارض: رجالُ المخابرات الذين سمّيتموهم: "رجالَ الأمن ".
الدكتاتور: اذكرْ لي اسمَ رجل واحد مِن هؤلاء، وأنا أجلده أمامك بالسّوط.
المعارض: جهازُ أمن الدولة في بلدتي التي أقيمُ فيها.
الدكتاتور: الجهاز كلُّه منَعك من أن تقول ما تشاء، وتفعل ما تشاء؟!
المعارض: بل مجموعةٌ منه اعتقلتني ليلاً، ومجموعةٌ أخرى حقّقت معي وعذّبتني.
الدكتاتور: لِمَ اعتقلتك الأولى وعذّبتك الثانية؟!.
المعارض: لأنّي عبّرت عن رأيي بصراحة، في بعض المسائل العامّة، والقوانين الخاطئة، والممارساتِ الفاسدة لبعض المسؤولين الكبار.
الدكتاتور: هذا يعني أنّك قلتَ ما تريد!
المعارض: صحيح.. ولكن..
الدكتاتور: ولمْ يُغلق أحد فمَك حين كنت تقول ما تريد، فيمنعك من الكلام.
المعارض: صحيح.. ولكنّي عوقبت على القول؟
الدكتاتور: وهل كنت تتصوّر أنك تستطيع أن تقول ما تريد، حول المسائل العامّة، والقوانين، وممارسات المسؤولين دون أن يسألك أحد أو يعاقبك؟!
المعارض: ولكنّي قلت ما أعتقده صواباً، في حدود القانون.
الدكتاتور: وهمْ فعلوا ما يعتقدونه صواباً في حدود القانون أيضاً!.
المعارض: هذا يعني أن كلمة الحقّ تقابلها عقوبة..
الدكتاتور: وما أدراك أن ما قلتَه هو كلمة حق؟
المعارض: إنّه رأيي الذي أراه صواباً وحقّاً..
الدكتاتور: وهم فَعلوا ما يرونه صواباً وحقّاً.
المعارض: هذا يعني ألاّ أقول ما أراه صواباً، كي لا أتعرّض للعقوبة.
الدكتاتور: لا.. أعوذ بالله.. وهل نحن نكمّم أفواه العباد؟! قل ما تشاء كما تشاء..
المعارض: وبعدها تفعلون بي ما تشاؤون.. أليس كذلك؟!
الدكتاتور: ها أنتَ ذا عرفتَها بنفسك، أيّها المواطن المحترم. أنت تقول ما تشاء، وما تراه صواباً، لأنّ هذا من حقّك.. ونحن نفعل بك ما نشاء، وما نراه صواباً، لأنّ هذا من حقّنا، بل أكثرُ من ذلك يمكنك أن تقول ما تشاء، وأن تفعل ما تشاء أيضاً، ولا تكتف بالقول وحده، وبالطبع مِن حقّنا أن نقول لك ما نشاء، وأن نفعل بك ما نشاء، فتكون الديمقراطيّة هكذا، بيننا وبينك مُناصَفة، أمْ لعلّك تريد أن تمارس الديمقراطيّة وحدك، وتحرمنا من حقنا في ممارستها!
هل تريد أن تكون مستبدّاً..؟! اتّقِ الله يا رجل!
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(1/460)
(1/461)
إرشاد ما نجي .. من هي ؟؟
نورة خالد السعد
سبق تدنيس القرآن الكريم في مراحيض سجون ومعتقلات غوانتانامو الذي مهما بررت مجلة النيوزويك وادعت خلاف ذلك هو حقيقة سبق لبعض من أطلق سراحهم الحديث عنها.. سبق هذا التدنيس المحاولات المتعددة لإحداث خلل في تقديم الدين الإسلامي للعالم.. بل الجرأة على إصدار ما يطلقون عليه (الفرقان الحق) الذي تم توزيع نسخ منه في إحدى مدارس الكويت الخاصة!! ولا أعرف كيف تم هذا؟؟
وقد سبق أن كتب عن هذا العديد من الكتاب وكان لي مقالة حول هذا الموضوع منذ عام.. وبصفتنا مسلمين ولدينا مؤسسات إسلامية فمن حقنا رفض هذا الفرقان بل ومعاقبة من يقوم بتوزيعه على الطلاب المسلمين في أي مجتمع.. وأخيراً ما طالعنا به د. إبراهيم عوض عما تقوم به ما تدعي أنها مسلمة وتكتب في الشأن الإسلامي وهي الكاتبة (إرشاد مانجي) التي هي من أصل باكستاني وتقدم برنامجاً في التلفزيون الكندي وتقوم بتأليف كتب في الشأن الإسلامي كما تدعي وهي في واقع الأمر هجوم على الإسلام!!
وهي تجد دعماً مالياً وبحثياً لتقوم بالتأليف في الشأن الإسلامي وحالياً تقوم بحملة شعارها (الاجتهاد) وتقول: (نحن المسلمين نتآمر ضد أنفسنا وفي أزمة حقيقية لأننا نجر بقية العالم معنا وإذا كان ثمة لحظة مناسبة للإصلاح فهي الآن)!! وهي تقصد بالدرجة الأولى هذه المرحلة من الهوان والاستكانة التي يهان فيها ديننا وتتَّهم شريعتنا بالإرهاب وبعض منا من المسلمين يوافقون على هذه التهمة الباطلة والجائرة.. ومن يدافع عن هذا الدين يتهم بالظلامية والتشدد وأنه جاهل لا يفهم الحضارة الغربية ولا يرى سوى قاذوراتها !!
وإرشاد مانجي هذه أصدرت كتاباً عن الإسلام هو من أكثر الكتب مبيعاً في الغرب واسمه (الخلل في الإسلام دعوة إلى الصحوة من أجل الأمانة والتغيير) وقد نشر هذا الكتاب في باكستان وسينشر قريباً في العراق وتركيا والهند!! وهي كندية الجنسية.. وهي امرأة سحاقية وتعترف بذلك وبرنامجها الذي تقدمه في التلفزيون الكندي عن الشذوذ!! وفي مقدمة مؤلفها السابق تشكر الله أن وهبها ميشيل صديقتها التي تعيش معها أي السحاقية مثلها!!
وما يشغلها هو كيف توفق بين أن تكون مسلمة وسحاقية؟؟ أي كما تقول: كيف يمكن التوفيق بين المثلية والإسلام؟؟
وتقول هذه المجتهدة التي يصفق لها الغرب الآن وتدعمها العديد من المؤسسات الإعلامية وعلى رأسها مؤسسة راندوم هاوس ودار النشر مانيستريم Mainst r eam Publishing ومعظم أسئلتها التي تحيرها هي: إذا كان الله العليم القدير لا يريد أن يجعلني سحاقية فلماذا خلقني سحاقية؟؟
وهي لهذا تقدم برنامجاً تلفازياً يكاد يكون يومياً منذ عام 1998م يناقش قضايا المثليين والسحاقيين!! وما تجده من دعم مالي وبحثي كي تقوم بتأليف الكتب عن الإسلام كي تحدث نقلة نوعية في توضيح الإسلام وإصلاح الإسلام هو في الواقع ووفق ما نشره عنها د. إبراهيم عوض بناء على اطلاعه على بعض مقالاتها المنشورة في موقعها وما كتب عن مؤلفها (مشكلة الإسلام اليوم) فإن ما تكتبه هو هجوم على الإسلام واستهزاء بتعاليمه وكذب وادعاء على تفسير آيات القرآن الكريم كادعائها أن (الحور) لسن نساء في الجنة وإنما هو (الزبيب) أي العنب المجفف وهو (الزبيب الأبيض)!! وفي معظم شروحاتها تنتقد الإسلام وتنتقص منه في مقابل إعلاء ما تفسره على أنه ميزة للتلمود والتوراة .. بل تدعي أن القرآن استقى من مصادر أخرى أي أنه ليس من عند الله!! ثم تدعي أنها مسلمة وستصحح الفهم للإسلام!! وهي أيضاً في مقدمة كتابها توجه الشكر لكل من يدعمها مالياً ويزودها بالمعلومات من هذه الدور المالية والأخرى التي تدعى مراكز الدراسات والأبحاث!! وكما هو معروف أن دار (راندوم هاوس) هي دار نشر يهودية..
* إن إرشاد مانجي التي يطلقون عليها أنها واحدة من ثلاث نساء يصنعن تغييراً إيجابياً في الإسلام!! هي امرأة سحاقية تبث مسلسلاً تلفزيونياً يبث عن طريق الإنترنت أيضاً يتحدث عن ثقافتي المثليين والسحاقيات وتدعي أنها مسلمة وتبشر بإسلام صحيح!! وتنتقد من يحتجون ضد برنامجها من أصوليين مسيحيين - كما تقول - وتعتقد أنها لم تكن تتوقع أقل من ذلك!! أي كان من المفروض أن يتقبل المشاهدون هذه الإباحية!! ولأن مروجي الشذوذ الجنسي والمطالبة بتأسيسه نظاماً قانونياً بعد أن انتزعوا له اعترافاً رسمياً في عدد من دول أوروبا يسعون الآن لتعزيز حقوق الشاذين في الدول الإسلامية تمهيداً كي ينال الشاذون حقوقهم التي يدعونها؟!
*ما يحدث من هجوم متعدد الجبهات على الإسلام والمسلمين لن يتوقف وكل تدنيس له ولقرآننا سيستمر كلما كنا في هذه المرحلة من المراوحة.. بل كلما كان من بيننا من يروج لجميع القيم القادمة من رياح الغرب.. حتى لو كان فيها هلاكنا..
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/462)
(1/463)
المنظمات المشبوهة والديمقراطية !!
مجدي إبراهيم محرم
إنني أدعو السادة القراء أن يقرؤوا هذا المقال بشيء من التمعن لقراءة ما يحدث لمنطقتنا العربية والإسلامية وللوقوف على ما يفعله أعداء الأمة ويخططون له ونحن في غفلة من أمرنا !!
أيها السادة: هناك أشياء لا تباع ولا تشترى ولا تُملك بالمدة الطويلة
هناك أشياء نسقط إذا سقطت ونموت إذا ماتت من بينها الشرف والكرامة والأنفة و العزة
ما الذي جعل أخي رحمة الله عليه يدفع عمره وحياته وهو في ريعان شبابه ليصير شهيدا غير الشرف والثأر من الأعداء واستعادة الحق السليب؟!
ما الذي يجعلنا ندافع عن أعراضنا وشرفنا وأرضنا ونضحي بالغالي والنفيس؟!
إنها أشياء لا تباع و لا تشترى!
تعالوا بنا أيها الكرام لنتأمل كيف تباع الذمم وتضيع الكرامة لمن استهزءوا بالدين وحولوه إلى شيء رخيص كرخص لحومهم وأعراضهم
تعالوا لنتأمل سويا ماذا تفعل فينا هيئة الديمقراطية الأمريكية NED
تعالوا لنتأمل التدخل الديمقراطي الغامض!!
ولتعلموا أن هناك من المشبوهين ممن يرفعون لواء كلمة الحق ليراد بها الباطل
كمن ينكر السنة النبوية باسم الديمقراطية!!!!!
أو كمن يثير الفتنة باسم الدفاع عن الأقلية!!!!!
أو كمن يدعونا إلى الإباحية والفوضوية باسم الحرية!!!!!
أو من يحاول التجرؤ على الإسلام باسم مهاجمة الإرهاب!!!!!
تعالوا يا سادة لنتأمل:
كيف يقول أحد الخنازير إنكم دول تتلقون دولاراتنا وأموالنا فيجب أن يكون وضعكم كما ترغب أفئدتنا!!
وعندما سألوه ماذا لو قال لكم مبارك اذهبوا بمعونتكم عنا ؟!!
رد قائلا: إن الولايات المتحدة دولة كبيرة وتتبع الإرهاب!! الذي هو عدو الديمقراطية ومن حقها التدخل في الشؤون الداخلية للدول من أجل ضمان سلامة العالم
وعندما قيل له أن أمريكا هي التي تزعزع الاستقرار في العالم
قال: لا بل هي تضمن السلام وتوطد أركانه وتدعو لحقوق الإنسان!!!
لقد أعلن الخنزير بوش اتخاذه قرار مضاعفة ميزانية الدولة لهيئة الديمقراطية الأمريكية ويقوم بالدعم المادي والمعنوي لهيئة " نيد " ((هذه الهيئة التي أسست في الحقيقة لمتابعة النشاطات السرية لجهاز المخابرات الأمريكية الداعمة مادة وتمويلا وكذلك إنشاء جماعات وشبكات سياسية واقتصادية في كافة الدول لضرب القوي الإرهابية الإسلامية كحزب الله وحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين في كل أنحاء العالم لمحاصرة الإسلام وتهميش دوره النهضوي ))
تحت مسمى إرساء مفهوم الانتخابات الحرة والتبادل الحر و حرية التعبير و كذلك التأثير في دور النقابات قبل أن ينفلت الأمر بعد أن سيطر عليها الإسلاميون في الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط الكبير !!
ولعله يجري الحديث بالبيت الأبيض الأمريكي عن نقل عملياته العسكرية إلى المنطقة للتدخل بكل سهولة وفي الشؤون الداخلية للمنطقة.
و إنشاء هذه الهيئة لا يمكن فهم دلالاته وأبعاده إلا بالرجوع إلى تراكمات الأحداث التاريخية بين المعسكرين التقليدين المعسكر الشرقي والغربي، ففي بداية الثمانينات من هذا القرن، صنف الرئيس الأمريكي السابق " رونالد ريجان " الاتحاد السوفييتي على أنها امبراطورية الشر واستوجب ذلك تهيئة وسائل جديدة لمحاربة هذه الإمبراطورية، فزيادة على التضييق السياسي و العسكري الذي مورس على السوفييت آنذاك، وتأليب احتجاجات المجتمع المدني ضد هذا الإمبراطورية والتي كانت تقف من ورائها وبقوة كل أجهزة المخابرات المركزية ال " سي آي آي "، هذا الجهاز الإخباري الذي انكشفت أسراره تحت ضغط العديد من التحقيقات المتوالية والتي أدانت طبيعة عملها الجهاز وألبت الرأي العام ضده. في هذا السياق قرر المجلس الوطني للأمن الأمريكي مواصلة عادته القديمة في مطاردته إمبراطورية الشر
ولكن هذه المرة بطرق أقل اتساخا من سابقاتها
وتحت مسمى جديد لهيئة جديدة، هذه الهيئة التي أريد لها أن تكون محمية هذه المرة من كل انتقادات التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية في دول العالم كلها. رسميا
وقد تأسست الهيئة الوطنية للديمقراطية !!!!!! (ناشيونال اندوومنت فور ديمكراسي نيد) تحت إطار قانوني لجمعية ذات طابع غير تجاري، لكن ميزانياتها مقررة من قبل الكونجرس، ومدونة في ميزانية الدولة المخصصة لما عرف باسم الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي (يو آس آجنسي فور انترناشنال دفلوبمنت يوسايد) للإيحاء إلى العالم أن الحديث جار عن هيئة خاصة.
وقد اهتمت هذه الهيئة بتمويل الهيئات الإنمائية المعنية بالديمقراطية والحرية وشئون السكان وعلم الإجتماع والسياسة
(( مثل منظمة ابن خلدون التي يترأسها سعد الدين إبراهيم ومنظمة أقباط الولايات المتحدة وكثير من المنظمات الصهيونية والمراكز الأكاديمية التخصصية المعنية بالثقافة
هذه المؤسسّات والهيئات الأمريكية، التي تمثّل بؤراً صديدية في جسد المجتمع المصري وتحمل جهات وعناوين ومسمّيات عديدة ولا حصر لها و من هذه المؤسسّات والهيئات شهرة وأكثرها خطراً:
** مؤسسّة راندا الأميركية.
** المركز الثقافي الأميركي.
** مركز البحوث الأميركية (في شارع الدوبارة بالقاهرة)(1/464)
** مؤسّسة فورد فاونديشن
** هيئة المعونة الأميركية
** مؤسسة روكفلر للأبحاث.
** معهد ما ساشوستس وفرعه في القاهرة ومعهد الـ " ام ** أي تي " (في مبنى جامعة القاهرة)
** مؤسّسة ديل كارينجي.
** معهد دراسات الشرق الأوسط الأميركي.
** معهد التربية الدولية والمتخصص في منح السلام
** معهد بروكنجر.
** معهد المشروع الأميركي
** الأكاديمية الدولية لبحوث السلام
** مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في جامعة " جورج تاون "
** مشروع ترابط الجامعات المصرية الأمريكية ومقره المجلس الأعلى للجامعات في القاهرة. (تبلغ ميزانيته السنوية 27مليون دولار تقدّمها المخابرات الأميركية وأجهزتها المعروفة).
والجهات والمنظمات السابقة تترابط من خلال أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بالمراكز البحثية الإسرائيلية لتكوّن مجتمعة شبكة منسّقة الأدوار وخطيرة الأهداف.
وكلها تحصل على أموال وإعانات أمريكية لتجنيد عملاء لها وتربية الجواسيس ودعم بعض الأحزاب التي تتعارض مع الدين وتهدم المقدسات وتنزع القداسة من النصوص الدينية كالسنة النبوية والقرآن))
يجدر الذكر أن هيئة "النيد " تتلقى المساعدات المالية من طرف ثلاث جمعيات
هذه الجمعيات نفسها ممولة من قبل عقود الولايات المتحدة، هذه الجمعيات هي:
* صندوق سميث ريتشارد سون (سميث ريتشاردسون فوندايشن) •
* صندوق جون آم أولين (جون آم أولين فوندايشن) •
* صندوق ليند و هاري برادلاي (ليند آند هاري برادلي فوندايشن)
ومن اللافت للانتباه أيضا أن نشير إلى أن أغلب الوجوه التاريخية التي كانت وراء الأعمال السرية والتي قام بها جهاز الاستخبارات الأمريكية، هي نفسها الوجوه التي توالت حسب الأيام والتواريخ على إدارة مجلس إدارة هيئة الديمقراطية الأمريكية (( فالشيوعيين في الشرق الأوسط على سبيل المثال لا الحصر وقد كانوا جميعا إقصائيين تحولوا بقدرة قادر إلى دعاة للديمقراطية وكذلك الليبراليين الذين سال لعابهم أمام تدفق الأموال والرواتب الإغرائية والشهرية والحصص التي توضع لهم في أرصدتهم البنكية السرية!!))
و بجانب مراكز الدراسات الإستراتيجية والسياسية في الوطن العربي هناك مراكز خارجية مثل
" أوتو ريك " و " جون نجرو بونت " و "هنري سيسنروس " و اليوت آبرامس ويترأسها اليوم " فان ويبر "، ممثل جمهوري سابق لل " مينيزوتا "، ومؤسس جمعية يمينية محافظة (آن باور آمريكا) ووممول الحملة الانتخابية المناصرة ل "بوش" لعام 2000م!!!!!!!.
ويبقى المدير التنفيذي لهيئة الديمقراطية الأميركية " كارل قاشمن " ((تروتسكي سابق)) عضو مسؤول في الحزب الاشتراكي للولايات المتحدة الأمريكية (سوشيال ديموكرات يو اس آي) وعضو من تيار المحافظين الجدد فال "نيد "
إذن في الأساس ما هي إلا امتداد للأعمال السرية لجهاز الاستخبارات الأمريكية، وان اختلفت الأسماء في الظاهر، أو تعددت الوسائل وتنوعت، وتتلخص فلسفة هذه الهيئة في الشعار التالي: (( ما هو في صالح أمريكا، هو في صالح العالم))
والعجب العجاب أن ((النيد)) يقود إلى تعيين دول ما كمحاور للشر!!!!!
ليتسنى لها تمويل عناصر موالية تهدف في النهاية إلى قلب أنظمة الشر على حد تفسير الإدارة الأمريكية، وإرساء مكانها أنظمة أكثر موالاة وملائمة للعم سام !!!
ودعمها بما يخدم مصالح أمريكا قبل أي مصلحة حتى للدولة التي يجري الحدث بها.
(ومن هنا يفهم السر في الدفاع الأمريكي وقيام قيامة الغرب لاعتقال الأنظمة العربية شخصية هامشية في المجتمع العربي لكنها تقوم بدور خدمي مدفوع الأجر وهناك عناصر معروفة قامت قيامة أمريكا لاعتقالها باسم أنها ثائرة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان لتقوم بعد ذلك بصنعها جماهيريا والوقوف معها لدعم أركانها بعد ذلك في سدة الحكم وكلنا يعلم كيف وصل كوهين لمنصب نائب الرئيس في الدولة السورية !)
وعلى الواجهة التقليدية العالمية، وأمام وسائل الإعلام تشكلت النيد كند عدو ضد الشيوعية، لكنها ومنذ انهيار معسكر الروس، تزعم السعي لإرساء الديمقراطية التي تناسبها، وذلك بإنتاج سناريوهات التناقض في بلد ما يخدم مصالح من يسيرون الإدارة الأمريكية، من هذا المنطلق تعتبر "النيد " المسئول الرئيس عن أزمة ديمقراطيات العالم
(إنها ديمقراطيات على نفس نمطها ووفق تقديرها لكل شعب ومكانته في ساحة الأحداث العالمية. يتم هذا باستغلال بلاهة البعض أحيانا وغرس عناصر لها في كل وكالات الأنباء والصحف والمجلات وتسعي لخدمتهم بالدعاية والمطبوعات وفي حال الاعتقال تدعمهم بالمزيد من الأموال وتعيين محامين الدفاع وبصورة شديدة السرية)
، وشواهد التاريخ تثبت أن كثيرا من عمليات قلب الأنظمة وعمليات تمرير مشاريع ما من خلال أشخاص تمت على أساس أن مسؤولا ما تلقى مساعدة مالية من قبل هيئة نظيفة السمعة!!!!!
لكن الواقع الحقيقي أن هذا الشخص استلم دعما من قبل جهاز المخابرات الأمريكية، وأن الشخص الذي سلمه إياه والذي كان في نظره صديقا عاديا، لم يكن في الحقيقة سوى عنصر فعال من جهاز المخابرات يعلن نفسه تحت لواء هيئة أخرى نظيفة إن صح التعبير!!!!!.(1/465)
تجد " النيد " شركاء لها في كثير من البلدان الحليفة وهي تجند حاليا أكثر من 6000 منظمة سياسية واجتماعية في العالم، وتعترف رسميا بأنها كانت لها أدوارها (التجسسية طبعا) في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق ولها آلاف النشطاء في الشرق الأوسط!!!!!!
وتنظم "النيد " محاضرات ونشرات ومجلات ومؤتمرات دعائية بالتعاون مع المثقفين الذين تدعمهم
وأخيرا هذه الهيئة تكون إطارات سياسية ونقابية في كافة أرجاء العالم من أجل إرساء الديمقراطية على حد زعمها.رسميا
أما ميزانية "النيد " فهي بمئات الملايين من الدولارات السنوية والتي يجيء معظمها من قبل وزارة العمل بالدولة والتي تتم بطريقة غير معلنة من قبل جهاز المخابرات الأمريكية "السي آي آي".
لذلك أدعوكم يا أبناء الأمة أن تستيقظوا إلى كل من يحدثونكم عن رفضهم أو شكهم في السنة أو من يتحدثون عن القرآن الكريم وعلاقته بالأساطير!!!
عليكم أن تشككوا في ذممهم ووطنيتهم وعروبتهم وأن تضعوا في حسبانكم الافتراض الأسوأ وهو أنهم مأجورين ومدفوعين من قبل أعداء الأمة 0
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/466)
(1/467)
ابنتي والموضة !!
اهتم الإسلام بزينة المرأة المسلمة اهتمامًا كبيرًا، ورخص لها من الزينة أكثر مما رخصه للرجل كالحرير والذهب، لأن الزينة أمر فطري بالنسبة لها، وتلبية لنداء الأنوثة لديها، ومع اهتمام الإسلام بالزينة فإنه لم يتركها عبثًا، ولكن وضع القيود، والشروط، والقواعد، والضوابط في اللباس والحلي والطيب ونحو ذلك.
ولكن الذي يؤسف له اليوم أن بعض فتياتنا المسلمات لم يعدن متقيدات بتعاليم الإسلام في موضوع الزينة واللباس، وأصبحت قضية التقليد للكافرات والفاسقات طريقًا سارت عليه تحت مسمى 'الموضة' فتعالي معي ابنتي نضع الموضة في الميزان وتحت المجهر.
[1] عوامل انتشار الموضة:
1ـ وسائل الإعلام لها دور كبير في انتشار الموضة بين الفتيات وإبراز المشاهير فيها على أنهم أهل للاقتداء بما في ذلك ملابسهم.
2ـ هناك جزء من المسئولية يقع على التجار وأصحاب المحلات في تسلل أزياء الموضة إلى بلاد المسلمين.
3ـ الترف والبذخ الذي تعيشه بعض المجتمعات وسذاجة عقول بعض النساء اللواتي لا يهمهن إلا اسم الماركة.
4ـ كما تلعب التنشئة الاجتماعية دورًا مهمًا في بلورة شخصية الفتاة واختياراتها واتجاهاتها، فالأسرة التي تهمل الفتاة وتترك لها الباب مفتوحًا على مصراعيه والأسرة التي تعتمد الكتب والقهر أسلوبًا في التربية يدفعان الفتاة إلى التعويض عبر المؤثرات الخارجية، وتصبح مجرد تابع ومقلد، وتختلط لديها المعايير السلوكية فتؤثر على اتجاهاتها النفسية وبالتالي على أفكارها وآرائها.
5ـ إذا تحول الاهتمام لدى الفتاة من المهم إلى الثانوي، ومن الجوهري إلى الشكلي فإنها تجري وراء الموضة.
[2] الموضة..ومرض التقليد للكافرات وحكم الشرع في ذلك:
أصبحت قضية التقليد للكافرات والفاسقات طريقًا سارت عليه بعض الفتيات تحت مسمى الموضة، ولقد زحفت هذه الموضة لتمتد على مناحي الحياة لتشمل الأزياء والأحذية وتصفيفات الشعر وماكياج الوجه.
ليس هذا فقط بل بدأت الموضة ترتبط بالحمية وتخسيس الجسم بين الفتيات لتقليد عارضات الأزياء اللاتي تظهرن في مجلات الموضة في منتهى الرشاقة، مما يثير في نفسية الفتاة الإحساس بالعجز عن التشبه بهن.
ـ ومن مواصفات الزي الشرعي الذي يجب أن تتعود عليه الفتاة ألا يشبه لباس الرجال أو لباس الكافرات، ومن أسوأ الفتن التي تهدد مجتمعات المسلمين التشبه بالكفار، حيث إن التشبه الظاهري يتسرب تدريجيًا إلى القلب والعياذ بالله ـ فيكون كبيرة، والتشبه بالكافرات يدل على ضعف الهوية، وعدم الثقة بالنفس، ورؤية أن ما عند الكفار من الدنيا خير وهو ليس كذلك.
وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن التشبه فقال: 'من تشبه بقوم فهو منهم'.
ـ ومن مواصفات الزي الشرعي أيضًا ألا يكون لباس شهرة، وثوب الشهرة هو الثوب الذي يقصد بلبسه الاشتهار بين الناس كالثوب النفيس الغالي الذي يلبسه صاحبه تفاخرًا بالدنيا وزينتها.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [[من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة]]. [حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، رقم 3399].
ـ وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عضو هيئة كبار العلماء عن المجلات التي تعرض آخر صيحات موضات الأزياء فأفتى بأنها مجلات تنشر الخلاعة والبذاءة والسفور، وهذه المجلات هدامة للأخلاق مفسدة للأمة بعيدة عن الحياء والفضيلة، ولا يشك عاقل فاحص ماذا يريد مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ.
ـ فلا بد أن تعي الفتاة المسلمة خطورة هذا الأمر، وأن تراعي عند اختيارها ملابسها ألا تكون غريبة الألوان، غالية الأثمان، لافتة للأنظار، وكذلك في اختيار القصات والتسريحات، فتختار ما يناسب أذواق المسلمين وعاداتهم، لأن مخالفة ملبوس الناس يدعو إلى التعجب، فيجعل اللباس لباس شهرة.
[3] الموضة وتفسير الطب النفسي..
ـ يفسر الدكتور على الحرجان اختصاصي الطب النفسي شغف النساء بالموضة بأنه نابع من حس داخلي بقيم الجمال والأشياء الجديدة، لكنه قد يتحول إلى خلل عند رغبة بعض النساء في مواكبة الموضة واقتناء كل ما هو جديد وعصري دون أن تمتلك السيولة المادية، وهذه تعرف بالشخصية 'النرجسية' التي تحب أن تكون حديث الآخرين.
ـ وهناك بعض النساء يشعرن بالنقص ويندفعن وراء الموضة بشكل مرضي لتغطية هذا النقص، فيقضين ساعات طويلة في السوق للتبضع والشراء وتغطية لبعض الجوانب في شخصيتها.
ـ وتفسر الاختصاصية الاجتماعية فوزية العقيل التسابق المحموم بين الفتيات لمسايرة الموضة بأنهن يجدن في الموضة وما يصاحب عارضات الأزياء من وهج الأضواء طموحًا يسعيه للانتماء إليه، ونموذجًا مثاليًا يشبع حاجات لديهن، كما لا نستطيع أن نغفل عامل الغيرة والتنافس بين النساء الذي يدفع المرأة إلى تقليد امرأة أخرى تحظى بالإعجاب والإطراء من الناس، وأحيانًا كثيرة تتجاوز التقليد إلى الابتكار والبحث عن كل ما هو غريب ولافت للنظر أكثر. [مجلة الأسرة ـ العدد 109].
[4] الموضة.. والهزيمة النفسية:(1/468)
من يتتبع أمر هذه الموضة من مبدئها إلى منتهاها يجدها شرًا في شر، وأن الهدف منها هو تحطيم المرأة ماديًا عن طريق استنزاف أموالها، وإضاعة وقتها فيما لا يضر ولا ينفع، وتحطيمها معنويًا وذلك لغير القادرات واللاتي لا يملكن من المال ما يحقق رغباتهن في الجري وراء الموضة فيصبن بالإحباط والعقد النفسية.
فضلاً عن أن فيها نوعًا من العبودية لغير الله - تعالى - لأنها تقود صاحبتها عند الإسراف فيها إلى عبودية شهواتها، وتقديس جسدها وهذا له أثر مدمر على الأسرة والمجتمع.
ـ وهذا التشبه يدفع إلى فتنة الحياة الدنيا ومظاهرها، ويقعد المنافسين وراء عادات الأجنبي وأزيائه وأخلاقه عن كثير من الواجبات الدينية، والمسئوليات الاجتماعية، وهو أيضًا من العوامل التي تحطم الشخصية وتستأصل فضيلة الشرف والعفاف لما يؤدي إليه من تفلت للغرائز، وانطلاق للشهوات والملذات.
[5] الموضة.. وإفساد المجتمع وعلاقة اليهود بذلك:
وإن معركة الموضة من أعتى وأشرس المعارك التي تخوضها المجتمعات، لأنها معركة تخاض بقفازات حريرية، وبعناوين مخادعة، فكل حركاتنا وسكناتنا باتت تخضع لسلطة الموضة ومصممي الأزياء الذين يصممون لنا الملابس، ويحددون وزن الجسم، ويقررون لون الشعر وشكل الأنف، وسماكة الشفاة، وطول الأظافر.
ـ وها هي دور الأزياء تنتشر في كثير من بلادنا وينظر إليها على أنها سمة للرقي والتطور، وتتهافت الكثير من النساء على تلك الدور للمتابعة ولاقتناء ما لا يتناسب مع معتقداتهم ودينهم وهنا يأتي السؤال: من الذي يصنع هذه الموضة؟
اليهود وهم الذين يسيطرون على بيوت الأزياء التي تصنع الموضة، ويسيطرون أيضًا على منابع الإعلام العالمي، ومن خلاله يمارسون عملية غسيل مخ للنساء، ويصنعون عندهم إحساسًا بأنهم ناقصات، متخلفات، وقبيحات إذا لم يسايرن صيحات الموضة.
ـ وقد عمل اليهود أيضاً على السيطرة على معامل الملابس، والمساحيق والعطور وما سواها من مستلزمات الموضة، هم بذلك يتوصلون إلى تحقيق الغرضين: السيطرة على المال وإفساد الدين والأخلاق.
ـ ومما يؤثر له أن وسائل الإعلام في أكثر الدول العربية تسير على نهج بيوت الأزياء العالمية، وتقلدها تقليد الأعمى، فنجد معظم مجلات المرأة العربية تتبارى في تقديم آخر صيحات الموضة، وتقدم عارضات الأزياء على أنهن النموذج الأرقى في الأناقة والرشاقة والقدوة المثلى.
ـ واتباع خطوات الموضة فيه إفساد للمجتمع وإضاعة للمال والوقت.
* أما عن إضاعة المال:
لقد امتن الله على عباده بالمال وجعله قيامًا لمصالحهم، ووضع الضوابط لاستعمال هذا المال، وقد وضع القيود في إنفاقه، قال - تعالى -: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء /29].
وفي اتباع خطوات الموضة وقوع في براثن الإسراف والخيلاء الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: [[كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة]]. [أخرجه البخاري ـ معلقًا، ك/ اللباس، ب/ قول الله - تعالى -: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ... }.
وأما عن إضاعة المال:
فالمسلمة مطالبة بحفظ وقتها، ويجب أن تحفظ عمرها فيما يعود عليها بالنفع في الدين والدنيا، وإضاعة الساعات الطوال أمام المرآة وتسريح الشعر، والجري وراء الموضات، والتسكع بين محلات الأزياء، كل هذا مضيعة للوقت والعمر نهى الشارع عنه لأن الإسلام جعل الزينة وسيلة وليست غاية، وسيلة لتلبية نداء الأنوثة في المرأة، وللظهور أمام زوجها بالمظهر الذي يجلب المحبة ويديم المودة.
ـ والجري وراء الموضة يدفع إلى فتنة الحياة الدنيا ومظاهرها ويقعد المنافسين وراء عادات الأجنبي وأزيائه وأخلاقه عن كثير من الواجبات الدينية والمسئوليات الاجتماعية، وهي أيضًا من العوامل التي تحطم الشخصية وتستأصل فضيلة الشرف والعفاف، لما يؤدي إليه من تفلت للغرائز وانطلاق للشهوات والملذات.
6- الموضة... والفرق بين الجمال والأناقة:
الجمال الطبيعي هو البساطة الإنسانية والفطرة كما خلقها الله - تعالى -، والجمال لا علاقة له بالملابس والماكياج، والجمال المرهف العذب زهيد الثمن تملكه كل فتاة دون أن تضيع وقتها في أسواق الملابس، والتصفح في مجلات الأزياء.
إنه جمال ينبع من الروح الكبيرة المستوعبة، والذهن المرن والقلب النابض الرقيق، وهو جمال الخلق الكريم والعذوبة والخشوع لله والنزاهة.
* أما التأنق فهو الجمال المصنوع بالوسائل الآلية المصطنعة، فبدلاً من أن تعتمد الفتاة على مرونة ذهنها وسعة ثقافتها، وجمال روحها، تجدها تعتمد على كثرة ملابسها والتصنع في شعرها ولبس الملابس القصيرة التي تبرز أعضاء الجسم.
ـ وقد تظن المرأة أن تبرجها شيء ظاهري لا يمس عقلها ـ وهي في هذا مخطئة ـ فإن لكل عمل يقوم به الإنسان آثارًا فكرية وروحية بعيدة المدى، فإذا لم يتحكم العقل في سلوكنا تحكم سلوكنا في عقلنا.(1/469)
ـ فالتأنق يذل المرأة ويقتل كبريائها، ويشعر المرأة بأن الجمال هو الشيء الذي ينقصها لا الشيء الذي تملكه، فإذا أرادت أن تكون جميلة وجب عليها أن تكافح وتعمل ليل نهار في استكمال ذاتها الناقصة.
ـ فمبدأ التأنق يقوم على الإقرار بأن المرأة لا تملك جمالاً، وإنما هي ناقصة وعليها أن تصنع الجمال صنعًا.
ـ فالتأنق إكمال لنقص بخلاف الجمال الذي هو فيض من السحر والعذوبة يتدفق ويغمر الحياة كلها. فالتأنق نقص والجمال فيض وطبيعة.
ـ ومبدأ التأنق يحرم نساء الطبقة الفقيرة أن يكن جميلات، وبذلك يصبح الجمال حكرًا تملكه الطبقة المرفهة وحدها، فهو ضرب من الطبقية الاجتماعية، بينما الجمال مشاع يملكه الكل ولا يشترى بالمال، والأناقة أيضًا تقضي على الوقت والمال.
ـ إن الإسلام رفع ذوق المجتمع الإسلامي، وطهر إحساسه بالجمال فلم يعد الطابع الحيواني للجمال هو المستحب بل الطابع الإنساني المهذب، وجمال الكشف الجسدي جمال حيواني يهفو إليه الإنسان بحس الحيوان، أما جمال الحشمة فهو الجمال النظيف الذي يرفع الذوق الجمالي ويجعله لائقًا بالإنسان، ويحيط بالنظافة والطهارة في الحس والخيال.
ـ ونلخص من كل ما سبق أن الموضة والأناقة المصطنعة هي عدو الجمال. [الأسرة ـ العدد 109].
[7] كيف نواجه طوفان الموضة:
1ـ تذكري أيتها الفتاة أن التقوى خير لباس. قال - تعالى -: {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. [الأعراف: 26].
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: 'ولباس التقوى هو الإيمان بالله وخشيته والعمل الصالح والسمت الحسن'. [تفسير ابن كثير 2/ 407 باختصار]
2ـ تزيني التزين المباح كالتحلي بالذهب والملابس الحسنة الجميلة والعناية بالشعر وتصفيفه وتزيينه بما لا يشتمل على محظور شرعي.
3ـ اشغلي أوقاتك بما يفيد وخاصة بقراءة الكتب النافعة والاستماع للتسجيلات والأشرطة النافعة.
4ـ لا داعٍ مطلقًا لتعدد الملابس والفساتين بتكرار المناسبات وتذكري أنك ستسألين يوم القيامة عن قيمة ذلك الفستان من أين أتيت بها؟ وفيم أنفقتها؟
وتذكري أن هناك من المسلمين والمسلمات من لا يجدون ما يكسون به أجسادهم، فتصدقي لعل الله أن يكسوك من حرير الجنة، وتذكري وأنت تشاهدين أزياء الموضة أن الناس سيخرجون من الدنيا بزي موحد واحد وهو الكفن.
5ـ العلاج المبكر لما يسمونه بالعصرية والانطلاق والتمرد للفتيات في سن المراهقة، وذلك عن طريق الصداقات مع ذات الأخلاق والدين والأمانة، وتعيش الفتاة مع صديقاتها حياة تتسم بالطاعة، وفي الوقت نفسه حياة كلها انطلاق ومرح مباح، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: 'المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل'.
6ـ أن تعيش الفتاة معنى الآية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.
فالموضوع ليس مشكلة ملابس على الموضة، الموضوع أعمق من هذا، فعلى الأم أن تتفهم طبيعة المرحلة التي تمر بها الفتاة، وبأسلوب الأم الحنون تفهم ابنتها أننا نعيش حياتنا لغرض وهدف وغاية ألا وهي خلافة الله في الأرض، وكل ما يصب في هذا الهدف مما شرعه الله هو طاعة، فالمأكل الحلال طاعة، والملبس الجميل المتناسق في ألوانه وشكله طاعة.
السبت 9ربيع الآخر 1425هـ - 29 مايو 2004 م
http://www.islammemo.cc المصدر:
============(1/470)
(1/471)
الأمم المتحدة دعت إلى تحرير المرأة من كل شيء
محمد جمال عرفة
هل تصدقون أن مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة (بكين +10) الذي عقد في الفترة من 28 فبراير 2005 حتى 11 مارس الماضي، سمح للشواذ والمنحلات أخلاقياً بعرض مشكلاتهم والمطالبة بإجبار وعقاب الدول التي لا تلتزم بهذا، وبالمقابل رفض بشدة وتجاهل مطالب المنظمات الإسلامية بعرض وجهة النظر الإسلامية الصحيحة في قضية المرأة؟؟.
وهل تصدقون أن نساءً من عالمنا العربي والإسلامي وقفن أمام المؤتمر وهن يطالبن بإجبار الحكومات العربية والإسلامية على تطبيق مقررات بكين حرفياً بما فيها تعليم الفتيات الجنس منذ الصغر، والسماح بما يسمى ممارسة آمنة للجنس، والسماح بالإجهاض والحمل، ورعاية الدولة للفتيات اللاتي يحملن سفاحاً، وعدم مضايقة الشواذ جنسياً من الرجال أو النساء!!.
وهل تصدقون أيضاً أن معظم الدول العربية والإسلامية التي شاركت في مؤتمر (بكين+10) لم تعترض على أي فقرة من فقرات مقررات بكين بسبب حالة الجهل المتفشية بين الدبلوماسيين العرب والمسلمين عن تعاليم الإسلام تارة، والخشية من أن يقال إن الإسلام دين رجعي إن هم اعترضوا على الحرية الجنسية مثلاً تارة أخرى، وأن الدولة الوحيدة التي اعترضت هي أمريكا ومعها الفاتيكان!!.
المنظمة الدولية منعت الائتلاف الإسلامي للمنظمات الإسلامية من إلقاء بيانه أمام الوفود الرسمية رغم إدراجه في قائمة المتحدثين، والأغرب أنه تم استبدال ببيان منظمة نسوية من أمريكا اللاتينية به..طالب بإعطاء جميع أنواع الحريات للمرأة وضرورة التزام الحكومات بالتطبيق الكامل لوثيقة بكين!؟.
جلسات الاضطهاد!
لقد وصلت درجة التبجح في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير إلى حد عقد عشرات الجلسات عن الجنس واضطهاد المرأة المسلمة مثل:
جلسة عن أن الامتناع عن الجنس يتعارض مع الحقوق الجنسية للإنسان وقد عقدته جمعية للشواذ تسمى لجنة الشاذين والشاذات العالمية لحقوق الإنسان.
جلسة ثانية بعنوان: رفع العنف عن المرأة في المجتمعات الإسلامية نظمته جمعية Women lea r ning pa r tne r ship)) (WLP) تحدثت فيها (سكينة ياكوبي) رئيسة مؤسسة تعليم الأفغان عن ضرورة أن تتعلم النساء كيف يفسرن القرآن لأنفسهن إعادة تفسير النص، وذلك حتى يتوصلن إلى مبادئ الديموقراطية وحقوق النساء!.
جلسة أخرى بعنوان: النساء العربيات يتكلمن، نظمتها جمعية عربية تسمى مركز قضايا المرأة المصرية دعت فيها للعمل على تغيير قوانين الأحوال الشخصية لتنفيذ مساواة الجندر.
والمشكلة الكبرى أن ائتلاف المنظمات الإسلامية الذي أعد دراسات مختلفة تبين البديل الإسلامي لمفهوم الجندر وتنتقد بعض بنود وثيقة بكين ومنها دراسة د. عبدالعظيم المطعني التي عرضتها المجتمع في عدد سابق حاول عرض هذه الدراسات التي تبين التحفظات الإسلامية وموقف الشريعة من بعض بنود الوثيقة، مع فتوى لمفتي مصر بشأن مفهوم الجندر، على رؤساء الوفود العربية مثل الوفد المصري والجزائري كي يشاركوهم التحفظ على هذه البنود فلم يهتم أحد، ووصل الأمر بمندوب البعثة الجزائرية الدائمة إلى القول إنه مقتنع بالتحفظات، لكنه حاول جاهداً أن يبين أن سكوتهم إنما هو لعدم مخالفة أمريكا، متجاهلاً بذلك النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنعكس آثارها على المجتمعات الإسلامية، وكررت الكلام نفسه والتبريرات كل الوفود العربية والإسلامية!!.
ثقافة العفة!
وفي ظل تجاهل الأمم المتحدة لإعطاء ائتلاف المنظمات الإسلامية الكلمة رغم أنه كان مقرراً أن يلقي كلمته في المرتبة الثانية قام الائتلاف بتوزيع بيان رداً على هذا التجاهل يدعو فيه دول العالم لاحترام التعددية الدينية والثقافية والهوية الخاصة بالشعوب لأن مشكلات المرأة تختلف تبعاً للثقافات والمجتمعات، والحلول تختلف تبعاً لها، وطالب بتحقيق المساواة في إطار مفهوم العدالة والإنصاف، لأن المساواة المطلقة تفترض المماثلة الكاملة وتؤدي إلى النديّة والصراع.
وأكد الائتلاف في البيان الذي حصلت عليه المجتمع ضرورة وضع حلول جذرية تتعامل مع المشكلات برؤية متكاملة، وتأخذ في الاعتبار الحيلولة دون قيام المشكلة وليس الاقتصار على علاج آثارها مشدداً وسط جهود دولية لإباحة الإجهاض والاعتراف بالشذوذ الجنسي على أن الإسلام عالج مشكلات مثل الأمراض التي تنتقل جنسياً كالإيدز وحمل المراهقات عن طريق ترسيخ ثقافة العفة والابتعاد عن الممارسة (الجنسية) خارج إطار الزواج دون انتظار لتفشي تلك المشكلات ثم الانشغال بعلاج آثارها.
وأكد الائتلاف في بيانه ضرورة النظر إلى كل من المرأة والرجل في سياقهما الاجتماعي بما يحافظ على مصالح الأسرة والمجتمع وعدم الاستغراق في الفردية.
الأمر الواقع!(1/472)
وفي الجلسة الأخيرة للمؤتمر صادقت الدول جميعاً بما فيها الدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي على إعلان (بكين+10) الذي يؤكد الالتزام بإعلان بكين ومنهاج العمل و(بكين+5)، بينما أكدت أمريكا والفاتيكان على تمسكهما بتفسيرهما لوثيقة بكين بأنها لا تستحدث حقوقاً جديدة للإنسان (أي أنها غير ملزمة قانوناً) بما فيها حق الإجهاض، كما أكدا على تمسكهما بالتحفظات السابقة على بكين 1995. والغريب أن الاجتماعات تضمنت مطالب مغالى فيها من قبل المنظمات النسائية في ظل صمت عربي وإسلامي ودعوات لإجبار الحكومات على تنفيذ وثيقة بكين رغم مخالفة بعض بنودها للشريعة.
وقدمت المنظمات النسوية العربية التي شاركت في المؤتمر بياناً باسم المنظمات غير الحكومية العربية، طالبن فيه الحكومات بالالتزام الكامل بمنهاج عمل بكين على مستوى التشريعات السياسية والآليات المؤسسية، وضرورة التصديق على اتفاقية سيداو لمن لم يصدق عليها ورفع التحفظات عنها، كما طالبن الحكومات العربية بتبني مشروع الإعلان الصادر عن هذه الدورة (إعلان بكين +10) كما هو وبدون تعليق.
أخطار التصديق
وفي هذا الصدد أكدت المهندسة كاميليا حلمي مديرة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ومنسق ائتلاف المنظمات الإسلامية أن: أخطر ما ورد في الإعلان أمران:
(الأول) تأكيد الدول والحكومات على الالتزام الكامل والفعال بتطبيق إعلان بكين ومنهاج العمل ووثيقة (بكين+5)، مع عدم الإشارة إلى التحفظات التي وضعتها الدول على بعض بنود الوثيقة.
(الثاني) ما ورد في البند الرابع من الإعلان من الربط بين وثيقة بكين، واتفاقية سيداو (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) في محاولة لإعطاء وثيقة بكين مزيداً من القوة والإلزامية، حيث إن اتفاقية سيداو هي اتفاقية ملزمة قانوناً لمن وقع عليها من الدول متجاوزة المرجعيات الدينية والثقافية للشعوب، بينما وثيقة بكين تضع سياسات وآليات تطبقها الدول بما لا يتعارض مع دساتيرها وثقافاتها وتقاليدها، والربط بين الوثيقتين يستمد من اتفاقية سيداو بعضاً من إلزاميتها ليضيفه إلى وثيقة بكين!.
خدمات تثقيفية: وأضافت أن أخطر ما في وثيقة بكين هو المطالبة بتقديم خدمات الصحة الإنجابية للأطفال والمراهقين والتي تشتمل على:
1- التثقيف الجنسي للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام وذلك لتعليم الأطفال ما يسمى بالجنس الآمن أي كيفية ممارسة الجنس، مع توقي حدوث الحمل، أو انتقال مرض الإيدز.
2- توفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس.
3- إباحة الإجهاض بحيث يكون قانونياً وبالتالي يتم إجراؤه في المستشفيات والعيادات.
وهناك أمر آخر لا يقل عن سابقه أهمية وخطورة كما تقول د. كاميليا هو المطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة، حتى البيولوجية منها، والوصول إلى التطابق والتماثل التام بينهما، بدعوى الارتقاء بالمرأة وضمان حصولها على حقوقها كاملة وذلك من خلال ما يعرف بمساواة الجندر Gende r Equality وهو ما يعني توحيد الأدوار التي يقوم بها الرجل والمرأة وفصل هذه الأدوار عن التكوين البيولوجي لكل منهما، وبالتالي فليس بالضرورة أن تقوم المرأة بدور الأمومة، أو أن يقوم الرجل بدور ريادة الأسرة (القوامة) مما يشكل خطراً جسيماً على استقرار الأسرة واستمراريتها، كما يستنبط من هذا المصطلح أيضاً الاعتراف بالشاذين والشاذات، ومنحهم نفس الحقوق التي يتمتع بها الأسوياء من زواج وإرث وغيرهما من الحقوق!.
فتاوى من مصر والمجلس الأوروبي
وكانت السيدة كاميليا حلمي قد سعت للحصول على فتاوى من مفتي مصر ومن المجلس الأوروبي للإفتاء قبل المؤتمر بشأن بنود الوثيقة وتعارض بعضها مع الإسلام؛ بيد أن هذه الفتاوي تجاهلتها معظم الوفود العربية الرسمية قبل الأجنبية.
لقد حرص ائتلاف المنظمات الإسلامية على تلخيص وجهة النظر الإسلامية في مسألة الجندر بأنه يجب التعامل مع جذور المشكلة وليس مع أعراضها، ولذلك دعا إلى التمسك بكل التحفظات على ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبخصوص الإجهاض أكد أنه لا يعتبره حقاً مطلقاً للمرأة خارج ما تجيزه الشريعة الإسلامية، ولكن جهل الوفود الرسمية العربية بشؤون دينها، وغلبة تيار الجمعيات النسوية الغربية والشرقية المنحلة في المؤتمر حسم الجولة لصالح هدم نظام الأسرة كما نعرفه، وسمح للشواذ والزناة بالجهر بمعصيتهم تحت حماية دولية!!.
http://muslema.com المصدر:
=============(1/473)
(1/474)
من يريد تسميم الشعب العراقي؟
محمد خليفة
قضية شحنة الطحين الأسترالي التي استوردتها الحكومة العراقية والتي أظهرت التحاليل أنها تحوي علي برادة الحديد السامة، تفتح الباب واسعاً أمام التساؤل عمن يتربص بالشعب العراقي ويسعي إلى هلاكه. فالشحنة التي بلغت 355 ألف طن، لم تشترها الحكومة العراقية من السوق السوداء، بل هي صفقة نظامية بين حكومتين ودولتين، هما أستراليا والعراق. وقد قبضت الحكومة الأسترالية ثمن الصفقة، لكنها عوض أن تقدم الطحين الجيّد للعراقيين، قدّمت لهم فيه السمّ، وقد تدخّلت يد القدر فحالت دون توزيع هذا الطحين على الأفران في العراق، إذ لو أن ذلك حدث، لكان هلك ملايين من العراقيين. ويعود الفضل في اكتشاف هذه الشحنة السامة إلى أحد الموظفين في وزارة التجارة العراقية، وربما يعمل فيها بصفته مراقب أغذية.
وقد قام هذا الموظف بفحص الشحنة، فوجد فيها نسبة عالية من برادة الحديد، وهي مادة تؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض الدم وخاصة سرطان الدم. وقام هذا الموظف المخلص بتقديم تقرير إلى وزير التجارة العراقي محمد الجبوري، يلفت انتباهه إلى الغشّ الموجود في شحنة الطحين هذه، لكن الوزير بدلاً من الاستماع إلي كلام الرجل، بادر إلى إحالته إلى لجنة تحقيق خاصة في الوزارة. إلاّ أن الرجل لم يستكن لذلك، بل قام بتقديم تقريره إلى بعض أعضاء الجمعية الوطنية العراقية، وبادر هؤلاء إلى طرح الموضوع في الجمعية التي صوّتت لصالح اقتراح رئيسها حاجم الحسني باستدعاء وزير التجارة محمد الجبوري، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية لاستجوابهم حول هذه القضية، وهو استجواب لن يؤدي إلى كشف هوية الفاعلين الحقيقية. فالجريمة لم تقع في العراق، بل وقعت في استراليا، وعلى الجمعية الوطنية العراقية أن تبحث عن الفاعلين في الحكومة الأسترالية. فهذه الحكومة مسؤولة أولاً وأخيراً، عن سلامة المادة التي تبيعها، وهي هنا (الطحين) وقد أخلّت بهذا الشرط عندما كُشفت مواد سامة في المادة المباعة، ولم تُكشف هذه المواد في استراليا، بل بعد وصولها إلى العراق، وهذا يعني أن الفاعل قصد أن يصل الطحين السام إلى أيدي العراقيين ليتناولوه ويموتوا. فهل صفاقة الصفقة عائدة إلى كون استراليا التابعة للتاج البريطاني مرتبطة بحلف مقدس مع الولايات المتحدة، وهي شريك في الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق، ويهمها أن ينجح هذا الغزو في تحقيق أهدافه؟ أم لإدراك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا أيضاً، أن المشروع الرامي إلي إخضاع العراق واستعماره، أخذ يبوء بالفشل، إذ ما زال العنف في تصاعد مستمر بعد مرور أكثر من سنتين على سقوط بغداد. أم لأن هاتين الدولتين الولايات المتحدة وبريطانيا خبرتا مدى الكره الذي يكنّه الشعب العراقي لهما، وعرفتا أن هذا الشعب لن يتوقف عن صموده إلا بخروج جيوشهما من العراق، فقررت إرسال الطعام السام للشعب العراقي بهدف إلهائه بالأمراض الخطيرة، لكي يفرغ لهما الجو لإكمال مخططهما الرامي إلى وأد روح المقاومة عند العراقيين؟ وإذا كان أحد العراقيين الشرفاء قد كشف عن هذه الشحنة السامة، فكم من الشحنات الغذائية السامة الأخرى تدخل إلى العراق بطرق مماثلة ولا يتم اكتشافها؟؟ لا شك أن الله وحده يعلم ذلك، فالعراق الآن مستباح من قبل الاحتلال وأعوانه الذين جعلوا من الدولة العراقية إقطاعيات خاصة لهم، وهذه الإقطاعيات يعشش فيها الفساد وتزدحم بكل ما هو غير شرعي وغير قانوني. ولا نعتقد أن قادة العراق الجديد سيبحثون عن المتسبب الحقيقي وراء شحنة الطحين المسموم، لأن هذا الأمر فوق طاقتهم. وإزاء هذا الواقع المرير، لا يبقي أمام الإنسان العراقي سوى الاعتماد على ما تنتجه أرض العراق من مواد غذائية حتى تنجلى هذه الغمّة ويعود العراق حراً كما كان على مرّ التاريخ.
http://al-shaab.o r g المصدر:
============(1/475)
(1/476)
تجنيد المخبرين على النت
إعداد واستطلاع : ياسمينة صالح
وقائع غريبة نشرتها قبل مدة جريدة " لوسوار" البلجيكية، ربما كانت ستمر مرور الكرام لولا أن مجلة " لومجازين ديسراييل" (المجلة اليهودية الصادرة في فرنسا) نشرت قبل أيام فقط ملفاً عن "عملاء الإنترنت! " والذين في الحقيقة يشكلون اليوم إحدى أهم الركائز الإعلامية للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء.إنهم أشخاص لا يعرفون أنهم يفعلون شيئا خطيرا، يفتحون الإنترنت، وبالتحديد صفحات الدردشة الفورية لقضاء الساعات في الكلام عن أشياء قد تبدو من أول وهلة غير مهمة، وأحيانا تافهة أيضا، لكنها تشكل أهم المحاور التي تركّز عليها أجهزة استقطاب المعلومات في المخابرات الإسرائيلية (و الأمريكية)؛ لأنها ببساطة تساعدها على قراءة السلوك العربي، سلوك الفرد وبالخصوص الشباب الذين يشكلون على العموم أكثر من 70% من نبض الأمة العربية.
في سنة 1998م، حين اجتمع ضابط المخابرات الإسرائيلي "موشي أهارون" مع نظيره الأمريكي في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لم يكن الأمر يعدو اجتماعاً روتينياً، كان فيه الجانب الأمريكي يسعى إلى الحصول على الحقائق اللوجستيكية التي من عادة المخابرات الإسرائيلية تقديمها للأمريكيين عن الدول المتهمة قبلا ب"محور الشر"، بالخصوص التي تطلق عليها إدارة البيت الأبيض بالدول المارقة. لكن الجانب الإسرائيلي كان يبحث عن الدعم اللوجستيكي غير المعلوماتي، بل المادي لتأسيس مكتب ظل في الحقيقة بمثابة الأمل الكبير " لموشي أهارون" الذي كان من أبرز الوجوه الإسرائيلية المختصة في الشؤون الأمنية العربية.
كان وراء عمليات اغتيال طالت شخصيات فلسطينية في تركيا ونيروبي وساحل العاج وتونس ودول أخرى أوربية مثل يوغسلافيا سابقاً، وأسبانيا وإيطاليا. فكرة المكتب كانت تتأسس على نقاط مضبوطة مسبقاً، وبالتالي تبدو واضحة وسهلة: تأسيس مكتب مخابراتي متحرك/ثابت عبر الإنترنت. كان الأمر على غرابته أول الأمر يبدو مثيراً للاهتمام بالنسبة للأمريكيين الذين اشترطوا أن يكونوا ضمن " الشبكة". مادياً، لم تكن إسرائيل قادرة على ضمان "نجاح" تجربة مخابراتية عبر الإنترنت من دون مساعدة أمريكية عبر الأقمار الصناعية وعبر المواقع البريدية الأمريكية التي تخدم بالخصوص " الشات" بكل مجالاته والتي يقع الإقبال عليها من قبل الشباب وبالخصوص من قبل شباب العالم الثالث في القارات الخمس.
بتاريخ 1 مايو 2002م تم الكشف لأول مرة في جريدة " التايمز" عن وجود شبكة مخابراتية تركز اهتماماتها على جمع أكبر عدد من " العملاء" أولاً، وبالتالي من المعلومات التي يعرف الكثير من الأخصائيين النفسانيين المنكبين على المشروع كيفية جمعها، وبالتالي كيفية استغلالها لتكون معلومة " ذات أهمية قصوى"! كانت العملية أشبه بفيلم هوليودي ذو تأثيرات سينمائية محضة، ومبالغات كتلك التي تتكاثف عليها الأفلام الحركية الأمريكية، لكن الحقيقة كانت أن مكتب " المخابرات عبر الانترنت" تأسس فعلا في سنة 2001م، تحت قيادة ضباط من المخابرات الإسرائيلية وكان يترأسه " موشي أهارون" نفسه، بمعية ضباط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والذي امتد إلى العالم من خلال جملة من المعطيات التي كانت تتركز على نفس الهدف الأول: جمع عملاء شباب لخدمة إسرائيل الكبرى!
ما نشرته مجلة " لوماجازين ديسراييل" الصادرة في فرنسا يبدو مثيرا للكثير من الدهشة، ربما لأنها نقلت عن "ملفات سرية" الكثير من التفاصيل التي استطاعت أن تجمعها عن مصادر موثوقة في إسرائيل، بحيث إنها كما تقول المجلة " أخذت السبق في نشرها" وهو ما أثار في النهاية سخط السفير الإسرائيلي في فرنسا ضد المجلة اليهودية التي اتهمتها الكثير من الجهات اليهودية بأنها " كشفت أسرار لا يحق لها كشفها للعدو" وهو ما تراه المجلة نفسها: الحق في المعرفة! بين هذا وذاك كانت القضية الأخطر.
بالنسبة إلينا، لأهمية وخطورة هذه الإشكالية قمنا بدعوة أستاذين مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع للتعمق في الموضوع، وهم: جيرالد نيرو" (أستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية)، والدكتورة " ماري سيغال" (أخصائية اجتماعية، مختصة في السلوك البشري في جامعة "لوروا" بلجيكية)..
ماذا تعني "المخابرات الإنترنتية" r enseignements Inte r net:(1/477)
يقول "جيرالد نيرو" (أستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب: مخاطر الإنترنت): " هذه شبكة تم الكشف عنها سنة 2001م، بالتحديد في مايو 2001م. هي شبكات يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون مجندون لاستقطاب شباب العالم الثالث وبالتحديد الشباب المقيم في دول المحور (محور الصراع العربي الفلسطيني) من جهة ومن جهة أخرى دول المحور الجنوب أمريكي (فنزويلا، نيكاراغوا... الخ) المسألة أخذت منذ سنوات هذا المنحنى ألمخابراتي انطلاقاً من جملة من العناصر التي صارت تتحدد عليها شخصية " العميل" من حيث كونه في العادة شخصية معادية للنظام القائم، وأحياناً شخصية عادية ليس لها اهتمامات سياسية لكنها تستطيع أن تعطي معلومات جيدة عن المكان والوضع، وهذا شيء مهم أيضاً...
يضيف " جيرالد نيرو " قائلاً: " في الحقيقة أن كل من له قدرة على استعمال الإنترنت لسد فراغ أو حاجة نفسية يعد "عميلاً مميزاً"؛ لأن المواقع التي تثير الشباب هي التي تمنحهم مساحة من الحوار ربما يفتقدونها في حياتهم اليومية، ناهيك على أن استعمال الإنترنت يضمن خصوصية معينة، بحيث أن المتكلم يحتفظ عادة بسرية شخصه، كأن يستعمل اسماً مستعاراً، وبالتالي يكون إحساسه (الرمزي) بالحرية أكثر انطلاقاً، ناهيك على أن تركيز الشباب لا يكون على الموقع نفسه، بل على من سيلتقيه للحديث معه (بالخصوص البحث عن الجنس اللطيف للحوار).
المسألة تبدو سهلة بالنسبة لضباط المخابرات الذين ينشطون بشكل مكثف داخل مواقع الدردشة، بالخصوص في المناطق الأكثر حساسية في العالم، ولعل أكبر خاصية يمكن اكتشافها في مستعملي الإنترنت في العالم الثالث هو الحاجة إلى الحوار، فعادة ما يكون مستعمل مواقع "الشات" شخصاً يعاني من البطالة اجتماعياً وفكرياً، وبالتالي يسعى إلى سد وقت الفراغ بالبحث عن " أشخاص آخرين" يشاركونه أفكاره.
ربما يعتقد بعض المستعملين للإنترنت أن الكلام عن " الجنس" مثلاً ضماناً يبعد الشبهة السياسية عن المتكلم، بينما الحقيقة أن الحوار الجنسي هو في الحقيقة وسيلة خطيرة لكشف الأغوار النفسية، وبالتالي لكشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها في الحوارات العادية الأخرى، لهذا يسهل "تجنيد" العملاء انطلاقاً من تلك الحوارات الخاصة جداً، والتي تشمل في العادة غرف النوم والصور الإباحية وما إلى ذلك، بحيث إنها السبيل الأسهل للإيقاع بالشخص ودمجه في عالم يسعى رجل المخابرات إلى جعله عالم العميل، أي أفيونه الشخصي! "
الدكتورة "ماري سيغال" التي تشارك معنا الحوار ترى شيئاً آخر، تقول: " عبارة المخابرات الإنترنتية ( r enseignements Inte r net) مصطلح جديد على مسامع الآخرين، برغم من حقيقة وجوده. الأمريكيون اعتبروا قبل غزو العراق أنهم (يسعون إلى قراءة الشخصية العراقية) من خلال الإنترنت. أي استقطاب أكبر عدد من العراقيين بمختلف مستوياتهم لدراسة شخصيتهم وكان ذلك المشروع قيد البدء فعلاً، قبل أن تتسارع الأحداث بغزو العراق بتلك الطريقة. من وجهة النظر العلمية فإن استقطاب المعلومات لم يعد أمراً معقداً، بل صار أسهل من السابق بكثير. ربما في السنوات العشرين السابقة، كان " العميل" شخصاً يتوجب تجنيده بشكل مباشر، بينما الآن يبدو " العميل" شخصاً جاهزاً، يمكن إيجاده على الخط، وبالتالي تبادل الآراء معه ونبش أسراره الخاصة أحياناً، وأسراره العامة بشكل غير مباشر.
هنالك حادثة غريبة نشرها ضابط المخابرات الإسرائيلي/ الأمريكي " وليام سميث" الذي اشتغل إبان الحرب الباردة ضمن فرقة " المخابرات المعلوماتية"، نشر في جريدة الواشنطن بوست قبل عامين أجزاء من كتابه (أسرار غير خاصة) عن تجنيد شباب عاطلين عن العمل من أمريكا اللاتينية، كان دورهم في غاية البساطة والخطورة عبارة كتابة تقرير عن الأوضاع السائدة في بلدانهم.(1/478)
في الفصل السادس من الكتاب ذكر " وليام سميث" أن أحد الشباب الناقمين على النظام في إحدى دول جنوب أمريكا ذكر في إحدى اللقاءات على الشات لضابطة مخابرات كانت على الخط معه (عبر الشات) أن ثمة إشاعات مثيرة تدور بين الناس أن سعر البنزين وبعض المواد الغذائية سوف يرتفع في الأيام القادمة. فسألته الضابطة " وماذا يعني ذلك؟ كل يوم ترتفع الأسعار في العالم"، فرد عليها الشاب: أنت تمزحين، سيثور الناس هذه المرة ويقومون بثورة ضد النظام. كانت تلك المعلومة البسيطة والمهمة لا تعني أن الأسعار سترتفع، بل إن تسارع جهات من الخارج إلى رفعها وإلى إثارة الناس بشكل حقيقي عملية الفوضى عبرها، وهو الشيء الذي تم تنظيمه في جمهورية جورجيا حين تم الكشف عن شبكة تنشط عبر الإنترنت قامت بحشد مجموعة من النشطاء الذين استطاعوا أن يقوموا بعمليات كثيرة ضمن (الثورة الملونة) مؤخراً. ما يهمنا في الحقيقة هو التأكيد أن الإنترنت لم يعد نافذة على العالم فحسب، بل صار يشكل وسيلة خطيرة للدخول إلى خصوصيات الآخرين وبالتالي تم استغلاله لأغراض مخابراتية عسكرية محضة، هذا شيء لا يختلف عنه أحد اليوم أساساً.. تضيف الدكتورة " ماري سيغال ": " نحن نتساءل عمن يستعمل الإنترنت عادة؟ من الصعب الرد على السؤال؛ لأن الذين يستعملون الإنترنت تتراوح أعمارهم من السادسة إلى الثمانين عاماً، ولهذا يصعب تحديد أسباب الاستعمال خارج ما نسميه أساساً بالرغبة في كسر حاجز المسافة أولاً، وبالتالي في الحوار.
ما يثير اهتمامنا في المعهد البلجيكي للخدمات الإنترنت هو أن نركز على نقطة مهمة، وهي: لماذا نستعمل الإنترنت؟ هل لتصفح البريد أم لتصفح العالم؟ في هذه النقطة يجب القول: إن العالم لم يعد واسعاً طالما الإنسان الجالس في مقعده يمكنه زيارة واشنطن ونيودلهي في برهة عين، من دون أن يغادر مقعده. هذا شيء عظيم تم إنجازه، إلا أن النتائج كانت فادحة؛ لأن استغلال هذه الشبكة الضخمة تم تعريضه لعوامل خارجية على أساسها تحول الانترنت إلى "سد فراغ" أو تسلية سرعان ما انقلبت إلى مأساة حين عجز الإنسان عن فعل شيء سوى الدخول إلى مواقع الدردشة التي لن يخرج منها إلا بإحساس أنه أضاع وقتاً عليه تداركه بالدخول إلى دردشة أخرى من دون أن يسأل نفسه عن ماذا يجب أن يتكلم أساساً!
يتدخل الدكتور " جيرالد نيرو " معلقاً: " دعونا نتكلم عن الوضع السائد دولياً، لا يمكننا بأي حال من الأحوال فصله عن الوضع الشخصي للفرد، وهو الإحساس بالإحباط والضغط أيضاً. هذه عوامل خارجية في غاية الخطورة ساهمت فيها العديد من الجهات دولياً وإقليمياً وداخلياً، لهذا يعتقد الفرد أن هروبه إلى " السرية" في الحوار عن كل شيء بمثابة التخفيف عن ضغط حقيقي يصيبه يومياً، والتخفيف يتم في غرف الدردشة التي يوجد فيها من هم هناك لأجل الاستماع! كل شخص يحتاج اليوم إلى من يصغي إليه. غرف الدردشة و" أبواب التعارف عبر الشات" عبارة عن عوالم أعطت للشخص احتياجات كثيرة منها أنه مسموع، لأول مرة في حياته يجد من يتحاور معه ويصغي إليه، ولهذا فأدق معلومة تبدو مهمة، بحيث إن جمع أكبر معلومات عن نفسية الأشخاص المستعملين لتلك الغرف.
هذا نجده بشكل كامل في كتاب" غرف الشات المزدوجة"، والتي يعرض فيها الصحفي (و ضابط المخابرات الإسرائيلي) " دان شستاسكي" أن التركيز على فئة الشباب هي المهمة؛ لأن الشباب مندفع في الكلام، وبالتالي التعرف على الجنس اللطيف هو في الأساس ما جعل مكتب " المخابرات الإنترنتية يلجأ إلى تجنيد ضباط نساء من الشبكة، بحيث إن الطلب عليهن أكبر في العالم الثالث وفي الشرق الأوسط عموماً!
رؤية الحرب عبر الانترنت:
لم يقتصر الإنترنت على مجرد مواقع الشات والتحرشات الغريبة والتي يعتقد كل طرف أنه يحقق من خلالها حريته الشخصية أو ما صار يصطلح عليه "ديمقراطية" الفرد في الجماعة، وهو المصطلح الذي يعني أن الفرد في النهاية يؤسس بداية تكوين المجموعة، وهو في الحقيقة المعنى التروتسكي القديم الذي أدى في النهاية إلى إحداث الخلل في العديد من التركيبات الطبيعية لماهية الحرية نفسها، وماهية الإنسان.
ربما في عالم الانترنت، صارت المؤشرات الرقمية هي الأهم، بحيث لم يعد ممكناً الكلام سوى عن ذلك العالم الكبير الذي حولته الشبكة المعلوماتية والرقمية إلى قرية صغيرة، بيد أن عبارة القرية الصغيرة "اخترعها" الغرب لاختزال كل السياسات غير المتساوية وغير العادلة التي ترتكبها الدول القوية على الدول الضيعة التي تشكل أكثر من نصف سكان العالم. القرية الصغيرة هي الانعكاس الثاني لعالم الإنترنت، بكل ما منحه ذلك العالم من إيجابيات حقيقية وسلبيات جمة؛ لأن الشبكة المفتوحة على " الديمقراطية الفردية" أغرقت شعوباً كثيرة في الفقر والمآزق السياسية وقادت الأفراد إلى خيانة أوطانهم أيضاً.(1/479)
بتاريخ 27 مايو 2002م نشرت جريدة اللوموند الفرنسية ملفاً عن حرب الإنترنت، وهي الحرب التي فعلاً انطلقت منذ أثر من عشرين سنة، وتوسعت منذ أحداث 11 سبتمبر2001م، بحيث تحولت من حرب معلوماتية إلى حرب تدميرية كان الهدف الأساسي منها احتكار"سوق الإنترنت" عبر مجموعة من المواقع التي رأت النور بعد ذلك التاريخ الأسود من أيلول 2001م، بحيث إن أكثر من 58% من المواقع التي ظهرت كانت في الحقيقة فروعاً مؤكدة من أجهزة الاستخبارات للعديد من الدول أهمها الولايات الأمريكية وإسرائيل، تليهما بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.. لم يكن المغزى من المواقع (ذات الوجهة الشبابية) اكتشاف العالم من جديد، ولا اختصار المسافة بين الشمال والجنوب لتقريب الدول والمسافات، بل كان الهدف منها قراءة أخرى لواقع الحرب الجديدة التي تفجرت والتي يسميها أكثر من 90% بالحرب على الإرهاب.
ربما من الصيغة الأحادية المصدر فإن الإرهاب ارتبط للأسف الشديد بجملة من التشويهات الإعلامية التي مورست ضد دول العالم، لإغراقها في الفقر ولإلصاق تهمة الإرهاب بها مرتين؛ مرة لأنها ضعيفة وفقيرة ومرة لأنها فعلاً تحمل رؤى مختلفة عن رؤى الاستغلال الرأسمالي الغربي، ونمط الفكر الغربي الاستهلاكي، لهذا كان الإعلام الأمريكي في السبعينات ينظر إلى دول الجنوب نظرة حربية مازالت مستمرة إلى اليوم، وإن توسعت لتشمل دول وأعراق أخرى.
ما تحقق على مستوى الشبكة المعلوماتية لم تحققه ربما أكبر الحروب المباشرة. لقد تغير العالم فعلاً يقول الكاتب الأمريكي " رونالد ماكرو" في كتابه "عشرة أعوام لكسب الرهان" والذي يتناول فيه وبشكل مباشر الدور الرهيب الذي لعبه الإنترنت في الكثير من المواقع الترفيهية التي كانت تخفي خلفها أسماء عسكرية رهيبة. مجلة " لاتريبون" الفرنسية عرضت في عدد213 أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلي "أدون وردان" المعروف في الوسط المخابراتي داخل وخارج إسرائيل هو نفسه " دانيال دوميليو" الذي أطلق موقع " شباب حر" (jeunesselib r e) الذي استقطب أكثر من 10 مليون زائر في سنة انطلاقته عام 2003م.
وكان هذا الموقع (الذي توقف فجأة بعد أن كشفت صحيفة الصنداي شخصية مؤسسه) كان هذا الموقع من أهم مواقع التعارف والكتابة الحرة التي كان يعبر فيها ملايين الشباب عن " غضبهم" من حكوماتهم، وبالتالي كان ثمة ضباط من العديد من الدول الذين "اعتقدوا" أنهم يؤدون مهمة إنسانية بالكشف عن أسرار عسكرية في غاية الخطورة، منها ضباط من كوت ديفوار نشروا وثائق خطيرة عن الوضع الأمني الذي تم استغلاله من قبل المخابرات الإسرائيلية في السنة الماضية ل"معاقبة فرنسا" على موقفها " السلبي" من الحرب على العراق، يقول " دونالد ماكرو" بالحرف الواحد.. لقد لعب الإنترنت المهمة الأخطر على المستوى العسكري، إذ إن مجرد السؤال في حوار عادي عن الوضع السائد في البلد الفلاني لم يعد بريئاً، لكن ثمة أخصائيون يجيدون طرح الأسئلة بتفادي طرحها بشكل مباشر، ولإجبار الطرف الآخر على طرحها.. فقد كانت دولة مثل إسرائيل في الستينات والسبعينات تصرف الملايين من الدولارات كرواتب لعملاء تعمل على تدريبهم وبالتالي على تهيئتهم للأعمال المطلوبة منهم.
كان عالم الجواسيس دائماً محاطاً بنفس الهالة الرهيبة والمخاطر التي نجحت السينما الأمريكية في صياغتها. الجاسوس أو العميل هو نفسه الخائن في كل اللغات، هو الشخص الذي يعي أنه يختار الجهة المضادة لأسباب مادية وأحيانا ثأرية، وهؤلاء يفعلون ذلك عن مغامرة وعن سقوط إرادي، لكن الذي يجري أن " العميل" الراهن لا يعرف الدور الذي يقوم به. لا يعرف أنه يخون ويبيع أسرار بلده. لا يعرف أنه ضحية حوار غير برئ، ولا يعرف أن كل كلمة يقولها تمر على عشرات المحللين النفسانيين وأنه هو في الأخير فأر تجارب في عالم متناقض ومشبوه. لهذا من الصعب جدا تفادي "كارثة الإنترنت" يقول أكثر من رأي، من الصعب تفادي "كارثة الشات"؛ لأنه يبقى هو العالم المغري لملايين من الشباب بالخصوص الذين يبلغون أقل من عشرين سنة، ولهم ثقافة حياتية وفكرية جد محدودة، بحيث إنهم لا يهمهم سوى الكلام في أشياء "محظورة" مع شخص يعتقدونه جنساً لطيفاً! يقول " مايكل هيجل" في مجلة "بون" الألمانية.(1/480)
ما يبدو حقيقياً جداً، وباعتراف ضباط سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مثل (جون دلتون) وضابط الاستخبارات البريطانية المتقاعد (هنري سرلوب) صاحب كتاب (واجهة شاحبة)، وضابط الاستخبارات الإسرائيلية " ميخائيل ماتان"، هؤلاء كتبوا بأنفسهم عن الدور الذي لعبوه في استقطاب عملاء بطرق لم يكونوا ليحلموا بها، أي بجرهم إلى الحوار عبر الإنترنت. الغريب في الأمر، يقول " هنري سرلوب " أن مواقع التعارف عبر النت هي التي تستقطب الملايين من الناس عبر العالم. ركن التعارف جلب أطباء وصحافيين مثلما جلب رجال أعمل وموظفين عاديين وأشخاص عسكريين أيضاً، لهذا كانت المواقع المعنية بالتعارف من أكثر المواقع زيارة في أوروبا وطبعاً مفتوحة لاستقطاب شباب من العالم العربي، ومن أمريكا اللاتينية. الطريقة في غاية السهولة نجدها ببساطة في كتاب (العميل البريء) " للكاتب الإنجليزي ": ادوارد ريتشارسون" قائلاً: العميل المثالي هو الأكثر حنقاً على نفسه، هو الكاره لذاته، الذي لا يحمل أي هدف محدد، فتلتقيه في حالة شرود، لتقوده إلى عالمك، ولتصقل شخصيته كما تشاء. بأن تصنع منه عميلاً مثالياً و"بريئاً" لمجرد أنه لا يعرف أنه يقدم لك خدمات كبيرة مقابل أن تكون صديقه!!!!
8/5/1426هـ
http://www.almoslim.net المصدر
===========(1/481)
(1/482)
الموالون للأجنبي .. أنتم أشد رهبة عليهم .. !
محمد بن سعود البشر
يواجه العالم الإسلامي اليوم موجات متتابعة من العصف الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي يستهدف خلخلة البناء، وزلزلة المعتقد والتشكيك في الثوابت، بعضها سافر في المواجهة، والآخر مغلف بدعاوى ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب.
وليس هذا بغريب في تاريخنا الإسلامي، لكن ما يجعل هذه الموجات التغريبية أشد وطأة علينا اليوم هو قدرتها البارعة واستخدامها الذكي في توظيف نفر من بني جلدتنا ليكونوا أدوات للأجنبي، يبلّغون رسالته، ويستميتون في الدفاع عنها، ويقاتلون بكرة وعشياً لتحقيق غاياتها.
يُسخّرون أسماءهم، ويوظّفون منافذ التأثير عبر الصحافة والأثير للترويج لعقائد المستعمر وتسويق فكر المحتل.
في كل يوم لهم وسيلة.. وفي كل آنٍ لهم قضية.. من يتابع توقيت الزمان، ويحلل بعمق مضامين الرأي يجد أنهم يعملون بجَلَد الفاسق- لتنفيذ إستراتيجيّة الاختراق من الداخل!!
هؤلاء الذين في قلوبهم مرض قويت شوكتهم بدعم المحتل، وكثر عددهم في مساحات كثيرة من عالمنا الإسلامي، وعلا صوتهم وصراخهم في المؤسسات الإعلاميّة التي تميّعت في الهُويّة، فلم تعد تفرّق مع هؤلاء- بين حق وباطل، بل ربما شرعت لهم الأبواب على مصاريعها، لتوافق الهوى وتطابق التوجّه، حتى ولو كان ذلك على حساب ثوابت الدين والوطن!!
ولئن كانت مواجهة هؤلاء، وتعريتهم، وكشف زيغهم وأباطيلهم واجبة فيما مضى، فإنها اليوم آكد في الوجوب، ولم يعد لذي دين وعقل وعلم وغيرة أن ينتبذ مكاناً قصياً يرقب المشهد ولا يراغم في تغييره بقدر استطاعته.
والصدارة في المواجهة اليوم للنخب التي تحمل الهم، وتدرك حجم المسؤولية، وخطورة الموقف.
وإن من ضعف الإيمان أن تنفر من كل بلد إسلامي فرقة تلاحق نتاج المستغربين أدوات المستعمر المحتل- تجمعه، وتحلله، وتربط أوله بآخره، ووسائله بمقاصده، ثم تعلنه، وتطلب مقاضاته ومحاكمته، أو في أقل حالاته- الردّ عليه، وإعلام الملأ به؛ فهؤلاء لم يعد لهم رادع من دين، ولا حياء من مجتمع.. ولن يتوقف تهافت أطروحاتهم وأساليب ولائهم لثقافة الأجنبي إلا المخلصين من أبناء الأمة "لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله".
30/4/1426
07/06/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============(1/483)
(1/484)
خط الدفاع الأخير .. في المعركة الأخلاقية
محمد سعد
أهي معركة؟ نعم.
ألها استراتيجية وخطط هجوم ومواجهات؟ نعم.
ما نراه ونسمعه ونعيش في أجوائه هذه الأيام هي حرب - بمعنى الكلمة - موجهة إلى أمتنا الإسلامية، وهي حرب كان الناس يختلفون في حقيقة وجودها، وكان هناك من يشكك ويقول إنها وهم، ومنهم من يقول إنها تصريحات تعصبية لبعض قادة الغرب لا تمثل الواقع، لكن في السنوات الأخيرة تطورت الأمور وانكشف كثير مما كان مخفياً في الماضي، وصار العلن سمة واضحة وظاهرة لهذه الحرب التي لا ينكرها إلا أعمى البصيرة، حرب على ديننا وأخلاقنا وقيمنا وعاداتنا، حرب هدفها مسخ الأمة بعد هدم العامل الأول لوجودها وهو الإسلام.
وإليك بعض ما يجري في ساحة المعركة وآخر أخبارها:
- "مكتبتي العربية" مشروع أمريكي سيتم من خلاله توزيع كتب أمريكية مترجمة بين تلاميذ الصفين الثالث والرابع بالمرحلة الابتدائية، تتبنى قيماً غربية وتناقش الكتب الموضوعات الجنسية!! (آفاق عربية جريدة مصرية- 19/ 3 / 26).
- مؤتمر بالجامعة الأمريكية بمصر يروج للشذوذ عنوانه (مؤتمر الشباب العربي الرابع) تحت رعاية شركات "كنتاكي" و"أمريكانا" و"تكا"، خصص لمناقشة قضايا الشباب ثم تحول المؤتمر إلى دعاية للشواذ، حيث ظهر أحد الطلبة في أولى جلسات المؤتمر وقدم نفسه على أنه شاذ جنسياً، وأنه مستعد لتلقي جميع الأسئلة من زملائه والإجابة عنها، وفي النهاية خرج المؤتمر بالموافقة على إقرار حقوق الشواذ، وطالبوا بوضع مواد دراسية لتثقيف الشباب جنسيا!! (المصدر السابق).
- نظمت شركة "أولويز" لإنتاج الفوط الصحية محاضرات للطالبات حول التثقيف الصحي في فندق "شبرد" بالقاهرة على مدار شهر أبريل، حيث حضر يومياً طالبات المرحلة الإعدادية من مختلف الإدارات التعليمية بالقاهرة والمحافظات، موضوع المؤتمر تنظيم النسل. (المصدر السابق).
- أقيمت حفلة للموسيقى والرقص والغناء في إحدى الجامعات الكبيرة، واستمرت حتى الساعة الرابعة والنصف ليلاً، حضرها أعضاء من هيئة التدريس، وكانت الحفلة في الليلة نفسها التي يُحتفل فيها بالمولد النبوي. (المصدر السابق).
هذه بعض خطوات فيما يشبه منظومة استراتيجية، تتلاقى فيها أهداف جهات تسعى إلى تفكيك النظام الاجتماعي الأسري في مجتمعات المسلمين، وهي منظومة كبيرة متنوعة الصور والأشكال، فهناك تشريع لقوانين موجهة لخلخلة العلاقة الزوجية المتينة التي أقامها الإسلام، كقوانين الخلع الجديدة في بعض بلاد المسلمين، وسفر المرأة دون إذن الزوج، وتغيير صيغة عقد الزواج.
وهناك إجراءات اجتماعية لتهميش دور الأسرة في السيطرة على الأبناء، وإبعادهم عن الجو الأسري المترابط والبيئة التربوية التي كونها الإسلام عبر عدد من التشريعات، كمحاولة التدخل في شأن الأسرة الخاص وإلغاء الختان كلية وتجريمه دون تمييز بين من يلزمهن ذلك ومن لا يلزمهن، وفي هذا ما فيه مما هو معروف من علاقة بضبط الشهوة لدى المرأة، وهناك القنوات الفضائية التي تقدم للشباب الحياة الغربية في صورة جذابة تتلاعب بأحلام المراهقين وشهواتهم، فيما يمثل دعوة واضحة لهم لتقليد الحياة الغربية بكل ما فيها من عادات وتقاليد منحرفة وشاذة، تشجعه على الخروج عن سيطرة الأسرة وسياجها.
وإذا نظرت إلى نماذج الأخبار التي أوردتها قبل سطور؛ فحاول أن تبحث عن الآباء والأمهات فيما حدث، أين هم؟ أين دور الأسرة؟ أين أبو هذا الشاب الذي خرج في المؤتمر يدعو إلى الشذوذ؟ أين أمهات البنات اللاتي ذهبن إلى مؤتمر مشبوه يعلم أطفالاً في سن الثالثة الابتدائية والرابعة الابتدائية تنظيم النسل؟ أين آباء هؤلاء الشباب الذين حضروا الحفل الراقص حتى وقت الفجر؟ ثم ألم يكن الأجدى بالجامعة التي تخرج الأجيال أن تجمع هؤلاء الشباب لتوعيتهم وحمايتهم من حملات التغريب والفساد.. ثم يخرجون لصلاة الفجر؟
حال كثير من الآباء والأمهات اليوم يدعو إلى التساؤل والدهشة، حيث تجري على أولادهم عمليات التغريب، ويقعون فريسة لموجات الانحلال، ولا تجد الآن للأسرة دوراً يذكر في حماية أولادها، وإلا فما معنى وجود آلاف الاتصالات من شباب في سن المراهقة لبرنامج ستار أكاديمي، وغيره من برامج الفساد والفجور، وما تفسير وجود تفاعل قوي مع هذه الأنواع من البرامج؟
وما معنى انتشار التبرج والسفور بين كثير من الشابات وانتشار عادات فاسدة بينهن؟ وما معنى انتساب شبان في بعض مجتمعات المسلمين إلى عبدة الشيطان؟ وما معنى وجود التحلل الأخلاقي الذي نسمع عنه في أوساط الشباب في المدارس والجامعات؟ وما معنى ما يروى ويحكى عن الانحلال الأخلاقي عبر وسائل التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال؟
لا معنى لذلك كله إلا أن دور الأسرة في حماية أولادها في طريقه إلى الزوال إن لم يكن قد زال فعلاً في بعض الأوساط الاجتماعية.
إذاً هذه نماذج لفقدان دور الأسرة وضياعه؛ إما بسبب الجهل أو الانحراف، وإما بسبب ما وقع فيه الآباء أنفسهم من ضلال تحت مسمى ترك الحرية لأولادهم لممارسة الحياة العصرية.(1/485)
هذه بعض أخبار جبهة من جبهات المعركة الدائرة على مجتمعات المسلمين، من جريدة واحدة، وإلا فمن حاول رصد كل أخبار ما يدور على الساحة من تطورات لهذه المعركة فسوف يصاب بصدمة فاجعة.
خطوط الدفاع:
وبإلقاء نظرة على تلك الحرب وما وصلت إليه نجد أن أعداءنا تقدموا فيها خطوات كبيرة، بل استطاعوا أن يسيطروا على بعض خطوط الدفاع في مجتمعاتنا المسلمة، ويتركز الدور الآن على خط الدفاع الأخير وهو الأسرة.
لقد أحكم الإسلام بناء المجتمع المسلم، ووضع له عدداً من خطوط الحماية والدفاع، والتي تصون المجتمع من توارد التقاليد والعادات المنحلة والفاسدة، وكذلك تصونه وتحميه من الحملات الموجهة إليه. وأبرز هذه الخطوط مؤسسات الدولة الرسمية، وهناك التشريعات الإسلامية من حدود وتعزيرات وأحكام وآداب شرعت لصيانة المجتمع وحفظه وتطهيره من الشذوذ والانحراف، وهناك العلماء والدعاة الذين ينبهون المجتمع ويبينون له الحق من الباطل، ومن أبرز خطوط الحماية والدفاع: الأسرة، حيث أحكم الإسلام بناءها، وحمّلها المسؤولية أمام الله تعالى كاملة عن حفظ الأولاد وحمايتهم.
خط الدفاع الأول.. والأخير:
وإذا كانت الأسرة تمثل خط الدفاع الأول من حيث بدء تربية الأولاد ومنشئهم؛ فهي في الوقت نفسه تمثل خط الدفاع الأخير من حيث وصول الهجمات الانحلالية على المجتمع، فقد تم اختراق كثير من الجهات الرسمية في بعض بلاد المسلمين، والتي يفترض أنها هي خط الدفاع الأول للمجتمع، وصارت هي نفسها عامل هدم أخلاقي، فكثير من وسائل الإعلام في بلاد المسلمين، من قنوات فضائية ومجلات ومواقع إنترنت، سخرت نفسها لبث الانحلال والفجور في الناس ولا سيما الشباب، وكذلك أنشئت مؤسسات وجمعيات داخل مجتمعات المسلمين لإتمام جهود المؤتمرات الدولية والخطط الخارجية والإشراف على تنفيذها.
وإذا كانت أصوات الناصحين تذهب سدى ولا يستمع لها أحد في بعض الجهات فلتوجه الجهود نحو الأسرة، نحو الآباء والأمهات، فالأسرة أمام تلك الحملات الانحلالية هي خط الدفاع الأخير الذي ينبغي لنا أن نعيد ترميمه وإصلاحه، بل قد تكون هي خط الدفاع الذي ينبغي لنا أن نهيئه ليكون هو الصخرة التي تندحر عندها تلك الحملة التغريبية الانحلالية الشرسة.
فلو حصل ولم يفلح خط الدفاع الأول وهو الجهات المسؤولة عن حماية المجتمع، أو حدث تقصير فيها أو اختراق لها من قبل بعض أهل الفساد، ولم تفلح كذلك خطوط الدفاع التالية، أو تعطل دورها؛ فلن يبقى في النهاية إلا خط الآباء والأمهات، فإذا كان هذا الخط غير موجود أو ضعيفاً نجحت حملة الهدم الأخلاقي في تحقيق أهدافها والوصول إلى ما تريد من تدمير الشباب الذين هم مادة نماء المجتمع وقوته، وهو ما نرى بعضه قد تحقق على مستوى كثير من مجتمعات المسلمين، حيث ينتشر الانحلال والفساد وانعدام الأخلاق.
عودة دور الأسرة.. خطوة مهمة في حماية الشباب:
إن كثرة الانحرافات وشيوعها بين الشباب قد تدفع الشباب إلى ما هو أكبر من مجرد تدهور الأخلاق، حيث ستتحول فورة الشباب تحت ضغط الإعلام الفاسد والحملات المنحرفة إلى ثورة ضاغطة تكسر باب المحرمات من الفاحشة والمخدرات وغيرها، كما كُسر فعلاً باب الشذوذ في بعض الأوساط الاجتماعية، وظهرت جماعات منظمة للشذوذ فيها، وكما كسر وظهر في بعض مجتمعات المسلمين الموحدين مجموعات تابعة لعبدة الشيطان.. فهل سيقف العقلاء حتى تُكسر سائر الأبواب؟
- فلنبدأ في إعادة دور الأسرة والآباء والأمهات وتنشيطه، وتوعية الآباء والأمهات بمدى دورهم في حماية المجتمع والشباب، وبيان مدى مسؤوليتهم أمام الله تعالى يوم الحساب، عبر العلماء والدعاة والمتخصصين الإسلاميين في العلوم النفسية والاجتماعية.
- إقامة مؤتمرات وندوات اجتماعية مضادة لتلك المؤتمرات المنحرفة، تعمل على تنمية دور الأسرة ودعمه.
- إقامة جمعيات لحماية الشباب تبحث في مشكلاتهم وتقدم لهم الحلول المناسبة القائمة على ديننا وأخلاقنا، كما يحدث على مستوى حماية البيئة مثلاً، لحماية شبابنا من التلوث والسموم الأخلاقية.
- وليتذكر كل أب ولتتذكر كل أم.. أن كل واحد سيسأله الله تعالى عن أولاده أحفظهم في دينهم وأخلاقهم أم تركهم للفساد والانحراف، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون" التحريم: 6.(1/486)
وأخرج البخاري عن نافع عن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع فمسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، حديث رقم 2554، ومسلم رقم 1829، وغيرهما. قال في فيض القدير: ("كلكم راع": أي حافظ ملتزم بصلاح ما قام عليه، وهو ما تحت نظره، من الرعاية وهي الحفظ... "وكل" راع "مسؤول عن رعيته" في الآخرة، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك، فإن وفّى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة... ). انظر: فيض القدير، الجزء الخامس، شرح الحديث رقم 6370.
24/3/1426هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
============(1/487)
(1/488)
البنتاجون يستهدف تجنيد المراهقين
عبدالله صالح
14- 7- 2005 م
مع تصاعد المقاومة العراقية، وتزايد معدلات القتلى والجرحى في صفوف قوات الاحتلال؛ أصبحت وزارة الدفاع الأمريكية تعيش أزمة حادة لاسيما مع عجزها عن استقطاب مجندين جدد لمواجهة الخسائر البشرية للقوات الأمريكية في العراق، ورفض معظم الشباب الأمريكي الالتحاق بالجيش، فضلاً عن اتجاه العديد من الدول المشاركة في التحالف إلى الانسحاب من العراق، حيث أعلنت إيطاليا عن أول عملية لسحب لقواتها من المقرر أن تبدأ في سبتمبر المقبل، كما أن بريطانيا تخطط لإجراء خفض كبير في قواتها، أما القوات اليابانية فهي محدودة العدد، وتكاد تعيش معزولة داخل ثكناتها في جنوب العراق، وهي الأخرى تبحث الموقف لاتخاذ القرار المناسب، ولن يبقى بالعراق سوى القوات الأمريكية التي لم تعد قادرة على الصمود في وجه المقاومة العراقية.
حتى وقت قريب كان مسؤلوا البنتاجون يدافعون عن التزامهم بمواصلة الحرب في العراق وأفغانستان، مؤكدين على قدرة القوات الأمريكية على تحقيق نصر حاسم في معركتها ضد ما يسمى بالإرهاب، لكن النقاشات الجارية حالياً في البنتاجون تكشف عن أن الانسحاب من المستنقع العراقي هو الاستراتيجية التي يجرى الاستعداد لتنفيذها بدءاً من العام القادم، وكانت "الواشنطون بوست" قد نشرت مؤخراً بعض الوثائق التي تسربت من مكتب "جون ريد" وزير الدفاع البريطاني تؤكد أن الولايات المتحدة تخطط لتسليم ما بين 14 إلى 18 إقليماً للسلطة العراقية بحلول عام 2006، تمهيداً لتخفيض القوات الأمريكية بالعراق إلى نحو 66 ألف جندي.
ومع ذلك فإن البنتاجون يسعى لمواجهة المأزق الحالي للقوات الأمريكية في العراق والمتمثل في عدم كفايتها للقيام بالمهام الأمنية والقتالية، وذلك من خلال العمل على استقطاب الفئات صغيرة السن من الشباب الأمريكي إلى الخدمة العسكرية، وإغرائهم بالامتيازات والمكافآت، والتي تصل إلى نحو 4 ألف دولار للمجند بمجرد التحاقه بالخدمة، فضلاً عن المزايا الأخرى الاجتماعية والصحية والترفيهية.
وقد استعان البنتاجون بالعديد من الشركات والوكالات المتخصصة في هذا المجال للقيام بجمع المعلومات عن هؤلاء المراهقين ممن تتراوح أعمارهم بين 16و18 سنة، والتعرف على اهتماماتهم وهواياتهم، ثم تقوم بالاتصال بهم عن طريق بريدهم الإلكتروني، وتحاول أن تتحدث إليهم وتغريهم هم وأسرهم بالفوائد الجمة التي يمكن أن يحصلوا عليها نظير التحاقهم بالجيش الأمريكي.
الدراسات الاستطلاعية التي قامت بها هذه الشركات بتكليف من البنتاجون كشفت أن اهتمامات هؤلاء المراهقين تكاد تنحصر في تصفح شبكة الإنترنت، وارتياد النوادي، ومراكز التسوق؛ بحثاً عن مصادر الترفيه والتسلية، وأن أكثر من 60% منهم يتعاطون المخدرات، ونحو 96% منهم ليس لديهم أدنى اهتمام بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولا يعرفون عن العراق سوى أنها مقبرة للجنود الأمريكيين، وقد عبر 11،4% فقط ممن شملتهم الدراسات عن موافقتهم على الالتحاق بالجيش بشرط عدم السفر إلى العراق وأفغانستان، ومعظم هؤلاء من المنتمين للشرائح ذات الدخل المنخفض والمستوى الاجتماعي المتدني.
هذه النتائج لم تمنع البنتاجون من التعاقد مع المزيد من الشركات والوكالات المتخصصة في التسويق، وإنشاء مواقع الإنترنت من أجل العمل على حث الشباب الصغير على الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتوعيتهم بالمكاسب التي يمكن أن تعود عليهم من الالتحاق بالخدمة العسكرية، مواقع الإنترنت التي أقامتها هذه الشركات تركز على تعريف الشباب بأهم مجالات الخدمة العسكرية، والمهارات التي يكتسبها المجند، وتساعده على الحياة بصورة أفضل، كما توجه بعض هذه المواقع اهتمامها إلى أمهات هؤلاء الشباب بغرض إقناعهن بحث الأبناء على الالتحاق بالخدمة العسكرية باعتبار أن ذلك يمثل تضحية كبرى، وأنهن بذلك سيشاركن في صنع مستقبل أفضل للأبناء وللوطن أيضاً.
وتبدو بعض هذه المواقع وكأنها تقدم خدمة مجانية لهؤلاء المراهقين بمساعدتهم على معرفة الوظيفة المناسبة لهم في المستقبل من خلال قياس قدراتهم ومهاراتهم، وإشراكهم في بعض المسابقات والمعسكرات الكشفية والرحلات، وغير ذلك من الوسائل التي تنمي فيهم الاستعداد للخدمة العسكرية، وتخبرهم أن الالتحاق بالجيش لا يعنى بالضرورة المشاركة في أعمال الحرب والقتال، البنتاجون يستعين أيضاً بمديري المدارس الثانوية لتوفير قواعد المعلومات عن الطلبة واهتماماتهم، والمساعدة في انتقاء من لديهم استعداد عسكري، أو يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية تجعلهم أكثر استعداداً للالتحاق بالخدمة العسكرية للاستفادة من المكافآت المجزية التي تمنح لهم عند بدء الخدمة.(1/489)
الموقع الرسمي للبنتاجون على شبكة الإنترنت يتضمن العديد من الإعلانات التي تطلب متطوعين للخدمة العامة بوزارة الدفاع، ويشرح المميزات التي ستمنح لهم والمتمثلة في المكافآت الكبيرة عند بداية العمل، فضلاً عن خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية للمجندين، ومشاركتهم في العديد من الأنشطة الترفيهية والرياضية مثل: سباقات السيارات، وكرة القدم، ومصارعة الثيران، وغير ذلك من الحوافز والمغريات.
أكثر من مليون دولار أنفقها البنتاجون خلال الأشهر القليلة الماضية من أجل تحفيز الشباب المراهق على الالتحاق بالجيش الأمريكي، ولكن النتيجة حتى الآن مخيبة للآمال، حيث لم تحقق جهود البنتاجون الحد الأدنى من التوقعات، فقد كانت مشاهد الدمار التي تنقلها الفضائيات، وصور القتلى والجرحى من الجنود الأمريكان في الصحف والمجلات أقوى من كل إغراء، ولم يستجب لهذه الحملة الدعائية سوى العشرات من المراهقين الفقراء والمعدمين، ممن قبلوا الالتحاق بالجيش للحصول على المكافأة المالية، دون أن يكون لديهم أي استعداد للقتال لا في العراق ولا في أفغانستان ولا في أي مكان آخر من العالم.
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?method=home.con&contentid=6845
===========(1/490)
(1/491)
أرحام تتعاطف
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
طالما نعينا على المسلمين خصوصاً، وعلى الشرقيين عموماً، هذا التقاطع الذي شتت شملهم، وفرق جامعتهم، وصيرهم لقمة سائغة للمستعمرين؛ وطالما شرحنا للمسلمين أسرار التواصل والتراحم والتقارب الكامنة في دينهم، وأقمنا لهم الأدلة، وضربنا لهم الأمثال، وسقنا المثُلات، وجلونا العبر، وكانت نذر الشر تتوالى، فيمارون بها ، وصيحات الضحايا منهم تتعالى، فيصمون عنها والزمن سائر، والفلك دائر، وهم في غفلة ساهون. دعوناهم إلى الجامعة الواسعة التي لا تضيق بنزيل، وهى جامعة الإسلام، إلى الروحانية الخالصة التي لا تشاب بدخيل، وهي روحانية الشرق، وحذرناهم من هذه الأفاحيص الضيقة، والوطنيات المحدودة، التي هي منبع شقائهم، ومبعث بلائهم، وبينا لهم أنها دسيسة استعمارية، زينها لهم سماسرة الغرب، وعلماؤه وأدلاؤه؛ وغايتهم منها التفريق، ثم التمزيق، ثم القضم، ثم الهضم، وأن الاستعمار - بهذه الدسيسة وأشباهها - يفسد فطرة الله فيهم ، وينقض دين الله عندهم ؛ ففطرة الله تلهم نصر الأخ لأخيه، وحماية الجار لجاره؛ ودين الله يوجب حقوق الأخوة، ويدعو إلى إيثار الجار والإحسان إليه؛ وهو بهذا يعمم التناصر ويقيم في الأرض شرعة التعاون، فما من جار إلا له جار، والناس كلهم متجاورون، جوار الدار للدار، فجوار القرية للقرية، فجوار المدينة للمدينة، فجوار الوطن للوطن؛ فإذا أخذوا بهذه الشرعة وأقاموا حدودها عم التناصر والتعاون، وسدت المنافذ على المغيرين، وعلى المفسدين في الأرض ولكن الاستعمار - بهذه الدسيسة - بدل شرعة الله بشرعة الشيطان، فهو يقول لك : أقصر اهتمامك على دارك، ولا تلتفت إلى دار جارك، ويوسوس للجار بمثل ذلك حتى إذا أطاعاه خرب الدارين، واستعبد الجارين.
ومازال الاستعمار يروض المسلمين والشرقيين على قبول هذه الدسيسة، ثم على استحسانها، ثم على الأخذ بها، حتى تقطعوا في الأرض أمماً ليس منهم الصالحون...
ثم تقطعت الأمم جماعات، وكلما آنس منهم مخيلة انتباه غرهم بما يغر به الشيطان: بشجرة الخلد وملك لا يبلى، وجرهم بما ينجر به الصبيان: ألفاظ فارغة وأسماء وألقاب، وعروش من أعواد، في سيل واد؛ حتى ابتلع ممالكهم، واحتجن أموالهم، وتركهم مثلاً في الآخرين؛ واعتبر ذلك بهذا الاستعمار الجاثم في شمال أفريقيا [1]، وعد بذاكرتك إلى مبدأ أمره، وكيف أكل العنقود حبة حبة، متمهلاً مطاولاً، يرقب الخلس، ويدرع الغلس؛ وكيف أطعمته غفلتنا الكراع، أطمعته في الذراع، حتى استوعب الجسد كله أكلاً؛ وكيف كان يعتدي على الجزء، فيقابله الكل بالهزء؛ اعتبر ذلك ترَأننا ما أخذنا بغتة، ولا سلبنا هذا الملك الضخم فلتة؛ وإنما هي آثار تلك الدسيسة فينا، استبدلنا التناحر بالتناصر، والتعاوي بالتعاون؛ ثم نزلنا دركة.
، فأصبحنا وإن الأخ ليقتل أخاه في سبيل قاتلهما معاً، ولو اتعظ الأخير منا بالأول لما مد الاستعمار هذا المد، ولما بلغ فينا إلى هذا الحد.
-------------------------------------------
(1) نشرت هذه الكلمة عام 1951 م.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(1/492)
(1/493)
رد على كافرة ازدادت كفرا وردة
بنيلها من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته
الحمد لله القائل: " لعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "1.
وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا القائل: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 2
وبعد..
فقد جاء في الأثر أن موسى - عليه السلام - سأل الله أن يقطع عنه ألسنة الناس، فقال: "يا موسى لم أقطعهم عني، فكيف أقطعهم عنك"؟
لا غرابة أن يسب اليهود والنصارى أو أحدهم رسولاً من رسل الله - عز وجل -، فقد سبوا الله سباً - كما قال عمر - رضي الله عنه - لم يسبه إياه أحد من قبل ولا من بعد، حيث نسبوا له الولد والصاحبة والشريك، - تعالى -الله عن قولهم علواً كبيراً.
هذا بجانب زعمهم أن الله فقير وهم الأغنياء، وأن يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، وبجانب قتلهم الأنبياء الذي هو أشد جرماً من السب والانتقاص.
لم أتعجب من الكفريات التي وردت فيما كتبته تلك المرأة النصرانية التي تدعى "سلاس" وأشاعته بين بعض المسلمين تحت عنوان: "مقارنة بين مؤسسي أكبر دينين في العالم"، وتعني بذلك عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهي تدعو للعجب، كتعجبي من جهلها الفاضح وجرأتها، ومن الفوضى الفكرية التي غشتنا في هذه الأيام، وعدم المراقبة لما يكتب من كفر صراح، وعدم المحاسبة والمؤاخذة لمنتقصي الإسلام ورسوله.
ومما يدل على جهلها الفاضح بالمسيحية التي تدعي اعتناقها قبل الإسلام أمران هما:
أولاً: زعمها أن الإسلام والمسيحية عبارة عن حزبين أسسهما محمد وعيسى - عليهما السلام -، وهما دينان سماويان وشريعتان ربانيتان، هذا قبل التحريف الذي أصاب المسيحية، وقبل أن تنسخ بشرع محمد الخاتم لجميع الشرائع، وبكتابه المهيمن على جميع الكتب السماوية.
رحم الله الإمام ابن القيم عندما قال: "ما بأيدي النصارى من الدين باطله أضعاف أضعاف حقه، وحقه منسوخ". 3
ثانياً: هذه المقارنة الجائرة بين شريعة عيسى المعدلة المنسوخة، وبين شرع محمد الذي بشر به عيسى - عليه السلام -: "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وذلك لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم تطوير وتكميل لما جاء به أخواه موسى وعيسى - عليهما السلام -.
قال شيخ الإسلام مفتي الأنام أحمد بن عبد الحليم الإمام في كتابه القيم "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح"4 في رده على تساؤل بعض أفراد هذه الملة المبدّلة المحرّفة للكلم عن مواضعه، ولما جاءهم به عيسى، حيث قالوا عن المسلمين: "إنا نعجب من هؤلاء القوم الذين مع أدبهم وما يأخذون به أنفسهم من الفضل، كيف لم يعلموا أن الشرائع شريعتان: شريعة عدل وشريعة فضل، فأرسل موسى إلى بني إسرائيل، فوضع شريعة العدل، وأمرهم بفعلها إلى أن استقرت في نفوسهم.
ولما كان الكمال الذي هو الفضل لا يمكن أن يضعه إلا أكمل الكمال، وجب أن يكون هو تقدست أسماؤه وجلت آلاؤه الذي يضعه، لأنه ليس شيء أكمل منه، وليس في الموجودات أكمل من كلمته، ولذلك وجب أن يجود بكلمته، فلهذا وجب أن يتحد بذات محسوسة، يظهر منها قدرته وجوده.
ولم يكن في المخلوقات أجل من الإنسان، اتحد بالطبيعة البشرية من السيدة الطاهرة، من مريم البتول المصطفاة على نساء العالمين، وبعد هذا الكمال ما بقي شيء يوضع".
هل بعد ذلك سبٌّ وانتقاص لله - عز وجل -؟!
الجواب عن هذا من وجوه:
أحدها أن يقال: بل الشرائع ثلاثة: شريعة عدل5 فقط، وشريعة فضل6 فقط، وشريعة تجمع العدل والفضل7، فتوجب العدل، وتندب إلى الفضل، وهذه أكمل الشرائع الثلاث، وهي شريعة القرآن الذي يجمع فيها بين العدل والفضل، مع أننا لا ننكر أن يكون موسى - عليه السلام - أوجب العدل وندب إلى الفضل، وكذلك المسيح أيضاً أوجب العدل وندب إلى الفضل .
فدل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن هذه الشرائع الثلاث متممة ومكملة لبعضها البعض، وأن الخير الذي ورد في جميع الشرائع جمع في شرع محمد وزيد عليه.
قال شيخ الإسلام: (فليس في التوراة والإنجيل والنبوات ما هو من العلوم النافعة والأعمال الصالحة إلا وهو في القرآن، أو ما هو أفضل منه.لكن النصارى لم يتبعوا لا التوراة والإنجيل، بل أحدثوا شريعة لم يبعث بها نبي من الأنبياء).
إلى أن قال مدللاً على تكميل هذه الشرائع لبعضها البعض، وعدم تناقضها: (إن شريعة التوراة يغلب عليها الشدة، وشريعة الإنجيل يغلب عليها اللين، وشريعة القرآن معتدلة جامعة بين هذا وهذا.
ولهذا جاء في وصف محمد صلى الله عليه وسلم : "إنه نبي الملحمة، وأنه الضحوك القتال".
إلى أن قال: ولهذا قال بعضهم: بعث موسى بالجلال، وبعث عيسى بالكمال، وبعث محمد بالكمال.
ثبت بذلك أنه لا مجال للمقارنة بين شرع محمد صلى الله عليه وسلم وبين جميع الشرائع السابقة له، لاشتمال شريعته لكل خير فيها وصلاحه لكل زمان ومكان، ولهذا تولى الله حفظها وجعلها المهيمنة إلى أن يقوم الناس لرب العالمين).(1/494)
أما ما جاء في هذه المقارنة من الإثم والبهتان ما يأتي:
1. اعتراضها على لعن الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى، يردُّه لعن رسولين كريمين من بني إسرائيل لليهود والنصارى، وهما داود وعيسى - عليهما السلام -: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون". 8
فاليهود والنصارى ملعونون على ألسنة جميع الأنبياء، إما بلسان الحال أولسان المقال، فلا غرابة أن يلعنهم خاتمهم، فلعنهم قربى وعبادة.
أما حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه ومسامحته فشهد بهما القرآن الكريم، ورب العالمين، حيث قال في وصفه: "وإنك لعلى خلق عظيم"9، "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"10، "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". 11
ويدل عليه دعاؤه بالهداية للمشركين الذين أذوه وأخرجوه من بلده، حيث كان يقول: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".
وعندما كان يُطلب منه أن يدعو عليهم كان يقول: "لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله".
وعندما قال له الطفيل بن عمرو الدوسي: ادعُ على دوس، لقد غلبني عليهم الزنا؛ دعا لهم، وقال: اللهم اهدِ دوساً وائت بهم.
أما حلمه فيشهد عليه مواقفه مع الأعراب الغلاظ الجفاة، مما دعا أحدهم أن قال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا.
لكن نعوذ بالله من الحقد والجهل ومن عمى البصائر.
2. الافتراء الثاني زعمها: "استعباده الناس بالقوة وتجارة العبيد". 12
وتقصد بذلك إنكار فريضة الجهاد التي شرعها رب العباد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، فمن أبى الإسلام والجزية كان الواجب أن يُقتل، ولكن تفضل عليهم الإسلام واستبدل ذلك بالاسترقاق عسى الله أن يمن عليهم بالهداية، فهذا التشريع ليس من وضع محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن وضعه رب الأرباب، وعندما آثر الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الفداء من أسرى بدر بدلاً من القتل عوتب في ذلك: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض".
ثم حث أتباعه على العتق، ورتب عليه الأجر الجزيل، وشرع الكفارات بعتق الرقاب، فأي مأخذ في التزام الرسول صلى الله عليه وسلم بما أمره به ربه؟
أما تجارة الرقيق فقد كانت معروفة منذ القدم، قبل المسيحية والإسلام، وفي العصر الحديث أول من مارسها الأروبيون والأمريكان، حيث استرقوا الأحرار واستعبدوا البشر لمصالحهم الذاتية، وأخذوهم مقيدين من إفريقيا وآسيا للعمل في المناجم والمصانع، فما هذا الخلط والتدليس؟
أما حسن معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للخدم قبل البعثة وبعدها فيشهد لها إيثار زيد بن حارثة له على والده وعمه عندما جاءا لفدائه، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني بمنزلة الأب والعم؛ فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية؟ قال: نعم، لقد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً.
وقالت عائشة - رضي الله عنها - كما في الصحيحين: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً له قط، ولا امرأة له قط، ولا دابة ولا شيئاً قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء، حتى ينتقم لله، وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا أخذ بأيسرهما، إلا أن يكون مأثماً، فإن كان مأثماً كان أبعد الناس عنه".
وفي الصحيحين كذلك قال أنس - رضي الله عنه -: "خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أفٍّ قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته؟ ولا لما صنعتُ لما لا صنعتَ، وكان بعض أهله إذا عتبوني على شيء يقول: دعوه، فلو قدر شيء لكان هذا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ففي شريعته صلى الله عليه وسلم من اللين، والعفو، والصفح، ومكارم الأخلاق، أعظم مما في الإنجيل، وفيها من الشدة، والجهاد، وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين أعظم مما في التوراة، وهذا هو غاية الكمال.
3. اعتراضها على حد القذف على من قذف الصديقة بنت الصديق13.
نقول لمن يصر على رمي عائشة بالإفك بعد أن برَّأها الله منه ما قاله ابن الباقلاني - رحمه الله - عندما أرسله عضد الدولة ليناظر بعض القسس على رده على أحدهم بقوله: ما صنعت زوجة نبيكم؟ يريد قبَّحه الله عائشة وحادثة الإفك.
فقال ابن الباقلاني: هما امرأتان عفيفتان نزلت براءتهما من السماء، فإن وقع في الذهن الفاسد اتهام إحداهما بريبة فرميه للأخرى أولى، لأن إحداهما لم يكن لها زوج وأتت بولد، والأخرى لها زوج ولم تأت بولد؛ يعني مريم وعائشة، فبهت الذي كفر وأسكت وأخرس.
فإقامة الحد على من أشاع الفاحشة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدل والإنصاف الذي قامت عليه السموات والأرض، والذي يتهم عائشة بعد أن برأها الله إن كان مسلماً فقد كفر، وإن كان كافراً فقد ازداد كفراً، وحكم الإسلام عليهما القتل.(1/495)
4. اعتراضها على أن يأتي الرجل ما ملكت يمينه، وهذا الاعتراض لا يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا حكم ربنا: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين".
5. تشكيكها في عصمته صلى الله عليه وسلم ، وقد أوتيت من قِبَل جهلها الفاضح باللغة العربية، وبالقرآن، وبالسيرة المرضية، فنسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعمي بصرها كما أعمى بصيرتها، وأن ينتقم لرسوله منها في الحياة قبل الممات، ولضحالة هذا المأخذ فإنه لا يستحق رداً ولا تعليقاً.
6. أما اعتراضها على رب العالمين بأنه فرق بين الذكر والأنثى، وفضل بعضهما على بعض، فنحيلها إلى ما قالته المرأة الصالحة أم مريم عندما وضعتها، حيث قالت: "وليس الذكر كالأنثى".
والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من نسخ الله به شرائع السابقين، ورضي الله عن أمنا عائشة، ولعائن الله المتتاليات مصحوبة بغضبه على اليهود الحاقدين، وعلى النصارى الجاهلين.
http://www.islamadvice.com المصدر:
===========(1/496)
(1/497)
قل موتوا بغيظكم
حكمت الحريري
ذكر ياقوت الحموي في كتاب (معجم البلدان) قصة تتعلق بموقف عمر بن عبد العزيز من جامع دمشق الذي بني في عهد الوليد بن عبد الملك، فقال: (لما ولي عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة، فقد أُنفقت في غير حقها، فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء، وأنزع هذه السلاسل وأصير بدلها حبالاً، فاشتد على أهل دمشق، حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلاً يعرف لغتهم ويسمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد، فنكس رئيسهم رأسه واصفر لونه، فقالوا له في ذلك، فقال: إنا كنا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل، فلما رأيت ما بنوا علمتُ أن لهم مدة لابد أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظاً على الكفار، وترك ما همّ به).
تلك هي القلوب الخفاقة المتعلقة بربها - عز وجل - والتي عزفت عن الركون إلى الدنيا وشهوات النفس، وارتفعت فوق الإحن، ولم تعرقلها السلبيات، فتجد أن مواقف أولئك الرجال عزة لدين الله، متمثلة لقول بارئها وواعية له: (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ) وغيظاً لأعداء الله (لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ).
والذي جعلني أتذكر قصة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وموقفه ذاك: نظرة كبار المؤرخين والمفكرين من أعداء الإسلام وموقفهم من الحركات الإسلامية المجددة منها خاصة، والتي تعمل على تجديد معالم الدين وإعادة الروح الإسلامية الخالصة الحقيقية إلى أبناء الأمة الإسلامية، تلك الحركات التي لم تقبل الانقياد للأفكار الغربية الملحدة، ولم تخضع وتنكسر للحاقدين على الإسلام.
وسأذكر فيما يلي موقف بعض الحاقدين على تلك الحركات المجددة لدين الإسلام، فيصفها بصورة مشوهة، ويظهر التحامل وعدم الرضا منها.
وصدق الله - عز وجل -: (ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وقوله- عز وجل -: (ولا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا).
وأول المواقف التي أريد التعرض لها والحديث عنها: لأحد مشاهير المؤرخين الأوربيين " أرنولد توينبى " وذلك في محاضرتين ألقاهما ما بين عامي 1947-1952، وقد ترجمهما الدكتور نبيل صبحي الطويل إلى اللغة العربية في كتيب بعنوان " الإسلام والغرب والمستقبل "، وطبع للمرة الأولى عام 1389 هـ 1969م.
تحدث توينبى في محاضرته الأولى عن بداية العلاقة بين الإسلام والغرب، وذكر أنها بدأت في القرن السابع الميلادي، حينما حرر المسلمون سلسلة من الدول الشرقية من سيطرة الرومان، من سورية شرقاً إلى أسبانيا غرباً، بعد أن كانت تحت الحكم الروماني مدة ألف عام تقريباً.
واستمر الفتح الإسلامي حتى شمل جميع بلاد الهند، وانتشر أيضاً في أندونيسيا والصين شرقاً، وفي أفريقيا الاستوائية جنوباً، وكل ما تبقى من العالم المسيحي الشرقي في آسيا الوسطى، وجنوب شرقي أوروبا خضع في القرنين الرابع عشر والخامس عشر لحكم المسلمين العثمانيين، وبقي علم الهلال يرفرف فوق السواحل الشرقية لبحر الإدرياتيك حتى عام 1912، وبعد أن فشل الأتراك للمرة الثانية في حصار فيينا عام 1683 بدأ الهجوم الغربي المعاكس على العالم الإسلامي.
ولم يكن هذا الهجوم رداً مباشراً مماثلاً للغزو الصليبي، بل كان تطويقاً للإسلام عن طريق السيطرة على المحيطات، ونجح الغرب في عقد الحبل حول عنق الإسلام في أواخر القرن السادس عشر، ولم يتم الخناق إلا في القرن التاسع عشر.
[الإسلام والغرب والمستقبل: 16-18].
وفي هذه الفترة الزمنية: أدرك العثمانيون أنهم بحاجة إلى التقنية الغربية، أي: بعد فشلهم بمائة سنة من حصار فيينا خاصة في المجال العسكري، وكان مصطفى كمال واحداً من الضباط الذين تشربوا الأفكار الغربية حينما كانوا يتعلمون الفنون الحربية الغربية، وكان هدف هذا العسكري هو التغريب الكامل لتركيا وفرض برنامجه على الناس بقوة القانون، فتحرير المرأة وإزالة الدين الإسلامي وفرض الأحرف اللاتينية بدل الأبجدية العربية كل ذلك شرِّع بقوانين ما بين (1922-1928) (ص 25).
ثم يقول: (من المؤكد أن الشعب التركي بوحي من أتاتورك قد خدم العالم الإسلامي كله! ! ! عندما حاول حل المسألة الغربية المشتركة باقتباسه الحياة الغربية الحديثة كلها بدون أية تحفظات والقومية الغربية جزء منها) (ص 29).
هذا هو ملخص المحاضرة الأولى لتوينبي: ولكن..
إنه لمنطق عجيب أن يدعي توينبي بأن مصطفى كمال أتاتورك خدم العالم الإسلامي! ! أية خدمة هي التي يقول عنها توينبي قبل قليل، إن أتاتورك أزال الدين الإسلامي! ! وحرر المرأة! ! وذلك يعني بأنه أخرجها من سترها وحشمتها سافرة عارية، وأصبحت سلعة رخيصة كما هي حال المرأة في الغرب.(1/498)
وأية خدمة قام بها مصطفى كمال بتغيير الحروف العربية ووضع بدلها الحروف اللاتينية! ! ولكن العجب ينقضي عندما يعلم المسلم: أن هذا هو منطق الحاقدين على الإسلام وأهله، خدمته هي القضاء عليه! والكلام لا يحتاج إلى طول تعليق.
وأما المحاضرة الثانية والتي عنوانها: (الإسلام والغرب والمستقبل) فلا أريد التعرض لكل ما ذكره توينبي فيها، بل أكتفي بالتركيز على موضع الشاهد من القصة التي أوردتها في البداية.
بعد غزو الغرب للعالم الإسلامي، فإنه انقسم إلى قسمين شأنه في ذلك شأن كل المجتمعات المغلوبة التي تواجه مجتمعاً آخر متحضراً، وفي هذا يقول توينبي كما هو في النص المترجم: (كلما واجه مجتمع متحضر مثل هذا الموقف - أي: الغزو - أمام مجتمع متفوق آخر نجد طريقين لا ثالث لهما للرد على هذا التحدي فريق أصبح متمسكاً متحمساً متعصباً (ZEALOT) وفريق ثاني أصبح مقلداً متكيفاً (HE r ODION)، ويعرض توينبي الفريق الأول (المتحمس) بأنه الإنسان الذي يتهرب من الشيء المجهول ويلجأ للشيء العادي المتعارف عليه.
ويذكر أن ممثلي هذا الطريق - المتحمس - في العالم الإسلامي المعاصر: (هم تلك الحركات السلفية أمثال السنوسية في شمال أفريقيا، والوهابية في أواسط شبه جزيرة العرب).
ويعتبر أن من الخصائص الملحوظة عند هؤلاء المتحمسين هي أن معاقلهم تقع في مناطق مجدبة قليلة السكان، بعيدة عن الطرق الرئيسية الموصلة إلى العالم الحديث.
ثم يذكر أيضاً من الأمثلة على المتحمسين في العالم الإسلامي: الإمام (يحيى حميد الدين) في صنعاء، ومن الأمثلة على المقلدين التي يذكرها توينبي: محمد على باشا - في مصر، ومصطفى كمال أتاتورك.
وكما ذكرت فيما سبق من حرصي على نقل مقاطع مترجمة حرفياً من أقوال توينبي ليكون القارئ على بينة من نظرة الحقد التي ينظرها الصليبيون إلى العالم الإسلامي، وما تخفي صدورهم أكبر تجاه الحركات الإسلامية الأصيلة، حيث يصفها بالتعصب والتحمس وعدم استعمال العقل والتفكير...
وفي حالة حصول المواجهة بين الغرب وأولئك المتحمسين المتعصبين على حد تعبيره يقول: (ولكن المتحمس المسلح ببندقية أوتوماتيكية لم يعد ذلك المتحمس المتصوف التقي، لأنه باستعماله لأسلحة الغرب قد وطئ أرضاً دنسة، ولاشك أنه إذا فكر في الأمر -وقليلاً ما يفعل ذلك لأن سلوكه في الأساس غريزي غير عقلاني- يقول في نفسه: لن أتعدى الحدود التي وصلتها في تعاملي مع الغرب).
وفي مقطع آخر يقارن توينبي بين المقلدين والمتحمسين، فيتحامل على المتحمسين ويلمز بهم وينتقصهم، فيقول: (والواقع أن حركة المقلدين المسلمين هي أكثر فعالية وتأثيراً من حركة المتحمسين...
لهذا يلجأ المتحمس إلى الماضي كالنعامة التي تحاول وأد رأسها في الرمال لتختبئ من ملاحقيها، أما المقلد فيواجه الحاضر بشجاعة، ويحاول اكتشاف المستقبل، فالمتحمس تسيره الغريزة، والمقلد يسيره العقل).
ثم تعرض مرة أخرى إلى الحديث عن الثورة التي حصلت في تركيا- أي: في عهد مصطفى كمال -، وأن ثورته لم تقتصر على تغيير الدستور، فيقول: " قامت الجمهورية التركية الوليدة بخلع المدافع عن الدين الإسلامي - الخليفة -، وألغت منصبه، وجردت رجال الدين المسلمين، وحلت منظماتهم، وأزالت الحجاب عن رأس المرأة واستنكرت كل ما يرمز إليه الحجاب، وأجبرت الرجال على ارتداء القبعات التي تمنع لابسيها من أداء شعائر الصلاة الإسلامية التقليدية...
وكنست الشريعة الإسلامية بأكملها ".
كل هذه الأعمال التي قام بها مصطفى كمال تعتبر إصلاحية، وخدمة للعالم الإسلامي في نظر توينبي! ! ومهما حصل من أخطاء في طريقة التنفيذ فلهم عذرهم المقبول حسب رأيه، وفي محاولة تبريره لتلك الجرائم يقول توينبي: (ولقد قامت ثورة المقلدين الأتراك بهذه الروح فواجهت عقبات ضخمة ومعاكسات شديدة، حتى أن أي مراقب متفائل يضع في حسابه احتمالات قيام أخطاء فاحشة بل حتى جرائم، ويرجو للثورة النجاح في القيام بأعبائها الهائلة).
ومن الشعوب التي يعتبرها أيضاً من المتحمسين المتعصبين: قبائل الباتان التي قامت ضد الطاغوت الذي كان يحكم أفغانستان الملك (أمان الله)، ثم يتحدث عن نوعية الاصطدامات التي تقع بين المتحمسين من المسلمين والمقلدين الذين ينتسبون للإسلام ظاهراً ويعادونه خفية وباطناً، بل ربما تنكروا للإسلام ظاهراً وباطناً، يقول: (ويمكن أن نلاحظ في سياق بحثنا أن أي اصطدام وقع ويقع بين المتحمسين وأبناء جلدتهم من المقلدين المسلمين، يلقى المتحمسون فيه عناء شديداً، ويعاملهم المقلدون معاملة قاسية لا يتجاسر الغربيون على القيام بها، فالغربيون يعذبون المتحمسين بالسياط، أما المقلدون المسلمون فيعذبونهم بالعقارب).(1/499)
والأمر الذي يخشاه توينبي ويحذر من عودته هو الوحدة الإسلامية وعودة الإسلام إلى الساحة مرة أخرى كما كان عليه من قبل ليلعب دوره الرئيسي في القضاء على الفساد الناتج عن امتداد الغزو الغربي الذي يرافقه التفرقة العنصرية، والاختلال الطبقي وغيرها من مفاسد الحضارة الغربية، وفي ذلك يقول توينبي: (أما في المستقبل البعيد: فيمكن التكهن باحتمال قيام الإسلام بالإسهام في أوجه جديدة للدين، وهذه الاحتمالات المتعددة تتوقف على الوجهة السعيدة التي سيتمخض عنها وضع الإنسانية الحاضر) (ص 68).
ثم يقول: (صحيح أن هذه الإمكانية المدمرة للإسلام لا تظهر الآن حتمية الوقوع؛ لأن الكلمة المؤثرة (الوحدة الإسلامية)..
بدأت مؤخراً تفقد سيطرتها التي كانت على عقول المسلمين)، ثم يقول: (فحركة الوحدة الإسلامية نفسانياً هي الدعوة المثلى التي تسري في عروق المسلمين المتحمسين أمثال الوهابيين والسنوسيين، إلا أن هذا الاستعداد النفسي للوحدة يصطدم بعقوبات تكنيكية) (ص 68).
ثم يعبر عن خشيته من عودة الوحدة الإسلامية بعبارات واضحة جلية، وهذا ما يختم به محاضرته فيقول: (صحيح أن الوحدة الإسلامية نائمة، ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ، إذا ثارت البروليتاريا العالمية للعالم المتغرب ضد السيطرة الغربية، ونادت بزعامة معادية للغرب، فقد يكون لهذا العداء نتائج نفسانية لا حصر لها في إيقاظ الروح النضالية للإسلام، حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف، إذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام.
هناك مناسبتان تاريخيتان كان الإسلام فيهما رمز سمو المجتمع الشرقي في انتصاره على الدخيل الغربي، ففي عهد الخلفاء الراشدين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم : (حرر الإسلام سورية ومصر من السيطرة اليونانية التي أثقلت كاهلهما مدة ألف عام تقريباً)، وفي عهد (نور الدين) و (صلاح الدين) و (المماليك): احتفظ الإسلام بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول، فإذا سبب الوضع الدولي الآن حرباً عنصرية، يمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى، وأرجو ألا يتحقق ذلك (ص 73).
أخي القارئ الكريم: هذا هو كلام المؤرخ الأوربي الشهير الذي يُعتبر أسوة لأبناء جلدته ومن شاكلهم في الحقد على هذا الدين وعلى تلك الحركات الأصيلة، وهذه الكلمات التي يختم بها محاضرته: (أرجو ألا يتحقق ذلك)! ! يرجو ألا تعود الوحدة الإسلامية؛ لتقف الأمة في مكانها الرائد، ولتقوم بدورها المطلوب في إنقاذ الشعوب وتحريرها من سيطرة الطواغيت والأنظمة الجاهلية بكل مسمياتها، وإعادتها إلى نظام توحيد الألوهية الذي دعت إليه جميع الرسل، وتنفيذ قول الله - عز وجل -: (إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ).
إن مما يغيظ الحاقدين على الإسلام ويثير حنقهم: تلك الحركات التي يتهمها بالتعصب والحماس...
الوهابية والسنوسية وقبائل الباتان، تلك الحركات التي يحكم توينبي بأن نهايتها الموت المحقق والفناء الكامل، لأنها تواجه الحضارة الغربية.
ولقد خيب الله - تعالى -ظن توينبي وأمثاله؛ إذ ظنوا أنهم سيقضون على الأصوات التي ارتفعت تنادي بالعودة إلى شرع الله والأيادي التي حملت السلام لتذود عن دين الله.
ظن أن ما فعله محمد علي باشا بإشارة من الإنكليز والفرنسيين في ضرب الحركة الوهابية في عقر دارها، ظن أنها ستنتهي إلى الأبد، وهيهات له ذلك، فلقد تأثر بأفكار محمد بن عبد الوهاب معظم الحركات الإسلامية في شرق العالم وغربه.
وظن أن ما فعله الملك (أمان الله) مع قبائل الباتان في قيامه ضدهم وتعاونه مع الانكليز للقضاء عليهم في أفغانستان ظن أنهم قد قضي عليهم وانتهوا، فكيف لو اطلع توينبي ورأي ما يحدث بأفغانستان على أيدي من يصفهم بالمتعصبين المتحمسين، من مواجهتهم لأظلم وأشرس وأشد طواغيت الأرض من الشيوعيين، لقد أرغم هؤلاء المتحمسون أنف الروس والشيوعيين وأذاقوهم كؤوس المنون وبالرغم من كل ما تعده من مكر الليل والنهار.
ونسأل الله أن يجعل كيد الخائنين في نحورهم، فما كان الروس يتوقعون أن تحدث لهم مثل هذه المذلة باحتلالهم لأفغانستان، الذي كانوا يظنونه: أن احتلال أفغانستان كسب مهم لروسيا وخطوة عملية بضمهم أفغانستان للإمبراطورية الشيوعية، وذلك لكثرة خيرات أفغانستان وثرواتها، ولكن (رُب حتف امرئ فيما تمناه).
إنني أهيب بالمخلصين من دعاة الإسلام وحملة رايته بشتى أصنافهم، شيباً وشباباً، علماء وطلاب علم، وأدعوهم إلى أن يتمثلوا موقف الخليفة الراشد مجدد القرن الأول عمر بن العزيز -رضي الله عنه- في كل ما يغيظ أعداء الله وأعداء هذا الدين [1].(1/500)
فلنقوِّ ونؤازر كل ما يغيظ أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبذلك ننال رضى الله - تعالى -، ونحقق معنى الموالاة لأولياء الله والبراءة من أعداء الله، وبذلك يتحقق قول الله - عز وجل -: (لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ)، وقوله - تعالى -: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، ثم لينطلق لسان المؤمن بربه وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - بعد قراءة هذا المقال بقول الله - تعالى -: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
ـــــــــــــــــــ
(1) انظر مجلة البيان العدد الثالث، حيث ورد كلام مفصل عن التجديد في عهد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(2/1)
(2/2)
مصطلحات أراد الغرب نشرها :
"الإسلام السياسي" مصطلح غريب على الفهم الإسلامي
حامد بن محمود آل إبراهيم
قرأت في الحبيبة المجتمع كلمات تبدو بسيطة في طرحها، ولكنها تحمل مضموناً خطيراً جد خطير، مثل "الإسلام السياسي" و"رجال الدين الإسلامي" و"أفكار أصولية" ونطرح هنا عرضاً ومناقشة لمثل هذه المصطلحات حتى يتبين الحق، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، ونستغفر الله، ولن نذكر في أي مقال ولا أي عدد حتى نجعل الأمر خالصاً لله.
إن المصطلح يجب أن يكون جامعاً مانعاً، أي جامعاً لكل ما هو تابع له، مانعاً لما هو مخالف له من الدخول تحت عباءته، كما يقول علماؤنا الأفاضل.
استخدم مصطلح الإسلام السياسي، وهذا المصطلح غريب على الفهم الإسلامي الصحيح، واستخدم حديثاً لأسباب لا تخفى.
والقرآن الكريم تناول أموراً توضح أن ما يسمى سياسة هو من صميم الإسلام، فليس في الإسلام "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" بل إن ما لقيصر أيضاً لله.
فعلى مستوى الأفراد نفسياً، نجد: فلا وربك لا يؤمنون حتى" يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65) (النساء).
وعلى مستوى الأفراد، قضائياً وحكماً جنائياً، نجد: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم 33 (المائدة).
وعلى مستوى الجماعات والدول، نجد: إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى" مدتهم إن الله يحب المتقين (4) (التوبة).
قد يقول قائل: إن من الأصول إذا حاورنا أصحاب فكر ما، أن ننقل مصطلحهم على الأقل، حتى نتبين كيف يفكر الآخرون.
ولكن من هذه الأصول، بل هو من جذور هذه الأصول، إن صح التعبير، أن يُلزم الطرف الآخر بالاعتداد بمصطلحات وأصول الطرف الأول، أي أن على المحاور للفكر والأيديولوجية والعقيدة الإسلامية، أن يلتزم بمعنى ومصطلح الإسلام لأمر من الأمور، حتى لا تميع القضايا.
قد يقول قائل: إن للقضية أبعاداً أخرى غير التي نراها من بعيد، ولا شك أن الاعتداد بالأبعاد الأخرى والأبعاد التي لا نراها من بعيد، يمثل أصلاً من أصول المناقشات العلمية، والتحليل المنطقي لأية قضية أو مشكلة.
فهل علينا إذا حاورنا أصحاب الفكر الشيوعي الماركسي أن ننقل مصطلحهم "على الأقل حتى نتبين كيف يفكر الآخرون".
أو إذا حاورنا أصحاب الفكر الرأسمالي أن ننقل مصطلحهم "على الأقل حتى نتبين كيف يفكر الآخرون".
والتفريق بين أطياف مختلفة لا يكون باستخدام مصطلحات لها ظلال سيئة.
ففي الصحافة مثلاً يقولون "الإسلام الروسي".
نقول المسلمون في روسيا
أو جماعة من المسلمين السنة
أو جماعة من المسلمين الشيعة
أو جماعة من المسلمين الصوفية.
أو نقول الجماعة الإسلامية المسماة كذا، وكذا تحدد منهاج تلك الجماعة:
فمنهم من يركز على الأعمال الخيرية
ومنهم من يهتم بالنواحي التعبدية
ومنهم من يهتم بالنواحي السياسية
ومنهم من يهتم بالنواحي الرياضية
ومنهم من يهتم بالإسلام شاملاً كاملاً، حيث لا يوجد إسلام على كل لون وشكل!!
لأننا إذا فعلنا ذلك، وتابعنا كل ناعق، تحول الأمر لمن يقرأ فكرنا، ألا يظهر له إلا مسخاً لا وجه ولا ذنب.
لقد أصر المستشرقون على تسمية المسلمين "محمديون" اقرأ إن شئت، القواميس الإنجليزية وغيرها.
ولكن إصرار المسلمين، علماء ومفكرين، على رفض هذا الاسم والمصطلح، أدى إلى التزام أكثر المستشرقين والغربيين عموماً باستخدام المصطلح الإسلامي ونبذ المصطلح المغرض!! فالحقيقة أن الكنيسة تعجبت من عالمية الإسلام، وأنه غير مرتبط بشخص رسوله، فالمسيحية من المسيح، والنصرانية من الناصرة، حيث ولد المسيح {، والماركسيون من ماركس مبتدع الماركسية، أما "المسلمون" فهو اسم لا علاقة له باسم رسول الإسلام، فإذاً الناظر يستشعر الفرق، ويحس العالمية، ولو قرأ وجد "يا أيها الناس"، ولم يجد يا أيها العرب، أو يا أيها الترك، فكانت غصة حاولوا ابتلاعها بالتزوير.
قد يقول قائل: ليس معنى إنكاره أن يبطل الآخرون طرحه، ولكن كما يرى المتابع لمثل هذه المصطلحات، أن إنكارها سوف يؤتي، إن شاء الله، ثماره ولو بعد حين.
ذلك هو سبب إحساسنا العميق بوجوب الالتزام بالحق، حتى يستجيبوا كما حدث في اسم الدين. إن مصطلح الإسلام السياسي، مصطلح خبيث، يطول شرح ما تحته في هذه العجالة.
ويقولون: رجال الدين، ولا يوجد في الإسلام رجال دين، بل يوجد علماء دين، وهذا ليس تنطعاً، فالمصطلح مرة أخرى معبأ بما استخدم فيه، ولا يتصرف إلا لما عرف به.
فكلمة "رفيق" مثلاً كلمة عربية فصيحة لا غبار عليها، ولكن عندما استخدمها الماركسيون بديلاً عن كلمة "الأخ" لأنها كلمة أصبحت مصطلحاً للإخوان المسلمين، لزم استخدام مصطلح آخر ميزهم عن غيرهم، وفي دول الخليج عندما استخدمت العمالة الوافدة كلمة "رفيق" رفضها المثقفون الخليجيون واستبدلوها بكلمة "صديق".(2/3)
كذلك رجل الدين في الفهم الكنسي له صلاحية الحديث باسم الأب، باسم الله، ولا يستطيع أي شخص أن يدخل في سلك رجال الدين إلا عن طريق الأكلريوس الكنسي، أو ما شابه تبعاً لكل كنيسة.
في الإسلام لا يوجد مثل هذا الأمر، بل إن كل من درس دراسة منهاجية يعتد به كعالم من علماء المسلمين، ولا يحق لأحدهم أن يتكلم باسم الله، بل الكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المصطفى {صاحب هذا المقام، كما كان يقول الإمام مالك عليه رحمة الله.
وكما ترون إن فتح باب المصطلحات غير المنضبطة لا يمكن إغلاقه، وترديده سوف يمنحه مع الزمن صفة الوجود والحياة:
إسلام المناسبات،
إسلام المشروعات السياسية،
الإسلام السياسي،
الإسلام الروسي
وهكذا دواليك!!
وأفكار "أصولية"، هذا المصطلح كذلك سيئ، فهو كنسياً له معان الإسلام يعد بعيداً عنها، حيث يعني عندهم الجمود على عصر الإقطاع قبل عصر النهضة والتنوير في أوروبا.
ولكنه محترم إسلامياً حتى إن أحد أمراء الخليج رفض استخدامه في أحد مؤتمرات وزراء الداخلية العرب، ثم اختار الأمريكان مسمى "الإرهاب" بديلاً.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
-===========(2/4)
(2/5)
هل هناك غزو ثقافي مدبر ..
كيف يرى العقل الغربي الثقافة العربية ؟
محمد الدعمي
يبدو للمتابع أن المنطلق الأساس لثقافة العصر الذهبي للكولونياليات الأوروبية الزائلة كان يرتكز على الاعتقاد السائد بأن الثقافة العربية، بضمن الثقافات الشرقية عامة، إنما هي ثقافة ضعيفة غير مبنية على أسس تجريبية موضوعية وعلمية.وقد أدى كتاب (ألف ليلة وليلة) دورًا سلبيًا في تأسيس هذه الآراء وترسيخها، بالرغم من شيوع هذا العمل التراثي وبرغم الإعجاب الشديد الذي حظي به في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ نهايات القرن الثامن عشر.لقد ساد الاعتقاد، بسبب طبيعة الصور التي عكسها هذا الكتاب (الليالي العربية، كما يفضلون تسميته) إلى حد كبير، في أن المجتمع العربي إنما هو مجتمع مؤسس على الخيال والخرافة، السحر والشعوذة، مجتمع يمور بسلاطين طغاة وأفراد قدريين من نمط علاء الدين وسندباد والشاطر حسن.
لاشك في أن خلاصات الثقافة الغربية حول ثقافة مجتمع من هذا النوع تكون خلاصات تركز على أن العقل العربي هو عقل غيبي، عقل ينزع إلى اللاعلمية وإلى أفكار «النصيب» والتنجيم والقدرية. وبكلمات أخرى، فرضت (الليالي العربية) على الذهنية الغربية تصورًا يصعب استئصاله يفيد بأن الثقافة العربية إنما هي ثقافة لا علمية غير قادرة على العقلنة والتمنطق الجدلي شأنها في ذلك شأن جميع ثقافات الأقوام السامية. وقد عبّر المستشرق الكبير «إرنست رينان» r enan و«الكونت غوبينو» Count Gobineau وغيرهما من أتباع ومروجي «الأسطورة الآرية» عن ذلك بوضوح عبر العديد من مداخلاتهما، واضعين بذلك حجر الأساس للفكر النازي، ربما على نحو غير واع. لقد عكس «غوته» Goethe مكافئًا لهذا الاعتقاد بتعميمه التحجيمي أن «ممتلكات العرب هي الخيمة والعمامة والسيف»، في اختزال مخل للحضارة العربية. وقد اقتبس الكاتب الإنكليزي «جيمس ميو» هذه المقولة التحجيمية على سبيل «خدمة» الثقافة العربية بإضافة «ممتلك» آخر لثالوث غوته أعلاه، وهو «الحكاية». ولا يبتعد أبو الاستشراق الأمريكي «رالف والدو إمرسون» عن هذه الأفكار عندما يعلن أن «الدين والشعر هما كامل حضارة العرب». وإذ يذهب مفكر مثل ميو إلى أن الخرافات والخيال قد حولت أرض العرب إلى «ِجنّستان» (أي أرض الجن)، فإنه لمن المؤسف حقًا أن نلاحظ تواصل هذا الاعتقاد في عصرنا الحالي. لاحظ التصاق كبار المستشرقين المعاصرين بهذه المفاهيم المنمطة، مثل «برنارد لويس» و «هولت»، وهم مستشرقون جامعيون بسطوا سطوتهم الفكرية عبر الأكاديمية وليس الصحافة.
وقد آل هذا الاعتقاد الوراثي الراسخ إلى التمادي في التشويه المتعمد للتراث الثقافي العربي والإسلامي عن طريق تسفيه هذا التراث واختلاق المبررات لإهماله وللإقلال من شأنه من قبل الإدارات الاستعمارية الطارئة، ومن ثم من قبل العرب أنفسهم بعد انحسار موجة الاستعمار العسكري المباشر لصالح حركة الاستعمار الاقتصادي الجديد. وبرغم هذا ينبغي الرجوع إلى إرث حركة الاستعمار المباشر، تتبعًا لجدل الهيمنة الثقافية التي أرادت الإمبراطوريات فرضها على العرب. يقول «اللورد ماكولي»، في خطابه الافتتاحي في كلية غلاسكو (21 آذار/مارس 1849م): «لقد تم تأسيس جمعيتكم هذه قبيل اضمحلال إمبراطورية الشرق (يقصد دولة الخلافة العربية) بقليل، تلك الإمبراطورية التي - وهي تديم حياةً ضئيلة عبر العصر المظلم - واشجت بين عصري الاستنارة العظيمين... وحافظت - في وسط البربرية - على تلك الأعمال العظمى للعبقرية الأوروبية، تلك الأعمال التي لم تزل موضع تأمل أسمى العقول»، مختزلاً دور الثقافة العربية الإسلامية بعملية المحافظة على الثقافة الأوروبية دون الإضافة الإبداعية عليها، بطريقة تعسفية.
وتأخذ عملية الغزو الذي شن على التراث الثقافي الإسلامي أوضح معالمها في خطابات اللورد ماكولي الذي كان موظفًا بالإدارة الإمبراطورية في الهند. ولكن على الرغم من أن أحاديث من هذا النوع تعكس لنا ما كان يدور في خلد الإدارات الإمبراطورية في تناولها للمواضيع الثقافية والتربوية، فإن هذه المرآة تعكس لنا كذلك منطقًا وخطابًا يستخدمهما الإداريون في مخاطبة أبناء الأمم المغلوبة على سبيل هز ثقة هؤلاء بإرثهم الثقافي وتثبيط هممهم واحترامهم لتراثهم. وليس من شك بأن هذه العملية إنما تهدف إلى إزالة التواصل بين الإنسان المغلوب المعاصر وثقافته التي تدعم حلمه الوطني بالتحرر أو بالوحدة، حيث تترافق هذه العملية بتقديم «بديل ثقافي» ليحل محل الثقافة المحلية. وقد تمتد هذه العملية إلى محاولات إلغاء الثقة، ليس بالعلوم المكتوبة باللغة العربية، بل بهذه اللغة نفسها. لهذا يدعو ماكولي إلى تكوين وتنمية نخبة من سكان البلاد المستعمرة، وهي نخبة تتلقى ثقافة غربية لتبرير طرائق التاج البريطاني لسكان المستعمرات، زيادة على تيسيرها الانزلاق نحو ثقافة «الآخر» بتعام.(2/6)
قد يبدو أن هذه الطرائق الفوقية المتعالية في تناول الثقافة المحلية بنظرة دونية كانت تسود آليات العقل الغربي في القرون الماضية فقط بسبب الانتشاء الذي تسبب به عصر الاستعمار، بيد أن تفحص بعض الأدبيات الغربية المعاصرة المتخصصة يؤكد أن هذه الآلية في التفكير، وهي آلية ترنو إلى نسف الثقافة المحلية للأمم المستضعفة وإلى إلغاء دورها في تنمية وتطوير هوية ثقافية قومية ترتكن إلى إرث ثقافي يستحق، لم تزل فاعلة حتى يومنا هذا. إنها آلية قابعة في قعر العقل الغربي، تظهر للعيان في حالات معينة وفي مناسبات جدلية استفزازية. إننا إذا ما تمكنا من استنباط مثل هذه الأفكار في الثقافة الغربية المعاصرة، نكون قد نجحنا في التيقن من افتراضاتنا أولاً، ومن استمرارية طرائق التفكير الاستعماري المتعالي نحو ثقافتنا ثانيًا، باعتبارها طرائق تفكير نجحت في اجتياز اختبار الزمن.
يقدم الأستاذ برنارد لويس (جامعة برنستون - الولايات المتحدة الأمريكية) في كتابه المهم (التاريخ: مستذكرًا، مستعادًا، مخترعًا)، البينة والتبرير المعاصر على تواصل أنماط التفكير الغربي الاستعلائي في تناول الثقافات الشرقية، والثقافة العربية بضمنها بطبيعة الحال. إنه لا يكتفي بمحاولة تسفيه التراث والتاريخ المحلي للأمم المغلوبة في آسيا وإفريقيا فحسب، بل أنه يتمادى إلى حد الادعاء بأن هذه الأمم لا تمتلك ثقافات قومية ذات ملامح وأصول راكزة تؤهلها لامتلاك هوية قومية. تبدأ منظومة لويس الجدلية من الإعلان بأن الإغريق القدماء هم الذين قسموا العالم إلى أوروبا من ناحية، وآسيا وإفريقيا من الناحية المقابلة (جدل : شرق - غرب). أي أن الإغريق القدماء (الأوربيين، الآريين) هم الذين أطلقوا على الأمم الشرقية الأسماء التي تُعرف بها الآن. وحيث يقود هذا الرأي لويس إلى الاعتقاد بأن هذه التسميات (أو الهبات الأوروبية) تدل على عدم امتلاك الأمم الآسيوية والإفريقية لأي وعي بوجودها أو تفردها، فإنه يذهب إلى الاعتقاد بأن هذه الأصقاع (المسماة آسيا وإفريقيا) لا تمتلك هويات ثقافية محددة كما هي عليه الحال بالنسبة إلى الثقافة الأوروبية. يقول لويس: «من بين القارات الثلاث، أوروبا فقط مثلت نوعًا من كيان تاريخي. وهو كيان ذو ثقافة مشتركة مستقاة من جذور إغريقية-رومانية ويهودية- نصرانية؛ وهو كيان ذو شعور مشترك بهوية متفردة تختلف عن بقية العالم».
يستأنف برنارد لويس جدله هذا موحيًا بأن أوروبا، ذات الهوية الثقافية الحقيقية، هي الكيان الصغير الذي يمتلك عقلاً، وأن آسيا وإفريقيا هما الكيانان الكبيران جغرافيًا واللذان لا يمتلكان ثقافة تخصهما. لذا فإنه يكتب، متعسفًا بالحقيقة التاريخية، قائلاً: «في القارات الشاسعة التي أطلق الأوروبيون عليها اسمي آسيا وإفريقيا، لم ولن يظهر إحساس بالهوية، إحساس يمكن مقارنته بالإحساس الأوروبي بالهوية». وتأسيسًا على هذا الجدل المنبعث من أن الآسيويين والأفارقة اكتسبوا هذه التسميات كهبة من الأوروبيين، وهو الجدل الذي يؤول إلى أن هؤلاء لا يمتلكون جذورًا ثقافية محددة، فإن الطريق تصبح سالكة لتبرير وتمرير الغزو الثقافي الذي تفرضه الثقافة الغربية بجميع إفرازاتها العلمية والتقنية والاجتماعية والاقتصادية. لاحظ أن لويس يخلص إلى أنه «في العصر الحديث فقط، تمكن التأثير الأوروبي وتمكنت القوة الأوروبية، وأخيرًا البحث العلمي الأوربي من إقناع سكان آسيا وإفريقيا بأنهم آسيويون، وإفريقيون، وبأن هذه حقيقة تنطوي على دلالات سياسية وتاريخية».(2/7)
تفضي هذه المقاربة بين بعض افتراضات الثقافة العربية المعاصرة التي نستظل بها من ناحية، وأفكار بعض المثقفين الغربيين بعد عصر الاستعمار من الناحية الثانية، إلى وجود «غزو ثقافي» محسوس ومشخص من ناحية ثقافتنا، وهو غزو نصف مدبر ونصف تلقائي من ناحية ثقافتهم التي تحيا اليوم أوج تأثيرها بسبب التقدم التقني والمادي الذي أحرزته الأقطار الغربية خلال القرون الأخيرة. ولكن لا ينبغي التمادي في كيل الاتهامات جزافًا إلى الثقافة الغربية، ذلك أني أميل إلى الاعتقاد بأن تدبير الغزو الثقافي وتخطيطه هما حقيقة موجودة، ولكنها، من ناحية أخرى، ليست بهذه الدرجة من «التآمرية» التي قد يصورها لنا بعض الكتّاب الانفعاليين هنا. إن الغزو الثقافي الغربي اليوم يشبه إلى حد بعيد «الحركة الشعوبية» التي برزت بقوة إبان العصر الذهبي للحضارة العربية- الإسلامية. ولكن الشعوبية، برغم أساليبها ومثالبها وضغائنها، لم تتمكن من تسفيه ونسف أسس الثقافة العربية ومقومات تواصلها نتيجة لقوة هذه العناصر ولقدراتها التوليدية. ويحق ذات القول على الغزو الثقافي اليوم، إذ إن الثقافة العربية الإسلامية تمتلك من عناصر القوة ما يجعلها قادرة على البقاء، وعلى مواجهة الأزمات والهجمات. إن مسببات تشجيع الغزو الثقافي من قبل الغرب تركز بقوة على الأساليب الاستهلاكية والأنماط السلوكية التي يضخها الغرب سوية مع صادراته المادية الرئيسة. كما أنها تنطلق كذلك من عوامل الضعف في طرائق العناية بتراثنا الفكري، إضافة إلى إهمال الأساليب التربوية في توعية الشبيبة والنشء العربي بالجوانب المشرقة لثقافتنا على سبيل استلال الموجب منها بدلاً من السالب، والمستنير بدلاً من المستكين.
إن الشباب العربي والمسلم هو أكبر شرائح المجتمع تعرضًا لمعطيات الغزو الثقافي، مدبرًا كان أو تلقائيًا، وهذه نتيجة طبيعية لميل هذه الشريحة المهمة والكبيرة إلى الجديد والمبهرج، وهي صفات صحية لدى الشباب المتطلع والمتوثب، ولكنها بحاجة إلى توجيه وعناية حكيمة ورشيدة ومركزية. ولا ريب في أن هذه العناية لا ينبغي أن تأخذ شكل الوصاية على الشباب والنشء، لأن الوصاية والقسر قد يؤديان إلى التمرد. ينبغي لمؤسساتنا الثقافية والتربوية ألا تشعر الشبيبة بالضغط وبخنق الحرية في الاطلاع والانتقاء. كما ينبغي عليها كذلك ألا تتمادى كثيرًا في «فتح الأبواب» بلا ضوابط وبلا تنقية للنتاج الثقافي الغربي من الشوائب، إن بناء الشخصية الثقافية العربية المعاصرة يتطلب الكثير من الحماية وتقوية الإرادة القومية والروحية، وإلى الكثير من ترصين المناعة الأخلاقية والحصانة الفكرية والسلوكية لدى الشباب. هذه ضمانات تجعل الشبيبة قادرة على مواجهة الدخيل المستورد بعقل مفتوح ولكن غير راضخ وغير سلبي، وهي عوامل مهمة واسعة تتطلب العناية بمناهج التربية والتعليم والمعارف عبر العالم العربي في المراحل الدراسية المختلفة، كما تتطلب هذه المهمة الحساسة الاهتمام برصد قنوات الضخ الثقافي الغربي عبر وطننا العربي الكبير.
----------------------------------------------------
المصادر
* Al-Da'mi، Muhammed.A r abian Mi r ro r s and Weste r n
Soothsaye r s.New Yo r k:Pete r Lang Publishing، 2002.
*Ali، Muhsin.Schehe r azade in England:A Study of Nineteenth
-Centu r y C r iticism of the "A r abian Nights".Washington،
D.C.:Th r ee Continents P r ess، 1981.
* Bu r ton، r icha r d F."Te r minal Essay"، in The Book of the
Thousand Nights and a Night.Vol.VIII.London:H.S.
Nichols Ltd.، 1897، 59-230.
* Lewis، Be r na r d.Histo r y: صلى الله عليه وسلم emembe r ، Recove r ed، Invented.
P r inceton:P r inceton Univ.P r ess، 1975.
* Macaulay، Thomas Babington.The Complete Wo r ks of Lo r d
Macaulay. 12 vols.N.Y.:AMS P r ess، 1980.
* Shaheen، Jack G.The TV A r ab.Bowling G r een:Bowling G r een
State Univ.P r ess، 1984.
http://www.alma r efah.com المصدر:
============(2/8)
(2/9)
رداً على الأستاذ ديلواني:
حوار بين أمريكا والإسلاميين وتقارب!!
ياسر سعد
28-4-2005م
هل ثمة تقارب وحوار بين أمريكا والإسلاميين ..فليكن ذلك؟!
قرأت باستغراب كبير ما كتبه الأخ طارق ديلواني "هل ثمة تقارب وحوار بين أمريكا والإسلاميين..فليكن ذلك؟!"، وشعرت بألم شديد، فالحملات الإعلامية والنفسية الغربية الشرسة علينا قد أصابت منا مقتلاً، والتراجع عن الثوابت يكاد يحيق بالنخبة فما بالك بالعوام والبسطاء، ففي فترة متقاربة خرج علينا مفكر من طراز رفيع يطالب بتجميد الحدود، ورأينا عالماً كبيراً يترحم على بابا الفاتيكان، ويدعو له بالمثوبة، ويثمن نشاطه في بلاد المسلمين أمام ملايين من المشاهدين، ومن بعد تخرج علينا مقالات يكتبها من نحسبهم من خيرة الأقلام تدعو إلى أمور عجيبة، وإجتهادات غريبة، وقبل أن أناقش الأستاذ طارق في ما كتبه وذهب إليه؛ فإنني أود أن أوجه التحية للأستاذ علي حسين باكير على رده الموفق والمسدد، والذي أتفق معه في كل ما جاء فيه.
برأيي الشخصي أن ما يدفع أمريكا إلى الجهر بالدعوة إلى حوار الإسلاميين - إضافة إلى ما كتبه الأخ باكير - قد يكون من أسبابه ما يلي:
- أمريكا تريد شق الصف الإسلامي، واستخدام تيار إسلامي ضد آخر مستفيدة من تجربة بعض الأنظمة العربية، والتي لم تنجح في تدجين حركات إسلامية كبيرة فحسب؛ بل إنها وظفت تلك الحركات لتهدئة الشارع العربي، وربما تدجينه في مفاصل مهمة في تاريخ المنطقة مثل: بدايات الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق.
- المقاومة العراقية والأعداد الغفيرة من الاستشهاديين - الانتحاريين حسب التوصيف الإعلامي الغربي والعربي التابع له - والتي نجحت في إثارة الرعب والهلع في قلوب الأمريكيين، وربما دفعتهم للتفكير جدياً بالهروب من المستنقع العراقي مما سيؤدي إلى انهيار مخططاتهم في السيطرة على المنطقة، فالسبيل الأجدى في مواجهة التيارات الجهادية يكون في فتح حوار مع الإسلاميين، فهم الأقدر على تهدئة الشباب المسلم من خلال دعوتهم وربما فتاويهم الداعية للحوار حسب المأمول أمريكياً.
- النجاح الذي حققته بعض الأنظمة العربية في تحييد بعض الرموز الإسلامية - على محدوديتها عددياً -، والانتقال بها من صفوف المعارضة الداعية إلى الإصلاح الجذري إلى معسكر الموالاة والمواقف البغباوية الداعية إلى سلوك سبيل الحكمة، والذي هو في حقيقة الأمر تثبيت الأمر الواقع، وخدمة للأنظمة المتسلطة.
- النجاح الأمريكي الكبير في تجنيد تيارات إسلامية - إسلامية حسب زعمها - في العراق لتصبح أدوات في يد إدارة الاحتلال الأمريكي، وأحجار شطرنج على رقعتها تصرفها كما تشاء، كما حدث في مهزلة مجلس الحكم، ويحدث الآن في الساحة السياسية العراقية المثيرة للخيبة والاشمئزاز.
نعود لمقال الأخ طارق والذي حوى من العجائب والغرائب الشيء الكثير، فهو يقول: "وأتصور أن أولى خطوات محاولة الإجابة على السؤال تبدأ بضرورة مراجعة الرؤية التقليدية التي تستبد بنا حين نتحدث عن أمريكا والإسلاميين، باعتبار أن العداء والكراهية هو سيد الموقف، في حين أن أموراً تغيرت، ومياهاً جرت في نهر العلاقات بين "الشيطان الأكبر" و"الخطر الأخضر"، تقول: إن الحال لم يعد كما كان"، فما الذي تغير في الموقف الأمريكي حتى تتغير مشاعر العداء والكراهية؟، هل توقف القتل والاغتصاب والتدمير في العراق؟ أم توقف الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني؟ أم إن الهجمة الأمريكية على بلادنا تزداد ضراوة وشراسة من أفغانستان شرقاً حتى المغرب غرباً، والذي يشيد فيه الأمريكيون قواعد عسكرية، ويضيف الكاتب فيقول: "على أن النظرة الأمريكية للحوار مع الإسلاميين معنية فقط بالإسلاميين "المعتدلين" المتبعين لأسلوب العمل السلمي دون غيرهم، وهنا ينبغي الحديث عن عدة نماذج إسلامية مقبولة أمريكا لا تتعدى حدود النموذج الإخواني، وإسلاميي تركيا تحديداً، إلا أنه لا يمكننا أن نحصر النماذج التي ستعتمد أمريكا الحوار معها، ويمكن القول: إن أي تيار إسلامي يتمتع بالعقلانية والانفتاح على الحكومات والشعوب سيكون مرشحاً للحوار مع الأمريكيين"، فهل يريد الأخ الفاضل أن ينزع حقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال؟، وما هي العقلانية والانفتاح على الحكومات والشعوب والتي تؤهل تياراً إسلامياً لهذا الشرف الكبير "الحوار مع أمريكا"؟ ثم ألا يناقض الكاتب نفسه بالحديث عن حكومات دكتاتورية تريد أمريكا التخلص منها، ثم يعتبر مقياس العقلانية في التيارات الإسلامية بمقدار انفتاحها على تلك الأنظمة العفنة والدكتاتورية؟!.(2/10)
وفي فقرة أخرى كتب "في المقابل هناك مصلحة للقوى الإسلامية في الحوار مع واشنطن، إذ يعتبرها البعض فرصة تاريخية قد لا تتكرر، وعلى الإسلاميين استغلالها، بل والتمهيد لها، وتوفير البيئة المناسبة لإنجاحها، وذلك بإرسال إشارات ايجابية إلى واشنطن، ومن ثم تأهيل جماهيرييها لهذا التحول الجذري في سياستها تجاه "الشيطان الأكبر"، مثلما عليها مراجعة أدبياتها وأيدلوجياتها بخصوص الصراع مع الولايات المتحدة، ولعل أبرز السمات السلبية التي اتسمت بها الحركات الإسلامية فيما مضى كان قصر نظرها في التعامل مع القوى الدولية، وإغفالها بنا في ذلك الرأي العام العالمي، مثلما أغفلت أهمية التواصل مع الولايات المتحدة"، من هؤلاء البعض الذي يعتبرون الحوار مع أمريكا والتي دمرت العراق وأفغانستان فرصة تاريخية تتطلب تأهيل جماهير الحركة الإسلامية، وكيف سيكون إعادة التأهيل أن تقول لجماهيرها: لا تقاطعوا البضائع الأمريكية، لا تبكوا على قتلاكم في العراق وأفغانستان، ولا تنددوا بما حدث في أبي غريب وبوكا وغيرهما؟ وأين كان قصر النظر عند الحركات الإسلامية، هل كان المطلوب منها أن تتطلب من عناصرها عدم قراءة آيات القرآن، والتي تقول: (( ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم )).
وفي تناوله للتجربة التركية أهمل الكاتب عوامل محلية وإقليمية تختلف عن البلاد العربية، ففي تركيا والتي شهدت عقوداً من التغريب، ومحاولات مستميتة لطمس الهوية والشعائر الإسلامية؛ جرت انتخابات ديمقراطية حقيقية، أوصلت للحكم تياراً إسلامياً يحكم وسط حقول من الألغام والتربص به من قبل علمانيي الجيش، ومع ذلك فقد نجح في منع أمريكا من استخدام الأراضي التركية في غزوها للعراق، أضاف الكاتب في الحديث عن التجربة التركية: "حتى إنهم نفذوا الشروط والمطالب الأوربية حتى لو تعارضت مع الشريعة الإسلامية: كإلغاء عقوبة الإعدام!، فهل الحركات الإسلامية في الدول العربية مرشحة لتقبل كل ذلك؟"، فهل يعتبر الأخ الفاضل المواقف المتعارضة مع الشريعة الإسلامية من قبيل الانفتاح والعقلانية؟!.
العقبة الوحيدة في طريق الحوار الأمريكي مع الإسلاميين في رأي الكاتب تكمن في "إسرائيل"، والتي كتب محللاً عنها فقال: "وفي الحديث عن العقبة "الإسرائيلية" أمام نجاح أي حوار أو تقارب إسلامي أمريكي يجدر القول: إن موقف الحركات والتيارات الإسلامية من "إسرائيل" بدأ بالتغير والتحول، وثمة مواقف متعددة هنا، فموقف الحركات الإسلامية في تركيا مثلاً يختلف تماماً عن موقف الإخوان في الأردن ومصر، وربما للبعد الجغرافي دور لافت في ذلك، ومع ذلك فإن موقف حماس والإخوان في الأردن ومصر وبلاد الشام عموماً من إسرائيل موقف هلامي قابل للتغير والتشكل والتفكك في أي لحظة وفقاً للمتغيرات ورياح التغيير التي تحدثنا عنها"، يبشرنا الأخ طارق بالتحول والهلامية في مواقف الحركات الإسلامية حسب توصيفه من الدولة العبرية خصوصاً بعد أن حكمها في السنوات الأخيرة شارون، وأذاق الفلسطينيين ألوان الدمار والقتل والاغتيالات.
مقال الأخ طارق حفل بالألغام والإشارات غير الموفقة، والتي تنزع عن أي تيار يرى ما يراه ليس الصفة الإسلامية فحسب بل حتى الوطنية والإنسانية، فالجرائم الأمريكية في مناطقنا والعالم أكبر من أن تعد أو تحصى في مجلدات، وإذا كانت أمريكا قد أرغمت العراق على دفع التعويضات لاحتلال نظامه الكويت، وأجبرت القذافي على دفع مبالغ ضخمة لضحايا لوكربي، فإن المطلوب منا أن نطالب أمريكا بدفع التعويضات عما ألحقته ببلادنا وشعوبنا من الدمار والقتل والإرهاب، ونورث هذا المطالب لأجيالنا.
لست ضد الحوار من حيث المبدأ، غير أن المطلوب من أمريكا أولاً أن تتوقف عن ارتكاب جرائمها ضد شعوبنا وبلادنا، وأن تعتذر عنها، والمطلوب منا أن نتمسك بثوابتنا وعقيدتنا الإسلامية، إن لم يكن من أجل تحرير بلادنا فعلى الأقل لنحسب حساب يوم نلقى الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن العمل السياسي واجب ومطلوب، ولكن خطوطه الحمراء هي عقيدتنا وثوابتنا، ومن بعد حقوقنا والتي يجب علينا عدم التفريط بها، إن الحقوق لا تسقط بفعل الاختلال الكبير في موازيين القوى، ولا تموت بالتقادم، إنما تسقط بتنازل أصحابها عنها.
(( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)).
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=6600
=============(2/11)
(2/12)
أيها الإسلاميون ( المعتدلون )
احذروا الفخ الأمريكي!
د. فواز القاسم
لقد كان جوهر الاستراتيجية الغربية في منطقتنا العربية والإسلامية - التي يسمونها منطقة الشرق الأوسط - يرتكز في القرن الماضي على إيجاد أنظمة دكتاتورية عميلة لهم، من مهامها الأساسية:
حماية الكيان الصهيوني المزروع للتوّ في المنطقة، وذلك ريثما يقوى عوده، ويشتد ساعده، ويصير قادراً على الدفاع عن نفسه وعن عملائه!!
ثم سحق الشعوب العربية والإسلامية، وإفقارها، ومنعها من أن تمتلك قرارها وخيارها، أو تمتلك ناصية العلم والمعرفة، أو ترتقي إلى مصاف الشعوب المتقدمة في العالم!!
ثم السهر على مصالح الغرب الاستعماري في المنطقة، وفي مقدمتها حراسة النفط، مقابل تثبيت كراسيها، وتأبيد حكمها وحكم ورثتها، وإلقاء بعض الفتات التافه لها!!
ولقد نجحت تلك الأنظمة العميلة للغرب والأمريكان في منطقتنا في تحقيق الأهداف المرسومة لها أيما نجاح، ولكن سياستها القمعية كانت قد أفرزت جملة من المضاعفات الكارثية على الغرب والأمريكان معاً، ولعلّهم قد انتبهوا مؤخراً إليها، ومن أهمها:
أولاً: ظهور حركات إسلامية، انبثقت من رحم هذه الأمة المقهورة والمسحوقة، لم تعد ترى طريقاً للخلاص والحرية غير طريق الجهاد والاستشهاد، بعد أن طفح كيل الظلم الغربي والأمريكي والصهيوني وظلم عملائهم بحق أمتنا، وطال ليل العدوان الظالم علينا، وبلغ السيل الزبى، وجاوز الظالمون المدى، ولم يبق في قوس الصبر منزع، وسدّت جميع المنافذ والطرق المشروعة الأخرى!!
ثانياً: تزايد موجات الهجرة من الشرق العربي والإسلامي إلى الغرب الأوربي والأمريكي لأسباب كثيرة متعلقة بالظلم والقهر، والفقر والتخلف أيضاً، بحيث أصبح المسلمون في الغرب يشكلون هاجساً حقيقياً مقلقاً لأهل تلك البلاد، كما أصبح الدين الإسلامي الدين الثاني في تلك البلاد، وهو أمر ربما لا يروق لصانعي الاستراتيجية الغربية على الإطلاق.
ولمعالجة هذه الظواهر السلبية قبل استفحالها اختلفت الاستراتيجية الأمريكية مع الأوروبية، فقد اعتمدت الأولى أسلوب القوة والبطش العسكري وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر ) كأسلوب وحيد لسحق كل من تسول له نفسه تحدي الإرادة الأمريكية المتسيدة في العالم، سواء كانوا أفراداً، أم حركات، أم دولاً!!
أما الاستراتيجية الغربية، والتي تحتفظ بتراث استعماري طويل في المنطقة، وخبرة عميقة بشعوبها، فقد رأت في الاستراتيجية الأمريكية المتهورة في المنطقة خطراً عظيماً على المصالح الغربية ( فتح أبواب جهنم الغير قابلة للإغلاق، على حد قول الرئيس الفرنسي شيراك )، وبسبب هذا الخلاف فقد ذهبت أمريكا إلى العراق والمنطقة بمفردها!!
فلما اصطدمت الاستراتيجية الأمريكية بالصخرة العراقية الصلدة، وغاصت قواتها في مستنقع المقاومة العراقية الباسلة، ودفعت قياداتها أثماناً باهظة جداً لغطرستها وعنجهيتها، وتفرّدها في القرار، وخروجها على نصائح أصدقائها الأوربيين؛ عندها أحس الأمريكان بفداحة خطئهم، وشدة مأزقهم، ولم يكن أمامهم من خيار على الإطلاق غير الرجوع إلى صديقتهم المخضرمة أوروبا، التي وصفوها من قبل وهم في قمة نشوتهم المتغطرسة ( بالعجوز )!!
رجعوا إليها يلتمسون عندها الحل لأزمتهم، والخروج من مأزقهم، فوافقت أوروبا بشرط أن تتخلى أمريكا عن غطرستها، وتدخل في الاستراتيجية الأوروبية بدون تحفظ فوافقت الأخيرة بدون أدنى تردد.
أما الاستراتيجية الأوربية الجديدة في المنطقة فتتلخص في الفكرة التالية: ( إن جوهر عملية التهديد للمصالح الغربية يرتكز على محورين:
محور التطرف والإرهاب بزعمهم، والذي تمثله الجماعات الإسلامية التي تتبنى الفكر الجهادي الاستشهادي.
ومحور الهجرة الإسلامية إلى أوروبا كما ذكرنا، بحيث صار المسلمون يشكلون ثقلاً مخيفاً، من حيث النسبة والفاعلية والتأثير، الأمر الذي ستكون له مخاطر جمة في السنين القادمة على التركيبة السكانية لأوروبا، ويعزون السبب في هاتين النقطتين للأنظمة الدكتاتورية القمعية التي تسوم شعوبها الخسف والهوان، صحيح أن تلك الأنظمة هي صنيعة الغرب أصلاً ولكنها كانت نتاج مرحلة سابقة، ولغايات محددة متعلقة بحماية الكيان الصهيوني المزروع في المنطقة في وقتها، وذلك ريثما يكبر عوده، ويشتد ساعده، ويصير قادراً على الدفاع عن نفسه.
وهاقد كبر فعلاً، وصار هو الذي يحمي الأنظمة وليس العكس، وصار ضرر الأنظمة القمعية أكبر من نفعها لهم، ولذلك فالمطلوب في هذه المرحلة هو تغيير الأنظمة، ولكن على الطريقة الأوربية لا الأمريكية، أي التغيير من الداخل، وبالطرق الديمقراطية لا العسكرية، وإشاعة أجواء معقولة من الحرية والديمقراطية المسيطر عليها، وإشراك الحركات الإسلامية - المعتدلة في زعمهم - التي ترفض العنف، وتنبذ الإرهاب، وتعترف بالآخر في اللعبة السياسية والديمقراطية، وبذلك يتحقق لهم هدفان على الأقل:(2/13)
الأول: تجفيف منابع الإرهاب حسب زعمهم، فإذا انتظمت جماهير الإسلاميين باللعبة السياسية، وأتيحت لهم أجواء معقولة من الحرية والديمقراطية، وزالت عقدة الظلم والقهر لديهم؛ فمن المتوقع أن تقل درجة حماسهم للجهاد والاستشهاد المرعب للغرب، والتي هي في الأصل ثمرة لحالة متراكمة من الظلم والقمع والسحق من الأنظمة المدعومة من الغرب لهم ولعوائلهم ولمشروعهم بدون أي أمل آخر في الإصلاح والتغيير.
والثاني: وقف موجة الزحف الإسلامي إلى الغرب، الذي بات يقلق دوائر الفكر والتخطيط الاستراتيجي هناك بشكل جدي.
فلو أتيح لهذه الأمواج البشرية ( التي تهاجر بشكل مشروع أو غير مشروع ) أجواء معقولة من الحرية والديمقراطية، والرفاه الاقتصادي في بلادها؛ لما فكرت بالهجرة بهذا الشكل المقلق، بل ربما عاد الذين هاجروا إلى مواطنهم أيضاً.
هذا في تقديري من أهم حوافز الغرب على التغيير في بلادنا، ولقد حصل توافق أوروبي أمريكي بهذا الخصوص، ولذلك فالتغيير جدي، وقادم لا محالة، ولقد بدأت تباشيره في لبنان، ثم سورية، فمصر، فالسعودية.. إلخ.
إذن نحن أمام مرحلة جديدة في غاية الأهمية، يراد فيها للإسلاميين ( المعتدلين ) أن يلعبوا دوراً هاماً فيها، لأنهم جزء مهم من التركيبة السكانية لشعوب هذه المنطقة.
فهل أعدّ الإسلاميون أنفسهم بحيث يكونون على مستوى المرحلة والتحدي، فيحققون بمنهجهم القرآني الراشد، جنباً إلى جنب مع إخوانهم الشرفاء من مكونات هذه الأمة، طموحات الجماهير العربية والإسلامية المشروعة في الوحدة والحرية والرفاه والتقدم، بعد أن فشلت كل الشعارات المزيفة، وسقطت جميع المشاريع الرقيعة، مستفيدين مما أتاحته لهم يد القدر الإلهية، وسنن التدافع الربانية، وتوافق المصالح البشرية، وفق رؤيتهم المتميزة هم، المستمدة من كتاب ربهم، وسنة نبيّهم، وموروث حضارتهم، وبالتعاون الوثيق مع أبناء أمتهم لا وفق الرؤى والمصالح الغربية والأمريكية!؟
وهل ينتبه الإسلاميون جميعاً لفخ التفرقة بين ( المعتدلين ) منهم و( المتطرفين )، أو التمييز بين ( السلميين ) و (الجهاديين )، والذي يراد منه أن يكون المقدمة الأولى لشرذمة الصفوف، وتصارع الأجنحة، وإجهاض الصحوة، والتي سوف تحقق للأمريكان والغربيين ما عجزت عن تحقيقه مؤامراتهم المستمرة منذ عقود!؟
هذا ما نرجوه مخلصين، ونعمل من أجله صادقين (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ))(يوسف:21).
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?method=home.con&contentid=6495
===========(2/14)
(2/15)
الغرب يرتّد عن قوانينه!
يحي أبو زكريا
20/3/1426هـ
ظلّ الغرب وعلى مدى سنوات نهضته الشاملة يتباهى بشموليّة قوانينه، وعدم تغيّرها تبعاً لتغيّر الحكومات والأنظمة، كما هو شأن الدول العربية التي لا تعرف قوانينها ثباتاً، وتتعرّض باستمرار للنسخ، وكان الغربيون يعدون أن استقرار قوانينهم هو السبب المباشر لتطورهم المستمّر، ومن هذه القوانين المركزيّة ما له صلّة بحقوق الإنسان، واللجوء السياسي والإنساني في الغرب.
وإلى وقت قريب كانت العواصم الغربية ترفض المساومة على قوانينها، وخصوصاً عندما كان الأمر يتعلق بإلحاح الدول العربية في المطالبة بأشخاص مطلوبين لديها بتهم متعددّة، وكانت العواصم الغربية تتذرّع بقولها: إنّ الأدلة المقدمة من قبل الأجهزة الأمنية العربية واهيةّ، ولا ترقى البتّة إلى مستوى الدليل القاطع، وكانت تطالب بمزيد من البراهين والأدلّة، وكانت الأنظمة العربية تقدّم ملفات إنشائيّة أبعد ما تكون عن المستند القانوني، وكثيراً ما كانت بعض العواصم الغربية تدعّي أنّ الأشخاص المشبوهين والمطلوبين وهي تطالب برؤوسهم أنّ هؤلاء ينتمون إلى الإسلام السياسي الذي يهددّ الحضارة الغربية، وأنّ أصحاب هذا الطرح فيما لو وصلوا إلى السلطة بأسلوب العنف فسوف يهددّون الغرب، ويقضون على العلمانيّة الغربيّة التي هي النموذج الرائع والمتميز في نظر النخب الحاكمة الراهنة في العالم العربي.
ورغم هذه المقدمة والديباجة التي تعودّت الأجهزة الأمنية العربية تقديمها لنظيراتها الغربية لم تكن كافية البتّة لإقدام الغرب على نسخ ثوابته وقوانينه، والتفريط في من لاذوا به لاجئين حسب مواثيق جنيف لقضايا اللجوء التي وضعت سنة 1951م، ووافقت عليها كافة الدول الغربية التي رفعت راية حقوق الإنسان، والاستماتة في الدفاع عن هذه الحقوق، والتي بموجبها تمّ تقسيم العالم إلى عالم ديموقراطي يرعى حقوق الإنسان، وعالم ديكتاتوري شمولي يلاحق الإنسان في كل تفاصيل حياته المعنويّة والماديّة.
وبناءً عليه وقع انفصال كبير بين هذين العالمين، وباتت السياسات تصاغ في ضوء المبادئ المذكورة، ورغم المجهودات الدوليّة المبذولة في المحافل الدوليّة، ومساعي دول محور الجنوب الذي كان على الدوام يتهمّ بالاستبداد لرأب الصدع بينه وبين العالم الحرّ الليبرالي المنافح عن حقوق الإنسان - كما يزعم - إلاّ أنّ أي تقارب لم يتحققّ، بل إنّ الفجوة ازدادت اتساعاً بين المحورين إلى أن وصلت إلى إيصال حاكم بلغراد الأسبق ميلوسوفيش إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي - هولندا - وهو محسوب على محور الديكتاتورية، فيما ظلّ أرييل شارون (رئيس وزراء الدولة العبريّة) طليقاً رغم مجازره المتعددّة؛ لأنّه ينتمي إلى محور الديموقراطية حسب تصنيفات المنظرّين الغربيين.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقع تقارب كبير ومدهش بين محور الديكتاتوريات ومحور الديموقراطية، وبسرعة البرق تناست العواصم الغربيّة منطلقاتها وثوابتها، فباتت تستقبل ملفات الأجهزة الأمنية برحابة صدر، وخرجت من دائرة العمل بالبينّة إلى دائرة العمل بالشبهة، ويكفى أن يكون المشتبه فيه مقيماً للصلاة، متوجهاً للكعبة المشرفّة في صلواته الخمس، قارئاً للقرآن؛ لتثبت الشبهة، ويصبح المشتبه فيه تحت دائرة الضوء مجرداً من الحقوق - كل الحقوق - التي أقرّها القانون الغربي نفسه.
وكثيراً ما كان المحققون الأمنيون الغربيون يسألون المشتبه فيهم - وهذه الأسئلة استقيتها من أشخاص مسلمين جرى فعلياً التحقيق معهم في أكثر من عاصمة غربيّة - هل تؤدّي الصلاة؟! هل تشرب الخمر؟! ما هو مذهبك الديني؟! هل أنت ملتزم بالإسلام وتؤدّي فرائضه أم أنت مسلم بالاسم؟! هل أمك محجبة وزوجتك وبناتك محجبات؟! ما هي الكتب التي تقرؤها؟! ما رأيك في هذا الشيخ وذاك الشيخ؟! وماذا تعرف عن الخلاف الفقهي بين هذا وذاك؟! وما إلى ذلك من الأسئلة التي يستشف سامعها أنّ هناك توجهاً جديداً يشبه إلى حدّ كبير منطق محور الديكتاتوريات في التعامل مع المشبوهين.
والأخطر من ذلك قيّام بعض العواصم الغربيّة بتجريد مسلمين حصلوا على حقّ اللجوء السياسي والإقامة الدائمة من هذا الحق، ومن حقّ الإقامة الدائمة كما فعلت النرويج مع الملا كريكار الذي جرى تجريده من حقّ اللجوء السياسي، والإقامة الدائمة، وطرده من النرويج؛ علماً أنّ المخابرات النرويجية لم تعثر على أي دليل يدينه غير الإلحاح الأمريكي بالمطالبة برأسه، مع الإشارة أنّ كريكار كان معتقلاً في هولندا، وجرت تبرئته لعدم وجود دليل مادي ملموس ضدّه.(2/16)
كما أنّ السلطات الأمريكية وبعد اعتقال الدكتور سامي العريان وبعض النشطاء الفلسطينيين في أمريكا أعطى وزير العدل الأمريكي لنفسه الحق في تجريد أي مسلم أو عربي من الجنسية الأمريكية، وطرده خارج الأراضي الأمريكية مع أول طائرة مغادرة، كما أنّ الأجهزة الأمنية الغربية أبدت موافقتها المبدئيّة على تسليم كل المطلوبين للعواصم العربية، وقد جرى فعليّاً تسليم العشرات في دجى الليل، وبدون علم المنظمات الدوليّة؛ كمنظمة العفو الدوليّة التي بادرت إلى تقديم احتجاجات بالجملة إلى العواصم الغربية التي انتهكت ما يعد مقدسّاً في الغرب، كما أنّ العواصم الغربية أعطت أوامرها إلى أجهزتها الأمنية بإجراءات سحب الجنسية الغربية من بعض المشبوهين الذين كانت تطالب بهم العواصم العربية، وسحب حقّ اللجوء السياسي من كثيرين، أمّا المشبوهون الذين طالبو باللجوء فقد جرى ترحيلهم إلى العواصم العربية التي طالبت برؤوسهم، علماً أنّ قوانين اللجوء تقول: لا يجوز تعريض حياة طالب اللجوء للخطر، وأقصى ما يفعل فيه هو أنّ يرفض طلبه، ويسأل عن وجهة الدولة التي يريد السفر إليها.
إنّ التغيرّات الدوليّة أحدثت تقارباً كبيراً بين محور الديكتاتوريّة ومحور الديموقراطيّة، وللأسف الشديد فقد أصبح الاثنان كفكيّ مقصّ ظاهرهما مختلف وباطنهما متحّد على تمزيق الإسلام والمسلمين.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=316
===========(2/17)
(2/18)
مجاعة وخيراتنا نهب لغيرنا
كلما تناقلت وسائل الإعلام أخبار المئات بل والآلاف من الذين يموتون جوعاً في السودان أو الحالة الاقتصادية المنهارة في أكثر الدول العربية تذكرت مقالة ذلك اليهودي الحاقد: (جوناثان هيلغي) حيث يقول: (هل أوصانا الله بأن نقود هذا العالم أم نأكله) إن رائحة الحقد والكراهية على بني البشر تفوح من مقالة هذا اليهودي، وقد كان اليهود يطبقون هذه المقالة عمليا ولسان حالهم يقول: فلتسحق البشرية، وليعيش شعب الله المختار، ويطلق هذا الساخر مقالة أخرى حيث يقول: (تصوروا لو أن عدد اليهود يساوي عدد سكان الصين؟ ) ويترك هذا التساؤل بدون إجابة ونترك للقارئ تصور ما سيحدث للعالم لو أن عدد اليهود يساوى عدد سكان الصين!.
أعود مرة أخرى إلى اقتصاد الدول العربية، التي حباها الله بالموارد الاقتصادية الضخمة من نفط، ومعادن وأرض خصبة، ومصادر للحياة، وأيدى عاملة رخيصة، وقد تتوفر كلها في بلد واحد والنتيجة: ديون خارجية تبلغ (100) مليار دولار.
(نقلاً عن جريدة القبس 21 - 7 - 86).
وسواء أكانت هذه الديون لبنوك غربية أو للبنك الدولي، ففي نهاية المطاف تصب في جعبة اليهود، وحين تعجز أي دولة عن تسديد الديون في الزمن المتفق عليه تبدأ عملية ما يسمى جدولة الديون وتأجيل التسديد مع زيادة الفائدة على الدين، وحين تتأزم الأمور وتعجز الدولة عن تسديد الدين يتدخل صاحب الدين ويرسم خطة اقتصادية للدولة يكون أهم بنودها تخفيض العملة وزيادة الضرائب ورفع الدعم عن السلع المدعومة، وبالذات الغذائية منها، وتتكرر هذه الصورة مع كل دولة من دول العالم الثالث المدينة.
ومع كل هذا تعد أية جهة تنجح في الحصول على قرض من بنك غربي أو من البنك الدولي، أو تنجح في إعادة جدولة الديون القديمة تعد ذلك انتصاراً ونجاحاً مع أنه - والله - قيد جديد يضاف إلى القيود التي سبقته ليبقى الاقتصاد مكبلاً بأغلال ثِقال، مفاتيحها في جنيف ولندن وفرانكفورت وواشنطن وسواها من عواصم ومدن المال في العالم الغربي وتبقى هذه السياسة سنين طويلة وتطبق بحذافيرها، بحيث يصبح الناس ويمسون على هاجس: هل يجدون خبزاً أم لا؟.
فأنى قلبت البصر في العالم من حولك وجدت كل بلدٍ يشكو من ضائقة اقتصادية معينة مع وجود هذه الثروات والإمكانات التي سبق ذكرها آنفاً وأصبح يصدق فينا قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما *** والماء فوق ظهورها محمول
وقبل هذا صدق فينا قول الله - سبحانه وتعالى -: (وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [سورة النحل: 112] ما ذاك إلا لانسلاخنا من ديننا الذي هو عصمة أمرنا وهو ما صنعته أيدينا، واليهود يخططون لمثل هذا الوضع الاقتصادي المزري لإحكام السيطرة على الشعوب وإذلالها، حيث يعود هيلغي مرة ثالثة فيقول: (الجوع هو أفضل وسيلة لقيام الصلح بين العرب وإسرائيل).
وبعد ما تقدم هل صحيح أن اقتصادنا بأيدينا؟ ! !.
http://www.albayan-magazine.com المصدر :
============(2/19)
(2/20)
إسرائيل .. والمفاعل النووي الباكستاني
فضيحة الجاسوس الإسرائيلي بولارد الذي كان يعمل في وكالة المخابرات الأمريكية جاءت تؤكد بأن اليهود لا يثقون بأحد ولو كان الولايات المتحدة الأمريكية، وليس في قاموسهم شيء اسمه الصداقة أو الثقة أو المحبة..
فرغم الأسرار التي تقدمها أمريكا لإسرائيل، ورغم المساعدات المادية وغير المادية اكتشفت أمريكا بأن إسرائيل تتجسس عليها، وتمد لها يد الصداقة وتطعنها في اليد الأخرى، وهذا هو خلق اليهود في القديم والحديث.
وكشفت فضيحة بولارد أسراراً مذهلة عن منطقة الشرق الأوسط..
ومنها أنه أرسل صوراً للمفاعل الذري العراقي، وكانت وكالة المخابرات الأمريكية قد التقطت هذه الصور بواسطة الأقمار الصناعية، واعتمد الطيران الإسرائيلي على هذه الصور في تدميره للمفاعل الذري العراقي.
وقد تقول إسرائيل: إن العراق يشكل خطراً عليها بسبب قربه من فلسطين المحتلة..
ولكن المسألة أكثر عمقاً، فبعد ضرب المفاعل النووي العراقي بدأت إسرائيل تثير مسألة المفاعل النووي الباكستاني، وقبل بضعة أشهر ذكرت صحيفة (جيروزيلم بوست) في تقرير لها أن إسرائيل اقترحت على الهند ثلاث مرات شن هجوم مشترك لنسف المفاعل الباكستاني، ولكن الهند رفضت العرض في كل مرة.
[نشرت الصحف العربية تصريح جيروزيلم بوست في 23/2/87].
وهل صحيح بأن الهند لا تريد ضرب المفاعل النووي الباكستاني، كما قالت الصحيفة؟ ! لا نعتقد ذلك لأن اعتداءات الهند على باكستان لا تنتهي بدون مفاعل نووي، فكيف مع وجود هذا المفاعل؟ !.
وقد نقلت الصحف ووكالات الأنباء غير مرة تهديدات رئيس وزراء الهند - راجيف غاندي- لباكستان بسبب المفاعل النووي..
والعجيب أن هذا الذي يهدد باكستان يملك مفاعلاً نووياً وقد أجرت بلده تجارباً على القنبلة النووية، فكيف يكون سلاحه برداً وسلاماً على البشرية، وسلاح باكستان خطراً ودماراً؟ !.
ومن الذي أباح لأمريكا وروسيا وإسرائيل وعدد من دول أوربا امتلاك أسلحة نووية، وجعله حراماً على باكستان وغيرها من الدول التي تدين شعوبها بالإسلام؟ !.
إن الهند تخطط لضرب المفاعل الباكستاني لكنها لا تريد أن تكون إسرائيل شريكة لها لأسباب لا يجهلها الذين سبروا غور سياسة حزب [غاندي] رغم تعاون الهندوس السري مع إسرائيل.
وعلى صعيد آخر؛ فقد حركت إسرائيل أمها الحنون -أمريكا- لكي تقوم بدورها في الحملة الإعلامية ضد باكستان، ولكي تهيئ الرأي العام العالمي لأي تصرف ضد هذا الخطر المخيف الذي يهدد البشرية، ونقلت وكالات الأنباء في 26 / 2 / 87 أن الولايات المتحدة حذرت باكستان من أن استمرارها في البرنامج النووي قد يؤدي إلى قطع المساعدات عنها، وأثار السفير الأمريكي هذه المسالة في تصريح له جاء فيه: » إن أي قرار تتخذه باكستان بإجراء تجربة نووية سيحمل الكونغرس على تجميد المساعدات، وسيثير أزمة في العلاقات بين البلدين «.
والذي نراه أن إسرائيل سوف تستمر في كيدها ضد المفاعل الباكستاني، وكذلك الهند تساندها روسيا والأولى تساندها الولايات المتحدة، ولا يشفع لباكستان صداقة حكومتها مع أمريكا.
إن الدول الكبرى وإسرائيل والهندوس لا يقبلون أن يمتلك المسلمون سلاحاً نووياً، وهم يعلمون بأن الحكومات تزول وتبقى الشعوب المسلمة، وهذه الشعوب سوف تستخدم هذا السلاح إذا اعتدي عليها فهل تتكرر مأساة المفاعل العراقي في باكستان؟ نسأل الله أن لا يكون الأمر كذلك.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========(2/21)
(2/22)
الأفلام المرسومة ( الكرتونية ) ... إلى أين ؟
أحمد محمد علي صوان
كل الأطفال يحبون الحلوى على اختلاف مسمياتها، وتجذبهم ألوانها ودعايتها، ولو طلب منك ابنك حلوى مكشوفة في الشارع يحلّق فوقها الذباب ويقع، لسهل عليك إقناعه بالانصراف عنها إلى محل نظيف مأمون، فالبديل متوافر، بل هو كثير كثير، ولن تستجيب لطلبه؛ لأنه لا يعرف الصّالح له، لكن الأمر مختلف تماماً إذا تعلّق ابنك بفِلْم مرسوم شاهد دعايته، أو حدّثه عنه صديقه أو أعاره إياه أو غير ذلك. نعم، ليسا سواء، فهنا - أي أمام الرسوم المتحركة التي تحوِّم فوقها مُعطيات فاسدة غالبًا- سيُسقط في يدك، أتدري لماذا؟ لأن البديل عزيز نادر، هذا إن كنا نعرف الصالح من الفاسد في هذه الأفلام.
يشهد الواقع أنّ ما يطلبه الأبناء من الأفلام مُحقّق لهم ومُوفَّر، لكنَّ ما يشاهدونه في القنوات الفضائية لا يناقشه الوالدان، ولا يلفت نظرهما؛ لأنَّ فترة الأطفال ساعة أو ساعتان أو ساعات هي حق لهم، وهما - الوالدان - في هذه الفترة منهمكان في تلبية مطالب الحياة الأسرية! ولو سألت أحد الآباء أو إحدى الأمهات عن سبب ترك فِلْذات أكبادهم وقتًا طويلاً أمام هذه الرسوم المتحرِّكة لكانت الإجابة: "دعهم في مرح وتسلية، فلا شيء فيها" وآخر يقول: "لا شك أن فيه خطورة، ولكن ليس في وسعي فعل شيء"، وهلمّ جراً من هذه الإجابات الاستسلامية الساذجة.
إنّنا إن كنا ندري ما في هذه الأفلام من طامَّات كبرى خطيرة، ولا نُحَرِّك ساكنًا، فتلك مصيبة، و إذا كنا لا ندري، فالمصيبة أعظم!
لا شكَّ أنَّ حرصنا على نمو أجساد أبنائنا وبناتنا نموًا سليمًا له الأولوية، لكنَّها تربيةٌ ماديَّةٌ تُفرزها الحياة الحديثة الوافدة المستوردة، و لا يصح أنْ يَقِلَّ اهتمامنا بما يشاهدونه ويسمعونه عن اهتمامنا بأكلهم وشربهم، بل الأُولى آكد وأَولى، صحيح كله أكل، ولكن شتان ما بين أكل يذهب إلى المعدة، وبين أكل يذهب إلى العقل والوجدان! وصغير الإنسان إذا لم نَتَعَهَّدْه بالتربية والرعاية الدينية والثقافية والأخلاقية فلن يختلف كثيرًا عن صغير الحيوان! بل قد يتفوق صغير الحيوان عليه إذا لم نرع الطفل - الذي خلقه الله على الفطرة - حقَّ رعايته واتقينا الله فيه.
في هذه المرحلة الخطيرة من حياة الإنسان تتشكل شخصية الطفل، ويتلاءم سلوكه و مطالب المجتمع الجيِّد، و تعديل سلوكه - إنْ ظهر في سلوكه خطأ ما - سَهْل ميسور، فلنبادر إلى رعاية سليمة لهذه العقول الغضة الطرية والأغصان الندية قبل أن تيبس وتتحجر، وعند ذلك لن نستطيع أن نُقَوِّمَ الخشب، فهل ندع أعزّ ما نملك ريشة في مهب الريح؟ ألم يحن الوقت لِصَحوة ترفض التبعية البَكْمَاء بعيدًا عن الحِكمة و التَبَصُّر؟!
ها هم أُولاء أطفالنا يُمْطَرُون يوميًا بوابل من الأفلام المرسومة، نراهم أسرى مكتوفي الأيدي أمامها! حتى صاروا مدمنين عليها، لا يستطيعون عنها فكاكاً، ولِمَ الفكاك عنها وهي المتعة والسرور والجمال؟ إنه لأمر محزن. لقد رضينا بهذا الأَسْر لأبنائنا في غياب رسالتنا عن أذهاننا ظنًّا منَّا أن أمر الأفلام سهل هيِّن، فهل هو كذلك؟
لا شك أن الطفل ابن تربيته، والاهتمام به دليل على حضارة أمته، بل هو أمر لا يختلف فيه العقلاء، أُقَدِّم هذه المقولة سلفًا جوابًا لتساؤلات: لماذا اختلفت أخلاق أطفالنا عمّا رسمناه لهم؟ وكيف تأتّى لأبنائنا أن يستخِفُّوا بكثير من ثوابت أمَّتهم، ولم يرعوها حق رعايتها؟ كيف اكتسبوا ما اكتسبوه من التّلفزة؟ ولعل السؤال الأنسب في هذا السياق هو: هل ألقينا معاذيرنا قبل أن نلوم أطفالنا؟
ما يُقدّم لأطفالنا - وأفلام الرسوم المتحرِّكة من أهمِّه - له جاذبية كبيرة لكثير من الكبار، وهذا مشاهد ومعروف، لكنه للصغار أكثر جاذبية، وأشد إغراء، وهم ضعيفو المقاومة لها، لذلك نراهم مسلوبي الإرادة أمامها: تُفرحهم و تُحزنهم، تُريحهم وتُغضبهم، تأسرهم و تشدُّهم. انظر إليهم وهم يَتَلَقّون عن هذه الأفلام، هل تسمع لهم همساً؟!
لقد خبر الآخرون أثر هذه الأفلام في هؤلاء الأطفال فَعُنوا فيها عناية فائقة وقدموها تقديمًا يأخذ الألباب؛ فغرسوا ما يشاؤون، ونزعوا ما يشاؤون، وهذا حق لهم في أطفالهم وبلادهم، أمَّا أن تزحف هذه الأخلاق والأفكار والعقائد وتقطع قارات للوصول إلى أطفالنا فهذا هو العجيب والنادر حدوثه! تُرى هل ثمة أعجب من هذا؟ للأسف، نعم. إنه تقصيرنا وغفلتنا عن خطورة هذه الأفلام!
وبما أن الأمريكيين - على سبيل المثال - في نجاح مستمر في هذه الأفلام؛ لأنهم يدرسون ويخططون، فإنهم ماضون في الاستعانة بشخصيات شعبية عالمية في أمم شتى، كشخصية سندباد، وعلاء الدين، و سندريللا، وبوكاهانتس وغيرها، بعد أن أسسوا لشخصيات أضحت رموزًا للثقافة الأمريكية ك: ميكي ماوس، ودونالد دك، وبلوتو، وتوم وجيري، وغيرها. يرافق ذلك حملة إعلامية من الملصقات والدعايات والصور لهؤلاء الأبطال على الأدوات المدرسية والألعاب والملابس، فحيثما التفت الطفل وجد شخصيته الكرتونية قريبة منه.(2/23)
إنها بذلك تروِّج لثقافتها وأفكارها من خلال شخصيات شعبية في أمم أخرى، وفي هذا وذاك نحن مشاهدون مستقبلون منفعلون فقط! ويزيد الطين بلة ترجمة هذه الأعمال باللهجة العامية بكل أمانة لألفاظ الفِلْم ومشاهده بغثها وسمينها. فكيف يبلغ البنيان تمامه إذا كان الأهل يبنون - هذا إن أحسنوا البناء - والآخرون يهدمون ويرفعون على أنقاض الفضيلة بيتاً للسوء والفساد؟!
وحتى نكون منصفين، فإنَّ هذه الأفلام فيها فوائد لأطفالنا نضمنها لهم - ريثما يسعفنا الطبيب بالبديل - إذا تحقق شرط يصعب تحقيقه، ألا وهو مُشاركة الابن والابنة في مشاهدة هذه الأفلام لحظة بلحظة، و مراقبتها بانتباه و حذر شديدين، و مناقشتهم بالجيد و إقراره، و بالسيئ و إبعاده بالتنفير منه بحكمة. هل هذا بمقدورنا؟ ما الحل و الطفل هو الهدف و هو المستقبل؟ لا جرم أننا - إن فعلنا - نكون قد قدمنا خدمة واجبة علينا نحو أطفالنا، فيصبحون قادرين على تمييز السُّمِّ المبثوث في ثنايا الفِلْم الذي يشاهدونه.
وحتى نعرف خطر الأفلام (الكرتونية) على فطرة وتربية أطفال المسلمين، فهذه وقفة مع لقطات وأفكار في أفلام ومسلسلات مرسومة للأطفال للتمثيل، يُرجى تأمّلها:
1 - في بداية فِلْم (عودة جعفر) يدخل علاء الدين على أميرة البلاد، وهي شبه عارية، ثم يضمها ويدخل حجرتها، ثم لقطة للقرد و هو ينظر إليهما فيخجل مما يراه فيغمض عينيه! فأيُّ تربية سيكتسبها الطفل من هذا المشهد الجنسي الداعر.
2 - في بداية فِلْم (علاء الدين و المصباح السحري! ) صورة لثلاث فتيات محتشمات في لباسهن، يرسم لهن الجني لباسًا شبه عارٍ، يذهب حجابهن و هن سعيدات! وهذا يرسخ في أذهان الفتيات بغض الاحتشام والفضيلة، وحب العري والرذيلة.
3 - في الفِلْم نفسه تقول العرّافة!: " أنا عارفة كل الذي حصل و الذي سيحصل ". يقول المارد: "حي حي. يظهر مكشوف عنها المستقبل ". و الأحداث في الفيلم تدل على أن العرّافة صادقة وتعرف كل شيء! وهذا الأمر يؤثر في مسألة علم الغيب التي يتعلمها الأطفال من أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ومثل هذه المشاهد وهي كثيرة تزعزع هذه الثوابت عندهم.
4 - مَنْ مِن الأطفال بل من الكبار! لا يعرف (باباي) البحار و سبانخه وعدوه اللدود بلوتو؟ ففي كل حلقة يقتتلان. ولكن على أي شيء؟ يقتتلان على زوجة باباي! نعم بلوتو يريدها فيكيد لباباي، لكن باباي ينتصر أخيرًا بقوة خارقة تأتيه من السبانخ!
ما الفائدة التي سيجنيها الأطفال من مثل هذه الأفلام، إلا العنف والعداوة، والاعتقاد في مثل السبانخ بأنه يمنح قوة خارقة إلى غير ذلك من السخافات التي لا تنقضي.
5 - العنف، و مشاهده كثيرة جدًا. وليست حوادث رمي الأطفال بأنفسهم من مكان عالٍ ببعيدة عنا، بعد رؤيتهم قدوتهم تقفز من سطح عمارة أو منزل (مع إقرارنا بِأنَّ القَفز الرِّياضيّ المدروس مفيد، لا العشوائي الخياليّ)، وثمَّة حوادث مشابهة من اعتداء طفل على أخيه أو أخته محاولاً تطبيق ما شاهده. و ممّا يلحق بالعنف مشاهد الرُّعب الكثيرة التي يتعرَّض لها أطفالنا، هذه المشاهد باتت نارًا تكتوي بها البلاد التي أنتجتها! من خلال سلوك أبنائها، و ستكتوي بها بلاد أخرى تتعرّض لها، إنْ لم تتّخذ إجراءات السّلامة اللازمة. (أُجريت دراسة على الرسوم المتحرِّكة الأمريكية عام 1993م كانت نتيجتها: أنَّ العنف يحتلّ 99. 9% من برامج الرسوم المتحركة).
6 - ألفاظ سيئة، مثل: يا غبي، يا أبله، يا حقير، يا تافه، و ما شابه ذلك من كلمات الشّتم و الاستهزاء والسُّخرية.
وهذا يؤدي إلى تعلم الأطفال صفات أخلاقية سيئة ومؤذية.
7 - لقطات السحر و الشَّعوذة وهي كثيرة و خطيرة، تملأ أخيلة أطفالنا وتغرس في أذهانهم المعتقدات الباطلة، و لقطات تُؤذي صِحَّة الطِّفل والمجتمع كالتدخين و شرب الخمر. وتسهل عليهم تعاطيه وشربه وتناوله.
8 - صديقة الشاب أو صديق الشابة (بوي فريند)، ليس عندنا لهذا المصطلح ما يقابله في ديننا وأعرافنا. فهي علاقة انحلال وفساد. و نريد أن نفصّل حلاً لهذه المشكلة عندما نُعَرِّب (ندبلج) العمل؛ فنجعل هذه الصديقة أختًا أو زوجة، و لكن بعد مشاهد يراها الطفل مع آخر ينازع الأول عليها، بل إنها تذهب بمحض إرادتها إلى صديق آخر! فكيف سيتربى جيل الأطفال؟ وبأي صورة سيفهم هذه القصص السيئة؟(2/24)
9- في حلقة من مسلسل (جول و جوليا) يُرافق رجل في أُذُنه قُرْط أخوين: ولدًا و بنتاً فقدا والديهما ليُفَتِّش لهما عن والديهما بِأُجرة. في سفرة من سفراته معهما نزل عند صديقة قديمة، و طلب من الولدين أن يتركاه ساعة أو ساعتين. نام هذا الرجل عند هذه المرأة كما ينام الزّوج مع زوجته مع أنّ الوقت قصير. طرق الولدان الباب بعد مُدّة، ففتحت المرأة الباب و هي شبه عارية تاركةً الرّجل العاري منتشيًا في سريرها، و قالت: سيبقى المشرف معي، و عليكما تدبّر أمركما. في اليوم التالي يلبس الرّجل ملابسه و الصُّوَر فاضحة مُحرجة، ولا جواب عندنا لصغير أو صغيرة تسأل عن هذين، ما العلاقة التي بينهما؟ ولماذا هما عاريَان؟ ثُمّ يغادر الرجل. يُتابع الأخوان وحدهما رحلة البحث عن والديهما، يركبان سفينة، يقول لأخته وهما على ظهرها: تعرفين يا جولي إنّني أحيانًا لا أفكِّر فيكِ كأخت. أجابته: وأنا كذلك!!!
في مثل هذا المسلسل ندرك حجم الكارثة التي تحدق بأبنائنا، وضع الرجل للقرط في أذنه شذوذ، وتشبه بالنساء، مشاهد العلاقات الجنسية المحرمة، والعري، والدعوة لإقامة علاقة بين الأخ وأخته!؟ فماذا سنجني من هذه المسلسلات إلا الدمار والفساد والمسخ والافساد الأخلاقي.
10 - في الفِلْم الشهير (الأسد الملك) يحاول العمّ الشرير قتل ولي العهد، فيقتل الملكَ بمساعدة الضباع الشريرة أيضًا. في هذه اللقطة - لقطة انتصار الخبث و الشرّ - تَظهر صورة الهلال في خلفية المشهد. هذه الصورة للهلال في هذا الوقت لم تأتِ عفو الخاطر، بل إنها مدروسة بعناية بالغة؛ ليربط أطفال العالم بين الشّرّ و بين الهلال، و الهلال - كما تعلمون - شعار إسلامي لا أحد يخطئ فهمه.
11 - في الفِلْم ذاته تسجد الحيوانات كلها لابن الملك بعد ولادته! و مشهد السجود تكرر في أعمال عدة للأطفال. هكذا يتربى الأطفال على السجود لغير الله.
12 - عندما يضيق صدر (سالي) تذهب إلى الكنيسة! وهذه دعوة للتنصير بالذهاب للكنيسة عند حلول الضيق والكرب بالشخص.
13 - موضوع الأُسَر المفكّكة والتشرّد: أفلام كثيرة من أول حلقة إلى آخر حلقة فيها الطفلة أو الطفل يبحث عن أمّه أو أبيه، يرافق ذلك علاقات صداقة بين الأطفال و البنات، ويعيشون معًا: يأكلون وينامون و يسافرون معًا، يتخلّل ذلك علاقة إعجاب و حبّ بريئة كما يقولون!! وما أفلام هايدي، وسالي، و ريمي، وساندي بيل عنّا ببعيدة. أتصلح هذه وأضرابها لمجتمعاتنا وقد عافانا الله من التفكّك والتشرّد!؟
14 - يقع البيانو على توم و يموت توم. تصعد روحه إلى السماء على درج ذهبي. يقترب توم من نار مخيفة (جهنم)، ينجو منها إذا قَبِل جيري اعتذاره. لكن جيري لا يقبل الاعتذار، لذلك يُفتح له باب جهنم، ويُرمى فيها، و بانتظاره كلب مخيف يريد تعذيبه. فجأة يستيقظ توم من نومه مدركًا أن طريق الجنة مرتبط برضا جيري؛ فيسعى إليه. استهزاء وسخرية بعالم الغيب! صورة خطيرة في زعزعة العقيدة، وتصوير خبيث للنار والجنة وخازن جهنم، وبمناسبة الحديث عن أفلام توم و جيري الكثيرة يتبادر إلى الذِّهن سؤال: هل وجد أحد منّا في فِلْم من هذه الأفلام دعوة إلى التسامح أو الرحمة أو الرِّفق، أو دعوة إلى آداب الحديث أو السَّير، أو دعوة إلى محبة الأهل و النّاس و مساعدتهم، و أُلَخِّص السؤال: هل وجد أحد منّا في هذه الأفلام دعوة إلى أيّ خُلُق حميد؟
15- البطل الذي لا يُقْهَر؛ يملك قوّة خارقة عجيبة، لا شيء يغلبه، يخترق الجدار، و يُطْلِق من عينيه شعاعاً يحرق كُلّ شيء، و يكشف المستقبل! يحمل بيدٍ واحدة سفينة تغرق، و يحمل عِمارة من مئة طابق تقريباً! يُحَوِّل مجرى نهر عظيم! إنَّ الخيال التِّجاريّ المريض لن يُقدّم قيمة يُعْتَدُّ بها، و لن يُشبع حاجة من حاجات الطفل التي ينادي بها علماء التربية، ولا يخفى دور الخيال العلميّ المدروس في حياة الطِّفل؛ لأنّه يفتح أمامه آفاقاً جديدة رحبة، و يبني ولا يهدم، يُشجِّع و لا يُحْبِط.
16- الأفلام التي تصور الأشخاص أنهم يطيرون في الجو بأجسادهم ويمتلكون قوة خارقة عن غيرهم كسوبرمان، هذه الأفلام مستمدة من نظرية فاسدة وهي نظرية النشوء والارتقاء، التي ترى أن الإنسان كان طفيلية ثم تحول لحشرة، وبعدها تطور حتى أصبح إنساناً، وسيتطور حتى يكون سبرماناً يطير في الهواء ويمشي على الماء، خيالات وخرافات تسيطر على الأطفال عند مشاهدتهم لهذه الأفلام.
وبعد، هل تحتاج المشاهد السابقة إلى تعليق؟! هذه إشارة عابرة لخطورة الأفلام المرسومة التي تشبه الرمال المتحركة الخطرة! هل نأمن المسير فوقها، هل يصلح ترك فلذات أكبادنا تلهو فوقها دون إرشاد و إعداد؟ إنَّنا نريد النجاة ونطلبها، فلابد إذن من أن نسلك مسالكها.(2/25)
الأفلام السليمة والنظيفة المنتجة عربياً و إسلامياً قليلة، بل نادرة إذا قورنت بما في السوق من أفلام مُعَرَّبة و غير مُعَرَّبة النّطق، و هي فوق ذلك لم تصل إلى شاشات التلفزة العربية الفضائية، أي أنّ تأثيرها لم يصل إلى المأمول منها بعد، برغم الجهد الكبير المبذول فيها ماديًا وعلميًا و تربويًا. ومن أمثلتها: (محمد الفاتح) و (الجرة - حكاية من الشرق) و(باح يا باح) و(الناصر صلاح الدين) و(مغامرات عارف و عنتر و عباس) و(دمتم سالمين) و (ناقة صالح) و(سلام و فرسان الخير) و(شهيد العالم - محمد الدرّة) و(جزيرة النور) و(تعليم الحروف) وغيرها...
وثَمَّة تجربة فريدة تجدر الإشادة بها في هذا المقام، كانت حلماً يتطلّع إليه كل أب و كل أم و كل مربّ ومربية، إنها فترة الأطفال في قناة المجد الفضائية التي تُخفّف عبء الوالدين في متابعة أطفالهم وهم أمام أفلامهم في هذه القناة؛ و ذلك بسبب شروطها لقبول الأفلام ورقابتها الدقيقة لكل ما يشاهده الطفل أو يسمعه في هذه الفترة. وقد اكتمل الحلم بإطلاق القائمين عليها مؤخّرًا قناة خاصّة للأطفال. ولعل ما أنجزته قناة المجد يجيب بوضوح عن سؤال: هل البديل المناسب ممكن؟
ليست هذه دعاية للقناة، بل تشجيع للإعلام التربوي الهادف.
إنّ مشكلة الأفلام المرسومة جزء من مشكلة أمّة وقعت في مستنقع التقليد والتبعية لكلّ ما يصدر عن الآخر، برغم الاختلاف عنه في العادات والتقاليد والأخلاق، وقبل كلّ هذا مخالفته بالعقيدة. ولعل الجهود تتضافر- من مسؤولين وإعلاميين وكُتّاب ومُربين وآباء وأمّهات وتُجّار- في خدمة لآليء الأرض: رجال المستقبل و نسائه..
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
===========(2/26)
(2/27)
وللحقيقة فقط .. ( 1 )
الشيخ سلمان بن يحي المالكي
في أخبار من مضوا قبلنا عبرةٌ لمن يتذكر منا، عبرةٌ تحثنا على سلوك طريق الصالحين الناجين ومجانبة سبل المكذبين الهالكين، ولقد قص القرآن علينا أنباء أقوام كانوا قبلنا سكنوا الأرض وعمروها وحرثوها وزرعوها، كانوا أولي بأس وقوة وشدة، فكذبوا المرسلين غرورا بما لديهم من قوة، وما عندهم من علم فأخذهم الجبار أخذ عزيز مقتدر، فأصبحوا أثرا بعد عين وعبرة للعالمين، قال الله - تعالى -: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشدَّ منهم قوةً وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق * ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب} فكان من هؤلاء المتكبرين الجبارين الظالمين عادٌ قوم هود سكنوا الأحقاف بين عمان وحضرموت، جاؤوا بعد نوح وإغراق الله - تعالى - لهم بالطوفان، فهم أولُ أمة اضطلّعت بالحضارة والعمران بعد الطوفان، الذي أغرق المكذبين من قوم نوح - عليه الصلاة والسلام -، عاشت عاد في هذه الأرض بكل مقومات القوة والعمران كما هو ظاهر في قول نبي الله - تعالى - لهم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلا الله لعلكم تفلحون} والبسطة هي: الوفرة والسعة في أمر من الأمور، فالله - تعالى - زادهم قوة في عقولهم وأجسادهم، وسلمهم من الآفات والعاهات، والعمرانُ في الأرض إنما يشيد بقوة أجساد البنائين والصناعات لا تزدهر إلا بذلك، وقد نُسبت الدروع والسيوف إلى عاد فكان يُقال: الدروع العادية والسيوف العادية، وقوم عاد وجبروتهم مشهور حتى إنهم لما جاءهم هود - عليه السلام - بالنذارة استكبروا وقالوا {من أشد منا قوة} حتى وصفهم نبيهم - عليه الصلاة والسلام - بقوله: {وإذا بطشتم بطشتم جبارين} وقد بلغ من قوتهم وشدة بأسهم أنهم بنوا في طرق أسفارهم أعلاما ومنارات تدل على الطريق، كي لا يَضِلَ السائرون في تلك الرمال المتنقلة التي تمحوا الآثار واحتفروا وشيدوا مصانع للمياه تجمع ماء المطر في الشتاء ليشرب منها المسافرون وينتفع فيها الحاضرون في زمن قلة الأمطار وجدب الديار، وبنوا حصونا وقصورا على أشرافٍٍ من الأرض حتى بلغت بهم القوة والحضارة في هذا الشأن أن قال لهم نبيهم هود - عليه السلام -: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدُون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون} ومع ما وصلوا إليه من حضارة وعمران وتشييد رهيب وتقدم مادي وبسطة في الأجساد والعقول والأبدان إلا أن الله - تعالى - أفاض عليهم الخيرات وفتح لهم أبواب النعم، من وفرة المياه إلى خصوبة الأرض، والبركة في الزرع وفي الحيوان وتكاثر الذرية، وبهذه النعم العظيمة ذكّرهم نبيهم هود - عليه الصلاة والسلام - بقوله: {فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأموال وبنين * وجنات وعيون}وبّين لهم إن أطاعوه وأخلصوا عبادتهم لله - تعالى - واستغفروه زادهم قوة وثراء ونعمة ورخاء: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} ومع هذه النعم المدرارة والخير الكثير والقوة العاتية والبطش الشديد، إلا أن عاد غرتهم قوتهم وبطروا نعمتهم، فرانت على قلوبهم الغفلة، واستحكمت فيهم الشهوة، فعميت أبصارهم عن رؤية الآيات، وصُمة آذانهم عن سماع المواعظ، كما هي حال كثير ممن يوعظون فلا يسمعون ولا يتعظون بل يستهزئون ويستكبرون، ويجاهرون بعصيانهم ولا يخافون نقمة الله وعذابه، ولذا خاطبوا نبيهم هودا - عليه السلام - بقولهم: {سواء علينا أوعظت أم لن تكن من الواعظين * إنْ هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين} وبلغت جراءتهم على الله - تعالى - مبلغا شنيعا حتى قالوا: {من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآيتنا يجحدون} ولقد كان عذرهم في عدم استجابتهم للحق أقبح من ذنبهم إذْ تذرعوا باقتفاء آثار السالفين الظالمين الضالين منهم وعدم الحيدة عن سبيلهم الذي اختطوه، ودينهم الذي ارتضوه ولو كان ضلال مشينا وشركا قبيحا فقالوا لنبيهم هود - عليه السلام -: {قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} واتهموا هودا بالجنون والسفه عليهم لعائن الله كما هي سيرة المكذبين مع أنبيائهم والمفسدين مع المصلحين ورميهم بكل نقيصة وباطل لصرف الناس عن الحق وزعموا أن الجنون أصاب هود بسبب عزوفه عن عبادة أصنامهم: {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا إني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} فما كان عاقبة تكذيبهم إلا العذاب المهلك، حيث نجى الله هودا والمؤمنين معه واستأصل المكذبين المعاندين {فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآيتنا وما كانوا مؤمنين} فكانت النهاية الأليمة، والخاتمة(2/28)
السحيقة، وكانت عاقبة كفرهم وخيمة جمع الله لهم
فيها عذاب القلب مع عذاب البدن فبينما هم ينتظرون الغيث بعد طول انقطاع وشدة ترقب، وما كادوا يفرحون بسحائبه وبوادره وبداياته حتى كان مطر عذاب لا رحمة {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مسكانهم كذلك نجزي القوم المجرمين} فانتهت بهذه الخاتمة حضارتهم وذهب عمرانهم، وما أغنت عنهم قوتهم من عذاب الله شيئا وحقت عليهم لعنة الله في الدنيا والآخرة {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا أن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود} إنها لآية للمعتبرين وعظة للمتعظين، ينتفع بها من ألقى إليها سمعه، ووعاها قلبه، فهل من مدكر..؟
http://islameiat.com المصدر:
==============(2/29)
(2/30)
وللحقيقة فقط .. ( 2 )
سلمان بن يحي المالكي
كلا.. إن الإنسان ليطغى:
قصة عاد من أعجب القصص التي تتكرر في بني البشر، وقليل هم الذين يعتبرون بهذه القصة، لما فيها من دلالة على أن الإنسان إذا أنعم الله - تعالى -عليه ولم يتترس بالإيمان ضد الشياطين والشهوات كان الهلاك مصيره، والخسران عاقبته مهما بلغ ماله وجاهه، ومهما كانت قوته وغلبته " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " إن الإنسان المعاصر الذي ينتظم في منظمة هذه الحضارة الزاهية، وينعم بترفها قد أنعم الله - تعالى -عليه بنعم لا تحصى، ذلل الأرض حتى مهدها وعبّدها، والجبال ألانها وهدهدها، وأقام عليها بروجا عظيمة، وشيّد عمرانا كثيرا فألان الله لهذا الإنسان الحديد، فابتنى مصانع كثيرة واستخدمه في منافع عديدة حتى اتخذ المراكب التي تنقله في البر والبحر والجو، فصار في مقدوره أن يقطع الأرض من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها في ساعات محدودة معدودة، نعم.. الإنسان بنعمة الله - تعالى - عليه حفر الأرض فاستخرج كنوزها، وشغّل الحديد بطاقاتها، فدارت الآلات في المزارع والمصانع فأخذت تنتج للناس ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون وما يتنعمون به ويترفهون، إنها حضارة عتيدة، وعمران في الأرض ضخم، وتقدم سريع، لكن هل اعتبر الإنسان بمن مضى في القرون السالفة، والحضارات البائدة؟ فسخر ما أنعم الله - تعالى -عليه فيما يرضيه " كلا.. ؟ إن الإنسان ليطغى * أن رأه استغنى " إن هذا الإنسان الذي يسكن هذه البسيطة طغى على ربه فجحد نعمته، وأعلن إلحاده وكفره حينما ظن أنه مركز الكون، والمتصرف فيه كيف يشاء؟ وأن عصر تدفق المعلومات سيلغي ما يسمونه بالأيديولوجيات بما فيها دين الإسلام والعياذ بالله، ولم يكتفي الإنسان أن طغى على ربه فيجحده ويكفر بنعمته فقط، بل لقد طغى الإنسان على الإنسان فحاربه وجوعه، فقُتلت أمم من بني الإنسان لا تعلم لم قُتلت، ولا فيم قُتلت وأصبحت الدول العظمى ترمي فائض الطعام في البحار في الوقت الذي يموت فيه كل لحظة بشر من الجوع، وتُشيّد في بلاد الغرب البيوت والملاجئ والمستشفيات للقط والكلاب في وقت يموت فيه بشر في العراء يلتحفون السماء ويفترشون الأرض بل تجاوز طغيان الإنسان غيره حتى طغى على نفسه فارتكب ما يوبقها وصنع ما يهلكها من آلات اللهو والفساد، وأسلحة الدمار الشامل وغير الشامل، فقول لي بربك عليك أيها المبارك كيف ستكون حضارة بني الإنسان إذا كان من يسيرها قد أعرض عن ذكر الله - تعالى -وركب هواه.. ؟ والله وبالله وتالله إن حضارته لفي دمار ماحق، وهلاك ساحق عاجل أو آجل..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
http://saaid.net المصدر:
=============(2/31)
(2/32)
وللحقيقة فقط ( 3 )
سلمان بن يحي المالكي
سنن الله في إهلاك الظالمين:
سنن لله في إهلاك المجرمين الظالمين المترفين المعاندين كثيرة جد كثيرة، وسأسلط الضوء في هذه السلسلة على سنن الله - تعالى - واستدراجه بأولئك الظلمة المجرمين المترفين الذين أذاقوا المسلمين ألوان البلاء، وساموهم سوء العذاب، إنهم من يتربع على عرش الدولة العظمى دولة الكفر والطغيان دولة النصارى الولايات المتحدة الأمريكية، نعم.. إن المتأمل في حال هذه الدولة الكافرة يكاد لا يشك أحد أنها قد تتعرض إلى عقاب إلهي مدمر، شديد الوطأة عظيم التأثير واسع الانتشار، يتناول الناس والحيوان والجمادات، ربما تنهار بسببه الأبنية والمنشآت، أو تتشرذم وحدتها إلى كيانات والله - تعالى - أعلم بما هو آت.. وما سأذكره الآن وفي الأعداد القادمة من هذه السلسلة لا يدخل في باب الكهانة ولا التنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية، وما نزل في ذلك من الآيات في إيقاع العقوبة الإلهية بمن تحققت فيه هذه الصفات: من تكبر وتجبر وطغيان وترف وبذخ وظلم وجور وعدوان.. ولعلي أبين بعض حال هذه الدولة والأسباب التي لأجلها تستحق التدمير الإلهي الذي أسأل الله - عز وجل - أن يعجل به على هذه الدولة الظالمة..
أولا: الكفر والصد عن سبيل الله بعد إقامة الحجة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة أهل الكتاب، فالمسلمون فيها لا يتجاوزن 5% والأمريكيون مأمورون كغيرهم من عموم أهل الكتاب بتوحيد الله - تعالى - وتنزيهه عن الولد والإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنهم ركبوا رؤوسهم ولم يستجيبوا لدعوة ربهم، قال الله " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا شرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقل اشهدوا بأنا مسلمون " وقد تولوا وليس لهم في توليهم حجة، بل قامت عليهم البينة كما قال الله " لم يكن الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة " وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار "[رواه مسلم] وقد تبين لكل أحد وخاصة بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001م، أن دعوة الإسلام قد دخلت بيت كل أمريكي ابتداء من رئيسها وإدارته إلى الأفراد العاديين من الشعب، فالحجة عليهم قائمة، فلم تكتفي هذه الدولة بالكفر بالإسلام فقط، بل وضعت كل إمكاناتها للصد عن سبيل الله بكل وجه استطاعته، ولهذا اندرجت في سنة الله في إهلاك الكافرين الذين هم عن سبيل الله من الصادين كما قال الله " فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة " وكما قال " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " وقال أيضا " فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير" وقال " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم " فكل من يكفر ويصد عن سبيل الله مستحق للعذاب الشديد من الله - تعالى - ولن تغني عنه قوته وسلطانه وسطوته شيئا إذا جاء أمر الله " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم وأولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ".
http://saaid.net المصدر:
=============(2/33)
(2/34)
وللحقيقة فقط ( 4 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن سنن الله في إهلاك هذه الدولة..
ثانياً: التأله:
فلقد ادعت الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها من القدرات ما لا يليق إطلاقه إلا على الله - تعالى -، فهي تمارس علاقتها مع كافة دول العالم على طريقة فرعون عندما قال " يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري " وعندما قال " أنا ربكم الأعلى " وعندما قال " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " فلما وقع لها مثل هذا الادعاء، ليس بلسان المقال بل بلسان الحال كان لا بد أن تتعرض لعقاب الملك الديان، ذلك أن خطابها مع كافة حكومات وشعوب المعمورة كان منطلقا من جوف هذا الشعور المملوء بالغطرسة والتجبر، وكأنها تقول إنها تعز من تشاء وتذل من تشاء، كما وقع ذلك حينما خاطب الرئيس بوش رئيس باكستان مشرف بعد أحداث الحادي عشر مباشرة بقوله: أمامك خياران: إما أن تدخل في حلف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب وإما أن نعيد باكستان إلى العصر الحجري، فهذا الحال يجسد لنا حال النمرود مع إبراهيم - عليه السلام - لما قال له " أنا أحيي وأميت " قال كيف؟ قال: آتي بإنسان حي فأقتله، وآتي بإنسان محكوم عليه بالقتل فأعفوا عنه وهكذا تفعل هذه الدولة، فمن تريد قتله سلطت عليه آليتها الحربية الجبارة من أمثال الطائرات 52B أو صواريخ توماهوك (كروز) كما رأيناها في العراق فتبيد وتحيل أرضه يابسا، ومن أرادت إبقاءه حيا عفت عنه، هكذا هو مفهومها ومنطوقها، أي كما يفعل الإله، فسبحان الله عما يدعيه المتألهون، فبسبب ممارستها ما لا يحق لأحد أن يقوم به إلا الله الحق، استحقت أن يحيق بها العذاب الإلهي كما حاق بفرعون عندما ادعى الألوهية "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم " " ودمرنا ما كان يصنع فرعونُ وقومه وما كانوا يعرشون".
ثالثا: الذنوب:
صحيح أن الذنوب قد تقع من أي إنسان أو أمة، إلا أن الولايات المتحدة هي أبرز من يقود العالم نحو الموبقات، ومن أهمها الاقتصاد العالمي القائم على البنوك الربوية والبورصات المالية، ثم ما تنفذه من مخططات لتغيير السلوك السوي لدى بني الإنسان من خلال إنتاجها للأفلام الإباحية وأفلام الجريمة، المفعمة جميعها بكل ألوان الانحرفات التي تخطر على بال الإنسان أو لا تخطر إضافة إلى فرض آرائها الضالة وأفكارها الشاذة في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها على معظم دول العالم، مع تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ومحاولة تغيير هويتها تحت مسمى العولمة، هذا فضلا عن تهديداتها باستعمال القوة ضد أي دولة تتمرد على السير وفق المخطط الذي تضعه لها ملوِّحة للجميع بتواجد قواتها في كافة القارات وجميع المحيطات وفي الفضاء وآفاق السموات، وأنها لن تتورع عن استخدامها ضد كل من يقف حائلا دون تحقيق مصالحها الأنانية الخاصة بها دون غيرها، ولهذه الذنوب العظيمة وغيرها كثيرة جدا مما لا يتسع المقام لذكره وتعداده، فإن هذه الدولة المتجبرة المتكبرة قد وضعت نفسها في موضع من يستحق أن ينزل عليه الغضب الإلهي الرباني حيث إن سنة الله قد جرت على هذا النحو في كل من يقترف أمثال هذه الموبقات في الأمم السابقة " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " وقال عن فرعون " فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب " وقال عن الأمم السابقة " فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " ففي هذه الآيات تبين سنة الله في أخذ للأمم والدول بذنوبها التي اقترفتها، وسيصيب هذه الدولة الكافرة ما أصاب الأمم السابقة بما اقترفت أيديها من الذنوب والمهلكات.
http://saaid.net المصدر:
=============(2/35)
(2/36)
وللحقيقة فقط ( 5 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن سنن الله في إهلاك هذه الدولة..
رابعا: الظلم.
لا يختلف اثنان على الحجم الهائل للظلم الذي أوقعته أمريكا على الدول والشعوب والأفراد، فهي إضافة إلى الظلم الذي تمارسه من خلال تدخلاتها وضغوطها السياسية فإنها تضيف إلى ذلك استعمال قواها العسكرية.
إن ذكر مسلسل الظلم الأمريكي للبشرية يمتد عبر قرون وذلك منذ إنشائها، ولعلي أقف على ذكر شيء بسيط من ظلمها للشعوب والدول والأفراد عبر التسلسل الزمني.
1) أولا: الهنود الحمر التدمير أسهل من التنصير وأقصد بهم السكان الأصليين، فقد اتخذت معهم هذه الدولة عدة وسائل منها:
أولا: في عام 1664 م صدر كتاب بعنوان [العملاق] للكاتب [يورد جاك] جاء فيه " إن إبادة الهنود الحمر والخلاص منهم أرخص بكثير من أي محاولة لتنصيرهم أو تمدينهم، فهم همج برابرة عراة وهذا يجعل تمدينهم صعبا، إن النصر عليهم أسهل، أما تمدينهم فسوف يأخذ وقتا طويلا، وأما الإبادة فستختصر هذا الوقت ووسائل تحقيق الانتصار عليهم كثيرة: بالقوة، بالمفاجأة، بالتجويع، بحروق المحاصيل، بتدمير القوارب والبيوت، بتمزيق شباك الصيد، وفي المرحلة الأخيرة: المطاردة بالجياد السريعة والكلاب المدربة التي تخيفهم لأنها تنهش أجسادهم العارية "
ثانيا: في عام 1730م، أصدرت الجمعية التشريعية (البرلمان) لمن يسمون أنفسهم [بالبروتستانت الأطهار] أصدرت تشريعا يقنن عملية الإبادة لمن تبقّى من الهنود بتقدير مكافأة مقدارها 40 جنيها مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر و40 جنيها مقابل أسر واحد منهم، وبعد 15سنة ارتفعت المكافأة لتصل إلى 100 جنيها، وبعد 20 سنة أصدرت قرارات منها: فروة رأس ذكر عمره 12 سنة فما فوق يساوي: 100 جنيه، أسير من الرجال يساوي 105 جنيه، أسيرة من النساء أو طفل يساوي: 55 جنيها، فروة رأس امرأة أو طفل يساوي: 50 جنيها.
ثالثا: في عام 1763م، أمر القائد الأمريكي البريطاني الأصل (جفري آهرست) برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري في أماكن تجمعات الهنود الحمر، لنقل مرض الجدري إليهم بهدف نشر المرض بينهم، مما أدى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت مئات الآلاف منهم، وبعد عقود قليلة انتهى موت السكان الأصليين في القارة الأمريكية إلى ما يشبه الفناء بعد الإبادة المنظمة لهم على أيدي المبشرين بالمحبة والسلام للبشرية جمعا.
2) ثانيا: بالرغم من أن الحرب العالمية الثانية أفقدت العالم ما لا يقل عن خمسين مليونا من البشر فإن خسارة الأمريكيين وحدهم خمسة آلاف جندي فقط، بعد الهجمات اليابانية بطائرات [الكاميكازا] على ميناء [هاربر] الأمريكي عام 1945 م، مما أفقدت الأمريكيين عقولهم، فلأول مرة يخسر الشعب الأمريكي هذا الكم الهائل من الدماء في معركة واحدة، فكان لا بد أن يكون الرد حقدا يصب على رؤوس اليابانيين المدنيين منهم قبل العسكريين، فمقابل موت خمسة آلاف جندي أمريكي أمر القائد الجنرال (جورج مارشال) رئيس الأركان الأمريكي آنذاك بتنفيذ عمليات قصف تدمير واسعة النطاق للمدن اليابانية الكثيفة السكان، فتم إطلاق (334) طائرة أمريكية لإلقاء القانبل الحارقة لتدمير ما مساحته 16 ميلا مربعا، وقتل في ساعات قليلة 100 ألف شخص، وتشرد مليونين من السكان اليابانيين، في عمليات جحيم شملت طوكيو العاصمة و64 مدينة يابانية أخرى، ثم ختم ذلك المشهد الدموي بمشهد آخر أكثر دموية لم يكن للبشرية به عهد قبل مجيء العهد الأمريكي فقد أقدم الأمريكيون في استعمال أسلحة الدمار الشامل، وقد كانوا أسبق البشر لاستعماله عندما أسقطوا قنبلتين نوويتين فوق مدينتي [هيروشيما وناجازاكي] حصدت في أقل من دقيقية ما يقارب 160 ألف ياباني من المدنيين والعسكريين.
3) ثالثا: بعد انتهاء الحرب الثانية وقعت أزمة بين أمريكا وكوريا الشمالية بسبب خوف الأمريكيين من انتشار النفوذ السوفييتي في جنوب شرق آسيا، فتدخل الأمريكيون في تلك الأزمة وعزلوا الحكومة الشعبية في كوريا وأوغروا البلاد في حروب طاحنة أشاعت نارا ودمارا وخربا يقول الكاتب [ناعوم تشومسكي] واصفا نتائج تلك الحرب " أشعلنا حربا ضروسا سقط خلالها 100 ألف قتيل، وفي إقليم واحد صغير سقط ما يقارب 30 ألف إلى 40 ألف قتيل ".
http://saaid.net المصدر:
==============(2/37)
(2/38)
وللحقيقة فقط ..(6)
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم ..
رابعا : إسقاط بعض الأنظمة الديمقراطية التي لا تخدم مصالحها الخاصة ، يقول الكاتب أيضا في كتابه " أعاقت حكومتنا [ يعني أمريكا ] بعض الحكومات البرلمانية ، وأسقطت بعضها ، كما حدث في إيران عام 1945م، وفي جواتيمالا وفي تشيلي عام 1972م ، ولم تكن أساليب الإسقاط طبيعية جدا ، فلم يكن القتل العادي هو كما تتصورون بل كان بصفة واضحة قتل القسوة والتعذيب السادي : قمنا بتعليق النسوة من أقدامهن ، بعد قطع أثدائهن ، وفض بكارتهن ، وقطع الرؤوس وتعليقها على خوازيق ، ورطم الأطفال بالجدران حتى يموتوا .." إلخ ..
خامسا : في حرب فيتنام قتل الفتناميون 55 ألف أمريكي ، فانتقم الأمريكيون من الفتناميين فأطروا في الثأر فبلغ عدد القتلى فيهم في عام 1975 م كما جاء في مجلة [ نيويورك تايمز في 8/ 10 / 1997 م ] قالت إن العدد الحقيقي بلغ 3 مليون و00 6 ألف قتيل ، ولكن لم يكن هذا كافيا لإرواء الظمأ لدى الأمريكيين فقد قاموا بحرب أخرى في عام 1963م ، تسببت هذه الحرب في مقتل 160 ألف شخص ، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص ، واغتصاب نحو 31 ألف امرأة وبقر بطون 3000 آلاف شخص وهم أحياء ، وإحراق 4000 آخرين حتى الموت ، ومهاجمة 46 قرية بالمواد السامة ، وتسبب القصف الجوي في إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الكلي وفقدان 300 ألف عائلة لعائلها أو أحد أفرادها ، هذا كله بسبب مقتل 55 ألف أمريكي في حرب فتنام .
سادسا : حرب الخليج الأولى ، بين العراق وإيران ، فبعد قيام الثورة الشيعية في إيران عام 1979م اعتبر الأمريكان هذا التطور في إيران ضارا بمصالحهم ، وكانت إيران بعد الثورة الشيعية قد حجزت عسكر أمركيين في عهد [ كارتر ] فوجه الأمريكان 8 طائرات هليوكوبتر تابعة للبحرية الأمريكية و6 طائرات نقل مع قوة من الكوماندز ورجال المضلات إلى صحراء [ طبس الإيرانية ] في محاولة لإنقاذ الرهائن الأمريكيين ولكن العملية أخفقت وفشلت ومات 8 من الرهائن بسبب تصادم طائرة النقل التي نقلتهم بطائرة أخرى أمريكية ، فثار الشعب الأمريكي لأجل هذا وأسقط [ كارتر ] وتولى الزعامة من بعده الكاهن [ ريجان ] فحدثت من أجلها حرب الخليج الأولى بتواطئ أمريكي أمدت فيها الطرفين المتحاربين ـ العراق وإيران ـ بكل ما يحتاجانه من أسلحة التقتيل والتدمير ، وقد وصفها وزير الخارجية الأمريكي [ كيسنجر ] عندما قال أكثر من مرة " سياستنا تجاه هذه الحرب : ألا تُهزم إيران ، ولا ينتصر العراق " وطالت الحرب إلى 8 أعوام حصدت فيها ما يقارب 45 ألف عراقي ، وتكبدت إيران مليون من القتلى والجرحى والمشردين ، وانتصر فيها العراق كما هو معروف .
=============(2/39)
(2/40)
وللحقيقة فقط .. ( 7 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..
سابعا: حرب الخليج الثانية بين العراق والكويت، فقد كان خروج العراق قويا من الناحية العسكرية من حرب الخليج الأولى فمع مقاومته لإيران إلا أنه خرج بـ 600 ألف مقاتل نظامي إضافة إلى 500 ألف مقاتل غير نظامي وخرج ببرامج متقدمة للأسلحة الكيمياوية وللصواريخ وصناعة صواريخ تدمير شامل، ومع ذلك فقد أعطت الإدارة الأمريكية ضوءا أخضر لغزو الكويت وذلك عندما استدعى الرئيس العراقي السفيرة الأمريكية في بغداد [أبريل جلاسبي] قبل الغزو في 25 / 7 / 1990م، وفاتحها في المشكلات المتفاقمة بين العراق والكويت بسبب ضخ الكويت كميات من النفط تفوق ما تسمح به منظمة أوبك، مما أدى إلى انخفاض سعر النفط في العراق، أضف إلى ذلك استخدام الكويت نفط حقل الرميلة لصالحها دون العراق فأجابت السفيرة: بأن بلادها [يعني أمريكا] لن تتدخل بين الجيران العرب، باعتبار هذا الشأن لكونه شأنا عربيا داخليا، فاعتبر صدام هذا ضوءا أخضرا لضم الكويت إليه وبهذا السبب سرعان ما حشدت أمريكا العالم خلفها لا بسبب افتداء الكويت وإنما بسبب إضعاف قوة العراق إذ كان يشكل القوة الخامسة في العالم والسيطرة على منابع النفط، وإتمام حماية دولة اليهود من أي خطر مستقبلي، وبدأت الحرب بقيادة بوش الأب حيث ألقيت على الشعب العراقي أكثر من 141ألف طن من المتفجرات منها 350 طن من اليورانيوم المخصب و 60 إلى 80 ألف قنبلة، خلال طلعات جوية بلغت 112 ألف طلعة قتل بسببها ما يقل 52 ألف شخص ودفن الجنود العراقيون وهم أحياء، حتى قال قائد الوحدة الثانية في الجيش الأمريكي (بانتوني) وهو يصف عمليات طمر العراقيين " من المحتمل أن نكون قد قتلنا بهذه الطريقة آلاف الجنود.. ولقد رأيت العديد من أذرع الجنود وهي تتململ تحت التراب وأذرعها ممسكة بالسلاح " وحُشدت لتلك الحرب 850 ألف عسكري و 750 طائرة، و60 سفينة حربية، 1200 دبابة، وكان الجنرال (ميشيل دوغان) وهو رئيس أركان القوات الجوية قد وجه قادة قواته باستهداف كل ما هو فريد من حضارة العراق وكل ما يعتبره العراقيون قيما عليا، وكل ما يترك أثرا نفسيا على الشعب العراقي، وقال لهم " إن الطرق وسكك الحديد ومنظومات الطاقة أهداف جيدة ولكنها ليست كافية " فخسر العراق بسبب هذه الحرب 4000 دبابة، و 3100 قطعية مدفعية و240 طائرة، و 1856 عربة لنقل القوات وما بين 70 إلى 100 ألف جندي غير المدنيين، وقد استغرقت الحرب أربعين يوما فقط وأطلق عليها الأمريكان بأنها " الحرب النظيفة "
ثامنا: في بداية عهد كلينتون في عام 1993م، ادعت الولايات المتحدة أن بعض العملاء العراقيين حاولوا الاعتداء على الرئيس السابق جورج بوش الأب أثناء زيارته للكويت، وقبل أن تُتثبت أمريكا ذلك سارعت كعادتها بتنفيذ العقوبة قبل إثبات التهمة، فأمطرت بغداد بوابل من صورايخ [كروز] لم يسقط أي منها على أحد من المتهمين ولكن الصورايخ فقط روعت الشعب المنكوب بمحاولة الاعتداء.
تاسعا: حصلت هناك أزمة عام 1996م، كانت الولايات المتحدة قد أغرت الأحزاب الكردية العلمانية بالانقلاب على النظام العراقي، وبينما هم يقومون بتشجيع منها بثورتهم وانتفاضتهم في الشمال، قامت بضرب الجنوب بالصورايخ المعهودة كروز.
http://saaid.net المصدر:
============(2/41)
(2/42)
وللحقيقة فقط ( 8 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..
عاشرا: في عام 1997م كانت الولايات المتحدة قد دبرت بالتعاون مع لجان التفتيش بالأمم المتحدة أزمة جديدة، تتعلق باتهام النظام العراقي بتخزين أسلحة الدمار الشامل في القصور الرئاسية، وهددت أمريكا وتوعدت وحشدت حشودها مرة أخرى لخوض حرب جديدة إذا لم يسمح صدام حسين بتفتيش القصور وكعادته: تمنّع صدام وترفع، وجادل وماطل، فأوحى للعالم أن أمريكا صادقة في ادعائها، وحبست دول العالم أنفاسها، وجهزت دول الجوار نفسها لحرب طاحنة جديدة، كانت لها بالطبع صفقاتها وميزانياتها ولكن في النهاية سمح صدام بتفتيش المواقع الرئاسية البالغة ستين موقعا، فلم تقع لجان التفتيش في داخلها على أي شيء محظور ومضت الأزمة.
الحادي عشر: في منتصف عام 1998م افتعلت أمريكا عن طريق لجان الأمم المتحدة أو بالأحرى الولايات المتحدة للتفتيش على أسلحة الدمار الشامل أزمة جديدة، بادعاءات عن وجود غاز [في إكس] القاتل بكميات كبيرة داخل العراق ولما لم تجد له أثرا في طول البلاد وعرضها، إذا بها تفتش دفاترها القديمة فوجدت أنه من الممكن أن يكون هذا الغاز استخدم في الماضي، فأمرت بالبحث عنه بأثر رجعي، وبالفعل أثيرت ضجة كبرى حول جريمة استخدام هذا الغاز أثناء الحرب المنتهية، وأصرَ الأمريكيون على اختبار بقايا الصواريخ العراقية التي استُخدمت في حرب الخليج الثانية، وتوسطت الأمم المتحدة في ذلك، وأمرت بشحن رفات الصواريخ إلى فرنسا وسويسرا، وكانت المفاجأة لقد أعلنت الدولتان أن الصواريخ كانت خالية من أي أثر للغاز السام، فكان هذا بمكانة تكذيب لأمريكا وبدؤوا يستعدون للبحث عن أزمة أخرى جديدة.
الثاني عشر: في عام 2000م تبيّن للسلطات العراقية أن لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة تضم في عضويتها جواسيس صرحاء منهم يهود إسرائيليون وهنا أمرت السلطات العراقية بطرد تلك اللجان، فاعتبرت الولايات المتحدة هذا القرار من العراق بمثابة تفويض مفتوح لأمريكا بأن تتصرف بمفردها لمواجهة خطر العراق على سلامة المنطقة والعالم وسلام الأمن القومي الأمريكي نفسه، وبدأت أمريكا من ذلك الحين وهي توحي للعالم بأن صدام انتزع بالقوة فرصة الدمار الشامل دون أي رقابة من أي جهة دولية، وتركت الولايات المتحدة والأمم المتحدة العراق منذ ذلك الحين بلا رقابة ولا تفتيش كي تُحكم ترتيب مسرحية رهيبة جديدة لدول المنطقة تتلخص روايتها في أن صدام قد نجح بالفعل في إعادة بناء قوة جبارة تقليدية وغير تقليدية يمكن بها أن يعيد غزو جيرانه ويهدد سلام العالم، بل حتى إن بريطانيا أعلنت أنه بالفعل نجح في صنع قنبلتين نوويتين.
http://www.saaid.net المصدر:
=============(2/43)
(2/44)
وللحقيقة فقط .. ( 9 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..
الثالث عشر من الظلم: كل ما حدث في عهد كلينتون [من 93 إلى 200] لم يكن هذا العهد بهذه الوقاحة فحسب بل كان عهده بالنسبة للعراق عهدا أسودا، إذ في ظله شددت وطأة الحصار على المدنيين وكثفت حملات التفتيش على الأسلحة، وأظهرت السنوات الأخيرة أن أمريكا قصدت من هذا الحصار إيذاء الشعب العراقي قبل الحكومة العراقية، وقامت الأمم المتحدة بتجميل هذا الحصار وأسمته "النفط مقابل الغذاء" وهي مكيدة سياسية هدفها تبرئة الذمة مما يحدث للشعب العراقي، فكانت الخسائر في هذا الحصار أكثر من الخسائر التي حدثت في حرب الخليج الثانية، وفقد العراق من شعبه خلال العشر السنوات الماضية ما يقارب المليون وسبعمائة ألف شخص، أكثرهم من الأطفال وبشهادة [دينيس هاليداي] الرئيس السابق لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" التابع للأمم المتحدة قال: "فإن العراق يفقد شهريا ما بين 5 إلى 6 آلاف طفل نتيجة الحصار" وقالت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة: إن 30% من العراقيين يعانون من سوء التغذية، وأن 25 % من تلاميذ المدارس تركوا المدارس للتفرغ لأي عمل يظمن لهم كسب القوت اليومي كما أن 10 آلاف مدرّس تركوا مهنة التدريس واتجهوا لأعمال أخرى لأسباب العيش.
وحسب تقارير منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة والتي نشرتها صحيفة الواشنطن بوست في 12/ 3/2003م تقول المجلة: فإن ضحايا الحصار الأمريكي الممتد إلى اثنتي عشر عاما يزيد أضعاف كثيرة عن ضحايا حرب الخليج الثانية بينما أدت تلك الحرب إلى مقتل ما يقل عن 30 ألف عراقي بينهم خمسة آلاف مدني، فإن العراق يخسر شهرياً خمسة آلاف طفل من جراء الحصار أي بمعدل ستين ألف طفل كل عام، فهل يعقل أن يجوع العراقيون وهم يسكنون أرض الرافدين وبلدهم هو البلد الثاني الذي يملك ثاني احتياطي للنفط في العالم.
إنه لأمر محير، ولكن ضباب الحيرة يتلاشى عندما نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة" [رواه البخاري] ومن عجيب الأمر أن يخبر صلى الله عليه وسلم عن جوع يصيب أهل العراق قبل قيام الساعة وأظنه والله أعلم أنه الذي حصل قبل هذه الحرب الأخيرة، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: "يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذلك؟ قال: من قِبَلِ العجم يمنعون ذاك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدْيٌ، قلنا من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم" [رواه مسلم].
الرابع عشر: في لبنان، عندما تعرض السفير الإسرائيلي في بريطانيا عام 1982م، إلى عملية اغتيال اتهمت الحكومة الإسرائيلية الفلسطينيين بالعملية، وكان الرد اليهودي أن اجتاح الجيش الإسرائيلي أرض لبنان واحتل العاصمة [بيروت] وذلك بعد أن أخذت إسرائيل الضوء الأخضر من وزير الخارجية الأمريكي [ألكسندر هيج] وباستخدام السلاح الأمريكي قتل اليهود في لبنان 17 ألف شخص من اللبنانيين والفلسطينيين، ولم يكتفي نصارى الغرب وحدهم في المشاركة، فقد انظم نصارى العرب إلى تلك المعركة فنفذ حزب الكتائب اللبناني النصراني بالتنسيق مع السفاح اليهودي شارون مذبحة صبرا وشاتيلا التي حصدت في 40 ساعة 1800 مسلم، ثم أرسل الأمريكان قواتهم إلى لبنان لحفظ السلام كما يزعمون وكما هي العادة الأمريكية، لكن شيئا واحدا عكّر على الأمريكيين الوجود الآمن هناك، إذ فجرت فتاة لبنانية نفسها في معسكر قوات المشاة البحرية (المارينز) فقتل منهم المئات، مما أدى إلى اتخاذ قرار سريع يقضي بسحب الأمريكيين بأسرع وقت من لبنان تاركين لبنان لسوريا كي تحل مشكلتها سياسياً إسرائيل كيف ما تتصرف وما تشاء.
الخامس عشر: في الصومال كان الحال أعجب، فالولايات المتحدة عندما أرادت أن تؤّمن لنفسها موطئ قدم في القرن الأفريقي البالغ الأهمية الاستراتيجيا لها ولدولة اليهود، تعللت بالفوضى التي حلّت في الصومال برحيل عميلها الزعيم [سياد بري] وحشدت قواتها للتدخل السريع فراحت تمارس أنواع القتل في المسلمين الصوماليين باسم تهدئة الأوضاع الأمنية وإطعام الجوعى، فقتلت عما لا يقل عن ألف صومالي لكن ظهرت 18 جثة أمريكية علقت في شوارع مقديشو ، فراح الأمريكيون يفرون إلى بلادهم بلا رجعة وإعادة النظر في عملية أخرى للصومال وكان ذلك في عهد كلينتون.
http://saaid.net المصدر :
============(2/45)
(2/46)
وللحقيقة فقط ( 10 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..
1) السادس عشر: بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في أفغانستان قاتل الأمريكان بكل شراسة وجرأة وجسارة عندما أمنوا من فوق السحاب فاستمر القصف الجوي الجبان على المدن الأفغانية المكشوفة طوال شهر شعبان ودخول رمضان في عام 2001 حتى أوقعوا ما يقل عن 20 ألف أفغاني جلهم من المدنيين ثأرا لـ [2700] أمريكي من ضحايا هجمات سبتمبر التي تعلم الإدارية الأمريكية جيدا أن ليس للمدنين الأفغانيين فيها ناقة ولا جمل.
2) السابع عشر: حرب الخليج الثالثة، فالأمريكيون والأنجليز[وأقصد بهم البريطانيون] يريدون احتلال العراق وكلما اقتربوا من نهر الفرات، اقترب الإسرائيليون من نهر النيل، فقد جاء في سفر [التكوين: 12] ما نصه " لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر الفرات إلى نهر مصر الكبير " بل إن الحرب على العراق الحالية هو محتوى خطة " تيودور هرتزل " مؤسس الدولة الصهيونية في فلسطين، ومنذ ذلك العام والعراق على مائدة التخطيط كما جاء في [مخطط الدويلات الطائفية] في مجلة [كيفونيم] الإسرائيلية والذي نشرته أيضا [جريدة العرب تايمز في تاريخ 11/12/1992م] حيث يقول التقرير " أما العراق فهي غنية بالبترول وفريسة لصراعات داخلية، وسيكون تفكيكها أهم لنا بالنسبة لنا من تفكيك سوريا [تأملوا الكلام] لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل " وتأملوا أيها الأحبة هذا الكلام قيل قبل أن تعلن إسرائيل دولتها على الأرض الفلسطينية بـ (50) سنة، وقبل أن تبدأ حرب الخليج الأولى والثانية وهاهي الثالثة على أشدها قد قامت، وقد رسم الأمريكان خطوط استراتيجية جديدة للتمهيد لما يحدث الآن من تغيير في خارطة الشرق الأوسط وغيرها من الأماكن الهامة، مما يخدم المصلحة المزدوجة للولايات المتحدة من جهة وقيام دولة إسرائيل من جهة أخرى، وكانت بداية هذه المصلحة هي حرب الخليج الثانية والتي زلزلت استقرار المنطقة تمهيدا لإيجاد (نظام إقليمي جديد) يضمن سيطرة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط سلما أو حربا، وهو ما يمهد في الوقت نفسه إيجاد (نظام عالمي جديد) يضمن هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وكان هذا في عهد بوش الأب، ففشل هذا أو أفشل المشروع، وجاء الآن بوش يدعمه السفاح شارون لتحقيق المشروع عسكريا لا سلميا، وقد أعلن مسئول أمريكي في صحيفة تشرين السورية في يوم 9/4 / 2003م، أن القوات الجوية الأمريكية منذ بدأت الحرب في 17/ محرم من هذا العام وحتى سقوط بغداد قد قامت بـ 12 ألف غارة جوية، ألقت من خلالها 14500 ألف قنبلة موجهة، و 6800 قنبلة غير موجهة.
وبعد هذا كله..
لم تكتفي أمريكا بهذا الظلم بل شرعت باستخدام قوتها ونفوذها للتأثير في أسعار البترول وفي تجميد أو مصادرة أموال دول وشركات ومؤسسات وأفراد، وفي اصطناع حروب بين الدول لإنعاش حركة الصناعة الحربية في معاملها. إنه ظلم عالمي قادته الولايات المتحدة لم يشهد له العالم مثيلا على مر قرونه وتعاقب دهوره، فاستحق لأجل ذلك كله مما ذكرته وما لم أذكره وهو كثير جدا أن ينزل بها غضب الجبار القهار جلت قدرته، وذلك بسبب ظلمها الفادح وجورها الصارخ، ولأن عقوبة الله للظالمين سواء كانوا أفرادا وشعوبا وأمما أو دولا هي سنة جارية مضطردة مستمرة، لا تزول ولا تتحول، ولأن هذه التصرفات الظالمة لم تقتصر على الحكومة الأمريكية فحسب بل تجاوزت ذلك إلى الشعب الأمريكي نفسه، حيث دلت الاستفتاءات التي أجريت في شهر رمضان عام 1422 هـ أن 85% من الشعب الأمريكي يؤيدون حكومتهم في حربها الظالمة الغاشمة المدمرة على أفغانستان المستضعف وهي كما قال عنها وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الأسبق (هنري كيسنجر) أمريكا دولة لا تعرف المبادئ وإنما تعرف المصالح "وصدق الله " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " وقال " وما كنا مهلكي القرى إلا أهلها ظالمون " وقال " وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها " وقال الله " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين " وقال " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء " وقال - تعالى -" ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاويةً بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ".
http://saaid.net المصدر:
=============(2/47)
(2/48)
وللحقيقة فقط (11 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن سنن الله - تعالى -في إهلاك هذه الدولة..
خامسا: البطر:
وهو كفر النعمة، وكفرها يكون إما بجحد المنعم بها وإما بعدم شكره أو باسخدامها في غير ما خلقت لأجله كصناعة الخمر من العنب، وكالمتاجرة بالجنس، وتصنيع السلاح لإخضاع الأمم ظلما وعدوانا، وكتوجيه الأبحاث العلمية فيما فيه ضرر على الإنسانية كالاستنساخ البشري وما أشبه ذلك.
إن المتفحص لأسلوب ومنهج حياة الأمريكيين يرى أن جميع هذه الطامات الكفرية موجودة فيهم كل بحسبه لكنهم جميعا مشتركون في انتهاج البطر أسلوبا لحياتهم، ومعلوم أن البطر سبب من أسباب هلاك الأمم كما قال الله: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين"قال بن كثير - رحمه الله -: "بطرت معيشتها أي طغت وأشرت وكفرت بنعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق كما قال الله - تعالى -: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"ومن أنواع البطر التباهي بالقوة والجبروت واستخدام ذلك للتعدي على الإسلام وعلى الداعين إلى الله وللصد عن سبيل الله، وهو ما تفعله أمريكا وتشجع وتؤيد حلفاءها على فعله واقترافه، قال - تعالى -"ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط"فهذه أمريكا قد جالت وصالت في البحار والأجواء والبراري بحاملات طائراتها ومدمراتها وصواريخها وبدباباتها ومدرعاتها متباهية بذلك أمام شعوب العالم ومرهبة لهم ليسمعوا لها ويطيعوا، وحالها كحال قريش عندما خرجوا لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر، إذ قال أبو جهل: لا والله، لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزور ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان لتسمع بنا العرب، فكان عاقبة ذلك أن هزمهم الله - تعالى -شر هزيمة وانزل بهم أمحق عقاب فتشرذموا بين قتيل وأسير وفار ومذعور فانكسرت شوكتهم وحرنت نفوسهم، ولذلك نقول عن هذا الصولجان الحربي الذي رفعته الولايات المتحدة في وجه أمم الأرض، بطرت به قد يحل بها من العقاب الإلهي ما يعطل مفعوله ويخمد أنفاسه فيصبح كخردة الحديد وكانوا قد أعدوه للبطش بالدول والشعوب، تماما كما وصف الله - تعالى -حال عاد عندما قال لهم نبيهم هود - عليه السلام -: "أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين"فهلا اعتبرت الولايات المتحدة بعبر التاريخ، ونظرت في حال الأمم السابقة التي مارست البطش ضد عموم البشر فكان ذلك سببا لإهلاكهم قال الله:"فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين"وقال:"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص * إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد"وقال الله:"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا"وقال:"وكم أهلكنا قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص"قال بن عباس - رضي الله عنه -: ليس بحين نداء ولا نزاع ولا فرار أي نادوا النداء حين لا ينفعهم.
http://saaid.net المصدر:
==============(2/49)
(2/50)
الهاجانة :حرب صهيونية على مواقع الإنترنت الإسلامية
عمر عبد العزيز مشوح
ليس من الغريب أن يظهر اسم "الهاجانة" مرة أخرى في عالم الصراع الإسلامي الإسرائيلي!
لكن الجديد في الموضوع أن الهدف الذي تتبعه الهاجانة هذه المرة مختلف عن الهدف الذي ظهرت من أجله في بدايات القرن الماضي، مع أن الأسلوب واحد؛ وهو الملاحقة والتشريد والتدمير!
في عام 1921م تشكلت منظمة عسكرية صهيونية استيطانية في القدس، وكانت سرية تحت مسمى "الدفاع والعمل"، وفيما بعد أسقطت كلمة "العمل"، وبقيت كلمة "الدفاع" التي تعني (الهاجانة).
كان الغرض من هذه المنظمة اقتحام الأرض والعمل والحراسة.
ورغم أن معناها الدفاع فإنها قامت بالعمل المسلح ضد العرب، كما شاركت في عمليات الاستيطان، وساعدت في الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وتعاونت مع بريطانيا أثناء الثورة العربية عام 1936م.
وفي عام 1931م شكلت عناصر الهاجانة وعناصر من "بيتاد" منظمة "الأرجون" التي كان لها الدور الأكبر في قيام دولة إسرائيل وقتل وتشريد الفلسطينيين، وكان شعارها يدا تمسك البندقية، وتحتها عبارة "هكذا فقط"!!
الحقد والحرب..إلكترونيا
لكن الهاجانة التي نتحدث عنها الآن هي منظمة تعمل في عالم الإنترنت الافتراضي، ومهمتها ملاحقة المواقع الإسلامية على الإنترنت وإغلاقها، وتشريدها من شركات الاستضافة تحت ذريعة أن هذه المواقع تدعم الإرهاب والجماعات الإرهابية!
أسس موقع الهاجانة شخص أمريكي من أصل يهودي يدعى And r ew Aa r on Weisbu r d في الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم مهمة الموقع الأساسية على ملاحقة المواقع الإسلامية التي تتحدث عن الجهاد أو التي تنقل أخبار الجهاد في فلسطين أو العراق أو أي مكان يكون فيه جهاد ضد الاحتلال، وأيضا المواقع التي تتبع الجماعات الإسلامية سواء الجهادية أو غير الجهادية.
بل تعدى الأمر أن تكون الملاحقة للمواقع التي تنادي بالمقاطعة الاقتصادية، وتنشر تصاميم المقاطعة وفتاوى المقاطعة!.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل تم إدارج المواقع الإسلامية المعتدلة والتي لا تصنف تحت أي تصنيف، وإنما هي مجرد مواقع إخبارية دعوية، مثل موقع إسلام أون لاين. نت، وموقع الإسلام اليوم، وموقع طريق الإسلام، والمواقع الشخصية لبعض الدعاة والعلماء!
تتم عملية المتابعة والملاحقة عن طريق مراسلة شركات الاستضافة التي تستضيف هذه المواقع على الخادمات (السيرفرات) الخاصة بها. فيتم إعلام هذه الشركات أن هناك مواقع إرهابية أو تابعة لمجموعات إرهابية، ويجب أن تتم إزالتها أو يتم منع الخدمة عنكم! وطبعا يتم دائما التخويف باسم مكتب التحقيقات الفيدرالية حتى تستجيب هذه الشركات بأقصى سرعة ممكنة.
وأصبحت المواقع الإسلامية في حيرة من أمرها؛ فكلما انتقلت إلى شركة استضافة (وخاصة تلك التي تكون أجهزتها في أمريكا) تقوم الشركة بإغلاق الموقع مباشرة، والطلب من الموقع نقل ملفاته إلى شركة أخرى.
فبدأت المواقع الإسلامية تبحث عن شركات لا تخضع لسيطرة القانون الأمريكي؛ فكان أن وجدت في شركات ماليزية بغيتها، وبدأت هجرة المواقع الإسلامية إلى ماليزيا؛ حيث إن الشركات الماليزية لا تخضع للقانون الأمريكي الخاص بملاحقة المواقع الإرهابية (كما يزعمون)!
ولكن حصلت حادثة على الإنترنت، وانتشر شريط فيديو يصور مقتل أحد الأمريكيين في العراق، وانتشر هذا الشريط عبر موقع موجود على شركة ماليزية اتضح فيما بعد أن نفس الشركة تستضيف عشرات المواقع الإسلامية؛ فكانت ضربة قاصمة لهذه المواقع؛ حيث تحركت الهاجانة ومكتب التحقيقات الفيدرالية، وطلبوا رسميا من الحكومة الماليزية إغلاق هذه الشركة وطرد جميع المواقع، وكان لهم ما أرادوا!
هذا الإرهاب الفكري والعملي الذي تمارسه الهاجانة يخالف كل القوانين والأنظمة المتداولة في عالم الإنترنت الافتراضي؛ فلا يوجد قانون رسمي يمنع المواقع من نشر الفكر الذي تريده، أو ترويج المعتقد الذي تؤمن به. وإلا لتم منع عشرات الألوف من المواقع الجنسية التي تبث الرذيلة والفحش، أو المواقع التي تخص الجماعات المسيحية المتطرفة أو اليهودية العنصرية، أو المواقع التابعة لجماعة عبدة الشيطان، أو المواقع الشخصية العنصرية ضد الإسلام والمسلمين!
كل هذه المواقع لا يستطيع أحد أن يمنعها أو يلاحقها، بينما لو كان الموقع إسلاميا بحتا يعبر عن مبادئ الإسلام وأفكاره العامة فإنه يُمنع ويطارَد ويغلَق في كل مكان.
من ميدان الحرب
قام موقع الهاجانة خلال سنتين ونصف من تاريخ تأسيسه بملاحقة مئات المواقع الإسلامية، وتم إغلاق أكثر من 500 موقع إسلامي عن طريق تحريض شركات الاستضافة وتهديدها بالإغلاق.
ويعبر موقع الهاجانة عن أهدافه التدميرية بكل جرأة ووقاحة، وينشر معلومات تفصيلية عن أصحاب المواقع وأماكن تواجد المواقع التي يلاحقها، ويطلب من أتباعه التبرع للموقع والعمل معه من أجل مراسلة شركات الاستضافة لإغلاق المواقع!(2/51)
وعندما يقوم بتدمير موقع ما فإنه يضع تحت اسم الموقع علامة السلاح المنكس (كلاشينكوف مقلوب)؛ وذلك تعبيرا عن أن هذا الموقع الجهادي قد تم إيقافه وتعطيله. حتى في التعبير عن انتهاء عمله ومهمته تظهر تعابير أيديولوجية توضح لنا كيفية تفكير هذا الموقع وأهدافه الخفية.
ويتبع الموقع طريقة آلية لملاحقة المواقع الإسلامية ومتابعتها؛ حيث إن هناك برمجية خاصة تابعة للموقع تقوم بالبحث السريع ضمن قاعدة بيانات واسعة من المواقع الإسلامية، وتقوم هذه البرمجية بالبحث عن كلمات معينة أو صور أو مواضيع محددة، ثم تقوم هذه البرمجية بتقديم معلومات كاملة عن هذا الموقع، ونتيجة البحث فيه، وروابط المواضيع التي تخص نتيجة البحث.
ويقوم الموقع بتصنيف المواقع الإسلامية حسب الاتجاه الفكري لها؛ فهناك تصنيف لمواقع القاعدة، وهناك مواقع حماس، وهناك الجهاد، وهناك السلفية الجهادية، وهناك حزب التحرير، وهناك حزب الله، وهناك المجموعات الجهادية في كشمير.. إلخ.
بل إن الموقع تعدى الفكر الجهادي، وبدأ بملاحقة المواقع الإسلامية المعتدلة، ودخلت ضمن تصنيف جديد وتحت طائلة المتابعة والمراقبة؛ مثل موقع إسلام أون لاين. نت، الإسلام اليوم، الإسلام سؤال وجواب، مفكرة الإسلام، رسالة الإسلام... إلخ، فجميع هذه المواقع هي مواقع إخبارية دعوية بحتة، لكنها لم تسلم من سطوة الهاجانة وحقدها الدفين!
تحالف صهيوني
ورغم أن الهاجانة تدعي أنها لا تقوم بعمليات تخريب أو تدمير للمواقع التي تقوم بملاحقتها؛ فإنها تتعاون بشكل وثيق مع مجموعات يهودية خاصة بالاختراق والتدمير تسمى "الهاكرز"، وتقوم هذه المجموعات بتدمير المواقع الإسلامية التي يشعرون أنها تؤذي اليهود بكلامها.
ويؤكد هذا الأمر تقرير نشرته شركة r iptech المختصة بأساليب الحماية في شبكة الإنترنت؛ حيث أوضح هذا التقرير أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث كمية الهجمات الموجهة لشبكات الإنترنت التي تنطلق من داخلها، وذلك نسبة لعدد مستخدمي الإنترنت في إسرائيل. حيث رصدت الشركة أكثر من 128 ألف هجمة اختراق تنطلق من إسرائيل نحو حوالي مليون جهاز كمبيوتر مرتبط بالإنترنت.
كما أظهر تقرير آخر أعدته شركة "سيمانتك" التي تعمل على تطوير برمجيات مضادة للفيروسات أن إسرائيل تحتل المركز التاسع في قائمة الدول التي تنطلق منها هجمات فيروسية عبر شبكة الإنترنت.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد من التخريب والملاحقة للمواقع الإسلامية؛ بل تعداه لمحاولة إخفاء أي أثر لمواقع إسلامية أو غير إسلامية تتحدث عن اليهود، حتى لو ظهرت أسماء هذه المواقع في محركات البحث!!
إذ قامت "رابطة مكافحة التشهير" الأمريكية الموالية لإسرائيل بتقديم طلب إلى شركة "جوجل" المعروفة، وذلك لإزالة المواقع الإلكترونية المعادية لليهود وإسرائيل التي تستضيفها "جوجل" على محركات البحث الخاصة بها. إذ إن "رابطة مكافحة التشهير" احتجت لدى "جوجل" بأن من يبحث عن كلمة "يهود" في موقع البحث "جوجل" فسوف تظهر له في نتائج البحث عدة مواقع معادية لليهود!
وقامت شركة "جوجل" تحت هذا الضغط بالاعتذار رسميا عن وجود ما تسميه "مواقع الكراهية" التي تزعم أنها معادية للسامية وإسرائيل!
إن هذه الحملة الشعواء على المواقع الإسلامية لم تقتصر على الهاجانة فقط ؛ بل ظهرت في الفترة الأخير مواقع كثيرة مهمتها مراقبة المواقع والمنتديات الإسلامية، وإصدار التقارير والكتابات التي تحرض على الإغلاق والتدمير.
ومن أشهر هذه المواقع أيضا موقع "MEM r I"، وهذا الموقع يهودي مهمته الأساسية متابعة الإعلام العربي سواء الوسائل المقروءة أو المرئية، ومتابعة جميع المواضيع التي تخص اليهود. ومن هذه المواقع أيضا موقع Te r ro r T r acke r وهو موقع يعبر عن نفسه بأنه مخصص لكشف الإرهاب الذي تقوم به القاعدة وجماعة أبو حمزة المصري وبقية الجماعات الإرهابية، على حد قوله!
إن هذه المواقع وغيرها كثير تقوم بعمل إعلامي منظم وقوي جدا - وبتنسيق كامل بينها- من أجل إسكات هذه المواقع وإخفاء معالمها من الإنترنت. والهاجانة تعمل الآن من أجل إصدار قانون أمريكي جديد لمكافحة الإرهاب في عالم الإنترنت، وبحيث يمكن بكل سهولة تعطيل هذه المواقع وإغلاقها دون أي متابعة أو ملاحقة.
من يحمي المواقع الإسلامية؟
إذن من يحمي المواقع الإسلامية من هذا الفيروس المدمر؟! ومن يحفظ لهذه المواقع حقوقها ويسترد شيئا من كرامتها؟!
تقف جمعيات حقوق الملكية ومنظمات حرية التعبير عن الرأي صامتة أمام هذه الجريمة البشعة بحق المواقع الإسلامية!
ولا أحد ينبس ببنت شفة خوفا من الهاجانة التي استمدت قوتها من تحركات ودعم مكاتب التحقيق الفيدرالية FBI التي تقوم بإغلاق الشركة التي ترفض الانصياع للأوامر!
ماذا تريد الهاجانة بكل بساطة؟ إنها تريد الآتي:
* إسكات أي صوت إعلامي للجهاد أو للمقاومة في بلاد الإسلام.
* إغلاق جميع المواقع الإسلامية التي تتحدث عن اليهود والأمريكان، وتعتبرهم غزاة ومحتلين ومجرمي حرب.(2/52)
* تشويه الجهاد والمقاومة بنشر بعض الآراء والأفكار الشاذة، وترويجها على أنها هي المقاومة والجهاد الحقيقي.
* تحجيم دور المواقع الإسلامية على الإنترنت، وإشغال المواقع بعمليات الإغلاق المتكرر والمتابعة والملاحقة.
ويستدعي هذا الضغط الهائل من الكراهية والحقد والعنصرية أهمية الحديث عن تحرك إعلامي قوي من أجل كشف أهداف الهاجانة وتعريتها أمام الجميع، وليس هذا فحسب؛ بل الوقوف من أجل ملاحقتها قضائيا للتوقف عن هذا التسلط اللامحدود على شبكة الإنترنت، وعلى المواقع الإسلامية خصوصا بدون قانون واضح يسمح لها بهذا التحرك!
إن بقاء المواقع الإسلامية والإعلامية تحت مطرقة هذه الهجمة الشرسة التي تقودها الهاجانة سوف ينتهي بدمار واختفاء جميع المواقع التي تتحدث بصوت الأمة، وتعبر عن صوتها الضعيف المظلوم عبر هذه الشبكة التي من المفروض أنها ليست تحت سلطة أحد، ولا يحكمها قانون دولة أو عصابة همجية!
وفي الوقت الذي تنتشر فيه آلاف المواقع المعادية للعرب والمسلمين، وآلاف المواقع التي تتحدث عن إسرائيل بأنها صاحبة الحق في فلسطين، وأنها ضحية الإرهاب الإسلامي، يقوم مارد الإعلام اليهودي الصهيوني المدعوم من أمريكا باجتثاث المواقع الإسلامية التي تقول: لا للظلم والاحتلال! لقد أصبحت المقاومة واسترداد الحرية عملا إرهابيا يجب اجتثاثه من الجذور!!
لذا أتصور أنه قد أصبح من الضروري قيام لجنة دفاع وحماية للمواقع الإسلامية تدفع عنها حقد وكراهية الهاجانة التي سخرت كلَّ شيء من أجل مهمتها القذرة، والتي تنبع من عقلية يهودية حاقدة تنفث الموت لكل ما هو إسلام ومسلمون.
وأتمنى أن تقوم هذه اللجنة وتولد قبل أن تختفي جميع المواقع الإسلامية التي تعبر عن روح الأمة، وتعبر عن فكر وتاريخ وحضارة الإسلام والمسلمين، وتتحول الإنترنت إلى مرتع لا يعيش فيه إلا عصابات المافيا وتجار الجنس والمخدرات والقتلة!!
09 / 12 / 2004م
http://www.islamway.com المصدر :
==============(2/53)
(2/54)
أساليب المجرمين في التصدي للدعوة
الصراع بين الحق والباطل سُنَّة ماضية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، شاء الخلق أم أبوا، ومن ظنَّ أن الحق يمكنه التعايش مع الباطل في أمن وسلام، فقد جهل سنن الله في هذا الكون. وهل انقطع الصراع يومًا ما منذ أن خلق الله هذه الخليقة على وجه الأرض؟
وكما أن لهذا الصراع دوافعه وأسبابه التي تدعو إليه، فإن له حِكَمًا يزداد المؤمن بمعرفتها إيمانًا وثباتًا على هذا الدين.
ومن المفاهيم الخاطئة التي تحتاج إلى تصحيح: مفهوم الإجرام! فقد شاع في الأزمنة المتأخرة قصر وصف الإجرام على من ارتكب عملاً جنائيًا عدوانيًا من قتل ونحوه حتى لا يكاد يطلق على غير ذلك، وهذا المعنى وإن كان صحيحًا وسائغًا في اللغة والشرع، إلا أننا نجد القرآن الكريم لم يَرِدْ به بتاتًا، وغالب ما يرد لفظ الإجرام في القرآن في وصف الكافر المكذب بالله ورسله، ولو لم يرتكب قط في حياته عملاً جنائيًا، وهذا المعنى لا يكاد يُعرف في هذا الزمن، بل إننا لنسمع كثيرًا من يضفي على الكافر لقب "السيد" وقد صحَّ في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم - عز وجل -" رواه الإمام أحمد في المسند، والبخاري في الأدب.
والمجرمون كما جاء بيانهم في القرآن الكريم ليسوا صنفًا واحدًا، بل أصنافًا ثلاثة: المشركون، والمعاندون من أهل الكتاب، والمنافقون.
ولهم سمات يُعرفون بها، كما أن لهم أساليب يحاربون بها الرسل. وهذه السمات والأساليب منها ما هو مشترك بين أصناف المجرمين جميعًا، ومنها ما يختص به صنف دون الآخر.
كما أن هناك تداخلاً بين هذه السمات والأساليب، ويمكن تقسيمها جميعًا إلى ثلاثة أقسام:
1- ما يكون سمة وليس بأسلوب.
2- ما يكون أسلوبًا وليس بسمة.
3- ما يكون سمة وأسلوبًا في آن واحد.
وأساليب المجرمين في مواجهة الرسل - عليهم السلام - ودعوتهم كثيرة جدًّا ومتنوعة، بينها القرآن الكريم، وهي لا تخلو إما أن تكون مشتركة أو غير مشتركة.
فأما المشتركة - وهي الغالب على أساليب المجرمين - فتنتظمها كلها سبعة عقود رئيسة، وهي:
1- أساليب في المكر والخداع.
2- أساليب في التولي والإعراض والصد عن سبيل الله.
3- أساليب في تبرير المواقف.
4- أساليب في التعنت والعناد والمشاقة.
5- أساليب في إثارة الشكوك والشبهات.
6- أساليب في التضييق والتعطيل والمنع.
7- أساليب في التنكيل والبطش والأذى.
وأما غير المشتركة، فلكل صنف من أصناف المجرمين الثلاثة أساليبه التي ينفرد بها، وهي محدودة، إذ الغالب اشتراك المجرمين في أكثر الأساليب.
وقد ينجح المجرمون في تنفيذ بعض أساليبهم، وتحقيق بعض أهدافهم، لكنه نجاح مؤقت، يعقبه فشل ذريع، وخسران مبين، وهزيمة ماحقة، ظاهرة أو غير ظاهرة، كما جرت بذلك سُنَّة الله - عز وجل -: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ)[آل عمران: 12]، (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)[السجدة: 22].
وانتصار الحق على الباطل سُنَّة ثابتة، لا تتحول ولا تتبدل، وهو أمر قد أوجبه الله على نفسه كما قال - سبحانه -: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم: 47]. لكن قد يقع لبس عند كثير من الناس في مفهوم الانتصار، فيقصره بعضهم على بعض صوره الظاهرة دون سواها، فكان لابد من بيان المفهوم الصحيح للانتصار، وهو أن النصر له صور كثيرة، منها ما هو ظاهر مقرون بالتمكين الحسي، كإهلاك المجرمين وإنجاء الرسل من بعدهم. ومنها ما هو خفي غير ظاهر، مقرون بالتمكين المعنوي، كالذي ينتهي بمقتل الرسول أو الداعي أو قهره، وانتصار المجرمين في الظاهر.
ولكنه قد يتأخر النصر عن المؤمنين لأسباب عدة، وحِكَم كثيرة، منها ما هو شرعي كالانحراف عن المنهج، ومنها ما هو كوني قدري كالتمييز والتمحيص.
كما قد يتخلف النصر عن الأمة المؤمنة لتخلف شرط من شروطه، والتي من أهمها تحقيق التوحيد الخالص لله - عز وجل -.
سائلين الله أن يجعل كيد الأعداء في نحورهم، وأن ينصر المؤمنين على عدوهم.
20/03/2005
http://www.islamweb.net المصدر :
===============(2/55)
(2/56)
الخديعة الكبرى ..
عالم مستعبد باسم الحرية !!
حامد بن عبد الله العلي
و أنت يا أمريكا
أبناؤكم إمبراطوريون، ولكنك
إمبراطورية..أنت فوق الجميع
النصر لعدالتك يسارا ويمينا
أنت مبدأ وحدة.. جامعة الكل.. موحدة
أنت.. إلى الأبد.. أعنيك أنت
أنت أيضا أنت.. عالم
التي بك تنطوي في كل واحد.. لغة واحدة كونية
مصير واحد.. لا يتجزأ.. للعالم
SONG OF EXPOSITION
والت ويتمان
(سلوك بنّاء، وقوة عسكرية كافية، لردع أية أمة أو مجموعة أمم تتحدى هيمنة الولايات المتحدة ونفوذها) تقرير ولفويتز
(الله مع أمريكا، الله يريد أن تقود أمريكا العالم) ريتشارد نيكسون
بين قصائد ويتمان وتقرير ولفويتز إلى البنتاغون، أقل من مائة عام، وكذلك بينها وبين كلمة ريتشارد نيكسون التي قالها والقوات الأمريكية تدك قرى الفيتناميين بالقنابل الكيماوية، دكا دكا، وترسل الآلاف من الأبرياء أطفالا وشيوخا ونساء إلى الجحيم الذي صنعته القاذفات الأمريكية العملاقة. التي لازالت تجوب العالم، في زهو وكبرياء، وبكل غرور باسم الله - تعالى - الله علوا كبيرا تحرق، وتقتل، وتنشر الرعب، وكل شيء أمامها تسحقه ليصير للعالم مصير واحد، واحد لا يتجزأ، فليس أمامه، إلا قوة شمولية واحدة، تسيطر عليه سياسة واحدة، هي سياسة احتكار كل شيء في العالم لها، ولها وحدها.
ويتجلّي هذا الاحتكار في:
احتكار الأيدلوجيا:
بالتخويف، والإغواء، وبالأمر الواقع، وبالابتزاز، تنشر أمريكا أيدلوجيتها القائمة على اعتقاد أن أمريكا هي إرادة الله، وأن شعبها اختاره الله، فهي حقيقة كونية شاملة لايمكن مقاومتها، منطلقة من مخطط إلهي، تصرفت فيه إرادتان، إرادة الرب وإرادة الشعب الذي اختاره الرب، كما قال جورج واشنطن نفسه عن الأمريكيين: (كل خطوة جعلتهم يتقدمون على طريق الاستقلال الوطني تبدو موسومة بسمة التدخل الإلهي)!
وهي عندما تواجه الآخر، فهي تنطلق من حملة صليبية، تتجلى في الخير المطلق، ضد الشر المطلق.
إذن يجب أن تخضع البشرية كلها، لشمولية عالمية أمريكية، لوحدها الحق في تحديد إرادة الله فيها!
الاحتكار العسكري:
في التقرير الذي رفعه البنتاغون إلى الرئيس بوش الأب، تقرير بول ولفويتز عام 1992م، وتقرير الأميرال جيريميا، ما خلاصته أن على الجيش الأمريكي أن يشمل:
1ـ قوة نووية استراتيجية قادرة على التدخل ضد أي خصم يمتلك قوة مماثلة.
2ـ قوة متمركزة في اليابان وكوريا الجنوبية، قادرة على مجابهة القوات النووية والتقليدية الصينية، وعلى القيام بمهام استطلاعية في الشرق الأقصى الروسي وكوريا الشمالية.
3ـ قوة أطلسية متمركزة في قواعد نورفولك.
4ـ قوة طوارئ مستعدة للتدخل السريع أينما استدعت ذلك مصالح الولايات المتحدة.
ولم يعد يخفى أنه لا يوجد بقعة في الأرض إلا والقوات الأمريكية، قد ركزت فيها سلاحها الفتاك، وبنت فيه قواعد عسكرية، لإرهاب العالم كله.
الاحتكار الاقتصادي:
تحتكر أمريكا النظام النقدي الدولي ومنظمتاه الرئيسيتان، صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وكذلك معاهدة التجارية الدولية.
فمثلا بنية صندوق النقد الدولي تسيطر عليها أمريكا، لأنها تضم 140 عضوا، يقدم كل منها، حسب الحصص، رأسمالا مناسبا مع حصته في التجارة العالمية، وأما أمريكا مع 23% من الأصوات، فتملك حق نقض وأكثرية فعليه يسمحان لها بألا يجري التصويت إلا على ما تريد تمريره، هذا معناه أن أي مشروع لاحظ له بالقبول إن لم يخدم بنحو أو بآخر، أهدافها السياسية والاقتصادية.
الاحتكار السياسي الدولي:
ويتمثل في تحويل الأمم المتحدة إلى أداة لتمرير السياسة الأمريكية من جهة، وساتر لجرائمها في العالم من جهة أخرى، ولهذا فلايمكن ـ على سبيل المثال ـ للأمم المتحدة أن تصدر قرار تفتيش أسلحة الدمار الشامل في الكيان الصهيوني، ولا تهتم حاليا بكوريا الشمالية، بينما تضطر لإصدار قرار عاجل بشأن العراق، لان أمريكا تواصل التهديد، والابتزاز لتطويع الأمم المتحدة.
حتى غدت الأمم المتحدة مجرد وسيلة شكلية تخدم تغطية عمليات أمريكا العسكرية وإضفاء الشرعية عليها، والعجب أنها مع ذلك منذ أعوام تمتنع عن دفع حصتها.
ومن جهة أخرى كانت أمريكا وما زالت أكبر داعم للطغاة، يقول دانيال بورستين في كتابه (تاريخ الأمريكيين): (حتى السبعينات كانت وكالة المخابرات المركزية المؤسسة سنة 1947م أداة لتلك النشاطات السرية، والواقع هو أن تدخلاتها لم تعد تحصى، في إيران، حيث أسهمت في إعادة الشاه إلى عرشه سنة 1953م، وفي البرازيل حيث ساندت انقلاب العسكريين سنة 1964م، وفي كمبوديا، حيث شجعت على الإطاحة بحكومة الأمير سيهانوك المحايدة، وفي كوبا حيث قامت بعملية غزو فاشل لخليج الخنازير 1954م... إلخ)
الاحتكار الثقافي:
فهي لا تتردد في استعباد العقول، وفرض ثقافتها، بالتدخل السافر في ثقافات الدول الأخرى، وهاهي تواصل الضغط على الدول الإسلامية، لإحداث تغيير في المناهج الدينية الإسلامية، لتوافق الثقافة الأمريكية.(2/57)
يقول دانيال بورستين في كتابه (تاريخ الأمريكيين): (إن أمركة الأرض جارية، فأنماط الاستهلاك والأزياء والمخططات الأيدلوجية المرسومة في الولايات المتحدة الأمريكية تنشر في كل مكان، وهي تحظى بمجهود إعلاني لانظير له، والفوارق الثقافية التي تشكل ثروة الإنسانية هي في طريق الزوال، بمقدار ما سحقها دولاب الزي الواحد الضاغط، إن الثقافة الأمريكية إذ استفادت من التفوق المادي، إنما أفسدت الأرض، فهناك حيث تفكك نفسها تفكك البنى الاجتماعية التقليدية، وتبيد العادات والفولكلور المحلي، وبلا كلل تنشر الامتثالية فوق العالم، امتثالية (صنع أمريكا) ترمي إلى تحويل كل البشر إلى أمريكيين صغار بليدين).
عجبا والله، كيف ظن لاعبو السياسة الأمريكية، الحالمون بإمبراطوريتها التي تريد استعباد العالم، أن كل العالم يمكن خداعه كل الوقت، وأن الجميع ستنطلي عليهم هذه الخدعة المكشوفة، بالاستعباد التام، واحتكار التسلط على العالم، والتوتاليتارية المطلقة عليه، باسم الحرية نفسها، لكن حقا، إن أكثر المخدوعين هم من داخل أمريكا نفسها، الذين لم يتوصلوا بعد إلى اكتشاف، أن زاعمة الحرية والديمقراطية، مصابة بجنون استبدادي عالمي.
وهو جنون منقطع النظير في التاريخ، فهي التي تفرض، وتأمر، وتنهى، وتقرر من غير أن تشاور، وتستملك، بلا اعتبار لأحد، وتفرض إرادتها على العالم، بشتى الطرق فتارة تهدد بالحرب، وتارة بالحصار الخانق، وتارة بحرب اقتصادية، وتارة بالعزل، وتارة بإثارة الحروب الإقليمية بإشعال نار الفتن، وتارة بإحداث الانقلابات، وتارة وتارة...
وعجبا أن بلداً ـ كما قال ميشال بوغنون في كتابه أمريكا التوتاليتارية ص 284 ـ: (يعيش في السكان الأكثر مرضا في العالم، بالأرقام المطلقة، وبالنسب المئوية، ويعيش 35 مليون عائلة تحت عتبة البؤس المدقع، ولا يحق إلا للأغنياء تلقي تربية سليمة، وحيث أبناء السبيل ليس لهم حد أدنى للأجر، ولا عناية طبية، وتقاعد مريح، وحيث من المفضل عندما تتنزه بالشارع عدم الابتعاد عن الشوارع الكبرى، خوفا من أن تقتل لأجل دولار، هذا البلد لا يحق له الزعم بتقديم نظامه كأنموذج وحيد).
وأزيد عليه بأنه البلد الأكثر رصيدا في قتل الأبرياء بأسلحة الدمار الشامل، والأكثر استعمالا للإرهاب والعنف في السياسة الخارجية، والأكثر نشرا للدعارة والعري والفواحش والشذوذ، والأكثر في نسبة الجريمة، والأكثر في النفاق السياسي، وازدواج المعايير في السياسة الخارجية، والأكثر في كل بلية ورزية، ومع ذلك يصر على إرهاب العالم، وإجباره على العبودية لنظامه العالمي الشمولي.
هذا وقد بات العالم الإسلامي في حنين إلى نسائم الحرية، وغدا في شوق إلى نغماتها، فهو يتململ ضجرا من تسلط الاستبداد، ويتطلع توقا إلى شمس إنطلاقته الكبرى، محطما قيود الاستعباد، وقد ضاقت شعوبه ذرعا بالهيمنة الأمريكية ومن بردفها، بئس الردف المردوف، المغلفة بالزيف والأكاذيب والخداع البغيض المكشوف.
وقد بدأ يتطاير من الإسلام الشرر، ويدق ناقوس الخطر، ويرى خلل رماده، وميض نار من سقر، ويوشك أن تهيج فتضطرم، ثم تعلو فتقتحم، فتبرق فيها رايات الحق الوضاء، وتضيء سيوف العدل المضاء، فيملأ مجده الأرض والسماء.
http://www.h-alali.net المصدر :
=============(2/58)
(2/59)
أسطورة ضربة إسرائيلية لإيران؟!
09 - 4 - 2005م
هناك كلام كثير هذه الأيام عن ضربة عسكرية إسرائيلية، وشيكة ضد تجهيزات إيران النووية، وقد أشار مقال نشر مؤخراً في صحيفة "لندن تايمز" إلى أن البرلمان الإسرائيلي أعطى الإيماءة الأولية للهجوم المخطط، من خلال المطالبة بالاعتناء بما يعرف في أوساط السياسيين الإسرائيليين "تهديد وجودي أكبر" للدولة اليهودية.
وإن فحصاً حذراً للوسائل والإمكانات العملية واللوجستيكية المختلفة، بالإضافة إلى الأبعاد والنتائج الإقليمية والجغرافية السياسية لهذا السيناريو؛ يقودنا إلى خاتمة معاكسة، بمعنى الطبيعة الفاشلة وغير العملية لما يسمى بخيار "Osi r ak"، وقد أُطلق هذا الوصف في أعقاب قصف إسرائيل الناجح الجوي لمفاعل العراق النووي في 1981م.
وحتى لا ننسى فإنه ورغم أن التفاصيل الكاملة لعمليات Osi r ak لم تكشف لحدّ الآن؛ فإن المؤكد أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية عبرت على الأقل مجالاً جوياً واحداً لدول الجوار للوصول إلى العراق لتنفيذ ضربتهم.
ولمهاجمة مواقع إيران النووية المتعددة والمبثوثة في كافة أنحاء البلاد - خصوصاً في وسط إيران - يتطلب هذا رحلة طويلة عبر الحدود، وخيار إسرائيل الأفضل سيكون ضربة متشعبة آنية تستعمل طرقاً مختلفة، فمثلاً قد تتخذ مسلكاً عبر الأردن والعراق بالإضافة إلى طريق البحر الأبيض المتوسط من خلال تركيا أو آذربيجان، وبدون الحاجة لذكر "الكابوس" اللوجستيكي للمسافة الطويلة، فإن هذا يستلزم إما تزويداً بالوقود الجوي، أو إنزالاً في المنتصف.
وفي الوقت الحاضر فإنه لا خيار متوفر لدى إسرائيل، وليس هناك أي فرصة فورية لتوفرها في المستقبل القريب، حيث إن علاقات إيران الودية مع جيرانها، ومخاوفهم من رد فعل إيراني حاد في حال سماحهم باستعمال مجالهم الجوي لشن هجوم إسرائيلي على إيران تمنع من حصول هذا السيناريو.
تركيا هي "الشريك الإستراتيجي" لإسرائيل في المنطقة، ولديه علاقات اقتصادية ودبلوماسية ممتازة مع إيران، بينما يستفيد الاثنان كثيراً من تجارة الطاقة الضخمة، وكذا تعاون إقليمي من خلال منظمة التعاون الاقتصادية، وسياسة عامة متقاربة نحو العراق و"القضية الكردية"، لذلك وبصرف النظر عن توجهاتهم السياسية المتباعدة فإن إيران وتركيا "تنعمان" في الوقت الحاضر بعلاقات ودية مستقرة من غير المحتمل أن تُنسف بهجوم إسرائيلي داخل إيران عبر الأرضي التركية.
بالتأكيد تبقى تركيا قلقة بشأن طبيعة برامج إيران النووية، ورغم ذلك فإن زعماءه لا يشتركون في جرس إنذار إسرائيل المذعور حول "إيران النووية"، في غياب أي معلومات استخبارية موثوقة تثبت هذا الخوف، وقد صرح مؤخراً الجنرال الإسرائيلي أهارون زايفي أن: "إيران في الحقيقة ليست قادرة على إغناء اليورانيومِ لبناء قنبلة نووية".
ولكن الاحتمال الراجح بعدم حصول ضربة إسرائيلية ضد إيران عبر تركيا "هرب" من انتباه أجهزة الإعلام الغربية، وجيش مثقّفي الأمن والشئون العسكرية الذين يكتبون عن خيار"Osi r ak"، مثال ذلك في كتابه الأخير "اللغز الفارسي" أحجم كينيث بولوك عن تقدير موقف تركيا في حال طلب إسرائيل عندما ناقش "خيارOsi r ik "، وبنفس الطريقة تعامل المحقق الصحفي سيمور هيرش في مقالته في مجلة "النيويوركر" حول موضوع مماثل، واعتبر أنه من الطبيعي - بسبب صلات تركيا الوثيقة بكل من إسرائيل والولايات المتّحدة - أن تتحول تركيا إلى منصة إطلاق للهجمات العسكرية ضد تجهيزات إيران النووية!.
وما يؤكد ضعف احتمال هذا السيناريو "تواطؤ تركيا في هجوم إسرائيل ضد المواقع النووية الإيرانية" النكسة الأخيرة في العلاقات التركية الإسرائيلية بسبب التسريبات الإعلامية التي أشارت إلى أن إسرائيل تدرب مجموعات كردية بشكل نشيط في المنطقة، وقد رفضت تل أبيب التهمة بشكل قاطع عندما واجهتها أنقرة بقسوة منذ عهد قريب، ثم إن علاقات تركيا بالإتحاد الأوربي يمكن أن تتضرر أيضاً، وفرصته للإدراج في عضوية الاتحاد الأوروبي قد تتبخر في حال وضعت تركيا نفسها في خدمة الولايات المتّحدة وإسرائيل في أي عمل عسكري غير مدعوم من قبل أوروبا.
وعليه فإن "سيناريو" الاستعمال الإسرائيلي لمجال تركيا الجوي ضد إيران من غير المحتمل أن يتحقق في بيئة ما بعد احتلال العراق.
نفس الحجة تنطبق - مع بعض الفوارق - على جيران إيران الآخرين: آذربيجان التي زار زعيمها الجديد إيران مؤخراً، وطمأن طهران بأنه مهما كانت الظروف لن يسمح بهجوم أجنبي ضد إيران عبر آذربيجان، في الحقيقة - ومقارنة مع تركيا - فإن لدى آذربيجان مخاوف أكبر من رد فعل إيراني قاسي حالة هجوم إسرائيلي عبر دول بحر قزوين، كما أنها تتطلع إلى دعم إيران في دعواها لاستعادة الأرض التي فقدتها في حربها مع أرمينيا أثناء التسعينيات.
كما هو الحال مع آذربيجان؛ تبدو حاليا كل الأبواب الآسيوية القوقازية الأخرى موصدة أمام هجوم إسرائيلي على إيران، مدعومة من الجيش الروسي في المنطقة، ومعارضة موسكو المتأصلة لأي خطة إسرائيلية أمريكية لإضعاف حليف "موثوق" إيران.(2/60)
أما بالنسبة إلى باكستان مثل: تركيا وآذربيجان، له مصلحة شخصية أكثر من اللازم مع إيران، حيث تغطي - إيران - أفغانستان، وكذا ميزان القوى الهندي الباكستاني، من بين أمور أخرى، تحول دون السماح لنفسها بأداء دور مساند لضربة إسرائيلية موجهة لإيران، وإن تسربت معلومات بسماح باكستان لقوات أمريكية خاصة بالتدرب في بيشاور استعداداً لأي تدخل ضد إيران إلا أن هذا التدريبات ليست موجهة ضد إيران بالضرورة، فالاعتبارات الإستراتيجية تتغلب على حالة الشك المتبادل بين طهران وإسلام آباد.
يبقى أمام "خيار Osi r ik" مساراً واحداً، بأن تعبر الضربة الإسرائيلية المجال الجوي الأردني، وبعد ذلك العراق، قبل وصولها إلى إيران، ولكنه من غير المحتمل حدوثه في ظل حكومة عراقية ذات الغالبية الشيعية المهينة.
وعلى الرغم من خطابات معادية لإسرائيل في إيران اليوم؛ فإن الزعماء الإيرانيين وصناع السياسة عموماً يعتبرون إسرائيل "خارج المنطقة"، بمعنى أنه لا تشكل مصدر قلق أمني قومي لإيران، وفي الحقيقة فإنه لا أحد في إيران يأخذ بجدية الدعاية الإسرائيلية حول تهديدات إيران لإسرائيل.
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=6532
==============(2/61)
(2/62)
هل غيرت الأحزاب الهندوسية موقفها من المسلمين؟
حفيظ الرحمن الأعظمي
29/2/1426هـ
في الانتخابات الهندية العامة مني حزب BJP بهزيمة لم تكن تخطر على بال أحد، وبعكس تنبؤات المحللين الذين كانوا يتوقعون أن يظل الحزب المذكور على سدة الحكم للدورة المقبلة؛ بسبب استقطابه عواطف الأغلبية الهندوسية عبر الضرب على وتر التعصب، وسحق الأقليات، ولأن الحزب المنافس الرئيس (المؤتمر) تتزعمه امرأة أجنبية (إيطالية) غير هندوسية الأصل، ولكن تمخضت الانتخابات عن مفاجئات للمتطرفين وللمؤتمرين على السواء، ليس المجال يتسع لذكرها، وبعد الانتخابات التي أسفرت عن نجاح المؤتمر كاد المحللون والمراقبون أن يجتمعوا على أن ورقة الأقليات لعبت دوراً محوريا في ترجيح كفة على أخرى، وبسببها لحقت الهزيمة بحزب BJP.
بعض الحمائم في الحزب أرجعوا أيضاً فشلهم إلى هذا السبب، حتى واجبائي نفسه صرح في مؤتمر صحفي في العاصمة الهندية "نيودلهي" يوم 15/4/2004م أن مذابح جوجارات التي راح ضحيتها آلاف مؤلفة من المسلمين هي التي جعلتنا نذوق الحنظل - في إشارة إلى هزيمة حزبه -، على حين أن أدفاني الذي تبوأ منصب رئاسة الحزب بعد الانتخابات إضافة إلى قيادة المعارضة لا يزال مصراً على أن حزبه انهزم لأسباب أخرى، وأكد في عدة مناسبات أنه سيواصل برنامج الحزب الرامي إلى هندكة الهند (سانج بريفار) كلما اتيحت له الفرصة.
إن المراقب للملف الهندي لا يسعه أن ينكر دور الأقليات في الهند، وبخاصة الأقلية المسلمة، وإن لم تكن أحداث جوجارات وأخواتها السبب الرئيس في فشل BJP فإنها على الأقل إحدى الأسباب التي خيبت آمال الضاربين على وتر التطرف، هذه حقيقة بلا مرية فيها، ولأجل ذلك تبذل قيادات BJP جهوداً محمومة لاستقطاب عواطف الأقليات، وبالأخص الأقلية المسلمة، وأطلقت من قبلهم عدة مبادرات حسن النية، ففي إقليم راجستان حيث يتغلغل نفوذ المتطرفين تم في منتصف فبراير تشكيل منظمة فرعية تابعة لـ BJP باسم جبهة الدفاع عن حقوق المسلمين (MMF)، وقامت الجبهة المذكورة بعقد مؤتمر تأسيسي حضره عدد لا بأس به يوم 15/3/2005م وتحدث فيه القيادون المحليون في الحزب، وأكدوا على المسلمين ألا داعي للخوف والقلق، فالهند دولة كل هندي بغض النظر عن انتمائه العرقي والديني، وكان اللافت أن (الأمين العام لمنظمة r SS المتطرفة كي. سي. ساندار شان) ألقى كلمته في المؤتمر قال فيها مخاطباً المسلمين:" يجب أن يكون معلوماً أننا لا ننظر إلى المسلمين كأقلية، وإنما ننظر إليهم كمواطنين" وصفق المصفقون، وطبل الآخرون، وظنوا أن المنظمة غيرت نظرتها تجاه المسلمين، وكلامه في ظاهره ينم عن ذلك أو يشير إليه.
غير أن بعض الحقوقيين من المسلمين أبدوا تحفظات كثيرة عليه، واعتبروه السمن المدسوس في العسل، ففي مقال للفقيه الدستوري المسلم غلام كبريا المنشور في جريدة إنصاف الهندية يوم 7/3/2005م أكد أن إلغاء المذكور طابع الأقلية عن المسلمين يعني حرمانهم من الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها كأقلية، فهنالك جامعات وكليات خاصة بالمسلمين على رأسها جامعة عاليكره والجامعة الملية الإسلامية في دلهي والجامعة العثمانية في حيدر آباد، تحظى بالدعم الحكومي، وغالبية الدارسين فيها هم أبناء المسلمين، وفي حالة إلغاء طابع الأقلية عن المسلمين سيتوقف الدعم الحكومي عن هذه الجامعات و... وهي كارثة، وهنالك محاكم خاصة بالمسلمين للبت في القضايا المدنية كالطلاق والنكاح وفق الشريعة الإسلامية، هذه المحاكم هي الأخرى سوف يلملمها قطار التضييق.
من جانبه أكد (رئيس جبهة الدفاع عن حقوق المسلمين الآنفة الذكر) فريد الدين قادري أن تأسيسها جاء بتوجيهات من القيادة المركزية، واختير إقليم راجستان مركزاً رئيساً لها؛ لأن BJP يحظى فيه بأغلبية كاسحة، ونريد أن نطمئن المسلمين أن BJP ليس عدواً لهم، فكلنا أبناء هذا الوطن الكبير، وكلنا سواسية في الحقوق والواجبات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سينجح صقور التطرف في تجميل وجوههم بالمساحيق الصناعية؟
الأيام القادمة تتكفل الإجابة على هذا السؤال، ولكن تداعيات الأحداث تشير أن المسلمين لن يلدغوا من حجر واحد مرتين، بدليل أن هذه الجبهة أنشئت وأسندت رئاستها إلى شخص مغمور، ولم يكن هنالك أي تجاوب من قبل القيادات والصحافة الإسلامية لهذا التطور المذهل.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=306
==============(2/63)
(2/64)
نظرة في : " .. الليبرالية .. " من الداخل
مقدمة:
لم يكن هذا البحث إلا أثرا عن قناعة بخطر الفكرة "الليبرالية" على مجتمعنا الشرقي، بعد أن تفاقمت سلبياتها على المجتمعات الغربية، وهبت رياحها علينا - منذ أمد ليس بالقصير - فأصابنا منها ما أصابنا، لكن لم يكن بالقدر الذي أصابهم، ربما لاختلاف النفسية الشرقية عن أختها الغربية.
ومن العجيب أن نرى دعاة لهذه الفكرة بيننا، يفتخرون بها، ويتسمون بها، ويجاهرون بتقدمها، وصلاحها لعلاج كافة السلبيات المتراكبة المتراكمة في النواحي: الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية..
وينادون أن الحل في "الليبرالية، دون متابعة لما يجري في الغرب، مصدر الليبرالية، من معارضة وانتقاد لهذا النهج، بعد ظهور سلبياته المدمرة، المغلفة بالشعارات الجميلة والمكاسب الظاهرة.
ويدور في الذهن سؤال:
- هل أولئك الذين ينادون بالليبرالية، ممن يعيش في بلاد إسلامية، يدركون مفهوم "الليبرالية"، كما قرر له ووضع، أم أن لهم مفهوما يختلف عن ذلك؟..
إن مفهوم الليبرالية، كما وضع له في الغرب، يصطدم بالدين الإسلامي، بل كافة الشرائع، في أصول لايستهان بها، كاستبدال الحكم الإلهي بالحكم البشري، فيما يسمى بالديمقراطية، وكذا الحرية المطلقة في الاعتقادات، بالتغيير والتبديل، وغير ذلك..
فكيف يستقيم لمن يفهم هذه الحقائق عن "الليبرالية" أن يدعو لها، ويزعم صلاحها، وهي معارضة تماما للإسلام.. إذا كان مسلما؟!!.
أما إن كان له مفهوم خاص عن "الليبرالية"، لا يتعارض مع الأصول الشرعية، فالحق أن هذا ليس هو"الليبرالية"، بل هو شيء آخر، ومثل على ذلك:
في المغرب أسس: "الحزب المغربي الليبرالي"، وفي إطار التحضير لتأسيس الحزب، وبدعوة من جريدة "الصدى"، ألقى المؤسس محمد زيان يوم الأحد 21/1/2001 عرضا حول أسس الحزب، ومنها:
- "منع المنع" الذي يعني الحرية الكاملة، في العمل والمبادرة، والتي لا تقف إلا عند حدود القانون.
- منع الامتيازات التي تتنافى مع مبدأ مساواة المواطنين، وتكافؤ الفرص أمام الجميع.
بعد ذلك أضاف شرطا فحواه:
- إذا ثبت بآية صريحة أو حديث صحيح أن هناك تعارضا بين هذه الليبرالية ومباديء العقيدة، عطلنا العمل بهذه الليبرالية، وضحينا بها، من أجل ما تفرضه مبادئ الإسلام.
كان هذا الشرط فاسخا، حسب وصف: محمد بودهان، الذي قال:
" وبقراءة فاحصة ومحللة لكلام الأستاذ زيان، سنستنتج بسهولة أن كلامه عن الليبرالية والحزب الليبرالي مملوء بمفارقات لاتطاق، مفارقات قاتلة، تثبت ما يريد نفيه، وتنفي ما يسعى إلى إثباته، لنشرح ذلك:
لقد أكد أن الليبرالية تقوم على مبدأ منع المنع، أي على الحرية التي ينظمها القانون، وليس الأهواء والأمزجة الشخصية للحاكمين ورجال السلطة، لكن الأستاذ زيان يخرق هو نفسه هذا المبدأ في الفلسفة الليبرالية، عندما يشترط في هذه الأخيرة، أن لا تكون في تعارض مع العقيدة الإسلامية، أي يمنع عن الليبرالية أن تكون غير إسلامية، في حين أن من مبادئ الليبرالية:
أنها لاتمنع أي دين، ولاتدعو إلى أية عقيدة..
إذ عقيدتها الوحيدة هو الحياد تجاه كل العقائد، أي العلمانية، التي هي النتيجة المنطقية والعملية لمبدأ: منع المنع.
ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير إلى أنه لاتوجد في العالم أية دولة ليبرالية وديموقراطية حقيقية دون أن تكون علمانية، فالمبدأ الفلسفي العام الذي يحكم الليبرالية إذن هو العلمانية، فلا يمكن تصور فلسفة علمانية يكون من مبادئها الولاء لهذا الدين أو ذاك، أو الدفاع عن هذه العقيدة أو تلك".
وهكذا فإن "الليبرالية" ذات أسس وقواعد وأفكار محددة سلفا، فأي خرق لتلك الأمور نفي وإلغاء لما يقوم عليها، وهذا أمر ينبغي على كل من يدعو إلى فكرة ما مثل "الليبرالية، أن يفهمها بوضوح، كيلا يقع في مغالطة صريحة، فيلبس فكرة غير لباسها الملائم، ليعري في الحين ذاته عقيدة ومبدأ من لباسه.
والفكرة في أول نظرة إليها، يتكون لها في الذهن تعريف مجمل غير دقيق، قد يصيب بعض حقيقتها، لكن بالتأكيد لن يكون ضابطا محددا جامعا دقيقا، إلا بالبحث والنظر والاستقصاء..
ونحن ندعو كل من أعجبته فكرة ما، أو أراد، أو اعتنق فكر ما، أن يبادر قبل ذلك إلى دراستها حتى يكون على بينة من أمرها، كيلا يأسف يوما على ضياع وقت أو هدف، لأجل خطأ في الاختيار..
ومساهمة في حل هذه المشكلة: [مشكلة الاختيار الصحيح، والتعرف الدقيق على فكرة ما.. ]
نقدم هذا البحث الموجز حول "الليبرالية، وفقراته العامة ما يلي:
- ظروف تكوّن الليبرالية.
- حقيقة الليبرالية.
- الليبرالية من الداخل.
وتحت كل فقرة من هذا الفقرات نقاط، تكشف عما فيها، مما يبينها ويوضحها.. والله المعين.
- ((.. ظروف تكوّن "الليبرالية":.. ))
الليبرالية فكرة إنسانية أوربية الولادة والمنشأ..
ونعني بـ"الإنسانية" أن الإنسان محورها، فمن أجله صدرت الفكرة وقررت وأسست وقعدت، أي لأجل منافعه وكرامته، ورفع معاناته من ذوي السلطة الدينية والدنيوية.(2/65)
"رسالة الليبرالية: حماية الفرد والدفاع عن سيادته وصيانة كرامته، فإذا ضاعت حقوق الفرد، ضاعت الليبرالية".
ونشأتها في أوربا خاصة دون غيرها يفرض دراسة الظروف التي عنها ظهرت وتكونت الفكرة، ولعل في بيان كونها إنسانية المذهب إشارة إلى واقع تلك الظروف..
إن مضمون الفكرة التمرد والرفض لكل أشكال السلطة الخارجية المانعة، من تحقيق الاستقلال الذاتي الفردي، وفي المفهوم الفيزيائي أن: [لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار، مضاد له في الاتجاه].
لكن والتجارب تشير إلى ذلك - ربما يكون رد الفعل أكبر في المقدار من الفعل الأصل، ذلك أن الفعل إذا كان ضد الفطرة والعقل، فإن الفعل المضاد يكون عنيفا مدمرا، خاصة إذا جاء بعد تراكم طويل للأفعال المضادة للفطرة والعقل، وهو أشبه بالسيل المندفع بقوة، إذا اجتمع وراء سد ضعيف.
وهكذا نشأت الليبرالية في أوربا.. رد فعل عنيف مدمر على انتهاك بيّن لقيمة الإنسان باسم الدين والإقطاع والملكية، هذا الثالوث الذي حطم كرامة الإنسان الغربي، فلم يبق فيه مساحة لأدنى حرية.
نتبين ذلك من خلال هذه اللمحة الموجزة عن تاريخ أوربا حتى ظهور وتكوّن "الليبرالية":
- أوربا تعتنق النصرانية:
اعتنقت أوربا النصرانية (عام 325م) بعد مجمع نيقية، بأمر من الإمبراطور قسطنطين، ولم تعتنق دين المسيح عيسى - عليه السلام -، بل دين اليهودي بولص (شاؤول)، الذي دخل في النصرانية بعد وفاة المسيح، فأدخل فيها الوثنية، وكانت أوربا قبل ذلك تحت الحضارة الرومانية الجاهلية، فلم تنتفع من الدين الجديد بشيء، بل انتقلت من وثنية إلى وثنية، لكن الوثنية الجديدة كانت كارثة كبرى على أوربا، حيث حطمت حضارتها، وابتدأت بها عصورها الوسطي المظلمة، التي امتدت من عام 410م (تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة) إلى عام 1210م (تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوربا)..
ثمانية قرون من التيه، اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها بالعصور المظلمة، حيث الانحطاط الكامل في كافة الفنون والعلوم، وكل ذلك تزامن مع انتشار النصرانية في أوربا، وانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية بعد الاجتياح البربري..
فهما حدثان:
- اعتناق أوربا للنصرانية.
- الاجتياح البربري لروما وانتقال العاصمة إلى القسطنطينية، وما تلاه من انهيار الحضارة.
ربط بينهما بعض المؤخرين، مثل إدوراد جيبون أكبر مؤرخي تلك الفترة، وحكم بأن سبب انهيار الإمبراطورية الغربية: تحولها من الوثنية إلى النصرانية..
ومن هنا ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة، والدين بالهزيمة والانحطاط في الذهنية الأوربية، منذ فترة مبكرة، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوربا بالدين.
فالربط بين انهيار الحضارة الرومانية بتحول أوربا إلى النصرانية، والممارسة الكنسية الدكتاتورية، حمل الأوربي على التشاؤم والنفور من الدين جملة، وكان له الحق في ذلك..
وقد كان من الممكن أن يكون الإسلام هو الدين البديل الصحيح، المصحح للذهنية الأوربية كثيرا من الأفكار السلبية التي علقت بها تجاه الدين، لولا أن الباباوات أججوا العنصرية والكراهية تجاه الإسلام بوصفه بأبشع النعوت، وحملوا الشعوب على الخروج لقتال المسلمين فيما عرف بالحملات الصليبية، وهي وإن كانت لها الأثر الكبير في ترسيخ النفور من الإسلام، إلا أنها كذلك كانت نقطة تحول كبير في التاريخ الأوربي..
لقد كانت الحروب الصليبية بالنسبة لأوربا كشف غطاء عن ناحية مستورة لم تدرك يوما وجودها، من القيم والكرامة والحضارة، ففتحت عينيها بعد طول غمض على واقع جميل، لم تحلم به يوما، وهي تعيش تحت سلطة: البابوات، والإقطاعيين، والملوك.
عندما يعيش الإنسان حياة لايرى فيها إلا وجها واحدا، سيظل لايرى إلا ذلك الوجه، وهو يظن أنه الأمثل، ولن يتطلع ولن يبحث في الآفاق وفي الأنفس، جهلا بما وراء ذلك، بما ضرب عليه من الحدود والأسوار..
لكن الاحتكاك سنة البشر، وبه تشرق الأوجه الأخرى، وفي حال أوربا فإن احتكاكها بالمسلمين بدأ بالحروب التي ابتدأتها، وبها اطلعت على أوجه جديد للحياة الإنسانية المشرقة، لم تعهدها من قبل، وأحست بالظلم والاستخفاف الذي أركست فيه، وكان محور القضية "الإنسان" من حيث كرامته وحريته، التي تحفظ عقله، ونفسه، وماله، وعرضه، والحرية نزعة إنسانية مترسخة، لايتردد الإنسان في بذل كل شيء لأجلها، والذي يغري بها، ويحرك النفس إليها، سماع أخبارها، لكن من يعاينها ويعايشها يكون أشد تحركا لتحصيلها، وهذا بالضبط ما كان من شعوب الغرب بعد احتكاكها بالشعوب الإسلامية..
- لقد رأت أوربا عظم مدن الإسلام، فأصغر مدينة كانت تبلغ عشرة أضعاف العاصمة روما.
- وأوربا التي لم تعرف قرونا كتابا إلا الإنجيل، ولا قارئا إلا القسيس، تذهل للمكتبات الهائلة في مدن الإسلام، وهي تحوي كل الفنون، من الفلك إلى الأدب.
- وفي الوقت الذي كان فيه الأوربي لا يستطيع القيام بصلاته إلا من خلال القسيس، يرى المسلم يعبد ربه بلا واسطة، في بيوت كثيرة.
- والشعب الأوربي الذي جله يعيش العبودية، يجد المسلمين أحرارا، يفعلون ما شاءوا.(2/66)
- وبينما كانت الكنيسة تحرق وتعذب العلماء، كان لعلماء المسلمين المنزلة والقدر الكبير.
- وقد رأوا كيف يتعامل المسلمون بالعهود والمواثيق في السلم والحرب، عكس ما كانوا عليه.
- وفي الوقت الذي كان الأوربي يعتقد أن القيصر من نسل الآلهة، وأن الله أعطاه حقا مطلقا في الحكم، يرى المسلمين وسلاطينهم تارة من العرب، وتارة من الترك، وهم بشر كسائر البشر.
- وبينما كان الغرب منغلقين، لا يعرفون إلا أوربا، كان المسلمون يجوبون الأرض شرقا وغربا، حتى إنهم اكتشفوا أجزاء من شمال أوربا قبل أن تعرفها أوربا، هذا عدى العالم الشرقي برا وبحرا.
- أوربا التي كانت تتداوى بمركبات من الروث والبول وأشلاء الحشرات الميتة، تفاجأ بالعالم الإسلامي زاخرا بالمستشفيات والمعامل القائمة على المنهج التجريبي، والموسوعات الطبية.
لقد كان الاحتكاك نقطة التصحيح والانطلاق من الأغلال، لكن هذا التحرر لم يحدث بين يوم وليلة، بل امتد قرونا، كان التحرر فيها يسير ببطء، لكن بإصرار، يظهر ذلك في محاولات العلماء كسر طوق الكنيسة حول المسائل العلمية، وتحملهم لأجل ذلك التعذيب والقتل والتحريق، وكذا الحركات الإصلاحية، مثل حركة مارتن لوثر وكالفن..
لقد بلغ إعجاب أوربا بالحضارة الإسلامية أن الإمبراطوا فرديدرك الثاني، وهو من أكبر أباطرة القرون الوسطى كان يتحدث العربية، وكان بلاطه عربي العلم واللسان، وحينما قابل الملك الكامل الأيوبي للصلح لم يحتج إلى مترجم، ولهذا اتهمته الكنيسة بالإسلام، وسمته الزنديق الأعظم.
وظهرت في أوربا حركة تحطيم الصور والتماثيل في أوائل القرن الثامن الميلادي (= القرن الأول/ الثاني الهجري) وممن أصدر مرسوما بذلك الإمبراطور"ليو الثالث"، إلى أن عادت إلى الوثنية والتصوير مرة أخرى بأمر الإمبراطورة "إيريني" بعد مجمع نيقية الثاني 787م.
وكان نقد الغرب لمنطق أرسطو واتخاذهم المنهج التجريبي بدلا من الفكري المجرد، تقليدا للمسلمين الذين رفضوا هذا العلم الإغريقي قبلهم بقرون..
ثم إن هذا التمرد الأوربي ما زال يكبر ويعظم، حتى كانت الثورة الفرنسية 1789م البداية الفعلية لجني الثمرة، وتحقيق الحرية حسب المفهوم والقواعد التي وضعت لها على يد المفكرين الغربيين.
"ورغم أن الليبرالية هي ظاهرة حديثة نسبيا، فإن بعض تباشيرها تظهر عند:
- ديمقراطي أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد.
- وعند الرواقيين.
- وفي المراحل الأولى من المسيحية.
- ثم في حركة الإصلاح البروتستانية:
- ففي خطبة بركليس (495-429ق. م) الشهيرة، التي أبّن فيها قتلى أثينا، الذين سقطوا في بداية الحرب ضد أسبرطه، صياغة بليغة لمبدأ مساواة جميع المواطنين أمام القانون، كما أن فيها تعبيرا واضحا عن أهمية الفرد ومسؤوليته السياسية.
- كذلك فإن بروثاغوراس (485-399 ق. م) جعل الفرد مقياس كل شيء، وشارك ديموقريطس (460-370 ق. م) قناعته بأن القوانين والمؤسسات هي من صنع الإنسان، وأن الإنسان بالتالي، مسئول عنها.
- ويبقى سقراط (470-399 ق. م) في حياته وتعاليمه نموذجا فذا للإيمان بقدرة العقل وأهميته، ولضرورة إخضاع معتقداتنا للنقد والتدقيق، في جو من الحرية والانفتاح..
- الظاهرة التي نحاول إبرازها والتي اتضحت معالمها في القرن الخامس قبل المسيح، هي خروج بعض المجتمعات اليونانية، خصوصا أثينا، من إطار المجتمعات القبلية المنغلقة، هذا الخروج الذي كاد أن يتخذ طابع الثورة، من خلال: التشديد على أهمية الفرد، والحريات العامة.
- أما الخطوة التالية على طريق الانعتاق من عقلية المجتمع القبلي المنغلق، فقد حققها الرواقييون من خلال قولهم بمبدأ: وحدة طبيعة الإنسان، ومشاركة جميع البشر فيها؛ وهذا الإنجاز مهم جدا، خصوصا أن اليونان ظلوا إقليمي النظرة، حتى في أوج حضارتهم، وفي ظل الحكم الديمقراطي، كما أن الرواقيين ركزوا على أهمية حيّز في الذات الإنسانية، لا تستطيع أن تنفذ إليه سلطة المجتمع أو أي شكل آخر من أشكال السلطة، ومتى اكتشف هذا الفرد هذا الحيز، أصبح بإمكانه أن يتمتع بقدر من السيادة والحرية، لا يتأثر بتقلبات الزمان أو بأهواء البشر.
- وقد ساعد على هذا المفهوم الرواقي للحرية، المرتكز على ذاتية الفرد وخصوصيته، على انتشار المسيحية، لاسيما أن المسيحية ركزت على مبدأ المسئولية الشخصية، وأبرزت دور الضمير في تقرير أخلاقية تصرف الفرد، أو عدم أخلاقيته.
- غير أن دور الفرد في القرون الوسطى أصبح ثانويا نتيجة السيطرة الكاملة التي مارستها الكنيسة الكاثوليكية على المجتمعات الأوربية برمتها، ومن هنا أهمية الدور الذي أدته حركات الإصلاح البروتستانتية ابتداء من القرن السادس عشر، ذلك أن الفرد، لا الكنسية وسلطاتها الإكليركية، بات هو المرجع في تفسير الكتاب المقدس، ومن ثم في إقرار نمط الحياة، وقد كان لهذه العودة إلى التركيز على الفرد أثر هام في نشوء الليبرالية بمعناه الحديث".
حقيقة "الليبرالية".
الليبرالية (LIBE r ALISME)كلمة ليست عربية، وترجمتها الحرية، جاء في الموسوعة الميسرة:(2/67)
"الليبرالية: مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي".
ولها تعريفات مرتكزها: الاستقلالية؛ ومعناها: التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي: دولة، جماعة، فردا؛ ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاقة والانفلات نحو الحريات بكل صورها:
مادية، سياسية، نفسية، ميتافيزيقية (عقدية).
جاء في موسوعة لالاند الفلسفية تحت مادة (LIBE r ALISME):
- "المعنى الفلسفي الحق للحرية هو: الانفلات المطلق، لا بغياب النزوع، بل بالترفع فوق كل نزوع وكل طبيعة. (ج. لاشلييه)".
- "بمعنى عام، يمكن تعريف الحرية بأنها الاستقلال عن العلل الخارجية، فتكون أجناس هذا النوع هي:
الحرية المادية، الحرية المدنية أو السياسية، الحرية النفسية، الحرية الميتافيزيقية.. (هاليفي)".
- "احترام استقلال الآخر؛ تسامح؛ ثقة في الآثار الحميدة للحرية".
وقد عرفها جان جاك روسو، فقال:
- "الحرية الحقة (الحرية الخُلقية كما يسميها) هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا".
فهي بحسب هذا المفهوم - عملية انكفاء على الداخل(النفس)، وعملية انفتاح تجاه القوانين التي تشرعها النفس، فالانكفاء على الداخل تمرد وهروب من كل ما هو خارجي، والانفتاح طاعة القوانين التي تشرعها النفس من الداخل، ولذا وصفها روسو بقوله: "أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا"، اشترعناها نحن، لا غيرنا، ووصفها لاشلييه بقوله: (الانفلات المطلق).
ويمكن أن تمثل بالمعادلة التالية:
[انكفاء على النفس (استقلالية) + انفتاح على قوانين النفس (انفلات مطلق)= الليبرالية]
وكما هو ملاحظ، فالتعريف موضوعه الإنسان، دون غيره، من حيث التركيز على أهميته، بجعله محور الحياة، مما يوجب مراعاته إلى أقصى درجة، ورفع كل العوائق التي تقف أمام طموحاته، جاء في الموسوعة الفلسفية العربية تحت مادة (الليبرالية) ما يلي:
- "جوهر الليبرالية التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد".
- "الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه: تسلط الدولة(الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة(الاستبداد الاجتماعي)".
ويمكن إدخال الإنسان (= الفرد)، الذي هو موضوع الفكرة، في المعادلة لتكون كما يلي:
[التركيز على أهمية الفرد + التحرر من كل سلطة خارجية = جوهر الليبرالية]
بيد أن طائفة من المفكرين الغربيين ترى أن حقيقة الليبرالية لابد من احتوائها مفهومين أساسين، لا تكتمل الفكرة الليبرالية إلا بهما:
الأول: المفهوم السلبي، وهو: غياب الإكراه (= الاستقلالية).
الثاني: المفهوم الإيجابي، وهو: إمكان قوة العمل العقلي (= التخلص من الشهوات).
فالحرية عند (م. برنيس) تتضمن أمرين:
1) معان سلبية أساساً: غياب الإكراه(غياب إكراه الفرد: أولاً: بتأثير مادي؛ ثانيا: بتأثير أخلاقي؛ ثالثا: خصوصا بتأثير زمرة اجتماعية متشكلة سياسيا)، في كل الحالات يبدو أن اللفظ المشترك الممكن تطبيقه هو لفظ: استقلال...
2) معان إيجابية: إمكان قوة العمل العقلي، وهي قوة ناجمة في آن عن مزاياه الصورية(النظام والوحدة) وعن شمولية موضوعه، لكنه يعني فقط، مع تساوي كل الشروط، أن العمل الذي يجري في اتجاه ثابت، ولاسيما في اتجاه ثوابت الواقع، إنما يكتسب بذلك فعالية أعظم".
وعرف هوبز الحرية بأنها:
"غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء، وهذا التعريف هو في الواقع أساس ما سماه الليبرالي المعاصر أيزبا برلين (المفهوم السلبي) للحرية..
ويصر دعاة هذا المفهوم على أن غياب العوائق الخارجية غير كاف لوجود الحرية، فإذا كنا عبيدا لشهواتنا فنحن لسنا أحرارا".
وتمثل الفكرة الليبرالية بحسب هذا المفهوم بالمعادلة التالية:
[الاستقلالية (= المفهوم السلبي) + إمكان قوة العمل العقلي (=المفهوم الإيجابي)= الليبرالية]
وبحسب هذه المفاهيم والمعادلات والنتائج يمكن أن نصل إلى تحديد أدق لحقيقة الليبرالية بأنها تعنى:
الاستقلالية التامة للفرد، بالانكفاء على النفس، والتحرر من سلطة الغير، ثم الانفتاح على قوانين النفس والانفلات معها عند بعضهم، دون بعضهم الذي يرى الحرية في التحرر من شهوات النفس.
وهكذا نخلص إلى أن الليبرالية لا تتحقق إلا من خلال طرفين:
- الفرد في ذاته، بتحقيقه التحرر الذاتي، بالانفلات والانطلاق مع قوانين النفس أو العقل.
- الآخر، الذي يملك السلطة(= الدولة، المجتمع)، بكفه عن التدخل وفرض السيطرة.
ولهذه الحرية مجالات، هي تلك التي يوجد الإنسان فيها، لتحقيق مصلحة أو تحقيق الذات، وهي:
الفكرية، والسياسية، والاقتصادية؛ وهي مجالات حيوية، لاغنى للإنسان عنها، ولكل واحدة منها مفهوم خاص في الليبرالية(=الحرية) وإن كان يشترك في المفهوم العام مع باقيها.
وقبل أن نشرع في بيان مجالات الليبرالية يحسن أن ننبه إلى أن الليبرالية كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع لم تتبلور على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الأساسي.(2/68)
ففي الجانب السياسي يعتبر جون لوك (1632-1704م) أهم وأول الفلاسفة إسهاما، وفي الجانب الاقتصادي آدم سميث(1723-1790م)، وكذلك كان لكل من جان جاك روسو (1712-1778م) وجون ستيوارت مل (1806-1873م) إسهامات واضحة.
وقد تقدم أن الليبرالي مذهب قضيته الإنسان، وعلى ذلك فكل المذاهب التي اختصت بهذا القضية كان لها إسهاما واضحا في تقرير مبادئ الليبرالية:
- فالعلمانية تعني فصل الدين عن السياسة، كما تعني فصل الدين عن النشاط البشري بعامة، وعلى مثل هذا المبدأ يقوم المذهب الليبرالي في كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والفكرية؛ بل لا تكون الدولة ليبرالية إلا حيث تكون العلمانية، و لا تكون علمانية إلا حيث تكون الليبرالية.
- والعقلانية تعني الاستغناء عن كل مصدر في الوصول إلى الحقيقة، إلا عن العقل الإنساني، وإخضاع كل شيء لحكم العقل، لإثباته أو نفيه، أو معرفة خصائصه ومنافعه، والعقل المحكم هنا عقل الإنسان، وهكذا الليبرالية تقوم على مبدأ: أن العقل الإنساني بلغ من النضج العقلي قدرا يؤهله أن يرعى مصالحه ونشاطاته الدنيوية، دون وصاية خارجية.
- والإنسانية تؤمن بالدفاع عن حرية الفرد، والثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وتقرر التمرد على سلطان الكنيسة، والليبرالية كذلك.
- والنفعية تجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياسا للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق السعادة لأكبر عدد من الناس، والليبرالية كذلك..
وهكذا فكل هذه المذاهب وغيرها كان لها نصيب في صياغة المذهب الليبرالي، وهذه نتيجة طبيعية لمشكلة كان يعانيها كل المفكرين على اختلاف توجهاتهم، هي: انتهاك حقوق الإنسان.
- الليبرالية الفكرية.
- "في الذات الإنسانية حيّز لا تستطيع أن تنفذ إليه سلطة المجتمع أو أي شكل من أشكال السلطة، ومتى اكتشف الفرد هذا الحيّز أصبح بإمكانه أن يتمتع بقدر من السيادة والحرية لايتأثر بتقلبات الزمان أو بأهواء البشر".
من هذه الفكرة، يضاف إليها رفض الاستخفاف بالإنسان وجبره على اعتناق ما لايريد، والقناعة بأن السبيل الصحيح لرقي المجتمع لايكون إلا برفض الوصاية على الفرد، نشأت الليبرالية الفكرية خاصة. جاء في موسوعة لالاند التعريف التالي لليبرالية:
- "مذهب سياسي فلسفي، يرى أن الإجماع الديني ليس شرطا لازما ضروريا، لتنظيم اجتماعي جيد، ويطالب بـ(حرية الفكر) لكل المواطنين".
- "على النطاق الفردي: يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير وأفعاله، حتى ولو كانت متعارضة مع المذهب بشرط المعاملة بالمثل؛ وفي إطارها الفلسفي تعتمد: الفلسفة النفعية، والعقلانية، لتحقيق أهدافها".
فهذا المذهب لا يمنع أي دين، ولا يدعو إلى أية عقيدة أو ملة، إذ يقوم على الحياد التام تجاه كل العقائد والملل والمذاهب، فلكل فرد أن يعتنق ما شاء، وله الاستقلال التام في ذلك، لا يجبر على فكر أبدا، ولو كان حقا، وهو ما عبر عنه هاليفي بالحرية الميتافيزيقية، فهو بهذا المعنى يحقق العلمانية في الفكر، وهو منع فرض المعتقدات الخاصة على الآخرين، كما يمنع فرض الدين في السياسة، أو في شئون الحياة، وهذه هي العلمانية؛ ولذا لا نجد دولة ليبرالية الفلسفة إلا وهي علمانية المذهب في الفكر.
فهو حركة وتمرد، حركة لتحقيق ذات الإنسان واستقلاليته، وتمرد ومعارضة على التقاليد والأعراف السائدة والسلطة السياسية، يرفض أن تكون إرادة الفرد امتدادا لآراء الجماعة أو الملة أو الطائفة، ويطالب بإخضاع معتقداتنا للنقد والتمحيص، في جو من الحرية والانفتاح والعقلانية والقبول.
إنه مذهب يرى الحق في أن يكون الفرد حرا طليقا من القيود، وعليه مسئولية تقصي الحقيقة، ومسئولية اتخاذ موقف خاص والدفاع عنه، هذا في ذات نفسه، وعلى كافة الأطراف ذات السلطة: مجتمع، قبيلة، حكومة، مذهب، ملة؛ أن تحترم هذا المزايا والرغبات في الإنسان، وتكف عن كل ما يعرقل تحقيق هذه الذاتية، بل وتمنع كل من يعمل على تحطيم هذه الذاتية، بمنع أو وصاية، وعليها أن توفر كافة الظروف، وتهيء السبل للوصول إلى هذه النتيجة.
- الليبرالية السياسية.
هي نظام سياسي يقوم على ثلاثة أسس، هي: العلمانية، والديمقراطية، والحرية الفردية.
- على أساس فصل الدين عن الدولة (علمانية)..
- وعلى أساس التعددية والحزبية والنقابية والانتخابية، من خلال النظام البرلماني(ديمقراطية)..
- وعلى أساس كفل حرية الأفراد(حرية فردية).
جاء تعريفها في موسوعة لالاند بما يلي:
- "مذهب سياسي يرى أن المستحسن أن تزداد إلى أبعد حد ممكن استقلالية السلطة التشريعية والسلطة القضائية، بالنسبة إلى السلطة الإجرائية/التنفيذية، وأن يعطى للمواطنين أكبر قدر من الضمانات في مواجهة تعسف الحكم.. الليبرالية تتعارض مع الاستبدادية".
ويذكر في الموسوعة الفلسفية العربية: أن الليبرالية في الفكر السياسي الغربي نشأت وتطورت في القرن السابع عشر، وأن لفظتي: "ليبرالي" و "ليبرالية" لم تكونا متداولتين قبل بداية القرن التاسع عشر، وأن كثيرا من الأفكار الليبرالية موجودة في فلسفة جون لوك السياسية، فهو أول وأهم الفلاسفة الليبراليين.(2/69)
هذه الفكرة الليبرالية السياسية تبحث في:
[تحديد طبيعة الحكم، هل هي تعاقدية، ائتمانية، بين الحاكم والمحكوم، أم حق مطلق للحاكم؟]
والذي دعا إلى هذا البحث، أحوال وأنظمة الحكم السائدة في أوربا، حيث الصراع بين الملكيات والقوى البرلمانية.
فالملكية كانت تعتبر الحكم حقها المطلق، الموروث، الممنوح لها من خالق الكون، وحكمها بمشيئة إلهية، وثم فليس الحاكم مسئولاً تجاه المحكوم بشيء.
أما القوى البرلمانية فقد رفضت ادعاء هذا الحق، وقررت أن الحكم ليس حكرا لفئة معينة، وأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة إئتمانية تعاقدية، وبما أن الإنسان له حقوق طبيعية في الحرية والكرامة، وجب الإقرار بأن الحكم يجب أن يكون مبنيا على رضى المحكوم.
[فالشعب هو مصدر الحكم، والحكم حينئذ مسألة أمانة لا مسألة حق]
وعلى ذلك فكل حاكم معرض لمحاسبة المحكوم على نحو مستمر، وإن هو أساء استعمال الحكم الذي وضعه الشعب أمانة في عنقه، ساغ حينئذ الثورة عليه وخلعه.
وقد كان هذا بالفعل مصير الملك جيمس الثاني، الذي خلع عن العرش عام1688م في الثورة البيضاء الشهيرة، المعروفة بالثورة المجيدة.
وبذلك أقرت الديمقراطية ونحيت الحكومات ذات السلطة المطلقة، وبدأ الليبرالييون في تحديد ملامح الدولة، وتساءلوا إن كان يمكن الاستغناء عنها أصلاً أم لا؟.
فذهب نفر إلى فكرة مجتمع بلا دولة، إيمانا منهم بأن التعاون الطوعي بين الناس يغني عن الدولة، لكن الأغلبية الساحقة من السياسيين والمفكرين اعتبروا وجود الدولة ضروريا، فالأمور لاتنتظم من تلقاء نفسها، لكن اختلفوا في تحديد ملامح هذه الدولة وسلطاتها، ومن هنا نشأ في الفكر السياسي الليبرالي مفهوم "دولة الحد الأدنى"، فالحاجة إلى الدولة حاجة عملية فقط، في التنفيذ، لا في التشريع والقضاء، ولايجوز أن توسع نطاق سلطاتها خارج الحدود التي تفرضها هذه الضرورات العملية.
فالليبرالي هنا يحد من نطاق سلطة الدولة، ولو كانت ديمقراطية، وهو يفترض أن هنالك علاقة عكسيية بين سلطة الدولة وحرية الفرد:
[كلما ازدادت سلطة الدولة وتوسع نطاقها، نقصت حريات الفرد وضاق نطاقها]
والفكر الليبرالي هنا يصر على إمكانية ائتمان المواطن على قدر من الحريات دون أن يهدد ذلك، بالضرورة، استقرار المجتمع وأمنه.
ومشكلة سوء استعمال السلطة قديمة قدم التاريخ البشري، فإذا كان وجود الدولة ضروريا، فوجود السلطة كذلك، ولابد للسلطة أن تكون بيد أشخاص معينين، لصعوبة ممارسة الجميع لها، ومتى استقرت السلطة في أيدي أولئك، فما الذي يحول بينهم وبين سوء الاستعمال؟.
هذه هي المشكلة التي نتجت عنها فكرة الليبرالية السياسية، وقد حاول منذ القديم بعض الفلاسفة وضع حل لها، فأفلاطون مثلا، كان يرى أن المشكلة تحل إذا اجتمعت السلطة والفلسفة في شخص واحد، لكن هوبز لم يرتض هذا الحل، ورفض معادلة أفلاطون: [السلطة + المعرفة = مجتمع عادل]
مشددا على أن السلطة وحدها هي العنصر الأهم في بناء مجتمع مستقر، وهوبز من المعارضين للحل الليبرالي، وفلسفته السياسية تقوم على أن هناك علاقة عكسية بين الحرية والاستقرار، وهو يعطي الحاكم سلطة شبه مطلقة، نتيجة قناعته أنه بدون هذه السلطة المطلقة لانظام ولا استقرار ولا أمان.
أما الحل الليبرالي الذي وضعه جون لوك وطوره مونتسيكو فيرفض حصر الخيارات بخياري هوبز:
- مجتمع لا سلطة فيه (=فوضى).
- مجتمع يساء فيه استعمال السلطة.
وهذا الحل يتركز على مبدأ ثالث هو: - حكم القانون وسيادته، وعلى إصلاح مؤسسات المجتمع وتطويرها.
ودعاة هذا الحل يرى أن من الخطأ أن يركز على الحاكم المثالي، ومن الأصح أن نركز على:
اشتراع قوانين واستحداث مؤسسات تقلل من سوء استعمال السلطة، وتسهل مراقبة المسئولين، وتجيز معاقبتهم إن هم أساءوا استعمال مسئولياتهم.
ويفترض هذا الحل أن إغراءات سوء استعمال السلطة ستظل موجودة، ولكنه يقلل من احتمال إساءة استعمالها فعلا، وحكم القانون يعني أن المرجع الأخير لم يعد إرادة فرد ما، أو مجموعة أفراد، بل أصبح مبادئ، اتفق عليها، ودخلت في بنية المجتمع وصلبه.
- الليبرالية الاقتصادية.
تقوم فكرة الليبرالية الاقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية، ولا وظائف تجارية، وأنها لايحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم.
والعلة في هذه النظرة: [تضرر المصلحة الاقتصادية، الفردية والجماعية، متى ما تدخلت الدولة في الاقتصاد]
ويعد الاقتصادي آدم سميث 1723م-1790م هو المنظر لهذه النظرية الليبرالية الاقتصادية:(2/70)
"فقد افترض أن المحرك الوحيد للإنسان، والدافع الذي يكمن وراء كل تصرفاته الطوعية، هما الرغبة في خدمة مصالحه وإرضاء ذاته (وسميث هنا يشارك هوبز في نظرته إلى الإنسان ككائن أناني)، واعتبر سميث أن الاقتصاد تنظمه قوانينه الخاصة، كقانون العرض والطلب، وقوانين الطبيعة الإنسانية، وكانت لدى سميث قناعة تامة أن هذه القوانين إذا ما سمح لها بأن تأخذ مجراها دون تدخل من الدولة، تقوم بمهمتها على أكمل وجه، فتخدم مصلحة المجتمع ككل، وتخفف رغبات الفرد، وقد يبدو أن هذه القوانين جاءت نتيجة تصميم مصمم، أو أنها تشكل نظاما غائيا متعمدا، ولكنها ليست كذلك، أو على الأقل هذه هي قناعة سميث.
فالخباز واللحام عندما يؤمنان الخبز واللحم لموائدنا لايفعلان ذلك حبا بالإنسانية أو حرصا على صحتنا، بل بدافع مصالحهما الخاصة وحبا بالربح.
والمستهلك بدوره لايشتري السلع المتوافرة في السوق حرصا على مصلحة المنتج أو التاجر، بل لأن عنده الرغبة، ولديه المقدرة، على شراء ما يشتري.
إذن فأفضل خدمة نقدمها إلى المجتمع هي: تسهيلنا للأفراد سعيهم إلى خدمة مصالحهم الخاصة.
وهكذا فإن لعبة المصالح الخاصة هذه، إن لم يعقها تدخل خارجي مفتعل، تؤمن حاجات الجميع، وتخدم المصلحة العامة، وكأن هناك يدا خفية غير مرئية، تحدد الأدوات، وتنسق الحركات كي يسير على ما يرام.
وعلى الدولة أن تترك هذه اللعبة تأخذ مجراها، فلا تتدخل باسم المصلحة العامة، أو العدالة أو المساواة فتمتلك وسائل الإنتاج، أو تحدد كمياته، أو أسعاره.
وهكذا أدخل سميث مبدأ الاقتصاد الحر (تنافس حر، في سوق حرة) في مفهوم الليبرالية".
الليبرالية من الداخل.....
لم تكن الليبرالية محل إجماع بين المفكرين الغربيين، فقد رفضها هوبز، وعظم من شأن سلطة الدولة، حتى أولئك الذين تبنوا الفكرة وهم الأكثرية اضطربوا في تحديد نطاقها ورسم حدودها، بعد إذ لمسوا كثيرا من الخلل في التطبيق:
- فالحرية المطلقة التي تدعو إليها الليبرالية تتعارض مع قيم أخرى، كالعدالة والمساواة، بل وحريات الآخرين، لذا فقد حاول جون ستيوارت ميل أن يجد معادلة توفق بين الليبرالية والديمقراطية، فلم يسمح بتقييد حرية فرد ما، إلا لمنع ضرر واضح يلحق بالآخرين، نتيجة تصرف هذا الفرد، وقد ميز جون ميل بين الحيز الخاص والحيز العام، فأعطى الفرد حرية مطلقة في الحيز الأول، وسمح للدولة بأن تتدخل فقط فيما يتعلق بالحيز الثاني.
فهذا التقييد للحرية بهذا التقسيم، يتنافى مع الحرية المطلقة والاستقلالية التامة، لكن الفكر الليبرالي أدرك أهمية هذا التقييد، وإلا فلن تكون الليبرالية حلا صحيحا، متلائما مع حاجات الفرد قبل حاجات الجماعة، فحرية الفرد لاتصح أن تكون سببا في شقاء الفرد الآخر، كما لاتصح أن تكون سببا في إلغاء حرية الفرد الآخر، فما من حرية مطلقة ينادى بها للفرد، إلا وفيها إلغاء لحرية فرد آخر، فهذا الشعار الجميل في مظهره، يحمل في تطبيقاته مشاكل كثيرة، شعر بها وعاشها دعاتها وشعوب أوربا، ولذا اضطروا، كما رأينا، إلى قيد: عدم الإضرار بالآخر..
لكن هذا القيد غير محدد، ويختلف من شخص إلى آخر، ومن أمة إلى أخرى، تماما كما هو الحال في المقيد(= الحرية)، وإذا كان هذا القيد مختصا بالأفعال، فيمنع كل فعل يضر بالآخر، فليس من العقل إغفال قيد الأقوال، فالأقوال ربما لاتقل خطرا عن الأفعال، فكم من كلمة أشعلت فتنة وحربا.
فالحرية جميلة، والقيد لابد منه، لكن الخلاف حول معنى "الحرية"، وحد القيد المحدد للحرية.
- وإذا كان الفكر الليبرالي يرى الحل الديمقراطي هو الأمثل والبديل المناسب للملكية القسرية، فإن التجربة الديمقراطية أثبتت أنها ليست إلا وجها جديدا للحكم الملكي الدكتاتوري، فالسلبيات التي كانت تنشأ عن الحكم الملكي عادت في ظل حكم الأغلبية، فما الذي يمنع الأغلبية أن تمارس طغيانها الخاص، كما مارس الحكم الملكي طغيانه الخاص؟.
والتجربة أثبتت أن رقابة المجتمع، في ظل الديمقراطية، لم تفد شيئا ذا بال، فالمشاكل متفاقمة، والتلاعب مستمر، وإذا ذهب وجه ديمقراطي منتخب بإسقاطه، لطغيانه، جاء وجه آخر، يمارس نفس الدور، في حلقة مفرغة، ودورة مستمرة لا تنتهي.
وقد شعر بهذه المشكلة كبار الليبراليين والقانونيين:
"فقد أدرك ملّ أن مشكلة تسلط الملوك وإن حلت تاريخيا بتجريدهم من صلاحياتهم أو بقطع رؤوسهم، تعود وتظهر بشكل طغيان الأكثرية أو من يمثلها في النظام الديمقراطي، والحل الدستوري (عبر القوانين وإصلاح المؤسسات، وإنشاء المحاكم العليا، وتعدد الأكثريات من خلال النسق التعاقبي للانتخابات إلخ.. ) لا يحل المشكلة كليا، حتى لو تأكدنا أن الديمقراطية دستورية، يبقى، في نهاية المطاف، الدستور وتقرير أحكامه في يد الأكثرية.(2/71)
وقد أدرك توماس جيفرسون (1743-1826) هذه الحقيقة قبل ملّ، وتوكفيل، وتوماس جرين (1836-1882)، وكونستانت وغيرهم، ممن أدركوا طبيعة هذه المشكلة وأبعادها، ففي نص القانون الذي يحمي حرية العبادة (كتبه جيفرسون عام1779، وصدقه المجلس الاشتراعي لولاية فرجينيا في العام 1786) ورد في الفقرة الأخيرة ما معناه:
- نحن ندرك في هذا المجلس، الذي انتخبه الشعب لا شتراع القوانين، أن لا سلطة لنا على المجالس اللاحقة، التي سوف تنتخب بعدنا، ويكون لها صلاحية قانونية، ولا نستطيع أن نجعل هذا القانون الذي اشترعناه اليوم غير قابل للنقض في المستقبل، وإن نحن فعلنا ذلك فلا يكون هذا صفة قانونية ملزمة، ولكننا نعلن أن كل من ينقض هذا القانون، أو يلغيه، أو يحد منه، إنما ينتهك حقوقا للإنسان طبيعية.
وقول جيفرسون هذا يشير بوضوح إلى أنه أدرك أن الضمانة لا تكون في النهاية إلا بوعي المواطنين وبحكمتهم وأخلاقيتهم، ولم يجد جيفرسون في يده حيلة سوى العودة إلى مفهوم حقوق الإنسان الطبيعية". فهذه شهادة الليبراليين بعجز هذه المجالس النيابية الديمقراطية الليبرالية عن حفظ حقوق الإنسان الطبيعية، لو فرضنا أنها في إحدى الدورات ضمنت هذه الحقوق، إلا أنه لا ضمان في دوامها.
فكرة السوق الحرة...
وفكرة السوق الحرة، هل بالفعل تحقق مصالح الفرد بأقصى درجة، أم تحقق مصلحة فئة معينة، تملك المال والاقتصاد؟.
واقع السوق الحر يثبت أن المصلحة تتجه نحو جيوب كهنة المال والاقتصاد، فالمال يضخ في خزائن الذي يملكون التجربة والممارسة الاقتصادية، ورفع سلطة الدولة عن ضبط السوق، مكن كل محتال أن يلعب لعبته، وصار السوق غابة من وحوش تأكل كل ضعيف وساذج أو صادق غرّ، لا يعرف ولا يحب أن يعرف طرائق المكر والاحتيال.
وكون الفرد ينطلق من مصالحه الخاصة، بيعا وشراء، هذا لا علاقة له بصحة العملية بوجه، فالانتفاع عملية متبادلة بين البائع والمشتري، هذا صحيح، لكن هذا لا يمنع من التلاعب والاحتيال، ما لم يخضع لقانون، وحرص الفرد على مصلحته لا يرفع عنه الغفلة، كما لا يرفع عنه الخديعة، ما لم يجد قانونا يحميه، أو قانونا يردعه ويكفه عن العبث.
فهذا الذي يملك سلعة يحتكرها، فلا يبيعها، حتى إذا شحت في أيدي الناس، وزاد الطلب عليها، باعها بأعلى الأسعار، أليس يحقق مصلحته في البيع، ويحقق مصلحة المشتري حينها؟.
لكن مدة الاحتكار، وزيادة السعر، أليس فيه ضرر بائن بالمشترين؟..
إن وسائل الشر والإضرار بالآخرين ممكنة لكل فرد، متى ما وجد إلى ذلك سبيلا، وإذا لم تكن ثمة ضوابط تمنع وتحد وتقيد، وقع الضرر، وحال السوق الحر، كحال المجتمع بلا دولة ولا حاكم، أو العمل من غير رئيس، أو القطار من غير سائق.
- ثم في الليبرالية، ما مصير القيم الأخرى، كالمساواة والعدالة والسعادة والتعاون؟..
فإذا كانت الحرية هي القيمة العليا، فلا شك أنها ستتعارض مع قيم كثيرة:
ستتعارض مع السعادة، فالفرد بدعوى الحرية سيفعل ما يشاء، ولو كان فيه شقاؤه، سيشرب الخمر، ويزني، ويخدع، ويحتال، وكل هذه آفات تقتل السعادة، يقر بذلك كل العقلاء.
وحرية السوق أو السياسة تتعارض مع العدالة والمساواة:
فأين نجد المساواة في حكم ديمقراطي، الحكم فيه للأغلبية الغنية؟..
وأين نجد العدالة في سوق حر، لا يعرف إلا الاحتيال والتلاعب، والذكي من يكسب أكثر؟.
- إن الحل الليبرالي قاتم وسقيم، والغرب أكبر شاهد على هذا، فقد عاش الحياة "الليبرالية" بالمفهوم الذي وضع لها، أكثر من قرنين، وهاهو ينتقدها ويعارضها، بعدما طحنت شعوبهم، فنشرت فيهم البطالة والفقر، والأمراض المهلكة، والمخدرات والخمور والزنى والشذوذ والإلحاد والجريمة، والغرب اليوم، ومن وراء الفكر الليبرالي، يصدر للعالم مشاكله وجرائمه وعدوانه.
الليبرالية الجديدة.. LIBE r ALISME NEW
لقد كانت الليبرالية مرحلة مؤقتة، ولو طالت، بكل سلبياتها وإيجابياتها، واليوم تنتقل الليبرالية إلى مرحلة جديدة يسميها بعضهم بـ"الليبرالية الجديدة" LIBE r ALISME..
وإذا كانت اللبيرالية الأولى نقلة نوعية بالنسبة لأوربا في قضية حقوق الإنسان، فإن الليبرالية الجديدة انتكاسة حقيقية لحقوق الإنسان، تحت سمع وبصر العالم، ليس الإنسان الغربي فحسب، بل الإنسان الشرقي والشمالي والجنوبي:
تستخدم فيها القوة العسكرية لفرض الهيمنة والأفكار والتقاليد، في عصر ما يسمى بالعولمة، فلم تعد للحريات الإنسانية مكانا، إلا الحريات التي تمليها القوة الكبرى (=أمريكا) بسيطرتها المحكمة على مراكز الأرض، برا وبحرا، من خلال قواعدها البرية، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وأساطيلها البحرية، متمثلة في حاملات الطائرات، التي تجوب بحار العالم، كقواعد عسكرية متنقلة، فكل من يخرج عن إرادة هذه القوة الكبرى فهو خارج عن القانون (= إرهابي)، فالقاعدة:
"إما أن تكون معنا، أو ضدنا"..
ولايملك العالم أمام هذه القوة الهائلة إلا الخنوع والرضوخ لإرادتها، وتنفيذ كل ما يطلب منها، وإلا كان مصيرها التأديب باسم النظام الدولي متمثلا في:
- هيئة الأمم المتحدة..
- صندق النقد الدولي..
- البنك الدولي..(2/72)
- منظمة التجارة العالمية؛..
- كذلك باسم مكافة الإرهاب، والقضاء على الشر.
إن معادلة هذه المرحلة، تسير وفق التصور التالي:
[العولمة + الدور البوليسي للقوة الكبرى الليبرالية الأولى(الحرية) = الليبرالية الجديدة(انتهاك حقوق الإنسان)]
ولعل هذه النتيجة السلبية القاتمة لم تكن مفاجأة، لمن تتبع سير الفكرة وعرف أسباب نشأتها، ومن الذي تولى توجيهها، ورسم حدودها وخطتها، فما كانت إلا شعارا أجوف المضمون، لم يكن يراد لذاته، بل لغيره..
نعم كان هناك مخلصون للفكرة، ونادوا بصدق وإيمان تام، لكن لم يكن منهم إلا التقرير والتصوير، أما التوجيه وتولي دفة السير فكانت لغيرهم، ممن اقتنص الفرصة ليضرب ضربته في تحقيق أهدافه الخاصة، فركب موجة الليبرالية، ودعا إليها، وهو يعلم سلفا أنها ضارة غير نافعة، وأن نفعها بالنسبة للشعوب محدودة جدا، بل لا تقارن بمضارها، وفائدتها قاصرة على ذوي الأهداف الفاسدة الشريرة، وهم اليهود!!!!!!!! …..
دور اليهود...
- لليهود دور أساسي في ترسيخ الفكرة الليبرالية في المجالات الغربية: السياسة والاقتصاد والفكر؛ قد لايكونوا هم من ابتدعها، فالأقرب أنها ابتدعت تلبية لحاجة نفسية، وثورة على كبت مطلق، لكن اليهود أحسنوا استغلال هذه الحاجة والثورة، بما يحقق أهدافهم، على حين غفلة.
وفي البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون وردت كلمة "الليبرالية"، بما يبين أن الفكرة ليست إلا غطاء لأهداف حددت سابقا..
ينطلق اليهود في ترسيخ الفكرة الليبرالية من فهم نفسيات الشعوب، من حيث سيطرة العاطفية والسطحية على شعورها، وضعف إدراكها لخفايا الأمور، واغترارها بالظاهر وعدم البحث فيما وراءه، ولأجله فهم مهيئون لتقبل كل فكرة ظاهرها الرحمة، وإن كان باطنها العذاب، لكنهم لا يفقهون ذلك الباطن، وليس لهم إلا الوقوف على الظاهر!!.
وقد اتخذوا هذه الفكرة وسيلة لهدم كل الحكومات الارستقراطية الملكية القائمة الثابتة الحاكمة حكما مطلقا، واستبدالها بحكومات غير ثابتة متغيرة على الدوام، ذات سلطة محدودة، بدعوى تحقيق الليبرالية، التي يدركون يقينا أنها لن تكون خيرا من الملكيات والحكومات ذات السلطات المطلقة، إن لم تكن شرا منها، لكن كان لابد من الترويج لها من أجل هذا الهدف، وهو إزالة الأنظمة التي تعوق خطط الصهيونية اليهودية الماسونية في الوصول إلى الحكم.
وهم يعلمون جيدا فشل الليبرالية في تحقيق الأهداف المروجة لها، وسأنقل فقرات من البروتوكول الأول، بحسب ما جاء في إحدى ترجماتها، لنقف على تأكيد ما ذكر آنفا:
1- "لما كانت الأغلبية من بني البشر رعاعا، والندرة منهم ذوي التفوق والامتياز، فإن أقوم السبل لحكم العالم، هو إقامة الحكم على أساس التخويف والعنف، لا الحكم القائم على النقاش المجمعي(=الأكاديمي)".
2- "لما كانت الحرية السياسية فكرة مجردة عن الواقع، فمن الفرض اللازم معرفة سبيل تسخيرها، من أجل السيطرة على الجماهير، وضمهم إلى حزبنا، ويقتضينا ذلك أن نقدم الطعم الذي يوقعهم في شباكنا، وحينئذ يسع حزبنا أن يقضي على الحزب الآخر المنافس له، ويكون النصر لحزبنا محققا ومؤزرا، لأن المنافس لنا مخدر بفكرة الحرية التي جعلته ينزل عن كثير من سلطاته، وهذا دون شك فاتحة انتصارنا وهزيمة منافسنا".
3- "هناك سلطة الذهب التي صارت في أيامنا بديلا عن سلطة الحكام الأحرار، وانتهى العهد الذي كانت فيه السلطة للدين، وليس هناك مجال لتحقيق فكرة الحرية التي يتعذر استخدامها بحكمة وبصيرة، ويكفي أن يتولى الشعب حكم نفسه برهة من الزمن، ليصبح مآله إلى الفساد الذي يحيل أفراده رعاعا وغوغاء، واستقلاله فوضى تشعل فيما بينهم جحيم المنازعات والخصومات التي تتحول إلى ثورات اجتماعية، تودي بالحكومات إلى السقوط والفناء، وسيان وقوع الدولة في فتن داخلية تفضي بها إلى الانهيار، أو تسلمها إلى عدو خارجي، فالأمر في الحالين واحد، وهو الزوال الذي يدفع بها إلى قبضتنا، وحينئذ تبرز سلطة المال الذي هو أيدينا لتكون للشعب طوق النجاة، الذي نرميه إليه، فيتشبث به من تلقاء نفسه، طمعا في النجاة من الغرق، وهو مجبر على التعلق به".(2/73)
4- " أفي وسع رجل ذي حكمة وتبصر وركانة أن يحكم الغوغاء حكما رشيدا ناجحا، باتخاذ الحرية في النقاش بين الحكومة والمعارضة؟، وسواء أكانت المعارضة موفقة أم غير موفقة فإن ما يكون غير سليم أو معوجا لاتفطن العامة له، لأنهم مجردون من الفكر العميق والإدراك السليم، ويجرون وراء الأشكال والظواهر، ويعجزون عن النفاذ إلى الحقائق والبواطن، ويمشون خلف الميول والأهواء المتقلبة والمذاهب التي تلعب بالعواطف، والعامة أغبياء أغرار، وكذلك من ارتفعوا من صفوفهم، وكلهم غرقى الخلاف الحزبي الذي يقضي على إمكان الاتفاق بين المعارضة والحكومة على أي قرار، ولو كان هذا القرار ضامنا الخير والمنفعة، وكل قرار متخذ موقوف على فرصة تحققه أو أغلبية تؤيده ليس بالقرار السليم، لأن جهلها بأسرار السياسة وخفاياها يبعد عنها التوفيق فتخرج بقرار خاطيء، تكمن فيه بذور الفساد، التي تثمر وقوع الحكومة في فساد أشد مصحوب بالفوضى".
5- "أتستطيع جمهرة الشعب أن تصرف شئون الدولة في هدوء وفي نجوة عن التحاسد والتباغض، إنها تبني إدارتها لشئون الدولة على الأهواء الذاتية والمصالح الخاصة، وذلك يفقد الحكم الثبات، كما يفقد الأمة القدرة على حماية نفسها من العدوان الخارجي".
6- "من المستحيل نجاح خطة تكثر أيدي واضعيها، لأنها تفقد الإحكام بسبب كثرة الأيدي التي تضعها، فتتجزأ أجزاء بقدر عدد الشعب، وعندما تفقد الخطة تماسكها بالوحدة تفقد الأحكام فتتبدد، وعندئذ يستحيل فهمها وتطبيقها وتنفيذها، ولايمكن وضع مخطط محكم ناجح إلا على يد حاكم مطلق الإرادة، تجتمع في قبضته أجزاء الحكومة التي يوزعها على مختلف الإدارات والرؤساء، ويكون رأس كل جزء في قبضته، ذلك هو الضمان الوحيد للنجاح الذي يضمن أن السلطة كلها في يد حاكم فرد مطلق، تحقق أوتقراطيته رخاء البلاد وسعادتها، والحضارة نفسها ليست وليدة الدهماء، وإنما هي نتيج الفكر الفرد الذي يقود الدهماء، وتحت رعاية الحاكم المستبد أيا كان هذا الحاكم تزهو الحضارة لاتحت رعاية الغوغاء".
7- "الرعاع أو الجمهور قوة همجية تؤكد كل تصرفاتها هذه الهمجية، وعندما يتمتع الرعاع بالحرية تظهر الفوضى التي هي قمة الهمجية".
8- "وأما شعارنا فهو القوة والرياء، ففي الأمور السياسية يكون النجاح وليد القوة، وبخاصة عندما تكون القوة اللازمة لرجل السياسة (الحكم) مطلية بالعبقرية التي تسترها، ويجب أن يكون العنف مبدأ، قاعدته: الرياء والمكر، في السيطرة على الحكومات".
9- "كنا أول من نادى في العصور الغابرة بكلمات: الحرية، والمساواة، والإخاء؛ فاجتذب النداء الناس، وأخذوا يهتفون بها ويرددونها في كل أقطار الأرض ترداد الببغاء، دون فهم أو إدراك أو شعور، وأدى بهم الهتاف الببغائي إلى عرقلة التقدم الإنساني في العالم، وحرمان الفرد من حريته الذاتية الأصيلة، التي كانت في مأمن من عبث الجماهير، وأدعياء العلم والفطنة من الجوييم لم يفهموا مدلول هذه الكلمات، ولم يتبينوا التناقض فيما بينهن في المعاني، ولم يفطنوا إلى ما في مدلول كل منهن من خلاف، وفاتهم إدراك الاختلاف في أصل الطبيعة نفسها، إذ ليس فيها مساواة قط، كما أنه ليس فيها حرية أبدا، والطبيعة هي نفسها التي أوجدت الفروق في الأذهان، والأخلاق، والطاقات، والكفايات، وجعلت هذه الفروق ثابتة ثبات الخضوع لها فيما أوجدت من سنن وقوانين".
10- "فات هؤلاء الجوييم أن يدركوا أن الجماهير قوة عمياء، وأن النخبة المختارة من بينهم للحكم مثل الجماهير عمي في السياسة، وفي وسع أي أرعن أن يحكم إذا قدر له اعتلاء منصته، وفات الجوييم أن يدركوا أن السياسية لا تتطلب أذكياء متفوقين في ملكاتهم العقلية، وجهلوا فقه السياسة، وإنما تتطلب أفرادا فقهوا أسرارها وإن خلوا من كل مزية لا دخل لها في السياسة، وكل هذا مما فات الجوييم إدراكه، مع أن الحكم الملكي لديهم فطن لهذا المبدأ منذ زمن، إذ جرت العادة أن يلقن الأب ابنه دروس السياسة ويفقهه في أسرار التطور السياسي دون أن يحضر هذه الدروس غير أفراد الأسرة المالكة، وكان الشعب بمعزل عن ذلك حتى زال هذا المبدأ زوالا أدى إلى نجاح مخططنا".
11- "إن هتافنا بكلمات: الحرية، والمساواة، والإخاء؛ مع جهود دعاتنا المسخرين اجتذب في كل أنحاء العالم جيوشا جرارة من البشر، حملت أعلامنا بكل فخر وحماسة، في حين أن هذه الكلمات الساحرة كانت سوسا ينخر في كيان سعاد المسيحيين(الجوييم) ومعول هدم للأمن والسلام والوحدة لديهم، وأداة تدمير أسس دولهم، وكان هذا من أسباب نصرنا، كما سترون، ومن هذا النصر وصول الورقة الرابحة إلى أيدينا، ويسرت لنا القضاء على طبقة الأشراف المسيحيين، ونسف ما كان لهم من شرف احتكروه لأنفسهم، وبذلك تم سحق أرستقراطية الجوييم التي منحتهم الرفعة والحصانة والامتياز على الطبقات الأخر، كما كانت هذه الأرستقراطية سند الشعوب الوحيد الذي يقف في وجهنا".(2/74)
12- "مفهوم الحرية المجرد أقنع الشعب بأن حاكمه ليس إلا وكيلا عنه في تصريف شئونه، وفي الوسع الاستغناء عنه وخلعه، كما يخلع القفاز من اليد إذا بلي، وعملية تغيير نواب الشعب قد دفعت بهم إلى قبضتنا، وجعلت تعيينهم من قبلنا، وأمرهم في أيدينا".
والخلاصة:
أن العنف والقوة والحكم المستبد المطلق هو السبيل الوحيد للاستقرار والحضارة والرخاء والسعادة للدولة، كما كان يقول "هوبز"، والعلة أن الجماهير غوغاء رعاع، لاتدرك كنه الأمور، وتجهل مصالحها وما فيه سعادتها، أما الحرية السياسية فهي مجرد فكرة، ولاينتفع من تطبيقها بشيء، بل تفاقم المشاكل وتزيدها، ذلك أن الجماهير غير مؤهلة، لما بينها تحاسد، وخلافات، وأهواء شخصية، ولأن الخطة السياسية تفقد - بسبب كثرة الأيدي التي تضعها تماسكها، فتتبدد، ويستحيل تطبيقها.
وإذا كان الأمر على هذا النحو، فلم إذن الترويج للحرية(الليبرالية)؟.
الجواب :
لإزالة الأنظمة السائدة، من حكومات ملكية أرستقراطية دينية، وفتح الباب لتغييرها كلما دعت الحاجة والمصلحة الصهيونية الماسونية اليهودية.
إذن، اليهود كانوا وهم يروجون لليبرالية يعلمون أنها شعار أجوف، ليس وراءها أية فائدة للجماهير، بل تفاقم مشكلاتهم وتزيدها حرجا، لكنها سبيل لتحقيق أهم أهداف اليهودية الصهيونية:
[إزالة الحكومات القائمة إلى الأبد، ثم السيطرة على الحكومات البديلة من خلال النظام الديمقراطي]
ومن هنا أطلقوا تلك الشعارات، ونادوا بها، وصدقها الغوغاء والرعاع، وتبنوها، وصاحوا بها، وهم لايدركون حقيقتها، ولا ما فيها من تناقضات، واختلافات، ومعارضة لأصل الطبيعة البشرية!!.
-----------------
مراجع البحث:
- موسوعة لالاند..
- الموسوعة الفلسفية العربية..
- الموسوعة الميسرة..
- بروتوكولات حكماء صهيون..
- أحجار على رقعة الشطرنج..
- فخ العولمة..
- مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة..
- مجموعة مقالات...
http://www.saaid.net المصدر :
================(2/75)
(2/76)
لهذا أعلنت كوريا الشمالية امتلاك السلاح النووي
والانسحاب من المفاوضات
علي حسين باكير
13/2/1426هـ الموافق له 23/3/2005م
بعد روتين المحادثات السابقة، ونتيجة لعدم خروجها بنتائج إيجابية مهمة، ونظراً لبقاء المشكلة قائمة؛ غابت القضية عن الواجهة الأساسية، وتم تجاهل كوريا الشمالية، ثمّ ما لبث أن تطوّر الوضع بشكل دراماتيكي لتعود كوريا الشمالية والمسألة النووية إلى واجهة الأحداث من جديد.
ففي 1/2/2005 أعلنت كوريا الشمالية بشكل رسمي وعلني امتلاكها السلاح النووي، وأنها تعلق إلى أجل غير مسمى مشاركتها في المفاوضات حول برنامجها النووي، متهمة واشنطن بالسعي لإسقاط النظام الحاكم في بيونغ يانغ، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في بيونغ يانغ في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية نريد محادثات سداسية، لكننا مضطرون لتعليق مشاركتنا في المحادثات لمدة غير محددة، أضافت الوزارة: 'نحن صنعنا أسلحة نووية للدفاع عن النفس، والتعامل مع سياسة إدارة بوش الهادفة إلى عزل وتقييد [الشمال]'، مضيفة: 'الواقع الحالي يثبت أن القوة فقط هي التي يُمكنها حماية العدالة والحق'.
واتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بأنها تخطط لغزو الجمهورية الشيوعية بهدف استكمال هيمنتها على القارة الآسيوية، وحضت مواطنيها على "الإخلاص والولاء" عقب التوتر الناشئ عن إعلان بيونج يانج امتلاكها قنبلة نووية، وانسحابها من المحادثات السداسية، وكانت صحيفة "رودونج سينمون" الناطقة بلسان حزب العمال الشيوعي الحاكم في كوريا الشمالية قد خصصت صفحتها الأولى لعنوان يحمل الكلمات التالية "الوحدة أمضى سلاح"، وكتبت تقول: "في مثل هذا الوقت، عندما تصبح الأمور متوترة؛ فإن المهمة الأكثر إلحاحاً هي تقوية وحدتنا، لنكن صوتاً واحداً، وعلى قلب رجل واحد، لنكرس أنفسنا لحماية الزعيم (كيم ايل جونج) والأرض".
من هذا المنطلق يمكننا أن نعزو الأسباب التي دفعت كوريا الشمالية إلى هذا الاتّجاه في التصعيد، وهذا التصرّف للاعتبارات التالية:
أولاً: إدراك كوريا الشمالية أنّ سلسلة المحادثات التي جرت حتى الآن لم يكن الهدف منها الخروج بحلول للأزمة الحاصلة (على الأقل بالنسبة للولايات المتّحدة)، بقدر ما كان تقطيعاً للوقت، وهذا ما أغضب كوريا الشماليّة؛ خاصّة مع تنامي الشعور لديها أنّها قد تكون الهدف التالي بعد أن تنتهي القوّات الأمريكيّة من العراق.
ثانياً: اللامبالاة التي تبديها الولايات المتّحدة لكوريا الشماليّة ولمطالبها، وإصرارها على مهاجمة النظام الكوري الديمقراطي الشعبي، خاصّة عندما وصف الرئيس بوش كوريا الشماليّة بأنّها "قاعدة للطغيان" في خطابه للاتّحاد في 3/2/2005.
ثالثاً: وهو الأهم، ففي سياق التخوّف الإقليمي والتذمّر من حلفاء الولايات المتّحدة -اليابان وكوريا الجنوبية - تجاه تأثّر سياسة الردع الأمريكيّة في المنطقة بالقدرة النووية لكوريا الشمالية، وتآكل مصداقية استراتيجية الردع الأمريكي لحماية كوريا الجنوبية واليابان نتيجة توسيع كوريا الشمالية لفضائها الاستراتيجي باستخدام صواريخها الباليستية، قامت وزارة الدفاع الأمريكية وفي سياق طمأنة حلفائها (اليابان، وكوريا الشمالية) بتمرير وثيقة سريّة سربتها وزارة الدفاع الكورية الجنوبية في 4/2/2005 تكشف عن خطة عسكرية أمريكية معدة بعناية للتعاطي الفوري مع تطورات الأحداث في حالة ما إذا اندلعت حرب طاحنة على شبه الجزيرة الكورية بين سوول وبيونج يانج، ووفقاً لما جاء في وثيقة وزارة الدفاع الكورية الجنوبية التي كشف النقاب عنها؛ فإن الولايات المتحدة تعتزم نشر حوالي 69 ألف جندي أمريكي إضافة إلى ألفي مقاتلة حربية وسفينة حربية إذا نشبت الحرب مع كوريا الشمالية.
كما أن التعزيزات الطارئة ستتضمن العديد من الوحدات المقاتلة، والوحدات المضادة للطائرات، وقوات جوية، وأنظمة تسليح تهدف إلى ضرب مدفعية العدو وأسلحة الدمار الشامل التي يملكها، وستمثل التعزيزات العسكرية الهائلة سبعين في المئة من إجمالي قوة مشاة البحرية الأمريكية، وخمسين في المئة من حجم قواتها الجوية، وأربعين في المئة من قواتها البحرية.
وتعليقاً على تلك الوثيقة قال مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع الكورية الجنوبية: 'الخطة الأمريكية تعكس بوضوح مدى التزام واشنطن بتوفير الحماية الكاملة لسيول في مواجهة الخطر الكوري الشمالي النووي'.(2/77)
وفي أول رد فعل لها على تلك الوثيقة التي صدرت؛ نقلت أجهزة الإعلام الكورية الشمالية عن مصدر عسكري كبير في بيونج يانج قوله: 'انتقامنا سيكون مريعاً من الأمريكيين وأذنابهم لو وقعت هذه الحرب'، وأضاف المصدر الكوري الشمالي: 'إذا أشعل الاستعماريون الأمريكيون أوار الحرب فنحن لن نتردد في ضرب كل قواعد الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، ونحولها إلى بحار من النيران الملتهبة'، وطبقاً لما نقلته وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية فقد أضاف المصدر العسكري الكوري الشمالي: 'بالطبع سنحرق أيضاً قواعد حلفاء أمريكا الذين يتآمرون معها'، في إشارة إلى كوريا الجنوبية واليابان.
ونعتقد أنّ هذه الأسباب هي التي دفعت كوريا الشمالية إلى إعلانها امتلاك السلاح النووي، وانسحابها من المفاوضات السداسية إلى أجل غير مسمى من أجل تعزيز قدراتها الردعية في وجه الخطط الأمريكيّة، دون أن تقطع الأمل بعودتها إلى المفاوضات لاحقاً لكن بشروط.
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?method=home.con&contentid=6486
===============(2/78)
(2/79)
بول وولفويتز ذئب في حراسة الدجاج
إدريس الكنبوري
19/2/1426هـ الموافق له 29/03/2005 م
رأت صحيفة"لوموند" الفرنسية في خبر ترشيح الرئيس الأمريكي جورج بوش لبول وولفويتز في الأسبوع الماضي لرئاسة البنك العالمي مفاجأة كبيرة في الولاية الثانية للحزب الجمهوري، ومحاولة من الإدارة الأمريكية الحالية لتثبيت هيمنتها الدولية، واحتلال الصف الأول في المؤسسات الدولية الهامة، وذلك من خلال دفع أقطاب المحافظين الجدد والصقور المتشددين إلى احتلال المناصب القيادية في هذه المؤسسات للدفاع عن المصالح الأمريكية في العالم، وفرض رؤية المحافظين الجدد، حيث إن هذه الخطوة من جانب البيت الأبيض جاءت عقب تعيين جون بولتون - وهو أحد أقطاب التيار المحافظ - سفير لواشنطن لدى منظمة الأمم المتحدة.
غياب أوروبا:
وكتب الكاتب الفرنسي "كريستيان كوميليو" في مقاله:" هل ينبغي التعبير عن القلق من الاقتراح الأمريكي بترشيح بول وولفويتز لمنصب رئيس البنك العالمي؟
بالتأكيد نعم، فعلاوة على ما نعرفه عن المرشح - انتماؤه المحافظ المتشدد، ودوره في بلورة مفهوم الحرب الصليبية للخير ضد الشر، ودوره الحاسم في قرار الحرب على العراق - فإن هذا الاقتراح يمثل تحريضاً جديداً للعناصر الأكثر يمينية في فريق بوش، ويكذب مزاعم الانفتاح الخجول الذي اعتقدنا أنه بدأ مع الولاية الثانية، ولكن الاقتراح يكشف أيضاً - ومرة أخرى - بهذه المناسبة الغياب السياسي لأوروبا، ففرنسا وألمانيا أعلنتا مسبقاً أنهما لن يعترضا على هذا الترشيح، مشيرين إلى أن لهما مرشحهما المفضل أيضاً لقيادة المنظمة العالمية للتجارة، ولكن لا ندري على أي أساس ستبنى معارضة منسجمة، ولا نرى مبرراً للفرح".
وتساءل الكاتب عما إذا كان وارداً أن يعيد وولفويتز "المرشح العدواني" - في حال وصوله إلى البنك رئيساً - النظر في مبدأ "المساعدة في التنمية" الذي أرساه البنك العالمي منذ سنوات خلت، وما إذا كان سيحدث ثورة في النظام النقدي العالمي.
ذئب لحراسة الدجاج:
وفي صحيفة"إيستريا ديخيتال" الإسبانية كتب الصحافي الإسباني"إينوسينسيو أرياس" مقالاً تحت عنوان: "لقد جاء الذئب" قال فيه:" إن ترشيح بوش لبول وولفويتز لرئاسة البنك العالمي قد أثار استغراباً وتحذيراً في مختلف الدول، فكيف يمكن أن نصدق بأن أكبر المحافظين الجدد يوجد على رأس مؤسسة دولية مهمتها الأساسية هي الحرب ضد الفقر؟، إن المسألة تتعلق - كما تقول أصوات عدة - بإعادة بعث النزعة الأحادية الأمريكية، فنحن أمام ذئب يوضع لحراسة خم الدجاج"، وبعد أن ذكر الكاتب بأن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت حريصة طيلة العقود الأربعة الماضية على وضع أمريكي على رأس البنك العالمي، في تقاسم للأدوار مع الأوروبيين الذين ظلوا يحتفظون بمنصب رئيس صندوق النقد الدولي، أضاف قائلاً:" لا يهم أن يضع الأوروبيون مرشحهم في هذا التوقيت على رأس صندوق النقد الدولي، فسيكون هناك قلق وتردد في الجانب الأوروبي، بيد أن ذلك لن يتحول إلى معارضة مفتوحة، فالبلدان الأوروبية التي تبدو مندهشة من هذا الترشيح (فرنسا وألمانيا وهولندا) ليست مقتنعة بأن الأوروبيين الآخرين يمكن أن يسيروا خلفها في إبداء الرفض من جهة، ومن جهة ثانية لا يبدو الوقت مناسباً، بعد ذوبان الجليد بين أوروبا وبوش إثر الجولة الأوروبية لهذا الأخير، إعادة فتح مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية. إن الأمر يبدو وكأنه البداية من الصفر"، وأضاف الكاتب:" ما يطرح في هذه الحالة ليس الأهلية الثقافية لوولفويتز الذي يعرف بذكائه، وقدرته على التنظيم، وحماسته الكبيرة، إنما يتعلق الأمر بالجانب السياسي، فهو أحد زعماء التيار اليميني المحافظ، وكان موقفه من الحرب على العراق واضحاً عندما قال: إن تكاليف الحرب على العراق سيجري التقليص منها، وما يخشى منه هو أن يستمر وفياً للسياسة الأمريكية الحالية للبيت الأبيض".
"الربيع الأمريكي" الخاطىء:(2/80)
وتحت هذا العنوان كتب "باسكال ريتشي" في صحيفة"ليبراسيون"الفرنسية، حيث استهل مقاله بالقول:" إلى أين يتجه جورج بوش؟، قليلاً ما كانت السياسة الأمريكية أكثر تناقضاً كما هي اليوم، فمن جانب يكثف الرئيس الأمريكي من رسائله التصالحية الموجهة إلى أوروبا، مظهراً استعداده ليكون أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتعددية القطبية في التعاطي مع مشكلات العالم، ففي عدة قضايا بدأت كاتبة الدولة في الخارجية كوندوليسا رايس تبتعد عن الخط المتشدد في الإدارة الأمريكية، حيث بدت أكثر قرباً من الموقف الأوروبي من إيران، والاعتراف بأهمية الحوار الذي دشنه الأوروبيون مع نظام الملالي، وفي المسألة اللبنانية لم تعد تلح على القضاء على حزب الله، تاركة للبنانيين اختيار خياراتهم السياسية بأنفسهم، لكن في نفس الوقت ترسل واشنطن إشارات تكذب هذا "الربيع الأمريكي"، فقد رشح بوش وولفويتز - أحد أنصار القطبية الأحادية والرجل الثاني حتى الآن في وزارة الدفاع الأمريكية - لشغل منصب رئيس البنك العالمي، هذا الترشيح جاء وقتاً قصيراً فقط بعد تعيين جون بولتون، نائب كاتب الدولة الأمريكية المكلف بنزع التسلح، في منصب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة، المؤسسة التي تقلق الولايات المتحدة بشكل كبير"، ويتابع الكاتب قائلاً:" لقد استقبلت أوروبا خبر تعيين كل من بولتون وولفويتز باستغراب كبير، حيث تعتقد الحكومات الأوروبية بأن بولتون سيشن حرباً صليبية ضد الأمم المتحدة من داخلها، أليس هو الذي سبق أن أعلن بأن بناية الأمم المتحدة في نيويورك يمكن أن تتقلص"بلا مشاكل إلى عشر طبقات"؟، أما ترشيح وولفويتز الذي يعتبر أحد مهندسي حرب العراق على رأس أقوى مؤسسة مالية عالمية فهو يخيفهم بشكل أكبر"، ويختم كاتب المقال:" إن الرجل الثاني في البنتاغون، الذي كرس جزءاً من حياته كداعية لنشر نشر الديمقراطية على النمط الغربي في العالم؛ لن يتخلى عن مهمته هذه، ومن هنا فإن استعمال موارد البنك العالمي لمعاقبة هؤلاء، ومكافأة أولئك؛ سيكون أشد خطراً".
المصدر : http://www.islamtoday.net/albashee r /show_a r ticles_content.cfm?id=72&catid=80&a r tid=5361
=============(2/81)
(2/82)
ظهور مسيلمة الكذاب الجديد !
يعلم الجميع كم هم الذين تطاولوا على الدين الإسلامي في التاريخ، سواء من الرجال أو المذاهب، وسواء أكانوا من أهله أو من أعدائه، ولكن الجميع يعلم أنهم قد اندثروا إلى غير رجعة، وكيف يقف الإسلام قلعة عظيمة عالية تحمي أبناءها والمظلومين في الأرض، وتقف سدا منيعا أمام الغزاة والظالمين على مدار التاريخ الإسلامي.
حديثا، تضافرت جهود المسيحية واليهودية للهجوم على الإسلام والمسلمين، ودعمتها النظم السياسية المنتصرة في العالم، واستخدمت ثورة الاتصالات الحديثة للوصول إلى أهدافها.
"الفرقان" كتاب جديد نشر بالعربية والإنكليزية مستهدفا العرب والمسلمين في العالم، هدفه تشكيك المسلم في دينه، وإيجاد البديل الملائم للعصر.
إن هذا الكتاب هو جزء من حرب شاملة على الإسلام من النوع البارد، لكنها حرب خطيرة، وقد تكون أخطر على المسلمين من حرب الصواريخ والدبابات.
قد يقول قائل: هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وها هو الإسلام بخير وعافية، بل هو أكثر تألقا من قبل..
وهو قول صحيح مع بعض الاختلاف؛ إذ أن جميع الحركات الوثنية السابقة كانت تعتمد على أشخاص وحركات محلية لم تكن تملك قوة دفع كافية لإبقاء ما تدعو إليه مدة طويلة، ثم لا تلبث أن تتحوصل وتموت.لكن مسيلمة الكذاب الجديد يدعم أهدافه باستخدام الأقلام المحلية وغير المحلية، ويتابعها ويصحح مسارها.. ويغير في أسلوبها وإخراجها. وستجد هذه الدعوات الفكرية التي يدعو لها مسيلمة الكذاب الأمريكي من يساندها محليا؛ لأن في الأمة دائما من هو غبي أو خائن أو مأجور، وقد استقبل البعض من الرعاع والمخنثين عبادة الشيطان، وهناك من يعبد البقر والقرود والأصنام وغيرها في العالم، وهم من البشر الذين نراهم في كل مكان. إذن لا غرابة إن وجدنا من أبنائنا يوما من يؤمن بمسيلمة الكذاب الأمريكي!
على علماء الأمة ودعاتها أن يجتمعوا لهذه الظاهرة، ويتعاونوا مع الحكام في الدفاع عن الأمة، ويردوا بالعلم والعقل والحنكة والسياسة، وبكثير من الهدوء، على هذه الظاهرة الجديدة، وعليهم أن لا ينتظروا حتى تنتشر الحرائق في كل مكان. إنهم أمام الله مسئولون، ويوم القيامة على أفعالهم سيحاسبون، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.. اللهم فاشهد.
26/10/1425 هجري الموافق 08/12/2004 ميلادي
http://www.lahaonline.com المصدر :
============(2/83)
(2/84)
النخلة المسخ
محمد بن سعود البشر
لا تعرف علوم النبات شجرة أكثر قدرة على الضرب بجذورها في أعماق الأرض وثباتاً في وجه الريح مثل النخلة، والتي تتميز عن جميع أنواع الأشجار بشموخها وارتفاعها والمنافع المرتبطة بكل جزء فيها من الجذع إلى الثمر.
وهي الشجرة التي شرفت بورود ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله - تعالى -: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) يقول أئمة التفسير: إن النخلة هي الشجرة التي شبه بها الخالق - جل وعلا - الكلمة الطيبة في قوله - جل وعلا -: (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).
وفي السنة النبوية المطهرة إعلاء من قيمة ثمار هذه الشجرة من التمور فهي غذاء ودواء ووقاية من السحر والحسد وبركة، وجاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بيت لا تمر فيه جياع أهله" أخرجه مسلم. كل هذه المزايا والمكانة والتي جعلت النخلة جزءًا من الثقافة العربية الإسلامية، جعلتني أشعر بشيء من الخوف وأنا أطالع غلاف كتاب بعنوان "الحرة وأمركة العقل العربي" لمؤلفه عبد العزيز بن زيد آل داود تظهر فيه صورة للنخلة وقد نحل جذعها وابيّض سعفها وشاطت أوراقها واختفت سباطات التمر، وحل محلها تفاحتان كبيرتان من ذلك النوع الذي يعرف بـ(الأمريكاني) بلونه الأحمر القاني.. فصارت مسخاً ليس فيه من النخلة التي نعرفها سوى بقايا ملامح باهتة.
وإذا كنا نعلم أن علوم الهندسة الوراثية والجينات والأحماض النووية الأمينية والتي يتفوق فيها الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص نجحت في إنتاج فاكهة وخضراوات أكبر بكثير من الحجم الطبيعي ولها أكثر من مذاق ولون، بل ونجحت أيضاً في تغيير الشكل المميز لأصناف من النباتات والحيوانات بعد تهجينها بأنواع أخرى أو حقنها بجينات تكسبها صفات وراثية جديدة.. يجدر بنا أن نتساءل هل تستطيع محاولات هندسة العقل أو إعادة تشكيل العقل العربي والتي يتم تنفيذها عبر وسائل الإعلام الأمريكي الموجه للعرب والمسلمين بهدف تهيئته لقبول أو بالأصح الإذعان- للسياسات والأفكار الأمريكية أن تجعلنا نرى أو نصدق أن نخلتنا يمكن أن تثمر تفاحاً؟ وأن هذا التفاح أفضل لنا، رغم كل ما ورد في فضل ثمار النخيل وبركته في القرآن الكريم والسنة النبوية، ورغم الارتباط التاريخي والمصيري للشعوب العربية المسلمة بالنخلة على مدار عصور طويلة كمصدر لطعام طيب ومنافع عديدة وباعتبارها مفردة بارزة في البيئة العربية والأهم من ذلك: هل نتقبل نحن العرب والمسلمين أن نستبدل تمر النخيل بالتفاح الأمريكاني المنشأ؟ وهل يغنينا هذا الأمريكاني الوافد عن ثمارنا القيم والأصيل؟ وإذا كنا نرفض هذا الاستبدال الذي يسلبنا خصوصيتنا الحضارية التي ترمز لها النخلة، فما هي مسؤوليتنا تجاه محاولات حقن عقول الأمة الإسلامية بجين التهجين الأمريكاني، والذي جعل النخلة مسخاً يثير الشفقة كما في غلاف الكتاب الذي أشرنا إليه؟ وهل نعرف الصورة أو الطريقة التي يأتينا بها هذا الجين ظاهرة أو مستترة، مفروضة علينا أو متسللة إلينا.. مدعومة بقوة عسكرية كتلك التي استهدفت نخل العراق وأفغانستان أم محمولة على موجات لا سلكية تبثها القنوات الفضائية بلغتنا العربية أو يروج لها بعض أبناء جلدتنا ممن استطعموا التفاح الأمريكاني وانبهروا بالقيم الأمريكية وانطلت عليهم دعاوى الديموقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان والمرأة، فراحوا يرددونها كببغاوات دون أن ينتبهوا إلى أهدافها الخبيثة في القفز على حضارتنا الإسلامية والسخرية من جميع مفردات تراثنا وحياتنا ومسخ الشخصية العربية المسلمة لاستيفاء فرض الهيمنة الأمريكية وتعميم النموذج الأمريكي.
وربما تكون هذه النذر أو المؤشرات على نشاط الجين الأمريكاني لإعادة تشكيل عقولنا لقبول القيم الأمريكية بديلاً عن قيمنا الأصيلة، التي تشكلت عبر قرون طويلة ما زالت لم تتجاوز أعراضها بعد الغلاف الخارجي للشخصية العربية، أو بتعبير أدق قشور الشكل والانبهار بمشاهير المجتمع الأمريكي الذين تلح وسائل الإعلام لفرضهم كنموذج يقتدى به، إلا أن الإهمال أو التأخر في تحصين عقول أبناء الأمة ضد هذا الغزو الجيني الفكري والذي بدأ يتسلل إلى بيوتنا عبر أجهزة التلفزيون والإذاعات الموجهة ومواقع الإنترنت، يُعجّل بوصوله إلى مجرى الدم وتلافيف المخ، فتصبح صورة النخلة التي تنبت تفاحاً ليست مدهشة أو مرفوضة من العقل العربي؟!.. ووقتها قد يصبح الحديث عن التمر وفوائده وبركته وفق ما جاء في القرآن والسنة، دعوة للرجعية والتخلف..ومتى حدث ذلك فلن يكون من الصعب بمكان اقتلاع هذه النخلة من جذورها، ليس بيد أعداء أمتنا وخصومها؛ بل وحتى بأيدي بعض أبناء المسلمين..ذلك أن صورة النخلة المسخ لن نراها إلا إذا مسخت عقولنا وشخصيتنا العربية والإسلامية؟!
30/11/1425
11/01/2005
http://www.islamtoday.net المصدر :
==============(2/85)
(2/86)
هل يكون النيل الحد الجنوبي لكيان بني صهيون؟!
السيد الشامي
يمر السودان هذه الآونة بأخطر المراحل في تاريخية السياسي، وهذه الخطورة تنصب بالأساس على الشعب السوداني وجارته الشمالية مصر، ومن أسف أن ما يحدث في السودان يجري في صمت ودون ضجيج إعلامي، وكأن ما يحدث يتم بموافقة ومباركة الشعب السوداني، في حين أن الملف السوداني يدار الآن في واشنطن عبر وكلائها في المنطقة 'كينيا المختصة بملف الجنوب، وتشاد المختصة بملف دارفور'.
والخطورة التي يمثلها هذا الملف أن السودان بوابة العرب والإسلام الجنوبية إلى إفريقيا، وتمثل جغرافياً واستراتيجياً الظهير الاستراتيجي للعرب عامة ومصر خاصة، إضافة إلى كونها تحمي الأمن المائي لمصر من خلال نهر النيل، ومن هنا فإن عمليات التقسيم والتجزئة التي يمر بها السودان الآن تجعل ظهر مصر والعرب مكشوفاً أمام تحديات أقلها التحدي المائي، وأخطرها تحدي التقسيم والتجزئة، ولكي تتضح لنا أبعاد هذا الملف لابد من الوقوف على بعض المعطيات التي تلخص المشهد السوداني، ويمكن إجمالها فيما يلي:
ـ مشهد حقوق الإنسان:
يتعرض السودان الآن للتلويح بعصا حقوق الإنسان الأمريكية، وإن لم تعد هذه تخيف أحداً بعد انتهاكات حقوق الإنسان المروعة في العراق على يد الأمريكان أنفسهم، فأمريكا تقول عبر تقارير دولية وأمريكية إن الحكومة السودانية تقوم بعملية تطهير عرقي في إقليم دارفور، وأن سكان منطقة دارفور يتعرضون لنظام رعب على يد المليشيات الموالية للحكومة والمسماة الجنجويد، وهي قبائل عربية تزعم أمريكا أنها تقوم بإبادة السكان الأفارقة والزنوج من المنطقة نفسها.
ورغم أهمية مشهد حقوق الإنسان وخطورته في السودان إلا أنه ليس المشهد الأسوأ، حيث إن ما تقول أمريكا إنه إبادة عرقية ضد سكان دارفور لا يمكن أن ينطلي على أحد، لأن معظم هذه القبائل مسلمة وموالية للحكومة، برغم أن هناك تهميشاً وإهمالا من قبل الحكومة لسكان الأطراف في السودان عموماً، وحتى الخرطوم العاصمة، وإذا كانت أمريكا عبر المنظمات الدولية الحقوقية الموالية لها تريد لفت الأنظار عما يحدث في العراق من انتهاكات لحقوق الإنسان، فإن الحكومة السودانية استطاعت أن تدير هذا الملف بجدارة من خلال تصريحات وزير خارجيتها د. مصطفى عثمان الذي قال: إن على أمريكا أن تحترم حقوق الإنسان في العراق وفلسطين قبل أن تتحدث عن السودان، كما سمحت لوفد من الجامعة العربية بزيارة منقطة دارفور، ولم يشر الوفد إلى أية إبادة عرقية في المنطقة باستثناء إهمال الحكومة للمنطقة من ناحية التنمية.
ـ المشهد الجنوبي:
انتهى جانب من المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية في كينيا تحت إشراف منظمة الإيجاد، وعبر الإدارة المباشرة من السفير الأمريكي في كينيا ومسئولي ملف السودان وإفريقيا في الخارجية والإدارة الأمريكية، وأعلن عن اتفاقات إطارية إلا أن اتفاق السلام الشامل سيحوي العديد من التفاصيل التي ستجعل الملف قابلاً للتفجير في أية لحظة، وأياً كان المآل الذي ستؤول إليه المفاوضات إلا أنه يمكننا القول: إن الحركة قد حققت مكاسب جمة في هذا الملف على حساب خسائر الحكومة يمكن إيجازها فيما يلي:
1ـ تقاسم السلطة:
فيما يتعلق بهذا الملف فإن الحركة استطاعت عبر عنوان 'تقرير المصير' أن تتوصل إلى اتفاقات مع الحكومة من شأنها ليس تقرير مصير الجنوب فقط بل تقرير مصير السودان ككل، والانطلاق من هذا العنوان إلى عناوين أكثر خطورة وهي تقاسم السلطة، والتي هي مرادف لتقسيم الوطن، فمنذ أن جلست الحكومة السودانية مع الحركة في مفاوضات لم يكن الأمر مسألة إنهاء الحرب الأهلية التي امتدت لأكثر من عشرين عاماً؛ بقدر ما سعى جارانج وحركته عبر نصائح عواصم غربية وإفريقية للتأسيس لكيان جنوبي يمهد لتقسيم السودان وتجزئته وإضعافه؛ تمهيداً لإعادة رسم خريطته وهويته وانتمائه، فلم تعد المسألة مجرد تقرير مصير واستفتاء لأهل الجنوب يخيرهم بين الجنوب والشمال، وإنما الحديث الآن يجري على خلفية أن الجنوب أصبح كياناً مستقلاً أي باختصار دولة أخرى 'وهذا هو الأخطر'، خاصة إذا انضمت إليه ولايات أخرى من السودان، وهذا ما حدث بالفعل في منطقة أبيي، حيث تم الاتفاق وفقاً للمقترحات الأمريكية على أن تكون منطقة 'أبيي' - وهي منطقة تابعة وفقاً للتقسيم الجغرافي السوداني ضمن شمال السودان وليس إلى جنوبه -، ولكن نظراً لموقع المنطقة الاستراتجي، وغناها بالنفط؛ سعت الحركة الشعبية إلى محاولة ضمها إلى ولايات السودان الجنوبية، وفي هذا السياق تم الاتفاق على أن يكون هناك استفتاء لأهالي منطقة أبيي بعد ثلاث سنوات للاختيار بين البقاء مع الشماء أو الانضمام إلى الجنوب، وهكذا نجد أن تقرير المصير والاستفتاء أصبح أقرب الطرق إلى التقسيم والتجزئة، ولم يعد المطروح الآن مسألة الوحدة التي تعول عليها الحكومة وفقاً لإطار مشاكوس.(2/87)
إن خطورة الاتفاقات أنها تؤسس لتقسيم السودان وليس لوحدته - بدليل ما يحدث في منطقة أبيي التي سوف يتم التعامل مع الجنوب من خلالها وكأنه دولة - من حق أهالي المنطقة الانضمام إليها، والتصويت لصالحها، ولذلك فإن سياسة الخطوة خطوة التي تطبقها أمريكا في السودان تجعلنا نقول إن السودان المقبل سيكون مكوناً من أربع دويلات على الأقل 'شرقاً ـ غرباً ـ جنوباً ـ شمالاً'، وإضافة إلى ما سبق فإن الحركة الشعبية بقيادة جارانج تسعى عبر اقتسام السلطة إلى تحقيق منجزات أخرى على مستوى الشمال والغرب على الأقل في الفترة الحالية، فقد أعلن جارانج أكثر من مرة استعداده للتوسط بين الحكومة والحركات المعارضة في دارفور، وهناك تقارير صحفية تؤكد دور جارانج في إشعال فتيل الحرب بين الحكومة وسكان دارفور، كما تسعى الحركة من خلال العنوان نفسه 'اقتسام السلطة' إلى التدخل في الشأن الشمالي والسوداني ككل من خلال جعل جارانج هو النائب الأول للبشير، أي أن جارانج من حقه في حال غياب البشير لأي سبب عن السلطة أن يكون بكل بساطة هو الرئيس القادم للسودان.
2ـ مشهد دارفور:
تضم منطقة دارفور 3 ولايات سودانية تقع في الغرب على حدود التماس السودانية التشادية، وتشهد هذه المنطقة مواجهات بين الحكومة وبعض فصائل المنطقة على خلفية إهمال المنطقة وتهميشها، وتردي أوضاعها المعيشية والإنسانية والصحية على غرار مناطق كثيرة في الدول، وقد استطاعت القوى المختلفة المناوئة للحكومة السودانية سواء داخلية 'جارانج - الترابي'، أو إقليمية 'تشاد' ودول الجوار، أو دولية [أمريكا، فرنسا، الاتحاد الأوروبي] أن توظف ما يحدث في المنطقة لصالحها عن طريق استغلال ما يحدث في المنطقة لتحقيق بعض المصالح من أهمها:
أ- فتح جبهة مواجهة جديدة للحكومة السودانية تضعفها وتجعلها تقدم تنازلات في ملف الجنوب، وملفات أخرى داخلية.
ب- ترشيح ملف جديد ومنطقة جديدة بعد الجنوب لتكون هي المسرح المقبل لتدشين الدولة الثالثة في السودان بعد الجنوب.
ج- استخدام العرق في الصراع، حيث إنه بعد أن تم توظيف ما يحدث بين الشمال والجنوب على استخدام سلاح العرب والأفارقة لأن معظم سكان المنطقة مسلمون، ومن ثم يصعب تصوير الصراع في المنطقة على أنه صراع ديني، ويتم الترويج على أنه صراع عرقي بين عرب وزنوج أفارقه.
د- توظيف الصراع الفرنسي - الأمريكي في إدارة الصراع في السودان، فإذا كان الملف الجنوبي من نصيب الأمريكان عن طريق كينيا الدولة الحليفة لأمريكا، فإن ملف دارفور من نصيب تشاد الدولة الحليفة لفرنسا، ومن شأن ذلك تأجيج الصراع وإطالة أمده؛ وفقاً لاختلاف المصالح بين الأمريكان والفرنسيين في المنطقة.
3ـ مشهد العاصمة:
رغم أن الخرطوم حتى الآن هي العاصمة القومية للسودان، إلا أنها هي الأخرى لم تسلم من محاولات تقسيمها، ومسخ هويتها، وسلخها عن عروبتها، من خلال بعض العناوين مثل: الشريعة الشعبية حول تطبيق الشريعة، إذ كانت الحركة تريد عاصمة علمانية بلا شريعة، ولما لم يتبق للحكومة الإسلامية في السودان سوى هذا الملف لتدافع عنه، فإنها حاولت جاهدة للحيلولة دون تحقيق مطالب الحركة بإقصاء الشريعة من حكم العاصمة، ويبدو أن الحركة رأت أنه ليس من المناسب الآن تحقيق كل مكاسبها مرة واحدة، فوافقت على تطبيق الشريعة في العاصمة، واستثناء غير المسلمين من هذه القوانين، واحترام قوانين غير المسلمين الدينية، والخطير في هذا الملف ليس مسألة الشريعة باعتبارها عنوان الهوية، والانتماء، والبقية الباقية من المشروع الإسلامي في السودان، ولكن الخطورة تكمن في أن تؤسس ولاءات وهويات جديدة في السودان تقوم على العرق واللون والقبيلة، وهو ما يمثل خطورة حتى على الكيانات التي ستنشأ جراء هذه الاتفاقات، فما المانع بعد الآن أن تحتكم كل قبيلة إلى تقاليدها وقيمها؟
الأمر الثاني في هذا السياق هو المخاوف التي تبديها دوائر في النظام السوداني من نقل المعارك والتمرد إلى الشمال تمهيداً لإضعافه، وفي هذا السياق يمكن فهم الدوافع وراء تأسيس 'منبر السلام العادل' من مجموعة تضم مسئولين في الحكومة، وأعضاء بارزين في الحزب الحاكم؛ تدعو المجموعة إلى فصل الشمال عن الجنوب، وتقرير مصير الجنوب بعد عام وليس بعد ست سنوات كما جاء في الاتفاقات.
وفي النهاية يمكن القول:
إن ما يحدث في السودان ليس أقل خطورة مما يحدث في العراق، الأخطر في المشهد السوداني أنه يتم في صمت، ولا يجعلنا نستبعد تحقيق أمل بني صهيون في كيانهم الممتد من الفرات إلى النيل، وهو ما يجعلنا أيضاً نتساءل: هل يتم تجهيز النيل ليكون الحد الجنوبي لكيان بني صهيون.
المصدر : http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InSectionID=1243&InNewsItemID=143283
============(2/88)
(2/89)
ماذا بعد فشل أمريكا في استغلال الدين في دافوس؟!
محمد جمال عرفة
10/1/1426هـ
اعتاد سكان مدينة دافوس السويسرية التي تستضيف كل عام في منتجع "دافوس" الشهير مؤتمر أغنى أغنياء العالم ليقرروا مصير العديد من الاستثمارات، والنقاط الاقتصادية والسياسية الساخنة في العالم؛ أن يروا مئات المشاهير والأغنياء يدلفون إلى قريتهم الصغيرة بهيئتهم وحاشيتهم، وأزيائهم الباهظة الثمن، ولكنهم فوجئوا منذ عام 2002م بتزايد وجود شيوخ بالجبة والقفطان، وقساوسة بالزي الكهنوتي المعتاد، وحاخامات بالطاقية اليهودية الشهيرة يدخلون قريتهم!
والسبب أن المنتدي الاقتصادي الشهير الذي يُعقد في هذه المدينة منذ قرابة 34 عاماً (بدايته عام 1971 ) بدأ - منذ هجمات 11 سبتمبر - يتحول بفعل الضغوط الأمريكية لبحث دور الدين بدل الاقتصاد - وخصوصاً الإسلام - في التأثير على القضايا الدولية، وقضايا الحوار بين الأديان وتحديداً بين الإسلام والغرب، في محاولة لفهم ما جرى، ومعرفة حقيقة ما جرى، وهل الإسلام - كما يدعون - هو المحرك لهذه الهجمات؟
ولهذا تحولت منتديات أعوام 2001 و2002 و2003 و2004م من منتديات اقتصادية بحتة، ولقاءات بين رجال الأعمال؛ إلى منتديات دينية تناقش فيها على أوسع المستويات القضايا الدينية، وتخصص جلسات بالكامل لبحث القضايا الدينية، وتم الربط بخبث بين الإسلام والإرهاب، وجري التوسع في هذا الحوار في المنتدى حول الدين، ودعوة شيوخ من لجنة الحوار بين الأديان التابعة للأزهر الشريف منذ عام 2002م بجانب قساوسة غربيين وشرقيين.
بل أن المنتدى جرى اختطافه بشكل علني لصالح الأمريكان، رغم أنه منتدى أوروبي بالأساس، وأصبح حضور كبار رجال إدارة بوش في المنتدى من نائب الرئيس "تشيني" حتى "باول" وزير الخارجية السابق أمراً عادياً، ولأول مرة يقرر المنتدى - في يناير 2003 م - تشكيل "مجلس" يضم مئة شخصية، نصفها من الدول الغربية، ونصفها من العالم الإسلامي؛ بهدف إطلاق حوار حول نقاط التباين بين الغرب والإسلام.
حيث أوضح بيان صدر عن المنتدى أن "مجلس المئة" (سي100) يضم مئة شخصية موزعة بالتساوي على خمس قطاعات اجتماعية: خبراء، ورجال دين، ومسؤولون سياسيون، ومسؤولون إعلاميون، وجامعيون، ومثقفون معروفون، منهم الشيخ فوزي الزفزاف (وكيل الأزهر الأسبق، ورئيس لجنة الحوار بين الأديان بالأزهر)، ونائبه د. على السمان.
أين ذهب الأمريكان؟!
والجديد هذا العام أن الحكومة الأمريكية غابت تماماً عن منتدى دافوس 2005م الذي عقد في المدة ما بين 26 و 30 يناير 2005 م، ولم يشارك في المؤتمر أي مسؤول رسمي باستثناء غير الرسميين، الأمر الذي يثير التساؤل عن سر هذا الغياب، وهل هو راجع لانشغال إدارة بوش في تشكيل حكومة جديدة لمدة الولاية الثانية، أم أنه يعني يأس واشنطن من استغلال "الدين" في التصدي لحالة العداء المستشرية في العالم العربي والإسلامي ضد سياساتها.
ويزيد الأمر غموضاً أن هذا الغياب الأمريكي عن دافوس - والذي تبعه تراجع مناقشات الدين والإرهاب في دافوس هذا العام - واكبه اتهامات واضحة من محللين وخبراء أمريكان لإدارة بوش بأنها تراجعت عن شن ما أسمته سابقاً " حرب أفكار" مع الإسلاميين بهدف هزيمتهم أولاً لمقدمة هزيمة ما تسميه "الإرهاب"!!
ومن الواضح أن الخطط الأمريكية لتحويل منتدى دافوس إلى منتدى لمناقشة قضايا الأديان، ومحاولة فرض أساليب للتعاون - عبر إغراءات اقتصادية لبعض الحكومات - قد فشلت، بدليل أنهم لم يهتموا بالمشاركة في منتدى هذا العام، ولم تطرح قضايا مثل محاربة الإرهاب، وحوار الحضارات في منتدى العام الجاري.
حيث عاد مؤتمر هذا العام إلى أصله كمنتدى اقتصادي - هيمنت عليه أوروبا كسابق عهدها - يناقش قضايا العالم الاقتصادية، ومشاكل الفقر، والتعاون الدولي، وهي القضايا التي حددها "جيد ديفيس" مدير إدارة مركز الآفاق الاستراتيجية للمنتدى في خمسة محاور هي: محاربة الفقر، تحقيق عولمة تتسم بمزيد من العدالة، سبل مواجهة التغييرات المناخية، ضمان التعليم الأساسي لجميع سكان العالم، وتحسين أسلوب إدارة الحكومات الدولية.
ودفع هذا صحف سويسرية للحديث عن "روح جديدة " لدافوس إزاء المحرومين حول العالم، والعودة إلى الاهتمام بالمواضيع التقليدية السياسية منها والاقتصادية، خصوصاً في ضوء الهزائم الأمريكية في العراق على يد المقاومة، ومناطق أخرى، وظهور بوادر اعتراف أمريكي بخطأ الاعتماد على النفس، والغرور بإمكانية الانتصار على من يسمونهم "الإرهابيين"، ومن ثم العودة للتنسيق مع أوروبا، وعدم تجاهل دورها.
وقد ألمح لهذا (وزير الدفاع الأميركي) دونالد رامسفلد أمام مؤتمر ميونيخ حول الأمن عندما قال: " إنه لا يمكن لأمة وحدها أن تقاتل الإرهاب، ولا أن تقف بوجه "التهديدات العشوائية في عصرنا الحالي الجديد"، ودعا لتحسين الأجواء بين الأوروبيين والأميركيين!!
هدف حوار الأديان انكشف!(2/90)
وما زاد فشل إدخال الدين في مناقشات دافوس أن الهدف من حوار الأديان الذي دعا له الأمريكيان والبريطانيين قد "انكشف"، وظهر أن الهدف هو النيل من الإسلام، وتصويره بمظهر المحرض على الإرهاب، ومن ثم الدعوة لتطوير الدين ومناهج التعليم الديني، وحذف كل ما يشير فيها للصراع من اليهود أو كراهية غير المسلمين.
فمعروف أن أول اتفاق يدخل ضمن حوار الأديان بين الأزهر والغرب المسيحي جرى توقيعه في عام 1998م مع الفاتيكان، وتلاه ثان في يناير 2001م مع الكنيسة البريطانية، وبلغ التعاون بين الأزهر والكنيسة الأوروبية لتوقيع (اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان السماوية) اتفاق تعاون مع الكنيسة الإنجليكانية 30-1-2002م يقضي بالعمل سوياً لتحقيق كرامة الإنسان في العالم، حيث وقع الاتفاق عن الأزهر الشيخ فوزي الزفزاف (رئيس اللجنة الدائمة لحوار الأديان السماوية)، والدكتور على السمان (نائب رئيس اللجنة)، بينما وقع القس "كريستوفر لامب"، والمطران "منير حنا أنيس" أسقف مصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي عن الكنيسة الإنجليكانية، وجرى التوقيع في حضور الدكتور/ محمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر)، و"جورج كاري" كبير الأساقفة والرئيس العام للكنيسة الإنجليكانية في ذلك الحين.
ورغم ترحيب الأزهر بالحوار مع الكنائس الغربية فقد اهتم بمطالبة الفاتيكان بإدانة الحروب الصليبية الغربية في العالم الإسلامي، حيث أصدرت اللجنة الدائمة للحوار بين الأديان بالأزهر الشريف بياناً في أكتوبر 2000 م أدانت فيه مذابح القدس الشريف والمدن الفلسطينية على يد الجيش "الإسرائيلي" داعية الفاتيكان لإصدار بيان يدين فيه "إسرائيل" بوضوح بسبب المجازر التي تجري هناك.
وقال الشيخ فوزي الزفزاف (رئيس لجنة الحوار بالأزهر) بأن اللجنة وجهت رسالة إلى المجلس البابوي للحوار بالفاتيكان تطالبه بموقف صريح منه تجاه الاعتداءات "الإسرائيلية"، وإصدار إدانة رسمية لهذه المأساة، وذلك طبقاً لاتفاقية الحوار والموقعة بين المجلس البابوي للحوار بالفاتيكان، ولجنة الحوار بالأزهر في مايو 1998م ميلادياً، ولكن الفاتيكان لا زال يرفض حتى الآن إدانة مذابح الصليبيين ضد المسلمين رغم اعتذاره عن مواقف الكنيسة السابقة تجاه اليهود!
وهو ما يشير إلى أن الحوار - ضمن منتدى دافوس - لم يكن له سوى هدف مصلحي للغرب ضمن سعيهم لتغيير الخطاب الديني الإسلامي، وتغيير مناهج التعليم الإسلامية بدعوى مواجهة الإرهاب، وعندما فشلوا أو بمعني أصح نجحوا في بعض التغيير الطفيف بالضغط على الحكومات الإسلامية سعوا لتغيير خططهم، وأصابهم اليأس.
مؤتمر 2004م يتهم المسلمين بالإرهاب!
ولا يجب أن ننسى أن المؤتمر قبل الأخير عام 2004م في دافوس ركز على مناقشات مشبوهة حول الإسلام في حضور شيوخ وقساوسة، ودارت حلقات نقاشية عن الإرهاب الذي لا تزال دوائر غربية تربط بينه وبين الدين الإسلامي عموماً دون تمييز.
ففي منتدى 2004م سعت أطراف غربية وأمريكية لاتهام المسلمين بالإرهاب، والسعي لاستهداف الغرب، ورد عليهم مسؤولون عرب ومسلمين متهمين الغرب بازدواجية المعايير، وعدم فهم الدين الإسلامي الحقيقي، والخلط بين أعمال عنف يقوم بها مسلمون وبين الدين، رغم أن أحداً في العالم الإسلامي لم يتهم الدين اليهودي بالمسؤولية عن المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين، ولا اتهم الجماعات المتطرفة المسيحية الغربية بأن السبب في تطرفها هو الدين المسيحي.
وقد تحول النقاش حول هذه القضية إلى مناقشات حول صراع الحضارات، والفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي؛ إلى مواجهة بين أطراف إسلامية وعربية (الحضور العربي كان نشيطاً هذا العام)، وبين أطراف غربية، بل وسعت أطراف عربية مثل المملكة العربية السعودية لعقد حلقات نقاشية عن الإصلاح في المملكة، بهدف الرد على المطالب الغربية برفض الدول الإسلامية للإصلاحات، تحدث فيها أجانب وعرب حول هذا الصراع بين الطرفين، وسعي غربيين لكيل اتهامات ظالمة للعالم الإسلامي.
وانتقد الرئيس الباكستاني في كلمة له أمام المنتدى تعرض الإسلام للتشويه في الغرب وقال: "إن أحد أخطر عاملين يتسببان في سوء التفاهم بين الغرب والمسلمين هما نظرة الغرب للإسلام كدين يدعو للتطرف (على غرار ما قاله قساوسة غربيين )، وأنه مضاد للحداثة"، وشدد على أن الإسلام "ديموقراطي في الأساس"، ويقبل الأديان الأخرى، ويساند السلام والعدالة والمساواة، وأن أفعال قلة من المتطرفين لا تمثل الدين ككل، كما انتقد (الرئيس الإيراني) محمد خاتمي الهجوم الظالم ضد الإسلام، وعدم فهم الغرب لحقيقة الإسلام.
وجاءت هذه الانتقادات رداً على الاتهامات الغربية - على لسان المشاركين الغربيين والأمريكيين - التي ذكرت أو ألمحت إلى أن الدين الإسلامي الذي يعتنقه العرب يؤوي الإرهاب، وأن أنظمتهم في حاجة للأخذ بالديموقراطية والإصلاحات بما فيها تحديث مناهج التعليم الديني!
عودة الغائب.. الاقتصاد:(2/91)
وربما يكون التركيز على الاقتصاد الغائب هذا العام، وتراجع الحديث عن الدين له مدلول آخر، من حيث الدعوة إلى إزالة أسباب الفقر، والتخلف الاقتصادي؛ كأسباب تدفع - في نظر بعض الغربيين - إلى التطرف عموماً، إذ لوحظ هذا العام أن هناك تركيزاً على كارثة تسونامي في جنوب شرق آسيا، وكيفية مواجهة ما يجري هناك.
وكان من الملفت أن الأمريكان سعوا لما قالوا إنه تحسين صورتهم أمام العالم الإسلامي من خلال زيادة مساعداتهم من 35 مليون دولار إلى 350 مليوناً، وعد وزير الخارجية الأمريكي ذلك "دليلاً على إنسانية أمريكا، وعدم عدائها للإسلام "، في حين راح وولفيتز (نائب وزير الدفاع الأمريكي) يكيل الاتهامات للعالم الإسلامي بأنهم يتبرعون فقط بأموالهم في حالة الدعوة للجهاد (مثل أفغانستان)، في حين يتراجعون عن بذل الأموال في الحالات الإنسانية رغم أن معظم ضحايا تسونامي مسلمون!؟
صحيح أن منتدى هذا العام ناقش عدة قضايا تخص الدين مثل: "الإسلام والتحديات المطروحة للنقاش داخل المجتمعات الإسلامية"، و"حظوظ السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين وإسرائيل"، والتساؤلات المطروحة حول زعامة الولايات المتحدة في العالم، ومن أجل فهم توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، وقضايا التجارة العالمية، وأسلحة الدمار الشامل"، ولكن القضايا الدينية لم تأخذ ذات الحظ الواسع من المناقشة كما جري في دورات سابقة، ونوقشت في الندوات الجانبية غير الرئيسية.
وحتى الحديث عن الإصلاح تحول من التركيز على الجانب السياسي للإصلاح - كما ركز عليه الأمريكان في منتديات سابقة - إلى التركيز على الجانب الاقتصادي في منتدى هذا العام 2005م، وكان هناك حضور ضخم من الدول العربية ورجال الأعمال العرب، وتطرقت الكثير من المناقشات لقضايا الإصلاح في العالم العربي والديموقراطية، ولم تغب هذه القضايا عن اهتمامات الوفود العربية الرسمية سواء من مصر، أو من الوفد الفلسطيني؛ الذين ركزوا على أن النمو الاقتصادي يساعد على الاستقرار السياسي في المنطقة.
ويبقي السؤال: ماذا بعد فشل أمريكا في استغلال "الدين" في دافوس؟! هل يكون دافوس 2005م نقطة تحول في فشل السياسة الأمريكية في استغلال الدين لتحقيق مصالحها؟ وهل يعني ذلك أنها اختارت التركيز على أمور أخرى غير الدين مثل الاقتصاد؟ أم هل يعني أنها لم تعد تعير العرب والمسلمين التفاتاً، وتقرر ما تريده بالقوة المسلحة دون حاجة لحرب أفكار، أو حرب دينية على الهواء؟!
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=282
=============(2/92)
(2/93)
بنغلاديش بين الحملات المغرضة والقلاقل السياسية
علي محمد مطر - إسلام أباد
21/1/1426هـ
وسائل الإعلام الغربية بدأت بتوجيه بوقها نحو بنغلاديش، وأخذت تكيل لها التهم والانتقادات بأنها دولة أصولية؛ وهي تحاول في مسعاها هذا أن تصبغ ثالث أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان بصبغة مفادها أنها أصبحت مؤهلة أكثر من غيرها لإخراج جيل حديث من عناصر التطرف الأصولي المسلح؛ فوسائل الإعلام الهندية والأمريكية تلعب دوراً يتسم بالحيوية المفرطة لإبراز هذا الجانب، وجعله السمة الأكثر التصاقاً ببنغلاديش، خصوصاً في مدة رئاسة خالدة ضياء للوزارة الحالية في دكا التي مضى أكثر من عامين في السلطة.
فمن المعلوم أن حكومة خالدة ضياء وحزبها ليسا على وئام تام مع الجارة الغربية الهند، على العكس من الروابط الحميمة القائمة بين الهند وبين حسينة واجد (رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة) التي تترأس حزب رابطة عوامي (الشعب)، الذي يعد أكثر ميلاً للهند، ويدعم مصالحها في المنطقة.
ويأتي الارتباط الوثيق في هذا المنحى بين وسائل الإعلام الهندية والغربية في إطار الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الهند والولايات المتحدة، فهما البلدان الرئيسان ومعهما إسرائيل في اتباع نظرية الولايات المتحدة القائمة على توجيه الضربات الاستباقية، فلم تخفِ أبواق الدعاية الهندية القلق الرسمي مما وصفته بتنامي أنشطة التنظيمات الإسلامية المسلحة في بنغلاديش، وما يشكله ذلك من خطورة مفترضة على الأمن والاستقرار في المنطقة، ويساندها في ذلك ما انتهجته وسائل الإعلام الأمريكية من هجوم موجه ضد الدول الإسلامية، وأخذت مؤخراً تولي بنغلاديش نوعاً من الأهمية إرضاءً لشريكتها الهند.
صحيفة النيويورك تايمز كانت من السباقين في هذا المجال فنشرت موضوعاً حول بنغلاديش في يناير الماضي، بادرت فيه للتحذير مما وصفته بالنمو غير العادي للأنشطة الإسلامية في بعض الأقاليم البنغلاديشية، وخصوصاً تلك المحاذية للحدود مع الهند، وهو الادعاء الذي يخيف طرفي الشراكة الاستراتيجية اللذان يركزان جهودهما على مواجهة حركات التطرف الإسلامي بدون أدنى اكتراث بحركات التطرف الديني الأخرى - والتي منها الهندوسي على سبيل المثال لا الحصر - والتي تفوق أي أنشطة لدى مسلمي المنطقة، باعتبار أن مجرد ممارسة المسلم لعباداته مسألة تندرج في بوتقة التطرف في نظر وسائل الإعلام الهندية والغربية، وهو اعتقاد قائم لديها على الكثير من المغالطات.
ولم يفت الصحيفة أن تحذر مما أسمته بالأنشطة الإسلامية الإرهابية التي تشهدها الأجزاء الشمالية من بنغلاديش، والتي ترى فيها امتداداً ورافداً للحركات الإسلامية في المنطقة، وتمضي الصحيفة لتقول: إن قرابة العشرة آلاف من الإسلاميين المتطرفين أكملوا ما وصفته من ترتيب لصفوفهم، ورفعوا راية ما أطلقوا عليه تسمية حزب "جاغراتا مسلم جاناتا" المتطرف، وزعمت الصحيفة أنهم يتجمعون في معسكرات تدريب بالقرب من الحدود الدولية مع الهند.
ادعاءات الصحيفة لم تتوقف عند هذا الحد بل استمرت كاتبته ايليسا جريسوولد في القول بأن هذا التنظيم الإسلامي مرتبط على نحو ما مع قيادات الشرطة في بنغلاديش، ويخططان معاً لإقامة جماعة إسلامية أصولية لتأخذ على عاتقها القيام بما أوحت إليه الكاتبة بأنه ثورة إسلامية - قالت: إنها ستكون عارمة -، وربما يمتد أثرها ليصل إلى الدول المجاورة فإلى التي تليها.
وربما كانت الأخبار المنسوبة إلى هذه المجموعة فيها الكثير من المبالغة حول طبيعتها، والغرض من قيامها هذا إذا كانت تنظيمات ذات توجهات إسلامية حقيقية، فالكثيرون يرون أن هذه التنظيمات قد لا تخلو من روابط مع جهات خارجية حتى وإن كان ذلك جزئياً أو مرحلياً، حيث يجب القيام بقدر كاف من التمحيص والتدقيق في هذه طبيعة التنظيمات، ومعرفة الغرض الأساسي من تأسيسها، فمن غير المحتمل أن تسمح الولايات المتحدة وحليفتها الهند بقيام تنظيمات إسلامية حقيقية في بنغلاديش ناهيك عن أن تكون مسلحة.
ورغماً عن المبالغة الكبيرة التي تحيط بهذه التنظيمات إلا أن حكومة خالدة ضياء تتعرض لضغوط هندية بسببها، والتي تعتقد الكثير من المصادر بأنها ربما تم تلفيق الهوية الإسلامية المتشددة وإلصاقها بها، فالآراء لا زالت متباينة حول نشأة هذه التنظيمات، وتصب الضغوط الهندية على حكومة خالدة ضياء في خانة المطالبة بقمع هذه التنظيمات، والعمل بالتالي على إثارة القلاقل والمواجهات المسلحة في بنغلاديش تهيئة لإضعاف الحكومة والحزب المناوئين للنفوذ الهندي في ذلك البلد، والإتيان بنظام يكون أكثر تساهلاً مع أطماع الهيمنة التي تحاول الهند فرضها بمختلف الأساليب على منطقة جنوب آسيا.
بل إن هناك من يرون وبدون مواربة أن الهند تقف وراء تجميع هذه التنظيمات مع بعضها البعض لاستغلال العواطف الدينية، وإحداث نوع من عدم الاستقرار بالشارع البنغلاديشي بهدف دعم المصالح الهندية في ذلك البلد، وهي المصالح التي قد تكون ضمن أشياء كثيرة مصالح اقتصادية وتجارية.(2/94)
أما أغراض وسائل الإعلام الغربية من إثارة هذا الموضوع فهو من ناحية دعم للتوجهات الهندية، ومحاولة جديدة كم جهة أخرى لتلويث صورة الإسلام، ووصمه بالإرهاب والتطرف في محاولة جديدة لتشويه هذا الدين، والتطرق مجدداً للمصطلح القديم الجديد الخاص بالإسلام المسلح.
الحكومة البنغلاديشية عاجلت بنفي التقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية، واتهمت المعارضة البنغلاديشية بتبني مثل هذه الاتهامات، وأنها تقوم بترويجها من خلال أجهزة الإعلام المحلية والإقليمية والدولية عملاً منها على تشويه صورة الحكومة الحالية في دكا، وأشار المسؤول الإعلامي بوزارة الخارجية البنغلاديشية إلى أن المعارضة تروج مثل هذه الاتهامات بغية إلصاق شائبة دعم التطرف والإرهاب بالحكومة الحالية.
وزارة الإعلام في دكا قامت أيضاً بنفي النبأ، وبالتأكيد على أن السبعين ألف نسمة الذين يعيشون في الإقليم الشمالي من البلاد لا يمثلون لوحدهم بقية الشعب البنغلاديشي، واستند المتحدث باسم وزارة الإعلام إلى إحصائيات لديه تنص على أن 1400 صحفي أجنبي قاموا بزيارة بلاده خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولم يخرج منهم أحد بمثل هذه التقارير سوى اثنين أو ثلاثة قاموا بنشر مثل هذه الاتهامات وهو عدد ضئيل جداً.
زعيم التنظيمات المسلحة مدار البحث يطلق على نفسه اسم "بنغلا باي"، والتي تعني شقيق البنغال، والذي استطاعت مجموعته الحصول على دعم الشرطة في المنطقة على الرغم من قيامها بعمليات عنف مسلح في منطقة الشمال الغربي من بنغلاديش؛ والشرطة في تلك المنطقة تسمح لهؤلاء بالتدرب على استخدام السلاح.
والكثيرون ينظرون إلى هذه الشخصية البنغلاديشية الجديدة على أنها غير ذات ميول إسلامية، وأنها تميل لاستخدام العنف المسلح المدعوم من بعض القوى السياسية في بنغلاديش لتحقيق أهداف مرحلية قادمة، صحيفة (نيو ايج) المحلية في دكا لم يسعها سوى أن تتبنى هذا الرأي في أواخر شهر يناير.
وهناك من يفترضون جدلاً أن هذه التنظيمات قد نشأت تحت زعامة الحزب الحاكم، ولكن السحر انقلب على الساحر، وخرجت من تحت عباءة الحزب الذي ترأسه خالدة ضياء، وبدأت تنفذ مخططاً خاصاً بها، محاولات رئيسة الوزراء للقبض على مسؤولي هذه التنظيمات باءت بالفشل الذريع بعد أن خرج ما يربو عن ستة آلاف متظاهر من مؤيدي هذا التنظيمات إلى الشوارع تحت حماية شرطة منطقتهم لمقاومة أي محاولة لتنفيذ قرار رئيسة الوزراء الخاص بالقبض على قادتهم، ووضعهم خلف القضبان.
ولا يسع العارفين ببواطن الأمور في بنغلاديش وبحقيقة التسامح منقطع النظير الذي يدعو إليه الدين الإسلامي إلا أن يشعروا بالقلق الشديد من المقال الذي دبجته اليسا جرسوولد بعنوان "بنغلاديش: الثورة الإسلامية القادمة؟"، والذي لا ينم سوى عن جهل شديد من الكاتبة بالحقائق على أرض الواقع، والأخطر من ذلك إصابتها بجهل يكاد يكون مطبقاً عن الإسلام وما يدعو إليه من حق وعدل وتسامح.
لقد أغفلت الكاتبة كل الظروف المحيطة بثالث أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، والتي لم تعد عبارة عن مجرد سلة للفقر كما وصفها هنري كيسنجر في عام 1972م، ولكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام في بنغلاديش، فهو بلد كغيره من دول جنوب آسيا لا يزال يعاني من العقم الإداري والسياسي بسبب العنف والفساد وانعدام التجانس السياسي بين من يحكمون ومن يعارضونهم، والسرقة المنظمة للمال العام، واستخدام جميع الوسائل بما فيها العنف لتجنب دفع الضرائب، كما أن أجهزة قمع الفساد في بنغلاديش لا تزال تقتل أهدافها في عمليات مسلحة تشير في نهايتها إلى أن الهدف قتل خلال تبادل لإطلاق النار، ولا يمكن لوزير بالحكومة أن يقر بأعمال عنف كهذه تتم فيها ملاحقة الأهداف بالسلاح وقتلها بدون محاكمة.
والشعب بصفة عامة في بنغلاديش (بدون حفنة من السياسيين والمفكرين ونشطاء حقوق الإنسان) مبتهج بعملية التطهير التي تتعرض لها العناصر الفاسدة، وإن كانت تتم بطريقة القتل خلال المواجهات التي تدبرها القوات الأمنية الخاصة، وما يسمى بالخبراء الغربيين في شؤون الإرهاب يلقون باللائمة في أحداث العنف هذه على ما يصفونه "بالإرهاب الإسلامي" رغماً عن أن أجهزة أمنية حكومية هي التي تنفذه، وقامت منذ منتصف عام 2004م وحتى الآن بقتل ما يربو على 300 من المشتبه بأنهم عناصر تحرض على الفساد، وترتكب أعمال عنف واغتيالات وقطع للطريق وما إلى ذلك.(2/95)
وجرسوولد ليست الكاتبة الغربية الأولى التي تطرح صورة تحذيرية كهذه لبنغلاديش، فقد قام بيرتيل في أبريل 2002م بكتابة موضوع آخر مثير للمشاعر في جريدة وول ستريت جورنال، والذي زعم فيه بأن ثورة إسلامية تشق طريقها إلى السطح من بين تلال هذا البلد الفقير المتخم بسكانه، وقد بلغت هذه التحذيرات مبلغاً كبيراً من المبالغة لدرجة أن السفيرة الأمريكية في دكا حينها ماري آن لم تخف حنقها على الجريدة وعلى مجلة " فار ايستيرن ايكونومك افيرز" لنشرهما هذه التحذيرات عن بلد وصفته السفيرة بأنه يضم "أمة إسلامية ليبرالية"، وطالبت بالتحقيق في الدوافع الحقيقية وراء نشر مثل هذه التحذيرات.
الرئيس السابق لتحرير المجلة أعلاه قام هو الآخر بمهاجمة من وصفهم "بالناقمين على المسلمين" بمن فيهم دو جونز الذي يمتلك مجلة "فار ايستيرن ايكونومك افيرز".
البنغلاديشيون هم الآخرون انتقدوا لينتنير تماماً مثلما ينتقدون جريسوولد حالياً، ولديهم من الأسباب ما يكفي للقيام بذلك، فهؤلاء كتاب صحفيون يؤمنون إيماناً راسخاً بمقولة: إن النار العارمة يسببها مستصغر الشرر، وهم يحاولون إضرامها.
وكأن هذه الأصوات التي تؤجج النار ضد بلد مسلم فقير لا تكفي لكي تقوم رئيسة المعارضة في البرلمان الوطني بدكا حسينة واجد بركوب الموجة مع هذه الأصوات، وتقوم بتوجيه الاتهام لحكومة بنغلاديش بأنها ذات توجهات داعمة لطالبان!، وأنها موالية لباكستان، وتقف ضد مصالح بنجلاديش، ويرد التحالف الحاكم بأن حسينة واجد وحزبها ميالان لدعم الهند وأنهما عدوان للإسلام.
ومما تجدر الإشارة إليه أن حسينة واجد عندما كانت بالسلطة إبان زيارة كلنتون لدكا في مارس 2000م قد حذرته من مغبة تعرضه لهجوم إرهابي ممن وصفتهم بالمتطرفين الإسلاميين، وبعد أحداث 11/9 امتلأت شوارع دكا بصور ابن لادن وخالدة ضياء، وكتب تحتها كلمة صديقين، ومنذ أن خسرت حسينة الانتخابات العامة في أواخر عام 2001م وهي تصف الوزيرين اللذين ينتميان للجماعة الإسلامية البنغلاديشية وعضوا التحالف الحزبي الحاكم في دكا بأنهما عميلان لحركة طالبان، وأن حكومة خالدة ضياء غير شرعية، ولهذا فإن المرء لا يسعه إلا أن يعتقد أن المداولات التي أجرتها اليسا جريسوولد قد اقتصرت خلال إعدادها لمقالها على عناصر تابعة لحسينة واجد وحزبها، وهو ما يبوح بسر المغالطات الواردة فيه.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=569
===============(2/96)
(2/97)
القرن الأفريقي بوابة غزو إسرائيلي لمصر والسودان
المرغني أحمد - الخرطوم
24/1/1426هـ
منذ اللحظة الأولى لإعلان الحكومة الإثيوبية نيتها إقامة سدود على بعض روافد نهر النيل، بدا للكثيرين أن "إسرائيل" تقف خلف هذا المشروع لضرب وإضعاف الاقتصادين المصري والسوداني، كما أن إعلان ست دول من دول الحوض عدم اعترافها بالمعاهدة الدولية التي تنظم توزيع مياه النيل أثار تخوفات قوية من هذا القبيل، والواقع أن هناك حقيقة ما في هذه المخاوف تعود إلى الدور الذي لعبته "إسرائيل" وما زالت تلعبه في هذه الدول من منطلق إضعاف علاقاتها مع العرب والمسلمين، وإشعال مصر بالدرجة الأولى.
تعود جذور هذه المخاوف إلى واحد من أقدم أعمدة الإستراتيجية "الإسرائيلية" التي رأت أن حصر المعركة مع العرب في الجبهة الحدودية الضيقة لا يخدم "إسرائيل" لأسباب كثيرة، ولذلك لا بد من توسيع هذه الجبهة خصوصاً نحو ما يسمى دول المحيط العربي، وفي إطار هذا المبدأ عملت "إسرائيل" على إقامة تحالفات إستراتيجية مع العديد من هذه الدول، مع تركيز خاص على كل من تركيا وإيران وأثيوبيا.
وإذا كانت العلاقة مع إيران وتركيا ترمي إلى إشغال كل من العراق وسوريا على وجه الخصوص، فإن العلاقة مع أثيوبيا تهدف إلى إشغال مصر والسودان وباقي الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وإضافة إلى العلاقات العسكرية والأمنية المميزة التي أقامتها مع أثيوبيا عمدت إلى إقامة علاقة اقتصادية واستشارية مؤثرة بهدف إلحاق الضرر بمصر والسودان، ومن بين جوانب هذه العلاقة السعي إلى إقناع أثيوبيا بأن أحد المخارج الأساسية للتنمية فيها إقامة السدود، وتعديل المعاهدة التي تحكم توزيع مياه النيل، ورغم التطورات الهائلة التي حدثت في أثيوبيا فإن "إسرائيل" سعت للتكيف معها من أجل المحافظة على هذه العلاقة الاستراتيجية.
ففي عهد النضال الوطني الأرتيري ضد نظام هيلا سيلاسي وقفت بقوة إلى جانب الجيش الإثيوبي، وعندما انقلب اليساريون على النظام الإمبراطوري أقامت علاقات مع بعض أجنحة الثورة الأرتيرية، وعندما توازنت قوى الصراع بين الطرفين أعادت ترسيخ العلاقة مع الجانبين بشكل أو بآخر، وما إن حظيت أرتيريا بالاستقلال حتى كانت أولى الدول التي تقيم علاقات عسكرية وأمنية واقتصادية معها، وتدخلت في الصراع الأثيوبي الداخلي حيث أقامت أيضاً علاقات جيدة مع النظام الجديد بقيادة مليس زيناوي، ولم يعد هناك ريب في أن "إسرائيل" تحتفظ بقواعد عسكرية واستخبارية في كل من أثيوبيا وأرتيريا بحجة تدريب قوات الجيش والشرطة في البلدين.
وكان الدافع "الإسرائيلي" في كل ذلك الإبقاء على علاقة جيدة مع تلك القوى التي تمسك بخناق كبرى الدول العربية مائياً، ورغم أن هذا الدافع قديم ولم يتغير جوهرياً مع مرور الوقت؛ إلا أنه كان يتأثر بتطورات العلاقة مع مصر.
فما أن جرى التوقيع على معاهدة كامب ديفيد حتى طالبت "إسرائيل" مصر بوجوب التعاون من أجل تحقيق الحلم الصهيوني بجر مياه النيل لري أراضي النقب، ويمكن القول إنه في مدة مناقشة هذا الموضوع مع (الرئيس المصري) أنور السادات بلغت العلاقات الإسرائيلية - المصرية ذروتها، غير أن اعتراض استراتيجيين وفنيين مصريين على هذا المشروع عاد وخلق توتراً في العلاقات، في مدة كثر فيها الحديث عن "حروب المياه" في الشرق الأوسط، وأياً يكن الحال فإنه ليس مصادفة أن الحديث عن مشروعات أفريقية لتعديل أو تغيير معاهدة توزيع مياه النيل جاء هذه المرة في ظل توتر إسرائيلي - مصري شديد، فحكومة شارون عمدت في الأعوام الثلاثة الأخيرة بخاصة في العامين الأوليين للانتفاضة إلى إدارة حرب سياسية شاملة ضد مصر في الولايات المتحدة.
وكانت "إسرائيل" تتهم الحكومة المصرية بأنها تلعب دوراً تشجيعياً للفلسطينيين في انتفاضتهم، وأنها لا تقوم بما يلزم لتهدئة الأوضاع، وقبيل قمة شرم الشيخ الأخيرة بلغ التوتر ذروته خصوصاً جراء السعي "الإسرائيلي" في الكونغرس لحرمان مصر من المساعدات الأمريكية، أو اشتراطها بإجراءات مصرية لمصلحة "إسرائيل"! وهناك من يعتقد أن التقارب المصري - الإسرائيلي الأخير سواء بإقرار اتفاقات "كويز"، أو بتحسين العلاقات السياسية بين الطرفين سيؤثر أيضاً في الدور "الإسرائيلي" في أثيوبيا.
ومع ذلك فإن من الضروري القول: إن "إسرائيل" ترى في مصر الدولة العربية الواجب إضعافها دائماً، كونها الدولة الأبرز من دول الطوق القادرة على مجابهة "إسرائيل" سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لذلك ثمة من يعتقد أن القاعدة الأولى في العلاقة بين الطرفين، ورغم المظاهر الأخرى؛ هي الصراع، ولهذا يصعب القول: إن الهدنة الراهنة بينهما ستحمل "إسرائيل" إلى تغيير استراتيجيتها بشأن منابع النيل.(2/98)
وهناك من يرى أن الجديد على هذا الصعيد هو أن "إسرائيل" تلعب اليوم دوراً بين دول حوض النيل ضمن مخطط أمريكي، يسعى لانتزاع النفوذ في تلك الدول من أوروبا عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية توفر لـ"إسرائيل" كل سبل التأثير على دول مثل أثيوبيا وكينيا، ورواندا وأوغندا، والكونغو، وفي هذا الإطار أقامت "إسرائيل" علاقات متميزة ومتنوعة مع جيل من القادة الأفارقة الذين يرتبطون بوشائج قوية مع الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم ميليس زيناوي في أثيوبيا، وأسياس أفورقي في أرتيريا، وجون قرنق في جنوب السودان، ويوري موسيفيني في أوغندا، وبول كاجامي في رواندا.
وهي ترمي من وراء ذلك إلى تخليد الدور "الإسرائيلي" في هذه الدول، وإبقاء مصر والسودان في حالة توتر وانشغال دائمين، ربما لهذا السبب تكثر "إسرائيل" من زيارة مسؤوليها إلى أثيوبيا، وتكثر من دعوة المسؤولين الإثيوبيين لزيارتها، وتحاول التستر خلف قضية "الفلاشا" الذين ترحلهم إلى الأرض التي تحتلها لتأكيد علاقتها مع أثيوبيا، غير أن هذه واحدة من أشد القضايا هامشية في العلاقات بين البلدين.
وفي الشهور الأخيرة زار (رئيس الحكومة الأثيوبي) زيناوي تل أبيب، وأبرم عدة اتفاقيات اقتصادية وأمنية، وكان (وزير الخارجية الإسرائيلي) سيلفان شالوم قد زار أديس أبابا على رأس وفد كبير، وأبرم عدداً من الاتفاقات، وقد جرى الإعلان عن أن هدف هذه الزيارات هو تطوير العلاقات الثنائية، وتفعيل التعاون المشترك في المجالات التجارية والثقافية، والاقتصادية والعسكرية، وتطوير إمكانات عمل البلدين معاً من أجل محاربة "الإرهاب الدولي"، ومن بين الاتفاقات ما يوحي بتعهد "إسرائيل" بتطوير الصناعة وإدخال التكنولوجيا الزراعية، وتبادل الخبرات في مجالات الصناعة والزراعة، والاستفادة من الخبرة "الإسرائيلية" في هذا الجانب.
رغم ذلك لا بد من الإشارة إلى أنه وبصرف النظر عن الدور "الإسرائيلي" فإن من واجب مصر تجاه دول حوض النيل التعاون معها لتطوير مشاريع اقتصادية مشتركة، وكانت هذه سياسية مصرية قديمة، ربما تراجعت في مدة الانكفاء السياسي المصري، ولكنها عادت إلى النشاط بعد تزايد المخاطر على حصة مصر المائية، وفي هذا السياق ثمة أهمية للتغير في الموقف المصري من المشروعات الأثيوبية من التهديد إلى إبداء الاستعداد للتعاون، ومنذ أعوام قدمت مصر مبادرة للتعاون بين دول حوض النيل.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=570
==============(2/99)
(2/100)
القرار 1559 وفتح أبواب التدويل
إبراهيم بكر
6/2/1426هـ
عندما صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1559 في أواخر سبتمبر الماضي شرعت قوى المعارضة اللبنانية في العمل والتحرك على أساس أن القوات السورية باتت خارج لبنان نهائياً، وفي المقابل فإن الموالاة والقوى المتحالفة مع سوريا أدركت أن الوضع بعد صدور هذا القرار ليس كما كان قبله، ولكنها راهنت على مسألة أن الوقت سيطول حتى يأخذ هذا القرار طريقه إلى حيز التنفيذ العملي، خصوصاً وأن ما من قوة داخلية باستطاعها أن تفسح المجال للمساهمة في إنقاذه.
ربما كانت رهانات الطرفين يومها تبدو صحيحة، فالمعارضة كانت قليلة الشأن، والدولة المضادة للمشروع كانت تبدو متماسكة وقوية، وأهم من ذلك كله لم يكن يومها يشغل لبنان من أقصاه إلى أقصاه قضية بحجم اغتيال رفيق الحريري، واستطراداً لم تكن المعارضة كبيرة بالحجم الذي صارت إليه بعدما رفدها جمهور جديد، ولم تكن "تحتل" قلب العاصمة متحصنة بضريح الحريري ودمه وتحت عدسات كاميرات تلفزة العالم كله.
رياح الخارج:
وهكذا فإن القرار الدولي 1559 الذي يتضمن في بنوده المطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان شرّع أبواب الداخل اللبناني على رياح الخارج، وإمكانات التدويل، وتسبب في بروز أكبر للمعارضة، ورافقت تداعياته عملية اغتيال الرئيس الحريري، ومن ثم اتهام سوريا مباشرة بهذا الفعل، واستطراداً أدى إلى "محاصرة" حلفائها في لبنان، ومن ثم استقالة (رئيس الحكومة) عمر كرامي، وهو ما جعلته المعارضة "أول انتصاراتها الكبيرة"، فبادرت واشنطن إلى الترحيب بما أسمته "ثورة الأرز"، وجعلت مسألة المطالبة بالتنفيذ الفوري لهذا القرار مادة رئيسة لها تمارس عبرها ضغطها اليومي على سوريا.
وعليه تقول المعارضة اللبنانية: إن القرار 1559 نجح في تحويل الوجود السوري في لبنان المستمر منذ عام 1976م من ورقة قوية لمصلحة دمشق إلى أداة ضغط عليها، فباتت في نظر فريق من اللبنانيين قوة احتلال يخرج إلى الشارع ليطالب بجلائها.
بوادر الضغط الأمريكي على سوريا ولبنان بدأت بعد أسابيع قليلة على سقوط بغداد بيد الأمريكيين، إذ حضر يومها (وزير الخارجية الأمريكية آنذاك) كولن باول إلى دمشق وبيروت، حاملاً معه 9 مطالب أساسية من بينها الانسحاب السوري من لبنان، وتفكيك الجهاز المسلح في "حزب الله" بعد نشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية.
المعارضة اللبنانية اعتبرت حينذاك بأن هذا الأمر يمثل إشارة إلى أن واشنطن قد سحبت وكالة كانت قد أعطتها لدمشق عشية حرب الخليج الثانية لإدارة الوضع اللبناني، وثمة من رأى في الحدث دليلاً على رغبة الإدارة الأمريكية في تقليص تمدد سوريا سياسياً، ما سمح لها بالإمساك بأوراق لبنانية وفلسطينية، وعراقية وإيرانية، لإعادتها إلى حدودها الجغرافية والسياسية.
ومن يومها صار السجال يومياً بين دمشق وواشنطن، وفي هذا الإطار يقول أحد أساتذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية: إن سوريا اتبعت في هذه المواجهة المحتدمة مع واشنطن القواعد القديمة للعبة، انطلاقاً من أن العاصمة الأمريكية تحتاج دوماً لسوريا، لذا لا بد أن تعقد معها في نهاية المطاف صفقة ما تحفظ لها دورها، ولكن يضيف الأستاذ نفسه يبدو أن دمشق أخطأت هذه المرة، فواشنطن آتية بنفسها إلى المنطقة بقواعد لعبة جديدة تختلف كلياً عن السابق.
وعليه لم يطل الوقت حتى استأنفت الإدارة الأمريكية عملية ضغطها على سوريا من خلال حضورها على الساحة اللبنانية، وكان ذلك على محورين متوازيين، ففجأة تنبهت الإدارة الأمريكية إلى وجود معارض لبناني في باريس هو العماد ميشال عون، واستدعته إلى الكونغرس حيث أدلى بشهادة ضد سوريا أمام لجنة الشؤون الخارجية فيه.
وفجأة أيضاً نقضت الإدارة الأمريكية الغبار عن قانون اسمه "محاسبة أو مساءلة سوريا"، وأقره الكونغرس، ووضعه بيد الرئيس جورج بوش تاركاً له أمر العمل به، ولاحقاً أيضاً عمل فريق من أعضاء الكونغرس على إصدار قانون يعد لبنان" دولة أسيرة"، وكل ذلك كان مقدمات لأزمة بدأتها الإدارة الأمريكية، تحفيزاً لأرضية صلبة لتحرك المعارضة اللبنانية التي كانت كتلت نفسها أولاً في إطار "لقاء قرنة شهوان" بعد أشهر قليلة على تحرير الجنوب، وتهيئة لمناخ دولي يساعدها في ممارسة ضغط على سورية ولبنان معاً.(2/101)
وكانت الفرصة الكبرى في صيف العام الماضي، ففي شهر أغسطس أبلغت سوريا من يعنيهم الأمر أنها راغبة بدعم التمديد للرئيس إميل لحود لثلاث سنوات جديدة، المعارضون في لبنان قالوا يومها: إن سوريا وقعت طوعاً في كمين نُصب لها، يماثل إلى حد كبير الكمين الذي نصبته السفيرة الأمريكية السابقة في بغداد ابريل غلاسبي لـ(الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، عبر إغرائه بأن واشنطن ستلتزم خط الحياد إذا ما غزا هو الكويت، لذا كان التمديد للرئيس لحود هو الفيصل في مسألة اشتداد وتيرة الضغط على سوريا، فبعد هذا الحدث بأيام صدر القرار 1559 الذي قدمته بالأصل باريس لمجلس الأمن وتبنته الولايات المتحدة، ومن يوم صدوره انقسم الشارع اللبناني إلى قسمين رئيسين: واحد مؤيد لهذا القرار والآخر معارض له، وعلى خلفية هذا الانقسام العمودي الحاد ابتدأت فصول المواجهة المضمرة حيناً والمكشوفة حيناً آخر تتوالى في الداخل اللبناني، وبين واشنطن وباريس من جهة ودمشق من جهة أخرى.
ومن خلال هذا المناخ بات حلفاء دمشق وخصومها يتصرفون على أساس أن أمر انسحابها العسكري من لبنان بات قاب قوسين أو أدنى، وقد بدا واضحاً أن ثمة مساعٍ عربية لتغطية الانسحاب السوري، على قاعدة أنه تطبيق لاتفاق الطائف المعقود العام1989م، وليس على أساس القرار 1559، وهو أمر لو تحقق يحقق لسوريا فائدتين:
الأولى: إبقاء قواتها في البقاع.
والثانية: تبقى لحلفائها حضوراً سياسياً في السلطة.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=295
-============(2/102)
(2/103)
الإنترنت وسيلة الموساد لمحاربة الجاليات المسلمة
شادي الأيوبي
16/7/1425هـ
المدة الأخيرة شهدت تفنناً كبيراً تعمد تشويه الإسلام، ومحاربة أفكاره، ودفع أبنائه وأبناء الديانات الأخرى إلى التصادم والتشاحن، وقد لعب على هذه الحبال الكثير ممن لهم مصلحة في وجود هذه الأجواء المشحونة، سواء من تجار السلاح، أو المروجين للعقائد الصدامية، أو المنتفعين من الحروب والنزاعات.
وكانت وسائل التحريض تأخذ منحنى متصاعداً في التطور والعصرنة تبعاً للمتاح من الوسائل التقنية المستجدة، فمن اتصال هاتفي يجريه مجهول يتبنى عملية ما ضد مصلحة غربية ما، أو فاكس يرسل من منظمة مجهولة - كثيراً ما تكون وهمية -، ثم إلى تسجيلات وشرائط كاسيت وفيديو و دي في دي وغيرها.
على أن الوسائل المذكورة لم تعد تكفي في نظر المصطادين في الماء العكر، خصوصاً مع سهولة تزويرها والتلاعب بها، فضلاً عن كونها قليلة الأهمية، فبدأت العقول الشيطانية بالبحث عن وسائل أكثر إثارة وأشد وقعاً على الرأي العالمي، الأمر الذي سيساعد الذين يعيشون على دماء وآهات البشر من التقاط أنفاسهم حينما تخرج فضائحهم إلى العلن.
وهكذا فبعدما خرجت الفضائح في سجن أبي غريب العراقي، وتبين أن مسؤولين أميركيين كباراً قد أشرفوا شخصياً على التعذيب، ثم تلتها فضائح البريطانيين وغيرهم من قوات الاحتلال في العراق، خرج إلى التداول شريط يصور ذبح رهينة أمريكي بطريقة همجية، وإن كان الكثيرون من المراقبين والفنيين قد شككوا في صحة الشريط، ووضعوا عليه أكثر من علامة استفهام.
ثم إن الأيدي العابثة أدخلت التقنيات الحديثة في المجال، فبدأت مواقع الإنترنت المجهولة المصدر تبث سمومها، وتنشر افتراءاتها التي تخدم أهداف المحتلين والمحرضين، وبنفس الوقت تهدف إلى نزع صفة المقاومة عن كل من رفع السلاح دفاعاً عن بلده وأهله وكرامته.
وبدأت مواقع الإنترنت تتبنى وتبث عمليات قتل وإعدام لرعايا غربيين، بهدف صرف النظر عن فظائع الاحتلال، لكن هذه الوسيلة الجديدة لم تكن استثناء من مبدأ التزوير، حيث تبين أن منها ما هو مختلق تماماً، وهو ما اعترف به مواطن أمريكي صور عملية إعدام له على أحد مواقع الإنترنت.
ومن أحدث وأخطر ما بثته مواقع الإنترنت ما صدر مؤخراً عن موقع جماعة مجهولة تتبنى فيه التفجير الأخير الذي وقع صد كنيس يهودي في فرنسا، حيث يحمل البيان الذي أصدره الموقع المذكور بياناً ذكر فيه التالي:
تمكنت جماعة من المصلين المحافظين على صلاة الفجر بالمساجد من إحراق المعبد اليهودي في باريس، مضيفاً أن الاعتداء جاء رداً على ما يقوم به اليهود في فرنسا ضد المسلمين فيها، وتدنيسهم لمقابر المسلمين، كما اعتبر أن الحكومة الفرنسية متواطئة مع اليهود في تلك الاعتداءات.
ولا يلزم المراقب الكثير من دقة التحليل ليلحظ أن البيان برمته يهدف إلى تحريض السلطات الفرنسية على الجالية المسلمة والعربية في فرنسا، حيث يبدو جلياً:
- أن البيان هدف بشكل متعمد إلى توريط الشباب المداومين على الصلوات في المساجد، مما يعني حث الدولة على شن حملة كبيرة على المساجد ومرتاديها، ولا يخفى على أحد أن السلطات في هذه الحالة تعمد إلى التعميم، واحتجاز أعداد كبيرة من الشباب بغض النظر عن ثبوت شيء ضدهم أم لا، ثم بعد وقت غير قصير تبدأ المحاكمات التي تبرئ الكثيرين منهم دون أي اعتذار أو تعويض، هذا بالطبع إذا لم تستلم تلك السلطات رسائل من الجانب الأمريكي بضرورة إبقائهم قيد الاحتجاز، بكلام آخر إرباك الجالية وإغراقها في خضم دفع التهم عن أبنائها، بدلاً من انشغالها بالمزيد من التقدم.
- حرص البيان على استعداء السلطات الفرنسية التي اتهمها بمساعدة اليهود ضد المسلمين، وهذا الأسلوب صار معروفاً للقاصي والداني، حيث يهدف إلى تصوير اليهود والدولة الفرنسية طرفاً واحداً في مواجهة التطرف الإسلامي الذي تتبناه الجالية الإسلامية، والتي أخذت تكبر في المدة الأخيرة، وتندمج أكثر قي المجتمع الفرنسي، مما أثار مخاوف اليهود ومناصريهم.
- الإعلان جاء بعد مدة من سوء التفاهم الذي ساد بين فرنسا والكيان الصهيوني بسبب تصريحات شارون الداعية ليهود فرنسا للرحيل الجماعي إلى الأراضي المحتلة بسبب العنصرية المتزايدة في فرنسا، مما تسبب في شجب من قبل المسؤولين الفرنسيين، وتجاهل من يهود فرنسا.
- كشفت في المدة الأخيرة العديد من المحاولات التي تهدف إلى توريط الجالية الإسلامية في فرنسا بأعمال عنف، وإلصاق تهم الإرهاب بأفرادها، مثل: ادعاء امرأة يهودية بتعرضها لاعتداء على أيدي شباب مسلمين وغيرها.
- لا يخفى كذلك أن شارون نفسه كان قد قام بحملة تحريض واسعة بهدف استعداء السلطات والشعوب الأوروبية ضد المسلمين فيها، خصوصاً بعد إسهام الجالية في تغيير الرأي العام الأوروبي تجاه القضايا العربية والإسلامية.(2/104)
- كذلك لا يخفى أن المناخ السياسي العالمي لم يعد مخدوعاً بالادعاءات اليهودية الكاذبة، ولم تعد الافتراءات الصهيونية مقبولة لديه، حيث بدأ الكثير من ناشطي السلام ومناهضي السياسات اليهودية، بدؤوا بالحضور داخل الأراضي المحتلة بشكل ملحوظ، ومات العديد منهم دفاعاً عن الفلسطينيين وقضيتهم.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=472
============(2/105)
(2/106)
الهجوم على الإسلام مِنْ مَنْ؟ ولماذا؟
عبد الرحمن بن عبد الخالق
تقديم:
الحمد لله مالك الملك، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، إنه على كل شيء قدير.
والصلاة والسلام على البشير النذير، نبي المرحمة والملحمة، المبعوث رحمة للعالمين، ونذيراً للبشر أجمعين، والمقيم لخير أمة أخرجت للناس في الأولين والآخرين.
وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
مدخل:
ففي الوقت الذي بدأ المسلمون فيه طريق العودة إلى دينهم، والتمسك بعقيدتهم، والعمل للعيش في ظل كتاب ربهم، وسنة نبيهم، في هذا الوقت اشتدت الحملة ضد الإسلام والمسلمين من داخل العالم الإسلامي، ومن خارجه للحيلولة بين المسلمين وما يريدون، ولقطع الطريق على أبناء الأمة، أن يعيشوا كما يحبون مسلمين مؤمنين أعزة في أوطانهم وديارهم.
وحتى يكون شباب الأمة الإسلامية على علم بأبعاد المؤامرة على دينهم وعقيدتهم، عليهم أن يعرفوا طريق الخلاص من هذه المؤامرة وكيف يواجهونها وكيف ستكون العاقبة إن شاء الله - تعالى - ومن أجل ذلك أحببنا أن نكتب هذا التعريف.
لماذا الهجوم على الإسلام الآن؟
وما كادت تسقط آخر خلافة إسلامية، وتقسم أراضي الإسلام بين الدول الصليبية الكافرة، حتى انطلقت الألسن من كل اتجاه قائلة إن سبب ضعف المسلمين يكمن في الإسلام الذي أقعدهم عن طلب العلم والنهضة، وكبلهم في التخلف والجهل، وتحت هذه المقالات الفاجرة نشأت الحكومات التي استبدلت شريعة الله بشرائع الكفار، ونظام التعليم الإسلامي بنظام التعليم الغربي، وبدأت أجهزة الإعلام تغرس عقائد القومية، واللادينية (الإلحاد) (انظر كتابنا (الإلحاد))، والوطنية الإقليمية مكان العقيدة الإسلامية.. ولكن لم يمض وقت طويل حتى اكتشف المسلمون أنفسهم زيف هذه الدعاوى. فقد تحطمت دعوة القومية وصارت هباءً منثورا بعد أول مواجهة مع اليهود، وخلفت أحقاداً يتعذر تجاوزها، وتحولت دعوة الوطنية الإقليمية إلى مسخ مشوه بعد التحقق أن أية دولة من الدول العربية الإسلامية لا يمكن لها أن تعيش وتبقى وحدها. وانتهى الإلحاد بنهاية بائسة حيث بدأ أهله يبحثون في الفلسفات القديمة والأديان الخرافية عن ملجأ لهم من اللهيب والظلمة الكفر والضياع الذي خلفته المادية الإلحادية، واكتشف المسلمون أخيراً أنهم دون عقيدتهم وإسلامهم قطيع تائه، بل قطعان تائهة، وأنه لا حياة لهم ولا عز ولا نصر إلا بالدين الذي أعزهم الله به، وانتصروا في ظلاله وتحب لوائه على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان.
وابتدأت طلائع الشباب المثقفين والمتعلمين منهم خاصة تعود إلى الدين، وتشق طريقها في الحياة وفق تعاليمه وتحت ظلاله، وهنا جن جنون أعداء الله الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل سلخ هذه الأمة عن دينها، فكيف تكون النهاية هكذا؟ كيف ينقلب الناس إلى الإسلام من جديد وقد ظنوا أن المسلمين قد فارقوا الإسلام إلى الأبد، وأنه لا عودة لهذا الدين من جديد وأن قضيته لن يكون لها وجود، وأن دولته لن تعقد لها راية، ولن يرفع لها لواء.. وهنا تنادى أعداء الله في شرق الأرض وغربها أن اغدوا لشن الغارة من جديد على الإسلام وأهله وحُولُوا بين أبنائه والعودة إليه.
من الذي يحارب الإسلام الآن؟
والذين يحملون اليوم لواء الحرب على للإسلام أصناف عديدة جداً، رغم تباينهم واختلافهم في أنفسهم إلا أنهم اجتمعوا حول هذا الهدف المشترك والغاية الواحدة وأهم هذه الأصناف اليوم ما يلي:
1- الشيوعيون وأشياعهم وفروخهم:
وذلك أن العقيدة الشيوعية تقوم أساساً على جحد الأديان والكفر برسالات السماء. بل الكفر بكل الغيب، وجعل الحياة الدنيا هي الغاية ونهاية المطاف، وتسليم الحكم لسلطة الحزب، وجعل إله الآلهة، ومُشرع القوانين، ومرجع كل خلاف هو كارل ماركس ولينين، اللذان قالا في زعم الشيوعيين الكلمة الأخيرة في كل شيء، في الاقتصاد والحياة، والأخلاق والفن والأديان والحكم والسياسة والتاريخ والماضي والمستقبل والطبيعة، وما وراء الطبيعة.. الخ. فجعلوا إلههم المطاع وسيدهم غير المنازع الذي أحاط علماً بكل شيء وعرف كل ما في الكون هو اليهودي الحاقد كارل ماركس والشيوعي الحاقد لينين.. والبشر بعد ذلك ما هم إلا أتباع مقلدون لا يجوز لهم نقد هذين الإلهين ولا تجاوز شيء مما قالوه.(2/107)
ولما كانت النصرانية هي دين الغالبية العظمى في أوروبا وأمريكا قد أفلست وباعت كنائسها، أو أبقتها للذكرى والتاريخ، وكانت اليهودية، ديناً منغلقاً وقفاً على أولاد إسرائيل فقط وليست ديناً للتبشير والدعوة.. وكانت الأديان الوثنية الأخرى أدياناً للاستهلاك المحلي، وللتسلية واللعب، ومن أجل ذلك لم يبق أمام الشيوعية من عقيدة تستطيع أن تنافحها بل أن تهزمها وفي عقر دارها في روسيا غير الإسلام العقيدة العلمية النقية الخالصة، التي جاءت بثورة على كل ظلم وفساد وجهل، وخرافة، وشرك وجحود ونكران.. من أجل ذلك صب الشيوعيون في كل مكان جام غضبهم على هذه العقيدة وأهلها وابتدأوا حربها بكل سبيل، فها هي عساكرهم تغزو أفغانستان لتحطيم عقيدة أهله، والحيلولة دون قيام حكم إسلامي ينشر الإسلام في آسيا ويخلص مسلمي روسيا من بطش وظلم الشيوعيين الكفرة وهؤلاء الشيوعيون الذين غرروا بالشعوب الإسلامية هناك عندما قاموا بثورتهم الشيوعية وقام المسلمون معهم تخلصاً من ظلم القياصرة فكان جزاؤهم بعد ذلك القتل والإبادة، وتحريم الإسلام عليهم وقطع الصلة بينهم وبين الإسلام، فلا مسجد يرفع فيه آذان، ولا مصحف يسمح بتداوله وطبعه. وهاهي روسيا تنقلب ضد الشعب الأريتري المسلم وتحارب ثورته وتمد أعداءه، وهاهي تسرق ثورة الشعب المسلم في جنوب الفلبين وتصنع العملاء لها في الوطن الإسلامي، هؤلاء العملاء الذين ما أن يتسلموا حكم دولة من الدول إلا ويعيثوا في الأرض الفساد من أول يوم بل من أول ساعة، ففي السودان ما إن تسلم عميل لهم الحكم حتى بدأ يقتل من يعرف الصلاة من الضباط، وحتى خرجت مظاهراتهم لتقول: لا إسلام بعد اليوم.. وفي مصر ما إن تحول عميل من الأمريكان إليهم، حتى زرعوا أرض مصر بالفساد فاستعار نحواً من خمسين ألف داعية روسي للإلحاد تحت مسمى الخبراء، وابتدأ قتل المسلمين وتعذيبهم وتشريدهم وتشتيت شملهم، وابتدأ تطبيق اشتراكيتهم الفاسدة، التي أفسدت البلاد والعباد، وفي أندونيسيا ما إن تسلم بعض العملاء دفة الحكم حتى قتلوا كل ضابط يصلي والقوهم جميعاً في بئر واحد وفتحوا المجاري عليهم وذلك بعد ساعات فقط من قيام انقلابهم المشئوم.. وشرح هذا يطول، وهؤلاء هم عملاؤهم الذين لم يتسلموا سلطة والذين يسمون أنفسهم بالشيوعيين تارة واليساريين أخرى، والديمقراطيين ثالثة، لا عمل لهم إلا حرب الإسلام، ولا هدف لهم إلا محاولة القضاء عليه، وهاهي أيديهم لا تكون إلا مع أعداء الإسلام، يزعمون محاربة أمريكا وهم وإياها جبهة واحدة ضد الدين، ويرفعون شعار الديمقراطية وهم أعدى أعداء حرية الرأي والكلمة، وينادون بالوطنية وهم دائماً مع روسيا ضد مصالح أوطانهم، ويرفعون شعار القومية وهم دائماً مع أعداء قوميتهم وخاصة العرب منهم، هؤلاء هم العدو الأول للمسلمين في بلاد الإسلام.
2- اليهود وأذنابهم:
زرع اليهود أنفسهم في أرض فلسطين بعد غياب عن هذه الأرض لنحو من ثلاثة آلاف، وقد علموا علم اليقين أنه لا بقاء لهم إلا مع فرقة العالم الإسلامي، وضياعه وشتاته، فهم لم يستطيعوا أبدا إنشاء وطن لهم في فلسطين عندما كان المسلمون أمة واحدة أو شبه واحدة، ولكن لما تفرق المسلمون شيعاً وأحزاباً وأوطاناً وزالت خلافتهم الإسلامية، ووقعوا تحت حكم الكفار من الإنجليز والفرنسيين استطاع اليهود إنشاء وطنهم في فلسطين.
واليهود اليوم يعلمون علماً لا يتطرق إليه شك أنه في الوقت الذي تقوم بأرض الإسلام دولة قوية، ووحدة بين أوطانه فإنه لا بقاء لهم، ولذلك فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة لتشتيت هذه الأمة وضياعها، وإبقاء دولها فقيرة عاجزة مكبلة بالديون والفقر والتخلف، مرتبطة مرهونة بالاستعمار الشرقي والغربي، ويعلم اليهود بل كل عدو للمسلمين أن سر قوة المسلمين إنما هو عقيدتهم وإسلامهم فهو الذي يستطيع أن يجمع شتاتهم، ويوحد دولهم، ويبعث العزة والحمية في نفوسهم، ويؤجج العداوة الدائمة لهم، وذلك لما في القرآن والسنة من لعنهم وسبهم وعداوتهم، وبما في التاريخ الإسلامي من التعريف بغدرهم ومكرهم ودهائهم.. ومن أجل ذلك كله يعادي اليهود الإسلام والمسلمين، ولما كان إظهارهم لهذه العداوة، قد ينقلب عليهم بنتائج عكسية حين يتحمس المسلمون لدينهم، فإن اليهود قد فضلوا أن يحاربوا الإسلام عن طريق عملاء لهم من أبناء المسلمين أنفسهم.(2/108)
ولذلك عملوا في كل التاريخ على تكوين ما اصطلح على تسميته بالفرق الباطنية التي ترجع معظمها إلى مؤسسين من اليهود نشروا الفكرة وتركوها تنمو في أوساط المسلمين، وهم أيضاً الذين نشروا العقيدة الشيوعية أول ما جاءت إلى البلاد العربية ثم تركوها تنموا في أوساط المسلمين، وهم اليوم وراء تشجيع كل نحلة وطائفة وفرقة يمكن أن تمزق الجسد الإسلامي، ولهذا فهم اليوم وراء الباطنيين والدروز والأحزاب الشيوعية، والطوائف على اختلاف أنواعها، وهم اليوم خلف كل دعوات التحلل من الإسلام والميوعة عن طريق منظماتهم العالمية السرية والعلنية كالماسونية والأندية المختلفة، وهم اليوم وراء ترويج الفواحش والمخدرات، والتعري، وكل ما يمكن أن يسلخ المسلم عن دينه وهم اليوم وراء تشجيع المنظمات النسائية اللادينية، وثورات العمال والشباب، وقد استطاع اليهود الدخول إلى كل ذلك عن طريق المنظمات الرهيبة التابعة لهم والتي أسسوها على مدى ثلاثة آلاف سنة، وعن طريق أجهزة الإعلام التي امتلكوا أكثرها وعن طريق أماكن الثقافة والفكر المتخصصة وخاصة في البيوت الاستشارية وعن طريق أساتذة الجامعات في أمريكا وأوروبا.
إن نصيحة واحدة من بيت من هذه البيوت لحاكم واحد من حكام المسلمين تقول له: احذر الجماعات الإسلامية الفلانية لأن فيها خطراً على حكمك وسلطانك، وهذه النصيحة التي قد لا تتعدى بضع ورقات من بيت من البيوت الاستشارية التابعة لليهود كافية لأن ينظم هذا الحاكم حملة شعواء لحرب الإسلام في بلده، خاصة إذا اقترنت هذه النصيحة بكيفية حرب هذه الجماعات وأنها يجب أن تكون بكذا وكذا وكذا.. الخ. وإن مقالاً واحداً يكتب في صحيفة سيارة كالتايم، والنيوزويك والتايمز.. يطبع منه ملايين بشتى اللغات يحذر فيه كاتب المقال حكومة ما من خطر إسلامي، كاف جداً لتجنيد كل إمكانيات هذا البد لحرب الإسلام بل إن الحملة الشعواء الآن التي يشترك فيها العالم أجمع تقريباً ضد الإسلام على امتداد الكرة الأرضية قد كانت بفعل بعض المقالات المتناثرة في عدد من هذه الصحف السيارة التي باتت تحذر من الخطر الإسلامي المرتقب وهكذا استطاع اليهود رغم قلتهم العددية أن يكون لهم ابلغ الأثر في حرب الإسلام، وذلك بالرغم من عدم ظهورهم العلني السافر.
3- أمريكا وعملاؤها وأذنابها:
أمريكا مارد عملاق وأخطبوط بألف ذراع قد تمكن اليهود من عقله وتغلغلوا في أحشائه ومصوا دماءه لصالحهم، وركبوا هذا الثور المجنون وجعلوه ينطح من أجل مصالحهم وإن حطم أنفه وجبهته، ما دام أنه ينطح أعداء اليهود، ويقتل أعداء اليهود، وقد استخدم اليهود مقدرات أمريكا في صالحهم دائماً، فالأموال الأمريكية هي التي تحمي الاقتصاد اليهودي، وتمده، والسلاح الأمريكي هو الذي يحمي الصهاينة، والسياسة الأمريكية هي التي تفرض حمايتها لليهود، وفي مقابل ذلك يبيع اليهود للأمريكيين الوهم بأنهم حراس مصالحهم في العالم الإسلامي وأنهم السد الذي يمنع عنهم الشيوعية التي يخافونها، وتبيعهم أسرار الدول العربية المستباحة، ويسهلون لهم الوصول إلى ثروات العالم الإسلامي المنهوبة بما لليهود من خبرة في السمسرة والتضليل وإفساد الدول العربية المستباحة، ويسهلون لهم الوصول إلى ثروات العالم الإسلامي المنهوبة بما لليهود من خبرة في السمسرة والتضليل وإفساد الذمم والرشاوي. هذا ما يبيعه اليهود لأمريكا في مقابل مص دمائهم، والركوب فوق ظهورهم وتسخيرهم في مصالحهم، ومن أعظم ما يستخدم فيه اليهود أمريكا هو ضري الإسلام ومحاربته والتضييق عليه.
فأمريكا هي التي توعز إلى عملائها في العالم الإسلامي بضرب الإسلام، والخروج منه إلى حريتهم الزائفة، وأمريكا هي التي لا تفتأ تحذر عملاءها ممن تسميهم المتطرفين المسلمين، وهي التي تقدم نصائحها لأذنابها. بل إن أمريكا هذه القوة العمياء هي التي تمول كثيراً من الأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي وذلك بهدف ضرب الإسلام، وذلك أنها تعتقد أن ديمقراطية الغرب لا تستطيع أن تقف أمام المد الإسلامي ولذلك تستعين بالعقيدة الشيوعية والعملاء الشيوعيين لضرب الإسلام والمسلمين. وهكذا تظل أمريكا حصاناً مزدوجاً يركبه اليهود ويركبون عليه أيضاً عملاؤهم وأفراخهم، فبالأموال الأمريكية يحارب اليهود الإسلام وينشرون الشيوعية ويمكنون اليهود في بلاد المسلمين.
وهكذا يعمل لأمريكا في بلاد المسلمين خليط عجيب متناقض شكلاً ولكنه يتفق هدفاً ومضموناً. فمن يساري متشدق بالشيوعية، إلى منحل لا ديني، إلى امرأة حاقدة على كل استقامة وعفة، إلى حاكم جبان رعديد عدو لأمته ودينه، كل هؤلاء يجتمعون لحرب الإسلام والنيل منه. وهم أشتات وأخلاط ومذاهب.
4- أهل المصالح التافهة والرغبات الصغيرة:(2/109)
الصنف الرابع من الأصناف التي تحارب الإسلام من أبناء الإسلام هو كل جاهل غبي يجهل تاريخ أمته ودينه، ممن يقدم مصالحه الصغيرة التافهة على مصلحة أمته.. فقد يرى في الإسلام مانعا لكسبه للمال عن طريق الربا والحرام، ولاستمتاعه بالزنا والفجور، ولرياسته وتسلطه، ولشهواته، وأهوائه، من أجل ذلك يرى في الإسلام عدواً وحاجزاً أمام شهواته.
ومن هذا الصنف أيضاً أناس عميت أبصارهم، ونقل لهم الإسلام مشوهاً ممسوخاً فظنوه فقط سيفاً يقطع الأيدي والرقاب، وسوطاً يجلد الظهور، أو ظنوه ركونا إلى الجهل والتخلف، قعوداً عن العلم والعمل، أو حسبوا الإسلام طريقاً إلى الفرقة والشتات، وسبيلاً إلى الخراب وسفك الدماء.
ومما ساعد على وجود هذا الصنف الجاهل وجود بعض النماذج الإسلامية الجاهلة، والحاقدة التي ضربت للإسلام أبشع الأمثلة وصورته بأقبح الصور، ولما كان هذا الصنف الجاهل يجهل حقيقة الإسلام، وتاريخه فإنه ظن أن الإسلام هو هذا الذي يراه من هذه النماذج الهشة، والحاقدة، والجاهلة.
وهذا الصنف الرابع هو أكثر الأصناف اليوم وجوداً، وهم ليسوا بالضرورة عملاء مباشرين للشيوعيين، أو اليهود أو الأمريكيين في حربهم للإسلام، بل كثيراً ما تكون منطلقاتهم في حرب الدين منطلقات خاصة، وتحركات فردية وقناعات ذاتية، ولكنهم بالضرورة أيضا دُمى يحركها أعداء الإسلام، وقنابل موقوتة يفجرونها وقتما يشاؤون، وثيران تنطح بمجرد التحدي أو التحريض.
ولا شك أن من هذا الصنف أيضاً منافقون حاقدون يحاربون الإسلام كراهية وبغضاً، وعن علم أكيد بأنه دين الحق وسبيل العز والنصر، ولكنهم كما قال الله في أسلافهم: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون} (البقرة: 18).
المستقبل للإسلام:
بالرغم من كل ما قدمناه عن أعداء الدين المحدثين وحملتهم الجديدة عليه، إلا أن سعيهم إلى ضلال وتدبيرهم إلى تباب، والعاقبة للمتقين، والنصر للموحدين. والدليل على ذلك قوله - تعالى -: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
وقوله - تعالى -: {وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (غافر: 51).
وقوله - تعالى -: {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون} (الأنفال: 59)
وإذا كانت هذه آيات عامة تبشر دائماً بنصر الدين، وعساكر الموحدين فإن السُنة الشريفة جاءت بالأخبار التفصيلية بأن الإسلام باق إلى آخر الدنيا، وأنه لا تزال طائفة من أمة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قائمة بأمر الله إلى أن يقاتل آخرهم الدجال. وانه لو اجتمع كل من في الأرض جميعاً على أهل الإسلام ما كان لهم أن يستأصلوا شأفة المسلمين ويستبيحوا بيضتهم، وأن كسرى وقيصر ستنفق كنوزهما في سبيل الله، وأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وأن مدينة هرقل "القسطنطينة" تفتح قبل "روما" وأن اليهود يقتلون آخر الزمان بأيدي المسلمين حتى إن الشجر والحجر لينادي المسلم قائلاً: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله"!!
وأن عيسى بن مريم ينزل في دمشق على عساكر المسلمين وقد صفت للصلاة، وإمام المسلمين منهم، ويصلي عيسى بن مريم وراءه تكرمة لهذه الأمة، وأن الدجال الذي يدعي الألوهية والربوبية في آخر الزمان لا يتصدى له في الأرض إلا أهل الإسلام، وأنه يُقتل بحربة عيسى بن مريم، وأن عيسى بن مريم ينزل ليحكم بشريعة القرآن فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، وينادي بصلاة أهل الإسلام، ويعبد الله على منهج محمد بن عبد الله، ولا شك أن خبر الرسول صلى الله عليه وسلم كله صدق فما أخبر عن شيء مما مضى وكان كذباً، وما أخبر عن شيء مما يجيء إلا وجاء كما أخبر به، ألم يخبر بهلاك كسرى وقيصر وإنفاق كنوزهما في سبيل الله وقد كان.. مما كان يُعد حُلماً بعيد المنال.
ألم يخبرنا بفتح القسطنطينية؟ وقد كان هذا عند المكذبين ضرباً من خيال وقد كان الأمر كما أخبر؟ والله ليقعن الأمر كما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، وقد بدأت بحمد الله تباشير ذلك.
أ- فهذه الصحوة الدينية في كل مكان، وهذا التوجه نحو الإسلام في كل صوب بداية الغيث وأول العودة، ولعل أبرز ما في هذه العودة إلى الإسلام من العبر والعظات، أن المتعلمين والمثقفين هم أول الناس مُسارعة إلى الرجوع للدين، مما يدلك على أن العودة عودة علمية سليمة، وأنها ليست عودة للجاهلين، ولا تقليداً للآباء والسابقين.
ب- وهذه حضارة الغرب والشرق يظهر إفلاسها وخرابها، وضنك أهلها، وشقاءهم بها، لقد عزلوا أنفسهم عن إلههم ومولاهم وخالقهم - ظنوا - فكانت النتيجة الحتمية جرياً وراء السراب وضياعاً للهدف والغاية، وظلمة النفوس والقلوب، وفراغاً يملأ الحياة، وتفريغاً للحياة من كل معنى شريف، وبل من كل معنى أصلاً.(2/110)
ج- وهذه إرهاصات بزوغ شمس الإسلام نراها كل يوم رأي العين، ويعلمها البصير بتاريخ الأمم والشعوب، فقد يسر الله من الأحداث ما تخلصت به الأمة من أعظم طواغيتها، وأشد عُتاتها، بل هاهي الطواغيت تسقط طاغوتاً إثر طاغوت، وهذه البقية تعيش ما بقي لها من عُمر خائفة مذعورة يحيط بها الحراس من كل جانب، ولا ترى نور الشمس إلا تحت الحراب والمدافع والدبابات، بل تعيش ملعونة مرجومة، بل مفضوحة مكشوفة.. وهاهي دعوات الباطل التي جرى الناس وراءها يوماً ما تنكشف للجميع على أنها سراب خادع، وبريق زائل.. هاهي دعوات القومية، والاشتراكية، والانفتاحية، والحرية، وادعاء الرقي الكاذب، والإقليمية، يظهر للجميع خواؤها وتفاهتها.. وهذا هو نور الإسلام يشع من جديد تراه كل يوم هذه الوجوه المضيئة من شبابنا المؤمن وفتياتنا المؤمنات.
د- وهاهي أحداث العالم، ومجريات الأمور يوجهها خالق السموات والأرض، ومن بيده الملك كله، ومن يقلب الليل والنهار، لتخرج من جديد خير أمة أخرجت للناس بلباس جديد، وتاريخ جديد.
{قُل اللهم مالك الملك تؤتي المُلك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء وتُعز من تشاء وتُذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير. تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت، وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب} (آل عمران: 26-27).
أليست كل هذه إرهاصات لقيام أمة الإسلام من جديد؟
بلى والله إنها لكذلك!! واسألوا السيرة والتاريخ؟
http://www.salafi.net المصدر:
==============(2/111)
(2/112)
صفحة العمل الخيري الإسلامي بيضاء مشرقة ..
والإضرار به جريمة
يوماً بعد يوم..تتصاعد الحملة الغربية الصهيونية على العمل الخيري الإسلامي محاولة الإطباق عليه وحصاره وتجفيف منابعه تحت شعارات ظالمة تروج لمزاعم عن علاقته بالتطرف والإرهاب.
وتستخدم تلك الحملة الخبيثة الماكرة في حربها على العمل الخيري كل الأدوات والآليات الممكنة، متخفية تحت شعارات الأمم المتحدة حتى لا تنسب إلى دولة بعينها وتبدو في الوقت نفسه متسقة مع ما يسمى بالشرعية الدولية.
إننا لا نمل من التأكيد على أن الهدف من الحملة الدائرة على العمل الخيري جلي واضح وهو تشويه الوجه الإنساني المشرق للعمل الخيري ومحاولة إبرازه في صورة مخيفة مرعبة، محرضة العالم على القضاء عليه وتجفيف منابعه. والحقيقة أن ذلك زور وبهتان وهو لا يعدو أن يكون فاصلاً من الحرب الشاملة الدائرة على الإسلام والعمل الإسلامي والمسلمين.
وفيما يتعلق بالعمل الخيري والمؤسسات الخيرية الإسلامية يجدر بنا أن نسوق الحقائق التالية لتكون تحت بصر وبصيرة كل من ينشد الحقيقة:
أولاً: إن العمل الخيري في الإسلام ولدى المؤمنين بالله رباًّ وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ينطلق من منطلقات إيمانية ويتدفق من ينابيع إسلامية صافية ويهدف إلى مرضاة الله - سبحانه وتعالى - أولاً وأخيراً، كونه فريضة فرضها الله في أموال الأغنياء للفقراء والمساكين والمحتاجين والأرامل وبقية مصارف الزكاة المعروفة.
ويسهم في بناء الأمة ويحافظ على بنيانها بإعانة الفقير وإغاثة الملهوف ونجدة الرازحين تحت طواحين الكوارث والمحن.
وهو يمثل إحدى الأدوات الإيمانية الفعالة لإشاعة فضيلة التكافل والتكاتف بين أبناء الأمة حتى يظلوا جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
فالعمل الخيري جزء من رسالة الإسلام العالمية، و"الخيرية" جزء من عقيدة الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وهي "خيرية" يسعى المسلمون لإيصالها للبشرية جمعاء.
ثانياً: إن حديث الإفك الدائر منذ فترة ليست بالقليلة والمنطلق من الدوائر الغربية والصهيونية والذي يجد له صدى عند نفر من مرضى القلوب بين ظهرانينا عن علاقة بين العمل الخيري والإرهاب هو محض افتراء واختلاق تلك الدوائر الحاقدة على الإسلام. والدليل على ذلك أن هؤلاء لم يقدموا دليلاً مادياً واحداً على مزاعمهم، فالثابت أن العمل الخيري الإسلامي لم يقدم دولاراً واحداً للعنف والإرهاب، وأن أموال العمل الخيري خاضعة لتدقيق أكبر المكاتب المحاسبية في العالم.
والثابت أيضاً على أرض الواقع أن العمل الخيري إنما يعين الأفراد والشعوب على نوائب الدهر ويحارب الفقر والجهل والمرض، ذلك الثلاثي الخطير الذي زرعه الاستعمار في بلادنا، وهو بذلك أي العمل الخيري يسهم في حل الأزمات وإشاعة الاستقرار ومساعدة خطط التنمية في المجتمعات وهو لا شك إسهام كبير في قطع الطريق على ظواهر التمرد والعنف والتطرف في تلك المجتمعات، وفي التحليل الأخير فإنه يسهم في السلم والاستقرار العالميين.
ثالثاً: إن تجربة العمل الخيري الإسلامي عامة والعمل الخيري في منطقة الخليج هي تجربة ناصعة ومشرقة تدعو كل مسلم في هذه البلاد؛ لأن يشعر بالفخر أمام الإنجازات الإنسانية التي انتشرت في وقت قياسي في قارات العالم مساهمة في دفع حالة الفقر والعوز التي تجتاح العالم وهو ما جعل منها عضواً بارزاً في دعم عجلة التنمية في العديد من دول العالم.
تلك هي صفحة العمل الخيري الإسلامي، ناصعة بيضاء تسهم في خير الإنسانية وانتشال الناس من بين أنياب الفقر والجهل والمرض وهو ما كان يستحق الثناء والتقدير والاحترام من رافعي شعارات العدالة وحقوق الإنسان لكن العكس هو الذي يحدث.. حرب ضروس للقضاء عليه، بينما تترك المؤسسات المسيحية واليهودية تعمل بحرية تحت حماية النظام الدولي، بالرغم من خروج كثير منها عن خط العمل الخيري الإنساني وتكريس عملها في العدوان على المسلمين.
فهناك جمعيات يهودية تجمع التبرعات وتقدم التمويل للمنظمات الصهيونية الإرهابية التي تسعى لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وهناك منظمات يهودية ونصرانية تجوب العالم لجمع التبرعات وتقديمها لشارون ليواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني، بل إن تكاليف المشاريع التي أقامتها المنظمات التطوعية التي لا تسعى للربح في الكيان الصهيوني خلال عام 1995 وحده بلغت 11 مليار دولار.
ومن هنا فإننا نناشد الحكومات العربية والإسلامية عدم الرضوخ لتلك الضغوط والوقوف وقفة صادقة لله لحماية ذلك العمل الجليل، فسقوط العمل الخيري بمؤسساته يمثل سقوطاً للسيادة على أراضينا، والقضاء على العمل الخيري يعني ترك مئات الآلاف من الأسر دون إغاثة، مما يفسح المجال ليخرج من بينها اللص والمتطرف والإرهابي.
وإن كان هناك أي استشعار لمخالفات فلتقم الجهات المحلية المختصة بالتقصي عن ذلك والوقوف على حقيقتها ضمن إطار السيادة الوطنية.(2/113)
إننا نقولها بصراحة: إن الرضوخ اليوم لضغوط حرب العمل الخيري هو مقدمة لضغوط أخرى وحملات تالية تسعى لنقض عرى الإسلام عروة عروة، وهنا تكون الطامة ويكون الحساب من الله عسيراً يوم يقوم الناس لرب العالمين.
http://islameiat.com المصدر:
==================(2/114)
(2/115)
الرد على حكماء الهزيمة
منير شفيق
أصبح من الجلي الآن أن الشروط التي حملتها إدارة بوش للدول العربية بعد العدوان على العراق واحتلاله (سبق وبُلّغت قبل ذلك) قد سقطت في الفلوجة والنجف وكربلاء، بل إن أهداف الحرب على العراق واحتلاله فشلت.
وذهبت كل توقعات الإدارة الأمريكية لعراق ما بعد الاحتلال بدداً، ولم يبقَ منها غير اليسير الذي يراد أن يكبر من خلال وسائل أخرى غير الحرب والإملاء.
ينطبق هذا على الشروط الأمريكية (قائمة الإملاءات) التي قدّمت للدول العربية، كما ينطبق على الموضوع الفلسطيني أكثر حيث بات من الواضح أن كل ما يحدث في القطاع منذ ثلاثة أشهر - في الأقل - قد فقد هدفه السياسي الأساسي، وأصبح محكوماً بروح الانتقام والتدمير والغيظ، مما سيفاقم أزمة شارون والاحتلال (الجيش الإسرائيلي) ولا يحلّها.
صحيح أن الثمن الذي سيُدفع عالٍ جداً سواء كان بفقدان الشهداء القادة الشيخ أحمد ياسين ود. عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب والكوادر، أم بمئات الشهداء والجرحى من الناس العاديين، أم بالدمار الهائل الذي تعرضت له رفح وبخاصة حيّ تل السلطان وحيّ البرازيل، وصحيح أن الجرح في قلوب الفلسطينيين والعرب والمسلمين صار أعمق، والغضب أشدّ اشتعالاً، إلا أن ما يجري لا مفرّ منه ما دام العدو هو المشروع الصهيوني، وما دام مناصروه من الدول الكبرى لا يستطيعون أن يردّوه مهزوماً أمام المقاومة والانتفاضة والشعب الفلسطيني، وهو ما أعطاه إجازة ليرتكب كل ما عرفته رفح، وقبلها غزة؛ من جرائم حرب وسفك دماء ودمار، ومع ذلك فإن قرار الهزيمة اتخذ على شكل انسحاب من طرف واحد دون قيد أو شرط، كما أن قرار انسحاب القوات الأمريكية وضع على أجندة العراق، كما غدت قائمة الإملاءات الأمريكية على الدول العربية مطروحة على الطاولة، وكانت قبل بضعة أشهر غير قابلة للتفاوض (إما أخذها كلّها وإما فلا).
هنا يأتي دور (الحكماء) الذين ابتلعوا ألسنتهم قبل الوصول إلى تلك النتيجة تاركين المجال لبوش وشارون ليحققا أهداف هجمتهما، لكن عندما انكسرت الهجمة، وبدت في الأفق إشارات هزيمة في فلسطين والعراق جاء دور (الحكماء) الذين يريدون إنقاذ الوضع، وبالتحديد إنقاذ شارون وبوش تحت حجة الخوف من الفوضى ومن الإرهاب في حالة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، أو تنفيذ شارون لخطة الانسحاب من قطاع غزة بلا قيد أو شرط.
وبكلمة أخرى حرمان الشعبين الفلسطيني والعراقي من الانتصار عبر مساومة تتنازل فيها أمريكا عن (العُشر) وتستبقي التسعة أعشار، علماً أنها كانت خاسرة تماماً، فيا للحكمة، ويا لإنقاذ الوضع.
ومن هنا فإن من يتابع التعليقات والتصريحات التي عجّت بها أجهزة الإعلام يجد أن صوت أولئك (الحكماء) أخذ يعلو كأنهم هم الذين قاتلوا في الفلوجة والنجف وكربلاء، أو هم الذين كانوا في قلب الانتفاضة والمقاومة والصمود في فلسطين، أو هم الذين كانوا يضغطون ضدّ تلبية الدول العربية لقائمة الشروط الأمريكية، ولهذا توجّب الرد عليهم، وضرورة التعبئة في هذه المرحلة ضد الاستجابة لهذه (الحكمة) التي يمكنها أن ترمي طوق نجاة مؤقت لأمريكا، لكنها ستزيد من أزمة الوضع، وترفع من وتيرة الشهداء والدمار، لأن من غير المعقول كما من غير الممكن أن يحقق بوش وشارون من خلال (حكمتهم) ما لم يحققاه من خلال الصاروخ والدبابة، وليعودا سيرتهما الأولى من جديد وفي أسرع الآجال، وهؤلاء الحكماء يستندون إلى ما يلي:
أولاً: أن نظرية وقوع العراق في الفوضى، وتحوّله إلى مسرح للإرهاب إذا انسحبت القوات الأمريكية ليست صحيحة، وإن بدت في الظاهر منطقية، فالفوضى خرجت بسبب وجود الاحتلال الأمريكي، وإذا صحّ أن القوى التي ارتكبت أعمالاً إجرامية إرهابية في العراق مثل: زرع القنابل، أو إطلاق قذائف على الحشود في عاشوراء، أو ارتكبت جرائم الاغتيالات، أو ضربت ضدّ مراكز الشرطة، أو هيئة الأمم أو السفارات؛ هي من التنظيمات المشار إليها بالإرهابية؛ فحتى هذه جاء بها احتلال العراق، وسمح بها مناخ الإرهاب الذي مارسه الاحتلال ولم يزل، ابتداء بالقتل والاعتداءات، والنهب وتدمير الدولة، ومروراً بالقصف العشوائي والقنص كما حدث في الفلوجة والنجف وكربلاء وبغداد والأنبار، وانتهاء (ليس بمعنى النهاية) بالجريمة المروعة التي ارتكبت بحق عرس في قرية القائم.
هذا ناهيك عن الفضائح الأمريكية في سجون ومراكز الاعتقال ومثالها سجن أبو غريب، وهذه بالصورة والصوت.(2/116)
علماً أن تضخيم دور تلك القوى إن وُجدت حقيقة (لأن الأعمال المشار إليها تدخل في دائرة الشبهات التي تصل إلى الموساد ) يكذبه ما تكشفت عنه معارك الفلوجة والنجف وكربلاء، مما يؤكد أن القوى التي وراء المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الأمريكي على اختلاف توجهاتها نابعة من الشعب العراقي، وملتزمة بخط سياسي لا علاقة له من قريب أو بعيد بما تعبّر عنه البيانات الصادرة عن تنظيم (القاعدة)، أو عن الزرقاوي، أو أسماء أخرى مشابهة، كما أن الإشارة إلى المتطوعين العرب وأعدادهم أبطلت صدقيتها الفلوجة ناهيك عن الأنبار والموصل والنجف وكربلاء والناصرية والبصرة وبغداد، فالشعب وممثلوه وأبناؤه كانوا المقاومة (بكل أشكالها التي يجيزها الشرع).
وباختصار نحن أمام فزاعة كاذبة، وتقدير موقف وهمي، هذا إذا أحسنّا الظن، علماً أن ثمة خشية من أن يكون الدافع وراء التخويف من انسحاب قوات الاحتلال من العراق هو الخوف من الشعب العراقي، ومن تمكّنه من بناء عراق بعيد عن الهيمنة الأمريكية، وبقيادة قوى ممثلة حقاً لغالبية الشعب، وهذه هي الضمانة الفعلية لحماية العراق من أن يصبح مرتعاً للإرهاب والفوضى، وهذان (الإرهاب والفوضى) لا يترعرعان إلا في المياه العكرة التي نموذجها كل حوض تحركه العصا الأمريكية والصهيونية.
أما حجة الفوضى والإرهاب فكيف يمكن أن تطبق على قطاع غزة في حالة انسحاب القوات الإسرائيلية مهزومة منه وبلا قيد أو شرط، فمن جهة لم تعرف تجربة انتفاضة الأقصى والمقاومة في فلسطين ذلك النمط من التنظيمات التي تتبنّى عمليات من طراز 11 أيلول / سبتمبر 2001 في أمريكا، أو 11 آذار/مارس في إسبانيا، أو تفجيرات عاشوراء في العراق، أو الاغتيالات بسبب المواقف السياسية أو الانتقام (أو لأي سبب كان)، فالقوى التي سترث الاحتلال في فلسطين معروفة، ولا يستطيع أحد أن يتهمها بأنها ستجعل من الأراضي التي ينسحب منها الاحتلال مرتعاً للإرهاب أو الفوضى.
ومن ثم فإن الذين يريدون أن يدعموا (حكمتهم) بفزاعة الإرهاب والفوضى في حالة نزول هزيمة بقوات الاحتلالين في العراق وفلسطين إنما يقيمونها على أرجل خشبية لا تقوى على الصمود حين يُردّ عليها بقراءة الواقع كما هو.
ثانياً: الحجة الأخرى تنطلق من أن الإدارة الأمريكية في مأزق، وهي مستعدة للتراجع جزئياً (وهذا عظيم جداً وفرصة!)، وقد حوّلت ملف العراق وفلسطين والشرق الأوسط الكبير (ملف الدول العربية) من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى وزير الخارجية كولن باول (وهذه فرصة!)، ولهذا فإن الحكمة تقضي بضرورة اغتنام هذا التحول (الهام) الذي كشف عنه عدم استخدام الفيتو الأمريكي ضد قرار مجلس الأمن الذي طالب الدولة العبرية باحترام التزاماتها الدولية في رفح، أو كما تكشف قبولها بوساطة الأخضر الإبراهيمي في العراق.
حسناً: ما المطلوب؟ (الحكمة) تقتضي وقف المقاومة والانتفاضة والتسليم بتهدئة كل شيء على ضوء خطة شارون في فلسطين، والسير وفقاً لاقتراحات الإبراهيمي في العراق، أما على مستوى لبنان وسوريا فمن الممكن التقدّم بتنازلات لا تجعل الأمريكيين يتمسكون بكل شروطهم، فيكفي في كل الحالات أن يتمسكوا بتسعة أعشارها ويتنازلوا عن العشر للإبراهيمي ولمجلس الأمن وللدول العربية المعنية حتى تتحقق الصفقة الرابحة، وتلكم الحكمة في هذه المرحلة التي تواجه فيها إدارة بوش المأزق الخانق.
وإذا كان هناك من سيقول إن بوش سيعود سيرته الأولى بمجرد خروجه من المأزق وإعادة انتخابه، فإن الحكمة تقتضي أن نكسب هذه اللحظة الآن ويبنى عليها بعد ذلك، وبهذا يكون منطق أولئك (الحكماء) هبط بهم إلى الدرك الأسفل عندما يلخصون (الحكمة) السياسية بإنجاز وهمي وخاسر ومؤقت، خوفاً من النتائج غير المحسوبة لهزيمة الاحتلالين، أو لفشل سياسات بوش (الشرق أوسطية).
من هنا فإن التقدير الصحيح للموقف والذي يقول إن الظرف الراهن فلسطينياً وعراقياً وعربياً وإقليمياً، ورأياً عاماً عالمياً، وفي مقابله الظرف الخانق الذي يواجهه بوش، فشل عسكري وسياسي في العراق وفلسطين، وفضائح يندى لها الجبين، وعدم قدرة على تفاهم حقيقي مع حلفاء يريدون إنقاذه من نفسه، ويخافون عليه من هزيمته، إلى جانب أزمة داخلية حيث اهتزت شعبيته، وارتفعت أسهم منافسه، ثم مأزق حليفه شارون الذي إذا واصل ارتكاب جرائم الحرب عمّق مأزقه، وخرّب على بوش أكثر، وإذا تراجع كانت هزيمة مجلجلة، ولهذا فإن الحكمة الحقيقية تقتضي عكس تلك (الحكمة) المزيّفة ألا ينقذ بوش وشارون من الهزيمة، وعدم الخوف من النتائج من خلال التهويل بفزاعة الفوضى والإرهاب.
المصدر : http://www.fm-m.com/2004/jun2004/sto r y16.htm
=============(2/117)
(2/118)
السباق النووي بين الهند وباكستان ومخاوف الحرب الرابعة
أحمد أبو زيد
15/10/1425
المناوشات العسكرية التي تدور بين الحين والآخر بين كل من الهند وباكستان، والتي قد تتحول في أي وقت إلى حرب رابعة بين الدولتين بسبب النزاع المزمن حول قضية كشمير المسلمة؛ التي مر عليها حتى الآن أكثر من نصف قرن، جعلت أنظار العالم تتجه إلى شبه القارة الهندية نظراً لخطورة الموقف، وامتلاك كل من الدولتين للأسلحة النووية، وتخوف العالم من اندلاع حرب نووية في المنطقة تأكل الأخضر واليابس، وتهدد شعوب المنطقة بالفناء والدمار.
فقد خاضت كل من الهند وباكستان ثلاث حروب منذ عام 1947م، اثنتان منها بسبب النزاع حول ولاية كشمير المسلمة، الأولى عام 1947م والثانية عام 1965م، وفقدت باكستان في حرب 1965م الكثير من قواتها أمام القوات الهندية، كما انتهت الحرب بتقسيم كشمير بين البلدين إلى كشمير الحرة الباكستانية، وكشمير المحتلة الواقعة تحت الحكم الهندي، وجاءت الحرب الثالثة عام 1971م وانتهت بانفصال باكستان الشرقية عن دولة باكستان، والتي سميت دولة "بنجلاديش".
التسابق النووي:
أما الحرب الرابعة المتوقعة والتي يتخوف العالم من اندلاعها فهي - إن وقعت - سوف تختلف شكلاً ومضموناً عما سبقها من حروب نتيجة التطور الشديد في الأسلحة، والتسابق النووي الذي خاضته الدولتان في السنوات الأخيرة.
ففي مايو 1974م بدأت الهند معركتها التكنولوجية بإجراء اختبار نووي في صحراء راجستان، لتعلن بذلك أنها اكتسبت المكانة النووية العسكرية تحت شعار سلمي، ومر عشرون عاماً من الهدوء العسكري في شبه القارة الهندية في ظل القدرة النووية للهند، قامت فيها باكستان بجهاد علمي تكنولوجي شاق لاكتساب المكانة النووية العسكرية، وبدأت تظهر نتائج السباق النووي بين الدولتين عام 1994م، حين أعلن نواز شريف (رئيس وزراء باكستان السابق) في لقاء جماهيري في الشطر الباكستاني من كشمير أن باكستان لديها القنبلة النووية، وأسرعت باكستان تنفي الخبر حيث كان نواز شريف وقتها (رئيس وزراء سابق).
ولكن في مايو 1998م أعلنت باكستان أنها أصبحت دولة نووية، وردت على التفجيرات النووية الهندية اختباراً باختبار، وتفجيراً بتفجير، وكانت هذه أول مرة في تاريخ النزاع تستطيع باكستان أن ترد على الهند رداً متكافئاً، وأصبحت المواجهة بين الدولتين مواجهة نووية وتكنولوجية.
وقد توقع الكثيرون - وخاصة في الهند وباكستان - أن عهداً من الاستقرار النووي سوف يسود شبه القارة الهندية في ظل التوازن النووي بين الهند وباكستان، اقتداء بما حدث بين أمريكا والاتحاد السوفيتي من استقرار نووي طوال مدة الحرب الباردة، خاصة وأن هامش الخطأ في شبه القارة الهندية ضئيل جداً لقرب المسافات بين البلدين والعاصمتين، وامتلاك كل منهما لوسائل الاتصال اللازمة من طائرات وصواريخ يمكن أن تصل إلى أهدافها في وقت قليل جداً.
هذا بالإضافة إلى قلق المجتمع الدولي بأكمله من التسلح النووي للبلدين، وتزايد احتمالات المواجهة النووية بينهما؛ مما خلق رأياً عاماً ضاغطاً يطالب بضبط النفس في شبه القارة عبر عنه قرار مجلس الأمن رقم 1172 الذي دعا الدولتين إلى مزيد من ضبط النفس، وتحاشي التهديدات العسكرية، واستئناف الحوار بينهما لإزالة التوتر، وإيجاد حلول مقبولة ومتبادلة لجذور القضايا التي تسبب التوتر بما فيها قضية كشمير.
وبالفعل دخلت الدولتان في حوار مباشر خلال السنوات الأخيرة حول قضايا النزاع بينهما وأهمها قضية كشمير، ولكن التعنت الهندي تجاه هذه القضية وإصرارها على احتلال الولاية المسلمة، والزعم بأنها جزء من الهند؛ حال دون الوصول إلى حلول مقبولة.
وفي أواخر مايو 1999م تطور الموقف بين الدولتين في كشمير المحتلة، ووقعت أعمال عسكرية خطيرة، واشتباكات بالمدفعية الأرضية، وسلاح الطيران على حد الهدنة الفاصل بينهما، وبدأت الضحايا يتساقطون بالعشرات من الجانبين، وسالت الدماء، واضطر أكثر من خمسين ألف كشميري إلى النزوح من مناطق القتال إلى مناطق بعيدة فراراً من الغارات الجوية الهندية التي لا تفرق بين العسكريين والمدنيين.
وبعد فشل القمة الباكستانية الهندية في يوليو 2001م تبادل البلدان النوويان الرمايات مراراً على طول خط المواجهة.
حادث البرلمان الهندي:(2/119)
ثم تجددت التوترات بين البلدين في أعقاب الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي في22 ديسمبر2001م، والذي أسفر عن مقتل 14 شخصاً منهم المهاجمون الخمسة، وقد اتهمت الهند جماعات باكستانية إسلامية بأنها وراء الهجوم، واعتبرت الحكومة الهندية أن الهجوم على البرلمان الهندي قد تم تنفيذه على أيدي منظمة «جيش محمد» الكشميرية التي تدعمها أجهزة الاستخبارات الباكستانية، وأن الحادث جاء في سياق مؤامرة كبرى تهدف إلى القضاء على الزعماء السياسيين الهنود من خلال مهاجمة البرلمان الهندي؛ سعياً إلى ضرب مجمل النظام السياسي الهندي لزعزعة استقرار البلاد، وتبنت الحكومة الهندية على الفور موقفاً يتسم بالحدة والانفعال، حيث هدد المسئولون الهنود بأن كل من يجرؤ على أن يتحدى أمن الهند القومي سوف يواجه العواقب.
وأعقب ذلك قيام الهند باستدعاء سفيرها في إسلام آباد، وإعلانها أنها ستوقف خطوط النقل عبر سكك الحديد، ووسائل النقل البري مع باكستان، وذلك بعد رفض "إسلام آباد" الاستجابة إلى مطالبها بقمع جماعتي "العسكر الطيبة"، و"جيش محمد" الإسلاميتين، والمشتبه في تنفيذهما الهجوم على البرلمان الهندي.
وأكدت الحكومة الهندية أنها ستتخذ عدة إجراءات أخرى ضد باكستان من بينها: إلغاء الاتفاقية الثنائية الخاصة بالمياه، ووقف اتفاقيات التجارة بينهما، فضلاً عن حث مجلس الأمن باتخاذ إجراءات صارمة ضد إسلام آباد وفقاً لحملة مكافحة الإرهاب.
أما المسؤولون الباكستانيون فقد اعتبروا كل المزاعم الهندية ملفقة، ودعوا إلى إجراء تحقيق مشترك؛ لأنه ليست هناك في الواقع أي مصلحة حقيقية لباكستان في زعزعة استقرار الهند، وأقصى ما تسعى باكستان إليه من الهند هو تسوية قضية كشمير من خلال منح سكان الإقليم حق تقرير المصير.
وأكد الرئيس برويز مشرف وقتها أن بلاده سترد بقوة على أي عمل متهور تقدم عليه الهند، وأن أي مغامرة ضد باكستان ستُقابل بالقوة، ولكنه تعهد في المقابل بتوقيف أي جماعة تتخذ من باكستان مقراً لها، ويثبت تورطها في الهجوم على البرلمان الهندي، وبدأت الحكومة الباكستانية بالفعل في اتخاذ إجراءات متشددة تجاه منظمتي "جيش محمد" و"العسكر الطيبة" اللتين تتهمهما الهند بارتكاب الهجوم على البرلمان الهندي، كما أكد مسؤولون حكوميون وعسكريون أن باكستان سوف ترد بشكل قوي جداً إذا تعرضت للهجوم.
فخ هندي:
ولكن صحيفة "نيوز إنترناشونال" الباكستانية ذكرت وقتها أيضاً أن الهند ترغب في نشر قواتها ومعداتها العسكرية قرب الحدود الدولية مع باكستان؛ للإيهام بأنها تستعد لشنّ هجوم واسع النطاق عليها؛ وذلك بهدف استدراج إسلام آباد لإخراج أسلحتها النووية، ومن ثم القضاء عليها.
وقال المحلل الباكستاني "نصرات جافييد" في تقرير له بالصحيفة الباكستانية: "إنه حصل على معلومات من مصادر هندية - رفضت ذكر اسمها - تفيد بأن نيودلهي ترغب في قيام إسلام آباد بالكشف عن أسلحتها النووية "، مشيراً إلى أن ذلك سيتطلب من المجتمع الدولي السعي إلى القضاء على تلك الأسلحة تحت مسمى "الحد من انتشار الأسلحة النووية في جنوب آسيا".
وأشار المحلل إلى أن مسؤولاً أمريكياً بوزارة الدفاع (البنتاجون) كان قد صرح لمجلة "نيويوركر" الأمريكية بأن إحدى وحدات الجيش الأمريكي تقوم بتدريبات عسكرية استعداداً لشن هجوم محتمل على باكستان لسرقة ترسانة الأسلحة النووية التي تملكها، وألمح المسؤول الأمريكي إلى أن بعض الجنود من وحدة "262" الإٍسرائيلية والمعروفة بـ"SAYA r ET MATKEL" "قد شاركوا أيضاً في تلك التدريبات التي أجريت في الولايات المتحدة.
وقال المحلل الباكستاني: إن إسلام آباد قامت بعد انفجارات 11 سبتمبر 2001م بنقل معداتها وأسلحتها النووية إلى أماكن "آمنة" لا تستطيع الأقمار الصناعية الأمريكية رصدها.
التصعيد العسكري:
يرى أحمد إبراهيم محمود (الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام) أن هناك عاملين رئيسيين يحكمان احتمالات التصعيد العسكري بين الطرفين، هما:
1- القدرات النووية الباكستانية، التي تمثل عاملاً كابحاً لأي تصعيد عسكري خوفاً من اندلاع مواجهة نووية مدمرة، حيث أشار عمر عبد الله (وزير الدولة للشؤون الخارجية الهندي) صراحة في جلسة للبرلمان الهندي إلى أن ما يمنع الهند من ضرب الجماعات الانفصالية الكشميرية داخل الأراضي الباكستانية هو كون باكستان دولة نووية، وخلص إلى أن القوة والعنف لن يكونا قط الخيار الأول.(2/120)
2- الموقف الدولي والإقليمي الذي ربما لا يوفر فرصة ملائمة للهند من أجل القيام بتصعيد عسكري ضد باكستان، فالولايات المتحدة دعت الجانبين إلى ضبط النفس، والحيلولة دون تصعيد الموقف، ومن ناحية أخرى فإن باكستان سعت إلى تعزيز موقفها في الأزمة الحالية من خلال الاستقواء بحليفها التقليدي القوي الصين، التي تتسم علاقاتها مع الهند بالتأزم المزمن، وقد سارع الرئيس الباكستاني إلى زيارة الصين، في وقت تزامن مع ازدياد التوتر مع الهند، مع تأكيد الجانبين على عمق وقوة علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، كما ركزا على محاولة صياغة معادلة إستراتيجية جديدة في وسط آسيا بعد هزيمة طالبان في أفغانستان، جنباً إلى جنب مع دعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وعلى الرغم من أن هذين العاملين ربما يمثلان قيداً على تصعيد عسكري واسع النطاق من جانب الهند؛ فإن ذلك لا ينفي احتمال لجوء الهند إلى المبادرة بشن هجوم عسكري ضد الشطر الباكستاني في كشمير، من أجل خلق أمر واقع جديد، على أمل حدوث تدخل دولي لاحقاً لمنع تصعيد النزاع، والحيلولة دون وصوله إلى مواجهة نووية بين الهند وباكستان، كما أن ذلك لا ينفي احتمال لجوء الهند إلى أشكال أقل حدة من التصعيد العسكري، وهو ما يعني أن جنوب آسيا ربما تشهد قريباً اندلاع أعتاب الحرب الرابعة بين الهند وباكستان.
توازن القوى:
ويرى المراقبون أن أي تفجر للمواجهات في شكل حرب بين البلدين يمكن أن تكون له عواقب وخيمة ليس على المنطقة فحسب وإنما على نطاق عالمي، كما أن حسم الصراع لأي من الطرفين لن يكون سهلاً، فالهند التي يفوق عدد سكانها سكان باكستان ثماني مرات تتمتع بقدرات عسكرية واقتصادية أكبر من باكستان التي تعتمد على الردع النووي في ظل عدم التوازن في الصراع.
وتحظى نيودلهي بتأييد من الولايات المتحدة في موقفها المتشدد من باكستان رغم أن واشنطن لا ترغب في تصعيد المواجهة بين البلدين؛ لأن من شأن ذلك أن يعرقل حملتها في مكافحة ما تسميه الإرهاب، كما أن أي انحياز أمريكي كامل للهند يمكن أن يحرم واشنطن من تعاون باكستان؛ في وقت لم تحقق فيه الحملة العسكرية بأفغانستان أهدافها المتمثلة في القبض على ابن لادن، وتدمير القاعدة وطالبان.
ويقول محللون: إن الهند تحاول حرمان باكستان من جني ثمار تعاونها مع الولايات المتحدة في حربها على ما تسميه الإرهاب، وذلك بعد أن فقدت الهند الكثير بسبب التعاون الأمريكي الباكستاني، لكن الولايات المتحدة عبرت في أكثر من مناسبة عن قوة علاقتها مع نيودلهي.
ويخشى مراقبون من أن ينتقل الصراع بين الهند وباكستان في حال السيطرة عليه في الحدود إلى ساحة أخرى يمكن أن تكون أفغانستان التي تشكلت فيها حكومة تميل أكثر إلى التقارب مع الهند.
وقد أبدت العديد من الدول خشيتها من انزلاق الهند وباكستان في حرب شاملة على اعتبار أن طبيعة المواجهة بينهما هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة التي تبادلا فيها التراشق المدفعي عبر الحدود.
قضية كشمير:
والحل النهائي للنزاع بين الهند وباكستان؛ والذي استمر على مدى نصف قرن أو يزيد لن يتحقق إلا بحل قضية كشمير المسلمة طبقاً لقرار تقسيم شبه القارة الهندية، والقرارات الدولية التي صدرت لصالح الشعب الكشميري المسلم، وحقه المشروع في تقرير المصير.
فولاية كشمير المعروفة بـ"جنة الله في الأرض" لما فيها من حقول يافعة، وأزهار وورود جميلة، وبحيرات عذبة، وتلال خلابة بجداولها الرقراقة، قد فقدت زخرفها ورونقها وتحولت إلى قفار منعزلة، وقبور موحشة مهجورة بسبب ما تقوم به القوات الهندية من جرائم وحشية بربرية لا مثيل لها من تقتيل وتعذيب، وتشريد للسكان، وهتك للأعراض، وإفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، وحرق للمنازل والمتاجر والحقول، وذلك لا لذنب اقترفوه إلا لأن الشعب الكشميري المسلم يطالب بحقه المشروع والذي ضمنته له القرارات الدولية والتي تنص على تقرير المصير.
ولقد تبوأت القضية الكشميرية على مدى السنوات العشر الماضية من القرن المنصرم موقفاً بارزاً في الأحداث العالمية، وأثير خلال السنوات العشر الماضية الكثير من الجدل حول القضية وملابساتها، ومرد ذلك الجدل إلى التطورات والقفزات النوعية التي شهدتها الساحة الكشميرية مثل انطلاقة شرارة المقاومة، وبروز حركة المقاومة الشعبية التي اشتد أوارها في الولاية، وتشكيل أحزاب سياسية إلى جانب أحزاب عسكرية جهادية للحصول على حقه في تقرير مصيره.
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=516
==============(2/121)
(2/122)
العمل الخيري بين التشريع والتطبيع
د. محمد بن عبدالله السلومي
ـ ورد في سُنَن النّسائي وغيره: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (سبق درهم مائةَ ألفِ درهم! ) قالوا يا رسول الله: وكيف؟ ! قال: (رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدّق به، ورجل له مالٌ كثيرٌ، فأخذ من عُرض ماله مائة ألف، فتصدّق بها).
حيث هنا تتأكّد أهميّة المشاركة بالدّرهم وأنّه يسبق أحياناً مائة ألف درهم.
ـ وورد في سنن أبي داود: قوله صلى الله عليه وسلم : (أفضل الصّدقة جُهْدُ المُقِل، وابدأ بمن تَعُول).
ـ وورد في سنن الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ دلّ على خير فله مثل أجر فاعله أو قال عامله).
ـ كما ورد في صحيح الجامع (البيهقي وابن أبي الدّنيا): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أفضل الأعمال أنْ تُدخل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً).
هذه الأحاديث وغيرها كثير تؤكد أنّ أعمال الخير والبرّ في ديننا الإسلاميّ تقوم على التنوّع والتعدّد في الوسائل والغايات، كما تقوم على إشراك وتجييش كلّ الأمّة صغيرها وكبيرها ذَكَرها وأُنْثاها، بل تقوم على مشاركة الفقراء ليس من خلال احتياجهم ولكن من خلال عطائهم الماديّ اليسير ومشاركتهم المعنويّة، كما أنّ الذي لا يجد من الخير الماديّ شيئاً فإنّ عليه أن يُشارك في الدّلالة عليه: (من دلّ على خير فله مثلُ أجر فاعله) وإذا كان هذا هو الحال فإنّ هذا له متطلباته في المجتمع المسلم من ميلاد كل أنواع المؤسّسات والجمعّيات الخيريّة التي تُعنى حتى بإدخال السّرور على كل مسلم ومسلمة.
وهي دعوة إلى إيجاد كل ما يحقّق الخيريّة لأمّة محمد صلى الله عليه وسلم من مراكز التّدريب والتّطوير والإسعافات، بل ومراكز التّرفيه النّظيف والمُؤسّسات المتخصّصة في معالجة كل جوانب الفقر، وليس فقط فقر الغذاء والدواء، بل فقر العلم والمعرفة وفقر الصّناعة والتّقنية الذي هو من القوّة المطلوبة للأمّة الإسلاميّة.
إنّ هذه الأحاديث وغيرها تؤكد على مشاركة المُقِلِّين والمعسرين وهذا يؤكد على أهميّة تواجد وزيادة أعداد صناديق التبرعات في كل مسجد ومدرسة وسوق لاستيعاب كل جهد مُقِل وكل صاحب درهم، وتكون المشاركة حتى باليسير ومتاحاً للصغار والطلاب والفقراء، فقد يكون الطرف المُعْطِي أحوج للخير والمشاركة من الطرف الآخذ، وهذا ما تعمل به جميع الأمم والدول حتى في الفنادق والطائرات والمطارات ودور العبادة بل وعلى الشبكات المعلوماتيّة وفي القنوات الفضائيّة كحق قانوني للمُعطي والآخذ والخطأ المحتمل هناك يُصحّح ويُعالج.
وحينما نأخذ بمبادئ السيرة النبويّة ونعمل بالسّنة النبويّة فإنّ القطاع الخيريّ في الإسلام قد يصل من حيث الموارد الماليّة وتلبية احتياج حقوق الإنسان إلى أن يكون هو القطاع الأول من قطاعات التنمية الرّئيسة الثلاثة للدولة (القطاع الحكوميّ والقطاع التجاريّ الخاص والقطاع الخيريّ) وذلك من حيث الترتيب؛ لأنّ الحضارة الإسلاميّة عبر التاريخ نتاج هذا القطاع حتى كان موقعه الإداريّ والتنمويّ قبل القطاع الحكوميّ والقطاع التجاريّ. وقد تمّ تغييب القطاع الخيريّ الإسلاميّ من موقعه الإداري والاعتباري في دول العالم العربي منذ عام 1224هـ زمن "محمد علي باشا" حينما أمّم العمل الخيري بتأميم الأوقاف والمساجد وأنظمتها وذلك بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين وأصبحت الأعمال الخيرية من مسؤولية الدولة مع أنها حق للأمّة على الأمّة لتتفرّغ الدّولة للأمن الداخلي والخارجي. وبهذا التأميم والتّرسيم أُعطيت الأعمال الخيريّة فضول المواقع الإدارية، والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج بل وأصبح هذا القطاع بغياب مفاهيمه الإدارية والمؤسّسية الصحيحة التي تعطيه الصّفة الاعتباريّة والاستقلاليّة غائب عن الشّراكة في عمليّات التّنمية منذ ذلك الوقت. وحينما بدأت المؤسّسات الخيريّة الإسلاميّة في العالم أجمع لاستعادة شيء من هذه المكانة، وهي لازالت وليدة وفي طور الحضانة ماديّاً وإداريّاً كانت (دعاوى الإرهاب) جاهزة ومُعلّبة للإجهاز عليها.
ويكفي أنْ نعلم أن هذا القطاع في دول الشمال قد تم تطبيعه في كل مجالات الدولة والأمّة من دراسات وأبحاث ومناهج وجامعات وتطوّع وتبرّعات وبكل الوسائل، كما أنّ لهذا القطاع مُسَمّيات في ظلّ الإدارة الحديثة لأيّ دولة من الدول المتقدّمة مادياً، ولكل اسم دِلالات معيّنة وهامّة ومنها:
1- القِطاع المستقل (Independent Secto r ) ويُرمز له (IS)
2- قِطاع المنظّمات غير الحكومية: (Non Gove r nment O r ganization) ويُرمز له: (NGO)
3- قِطاع المنظّمات غير الربحيّة (Non P r ofit O r ganization) ويُرمز له (NPO)
4- القِطاع الخيريّ (Cha r itable Secto r ) ويُسمّى كذلك (Philanth r opy Secto r ) كتخصّص دقيق.(2/123)
إن الإدارة الحديثة للدولة والتي تعمل بها أمريكا ودول أوروبا وكثير من دول آسيا وبشكل عام كما يقال "دُول الشمال" كلها تعمل بمفهوم القطاع الثالث كقطاع شريك للقطاعين الآخريْن في عمليّات التّنمية، فيكون للقطاع الخيريّ جامعاته ومراكز بحوثه ودراساته ومستشفياته وشركاته الاستثمارية ومدارسه ليقوم بمساندة القطاع الحكوميّ وسدّ ثغراته، كما يقوم بالحد من جشع وطمع القطاع الخاص التجاريّ " كعملية توازن " والعمل وفق هذه الحقيقة الإداريّة هو الذي تطبقه الإدارة الحديثة للدولة في معظم دول العالم وهو التطبيع الذي تعمل به تلك الدول، كما أنّه لا يخرج عما رسمته السّيرة النبويّة وشرَّعته السّنة النّبويّة بدون تعسّف في فهم النصوص الواردة في هذا الشّأن، بل وكان العمل به عبر القرون السّابقة كما سبق.
18/5/1425
06/07/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===============(2/124)
(2/125)
ماذا يعني منتدى دافوس الأردن ؟
إبراهيم علوش
كثيرون لا يقدرون بعد خطورة انعقاد منتدى دافوس على ضفاف البحر الميت في 15 أيار/مايو 2004. فبغض النظر عن التوقيت الاستفزازي المدروس الذي اختير لالتئام هذا المنتدى، وهو ذكرى اغتصاب فلسطين، وكان قد عقد منتدى دافوس الأردن الأول عام 2003 في 21 حزيران/يونيو، فإن كل ما يتعلق بالمنتدى من مكان انعقاده إلى جدول أعماله إلى طبيعة المشاركين فيه، مروراً بانعقاده تحت الظرف السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية جراء العدوان الأمريكي-الصهيوني عليها، لا يقل استفزازيةً عن التوقيت بالذات.
فقد اختيرت ذكرى اغتصاب فلسطين للترويج للتكامل الإقليمي، أي لإدخال الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة وفرض هيمنتها عليها، وهو ما لا يحدث عفواً، بل يشكل أحد الأهداف المعلنة للمنتدى كما يدل الشعار الذي انعقد في ظله وهو: «من أجل مواجهة التحديات الحقيقية: المشاركة من أجل التغيير والسلام والتنمية»، حيث المقصود بكلمة المشاركة هنا طبعاً المشاركة مع الطرف الأمريكي-الصهيوني...
وبهذه المناسبة، ذكرت وسائل الإعلام في 13 أيار/مايو 2004، أي قبل انعقاد المنتدى، أن الحكومة وافقت في لقاء مع وفد من مجلس رجال الأعمال البريطاني-«الإسرائيلي» على خريطة طريق اقتصادية يقوم عليها فريق عمل مشترك يتألف من الحكومتين الأردنية و«الإسرائيلية» والقطاع الخاص، حيث مهمة فريق العمل هذا التخطيط لمجموعة من المشاريع الإقليمية، وهو ما يشي بأهمية الى نظرة خاصة الى موقع الأردن الجغرافي السياسي بين العراق وفلسطين.
ويشير التقرير نفسه أن الاردن فضل اتفاقية تجارة حرة بين الأردن و«إسرائيل» من أجل تطوير مناطق التجارة الحرة في العقبة وشمال الأردن، كما قالت نشرة غلوبس Globes الاقتصادية الصهيونية في عددها الصادر يوم 13/5/ 2004. هذا مع العلم أن الوفد «الإسرائيلي» لمنتدى دافوس ضم عدداً كبيراً من المسئولين الحكوميين ورجال الأعمال والأكاديميين، كما أن عدداً من ورشات العمل والحوارات تهدف لوضع استراتيجيات للتطبيع تحت مسمى «السلام»، ومنها ندوات تتناول البنية التحتية في الإقليم مثلاً، يشارك فيها رئيس جامعة بن غوريون في النقب أفيشاي بريفرمان. أما بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة مع الكيان الصهيوني، فقد ذكرت يديعوت أحرونوت يوم 16/5/2004 أن وزير الصناعة والتجارة الصهيوني يهودا أولمرت سيوقع على هامش دافوس الأردن اتفاقاً تجارياً مع نظيره الأردني لدفع التجارة بشكل جوهري بين الطرفين.
وفكرة المشاريع الإقليمية ليست وحدها على جدول أعمال منتدى دافوس الأردن، بل إن موضوع ما يسمى بالإصلاح، الذي ستطرح الولايات المتحدة برنامجاً له في قمة الثمانية الكبار، يتكرر عنوانه مراراً في الندوات التي سيعقدها المنتدى. وتقوم مبادرة الإصلاح الأمريكية هذه على إحداث تغييرات جذرية في البرامج التعليمية والسياسات والنظم في المنطقة العربية، وهو ما يعني إعادة هيكلة المنطقة بما يتلاءم مع المشاريع الأمريكية-الصهيونية. وكما قالها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في جلسة الافتتاح: «في قمة الثمانية الكبار، سنطلق وثيقة تظهر كيف نريد أن تكون شراكتنا معكم. فكل الأمم في المنطقة بحاجة لإصلاح»! ومن الواضح أن باول يقصد بكلمة «أمم» الدول العربية. ولأن مشروع الإصلاح الأمريكي يقوم على تقرير التنمية البشرية العربي الذي أطلقته الأمم المتحدة، فإن ريما خلف الهنيدي المسئولة عن إطلاق هذا التقرير الذي يبرر التدخل الأمريكي في المنطقة سوف تتحدث في أكثر من ندوة في المنتدى.
ومن المتحدثين الآخرين في المنتدى بيتر هانسن مدير الأنروا وكالة غوث (وتوطين!!) اللاجئين الفلسطينيين، ومسئول منظمة العفو الدولية في «الشرق الأوسط»، ومحرر جريدة الحياة اللندنية جهاد الخازن وراغدة درغام من نفس الجريدة، وعماد حجاج رسام الكاريكاتور، ونبيل شعث رسام كاريكاتور السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية الذي سيتحدث في ندوة بعنوان الإرهاب، وصبيح المصري، وديفيد روزن من اللجنة الأمريكية اليهودية، وغيرهم كثر. أما الندوات المتعلقة بالعراق، فيحتكرها أعضاء مجلس الحكم الانتقالي الذي عينه الأمريكان وهوشيار زيباري وزير خارجية العراق المحتل، وهو ما لا يفاجئ أبداً حيث أن أحد أهداف المنتدى هو الترويج للمشاريع الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، الاقتصادية والثقافية منها والسياسية.
منتدى دافوس طبعاً هو بالأساس منتدى اقتصادي لكبار مدراء الشركات متعدية الحدود، فلماذا يعنى هؤلاء لهذه الدرجة بمنطقتنا العربية، ولماذا يلقون بثقلهم خلف مشروع «الشرق الأوسط الكبير»؟ لأن «الشرق الأوسط الكبير» ليس إلا حصيلة تقاطع مشروعين، العولمة من جهة، والصهينة من جهة أخرى، وهو ما يعبر عنه في النهاية دافوس الأردن.
http://alshaab.com المصدر:
===============(2/126)
(2/127)
محاولات صهيونية لاختراق أفكار الشباب
عن طريق يهوديات بجنسيات مختلفة
تحقيق/ محمد غانم
شهدت المنطقة العربية مؤخراً هجرات مكثفة من جنسيات مختلفة، خاصة الروسية عقب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، حيث احترفت بعض الروسيات العمل في الملاهي الليلية وفرق الرقص الشعبية.
وكان لمصر نصيب الأسد من هذه الهجرات التي تمت بصور شرعية أحياناً وفي معظم الأحيان بصورة غير شرعية وبنوايا متباينة. واندفع بعض الشباب لإقامة صداقات وطيدة انتهت إلى علاقات آثمة مع هؤلاء الفتيات دون التفكير في عواقبها، وغالباً ما كان يكتشف الشباب النوايا السيئة لهؤلاء الفتيات الروسيات يهوديات الديانة، المتمثلة في إقناعهم بالهجرة والتطبيع مع "إسرائيل" بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأبنائهم كما يزعمون.
وبالفعل ظهرت محاولات الهروب إلى "إسرائيل" وشهدت الصحراء المصرية المتاخمة للحدود الإسرائيلية عمليات الهروب بمساعدة البدو الذين يحفظون دروبها عن ظهر قلب.
ونجح الأمن المصري في الكشف عن العديد من هذه المحاولات وربما أشهرها تلك التي كادت تتم بتهريب 10 فتيات روسيات عبر صحراء شمال سيناء في مقابل الحصول على شحنة ضخمة من المخدرات. وعلى الرغم من أن جهات تمويل هذه العمليات لم يتم اكتشافها بعد إلا أن رائحة أهدافها بالتأكيد قد لا تخفى على أحد.
وقد التقينا بالعديد من الشباب الذين تعرضوا لمحاولات الإغراء والجذب والدعوة إلى "إسرائيل" ليروا كيف كانت تتم العمليات المنظمة لغزو عقولهم وتشتيت أفكارهم.
الشاب أ. ش سافر إلى ألمانيا للحصول على شهادة تؤهله للعمل في مجال الإرشاد السياحي خاصة للأفواج الألمانية واستضافته عائلة مهاجرة إلى ألمانيا، فالأب أصله أيرلندي يهودي والأم إيطالية، واعتنت به الأسرة كثيراً، فأحبها وتعلق بها، خاصة أنه عشق ابنتهم الجميلة فيشي التي تعمل وتدرس في الوقت نفسه، وبعد أن انتهى من دراسته دعاهم في أول فوج قادم من ألمانيا لزيارة القاهرة وقضت الأسرة الألمانية عدة أيام بين آثار مصر السياحية وابدوا انبهارهم بها.. وفي هذه الأثناء أكد لرب الأٍسرة الألمانية أنه أحب ابنته فيشي ويتمنى الزواج بها، فوافق على الفور فاتجه إلى الفتاة ليخبرها بالأمر فلم تصدق وبكت بشدة وأكدت له أنها كانت تعتقد أنه سيكتفي بصداقتها، وهو ما دفعها إلى إخفاء مشاعرها عنه. وفجأة صارحته أن والدها يهودي لذلك يفكر في الهجرة إلى "إسرائيل". وبالتالي ستكون أسرتها قريبة منها إذا تزوجت وأقامت في مصر. من هنا شعر الشاب المصري بالخطر والقلق، لا سيما عندما فوجئ بإصرارها على اصطحابه لزيارة أسرتها في "إسرائيل" والإقامة بصفة دائمة عند هجرتهم إليها. لذلك قرر الابتعاد عنها على الفور بعد أن ألغى فكرة الارتباط بها.
أما (أ. ن) فقد تعرفت على شاب في عيد ميلاد إحدى صديقاتها وتوطدت علاقتهما، حتى تحولت الصداقة إلى قصة حب، فهي فتاة جميلة وهو شاب وسيم أشقر الملامح وتحدث الشاب مع فتاته عن أسرته وعن أحلامه وطموحاته الكثيرة التي كان أهمها السفر إلى "إسرائيل" للعمل هناك، حيث فرص العمل كثيرة كما علم من أصدقائه خاصة أن ما سيساعده على سرعة التأقلم في المجتمع الإسرائيلي هي والدته التي تقيم هناك منذ سنوات بعيدة منذ انفصالها عن والده، ستساعده على سرعة التأقلم في المجتمع الإسرائيلي فهي روسية ووالده مصري وكان تعارفهما خلال عمل والده في فنادق طابا المصرية حيث كانت قادمة من "إسرائيل" للسياحة بعد قدومها كمهاجرة ولكنها لم تتأقلم على الحياة في مصر بعد الزواج وقررت العودة إلى هناك وهو يحلم باللحاق بوالدته خاصة أنه لا يجد عملاً يناسب مؤهله المتوسط وعلى الرغم من محاولات الفتاة إثناء فتاها عن تفكيره في السفر إلى "إسرائيل" إلا أنه حلمه الذي لا يتنازل عنه مطلقاً تخوض معه التجربة ولكنها فضلت الابتعاد عنه حتى يعود إلى رشده.
سلبيات الإنترنت:
وتعود بداية هذه القصة من البريد الإلكتروني من خلال ما يعرف بالشات فقد دار حديث استمر لساعات طويلة في محاولة لإقناع الشاب المصري بتقبل فكرة تواجد المجتمع الإسرائيلي في المجتمع العربي وكانت الدعوة صريحة لزيارة دولة "إسرائيل" للتعرف عليها والاستمتاع بها والتأقلم مع شعبها الودود الذي يحيط نفسه بسياج أمني وخرساني لحمايته ممن يصفونهم في أدبياتهم بالوحوش الفلسطينية، فمنذ أن أمتلك س. فوزي وهو شاب عربي من أم مصرية وأب سوري جهاز كمبيوتر وهو مولع بالإنترنت وخواصه وميزاته العديدة وأدمن برنامج شاتنج أوكة وهو برنامج إسرائيلي تقوم فكرته على إتاحة الفرصة بين الشباب للحديث وتبادل الأفكار والمعلومات وفي إحدى المرات وبينما كان يعبث بجهازه أرسلت له فتاة رسالة تطلب فيها الحديث معه، إذا كان ليس مشغولاً فوافق على الفور وبدأ حديثهما سوياً وسرعان ما تعارفا وتحدثا في أدق تفاصيلهما وشعر الشاب بالقلق بعدما ألقت الفتاة في وجهه بعض الأسئلة التي لا يعقل أن تسألها فتاة لشاب في بداية علاقة صداقتهما الإلكترونية هل تحب وطنك؟ هل تثق في قيادات جيشك؟ هل تثق في قدرته على مقاومة أعداء وطنك؟(2/128)
وهنا وقف الشاب العربي وأكد في رسائله أنه لن يجيب على هذه الأسئلة لأنه لا يهتم بمثل هذه الأمور فهو لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره ولم تدخل مجال وحيز اهتماماته فإذا بها تخبره أن هذه الأسئلة لمجرد الدردشة ولفتح مجالات جديدة في الحديث والحوار وعندما علمت أنه سوري الجنسية أكدت له أنها تقيم على بعد دقائق منه حيث إنها إسرائيلية من أصل روسي وزعمت أنها غير متعصبة وتتمنى تحقيق السلام حتى يعيش العرب والإسرائيليون في وئام ومحبة واستقرار ورخاء اقتصادي ثم وجهت له الدعوة لزيارة "إسرائيل" للتعرف على أبناء وطنها والاقتراب منهم بذريعة مشاهدة التقدم والرخاء الإسرائيلي فهم كما تزعم قطعة أرض غربية في الشرق الأوسط، أي تجمع القوتين الأوروبية والأميركية وهنا تجادل الفتى السوري والفتاة الإسرائيلية كثيراً واحتدم النقاش بينهما ولم يتقبل فكرة زيارة "إسرائيل" أو كونهم حملاناً والفلسطينيين ذئاباً أو فكرة حتمية بقاء المجتمع الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط ولم تيأس الفتاة وطالبته بلقائها في أقرب فرصة في شرم الشيخ وطالبته بإرسال بياناته للتعرف عليه عند زيارتها إلى مصر، فما كان منه إلا أن قطع الاتصال وقرر أن يكون حذراً وألا يتحدث مرة أخرى مع من يقتحم عليه حياته وتسليته الوحيدة لفرض آرائه ولو بالإكراه.
أما ش. فؤاد 23 عاماً فهو طالب بكلية التجارة ويجيد الإنجليزية والفرنسية والده حاصل على الدكتوراه في الفيزياء من إحدى الجامعات الفرنسية منذ سنوات بعيدة وتعرف الشاب على مجموعة من الأصدقاء داخل الجامعة عرضوا عليه مراسلة فتاة من أي دولة في العالم في مقابل رسم اشتراك قيمته خمسة دولارات وهو ما تقدمه العديد من الشركات العالمية لتبادل الثقافات بين الشعوب فوافق. ووقع اختياره على فتاة روسية عمرها 18 عاماً شعر أنها تتوافق معه، خاصة أن أصدقاءه أكدوا له أن الروس يعشقون مصر ويمكن للفتاة أن تأتي إلى القاهرة إذا دعاها لذلك، وبالفعل أرسلت له الشركة عنوان الفتاة وأخبرته بموافقتها على مراسلته وما عليه سوى البدء في إرسال الخطابات إليها لتعريفها بنفسه وبوطنه وأسرته وأرسل الشاب بخطاب على أن ترسل له آخر لتجيب على تساؤلاته حول أسرتها وبياناتها الشخصية وما نوعية دراستها وهل تعمل أم لا وما هي ديانتها؟.
وبالفعل بادلته الرسائل ولكنه لم يهتم كثيراً إنها تعمل عارضة أزياء وأكدت له أنها بدأت في الحصول على نصيبها في الشهرة وأرسلت له العديد من المجلات التي نشرت صورها ثم انقطعت رسائل الفتاة دون مقدمات، حتى فوجئ الشاب برسالة غامضة قادمة من "إسرائيل" فشعر بالدهشة والخوف، حيث يمكن أن تسبب له العديد من المشكلات فقرأها متوجساً فإذا به خطاب من فتاته الروسية التي انقطعت عنه تخبره أنها في إيلات بإسرائيل لأداء شعائر دينها اليهودي التي خشيت أن تخبره به حتى لا ينقطع عن مراسلتها لأنها تعلم مدى العداء بين العرب و"إسرائيل". وأضافت في خطابها أنها سوف تأتي إلى مصر والاستمتاع بمدنها الساحلية، وطلبت منه إرسال خريطة تفصيلية عن مصر وأن يحدد لها عنوانه حتى يمكنها زيارته عند قدومها. في هذه اللحظة هرع الشاب إلى والده مستنجداً فهو لا يعلم ماذا يفعل، لا سيما أنها أكدت له أنها سوف تصطحبه للتعرف على أصدقائها القادمين معها من "إسرائيل" حتى يروون له ما يزعمون أنها مأساة يتعرضون لها هناك فحذره والده من الاستمرار في مراسلة هذه الفتاة التي قد توفر له كل السبل لجذبه للسفر إلى "إسرائيل" بحجة التعرف على المجتمع الحقيقي لإسرائيل وليس ما تبثه وسائل الإعلام وبالفعل أيقن سوء نية هذه الفتاة فأحرق جميع خطاباتها وامتنع عن مراسلتها.
إتقان لغة الأعداء:
أما أ. هـ 29 عاماً فقد كان طالباً بكلية الآداب قسم لغات شرقية وأتقن اللغة العبرية التي تخصص في دراستها، إيماناً أن من يعرف لغة أعدائه يأمن شرهم فمن هنا كان إصراره على تعلمها وبحث الشاب كثيراً عن وظيفة فلم يجد سوى العمل بإحدى البواخر النيلية التي تقدم سهراتها حتى الصباح وتشمل عروضاً لفرق أجنبية وعلى رأسها الفرق الروسية التي تأتي بحثاً عن العمل في مصر، نظراً للكساد التي تعانيه بلادها حالياً وتورط الشاب في علاقة آثمة مع إحدى الروسيات التي تعمل راقصة. وبعد أن بدأت علاقاتهما كصداقة بريئة عرضت عليه الزواج، إلا أنه رفض حيث لا يملك القدرة المادية الكافية لإتمام هذه الخطوة الآن، ومع ذلك أكدت أنها لن تحمله فوق طاقته لأنها سوف تحصل على الإقامة الدائمة بدلاً من المؤقتة التي تحملها طوال إقامتها بلا صفة في مصر.(2/129)
وبعد فترة وجيزة تم الزواج بالفعل وأثمر عن طفلة أطلقت عليها الأم الروسية لولا ولم يعترض الأب ومرت الأيام ولم يستطع الشاب مواجهة أسرته بأمر زواجه على الرغم من عشقه لابنته الجميلة حتى كانت المواجهة الحاسمة بينه وبين زوجته عندما طالبته بإعلان الزواج وتوفير الحياة الكريمة لها ولابنتها وعندما عجز عن توفير النفقات هددته بالسفر إلى "إسرائيل"، اعتماداً على إتقانه العبرية للإقامة والعمل حيث ارتفاع الدخل للفرد هناك مقارنة بدول كثيرة، فصعق الشاب ولم يصدق ما تقوله وعندما ناقشها أكدت أنه يستطيع اللحاق بها وابنته حتى ولو بالهروب عن طريق الكثير ممن تعرفهم من بدو الصحراء، والذين يمكنهم مساعدته في الوصول إلى "إسرائيل" عند طريق جنوب سيناء وهنا شعر بالخوف بعد أن افتضح أمرها وحاول مجاراتها حتى يمكنه انتزاع ابنته منها إلا أنها كانت أسرع منه واختفت فجأة ولم يعثر لها على عنوان وفشل أصدقاؤها الروس في العثور عليها وعلم الشاب أنها اتجهت هاربة إلى "إسرائيل" بعدما اتفقت مع بدو سيناء على تهريبها مع ابنتها وتركته لا يعرف مصير ابنته التي أصبحت في وطن لا تنتمي إليه أي بلا وطن ولا هوية وربما لن تعرف أباها بعد أن تتحول إلى شابة جميلة حيث ستصبح إسرائيلية حتى النخاع وما زال الأب حائراً لا يعرف ماذا يفعل.
وتبدو حالة (ف. س) قريبة الشبه بالنماذج السابقة، لكنها تختلف في بعض التفاصيل الدقيقة، فقد تزوج من فتاة روسية عندما إلتقاها بالمصادفة خلال عمله كمرشد سياحي فربطت بينهما صداقة (الملاحظ أن أغلب العلاقات تبدأ محرمة) فتم الزواج في مصر بحضور أسرتها وسرعان ما أعلنت إسلامها ولكن الخلاف سرعان ما دب بينهما وقررا الانفصال بعد أن أثمر زواجهما عن طفلين. وكما أعلنت إسلامها سريعاً ارتدت أيضاً كذلك وعملت في مصر كراقصة شرقية محترفة بمساعدة بعض صديقاتها الروسيات في مصر، بعد أن قررت عدم العودة إلى وطنها وعندما حاول التقرب إليها لرؤية طفليه اعتقدت أنه يريد خطفهما واتفقت سراً على الرحيل عن مصر بل الهروب حتى لا يعرف طريقها ونجحت في تنفيذ مخططها ولم يتمكن من العثور عليها حتى فوجئ بخطاب قادم من "إسرائيل" من زوجته التي أخذت تروي له عن المأساة التي تعيشها هناك، خاصة أن لا أحد ينفق عليها وأكدت له أنها ما زالت تحبه بل تعشقه وأطفالهما في حاجة إليهما ولكنها لا يمكنها العودة إلى مصر لذلك تتمنى أن يجيء هو إليها لكي يعيشا سوياً وعلى الرغم من عشقه لأبنائه إلا أنه رفض التفكير في عرضها الصهيوني وأكد لها في اتصال تليفوني أنه لن يترك بلده وعليها أن تأتي إلى مصر حفاظاً على أبنائها مؤكداً أنه سوف يتزوجها مرة أخرى بمجرد قدومها إلا أنها لم ترد وانقطعت عنه أخبارها تماماً.
أهداف بعيدة:
الواقع أن هذا المخطط الصهيوني له أهداف بعيدة ستتحقق إذا لم نتنبه لها ونقف في طريق تحقيقها فهم يستخدمون الروسيات لأنهن بلا وطن وبلا مجتمع وبلا انتماء أو هوية. وبالتالي يصبحن سلعة يتحكمون فيها. ولذلك يجب أن نفرض قيوداً على الأجنبيات المجهولات الهوية ونحذر من دخولهن إلى وطننا العربي ويجب على الشباب المنتمي لوطنه أن يبلغ السلطات المختصة فور وقوع أية محاولة من جانبهن لاستمالته وغرس الأفكار الصهيونية في عقليته استغلالاً لضعف إمكانياته المادية وضيق فرص العمل بالنسبة له.
أما الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر فيقول: إن هذه القضية تمثل سياسة التحايل من قبل العدو لاختراق المجتمع العربي والمصري تحديداً. وهي سياسة قديمة، حيث حاولوا تجنيد ضعاف النفوس الذين يعملون بالخارج وكانوا يتبنونهم ويسهلون لهم سبل الإقامة ثم يستخدمونهم بعد ذلك في شتى الأغراض التي تضر بأمن مصر لصالح "إسرائيل" وكانوا يعرفونهم ويستقطبونهم عن طريق صفحة الوفيات بالجرائد حيث يعرفون المصريين النابغين في الخارج ويعملون على الإيقاع بهم وهناك منفذ آخر وهو هواة المراسلة من الشباب، إذ يراسلونهم ويعرضون أفكارهم المسمومة بالبريد الإلكتروني عن طريق إيقاع الشباب المصري في شباك الإسرائيليات.
ولذلك وجدنا بعض الشباب المصري ضعيف الانتماء تزوج منهن وأنجب أطفالاً سوف يتحولون مع مرور الوقت إلى قنابل في المجتمع، قابلة للانفجار في أي لحظة لكن نتيجة لتحذير الإعلام المستمر للشباب من الزواج من الإسرائيليات. ومع تفهم الشباب لهذه الكارثة أخذوا يحاولون اختراق صفوفه بطرقهم الملتوية المعتادة بأن يثيروا غرائزهم بروسيات حضرن إلى مصر للعمل، وهن في الحقيقة جئن لإضعاف نفوس الشباب وإثارته وتوريطه فيما يضر مجتمعه، بدليل أن كثيرات منهن يهوديات وهو ما يكتشفه الشاب بعد أن يتورط في علاقة غير بريئة (محرَّمة). فالجنسية التي يحملنها هي غطاء لهن حتى لا يبتعد عنهن الشباب إذا عرفوا أنهن يهوديات أو على الأقل يحلمن بالإقامة في "إسرائيل".(2/130)
وأضاف قائلاً: هناك نقطة أخرى يجب أن ننوه عنها لخطورتها الشديدة، فمن الممكن أن تكون الفتيات جئن إلى مصر لنشر الأمراض القاتلة بين الشباب. وهو أيضاً أحد الأهداف الصهيونية وهذا ما اكتشفه الأمن المصري منذ عشر سنوات، عندما فوجئ بمائة فتاة إسرائيلية جئن ضمن الوفود السياحية مريضات بالإيدز لنشره بين شبابنا. وعلى هذا الأساس يجب أن نطرح هذه المشكلة في شتى وسائل الإعلام ونحذر من خطورتها، وأثق أن شبابنا العربي شديد الوطنية ولن يكون فريسة سهلة لهذا الاختراق الملعون.
الاثنين:11/08/2003
http://www.islamweb.net المصدر:
==============(2/131)
(2/132)
يعتبرون رضاها من رضا الرب :' المسيحيون الصهاينة '.. في خدمة إسرائيل
عبد الله صالح
شهدت الأيام القليلة الماضية تجدد المظاهرات أمام مبنى الكونجرس الأمريكي للمرة الثانية خلال هذا الشهر من جانب مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم "المسيحيون الصهاينة"، طالبت المظاهرات بتراجع بوش عن وعوده بإحياء خارطة الطريق، رافعين شعار.. "إسرائيل أولاً".. وتأتي هذه المظاهرات بعد نحو أسبوعين من اندلاع مظاهرات مماثلة لجماعات منتمية للمسيحية الصهيونية، في أعقاب لقاء الرئيس الأمريكي بوش بالعاهل الأردني الملك عبد الله، والذي أكد خلاله أهمية التفاوض المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين لحل القضايا موضع الخلاف، وهو ما اعتبره المتظاهرون تراجعاً أمريكياً عن الضمانات والوعود الأمريكية لشارون بأن تضم إسرائيل أجزاء من تلك الأراضي التي احتلتها عام 1967 إلى أراضيها بما يتوافق مع موازين القوى ومع متطلبات الأمن الإسرائيلي.
ورغم الفجوة الهائلة بين رسالة الضمانات التي قدمها الرئيس الأمريكي لرئيس الوزراء الإسرائيلي التي اعتبرت بمثابة وعد بلفور جديد، وبين التطمينات التي قدمها للعاهل الأردني، فقد شكلت الأخيرة "صدمة" قوية للمسيحيين الصهاينة، واعتبروا ما فعله الرئيس الأمريكي بمثابة ردة عن النهج الأمريكي الجديد في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، الذي قام على تأكيد سياسة الأمر الواقع كبديل عن الشرعية الدولية. وقال المتظاهرون في بيان لهم "نحن المسيحيون الصهاينة.. مهمتنا توفير الدعم لدولة إسرائيل والشعب اليهودي وتحقيق مشيئة الرب.. إننا نريد أن يتفهم الآخرون أن رضا الرب من رضا إسرائيل".
والصهيونية المسيحية هي حركة سياسية ترجع إلى ما قبل إنشاء دولة إسرائيل، سعت دائماً لممارسة الضغوط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أجل الدفع في اتجاه إقامة وطن لليهود في فلسطين، واستخدموا لتحقيق ذلك كافة وسائل العمل السياسي والإعلامي والمنابر اللاهوتية. وقد شكل تيار المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة أداة هامة للصهيونية في تحقيق مشروعها، وفي اجتذاب قطاع كبير من الأوساط البروتستانتية الأصولية في الولايات المتحدة. وزاد من تهود المسيحية الأمريكية التحولات العميقة في الثقافة الدينية الأمريكية منذ السبعينيات حتى اليوم، فقد خرجت الكنائس من الزوايا وهوامش المجتمع، إلى صدارة الحدث السياسي والاجتماعي، بفضل ثورة الإعلام والاتصال، وخصوصا عبر ما يدعى (الكنائس التلفزيونية)، وتوسعت الطوائف الأصولية على حساب المسيحية التقليدية. وأصبح تيار "المسيحيين المولودين من جديد" Bo r n Again Ch r istians في اتساع مطرد، وهو أكثر التيارات المسيحية تماهيا مع اليهودية، وبالتالي مع عصمة الدولة اليهودية وقدسيتها.
ولأول مرة في الولايات المتحدة وصل إلى البيت الأبيض عام 1974 رئيس يعتز بانتمائه إلى هذا التيار، وهو الرئيس جيمي كارتر، الذي عبر عن حقيقة الرباط العقدي بين اليهود والمسيحية الأمريكية في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1979 قال فيه: "إن علاقة أميركا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة.. لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويضها، لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي".
وقد برز التأثير الكبير للمسيحية الصهيونية على الإدارات الأمريكية منذ وصول اليمين المحافظ أو "المحافظين الجدد" إلى الحكم في عهد الرئيس رونالد ريجان عام 1980، ولعبت القوى المسيحية الصهيونية دوراً كبيراً في صياغة أفكار اليمين المحافظ، كما أمدته بكوادر وكفاءات بشرية نادرة، مما جعل مفكري هذا اليمين المحافظ يعبرون عن جوهر فكر المسيحية الصهيونية، ويوظفونه عملياً في السياسة الخارجية الأمريكية، وتشكل تحالف وثيق بين المحافظين الجدد والمسيحية الصهيونية، عبر عن نفسه بصورة واضحة في سياسات إدارة بوش الحالية.
ووفقاً للخطاب المسيحي الصهيوني، فإن العودة الثانية للمسيح مرتبطة بوجود إسرائيل في فلسطين، وتمكينها على من سواها، ووفقاً لهذا التصور، فإن إسرائيل تعد بمثابة قضاء إلهياً، ومن ثم فإن معارضة سياستها تعد خطيئة دينية، ويصبح دعمها وتأييدها في سبيل مرضاة الله، وتكون تقويتها عسكرياً واقتصادياً ومساعدتها مادياً وتسويق منتجاتها وسنداتها وإنشاء صناديق الاستثمار الدولية لمصلحتها، وبناء المستوطنات فوق الأراضي المغتصبة وتوفير وسائل المعلومات والتقنية لها، واجباً مقدساً.(2/133)
ويعد كتاب "النبوءة والسياسة" للكاتبة الأمريكية جريس هالسل من أبرز ما كتب عن المسيحية الصهيونية، حيث يشير الكتاب إلى أنه بسبب تيار الصهيونية المسيحية أصبحت الصهيونية صهيونيتين، الأولى والأساسية صهيونية مسيحية، والثانية يهودية، كما أصبحت اللاسامية أيضا لاساميتين، الأولى تكره اليهود وتريد التخلص منهم وإبعادهم بكل الوسائل الممكنة، والثانية تكره اليهود أيضاً ولكنها تريد تجميعهم في مكان واحد هو فلسطين، ليكون هذا المكان هو مهبط المسيح في مجيئه الثاني المنتظر. وفكر اللاسامية هو امتداد للفكر الذي أرسته بعض الحركات الدينية المسيحية، وخاصة الحركات الألفية التي تؤمن بأن السيد المسيح سيعود ليحكم العالم مدة ألف سنة، وربطت بين هذه العودة ووقوع بعض الأحداث الرمزية من أهمها عودة اليهود إلى فلسطين، وقيام دولة إسرائيل، وإعادة بناء الهيكل، وقد التقط تيار الصهيونية المسيحية هذه المعتقدات بالربط بين الانتصار الساحق لإسرائيل ونشأة تيار مسيحي يزداد قوة، ويربط بين الولاء والدعم لإسرائيل وتعجل عودة السيد المسيح.
ويوجد الآن في الولايات المتحدة أكثر من ثلاثمائة منظمة مسيحية صهيونية، تشكل تياراً سياسياً رئيسياً، وتلعب دوراً بارزاً في توفير التأييد الشعبي، والدعم المالي والمعنوي والسياسي والعسكري لدولة إسرائيل. كما أنشأت المسيحية الصهيونية العديد من جماعات الضغط للتأثير في صانع القرار في الإدارة الأمريكية، من أجل تحقيق أغراضها وتوجهاتها، وعقدت تحالفات متينة لهذا الغرض مع جماعات اليمين المحافظ السياسية، وهو اليمين الذي يؤمن بالمبادئ التوراتية نفسها. ومن بين هذه المنظمات "منظمة المائدة المستديرة الدينية" التي تأسست عام 1979 ويرأسها القس ادوارد مالك أتير، والتي عقدت العشرات من الندوات، شارك فيها سياسيون وقيادات أصولية مسيحية، كما أقامت حفلات إفطار سنوية للصلاة من أجل إسرائيل ودعم سياساتها، واعتادت على إصدار بيان عقب كل صلاة إفطار تبارك فيه إسرائيل باسم ما يزيد على 50 مليون مسيحي يؤمنون بالتوراة في أمريكا.
ومن أهم هذه المنظمات أيضاً منظمة "جبل المعبد" ولها امتدادات داخل إسرائيل، وتسعى إلى إنشاء الهيكل في القدس، وتمتلك شبكة هائلة من المتعاونين معها من رجال الأعمال والقساوسة، ولها فروعها في عدد من المدن الأمريكية. وتقوم هذه المنظمة بتوفير الدعم المالي للمتطرفين اليهود ممن يسعون إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، كما تقوم بجمع الأموال المعفاة من الضرائب وتبعث بها إلى إسرائيل، كما تقوم بشراء أراضي في الضفة الغربية المحتلة لمصلحة الإسرائيليين، فضلاً عن قيامها بعمليات تدريب للكهنة اليهود وإعدادهم، وتجنيد خبراء الآثار والتصوير وإيفادهم لإسرائيل للتنقيب تحت المسجد الأقصى.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من المنظمات المسيحية الصهيونية التي تقوم بدور نشيط، ومنها منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" التي تأسست عام 1975، و"الصندوق المسيحي الأمريكي لأجل إسرائيل" المتخصص في شراء الأراضي العربية وحيازتها لأغراض بناء المستوطنات. ومن المنظمات المسيحية الصهيونية النشيطة داخل إسرائيل نفسها المنظمة المسماة "السفارة المسيحية الدولية"، التي تأسست تعبيراً عن أهمية القدس لدى أتباع هذه العقيدة المسيحية الصهيونية، وتأكيداً لأهمية العمل المسيحي نيابة عن إسرائيل، وتقوم هذه المنظمة بنشر كتب ومجلات ورحلات سياحية، إلى جانب تنظيم مسيرات ومظاهرات مؤيدة لإسرائيل.
ومن أبرز القيادات المسيحية الصهيونية القس بات روبرتسون، الذي ترجع أصوله إلى أسرة هاريسون الذي وقع إعلان استقلال أمريكا، وكان والده عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي لمدة تزيد على ثلاثين عاماً، وتعتبر شبكته الإعلامية المسماة بشبكة الإذاعة المسيحية من بين المحطات الأكثر نشاطاً في الولايات المتحدة، كما تمتلك مؤسسة روبرتسون جامعة معتمدة منذ السبعينات، وتصدر نشرة إخبارية، تحرص من خلالها على التأكيد أن إسرائيل هي أمة الله المفضلة وأنها تؤيد احتلالها للأراضي العربية وتعتبر العرب أعداء الله.(2/134)
ومن أبرز هذه القيادات أيضاً القس جيرى فولويل الذي اقتحم الساحة الإعلامية بقوة ويقدم برنامج "ساعة من انجيل زمان" يظهر فيه أكثر تشدداً في دعم إسرائيل، وهو يمتلك العديد من المؤسسات، منها "منظمة الأغلبية الأخلاقية" التي تسعى لممارسة الضغط على الكونجرس والإدارة الأمريكية من أجل دعم مصالح إسرائيل، ولا يتوقف الأمر عند هذا، وإنما يتخذ فولويل مواقف مناهضة للعرب ولحقوقهم، ويعارض بيع أسلحة أمريكية للدول العربية، وقد عبرت إسرائيل عن تقديرها للقس جيرى فولويل فمنحته ميدالية الزعيم الصهيونى الإرهابي جابوتنسكي. وهناك أيضاً القس مايك إيفانز، والذي يقدم العديد من البرامج التليفزيونية، أشهرها برنامج يسمى "إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء"، وقد اعتاد أن يستضيف في برامجه قادة من إسرائيل، وتغطي برامجه أكثر من 30 ولاية أمريكية، وينشر إعلانات باهظة الثمن دعماً لإسرائيل وسياساتها، كما أنتج فيلماً شهيراً أسماه "القدس عاصمة داوود".
وقد أدركت إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية مدى أهمية المنظمات المسيحية الصهيونية لدعم المشروع الصهيوني، خاصة مع تزايد قوة ونفوذ هذه المنظمات في المجتمع الأمريكي، مما دفعها إلى التحالف والتنسيق معها، وقد وجدت أن مسألة تنصير اليهود في المستقبل، أي عند عودة المسيح الثانية، هي مسألة لاهوتية مؤجلة لا يستدعى الخوض فيها الآن، حتى لا يؤثر ذلك في علاقات وتحالفات إسرائيل بالمسيحية الأصولية، فكلا الطرفين يمتلك عقلية براجماتية، حيث دأبت المنظمات المسيحية الصهيونية في مراحلها الأولى على اعتبار أن الولايات المتحدة أمة مسيحية، ولكنها تراجعت عن شعارها الآن وتبنت شعاراً جديداً يعتبر أن أمريكا جمهورية مسيحية يهودية. ومن جانب آخر فإن إسرائيل لا يمكنها التدقيق في نوعية أصدقائها أو التردد في قبول الدعم والمساندة من أي مصدر، فهي لا ترد اليد التي تُمد لمساعدتها.
والحقيقة أن الفكر المسيحي الصهيوني يتوافق مع الحركة الصهيونية العالمية في كثير من التوجهات والأهداف، فكلاهما يعتمد مبدأ القوة باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق الغايات السياسية واللاهوتية أيضاً، وكلاهما يتبنى أفكار متشابهة عن الإبادة والغزو والحرب النووية وتبرير الاستيطان عقائدياً واستخدام التطهير العرقي لسكان الأرض الأصليين، وكلاهما أيضاً يسعى لامتلاك شرعية مستمدة ومبررة من فهم حرفي للتوراة، وكلاهما يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل.
22/05/2004
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws المصدر:
=============(2/135)
(2/136)
رسالة التخريب الأخلاقي
د. عبد الصبور شاهين
نشرت بعض المصادر الإعلامية الغربية أخيرا: أن المخابرات الأميركية قد أعدت جيشا من المبشرين، قوامه ستة آلاف من الشباب، يتلقون الآن دراسات تبشيرية مضمونها إلصاق كميات من الأكاذيب بالإسلام، وهدفها- كما يزعمون- مساعدة الذين ارتبطوا بالإسلام علي (الخلاص) منه، وهي فرقة من المخربين سوف تنطلق إلي الأرض المحتلة بالعراق، لتكمل المهمة التي بدأتها القوات الأميركية التي زادت علي مائتين وخمسين ألف جندي.
ولا شك أن دعوة الشعب العراقي المحتل للتخلي عن الإسلام- سوف تكون مهمة صعبة، تحتاج إلي التمكن من اللغة العربية التي هي وسيلة الخطاب، ومن المعطيات العقدية والتاريخية التي يمكن تشويهها لتشكيك المسلمين البسطاء في دينهم، ليستبدلوا به النصرانية الأمريكية، بما تمثل من شذوذ!!
والهدف الأهم من هذه الحملة التبشيرية هو التمكين للاحتلال الأميركي من الاستيلاء علي الثروة البترولية العراقية، وهو ما يشير إلي نية العدوان الأميركي في الإقامة الدائمة علي أرض العراق، وكل ما يقال خلاف ذلك إنما هو وعود كواذب تتفق مع أخلاقيات العدوان.
ولعل هذا يذكرنا بطرف من تاريخ التبشير المسيحي الذي أغار علي إفريقية، فنشر فيها الخراب العقائدي، واستولي علي كنوزها من الذهب والماس والأحجار الكريمة، بل واستولي علي الإنسان الإفريقي، وشحنه بضاعة إلي الشاطئ الأمريكي، واستعبده وسخره لبناء الحياة الجديدة من أجل الجنس الأبيض.
كان عهد إفريقية بالإسلام عهدا جميلا، تعلمت منه الحضارة، وذاقت معني الإنسانية التي لا تعرف التمييز العنصري، فجاء هؤلاء المبشرون وخربوا كل شيء، حتى ليمكن أن نقرر هنا أن كل ما تعاني منه الشعوب الإفريقية من جهل وفقر وتخلف- إنما هو من آثار تلك الحملة الهمجية التبشيرية التي كان تكفير الإنسان الإفريقي واستعباده هدفا لها، وتمكن أولئك المبشرون من طمس القيم الإسلامية المتجلية في الرحمة، والمساواة، والحرية، والعدل المطلق.. ليفرضوا مكانها القسوة الاستعمارية، والتمييز العنصري، والعبودية، والظلم الاستعماري.
فهل يا ترى يمكن أن تنجح المرحلة الجديدة من الحملة الأميركية علي العراق- في تحقيق ما ينتظر لها من نتائج، لتخريب حياة الشعب العراقي، وتدمير معتقداته، وتشويه هويته، وأخيرا.. الاستيلاء بصورة مطلقة علي ثرواته البترولية، ومن ثم جيرانه من أبناء الخليج؟!!
إن ستة آلاف من المبشرين ليست بالشيء الهين، ولا شك أن مثل هذه الحملة التبشيرية سوف تزود بالكثير الكثير من وسائل الإفساد الأخلاقي، والشذوذ الجنسي، والدعارة السياسية، والخداع، وألوان الإغراء، وسوف تصاحبها حملات أخري من الوسائل الصهيونية، التي تستهدف الاستيلاء علي الأرض وتوطين المشردين من الصهاينة، إضافة إلي نثر الملايين، وربما آلاف الملايين من الدولارات، لتسهيل التنازل عن الأرض والعرض والدين، وخلق حالة من الفوضي أشد مما حدث ويحدث في فلسطين، وهي فرصة ذهبية بترولية لتحقق إسرائيل امتدادها في اتجاه الفرات، ولن تتخلي أمريكا عن هذه الفرصة التي- ربما- لن تتكرر لو أفلتت من يدها هذه المرة.
إن هذا الموقف يفرض تكليفين:
التكليف الأول: إلزام لكل أبناء العراق من العرقيات والمذهبيات المختلفة والمتنافسة بشأن الحكومة المؤقتة، والمجلس الحاكم يجب أن تعلموا أن تشكيل مثل هذه المجالس إنما هو لعبة يضحك بها الحاكم الأميركي على ذقونكم، يريد أن يلهيكم عن جوهر قضيتكم، وهو في نفس الوقت جاد في تنفيذ المخطط المرسوم، الذي سوف يتم مرحلة بعد مرحلة، وأنتم غارقون في اختلافاتكم على من يكون بيده الزمام بعد زوال صدام؟! الشيعة؟ السنة؟ العلمانية؟ البعث؟ والعدو متقدم إلي أهدافه بكل اطمئنان!!!
انسوا أيها السادة انتماءاتكم وهوياتكم، وركزوا علي حقيقتين اثنتين لا ثالث لهما: الإسلام، والوطن، والوطن أنتم ترون أن العدو قد تمكن من رقبته، والإسلام وهو المرحلة التي تعد لها الحملات التبشيرية القادمة، وحينئذ لن يبقى على الأرض سني ولا شيعي ولا مسلم أصلا!!!
صحيح أننا نؤمن بحتمية انتصار الإسلام على هؤلاء (الأوباش)، أو الأوشاب، ولكن للمعارك غذاؤها من الوقود، والشهداء، وأنتم وقودها وشهداؤها، وأنتم المنتصرون- إن شاء الله، بما وعد الله عباده المؤمنين: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
ولا يستطيع أحد أن يرتاب في أن العدو يراهن علي الحل الطائفي، فإما غلبة لطائفة على أخرى، وإما عراق ممزق بين شمال وجنوب ووسط، تتطاحن أجزاؤه، وتتلاشى وحدته!!
ولن يهزم هذا العدو إلا وحدتكم في ظل الإسلام، ولن يقاوم البغي إلا شعب يطلب الشهادة دفاعا عن أرضه وعرضه ودينه، (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم).
(ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون).
والتكليف الثاني: وهو إلزام لزعماء العالم العربي الذين- ولا شك- يدركون أبعاد المخطط الأمريكي المرسوم للعراق- بخاصة، وللمنطقة بعامة.(2/137)
إن هؤلاء الزعماء ينبغي أن يجتمعوا- رغم كل شيء- ليقولوا شيئا في قضية المصير، ولما كانت المعركة سوف تمتد- ربما إلي أكثر من عقد من الزمان- فإن عليهم أن يدعموا المقاومة من الداخل والخارج، وأن يغذوها بالسلاح، باعتبارها فصلا جديدا في ملحمة الأرض المقدسة، ولا ينبغي أن يقفوا متفرجين على العدو وهو يلتهم الأرض، وينهب الثروة، ويغتال الشعب العراقي باعتباره مقدمة لاغتيال الشعب العربي.
ويجب أن يصدر بيان عربي يرفض وجود هذه الحملات التبشيرية على أرض العراق، كما يجب أن تنشط حملات الدعوة الإسلامية التي يحاربها المحتلون.
ولعل من المبشرات أن ترد أخبار بدخول بعض أفراد القوات الأميركية في الإسلام، واقترانهم بزوجات عراقيات.
ترى هل تتكرر المعجزة التي شهدها التاريخ، حين جاء التتار غازين محاربين للإسلام، فتحولوا إلى مسلمين؟!!
ألا.. ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، بكل أسف..
ولن تجد لسنة الله تبديلا..
http: //www.islammessage.com المصدر:
-==============(2/138)
(2/139)
العلاقات الهندية الإسرائيلية إلى أين؟
عبد الله صالح
26/08/2004
أثارت الزيارة التي قام بها وفد إسرائيلي رفيع المستوى للهند خلال اليومين الأخيرين العديد من التساؤلات حول واقع ومستقبل العلاقات الهندية الإسرائيلية التي بدأت تتوطد في السنوات الأخيرة، وتمتد إلى مجالات استراتيجية ودفاعية، فيما يمكن أن يقترب من التحالف الاستراتيجي، خاصة وأن هذه الزيارة تمخض عنها توقيع عدد من الاتفاقيات الهامة لتعزيز التعاون المشترك في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة "الإرهاب"، وهو التعاون الذي يحظى - في جانب كبير منه - بدعم أمريكي واضح، وقد تمكنت إسرائيل من تطوير خبرات واسعة في هذين المجالين نتيجة مشاركتها لواشنطن في العديد من المشروعات ذات الصلة، وأهمها مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي عرفت بـ "حرب النجوم" والتي استطاعت إسرائيل من خلالها أن تمتلك تكنولوجيات كثيرة متقدمة، أبرزها تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ، وأقمار التجسس والاتصالات، ووسائل الإنذار المبكر، والقيادة والسيطرة، وتكنولوجيا الرؤوس النووية الصغيرة.
وبينما يواصل الوفد الإسرائيلي مهمته شبه السرية في نيودلهي، إذا بصحيفة "وول ستريت جورنال" تنشر تعليقاً على هذه الزيارة تشير فيه إلى أن الهند وإسرائيل رغم اختلافهما في أمور كثيرة مثل الموقع، والمساحة، وعدد السكان، فإن الكثير من الروابط تجمعهما، فكلا الدولتين على حد زعم الصحيفة تعبران عن نظام ديمقراطي عريق، ويواجهان تهديدات "إرهابية" متماثلة، وهو ما يجعل الدولتين - وفقاً لما تراه الصحيفة - بمثابة ركيزتين أساسيتين في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة ما يسمى "بالإرهاب".
وادعت الصحيفة نجاح كل من تل أبيب ونيودلهي في إقناع واشنطن بعدم جدوى الاعتماد على الدول العربية والإسلامية "غير الديمقراطية" في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب.
والحقيقة أن ما يجمع بين إسرائيل والهند هو المصلحة المشتركة، فالعلاقات السياسية والعسكرية بل وحتى التحالفات لا تنشأ بالضرورة بين دول متماثلة وإنما تصنعها المصالح، وتفرضها الضرورات، والعلاقات الهندية الإسرائيلية لا تستند إلى الهوية، كما أن هناك فروق هامة بين الدولتين، فالهند دولة ذات حضارة وميراث ثقافي وتاريخي طويل في آسيا، في حين أن إسرائيل هي كيان غير شرعي، أقيم بالقوة على أراضي الغير، كما أنه لا يمكن المقارنة بين الديمقراطية العريقة في الهند التي استطاعت أن تستوعب كافة العرقيات والديانات إلى حد ما، بالديمقراطية الشوهاء في إسرائيل التي تغتصب وتنتهك حقوق العرب والمسلمين، وتمارس ضدهم أفظع الانتهاكات.
وقد جاءت زيارة الوفد الإسرائيلي الأخيرة لنيودلهي، والتي ضمت عدداً من خبراء الدفاع والموساد الإسرائيلي بعد ستة أشهر من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "سيلفان شالوم" والتي شكلت دفعة جديدة لدعم التحالف الهندي الإسرائيلي، وتعزيز التعاون القائم بين البلدين، حيث وقع الجانبان اتفاقاً عسكرياً هو الأخطر من نوعه منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل 12 عاماً، كما بحثا سبل توطيد التعاون في المجالات العسكرية والمخابراتية.
وتسعى كل من الهند وإسرائيل من خلال تعاونهما العسكري والمخابراتي إلى لعب دور إقليمي أكبر في جنوب آسيا بالنسبة للهند، وفي الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل، أما فيما يتعلق بالتعاون في مجال مكافحة ما يسمى بالإرهاب فهو يجري بتنسيق وتعاون تام مع الولايات المتحدة كطرف ثالث إلى جانب الهند وإسرائيل، وهو ما ظهر من خلال المناورات الهندية الأمريكية التي جرت في المرتفعات الشرقية قرب جامو وكشمير خلال العام الماضي، وتواكبت مع زيارة شارون للهند.
وتحرص إسرائيل في علاقتها بالهند على وجه الخصوص إلى إضفاء مسحة من السرية عليها، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري والمخابراتي، ربما خوفاً من تعرضها لعمليات من جانب بعض الجماعات الجهادية، أو حرصاً على عدم استثارة الولايات المتحدة التي تتحفظ على بعض جوانب التعاون الهندي الإسرائيلي، وخاصة فيما يتصل بالتعاون في مجال أنظمة الأسلحة المتقدمة ذات المنشأ الأمريكي.
والهند من أكبر وأهم الدول في جنوب آسيا، ليس فقط بالنظر لقوتها البشرية التي تعدت المليار نسمة، ولا بموقعها الجيوبولوتيكي الهام، وسيطرتها على خطوط الملاحة من بحر العرب والخليج إلى شرق آسيا عبر المحيط الهندي، ولكن أيضاً بالنظر لقوتها الصناعية والتكنولوجية التي جعلتها في مصاف الدول الكبرى بعد أن نجحت في اقتحام النادي النووي الدولي في عام 1947 بعد أول تجربة نووية لها، وحققت استقلالية ذاتية في تصنيع وتطوير احتياجاتها الدفاعية في كافة أفرع أسلحتها الرئيسية بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إيصالها، واقتحامها الفضاء بأقمار صناعية متنوعة الأغراض، بل وأصبحت إحدى الدول المصدرة للسلاح.(2/140)
ومع ذلك فإن الهند لم تستطع تجاهل إسرائيل بدورها الإقليمي البارز في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة، والتي أتاحت لها امتلاك تكنولوجيات كثيرة متقدمة، من بينها تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ، وأقمار التجسس والاتصالات، ووسائل الإنذار المبكر، والقيادة والسيطرة، وغير ذلك من المجالات الدفاعية المهمة التي تسعى الهند للحصول عليها.
لقد بدأت العلاقات الهندية الإسرائيلية من الناحية الواقعية في سبتمبر 1950 عندما وافق نهرو على تأسيس مكتب تجاري لإسرائيل في بومباي، تم افتتاحه بعد شهور قليلة، ثم تحول إلى قنصلية إسرائيلية في يونيو 1953. كما بدأت الهند في مطلع 1952 في مناقشة الخطوات المطلوبة لإقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" عندما زارها "والتر إيتان" مدير عام الخارجية الإسرائيلية، إلا أن المعوقات المالية، وعدد من التغيرات السياسية الإقليمية والدولية وقفت وقتها حائلاً دون ذلك، ومع ذلك فإن الهند وهي في أوج تعاونها مع العرب خلال عقد الستينات لم تترك فرصة يمكن بموجبها أن تستفيد من إسرائيل بما يعظم مصالحها الوطنية إلا واغتنمتها، ومن ذلك الصفقة التي تمكنت الهند من إبرامها مع إسرائيل عبر بعض الوسطاء خلال حربها ضد الصين عام 1962، وتمكنت خلالها من الحصول على العديد من الأسلحة الإسرائيلية المتقدمة.
ومع وصول "فاجباي" إلى الحكم في الهند توطدت علاقات البلدين بشكل كبير، وشهدت تطوراً في العديد من مجالات التعاون، كما عززت هجمات الحادي عشر من سبتمبر من التعاون الهندي الإسرائيلي في مواجهة ما يسمى بالإرهاب، ومع زيارة شارون لنيودلهي في سبتمبر 2003، ثم زيارة وزير الخارجية "سيلفان شالوم" في فبراير من العام الحالي، طور البلدان تعاوناً مثمراً في مجال المراقبة والاستطلاع والإنذار المبكر، كما أصبحت الهند هي السوق الثالثة للصادرات العسكرية الإسرائيلية بعد الصين وتركيا.
وقد أدى تنامي العلاقات الهندية الاسرائيلية على هذا النحو إلى استياء العديد من الدول العربية، التي أبدت تخوفها من تداعيات هذا التعاون الاستراتيجي على الأمن القومي العربي، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كانت العلاقات الإسرائيلية الهندية موجهة بالأساس ضد العرب، وما يمكن أن يفعله العرب إزاء هذا الوضع، والحقيقة أن هذه القضية يجب أن تحظى بمزيد من الاهتمام من جانب الباحثين والمفكرين لبحث سبل تنمية العلاقات العربية الهندية، ووضع تصور "مناسب" للتعامل مع الهند في ظل علاقتها "الاستراتيجية" بإسرائيل، والسعي لإقامة حوار عربي هندي يمكن أن تكون له آثار إيجابية في مزيد من التقارب العربي الهندي، بما يحافظ على المصالح العربية، ويقلص من حجم المخاطر الناجمة عن العلاقات الإستراتيجية المتنامية بين الهند وإسرائيل، وعلى العرب أن يدركوا أنهم لم يفقدوا بعد كل أوراق اللعب مع الهند، ولكنهم فقط يحتاجون إلى إعادة ترتيب ما بقي من هذه الأوراق.
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?fuseaction=content&contentid=5628&catego r yid=16
===============(2/141)
(2/142)
مناهج التعليم وخطيئة التبديل
محمد أحمد منصور
مع أن قضية تغيير المناهج التعليمية في المنطقة الإسلامية لم تفتر منذ معاهدة كامب ديفيد، مروراً باتفاقيات مدريد وما تلاها، إلا أنها طفت على السطح وازدادت زخماً في ظل أحداث سبتمبر الشهيرة، وذلك من خلال الربط الأمريكي بين المناهج التعليمية المقررة في عدد من الدول من بينها مصر والسعودية وباكستان وبين ما تسميه الولايات المتحدة إرهاباً، وزاد حجم التركيز خاصة على التعليم الديني، ورأت الدول الغربية الفرصة مناسبة من أجل إجراء عمليات تغيير واسعة في المناهج وفقاً لما كانت تطالب به تلك الدول سراً من قبل.وقد رأينا بعض الأقلام التي تتكلم بكلامنا كيف قلبت الأمور في الوقت الذي انكشف المستور، وبان وجه العداء وهدفه.
وازدادت مطالب الدول الغربية حدة وصراحة بتغيير المناهج، والتلويح بالاتهام بالمروق في وجه الدول التي تأبى التغيير.
لقد أصبح جلياً أن قضية المناهج التعليمية لم تعد شأناً داخلياً ترتبه الحكومات متى وكيف شاءت، وتهمله أو تؤجله متى فترت، وإنما أصبحت شأناً عالمياً في ظل ثقافة العولمة وبفعل أدواتها، وأصبحت في منطقتنا العربية والإسلامية قضية ذات أبعاد ثقافية واقتصادية وسياسية بل وربما عسكرية إن لزم الأمر.
صحيح أنها لم تكن المرة الأولى التي تكتسب فيها هذه الأبعاد لكنها هذه المرة كانت الأكثر وضوحاً، والتي حشدت كل الأبعاد فيها دفعة واحدة، بحيث لم تعد مسألة تغيير المناهج التعليمية وفق الجداول المطلوبة شأناً داخلياً بل أصبح إدارة عالمية وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
والأبعاد المختلفة: سياسية يطرحها مندوبو الدول على طاولة المفاوضات.
واقتصادية تشترطها الجهات المانحة على تعدد انتماءاتها من أجل منح قروض ومعونات أو إسقاط بعض الديون(1).
ودينية تطرح ضمن أوراق حوار الأديان، بل تعدى الأمر ذلك إلى تلويح بالقوة من أجل تغيير المناهج وفقاً للهوى الأمريكي، وربما اكتست ثوب البحث العلمي حيناً آخر، فتقام من أجلها المؤسسات و تخصص لها الموازنات.
لقد عملت منظمة اليونسكو من قبل في هذا المجال، لكنه لم يكن عملاً ملزماً للحكومات لوجود الصراع القطبي، لكنه مع تغير معادلة النظام الدولي بدأ الأمر يأخذ شكل الإلزام.
والأمر كما هو مطروح ضمن برامج المساعدات والمنح، مطروح أيضاً ضمن بنود اتفاقيات السلام مع اليهود، ويطالب به اليهود باستمرار ضمن مشروع الشرق أوسطية.
ومطروح أيضاً ضمن شروط البنك الدولي لمساعدة الدول في برامج التنمية، ومطروح في مباحثات الشراكة البحر متوسطية، واللجان البحثية المشتركة، إلى جانب عشرات أو ربما مئات الندوات والمؤتمرات المختلفة المشارب والتوجهات التي تستعلن حيناً وتستخفي حيناً، وتُجمل حينا وتُفصل حيناً.
كما لم يعد سراً أن تغيير المناهج وفقاً للمنظور العولمي مدرجة ضمن البنود الثقافية لاتفاقية تحرير التجارة العالمية التي تتبناها الدول الكبرى، والتي يتم مناقشتها باستمرار في المنتديات الاقتصادية التي أصبحت تعقد بصورة منتظمة؛ وفي أحد هذه المؤتمرات قال وزير خارجية مصر السابق (عمرو موسى): «إن الوقت قد حان لوضع تصور جديد لمنطقة الشرق الأوسطـ في حقبة ما بعد انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي الذي أعاق المنطقة بصورة كبيرة عن تحقيق التقدم»، ويضيف: «إن عنوان منتدى دافوس للعام الحالي: «هو بدايات جديدة»، لذلك لا بد من إعداد الأرضية المناسبة للمفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي والشعوب للإسهام في وضع تصور جديد لمنطقة الشرق الأوسط» ومن ثم أصبحنا أمام عشرات الطرق التي تؤدي إلى تحفيز الدول أو دفعها في اتجاه علمنة أو عولمة المناهج التعليمية، ومن لم تُجْدِ معه هذه الأساليب فهناك أساليب أخرى ليست عن واقعنا المشهود ببعيدة.
الخطير في الأمر أن المطالب الغربية الأخيرة صادفت قلباً عربياً خالياً بل مخلىً لهذا الغرض، وقراراً مسكوناً بحلم التغيير، فسهل لهم ما أرادوا وبصورة فجة في عدد من التجارب كما حدث في باكستان واليمن والأردن مؤخراً، وقد اعترف سياسيون في الأردن واليمن أن عملية تبديل المناهج تخضع لإشراف البنك الدولي.
لقد جاء صوت التغيير هذه المرة أكثر وضوحاً وأعلى صوتاً وأكثر جرأة، وطاول مرتقى صعباً من مكنون بيضة التعليم الإسلامي؛ إذ فُتح باب التغيير على مصراعيه، وشمل مجاله زوايا كانت بادي الرأي في مأمن من أن يتطرق لها الحديث، وكانت الطامة في بوادر الاستجابة التي أبداها البعض هنا أو هناك، على طريقة و «بيدي لا بيد عمرو» «عض قلبي ولا تعض رغيفي»، والرغيف في التعبير هنا حمال أوجه لما يكون من نصيب أو عرض زائل من متاع الدنيا.(2/143)
وهنا تجدر المقارنة بين التطوير الذي يجري هنا والذي يجري في إسرائيل؛ فالتعليم في إسرائيل يسير وفق الخط البياني المرسوم له منذ قيام الدولة لا يخطئ قدر أنملة، بل يتقدم على المرسوم والمستهدف في قفزات تطويرية ضمنت للدولة اللقيطة التفوق العلمي والتقني على مجموع الدول العربية. وفي الوقت الذي يطالَبُ فيه المسلمون بتصفية المدارس الدينية يزداد التعليم الديني في إسرائيل رواجاً وانتشاراً ويحظى أصحابه بمزايا عديدة تمنحها لهم الدولة لا يحظى بها خريج التعليم العلماني هناك، على أن ما يسمى بالتعليم العلماني هناك ما زال يحمل بوضوح الحلم اليهودي بأفكاره وقيمه التلمودية وأساطيره الصهيونية، وتاريخه التوراتي.
تبديل المناهج:
تتم عملية التغيير تحت مسميات براقة يجعل منها صنم عجوة يقدس حيناً وتنزع القداسة عن سواه، ثم لا يلبث أن يؤكل أمام جوعة من الجوعات ليصنع صنماً جديداً مثل ألفاظ التطوير والتنمية والثورة العلمية؛ فالعملية لا بد أن تتم بأسماء براقة. والحقيقة أن التطوير لم يكن تطويراً بشهادات الواقع، واعترافات المسؤولين، وتقويمات المتخصصين من أهل الشأن، وإنما هي واقعة ضمن التبديل، بدلالته القرآنية.
أما لفظ «المنهج» فهو يتخطى حقيقة مادة المقرر التعليمي إلى خلفيات العقدية والتربوية؛ لأن المنهج لا يحمل مادة معلوماتية مجردة، وإنما يحمل إلى جانب حقائق العلم أو أغاليط التصور؛ منهجية الحكم، وأسلوب التعامل، وطريقة الحياة.. وهذه التي يسعى الغرب إلى تغييرها، ومن ثم فإن حذف عبارة معينة من منهج مقرر للدراسة قد لا تعني مجرد تغيير ألفاظ بغيرها فقط، ولكن تعني لوناً من التحريف والتبديل الذي يراد به ما بعده، ومن هنا نجد أن عملية التبديل التي تمت في المناهج إنما عمدت إلى طريقة بعينها، فقامت على طمسها بعناية يعوزها في كثير من الأحيان اللياقة.
ولا يعني وصفنا له بالتبديل هنا أن الأصل سالم مبرأ.. لا!.. وإنما للإشارة إلى أمر خطير هو أن التبديل إنما عمد إلى معاني الكمال فمحاها، وكثيراً ما أبقى ما سواها، والتتبع لهذه المسألة أمر يطول، ولكن يمكن ببعض الأمثلة من النموذج المصري بما يمثله من تجربة لها ريادتها وخبرتها في هذا المجال أن يطلع القارئ الكريم على قدر العناية التي كانت تصفى بها مادة الإسلام من مقررات التعليم، ربما للأمور التي ذكرناها وربما لمآرب أخرى.
تجربة التغيير في مصر:
بين عام 1979 إلى 1981 تغيرت مناهج التربية في مصر، مواد التاريخ والقراءة، وحذفت كل النصوص التي تتعلق بالحروب بيننا وبين إسرائيل(1).
ففي مقررات الثانوية العامة قررت هذه العبارة حول ردود الأفعال على معاهدة السلام المصرية مع اليهود:
«رحبت جميع دول العالم المتحضرة باتفاقية السلام في هذه المنطقة الهامة بالنسبة لدول العالم، أما الدول العربية التي عجزت عن فهم المتغيرات الدولية واختلال ميزان القوى في العالم، فإنها لم ترحب بالاتفاقية «يعني سبب إحجام العرب هو تخلفهم وضيق أفقهم فلم يقبلوا بهذا السلام، في حين أن الدول المتحضرة هي التي استوعبت التطور الجديد»!
ثم تتابع التغيير بمعدل بطيء، حتى أواخر الثمانينيات.
ثم بدأت مرحلة جديدة في أواخر الثمانينيات بتولي الدكتور أحمد فتحي سرور ـ وهو قانوني تعلم في فرنسا ـ حقيبة التعليم في مصر، فقام بقفزة واسعة في تصفية المناهج وفقاً للمطالب الصهيونية، وكانت المرة الأولى منذ تمصير التعليم التي يشرف على تغيير المناهج لجان أجنبية ضمن مراكز التطوير، ويشارك في وضعها أسماء أجنبية.
ثم تسلم الحقيبة بعده د. حسين كامل بهاء الدين ـ طبيب أطفال معروف بعلمانيته الشديدة، فأكمل ما بدأه الدكتور سرور وكان من أعماله:
- تصفية مادة الدين تماماً من معاني العبودية وإبقاؤها في ثوب التعاليم الأخلاقية والإرشادات التي تسير على الطريقة الفلسفية في الأخلاق، كما هو الحال تماماً في الخطاب النصراني.
- زيادة جرعة الإفساد في مناهج اللغات، من خلال تضمين الكتب عبارات ماجنة، وإشاعة حياة الرقص والاختلاط والموسيقى والغناء، وقد احتوت المناهج الحديثة على عدد من المغنين، والشعراء والقصاصين الذين ألبسوا ثوب العالمية، وقدموا للطلبة نماذج تحتذى للنجاح في الحياة العملية.
- تم تقرير مادة الثقافة الجنسية على طلبة وطالبات السنة الأولى والثانية من المرحلة الثانوية أي في سن المراهقة، وقد أشار بعض الطلبة إلى أن طلبة السنة الأولى لا ينتظرون حتى ينقلوا للسنة الثانية، وإنما يقومون باستعارة مقرر السنة الثانية لقراءته! وقد أكدت الدراسات الاجتماعية إلى شيوع عدد من المنكرات الشرعية من جراء شؤم هذه المادة ومنها انعدام الحياء وخصوصاً لدى النساء كالحديث عن أدق قضايا الفراش على الملأ وفي المجالس العامة، والتي يستحيي المرء العف في كثير من الأحيان أن يصرح بها حتى لزوجته أو الزوجة لزوجها، ومنها انتشار ظاهرة الزنا المقنن المسمى زوراً بالزواج العرفي داخل دور العلم، هذا فضلاً عن شيوع ثقافة العشق، إلى غير ذلك من زيادة في معدلات ألوان أخرى من المعاصي والفواحش.(2/144)
- تقرير اللغة الإنجليزية من السنة الأولى الابتدائية، أي أن الطالب سيتعلم مبادئ اللغتين معاً، كما أن هناك توجهاً لتعميم سياسة المدارس التجريبية (اللغات التابعة للوزارة) في تدريس شطر المواد أو غالبها باللغة الإنجليزية.
- السعي إلى إلغاء مادة الدين (التربية الإسلامية للمسلمين، والتربية المسيحية للنصارى) وتقرير مادة الأخلاق والتي تختلط فيها نصوص الكتاب والسنة، بعبارات التوراة والإنجيل، وأقوال الفلاسفة، وربما حوى نصوصاً من التعاليم البوذية، ليصبح التعليم في مصر كما قال سعد زغلول عن الجامعة: «لا دين لها إلا العلم» ليضع الرئيس الرتوش الأخيرة في شكل الدولة العلمانية.
- وتشهد هذه الأيام مرحلة جديدة من التغيير وتصفية المناهج، بل من المتوقع في هذه المرحلة أن تتضمن الكتب ثقافة العولمة ومفاهيمها صراحة.
التغيير القادم في المناهج الذي بدأ الحديث عنه الشهر الماضي قبيل مؤتمر الدول المانحة مباشرة من المتوقع أن يوظف كلية لصالح الرؤى الصهيونية، وقد سألت الهيرالد تريبيون مستشاري التعليم المصريين عن شكل التغيير القادم في المناهج، فقالوا: سنغير مناهج التربية والتعليم بما يعكس عملية السلام، وبما يزيل الكثير من أسباب العداوة في الشرق الأوسط. وإننا نتساءل: أتحت شعار «التربية من أجل السلام»، وهو الشعار الذي تسرب إلى مؤسساتنا التعليمية في ضوء التطبيع مع اليهود، أم هو سلام آخر أبعد مدى؟!
حقائق حول التطوير:
وهكذا كلما زاد الحديث في بلادنا عن التطوير أو قطع فيه شوط علمنا يقيناً أن التعليم قد فقد من التطوير بنسبة ما تم من حديث؛ لأن بوصلة التطوير في بلادنا لم تزل متوجهة عكس الاتجاه الصحيح، والمشكلة ـ خلاف ما يخال المرء منا ـ ليست مادية إذ تشير تقارير البنك الدولي ومنظمة التربية والعلوم «اليونسكو» إلى أن الدول العربية تنفق على التعليم مبالغ باهظة لا تقل عن التي تنفقها الولايات المتحدة أو دول أوروبا واليابان، إلا أن الغرب ينهض بينما العرب يتراجعون؛ فالولايات المتحدة الأميركية تنفق على التعليم 5. 5% من الناتج القومي الأميركي، وفي الوقت الذي تصل فيه نسبة الإنفاق على التعليم في الدول العربية إلى 5. 8% من الناتج القومي (مع الفارق بين الناتج القومي لدى الجانبين)، واستبعاداً لفارق الناتج القومي، فإن ما تنفقه مصر على كل 1000 طالب أكثر مما تنفقه الولايات المتحدة على نفس العدد(1).
وإذا أخذنا في الحسبان حجم النفقات الشعبية على التعليم علمنا حجم الكارثة؛ فالإحصاءات تشير إلى أن ما ينفقه المصريون على الدروس الخصوصية يصل إلى 4 مليارات جنيه في السنة لتقوية الضعف الراهن في أساليب التعليم داخل المدارس، كما أن حجم المواد التي يدرسها طلاب التعليم في مصر أضعاف ما يدرسه الطالب الأمريكي، وأن ما يقضيه الطلبة المصريون في المذاكرة يفوق أضعاف ما يقضيه الطلبة الأمريكيون، وإذا ما قورنت بما يدرسه الطالب في اليابان أو سنغافورة المتقدمتين تعليمياً؛ فالأمر يزداد فداحة.
ورغم هذا ما زال التطوير سائراً والتخلف سارٍياً.. رغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة لوزارة التعليم؛ إذ أصبحت من بين أهم الوزارات الأوْلى بالرعاية في برنامج المعونة الأمريكية، وتعد أول وزارة أدخلت نظام الإدارة عن بعد بنظام (الفيديو كونفرانس)، إلى جانب العديد من المزايا المادية التي توفرت للوزارة ربما لأول مرة في تاريخها، ومع هذا فالجميع متفقون على أن التعليم في بلادنا لم يزل متخلفاً بمعدلات خطيرة؛ لأن التطوير باختصار ـ وبشهادة القائمين عليه أنفسهم ـ قد نحا منحى بعيداً عن مصالح الأمة المسلمة؛ إذ إن قوة التعليم لا بد أن ترتكز إلى عقيدة يدين بها المجتمع وسياسات هادفة ومناهج بانية بغض النظر عن حجم هذه المناهج لدرجة أن أحد الأساتذة التربويين المتخصصين في التخطيط التربوي كتب شهادته على برنامح التطوير تحت عنوان: «إنهم يخربون التعليم».
نماذج من السياسات التعليمية المتخبطة:
وحتى يظهر قدر التخبط نعرض فقط لنموذحين مما يتم باسم التطوير الذي يعاني منه الطلبة وأولياؤهم أشد معاناة، وتعاني من ورائه الأمة كلها:
* الأول خاص بالشهادة الابتدائية: فمنذ أكثر من عقد ألغي الصف السادس من المرحلة الابتدائية، وحمّل عقل الطالب فاتورة هذا التقليص الذي تم باسم تخفيف الأعباء عن ميزانية التعليم وتتبع خطى الدول المتقدمة! وإذا بنا نفاجَأ بعد أربع سنوات فقط بإعلان يقول: إن التجربة قد أخفقت؛ لأنها أرهقت ذهن الطالب دون أن تؤدي إلى تقوية مستواه. وعاد الحديث عن مزايا السنوات الست من جديد وشق طريقه للتطبيق بعد ذلك بسنوات أربع أخرى.
* والثاني خاص بالشهادة الثانوية: ما زال نظام الثانوية يشهد تجريباً في شكل الشهادة وطريقة الامتحانات منذ حوالي ثماني سنين، وفي كل عام تتراجع الوزارة عن بعض قراراتها السابقة، مما يصيب أولياء الأمور بحالة من الدهشة حين يتحول مستقبل أبنائهم إلى حقل تجارب لقرارات لم تأخذ حقها من التفكير ودراسة الآثار المستقبلية قبل اعتمادها.
وقفات مع التطوير:(2/145)
ولنؤكد أن هذين النموذجين يعبران تعبيراً صحيحاً عن مزاجية التطوير في مجال التعليم نعرض لأهم خصائص هذا التطوير في عدة نقاط:
1 - كون التطوير جاء لتحقيق رغبات خارجية، من أجل تخدير الشعوب الإسلامية وشغلها عن واقعها بالتفاهات، جعله لم يسر في الاتجاه الذي يطمح إليه المجتمع؛ فعملية التطوير لم تنبع من اختيار المتخصصين ولا وفق إرادة شعبية، فضلاً عن تعبيرها عن إرادة الأمة ومصالحها حتى يمكن القول بأن التطوير قد انبثق ولو جزئياً من أرضية المجتمع، وإنما هو أمر عهد به غير متخصص إلى غير مختص.
2 - إن تضخيم الجانب النظري في المواد الدراسية على حساب الجانب التطبيقي العملي، فضلاً عن الجانب السلوكي العقدي، لا يخدم إلا مخططات اليهود وغيرهم من أعداء الأمة الذين يرمون إلى جعل التعليم في بلادنا تعليماً نظرياً وليس تعليماً تطبيقياً، وقد حذفت كثير من التجارب والتطبيقات العلمية من كتب الفيزياء والكيمياء التي تنمي في الطالب روح البحث والتطوير، وحب الابتكار والإبداع، أو التي تلفت نظره إلى الاستفادة من ظواهر الكون المحيطة به، وتسخير قوانينها لخدمة الإسلام.
3 - زيادة الحشو في الكتب نظراً لأن التطوير كان يعني من قبل زيادة المادة التعليمية فقد سعى إلى مضاعفة المقرارت الدراسية في التعليم العام والأزهري، وبعد مضي عشر سنين نظراً لتبني التطوير لرؤية المناهج المخفضة فسوف تخضع المناهج للاختزال والحذف. والخطير أن المعيار في الحالين لم يراعِ حقيقة النهضة العلمية وسبلها؛ فالآن تجري مناقشة تخفيض المواد من الحشو بنسبة الثلث؛ فهل سيكون هذا الحشو هو ما زيد في التطوير السابق، أم سيحذف ما تبقى من أبواب وعبارات تشير ولو من بعيد إلى الإسلام والعروبة؟
4 - تفريغ المقررات من الموضوعات التي تعزز الروح الإسلامية، أما ما يوجد فهو ما يعبر عن القيم الفردية التي لا تتعارض مع أهداف العلمنة، مع حشو المناهج بمفاهيم الفكر الغربي، وما يتعلق به من مفاسد وسلبيات، وإشاعة للتفسخ والانحلال.
5 - تعبئة المؤلفات بالقيم المادية التي تربط بين حركة الإنسان، وزيادة الأفكار التي تدعو إلى الخرافة، كالتعامل مع العرافين الكهنة، ومعرفة الأبراج، والحظ.
6 - إشاعة روح التفسخ والانحلال بين الأجيال، وقد لِيمَ أحد وزراء التعليم في ذلك، فقال: سأجعلكم لا تفرقون بين البنت والولد.
7 - إذابة مفاهيم الولاء، وتشتيت نطاق الهوية؛ فنجد أن المقررات قلقة لا ترسخ معنى معيناً للهوية ولا لوناً واحداً من ألوانها؛ وإنما نجد الهوية داخل المقررات تتنوع وتتوزع توزعاً عجيباً جداً بين هوية فرعونية في المقام الأول، عربية في المقام الثاني، إنسانية عالمية في المقام الثالث، إسلامية في المقام الرابع، ثم تأتي الانتماءات الأخرى الشرق أوسطية، والبحر متوسطية، الأفريقية، والمسيحية أخيراً لتزيد من تشتت الهوية، وهذا يؤدي بدوره ـ وبمساعدة عوامل أخرى ضمن المقررات مثل تكثيف دراسة اللغات الأجنبية، وزيادة التعبيرات العامية في المقررات ـ إلى قتل قضية الولاء والبراء لدى الشباب، ضمن شعار التربية: «من أجل السلام».
وأصبحت الهوية الإسلامية بعد أن كانت الأكثر حضوراً أصبحت هي الأقل حضوراً. نعم! قد تفرض الوظيفة الحيوية لمصر أن تلعب دوراً على كل هذه المستويات أو أغلبها؛ لكن شتان بين أن تلعب دوراً من منطلق العقيدة الأصلية لأهل البلاد على كل هذه المجالات، وبين أن تصبح عقيدتها خليطاً من هذه الدوائر.
8 - أشار بعض الباحثين في مسألة التطوير إلى أن التطوير نتيجة لتبيته بليل بعيداً عن مشورة المتخصصين ورأيهم، وبعيداً عن قياسات الرأي العام ـ أن هذا التطوير وقع في أخطاء فادحة لا يمكن أن تصدر عن جهات متخصصة قد أخذت فرصتها من الوقت والتفكير لإقرار التغييرات.
9 - تركيز المقررات على الترويج لثقافة السلام وإقحام مفرداتها بأسلوب فج، ومثال ذلك ما جاء في مقرر الفصل الدراسي الثاني من مادة القراءة الصف الثاني الابتدائي - أي بعد أن يتعلم الطفل القراءة مباشرة - ضمن موضوع (قرية السلام) وهو موضوع يكاد يحتل نصف المقرر ويدور حول قصة ثلاثة جيران هم: حمدان صاحب الأرض، وسمعان صاحب الساقية، وعواد صاحب البقرة، وتحدثت عن الشيخ الذي يبدو أقرب إلى هيئة راهب نصراني جاء ليعظ سكان القرية بأهمية السلام، وبعد أن ذهب إلى ثلاثتهم ووعظهم اكتشف الثلاثة أن الموانع من التعاون هي عداوات تاريخية موروثة لا يعرفون عنها شيئاً، ولم يشارك في صنعها أحد منهم، ومن ثم فالمصلحة تقتضي أن يتناسى الثلاثة العدوات التاريخية، ويبدؤوا صفحة جديدة ليعمل الجميع في القرية «قرية السلام» كما سماها المؤلفون، ويتقاسمون ثلاثتهم أرض حمدان العربي بالطبع؛ لأنهم تعاونوا جميعاً في زراعته! حمدان «العربي».. وسمعان «المسيحي» صاحب الساقية.. وعواد صاحب البقرة الذي يوحي اسمه بفكرة العودة المقدسة لدى اليهود أصحاب البقرة، ولتكبر ثقافة القرية مع الطفل ليتعامل من خلال رؤاها في القرية الأكبر الشرق الأوسط.(2/146)
وقد وضعت هذه المادة في مؤخرة الفصل الدراسي الثاني لتظل راسخة في ذهن الطفل، فمعلوم تربوياً أن معلومات هذه الفترة الدراسية من كل عام هي من أكثر المعلومات رسوخاً في الذاكرة.
نماذج أخرى مما فعله التطوير:
التبديل الذي حدث للمناهج منذ أن شرع في التطوير يكاد لا يصدقه عقل كمّاً وكيفاً؛ فكما عملت مقصات الرقيب عملها في كتب ولأبواب كاملة، عملت مناقيشه داخل بقية الأبواب، ولم يدع الحذف كتاباً من الكتب ـ حتى الرياضيات ـ إلا وحذف منها ما يذكِّر الطالب بدينه وتاريخه، ولو ذهبنا نستقصي لما أسعفنا المقام، ولهذا نقدم نماذج تعبر عن حجم المصيبة التي رزئت بها الأمة في تربية أجيالها:
* فمن بين النماذج التي نزعت فيها جمل وعبارات:
1 - حذف حديث: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» من كتاب القراءة للصف الأول الابتدائي.
2 - موضوع (أهلاً وسهلاً) حذف عبارة السلام عليكم، بعدما كانت العبارة: «إذا مررت بجماعة أقول لهم السلام عليكم»، حل محلها: «إذا مررت بجماعة ألقي عليهم التحية».
3 - موضوع: (الأصدقاء السعداء) الصف الثاني الابتدائي جاء فيه عبارة «الخصام لا يحبه الله ولا يحبه رسول الله»، تم حذف جملة: «ولا يحبه رسول الله».
4 - في الصف الثالث في موضوع: (النظافة من الإيمان) حذف منه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «تسوكوا؛ فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب»، وحديث: «بركة الطعام الوضوء قبله وبعده».
5 - ومن موضوع: (طبيب الأسنان) حذفت عبارة: «سوف ألتزم بنصائح معلمنا في استعمال السواك مع كل صلاة».
6 - موضوع (الشمس) حذفت عبارة: «التي تذكر بأوقات الصلاة».
7 - ومن الصف الرابع من موضوع شجاعة مصرية عن حرب العاشر من رمضان مع اليهود: «العدو المحتل كان اليهود ـ احتلال الأراضي المصرية لا أرضى به.. ».
كما حذفت عبارة: « ويرتبط العرب بالتاريخ واللغة والدين».
* وحذفت عدة أناشيد كلها إسلامية من الصف الثالث، فعلى سبيل المثال حذف نشيد الصلاة الذي أوله:
بني توضأ وقم للصلاه
وصل لربك تكسب رضاه
ونشيد رباه الذي أوله:
رباه أنت خلقتني
ومنحتني سر الحياة
* ومن بين الموضوعات الإسلامية والتربوية الأخرى التي حذفت بكاملها:
1 - موضوع (البطل الصغير) وهو موضوع يحث على الجهاد في سبيل الله دفاعاً عن الإسلام ومن عباراته قول قائد الجيش: «إن جيشاً فيه مثل هذا الغلام لا يمكن أن يهزم، ولا بد أن ينتصر بإذن الله».
2 - موضوع (فاعل خير): يحض الطلاب على إماطة الأذى عن الطريق.
3 - قصة الولد الشجاع: وهي تحكي القصة الشهيرة بين عبد الله بن الزبير مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -. كما حذفت قصته أيضاً التي بعنوان: «ذكاء وحسن تصرف» من الصف الثالث.
* ألحقت كتب الموضوع الواحد في مراحل التعليم الثانوي والأساسي مثل كتاب عبقرية عمر بكتب القراءة لضغط النفقات؛ بينما بقيت كتب الموضوع الواحد الخاصة باللغة الإنجليزية رغم أن تكاليفها المالية أكبر لطباعتها الفاخرة وصورها الملونة، أما مقررات الموضوع الواحد في اللغة العربية فغيرت تماماً بحجة أن دراستها تثير فتنة طائفية.
* تم حذف اسم فلسطين من الخرائط واستبدالها باسم إسرائيل، في الوقت الذي يرفع فيه من شأن اليهود وتخفى فيه سوءاتهم وعدوانهم المستمر على ديارنا، وإلغاء موضوعات الجهاد والتضحية والشجاعة وغيرها مما ورد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وسير الأبطال.
* من بين المواضيع التي قررت بدلاً عن الموضوعات المحذوفة: موضوع (التاجر والعفريت) للصف الخامس الابتدائي، وهي مقتبسة من قصص ألف ليلة وليلة، وموضوع بعنوان: (نجيب محفوظ وجائزة نوبل) للصف الأول الإعدادي، وموضوع آخر له بعنوان: (أنا ابن حضارتين) للصف الثالث الإعدادي.
* أما بالنسبة للتاريخ فإنا نجد أن الطالب أصبح لا يدرس من تاريخ أمته إلا قشوراً شوهاء:
فتلميذ المرحلة الابتدائية لا يدرس من تاريخه الإسلامي إلا بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونشر الإسلام، ويتوقف الأمر على ذلك دون ذكر للغزوات التي حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، اللهم إلا ذكراً عابراً في قصة عبد الرحمن بن عوف.
ويستمر الحال خلال المرحلة الإعدادية، فلا يأخذ من التاريخ الإسلامي إلا نشأة بعض الدول مثل نشأة الدولة الإخشيدية، ثم نشأة الدولة الأيوبية، ثم نشأة الدولة المملوكية، ولا يعرف بعد ذلك عن هذه الدول أي شيء.
ثم لا يدرس الطالب الملتحق بالقسم العلمي من التاريخ الإسلامي إلا ما سبق ذكره في الصف الثاني الإعدادي فقط؛ إذ يتم التركيز على التاريخ الفرعوني والبطلمي والروماني، خلال مراحل التعليم (الرابع الابتدائي، الخامس الابتدائي، الأول الإعدادي، الأول الثانوي).
* أما عن كتب اللغات التي تصدر في شكل جذاب وتؤلف بعناية، فهي مليئة بالصور الجنسية الفاضحة وبالعبارات التي تكرس لثقافة الجنس، وبالاهتمام بالرقص والطرب.
-------(2/147)
* أما كتاب الفلسفة المقرر على طلبة المرحلة الثانوية القسم الأدبي، فقد كان الكتاب يحوى في الحاشية تعليقات أشعرية على ما جاء في مسالك الفرق المذكورة في الكتاب، وقد كانت في مجملها لا تشفي في الرد على الفرق، فجاء التطوير فحذف التعليقات وأبقى على المذاهب والأقوال الفلسفية ليدرسها الطالب على علاتها، والنتيجة أن يحيا الطالب مشتتاً لا يدري أين الحق إلا أن يوفقه الله إلى من يبصره خارج نطاق التعليم، وهذا الأمر بدوره يراد لأجل أن تنشأ نسبية فكرية تسمح بوجود ما يطلقون عليه: (الآخر) أياً كان هذا الآخر، والسماح هنا يتجاوز حد السكوت بالطبع إلى التعايش والتفاهم، وربما ما هو أكثر من ذلك(1).
(1) قديماً كان السائد مبدأ الرق مقابل الدين أي من لم يستطع سداد دينه جعل عبداً للدائن إذا حل الأجل، واليوم عاد الرق بثوب جديد الدين في مقابل البيئة، والدين في مقابل المناهج.. والدين في مقابل الثقافة، وهكذا تستعبد الشعوب من حيث يصور لها التحرر!.
(1) في 25/8/1981م زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بيجين القاهرة، وكان من بين ما تباحث فيه مع السادات صدق الرغبة المصرية في التطبيع، وقد طمأنه السادات بتأكيد الرغبة في ذلك وانتهزها بيجن فقال للسادات: كيف تريد أن أصدق أن هناك نية عندك للتطبيع وطلاب مصر مازالوا يقرؤون الآية التي تقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [المائدة: 78]؟ وفي نفس اللحظة استدعى السادات وزير التعليم المصري وأمره أن يحذفها من المناهج المصرية مع كل الآيات التي تتحدث عن عداوة بني إسرائيل للإسلام.).
(1) تنفق المغرب ربع ميزانيتها على التعليم، كما تنفق الجزائر 30% من ميزانيتها على التعليم، أما السعودية والكويت وباقي دول الخليج فتعد من أكبر دول العالم إنفاقاً على التعليم.
(1) لاحظ أن العلمانيين في بلادنا حين يتملكون لديهم القابلية على التعايش مع أي ملة واعتقاد وأي مذهب، وتبقى نظرية الإقصاء مطبقة على كل من يلتزم بإسلامه فقط.
المحرم 1423 هـ - مارس - أبريل 2002 م
http://albayan-magazine.com المصدر:
=============(2/148)
(2/149)
مؤتمر اليهود الأول بروتوكلات حكماء صهيون
الزمان/ 2 ربيع ثان ـ 1315هـ
المكان/ مدينة بازل ـ سويسرا
الموضوع/ كبار زعماء اليهود يعقدون أول مؤتمر عالمي لإقامة دولة إسرائيل الكبرى
الأحداث/
مقدمة:
إن من أشد الأمور خطورة في مسيرة الكثير من الحركات الإصلاحية هذه الحالة المستشرية من السطحية والفوضوية في حركة هذه التيارات فمعظمها إن لم يكن كلها لا تمتلك في واقع الأمر أجندة مسبقة في كيفية الوصول لأهدافها، وتعتمد كثيرًا على التوفيق الرباني لمسيرتها والتميز الفردي الموجود في بعض قادتها... لذلك فإن رغم ما تجده من إسهامات وإنجازات لهذه الدعوات والحركات على مستوى الأفراد أو الجماعات إلا أن مسألة التمكين والخلافة بعيدة كل البعد عن الواقع العملي حتى أننا من شدة بعده نجد أن هذا الهدف ـ أقصد التمكين وإقامة شرع الله في أرضه ـ قد أصبح غائبًا تمامًا من الخطاب الدعوي كأنه حلم بعيد المنال محال الحدوث، وذلك كله بسبب الغفلة عن سنة الله - عز وجل - في التمكين والاستخلاف الذي جعل الله - عز وجل - له شروطًا ومقدمات لا بد من سلوكها وتعاطيها ليصل بإذن الله للنتيجة المنشودة، وبين أيدينا الآن نموذجًا لكيفية الوصول لهدف التمكين رغم مغايرته لطريق المسلمين ولكننا نتعلم ولو من أعدائنا الذين كانوا وما زالوا وسيظلون يخططون ويدبرون للنيل من المسلمين والكيد لهم، وللأسف المسلمون في غيبوبة عميقة عما يدبر لهم في الخفاء.
اليهود وفلسطين:
ـ لقد حاول اليهود من قديم الأزل إيجاد موطأ قدم لهم في بقعة ما من الأرض تكون لهم نقطة تجمع وتوحد ليفروا مما كتب عليهم من الهوان والذل بما كسبت أيديهم عبر العصور، ولقد تجسد هذا الحلم عندهم في أرض الشام عمومًا وفلسطين وسيناء خصوصًا، لذلك فإنك تجد أن لليهود محاولات قديمة للتجمع بأرض فلسطين مهدوا بها السبيل ولفتوا الأنظار نحو قضيتهم المزعومة، وبدأت هذه المحاولات فردية ثم تحولت عبر السنين إلى مؤسسية وكان التسلسل الزمني لهذه المحاولات كالآتي:
ـ دعوة شبنساي زيفي: وهو مؤسس فرقة الدونمة اليهودية التي ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي في الدولة العثمانية، وهو رجل ادعى النبوة وأنه المسيح المنتظر وانتشرت دعوته بين اليهود، وهو أول من نادى بعودة اليهود إلى فلسطين، ولما انكشف أمره وكاد أن يعدم ادعى الإسلام وأمر أتباعه بادعائه، وظلوا سرًا على يهوديتهم، وعرفوا باسم يهود الدونمة، وكان لهم أبلغ الأثر في إسقاط الخلافة العثمانية.
ـ دعوة نابليون بونابرت: وذلك أثناء حصاره لمدينة عكا سنة 1214هـ عندما أرسل برسالة لكل يهود العالم وأطلق بيانًا باسم 'الورثة الشرعيين لفلسطين' دعاهم فيه للتجمع والاستيلاء على فلسطين.
ـ دعوة جايم مونتفيور: وهو سمسار إيطالي الأصل قابل محمد علي بعد أن استولى على فلسطين أثناء حربه الظالمة على الشام والدولة العثمانية وعرض عليه شراء فلسطين لتكون وطنًا قوميًا لليهود، ولكن محمد علي رفض ذلك العرض، ولم ييأس هذا الرجل النشيط فلقد استطاع أن يحصل على قطعة أرض في فلسطين بطريق الخداع وعهد باستغلالها إلى خمس وأربعين أسرة يهودية وذلك سنة 1261هـ.
ـ دعوة الحاخام كاليشار: وذلك في كتابه الشهير والموروث عند اليهود لوقتنا الحالي [البحث عن صهيون] وذلك سنة 1281هـ، ودعا فيه اليهود للمبادرة بغزو فلسطين فورًا وبلا تردد واحتلالها بشتى السبل، وردد نفس الشيء 'موسى هنيس' الألماني في كتابه [روما والقدس] حيث دعا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين.
اليهود والدولة العثمانية:
ـ ونظرًا لأن اليهود يؤمنون بالمثل الإنجليزي السائر 'بطيء ولكن أكيدSLOW BUT SU r E ' فلقد بدأوا في التمهيد بغزو فلسطين بمحاولة الهجرة أولاً شيئًا فشيئًا إلى بلاد الشام ومصر عمومًا وسيناء وفلسطين خصوصًا وكان الناس على وعي تام بمخاطر اليهود ومكائدهم فرفعوا عرايض للسلاطين العثمانيين بخطورة هجرة هؤلاء إلى أرض الشام، وكان السلاطين وقتها على مستوى المسئولية فوقفوا بالمرصاد لهذه المحاولات وأصدروا أوامر مشددة لولاة الشام تحرم على اليهود سكنى فلسطين وسيناء، من هذه الأوامر:
ـ فرمان سليم الأول: وقد أصدره سنة 924هـ ومنع فيه هجرة اليهود إلى سيناء وطرد أي يهودي يدخل تلك المنطقة فورًا.
ـ فرمان سليمان القانوي: وأكد فيه الفرمان السابق لأبيه سليم الأول مما يوضح أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً على سيناء وفلسطين.
ـ فرمان مراد الرابع: ولقد أصدر هذا السلطان ثلاثة فرمانات متتالية 989هـ السبب في ذلك أن اليهود رغم كل هذا التشديدات لم يكفوا عن محاولاتهم الهجرة إلى سيناء بداية من مدينة الطور، وهي مدينة ساحلية بها ميناء واسع يصلح للاتصال مع الخارج فتكون بذلك نقطة تجمع مثالية، وكان يقود هجرة اليهود للطور رجل اسمه 'إبراهام' الذي استوطن هو وبعض العائلات هناك، ولم ينكشف أمره حتى اشتكى رهبان دير سانت كاترين للدولة من إيذاء اليهود لهم فصدرت الأوامر السابقة لطردهم من سيناء.
السلطان عبد الحميد واليهود:(2/150)
يعتبر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أقوى من وقف أمام محاولات اليهود لاحتلال فلسطين وظل صامدًا طيلة فترة حكمه التي امتدت ثلاثة وثلاثين سنة متصلة كان فها عبد الحميد العقبة الكؤود التي تحطمت عليها محاولات اليهود للاستيلاء على فلسطين، ولم يتمكن اليهود من هدفهم إلا بعد الإطاحة بالسلطان الصالح عبد الحميد - رحمه الله -، أما عن أهم مجهودات السلطان عبد الحميد في الدفاع عن فلسطين:
1ـ أصدر فرمانًا سنة 1300هـ لولاة القدس وبيروت واللاذقية وحيفا بمنع أي يهودي خاصة من روسيا أو رومانيا أو بلغاريا من أن تطأ قدمه أرض فلسطين، وذلك بعد محاولات كبار اليهود باليونان.
2ـ أصدر فرمانًا آخر سنة 1301هـ لرؤساء البعثات الدبلوماسية في الأستانة جاء فيه صورة قرار مجلس الوزراء العثماني بمنع استيطان أو استقرار اليهود الروس في فلسطين.
3ـ أصدر فرمانًا آخر بألا تزيد مدة إقامة اليهود الراغبين في زيارة فلسطين عن ثلاثين يومًا ثم عُدل بثلاثة شهور بعد ضغط من القنصليات الأجنبية.
4ـ أصدر قرارًا يحرم بيع أراضي الحكومة بفلسطين مطلقًا لليهود بما فيهم رعايا الدولة العثمانية، وذلك بعدما اكتشف قبول بعض الموظفين الرشوة من اليهود مقابل تسهيل شراء أراض بفلسطين.
5ـ وقف كالطود العظيم أمام محاولات زعيم الصهيونية العالمية 'هرتزل' النمساوي الذي سعى كثيرًا للاجتماع مع السلطان عبد الحميد حتى استطاع ذلك بعد محاولات مضنية وفي هذا الاجتماع عرض على السلطان عبد الحميد دفع مبلغ عشرين مليون ليرة ذهبية مقابل شراء فلسطين لتكون وطنًا لليهود وسداد ديون الدولة العثمانية، وجاء رد عبد الحميد قويًا ناصعًا درة على جبين الأمة نارًا على الخونة والعملاء والجبناء المنهزمين حيث قال له: 'إن فلسطين ليست أرضي إنما أرض المسلمين الذين حاربوا في سبيل هذه الأرض ورووها بدمائهم، دع اليهود يحتفظوا بملايينهم فإذا تفككت إمبراطوريتي فإن اليهود قد يحصلون على فلسطين بدون مقابل، ولكنهم لن يصلوا إليها إلا على أشلاء أجسامنا بعد تمزيق أوصالها.
المؤتمر العالمي:
ـ عندما وصلت محاولات ومجهودات اليهود إلى تلك المنطقة قرروا تغيير خططهم واتباع استراتيجية جديدة تقوم على المخططات السرية التي تكون بمثابة ميثاق ودستور لعمل اليهود في شتى بقاع الأرض للوصول إلى هدفهم المنشود، فدعا هرتزل كبار رجال اليهود في ذوي الرتبة العالمية عندهم وفق معيار خاص للتدرج في القيادة والتوجه لاجتماع بمدينة بازل بسويسرا وذلك سنة 1315هـ وعرض عليهم مشروعه لاختيار وطن قومي لليهود بمكان من ثلاثة [فلسطين ـ كينيا ـ الأرجنتين] وقال لهم 'الصهيونية هي عودة اليهود لليهودية حتى قبل عودتهم إلى الأرض اليهودية' وقد وقع اختيارهم بالقطع على فلسطين، وكانت كلمة هرتزل تعني أنه لا بد من صبغ الاتجاه اليهودي لاغتصاب أرض فلسطين بالصبغة العقدية الصرفة ويكون الاستيلاء عليها باسم الدين ومع ضمان التأييد الدولي عامة والأوروبي خاصة لهذا المخطط.
ـ الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر وضع فيه ميثاق العمل الصهيوني واليهودي على شكل بروتوكول ملزم يرقى لمنزلة الكتب المقدسة عرف تاريخيًا بعد انكشاف أمره بعد ذلك بأربعة سنوات باسم [بروتوكولات حكماء صهيون] ويقوم في أساسه على العصبية الشديدة للجنس اليهودي وللنظرة الدونية والأممية لسائر شعوب [الأرض].
ويبقى أن نقول أن هرتزل نفسه كان لا يتوقع أبدًا النجاح الكبير لقيام دولة اليهود بفلسطين الذي نراه ونعايشه الآن، وحاول أن يصرفهم عن اختيار فلسطين كوطن وقال لباقي أعضاء المؤتمر: 'لست أنصحكم أن تهاجروا إلى فلسطين فذلك خطر عليكم'. ولكنهم رفضوا وأصروا على اختيارهم، ولعله كان خائفًا من رد فعل المسلمين إذا ما اغتصبت مقدساتهم... وهو بالقطع لم يدر إلى أي مستوى وصل إليه المسلمون من الذلة والهوان.
السبت 2 ربيع الآخر 1425هـ - 22 مايو 2004 م
http://links.islammemo.cc المصدر:
=============(2/151)
(2/152)
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العالم
حسن الرشيدي
«إذا انتظرنا إلى أن يتحقق التهديد فسننتظر طويلاً».
هذا قول بوش أمام البرلمان الألماني يستعجل إطلاق ما اسماه باستراتيجية الضربات الوقائية، وهي استراتيجية جديدة تحاول الولايات المتحدة أن تتبناها لتحقق بها مزيداً من التوسع والهيمنة في العالم.
هذه النزعة ازدادت ضراوة مع وصول بوش الابن للإدارة، ولكنها بدأت تتبلور مع نهاية الحرب الباردة عندما راحت تتفشى طروحات الهيمنة المكشوفة والاعتماد على القوة المتفوقة كواحدة من أهم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، ولم يخف الرئيس بوش وطاقمه في الإدارة منذ البداية نزوعه إلى احتضان هذا التوجه، بل انتماءه لهذا الخندق حين سارع لرفع لواء التفرد والتفوق باعتبارهما حقاً وامتيازاً خاصين بالولايات المتحدة لكونها القوة العظمى الوحيدة على الساحة الدولية، وتجلى ذلك في رفض واشنطن الانضمام لعديد من الاتفاقيات الدولية، أو الانسحاب من عدد منها.
ولذلك فإن فهم هذه التغيرات في السلوك الأمريكي في العالم والتغيرات التي تطرأ على استراتيجيات توجيه الدفة العالمية مهم لاستيعاب الحقائق والأحداث السياسية استيعاباً شاملاً عميقاً ومعرفة إلى أي الاتجاهات تتمدد.
ولعل التهديدات الأمريكية بضرب العراق هي خير تطبيق لتلك الاستراتيجية الجديدة؛ ولذلك يلزم المتابع لما سيجري في العراق بل ما يتم التخطيط له بالنسبة لهذه المنطقة في العالم الإلمام بهذه الاستراتيجية.
ولإدراك أبعاد هذه الاستراتيجية لا بد من اتباع منهج تحليلي يضع في حسبانه عدة محاور:
أولاً: معنى الاستراتيجية.
ثانياً: الاستراتيجيات الأمريكية قبل بروز الاستراتيجية الجديدة لمعرفة مدى التطور في الفكر الاستراتيجي الأمريكي.
ثالثاً: معنى استراتيجية الضربات الوقائية، ومتى بدأت الإدارة الأمريكية في تبنيها، والظروف المصاحبة لانطلاقها، وأثرها على الموقف الدولي.
ü الاستراتيجية:
وإذا كانت الاستراتيجية تتمثل في التعرّف على أفضل طريقة لبلوغ الهدف والتوصّل إلى أنجع طريق يؤدي إليه في أحسن الظروف الممكنة من خلال استغلال نقاط القوة والتغلّب على مناطق الضعف فإنّها أيضاً تتطلّب القيام بخيارات حول أقوى الأفكار التي ستمثل المحور الأساسي للجهود التي ستخضع إليها الأهداف والوسائل والأولويات.
بينما يجري تعريف الاستراتيجية في أدبيات كثيرة على أنها فن توظيف عناصر القوة للأمة أو الأمم لتحقيق أهداف الأمة أو التحالف في السلم والحرب، وهو أيضاً فن القيادة العسكرية في ساحة المعركة، ومن هنا نجد الربط بين الاستراتيجية وقوة الدفاع.
وفي تعريف لمركز الدراسات الاستراتيجية ومقره جنيف ينظر للاستراتيجية على أنها نظرة عمل لتصميم وبناء حاضر يتيح إنجاز أهداف في المستقبل؛ بمعنى أنها تستوعب مستقبلها فتشرع إليه من حاضرها؛ فهي عملية إيجاد معطيات للواقع وهنا بالذات تظهر الحاجة إلى التحليل والتأمل وملاحقة الظواهر وإخضاعها للربط المتفاعل وليس الربط المجزأ والآلي.
ولذلك فإن الاستراتيجية تعنى بحقيقتين جديدتين هما: الأهداف المتوخاة، والقدرة.
* استراتيجية الصراع:
وهي تعني أيضاً أن أفضل تصرف يقوم به طرف مشارك في صراع ما كان مبنياً على تصرفات الطرف الآخر؛ فهي تركز على أن تصرفات طرف إنما يبنيها على توقعاته وتنبؤاته لما ستكون عليه تصرفات الطرف الآخر، وبناء على تلك التنبؤات يصوغ استراتيجيته ويحدد تصرفاته ويتخذ قراراته من أجل التأثير في تصرفات وقرارات الخصم؛ فجوهر الاستراتيجية إذن يقوم على التأثير في قرارات الخصم وخياراته؛ وتحقيق ذلك إنما يتم بالتأثير في توقعاته لما ستكون عليه قراراتنا أي قرارات الطرف الأول؛ وذلك بمواجهته بدليل مقنع بأن سلوكنا سيقرر في ضوء سلوكه؛ وعناصر الاستراتيجية بناء على ذلك التعريف هي فهم المسألة موضوع الصراع وتحديد أطرافها ومحاولة إدراك مصالح كل طرف.
* الاستراتيجيات الأمريكية قبل الحرب الباردة:
وبناء على تلك التعريفات السابقة فقد كانت الاستراتيجية الأميركية قبل عام 1947م لا تستند إلى أسس ثابتة، وكانت مزيجاً من الخطط العسكرية التي دافعت عن فكرة إقامة دولة فيدرالية تلم الولايات المشكِّلة لها تحت جناح دستور وهيكل، ودخلت أمريكا الحرب العالمية الثانية خلواً من أية استراتيجيات سوى الانضمام إلى ركب الدول الكبيرة، فاشتركت في الأحلاف التي قامت ضد المعسكر النازي آنذاك؛ فمبادئ مثل القدر المرموق أو المصلحة الذاتية المستنيرة، ومبدأ منرو وخطاب مسيرة الراية ومبدأ الحرب العادلة فهذه المسميات أقرب إلى فكر متعمق في الوجدان الأمريكي كميراث عن الآباء المؤسسين أكثر من اعتباره فكراً استراتيجياً مؤسسياً سياسياً.
ü الاستراتيجيات الأمريكية في الحرب الباردة:
ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة في وضع الانفراد بالهيمنة على العالم كهدف نهائي تسعى إليه، ومن خلاله توجه استراتيجياتها الدولية، فقدم جورج كينان عام 1947م أولى هذه الاستراتيجيات التي تركزت على نظرية الاحتواء.(2/153)
وأهم أسس هذه الاستراتيجية كانت مواجهة ما وصفه صانعو السياسة الأميركية بالتهديد الذي كان الاتحاد السوفييتي العامل الأهم والعدو الأخطر بالنسبة لراسمي أسس هذه الاستراتيجية.
وقد سادت استراتيجية الاحتواء في السنين التي تلت الحرب العالمية الثانية، وعدت الاستراتيجية الأمريكية الرئيسية في حقبة الحرب الباردة، وقد تعاملت هذه الاستراتيجية مع العالم في حقبة ثنائية الأقطاب: الولايات المتحدة وحلفائها ضد الاتحاد السوفييتي وحلفائه، وكانت تهدف لمنع الاتحاد السوفييتي من توسيع مدى تأثيره ليس فقط في نطاق الولايات المتحدة وحلفائها، وإنما أيضاً في نطاق الدول غير الحليفة معها أيضاً، ولدعم هذه الاستراتيجية أوكلت الولايات المتحدة للقوات العسكرية وقف التوسع الشيوعي في كوريا وفيتنام، وتحت هذه الاستراتيجية واجهت الولايات المتحدة قيادات التمرد الشيوعي في عدد من دول العالم المتطورة، كما دعمت المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الجيش السوفييتي الذي احتل أفغانستان في الثمانينيات، ونجد في تعريف السياسيين الأميركيين لهذه النظرية أن السياسة الخارجية ارتبطت بالاستراتيجية الأميركية في تحقيق هدف واحد هو القضاء على المد الشيوعي، ولكن المد الشيوعي بحد ذاته كان هدفاً فرعياً؛ لأن الهدف الحقيقي للاستراتيجية الأمريكية كان الحفاظ على مصالحها في بقاع العالم المختلفة، وليس غريباً أن نجد صناع السياسة الأميركية يضعون على جدران مكاتبهم خرائط تضم أكثر من أربعين بلداً تمثل المصالح الأميركية مثلما تمثل ما أسمته الولايات بمناطق الديون القومية بمعنى المناطق التي التزمت تجاهها أمريكا بالدفاع عنها دفاعاً عن مصالحها هي.
سعى الرؤساء الأميركيون وفق هذه الاستراتيجية إلى إيجاد تحالفات استراتيجية لضمان تحقيق المصالح الأمريكية بعيداً عن سياسة الحروب وسباقات التسلح، وسعت الولايات المتحدة منذ الخمسينيات لوضع سياسة قومية متماسكة، تماشياً مع مبدأ ترومان إلى توضيح استراتيجية الاحتواء والاعتراف بالحرب الباردة كوضع من أوضاع العلاقات الدولية، وقام أيزنهاور بتحديد تلك الاستراتيجية، واعترفت الإدارة الأميركية منذ كيندي حتى جونسون بالاستراتيجية الاندفاعية التي هدفت للتوازن النووي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وهو مبدأ نيكسون الذي تابع الرئيس فورد الالتزام به في التفاوض مع الخصوم المحتملين، وطرح مبدأ الشراكة مع الأصدقاء والحلفاء.
ثاني هذه الاستراتيجيات التي وظفتها الولايات المتحدة في حربها الباردة كانت استراتيجية الردع التي سادت لفترة طويلة منطق الفعل السياسي الأميركي؛ وعليها بنيت الترسانة الضخمة التي جاءت نتيجة للحرب الباردة وسباق التسلح النووي.
واستراتيجية الردع تعتمد على منطق الرد بهجوم مدمر على فعل عسكري نووي يهدف للتدمير، ووفق ويدي وولت الخبير الاستراتيجي الأمريكي فإن استراتيجية الردع هي ركوب الموجة إذ يقول: عندما تواجه تهديداً خارجياً كبيراً فإن الدول إما أن توازن موقفها أو تركب الموجة، ويعني بركوب الموجة الانحياز إلى مصدر الخطر.
وهناك مصطلح آخر يندرج تحت مفهوم الردع هو الإكراه، ويعرفه بول هاث وبروس راسيت بأنه: محاولة من صانعي القرار في دولة ما لإجبار صانعي القرار في دولة أخرى على التجاوب مع مطالب الدولة الأولى.
أما الإكراه فيعرفه جاك ليفي بأنه استخدام التهديدات لحث الخصم على فعل شيء، أو التوقف عن فعل شيء، وليس الامتناع عن فعل شيء لم يقم به بعد، وهو بذلك يدرج مفهوم الإكراه داخل استراتيجية الاحتواء.
طورت أمريكا فكرة استخدام الاستراتيجية العسكرية للتدمير الذي قد يصيبها جراء معارض أو معاد لهذه الأهداف، وافترضت قدرةً لإحداث إصابات ودمار صناعي ترد على أي هجوم نووي استراتيجي، وهي فكرة نشأت في الستينيات، وأخذت فيما بعد صيغة الردع أو استراتيجية الردع التي سادت المنطق الاستراتيجي الأميركي لعقود مضت وستبقى سائدة لعقود قادمة.
ولا يعني حديثنا عن هذه الاستراتيجيات بأنها كانت في أيام الحرب الباردة أنها أصبحت الآن بعد انتهاء الحرب الباردة في طي النسيان، ولكنها لا زالت في خدمة المصالح بالإضافة إلى الاستراتيجية الجديدة وهي الضربات الوقائية.
* النظرية الأمريكية الجديدة في المنطقة (الضربات الوقائية):
ثمة تعريفات عدة لمفهوم الضربات الوقائية أو الحروب الاستباقية تبعاً للدولة التي تستخدمها في إطار سياساتها العامة.(2/154)
والثابت أن الضربات الوقائية ليست جديدة في الفكر الاستراتيجي العالمي، ولها تطبيقاتها القديمة والحديثة على السواء، والعدوان الإسرائيلي على ثلاث دول عربية في يونيو 1967م فسر إسرائيلياً بأنه ضربة وقائية لإجهاض المخططات العربية في إنهاء وجود الدولة العبرية. كما أن ما يحدث حالياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد قوات الاحتلال، أياً كان الاسم الذي تحمله، كالسور الواقي أو الطريق الحازم أو الاغتيالات المنهجية أو عمليات الإحباط المسبق، كلها تعبر عن استراتيجية الضرب والعدوان المسبق على الخصم بهدف إنهاكه والسيطرة على حركته التامة. وفي أثناء الأزمة التي هددت بحرب نووية بين الهند وباكستان في الفترة الماضية تعالت أصوات هندية كثيرة باتباع أسلوب الضربات الوقائية ضد ما يعتبرونه معسكرات للإرهاب الكشميري، وتغيير الوقائع على الأرض حتى لا تستفيد منها باكستان أو القوى المتحالفة معها.
ولكن في الولايات المتحدة يحدد مفهوم الضربة الوقائية بأنه ذلك النوع من النشاطات العسكرية الهادفة إلى تحديد وتحييد أو تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الآخرون قبل ان يتمكنوا من استخدامها.
ويصف الأميركيون أنصار هذا المفهوم الحرب التي يبشّر بها هذا التعبير بأنها دفاع وقائي أو ردع متمدد لكن خصومه يقولون إنه مجرد نسخة جديدة من ديبلوماسية البوارج الحربية.
وتقول كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي في تعريفها لهذه الاستراتيجية الجديدة هي استباق فعل التدمير الذي يمكن ان يقوم به عدو ضدك.
وفي موسوعة نيوستاندرد الأميركية يحال التعبير إلى بند حق امتلاك الأراضي بوضع اليد في التاريخ الاميركي وهو ما يرد أيضاً في قاموس المورد لمنير بعلبكي، حيث يعني حق الشفعة أي حق الأولوية في الشراء أو الاستيلاء على شيء واحتلاله قبل الآخرين.
* متى بدأت صياغة هذه الاستراتيجية الجديدة؟
قبل عام من الآن أطلق برنامج الأمن العالمي الذي أنشأ ضمن مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، حيث ركزت مجموعتان من الدراسات والأبحاث على السبل الكفيلة بتحقيق ضمانات ضد التهديد عبر الحدود الذي أكد عليه مراراً الرئيس الأميركي جورج بوش منذ ما قبل دخوله البيت الأبيض.
وضعت هذه الدراسات ما سمي بالاستراتيجية الجديدة التي لم نسمع عنها إلا بعد اندلاع ما يسمى حرب الإرهاب رغم ان هذه الدراسات أنجزت قبل أحداث سبتمبر، واستندت أهداف هذه الاستراتيجية بشكل رئيسي إلى ما جاء في تقرير جورج تينيت رئيس المخابرات الأميركية السابق لسنة 2000م؛ حيث حدد بشكل رئيسي مصادر القلق الأميركي الذي مثله مفهوم فضفاض له اليوم وعنوان كبير هو الإرهاب؛ فالدراسات حددت مصادر الخطر ضد أميركا بالإرهاب، انتشار أسلحة الدمار الشامل، تراجع دعم الحلفاء، وتطور القدرات القتالية لدى دول كثيرة ومنها من تطمح لدخول النادي النووي، وكما نرى هي ليست جديدة قدر كونها أخرجت من جعبة الجمهوريين لبناء سياسة لمن ليس لديه سياسة واضحة.
وقالت صحيفة واشنطن بوست في 10/6/2002م، إن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تصيغ سياسة عسكرية رسمية تتبنى مبدأ الضربات الوقائية ضد من تصفهم بالإرهابيين والدول المعادية لواشنطن التي تملك أسلحة دمار شامل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين بارزين في الإدارة قولهم إن المبدأ الاستراتيجي الجديد يبعد كثيراً عن سياسة حقبة الحرب الباردة التي قامت على الردع والاحتواء وسيكون جزءاً من أول استراتيجية للأمن القومي تضعها إدارة بوش التي من المتوقع أن تنشر تفاصيلها في وثيقة خلال الخريف المقبل.
وقال أحد المسؤولين في تصريحات للصحيفة إن الوثيقة الرسمية ستضيف ولأول مرة تعبيرات الوقائي والتدخل الدفاعي كخيارات رسمية لضرب دول معادية أو جماعات تبدو عازمة على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين يضعون الخطوط الرئيسية للاستراتيجية الجديدة قولهم: إن الولايات المتحدة اضطرت للذهاب إلى أبعد من الردع بعد هجمات 11 سبتمبر نظراً للمخاطر التي تشكلها الجماعات الإرهابية والدول المعادية التي تؤيدها، وقال مسؤول رفيع إن طبيعة العدو تغيرت، وطبيعة المخاطر تغيرت؛ ولذلك يجب أن يختلف الرد.
وكان الرئيس بوش قد طرح فكرة الضربة الوقائية أمام البرلمان الالماني في مايو أيار الماضي، ثم تحدث عنها بشكل موسع عندما تحدث عن التوجه الاستراتيجي الأميركي في خطاب ألقاه بالأكاديمية العسكرية الأمريكية أول شهر يونية بمناسبة تخرج دفعة من طلبتها، قائلاً إن قادة المستقبل العسكريين الأمريكيين يجب أن يكونوا مستعدين لتوجيه ضربات وقائية في الحرب على الإرهاب وللتعامل مع تحذيرات غير مسبوقة من إمكانية حدوث هجمات كيماوية أو بيولوجية أو نووية من الإرهابيين والطغاة، وإذا ما انتظرنا حتى يتحول التهديد إلى أمر واقع، فسنكون قد انتظرنا طويلاً؛ إذ علينا أن نحول المعركة إلى الخصم، نشوش عليه خططه ونواجه أسوأ التهديدات قبل أن تبزغ.(2/155)
وشهد البنتاجون في شهر يونية 2002م مناقشات مطولة حول مبدأ جديد للسياسة الخارجية واستراتيجية الولايات المتحدة في العالم يبنى على تصور أن العدو الجديد هو الإرهاب الذي ضرب في نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001م بديلاً عن العدو القديم ـ الاتحاد السوفييتي السابق ـ والذي بنيت السياسة الخارجية طوال سنوات الصراع والمواجهة معه.
أما المبدأ الجديد الذي تجري مناقشته داخل الهياكل السياسية الأمريكية فيقوم أساساً على ضرب العدو الجديد بما يسمى الضربات الوقائية والتدخل الدفاعي، ولما كان العدو وهو الإرهاب ليس دولاً أو كيانات قائمة على أرض لها عنوان معروف فهو يوسع من دائرة الأهداف التي يرمي إلى توجيه ضرباته الوقائية وتدخله الدفاعي ضدها لتشمل ما يقرر أنه دول ترعى الإرهاب وتحوز أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية.
وهو بذلك لا يضع على الجانب الآخر من خط المواجهة الذي يريد أن يقيمه أطرافاً معادية للولايات المتحدة، ولم يحدث أن قامت بأعمال إرهابية ضدها أو حتى تربطها أي صلة بمنظمات الإرهاب التي هاجمت نيويورك وواشنطن، لكنه يدرج على هذا الجانب من خط المواجهة كل من يقدر أنهم يمكن ـ ولو فرضاً ـ أن يشكلوا مستقبلاً تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة، فيستهدفهم بما يسميه الضربات الوقائية أي أن تتم قبل أن يكون قد حدث من جانبهم تهديد فعلي للأمن الأمريكي.
وهذا المبدأ قد يمثل تطويراً أو ربما تأكيداً للفكرة التي سبق أن شرحها أمام الكونجرس في فبراير الماضي جورج تنيت مدير وكالة المخابرات المركزية عن العدو المحتمل أي الجهات والمنظمات التي لم يظهر عليها اتجاهات للقيام بأعمال إرهابية أو عدائية للولايات المتحدة؛ لكن قد يحدث في المستقبل أن تؤثر فيها سلباً إجراءات أو سياسات أمريكية مما يحول توجهاتها لاحقاً ضد الولايات المتحدة.
ولما كان هذا المبدأ له آثاره الخطيرة، وأنه يصطنع أعداء من قبيل التقدير وليس اليقين على أساس ان هناك عدواً مؤكداً فإن المناقشات في البنتاجون ما زالت تجري بين مؤيدين ومعارضين لهذه الاستراتيجية.
وأوضح وزير الخارجية الأميركي باول في لقاء مع مجموعة من الصحفيين الاستراتيجية الجديدة لإدارة بوش القائمة على توجيه ضربات وقائية على إرهابيين ومنظمات إرهابية ودول معادية للولايات المتحدة، ربما تشمل ضغوطاً مالية واقتصادية وسياسية، لكنه شدد على أن القوة إذا استخدمت فإنها ستكون حاسمة، كما أكد على أهمية إقناع العالم بضرورة اللجوء إلى القوة بتقديم المعلومات اللازمة.
وأشار باول في ذلك اللقاء إلى الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي في عام 1981م، كمثال للاستراتيجية الوقائية.
وقال رامسفيلد في 19/6: ليس صحيحاً أن البنتاغون بات على وشك توجيه ضربات وقائية؛ معترفاً بالمقابل أن مجلس الأمن القومي والبيت الأبيض يقومان بإعادة صياغة الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة.
وأضاف: «يمكنكم أن تسموا ذلك دفاعاً، وهو ما أقوم به، أو وقاية، مضيفاً في الوقت نفسه أن للأمريكيين الحق في الذهاب لضرب مصدر الإرهابيين مثل القاعدة حين يعلمون أنهم يتآمرون لقتل مدنيين أبرياء، ولهذا السبب اتخذت الولايات المتحدة القرار الصائب بشنّ حملة عسكرية ضد دولة متورطة بالإرهاب وتهدد الأمن الأمريكي وهي أفغانستان».
ومن ضمن عناصر هذه الاستراتيجية الجديدة قضية إقامة الدرع الدفاعية الصاروخية التي كانت وما زالت الهاجس الذي يؤرق بوش ويعده إنجازه الذي يجب ان يتم قبل رحيله، وما زاد سوى أن أمريكا نجحت في إيجاد مسوِّغ لإقامته بعد أن رفض العالم ذلك وأضافت إليه عنصر الرعب من احتمالات كثيرة قد تحدث وقد لا تحدث.
وفي شهر يونية (حزيران) الماضي أقر الكونغرس الأميركي هذه الاستراتيجية، ويرمي بها تأمين تغطية مسبقة لأي عملية عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة بحجة تأمين وقاية مسبقة للمصالح الأميركية، وعدم تعريض الولايات المتحدة لخطر وقوع هجمات مماثلة لتلك التي وقعت في 11 سبتمبر الماضي.
وقال عضوان جمهوريان بارزان في مجلس الشيوخ الأمريكي إن الرئيس جورج بوش باستطاعته تسويغ توجيه ضربة إجهاضية إلى العراق، وهو ما فسّره المراقبون بأنه موقف يمثل اختلافاً عن الدعوات المتزايدة من كثير من المشرعين الأمريكيين مؤخراً بمن فيهم أعضاء في الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش.
وقال ريتشارد لوجار وفريد تومبسون عضوا مجلس الشيوخ إن بوش لديه بالفعل أسباباً كافية للعمل ضد الرئيس العراقي صدام حسين، واستعان العضوان في تأكيد رأيهما بأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي التي تعرضت لها الولايات المتحدة.
وأوضح لوجار عضو مجلس الشيوخ عن ولاية إنديانا أنها أسلحة للدمار الشامل في يد طاغية يمكن أن يستخدمها.(2/156)
وكان ديك آرمي رئيس الأغلبية من الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي قد أثار عاصفة عندما انشقّ عن صف بوش بقوله إن الولايات المتحدة ليس من شأنها شن هجوم على العراق دون سبب كافٍ، وقد انضم كارل لفين عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ورئيس لجنة القوات المسلحة فيه إلى آرمي باعتراضه على شنّ هجوم على العراق بغير مسوغ وبقوله لمحطة إن. بي. سي التلفزيونية إن صدام لا يشكل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة.
لكن لوجار الذي يحتل مكاناً بارزاً في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قال إن بوش بوسعه إيجاد المسوغ لضرب العراق على الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تتوصل إلى هذا بعد، وأضاف في مقابلة مع محطة سي. بي. إس التلفزيونية يتعين على الرئيس أن يتخذ حجة في هذه الحالة بالتحديد بأن انتظار حدوث استفزاز يُعدّ بمثابة دعوة لكارثة هائلة، مشيراً إلى أن هناك معلومات كافية عن القدرات الكيماوية والبيولوجية للعراق بما يسوغ إطاحة طاغية بوسعه استخدامها.. قبل أن تستخدم.. وتخميني أن هذا هو السبب الذي ستستند إليه الحرب في نهاية الأمر.
وقالت كاي بيلي هتشنسون وهي من الأعضاء الجمهوريين أيضاً بمجلس الشيوخ إن بوش أوضح بما يكفي أننا لا نستطيع انتظار أن يطلق صدام سلاحاً للدمار الشامل على أحد جيرانه أو على قوات أمريكية.. علينا توجيه ضربة وقائية، مضيفة لمحطة سي. إن. إن التلفزيونية: هذا إجراء يمثل سابقة للولايات المتحدة في أن تشنّ هجوماً بهدف الدفاع.
وقال تومبسون عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تنيسي وعضو لجنة المخابرات بالمجلس: إن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة على الإرهاب والتي شنها بوش رداً على الهجمات التي وقعت في نيويورك وواشنطن، وأسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف شخص تتضمن منع مثل تلك الهجمات قبل وقوعها، وأضاف لمحطة فوكس التلفزيونية: يتعين أن يكون جزء مما نفعله هجومياً، وعندما نعلم أن هناك شخصاً مثل صدام الذي أظهر قدرته في الماضي على استخدام أي شيء في حوزته.. نحن نعلم أن لديه أسلحة بيولوجية، ونعلم أن لديه أسلحة كيماوية ونعلم بغير شك أنه يعمل لتطوير أسلحة نووية.. بعد أن تتوافر لدينا معلومات بأن لديه القدرة خاصة النووية؛ فعلينا مسؤولية التعامل مع هذا بصورة جدية، ويبدو لي أنه سيكون علينا في نهاية الأمر أن ندخل العراق، ونفعل شيئاً بهذا الشأن.
وهكذا فوجئ العالم بأن المؤسسة السياسية الأمريكية بشقيها التنفيذي والتشريعي أصبحت تنظر بمقياس استراتيجي واحد يتمثل في الضربات الوقائية.
ولكن ما الذي حمل أمريكا على اتخاذ تلك الاستراتيجية الجديدة؟
منذ انتهاء الحرب الباردة سادت توقعات كثيرة بأن يدخل الأمن سياق العولمة بعد العولمة الاقتصادية والتقنية والعولمة في بعدها العسكري والسياسي، وسبب هذا الاعتقاد أنه لا يوجد نظام اقتصادي محلي أو عالمي يمكن أن يعمل دون حماية قوة عسكرية وقوة سياسية تقوده ومناخ آمن؛ لذا فإن طرح العنصر الأمني أو ما يعرف بالضربات الوقائية أصبح ضرورة ليكتمل مشروع العولمة مع أدواته الأخرى السياسية والعسكرية، التكنولوجية والمعلوماتية، الاقتصادية، والاتصالات.
وجاءت أحداث 11 سبتمبر واحتشدت جميع الدول تقريباً في العالم لمساندة أمريكا، ولكن بتراجع التأييد للولايات المتحدة بعد أن خفتت الدعوات للانتقام الذي قادته الأخيرة ضد ما أسمته بالإرهاب، وحيث أفرزت الحرب ضد الإرهاب في مرحلتها الأولى آثاراً سياسية خطيرة انعكست على واقع النظام الدولي مخلفة خيبات أمل على جانبي هذه الحرب، سواء كانت في الجانب الأميركي أم في الجانب الدولي المقابل. ويبدو واضحاً أن الأمريكيين لم يحققوا الشيء الكبير الذي شمله إعلانهم هذه الحرب، فلا هم استطاعوا القضاء على تنظيم القاعدة، ولا هم استطاعوا فرض الاستقرار في القلب الآسيوي المشتعل والذي كان في الثمانينيات ساحة صراع بينهم وبين السوفييت ونعني هنا أفغانستان.
ولذلك سعى جورج بوش الرئيس الأميركي بإطلاق ما أسماه بسياسة جديدة واستراتيجية عسكرية تستند إلى تحرك عسكري وقائي بهدف منع أي تهديد بالإرهاب أو تدمير الدول الأعداء لأميركا وسياساتها.
وفي حملة دعائية كبيرة هدفت لحرف الانتباه عن القضية الفلسطينية وإعادة التركيز على حرب أميركا ضد العراق والدول التي أسمتها الولايات المتحدة بالمارقة، تم التسويق لهذه الاستراتيجية الجديدة، ونسبت إلى جورج بوش الرئيس الأميركي الذي أشار في أكثر من مرة إلى أنه يريد وضع نظام أمني جديد يتناسب مع مكانة الولايات المتحدة الجديدة وعالمها الجديد بمتغيراته التي تفترض وجود من يهدد الأمة الأميركية كما يقول بوش.
ü أثر هذه الاستراتيجية على الموقف الدولي:
أخطر ما في هذه الاستراتيجية الجديدة أنها استبدلت مفهوم التسوية بمفهوم القوة، ومفهوم العدالة بمفهوم الحصار، وأباحت لنفسها تدمير الآخر بحجة أنه يشكل خطراً قد يكون واقعاً وقد لا يكون.(2/157)
ويمكن للإدارة الاميركية الحالية، أو أي إدارة لاحقة، أن تتذرع بهذه الاستراتيجية لتوجيه ضربة وقائية ضد أي دولة بحجة أنها تقوم بالتحضير لهجمات ضد الولايات المتحدة، أو أنها تقوم باحتضان أو إيواء أو تمويل منظمات إرهابية، أو لمجرد أنها مدرجة على لائحة الإرهاب الاميركي. وانطلاقاً من استراتيجية الضربات الوقائية، أصبح بمقدور الرئيس الأميركي توجيه ضربات عسكرية ضد ما تسميه واشنطن بمحور الشر متى يحلو له الأمر، كما أصبح بمقدور أرييل شارون أن يتحين الفرصة السانحة للمشاركة في استراتيجية الضربات الوقائية والإفادة منها بهدف توجيه ضربات خاصة به ضد لبنان وسوريا بغطاء أميركي، وبحجة التهديدات التي تشكلها المنظمات الفلسطينية ضد أمن إسرائيل.
كما أن هذا المبدأ يعكس تراجعاً عن إحدى أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي كانت قد استقرت في عهد الرئيس جورج بوش الأب بعد نهاية الحرب الباردة، وزوال الاتحاد السوفييتي عام 1989م وتبلورت أكثر في عهد خلفه كلينتون، وهي اعتبار الاستقرار الإقليمي مصلحة حيوية ومصلحة أمن قومي للولايات المتحدة، وأن هذا يتحقق عن طريق حل الأزمات والنزاعات الإقليمية بينما من شأن تطبيق هذا المبدأ زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتراجع أولوية حل النزاعات والأزمات؛ لأنه مبدأ يخلق أزمات جديدة من خلال ما يسمى بالضربات الوقائية، والتدخل الدفاعي، أي أن الاستقرار الإقليمي يتحول من أولوية عاجلة، إلى هدف مؤجل.
لقد شكل هذا التحول الذي عبر عنه الرئيس بوش تطور مهماً وخطيراً في الآن ذاته؛ فهو في جانب يعكس حجم التغيير الذي أصاب الفكر الاستراتيجي الأمريكي بعد هجوم 11 سبتمبر الدامي، وفي جانب آخر يوضح المدى الذي باتت الولايات المتحدة مقبلة عليه في علاقاتها الخارجية. ونتج عن ذلك قبل ذلك منذ أسابيع قليلة ذلك التسريب المتعمد لخبر توقيع الرئيس بوش أمراً رئاسياً يتيح لوكالة المخابرات الأمريكية العمل في العراق من أجل إسقاط نظام الحكم فيه، حتى لو وصل الأمر إلى اغتيال الرئيس صدام نفسه.
ومثل هذه الأساليب التدخلية ليست أمراً جديداً في السياسة الأمريكية من الناحية التاريخية؛ فقد كانت موجودة من قبل، واستخدمت في حالات شهيرة مثل حالة إيران زمن الرئيس مصدق، وفي تشيلي نهاية السبعينيات، وحالات أخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
بيد أن الولايات المتحدة نفسها تخلت عنها طواعية في ولاية الرئيس فورد الذي أصدر أمراً رئاسياً منع الاستخبارات الأمريكية من التدخل لتغيير نظم الحكم في الدول الأخرى أو اغتيال الزعماء، أو غير ذلك من الأساليب الخفية.
هذه النقلة ستجبر المؤسستين العسكرية والاستخبارية الأميركية على تنفيذ تبدلات واسعة في تركيبتهما وسياساتهما وذلك على مستويين:
الأول: مستوى المفاهيم حيث سيتطلب الأمر تغيير العقلية العسكرية الأميركية التي تعتبر الهجمات المفاجئة عملية غير مشرّفة.
والثاني: مستوى العتاد؛ لأن الهجمات الوقائية تحتاج إلى أنواع جديدة من الأسلحة لجعل القوات الأمريكية أكثر مرونة في الحركة وأكثر قدرة على الفتك السريع.
وبدأ البنتاغون بالفعل وضع الدراسات حول كيفية شن حروب من دون إنذار مسبق تتجاوز بكثير مفهوم الغارات الجوية السريعة، وتعطي دوراً كبيراً للقوات الخاصة الأمريكية وحتى للمارينز والوحدات البرية.
وعلى رغم أن المبدأ يضع استخدام الأسلحة النووية في آخر سلم أولوياته، إلا أنه لا يستبعدها تماماً بصفتها فكرة لا يمكن التفكير بها؛ إذ يمكن للقوات الاميركية كخيار أخير ان تستعمل أسلحة نووية تكتيكية محدودة القوة الحرارية لضرب مخابئ ومستودعات الأسلحة البيولوجية والصاروخية.
والأهم من هذا وذاك أن الاستراتيجية الجديدة ستلغي مفهوم شن حربين إقليميتين في وقت واحد على نمط حرب الخليج الثانية لمصلحة مفهوم أوسع بكثير: القدرة على الحركة العسكرية في 60 دولة في آن وإن كان ذلك بمستويات منخفضة الوتيرة.
وهذا لا يعني فقط العراق الذي سيكون حتماً الهدف الأول لها أيضاً، ولا احتمال استهداف أهداف أخرى في بعض الدول العربية التي تمتلك برامج أسلحة دمار شامل، بل أولاً وأساساً عن احتمال حدوث تطابق كامل بين التوجهات الاستراتيجية الأميركية الجديدة، والتوجهات الإسرائيلية القديمة المتعلقة بمبدأ الهجوم الوقائي.
وهذا التطابق قد يحدث لسببين:
الأول: أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تستند منذ 50 عاماً، ولا تزال، إلى فكرة الحرب الاستباقية أو الوقائية، وهي طوّرت من أجل هذا الغرض سلسلة طويلة من قواعد العمل، وأنماط الأسلحة، وغرف التخطيط التي يمكن أن تفيد منها للغاية المؤسسة العسكرية الأميركية.
والثاني: أن معظم الحروب الوقائية الأميركية الجديدة ستحدث على الغالب على امتداد الرقعة الجغرافية الشرق أوسطية؛ وهنا سيكون دور إسرائيل كبيراً، إما في شكل حروب وقائية تقوم بها هي نفسها لمصلحة واشنطن، وإما في صيغة حروب، عسكرية أو استخبارية مشتركة مع الولايات المتحدة.(2/158)
وهكذا نرى الفروق بين الاستراتيجيات الأمريكية قبل 11 سبتمبر وما بعده، فاستراتيجية الاحتواء كانت تقوم على أساس التعايش مع الخطر النووي للاتحاد السوفييتي السابق والعمل على منع توسيع دائرته.
أما استراتيجية الردع فكانت تتركز في ترتيب الدفاعات الأمريكية للتأكيد على الرد الأمريكي الساحق المدمر، ومن ثم منع الخصم من الإقدام على أي عمل معاد.
أما استراتيجية الضربات أو الهجمات الوقائية فهي تعطي الولايات المتحدة حق العدوان تحت زعم أو غطاء الدفاع عن النفس.
ولكن ما موقف المسلمين إزاء هذه الاستراتيجيات التي يجري نسجها في العلن وليس في الخفاء؟
وما هي استراتيجيتهم الوقائية لمواجهة الضربات الوقائية الأمريكية؟... لا شك أن هذا هو التحدي الأخطر؛ فماذا أعددنا له؟
رجب 1423هـ *سبتمبر-أكتوبر2002م
المصدر: http://albayan-magazine.com
==============(2/159)
(2/160)
محاولات جديدة لتفتيت الكثافة الإسلامية في نيجيريا
الخضر عبد الباقي محمد
حرّكت الدعوة الجديدة التي انطلقت من رموز سياسيّة وزعامات قبليّة في منطقة شمال نيجيريا بضرورة استقلال منطقة جديدة تسمى "إقليم الحزام الأوسط" للأقليات العرقيّة المسيحيّة، حّركت تلك الدعوة الكثير من المياه السياسيّة في اتجاهات متباينة0
وكانت دعوات أخرى سبقت تنادي إلى ضرورة مراجعة وضع الاتحاد الفدرالي للدّولة المركزيّة، من خلال عقد مؤتمر للمصالحة الوطنيّة يؤسس لدستور جديد للبلاد، ويأخذ في الاعتبار والحسبان مجموعة من المتغيّرات والمستجدّات على الساحة النيجيريّة، مع إعطاء الخريطة الجيو سياسيّة القبليّة المقترحة لتداول السلطة في البلاد أولويّة في الاعتبار، وطرحت نقاطاً عديدة على أجندة البحث والمداولة للمؤتمر، من بينها: مراجعة الشكل المناسب للاتحاد الفدرالي، ودراسة إمكانية منح الحكم الذاتي لبعض الأقاليم، وموقف الدولة من الدين وحدود علاقته بالسياسة والحكم في نيجيريا، وحدود تأثيره في صنع القرارات السياسيّة بالتّحديد، مع حسم مسألة علمانيّة الدولة في ظل التصارع المتنامي، وتصاعد موجات أعمال العنف بين المواطنين المسلمين والمسيحيّين.
وقد انطلقت تلك التساؤلات من التساؤل الرئيسي والجوهري في هذا الصّدد والذي يقول: كيف تحدث تناغم وانسجام داخليّ بين لعناصر التي يبدو أنّه من الصّعب التوفيق بينها داخل الكيانات القوميّة، وكيف يمكن التوفيق بين الشعوب ذات التواريخ المختلفة مع مخلّفات التحكّمية الاستعماريّة، وافتقاد الإرادة، وفشل الجيل الأول من القيادات في معالجة مجالات الخطأ في دولة تسير على الحدود التي ورثتها، وفتحت العديد من الخيارات، منها: أنّه يمكن أنْ تتّخذ عملية التناغم هذه مسارات عديدة تبدأ إحداها بالاعتراف بكيانات شبه مستقلة داخل حدود الدولة المركزيّة الحاليّة.
وقد تعززت دعوة التفكيك وتجدّدت بشكل صارخ على خلفيّة تصاعد موجات الاشتباكات الطائفيّة والقبليّة في أنحاء متفرقة من البلاد بدعوى أنّها نتيجة مباشرة لعدم قدرة العناصر القبليّة المكونة للاتحاد الفدرالي على تحقيق اندماج وطنيّ حقيقيّ وتعايش سلميّ فيما بينها، مما جعل أصحاب التيار اليساري يقولون: إنّ الاتجاه الوحدويّ والمركزيّة قد تمّت تجربتهما وفشلتا بشكل صارخ، وأنّه لم يدعم في الحقيقة الوحدة المنشودة بل دعم الفرقة والرغبة في الانشقاق.
وإذا كانت ردود الأفعال تجاه مسألة إعادة النظر في وضع الاتحاد الفدراليّ والدولة المركزيّة قد اتسمت بتباين كبير بين مواقف القوى والمؤسّسات والتنظيمات الوطنيّة المختلفة ما بين مؤيّد ومعارض ومتحفّظ،، وأعلنت إدارة الرئيس "أوباسيجو" في بادئ الأمر رفْضها المطلق لأيّ محاولة أو دعوة لعقد مؤتمر وطنيّ، بل تعاملت مع رموز تلك الرأي بحزم و قمع واعتقال بدعوى خرق الأمن الوطنيّ وتعريض المصلحة الوطنيّة للمخاطر، ولم تمر سوى شهور قليلة حتى فجر (أنبروس علي) وهو جنرال عسكريّ متقاعد وزعيم سياسي بارز من جماعات الأقلية القبلية المسيحيّة في شمال البلاد، قنبلة جديدة بإعلانه "أنّ إقليم شمال نيجيريا لن تذوق الأمن والاستقرار حتى تستقل منطقة "الحزام الأوسط" عن البيت الشمالي الذي تسيطر عليه الأغلبيّة الهوساوية المسلمة" فسكان الحزام قد أخذوا على غِرة ليعيشوا داخل البيت الشمالي قهراً على الرغم من وضوح هويّتهم المسيحيّة، واختلاف أسلوب حياتهم الثقافيّة، فيجب عليهم الآن التحرك لتحرير أنفسهم وتولي قيادة نيجيريا".
منطقة الحزام المطالب بها ستضم ست ولايات هي(بلاتو وبانوي وغنغولا وكوغي ونيجر وترابا ونصراوا)، من أصل19 ولاية التى يتكون منها إقليم شمال نيجيريا، والذي يشكل أكبر الأقاليم السياسية الثلاثة، تتيع ست ولايات للإقليم الغربي وعشر ولايات للإقليم الشرقي، وتوجد الأغلبيّة والكثافة الإسلاميّة في الإقليم الشماليّ بنسبة تتجاوز 85% من بين مجموع سكانه، فيما تبلغ نسبة المسلمين في الإقليم الغربي 55% أما الشرقي فيمثلون أقليّة فيه بنسبة 10%، الا أن الدعوة الأخيرة تأتي ضمن المحاولات الرامية لتفتيت الإقليم الشمالي والتي تستهدف إضعاف القوّة التأثيريّة والنفوذ القوي اللذين يتمتع بهما الشمال، مما يجعل الاعتبار مرجحا لكفّة المسلمين، الذي يثير حفيظة الأقليّة المسيحيّة في أطراف الشمال، وبدؤوا يضربون على أوتار أكثر جذباً لكسب تعاطف محليّ و إقليميّ ودوليّ، تحت دعوى التهميش ومحاولة مسخ ثقافي لهُوياتهم.(2/161)
وتجدر الإشارة إلى أنّ المغزى الخطير الذي تستهدفه فكرة الاستقلال يكمن في أنّ الولايات التي سيضمها الحزام الأوسط يسكنها الأغلبيّة المسلمة من قبائل الهوسا والفلانى وغيرهما ممن ينتمون للثقافة الإسلاميّة، والذين تعتبرهم الأقليّة المسيحيّة(الذين يرون أنفسهم السكان الأصليين)عناصر مهاجرة ومواطنين من الدرجة الثانية، ولذلك يمتعضون من الأخذ بحكم الأغلبيّة والذي دائما يأتي في صالح المسلمين، كما أنّها تراهن على كوادرها المتعلمة في شغل المناصب والمراكز القياديّة في حالة التفتيت والاستقلال، كل ذلك على أمل تكون قوة موازية ومواجهة للزحف الإسلاميّ وموجة الحركات الهادفة لأسلمة الشارع النيجيري المتمثلة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة التي انتشرت في البلاد مؤخراً.
لا شكّ أنّ هذه التحولات الجديدة على درجة كبيرة من الأهميّة في منظومة الحسابات السياسية التي تتعلق مسألة الاتحاد الفدرالي من جهة، ووضع الكثافة الإسلاميّة من جهة أخرى، حيث انطوت على إشارات في غاية من الحساسية، وكشفت أنّ كل الاحتمالات مفتوحة الآن في نيجيريا على جبهات مختلفة على الرغم من تناقضات الواقع، فالمؤشّرات كلّها تنحو إلى إمكان ظهور ترتيبات جديدة ومغايرة لما هو موجود في الوقت الحاليّ.
17/7/1425
02/09/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============(2/162)
(2/163)
الزنا جواز مرور للأوربة
علي عليوه
جاء تراجع حكومة العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب اردوغان عن التعديل الخاص بتجريم الزنا بالنسبة للمتزوجين كرد فعل للضغوط التي مارسها الاتحاد الأوربي والتيار النسوي العلماني التركي اللذين رفضا هذا التعديل بحجة انه يتعارض مع حقوق الإنسان وأوضح الاتحاد الأوربي أن هذا التعديل إذا تم سيؤدي إلي وضع العقبات أمام رغبة تركيا الانضمام لعضوية الاتحاد وكان الحزب الحاكم في تركيا قد طرح فكرة تجريم الزنا في إطار إصلاحات لقانون العقوبات الهدف الأصلي منها الارتقاء بالقوانين التركية إلى مستوى المعايير الأوروبية لاستيفاء احد الشروط التي وضعها الاتحاد لقبول تركيا عضوا فيه.
إلا أن خطط الحزب تحطمت ووجهت بالانتقاد من جانب مسؤولي الاتحاد الأوروبي وساسته الذين قالوا أن التعديلات تشير إلى أن تركيا تتحرك في اتجاه تطبيق الشريعة الإسلامية مما يتنافى مع مبدأ العلمانية السائد في أوربا.
واللافت أن من بين الذين احتجوا علي القانون جماعات حقوق المرأة التركية والمعلقين الليبراليين الذين تظاهروا أمام البرلمان التركي رافعين لافتات تطالب برفع الرقابة الجنسية المفروضة علي المرأة وقد أثارت تلك التظاهرة دهشة المراقبين للشأن التركي الذين كانوا يتوقعون أن تتظاهر النسويات التركيات من اجل أمور أخري أكثر أهمية من قبيل الاحتجاج علي منع المرأة من حقها في ارتداء الحجاب اوتعذيب النساء في السجون العراقية او المطالبة برفع الأجور أوتخفيف القيود المفروضة علي المدارس الدينية.
وساندت أحزاب المعارضة التركية اليسارية مطالب هؤلاء النسويات متهمة الحكومة بدفع تركيا نحو عصور التخلف !! على الرغم من الاستطلاع الذي قامت به احد مراكز الرأي التركية والتي أكدت ان 70% من الشعب التركي يرى أن الزنا جريمة تستوجب العقاب , وجاء مانشيت احدي صحف تلك الأحزاب العلمانية يقول "الدولة تدخل غرف نومنا" ، وقالت سينال ساروهان، الناشطة في مجال حقوق المرأة، لوكالة الاسوشيتد برس "إنه نهج رجعي سيسمح للدولة بالتدخل في حياتنا". في حين دافع رئيس الحكومة عن القانون قائلا إن تجريم زنا المتزوجين سيساعد في حماية المرأة من الانخداع.
ولم تتضح بعد تفاصيل تشريع تجريم الزنا لكن وزير العدل التركي جميل تشيشك قال إن القانون سيطبق فقط في حال تقدم أحد الزوجين بشكوى.
وان التعديل يصحح وضعا قانونيا خاطئا حيث أن الزنا كان يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في تركيا حتى عام 1996 عندما أسقطته المحكمة الدستورية لأنه تسبب في معاقبة النساء أكثر من الرجال.
وكان يحكم على الرجل بأنه زان إذا ثبت أنه كان على علاقة بامرأة لفترة طويلة، في حين كان يتم إدانة المرأة إذا ثبتت خيانتها ولو مرة واحدة .
ويري كثير من المحللين أن تراجع حكومة العدالة والتنمية عن رغبتها في إدخال التعديل الخاص بتجريم زنا المتزوجين يضيف فشلا جديدا لسلسلة من المشروعات التي تبنتها الحكومة ذات التوجه الإسلامي من بينها تخفيف القيود علي ارتداء الحجاب داخل أماكن الدراسة والعمل ، وإعطاء خريجي مدارس "إمام خطيب "الحق في الالتحاق بالجامعات التركية مما يضعها في موقف لا تحسد عليه أمام الأتراك الذين يعارضون التوجه العلماني للدولة الذي وضع أساسه كمال أتاتورك منذ أكثر من سبعين عاما بعد أن نجح في إسقاط الخلافة العثمانية ،
ومنع الآذان باللغة العربية وقتل العشرات من علماء الإسلام واستبعد الحروف العربية من الكتابة التركية لقطع صلة الأتراك المسلمين عن التراث الإسلامي المكتوب باللغة العربية وحرم النساء من ارتداء الحجاب ووضع دستورا يعطي الجيش سلطة إلغاء أي إجراء من شأنه المساس بالعلمانية ذات الطابع العدائي للإسلام أو العودة للطابع الإسلامي للدولة.
ويأتي إصرار الاتحاد الأوربي علي أن تتخلي تركيا عن هويتها الإسلامية كشرط لقبولها عضوا في الاتحاد دليل جديد علي أن شعارات التعددية الثقافية والعقائدية التي يزعم الاتحاد انه يطبقها ويسعى لنشرها في العالم كما جاء فيما اسماه (الاستراتيجية الاوربية في حوض البحر المتوسط) والمنشورة علي موقع الاتحاد علي الانترنت منذ عام 2002 هي محض ادعاءات لا نصيب لها من المصداقية علي ارض الواقع.
http://us.moheet.com/asp/show_f2.asp?do=1405194
-==============(2/164)
(2/165)
التعاون اليهودي الروسيّ وآفاق المستقبل
باسل النيرب
1425/7/27/2004/09/12
إثر العمليّات الأخيرة التي قام بها الشيشانيّون في أنحاء متفرقة من روسيا الاتحاديّة عرضت الحكومة الإسرائليّة على روسيا فتح مجال التعاون في مجال الاستخبارات لمقاومة ما وصفته بِـ "الجهاد الإسلاميّ"، ووصل وزير الخارجيّة الروسيّ إلى إسرائيل في زيارة استغرقت أربعاً وعشرين ساعة التقى خلالها نظيره الإسرائيلي (سيلفان شالوم) والرئيس الإسرائليّ (موشي كاتساف)، وزعيم المعارضة العماليّة (شيمون بيريز)، هذا التعاون يعيدنا إلى فتح ملفات التعاون الروسيّ الإسرائليّ.
نشأة العلاقة
بدأت العلاقات الروسيّة الإسرائليّة تنمو بشكل إيجابي من عهد الرئيس (بوريس يلتسين) حيث تم تبادل السفراء، كما سمحت روسيا بهجرة اليهود إلى فلسطين، ولم تقتصر هذه العلاقات على التمثيل الدبلوماسيّ فحسب، بل ذهبت لأكثر من ذلك عبر تفعيل الحوار المشترك، وتطوير العلاقات التجارية بشكل كبير، كما تم ترحيل نحو أكثر من مليون يهوديّ من دول الاتحاد السوفيتيّ السابق إلى فلسطين المحتلة، وقامت مؤسّسات بتنظيم هجرة مواطنين روس - غير يهود- إلى إسرائيل مقابل دفع مبالغ ماليّة لإعداد أوراق رسميّة تثبت أنّهم يهود، وكانت المحصّلة أنّه من بين خمسة ملايين نسمة في إسرائيل هناك مليون نسمة على الأقلّ ذوي أصول روسيّة ليسوا بالضروة من اليهود المعترف بهم حسب الديانة اليهوديّة.
وتنامت العلاقات الروسيّة الإسرائليّة حتى توّجت بتوقيع اتفاق للتعاون الدفاعي والأمني في ديسمبر 1995م، ثم طالب الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين اعتبار إسرائيل إحدى الدول الناطقة بالروسيّة؛ ما لذلك من أهميّة ثقافيّة - حضاريّة تحرص عليها روسيا كمفتاح لمستويات أخرى من الأهميّة السياسيّة والاقتصاديّة، فقد تخلّت روسيا الحليفة التي كانت أقرب إلى العرب عن موقفها، وادّعت أنّها تسعى إلى تحقيق التوازن في المِنطقة العربيّة، وتحقيق مصلحة كافة شعوب المِنطقة، ومن بينها مصالح إسرائيل.
التعاون الاستراتيجيّ
تكشف وسائل الإعلام الإسرائليّة بين الحين والآخر أنّ إسرائيل وروسيا تشرعان في تنفيذ سلسلة من المشاريع في مجال تطوير الأسلحة ومشاريع الفضاء، ومنها ما كشفته صحيفة (هآرتس) العبريّة أنّ الرئيس الروسيّ فلادمير (بوتين) عرض على الرئيس الإسرائليّ (موشيه كاتساف) أثناء لقائه به خلال زيارته لموسكو مؤخرًا أنْ يتمّ الشروع في سلسلة من المشاريع في مجال تطوير السلاح بين هيئة الصّناعات العسكريّة والأمنيّة الإسرائليّة، ومصانع السلاح الروسيّة المملوكة للدّولة.
وعرض (بوتين) بشكل خاص أنْ تقوم هيئة الصناعات الجويّة الإسرائليّة بتحديث الأسلحة الروسيّة المتراكمة في المخازن، والمساهمة في تسويقها في أسواق دول العالم الثالث، كما أشار الرئيس الروسيّ إلى ثقة العديد من الدّول في العالم الثالث في أفريقيا وأمريكا الجنوبيّة وآسيا بالسلاح الإسرائليّ.
وفي المقابل شدّد الرئيس الروسيّ على أنّ روسيا مستعدة للتعاون مع إسرائيل إلى أبعد حد في مجال تكنولوجيا الفضاء، وأنّها تضع إمكانيّاتها أمام هيئة الفضاء الإسرائليّة.
ولأهمية الزيارة فقد اصطحب (كاتساف) رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائليّ الجنرال (عوزي ديان) للبحث في تعزيز التعاون بين الجانبين في مجال مواجهة ما أسمته بـ "الخطر الأصوليّ" في المِنطقة؛ حيث إنّ مجلس الأمن القومي -الذي يرأسه ديان- متخصص في بحث سبل مواجهة الأخطار الإستراتيجيّة التي تواجه إسرائيل مستقبلا، بالإضافة إلى أنّ (ديان) يشدّد دائمًا على ضرورة التعاون بين إسرائيل وروسيا في مجال مواجهة "الخطر الأصوليّ الإسلاميّ".
أسباب التقارب
كما يقول الصحفي الروسيّ (بفراغ ستيفن) محلّل الشؤون الأمنّية والدوليّة في هاريسبورغ: "إنّ كلتا الدولتين (روسيا وإسرائيل) تواجهان التهديدات من حركات إسلاميّة، أدّت إلى تقارب معيّن بينهما". ويشير الصحفي الروسيّ إلى أنّ إسرائيل تمتنع عن أيّة تعليقات أو تنديدات بممارسات الجيش الروسيّ بحق المجاهدين الشيشان، فيما يغضّ (بوتين) الطّرف عن استمرار العمليّات الإسرائليّة ضدّ الفلسطينيّين.
فعلى سبيل المثال تصريحات المسؤولين الروس تصبّ جامّ غضبها على من تصفهم بالإرهابيّين الفلسطينيّين لحظة قيامهم بعلميّات تطال المدنيّين بينما تكتفي بالإعراب عن القلق من جرّاء السياسات الإسرائيليّة، أما الكنيسة الروسيّة الأرثوذكسّية فقد احتجّت بهدوء عندما تعرضت بعض ممتلكاتها في إسرائيل للضرر، لكنّها لم تحتجّ لما يتعرّض له الشعب الفلسطينيّ، أما غالبيّة وسائل الإعلام الروسيّة فسخّرت العديد من برامجها للهجوم على الفلسطينيّين والعرب ووصفهم بالإرهابيّين.
مشاريع مشتركة
إنّ القفزة التي شهدتها العلاقات بين الجانبين كانت في عام 1995م، وهي توقيع وزارة الدفاع الروسيّة لاتفاقيّات واسعة وكبيرة مع إسرائيل، تشمل توريد وتطوير عدة أنواع من الأسلحة الروسيّة، والتي بدأها وزير الدفاع الروسيّ ولاقت صدًى إيجابياً لدى الإسرائيليّين.(2/166)
وتجمع وسائل الإعلام أنّ إسرائيل قد احتلت مكانة روسيا فيما يتعلّق بتوريد الأسلحة للهند، حيث وقّعت نيودلهي صفقات تزيد على مليار دولار مع إسرائيل لتوريد أنواع من الأسلحة كانت تستوردها من روسيا، كما أنّ الدولتين وقّعتا على اتفاقيّة هامّة تختصّ بتطوير عدّة أنواع للأسلحة الروسيّة القديمة.
واستمراراً للتعاون فقد أطلقت إسرائيل قمرها الصناعي (عاموس 2) بالتعاون مع روسيا، وتطمح الدولتان بدخول برامج المجموعة الأوروبيّة حلّ استكشاف الفضاء عبر برامج "أريان" و"ستارسيم"، فبعد يومين فقط من إطلاق (عاموس 2) أي في 30 ديسمبر 2003م أعلنت الصين عن مشروعها الفضائي الأول الذي أطلقت عليه اسم (غاليلو 5) بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، والخاصّ بتعقّب العواصف الفضائيّة، وبمحاولة إيجاد بيئة ملائمة لتحسين أمان المهمّات الفضائيّة، بالإضافة لمهامّ أخرى، هذه العلاقة الإيجابيّة بين روسيا وإسرائيل لم تؤثر على التطور النوعي في العلاقات الروسيّة الإيرانيّة، والمتوتّرة بين إيران وإسرئيل بسبب الاتهامات الإسرائليّة لإيران بدعم الفصائل الفلسطينيّة وحزب الله كذلك.
روسيا وإيران وحسابات الربح والخسارة
تعود بداية التعاون الروسيّ الإيراني في مجال الطاقة النوويّة في العام 1992 حين وقّع البلدان اتفاقيّتين، الأولى تهم التعاون في مجال الاستخدامات السلميّة للطاقة النوويّة، والثانية تتعلّق ببناء محطة نوويّة في إيران لتوليد الطاقة الكهربائيّة. ثم وقّعت إيران عقداً مع روسيا بقيمة (800) مليون دولار لبناء مفاعل (بوشهر) النووي (جنوب إيران) بعد أن تنصلت شركة سيمنس الألمانيّة عن إكماله بضغط من الولايات المتحدة، وقد نُقل هذا المفاعل عبر البحر إلى إيران وبصحبته أكثر من ستمائة تقني، وبعد زيارة وزير الطاقة الروسيّ السابق (يفغيني أداموف) إلى طهران تم التوقيع على اتفاقية للتسريع في عملية بناء مفاعل بوشهر، كما أن زيارة وزير الطاقة الروسيّ ثبَّتت دراسات حول بناء محطات جديدة في أماكن متفرّقة من إيران أهمّها في منطقة الأهواز (غرب) بقيمة 780 مليون دولار، وكانت إيران قد وقَّعت اتفاقاً تكميلياً آخر مع روسيا نهاية العام 2001 بقيمة 1.200 مليار دولار ليكون مجموع المفاعلات التي ستساهم في بنائها موسكو خمس محطات نوويّة على أنْ يتمّ الانتهاء من تشييدهم بحلول العام 2012 م بشرط أنْ تقوم إيران بإعادة الوقود المُستَنفد إلى روسيا مقابل حصولها على الوقود الذّري النشط.
وكان ذلك السعي الإيرانيّ الحثيث لامتلاك التكنولوجيا النوويّة قد جعل الولايات المتحدة تقف (وبتحريض إسرائيليّ مباشر كما صرّح بذلك نائب وزير الخارجية الروسيّ فياتشيسلاف تروبنيكوف) بكامل ثقلها لإيقاف وإفشال ذلك الطّموح، وكثّفت من ضغوطها الدبلوماسيّة والاقتصاديّة على روسيا لحثها على إيقاف تسهيل نقل التكنولوجيا إلى إيران، وأصدرت عدة تقارير استخباراتيّه حذرت فيها من أنّ استمرار ذلك التعاون سيمكّن إيران من الحصول على صواريخ عابرة للقارات بحلول العام 2015 ، إلاّ أنّ روسيا وعلى لسان الرئيس (بوتين) دافعت عن هذا التعاون حين قال: إنّ روسيا تقدّم الدّعم الفنّي لإيران في المجالات السلميّة فقط ". وفي الزيارة الأخيرة التي قام بها خاتمي لموسكو تمّ الإعلان عن موافقة روسيا على بناء ثلاثة مفاعلات نوويّة أخرى بتكلفة تقدر بحوإلى بليوني دولار.
مما لا شكّ فيه أنّ للدولتين مصالح إستراتيجيّة مشتركة أكبر بكثير من التعاون النوويّ، كما أنّه من وجهة النظر الإيرانيّة تمثل روسيا مصدراً أساسياً للتسليح وللمساندة التي يمكن أنْ تخفف من الضغوط الدوليّة الواقعة على إيران، فقد أعلن الطرفان عن تدعيم التعاون الاقتصاديّ والعسكريّ من خلال عدّة اتفاقيّات وقّعت من بينها ما يتعلق بإمداد إيران بالأسلحة "الدفاعيّة" كما أعلنت الدولتان عن صفقة تضمّ أسلحة مثل دبابات وقطع غيار. والأهمّ كان في مجال التوصل لاتفاق حول النظام القانونيّ لاستخدام موارد مياه بحر قزوين الغنيّة والتي ثار جدل حولها بين الدول الخمس المطلّة عليه، وكانت إيران قد أعلنت أنّها ستقبل بحصة تبلغ 20% من موارد النّفط الغنية في بحر قزوين. كذلك اتفق الجانبان على معارضة وجود قوات أجنبيّة في هذه المِنطقة، والعمل على مدّ أنابيب البترول لهذا البحر. كما وقع الزعيمان اتفاقاً حول تدعيم العلاقات الاستراتيجيّة الثنائيّة.
إنّ العلاقات الروسيّة الإيرانيّة قائمة على ثوابت لا يمكن أنْ تتراجع بشكل كبير إلا إذا كانت الضغوط الأمريكيّة على روسيا قويّة، ولا تتحمّلها الإدارة الروسيّة فقد اعتبر الروس أنّ الأمن القوميّ الإيرانيّ يبدأ من بحر العرب، وأعلن الإيرانيون منذ وقت قريب ضرورة إحياء مثلث بريماكوف، أي روسيا الصين والهند، مع إضافة ايران لتكون كمّاشة الاحتواء حول تركيا وباكستان.
روسيا وإسرئيل ضدّ "الإرهاب"(2/167)
كشفت المصادر الإعلاميّة الإسرائليّة منذ العام 2000م، أنّ كلاً من روسيا وإسرائيل قد كثفتا التعاون الأمنيّ والاستخباريّ بينهما بشكل لم يسبق له مثيل، وأنّ الحكومتين الروسيّة والإسرائليّة اتفقتا على عقد لقاءات دورية بين قادة الأجهزة الاستخباريّة في الجانبين لتنسيق جهودهما ضد ما أسمته الإذاعة "خطر الأصوليّة الإسلاميّة المتصاعد".
وقالت الإذاعة الإسرائليّة معلّقة على هذا التقارب: " إنّ لكلّ من روسيا وإسرائيل، قواسم مشتركة كبيرة وهامة في مجال مواجهة (العدو) الذي يتمثل في خطر المقاومة الإسلاميّة" على حدّ وصفها، ثم توّج هذا التعاون في الاتفاقيّة الأمنيّة التي وُقّعت بين روسيا وإسرئيل في مجال مكافحة ما سمّته إرهاب "الجهاد الإسلاميّ".
http://www.islamtoday.net/a r ticles/show_a r ticles_content.cfm?catid=76&a r tid=4196
==============(2/168)
(2/169)
طلائع التغريب
أ.أحمد بن عبالرحمن الصويان
في يوليو من عام (1998م) وعلى مدى عامين اثنين احتفل مجموعة من المثقفين المصريين بمناسبة مرور مائتي عام على الحملة الفرنسية التي قادها (نابليون بونابرت) على مصر، وزعموا أنهم لا يحتفلون بالاستعمار، وإنما بالعلاقات الثقافية مع فرنسا، وبالمجمع العلمي والمطبعة التي أدخلها نابليون لأول مرة إلى مصر. ولا نستغرب أن بعض نصارى العرب مثل ألبرت حوراني يؤرخ لبداية الحداثة العربية بحملة نابليون، لكن الغرابة أن يتبنى هذه الرؤية أيضاً بعض المثقفين المصريين المنتسبين إلى الإسلام، ويعيدون اجترار الفكر الاستعماري، ويصفقون بكل انهزام لتاريخه وثقافته..!
الجدير بالتأمل أن نابليون عندما دخل إلى مصر تلبَّس بلباس المسلمين، وزعم أنه يريد تحرير حقوق المصريين من الظالمين وقال في أول بيان نشره: (بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه)، ثم قال: (يا أيها المصريون! قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم؛ فذلك كذب صريح فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين: إنني ما قدمتُ إليكم إلا لأخلِّص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأحترم نبيه والقرآن العظيم!( .
وبعد الغزو الأمريكي على العراق بدأت احتفالية أخرى عند بعض الخليجيين، تتطلع إلى مرحلة جديدة من الحداثة الحضارية! فقد كتب أحد مثقفيهم مقالة بعنوان: (نموذج أمريكي في العراق؟ لِمَ لا؟.. تفاءلوا خيراً!)، قال فيها: (إنني من أكثر الناس تفاؤلاً بقدوم أمريكا إلى العراق، وعندي أسباب عديدة، أولها: أن أمريكا لم تدخل بلداً إلا وحسنت من أوضاعه؛ فهي دخلت اليابان وكوريا وألمانيا، وغيرها من البلدان، والنتيجة أن هذه الدول أصبحت من الدول المتقدمة في الاقتصاد والعلم، أمريكا دفعت من جيبها أكثر من 12 مليار دولار لدول أوروبا خلال مشروع مارشال لتنهض صناعياً بالدول المهزومة، وفي مقدمتها ألمانيا، بالإضافة إلى عشرين مليار دولار كديون ميسرة بعيدة المدى...)، ثم ختم مقاله بقوله: (إنني واثق أن أمريكا ستلعب في منطقتنا دور المعلم الحازم الذي يريد النجاح لتلاميذه، حتى لو تطلب ذلك درساً قاسياً، إن العالم العربي لن يتغير من تلقاء نفسه، لذلك أقول أهلاً بالنموذج الأمريكي الحر، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم!!( .
وكتب مثقف آخر مقالة بعنوان: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، قارن فيها بين حملة نابليون بونابرت على مصر، والحملة الأمريكية على العراق، وقال: (لقد كانت الحملة الفرنسية على مصر شيئاً مثل صدمة كهربائية قوية، أعادت الوعي إلى مجتمعات كانت غائبة عن الدنيا وما جرى فيها خلال قرون من الاستكانة والسكون، ومن يقرأ تاريخ الجبرتي عن تلك الفترة يستطيع أن يتبين أثر تلك الحملة القصيرة الزمن الطويلة التأثير على المجتمع المصري، ومن ثم المجتمعات العربية الأخرى ..)، وبعد أن تحدث عن الصدمات القوية التي أعادت الحياة والفاعلية الذاتية على يد الاستعمار الغربي في ألمانيا واليابان والصين، أراد أن يقنعنا بأهمية الاستعمار الأمريكي قائلاً: (وهذا ما حدث لمصر والشرق العربي حين غزاهما نابليون، فأعاد العرب إلى الوعي بالعصر الذي يعيشون فيه، ولكنهم نكصوا على أعقابهم بعد ذلك، فكان لا بد من صدمات وصدمات؛ إذ لعل وعسى؛ فمكر التاريخ لا يعرف الاستسلام. وإذا كانت الحملة الفرنسية على مصر ومشرق العرب، أو الصدمة الأولى قبل قرنين من الزمان تقريباً، قد قدمت العرب للحداثة، وقدمت الحداثة للعرب، فإن الحملة الأمريكية الحالية سوف تقدم العرب للعولمة، وتقدم العولمة للعرب على أوسع نطاق!!( .
وفي مقال ثالث كتب أحدهم: (لقد أثبتت الفضائيات العربية والإعلام العربي بشكل عام، أننا أمة تقع خارج دائرة الفعل، فالأمة التي يقوم خطابها الثقافي والإعلامي على التباكي وعلى مهاجمة الآخر والتحريض على كرهه، هي أمة مكبلة بقيود العجز والسلبية وعدم القدرة على المبادرة، وهذا النوع من الأمم يحتاج بالفعل إلي يد خارجية قوية تفرض عليه الإصلاحات اللازمة لتغيير واقعه نحو الأفضل. إنَّ النظام العراقي لم يكن ليسقط ولو بعد مائة عام، لولا الحملة العسكرية الأمريكية. والإصلاحات الديمقراطية لن تتحقق في العالم العربي بإرادة ذاتية؛ بل بالمساعي الأمريكية، وإذا كان الأمريكيون يعملون على تحقيق هذه الإصلاحات مدفوعين بقناعتهم بضرورة التغيير بعد أحداث سبتمبر، فإن المنطق يحتم علينا أن نرحب بمساعيهم طالما أنها تلتقي بمصالحنا!!(.(2/170)
وفي حوار أجرته إحدى الإذاعات العربية مع أحد المعارضين العراقيين الذين دخلوا بغداد تحت مظلة القبعة الأمريكية، استشهد على حرص الولايات المتحدة الأمريكية على نهضة العراق وبنائه بأن ذكر أن من أوائل اللجان التي شكلتها الإدارة الأمريكية لإعادة البناء هي اللجنة المكلفة بإعادة كتابة المناهج التعليمية، ممَّا يؤكد حرصها على بناء عراق علمي متحضر، ثم يتفاءل كثيراً بإعادة بناء النموذج الأمريكي في اليابان وألمانيا في عراق ما بعد الحرب..!!
هذه المواقف جزء من ضجيج هادر نضح به بعض إعلامنا الخليجي، وهي مواقف تمثل صورة صارخة لمقدار التبعية الفكرية والانهزامية الثقافية التي يبشر بها بعض المثقفين والصحفيين العرب؛ فما عادوا يخجلون من صعود الدبابة الأمريكية والانضواء تحت رايتها. وتعجب أشد العجب من جرأة هؤلاء المفتونين على تزييف الوعي؛ فالعالم كله يرى إفلاس القيم الأمريكية وسقوطها المدوي الذي انكشف أمام الجميع، بينما هم لا زالوا يسبحون بحمدها ويقدسون..!!
إنَّ الخطاب الفكري الذي يصوغ أطروحات هؤلاء القوم يستمد جذوره من الانقلاب على الذات، والتنكر لعقيدة الأمة وجذورها التاريخية، والسقوط في متاهات التقليد، واجترار الفكر الغربي بانهزامية مفرطة، ثم يتبع ذلك سعي حثيث لمسخ هوية المجتمع، وتغيير بنيته الفكرية. ولئن كانت تلك الصورة الساذجة للشاب الذي يلبس (الجينز) ويعلق الأساور والأقراط على يديه وأذنيه آية من آيات الاستلاب الحضاري، ومثاراً للسخرية والاستهزاء؛ فإنَّ الانسلاخ الفكري والعقدي الذي تلبس به بعض المثقفين أشد خطراً وأكثر إثارة للسخرية، لأنَّهم يحملون مشروعاً تغييرياً يتقصد محاربة الأمة وتغييب ثقافتها!
وهذه الظاهرة ليست من الظواهر الحادثة؛ فمنذ أن رفع ابن أبي سلول راية النفاق في العصر الأول، وأتباعه المقتدون به يظهرون بصور وأشكال متعددة، تختلف أسماؤهم وألوانهم، وتتشابه مخازيهم في الكيد لهذه الأمة وشرخ عقيدتها. قال الله ـ تعالى ـ: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 30].
إنَّ المرحلة القادمة ستشهد حرباً ضروساً على القيم والثوابت الشرعية، وسيكشف كثير ممن يسمون أنفسهم بالليبراليين عن حقيقة ثقافتهم وجذورهم! وأحسب أن هذا التيار سيكون الأداة الطيعة الذي ستستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية في اختراق الأمة وتسويق مشاريعها الفكرية والاجتماعية، وبسط هيمنتها على مراكز الرأي والتأثير. وباسم الإصلاح والتطوير ونحوها من الكلمات البراقة سيرفعون لواء الإفساد والتغريب، {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11 - 12].
ولهذا فإن استبانة سبيل هؤلاء القوم، ورصد توجهاتهم، وتتبع مكائدهم ودسائسهم، ليس مجرد ترف ثقافي وإعلامي؛ بل هو من الأولويات المهمة التي تحفظ الأمة من مكرهم وخداعهم. قال الله ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام: 55].
المصدر: http://www.almoslim.net
===============(2/171)
(2/172)
الملأ
الملأ هم أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم وسادتهم، وهم البارزون في المجتمع، وأصحاب النفوذ والسيادة، هم أشراف المجتمع وسادته، أو هكذا يعتبرهم العامة، وهم أهل الزعامة والقيادة والرئاسة .
هذا خلاصة ما قاله المفسرون في معنى الملأ، وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمة في العديد من السور عند الحديث على قصص الأنبياء، وما جرى بينهم وبين قومهم، وإطلاق القرآن لهذا اللفظ وهذا الوصف على هؤلاء الناس هو من قبيل بيان الواقع لا من قبيل الاستحقاق .
ومن خلال تتبع آيات القرآن وقصص المرسلين نجد أن الوصف الغالب على هؤلاء القوم ( الملأ ) هو معاداتهم للدعوة وأصحابها، ومقاومتهم لانتشارها وتعذيبهم لأتباعها، وعادة ما يقودون حملات التكذيب والافتراء والتضليل ضد الأنبياء أو ورثتهم الدعاة إلى الله ، قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)(سبأ:34، 35) .
فأعلنوا منذ اللحظة الأولى كفرهم، وأظهروا معاداتهم، ثم جاهروا بسب الأنبياء ووصفهم بما ليس فيهم تنفيرًا للناس منهم وصرفًا لهم عنهم .
فنوح عليه السلام : (قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(الأعراف:60)
وهود عليه السلام لما أرسل إلى قوم عاد : (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)(الأعراف:66) .
وعلى هذا سار الملأ من قوم كل نبي في إيذاء الأنبياء والدعاة إلى الله : (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)(الذاريات:52) .
وكان إيذاء الملأ من قريش لخاتم الأنبياء r أعظم الإيذاء ، فمرة يمشي عمه خلفه ليصرف الناس عنه ويقول : لا تطيعوه ولا تسمعوا منه .ومرة يلقون سلى الجزور على ظهره وهو ساجد عند الكعبة . ومرة يرده سادة ثقيف أقبح رد ويغرون به سفهاءهم فيرمونه بالحجارة ويخرجونه من ثقيف . ومرة يخرجونه وأصحابه من بلده الكريم . هذا إلى جانب التشنيعات والافتراءات التي افتروها عليه، كما افترى كل ملأ على إخوانه المرسلين من قبله ، فهي سنة ماضية، ورثها عن الأنبياء أتباعهم وورثتهم الذين ورثوا عنهم العلم والعمل والدعوة إلى الله تعالى .
أسباب العداوة
والمتأمل في أسباب مخاصمة الملأ لرسلهم ورفضهم لدعوتهم يمكنه إرجاع ذلك إلى عدة أسباب أهمها :
أولاً : الكبر وهو آفة مهلكة، وخُلقٌ ذميم، يقود صاحبه إلى رؤية النفس واحتقار الآخرين، فيمنع المتكبر عن معرفة الحق، أو عدم الانقياد له بعد معرفته، فهو من أهم أسباب الحجب عن الهداية وسلوك سبيلها، قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)(الأعراف:146) .
وفي الملأ من قوم نوح عليه السلام عبرة وعظة، فقد قالوا لنوح ٍعليه السلام لما دعاهم إلى الله : (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)(هود: من الآية27) ، وقالوا له : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ)(الشعراء:111) .
وإنما حملهم على قول ما قالوه الكبر الذي ملأ قلوبهم، ومثلهم قوم فرعون الذي علا في الأرض وعتى حتى قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)(النازعات:24) ، وتابعه قومه على كبره وعلوه فكان الكبر سبيلهم إلى الهلاك : (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ)(المؤمنون:46 - 48) .
وقد عانت قريش من نفس المرض ، وشربت من هذا الورد ؛ فأعماهم الكبر عن رؤية نور الحق، وأنساهم وقائع الدهر وتاريخ الأمم فقالوا لداعي الإيمان صلوات الله وسلامه عليه : (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ)(ص:7) .
فصدهم الكبر كما صد من سبقهم عن معرفة الحق واتباعه، وحملهم على جحده وإنكاره، وصدق الله إذ يقول : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وعُلُوّاً) (النمل:14) ، ويقول: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)(الأنعام:33) .
ثانيًا : حب الرياسة والجاه(2/173)
الملأ كما قدمنا هم أهل السيادة والشرف، ولهم الملك على الناس، وهم بهذه السيادة وذاك الملك يجلبون المكانة لأنفسهم والرفعة ، فجلبت لهم الرياسة والملك مكانة في قلوب مرؤوسيهم تسلطوا بها على رقابهم، وصارت لهم بها وجاهة دنيوية وسلطان .ومعلوم أن دعوات الحق لا تفرق بين الخلق على اختلاف طبقاتهم وأشكالهم وألوانهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، فالناس سواسية إلا من رفعه دينه وقدمته تقواه، وهذا ما يرفضه ذوي السلطان الزائف والجاه ، أن يفقدوا سلطانهم ويذهب عنهم جاههم، فرفضوا لذلك دعوات المرسلين، وظنوا أنهم إنما أتوا ليسلبوهم ملكهم وجاههم ورئاستهم . فقال قوم نوحٍ عنه : (مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ)(المؤمنون:24) . وقال ملأ فرعون لموسى عليه السلام : (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ)(يونس:78) . وقالت عاد لنبيهم هود عليه السلام : (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(هود:53) .
وبمثل ذلك قالت قريش لرسول ا صلى الله عليه وسلم : (وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)(ص:6) .قال القرطبي : (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) : كلمة تحذير، أي إنما يريد صلى الله عليه وسلم بما يقول الانقياد له ليعلو علينا ونكون له أتباعًا فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه.(القرطبي 15/151، 152) . وقال ابن كثير عند هذه الآية : "قال ابن جرير : إن الملأ قالوا : إن هذا الذي يدعونا إليه صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباعًا ولسنا نجيبه ". وهكذا كان حب الشرف والجاه سببًا في صد الملأ عن سبيل الله .
ثالثًا : الجهالة
رغم أن الظاهر في أمر الملأ أنهم أصحاب الوجاهة والعقل السليم والفكر السديد، ومنهم المفكرون والمنظرون والمبدعون، و .. و .. إلا أن الجهل كان من أهم سمات القوم وصفاتهم، حين عموا عن إدراك الحق الذي جاءت به الرسل فردوه، واستحسنوا الباطل فدافعوا عنه وقبلوه، فلم يقبلوا حجج المرسلين على كثرتها ووضوحها ( كناقة صالح، ونار إبراهيم، وعصا موسى، ومعجزات عيسى) ، ووصفوها بأنها " سحر مبين " أو " أساطير الأولين " ، وكذا حملهم الجهل على رد رسالات الرسل ودعوات الدعاة لبشريتهم : (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ )(الأنعام:8) ، وقالوا : (لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)(فصلت:14) وقالوا : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ)(المؤمنون:24) . أو لأن أتباعهم من الضعفاء الفقراء ، كما قالوا لنوحٍ ولغيره، وزعموا لجهلهم أنهم أفضل عند الله لكثرة أموالهم ووفرة عددهم : (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)(سبأ:35) .
رابعًا : التقليد
كان تقليد الآباء - ومازال - سببًا من أكبر أسباب الضلال، وسبيلاً من سبل الصد عن اتباع الحق والرشاد، وقد عاش الملأ من أقوام المرسلين هذا الأمر فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين، أي بصَّرهم الله سبل الهدى فتركوها ، وسلكوا سبل الردى لا لشيء إلا أنها كانت منهج الآباء .
من لدن نوح وإبراهيم عليهما السلام وإلى نبينا خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة والسلام، وحجة كل قوم في ترك الإيمان هي تقليد الأولين السابقين من الآباء والأجداد، وهل أهلك أبا طالب إلا التقليد . وكذا كل معاند كما قال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(البقرة:170) ، وقال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(المائدة:104) ، وقال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)(لقمان:21) .
وقد لخص الله كلامهم وجمع حجتهم في قوله : (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف:23) .(2/174)
وهكذا عاش الملأ في كل قومٍ بتلك الأوصاف وهذه الأخلاق في كل زمان فحاربوا كل دعوة بدافع الكبر، وعاندوها بدافع حب الرياسة، خوفًا على مراكزهم وترفهم، ووقفوا في وجهها لسوء فهمهم ولجهلهم الذي عشش في عقولهم وخيم على نفوسهم، والذي حملهم على تقديم فعل الآباء ومعتقدهم على ما جاء به المرسلون من عند ربهم .
وقد تنبه المفسرون إلى أن الملأ يبقون معارضين للدعوة إلى الله تعالى ، يقول ابن كثير عند قوله تعالى : (قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(الأعراف:60) قال : "وهكذا حال الفجار، إنما يرون الأبرار في ضلالة" .(2/440) .وقال في مكان آخر : "ثم الواقع غالبًا أن يتبع الحق ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته" .(2/441) .
(الشبكة الإسلامية) http://islamweb.net/pls/iweb/misc1.A r ticle?vA r ticle=17558&thelang=A
============(2/175)
(2/176)
اتفاق تقسيم الثروة في السودان
بدر حسن شافعي
أثار اتفاق تقسيم الثروة الذى توصلت إليه كل من الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في السابع من يناير 2004، العديد من علامات الاستفهام حول مضمونه وانعكاساته على وحدة السودان وعلى مستقبل عملية السلام برمتها.
والحقيقة أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لم يكن بالأمر الهين نظرا للتباين الشديد في مواقف الجانبين بشأن العديد من القضايا أبرزها:
1- رغبة الجنوب في الاستئثار بكل الموارد الموجودة في الأقاليم الجنوبية دون الشمال بدعوى أن الحكومات الشمالية المتعاقبة كانت تهمل الجنوبيين وتركز على عملية التنمية في الشمال، وهو ما قوبل برفض من جانب الحكومة المركزية التي رأت فيه مكامن رغبة في الانفصال.
2- رغبة الجنوب في أن يكون لهم حصة في ثرواته الشمال وكذلك في الموازنة العامة للدولة والتي وصلت مطالبهم إلى نصف الموازنة العامة.
3- رغبة الجنوب في إيجاد بنك مركزي مستقل للجنوب وكذلك عملة خاصة وهو ما رفضته الحكومة جملة وتفصيلا على اعتبار أن ذلك يكرس النزعة الانفصالية.
4- توزيع العوائد غير البترولية في الجنوب بما في ذلك الضرائب والجمارك والموارد الطبيعية الأخرى.
إلا انه مع رفض الحكومة المركزية، توصل الطرفان إلى صيغة المناصفة بالنسبة للبترول في حين تم السكوت عن الموارد الأخرى، ويرجع موافقة الحركة على ذلك إلى الأهمية التي يحظى بها البترول في الجنوب مقارنة بتلك الموارد التي تتوافر بصورة اكبر خارج النطاق الجنوبي.
وقد تمثلت ملامح الاتفاق في:
1- يتم تقاسم العائدات النفطية من الحقول الجنوبية مناصفة بين الحكومة والحركة وذلك بعد منح نسبة 2% على الأقل للولايات التي يتم استخراج النفط منها.
2- يتم تخصيص نصف العائدات غير النفطية لحكومة الجنوب وذلك تحت إشراف لجنة مشتركة من الجانبين.
3- حق المجتمعات التي تعيش في مناطق إنتاج النفط في إبداء رأيها بشان عقود استخراج النفط من أراضيها.
4- يتم وضع نظام مصرفي ثنائي بحيث يكون النظام إسلاميا في الشمال، ونظام مصرفي عادى في الجنوب.
5- يقوم البنك المركزى بإصدار عملة جديدة ذات تصميم يعكس تنوع الثقافات في السودان، مع احتفاظ الجنوب بالعملات الموجودة فيه لحين إصدار العملة الجديدة.
6- يتم رفع مستوى التنمية في الجنوب إلى مستواها في الشمال.
7- يتم إنشاء صناديق خاصة لتمويل تنمية الجنوب وغيره من المناطق المتضررة من الحرب.
وقد جاء هذا الاتفاق جاء كمحاولة لرأب الصدع في أزمة عدم الثقة التي كانت بين الجانبين طيلة مدة الحرب، خاصة وانه حاول في بنوده التوصل لاتفاق حول كافة القضايا الخلافية بين الجانبين، فعلى الرغم من كونه اتفاقا اقتصاديا إلا أن الاعتبارات السياسية كانت واضحة فيه بدليل انه اقتصر على معالجة القضية الأهم من وجهة نظر الجنوبيين وهى قضية النفط والتي حرص الاتفاق في تناولها على التوصل لحل وسط يرضى الطرفين.
وإن كانت هناك نقطة تثير الجدل في الاتفاق هو حصره للقضية في طرفين أساسيين هما الحكومة والحركة الشعبية باعتبارها المتحدث باسم كل القوى الجنوبية وهذا الأمر غير صحيح وان كان الاتفاق حاول تفادى ذلك بالنص على وجود ثلاثة ممثلين للإقليم المنتج للنفط ضمن لجنة البترول القومية وكذلك النص على نسبة 2% كحد أدنى للولاية بمعنى يمكن زيادتها وان كان المراقبين يرون أن تبدأ النسبة بـ 5% لكي بكون هناك حد أدنى من الرضا من جانب تلك الولايات.
كما أن الاتفاق قد منح صلاحيات واسعة للجنوب في التعامل مع العالم الخارجي سواء من حيث الاقتراض أو حتى الحصول على المعونات الأجنبية الأمر الذى من شأنه تقوية النزعة الانفصالية لدى الجنوبيين مستقبلا وليس العكس كما تظنه الحكومة، هذا بجانب ما يقع على عاتق الحكومة من التزامات تجاه الجنوب من حيث تنمية وإعادة الإعمار بما قد يحملها بأعباء إضافية.
وفي النهاية يمكننا القول بان الحكومة لم تستفد حقيقة من الاتفاق، ولعل موافقتها عليه ترجع إلى الرغبة في إحداث حالة من الثقة مع الجنوبيين، وان كان ذلك قد يؤدي في المقابل إلى إثارة تطلعات الأقاليم الأخرى التي تمر بظروف مشابهة من ناحية، وإمكانية مطالبة الجنوبيين بالانفصال عند نهاية المرحلة الانتقالية من ناحية ثانية.
http://www.siyassa.o r g.eg المصدر:
===========(2/177)
(2/178)
الشخصيات الدينية الأمريكية المتطرفة أكابر المجرمين
هناك مجموعة من الرموز الدينية المؤثرة في السياسة الأمريكية بشكل عام، وفي سياسة الحزب الجمهوري ورموزه السياسية بشكل خاص. ولا تتوانى هذه الرموز الدينية الأمريكية عن التأكيد على ضرورة تأييد إسرائيل مهما بلغ حجم اعتداءاتها على الشعب المسلم في فلسطين، وحث الإدارة الأمريكية على الدعم غير المشروط لإسرائيل تحت دعاوى تحقيق التنبؤات الدينية للتيارات اليمينية المرتبطة بالحزب الجمهوري. ومن أبرز هذه الشخصيات الشريرة:
1- جيري فالويل (Je r ry Falwell):
قسيس إنجيلي معروف، ويقيم في مدينة لينشبرج (Lynchbu r g) في منطقة فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وله برنامج أسبوعي إذاعي وتلفزيوني يصل إلى أكثر من (10) مليون منزل أسبوعياً، وله جامعة خاصة أصولية تسمى جامعة الحرية (Libe r ty Unive r sity)، ويهاجم النبي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) من خلال وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، إضافة إلى موقعه الخاص على الانترنت، والذي يضع فيه في الصفحة الأولى تاريخاً زائفاً عن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )، كما أنه يروج من خلال موقعه كتاب: فلنتقدم إلى معركة هرمجدون (Ma r ch to A r mageddon)؛ وهي معركة نهاية التاريخ كما في معتقدات الإنجيليين.
2- بات روبرتسون (Pat r obe r tson):
قسيس إنجيلي معروف باهتماماته السياسية وتأييده المطلق لإسرائيل، ويمتلك عدداً من المؤسسات الإعلامية من بينها نادي الـ700 وهو برنامج تلفزيوني يصل إلى عشرات الملايين في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى محطة فضائية تصل إلى (90) دولة في العالم بأكثر من (50) لغة مختلفة وهي محطة: البث النصراني (Ch r istian B r oadcasting)، إضافة إلى إذاعة الشرق الأوسط المتخصصة في التنصير في منطقة العالم العربي. كما سعى بات روبرتسون إلى الترشح لمنصب الرئيس الأمريكي في عام 1988 م، ويقف خلف إنشاء أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري وهو التحالف النصراني (Ch r istian Coalition) وله موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت ويملك أيضاً؟؟؟؟؟؟ أصولية وهي جامعة ريجنت ( r egent Unive r sity).
3- فرانكلين جراهام (F r anklin G r aham):
ابن القيس الأمريكي المعروف (بيلي جراهام)، ويعيش في إحدى القرى حول مدينة شارلوت في ولاية نورث كارولينا. وقد عمل والده قسيساً خاصاً للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون وحتى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن المهمة نفسها بعد تقاعد الأب إذ أنه هو الذي قام بالمراسم الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن.
ويتولى فرانكلين كافة مسؤوليات الكنيسة التي أنشأها أبوه، والتي تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عدداً وتأثيراً إذ قامت خلال السنوات الماضية بأكثر من (450) حملة تنصيرية في مختلف بقاء العالم، ويقوم فرانكلين جراهام حالياً بالدور نفسه من خلال هذه الكنيسة التي تصل بحملاتها إلى الملايين في كل العالم، وله موقع على الانترنت؛ وهو الموقع الخاص بالمؤسسة الإغاثية إضافة إلى موقع أبيه على الانترنت المعروف، والموقع يشمل معلومات بست لغات، وموقعاً خاصاً للشباب، إضافة إلى مجلة أسبوعية.
4- جيري فاينز (Je r ry Vines):
راعي كنيسة في جاكسون فيل فلوريدا، يصل عدد أتباعها إلى (25) ألف شخص، وهو من أبرز المتحدثين الأمريكيين في المؤتمر السنوي للكنائس المعمدانية الجنوبية، وهو أكبر مؤتمر ديني يعقد في كل عام، وقام الرئيس الحالي والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم. وله موقع على شبكة الانترنت.
إن العلاقة بين هذه الشخصيات الدينية وبين القوة الحاكمة في أمريكا قوية ومعروفة لكل الأوساط السياسية والدينية والإعلامية الأمريكية إذ أن هذه الشخصيات تمثل المرجعية الدينية الحالية للتيار الأصولي اليميني والحزب الجمهوري الذي يمثله الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش (الابن). ونكتفي بضرب الأمثلة التالية لنبين قوة العلاقة التي تربط الفريقين:
قام الحزب الجمهوري في 16 أكتوبر 2002 م بتكريم الشريرين بات روبرتسون وجيري فالويل لمساهمتهم في دعم التيار اليميني المحافظ والحزب الجمهوري، وشارك في اجتماع التكريم عدد كبير من قيادات الحزب الجمهوري وأعضاء الكونجرس الأمريكي.
قام فرانكلين جراهام بتلاوة الأدعية الافتتاحية للمباركة في بداية الفترة الرئاسية في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.
أعلن البيت الأبيض في يوم الجمعة 4 أكتوبر 2002م عن تقديم منحة دينية قدرها نصف مليون دولار إلى بات روبرتسون، وهي الدفعة الأولى التي يمنحها البيت الأبيض الأمريكي لأي مؤسسة أو شخصية دينية وسوف تتبعها دفعات أخرى.(2/179)
قام الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش بمخاطبة الحاضرين بالمؤتمر السنوي للكنائس المعمدانية الجنوبية من خلال الأقمار الصناعية؛ وهو المؤتمر الديني الوحيد الذي تحدث فيه الرئيس الأمريكي، وهو المؤتمر نفسه الذي افتتح أعماله بإهانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واتهامه بأقذع وأشنع التهم الأخلاقية.
http://www.qawim.o r g المصدر:
==============(2/180)
(2/181)
المناهج الصهيونية وتربية الإرهاب
د. محمد مرسي محمد مرسي
لعل الدارس لطبيعة المجتمع الصهيوني، يلاحظ تلك الملاءمة والتوافق القوي بين أهداف التربية الصهيونية من جهة وأهداف الحركة الصهيونية وحاجات المجتمع الصهيوني من جهة أخرى، فلقد كانت التربية الصهيونية بخلفيتها الدينية والتوراتية التلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء إسرائيل وبقائها.
لقد استمدت التربية الصهيونية فلسفتها التربوية من مصادر أربعة هي:
1- الحركة الصهيونية.
2- الديانة اليهودية.
3- دولة إسرائيل.
4- الحضارة الغربية.
أولاً: الحركة الصهيونية:
عند التحدث عن الحركة الصهيونية لأحد أهم مصادر التربية اليهودية، فإنه لابد لنا من العودة إلى الجذور التاريخية للحركة الصهيونية والتعرف على الوسائل والمؤسسات التي أقامتها لبلورة إيديولوجية خاصة بها، بإقامة إقليم يهودي مستقل ذاتياً واستقطاب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وقلب الأفكار والوقائع.
والصهيونية تنقسم إلى جزءين متكاملين هما: الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية، فالصهيونية الدينية ترتبط بالأمل اليهودي الكبير القائم على العودة إلى "أرض الميعاد".
وقد كانت الصهيونية الدينية وراء التقليد بالحج إلى الأراضي المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن التاسع عشر حين ظهرت حركة "أحباء صهيون"، وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولوينا ورومانيا، في سنوات "1881 -1904"، وأقامت فيها المستوطنات الأولى، وكان هدفها هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين "صهيون" تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان"(1).
أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العلمي لمنهاج مؤسسها "يثودور هرتزل" والمتمثلة في النقاط التالية:
1- تبني فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين.
2- الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين.
3- تشكيل منظمة دائمة تعمل على توحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية.
وقد كان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث مطلبهم يتمثل في تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين. أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان الصهيوني وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني والإيديولوجية الصهيونية بشكل عام.
ثانياً: الديانة اليهودية:
تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند الصهاينة، فلقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيراً على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة الصهيونية.
وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي الصهيوني الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية، والدينية، والقومية، والرسمية، عبر التاريخ.
وقد تضمنت تلك الفلسفة تعليم أبناء الصهاينة المفاهيم الدينية التالية:
1- اعتبار التوراة والتلمود في أصولها العبرية المصدر الأساسي للتاريخ، والجغرافيا، والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.
2- اعتبار الشعب اليهودي هو "شعب الله المختار" الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي هذه الديانة وهذا الشعب.
3- ملء المناهج الدراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدينية، وأن الله وعدهم باستخلافهم في الأرض.
4- أن اليهود أمة واحدة لذلك لابد من جمع جميع الصهاينة في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية، وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية وحياً من الدين اليهودي، وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً، واجتماعياً، وانفعالياً، وعقلياً، عن طريق قصص من التوراة وأسفارها.
ثالثاً: دولة إسرائيل:
تعتبر دولة إسرائيل التي قامت على جزء من أرض فلسطين في الخامس عشر من شهر مايو 1948م، بتحالف بين الحركة الصهيونية وقوى التحالف الغربي واعتماداً على العنصر اليهودي، وتعتبر اليوم أحد مصادر فلسفة التربية عند الصهيونية نظراً لاعتمادها لمصدرين سابقين والبالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريباً.
وتستمد التربية أصولها من الفلسفة السائدة في المجتمع الصهيوني فهي انعكاس لمطالبه واحتياجاته. ففلسفة التربية في الدولة الصهيونية تهدف إلى:
1- تكوين مجتمع عضوي موحد من شتات اليهود التي تجمعت في أرض فلسطين.
2- بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.(2/182)
3- المحافظة على التراث الصهيوني ونشره وتعميمه بين الناشئ الصهيوني في الدولة الصهيونية، وتحويل الدولة الصهيونية لتصبح مركز الاتصال بين صهاينة العالم أينما وجدوا والممثلة الرئيسة لمنجزات الشعب الصهيوني.
رابعاً: الحضارة الغربية:
لقد كانت ولا تزال الحضارة الغربية، أحد مصادر فلسفة التربية عند الصهاينة، حيث إن تساؤلهم دائماً كيف يمكن أن تقوم للصهيونية دولة عصرية؟
وفي هذا الشأن نجد أنه لجميع زعماء الصهاينة(2) الذين هم زعماء الدولة الصهيونية ومعظمهم من اليهود الغربيين والذين يمثلون الغالبية العظمى في فلسطين قبل عام 1948م، والذين يمتازون بارتفاع مستواهم الثقافي والاجتماعي، ويعيشون في المدن أكثر من القرى، وكان من الطبيعي أن يقوموا ببناء دولتهم على أسس عصرية غربية ومن هنا كان الاهتمام كبيراً من ناحيتين:
1- العلم والتكنولوجيا: ولهذا كان أول عمل قامت به الصهيونية عند مباشرتهم العمل في فلسطين هو بناء الجامعة العبرية في القدس وكذلك بناء معهد الهندسة التطبيقية في حيفا 1912م، كما أن الاهتمام الكبير بالتعليم الصناعي لتخريج العمال المهرة والفنيين.
2- اتباع أحدث الاتجاهات الغربية في التعليم، وهم في هذا سباقون حتى وصل بهم الأمر أنهم يحاولون تعميم المدارس الشاملة في الدولة الصهيونية قبل تعميمها في الدول الغربية.
أما معالم فلسفة التربية عند الصهيونية فهي(3):
أولاً: فلسفة الاضطهاد:
لقد ظهر ما يسمى: "بالمسألة اليهودية" التي نتجت عن احتقار اليهود واضطهادهم في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ في كل بلد حلوا به بداية من العصر الفرعوني القديم حتى العهد النازي في ألمانيا.
وقد قامت الحركة الصهيونية باستغلال هذه النقطة، وقام الزعماء الصهاينة باستدرار عطف اليهود والعالم بالتأكيد المستمر على هذه النقطة، فصوروا اليهود بأنهم شعب منبوذ ومحتقر وأنهم مضطهدون في كل مكان؛ وذلك من أجل إقناعهم بضرورة قيام الصهيونية، وأنه مهما عمل اليهود لحل هذه المسألة فلن ينجحوا ما داموا موجودين على شكل أقليات متبعثرين بين الشعوب ولقد حاول بعض الذين تطرقوا للمسألة اليهودية(4)، أن يرجعوها إلى عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فوضعوا قسماً من المسؤولية على اليهود أنفسهم بسبب سيطرتهم المالية في كثير من بلدان العالم؛ لكن زعماء الصهيونية يرفضون ذلك، ويحملون المسؤولية للبشرية بمختلف شعوبها، وقد كانوا يهدفون من التركيز على هذه المعاني إلى هدفين هما:
1- إثارة العطف والشعور بالذنب لدى مختلف الشعوب لتساعد اليهود على حل مشكلاتهم.
2- إقناع اليهود أنفسهم بضرورة الترابط والتنظيم من أجل التخلص من حياة الذل وفق الفكرة الصهيونية.
ثانياً: القومية اليهودية ومقوماتها:
يرى الصهاينة أن الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة، وعادات، وأرض مشتركة، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينية؛ ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. فنحن شعب واحد كما يقول "هرتزل"(5).
وبهذا انطلق تفكير آخر، غير فلسفة الاضطهاد ينادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية، وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين "آحاد هاعام" حيث يقول: إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية(6).
ثالثاً: ارتباط الدين بالقومية في الحركة الصهيونية:
في البند السابق لاحظنا كيف تبنت الصهيونية فلسفة "آحاد هاعام" وأوجدت لها جذوراً في الدين اليهودي والكتب الدينية، واستفادت منها وغذتها، ففكرة أنهم موعودون بوراثة الأرض المقدسة في فلسطين جاءت في كثير من نصوص التوراة، ومن خلال هذه العقيدة انبثقت الصهيونية ديناً قومياً لليهود؛ حيث تلتحم العقائد الروحية المتزمتة، والتقاليد الاجتماعية المتعصبة، والمبادئ السياسية المتطرفة، ومن هنا فقد نصب الصهاينة أنفسهم سدنة لهذا الدين القومي، يلتفون حوله دعاة لأهدافه، يتولونها بالرعاية تساعدهم النصوص الدينية؛ ابتغاء تجسيد هذه القومية للملأ وإبرازها في المجال الدولي حقيقة واقعة، وفكرة الحنين إلى الأرض - أي أرض الميعاد - والدعوة إليها هي عقيدة دينية جاءت بها النصوص في التوراة والتلمود وغيرها من الكتب.
رابعاً: العنصرية والعدوانية:
بناء على روح الانعزال لدى اليهود وعلى الكراهية المتبادلة بينهم وبين مختلف الأمم، وبناء على تعاليم الدين اليهودي تكونت عند الصهاينة عقيدة "الشعب المختار" العبقري المتميز، وهنا يرى بعضهم أن الشخص الذي لا يقول: "إن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار لابد أن يكون أعمى"(7).
والكتب الدينية مليئة بالنصوص التي استدل منها اليهود على هذه العقيدة، مثلما ورد في سفر "اللاويين" رقم 26.
خامساً: فلسفة دين العمل:
لقد كان أهم أركان الثقافة اليهودية التي ركز عليها زعماء الصهيونية العمل اليدوي، وقد استولت فكرة العمل اليدوي على أذهان هؤلاء الزعماء منذ بداية الحركة الصهيونية.(2/183)
ويعد "جوردون" هو المفكر الأول الذي نادى بفلسفة: "دين العمل" وانشأ حركة الرواد التي تدعو إلى عودة اليهود إلى فلسطين "أرض الأجداد والميعاد"، وهذه العودة تعني تطهير النفس اليهودية عن طريق العمل اليدوي والجسدي، واقترح الصهاينة أن تؤسس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان، وستكون الحالة مختلفة لو تحمسنا للعمل بأيدينا، وسيبارك الله عملنا بكل تأكيد، وهناك فائدة أخرى للاستيطان الزراعي ألا وهي تطبيق الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في تربة الأراضي المقدسة(8).
سادساً: اللغة العبرية:
تعتبر اللغة العبرية من أهم الأسس التي تقوم عليها فلسفة التربية والتعليم لدى اليهود؛ وذلك لارتباط هذه اللغة كمبدأ من مبادئ القومية ولارتباطها بالدين، حيث إنها لغة التوراة والأدب العبري والتراث العبري القديم، وقد بقيت اللغة العبرية حبيسة "الجيتو" مئات السنين ولم تستعمل إلا كلغة دين وشعائر فقط، وقد اعترف القادة الصهاينة أنفسهم بذلك على أن اللغة العبرية لغة فقدت حياتها؛ إذ لم يتحدث بها طوال ألفي سنة، وقد تزعم في العصر الحديث "اليعزر بن يهوذا" الملقب بأبي العبرية الحديثة، تزعم بعث هذه اللغة، وناضل في سبيل اعتمادها لغة محكية، ثم تبنت الدولة الصهيونية هذه المحاولة فيما بعد(9).
وقد تجاوزت اللغة العبرية النطاق الذي عاشت فيه قروناً كلغة تقليدية لتلعب دور اللغة القومية، فلم تعد لغة دين وشعائر وطقوس فحسب، بل أصبحت أداة لخلق الوحدة داخل المجتمع الصهيوني، وأداة لتعميق الانتماء والولاء للأرض.
والواقع أن الأهداف الرسمية للتربية والتعليم في الدولة الصهيونية نجدها تتمثل فيما يلي: (10)
1- تكوين مجتمع عضوي موحد.
2- بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.
3- الحفاظ على التراث اليهودي ونشره وتعميقه.
4- دعم مركزية الصهيونية بين العالم.
وقد حددت السلطات التعليمية في الدولة الصهيونية هذه الأهداف لإرساء الأسس التربوية الآتية:
1- تعميق الوعي اليهودي الصهيوني.
2- التربية على قيم القومية اليهودية الصهيونية.
3- الاهتمام بدور اللغة العبرية من أجل الحفاظ على التراث اليهودي وبعثه وتعميقه بين الشباب الصهيوني؛ ولهذا فقد أصبح دورها يفوق كافة أدوار التدريس؛ إذ تحتل مكاناً بارزاً في مناهج المدارس الصهيونية.
4- ترسيخ جذور الشباب الصهيوني في ماضي الشعب اليهودي، وتراثهم التاريخي؛ وذلك لخلق أجيال صهيونية تؤمن بالمعتقدات الصهيونية التي اعتنقها جيل المؤسسين (الرواد)، للتأكيد على (الريادة) وتصوير الرواد الأوائل مؤسسي الدولة للاقتداء بهم.
5- التعلق بالأرض: ويرتبط هذا الهدف مع ضرورة تكوين مجتمع يوحد فيه الشتات اليهودي ويلتصق به.
6- فلسفة (دين العمل)، ويرتبط مع الهدف السابق بوصفه أحد أركان الثقافة اليهودية والهدف من التعلق بالأرض. وفلسفة دين العمل بها هو تحقيق الاستيطان اليهودي في النهاية على الأرض الصهيونية.
أما الأهداف غير المعلنة للتربية الصهيونية وتحث على العنف والعدوان فهي(11):
1- الإيمان المطلق بحق شعب إسرائيل في (أرض إسرائيل) وملكيتهم لها والاستيطان فيها من خلال التكرار والتأكيد بالحديث عن الحق التاريخي في (أرض إسرائيل التاريخية).
2- تحقيق التضامن الصهيوني داخل إسرائيل وخارجها لضمان استمرار الهجرة الصهيونية، والدعم المادي لإسرائيل خاصة من يهود المهجر.
3- تكوين الاستعداد لدى الأجيال الصهيونية للتوسع والاحتلال والعنف وكراهية العرب، وذلك بحجة إنقاذ الأرض.
4- تأكيد الشعور بالقلق والتوتر لتحقيق استمرارية الإحساس بالاضطهاد عند الأجيال الصهيونية المتعاقبة؛ لضمان عدم اندماج وانصهار هذه الأجيال في أي مجتمع آخر غير (إسرائيل).
5- إظهار التفوق العبري الحضاري عبر العصور لتكوين الإحساس بالتمايز والتفوق، والشعور بالاستعلاء عند الأجيال الصهيونية الجديدة وعودة الشعب المختار إلى (الأرض الموعودة).
6- تشويه وتقزيم الصورة العربية في نظر الطالب الصهيوني مقابل التأكيد على صورة (السوبرمان) الصهيوني الذي لا يقهر.
7- تربية وتنشئة أجيال صهيونية متعصبة جداً لصهيونيتها ودولتها بكل ممارستها مؤمنة بذلك إيماناً مطلقاًَ.
والواقع أن زعماء الصهيونية وضعوا بروتوكولاً صهيونياً يحث على العنف والعدوان والاضطهاد ضد كل ما هو غير صهيوني، من إجمالي أربعة وعشرين بروتوكولاً، وكل بروتوكول يحوي فكرة أو عدة أفكار في مخطط دولتهم العالمية، وكلها أفكار أو عدة أفكار خطيرة وتدميرية فهي تتحدث عن القوة وارتباطها بالحق، وعن الأزمة الاقتصادية العالمية والمحافل الماسونية والتسلح والعنف ومبرراته، والدعاية وكيف يعالجها اليهود وتدمير الأبنية الحاضرة والتمهيد للاستبداد، والصحافة، وكيف سيطروا عليها وكمموا أفواهها، وإلغاء الديانات غير اليهودية وغيرها من الأفكار الهدامة(12).(2/184)
ولقد استحدثت السياسة التعليمية الصهيونية الحديثة أفكارها وأهدافها في ضوء ما جاء في البروتوكول الأول للصهاينة والذي جاء فيه: "إن الحق للقوة وإن العنف هو الأصل، وإن الخداع والمكر هما الطريقة التي تسير عليها الحكومات، وإن الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الخير"، كذلك فقد ورد في نفس البروتوكول: "إن أفضل طريقة للحكم هو العنف والإرهاب وليس النقاش الأكاديمي"(13).
ويتساءل واضعو هذا البروتوكول "ما الذي روض الحيوانات الوحشية التي نسميها نحن أناساً؟ وما الذي سيطر عليهم حتى اليوم؟ ففي الفترات البدائية خضعوا للقوة العاتية والعمياء، وبعد ذلك خضعوا للقانون الذي هو القوة ذاتها في مظهر آخر. ومن هذا نستنتج وفقاً لقوانين الطبيعة أن الحق يكمن في القوة"(14).
والحقيقة أن العنف الصهيوني لم ولن تتوقف حلقاته سواء وفق بروتوكولات صهيونية أو سياسة تعليم صهيونية؛ لأن هذا العنف مرتبط بركنين أساسيين هما:
1- ديني توراتي النزعة يدعو إليه الحاخامات اليهود بشكل بعيد تماماً عن روح الأديان السماوية.
2- فكري يتمثل في بروتوكولاتهم التي وضعوها من عشرات السنين، وهي تحثهم على تدمير كل ما هو غير يهودي.
في ضوء هذه الأفكار نجد أن التعليم الصهيوني يواصل تماديه بتربية طلابه على منهج العنف والذي ينطلق من أصول صهيونية واضحة المعالم تعبر عنها جميع مراحل التعليم، وما فيها من دعم الإحساس بالاضطهاد وبغض الآخر وغرس الكراهية والحقد، والتأكيد على أهمية العنف والإرهاب، وتكريس العنصرية والتفوق وتشويه العرب والإسلام والمسلمين(15).
إن مناهج التعليم الصهيونية تستمد أصولها من الشواهد التوراتية القائمة على نظرية الإبادة لدى اليهود، والتي تلي موقع العبادات، كما جاء في سفر العدد (31: 9-10) "وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم، وأخذوا كل الغنيمة، وكل النهب من الناس والبهائم، وتم ذلك بعد أن قتلوا كل الرجال والملوك".
أما قتل الأطفال والتنكيل بهم فقد حفلت به الكتب والمناهج الصهيونية، وحملت في الأغلب أكثر النزعات إجرامية، وقد ازداد العنف الصهيوني في مناهجهم باستخدام التطور التكنولوجي وأدوات التدمير والقتل لكل ماهو غير يهودي، كما أجمعت المناهج الصهيونية على استخدام العنف والتدمير والعدوان على العربي من خلال:
1- اعتبار اليهود أساس التطور في فلسطين وبغيرهم لن يحدث لها تطور وتقدم.
2- اعتبار فلسطين والجولان أرضاً يهودية والأقطار المجاورة غريبة عنها تاريخياً وعقدياً.
3- اعتبار العرب محتلين للأرض والفتح العربي ماهو إلا غزو تاريخي.
4- وصف العرب بأنهم بدو رحل جاؤوا إلى فلسطين على أنهم غزاة، وقد هدموا حضارة اليهود وعمرانهم.
5- التركيز على تعرض اليهود للظلم بشكل دائم.
6- مساعدة الإنجليز لليهود ليست سوى رد جميل لليهود مقابل خدمات اليهود للإنجليز.
8- التركيز في كل موقع على بدعة الفناء والكارثة التي تعرض لها اليهود من قبل الألمان.
9- وصف العرب أصحاب الأرض بالمعتدين وقطاع الطرق.
10- ردة فعل اليهود ضد الفناء الأوروبي والإرهاب الغربي كانت بإقامة المزيد من المستوطنات.
11- القول بأن سلطات الانتداب مارست الإرهاب ضد اليهود المستعمرين لمنعهم من الإقامة في فلسطين.
12- إظهار قدرة الجندي الصهيوني أمام الجندي العربي والبطولات التي قدمها اليهود مقابل العرب.
13- الادعاء أن الفلسطينيين هم الذين هربوا من ديارهم ولم يطردوا منها.
14- اتهام العرب بالعدوان على إسرائيل.
15- الدعوة الدائمة لإقامة المستوطنات رداً على العرب ودفاعاً عن أرض إسرائيل.
16- تصوير الاحتلال الإسرائيلي بأنه نعمة للعرب وليس نقمة من خلال التقدم والعلم الذي حصل مع مجيء اليهود في فلسطين.
17- عدم الاعتراف بجنسية اليهود في البلدان المختلفة والاعتراف بالقومية اليهودية فقط.
18- حتى يحافظ اليهود على استقلالهم وهويتهم، تجمعوا في مراكز خاصة بهم في كل الدول التي عاشوا بها.
إن التعليم الصهيوني بمراحله المختلفة يهدف إلى ضرورة تفعيل مفاهيم القوة، والعنف، والعداوة، للآخرين؛ حتى يمكن الضمان لاستمرارية الدولة الصهيونية، فرواد التعليم الصهيوني يعلمون أطفالهم العنف، والعدوان، وكراهية العرب، وتشويه صورة المسلمين، ويطالبون بتربية أطفال العرب على حب الصهاينة وغرس بذور السلام وقبول الآخر.(2/185)
فمن خلال تحليلنا ودراسة تسعة كتب تعليمية صهيونية، (16) وجد أن المناهج التعليمية الصهيونية تهتم بغرس (ثقافة العنف) و (إبراز سمو العرق اليهودي)، وأن المدارس الدينية التي تحظى بدعم الحكومة الصهيونية تقوم سياستها التعليمية ومناهجها الدراسية بغرس الكراهية، والعداء، والعنف للآخرين خاصة العرب، باعتبارهم من (الأغيار) و (الأمميين)، كما تكرس سمو العنصر اليهودي الصهيوني على غيره من الشعوب، وتؤكد ضرورة وجود علاقة قوية ووثيقة بين طلاب المدارس والجيش، وهو الذي يعني: (عسكرة الطلاب) و (صهينة العسكر)، وقد حرص الكيان الصهيوني على إبراز التميز الثقافي والتعليمي، وإحياء اللغة العبرية التي كانت لغة ميتة مهملة لقرون عديدة، وجعلها لغة التعليم في جميع المراحل الدراسية.
وتعتمد كتب ومناهج التعليم الصهيونية في غرس هذه المفاهيم العنصرية، على أحدث النظريات التعليمية في القراءة، واستخدام الجوانب الفنية الجذابة كالرسم، والصور، والإخراج، وأسلوب المحاورة والمناقشة، وهو الذي يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالجانب العلمي والفني في العملية التعليمية والتربوية في الدول الإسلامية، كما أنني أنبه القائمين على المناهج التربوية في الدول العربية والإسلامية لتضمين المقررات المدرسية المعلومات الكافية للتصدي للاتجاه الموجود في بعض الكتب الدراسية في الكيان الصهيوني، خاصة تركيزه على (ثقافة العنف) و (إلغاء الآخرين) و(التفرد والتميز لليهودي)، وادعاءات أن الإسلام للعرب فقط.
ــــــــــــــــ
الهوامش:
1- سمير هوانة، البعد التربوي للكيان الإسرائيلي، مركز دراسات الوحدة العربية، الكويت، الطبعة الأولى، 1986، ص: (248).
2- سعد المرصفي، الخطر اليهودي، مكتبة المنار الإسلامية، ط1، 1413ه، ص: (212).
3- خليل السواجري، التربية العنصرية في الكيان الصهيوني، العدد (53)، من الكاتب العربي، 1999، ص: (219).
4- انطون شلخت، مناهج التعليم الإسرائيلي، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد الثالث، 2001م، ص: (87).
5- ثيودور هرتزل، الدولة اليهودية، مركز الدراسات الفلسطينية، ص: (69).
6- آحاد هاعام، فلسفة الصهيونية الثقافية، دار الفكر ببيروت، ص: (128).
7- موسى هيس، روما والقدس، مركز الدراسات الفلسطينية، ص: (71).
8- ارون دافيد جوردون، فلسفة دين العمل، دار الراية للنشر، بيروت، ص: (173).
9- صلاح الزرو، المتدينون في المجتمع الإسرائيلي، رابطة الجامعيين، مركز الأبحاث، الخليل، 1990م، ص: (286).
10- وائل القاضي، التعليم في إسرائيل، جامعة النجاح الوطنية، 2003م، ص: (60).
11- المرجع السابق، ص: (60).
12- شوقي عبد الناصر، بروتوكولات حكماء صهيون وتعاليم التلمود، ط2، بدون تاريخ، ص: (11).
13- المرجع السابق، ص: (12).
14- المرجع السابق، ص: (13).
15- هارون هاشم رشيد، الصهيونية في الكتب المدرسية الإسرائيلية، كتاب المعرفة، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية، 1418ه، ص: (99).
16- تم تحليل الكتب الدراسية الآتية:
أ- تاريخ علاقة اليهود بالشعوب الأخرى.
ب - يهود وعرب في دولة فلسطين.
ج - التعليم في إسرائيل.
د - الصراع العربي الإسرائيلي في المناهج الأمريكية.
ه - من جيل إلى جيل.
و - القدس؛ يهوذا والسامرة.
ز- رحلة إلى الماضي.
س - نظام الحكم في دولة إسرائيل.
ش- منهاج وتاريخ الاستيطان.
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
=============(2/186)
(2/187)
سراويل الجنود الأمريكان لن تستر فضيحة الجيش الصهيوني !!
مفكرة الإسلام: أوردت صحيفة معاريف الصهيونية الأربعاء 22/10/2003 أن العسكريين الصهاينة سيجهزون هذا الشتاء بسراويل طويلة مستعملة تم شراؤها من الجيش الأميركي.
وقال مسؤول في الجيش للصحيفة إن السراويل الطويلة المستعملة ستغسل بالطبع قبل توزيعها على العسكريين الصهاينة، مشيرا إلى انه ليس من العار على الإطلاق تجهيز الجنود بثياب مستعملة بهدف إخار المال.
وتضمنت موازنة التقشف التي أقرتها الحكومة الصهيونية أخيرا تخفيضات كبيرة في موازنة وزارة الدفاع.
التعليق: لن يجدي مع هذه السراويل غسيل، فلحظها العاثر تنتقل هذه السراويل من رجس صهيومسيحي إلى آخر صهيويهودي، فلن تكتب لها الطهارة أبدا، ولعلها لا تنقل الخبث إلى الصهاينة المحتلين في أرض فلسطين الطاهرة فحسب؛ بل تنقل معه شارات الهزيمة وأمارات الاندحار، فما يعتور أداء الجيش الأمريكي في العراق المحتل هو عينه ما يعتور نظيره الصهيوني في فلسطين المحتلة.. التخبط هو هو، والجبن هو هو ما يتخلف هذا عن ذاك.
في هذه الصفقة/الفضيحة أكثر من دلالة، فالجيشان لا يتفقان في الأيديولوجيا ونوع التسليح ولا مصدر الميزانية ولا طريقة الأداء ووحشيته فحسب، بل حتى يتفقان في الملبس ذاته.. إنهما يتعاملان كأشقاء في بيت واحد 'محدود الدخل' يتعاوران الملابس كلما ضاقت ذرعا بصاحبها!!
والصفقة/الفضيحة تعكس في صورتها المبسطة حجم الأزمة التي يعانيها جيش الاحتلال الصهيوني؛ ما حدا به إلى اعتماد التقشف إلى هذا الحد في دولة مزعومة كانت تفاخر جيرانها بأنها دولة الرفاه الأولى في 'الشرق الأوسط'. ولعلها تعكس في الوقت نفسه بداية الأزمة المالية عند الأمريكيين أنفسهم الذين 'باعوا' ملابسهم القديمة مقابل حفنة دولارات!! [هذا بالطبع إن كانت العملية صفقة مالية وليست منحة من أخ لشقيقه].
وهي تعرفنا من قريب بطريقة تفكير الأعداء الصهاينة، فهم مهما طقطقت بهم الـ F-16 والآباتشي، وهملجت بهم الميركافا؛ فإن طريقة التفكير اليهودية المقترة لا تفارق عقولهم، وجيوشنا العربية ـ على حد علمنا ـ مهما بلغ حجم تقشفها؛ كما في جيوش السودان وجيبوتي وغيرهما لا تفكر أبدا في إرغام جنودها سراويل مستعملة..
وفي الأخير، فإننا لا يسعنا إلا أن نحيي أبطال القسام وسرايا القدس الأشاوس الذين نجحوا في إلباس الجنود الصهاينة بضرباتهم الموجعة ثياب الهزيمة الأمريكية البالية.
أولئك الأبطال الذين ألبسهم الله بفضله وكرمه لباسا خيرا من لباس هؤلاء 'يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلكم تذكرون' [الأعراف 26].
http://links.islammemo.cc المصدر:
===========(2/188)
(2/189)
رسالة إلى أختي المسلمة !!
محمد محمود عبد الخالق
للمرأة في هذه الأيام دور كبير إما في إصلاح المجتمع أو إفساده ولذلك كان هناك حرص من أعداء الأمة الإسلامية على كسب المرأة المسلمة في صفهم ومحاولة إغرائها وتزييف الأمور عليها فجعلوا حجابها تخلفا وتشددا وجعلوا تبرجها وسفورها تحضرا وتمدنا وجعلوا سكونها في بيتها وخروجها لجاجتها تسلطا وتجبرا وجعلوا خروجها واختلاطها بالرجال تقدما وتحررا، فلقد قلبوا لها الأمور فجعلوا الحلال في عينها حراما وجعلوا الحرام حلالا واستخدموا لتحقيق ما يريدون أناس من بني جلدتنا جعلوهم يتحدثون بألسنتنا لكي ينشروا من خلالهم ما يريدون ويدافعوا عما يهدفون ولذلك وجدنا تلك الشرذمة من الرجال والنساء الذين لا يكلون ليلا ولا نهارا عن الحديث عن المرأة وحقها وعن ظلم الإسلام لها بل إنهم يدافعون عن تبرجها وسفورها واختلاطها بالرجال بدعوى الحرية والمدنية وللأسف رأينا مجموعة كبيرة من المسلمات يستجبن لتلك الدعوات التحررية الفاجرة التي تريد للأمة أن تسقط وللمسلمين أن يهزموا وللعفة أن تنتهك وللأخلاق أن تنضحل وصدق من قال " فتح الباب من الداخل أيسر من فتحه من الخارج " فهؤلاء العلمانيون ومن على شاكلتهم استطاعوا أن يفتحوا الأبواب الداخلية لتلك الأمة والتي تمثل مصدر الحماية لها من الانهيار والتفرق واستطاعوا أن يصلوا إلى الكثير مما يريدوه أعدائنا لنا وكانت من أهم وسائلهم في تحقيق ذلك وهو ما نؤكد عليه " المرأة المسلمة ".
وإذا كانت المرأة المسلمة تشك فيما قلته فإني أدعوها إلى التدبر والتفكير في تلك الكلمات التي قالها هؤلاء العلمانيون وغيرهم من أعداء تلك الأمة في الداخل والخارج لنعرف معا حقيقية الأمر فلعلنا نكون مخطئين فيما ذهبنا إليه أو نكون على صواب، ومن هذه الأقوال على سبيل المثال لا الحصر: -
قال أحدهم " لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن "
وقال آخر " ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة متبرجة "
ويقوا أحد شعرائهم وهو محمد صادق الزهاوي يخاطب المسلمة العراقية فيقول:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا وأسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه وأحرقيه بلا ريث فقد كان حارسا كذابا
وبعضهم كان يقول " كأس وغانية تفعلان بأمة محمد مالا يفعله ألف مدفع "
وفي الدلالة على النوايا الخبيثة لدى أعداء الإسلام من وراء هذه الدعوة يقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان " المرأة والحجاب ": - "إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي ".
إن المرأة وسط تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها وهذا الاستغلال الخبيث لقدرتها على الهدم من خلال جسدها وعاطفتها وقدرتها على الإغواء وتحريك الشهوات الكامنة تحتاج إلى ان تفهم قيمتها الحقيقية في تلك الحياة وتعرف قيمة ما قدمه الإسلام لها والذي يتهمونه بأنه لم ينصف المرأة على الرغم من ذلك التكريم الذي تحظى به المرأة في الشريعة الإسلامية، ولكن للأسف أنهم لا يريدون إلا التشكيك والتضليل حتى ولو على حساب إظهار الحقيقة، فالمرأة المسلمة لها في الإسلام مكانة جعلت غيرها من الغربيات غير المسلمات يحسدونها على تلك المكانة ويصفونها بأنها " ملكة " وهذه المكانة العظيمة جعلت الكثير من النساء غير المسلمات يدخلن في الإسلام بسبب تكريمه للمرأة واحتفائه بها ومع ذلك ولآني أحب أن أدلل على ما أقوله فإني أعرض تلك الشهادات لمجموعة من العلماء والمثقفين والذين وصلوا إليها بعد دراسة وتمحيص في أوضاع المرأة في كافة العصور وفي وضعها في العصر الإسلامي لعلها توضح للمرأة المسلمة عظم مكانتها في الإسلام: -
يقول الدكتور محمد عبد العليم مرسي: " لم تعرف البشرية دينا كالدين الإسلامي عنى بالمراة أجمل عناية وأتمها، ولم يعرف تاريخ الحضارات الإنسانية حضارة كالحضارة الإسلامية قامت على أكتاف الرجال والنساء سواء بسواء، بل وضعت المرأة في مكانة مساوية للرجل لا تقل عنه ولا تتأخر، كما أعلم بذلك سيد الخلق أجمعين ونبي هذه الأمة الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حين قال مؤكدا "إنما النساء شقائق الرجال " ".
يقول بشر الطرزي الحسيني من كبار علما تركستان: " وبالإجماع فإن مقام المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام كان نازلا (!!) إلى حد ينكره الضمير الإنساني وفي هذا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - " والله إنا كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل " فقد أفاد بهذا القول الوجيز ما كانت المرأة عليه في العهد الجاهلي من انحطاط وذلة، ثم ما صارت إليه من رفعة وعزة في ظل تعاليم الإسلام ومبادئه الحكيمة ".(2/190)
يقول " ول. ديورانت " في كتاب " قصة الحضارة ": " الإسلام رفع مكانة المرأة في بلاد العرب وأن لم ير عيبا في خضوعها للرجل.. وهو يحرم على النساء ولاية الحكم، لكنه يسمح لها بحضور الصلاة في المساجد... وقضى القرآن على عادة وأد البنات (سورة الإسراء / 31) كما سوى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال وأن تحتفظ بمالها ومكاسبها، وأن ترث وتتصرف في مالها كما تشاء (النساء / 4، 32).. وقضى على ما تعود عليه في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع ".
والأقوال كثيرة ولكن المهم هو فهمها وأدراك معانيها ولتعلم الأخت المسلمة أنها غالية عندنا وأن الأمة تحتاج إليها وإلى عودتها إلى دينها وطاعة ربها وأخذ مكانها الحقيقي في تنمية المجتمع المسلم ورخاءه فتكون مسلمة نافعة لأمتها ساعية بجهدها ومالها وكل ما تملك إلى عزة تلك الأمة ونصرتها فالأمة كما نعلم ولا يخفى ذلك عن أحد تمر بأزمة حقيقية تحتاج إلى الجهد والبذل والعطاء والدعوة إلى الإسلام وتصحيح المفاهيم تبيين حقيقة الإسلام وتمسك الناس به والعمل له وهذا مطلوب من الرجال والنساء على حدا سواء فأحوالنا سيئة وأعداءنا لا يملون ولا يكلون من سعيهم لهدم الإسلام والقضاء عليه، ولذا أدعوك أختي المسلمة بالعودة إلى رحاب الإسلام قولا وعملا حتى تكوني من المسلمات المؤمنات الصادقات الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وأخيرا أدعوا الله عزوجل أن تكون الرسالة قد وصلت وأن تجد صداها لدى الأخوات المسلمات والله من وراء القصد والسلام عليم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع: -
1- كتاب " الإسلام ومكانة المرأة " للدكتور / محمد عبد العليم مرسي.
2- كتاب " صفحات مشرقات من حياة الصحابيات " للدكتور / محمد طلعت عفيفي.
http://saaid.net المصدر:
============(2/191)
(2/192)
التنصير يعشعش في دبي
ألقت شرطة دبي القبض على ثلاثة مبشرين أمريكيين لقيامهم بتوزيع مواد تدعو الناس إلى اعتناق الديانة المسيحية، وقالت صحيفة جلف نيوز الإماراتية التي تصدر باللغة الإنجليزية: إن شخصاً رابعاً قام بتسهيل مهمة حصول المبشرين على تأشيرات الدخول قد اعتقل هو الآخر، وقالت الصحيفة: إن الأمريكيين الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والعشرين والثلاثين، قد اعتقلوا أثناء قيامهم بتوزيع أقراص مدمجة تبشيرية على المارة في شارع الرقة في منطقة ديره بدبي، وقامت الشرطة إثر ذلك بمداهمة مقر إقامة الأمريكيين الثلاثة حيث عثرت على ألف ومئتي قرص مدمج من جانبها.
تعليق: يحج الكثير من شبابنا إلى دبي راغبين في المتعة الحرام، وعلى النقيض من ذلك تجد هؤلاء المنصرين يقصدونها دعوة لدينهم مع أن أعمارهم في نزوة الشباب، فكان الفرق عظيماً بين مقصد شباب محمد وبين مقصد شباب الفاتيكان.
ثم انظر إلى تضحية هؤلاء النصارى، فقد قدموا من أمريكا، فلم يؤثر فيهم بُعْد المكان، ولا خسارة المال، وانظر إلى حال من ظاهرهم الصلاح اليوم لعل له جاراً أو قريباً لم يدعه أو يزره من زمن طويل بدعوى أنه قاسي القلب.
ثم تفكر في جرأة هؤلاء المنصرين، فهم لايدعون في الظلام، ولا في دهاليز المجرمين، ولا الخلوات المشبوهة، وإنما في وَضَح النهار، وعلى طريق عام، لايأبهون بما ينالهم لأجل دينهم، وبعض الناس على خير، ويخشى على نفسه من نقل الخير، بل تجده يفرض تصورات واحتمالات تزيد من تقاعسه في العمل الدعوي.
http://links.islammemo.cc المصدر:
============(2/193)
(2/194)
أمريكا في العَراء
د.أسامة الأحمد
وأخيرا تعرّت البغي العجوز، معلنة أنها قد تجاوزت سنّ اليأس الحضاري ..
ومُؤذنة بأن ثمرتها الفاسدة قد حان سقوطها ..
ففي أي كيس ستسقط هذه الحضارة ؟
هذه الفكرة هي التي وثبت إلى ذهني حين رأيت مشاهد التعذيب في أبوغريب ..
فهذه المشاهد هي أصدق شاهد على انكسارالخط البياني لسيرورة هذه الحضارة الفاجرة ..
ففي سجن أبو غريب تبدّت أمريكا للعالم في العراء ، بوجه كالح ليس فيه من حياء ..
وتساءلت وتساءل العالم : هل كان العراةُ هم هؤلاء السجناءَ الشرفاء، أم أولئك السجّانين المجرمين ؟!
وتذكرتُ قالة الرافعي : " إن فاقد الفضيلة لا يؤذيه شيءٌ كرؤيتها في غيره ،وأنه لا يستطيع تحقيقها في نفسه "..
لم يحتمل أبناء الأفاعي رؤية عفة المسلم، فلذلك توحشوا وتجاوزوا فعل البهائم ..
أبناء حضارة الرافدين يُذلهم حثالة من البشرلا تاريخ لهم ؟!
كيف !
وأكبر رأس فيهم لا يصلح أن يكون موطئاً لأقدام إخواننا في العراق؟!
فيا قبة السماء ميدي .. ويا أرضُ تزلزلي .. فقد أهينَ في عرضه المسلم..
لست عراقياً.. ولكنْ تجري في دمي أنهار العراق ..
وتنغرس في صدري الملايين من نخيل العراق ..
لست عراقيا.. ولكن تهبّ على روحي نسائم أجدُ فيها ريح سعدٍ وأبي حنيفة والرشيد..
إخوتي القراء !
كلماتي متقطعة ممزقة تشابه كرامتنا الممزقة! فاعذروني..
اللهم أنت تعلم ما مسّ إخواننا في العراق وفلسطين من أذى..
ففرّج ياربنا عنهم كرباتِ الدنيا والآخرة..
اللهم أنت تعلم أنهم مجروحو الكرامة فأعنهم على الانتصاف من المجرمين .
اللهم واجعل روح الفلوجة وجنين تسري في كل مدائن المسلمين..
اللهم واجعل أنوار وأفكار الرنتيسي و أحمد ياسين قسمة بين أبناء المسلمين..
اللهم إنا مغلوبون فانتصِر..
اللهم إنا استيأسنا وما يئِسنا ، فأنجز اللهم لنا وعدك ..
اللهم أعنا على الصبر حتى تقرّ أعيننا بيوم النصر.. فقد طال انتظارنا ليوم كيوم بدر..
(( متى نصرُ الله ، ألا إنّ نصر الله قريب))
موقع المختار الإسلامي
-===========(2/195)
(2/196)
رسالة البطريرك ' جريجوريوس '..
وهكذا تهدم الأمة
عجيب جدًا حال أعداء الإسلام في عداوتهم للإسلام والمسلمين فهم لا يكفون ليل نهار في حرب المسلمين، يقطعون أوقاتهم ويفنون أعمارهم في التدبير والتآمر على الأمة المسلمة، ويفكرون ليل نهار في كيفية إسقاط هدف الأمة لذلك فقد وصلوا بالفعل إلى معرفة كاملة وتفصيلية عن مواطن قوة الأمة وعوامل قيامها وأسباب تخلفها وضعفها؛ فعملوا جاهدين على القضاء على كل أسباب القوة وتنمية وإبراز كل عوامل الضعف ووضعوا مناهج ومقررات ومخططات تمثل عصارة تجاربهم وخبراتهم في حرب الإسلام وأصبحت هذه المخططات والمناهج ميراثًا هامًا يورثه كل جيل للذي بعده تمامًا كما وضع الصهاينة مخططهم الشرير والمعروف باسم 'بروتوكولات حكماء صهيون' والذي أصبح بعدها دستور لليهود في كل جيل وكل مكان، وبين أيدينا نص رسالة أرسلها البطريرك 'جريجوريوس' كبير قساوسة اليونان أيام حكم الدولة العثمانية إلى قيصر روسيا يشرح له فيها كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل وذلك سنة 1820 ميلادية، مع العلم أن البطريرك 'جريجوريوس' هذا كان معينًا من قبل الدولة العثمانية ويقيم باستانبول تحت رعاية وحماية الدولة العثمانية وله صلاحيات وامتيازات واسعة، ومع ذلك يرسل بهذه الرسالة ليوضح لنا مدى حقيقة موقف غير المسلمين 'الآخر' من الدول الإسلامية التي يعيشون تحت رايتها، وهذه هي نص الرسالة:
'من المستحيل سحق وتدمير الأتراك العثمانيين بالمواجهة العسكرية؛ لأن الأتراك العثمانيين ثوريون جدًا ومقاومون وواثقون من أنفسهم، وهم أصحاب عزة نفس واضحة، وهذه الخصال التي يتمتعون بها إنما تنبع من ارتباطهم ببعضهم ورضائهم بالقدر وتشبعهم بهذه العقيدة، وأيضًا من قوة تاريخهم وطاعتهم لسلطانهم.
الأتراك العثمانيون أذكياء وهم مجدون مجتهدون متجاوبون مع رؤسائهم مما يجعلهم قوة هائلة تخشى منها، وإن كل مزايا الأتراك العثمانيين هذه بل وبطولاتهم وشجاعتهم إنما تأتي من قوة تمسكهم بدينهم وارتباطهم بأعرافهم وتقاليدهم وصلابة أخلاقهم، ولذا فإن السبيل لهدم هذه القوة يكون كما يلي:
أولاً: لابد من كسر شعور الطاعة عندهم تجاه سلطانهم وقادتهم وتحطيم روحهم المعنوية، وروابطهم الدينية، وأقصر طريق لتنفيذ هذا تعويدهم للتعايش مع أفكار وسلوكيات غريبة لا تتوائم مع تراثهم الديني.
ثانيًا: لابد من إغراء العثمانيين لقبول المساعدات الخارجية التي يرفضونها من إحساسهم بعزتهم وتعويدهم عليها حتى لو أدى ذلك إلى إعطائهم قوة ظاهرة لمدة محدودة.
ثالثًا: لابد من إعلاء أهمية وقيمة الأمور المادية في تصوراتهم وأذهانهم وإفسادهم بالإغراءات المادية؛ فإنه ليس بالحرب فقط تهدم الدولة، بل العكس هو الصحيح؛ لأننا إذا اتبعنا طريق الحرب وحده لتصفية الدولة العثمانية سيكون هذا سببًا في سرعة إيقاظهم ووصولهم لمعرفة حقيقة ما يخطط ويبيت لهم في الخفاء.
وإن ما يجب علينا عمله هو إكمال هذه التخريبات في بنيتهم الذاتية والاجتماعية ومكانتهم الدولية دون أن يشعروا بذلك'.
انتهت الرسالة وما زال المخطط قائمًا.
فالأمة المسلمة غارقة في الديون حتى رأسها، ونظير هذه الديون التنازلات مستمرة والتراجعات على أشدها، والصمت تجاه ما يحدث للمسلمين في شتى بقاع الأرض رهيب ومطبق، والهزيمة النفسية تعتصر أبناء المسلمين فلا يرون الأمور إلا قاتمة سوداء، والعادات الغربية تعصف بأبناء المسلمين والتقليد أعمى، وأهم شيء الآن تحصيل أكبر قدر من المتاع الدنيوي واللذات الفانية، وهكذا تهدم الأمة من الداخل.
السبت 4 ربيع الأول 1425هـ - 24 أبريل 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
=============(2/197)
(2/198)
تشيني و رمسفيلد ... وخطة الحرب النووية !
على الأقل مرة كل سنة خلال الثمانينيات، يختفي كل من ديك تشيني ودونالد رمسفلد. كان تشيني يعمل بجد كعضو في الكونجرس يعزز موقعه ضمن القيادة الجمهورية. بينما رمسفلد الذي اشتغل وزيرا للدفاع في عهد جيرالد فورد، كان مسئول أعمال صارم في منطقة شيكاغو، حيث رأس شركة (G. D. Sea r le). وطيلة ثلاثة إلى أربعة أيام في كل مرة، لا أحد في الكونجرس يمكنه أن يعرف أين كان تشيني، ولا يستطيع أي شخص في شركة "سيرل" أن يحدد مكان رمسفلد.
بعد الانتهاء من أعمالهما اليومية، يلتحق عادة كل من تشيني ورمسفلد بقاعدة "أندروز" الجوية خارج واشنطن. من هناك، في وسط الليل، يتسلل كل منهما ضمن فريق من أربعين إلى ستين مسئول فدرالي وعضو واحد في مجلس وزراء رونالد ريجان - إلى مكان بعيد في أمريكا مثل قاعدة عسكرية مهجورة أو حصن تحت الأرض. لتلحق بهم قافلة الشاحنات تحمل معدات الاتصالات المتطورة.
كان رمسفلد وتشيني ممثلين رئيسين في أحد أكثر البرامج سرية في إدارة ريجان. وفي إطاره، نفذ المسئولون الأمريكيون خلسة التمارين المخططة والمفصلة للإبقاء على استمرار عمل الحكومة الفدرالية أثناء وبعد الحرب النووية مع الاتحاد السوفيتي.
وقد طالب هذا البرنامج باستبعاد القواعد القانونية للخلافة الرئاسية في بعض الظروف الاستثنائية، لصالح إجراء سري لوضع رئيس جديد وموظفيه. وركزت الفكرة على السرعة، للاحتفاظ بتواصل الحكومة.
ولتجنب الإجراءات البطيئة، فإن المتحدث باسم المجلس التشريعي، الرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ وباقي الكونجرس سيؤدي دورا محدودا. ويبدو أن بعض هؤلاء الرؤساء سيكون رئيسا صوريا ليتولى الحكم فعليا قادة أركان خبراء، مثل تشيني أو رمسفلد!
وجاء الإلهام لهذا البرنامج من داخل الإدارة نفسها، ليس من تشيني أو رمسفلد،، باستثناء أن مسفلد كلف بمهمة قصيرة كمبعوث للشرق الأوسط، ولا واحد منهما في أي وقت شغل منصبا في إدارة ريجان، مع ذلك، كانوا يتصدرون العناصر الفاعلة في البرنامج.
وتم تسريب تفاصيل قليلة عن المجهود طوال السنوات، لكن لا شيء كُشف عن الطريقة التي يُشتغل بها أو الأدوار المركزية التي لعبها كل من تشيني ورمسفلد. البرنامج ذو فائدة خاصة اليوم لأنه يساعد على شرح تفكير وسلوك إدارة بوش الابن خلال الساعات، الأيام والأشهر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، 2001. وقد حث نائب الرئيس (تشيني) الرئيس بوش أن يبقى خارج واشنطن ذلك اليوم، في حين أمر وزير الدفاع رمسفلد نائبه بول وولفويتز أن يهرب من المدينة، بينما انتقل تشيني نفسه من واشنطن إلى سلسلة أماكن غير مكشوفة، وأُرسل المسئولون الفدراليون الآخرون فيما بعد للعمل خارج العاصمة، لضمان تواصل الحكومة في حالة هجمات إضافية. وكان لهذه التحركات والإجراءات جذور في التدريبات المخططة السرية في عهد إدارة ريجان.
وتعاملت الحكومة الأمريكية مع احتمال حرب نووية مع الاتحاد السوفيتي بشكل أكثر جدية أثناء سنوات ريجان من أي وقت آخر منذ أزمة الصواريخ الكوبية في 1962. وقد تكلم ريجان في حملة 1980 الخاصة به عن الحاجة لبرامج الدفاع المدني لمساعدة الولايات المتحدة على النجاة من تبادل نووي، وفي الواقع، فإنه لم ينتقل فقط إلى سياسة الدفاع المدني ولكن وافق أيضا على وثيقة سياسة دفاع جديدة تضمنت الخطط لشن حرب نووية ممتدة على الاتحاد السوفيتي. وكانت التدريبات السرية التي شارك فيها كل من تشيني ورمسفلد جزءا من المجهودات العامة للإعداد للحرب النووية. وقد أنشأ رونالد ريجان برنامج "الاستمرار الحكومي" بأمر تنفيذي سري.
ومُنحت لنائب الرئيس جورج بوش (الأب) سلطة الإشراف على بعض هذه المجهودات التي أُديرت بمؤسسة حكومية جديدة باسم "مهذب": مكتب البرنامج القومي، وكان مبناه في منطقة واشنطن، وقُدرت ميزانيته السرية السنوية بمئات الملايين من الدولارات. وأُنفق كثير من هذا المال على معدات الاتصالات المتقدمة التي تمكن الفرق من الحصول على محادثات مضمونة مع القادة العسكريين الأمريكيين.
عندما انتخب بوش الأب رئيسا، في عام 1988، ابتهج أعضاء برنامج ريجان السري، الذي اشتركوا في وضعه منذ البداية، ولن يحتاج الرئيس الجديد لأن يُعده وربما لن يعيد تقييمه. في الحقيقة، وبالرغم من علاقات محسنة بشكل مثير مع موسكو، واصل بوش التمارين، ببعض التعديلات الصغيرة. وعين تشيني وزيرا للدفاع وانسحب من رئاسة فريق البرنامج..(2/199)
وبعد سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، تغير أساس التمارين. فمن الواضح أن الهجوم النووي السوفييتي لم يعد وجيها. وأثناء سنوات كلينتون، قرر أن يستبعد هذا السيناريو لتقادمه، باعتباره من بقايا فترة الحرب الباردة، وتُرك البرنامج. واستمر الوضع على ما قرره كلينتون حتى 11 سبتمبر، 2001، عندما بدأ تشيني ورمسفلد في تمثيل أجزاء من السيناريو الذي قد تمرنوا عليه قبل سنوات. وبدأوا العمل من المأوى تحت الأرض تحت البيت الأبيض، وهو عبارة عن مركز عمليات الطوارئ الرئاسي، حيث أخبر تشيني بوش أن يؤخر رحلة (العودة) المخططة من فلوريدا إلى واشنطن. وفي البنتاجون، أمر رمسفلد وولفويتز أن يخرج من واشنطن إلى أمان أحد الحصون تحت الأرض التي قد بنيت للنجاة من أي هجوم نووي.
وفي المحصلة، فإن مشاركة تشيني ورمسفيلد في التواصل غير الدستوري للتمارين الحكومية، يكشف الحقيقة الخفية لهذين الرجلين. ولمدة ثلاثة عقود، شكلا جزءا من نظام الأمن القومي الخفي الدائم لأمريكا الصانعة للحروب.
04/04/2004
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws المصدر:
=============(2/200)
(2/201)
السلطان عبد الحميد المفترى عليه
وقوى الشر التي تآزرت ضده
علي عبد العال
يجمع العدول من كتاب وباحثي التاريخ، على أن تاريخ السلطان عبد الحميد الثاني ناله من التشويه والافتراء ما لم تنله شخصية تاريخية على الإطلاق، حتى جاوز ذلك الحد المعقول، فألصق به من الدكتاتورية والاستبداد والطغيان، ما جعل أكبر جبابرة البشرية يتضائلون جواره، وفى ذلك من الافتراء على الرجل الكثير والكثير، ولما كان السلطان عبد الحميد علم على وجود الدولة العثمانية، نظراً لطول الفترة التي قضاها حاكماً لها أكثر من ثلث قرن، فكان كل حاقد أو طاعن على الدولة التي ظلت تحتضن الخلافة الإسلامية حتى أوائل القرن العشرين، يرى في السلطان الذي هو رأس الدولة، الهدف الذي ينبغي أن تصوب له سهام الحقد، فألصقوا بالرجل كل نقيصة، وشوهوا تاريخه وطعنوا فيه.
ولد السلطان عبد الحميد الثاني بن السلطان عبد المجيد فى21 سبتمبر عام 1842ص، وقد تفتحت عيناه على والده ومن بعده عمه السلطان عبد العزيز، فوجدهما يحميان حركة الأخذ عن الغرب الصليبي، كما شاهد ولمس عن قرب أطماع الدول الغربية وروسيا في الدولة العثمانية التي أطلقوا عليها رجل أوربا المريض، الذي يتربصون لسقوطه فتقسم أملاكه، فأدرك بذلك مدى الخطر الذي يترقب الدولة في ظل الضعف والتردي الذي لحق بها.
وعندما تولى الحكم عام 1876 ص، كانت أطماع هذه الدول في الدولة العثمانية بلغت أوجهها، وكان عليه وحده عبء مواجهة هذه الأطماع، وإيجاد مخرج للدولة منها، ولكن أين له القوة على ذلك وقد بلغت الدولة من الانحطاط قبل توليه الحكم ما بلغت.
كان للسلطان عبد الحميد منطلق فكرى وعقدي، يتمثل في أن الإسلام كما جاء في مذكراته: (هو الروح التي تسرى في جسم البشرية فتحييها، وتغزو القلوب فتفتحها)، ويرى: (أن القوة الوحيدة التي ستجعلنا واقفين على أقدامنا؛ هي الإسلام) (وأننا أمة قوية؛ بشرط أن نكون مخلصين لهذا الدين العظيم)، فكان يستمد من هذه العقيدة، القوة والصلابة التي تمكنه من مجابهة الأطماع الغربية الصليبية في دولة الخلافة، وكان يرى: (أن حملات الصليبية الموجهة ضد الدولة العثمانية لم تتوقف قط، ولا يزال جلادستون العجوز "رئيس وزراء انجلترا" يسير على خطى البابا في هذا السبيل)، (وما زال النصارى ينفقون الملايين في سبيل نشر النصرانية ببلاد الإسلام، وقد كان عليهم أن يفهموا من قبل أن التوفيق لن يحالفهم في هذه البلاد).
كانت هذه الرؤية؛ بمثابة الأسس الفكرية التي كان ينظر من خلالها السلطان عبد الحميد إلى الصراع الدائر ضد حامية الخلافة الإسلامية ومن ثم: (كانت محاولة عبد الحميد في تنفيذ فكرة التجمع على النحو الذي يؤيد به نفوذ (القوة العربية الإسلامية) القائمة باسم (الخلافة العثمانية) كقوة مقاومة للنفوذ الغربي، ومن هنا أطلق الكتاب على هذه المرحلة 1876 - 1908، وهي فترة حكم السلطان عبد الحميد في تركيا، اسم (تركيا الإسلامية).
ولما رأى عبد الحميد أن عقد الدولة العثمانية أخذ ينفرط، وأن البلاد الإسلامية تسقط الواحدة تلو الأخرى تحت نير الاحتلال الأجنبي؛ تونس 1881، مصر 1882، بدأ صيحته إلى (الجامعة الإسلامية)؛ وهي أن الدولة العثمانية قاعدة الخلافة الإسلامية، وهي ليست للعرب والترك فقط، بل لكل مسلمي العالم شرقاً وغرباً، وينبغي على المسلمين أن يتحدوا لتحرير أراضيهم وثرواتهم في كل مكان من أيدي الغرب الصليبي وأعوانه: "و كان ذلك في الحق، عملاً سياسياً كبيراً، استهدف به عبد الحميد دعم الوحدة الإسلامية العثمانية كقوة سياسية في وجه النفوذ الأجنبي والقوى الاستعمارية التي كانت تمر بأشد مراحل الغزو على عالم الإسلام شراسة، وبعد أن سقطت الهند في يد بريطانيا، والملايو في يد هولندا، وسيطرت بريطانيا وروسيا على حدود فارس والأفغان، وسقطت أجزاء الخليج العربي في يد بريطانيا أيضاً، بالإضافة إلى مصر والسودان، وسيطرت فرنسا على الجزائر وتونس".
فكانت صيحته كما يقول لوثروب بمثابة (استصراخ الأمم الإسلامية في كل رقعة من رقاع العالم الإسلامي لتمد يد العون إليه وشد أزره بالالتفاف حوله، قاصداً قذف الرعب في روع الدول الغربية التي خالها تأتمر فيما بينها وتتحد الوسائل للقضاء على المملكة العثمانية)، وقد بلغ أمر هذه الدعوة غايته؛ وهي تكتيل المسلمين وجمع كلمتهم وتهيؤهم للجهاد، حتى كان السلطان يفاوض الدول الكبرى ويساومها، بل ويهددها أحياناً، مُلوّحا بسلاح الجهاد)(2/202)
فاجتهدوا على الفكاك منها بالقوة مرة، وخلق الدسائس والاضطرابات مرة، وبالحملة على عبد الحميد وتشويه سمعته ثم الانقضاض عليه حتى ينتهي الأمر بعزله، ومن ثم كانت الجامعة الإسلامية التي دعى إليها عبد الحميد لبعث القوة الإسلامية، والوقوف بها أمام الغرب الطامع، إحدى حلقات الصراع التي أدارها السلطان أثناء خلافته، ولم تكن بالطبع هي الحلقة الوحيدة التي صارع في رحابها عبد الحميد، لأن الغرب لم يكن وحده مهتماً بعزله وتمزيق دولته، بل كانت هناك قوى أخرى لعبت دوراً كبيراً سارت به في اتجاه متواز تماماً مع الجهود الغربية؛ ألا وهي المنظمات الصهيونية المتحالفة مع الماسونية، في التهام فلسطين من سكانها العرب، وقد بدأت هذه الجهود منذ عام 1897 بانعقاد المؤتمر الصهيوني برئاسة هرتزل في مدينة بال السويسرية، وقرر إنشاء الدولة اليهودية خلال خمسين عاماً، فاستغلت الجمعية الصهيونية الضائقة الاقتصادية التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولجأت إلى الإغراء المالي لتحقيق أهدافها، واختارت (آمانويل قره صو) المحامي اليهودي، مؤسس المحفل الماسوني في مدينة سلانيك، لمقابلة السلطان عبد الحميد، وعرض مطالبهم عليه، وبالفعل تم ذلك بتاريخ 17 سبتمبر 1901ص، وقدم إليه عريضة يلتمس فيها منح اليهود منطقة ذات إدارة ذاتية في فلسطين، وفي مقابل ذلك تقدم الجمعية الصهيونية قرضاً لمدة غير محدودة، قيمته (20) مليون ليرة ذهبية دون فائدة، إلى خزينة الدولة، و(5) ملايين ليرة ذهبية إلى خزينة السلطان الخاصة كهدية، إلا أن السلطان عبد الحميد فور سماعه فحوى العريضة، استشاط غضباً وطرد (قره صو) وقال: "إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً، فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم، لا يمكن أن يباع، وربما إذا تفتت امبراطوريتي يوماً، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل).
ولم يكتف السلطان بذلك، وإنما أصدر عدداً من الإرادات السَنيّة؛ يحظر فيها على ولاته، السماح لليهود بشراء أراض في فلسطين، أو استقرارهم فيها، وجاء في أحد فرماناته: (لا يسمح بإجراء ينتج عنه قبول اللاجئين اليهود المطرودين من كل بلد يترتب عليه إنشاء حكومة موسوية في القدس مستقبلاً،............. لماذا نقبل في بلادنا من طردهم الأوربيون المتدنون وأخرجوهم من ديارهم؟ ونطلب إلى مقام الصدارة، اتخاذ قرار عام في هذا الموضوع).
ولم يقتصر السلطان على الصدر الأعظم رئيس الوزراء وإنما أصدر فرماناً موجهاً إلى السلطات العسكرية مباشرة؛ يأمرهم فيه بمنع قبول اليهود أو إسكانهم في فلسطين.
فقد أدت مواقف عبد الحميد المتصلبة أمام المشروع الصهيوني، إلى جعلهم يوقنون باستحالة تحقيقه، طالما بقي هو على سدة الحكم، وقد عبّر هرتزل عن ذلك بقوله: (لقد فقدنا الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، فإن اليهود لن يستطيعوا دخول الأرض الموعودة، طالما ظل عبد الحميد قائماً في الحكم مستمراً فيه).
ومن ثم كان خلع عبد الحميد وتمزيق حكمه، هدفاً وغاية لا يمكن الرجوع عنها، وسوف نرى فيما بعد، الدور الصهيوني في انقلاب 1908ص، الذي نتج عنه عزل السلطان عبد الحميد.
ويبقى لكل متأمل؛ كيف صارع السلطان عبد الحميد قوى الشر التي اتحدت ضده وأسقطت حكمه، أن يستوعب الدور الذي قامت به "جمعية الاتحاد والترقي الماسونية "وترجع جذور هذه الجمعية إلى الجالية اليهودية المهاجرة من الأندلس إلى مدينة سلانيك العثمانية منذ 1512ص، وعرفت ب (يهود الدونمة)، وفدت على تركيا ورحبت بهم الدولة آنذاك، نظراً لثرواتهم المالية، واستقر بهم الحال في سلانيك، وزادت ثرواتهم، وقويت جاليتهم، ثم ظهر منهم يهودي اسمه (شبتاي)، ذهب إلى بيت المقدس وأعلن أن الأوان قد حان لعودة إسرائيل، ثم جاء إلى استنبول معلناً إسلامه، وأسلم معه جماعة عرفوا ب (الدونمة)، وقد سجل كثير من المؤرخين؛ أن إسلام هذه المجموعة لم يكن إلا لتحقيق غايتهم ومآربهم، ثم اشتد نفوذهم خلال حكم السلطان عبد الحميد، وأنشأ لهم (قره صو) المحافل الماسونية في سلانيك (والمعروف أن مدينة سلانيك كان بها خمس محافل ماسونية، تضم 50 ألف يهودي، وكان لها اتصال بجمعية الاتحاد والترقي، وتأثير في أنظمتها).
يقول الكاتب الغربي (بين هيس): "(الدونمة) كثيرون؛ منهم مدحت باشا حاكم ولاية الدنوب، الذي كان ابن حاخام هنغاري، وهو الذي أنشأ المدارس اليهودية في الشرق الأدنى، وكان قادة حزب الاتحاد والترقي من الدونمة، وكذلك أتاتورك، والدكتور ناظم، وفوزي، وطلعت، ونعوم أفندي، وغيرهم".
فكانت جمعية الاتحاد والترقي، هي الأداة التي استخدمتها الدول الغربية والجمعية الصهيونية في تنفيذ المخطط الصليبي الصهيوني ضد الدولة العثمانية، وكان موقف السلطان عبد الحميد منه، موقف العداء لهم ولمخططاتهم، وكان موقفهم منه كذلك.(2/203)
وكان في طيات حركة الاتحاد والترقي، تتخفى دعوة أشمل منها وأشد خطورة على الوحدة الإسلامية، ألا وهي (الجامعة الطورانية) التي قامت على إعلاء الجنس التركي، وإن جذوره تنتهي عند الحضارة المغولية وجنكيز خان، وأنهم أمة أشد عراقة في التاريخ من العرب، ومن ثم يجب صهر جميع عناصر الدولة العثمانية في الجامعة الطورانية وتتريك العرب أنفسهم.
كانت (الجامعة الطورانية) تهدف إلى خلع الجذور الإسلامية للدولة العثمانية وإعادة توثيقها الحضارة المغولية، كما كانت تسعى إلى صناعة الصراع بين شقي الدولة العرب والترك وذلك لأن جمعية الاتحاد والترقي دعت إلى تتريك عناصر، ومنهم العرب الذين حتماً لن يقبلوا هذه الدعوة، وينشأ الصراع بينهم وبين الترك، مما ينتهي بانفصالهم وتمزيق الخلافة الإسلامية التي قامت على توحيد جميع المسلمين تحت راية الإسلام، وقد غذى النفوذ الغربي اتجاة هؤلاء الدعاة االمتطرفين، وأيدهم، ووجد فيهم من يحقق هدفه؛ من تمزيق هذا الكيان السياسي وتقسيمه، والسيطرة علية عن طريق الاحتلال، وقد أتاح هذا فعلاً الاستعمار، أن يحقق هدفاً خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، في السيطرة على وحدات العالم العربي وحكمها، ولذلك فقد أطلق بعض المؤرخين على حركة الدستور العثماني 1907ص، وسقوط عبد الحميد 1909ص، وتسلم الاتحاديين زمام السلطة اسم الثورة الصغرى، وأن قيام كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة في عام 1924ص، هو الثورة الكبرى.
مما سبق؛ يتبين قوة التحديات التي وقفت أمام جهود السلطان عبد الحميد وسعيه إلى حماية الدولة العثمانية وباقي البلاد الإسلامية، من خطر الاستعمار والأطماع الصهيونية والدسائس الماسونية، إلا أن تحالف قوى الشر كان أقوى من صمود عبد الحميد، ولن نجد دليلاً على صمود عبد الحميد وحده في قلب هذا الصراع، من اعترافات تيودور هرتزال التي سجلها في مذكراته، التي ظل يكتبها حتى عام 1904ص، وما بذله من جهد ضخم في سبيل الدولة العثمانية بقيادة هذا الرجل الذي استعمل معه كافة سبل الترغيب والترهيب، حتى سجل له التاريخ كلمات خالدة: (بلغوا الدكتور هرتزل ألا يبذل بعد اليوم شيئاً من المحاولة في هذا الأمر (التوطن بفلسطين)، فإني لست مستعداً إلى أن أتخل عن شبر واحد من هذه البلاد ليذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي بل هي ملك شعبي الذي روى ترابها بدمائه، ولتحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب).
وعرف اليهود أن طريق السلطان محفوف بالخطر، إذن فليزول السلطان، وليفتح الطرق أتباعهم الاتحاديون، فيقول طه الولي: (كانت غاية اليهود؛ إزاحة السلطان عبد الحميد من طريقهم الموصل إلى فلسطين، ولذلك تمكنوا من رشوة بعض رجال الدين، ودفع الاتحاديين إلى الثورة عليه والتخلص نهائياً منه، تمهيداً للتخلص من الإسلام نفسه فيما بعد، وقد واتت هذه الحركة الارتجاعية أملها بالنصر لليهود، فقام الجيش بحركته الحاسمة، متقدماً نحو يلدز، طالباً إزاحة العرش من تحت سيده الذي رفض النزول عند مغريات اليهود لتحقيق مطامعهم).
وهكذا تطورت الأمور بسرعة، حتى تحرك الجيش الثالث العثماني في مقدونيا، وضخمت الصحافة الخاضعة للنفوذ الصهيوني هذا التحرك، وكأن الجيش العثماني بتمامه قد هب في وجه السلطان عبد الحميد، وأن هذه الانتفاضة نابعة من الشعب التركي، وأدى ذلك إلى نجاح حركة الجيش في 24 يوليو 1908ص، وخضوع السلطان عبد الحميد لمطلب الجيش، ثم إلى تنحيته تماماً عن العرش عام 1909، وكان الذي أبلغ السلطان قرار الخلع هو(قره صو) عضو حزب الاتحاد والترقي، اليهودي، مؤسس محافل سلانيك الماسونية، وانتخب حاييم ناحوم؛ حاخاماً أكبر، عقب سقوط السلطان، واستطاع أن يحصل لليهود على عدة امتيازات في البلاد التي تتألف منها السلطة العثمانية.
ويقول بعض المؤرخين: "إن الانقلاب العثماني، أمر بَيّتَ له يهود سالونيك منذ نصف قرن، حتى يتم على أيدى متأسلمين كانوا يهوداً في الأصل، فأسلموا لأجل هذه الغاية، ولا ريب أن هذا الانقلاب قد أسلم زمام تركيا لليهود الماسون الدونمة: (طلعت وجاويد وجمال ونيازي وكمال).
فقد أرسلت الحكومة التي تولاها كمال أتاتورك، الحاخام حاييم ناحوم، مندوباً لها إلى لاهاي، وناطت به معالجة القضية التركية، فمهد السبيل إلى الصلح الذي أقرت فيه تركيا بالتنازل عن صبغتها الإسلامية، وعن اللغة العربية، والشريعة الإسلامية.(2/204)
وفي مذكرات السلطان عبد الحميد؛ يقول - رحمه الله - في رسالة كتبها بعد خلعه من الحكم، إلى شيخه "محمود أبو الشامات": (أنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد، المعروفة باسم جون تورك، وتهديدهم، اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة، إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا علىّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة، ورغم إصرارهم لم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيراً وعدوا بتقديم 150 مليون ليرة إنجليزية ذهباً، فرفضت هذا التكليف. لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة، فلم أُسَوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء، وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك)، فقبلت هذا التكليف الأخير، وحمدت المولى وأحمده، أني لم أقبل أن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة).
وهكذا ظل السلطان عبد الحميد، حجر عثرة في طريق ثالوث الشر الصليبي الصهيوني الماسوني، إلى أن تآزرت دسائس الحقد في الإجهاز عليه، وكان - رحمه الله - قد تولى الحكم والدولة مثخنة بجراحها، ولم تسعفه صيحة "يا مسلمي العالم اتحدوا"، لأن الاستعمار كان قد سبقه إلى احتلال كبرى حواضر الإسلام، واستمر حال التردي والتراجع، إلى أن تمكن الأعداء من ضرب حامية الخلافة العثمانية في مقتل، تظل الأمة الإسلامية تنزف عليه من آلامها دماً حتى تبرأ الجراح، وأنّى لها، فرحم الله السلطان عبد الحميد، الذي ظل وفياً لأمته إلى آخر الرمق، وقد وافاه الأجل 10 شباط عام 1918ص.
http://www.baladynet.net المصدر:
============(2/205)
(2/206)
من يصنع التاريخ ؟
حمزة الميداني
صرحت مستشارة الأمن القومي في الحكومة الأمريكية (كوندليزا رايس) بأنهم (الفئة الحاكمة في أمريكا) يصنعون تاريخ المنطقة، وهي تعني أنهم يغيرون تاريخ المنطقة، وفي اليوم نفسه صرح (كولن باول) وزير الخارجية أن هوية أمريكا هي: اليهودية والنصرانية، وذكر اليهودية أولاً، ثم استدرك وذكر الفئات الأخرى، كما فعل رئيسه (بوش) حين ذكر الحرب الصليبية ثم تنصل منها بعدئذ.
إن تصريح باول ورايس يصبان في مجرى واحد، إنهم فعلاً يريدون تغيير المنطقة، بالقوة والمال والضغوط، والخنوع العربي، ومن ورائهم إسرائيل تؤزهم أزاً، ولكن تصريح رايس يدل دلالة واضحة وأكيدة أن الأمريكيين لا يفهمون المنطقة ولم يتعرفوا بعد على الإسلام والمسلمين. وإن بدوا أنهم منسجمون مع ما ينظرون له من موقع الم - تعالى - المتغطرس الذي يظن أنه يحكم العالم.
إن على المسلمين أن يفهموا ويتأملوا قوله - تعالى -: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم))، يقول الشيخ رشيد رضا في تفسيرها: "آية للنبي كاشفة عن حال أهل الملتين في عصره.. ولا تزال مطردة في أمته من بعده، وقد اغتر زعماء بعض الشعوب الإسلامية فحاولوا إرضاء بعض الدول بما دون اتباع ملتهم، فلم يرضوا عنهم، ولو اتبعوا ملتهم لاشترطوا أن يتبعوهم في فهمها والعمل بها.."[1]، وهم الآن يطلبون تغيير المناهج أو إنقاصها، حتى يصلوا إلى القرآن ويطلبون حذف آيات منه.
يذكر الأمير عادل أرسلان أن مناقشة وقعت بين كميل شمعون أحد رؤساء لبنان السابقين والبطريرك عريضة، قال الأخير: وفي سورية كتب مدرسية يقال فيها إن المسيح لم يصلب، وهذا إهانة للدين المسيحي، ويعلق أرسلان: البطريرك يطلب إذاً من المسلمين أن يتركوا القرآن لأجل خاطره؟!"[2].
ولاشك أن التفريط في الدين وفي الحقوق كما يفعل الحكام العرب اليوم يطمع أحقر الأعداء، فكيف بأمريكا.
إن الحصار الذي تضربه أمريكا ومن معها على العرب والمسلمين لا يزاح إلا بمبادرة تاريخية، فيها من الوضوح والصراحة، وجمع الأمة ووضع الأمور في نصابها، مبادرة شجاعة وجريئة، عندئذ يكون المسلمون وليس (رايس) ومن تمثلهم، هم الذين بفضل الله يصنعون تاريخهم، إن الأمريكيين يتكلمون بأوهام وتنظير وتخطيط من يضع الخارطة أمامه ويقسم العالم، إن (بوش) يريد تحويل المنطقة إلى منطقة (مسيحية) كما نقلت عنه مجلة (نيوزويك) الأمريكية، فهل يتخيل هذا إلا أحمق متهور
_____________________
[1] تفسير المنار 1/113.
[2] مذكرات عادل إرسلان 2/612.
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
=============(2/207)
(2/208)
قصة إرهابنا
سلام الشرابي
امتدت أيديهم إلينا بالقنابل فأجبناهم بأقلامنا، داست رقابنا دباباتهم فانطلقت ألسنتنا هاربة من عجلاتها استنكاراً لأفعالهم، ثقبت آذاننا أصوات انفجاراتهم فثقبنا آذانهم بأغانينا وأشعارنا الوطنية والقومية.
جعلوا من شوارع فلسطين وشعبها أبطال لمسرحياتنا وأفلامنا والفيديو كليب.
يشتموننا ويسخرون منا ويتحدوننا، فنرد شتائمهم وتحدياتهم ببرامج تلفزيونية تطلق العنان للشعب ليشتم ويتحدى ويتوعد.
يفرضون حظر التجول على الفلسطينين فنخرج إلى الشوارع في مظاهرات نرفع أعلاماً ونحرق أعلاماً.
تنطلق النداءات.. الأقصى يناديكم….
فتجيبه أقلامنا، أغانينا، أشعارنا، مظاهراتنا وهتافاتنا.. نحن معك يا أقصى!
تطلب المساعدات المالية فنجعل منها فرصة دعائية لتصريف منتجاتنا!
وتمضي الأيام وشعب فلسطين يعيش فوق الحصار، بين الأموات والدماء والمرض والجوع والعطش.
ونحن نعيش تحت حصار.. بين صفحات المجلات والجرائد وأقنية التلفاز.
وتنتهي المجازر بعد أن تحقق هدفها بجهود عالمية وجولات عربية لتعلن المحطات الفضائية تعليقات كلاسيكية.. "لابد للشر أن ينتهي لابد للظلم أن ينجلي... " مع وابل من الشتائم لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي والسابق، بينما تدخل المجلات قسم الأرشيف وتركن الأغاني والأشعار الوطنية والأفلام إلى مناسبة أخرى.
وتختم البرامج السياسية ملفها بالحديث عن حصاد الدم والموتى، وينتظر العالم تعليقاً على ما حدث، فيأتي ردهم "إن ما فعلوه ليدفعوا عن أنفسهم إرهابنا".
ربما.. ربما وجدوا في مقالاتنا كلمات حادة، أو كلمة حادة، قد تندرج تحت قائمة الإرهاب، أو بإحراقنا أعلامهم، نار، والنار تؤلم، والألم إرهاب، وفي أفلامنا دعوات وشتائم، والشتيمة غل، والغل لا بد سيؤدي إلى عمل إرهابي!
ولا ننسى أنهم يروننا نصلي في المساجد وندعو الله، ونرت دي الحجاب، وهم يخافون الإسلام. ففي كلمة ألقاها "نتنياهو" في مؤتمر AIPAC، واصل حملاته التحريضية ضد الإسلام ووصفهم بأنهم أعظم تهديد للغرب، وأن العرب يتمسكون به ليعودوا إلى العصور الوسطى، فيستلمون سلطة العالم، ويضعون الغرب تحت رايتهم.
وربما لأنهم وجدوا جثة طفل فلسطيني يحمل بيده حجراً يدافع به عن نفسه وأرضه ووطنه، والحجر في رأيهم من أسلحة الدمار الشامل التي يجب أن تدخل ضمن الأسلحة المحظور استخدامها دولياً.
يحاولون أن يثبتوا للعالم أننا إرهابيون.
ونحاول أن نثبت لأنفسنا أننا مناضلون، بينما يثبت الفلسطيني للعالم كله بأنه وحده المناضل والشجاع والشهيد.
http://www. lahaonline. com المصدر:
==============(2/209)
(2/210)
دور يهود المغرب العربي في تأسيس الدولة العبرية !
يحي أبو زكريا
لعب يهود المغرب العربي أدوارا كبيرة وعملاقة في التمهيد لتأسيس الدولة العبرية في فلسطين المحتلة ومنذ انطلاقة الاستراتيجية الصهيونية في مدينة بازل السويسرية سنة 1897 وهم يعملون على تفعيل مشروع الحركة الصهيونية القاضي بإنشاء دولة اليهود الموعودة في فلسطين المحتلة. وقبل انخراط يهود المغرب العربي في هذه اللعبة السياسية كانوا ضالعين في صناعة الذهب والفضة وأتقنوا هذه الحرفة إلى درجة أنّ أحد ملوك المغرب العربي كلف بعض اليهود في سكّ عملة المسلمين الذهبيّة، وشيئا فشيئا أصبح النشاط الاقتصادي لليهود متميزا وحتى المرأة اليهودية انخرطت في مجالات العمل وتحصيل الأموال في وقت كانت فيه المرأة المغاربية ترزح بين الجدران الأربعة. وعندما تعرضت منطقة المغرب العربي إلى الاستعمار الفرنسي ازداد نفوذ اليهود الاقتصادي على اعتبار أنهم قدموا كل الدعم للاستعمار الفرنسي بحكم معرفتهم الكاملة بتفاصيل الناس والأشياء والعادات في المغرب العربي و قد منحتهم السلطات الفرنسية الجنسية الفرنسية، كما منحتهم الضوء الأخضر للقيام بكل ما في وسعه لخدمة القضية الصهيونية و تكريس المشروع الصهيوني.
ويفيد الباحث حاييم الزعفراني أنه كان يطلق على اليهود صنّاع الصياغة في النصوص العبرية اسم - صورفيم - وبالعربية الذهابين وكان جودا بن عطّار واحدا من أمهر الذهابين المغاربة في القرن التاسع عشر وكان جودا بالإضافة إلى عمله في صناعة الذهب قاضي قضاة ورئيس المحكمة الربيّة.
هذه الخلفية التاريخية التي أكدتها الوثائق اليهودية كما المغاربية تبين أن اليهود كانوا ممسكين بعصب الحياة الاقتصادية في المغرب العربي.
وعندما انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السوسرية سنة 1897 برئاسة تيودور هرتزل، شارك في هذا المؤتمر مجموعة من يهود المغرب العربي الذين قدموا دراسة عن وضعية إخوانهم في المغرب العربي وأفادت هذه الدراسة أن عدد يهود المغرب العربي يبلغ 150،000يهوديا - مائة وخمسون ألف يهودي - وحسب الدراسة فان دورهم سيكون بالغ الأهمية في قيام الدولة العبرية وكانت المهام الموكلة بهم تتمثل في جمع المال للمشروع الصهيوني ونقله إلى المنظمة الصهيونية العالمية وإقامة تجمعات ومنظمات سياسية، وبناءا عليه تأسست منظمات في الجزائر والمغرب وتونس من قبيل الفيديرالية الصهيونية التي تأسست في تونس بتاريخ 22 تشرين الأول -أكتوبر -1920 وفي الوقت نفسه وتحت الرعاية الفرنسية تشكلت مثل هذه الفيديراليات في بقية الدول المغربية حيث نشطت في جمع المال وتوعية اليهود بأهمية أن تكون لهم دولة، كما كانت هذه المنظمات تضطلع بتوزيع المنشورات والكتب التي تدعو للفكر الصهيوني، كما كانت هذه المنظمات تشارك في أعمال المؤتمرات اليهودية العالمية، فعلى سبيل المثال كان اليهود الجزائريون يشاركون بقوة في أعمال المؤتمر اليهودي العالمي وتحديدا في المؤتمرات 23 - 24 - 25 - و المؤتمر الصهيوني العام الذي أقيم في القدس سنة 1960.
وقد كان يهود المغرب العربي براغماتيين إلى أقصى درجة ففي عهد الملوك المغاربة كانوا يتقربون إلى هؤلاء الملوك بتقديم هدايا من ذهب يسيل لها لعاب الملوك، وعندما وصل الفرنسيون إلى المغرب العربي هللوا لهم وكانوا في طليعة الداعمين لهم بحكم معرفتهم بالواقع التاريخي والجغرافي للمنطقة المغاربية.
ورغم أن فرنسا اصطحبت معها عشرات الآلاف من اليهود عقب مغادرتها المغرب العربي ومنحتهم كل حقوق المواطنة الفرنسية، إلا أن بعض الآلاف فضلوا البقاء في المغرب العربي وانفتحوا على النظم الوطنية الفتيّة وقد استغلوا علاقتهم بالشباب المغاربي التكنوقراطي الذي درس في الجامعات الفرنسية وأتقن اللغة الفرنسية وأستوعب الثقافة الفرانكوفونية ووجد نفسه في دوائر القرار بحجة أن العهد الثوري الجديد هنا وهناك من دول المغرب العربي في حاجة إلى خبراء ومعظم هؤلاء الخبراء درسوا في الجامعات الفرنسية.
وقد نسج بعض اليهود علاقات مع بعض الشخصيات السياسية المغاربية إلى درجة أن بعضهم صار وزيرا للبناء مثل ألبير بيسي الذي كان صديقا للحبيب بورقيبة و عينه وزيرا في الحكومة التونسية الفتية أو أندريه أزولاي مستشار الملك المغربي الراحل الحسن الثاني والذي يواصل عمله مع الملك المغربي الشاب محمد السادس وجيش من اليهود المغاربيين الذين بات لهم تغلغل في كل الوزارات والدوائر.
وقد تورط الكثير منهم في قضايا تجسس لصالح الدولة العبرية لكنّ الحكومات المغاربية لا تريد أن تفصح عن هذه الملفات لارتباطها بالأمن القومي من جهة و لأن هذه الأحداث ترتّب عليها لقاءات واتصالات في عواصم أوروبية والكشف عن هذه الاتصالات من شأنها أن يزيد في تعرية النظم المغاربية المتأكدة قلبا وقالبا من عدم استمزاج الشعوب المغاربية لفكرة التطبيع أو مجرد الاتصال بالدولة العبرية.(2/211)
ففي تونس على سبيل المثال تحرك بعض اليهود التونسيين لرصد تحركات الكوادر الفلسطينية، و نجحت السلطة التونسية في اعتقال بعض الجواسيس لصالح الدولة العبرية لكن أطلق سراحهم بعد ضغط عبري ووساطات قام بها الربي التونسي الأكبر وهو زعيم الطائفة اليهودية في تونس وعندما أطلق سراح هؤلاء الجواسيس بعث هذا الربّي برقية إلى الكنيست الإسرائيلي في تل أبيب جاء فيها أن يهود تونس بألف خير، وفي الجزائر كلف الموساد من يرصد صيرورة الأمور في عين وسارة النووي وقد اعتقلت المخابرات الجزائرية بعض من كلف بهذه المهمة وفي المغرب اليهود هم أصحاب الدار تقريبا يعقدون مؤتمراتهم بلا إزعاج من أحد.
والإسهام في تقديم الخدمات من قبل اليهود المغاربة للدولة العبرية تواصل حتى لما استقلت الدول المغاربية. وربما الخدمات الحالية تفوق بكثير ما تمّ تقديمه في السابق!
http://www. fo r san. net المصدر:
=============(2/212)
(2/213)
الولايات المتحدة وديمقراطية الأنابيب
من المغرب إلى باكستان !
إدريس الكنبوري
أعلنت الإدارة الأمريكية يوم 9 فبراير على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن وضع مشروع جديد أطلقت عليه تسمية"الشرق الأوسط الكبير"، من أجل دمقرطة المنطقة العربية والعالم الإسلامي وتطوير الحالة السياسية فيهما، والدفع بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبالإطلاع على النص الكامل للمشروع، يتضح لنا بأنه لا يختلف كثيرًا عما طرحه قبل عامين كل من "ريتشارد هاس" مدير إدارة التخطيط في الخارجية الأمريكية، وكولن باول كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية، باسم "مبادرة الديمقراطية" في العالم العربي، ويمكن ملاحظة أوجه الاختلاف بين المشروعين السابقين والمشروع الحالي في نقطتين:
النقطة الأولى: أن مشروع بوش يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سيخوض فيها الرئيس الجمهوري منافسة قوية مع غريمه الحزب الديمقراطي، وهو لذلك يريد إقناع الرأي العام الأمريكي بأنه يحمل مشروعًا شاملاً لتغيير منطقة الشرق الأوسط، وأن احتلال العراق لم يكن سوى الحلقة الأولى في هذا البناء الكبير، ومن ثم فإن هذا الاحتلال مشروع من هذه الناحية، وهو رد غير مباشر على الحملة التي يواجهها بوش حاليًّا بعد انكشاف الأكاذيب المخابراتية بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية.
النقطة الثانية: أن المشروعين السابقين كانا مشروعين أمريكيين، دعوة وتنفيذًا، وقد لقيا لهذا السبب اعتراضًا قويًّا من لدن بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك التي كانت تعارض الحرب على العراق، أما المشروع الحالي فتريد الإدارة الأمريكية إشراك الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثمانية الكبار فيه، وسوف تقدمه لقمة هذه الأخيرة التي ستعقد في يونيو القادم بالولايات المتحدة الأمريكية، للحصول على دعم أعضائها، كما أن المشروع يتضمن عدة إشارات إلى هذه الدول باعتبارها مسؤولة عن تطبيق ما ورد فيه ورعاية تنفيذه وتحمّل جزء من تمويله.
لكن مشروع بوش لا يختلف كثيرًا من حيث مضامينه عن مشروعي هاس وباول، فهو استمرار لهما في الروح التبشيرية التي انطلقا منها، كما يشترك معهما في القناعة بأنه لا بد من تغيير الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة.
مفهوم الشرق الأوسط الكبير:
يعتبر المشروع أن مفهوم الشرق الأوسط الكبير، مع زيادة هذه الصفة إليه، يقصد به عموم المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، ولكنه يدخل فيه البلدان الإسلامية الأخرى غير المحسوبة على الشرق الأوسط مثل باكستان وإيران وتركيا وأفغانستان، وبطبيعة الحال الكيان الصهيوني الذي يعتبره المشروع جزءًا من الشرق الأوسط الكبير، مع ملاحظة أنه يعتبر الكيان الصهيوني البلد الديمقراطي الوحيد في هذا المحيط الجيو سياسي، ويهم المشروع كامل المنطقة التي تمتد من المغرب إلى باكستان.
مثل هذا المفهوم للشرق الأوسط لا بد أن يذكرنا بمفهوم آخر سبق وأن تم التسويق له على نطاق واسع في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، بعد المؤتمر الاقتصادي الشهير للشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي عقد بمدينة الدار البيضاء عام 1994، وهو"الشرق الأوسط الجديد"، والذي كان قد بشر به وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت شيمون بيريز الذي شارك في المؤتمر إلى جانب رئيس الوزراء المغتال أسحق رابين. ولكن مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي نادى به بيريز في كتاب له بنفس العنوان كان ذا أبعاد اقتصادية صرف، الهدف منه تحويل الكيان الصهيوني إلى دولة طبيعية في المحيط العربي من خلال آليات العمل الاقتصادي والتجاري المشترك مع البلدان العربية، وقطف ثمار التطبيع الاقتصادي الذي بدأ ينشط بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، بينما مفهوم الشرق الأوسط الكبير يتسع ليأخذ أبعادًا شاملة تصب في الأهداف السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية، وتشكل الولايات المتحدة محورًا له.
النواقص الثلاث:
ينطلق المشروع الأمريكي الجديد في تسويغ مطالبته بالإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي والإسلامي من تقريري التنمية البشرية العربية لعامي 2002 و 2003 الذين شخصا مواضع الأزمات في المجتمعات العربية وعوامل التخلف فيها، من ذلك مؤشرات التنمية الاقتصادية ومستوى الدخل الفردي ونسبة الأمية وغياب الديمقراطية وضعف المشاركة السياسية والفساد السياسي وغياب حرية التعبير وتبعية الإعلام الرسمي وغياب مجتمع المعرفة والمعلومات والفقر والبطالة، وهي ظواهر حقيقية يعيشها العالم العربي ولا يمكن التغافل عنها.(2/214)
ويرى المشروع أن هناك نواقص ثلاث يعتبر أنها" تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثمانية"، وهي: الحرية والمعرفة وتمكين النساء، ويضيف أنه "طالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة"، وبعد أن يورد بعض الإحصاءات والأرقام الواردة في تقريري التنمية البشرية العربية المشار إليهما أعلاه، يقرر بأن"المنطقة العربية تقف عند مفترق طرق"، ليستنتج بأن"البديل هو الطريق إلى الإصلاح".
ما هي مرتكزات الإصلاح؟
يتضمن المشروع ثلاث أعمدة رئيسة ترتكز عليها خطة تغيير منطقة الشرق الأوسط الكبير:
تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.
بناء مجتمع معرفي.
توسيع الفرص الاقتصادية.
وتعتبر هذه بمثابة الأولويات الضرورية لتغيير وتنمية المنطقة، حسب واضعي المشروع؛ "فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والمبادرة في مجال الأعمال هي ماكينة التنمية"، ويدعو المشروع في إطار تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح في العالم العربي إلى تنظيم انتخابات حرة، وتنظيم زيارات متبادلة على الصعيد البرلماني بين هذه البلدان ودول مجموعة الثماني التي يدعوها المشروع إلى تبني أطروحاته وتمويل مشاريع الإصلاح في المنطقة العربية، ورعاية معاهد لتدريب النساء على القيادة السياسية، وتقديم المساعدة القانونية للناس العاديين. كما يدعم المشروع مبادرة تطوير وسائل الإعلام المستقلة والحرة في العالم العربي، وتنمية دور المجتمع المدني.
أما على صعيد بناء مجتمع معرفي؛ فالمشروع يرى أن الفجوة المعرفية في المنطقة العربية ونزيف الأدمغة يشكلان تحديًا لآفاق التنمية فيها، لذلك فهو يدعو إلى دعم التعليم الأساسي وتعميمه والقضاء على الأمية، وتحديث التعليم بحيث يواكب التطورات التكنولوجية الحالية، داعيًا إلى إنشاء ما أسماه "مدارس الاكتشاف" أسوة بالأردن، ويدعو المشروع في نفس السياق إلى عقد قمة خاصة بإصلاح التعليم في المنطقة في شهر مارس الجاري أو أبريل المقبل، قبل انعقاد قمة دول الثماني في شهر يونيو القادم.
وفيما يتعلق بالشطر الثالث من مبادرة الإصلاح الخاص بتوسيع الفرص الاقتصادية، يلح المشروع على تجسير الفجوة الاقتصادية بين بلدان الشرق الأوسط الكبير، عبر إحداث تحولات اقتصادية تشبه في مداها ما حدث في البلدان الأوروبية الشرقية الشيوعية، وإطلاق قدرات القطاع الخاص، ويدعو البلدان الثمانية الأوروبية المتقدمة إلى دعم وتمويل ما يسميه"مبادرة تمويل النمو" التي تقوم على مشاريع الإقراض الصغيرة وإنشاء "مؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير" تقوم دول الثماني بالمساهمة في تمويله، وهدفه تمويل مشروعات التنمية في المنطقة، كما يدعو إلى إنشاء"بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير" على غرار البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، لمساعدة الدول الراغبة في الإصلاح على توفير الاحتياجات الأولية للتنمية (نشير إلى أن مشروع بيريز الذي أشرنا إليه أعلاه دعا إلى إنشاء بنك خاص بشمال إفريقيا والشرق الأوسط تقوم دول الخليج بتمويل القسط الأوفر فيه).
المشروع والخلافات الأوروبية الأمريكية:
كما سبق القول، لا يختلف المشروع الحالي لدمقرطة العالم العربي وتغييره عما طرحه مدير إدارة التخطيط في الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس في 4 ديسمبر 2002 حول"المزيد من الديمقراطية في العالم العربي"، ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول في 12 ديسمبر 2002 بعده بأيام حول مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط، وما طرحه الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه يوم 6 نوفمبر 2003 أمام"الصندوق القومي للديمقراطية"، ولكن الجديد في المشروع الأخير هو أن الولايات المتحدة تريد تقسيم الأدوار بينها وبين الاتحاد الأوروبي والبلدان الصناعية الكبرى، عبر إيكال بعض الأدوار إليها، لا تتجاوز التمويل وبعض التقنيات التي لا تمس بجوهر المشروع، بمعنى أن الإدارة الأمريكية تريد لمخطط إصلاح العالم العربي أن يكون أمريكي الصنع أوروبي التسويق والتمويل.
إن واشنطن من خلال رغبتها في إشراك الأوروبيين في مشروعها، تريد أن تعطي دفعًا أكبر له وتأييدًا دوليًّا أوسع لأهدافه، وهي بذلك تحاول في نفس الوقت كسب أوروبا إلى جانبها بعد الفجوة التي اتسعت بينهما منذ ما قبل الحرب على العراق في أبريل من السنة الماضية، خاصة فرنسا وألمانيا، وأن تظهر للبلدان الأوروبية بأنها لا ترغب في أن تستحوذ لوحدها على المنطقة، ولكنها تمنح لها فرصة للمشاركة في تشكيل مستقبل بلدانها، من خلال الإحالة في إحدى الفقرات على مسلسل برشلونة الأوروبي متوسطي لعام 1995، على الرغم من أن ما هو مخول لأوروبا لا يتجاوز الجوانب المالية والفنية، كما تفعل الولايات المتحدة دائمًا في منطقة الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الصهيوني، حيث تكون مبادرات التسوية السياسية أمريكية، وتمويل الإعمار والبناء أوروبيًّا.(2/215)
وقد وضعت ألمانيا في السابع من فبراير الماضي، بعد اطلاعها على المبادرة الأمريكية، مبادرة جديدة لتشكل نواة لمبادرة أوروبية أوسع تخص التغيير في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وركزت المبادرة الألمانية على الاعتبارات الأمنية في المنطقة التي تشكل خطرًا على الأمن الأوروبي والأمريكي، وهو ما يوحي بأن هناك تقاربًا أمريكيًّا أوروبيًّا قيد التبلور فيما يتعلق بمبادرات الإصلاح السياسي في العالم العربي. ويوم السبت الماضي، انطلقت في بروكسيل مناقشات فرنسية ألمانية بمشاركة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا بشأن ورقة عمل تتعلق بالشراكة الاستراتيجية مع الشرق الأوسط، سوف تتم مناقشتها في إطار أوروبي أوسع، قصد وضع تصور أوروبي مشترك قبل انعقاد قمة البلدان الثمانية بين 8 و 10 يونيو القادم، والتي سيقوم فيها جورج بوش شخصيًّا بطرح مشروع "الشرق الأوسط الكبير" فيها، كما أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد سيدافع عن الجوانب الأمنية في المشروع في قمة دول حلف شمال الأطلسي التي ستنعقد يومي 28 و29 يونيو في استانبول بتركيا. غير أن الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، ما زلت متسعة فيما يخص هذه المبادر؛ فأوروبا ترى أن المطلوب أولاً إنهاء ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المسؤول عن توتر المنطقة، وطي الملف العراقي بزوال القوات الأمريكية وتفويض السلطة للعراقيين.
العرب أمام التحدي الجديد:
رفضت بعض الدول العربية حتى الآن المشروع الأمريكي الداعي للتغيير السياسي والاقتصادي، بدعوى أنه يحاول الإتيان بالتغيير من الخارج وفرضه قسرًا على البلدان العربية، ووقعت الحكومتان السعودية والمصرية بيانًا رفضتا فيه الخطة لكونها مفروضة وتتجاهل الخصوصيات العربية، والتحقت سوريا بهما لاحقًا، لكن كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية كولن باول رد على هذه الاعتراضات بأن واشنطن" لن تقترح أبدًا خطة إصلاحات قادمة من الخارج"، وقال في الأسبوع الماضي في تصريحات له بأن كل ما تحاول الولايات المتحدة القيام به هو مساعدة هذه الدول على الإصلاح "بالطريقة التي يختارونها".
الإدارة الأمريكية أوفدت مبعوثًا خاصًّا إلى بعض الدول العربية هو مارك غروسمان وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، الذي بدأ جولة له في بلدان المغرب والمشرق العربي يوم الأحد الماضي بهدف طرح المبادرة الأمريكية على زعماء هذه الدول قبل انعقاد القمة العربية المقررة في العشرين من الشهر الجاري بتونس، وكانت بعض البلدان العربية قد أكدت بعد الإطلاع على الوثيقة الأمريكية بأن هذه الأخيرة يمكن أن تعرض للمناقشة في القمة إذا رغبت الدول العربية، ويبدو أن غرض جولة غروسمان هو فرض المشروع على القمة العربية لتتم مدارستها رسميًّا. وغروسمان هو المسؤول الأمريكي الثاني الذي يزور المنطقة العربية للترويج للمشروع، بعد الجولة التي قام بها ألان لارسون مساعد كاتب الدولة في الشؤون الاقتصادية والزراعية في الأسبوع الماضي.
هذه هي ديمقراطية الأنابيب الصناعية التي تريد الولايات المتحدة إنزالها من أعلى على بلدان العالم العربي وزرعها في جسمه، وهي تطرح تحديًّا جديًّا على العالم العربي والإسلامي الذي لم يعد يملك زمام أمره، وتفرض عليه بالتالي الاختيار بين نوعين من التغيير: التغيير من الداخل، أو التغيير القادم من الخارج والمفروض بالقوة والتهديد وربما بوسائل أكثر بشاعة. ويمكن القول إن هذه المشاريع الأمريكية المتعددة والمتوالية، وآخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير، قد رسخت لدى القيادات والنخبة العربية قناعة مفادها أن المنطقة قد أصبحت اليوم في مرمى الاستهداف الأمريكي والغربي، ولكنها أيضًا رسخت قناعة أخرى من الضروري التجاوب معها، وهي أن الإصلاح بات مطلبًا ضروريًّا، وأن تفادي المخاطر الخارجية ينطلق من الإنصات للدعوات الداخلية بالتغيير.
والواضح أن المشروع الأمريكي يكتسي الكثير من النفاق، فهو يتجاوز المشكلات الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها الصراع الفلسطيني الصهيوني والاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما يحدث في العراق يقدم الدليل حسب العديد من الملاحظين الأوروبيين على فشل الولايات المتحدة في إرساء الديمقراطية التي تنادي بها، علمًا بأنها تدّعي بأن العراق سيكون اللبنة الأولى في بناء الشرق الأوسط الجديد الذي تدعو إليه.
http://www.islamtoday.net المصدر:
============(2/216)
(2/217)
من يجرؤ على الكلام ..؟!
عبد الله بن حمدان السالم
مَنْ منّا لا يعرف منظومة (دومينوز بيتزا) الشهيرة..؟!
قلَّة أولئك الذين لا يعرفون هذه المحلات الغذائية التي تنتشر في معظم أنحاء العالم، لكن قلَّة أيضًا الذين يعرفون أن البليونير الأمريكي (توم موناهان) صاحب هذه المجموعة التجارية؛ أوقف معظم أمواله في مشاريع مختلفة تديرها الكنيسة الكاثوليكية، وأسس عددًا من المدارس والكليات التنصيرية، وأسس إذاعة تبث البرامج الدينية، ودعم عددًا كبيرًا من الأنشطة الكنسية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.. ولكن هل ثمة أحد يجرؤ على اتهامه بتمويل التطرف..؟!
زرت مقر (منظمة اليونيسيف) في الخرطوم قبل عدة سنوات، ففوجئت بصورة معلقة على الحائط يظهر فيها بابا الفاتيكان رافعًا صليبه بيد، ويمسح بيده الأخرى على رأس طفل إفريقي، والمفترض أن اليونيسيف منظمة أممية إنسانية، وليست منظمة تنصيرية.. لكن من يجرؤ على الاعتراض..؟!
وفي زيارة أخرى لمناطق اللاجئين الصوماليين في كينيا التقيت أحد موظفي (منظمة غوث اللاجئين) (UNHC r ) التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وهو يوزغ نسخًا من الإنجيل المترجم إلى الصومالية في مراكز تغذية الأطفال والنساء الحوامل، فسألت شابًّا صوماليًّا يعمل معه: كيف يحدث هذا من منظمة دولية..؟ فقال هامساً: اسكت حتى لا يُخرج لك إنجيلاً باللغة العربية..!
أما الحديث عن المنظمات التنصيرية والإرساليات الكنسية فحديث يطول تفصيله، وحسبك أن تعرف أن موازنة بعض المنظمات التنصيرية وأوقافها، مثل (منظمة الرؤية العالمية) التي لها نشاط في 90 دولة في مختلف أنحاء العالم، ربما تفوق موازنتها المالية موازنة بعض دول العالم الثالث..!
الجدير بالذكر أن أبواب الدول فتحت مشرعة للمنظمات التنصيرية تصول فيها وتجول، حتى إن بعض المنظمات التنصيرية (الإنسانية!) وعلى رأسها مجلس الكنائس العالمي، ثبت أنها تمول بعض الميلشيات النصرانية الانفصالية بالسلاح والذخيرة الحية فضلاً عن الغذاء والدواء، كما حدث في جنوب السودان، وأوغندا، وتشاد.. لكن من يجرؤ على الكلام..؟!
ليس حديثي في هذا المقال عن التنصير؛ فلهذا شأن آخر، لكن كل متابع للواقع السياسي يلاحظ بجلاء شديد الحملة الأمريكية المتشنجة على العمل الخيري الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي بدأت بالدعوة إلى تجفيف منابع الإرهاب المالية، ثم أصدرت عددًا من القوائم العشوائية التي تتهم عددًا من المؤسسات الخيرية، ورجال الأعمال المسلمين، بل وبعض المسؤولين الرسميين؛ بدعم الإرهاب دون أدنى أدلة أو اعتبارات موضوعية. فجمدت بعض الأرصدة، وصودرت بعض الممتلكات، وشنت وسائل الإعلام العالمية والعربية حملة جائرة للتشويه والتجريم، ثم تداعت الدول الواحدة بعد الأخرى لمراجعة الحركة المالية للمؤسسات الخيرية، وسُنَّ عدد من التشريعات والأنظمة الانفعالية المتسرعة التي محصلتها النهائية هي (تقزيم) العمل الخيري وقطع جذوره..!
لنستحضر ذلك كله ونحن نقرأ خبر تشكيل (هيئة سعودية أهلية للأعمال الخيرية والإغاثة في الخارج)، هذه الهيئة ستكون (حصريًّا!) هي الهيئة الوحيدة التي تجمع التبرعات وتوزعها.. فما معنى هذا القرار؟!
هذا القرار يعني: أن جميع المؤسسات الخيرية العاملة في السعودية سوف تُحل وتُدمج في مظلة واحدة يقال إنها (أهلية!!)، وتُحوّل جميع ممتلكات المؤسسات الخيرية إليها، وتشرف عليها لجنة مختصة مشكلة من عدد من قطاعات الدولة، كما جاء في نص النظام الصادر من شعبة الخبراء بمجلس الوزراء.
من حقنا أن نقلق من هذه الوصاية خاصة في مثل هذا التوقيت؛ لأن القرار ببساطة شديدة يعني إجهاضًا ووأدًا للعمل الخيري الذي كان شامة مشرقة لأبناء هذا البلد المعطاء، تظهر ثمراتها المباركة في كل أنحاء الدنيا.
وهب أن بعض العاملين في القطاع الخيري أخطؤوا أو قصَّروا، أليس الخطأ موجودًا في جميع المجالات والأنشطة البشرية؟! لماذا ننظر بعين جائرة لمثل هذه الأخطاء ونضخمها؟! لم لا نسعى لمعالجة هذه الأخطاء بحسن ظن وشفافية؟! ولم لا نضع من التنظيمات ما يرتقي بالعمل الخيري وينظمه ويعالج أخطاءه، بدل أن نسعى لترويضه ومصادرته..؟!
ولنا ها هنا تساؤلات في غاية الأهمية:
أولاً: هل هذا القرار اعتراف ضمني بتهمة تمويل الإرهاب وتأكيد لها، أم أنه قرار احترازي؟!
ثانياً: هل هذا قرار سيادي نابع من رؤية وحاجة داخلية، أم أنه قرار استعلائي فُرض على صانع القرار فرضاً..؟!
أحسب أن الجواب عن هذين السؤالين لا يخفى على ذوي الألباب، فالقرار له تبعات سياسية ليست في مصلحة البلد لا في العاجل ولا في الآجل.
والظاهر أن الدول تريد من المؤسسات الخيرية العاملة على أرضها أمرين رئيسين:
الأول: الانضباط الأمني، وعدم تسرب الأموال إلى مواقع لا ترتضيها.
الثاني: الانضباط الإداري، وتولية الأكفاء الثقات على الأعمال الخيرية.(2/218)
لكن المعالجة الرسمية تركز على تحقيق الأمر الأول فقط، ولا تلتفت على الإطلاق إلى الأمر الثاني؛ فهل يمكن أن يؤدي مجرد الضبط الأمني بتذويب المؤسسات الخيرية إلى تحقيق الفائدة المرجوة..؟!
والجواب البدهي بكل وضوح: أن هذا لن يتحقق على الإطلاق، بل سوف تتفتح ثغرات كبيرة لا يمكن السيطرة عليها. وصناع القرار في هذه الدول يدركون أن بإمكانهم وضع إجراءات رقابية على أصول المؤسسات وممتلكاتها، مع بقاء استقلاليتها وخصوصيتها المؤسسية والإدارية بدلاً عن تذويبها، والمؤسسات الخيرية لا تأبى ذلك فيما أحسب؛ فالتنظيم والإشراف الإداري مطلب لا يعترض عليه أحد.
أما في حالة إلغاء المؤسسات الخيرية، وتكوين مؤسسة حصرية واحدة؛ فإن العامة والخاصة لن يثقوا بإعطاء أموالهم لتلك المؤسسة الجديدة، ولن يتعاطفوا مع أنشطتها وبرامجها، حتى لو كانت أسماء بعض أعضائها مقبولة بادئ الأمر، خاصة إذا عرفوا أن لجنة رسمية عليا ستشرف عليها. وسوف يؤدي ذلك بالتأكيد إلى أن يبحثوا عن قنوات فردية مأمونة عندهم.. فبدلاً من أن تتابع الجهات الأمنية عددًا محددًا من المؤسسات الخيرية واضحة الأنشطة، تتميز بالشفافية الإدارية والمالية؛ ستضطر إلى متابعة مئات الأفراد من هنا وهناك، وسيتسع الخرق على الراقع، ومن أين للجهات الأمنية السيطرة على مثل هذا أو رقابته..؟!
ولهذا فإنني أجزم يقينًا بأن القرار لن يؤدي إلى الانضباط الأمني؛ بل سيؤدي إلى خلل كبير يصعب احتواؤه..!
إن العمل الخيري قطاع مستقل عن قطاعات الدولة، يمثل أرقى صور المجتمع المدني الذي يتنادى الجميع بتفعيل مؤسساته، وهو قطاع تكاملي يوظف طاقات الأمة الإنسانية في بناء مجتمعات متكافلة ومستقرة نفسيًّا واجتماعيًّا، فمتى تم احتواؤه من المؤسسة الرسمية فَقَدَ صدقيته وتعاطُف الناس معه، وتعاملوا معه كما يتعاملون مع أجهزة الدولة الأخرى!
والعاملون في القطاع الخيري نحسبهم والله حسيبهم لا يتطلعون إلى حمد الناس وشكرهم وثنائهم، ولا يتشوفون إلى مغنم أو جاه أو شرف دنيوي، ولا يتسابقون إلى الأضواء وتلميع ذواتهم، بل يُقبلون على العطاء والبذل تقربًا إلى الله - عز وجل - ، ويضحون بأوقاتهم سعيًا في حاجات الناس وتخفيف كرباتهم، وفي الوقت الذي يتنافس فيه أهل الدنيا على أهوائهم ومكاسبهم الشخصية؛ يتسابق أولئك بأكف ندية إلى بذل المعروف وإغاثة الملهوفين والمنكوبين.
َأمثل هؤلاء يُخذلون، ويُسلَمون لاتهامات جائرة..؟!
أنضيق ذرعًا بإنسانيتهم، ونتبارى في تطويعهم وترويضهم..؟!
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
http://www.islamtoday.net المصدر:
================(2/219)
(2/220)
احذروا هذه المؤتمرات
مصطفى السباعي
منذ اشتد الصراع بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، ودول الغرب تبذل كل جهدها لحملنا على الانحياز إليها والوقوف بجانبها في هذا الصراع.
ولما كانت شعوبنا الإسلامية، منها من لا يزال يئن تحت وطأة الاستعمار الغربي، ومنها من هو حديث عهد بأساليبه وجرائمه، فقد أخفقت الدعاية الغربية إخفاقاً ذريعاً في إقناع شعوبنا بالانحياز إلى الغرب، ونسيان ماضيه وجرائمه بحجة (الخطر الجديد). ولم يعلن انحيازه إليه إلا من ماتت ضمائرهم، ومن يرتبط وجودهم وكيانهم ومصالحهم الدنيئة الخاصة بالمعسكر الغربي، فجندوا كل إمكانياتهم وجهودهم لخدمة أطماعه على حساب شعوبهم وكرامتها واستقلالها.
عندئذ لجأت العقلية الغربية الماكرة إلى تجنيد (الدين) لخدمة مآربها في هذا الصراع، فأخذت منذ أمد ليس بالبعيد تدعو إلى إيجاد (جبهة مسيحية إسلامية) ضد الخطر الشيوعي، واستعملت لذلك من رجال الدين الغربيين ومن المنتسبين إلى العلم في أوساط المسلمين، من أخذوا ينادون بإيجاد هذه (الجبهة) كحرب صليبية جديدة ضد أعدائهم (الجدد الشيوعيين).
ولقد كان المؤتمر الإسلامي المسيحي العالمي الذين انعقد في بحمدون (لبنان) عام 1954 بدعوة من جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية مناسبة طيبة ليتعرف الواعون من دعاة الإسلام إلى حقيقة هذه الدعوة وأهدافها السياسية، وكان لهم موقف معروف من فضحها وكشفها على حقيقتها، وفضح المتعاملين معهم من بعض أدعياء الدين والعلم من المسلمين، ومع أن المؤتمر قد انبثقت عنه لجنة تنفيذية لمتابع عقد دوراته كل سنتين في عاصمة من عواصم البلدان الإسلامية، فقد ولدت اللجنة ميتة، وبالرغم من محاولات الأمريكيين المستميتين في نجاح هذه الفكرة أمثال القس (هوبكنز) لبعث الحياة فيها خابت آمالهم وعادوا بخفي حنين..!
واليوم تطالعنا الصحف بتجديد المحاولات الغربية الرامية إلى إنشاء تكتل (ديني) باسم الإسلام والمسيحية ضد الشيوعية، مما يدل على أن الاستعماريين الغربيين لا يزالون يحلمون بتحقيق هذه الفكرة، في غفلة من المسلمين واستهتار بوعيهم الذي بدت خطورته تكشف مقاتل الاستعمار في ديار المسلمين.
إن الإسلام والمسيحية يلتقيان في كثير من خطوات الخير والفضيلة والإيمان بالله، ونحن المسلمين والمسيحيين العرب والشرقيين لم نكن يوماً في حاجة إلى من يدعونا إلى التعاون على محاربة (الإلحاد) مادامت ديانتانا قائمتين على أساس الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، بل إننا عشنا متعاونين على هذا الهدف في ظل الحضارة الإسلامية الزاهرة، لم يعكر صفو هذا التعاون بيننا إلا يوم شن الغربيون حملاتهم (الصليبية) على بلادنا في القرون الوسطى، ولئن استطعنا أن ندحرهم بعد حروب دامت مائتي سنة، كلفتنا وكلفتهم أنهاراً من الدماء، وأجيالاً من الضحايا، وتركة مثقلة بالديون لم نتمكن من سدادها حتى اليوم، فإن حملاتهم الاستعمارية على بلادنا باسم (الدين) لم تنقطع بعد، وها هي حرب الجزائر التي تحاول فرنسا أن تصورها للعالم الغربي صراعاً بين الأوربيين وبين المسلمين، ما زالت تدور رحاها الطاحنة المتواصلة منذ ست سنوات كاملة، وهي تفيض بمآسي المذابح والجرائم التي يرتكبها الاستعمار الفرنسي الوحشي ضد شعبنا المسالم في المدن والقرى، وآخرها المجازر الجماعية التي قامت بها القوات الفرنسية والمستوطنون الفرنسيون عند زيارة (ديغول) الأخيرة إلى الجزائر.
فماذا فعل الغربيون (المتدينون) إزاء هذه المأساة الإنسانية التي يبرأ منها السيد المسيح ويلعن مرتكبيها ومسببيها والراضين أو الساكتين عنها؟ إننا لم نسمع إلا في الأيام الأخيرة أن رجال الدين في فرنسا أعلنوا استنكارهم لاستمرار الحرب الجزائرية! وأغلب الظن أنهم فعلوا ذلك إشفاقاً منهم على فرنسا التي هدتها الحرب الجزائرية، وجعلت سمعتها في الحضيض، وشرف جيشها على النعال، ومواردها الاقتصادية في انهيار، لا إشفاقاً منهم على مئات الألوف من ضحايا التعذيب الوحشي الذي يلقاه العزل من أبناء الجزائر، على يد الجيش الفرنسي المهزوم أمام أبطال الجزائر في ميادين الحروب ومعاركها، ولا دفاعاً عن مبادئ المسيح التي تحرم هذه الوحشية القذرة التي يقوم بها الفرنسيون في قطر عربي مسلم يدافع عن حقه في الحرية والحياة الكريمة.
لقد استيقظ الضمير (الديني) لدى الغربيين فجأة! ليدعونا إلى التعاون ضد الإلحاد الذي تنادي به الشيوعية... ومن حقنا أن نتساءل:
أين كان هذا الضمير عندما كان الاستعمار الغربي ولا يزال ينزل ضرباته الثقيلة على شعوب آسيا وأفريقيا، و(يسرق) ثرواتها وكرامتها ومقدراتها؟
أين كان هذا الضمير عندما تعاون الحلفاء الغربيون في الحرب العالمية الثانية مع روسيا الشيوعية حتى أحرزوا النصر على الألمان والطليان وهما شعبان مسيحيان لم يعلنا إلحادهما ولا كفرهما بالمسيح والمسيحية؟
أين كان هذا الضمير عندما اغتصبت إسرائيل فلسطين وشردت سكانها الأصليين، بمعونة هؤلاء الحلفاء، ولا تزال حكومات الغرب وشعوبه تعطف عليها وتمدها بأسباب القوة والبقاء؟(2/221)
بل أين هذا الضمير الآن بعد أنباء المجازر النكراء التي صبغت أرض الجزائر من جديد بدماء الشهداء الأبرياء؟
أكل هذا في نظر الضمير (الديني الغربي) لا يخالف الدين ولا يدعو إلى الاهتمام به؟ وإنما الذي يدعو إلى الاهتمام هو (الإلحاد) الروسي فقط، دون (الإلحاد) الغربي لاسيما إذا كان إنجليزياً أو فرنسياً أو أمريكياً؟…
إننا ضد الإلحاد، وضد الكفر بالله وبالديانات، لا لأن مصلحتنا المادية تحتم علينا أن نتخذ هذا الموقف كما يفعل الغرب اليوم، بل لأن مصلحتنا الإنسانية، وقيمنا الدينية والاجتماعية تحتم علينا ذلك، غير أننا من الوعي بحيث لا يخدعنا هؤلاء الغربيون عن محاولة استغلالهم الدين مرة أخرى للقيام بحملة (صليبية) جديدة تنبعث عن نفس الأهداف والعوامل الاستعمارية التي حملتهم على حروبهم (الصليبية) ضدنا في القرون الوسطى!..
من أجل هذا نجد من واجبنا أن نقول للرأي العام الإسلامي والمسيحي في بلادنا، ولرجال العلم والدين ومؤسساتهما وخاصة الأزهر: احذروا الوقوع في الفخ (الناسك) فلقد آمنا بمبدأ الحياد السياسي العالمي وقطفنا ثماره!..
احذروا هؤلاء (المترهبين) الجدد من أن يجروكم باسم (الدين) إلى تحقيق مصالحهم والإيذاء بمصالحكم!
احذروا هذه المؤتمرات التي تخفي وراءها أسوأ المؤامرات!..
http://www. asha r qala r abi. o r g. uk المصدر:
==============(2/222)
(2/223)
ماذا يجري بين النجف وتل أبيب وواشنطن؟
حامد بن عبد الله العلي
في مطلع تقرير أعدته النيوزويك في عددها الأخير إلى 2 مارس 2004م، عن التحالف الأمريكي (أي الصهيوني) مع الرافضة، قالت:
"أطلقت هزيمة صدام العنان لقوة دينية وسياسية جديدة قد تصبح حليفا معتدلا للولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وقد تحفز الشرق الأوسط على الإصلاح "!
هكذا قالت المجلة، والمقصود هو الهجوم على الحضارة الإسلامية للقضاء عليها بتحريك عدو داخلي طالما كان عونا لكل الأعداء الذين هجموا على الإسلام من خارجه.
يقول التقرير: ".. الشيعة العراقيين الذين لم يستحقوا أبدا صفة التعصب التي وسمهم بها صدام، ولكن الاحتلال الأمريكي قد أطلق العنان، لهذه الطبقة المسحوقة كلها ومكنهم من أن يصبحوا القوة الجديدة الأكثر ثورية في المنطقة ".
ثم يقول: " وتتابع كل بلدان المنطقة التي يقطنها عدد كبير من الشيعة، أي كل تلك الأقطار التي ترسل الحجيج إلى الأماكن المقدسة العتيقة في العراق، هذه التطورات باهتمام بالغ، وبالفعل بدأنا نسمع كلاما لم نسمعه منذ تسلم الخميني لمقاليد السلطة في إيران، فهذا علي الأحمد من المعهد السعودي المعارض في واشنطن على سبيل المثال، يقول إن العالم يجب أن يتوقف عن الحديث عن الخليج الفارسي أو الخليج العربي، كما يسميه العرب، بل هو الخليج الشيعي أنظر إلى من يعيشون حوله، 90 % منهم على الأقل شيعة (وبلا ريب هذا كذب فاضح) وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار أن الشيعة يربضون على كل ذلك النفط "!
ثم يقول التقرير عن شخصية شيعية إيرانية بارزة يصف الثورة الشيعية في العراق: "إنها قد تشجع على الاعتدال وتخفف من العقلية الوهابية في المنطقة التي تسود بين السعوديين وآخرين من السنة".
ويتابع: "أما بالنسبة للسعوديين فإن بزوغ أي تحالف بين واشنطن والنجف يشكل تحديا هائلا، وذلك على الأقل؛ لأنه يقلص من النفوذ السعودي في واشنطن، يقول أمير سعودي متنفذ متذمرا: لا نفهم ما قصة الأمريكان في إيجاد أصدقاء ثم اعتبارهم أعداء، ثم تسمية الأعداء بالأصدقاء"، وبالفعل بدأت القيادة الشيعية المقموعة في السعودية، والمتمركزة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، العام الماضي بوضع مطالبها السياسية الأساسية".
ويقول تقرير آخر في نفس العدد: "إن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الكثير من المشكلات وهي تناضل من أجل إعادة اختراع العراق.. لكن مستقبل العراق السياسي، ومنزلة أمريكا في الشرق الأوسط، تتعلق إلى حد كبير بالعلاقات بين النجف وواشنطن، لماذا النجف؟ لأنها تمارس، باعتبارها مركزا للتعليم الديني، تأثيرا هائلا في شيعة العالم أل 170 مليونا". أ. هـ.
ويقول تقرير وصلنا من العراق:
" هذه الأيام تكتض العراق، والمحافظات الجنوبية، وبالذات النجف وكربلاء، بأكبر معرض للشرك والإشراك في العالم، للاحتفال بما يسمى بعاشوراء الحسين، مشهد لم يره العراقيين العقلاء من قبل لأن النظام السابق كان يمنعه منذ 35 سنة.
ولك أن تتصور جهلاء حرموا من شيء يرونه لب الدين، ثم يطلق لهم العنان فجأة،
أما بغداد، فوا أسفاه على بغداد، فقد أصبحت كأنها أحد المحافظات الإيرانية في كل شيء، وما عدا مآذن مساجد السنة والجماعة، فإن صور الشرك، و اللطم، وضرب السياط، والتطبير وسب الصحابة، لاسيما الصديق و الفاروق، أشياء لا توصف يندى لها القلب حتى تسميات الشوارع، لم تخل من التبديل بأسماء شيعية.
والأدهى من هذا وذاك، أن تقيم ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية معارض للكتب والسموم الفارسية الحاقدة، وترفع راياتها وصور الخميني فوق الجامعات والشوارع والقاعات في بغداد.
أما مسلسل القتل والغدر، فلازال مستمرا.
وأمّا ما يسمّى بقوات فيلق بدر الشيعية الجناح العسكري، فهي تسيطر على كل مفترقات الطرق.
إنه شيء لا يوصف، نسأل الله أن يعيد عليهم أيام شيخ الإسلام ، وقطز، والظاهر بيبرس، ويطرد تتار اليوم، وهولاكو العصر، وعلاقمة اليوم وكل المنافقين والكفار. أ. هـ.
لم تتعرض الأمة لهجوم شامل من عدو حاقد في تاريخها إلا وافترق الناس إلى ثلاث طوائف:
طائفة يتخذها العدو سلاحا يضرب به الأمّة من الداخل، وهم المنافقون، كما قال - تعالى -: " أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ولا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ * لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يفقهون".(2/224)
وطائفة في قلوبهم مرض الشهوات أو الشبهات، فهم إما جهال قد اشتبه عليهم نور الوحي بأهواء نفوسهم، واشتبهت عليهم هداية القرآن بآراء عقولهم، واشتبهت عليهم حِكَم الشريعة بظلمات في قلوبهم هي ثمرات الأقيسة الفاسدة، ثم استكانوا لقوة العدو، وظنّوه لا يغلب، وفرُّوا منه إليه، فرُّوا بنفوسهم واستعدادهم للهزيمة، قبل أن يأتيهم!
أو هم يعلمون الحق لكن يلبسونه بالباطل ليتوافق مع سياسات السلاطين المبدّلة للدين، ليتوصّلوا بذلك إلى حطام الدنيا، من مال، أو منصب، أو جاه، أو رئاسة، أو ليحفظوا ما هم فيه من هذا المتاع الزائل.
وما أشبههم بقول الشاعر:
فُضُول بلا فضْل وسِنُّ بلا سَنا ** وطُول بلا طوْل وعَرض بلا عِرض
وطائفة ثابتة على الحق، تذود عنه وتنافح بالغالي والنفيس، وتزيدها مواجهة العدو إيمانا وتسليما، وثباتا على الطريق، لأن ما تطلبه من هذه المواجهة، أمرا وراء الدنيا، فلهذا هي غير عابئة بمن يقول لها " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم "، ومنهجهم " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ".
وقد أثمرت هذه الهجمة الصليبية الصهيونية الشاملة على أمتنا، التي أبانت بوضوح أن هدفها هو القضاء على الحضارة الإسلامية، وليس الشيخ أسامة بن لادن، ولا القاعدة أو الطالبان، ولا الجهاد الإسلامي فحسب، قد أثمرت الافتراق إلى هذه الطوائف الثلاث".
فالرافضة كعادتهم قاموا بنفس الدور الذي يقومون به في كل مرة يُمتحن المسلمون بعدو يجتاحهم.
وأما الذين في قلوبهم مرض وما أكثرهم، فها نحن نراهم صرعى حولنا كل يوم، قد طمست بصائرهم حتى رأوا أعداءهم أولياء، ورأوا أهل الجهاد أعداء!!
ومن الواضح أن المخطط الصهيو رافضي، قد انجلت معالمه، واتضحت مراميه، وانكشف أن التحالف بين واشنطن والنجف والذي يمر عبر تل أبيب، يهدف إلى ضرب الحضارة الإسلامية، بهذه الطائفة، وإلى زعزعة النظام العام لقيم حضارتنا، ومفاهيمها، وأخلاقها، وإشاعة الفوضى السياسية، والفكرية، والثقافية في العراق والخليج، باستغلال دين الرفض، ورموزه، ومؤسساته.
والرافضة يقدمون أنفسهم على أنهم أحق بخليج النفط، وأنه لا يوجد في دينهم ما يمنعهم من الشراكة مع الأطماع الأمريكية في الخليج.
والصليبيّون الصهاينة بدورهم، يرون أن دين الرافضة، يقوم على نسف كل قيم الإسلام، وحضاراته، وتاريخه، فالرافضة يعتقدون أن تاريخ الأمة لم يكن سوى مؤامرات متواصلة على بيت النبوة، منذ أن تولى الصديق - رضي الله عنه - الخلافة، مرورا بإسقاط الفاروق - رضي الله عنه - لملك المجوس، وفتوحات الخلافة الراشدة، وملوك المسلمين، الذي فتحوا أوربا من غربها في الأندلس، وإلى أمجاد الخلافة العباسية، وبعدها العثمانية وغزوها لعقر دار أوربا.
الرافضة ترى هذا كله زيفا، لا قيمة له البتة، وحتى الهالة التاريخية التي حول صلاح الدين قاهر الصليبين، ليست عند الرافضة سوى أكاذيب نسجها السنة حول شخصية هي من أشد الشخصيات الإسلامية كفرا وضلالا عند الرافضة!
ثم هم يعتقدون أن القرآن والسنة كانا بيد المتآمرين أنفسهم من الصحابة فمن بعدهم من تلاميذهم، فلا يوثق بهما، وأنه حتى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كنّ خائنات، بل جزء من المآمرة عليه وعلى أهل بيته الذين اغتصبوا حقهم طيلة التاريخ الإسلامي الذي لم يكن سوى ظلم فادح لنبي الأمة وأهل بيته!!.
فكل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بين أعظم الناس خيانة في تاريخ البشرة، وهم الصحابة كما تكذب الرافضة؛ لأنهم خانوا أعظم الناس في تاريخ البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم هم قد خانوه في أعظم ما كان يحمله، وهي رسالته التي ضحّى من أجلها طيلة حياته، ضحّى بكل شيء من أجل تحقيقها، فخانوه فيها، فتاريخ الأمة الإسلامية عند الرافضة، هو تاريخ الخيانة بعينه، ولم تعرف البشرية تاريخا مليئا بالخيانة مثل تاريخ أمة الإسلام عندهم!
ولذلك فهم نادرا ما ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم نصوصا، بل عن غيره كعلي وفاطمة والحسين - رضي الله عنهم - أو جعفر الصادق، وعامة ما ينقلونه كذب مليء بالتناقضات التي لا يصدقها الحمقى بله العقلاء.
لأنهم يرون النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء من طريق أعداءه، فقد كان محاطا بالأعداء الخونة من كل مكان!
والمقصود أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم تكاد تغيب في تراثهم، وحتى الكعبة، فحج كربلاء أفضل من حج الكعبة عندهم.
فعادت ثوابت الحضارة الإسلامية، و تاريخ الإسلام، كلها إلى زيف محض عند الرافضة.
فلا جرم كان أقرب طريق مختصر لضرب الحضارة الإسلامية هو طريق النجف تل أبيب واشنطن.
وقد تواترت الأنباء بما لا يدع مجالا للريب، أن مخطط تصفيات أعيان وشخصيات أهل السنة، يجري في العراق، على قدم وساق، وفق خطة خبيثة مدروسة، وأن الرافضة تخطط في كل دول الخليج لدور مرتقب كبير وفعال بالتآمر مع المحتلين، وكل ذلك يجري بالتنسيق مع إيران.(2/225)
وأن المنطقة مرشحة لأن تقبل على انفجار كبير، في سلسلة من الاضطرابات التي لا يعد ما حدث قبلها شيء من هولها، غير أن ذلك سيعقب بحول الله وقوته، انقلاب السحر على سحرة النجف وواشنطن وتل أبيب، وأن تخيب آمالهم، وترتد عليهم مكائدهم، ويتحول تدبيرهم تدميرا عليهم.
وعلى المؤمنين أن يعتصموا بالله - تعالى - وأن يُعدّوا العدّة، لأسوء الاحتمالات، ويستعينوا بالله، فهو مولاهم نعم المولى ونعم النصير.
http://www. h - alali. net المصدر:
=============(2/226)
(2/227)
هل الحرّة حرة؟
محمد كريشان
القناة التلفزيونية الأمريكية الناطقة بالعربية التي اختير لها اسم الحرّة وتنطلق هذه الأيام تمثل رهانا كبيرا من الإدارة الأمريكية الحالية؛ لأنها باختصار شديد إما أن تخفف من سوء الفهم أو التشويه الشعبي العربي تجاه سياسات واشنطن المختلفة ولا سيما تجاه القضايا العربية والإسلامية أو تزيد من موجة الكره والعداء المستفحلة أصلا.
التحدي الجوهري هو كيف ستغطي الحرة وتحلل السياسات الأمريكية تجاه العرب والمسلمين؟ هل ستسعى لشرحها فقط أم تنتقل إلي تبريرها ومحاولة تسويقها لجمهور هو أصلا مرتاب في كل ما يصدر عن واشنطن حتى وإن كان أحيانا جيدا. هل ستعطي المحطة لمنتقدي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مثلا والعالم الإسلامي المجال للتعبير الحر عن وجهات نظرهم أم ستختار الحل الأسهل المتمثل في انتقاء مجموعة من المتأمركين العرب ليقوموا بتجميل ما هو قبيح علي أساس أنهم الأقدر ـ كما يزعمون ـ علي معرفة نوعية البضاعة المقبولة في السوق العربية.
وتجنبا لإغراق مسبق في قراءة النوايا أو تورط في الرجم بالغيب فإنه بالإمكان من الآن طرح بعض التساؤلات التي تدور كلها عن مدي قدرة المحطة الناشئة علي الحفاظ علي مسافة أمان بينها وبين السياسة الرسمية للولايات المتحدة وهي تساؤلات تفرضها الأحداث الملتهبة حاليا وتشكل مجتمعة المحك لقدرة المحطة علي الصمود أمام رأي عام عربي سيتابعها في كل كبيرة وصغيرة ويتصيد عثراتها بالمجهر ولن يبحث لها عن مبررات أو يغفر لها أي زلة. أبرز هذه التساؤلات هي:
ـ كيف سيكون الشأن العراقي في أخبار وبرامج هذه المحطة، هل سيسمي الاحتلال احتلالا، وهو ما لا تستنكف من ترديده هيئة الإذاعة البريطانية مثلا، هل ستتخذ المحطة موقفا ثابتا تجاه أي عمل مسلح ضد هذا الاحتلال فلا تصفه بغير الإرهاب، هل ستكون الحظوة مقصورة على بول بريمر وأعضاء مجلس الحكم دون غيرهم من الفرقاء الذين يتخذون موقفا مناهضا لأمريكا في العراق؟
ـ كيف ستتناول المحطة السياسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي؟ هل ستستسهل علي غرار بقية الإعلام الأمريكي الانخراط السريع في النواح المعتاد بعد كل عملية فلسطينية مع التشهير التقليدي بـ الإرهاب الفلسطيني أم لا... كيف ستتعاطى في المقابل مع ممارسات الاحتلال من قتل وهدم بيوت وتجريف أراض ونفي عن الوطن وداخله واستمرار بناء الجدار الفضيحة والاستيطان، هل ستقدم كل ذلك بأخف ما يمكن من التغطية حتى لا تتحول إلي قناة تحريضية أم ستعطي لكل حدث ما يستحقه فعلا؟
ـ كيف ستغطي الأوضاع الداخلية في الأقطار العربية ولا سيما انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي؟ هل ستركز مثلا علي عدم ترك شاردة ولا واردة تجري في الدول غير المرضي عنها كسوريا مثلا وإيران وربما حتى السعودية إلا وتنفخ فيها مقابل غرس الرأس في الرمل عندما يكون الأمر مرتبطا بحلفاء واشنطن الأوفياء في محاربة الإرهاب سواء في المغرب العربي أو دول الخليج مع البحث عن ظروف التخفيف لكل من كان مرتبطا بعلاقات ما مع إسرائيل تشفع له أي عثرات أو انتهاكات... هل يمكن للمحطة أن تنأي فعلا بنفسها عن التوظيف الأمريكي الانتقائي لقضايا الحريات والديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي؟
وأخيرا هل يمكن لهذه المحطة أن تتعامل مع السبق الصحافي بدون خلفيات سياسية ذات صلة بمواقف البيت الأبيض بمعني هل يمكن لها علي سبيل المثال أن تبث شريطا لأسامة بن لادن إن هي انفردت بالحصول عليه أو أي بيان لحركة طالبان أو لنقل حتى لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين أم ستعتبر ذلك ترويجا للإرهاب لا بد من قطع دابره.
إذ رجحت الحرة كفة المهنية علي حساب الاعتبارات السياسية لواشنطن فقد تشكل إضافة مثرية للمشهد الإعلامي الحالي في البلاد العربية أما إذا اختارت الأسهل وركنت إلي الدعاية،حتى المغلفة، فسيلفظها المشاهد العربي بسرعة البرق لأنه أذكي وأنضج من أن تنطلي عليه محاولة دس السم في الدسم.
http://ala r abnews.com المصدر:
-============(2/228)
(2/229)
التغلغل الهندي في دول آسيا الوسطى
علي محمد مطر
ربما كان الطمع والجشع، أو الاستغلال الاقتصادي، أو طموحات فرض الهيمنة والسيطرة، من أهم الدوافع التي شكلت طبيعة المصالح الهندية في جمهوريات آسيا الوسطى، ويعزز هذه المصالح تضارب المصالح الأمريكية والروسية والصينية في المنطقة، وهو سبب آخر وراء اندفاع الهند باتجاه إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة.
وتتمحور اللعبة الهندية في آسيا الوسطى في الحصول على موطئ قدم على صورة وجود عسكري مؤسس وقوي، وهو ما حصلت عليه الهند من خلال فرض سيطرتها المباشرة على قاعدة «أيني"الجوية في طاجيكستان، وإعادة إصلاح هذه القاعدة وتجهيزها، وذلك بتكلفة قدرها عشرة ملايين دولار، وهو الأمر الذي يعكس نجاح مخططات مجموعة الصقور ومنفذي السياسة الخارجية الهندية القابعين في أروقة صنع القرار الهندي.
ويصف المسؤولون بوزارة الدفاع الهندية هذا التحرك بأنه يهدف إلى حماية المصالح الهندية في آسيا الوسطى، ويحرصون على أن يتم ذلك بأيدي الهنود أنفسهم وليس بأيدي أحد سواهم. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هي هذه المصالح التي تطمح الهند إلى حمايتها في آسيا الوسطى؟ أو ما هي التهديدات التي ترى الهند أنها قد تتعرض لها وتدفعها إلى إقامة قاعدة جوية في طاجيكستان؟
ومن المقرر أن يقام في قاعدة «أيني"الجوية، والتي ظلَّت بدون استخدام منذ عام 1985م، مدرجاً لانطلاق الطائرات المقاتلة وطائرات النقل العسكري الضخمة. وحرص المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الطاجيكية على نفي المعلومات المثيرة التي نشرت بتاريخ 14/11/2003م حول موضوع التعاون العسكري الوثيق بين طاجيكستان والهند، وأكد على أنه تعاون يقتصر على تدريب الكوادر العسكرية الطاجيكية، وتبادل المعلومات والخبرات والخدمات الفنية. ويتمركز في جمهورية طاجيكستان ـ والتي تُعَدُّ من الدول المتخلفة نسبياً ـ حوالي 10000 جندي روسي، يجوبون منطقة الحدود الطاجيكية مع شمال أفغانستان، والبالغ طولها 1206 كيلو متراً.
وتزعم الهند أن الغرض من إنشاء قاعدة جوية لها في آسيا الوسطى هو بالدرجة الأولى لحماية مصالح الطاقة والأمن الهندية. وهذا الزعم يمكن تفنيده من حقيقة أن اليابان (التي تُعَدُّ معقلاً رئيساً للقوة الاقتصادية)؛ قد تمكنت من حماية مصالحها الاقتصادية بدون أن تحتاج إلى إقامة قواعد عسكرية خارج حدودها.
وعلى صعيد آخر ترى المصادر الباكستانية أن الهدف من إقامة هذه القاعدة هو العمل بالضرورة من أجل الالتفاف على باكستان والتغلب عليها في إحدى نقاط المواجهة الإضافية؛ على ضوء أوضاع اللاحرب واللاسلم القائمة على الحدود بين البلدين، والتي بدأت تشهد انفراجاً في الآونة الأخيرة بعد قيام الجنرال برويز مشرّف بتقديم الكثير من التنازلات أمام الهند؛ في محاولة للبدء في مفاوضات ترفضها الأخيرة حول كشمير.
ويضاف إلى هذا التقارب الهندي - الطاجيكي ما يُوصف بالباب المفتوح أمام الهند في أفغانستان، والذي أصبح ممكناً من خلال التعاون الوثيق بين الهند، وتحالف الشمال المسيطر على الأوضاع في أفغانستان والمتمثل في (الجنرال فهيم، ويونس قانوني، ود. عبد الله عبد الله). وكل هذه التحركات تهدف إلى إضعاف الموقف الدفاعي الباكستاني، وجعل باكستان توزع دفاعاتها على حدودها الشرقية مع الهند، وحدودها الغربية مع أفغانستان، وبالتالي إضعافها لدرجة القبول بالهيمنة الهندية على المنطقة بأسرها.
وقد أعلن رئيس وزراء الهند خلال زيارته الأخيرة لطاجيكستان عن مساعدات ودعم لهذا البلد بمقدار 40 مليون دولار، والتي منها إلغاء ديون طاجيكية للهند بقيمة 10 ملايين دولار، و 5 ملايين دولار هبة هندية، و 25 مليوناً على صورة قروض.
وتشكّل طاجيكستان منطقة عازلة بين أفغانستان المشتعلة بالحروب دائماً، وبين دول آسيا الوسطى الأخرى الغنية بحقول النفط والغاز الطبيعي، ويحتوي حوض بحر قزوين على 100 بليون برميل من النفط. وقد قدمت الولايات المتحدة 46 مليون دولار لإقامة معاهد للتدريب على مقاومة الأنشطة الإرهابية، وتبادل المعلومات، وتأسيس برلمانات في جورجيا وأوكرانيا وأزبكستان وأذربيجان.
وتطمح كل من روسيا والصين بدورهما إلى بناء الوجود الواضح لهما في بحر قزوين لمواجهة التقدم الأمريكي بهذا الاتجاه؛ ولهذا فإنهما قد أقامتا «منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي»، والتي تضم بالإضافة لهما كلاً من كازخستان وأزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان، ومقرها في بكين، ولها مركز لمكافحة الإرهاب في بيشكيك عاصمة قرغيزستان.(2/230)
إن الأهمية الجيو ـ سياسية لدول آسيا الوسطى والفرص الاقتصادية الضخمة فيها، والتي يضاف إليها احتياطي كبير من النفط والغاز الخام يجعلها منطقة جذب للكثير من الدول الكبرى، والتي تحاول الهند أن تصبح واحدة منها من خلال مضاعفة قدراتها العسكرية في المجالين التقليدي وغير التقليدي، وإيجاد قواعد عسكرية هندية خارجية أسوة بغيرها من الدول الكبرى، والتي لا يميزها عن الهند سوى أن أوضاعها الاقتصادية قوية مقارنة بمعدلات الفقر المرتفعة في الهند، والتي تشكل أحد العوائق المهمة أمام سياسة التوسع الهندية.
وتحاول روسيا أن تدعم الوجود الهندي في آسيا الوسطى، بل وتدافع عنه لكي يصبح عامل توازن في وجه الوجود الأمريكي وكذلك الصيني في تلك المنطقة. كما أن روسيا تبذل مساعي حثيثة لضم الهند إلى عضوية «منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي»، وكذلك للتعاون الأمني الوثيق في مثلث موسكو ونيودلهي وبكين.
كما تحاول الهند أن تبسط عضلاتها الاقتصادية، وأن تفتح لها طرقاً وسبلاً تسلكها في دول آسيا الوسطى. وتعني الزيارات الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي إلى المنطقة؛ أن الهند تحاول أن تخرج بسياستها الخارجية عن النطاق الضيّق الذي ظل محصوراً بفضاء علاقاتها مع الصين وباكستان. وتعتبر احتياجات الهند المضطردة للطاقة أحد العوامل المهمة في الاندفاع الهندي باتجاه آسيا الوسطى.
فالهند بسكّانها الذين يصل تعدادهم إلى البليون، وباقتصادها المتنامي؛ تُعَدُّ سادس أكبر دول مستهلكة للطاقة. وإذا رغبت الهند في الحفاظ على نمو اقتصادها بمعدل يتراوح ما بين 7 - 8%؛ فإن عليها أن تزيد من استهلاكها للطاقة بنسبة 5% سنوياً، وهذا يتطلب جهوداً تُبذل من أجل توفير مصادر الطاقة، والتي توجد بمقادير كبيرة في دول آسيا الوسطى وتنتظر الاستثمارات المناسبة، وهذه الاستثمارات بدورها تحتاج إلى قوة عسكرية تدعمها في ظل الشتات الفكري والعقائدي الذي تحركه عوامل كثيرة ومتضاربة في مجتمعات تلك الدول، ومن هنا جاء الاهتمام الهندي بإقامة قواعد عسكرية خارجية في تلك المنطقة، والتركيز على زيادة الارتباط معها بصورة تجعل هذا الوجود الهندي أمراً مقبولاً، بل ومحبذاً في كثير من الأحيان من جانب جمهوريات آسيا الوسطى.
http://www.albayan-magazine.comالمصدر:
============(2/231)
(2/232)
معركة العمل الخيري
عبد الرحمن فرحانة
العمل الخيري ضرورة شرعية وإنسانية:
سنن الاجتماع تنبئ أن تفاوت النسق الاجتماعي المعيشي بين شرائح المجتمع حقيقة ثابتة (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) وهي سنة لازمة تؤدي غرضًا وظيفيًّا في بنية المجتمع. ولكن هذا التفاوت سيفرز شرائح قدرها أن تعيش في قاع المجتمع أو على أطرافه، ولتحقيق مبدأ السلام الاجتماعي وخوفاً من الصراعات والاحتقانات الطبقية لا بد من آلية لصيانة المجتمع وضبط إيقاعه المعيشي بغية تعديل ميزان العدالة الاجتماعية، وهذه من أسمى مهام العمل الخيري.
وظائف العمل الخيري لا تقتصر عند هذا الحد؛ بل يتسع نطاقه ليشمل بعض المناشط التي تتكفل إدارتها - في العادة- مؤسسات المجتمع المدني، وتختلف أنماط هذه المناشط بحسب طبيعة المجتمع وثقافته، لكنها على الأغلب تشمل برامج ثقافية وتربوية ودعوية وإغاثية بحتة وغيرها..
وفي الحالة الإسلامية تقوم فلسفة الزكاة وغير ها من منظومة الصدقات في التشريع الإسلامي على مبدأ ملء الفراغ الناتج عن الحركة الاقتصادية للمال بسبب التدافع الإنساني وفق نسب حسابية منضبطة حددها الشارع وبحسب معايير موضوعية ثابتة. والقطاع الخيري بمؤسساته هو الآلية المعاصرة لإدارة هذا المال وتوزيعه على المناشط التي تخدم حركة المجتمع وأفراده. وفي الحضارة الإسلامية يعبر الوقف الإسلامي عن أقدم تجربة ناضجة في ممارسة المجتمع المدني لمهام خاصة بعيدًا عن تغوّل الدولة وهيمنتها، وذلك قبل أن تعرف الحضارة الغربية مثل هذا النسق من الأداء الاجتماعي.
لماذا العمل الخيري الإسلامي في دائرة الاستهداف؟
تعيش المنطقة العربية والإسلامية حالة فراغ سياسي وأمني غير مسبوقين، وفي فضاء هذا المناخ غير المتوازن وبسبب طبيعة الأنظمة السياسية السائدة عجزت الدول القطرية بالمنطقة أن تقوم بشكل فاعل بالكثير من المهام، خاصة ذات الإطار الإسلامي مثل: مناشط الدعوة الإسلامية، والدعم اللوجستي الإنساني للساحات التي يتعرض فيها المسلمين للاضطهاد والتقتيل.
ونظرًا لأن العمل الخيري الأهلي الإسلامي يتمتع بحرية الحركة ولا تقيده ضرورات الدول والتزاماتها السياسية، وبسبب النجاحات التي حققها في كافة بقاع المعمورة خاصة في مفاصل تعتبرها الدوائر السياسية الغربية نشاطاً محظورًا بحجة التصاقها بما تسميه هذه الدوائر بظاهرة الإسلام السياسي. من أجل ذلك ولجملة أخرى من الأسباب تحرك اللوبي اليهودي لدفع الإدارة الأمريكية وبالذات الحالية وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر لمحاربة العمل الخيري الإسلامي بدعوى محاربة الإرهاب. وكنموذج من هذه الحملة ما قاله (ماثيو ليفيت) من اللوبي اليهودي - الليكودي- أمام اللجنة القانونية الفرعية للإرهاب والتكنولوجيا والأمن الداخلي في الكونجرس الأمريكي، إذ يقول في شهادته:"إن كل جمعية إسلامية سمعت بها في الولايات المتحدة هي واجهة لمنظمات إرهابية أو تمول الإرهاب، كما أنه يزعم أن"السعودية تمول الجماعات الإسلامية المتطرفة في الولايات المتحدة التي تمول بدورها الإرهاب".
القطاع الثالث في أمريكا و"إسرائيل":
يطلق على العمل الخيري في أمريكا و"إسرائيل"القطاع الثالث، وهو يحتل مساحة واسعة من نشاط مؤسسات المجتمع المدني في هاتين الدولتين، ففي"إسرائيل"حوالي 30 ألف جمعية تعمل في هذا القطاع وفق إحصائية رسمية لعام 2003م. وبناءً على الإحصاءات الرسمية لعام 1995م بلغ حجم المناشط التي أنجزها هذا القطاع 11 مليار دولار أمريكي، أي ما يساوي حوالي 13% من الناتج المحلي، ويعمل فيه ما يقرب من 145 ألف شخص بشكل رسمي بالإضافة إلى 177 ألف متطوع، علمًا أن معظم إيرادات العمل الخيري"الإسرائيلي"تتدفق من القطاع الحكومي وتبلغ ما يقارب 64% من حجم هذا القطاع.
وبخصوص القطاع الثالث بالولايات المتحدة؛ فيضم في إطاره 1.514.972 منظمة وجمعية، ويتم الترخيص يوميًّا لـ 200 جمعية تعمل في هذا المجال. وينتظم في هذا القطاع قرابة الـ11 مليون نسمة، بينما تبلغ إيراداته حوالي 212 مليار دولار سنويًّا. ويعتبر الشعب الأمريكي من أكثر الشعوب تبرعًا للقطاع الخيري، وكمثال على ذلك وقفية (بيل غيتس) وزوجته (مليندا) الذي يبلغ رأس مالها 24 مليار دولار.
الآليات القانونية المتبعة لمحاربة العمل الخيري الإسلامي:
عملت أمريكا بدفع من قوى اللوبي اليهودي على استصدار منظومة من القوانين لمحاربة العمل الخيري الإسلامي منها:
- قانون الإرهاب: ويستهدف هذا القانون تجريم حركات التحرر الوطني ونزع الصفة الإنسانية عن أفرادها وتحييد كافة القوانين الدولية التي توفر لهم الشرعية والحماية مثل معاهدة جنيف وأسرى الحرب وغيرها.
- قانون الأدلة السرية: وتمت صياغته لمحاربة كافة القوى غير المتوافقة مع السياسة والمصالح الأمريكية، سواء كانوا أشخاصًا أو جماعات أو دولاً لحرمانهم من الحقوق القانونية بنزع صلاحيات المحاكم والقضاء المدني لتجريد الخصم من قدرته عن الدفاع عن نفسه.(2/233)
- قانون الجريمة بالمخالطة: وهو قانون فريد من نوعه صيغ لتجريم الأشخاص والمنظمات و الدول التي تتهم بعلاقة الاختلاط مع الجهات التي تصنفها أمريكا على أنها إرهابية، أو اللقاء مع هذه الجهات، أو السكوت عنها، أو المعرفة بها، وعدم تقديم الشهادة ضدها، ويعتبر ماضي الجهة المتهمة خاضعًا لهذا القانون حتى لو كان نشاط الجهة"الإرهابية"المتصل بها مباحًا في الماضي.
وهي حملة بجملتها تستهدف تجريد دول المنطقة من سيادتها على أرضها وحرمانها من مساندة حركة المقاومة أو القوى التي تسعى لإنهاء الاحتلال عن أراضيها كفلسطين ولبنان وسوريا.
الفرص المتاحة لمقاومة الحملة:
لا بد للأطراف الرسمية والأهلية من التحرك المنسق لمواجهة الحملة وعدم الاستسلام لضغوطات الإدارة الأمريكية تناغمًا مع سنة التدافع، إذ إن الإرادة الأمريكية ليست قدرًا مقدورًا لا يمكن الانفكاك منه؛ بل يمكن مقاومته إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك.
على المستوى الرسمي يقترح الآتي:
- صياغة أجندة حكومية أهلية مشتركة متفق عليها لمواجهة الحملة داخليًّا وخارجيًّا.
- عدم الاستسلام لضغوطات الإدارة الأمريكية بتوقيف التحويلات المالية عبر قنوات الغوث الإنساني؛ لأن ذلك إجراء سيادي ويسبب تضرر الجهات المنكوبة من هذا الانقطاع.
- مطالبة الدول التي تتهم مؤسسساتها الخيرية بالإرهاب بتقديم الأدلة المستندة إلى الحقائق والأدلة القانونية والبحث الأمني الموثق.
- بناء نظام مالي رقابي سلس للإشراف على تحويلات المؤسسات الخيرية مع الحفاظ على استقلالية عملها.
- وضع سياسات واستراتيجيات عامة ومعلنة للعمل الخيري شريطة أن تكون متحررة من قيود الضغوط الخارجية.
- الاستعانة بخبراء ماليين وقانونيين ومستشارين متخصصين من مؤسسات عالمية من الداخل والخارج لصياغة خطة شاملة لمواجهة الحملة.
- طرح القضية في أجندة مؤتمرات المنظمات الإقليمية لإنتاج رؤية إقليمية موحدة من أجل بلورة استراتيجية مواجهة جماعية.
- تشكيل لجان قانونية خاصة لدراسة التهم الموجهة لمؤسسات العمل الخيري وإصدار النتائج على الملأ.
- مواجهة جماعية في أروقة الأمم المتحدة لخطة أمريكا الرامية لتدويل قوانينها بغية محاربة العمل الخيري الإسلامي وحركات المقاومة بسيف القانون الدولي.
على المستوى الأهلي يمكن المدافعة بالوسائل التالية:
- تأسيس منسقيات وهيئات لتنسيق العمل بين الهيئات الخيرية في الساحتين المحلية والخارجية.
- تكثيف التواصل مع المستوى الرسمي ورفده بالمعلومات اللازمة الخاصة بالعمل الخيري والحرص على ديمومة قنوات الاتصال والضغط الجماعي باتجاه استئناف التحويلات المالية.
- مد الجسور مع المنظمات الأهلية الغربية وخاصة الأمريكية والتوافق معها على أجندة معينة سواء كانت دعائية أو دفاعية حول القطاع الخيري.
- الانفتاح على القنصليات والسفارات الأجنبية لنقل صورة العمل الخيري الحقيقة لمنسوبيها ودعوتهم لزيارة مقار المؤسسات الخيرية وإشراكهم في الاحتفالات والمناسبات الموسمية المحلية.
- التوافق على برامج مقاومة للحملة المعادية في حقل الإعلام بغية بناء استراتيجية إعلامية موحدة وشاملة تتضمن:
- توجيه الأئمة والخطباء لبيان ضرورة العمل الخيري وحجم الخدمات التي يقدمها.
- التواصل مع الإعلام المرئي والمقروء من قبل رموز العمل الخيري لإيصال رسالتهم من خلال وسائله المتعددة.
- استنفار الكتاب والمفكرين الغيورين للدفاع عن العمل الخيري.
- توجيه خطاب إعلامي مناسب للذهنية الغربية والاجتهاد لتوصيله عبر وسائل الإعلام والاتصال المتوفرة.
http://www.islamtoday.netالمصدر:
============(2/234)
(2/235)
لماذا لا يتحجب الرجل؟
عزيز محمد أبوخلف
تزداد الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام يوماً بعد يوم، وذلك من أجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الآخرين منه. ولا يعدو الأمر أن يكون محاولة لإبعاد الإسلام والمسلمين عن الحياة العملية، لان الإسلام دين مؤثر عملياً، وسبق أن حكم به المسلمون الدنيا فترة طويلة، ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى.
تتركز المحاولات بشراسة من أجل محاولة النفاذ إلى الإسلام من خلال المرأة؛ فالمرأة مقتل لأية أمة يمكن الوصول إليها من خلالها، وذلك لِما للمرأة من أدوار فعالة لا تقوم الحياة بدونها. كما أن أعداد النساء الداخلات في الإسلام في ازدياد لا سيما في بلاد الغرب، مما يشجع على تصويب السهام تجاه الأفكار الخاصة بالمرأة. لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن الإسلام ينتقص منه، وعلى الحجاب، وعلى التعدد، وغير ذلك من الأفكار الإسلامية.
فلسفة الإسلام في النظرة إلى الرجل والمرأة:
يسلط الإسلام النظر في العلاقة ما بين المرأة والرجل على التكاثر وبناء الأسرة السعيدة، في علاقة متكاملة ما بين الفرد والجماعة؛ فتراه يُسهل كل ما يؤدي إلى ذلك، ويحد من كل ما يعيق تحقيق هذه المهمة. وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي تجعل من الجنس هدفاً، فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف، في حين أن الإسلام يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود، وانه يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف.
فالإسلام يحصر العلاقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه، ويحث على تكثير النسل. كما انه يمنع الاختلاط لغير سبب، ويمنع التبرج والخلوة، ويدعو إلى ستر العورات، كما انه يمنع شيوع الأفكار الجنسية والمثيرة من قصص وكتابات وأفلام ومسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل شيوع الفاحشة والدعوة إليها.
كما أن الإسلام يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من المرأة والرجل من الناحية الإنسانية، ويراعى الفروق بينهما. فهو لا يُغفل أمر الغرائز في الإنسان، ولا يطلق لها العنان ولا يكبتها كل الكبت، بل يراعي العوامل المؤثرة فيها، ويضبطها بضوابط تكفل لها السير الحسن، ويهذبها ويسيرها في اتجاه السعادة. ويجعل التعاون أساسا للعلاقة ما بين الرجل والمرأة من اجل أن يتحقق الهدف المنشود، ويدعو إلى عدم النظر إلى الآخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه. كما انه يجعل للعقل سلطاناً ليدرك به صاحبه عاقبة الأمور ولينظر فيما يضمن تحقيق الهدف. وبغير ذلك تستوي الأمور بين الإنسان والبهائم، لأن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها، والإنسان له عقل يميز به الأشياء ويدرك به عاقبة الأمور.
وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لأجل الزوجية أي التكاثر، والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل تكون نظرتها لأجل ذلك أيضا. ولا بد من غض البصر على مبدأ أن النظرة الأولى لك والثانية عليك، فلا ينظر أي منهما للآخر نظرة شهوة إلا على أساس من الحلال الذي هدفه التكاثر. وبناء عليه فان للرجل أن يطلب أكثر من امرأة للزواج إلى الحد الأقصى وهو أربع نسوة، في حين أن المرأة لا يمكنها أن تعدد لان ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه. فالرجل يمكنه أن ينجب من اكثر من واحدة، أما المرأة فلا يمكنها أن تنجب إلا من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها.
لماذا لا يتحجب الرجل؟
الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات وأماكن العمل، فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم تدْعُ صاحبته إلى ذلك، أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا الزي الذي ترتديه. فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي كاف لإثارة أعداء الإسلام والعمل على محاربته. وقد تنوعت أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه، ومنها المناداة بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة. وبما إنهم يعلمون تماما انه لا حجاب على الرجل في الإسلام، فإنهم اتخذوا ذلك منفذا للتخفيف من حجاب المرأة. والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل، فلا بد أن يتساوى الاثنان في اللباس. فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك، فلا اقل أن يُسمح للمرأة بذلك.
لكن الإسلام يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة، على اختلاف في المذاهب على مستوى الستر؛ فيتراوح عند المرأة ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين، وما بين السرة والركبة عند الرجل. كما يُشترط في اللباس ألا يصف، ولا يشف ما تحته، ولا يكون مثيراً أو ملفتاً للنظر، مع مطالبة الطرفين بغض البصر. فهل يعني الاختلاف في اللباس ما بين المرأة والرجل وجود اختلاف أيضا في طبيعة الإثارة وطبيعة الجسد عند كل منهما؟ هذا مع العلم أن كلا من المرأة والرجل إنسان بالدرجة الأولى، وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك، فأين الفرق؟(2/236)
المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة، لذلك جاء التركيز على لباسها لمنع الإثارة والأذى. فالمرأة مطلوبة، وذلك على الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره، لكن الاختلاف يكمن في المستوى ونقطة البدء. فإذا كان الرجل مُثاراً ومهيئاً أي تغلب عليه الشهوة لأي سبب فانه يطلب المرأة، وقد يلجا إلى العنف، وإذا لم يكن هناك ما يردعه فسيقضي شهوته منها رغماً عنها. لكن لننظر إلى العكس، لو أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته، فانه يلزمها في هذه الحالة أن تثيره أولاً، ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها. أما إذا لم يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا، ومن هنا كانت الإثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة.
ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للأذى، ما يحصل في الحروب وفي حالات الاغتصاب؛ فنرى كيف ينقض الجنود المحتلون على النساء مثل الكلاب المسعورة. أما ما يقال من أن الاغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح، بل هو دليل على شدة طلب الرجل للمرأة، وانه يحصل على ما يريد منها بالقوة لأنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى.
شبهات أخرى:
• الحجاب لا يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة لا في الحرب ولا في السلم، والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالات الاغتصاب للمحجبات وغيرهن. نقول أن هذا لا يمنعه البتة ولكنه يخففه، كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم لا، لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة.
• المرأة تتحجب خوفا من الرجال. الحجاب فرض من الله ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته. لأنه إذا كان اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب، وهذا غير صحيح، بل لان الله فرضه وهذا دائم. ولباس المرأة فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث، وسواء تعرضت لاعتداء الرجال أم لا، وسواء فتنت الرجال أم لا، وسواء افتتن بها الرجال أم لا.
• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية، وأن المقصود هو حماية الرجل. وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها غريزة الجنس وأن الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل منهما وليس لواحد على حساب الآخر، لكننا بيّنا أن المرأة لها وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته، فهي المطلوبة وهي العرضة للأذى في النهاية. والوضع إجمالا هو حماية لكل منهما على حد سواء، لان الحياة لا تستقيم والشهوات مثارة، فمصير ذلك القلق الدائم.
هل لنا أن نتساءل؟
هناك من يتساءل: إذا كان الإسلام دين الله فكيف يستطيع هؤلاء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو الأخرى؟ وبدلاً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به، أو عزو الأمر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك، لا بد من إظهار الجانب الفكري في الموضوع. فنقول إن الذي يسهل مهاجمة أفكار الإسلام هو النظر إليه مجزءاً وغير مُطبَّق؛ فالإسلام بطبيعته متكامل وينبع من أصول لا بد من مراعاتها في النظر إلى أحكامه. وهذه الأحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة، لذلك من الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل. أضف إلى ذلك أن كثيراً من الاجتهادات ليست عملية، ولم تجرِ مراجعتها على مر الزمن، كما أن هناك الكثير من الأحكام التي يجهل المسلمون واقعها والحِكَم المستفادة منها، لا سيما ما يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر.
http://saaid.net المصدر:
============(2/237)
(2/238)
ودوا لو تكفرون كما كفروا
صور من جهود المنصرين في إفريقيا:
تتوالى جهود المنصرين العاملين في أوساط المسلمين في القارة الأفريقية وتتنوع أساليبهم في ظل إمكانات مالية وبشرية وإدارية ضخمة، ومؤازرة واضحة من الدول الغربية والمؤسسات العالمية، مما جعل مخاطرهم على المسلمين - وخصوصاً الفقراء والنساء والأطفال - تتعاظم يوماً بعد آخر في ظل أمية طاغية، وجوع مدقع، ومرض مؤلم، وشبهات فاتنة، وشهوات ملهية، وهو ما يوجب على المسلمين مناصرة إخوانهم والسعي إلى رفع الجهل والجوع والمرض عنهم، وسأكتفي هنا بإيراد بعض جهود المنصرين المكثفة والقصص الواقعية التي لا تمثل إلا غيضاً من فيض، وقطرات من بحر؛ فلعل في ذلك عبرة وذكرى، ودفعاً للهمم لنصرة دين الحق، والوقوف في وجه أهل الباطل، وسُبُلِهِم التي يبثون شبهاتهم عن طريقها، ومن ذلك:
1- استطاعت الكنيسة في نيروبي في كينيا تنصير شاب عربي اسمه حسن، وحين ارتدَّ عن الإسلام جعلته الكنيسة من زعمائها، وأخذت تطوف به المدن والقرى لتغري به السفهاء قائلة: إن هذا الشاب عربي ولد في الإسلام ونزل القرآن بلغته، ولكنه اختار النصرانية، وقد ارتدَّ بسببه حتى الآن 85 شخصاً، وحين تتبع الدعاة حاله وجدوا أن الجامعة الكاثولوكية تدرب طالباتها على كسب شباب المسلمين وخاصة العرب فوقع هذا الشاب في حبال إحداهن.
2- تمكنت الكنيسة في ولاية لامو ذات الأغلبية المسلمة في كينيا من بناء أكثر من 300 كنيسة حتى الآن علماً بأن هذه الولاية حتى عام 1974م لم يكن فيها أكثر من كنيستين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الكنيسة سعت في توطين أتباعها في تلك الولاية، ووقعت مع مؤسسة (G. T. Z) الألمانية اتفاقية تم بموجبها بناء مدارس من مرحلة الروضة إلى المرحلة الثانوية.
3- في منطقة سيولو في كينيا استطاع النصارى بناء 12 مدرسة وكنيسة، ويشترطون على أبناء المسلمين الراغبين في الدراسة التنصر وإلا حُرموا من التعليم، وقد تنصر حتى الآن أكثر من 50 أسرة فقيرة لا تستطيع دفع رسوم أبنائها الدراسية ولا قيمة تغذيتهم وملابسهم التي تبلغ 140 دولار للفرد سنوياً، وهم الآن تحت إشراف منظمة (F. F. H) التي كانت تزعم في بداية تواجدها بأنها تعمل للإنسانية جمعاء، وحين تعرفت على واقع المجتمع تنكرت لمنهجها السابق وأظهرت هويتها.
4- قامت بعض المنظمات التنصيرية في دولة مالي ذات الأغلبية الإسلامية بترجمة كتاب (الآيات الشيطانية) لسلمان رشدي إلى اللغة المحلية (البمبارا) التي يتحدث بها أكثر من 85% من السكان، وتم طباعة هذه الترجمة وتوزيعها بأعداد هائلة، فأسفر ذلك عن نتائج مؤلمة تمثلت في نشر الفهم الخاطئ والتصور غير الصحيح عن الإسلام في أوساط الكثير وخصوصاً طلبة الجامعات والمثقفين ثقافة غربية.
5- في بداية عام 1999م تمكنت الكنيسة في دولة مالي من امتلاك أرض كبيرة تقع في حي من أرقى أحياء باماكو العاصمة، وذلك لبناء كنيسة ومركز تنصيري ومكتبة عامة، وتقدر كلفة بناء المشروع بـ 6 ملايين دولار أمريكي، ويتوقعون أن ينتج عن ذلك تنصر كثير من أبناء المسلمين إما اغتراراً بتضليلات المنصرين، وإما طمعاً فيما يقدمونه إليهم من مساعدات مادية في ظل احتياجات ماسة إلى الطعام والدواء والتعليم، خيب الله توقعاتهم!
6- قامت الكنيسة في جوس في نيجيريا بتجهيز أربعة مواقع: ثلاثة منها لإيواء أبناء المسلمين الفقراء وخصوصاً المهاجرين (وهم طلبة الكتاتيب القرآنية التقليدية)، ورابعها للمعاقين، ويتم في هذه المواقع الأربعة تقديم الطعام ثلاث مرات يومياً ودعوتهم إلى الدخول في النصرانية، وقد تنصر عدد منهم ولبس الصليب، وبخاصة الشباب، ناهيك عن أعداد كبيرة تشككت في دينها.
7 - أنشأت الكنيسة في مدينة جوس في نيجيريا كُلِّيةً لتأهيل المنصرين في مجال الدراسات الإسلامية ليتم إرسال طلبتها بعد التخرج إلى المدارس الحكومية لتدريس الإسلام لأبناء المسلمين.
8- أصاب مرض شديد امرأة من المسلمين تدعى (هند) فعجزت عن تكاليف العلاج البالغ مقدارها (500 دولار)، فقامت الكنيسة بتولي علاجها، فارتدت المرأة عن الإسلام وتنصرت، فقام المنصرون بتوظيفها، وزوجوها من أحد الأطباء، ومنعوا الدعاة من اللقاء بها، وعندما حاول أحدهم اللقاء بها نقلها المنصرون إلى مدينة أخرى خوفاً من أن تنجح محاولات الدعاة في الوصول إليها.
9- أقامت الكنيسة في جمهورية التوجو العديد من المراكز الصحية التي تعالج الناس مجاناً أو بثمن زهيد، وتشترط إدارتها على كل من يأتي للعلاج فيها بأن يشاهد قبل الكشف والعلاج فيلماً عن حياة المسيح لمدة لا تقل عن ساعة.
10 - في دولة بنين أقامت الكنيسة في شمال البلاد ذات الأغلبية الإسلامية مراكز تنصيرية ضخمة على مساحات شاسعة، وكان من أبرز أنشطتهم استقطاب اللقطاء وأبناء الفقراء إلى هذه المراكز بدعوى كفالتهم وتعليمهم وتقديم المعونات المادية لهم، وتسديد الرسوم الدراسية عنهم، ونحو ذلك.
كما أنهم جعلوا من هذه المراكز قاعدة للانطلاق إلى القرى والأدغال النائية لتكثيف دعوتهم وبث باطلهم.(2/239)
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(2/240)
(2/241)
دعوة مشبوهة لأغراض غامضة
د. عبد الرشيد قاسم
دعا بعض المفكرين مؤخرًا إلى القيام بتنظيم النسل لتقليل عدد المواليد في السعودية بحجة توفير المال العام والمصروفات ولئلا نواجه مستقبلاً أزمة في الوظائف وزيادة في البطالة.
والحقيقة أن الزيادة السكانية لو تم استثمارها بالتخطيط الجاد وأجريت بحوث علمية وميدانية بكل ما تعنيه هذه الكلمة لتستغل هذه الزيادة ليتم توظيفها والاستفادة منها لأصبحت ثروة هائلة للدول.
يقول ويل ديورانت - المؤرخ الغربي -:"إن كثرة السكان تعتبر من أهم أسباب التقدم المدني"، ويقول أرنولد توينبي - الفيلسوف الغربي -:"إن كثرة السكان هي التحدي الذي يخرج أي حضارة إنسانية إلى الوجود".
إن الدعوة لتحديد النسل أو تنظيمه بقصد تخفيف عدد السكان دعوه عالمية مشبوهة من حيث الأصل تنظمها وترعاها الدول الغربية بقوة لوجود مصالح هامة لهم وتسعى لنشر هذه الفكرة وتصديرها للدول المختلفة.
وقد لاحظت الدول الغربية إعراض نسائها عن الحمل بسبب المحافظة على الرشاقة أو النظرة الاقتصادية وعدم تقبل أعباء التربية ومتاعب الحمل والولادة، الأمر الذي سيؤدي إلى كثرة أعداد المسلمين عام 2025م إذا ما استمر الأمر على ما هو عليه، هذا الأمر أقلق الغرب وجاءت بعدها المؤتمرات كما حصل في مؤتمر القاهرة وبكين والذي كان من أهم توصياته الدعوة لتحديد النسل، وتأخير سن الزواج، وإباحة الإجهاض، وإشاعة الزنا باسم الحرية الجنسية، والدعوة لتدريس التربية الجنسية...إلخ
إن الدول الغربية التي تتبنى هذه الدعوة خارج بلادها ترفض تطبيقها في بلادها كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا؛ بل إن إسرائيل وألمانيا تشجع النسل وتدفع الأموال الكثيرة لأجل ذلك، وعلماء الاجتماع والدراسات السكانية يقررون أن كثافة السكان في العالم تقدر بـ 26 شخصاً لكل كم2 من الأرض، وتعتبر أوربا أشد القارات كثافة حيث تصل النسبة فيها إلى 89 شخص لكل كم2 بينما نجد في أفريقيا وأمريكا الشمالية تصل إلى 10 أشخاص لكل كم2 أما أستراليا فتصل الكثافة إلى 2 شخص لكل كم2
وإذا نظرنا للسعودية من حيث الكثافة السكانية في كل كيلو متر مربع نجده 5 أشخاص لكل 1كم،2 وهذه النسبة تعتبر قليلة إذا نظرنا للمساحة الشاسعة والثروة البترولية الهائلة التي تملكها مقابل الدول الأخرى الفقيرة أو حتى المتقدمة؛ فعلى سبيل المثال نجد في الفلبين 232 شخصًّا لكل كم2، والهند 256 شخصًّا لكل كم2، وسنغافورة 4000 شخص لكل كم2؛ أما الدول الأوربية ففي سويسرا 156 شخصًّا لكل كم2، وبريطانيا229 شخصًّا لكل كم2، وهولندا 458 شخصًّا لكل كم2، ولاشك أن الكثافة السكانية في السعودية بعيدة غاية البعد مما هو مطلوب مقارنة بالدول الأخرى لاسيما إذا وضعنا في الاعتبار أننا نمثل قلب العالم الإسلامي ولدينا أعلى نسبة من احتياطي النفط في العالم.
فالمسالة ترجع للتخطيط والدراسة الجادة فحسب؛ كما فعلت دول متعددة كاليابان حيث بلغ 363 شخصًّا كم2، ومع ذلك لم يدعوا لتخفيف عدد السكان.
إن زيادة العدد تعطي الدولة هيبة وقوة، كما أن فرصة ظهور العلماء والنوابغ أكثر، ويدل على ذلك:
1 - أن مصر حظيت بمكانة مرموقة من القيادة والريادة بالنسبة للعرب بسبب كثرة السكان والقوة البشرية الهائلة التي تملكها حوالي80 مليون نسمة ولم تسلم من الضغوط الغربية بسبب مجاورتها لإسرائيل.
2- حصول الصين على حق النقض"الفيتو"في هيئة الأمم مع أنها لا تمتلك الأسلحة الفتاكة والتقنية المتقدمة كألمانيا مثلاً؛ بل لوجود القوة العددية الرهيبة في هذه الدولة والتي تصل لسدس سكان العالم هي التي أعطتها هذه المكانة.
3-قلق إسرائيل من الزيادة السنوية للفلسطينيين مقابل اليهود؛ بل الدول الغربية كأمريكا تقدم مساعدات خاصة لهذا الغرض، فمثلاً أقيم مركز في جامعة الأزهر يطلق عليه"الجهاز القومي للسكان"يساعد الدولة من خلالها في تحقيق الهدف المنشود ليكون الأزهر غطاءً دينيًّا للوصول لهدفهم، وقد قدمت أمريكا لطب الأزهر أكثر من ثلاثة عشر مليونًا من الدولارات عبارة عن أجهزة ومعدات طبية لتنظيم الأسرة والبعض منها خاص بالعقم الدائم.
4- أن الهيئات الطبية الغربية التي كانت تذهب لتقديم الإغاثة والمساعدات الطبية للمسلمين كانت تعطي النساء حبوب منع الحمل لتقليل النسل على صورة دواء.
والحقيقة يكفينا لرد هذه الفكرة أن الإسلام دعا لكثرة النسل مع العناية بتربية الولد؛ ففد ثبت في الحديث عند أبي داود قول النبي صلى الله عليه وسلم :"تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"، و أخرج البخاري حديث جابر وفيه:"الكَيْسَ الكَيْسَ يا جابر - يعني الولد -"كما فسره البخاري، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409هـ
"أولاً: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب".
بل صدرت فتوى مجمع البحوث الإسلامية المنعقد بالقاهرة عام 1965 م وجاء فيها:
(1) أن الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثيره؛ لأن كثرة النسل تقوي الأمة الإسلامية اجتماعيًّا واقتصاديًّا وحربيًّا وتزيدها عزة ومنعة.(2/242)
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============(2/243)
(2/244)
الهلع الفرنسي من الحجاب ... لماذا ؟
د. ليلى بيومي
إن ضعف الوازع الديني، وانتشار التحلل الأخلاقي، وتآكل دور الكنيسة في الغرب عموماً غير خاف على أحد، فلم يعد الوازع الديني يحرك أوروبا، بقدر ما أصبحت تحركها خريطة الجغرافيا السياسية والاستراتيجيات المتوسطة والبعيدة المدى، في ظل احتكار الولايات المتحدة لقيادة الحلف الأطلسي.
والرأي العام الغربي حيل بينه وبين المعرفة الكاملة بالعالم الإسلامي، وتولي الإعلام المغرض صناعة صور مشوهة مقلوبة لتحولات الإحياء الإسلامي، بالتمييز المصطنع بين مسلمين علمانيين ومسلمين متشددين.
هذه نقاط هامة نحتاجها ونحن نتحدث عن أزمة الحجاب في فرنسا هذه الأيام.
والحضور الإسلامي في ديار العلمانية لم يتجاوز قرابة خمسين عامًا من الزمان، فقد توجه إلى البلدان الغربية أفواج من المهاجرين منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بحثًا عن عمل يرفع مستواهم المادي والاجتماعي، أو سلوكًا لطريق علم تجريبي أو إنساني ينفع النفوس والمجتمعات، أو هروبًا من استبداد سياسي واحتماءً بالديمقراطية والحرية.
لكن الإسلام تحول من الجيل الثاني والثالث، من مهاجر غريب، إلى مواطن أوروبي يسعى إلى التخلص من جذوره الثقافية والسياسية الأولى، ليندمج في الثقافة الغربية والحياة السياسية العامة، وبذلك أصبح هذا الإسلام الأوروبي رقمًا صعبًا داخل المعادلات الداخلية والدولية، بالنظر إلى الصحوة الدينية المتزايدة للعالم الإسلامي، والنزعات التوسعية للولايات المتحدة، والصراع العربي الصهيوني حول فلسطين المحتلة والشرق العربي الإسلامي.
صورة الإسلام في الضمير الفرنسي:
استقبل الغرب بعامة، وفرنسا بخاصة، هجرة الإسلام إلى أوروبا بذاكرة مشحونة بالمعارك الحربية والمواجهات السياسية بين العالم الإسلامي والعالم النصراني في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وبالإضافة إلى الذاكرة المشحونة تزاحمت في المنطقة الدماغية البصرية صور ذهنية سيئة للإسلام والمسلمين، ومرة أخرى كان الإعلام المهيمن والاستشراق المتحيز وراء صناعة التحريف والتخويف.
الحالة الفرنسية لها علة أخرى في مواجهة الإسلام تتعلق بماضيها الاستعماري وما عانته مع المقاومة وجيوش التحرير، وبخاصة في الجزائر، وذلك ما سماه بعض المتخصصين بعقدة"ما بعد الاستعمار"، وتفسيرها أن فرنسا تحتضن مسلمين ذوي أصول جزائرية يذكرونها وهم على ترابها بهزيمتها وانهيار إمبراطوريتها الاستعمارية.
فالهزيمة الفرنسية في الجزائر كانت سياسية أكثر من كونها عسكرية، وتركت جرحًا غائرًا في الشخصية الفرنسية الوطنية (سيزاري: التمثلات الفرنسية للإسلام، في كتابها:"هل يجب الخوف من الإسلام؟").
ويكفي استقراء البرامج التلفزيونية الفرنسية خلال السنوات العشر السابقة لإدراك صعوبة تجاوز الذاكرة الفرنسية للهاجس الجزائري، ومن الطبيعي أن تتحفز النفس الفرنسية، وهي تستقبل الجزائريين والمغاربة القادمين إليها من المستعمرات السابقة، وتلجأ إلى الرفض بطرق ملتوية، منها الحذر الشديد من الإسلام، ولو كان فرنسيا!، وتخشى فقدان الهوية الأصلية والانتماء، وترى في القادمين الجدد والدين الجديد تهديدًا للجوهر والأصل.
محطات فرنسية بارزة في قضية الحجاب:
قضية الحجاب التي تختزل قضية الحضور والمستقبل الإسلامي في فرنسا والغرب، شهدت شوطين كبيرين وساخنين، الأول عام 1989 والثاني عام2003.
وقد اعتبر بعض الكتاب الفرنسيين سنة 1989م سنة إسلامية لكثرة قضايا الحجاب في فرنسا وأوروبا وتركيا، ففي تلك السنة التهبت فرنسا وأوروبا بصدى الثورة الإيرانية، وظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر وانفجار"الآيات الشيطانية"لسلمان رشدي، وتحول كثير من شباب ضواحي المدن الفرنسية نحو الإسلام.
وفي خريف تلك السنة تفجرت قضية الحجاب بفرنسا واحتلت كل شاشات التلفزيون الفرنسي رغم انشغال أكثر من 53% من الفرنسيين بانهيار حائط برلين وسقوط المعسكر الشيوعي وإسقاط الطاغية الشيوعي الروماني"تشاوشسكو".
وبدأ الانفجار في جريدة"لوكورييه بيكاريو"في الثالث من أكتوبر، بعد أن أقدمت إدارة ثانوية"دوكرييه"على طرد ثلاث تلميذات محجبات, لتتوالى الأحداث من بعد ذلك؛ ابتداء من احتجاج أسر التلميذات، وانتهاء بالموقف الذي اتخذته يومذاك"دانييل ميتيران"زوجة الرئيس الفرنسي المتوفى"فرانسوا ميتران"، مرورًا بمواقف جمعيات مناهضة للتمييز العنصري وجمعيات مسلمي فرنسا مثل"الدعوة والتبليغ"و"اتحاد المنظمات الإسلامية"و"الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا".
ومنذ ذلك التاريخ وقضية الحجاب تسخن وتبرد حسب درجة حرارة الأحداث, إلى أن جاءت قضية تمثيلية المسلمين وتنظيم أنفسهم لتعيين مخاطب للحكومة.(2/245)
أما سنة 2003 فهي سنة الاعتراف الرسمي بالإسلام في فرنسا، إذ تأسس فيها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المجلس الذي يعد المخاطب الرئيس في قضايا المسلمين بفرنسا؛ اجتهد وزراء سابقون في تأسيسه، إلى أن كللت جهود وزير الداخلية الحالي"نيكولا ساركوزي"بالنجاح بعد أن استطاع جمع جميع المسلمين في هيئة واحدة تنطق باسمهم وتنظم أمورهم وتدافع عنهم وتحظى بالاعتراف الرسمي من لدن الحكومة الفرنسية.
وبالموازاة مع مداولات التأسيس هبت حملة إعلامية جديدة حول هذا الأمر، وحول الحجاب الإسلامي من جديد. في هذا السياق الساخن شكّل الرئيس الفرنسي لجنة ستازي، وإلى جانبها تشكلت اللجنة البرلمانية برئاسة رئيس البرلمان دوبري. اللجنة الأولى تشكلت من 20 من"الحكماء"وعملت لمدة 6 أشهر عقدت فيه 120 جلسة اجتماع. ويوم 11 ديسمبر الأخير قدمت تقريرها للرئيس مقترحة فيه مجموعة من المقترحات حول الحجاب وحماية العلمانية وإدماج المسلمين، وكان الرئيس الفرنسي قد صرح في تونس يوم الجمعة 6 ديسمبر بأن الحجاب يشكل عدوانًا على العلمانية.
تناقضات الحرية الفرنسية:
العجيب أن فرنسا بلد الحرية تخاف وترتعد من غطاء رأس نساء المسلمين، الحرية الفرنسية يتمكن منها العراة والشواذ وتستميت الهيئات السياسية والحقوقية الأممية والقطرية في الدفاع عنهم بجميع المحافل والمنتديات، والضغط بكل وسيلة ممكنة لضمان حرية التعري والشذوذ، في حين أن المتدينين لا حرية ولا حقوق لهم، وليس لهم من يحميهم ويدافع عنهم إلا الله وأهل الإنصاف والتعقل والضمير الحي، وقليل ما هم.
ففي الغرب عمومًا، الشاذ جنسيًّا لا حرج عليه، ويجد من يدافعون عنه، بل هناك رجال دين يلقون الخطب والمواعظ"البليغة"ويرشدون الناس إلى الأعمال الصالحة والمعاملات الحسنة، ومع ذلك هم شواذ وفضائحهم تملأ الآفاق.
وما دامت الحرية مصونة مضمونة للشذوذ الجنسي، فلماذا لا يصبح رجال التربية والتعليم من الشاذين جنسيا؟ وما المانع؟ ليس هناك أي مانع! فليعلنوا إذًا عن شذوذهم وتجمعاتهم، وليناشدوا رجال الحق والقانون أن يدافعوا عنهم، ورجال الصحافة والإعلام أن يسلطوا الأضواء على"محنتهم واضطهادهم".
وهكذا فمن عجائب الدهر أن للشذوذ الجنسي مشروعية الوجود، وقانونية الحماية والدفاع، وإمكانية الانخراط في كل مجال وقطاع، أما الحجاب الإسلامي فلا شيء له من ذلك، ويخشى أن يصبح جريمة ومخالفة يعاقب عليها القانون! ولم العجب وقد قال رئيس الجمهورية الفرنسية في قلب العاصمة التونسية وفي يوم جمعة"إن الحجاب الإسلامي بمثابة عدوان على العلمانية"؟!.
تحالف بين الغرب والعلمانيين المسلمين:
عندما بدأت مظاهر الصحوة الإسلامية تدب في العديد من بلدان العالم وانتشر الحجاب في بلاد المسلمين ووسط بناتهم في الدول الغربية ارتعد الغرب ومعه العلمانيون العرب والمسلمون، وبدؤوا في محاربة الحجاب الإسلامي حرباً لا هوادة فيها، ووصفوا الحجاب بأنه يغطي على عقل المرأة وأنه جزء من اضطهاد الإسلام لها ونعتوا المحجبات بنعوت لا تليق، ورموهن بالتخلف والرجعية والاستسلام لسطوة الرجل وغيرها مما ينعق به الناعقون.
اتخذت هذه الحملة أشكالاً عديدة فمرة نسمع من يقول إن الحجاب يعزل المرأة عن بقية شرائح المجتمع ويحرمها من دورها وظهر من يدعو إلى (تحرير) المرأة وغيرها من الدعاوى المتهافتة، ونسي هؤلاء الذين لا هم لهم إلا تحرير المرأة من قيمها واحترامها لنفسها أن الإسلام ما شرع الحجاب إلا صوناً للمرأة المسلمة وتكريما لها وإعلاءً لقدرها وتقديراً لدورها في المجتمع إذ أن المرأة المحجبة تكون بمنأى عن مشاكسات الذئاب البشرية ومصانة ممن لا يريدون لها إلا أن تكون متاعاً ومكاناً لتفريغ الشهوات.
وعندما يشعر هؤلاء أن ما ساقوه من حجج يتساقط من تلقاء نفسه نسبة لضعفه وعدم موضوعيته نجدهم يلجؤون إلى الاستشهاد برأي بعض علماء الدين، الذين باعوا دينهم بدنياهم، فيلوون لهم أعناق الحقائق ويستشهدون بأدلة ليست في مكانها ويفسرون الأحكام الإسلامية حسب هواهم متوهمين أن هذه الافتراءات سوف تنطلي على الأمة الإسلامية، وما دروا أن علماء الأمة الأمناء على دينها واقفون لهم بالمرصاد مفندين حججهم ودعاواهم.
عجز العلمانية الفرنسية:(2/246)
لا ينبغي النظر إلى دلالات التوجه الفرنسي إلى منع الحجاب وباقي المظاهر الدينية خارج سياق عجز العلمانية الفرنسية عن التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والفكرية التي تطرحها العولمة كتحد على المجتمع الفرنسي في وقت لا تزال تشهد البلاد فيه دعوات إلى الانفصال على أسس إقليمية أو قومية كما هو الحال في كورسيكا، الأمر الذي يعني أن المركزية في الدولة الفرنسية باتت تتحول تدريجيا إلى الحد من الفيدرالية وفي الوقت نفسه فإن العلمانية كمصلحة عليا للدولة - تتحول إلى ضد الدين وليس الفصل عنه، وبالتالي تعجز الدولة عن استيعاب تعبيرات الهوية الاجتماعية للجماعات الدينية على اختلافها، وهو الأمر الذي أشارت إليه وزيرة التنمية الفرنسية تقيه صيفي «مسلمة من أصل جزائري"عندما قالت عقب خطاب شيراك الذي دعا فيه إلى منع المظاهر الدينية:
«إن خطاب الرئيس شيراك يساعد على النهوض بسياسة إدماج المهاجرين العرب والمسلمين في النسيج الوطني الفرنسي» الأمر الذي يعني أن المسألة لا تشير إلى خلل في العلمانية الفرنسية فقط؛ بل إلى وجود إشكالية اجتماعية سياسية تتعلق أساسًا بالجالية الإسلامية في البلاد دون التقليل من تأثير الجماعات الدينية ونفوذها وتهديدها للعلمانية في الوقت نفسه.
لعل ما يهم العالم العربي والإسلامي هنا هو ما يتعلق بالجالية العربية والإسلامية في فرنسا أولاً، وثانيا: علاقة التشريع المنتظر صدوره في فرنسا بالتجارب العلمانية الجارية في بعض الدول العربية والإسلامية مثل تركيا وتونس وغيرهما من الدول التي تعاني من أوضاع اجتماعية ودينية مشابهة لجهة علاقة النظام بالمجتمع وهويته الإسلامية.
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============(2/247)
(2/248)
لما هو آتٍ من الأقوى وكيف؟
د , خيرية إبراهيم السقاف
للتبشير وسائل كثيرة غامضة، وملتوية لكنها تتسرب تسرب الماء في التربة، وتسري سريان النار في الهشيم، كان ذلك في الزمن المتواضع في إمكاناته,,، ولعل أهم وسائله كان الإنسان المبشِّر,, الذي يعد إعداداً جيداً، عالي المستوى في كيفية السلوك الرحيم، والفهم للأدلة، والقوة في الحجة، والوضوح في الأسلوب، والقدرة على التَّحمُّل، مع روح المبادرة، والقدرة على التغلغل في مختلف طبقات المرغوب في تبشيرهم، ومن ثم في تغريبهم من مساكين الأقوام، وفقرائهم و مرضاهم ، والمحتاج إلى قدراتهم من الأمم التي لا تتوافر لها الإمكانات، وتضيق بها الحاجة,,، وإن كان التبشير يشمل كافة الفئات وينفذ إلى التغريب فلقد كان هدف التغريب من الأقوام خاصتهم ومفكريهم ومثقفيهم وفنانيهم,, وكلاهما يفضي إلى الآخر,, أحدهما إن نجح تنصّر الناس، والثاني إن نجح تفرنج الناس.
أما الآن فالزمن غير متواضع، إنه زمن الترف والشعارات البرّاقة اللمّاعة المزخرفة اللدنة الناعمة,,، هذا الزمن المترف في تِقانة الاتصال ، والدعاية ، بل والغواية ، والجواذب على اختلاف أنماطها، وألوانها، وقواها,.
وكان هذا الباب دعوة وعملاً للدخول في كيان العالم الغربي، والإيمان بما يدين، وبقيمه، والانضمام إلى كنائسه وطقوسه، وتمجيد رموزه، ومن ثم تمجيد فكره والاعتقاد بسمو قيمه ومُثُله، والاعتداد بأسلوبه في المعيشة، ونمط سلوكه في الحياة، والنظر إليه على أنه الأكثر تحضراً بين الأمم,.
أما الآن فقد توسع هذا الباب بتوسع وسائل الولوج إليه، وحيث توسع الوعي بين الناس في العالم بتوسع العلم والتعليم والتوعية الشاملة وتغير نمطية الحياة والرقي الاقتصادي والصحي في المجتمعات البشرية فقد اتضحت الرؤية فيما يخص الجانب الديني من التبشير ولم يعد يخفى له أسلوب أو وسيلة، أما التغريب فهو يتغلغل بكل الوسائل حتى مع اللقمة والقطرة والكلمة والموسيقى والسفر والاستقرار إذ تملَّك المفاهيم، وتمكَّن من الإيمان المطلق والمسلَّم به بنجاح الرموز الغربية، على أنها في قوم يتربعون على قمة النجاح سواء المادي الذي يهيمن على العالم والإنسان فيه، أو التجاري والاجتماعي والعلمي، بل حتى على الصعيدين الفني والسياسي إذ إن الفن الوسيلة المبطنة للسياسة في شكله الأكثر جاذبية والأقدر في التأثير, وما تِقانة الاتصال التي انتشرت وربطت أجواء الأرض ببعضها، وقصَّرت الطرق، وقرّبت البعيد، وأنطقت الحديد، إلاّ أهمُّ وسائل هذا الزمن المترف الذي تتحرك فيه كل الأشياء بأزرةٍ بالغة الأناقة، شديدة الإغراء,.
الناس الآن في كل أنحاء العالم - غالبيتهم - مُبشَّرون مُغرَّبون,,، وهم يمارسون طقوسه بشكل وبآخر حتى وهم على أديان أهلهم، وفوق أراضيهم,,، والذي يعارضني هذا القول يرجع قليلاً إلى موقعه وموقفه من معطيات الحياة العصرية، ويجيب عن أسئلة مثل: ما هو اعتقادك فيمن هو الأقوى؟ أنت بهويّتك الدينية وبأحلامك الكثيرة والكبيرة أو القليلة والصغيرة، أم هُم، وبأنَّك عنهم متخلف وتتطلع إلى أن تواكب نجاحاتهم؟!,, ثم ألا تلمس انبهارك بكل أجنبي؟!، إلى: ما هو أنموذجك الفكري، وما هو نمط الحياة التي تحب أن تحياها؟ ماهي مظاهر سلوكك في حياتك اليومية؟! وأي الشخصيات الناجحة التي تتوسم فيها القدوة؟ كيف هو موقفك من التعليم والعمل بين قومك؟ وإلى ما تتطلع في هذا الأمر؟,, ثم أي البرامج تحب أن تشاهد أو تتابع؟ وأي الأفلام التي تستهويك، وأين تحب أن تمارس متعة الإجازة؟,, هل تحب أن تكون مراجعك الفكرية والثقافية غربية لأنك تثق في مصداقيتها؟ ولماذا؟، وإذا ما درست اللغات الأجنبية هل تحب أن تكون لسان تعبيرك الشفاهي أو الكتابي؟ أم تفضِّل لغتك الأساس، ولا تخجل عن استخدامها في كل محفل؟,.
هل لو كنت خارج بلادك في لقاء أصدقاء من غير قومك تنهض للصلاة في وقتها؟ وتحرص على معرفة هذا الوقت؟، ألم يراودك الشعور بالدونية في لحظة ما أمام أي أجنبي؟، ألم تحرص على أن تساير شخصيات من أولئك قُدّر لك أن جلست معها على طاولة حوار؟ ألم تشعر بالحرج عندما توضع في خندق أسئلة لا تقوى على الإجابة عنها حول الحدود مثلاً في دينك؟! وإن كنت رجل أعمال، أو أستاذ جامعة، أو طبيبا في مصحة، أو مفكراً، أي الأنظمة والأساليب والمراجع التي تحرص أن تبدو على صلة بها وتفاخر بذلك؟ عند استخدامك للوسائل المساعدة لك في عملك ألا تتحدث بفخر عمن أنجزها؟ عندما يطرأ حديث عن المنجزات العلمية ألا تتحسر أنك لست من أولئك القوم؟,, كل ذلك مع القدرة التامة على أن تفصل بين التأثر وبين الحياد والتجرد في الإجابة! وبعد، أليس الإجابة عن كل هذه الأسئلة وما شابهها تدلك فوراً على حقيقة تغريبك وبالتالي تؤكد تأثرك، ومن ثم انسلاخك,, بشكل أو بآخر,,؟(2/249)
إن هذه الآثار السالبة تدفع إلى التفكير في أمور من أهمها: جهل الأجيال الحديثة بكثير، بل بمجمل أمورهم العقدية والفقهية، وجهلهم الكلي برموزهم التاريخية، وتقاعس القوم من حولهم في صنع النماذج القدوة، وعجزهم عن بناء فكر واضح مستقل لهم، ومواقف من الحياة ثابتة.
إن من يدرك ذلك، وينظر إليه بعين مجردة، وتقبُّل حيادي وصادق، يدرك أن الزمن المترف بكل معطياته لابد أن يُستغل في الخروج من دوائر التغريب الطاحنة، ويقلب عليها ظهر المجن، وينطلق إلى ما فيه ترسيخ الشخصية الثابتة دون بلبلة، وارتباك، وضعف، وخور، أمام القويِّ فلم يَغدُ قوياً إلا باستخدام عقله الذي تعطل عند الآخرين، فصنع الأساليب والوسائل التي تسربت به وبكل ما عنده وفيه تسرب الماء في التربة، وسرت به وبما عنده مسرى النار في الهشيم,, فلتكن المنطلق الأساليب ذاتها، والاستفادة من معطياته فيما يحوِّل الضعيف إلى قوي، والعاجز إلى منتج، والمتأثر إلى مؤثر,, ولاسيما أن هناك قوة كبرى دافعة وحافزة ومعزِّزة هي قوة الإيمان.
المصدر: http://www.suhuf.net.sa
===============(2/250)
(2/251)
معيار النصر
د:محمدبن موسى الشريف
لقد جرى ما جرى في العراق ، وضاقت صدور قوم مؤمنين ، وامتلأت قلوبهم غيظاً وحنقاً ، وليس بسبب ما جرى على صدام وحزبه ولكن لأسباب أخرى منها :
1- انهيار الوضع فجأة بحيث تمكن الصليبيون المتصهينون دون مقاومة تذكر ، ولا نكاية كانت متوقعة فيهم ، وهذا بسبب التعبئة الكبيرة الكاذبة التي قام بها النظام ، وما كانوا يدعونه من أن بغداد ستكون مقبرة للغزاة ، وتعاطفت الشعوب الإسلامية تعاطفاً كبيراً جداً مع هذا الطرح ، وبنيت عليه الآمال العظام ثم فوجئوا بما جرى مما لم يكن في حسبانهم أبداً ، وهذا أورث كثيراً من الناس إحباطاً كبيراً ويأساً عظيماً ، وانهارت آمال كثير من الشباب المتحمس المتوقد والفتيان المتوثبين.
2- تمكن الصليبين المتصهينين من البلاد العزيزة على قلوبنا ، ومن مهد الحضارة الإسلامية ، وبدء تهديدهم لسورية وإيران وغيرهما من بلاد الإسلام ، وفي ذلك خوف كبير على هذه البلاد العزيزة الغالية.
3- أثر هذه الأحداث العالمية في ترسيخ الطغيان الصليبي - الصهيوني ، وما تطبعه في أذهان الناس من سيطرة هؤلاء على مقاليد الأمور ، وما تضخمه في قلوبهم وعقولهم من هذه القوة والغاشمة ، وكل ذلك مردوده سلبي جداً.
4- اجتراء القوى الأخرى على المسلمين ، وخاصة إخوان القردة والخنازير على إخواننا في فلسطين ، واجتراء الهنادكة عباد البقر على إخواننا في كشمير ، والصليبيين الفلبينيين على إخواننا هنالك.
المصدر:http://www.alta r eekh.com
============(2/252)
(2/253)
أثيوبيا في مفترق طرق!
عبد الرحمن سهل الصومالي
تمر إثيوبيا في الوقت الراهن بمرحلة عصيبة لم تتوقعها من قبل، مما لم يخطر في بالها منذ استقلالها. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث ألقت تلك الظروف بظلالها على جميع الأصعدة الساخنة منها والباردة، كما وجدت نفسها تسبح في بحر من التناقضات التي لا بداية لها ولا نهاية. والأدهى من ذلك وأمر أن المناخ السياسي والطقس الأمني هما المجالان الأكثر حساسية في الوقت الحالي. وتزامنت تلك الظروف بالغة التعقيد مع الإفلاس الفكري والمادي الذي أصاب الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء السيد ملس زناوي بالإضافة إلى تفكيك جبهته الداخلية رغم أن عمرها في الحكم جاوز عقداً كاملاً من الزمان.
ومن المضحكات العجيبة في دنيا السياسة أن شعار الديمقراطية الذي رفعته أديس أبابا في بداية ميلاد ثورتها العنصرية التجراوية عام 1991م قد منيت بنكسة شديدة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية؛ حيث تلاشت الآمال العريضة التي كانت القوميات المضطهدة في أثيوبيا سابقاً تتوقع تحقيقها؛ وذلك بعد انهيار النظام الاشتراكي السابق، وأصبحت النتيجة الحتمية الخروج الدراماتيكي من النظام الإمبراطوري (هيلاسلاسي) إلى النظام الماركسي (منغستو) إلى النظام العنصري التجراوي الراديكالى الأكثر دموية ودكتاتورية مقارنة بالأنظمة السابقة سالفة الذكر. ونستطيع القول إن جميع الأنظمة التي تعاقبت على أثيوبيا لا تزال تدور في حلقة مفرغة حيث تبدأ مسيرتها السياسية من صفر وتنتهي إلى صفر، ولم ينته هذا المسلسل إلى هذه الساعة التي نكتب فيها هذه السطور.
ولا نبالغ إن قلنا: تمخض الجبل فولد عناصر مشلولة الهيكل وعديمة الإرادة إشارة إلى التغيير الثوري في أديس أبابا الذي تزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ويرى المراقبون السياسيون أن إخفاق السياسة الخارجية الإثيوبية والداخلية أيضاً تعود إلى أنها انتهجت سياسة التبعية العمياء للغرب على حساب مصلحة شعبها وقارة إفريقيا بوجه عام، وتارة تهرول نحو موسكو المنهارة سياسياً ونفسياً عند الأزمات العسكرية في القرن الإفريقي؛ حيث استوردت كميات كبيرة من الأسلحة التقليدية المختلفة والذخائر، ولذلك نجد أن أديس أبابا لم تتبع سياسة النفس الطويل تجاه حل مشكلاتها الداخلية المتراكمة، والدبلوماسية الهادئة حيال دول الجوار، كما لم تراعِ مصالحها الاستراتيجية المرتبطة بهم. وتتجلى الغرابة والغباوة معاً لدى القيادة الإثيوبية عندما نشبت الحروب الطاحنة بينها وبين إرتيريا الحديثة؛ حيث خاض البلدان أشرس وأخطر حرب عرفتها قارة إفريقيا في هذا العصر الذي تحكمه الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغت حصيلة القتلى بين الجانبين ما يفوق العقل البشري إذا نظرنا إلى المدة القصيرة التي استمرت فيها الحرب، ومات من الجانب الإثيوبي أكثر من 129 ألف جندي في حين خسرت إرتيريا أكثر من 19000 ألف مقاتل. هذا الحدث كان فريداً في نوعه ونموذجاً حياً يبرهن إخفاق سياسة واشنطن الموجهة تجاه القرن الإفريقي. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن تلك الخطوة العسكرية من التصادم والتناطح بين الجارتين الصديقتين أربك الحسابات الاستراتيجية الإثيوبية والأمريكية معاً، وتضاءلت الآمال البراقة التي كان من المقرر تحقيقها، ولكن التصرفات الصبيانية التي صدرت من القيادة الإثيوبية ضد حليفتها الاستراتيجية إريتريا أجهض محاولاتها الدؤوبة للسيطرة على القرن الإفريقي الاستراتيجي؛ فبدلاً من أن تحتل إثيوبيا موقعاً سياسياً مرموقاً بفضل إرثها التاريخي وبحكم علاقاتها السياسية مع الغرب أصبحت دولة مشلولة الحركة سياسياً وعديمة الفاعلية، وتفتقد أيضاً الدبلوماسية النشطة الإيجابية كما تفتقر إلى جميع العناصر التي تمكنها من أن تحتل الريادة؛ ويرجع ذلك إلى التخبط العشوائي في سياستها الخارجية والداخلية، وهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن هذه العوامل المذكورة، وهي:
1- العقلية الثورية لدى حكام إثيوبيا الحاليين.
2 - الضربات الموجعة التي يسددها المجاهدون في الصومال الغربي ضد قوات الاحتلال الإثيوبية.
3 - عدم انتهاج الحكومة الإثيوبية سياسة متوازنة في سياستها الخارجية والداخلية.
- أما المجال العسكري فقد تلقت القوات الإثيوبية هجمات قوية وبصورة متتالية من قِبَل المجاهدين في الصومال الغربي والقوميات الأخرى المعارضة للنظام الحالي.
وقد أسفرت تلك المواجهات المسلحة من هنا وهناك عدة نتائج إيجابية أهمها انهيار معنويات الجيش الإثيوبي بصورة تلقائية، وفقدان مهاراته القتالية المعهودة لدى قوات الاحتلال في بدايات انفجار شرارة الجهاد في الصومال الغربي؛ حيث انتظم في صفوفه الهروب الجماعي والانفراد إلى دول الجوار بحثاً عن الأمن والعيش في مدنهم وقراهم. وبناءً على ما سبق فإن القوات الإثيوبية تمر الآن في مرحلة يرثى لها.(2/254)
- أما مجال حقوق الإنسان فإن الحكومة الإثيوبية تعتبر من أسوأ الأنظمة الدكتاتورية في العالم؛ وذلك حسب التقارير الأخيرة الصادرة من هيئة مراقبة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وسلطت التقارير الضوء على الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها القوات الإثيوبية ضد القوميات المضطهدة فيها. إلا أن تلك التقارير أغفلت تماماً التجاوزات اليومية التي تنفذها القوات الإثيوبية المعتدية ضد المدنيين الأبرياء في إقليم الصومال الغربي المسلم. إن الأسلوب الهمجي التي تتعامل الجيوش الجائعة الغازية من خلاله ضد الشعب الصومالي في الإقليم المحتل يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية، ولكن الهيئة المذكورة غضت طرفها عن أن تكشف ممارسات جيش الاحتلال اليومية في حين نشرت تقارير أخرى تتناول الأحداث الدامية التي وقعت في جامعة أديس أبابا وغيرها، ولكن سياسة الكيل بمكيالين هي التي تحكم المنظمات الدولية، وإن كانت تدعي أنها مستقلة ومحايدة. ونريد أن نوضح للعالم الإسلامي أن السلطات الإثيوبية عمدت في الآونة الأخيرة إلى سياسة الأراضي المحروقة من دفن الآبار وتدمير البيوت وإحراقها، وإغلاق المحلات التجارية والحبس الجماعي، ونستطيع القول إن أديس أبابا تسعى إلى استئصال جذور الشعب الصومالي في الإقليم المحتل أرضاً وشعباً.
- أما المجال الاقتصادي فإنها تعتمد وبالدرجة الأولى على المعونات والهبات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها من الدول الأخرى ذات الطابع الأيديولوجي النصراني التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحكومة الإثيوبية النصرانية الأرثوذوكسية، أما الموارد المحلية الكلاسيكية المتوفرة لديها فلا تغطي احتياجات الحكومة الإثيوبية، بل ويعاني الاقتصاد الإثيوبي بمشاكل حقيقية تتمثل في السياسات الاقتصادية البالية التي خلفها النظام الاشتراكي السابق، والحروب الطاحنة التي لا تزال تخوضها القوات الإثيوبية ضد القوميات الكبرى المعارضة بالإضافة إلى تصادمها الخاطف مع إرتيريا، والهجمة الشرسة من اختلاس أموال الدولة التي تنفذها العناصر التجراوية الجائعة الحاكمة متخذين في تحقيق ذلك شتى الحيل والوسائل المعروفة لدى قيادة العالم الثالث وعلى رأسهم رئيس الوزراء زناوي؛ كل هذه العوامل وغيرها أرجعت الاقتصاد الإثيوبي إلى الوراء، حيث تبلغ ديونها الخارجية الآن حوالي 30 بليون دولار؛ ولذلك فلا عجب أن تسبح حكومة أديس أبابا في بحر من الديون المتراكمة وموجات من التصحر والجفاف.
- أما الصحافة والنشر وحرية التعبير فلا اعتبار لها في مداولات الطاقم الحاكم على أشلاء المدنيين العزل في الصومال الغربي (أوجادين) الذين لا ذنب لهم سوى أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ حيث تتعرض الصحافة في الإقليم المحتل وغيره إلى مضايقات جاوزت الحد المعقول، ولا يوجد الآن أي جهاز إعلامي حر يعكس الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها قوات الاحتلال الإثيوبي ضد الأهالي الأبرياء، ويعتبر هذا الإقليم منطقة عسكرية مغلقة لا يسمح للمنظمات والهيئات الإسلامية الاقتراب منها، وفي بعض الأحيان فإن الحكومة الإثيوبية تعطي الضوء الأخضر إلى المنظمات والهيئات الغربية والتنصيرية للدخول في الإقليم والتجول في بعض الأماكن التي عينت من قِبَل القوات الإثيوبية المرابطة في ثكناتها ومواقعها العسكرية في الإقليم المحتل.
أما الحكم الذاتي المزعوم فقد استفحل أمره حيث لم يقدم أي شيء جديد في الساحة رغم طول مدته التي جاوزت سبع سنوات متتالية؛ كما لم يستطع حتى الآن تقديم خدماته إلى المواطنين البائسين. والأدهى من ذلك وأمر أنه أصبح مجرد وسيلة ماكرة تستخدمه الحكومة الإثيوبية لتحكم قبضتها الاستعمارية على الصومال العربي المسلم.
http://albayan-magazine.com المصدر:
==============(2/255)
(2/256)
هل يكون العدوان على دمشق بداية عهد إقليمي جديد؟
صالح بشير
أرييل شارون أعلنها - ويجب أن يؤخذ كلامه على محمل الجد -: الهجوم الذي شنه طيرانه يوم الأحد الماضي على دمشق ليس عملاً معزولاً، بل يمثل تحولاً في استراتيجية الدولة العبرية في "مكافحة الإرهاب". ذلك ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، منتهزا مناسبة الاحتفال بذكرى حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973. وقد توقفت وسائل الإعلام، في معرض تأكيدها لذلك التحول، عند إقدام الجيش الإسرائيلي، في نفس ذلك اليوم، على إذاعة خريطة للعاصمة السورية، أسمتها "شبكة الإرهاب في منطقة دمشق"، تظهر فيها مكاتب المنظمات الفلسطينية ومنازل قادتها، من باب الإيحاء بأن المكاتب والمنازل تلك أهداف محتملة في عمليات قصف قد تكون مبرمجة مستقبلاً. ناهيك عن أن عملية القصف الأخيرة لم تُرتجل ارتجالا، ولم تكن مجرد رد فعل ثأري غريزي، بل هي ما كانت أكثر من تنفيذ، أو بداية تنفيذ، لخطة كان وضعها وزير الدفاع شاوول موفاز، في آب (أغسطس) الماضي، غداة العملية الانتحارية التي استهدفت الباص رقم 2 في القدس، وما كانت تنتظر سوى ذريعة كتلك التي وفرتها عملية حيفا الأخيرة.
النزاع مر في طورين:
يمكن القول إذاً: إن حقبةً من نزاع الشرق الأوسط قد آلت إلى نهايتها يوم الأحد الماضي، وإن أخرى بدأت. إذ لو أردنا إجمال تاريخ ذلك النزاع، على الأقل من الناحية العسكرية، لتبين بأنه مر حتى الآن بطورين أسياسيين:
أولهما طور المواجهات المسلحة المفتوحة، في صيغتها النظامية.
وثانيهما هو طور تعذر تلك المواجهات، من الجانب العربي. الأول امتد من 1948 حتى 1973، وشهد نشوب أربع حروب عربية-إسرائيلية في غضون خمس وعشرين سنة، أي، لو أردنا الركون إلى التبسيط الإحصائي، بمعدل حرب كل ست سنوات. صحيح أنه لم يُقيض للعرب، في أثناء تلك الحقبة، سوى الهزائم، لكنهم كانوا لا يزالون قادرين على المبادرة العسكرية، هجوما أو ردا، أو أنهم - على ما تقول صيغنا الخطابية الجاهزة - ما كانوا قد "أسقطوا خيار الحرب"، كسبيل لحل مشكلة الشرق الأوسط، وإن كان فحوى ذلك الحل المنشود قد تغير تدريجًا، وضمنًا دون الجهر غالبًا، من "إزالة دولة إسرائيل" إلى مجرد التوصل إلى قدر من السطوة العسكرية قادر على كبح جموحها العدواني والتوسعي، وقمين بدفعها إلى شكل من أشكال التسوية يحفظ ماء الوجه ولا يكون مجحفًا مطلق الإجحاف.
حرب 1973، مثلت أوج ذلك الطور من نزاع الشرق الأوسط، ومداه الأقصى، حيث بيّنت حدود الانتصار الذي يمكن للعرب بلوغه: العبور واجتياز خط بارليف، لكن دون التوصل إلى تحرير شبر واحد من الأراضي التي احتُلت في 1967، مع أن الحليف السوفياتي كان لا يزال على عنفوانه، يهاجم ويسجل النقاط، أو يوالي الانتصارات في الكثير من بقاع ما كان يُعرف بالعالم الثالث.
أما الطور الثاني، فقد كانت سمته، على ما سبقت الإشارة، تعذر الحروب. وهو قد تراوح بين صيغتين:
- سلام اتضح أنه لا يمكن إلا أن يكون باردا، وهو ذلك الذي صير إلى إرسائه بين مصر وإسرائيل في أعقاب اتفاقات كامب ديفيد.
حرب باردة:
- وضرب من نصابِ حرب باردة، استتب بين سورية وإسرائيل، وخضع في الكثير من أوجهه إلى ذات المنطق والآليات التي كانت تتحكم بالحرب الباردة الأم، إن جازت العبارة، تلك التي كانت جارية بين ما كان يعرف بالعملاقين، مستعيدة - محليًّا - عددا من ملامح هذه الأخيرة، من تفاهمات ضمنية، ومن تحكم من الجانبين في النزاع في ما خص المدى العسكري والحيز الجغرافي. وكان الهدف من هذه الصيغة الحؤول دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة ومباشرة لا يريدها الطرفان، واللجوء إلى ساحات حرب بديلة تكون مجالاً لخوض مجابهات محدودة أو ذات كثافة منخفضة، بالواسطة في بعض الحالات، تُستخدم في تحسين الموقع التفاوضي أو في تعديل موازين القوة بين الخصمين، دون مساس بالمصالح الأساسية، الحيوية أو الوجودية لأي منهما. وقد كانت الوظيفة تلك من نصيب لبنان، الذي اضطلع بها، على حسابه حصراً في الغالب، منذ أن انفجرت حربه الأهلية وحتى يومنا هذا (أو حتى يوم الأحد الماضي ربما؟).
وهكذا، يكون من باب التذكير بما هو ماثل لا يستحق تذكيرا، القول: إن تلك الجبهة الوحيدة التي بقيت ساخنة (باستثناء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتلك حالة لها خصوصيتها إذ إنها ليست جبهة "حدودية") طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، ظلت تتسم بقدر من الانضباط لافت في صرامته، حيث لم تشهد أي "تجاوز" يمكنه أن يفضي إلى مواجهة بين سورية وإسرائيل، رغم "تداخل" قواتهما، و"تواجدها" (حسب عبارة الفضائيات واللغة الصحافية المبتذلة) على نفس "الساحة"، ومع ما يُفترض أن تتسم به إدارة مثل ذينك "التداخل" و"التواجد" من دقة ومن صعوبة. وربما مثل الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 حالة نموذجية أو "مدرسية" في هذا الصدد.(2/257)
يجدر التنويه بأن سورية أحسنت - إلى حد كبير - التعاطي مع تلك الصيغة المحلية من الحرب الباردة. صحيح أنها لم تحقق خلالها أيا من أهدافها الرئيسية، ولا سيما التوصل إلى تسوية "مشرّفة"، تستعيد الجولان كاملا. لكن دمشق أنجزت بعض المكاسب، بل بعض الانتصارات، من إسقاط اتفاق أيار الشهير، إلى الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، تحت ضربات المقاومة اللبنانية التي لم تبخل عليها سورية يوما بالدعم والمساندة، وربما بالتوجيه. لكن اللعبة تلك يبدو أنها انتهت، أو أن إسرائيل الشارونية قررت إنهاءها. لذلك، ربما لم يجانب الرئيس السوري بشار الأسد الصواب، عندما اتهم إسرائيل، في مقابلته مع "الحياة"، بأنها تريد الحرب. لكنه قد يكون جانبه في تشخيص أسباب جنوحها العدواني ذاك. فهذا الأخير ليس مجرد مغامرة يقدم عليها رجل انسدت أمامه الآفاق لعجزه عن القضاء على الانتفاضة، أو لأن الحرب وقود حكومته، على ما ذهب الرئيس السوري، واقتفى أثره في ذلك، بطبيعة الحال، إعلام بلده. بل لأن رئيس الحكومة العبرية وضع نصب عينيه إلغاء ذلك النصاب الاستراتيجي المحلي الذي زالت مقومات وجوده وما عادت أسسه قائمة.
بداية عهد جديد!
ربما كان يُفترض في ذلك النصاب أن يتهاوى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة الأم، لكن اختيار سورية الانضواء، تحت راية الولايات المتحدة، ضمن التحالف الدولي المناهض لصدام حسين في حرب الخليح الثانية، قد يكون مدّ في أنفاسه إلى حين.
أما الآن، بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ومع الإدارة الأميركية الحالية التي تكاد تكون توأما سياميا لنظيرتها الليكودية في إسرائيل، ومع الحرب العراقية الأخيرة، ومع بلوغ العرب أدنى دركات الوهن والضعف على الأصعدة كافة، لم يبق، في نظر شارون، سوى أخذ العلم بكل تلك العوامل، وترجمتها إلى استراتيجية جديدة تستكمل أسباب القوة التي تأنسها الدولة العبرية حاليا في نفسها، ومن عناصرها ضرب آخر توازن، أو ما يشبه التوازن، كان قائما، بين دولته وبين قوة عربية.
وهكذا، سيكون عدوان الأحد الماضي على دمشق، بداية عهد جديد، حيث أدخل سورية، وإن بالواسطة، في أتون "الحملة الكونية على الإرهاب"، وأدرجها ضمن منطقة الاستهداف، وحيث سيكون له أبلغ الأثر على لبنان وعلى المنطقة برمتها، يمعن فيها توتيرا وإضراما. إنه طور ثالث يبدأ، يصعب التكهن بملامحه وقسماته، باستثناء أمر واحد: أن حظوظ العرب في الفعل فيه، كما هي حالهم الآن، تكاد تكون في حكم المنعدمة.
http://www.islamweb.net المصدر:
=============(2/258)
(2/259)
الوهابية
محمد الإبراهيم
منذ أن قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته الإصلاحية التجديدية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، والنجاح الكبير الذي حققه في الجزيرة العربية، وانتشار هذا الإصلاح في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، منذ ذلك الحين والضجة التي قامت في وجه هذه الدعوة لم يهدأ أوارها ولم تبرد حرارتها.
استخدم مصطلح (الوهابية) كمطعن ومغمز في أهداف هذه الدعوة ومراميها، وبسبب قوة الدعاية المضادة المغرضة أصبحت كلمة (وهابي) في أذهان بعض عوام المسلمين تعني عكس ما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما أراده، فالدعاية تقول إن هؤلاء (الوهابية) لا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقدرونه، مع أن أساس دعوة الشيخ الرجوع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في كل ما أمر أو نهى، والحقيقة أن هذا المصطلح (الوهابية) ليس له أصل، فأصحابه لم يقولوا به، ولم يستعملوه، بل ولا يرضونه فالشيخ لم يأت ببدعة جديدة ينتسب الناس إليها كما تفعل بعض الطرق الصوفية كالرفاعية والشاذلية.. ولم يأت بمذهب فقهي جديد، فهو حنبلي المذهب في الفروع، وإنما دعوة الشيخ دعوة تجديدية للرجوع إلى نقاء الدين وصفائه وترك ما علق به من بدع وخرافات وما وقع الناس فيه من الشرك في الأقوال والأفعال، فلماذا ينتسب الناس إليه، وهم ينتسبون إلى الإسلام وإلى منهج أهل السنة والجماعة.
نبذة عن حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي:
ولد الشيخ في عام 1115هـ في بلدة العيينة من بلدان نجد، تلقى العلم في طفولته فحفظ القرآن وقرأ الفقه على والده الذي كان قاضي العيينة، وطالع كتب الحديث والتفسير وأصول الإسلام، أقام في المدينة فترة أخذ فيها العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي والشيخ محمد حياة السندي، ولكن مدرسته الكبرى وتأثره الواسع هو بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وذلك لصلة المذهب الحنبلي بهؤلاء الأعلام.
خرج من المدينة إلى نجد وقصد البصرة وسمع فيها الحديث والفقه والنحو عن جماعة كثيرين، وأثناء مقامه في البصرة كان ينكر ما يراه ويسمعه من الشرك والبدع، ويحث على طريق الهدى والاستقامة، ثم اتجه إلى الشام ولكن نفقته التي كانت معه ضاعت فانثنى راجعاً إلى نجد، واتجه إلى بلدة حريملاء حيث كان والده قد انتقل إليها، وفي حريملاء أعلن دعوته الإصلاحية وأنكر مظاهر الشرك والبدع وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وسمع به طلاب العلم فتوافدوا إليه وانتظموا معه في مجالس العلم.
رجع الشيخ إلى العيينة ووافقه أميرها على دعوته، فهدموا القباب التي كانت على القبور، وقطعوا الأشجار التي يتبرك بها، وأقاموا الحدود، ثم إن أمير العيينة خشي على دنياه وإمارته من هذه الدعوة فأمر الشيخ بالخروج من العيينة وذلك عام 1158هـ، فاتجه الشيخ إلى بلدة الدرعية وأميرها محمد بن سعود حيث أقنعه أخواه ثنيان ومشاري باحتضان دعوة الشيخ، وكان ذلك، وبايع الأمير الشيخ وتحالفا على نشر الدعوة، وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدرعية التي توسعت كثيراً بسبب هجرة الناس إليها، كاتب الشيخ أهل البلدان المجاورة ودعاهم إلى ترك البدع، وعارضه أقوام وأيده آخرون، ولكن النصر كان حليفه، وحقق الله له ما أراد وأقام كياناً سياسياً على أساس من تعاليم الإسلام، وما زال بيده الحل والعقد والأخذ والعطاء، ولا يصدر رأي من محمد بن سعود إلا عن قوله ورأيه، إلى أن توفاه الله في شوال سنة 1206 هـ رحمه الله وجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
خلاصة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
كانت حالة المسلمين في القرن الثاني عشر والذي قبله حالة تدعو إلى الأسى والأسف، لما وصلت إليه من الجهل والبعد عن أساس الإسلام وأصله العميق وهو التوحيد، ولا مانع أن ننقل هنا وصف عالم غربي لهذه الحالة، يقول المؤرخ (لوثروب ستودارد) في كتابه حاضر العالم الإسلامي: "في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دَرَكَة، فالدين قد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجناً من الخرافات وقشور الصوفية، وكثر عديد الأدعياء والجهلاء..""[1].(2/260)
في وسط هذا الجو المكفهر شاء الله أن تنطلق دعوة التوحيد من أرض الجزيرة العربية، كما انطلقت شرارتها الأولى منها، وبلاد نجد أنسب البقاع لظهور الحركة التجديدية حيث بقيت هذه البقعة بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى. انطلق صوت الشيخ منادياً بالعودة إلى نقاء التوحيد، يقول في رسالته إلى عبد الرحمن بن عبد الله السويدي أحد علماء العراق: "أخبرك أني ولله الحمد متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وعن إشراكهم فيما يعبد الله به، مما هو من حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل.."[2]، ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "ثم إن شيخنا رحمه الله كان يدعو إلى إقامة الفرائض ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وأما في الفروع والأحكام فهو حنبلي المذهب"[3].
إن رسائل الشيخ الكثيرة ومصنفاته تؤكد يقيناً بأنه لا يدعو إلا لعقيدة السلف في جميع أبواب الاعتقاد، وسيرته الشخصية تؤكد على ذلك، وما كتب تلامذته وأنصار دعوته تؤكد ذلك أيضاً، وهو على كل حال ليس معصوماً، وإذا أخطأ في شيء فالعلماء الثقات الأتقياء هم الذين يصححون ويبينون مواطن الخطأ، وهذا عند أهل السنة واضح لا لبس فيه كما قال الإمام مالك (كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر) يشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
ليست بدعاً من الدعوات الإصلاحية:
من سنن الله الكونية أن الدجاجلة والكذابين ينكشف أمرهم بعد مدة قصيرة كصاحب القاديانية أو البهائية.. بينما نرى أن دعوة الشيخ التجديدية - ودعوات التجديد مستمرة في التاريخ الإسلامي - نراها قد ترسخت في نجد ووصلت إلى أماكن أخرى في العالم الإسلامي، وما تزال تقوى وتزداد رسوخاً على مر الأيام، وقد تأثر بدعوة الشيخ بعض العلماء المصلحين من شتى الأقطار مثل الشيخ نذير حسين الدهلوي في الهند والشيخ علي السويدي في العراق. والشيخ محمد بن ناصر الشريف التهامي في اليمن، وكان للدعوة تأثير في غرب أفريقيا والمغرب العربي وقام علماء كبار بعد الشيخ يدعون للرجوع إلى الكتاب والسنة وترك البدع والخرافات، سواء تأثروا بالشيخ أم لم يتأثروا، مثل العالم الكبير الشوكاني في اليمن، والعالم جمال الدين القاسمي في الشام والعالم محمود شكري الآلوسي في العراق، فهل يقال أن هؤلاء وهابيون؟.
إن الرجوع إلى العقيدة الصافية النقية كان ديدن حركات إصلاحية وعلماء في المشرق والمغرب، ففي الهند قامت دعوة تدعو إلى تطهير الاعتقاد من الخرافات والشرك قادها أحمد بن عرفان الشهيد (1201 - 1246) والشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (1193 - 1246) وقد ألف الشيخان كتباً حول هذا الموضوع مثل (الصراط المستقيم) و (رد الإشراك) وهو يشبه ما ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كتاب التوحيد) يقول الشيخ إسماعيل بن عبد الغني مؤلف رسالة (رد الإشراك) التي ترجمها الشيخ أبو الحسن الندوي بعنوان (رسالة التوحيد) يقول: "ذكرنا في هذه الرسالة جملة من الآيات والأحاديث ذات صلة قوية بالتوحيد واتباع السنة وذم الشرك والبدعة". ويقول العلامة صديق حسن خان عن الشيخ إسماعيل: "ولم يكن ليخترع طريقاً جديداً في الإسلام كما يزعم الجهال وقد قال الله - تعالى -: ((ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)) [آل عمران:79]"[4].
وفي المغرب العربي قام الشيخ مبارك الميلي (1896 - 1945 م) وهو أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قام بتأليف (رسالة الشرك ومظاهره) يقول في مقدمته: "وقد مرت أعصر أهمل جل العلماء فيها شأن الدعوة أو حادوا فيها عن أسلوب القرآن والحديث، فجهل جمهور المسلمين عقائد الإسلام، وطرأ عليهم عقائد زائفة وبدع سائدة"[5] فالدعوة واحدة، عندما تريد الإصلاح تبدأ بالعقيدة، وقد كتب الشيخ مبارك هذا الكتاب قبل أن يهدى له مجموعة من الكتب منها: تطهير الاعتقاد لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
لماذا تحارب هذه الدعوة؟:
إن الدعوة إلى التوحيد والعبودية الخالصة لله، تحرر الإنسان من العبودية للإنسان، تحرره نفسياً واجتماعياً من الخضوع للخرافات وتسلط الطغاة، تحرره من الصنمية سواء أكانت للأشخاص أم للأشياء فمن هو الذين يكره هذه الدعوة؟ إنهم أهل الاستكبار والفساد في الأرض، وأول من يحارب هذه الدعوة هو الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية.(2/261)
فهذه الدعوة وأمثالها لا تقبل بالهيمنة الاستعمارية، وكل الحركات التي قامت للجهاد ضد الاستعمار في القرن التاسع عشر وما قبله كان توجهها سلفياً أو فيه آثار من السلفية، فجمعية العلماء المسلمين في الجزائر كانت خميرة التحرر من فرنسا، وحركة الشيخ أحمد بن عرفان في الهند كانت سلفية محضة، وقد حاولت إقامة دولة في شمال غربي الهند ولكن زعماء القبائل وطائفة (السيخ) تحالفوا ضدها وقضوا عليها في معركة (بلاكوت) عام 1831 م ولأن سلطان المغرب السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع عام (1206 هـ) كان سلفياً في عقيدته محباً للعلم والعلماء فقد تسلطت عليه الدعايات الغربية وأنه منغلق ومتخلف.. وأمريكا اليوم تمارس الدعايات المغرضة ضد معارضيها الذين لا يقبلون بأن تتسلط على المسلمين وتسلب خيراتهم، وتحارب هؤلاء وتتهمهم بـ (الوهابية) والذين يعادون هذه الدعوة التجديدية المحاربة للدجل والخرافات هم الصوفية المنحرفون عن منهج أهل السنة. الذين يعيشون على جهل العوام، والصوفية السياسية هي الأشد حرباً على منهج أهل السنة لأن هناك من يؤزهم ويطمعهم بأوهام كبيرة فيقعون في فخ الدول باسم محاربة (الوهابية).
ليس غريباً أن يقول مستشرق مثل (دونكان ماكدونالد) عن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "هذه الحركة هي النقطة المضيئة في تاريخ العالم الإسلامي خلال فترة الركود والجمود" وقد نقلنا سابقاً قول المؤرخ (لوثروب ستودارد) في حاضر العالم الإسلامي ليس غريباً لأن هؤلاء يستعملون عقولهم، ويقررون الحقائق كما هي، ولكن المسلمين الخرافيين الجهلة يسمعون للدعايات دون أن يقرأوا حرفاً مما كتب الشيخ وأمثاله، هؤلاء تنفر قلوبهم من التوحيد ((كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة)) [المدثر:50-51].
وأما فرقة الرافضة فهم ألد أعداء الدعوة التجديدية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو أمثاله من الدعاة المصلحين، لأن دين هؤلاء الرافضة مبني على (اللاعقل) والإمام المعصوم ودعوة المقبورين وحج المشاهد وتقديس المشايخ، فكيف يقبلون بدعوة تريد الرجوع إلى صفاء الإسلام الأول.
والذين يكرهون هذه الدعوة أيضاً: العلمانيون وخاصة في الجزيرة العربية لأنهم يريدون تنازلات في العقيدة والشريعة بحيث لا يبقى في النهاية إسلام، أو يريدون إسلاماً مفصلاً حسب ما يشتهون ولا يعارضهم في اتباع أهوائهم وشهواتهم. وهؤلاء أقوياء في دعوتهم، تغريهم الصحف المفتوحة لهم ويركنون إلى دولة عظمى (أمريكا) تشجعهم وتحميهم إذا تعرضوا لأي ضغط، والغريب في الأمر أن هؤلاء وأتباعهم تطاولوا على الشيخ ومؤلفاته ووصل الأمر في نقد هذه الدعوة إلى ابن تيمية، ولم يرد عليهم الرد المناسب - حسب ما نعلم - ولم يبين لهم أن هذه الدعوة هي التي وحدت الجزيرة العربية، وأن الرخاء ورغد من العيش الذي يتمتعون به هو بسبب هذا التوحد والتوحيد...
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - حاضر العالم الإسلامي، تعليقات شكيب أرسلان 1/ 259.
[2] - عبد العزيز عبد اللطيف: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص: 22.
[3] - المصدر السابق، ص: 23.
[4] - رسالة التوحيد، ص: 17.
[5] - رسالة الشرك ومظاهره، ص: 36 ط. دار الغرب الإسلامي 1420 هـ.
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
=============(2/262)
(2/263)
الحركة الإسلامية وتحديات السلام
حسن عبد الحميد إبراهيم
الحركة الإسلامية ـ في أي بلد ـ هي صمام الأمان, وذلك بما تملكه من استقامة المنهج ونُضج التجربة و جهد الصالحين, وما قدمته من أرتال الشهداء وما تدخره من جموع المجاهدين الذين لا يزالون يقبضون على الجمر وما بدلوا تبديلاً نسال الله لهم الثبات. وحين نتحدث عن الحركة الإسلامية لا نعني تنظيماً معيناً أو جماعة محددة, فالحركة الإسلامية اسم جامع لكل من يتحرك بالإسلام بفهم صحيح، فيدخل تحت لوائها المجموعات و الأفراد من الدعاة و المصلحين و المربّين,
والحركة الإسلامية بهذا الفهم تنتظرها أعباء كثيرة وتواجهها تحديات عديدة، تستوجب عملاً دؤوباً وجهاداً مستمراً, فساحات العمل التعليمي والتوجيهي تحتاج للمزيد من البذل والعطاء لانتشار الجهل وتفشي البدع والمنكرات, وميدان العمل التربوي وتزكية النفوس يتسع للكثير من جهود التذكير ونصب منارات القدوة لتردي الأخلاق وضعف الهمم وسيادة الهوى و غلبة الشهوة, ومضمار العمل السياسي يفتقر للمزيد من دراسات التأصيل وبحوث التقويم والتقييم لمسيرة العمل الإسلامي المحاصر في هذا المجال, ولازلنا نحلم ـ في السودان ـ بجبهة عريضة تضم تيارات العمل الإسلامي: تنسق الجهود وتوحد الصفوف وتقارع الأعداء وتحفظ المكتسبات وتسعى للمزيد.
إلا أن واجب الوقت وفقه المرحلة بالنسبة للحركة الإسلامية في السودان الآن، هو الاستعداد لمرحلة السلام المقبل وما تحمله من تحديات، والتحسُّب الجيد لجملة المحاذير والمخاطر التي قد تنشأ في مقبلات الايام. فبتوقيع الإتفاق الإطاري للترتيبات الأمنية والعسكرية بين الحكومة السودانية وحركة التمرد في نيفاشا الكينية في 25 سبتمبر الماضي؛ فتحت صفحة جديدة في تاريخ السودان, وشُرع باب يدخل منه الكثير من (الهواء) ورياح المتغيرات المقبلة بمراقبة دولية وترتيبات إقليمية تقودها دول تنظر كلها ـ بطريقتها ـ حسابات الربح والخسارة، الأمر الذي يوجب على الحركة الإسلامية أن تضع في حساباتها كل هذه المتغيرت، وأن تسعى أن تكون الأنجح في وقت تعمل فيه آلاف العقول على تشكيل ملامح المرحلة المقبلة.
وابرز تحدٍ يُسفر في المرحلة القادمة هو صراع الهوية، والوجهة الفكرية والعقائدية للبلاد' فهاهي شُلل العلمانيين وبقايا اليساريين تحاول بجهد التشكيك في ثوابت الأمة العقائدية والفكرية والطعن في تاريخها ووجهتها عبر أرتال من دعاوى التنوع الثقافي والعرقي، وألوان من حجج الديمقراطية المُدعاة و مزاعم اللبرالية الغربية, وما أطمعهم في ذلك إلا حالة الضعف العام التي طرأت على الخطاب الدعوي الإسلامي، وتبعثر الفصائل، وتشتت الجهود دون تنسيق أو تفاهم يخرس ألسنة المخرصين، ويردع محاولات المتطاولين.. (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم).
ولعله من نافلة القول أن نؤكد أن هذا الشعب مسلم وأن المسلمين يشكلون فيه الغالبية العظمى ومن حقهم - حتى وفق النظرة الليبرالية المجردة - أن يعيشوا وفق نظام عقيدتهم ويُحكموا حسب ما تراه شريعتهم دون المساس ـ بالضرورة ـ بحقوق الآخرين ولا ظلمهم. وهذه الحقيقة البسيطة البدهية هي ما تحاول النخب العلمانية ـ و من وراءها من القوى الإقليمية والعالمية ـ تجاوزها و القفز من فوقها, و من هنا تحديداً تبدأ أولى خطوط الدفاع وأبرز مواقع المعركة التي تسند الحركة الإسلامية فيها حقائق التاريخ و شواهد الواقع، و شهادات البشر إن هي أحسنت استخدام الأدوات والفرص والمقدّرات.
وثمة أمر آخر يتفرع مما أشرنا إليه في موضوع الهوية والوجهة الفكرية وهو موضوع العقيدة العسكرية المشتركة التي أشار إليها الاتفاق الإطاري في البند السادس, فأي عقيدة عسكرية تجمع بين الجيش السوداني وبين جيش المتمردين، والمعروف أن الجيش السوداني خلال الأربعة عشر عاماً الأخيرة قد توجه أمره على وجهة مستقيمة إذ صار ضباطه يحفظون سوراً من القرآن كالأنفال والتوبة والحشر عبر دورات مستمرة، وأصبح نداؤه الدائم: "الله أكبر"، كما أدخلت العديد من الأناشيد الحماسية [الجلالات] الإسلامية مما رفع روحه المعنوية وزاد مقدراته القتالية. أما جيش المتمردين فلم يوحده دين ولم تضبطه عقيدة، إذ أنه نشأ على "مانفستو" ذي ملامح شيوعية ثم ما لبث أن اتجه غرباً ـ بعد سقوط إمبراطورية الشر الشرقية ـ وأصبح قادته يلهجون بالعلمانية صباح ومساء. فأي خسارة تلحق بالإسلام والمسلمين في هذا البلد مما يجره هذا البند المشؤوم.
بعد الإطار الفكري الذي تحدثنا عنه أعلاه والذي يجمع فصائل الحركة الإسلامية نظرياً, يبقى من الأهمية بمكان الجمع العملي بينها، أعني توحيد الصفوف وتنسيق الجهود لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة والتي تستهدف أول ما تستهدف ـ فيما نرى ـ مكتسبات الحركة الإسلامية وإنجازاتها في السودان.(2/264)
مما لا شك فيه أن خلف الإتفاق أيادٍ أجنبية كثيرة تعمل لطمس هوية الأمة وفرض الرؤى العلمانية والمفاهيم الغربية, ومن المخجل والمبكي في آنً واحد أن يرمينا الأعداء عن قوسٍ واحدة ونحن نعلم ذلك ثم لا نتحرك لنتوحد ونرميمهم عن قوسٍ واحدة، وربنا يقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
والخلاصة أن الإتفاق الإطاري للترتيبات الأمنية والذي وقع في نيفاشا يوم 25/9 الماضي بين الحكومة السودانية وحركة التمرد يفتح آفاقاً من التحديات وأبواباً من المخاطر والمحاذير تستدعي من الحركة الإسلامية في السودان أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية لتواجه التحدي، وفي اللحظات التاريخية الحاسمة تظهر معادن الرجال.. والجماعات.
(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
http://www.meshkat.net المصدر:
=============(2/265)
(2/266)
ويرموننا بالطريقة الغربية
مهدية الزميلي
إن آلية الهجمة الغربية والمشروع الحضاري الغربي، تتبنى وجهة واحدة أحادية طاغية رغم ادعاء الغرب العريض بإيمانه بالتعددية والديمقراطية، وقبول الآخر.
ولذا فانه (الغرب) لا يرضى من الشعوب والحضارات الأخرى، إلا أن تتبنى فكره ورأيه في كل شيء، وأي شذوذ عن ذلك من قبل المجتمعات، التي تحاول الدفاع عن نفسها، بواسطة الحفاظ على شخصيتها وهويتها، يعتبره تخلفاً وخروجاً عن سبيل التقدم، ودخولاً في حومة مجموعة من التهم المغرقة في الكذب والنفاق مثل: الإرهاب، والتعصب، والاعتداء على حقوق الإنسان.
ولقد كان موضوع المرأة من أهم الأدوات والأساليب التي هاجم بها الغرب مجتمعاتنا العربية الإسلامية، بما لها من مكانة، في ترسيخ قواعد المجتمعات، واستقرارها، وتربية أجيالها.
ولقد استغل الغربيون ابتعاد المسلمين عن هدي نبيهم في التعامل مع المرأة، ووجود الكثير من الرجال المسلمين الذين أصبحوا بهذا الابتعاد موضع اتهام بالمساعدة على افتعال قضية للمرأة، أنشئت من أجلها مؤسسات، وعقدت ندوات ومؤتمرات، راح الغربيون يروجون لها ويزينون لمجتمعاتنا صورة المرأة عندهم، ويجعلون من انحرافها وتمردها وعريها ووقوعها فريسة أفكار الرجال الذين يريدونها صيداً سهلاً قريب المنال متسترين خلف شعارات مزخرفة بالحرية والخروج من تحت ركام الظلم والإهانة نموذجاً للعمل. وهم في هذا السبيل ومن أجل الإقناع استعملوا كل وسيلة؛ فمن كتابات وخطب وبيانات المتغربين في مجتمعاتنا، إلى الصورة في التلفاز والصحيفة والسينما، إلى الكتب والصحف المنحرفة وغيرها.
ولقد كانت هجمة عارمة منسجمة مع هجمة عامة كبيرة على مجتمعاتنا، تبغي إسقاط خنادق المقاومة عندنا من أجل أن يصلوا إلى الهيمنة الكاملة، التي تجعل منهم وجهة لنا تعب قلوبنا وأفكارنا منها وتعود إليها، وعندئذ تتم لهم عملية الكسب المادي ونهب الثروات بشكل كامل، وتلك نهاية المطاف الذي يبتغون وعندئذ يحكمون السيطرة على كل مقدراتنا.
ولقد نجحت الهجمة إلى حد كبير، فها هي مجتمعاتنا تعج بالمتغربات، وتلك دوائرنا ومعاملنا ومؤسساتنا مليئة بالنساء الموظفات المختلطات بالرجال بدون حشمة ولا وقار، وفي كثير من الأحوال بدون حاجة لوجودهن هناك، بل قد يكون وجودهن في الغالب من أجل استكمال اللوحة، التي أراد لها الغرب والمتغربون في مجتمعاتنا أن ترسم وتؤطر، ثم تعرض. بشكل احتفالي مثير، يشير إلى الإسلام بأصابع الاتهام مع أنه تقدم بحقوق المرأة أشواطاً لم تستطع حضارة الغرب حتى اليوم أن تلحق بها
وامتلأت الساحات والميادين بصراخ همجي، يدعو إلى جعل المرأة نداً معادياً للرجل، وليس شريكاً مكملاً، يأخذ مكانته الحقيقية لخدمة الإنسان عامة والمبادئ السامقة الكاملة خاصة أنها رمية على الطريقة الغربية، تبتغي سقوط الحصون والمقاومة وإلى الأبد.
2 ـ ولكن ....
وجاءت صحوة الإسلام، وبدأت أحلام التائهين تذوب رويداً رويداً أمام بريق نور الحق، الذي لم يَخْبُ يوماً من الأيام، ولنستمع إلى عائشة التيمورية تنشد (أيام زمان): ـ
بيد العفاف أصون حجابي وبهمتي أسمو على أترابي
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي إلا بكوني زهرة الألباب
ما عاقني خجلي عن العليا ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي
ثم لنر من جديد حملة العلمانية في فرنسا ولنعجب!! كيف أربكتها عودة المرأة بزخم إلى سبيل الحق والخير والجمال، فراحت تتعرض حتى للصغيرات المسلمات في المدارس، يرتدين تاج العفة، ويقهرن عتمة الضلال، في عقر عاصمة النور المزعومة. فتحاول يد الشيطان أن تحرم هاتيك الصغيرات من مدارسهن، تحت شعارات محاربة التعصب والأسلمة، بينما هم بعملهم المشين ـ القيام بطرد الصغيرات من المدارس لا لذنب إقترفنه إلا لباس العفة والشرف ـ كانوا أشد المتعصبين الظالمين.
فإذا التفتنا حولنا وجدنا هذا التيار الخير، الذي دخلت فيه ممثلات، لم يكن أحد في يوم من الأيام يحس بتوبتهن ورجوعهن، إلى جادة الصواب من بين براثن بريق الأضواء، ومن تحت ركام نشوة الشهرة والمال. وتابت الكثيرات وفي عيونهن دموع الندم، على ما فرطن في سالف الأيام، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: ـ "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً". "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون".(2/267)
ثم لنستمع إلى صيحة الحق كيف بدأت تعلو من جنبات المجتمعات الغربية، بعد طول عناء وعنت ومقارفة للحرام ومن بين فكي تجربة مرة، عانت منها أجيال آمادا طويلة، ذهبت ضحية أهواء أصحاب الهوى والربح والكسب الحرام، الذي يأتي عن طريق منهجية خروج المرأة، وانطلاقها بلا رادع ولا قيد ولا أخلاق، يحدوها في ذلك طُعم مركب وضع فيه السم لها مدهوناً بكلمات تمويهية تقول: بالمساواة مع الرجل، والندية له، والاستقلال الاقتصادي عنه، بينما يشهد رجل علم من داخل حضارة الغرب بالحق الذي يفضي إلى غير ما أريد من هذه الشعارات يقول الكسيس كاريل: "الحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها، والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي، فالقوانين الفيزيولوجية غير قابلة لليّن شأنها في ذلك شأن العالم الكوكبي، فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن، دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة«.كتاب الإنسان ذلك المجهول.
وهذه مجلة (ماري كير) الفرنسية، قامت باستفتاء النساء الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، وكان عنوان الاستفتاء (وداعا عصر الحرية وأهلا عصر الحريم)، وشمل الاستفتاء رأي 2.5 مليون فتاة في الزواج من العرب، ولزوم البيت فكانت الإجابة 90% نعم، والأسباب كما قالتها النتيجة هي الآتي:
1 ـ مللت المساواة مع الرجل.
2 ـ مللت حياة التوتر الدائم ليل نهار.
3 ـ مللت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو.
4 ـ مللت الحياة الزوجية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا عند النوم.
5 ـ مللت الحياة العائلية التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا عند مائدة الطعام.
إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها يمكن أن تطمس إلى حين، ولكنها لايمكن أن تطمس إلى الأبد، وما أتينا على ذكره من صيحات دليل رائع على ذلك.
غير أن هذا الذي قلناه، لايمكن أن يستهوينا، فيجرنا إلى الاعتقاد: أن الغرب قد عاد أدراجه إلى الفطرة تواً، وعرف الحق الذي لاحق غيره، لا أبداً فالغالبية العظمى من الغربيين، مازالت تستهويهم حياة الانطلاق المجنون، وتجرفهم تيارات الحداثة، الماجنة، الكافرة بكل قيمة أو مبدأ إلا السلعة والمادة ولحظة المتعة واللذة.
وهم ما يزالون يسيرون بحماس وراء مشروعهم الحضاري وفرضه على الأمم والحضارات الأخرى، يغريهم في ذلك ضعف الآخرين، وكثرة الثغرات في جدر المقاومة، والأعداد الكبيرة من الممالئين لحضارتهم، المتوزعين في كل الأركان الهامة وغير الهامة داخل تلك الأمم. وفوق ذلك كله ومن قبله وبعده الآليات الخفية والظاهرة، التي تعمل بها وبواسطتها مدنية الغرب، فتخترق الحجب والحواجز بخفاء، يكاد يكون محبباً للنفس البشرية الأمارة.
فطرق التعليم، ووسائل الإعلام، وأجهزة الرفاه الحديثة، (وموضات) الملابس، ووسائل الحياة ومظاهرها، ومايدور وراء الكواليس في عمليات الشهرة والابتزاز وتسليط الأضواء، كل ذلك وغيره يعمل بطريقة سحرية، لاستقبال المعجبين، بعد أن يقعوا في الشراك الخطرة، وهم يضحكون، لاهين فرحين، بما آتاهم الغرب، من شرف المشاركة في أفكاره، ورضاه لهم بالعيش على حواشي تضاريسه ومعالمه، وقد يكون الأمر هيناً، لو أن هؤلاء الساقطين في شرك الغرب كانوا أفراداً ومجموعات قليلة، ولكنها شعوب بأكملها، كرست مناهج الحياة الغربية في أرضها، وفوق أديم موروثها وهويتها، وهي تظن أنها تأخذ بأسباب التقدم والنهوض.
ولقد كان لأمتنا نصيب كبير من هذا الذي ذكرناه، ولكن هذه الأمة لايمكن أن تمضي في هذا الاتجاه إلى ما لانهاية، وفيها كتاب الله المحفوظ، وفيها الطائفة الظاهرة على الحق، لا يضرها من خالفها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وسوف تمضي أمم الغرب إلى مصائرهم المحتومة التي تترتب على مخالفة السنن الإلهية التي لا تتخلف، هذا إذا لم ترعوا تلك الشعوب، وتعود إلى الفطرة.(2/268)
ولنقرأ معاً هذه الكلمات الغربية: »عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم، وهي جميعاً في تسعير سعير لأهل الأرض أولها الأدب الفاحش الخليع، الذي لا يفتأ يزداد في وقاحته ورواجه بعد الحرب العالمية الأولى، بسرعة عجيبة، الثاني الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب، بل تلقنهم دروساً عملية في بابه، الثالث: انحطاط المستوى الخلقي في عامة النساء الذي يظهر في ملابسهن، بل في عريهن، وفي إكثارهن من التدخين، واختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام،. هذه المفاسد الثلاث فينا إلى الزيادة والانتشار، بتوالي الأيام، ولابد أن يكون مآلها إلى زوال الحضارة والاجتماع النصرانيين، وفنائهما آخر الأمر، فان نحن لم نحد من طغيانها، فلا جرم أن يأتي تاريخنا مشابهاً لتاريخ الرومان، ومن تبعهم من سائر الأمم، الذين قد أوردهم هذا الاتباع للأهواء والشهوات موارد الهلكة والفناء، مع ما كانوا فيه من خمر ونساء ومشاغل رقص ولهو وغناء.
http://www.ikhwan-muslimoon-sy r ia.o r g المصدر:
==============(2/269)
(2/270)
أخطر من الحملات العسكرية
شعبان عبد الرحمن
حملة هادئة، لكنها مكثفة ومتواصلة.. "ناعمة" تتدثر بشعارات برَّاقة، لكنها تستلب أعز ما نملك.. "عقولنا".
موضوعها ليس جديداً، فمن يتابع أفاعيل الاستعمار بنا منذ قرونه الغابرة، يعرف أن الغزو الفكري للأمة كان دائماً أحد محاور استراتيجيته في بلادنا... ومازال ذلك الهدف "الرخيص"قائماً.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التفتت الإدارة الأمريكية إلى إعادة تأهيل "لجنة الدبلوماسية الشعبية" التابعة لوزارة الخارجية التي تم تأسيسها في الأربعينيات لهذا الهدف "الغزو الفكري"، وكان هناك اهتمام بتوسيع نشاطها في العالم الإسلامي، وتم ضخ كوادر جديدة إليها مع زيادة ميزانيتها لتقوم بمهمتها بنجاح، وخرجت اللجنة علينا بأكثر من برنامج يجري تنفيذه في العالم الإسلامي تحت اسم "التبادل الثقافي"، ومن بين تلك البرامج... برنامج "الزائر الدولي"، الذي استضاف مؤخراً 49 سيدة من خمس عشرة دولة عربية لتصدير "الديمقراطية الحقيقية" عبرهن للعالم العربي المتخلف!!
وهناك برنامج آخر تم ابتداعه لأول مرة تحت اسم "الجسور الثقافية"، ويُعنى باجتذاب طلاب المرحلة الثانوية المتفوقين من العالم الإسلامي إلى الولايات المتحدة في منح دراسية تطول أو تقصر ولكنها لا تنتهي قبل إفراغ ما في أدمغتهم وله علاقة بهويتهم وأمتهم، وتبديله بكل ما يريدون من ثقافتهم، ثم تتم بعد ذلك "مراقبة صارمة للطلاب المختارين"، طبعاً للاطمئنان على شفائهم من "الحالة الإسلامية" وانغماسهم في "الحالة الأمريكية".
على المنوال نفسه، يسير برنامج "بذور السلام" الشهير بتعاون صهيوني أمريكي لاجتذاب طلاب المدارس الثانوية، وقد أنهى هذا البرنامج في شهر سبتمبر الماضي أحد معسكراته بالولايات المتحدة، ويستعد حالياً لإقامة معسكره الجديد (يعقد أربع معسكرات في العام)، ويجتذب أعضاءه عبر موقع للإنترنت، ويقدم عشرين منحة دراسية كل عام لإكمال الدراسة في الولايات المتحدة، وهو يقوم على رسالة واحدة هي: تذويب روح المقاومة للصهاينة الكامنة في النفوس العربية، وإحلال "روح الصداقة" محلها، وذلك عبر دورات تدريبية وحلقات نقاشية داخل المعسكر بين الشباب العربي واليهودي، وقد دار أحد محاور النقاش في المعسكر الأخير حول الإجابة عن السؤال التالي: هل يخون الإنسان بلده إذا اتخذ أصدقاء من الطرف الآخر؟!.
السيناريو ممتد ومتعدد المراحل ويخترق كل قطاعات الأمة وفئاتها ثقافياً وعقيدياً، ولم يُخف القائمون عليه أهدافهم... ونكتفي هنا بشهادة كنتن كيث مدير "الاتحاد من أجل تبادل ثقافي وتعليمي دولي" إذ يقول: "لكي نكسب الحرب ضد الإرهاب فإن ذلك يتطلب منَّا أكثر من مجرد قوتنا العسكرية... يتطلب اجتذاب شعوب العالم الإسلامي إلى قيمنا ومجتمعنا...".
ماذا صنعنا نحن؟.. هل لدينا استراتيجية من هذا الصدد.. أم أن الموضوع لم يطرأ بعد على فكر مؤسساتنا كغيره من المواضيع الخطيرة؟!
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
=============(2/271)
(2/272)
49% من العمليات والبرامج الثقافية التي تديرها الخارجية الأمريكية في العالم هي مع النساء!
ب 49 امرأة عربية .. تريد أمريكا تغيير المنطقة!
القاهرة: محمد جمال عرفة
في السادس من نوفمبر الماضي أنهت 49 امرأة عربية ما بين برلمانية وسيدة أعمال، ورئيسة اتحاد نسائي، وأستاذة جامعية، وخبيرة نفطية، وطبيبة، وناشطة في مجال المرأة وحقوق الإنسان والطفل، وصحافية؛ دورة تعليمية لهن ضمن برنامج أمريكي يسمى (برنامج الزائر الدولي) بدأ منذ 19 أكتوبر الماضي.
البرنامج المذكور الذي شاركت فيها نساء من 14 دولة عربية ركز على (بناء الديمقراطية)، حتى إن أحد المسؤولين في الخارجية الأمريكية خطب في السيدات العربيات قائلاً: "نعلّق آمالاً كبيرة عليكن، ونأمل في أن نسمع عن منجزاتكن في المستقبل"، وذكّرهن بأن برنامج الزائر الدولي استضاف أشخاصاً عديدين صاروا قادة سياسيين منهم أنور السادات (مصر) ومارجريت تاتشر (بريطانيا) وعبد السلام المجالي(الأردن)!.
هذا البرنامج هو الخطوة الأولى ضمن سلسلة خطوات أمريكية لتعليم العرب - والبداية بالنساء - مبادئ الديمقراطية الأمريكية، والسعي لتغيير نظم حكم طوعاً أو كرهاً، بدعوى أن "دمقرطة" المنطقة ستحقق مكاسب كبيرة لأمريكا، وستحجب عنها أخطار (الإرهاب)، وكما أكد مسؤول آخر في الخارجية الأمريكية ممن تعاقبوا على إلقاء المحاضرات على السيدات العربيات: "نعتبر أنفسنا مسؤولين عن تغيير الحكومات التي تهدد الأمن والسلام باعتبارنا أقوى دولة في العالم. إن الولايات المتحدة هدفها احترام النساء والتسامح الديني، والملكية الخاصة، والاقتصاد المستقل، والصحافة الحرة، والمؤسسات المدنية، والمساعدة على توسيع وحماية الحريات. نريد تشجيع إقامة المنظمات غير الحكومية الضاغطة".
ومن الواضح أن هناك شعوراً بالزهو دفع الأمريكان لتصور قدرتهم على تغيير منظومة العالم، والبدء بتغيير أنظمة حكم في المنطقة العربية، والقيام بإصلاحات داخلية فيها باعتبار أنها قلب العالم الإسلامي.
ويبدو أن خطة "دمقرطة" المنطقة (بالعصا والجزرة) تمضي في طريقها بعدما تم الكشف عن تفاصيلها في أول نوفمبر الماضي عبر صحف أمريكية، لكنها لم تبدأ عملياً قبل ضرب العراق، بحيث تنطلق فيما بعد إلى مختلف البلدان (وفق السيناريو الأمريكي).
فالكلمة التي كان يفترض أن يوجهها وزير الخارجية الأمريكي كولن باول مطلع شهر نوفمبر الماضي عن الإصلاح في العالم العربي، تأجلت للمرة الثانية لحين بدء الخطوة الأولى ضد العراق، إذ كان باول يعتزم إلقاء خطبة عن الموضوع أثناء دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر الماضي، لكنه أرجأها لأسباب من بينها أن الاهتمام موجه للجهود الأمريكية لكسب التأييد لنزع سلاح العراق، ثم عاد ليؤجلها مرة ثانية ذلك الشهر.
وقد سبق للرئيس الأمريكي جورج بوش التأكيد على أن تطبيق الديمقراطية في العالم العربي أحد أهداف سياسته الخارجية، ولكنه لم يوضح كيف سيحقق هذا الهدف، كما أشارت مستشارته لشؤون الأمن القومي كونداليزا رايس في سبتمبر 2002 إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تكون (قوة محررة) تكرس نفسها "لإحلال الديمقراطية ومسيرة الحرية في العالم الإسلامي". وأضافت في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن المبادئ الجيواستراتيجية لما بعد الحرب الباردة تحتم على واشنطن النضال من أجل ما وصفته بالقيم الليبرالية الأمريكية الذي يجب "ألا يتوقف عند حدود الإسلام". وقالت إن "هناك عناصر إصلاحية في العالم الإسلامي نريد دعمها".
وقد عادت كونداليزا في أوائل نوفمبر الماضي لتحاضر النساء العربيات في برنامج الزائر الدولي الذي كان تحت عنوان "تمكين المرأة العربية" عما أسمته (الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي)!.
صحيح أن بعض النساء العربيات تحدثن عن المظالم التي يواجهنها كنساء في المجتمعات العربية، ولكن اللافت أن بعضهن هاجمن السياسة الأمريكية في فلسطين والعراق أمام رايس، وتلون آيات قرانية تدعو أمريكا للعدل والبعد عن الظلم مثل:" ولو كنت فظاً غليظاً القلب لانفضوا من حولك" (آل عمران: 159)، "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "(النساء: 58)، حتى إن مصرية لم يعرف من هي أكدت لرايس أن أمريكا إن عملت بهذا القول ستتربع في قلوب العالم!.
ورغم ذلك فقد كان تركيز البرنامج الذي أشرفت عليه إليزابيث تشيني نائبة مساعد وزير الخارجية وابنة نائب الرئيس ديك تشيني، حول تعليم النساء العربيات أسلوب الحملات الانتخابية وتمويلها وتشجيعهن على عدم الخوف من شيء، وإقامة جماعات الضغط النسائية، والإسهام في بناء المجتمع المدني، فيما أكدت باتريسيا هاريسن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الثقافية أن 49 % من العمليات والبرامج الثقافية التي تديرها الخارجية الأمريكية في العالم هي مع النساء، وطالبت النساء العربيات بالتفكير ملياً لدى عودتهن إلى بلادهن فيما يمكن أن يفعلنه بعدما اكتسبن الخبرة الكافية.(2/273)
وقد دفع هذا التوجه الكاتب بيتر سلفين من صحيفة واشنطن بوست لكتابة مقال طويل عن هذا الوفد النسائي عنوانه (الإعداد للديمقراطية) لخص فيه الهدف من الندوة جاء فيه أن قرابة 50 امرأة عربية تحدثن في واشنطن عن إحباطهن من السياسات في دولهن، إذ الطريق إلى السلطة مغلقة في وجوههن بسبب التقاليد، الأمر الذي أثار ذعر النساء العربيات اللواتي احتججن لدى إليزابيت تشيني على الصحفي الأمريكي باعتباره "يتحدث عن أشياء لم يشهدها مباشرة". وقُلن إن المقال كاذب ويحمل انعكاسات خطرة عليهن في بلادهن إذ أنهن لم يحضرن إلى واشنطن لكي يشتكين من حكوماتهن وإنما لشرح أوضاع النساء الصعبة.
المشروع الأمريكي: ( نساند الديمقراطية وفق مصالحنا )
المشروع الأمريكي ل "دمقرطة" منطقة الشرق الأوسط يشير بوضوح حسب تقرير صادر من واشنطن إلى الازدواجية الأمريكية (المعتادة) في التعامل مع قضية الحريات والديمقراطية، ويقرر أن هناك مصالح استراتيجية أمريكية تحكم التحرك تجاه دول بعينها وفرض عقوبات عليها.
ف "العقوبات الاقتصادية أصبحت تتعارض في بعض الأحيان مع المصالح الاستراتيجية العليا التي لا يمكن تجاهلها". وذلك ينطبق بصورة خاصة على العلاقة مع بعض الدول التي تتفاوت فيما بينها في تطبيق المبدأ الديمقراطي، وفي ذات الوقت لا يمكن أن نتجاهل المصالح الاستراتيجية العليا التي تشكل حجر الزاوية للاستراتيجية الأمريكية المقبلة"!.
ويتهم التقرير بعض الحكام العرب بأنهم يقيمون هياكل ديمقراطية شكلية، ويتجاهل أن ذلك تم باتفاق مع واشنطن التي تؤيد الحكومات غير الديمقراطية وتدعمها، ويكشف عن أن هناك مذكرة للإصلاح السياسي تقدمت بها الإدارة الأمريكية لعدد من الدول العربية منذ عام 1997م.
ويشير التقرير إلى أن المذكرة الأمريكية طالبت بعدم التدخل الحكومي في أعمال البرلمانات القائمة، وأن يتم توفير الدعم المالي والمعنوي الكافي للأحزاب والجماعات السياسية المختلفة؛ مادام هدفها مشروعاً سياسياً. واعتبرت ذلك هو الضمانة الحقيقية للاستقرار السياسي، وحتى تتم السيطرة على التوجهات السياسية المتباينة والتي تصعد في بعض الأحيان إلى حد استعمال العنف السياسي الذي يهدد هذه المجتمعات.
ويرى التقرير أن الإصرار على تطبيق ما يسمى (المبدأ الديمقراطي الأمريكي) في الدول العربية سيشجع على ازدهار العلاقات التعاونية مع دول المنطقة وعدم التحسب لمفاجآت غير متوقعة، بالإضافة إلى الميزة الكبرى، وهي إمكان التدخل القوي من الأجهزة والمؤسسات الأمريكية في المجتمعات العربية لتشكيل جماعات ضغط قوية في الحكومة والبرلمان والمؤسسات السيادية العليا في داخل كل دولة لتعمل هذه الجماعات بشكل مباشر وقوي مع الإدارات الأمريكية لتنفيذ مقتضيات الاستراتيجيات الأمريكية.
يقول التقرير: إنه سيتم البدء بالعراق (بالقوة طبعاً) تليه دول في الخليج ستتأثر بما يحدث في العراق وستكون سورية المحطة الرئيسة الثالثة "وسنحاول أن نحافظ على النظام الجمهوري في سورية، وتطوير الديمقراطية في داخل الأردن".
تفتيت الدول أحد وسائل الضغط:
وربما يكون آخر عناصر هذه المخططات الأمريكية ما يثار حول تفتيت بعض الدول وفصل أجزاء منها بزعم أن هذا سيكون لصالح الاستقرار، وأحد النموذجين المطروحين في التقرير الذي جرى تسريبه للإعلام لجس النبض هي مصر، فالمطروح بالنسبة لها، ليس فقط إعادة النظر في القوانين الاستثنائية، وتعزيز قيمة الحريات الفردية والأفكار السياسية، وتوسيع الإطار السياسي ليضم جماعات أخرى، ولكن طرح فكرة دويلة قبطية في صعيد مصر حيث يزعم التقرير أن "الدمقرطة" الكاملة والتطور السياسي الأمثل في مصر سيتحقق من خلال إقامة كيان قبطي في مصر حفاظاً على حقوق وحريات الأقباط، لأنه لا يمكن أن يكون للأقباط حقوقهم الديمقراطية وتمثيلهم العادل في ظل تلك الأكثرية من المسلمين"!! ويهدد التقرير بأن الوسائل الاقتصادية يمكن أن تكون أكثر جدوى في تحقيق الإصلاحات السياسية داخل مصر، خاصة وأن المشكلة الاقتصادية في مصر معرضة لأن تتفاقم في ظل انخفاض معدلات نمو الناتج القومي، وعدم توسيع نطاق الصادرات المصرية في الأمد المنظور !؟.
فهل يبدأ الأمريكان الإصلاح السياسي في العالم العربي بالنساء؟!، وهل الخطة التي جرى تسريبها حقيقة أم وهم؟ وهل ينجحون في ذلك أم أن هذه مجرد (أضغاث أحلام)؟.
تبقى الحقيقة الساطعة وهي: ازدواجية التفكير الأمريكي وتطويع الديمقراطية لتنفيذ المصالح الأمريكية فقط في البلدان المختلفة لا تبنيها كمبدأ.
http://www.almujtamaa-mag.com بتصرف يسير من :
==============(2/274)
(2/275)
مشكلاتنا المزمنة.. وكيف يمكن حلها
تنفرد اليوم بالهيمنة على العالم قوة تسعى لإدارته وفق سياسات لا تلتزم القيم والأخلاق والمثل، جعلت كل همها تغليب المصالح الخاصة على حساب مصالح الشعوب وخاصة الشعوب العربية والإسلامية، كما غلبت عليها نزعة الغطرسة والاستكبار والشعور بالتفوق إزاء كافة الأمم، وهي لا تبيت خيراً لعالمنا العربي والإسلامي بل العكس منذ أن ورثت الماضي الاستعماري البريطاني والفرنسي البغيض الذي بدأ بالأفول بعد الحرب العالمية الثانية، وكشفت عن وجهها يوم أن أعلنت انحيازها للصهيونية في عدوانها على قطر عربي مسلم واغتصابها أرضه، وتشتيت الملايين من أبنائه وذبح الألوف منهم، وإقامة كيان دخيل فوق أشلاء الضحايا، وأطلال مئات القرى والمدن التي أزالوها من الوجود.
وقد مهد الطريق لنزعة الهيمنة والعدوان أمران كان لهما ولا يزال الشأن الكبير والخطير فيما وصلت إليه من تكبر واستخفاف بالأرواح والدماء العربية والإسلامية:
أولاً: تولي نظم حكم في بعض أقطار العرب والمسلمين بتخطيط وتوجيه غربي أعلنت بالقول والعمل فصلها بين الدين والدنيا، فلا شأن للإسلام في زعمها الباطل بأمور الاقتصاد والسياسة، والدفاع والجهاد، والتقدم والنهوض، والسبق في العلم والتفوق في الابتكار والاختراع، أو بالأخلاق والقيم والمثل.. وفي المقابل: الافتتان بما لدى الوافد الدخيل من أنماط وسبل المتاع وأساليب الحياة والعيش
ثانياً: أن أكثر النظم الحاكمة قد اعتمدت سياسة تهميش الشعوب، وانفردت بالسلطة والقرار، وحرمت الشعوب حق المشاركة، معتمدة على أجهزتها الأمنية في قمع الرأي المخالف، وإسكات الآخر المعارض، وقد ترتب على ذلك القهر غياب الشورى، وافتقاد العمل المؤسسي؛ مما أدى إلى غياب الرأي الصائب، والقرار المدروس، وصدور القرارات التي افتقدت الحكمة، وجافت مصلحة الأمة، وأوقعتها في أزمات طاحنة، بعد أن وصلت إلى مستوى غزو أو شن الحرب على جار عربي مسلم، إضافة إلى سيادة روح الخلاف والصراع بين الحكام بعضهم البعض، واتساع الهوة بين الحكام والشعوب، وغياب أو تغييب روح وأواصر الأخوة التي زرعها الإسلام، وأكد عليها الحق - تبارك وتعالى - في قوله وهو أصدق القائلين: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) (آل عمران:103).
وهناك من يضيف إلى ذلك انهيار القوة الثانية التي برزت نداً للمعسكر الغربي، كعامل له أثره في انفراده بالهيمنة، ولجوئه إلى التوسع والعدوان، وهو عامل له دوره في التفرد الحاصل، إلا أن الحال العربي والإسلامي خاصة على مستوى نظم الحكم يبقى هو العامل الأساس في إتاحة الفرصة، وفتح الساحة أمام العدوان الصهيوني والغربي ليصادر الأرض، ويسعى لإحكام الخناق حول الأعناق، ويهدد الوجود والمصير والدور الحضاري الذي نهض به المسلمون لقرون طوال حين تمسكوا بشريعة ربهم وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -.
إن ثمة حقيقة لم تعد خافية وهي أن العدوان الذي يقع على الأمة الآن وفي ظل انفراد طرف واحد بالقوة والهيمنة هو نتاج سياسة مرسومة، وعوامل داخلية على ساحة العرب والمسلمين جعلت الفرصة سانحة ومهيأة.. وكان لابد أن يصل الحال بعالم العرب والمسلمين إلى الواقع الذي يعيشه اليوم.
وإذا كان الغرب قد احتضن الكيان الصهيوني الغاصب، ورعى وجوده، وأعلن مسؤوليته عن أمنه وتفوقه، فإنه مضى في هذا الاتجاه في إطار سياسة اعتمدت أيضاً عدة خطوط خطيرة منها:
1 فرض حصار علمي حول العرب والمسلمين يحول دون ولوجهم أبواب العلم أو الاغتراف من منهله.. فإضافة إلى فتح أبواب الغرب أمام العقول العربية والإسلامية للهجرة إليه، وحرمان عالم العرب والمسلمين من ثمار علم تلك العقول وتفوقها.. فإنه حرص على حرمان العرب والمسلمين من علوم العصر؛ وبخاصة ما يتصل بالأسلحة المتطورة، حتى يحرمهم بالتالي من أسباب التقدم والمنافسة، والدفاع عن النفس، وردع العدوان، واستخلاص الحقوق.
2 الحرص على استغلال الموارد، مع السيطرة على مصادر الطاقة، والتحكم في أهم المفاصل، وطرق الاتصال والمواصلات، مع التحكم في التجارة، وزرع أسباب الفقر والحاجة ليصل الأمر إلى مستوى استيراد رغيف الخبز والدواء.
3 تقطيع أواصر الوحدة والاتحاد، وبث عوامل الخلاف والتنافر والتطاحن، ودعم وتأييد الكيان الصهيوني الغاصب.. والإصرار على تفوقه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والسعي لإيجاد "نظام شرق أوسطي" يمثل فيه العدو دور المركز والموجه والمسيطر في إطار سياسة تحارب وحدة العرب والمسلمين.
إن الحملة المسعورة على الإسلام والمسلمين ما بين اجتياح وغزو وتدمير ونهب للثروات وقتل وإبادة للأبرياء، والسعي لاقتلاع جذور الهوية، وتغيير وتبديل المناهج الإسلامية الصحيحة والأصيلة، هذه الحملة تنطلق من موقف رافض لمبادئ العدل والإنصاف والمساواة التي جاء بها الإسلام، ويجب أن نسعى لكشف تلك الحقيقة أمام كل المخدوعين.(2/276)
إن الإسلام دين الفطرة أنزله رب الناس للناس كافة، وهو وحده الأعلم بما فيه صالحهم ونفعهم وخيرهم، ومن ثم فليس بغريب أن تعلن قوى الاستكبار، الحرب على الإسلام: العقيدة ومنهاج الحياة ونظامها الرباني، كما ليس غريباً أن تدعم قوى الاستكبار الدكتاتوريات والنظم المستبدة، وتشملها بالرضا على امتداد عقود طوال، بعد أن أعلنت الفصل بين الدين والدنيا.
ولم يكن غريباً أن تسعى وتضغط لتغيير مناهج التعليم، ولم يكن غريباً أيضاً أن يبلغ عداؤها حد اعتبار دفاع الشعب الفلسطيني عن دينه وأرضه وعرضه إرهاباً وعنفاً يجب حصاره ووقفه وتفكيك منظماته، مع ممارسة الضغوط على الحكومات من أجل إحكام هذا الحصار، والمشاركة في وأد الانتفاضة الفلسطينية، مع اعتبار إجرام ووحشية الصهاينة دفاعاً عن النفس!
إن العداء السافر للإسلام الذي نراه ونلمس آثاره إنما يأتي في إطار سياسة استعمارية بدأت رحلتها في اتجاه الهيمنة على عالمنا العربي والإسلامي من قديم ومضت في مسيرتها العدوانية طوال عقود لتسفر عن وجه الظلم والطغيان السافر في مطلع القرن الواحد والعشرين.
ترى هل يدرك حكام العرب والمسلمين أبعاد الموقف وحقيقته، وأن ملاذهم ومنجاتهم إنما هو الإسلام: عقيدة وشريعة ونظام حياة، لا فاصل فيه بين الدين والسياسة، ولكنه الرباط من عند الله لا ينفصم ولا ينفصل.. وأن كل محاولة للفصل أو التجزيء أو التبعيض إنما فيها الدمار والضياع؟!
ذلك هو وحده طريق النجاة والفلاح، ذلك وحده هو المخرج في مواجهة تهديد للأمة كلها بالإبادة أو الخضوع والاستسلام.
إن للأمة سلاحها الذي لا يهزم صاحبه أبداً.. ولا تنال منه الأيام والليالي: سلاحها الحق، ونحن أصحاب الحق، وأصحاب العقيدة الإيمانية، وأزمة العالم اليوم أزمة غياب العقيدة الصحيحة.
فهل نتمسك بعقيدتنا وحقنا لنعيش أعزة كراماً؟ هذا ما ينبغي العمل من أجله.. حكومات وشعوباً.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(2/277)
(2/278)
لن أنتظر المهدي... لن أنتظر المسيح
د. وسيم فتح الله
هيا بنا يا مايكل، هيا بنا يا جون، سوف تفوتكم الحفلة المنقولة على التلفزيون، قالوا: لبيك يا شوشو، ها نحن قادمون، وتحلَّقت البنات واختلطن بالبنين، واجتمعوا يتابعون الحفل معجَبين، فهل تشوقت أخي لمعرفة الحكاية، هلمَّ معي إذاً وكن على دراية، فالقصة أليمة لكنها الحقيقة، فلا تفتك منها ثانية ولا دقيقة، وحتى تكون الجلسة إسلامية، أوصيك بالصلاة على خير البرية، وخذ العبرة من القصة وكن على حذر، فأمة الإسلام اليوم على خطر ...(2/279)
بدأت مراسم الاحتفال بالحدث العظيم، واجتمع وجهاء القوم من المسلمين، ويالها من لحظةٍ تاريخية مشهودة، القلوب لها متلهفة والألوية معقودة، ولكَم طال أخي انتظار هذه اللحظات، فاليوم ننزع الغطاء عن آخر المحجبَّات، فلن تبقى بعد هذا اليوم فتاة متخلِّفة، وستغدو قلوب الجنسين بعد اليوم متألِّفة، قد طرحنا النقاب منذ بضع سنين، وبقي غطاء الرأس معاندٌ لعين، ولكننا اليوم أيها الأحباب، قضينا على التخلف قضينا على الحجاب، وصدرت جريئةً فتوى تحريم الجلباب، فقولوا وداعاً للكبت والإرهاب، قولوا وداعاً لتلك العذراء المتسترة، واستقبلوا بصدوركم تلك الفتاة المتحررة، لا خمار لا حجاب لا غطاء، لا عفة لا شرف لا حياء، نعم هكذا سترتقي أمة الإسلام، هكذا ستجاري باقي الأنام، فهلمَّ أخي نشارك في الاحتفال، ولا تلتفت لمخذِّل ولا قيل وقال، قد مضت أيام التزمت والتشدد، وصححنا نصاب المواريث وألغينا التعدد، فلنكسر معاً صنم التعبد الأعمى، فتحرير العقول من وثنية النصوص أولى، هيا بنا بلا تردد بلا تفكير، وحذار من التلكؤ حذار من التأخير...وهكذا بدأت مراسم التتويج، واحتار الفقهاء في كيفية التخريج، فكلمة الافتتاح تحتاج خطبةً فصيحة، ولا بد من تزيينها بآياتٍ وأحاديث صحيحة، فكيف العمل أيها الفقهاء، أين علمكم أيها العلماء، أين الحيل الشرعية أين النباهة والدهاء، فإما أن تخرِّجوا لنا الأمر فوراً وإما أن نستبدل مجلس الإفتاء؛ وهنالك أسعفت رئيس المشيخة فكرة، وهي الاستدلال بآية قرآنية عطرة، فبعد البسملة والحمد قال: إني لن أطيل عليكم المقال، فقد جاء في القرآن (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، وقد تيقنَّا أن التخلف رديف التمسك بالدين، فبات من باب فقه المصالح المرسلة، أن نتخلص من أغطية الرأس المسدلة، ولن تكون بناتنا كاسياتٍ عاريات، فلعمري ذلك من المحرمات، وإنما تمسكاً بظاهر السنة والروايات، سنحرص على كون بناتنا عاريات عاريات، وقد آن أوان طرح الركام البالي، فأطيعوا الأمر فقد جاء من الوالي، واشتدت أيدي هيئة الإفتاء بالتصفيق، فياله من تخريج موفَّق وتلفيق، حقاً إنه جدير بمنصب رئيس الإفتاء، فقد خرق القرآن والسنة بلا حياء، وخرَّج الفتوى بلا تردد بلا تفكير، وخرق إجماع العصور بلا تلكؤ، خرقه بلا تأخير...سُرَّ مايكل وجون وتهللت منهما الأسارير، وقالوا لشوشو: يا له من عالمٍ قدير، قالت: نعم وقد حضرت له بعض الدروس، وإن له سحراً مؤثراً في النفوس، أتدرون أنه أول من قال بحرمة فصل النساء عن الرجال، وأثبت أنه لم يصح في جوازه أي مقال، وأن الحاجة تدعو الجنسين للاختلاط، كما أنه أباح - عند خشية الزنا - اللواط، على كل حال دعونا من الأحاديث الجانبية، ولنتابع الحفل بانتباه وروية، انظر لقد خرجت تلك الفتاة المحظوظة، فبعد اليوم لن تكون متقوقعة ولا منبوذة، وها هي على المسرح حيث ينزع عنها الحجاب، انظروا كيف خرجت بلا لومٍ أو عتاب، الحمد لله أن عشنا إلى هذا اليوم العظيم، يوم تخلصت الفتاة من ذلك الحجر الأثيم، وسألت شوشو: ما هذا على المسرح يا مايكل؟ قال : إنه صليبٌ ومجسمٌ للهيكل. قالت: صليب النصارى وهيكل اليهود؟ قال مايكل : نعم ، أليس هذا هو المعهود؟ ألم تعلمي قرار ولي أمر المسلمين، بأن التسامح أمرٌ أصيلٌ من الدين، فلا يجوز أن نقتصر على المظاهر الإسلامية، بل لا بد من دمج الديانات الإبراهيمية، وإلا فلماذا غيرت اسمي إلى مايكل من محمد، وكيف تخلصنا من ركام الفقه المجمَّد، وتخلصنا من مصطلح أهل الذمة المشين، فأضحى الكتابي بيننا كأي فرد من المسلمين، هذه يا شوشو سماحة هذا الدين، فأومأت برأسها بلا تردد بلا تفكير، وأقرت قوله بلا تلكؤ ولا تأخير... وحانت تلك اللحظة الحاسمة، وتهللت أسارير الوجوه الباسمة، لحظة نزع الستار عن عورة المسلمة، واقترب ثلاثة نفر منها والأمَّة مستسلمة، قالوا هم ثلاثة مندوبين، عن اليهود والنصارى والمسلمين، ومد الثلاثة أيديهم مجتمعين، وأمسكوا بغطاء الرأس المكين، سُلِّطت أضواء المسرح وتعلقت بها أعين الجماهير، وعزفت الموسيقى لتمام هذا الأمر الخطير، وانتهى العد إلى ساعة الصفر، وانتزعوا الغطاء والرأس انحسر...وصدعت في أرجاء الحفل الصيحات والتصفير، وهللت الألوف من الجماهير، نُزع الحجاب نُزع الغطاء، تحررت الفتاة وانخرق الحياء، انظروا كم هي جميلة آسرة، انظروا إليها سافرةً حاسرة، وتأمل كيف جمع هذا الأمر العظيم، بين إخوة ثلاثة أشقاء في الدين، يد الراهب وتخطيط الحبر ومندوب المسلمين، تأمل كيف تعاونوا وقضوا على هذا الإرث العقيم، وانكبَّت على الفتاة جموع المهنئين : هنيئاً لك التحرر هنيئاً لك الحضارة، فتساءلت مدهوشة: ما بالي أشعر بالحقارة؟ فأجابوها وهي في ذهول: إنه شعور عابر لا يلبث أن يزول، فطأطأت رأسها بلا تردد بلا تفكير، وكبتت شعور الذل بلا تلكؤ، كبتته بلا تأخير ...(2/280)
أقيمت الأفراح ليال ثلاث، احتفالاً بروعة هذه الأحداث، وأضحت الفتاة محط الأنظار والإعجاب، فلكم هي فاتنة بعد نزع الحجاب، وكلما رأتها عين حقير، امتدت إليها يده بلا تأخير، فلما ملَّت كفَّ أيدي الناس، وسئمت من تكرار قول : لا مساس، استسلمت للأمر وتبلد الإحساس، ورسمت على وجهها ابتسامةً بلهاء، وقهقهت بالضحك بلا خجل بلا عناء، وجاء راعي الحفل يسأل فتاتنا العذراء، هل تحبين المشاركة بمسابقة عروض الأزياء؟ فأجابت بلا تردد بلا تفكير: يشرفني ذلك وسأباشر التحضير، وتقدمت بلا تلكؤ، وتقدمت بلا تأخير...
وانتهت مراسم الحفل الصاخب، وأضحى لفتاتنا مئة صاحب وصاحب، وعاد مايكل وشوشو وجون، بعدما انفض مجلس التلفزيون، ولكن لم تنته الحكاية أخي الحبيب، فقد عادوا للتلفزيون بعد وقت قريب، فقد جاء للتو نبأ عاجل، علمت به شوشو وعلمه مايكل، جهشت شوشو بالبكاء وذهل مايكل وجون، وشخصت أبصارهم لهول ما يشاهدون، كيف؟ كيف يعتدى على نجمة الحفل بالاغتصاب، كيف ونحن متسامحون مع أهل الكتاب، كيف اعتدى الراهب على عرض أختنا المسلمة، وكيف غدرنا حبر اليهود بهذه الحادثة المؤلمة، ألم يكونوا على المسرح يبتسمون ويضحكون، وكانوا لمندوب المسلمين يعانقون، ألم يساهموا في تحرير أختنا، ألم نسمح لهم برفع شعاراتهم على أرضنا؟ قد كان عبثاً إذاً ذاك التسامح ذاك الإخاء الكاذب، وما هو إلا غدر الذئاب ومكر الثعالب، قومي يا شوشو .. أقصد يا عائشة، عذراً أختاه على تلك الغلطة الطائشة، قالت: لا عليك يا أخي عبد الرحمن، قم أنت وأخي محمد الآن، قوموا واصرخوا واإسلاماه، ولسوف أوافيكم عند منزل أختاه، وسرعان ما انتشر الأمر وشاع الخبر، وتوالت صيحات التكبير غيثٌ منهمر، توافدت حشود المسلمين الغاضبة، وعادت إلى مكان الحفلة الصاخبة، رباه ما الذي جمع هذه العباد، وكيف التقوا دون سابق ميعاد، ألوفٌ مؤلفة من جند الإيمان، هبوا لنصرة أختهم من كل مكان، جاؤوا بلا تردد جاؤوا بلا تأخير، الأمر أمر عرضٍ إذاً وليس للمرأة تحرير.
الآن حصحص الحق وظهر، وأخذنا من خطئنا العظات والعبر، و سلامة العرض بسلامة الإيمان، لا لن ننتظر المهدي لن ننتظر المسيح، سنريق الخمر نطمس معالم الكفر الصريح، لن تري أمتي بعد اليوم خزياً، سيعلو أمر الدين، ستعود بناتنا للدين للحجاب، لا لن يكنّ فريسةً للكلاب، سنعود لنركع لنسجد نصلي في المحراب، نتوب إلى الله نغسل آثار الذنوب، نعيد الحق حقاً ومن رجس الباطل نتوب، ولن يهدأ لنا بعد اليوم بال، حتى تعود الأمة إلى أحسن الأحوال، فقوموا جميعاً بلا تردد قوموا جميعاً بلا تأخير.
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws المصدر :
=============(2/281)
(2/282)
جولة بوش الإفريقية الأهداف و الدلالات
بدر حسن
الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي جورج بوش لخمس دول إفريقية في الفترة من 7- 12 يوليو الماضي اكتسبت أهمية خاصة نظراً لأنها الأولى للرئيس الحالي بعد ما كانت إفريقيا أمراً ثانوياً أثناء حملته الانتخابية. لكن يلاحظ أنه - كشأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة - يسعى لترسيخ أقدام بلاده في القارة السمراء، ولعل هذا يدفعنا بداية إلى إعطاء نبذة عن الاهتمام الأمريكي بهذه القارة؛ لأن ذلك سيساعدنا في فهم التطورات الراهنة في العلاقات الأمريكية - الإفريقية.
اهتمام حديث:
بداية نؤكد أن الاهتمام الأمريكي بالقارة لم يبدأ فعلياً إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لمواجهة النفوذ الشيوعي؛ لذا كانت السياسة الأمريكية تقوم على دعم بعض الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة مثل موبوتو سيسي سيكو في زائير (الكونجو الديمقراطية حالياً)، أو نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ولم يقم أي رئيس أمريكي بزيارة القارة - باستثناء الرئيس روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية عندما توقف في جامبيا (غرب إفريقيا) لحضور مؤتمر الدار البيضاء عام 1943، كما توقف بها مرة أخرى في طريق عودته في الزيارة غير الرسمية التي قام بها لليبيريا. وبخلاف ذلك لم تطأ قدم أي رئيس أمريكي أراضي إفريقيا، حتى جاءت زيارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر بعد - 35 عاماً - لكل من نيجيريا وليبيريا عام 1978، حيث اعتذر آنذاك عن إهمال الإدارات الأمريكية المتعاقبة للقارة السمراء؛ إلا أن انتهاء الحرب الباردة أثار جدلاً واسعاً داخل الإدارة الأمريكية بشأن القارة السمراء،
إذ كان هناك اتجاهان في هذا الشأن:
الأول: يرى أن إفريقيا قارة مظلمة، خاصة وأن أوضاعها الاقتصادية متدهورة للغاية؛ حيث بلغ حجم الدين الخارجي 350 مليار دولار، وفقدت القارة ثلث إيراداتها من الصادرات بسبب انخفاض أسعار السلع؛ لذا كان الرأي هو ترك القارة لأنها ستكون عبئاً ثقيلاً على الخزانة الأمريكية.
الثاني: يرى ضرورة تكثيف الاهتمام بهذه القارة التي بلغ عدد مستهلكيها 700 مليون نسمة (ثلث السوق العالمي) بالإضافة إلى انحسار النفوذ الدولي عنها.
ولقد كانت الإدارة الأمريكية تميل إلى هذا الرأي لعدة اعتبارات:
أ: العامل العددي؛ حيث تشكل الدول الإفريقية قرابة ثلث الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة (53 دولة إفريقية)، وبالتالي فهي كتلة هامة لا ينبغي تجاهلها في عملية إصدار القرارات الدولية (ظهر هذا الثقل بوضوح في حرب العراق الأخيرة، حيث فشلت واشنطن في الحصول على دعم الدول الإفريقية الثلاث الأعضاء في مجلس الأمن بشأن إصدار قرار الحرب ضد العراق).
ب: تعد إفريقيا مستودعاً هاماً إذ تحصل واشنطن على البترول الخام من نيجريا - أنجولا - الكاميرون، وعلى المعادن اللازمة لصناعتها من الجابون - جنوب إفريقيا - زيمبابوي - زائير (الكونجو الديمقراطية).
ومنذ أواخر الثمانينيات، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، ظهرت مجموعة من العوامل الأخرى من أهمها:
1. بروز واشنطن كقوة عظمى وحيدة في العالم.
2. اتجاه فرنسا إلى إعادة رسم أولويات سياستها الخارجية، والاتجاه نحو الاتحاد الأوروبي على حساب إفريقيا.
3. رغبة واشنطن في تحسين وضعها الاقتصادي في القارة؛ إذ لا تزال تحتل المرتبة الثالثة من حيث حجم المبادلات مع إفريقيا بعد كل من الاتحاد الأوروبي واليابان.
تقرير خطير
ولقد ساعد على التوجه الأمريكي صوب إفريقيا ذلك التقرير الذي صدر في واشنطن عام 1997 بعنوان "تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا"، والذي أعده فريق عمل على أعلى مستوى بتكليف من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية؛ حيث أوصى التقرير بضرورة أن تكون الولايات المتحدة في مقدمة الدول الصناعية الساعية للاستفادة من الفرص الجديدة في إفريقيا، وانتقد التقرير في المقابل تكاسل الكونجرس والإدارة الأمريكية في هذا الشأن، كما أكد أيضاً على ضرورة تغيير النظرة إلى إفريقيا باعتبارها قارة ميئوساً منها؛ إذ يبلغ معدل النمو بها 5% ويتماشى هذا التقرير مع ما أعلنته آنذاك سوزان رايس - مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية؛ حيث أكدت أن عائد الاستثمار في إفريقيا يفوق عائد الاستثمار في أي مكان بمقدار ثلاثة أضعاف.
وعقب صدور التقرير تعددت زيارات المسئولين الأمريكيين للقارة. وكان أبرزها زيارة القس جيسي جاكسون كمبعوث خاص للرئيس كلينتون، ثم زيارة السفير ريتشارد سون - رئيس الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة، ثم زيارة كلينتون الأولى (مارس 1998)، والتي شملت ست دول هي أوغندا، ورواندا في البحيرات العظمى - غانا والسنغال في غرب إفريقيا، وجنوب إفريقيا وبتسوانا في الجنوب.
ولقد استهدفت هذه الزيارة آنذاك تحقيق هدفين رئيسيين:
الأول: استرضاء الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية؛ خاصة وأنهم ينظرون للقارة باعتبارها موطن الأجراء.(2/283)
الثاني: تقوية نفوذ واشنطن حول الممرات المائية المتحكمة في حركة التجارة الدولية، مثل منطقة القرن الإفريقي، وضمان وجود دول حليفة لها عند منابع النيل؛ بحيث تضمن الاحتفاظ باليد العليا في توجيه مستقبل التنمية في دول المصب (مصر والسودان).
التركيز الأمريكي على غرب وجنوب ووسط القارة:
يلاحظ أن الأهداف السابقة تعد أهدافاً محورية لأي إدارة أمريكية؛ بحيث يمكن القول بأنها عبارة عن مجموعة من الثوابت، وقد عمل بوش خلال جولته الراهنة على تأكيد بعضها من ناحية، وتحقيق أهداف غيرها من ناحية ثانية.
وقبل الحديث عن هذه الأهداف. يلاحظ أن جولة بوش شملت أربع دول قام بزيارتها كلينتون وهي السنغال - أوغندا - جنوب إفريقيا - بتسوانا؛ حتى إن نيجريا وهي الدولة الخاصة في زيارة بوش. قام كلينتون بزيارتها في جولته الثانية بالقارة (26 - 29) أغسطس 2000 حيث زار نيجريا بالإضافة إلى تنزانيا ومصر) وهو أمر ذو دلالة بالغة؛ إذ يكشف عن مدى التركيز الأمريكي على الغرب الإفريقي (السنغال باعتبارها من أبرز الدول الفرانكفونية في الإقليم وتشهد حالة من الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي، فضلاً عن كونها تعد قوة منافسة لنيجريا - الدولة المحورية في الإقليم). وهناك أمر ثانٍ يتعلق بالرغبة الأمريكية في مزاحمة النفوذ الفرنسي المتنامي في هذه المنطقة تحديداً، وهناك أمر ثالث يرتبط بانتماء معظم دول الإقليم إلى الإسلام، وهو الأمر الذي يشكل خطراً لواشنطن في هذه الآونة، ولعل هذا ما دفع بعض المسؤولين في البنتاجون قبل الزيارة إلى القول بأن تنظيم القاعدة متواجد في غرب إفريقيا!!
كما يكشف جدول الزيارة التركيز الأمريكي أيضاً على الدول المحورية في الجنوب الإفريقي (بتسوانا الصاعدة اقتصادياً - جنوب إفريقيا الدولة الأكبر في الإقليم). وبالنسبة لوسط القارة فإن الإدارة الأمريكية تولي اهتماماً كبيراً بها. وهذا يفسر زيارة بوش بعد كلينتون لأوغندا؛ حيث يعد موسيفيني من أبرز الموالين لواشنطن لدوره في أزمة الجنوب السوداني ودعم جارانج من ناحية، وموقع أوغندا الاستراتيجي في منطقة البحيرات العظمى من ناحية ثانية، وبعبارة مختصرة فإن الإدارة الأمريكية الحالية تولي اهتماماً كبيراً بغرب وجنوب ووسط القارة بعد ما قامت بتوطيد وتعزيز مواقعها في شرق القارة عبر كينيا - تنزانيا - جيبوتي التي تم استخدام قاعدة عسكرية بها منذ ديسمبر الماضي؛ فضلاً عن علاقات واشنطن الوطيدة بكل من أثيوبيا وإريتريا.
الإيدز والتنصير:
إذا نظرنا إلى جولة بوش الأخيرة فنلاحظ أنه رفع شعار مكافحة الإيدز الذي تعاني منه إفريقيا بصورة كبيرة (عدد المصابين في إفريقيا 30مليون شخص من إجمالي 42مليون شخص على مستوى العالم)، وقام بإطلاق مشروع في مايو الماضي بشأن مكافحة الإيدز بتكلفة 15 مليار دولار على مدى خمس سنوات؛ لكن السؤال: لماذا التركيز على الإيدز فقط وعدم التركيز على الجوانب الأخرى كالفقر - المجاعة - التصحر؟
الإجابة تقطن في أن اليمين المسيحي - المؤيد للحزب الجمهوري - يضغط على الإدارة الأمريكية من أجل استخدام ورقة مكافحة الإيدز من أجل نشر المسيحية في ربوع القارة.
وقام وزير الخارجية كولن باول - قبل الزيارة - بتقديم تقرير للقس بيل جراهام أحد أبرز قادة اليمين المسيحي في الولايات المتحدة وله جهود جبارة في التنصير في إفريقيا - بشأن الأوضاع في ليبيريا - حديث الساعة الآن.
ولعل الهدف الثاني الأهم والذي قام بوش بالتركيز عليه أثناء زيارته للدول الخمس هو القضاء على "الإرهاب"؛ خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن قبلها تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن القارة تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لإيواء الإرهابيين. ولعل هذا يفسر أسباب سعي إدارة بوش لإقامة قواعد مؤقتة تستخدم عند اللزوم في معظم دول القارة (نجحت في ديسمبر الماضي في إقامة قاعدة في جيبوتي في شرق القارة بالرغم من أنها دولة فرانكفونية، كما توصلت لاتفاقات بشأن إقامة قواعد مؤقتة تستخدم لتزويد الطائرات الحربية بالوقود في كل من السنغال - أوغندا (ولعل هذا يفسر أسباب حرص بوش على زيارتهما) وتسعى للتوصل لاتفاقات مماثلة مع كل من الجزائر - مالي.
ولعل ثالث الأهداف هو الحصول على النفط الإفريقي الرخيص نسبياً من ناحية، والذي يعد بديلاً عن البترول العراقي بسبب الأزمة التي تواجهها واشنطن هناك من ناحية ثانية، ويرى بعض المحللين أن عدم انضمام معظم الدول الإفريقية لمنظمة أوبك - باستثناء نيجيريا - يجعل واشنطن تحصل على ما تريده من النفط بأسعار أقل من الأسعار العالمية. ولم يخف بوش هذا الهدف أثناء زيارته لنيجيريا التي تقوم بتصدير ثلاثة أرباع إنتاجها النفطي البالغ قرابة 2مليون برميل يومياً لواشنطن.
أما رابع الأهداف - وإن كان هدفا بعيد المدى نسبياً - فيتمثل في الرغبة في كسب رضاء الأمريكيين السود الذين قاموا في الانتخابات الماضية بالتصويت للحزب الديمقراطي على اعتبار أن حزب بوش لم يهتم بالقارة السمراء.(2/284)
أما بالنسبة لأزمة ليبيريا؛ فلم تكن هدفاً أساسياً لبوش، صحيح أنه حرص خلال جولته على تأكيد نفي إمكانية إرسال قوات أمريكية لحفظ السلام هناك، وهو شرط تايلور للتنحي.. ولعل هذا يكشف هدف الرغبة الأمريكية في الحصول على أكبر المكاسب بأقل تكلفة. وهذه هي سياسة واشنطن في إفريقيا والتي سعى بوش لترسيخها خلال جولته الأخيرة ...
http://www.alsunnah.o r g :المصدر
=============(2/285)
(2/286)
هل لليهودية جذور في السودان؟
نزار محمد عثمان
علقت الكاتبة الأمريكية الشهيرة غريس هالسل على الوعد (المزعوم) الذي ورد في العهد القديم الإصحاح 15/18 والذي يقول: (لقد منحت ذرياتكم هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات) قائلة: (هناك تساؤل حول معنى نهر مصر، ذلك أنه يوجد جدول الآن يعرف باسم وادي العريش، وكان يعرف في السابق بنهر مصر، غير أن زميلي الأمريكي يقول: (إنني أعتقد أن نهر مصر ليس هو سوي النيل))[1]، فإذا كان المراد بالنيل هو وادي النيل فهل يدخل السودان -الذي يشكل وادي النيل محور التجمع السكاني فيه- في هذا الوعد؟
يبدو أن اليهود يريدون وادي النيل بأكمله، لذلك يعملون على تضخيم تاريخهم في السودان، و الذي - خلافاً لكثير من الدول العربية- لم يشتهر بوجود مجموعات يهودية فيه، وفي سبيل تضخيم هذا التأريخ الخامل فقد جُنِّدت وسائل إعلامية عديدة ، واتُبعت أساليب مختلفة لترويج هذه الفكرة، من هذه الأساليب أربعة أحداث مهمة هي:
أولاً:كتاب بني إسرائيل في أرض المهدي:
طبعت دار جامعة سيراكوس للنشر كتاباً اسمه " بنو اسرائيل في أرض المهدي: يهود السودان" Jacob's Child r en in the Land of the Mehdi: Jews of the Sudan لمؤلفه إيلي س. مالكة Eli S. Malka الذي ولد في السودان، وكان أبوه كبير حاخامات اليهود في الجيش الإنجليزي الذي حارب الإمام المهدي؛ فقد ذكر مالكة أنه كان رئيس الجاليه اليهودية بالسودان، ونائب رئيس محفل بناي برث بالخرطوم، ومدير شركة جيلاتلي التجارية التابعة لمجموعة جيلاتلي هانكي العالمية التي تعمل في مجال الشحن التجاري بمنطقة البحر الأحمر.
تحدث مالكة كذلك عن نشأة الجالية اليهودية في السودان، والصعوبات التي واجهتها في أيام حكم المهدي، وزعم أنهم أجبروا على اعتناق الإسلام تحت تهديد السيوف!، كما تحدث في كتابه عن العقد الخصيب من عمر الجالية، والذي امتد من الثلاثينيات إلى الأربعينيات من القرن المنصرم، ووصف الاتصالات التي تمت بين يهود السودان ويهود مصر وأثيوبيا وأريتريا، كما وصف الزيارات التي قام بها كبار المسئولين اليهود للسودان، كما تحدث عن الفترة الحرجة التي مرت بالجالية عقب حرب 1967م، كذلك حوى كتاب مالكة إحصاء مفصلاً ليهود السودان والأماكن التي استقروا بها بعد هجرهم للسودان[2].
ثانياً مقال ليفي اليهودي السوداني:
نشرت الوكالة اليهودية الإسرائيلية مقالاً لكاتب سوداني جنوبي من قبيلة الماندي اسمه ويليام ليفي أوشان أجوغو ، ويشغل منصب " رئيس عملية (نهيميا) في جنوب السودان" يزعم فيه أن قبيلته من أصول يهودية يقول: (عند الحديث عن اليهود في أفريقيا السوداء يتبادر إلي أذهان كثير من الناس أن المقصود هم الفلاشا أو اليهود الإثيوبيون الذين حافظوا علي يهوديتهم منذ آلاف السنين علي الرغم من عزلتهم وبعدهم الجغرافي عن بقية اليهود في أنحاء العالم"، ويدّعي هذا الكاتب أن قبيلته وقبائل أخري في جنوب السودان -لم يذكر أسماءها- ترجع أصولها إلى اليهودية التي وصلت إلي إفريقيا قبل الإسلام والمسيحية، حيث عاش الشعب اليهودي في أفريقيا مئات السنين وذلك قبل خروجهم من مصر، ولذلك تركوا أثرهم في شمال القارة وشرقها[3].
ثالثاً: عادات قبيلة الماندي والإعتساف اليهودي
لم يكتف اليهود ـ لأجل تضخيم تاريخهم في السودان ـ بذلك، بل اعتسفوا في تنصيب بعض العادات والتقاليد المشتركة دليلاً على الأصول اليهودية لبعض قبائل جنوب السودان، فقد كتب ويليام ليفي مستدلاً على الأصول اليهودية لقبيلته أنها:
• تتوجه نحو معبود واحد.
• تقدم القرابين عند ارتكاب الخطايا، فإذا كانت الخطيئة كبيرة تذبح ضأنا، أما إذا كانت صغيرة فتذبح دجاجة، وهناك مجموعة من زعماء القبيلة أو العلماء الذين يحددون نوع القربان ويشرفون علي الترتيبات المتعلقة بتقديمه.
• لا تأكل لحوم بعض الحيوانات، كما تخصص جزءاً معيناً من الماشية للمعبود.
• تحافظ على عادة غسل الأيدي عند مغادرة المنزل.
• تعتبر بعض الأيام من العام مقدسة، وتتقرب إلي الله فيها.
• تستخدم البوق عند دعوة الناس إلي اجتماع أو إلي مناسبة.
• يتزوج الأخ زوجة أخيه المتوفى.
وكما يدرك القارئ أن هذه العادات لا تصلح للاستدلال على يهودية تلك القبيلة التي ربما لا يعرف أهلها ( والذين هم وثنيون قد استحكمت الأمية فيهم) شيئاً عن اليهودية أصلاً.
رابعاً: الهولوكست السوداني(2/287)
تسعى بعض الأوساط إلى استجداء التعاطف العالمي نحو اليهودية بتجديد الهولوكوست القديم في شكل جديد، و هو الزعم بأن النظام في السودان يشن حرباً لا هوادة فيها ضد القبائل الجنوبية في السودان، فيذكر ويليام ليفي أن " 3 ملايين من أهله يتعرضون لإبادة جماعية "لم يشهد العالم لها مثيلا منذ المحرقة الكبيرة!!"، ويصف الحرب الدائرة في جنوب السودان بأنها جزء من حرب "الإمبريالية الإسلامية" ضد المسيحيين الأفارقة في السودان، والتي تسعي إلي هيمنة الثقافة العربية علي الثقافة الإفريقية وبقايا اليهودية التي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الإفريقية"[4]. فانظر كيف جعل اليهودية السامية التي لم يعرف لها موطئ قدم في إفريقيا الحامية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الإفريقية!!
خاتمة:
لم يكن لليهود ـ في يوم من الأيام ـ وجود يذكر في السودان؛ فلمصلحة من يتم هذا التضخيم؟ لا شك أن الهدف من ورائه هو إيهام الرأي العالمي أن لليهودية حقاً تاريخيا في السودان، حتى يتضافر هذا الحق التاريخي المزعوم مع الوعد الديني المفترى في وراثة أرض النيل، إلى التمهيد لقيام إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل!! وذلك ما لن يحدث أبداً بإذن الله.
--------------------
[1] النبوة والسياسة: الانجليون العسكريون في الطريق إلى الحرب النووية، غريس هالسيل، ترجمة محمد السماك، ص 92
[2] أنظر كتاب Jacob's Child r en in the land of the Mehdi: Jews of the Sudan لمؤلفه Eli S. Malka
[3] انظر موقع http://www.jewishpost.com/jewishpost/jp0202/jpn202e.htm
[4] المرجع السابق
http://www.meshkat.net المصدر :
=============(2/288)
(2/289)
اعتذار إلى ملكة جمال فلسطين
الدكتور حلمي محمد القاعود
نحن - أنا وأمثالي - مدينون باعتذار تاريخي إلي المجاهدين من الشعب الفلسطيني الأسير، خاصة المرأة الفلسطينية، والاستشهادية علي وجه أخص.. فقد فَجَعنا بعض المصريّين حين أقاموا في «مارينا» - شاطئ المشاهير والأساطير - حفلاً لاختيار ما يُسمّي «ملكة جمال مصر»، وزادوا في فجيعتهم لنا حين أعلنوا أنهم كانوا قد أجلوا الحفل أسبوعاً تضامناً مع الانتفاضة الفلسطينية!
في العصر الثوري الجمهوري يسعى البعض إلي استعادة الملكية، ولو بالاسم - في صورة فتاة تطرح جسدها أمام الرأي العام، مع أخريات، ليقوم الباحثون عن الملكية بتطبيق مقاييس الجمال الأنثوي، واختيارها ملكة (!!) لمصر!
استطاع هذا البعض أن يشغل الناس عبر الصحافة والتلفزة بالملكة المنتخبة(!!) ويقدمها في عناوين كبرى، وصوراً تملأ الأغلفة والصفحات، وبثّ مباشر أو مسجل عبر قنوات أرضية وفضائية، محلية وعربية، وقد خصصت قناة فضائية طائفية لبنانية أكثر من ساعتين، لتقديم بناتنا المتسابقات وهنّ شبه عرايا. في أوضاع مختلفة، حتى تمّ تتويج الفتاة (الملكة)، مع التعريف بها من حيث الطول، والبرج الذي تنتمي إليه، وهوايتها، ولون شعرها وعينيها، وكونها تعدّ نفسها سفيرة لمصر في الخارج وسفيرة للسلام! فضلاً عن طبيعة (الماكياج) الذي تستخدمه، والكريم الذي تفضله، والألوان التي تحبذها، والتاج الذي صُمًّم لها .. ولم تقصر الصحافة والتلفزة في تقديم أو ذكر الملكات السابقات للجمال في مصر منذ عام 1987 حتى الآن، وكأنه مجد تليد ينبغي الاحتفاء به وتخليده.
ويحاول بعضهم أن يغطي على الجريمة التي تسمي مسابقة ملكة جمال مصر، بالقول إن المسابقة ثقافية، تقوم علي اختيار أفضل المتسابقات في المعلومات العامة والثقافة والذكاء، ويدلّلون على عمق الفكر الثقافي في الأسئلة الموجهة إلي الفتيات بسؤال عن «الخُلع» في الشريعة الإسلامية، ويشيرون إلي طرافة بعض الإجابات مثل قول إحداهن: إن من حق المرأة الخلع إذا «زهقت» من زوجها مثل الرجل تماماً عندما «يزهق» من زوجته فيتزوج عليها!!
لا ريب أن المتسابقات لا ينتمين إلي القاعدة الشعبية العريضة من المصريين التي تعيش تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، ومن المؤكد أنه لا تشغلهن لقمة العيش، ولا صعوبة المواصلات، ولا زحام المساكن، ولا سكّان القبور الأحياء، ولا الدروس الخصوصية، ولا البطالة، ولا الوقوف في طوابير الخبز أمام الأفران البلدي، ولا انتظار مواسم التخفيضات (الأوكازيون) لشراء بعض الملابس أو الأحذية المخفضة.
ولا ريب أن المتسابقات لا تشغلهن قضايا الأمة على المستوى الوطني أو القومي أو الإسلامي، فلا يعنيهن مثلاًً حاجة مصر إلي القمح واستجدائه من دول الغرب الصليبي، ولا يعلمن شيئاً عن ديون مصر لهذه الدول، ولا يعرفن ما يترتب علي هذه الديون من ذلّ وهوان وفقدان للاستقلال السياسي والحضاري.
ولا ريب أن هؤلاء الفتيات لا يعلمن شيئاً عن الإسلام ولا تعاليمه ولا أخلاقه، فمن منهن تعلم أن جسد المرأة المسلمة تنبغي صيانته عن الابتذال والعري وتعرض الآخرين له؟ ومن منهن تعلم أن حرية المسلمة تكمن في سلوكها وفكرها وإنسانيتها وثقافتها، لا في شعرها وعينيها وخصرها وساقيها ولون بشرتها؟ ومن منهن تعلم أن ربط قيمة المرأة بجسدها وسنّها مخالف لمبادئ الإسلام وقيمه؟ ومن منهن تعلم أن جمال المرأة في الإسلام يكمن في الروح والعاطفة وخدمة المجتمع؟
سألت نفسي: من يكون الآباء والأمهات لهؤلاء الفتيات؟.. هل أخذتهم الغيرة عليهن وهنّ بين أيدي السادة تجار الأجساد يقلّبونهن ويقيسون خُصُورهن وصدورهن ونحورهن وسيقانهن؟ يقال إن الخنزير وحده لا يغار على أنثاه سواء كانت زوجته أو قريبته .. فكيف انخدع الآباء والأمهات لتقديم بناتهم علي مذبح العرض الجسدي؟
لقد تحولت المرأة في الغرب الصليبي إلي سلعة أو جارية تباع وتشتري مع الفارق الزمني بينها وبين جارية الزمن الماضي. ومع الفارق الزمني أيضاً بين التماس القديم والتماس الصليبي المعاصر ومن يقلّدونه من غير الصليبيين. صارت المرأة هناك مجرد جسد يعرض الثياب: الفساتين وقمصان النوم والمايوهات وقطع الذهب والماس والفضة التي تتحلى بها النساء في الأذنين والرقبة واليدين والقدمين، وصارت المرأة مجرد جسد لقضاء المتعة علي شاشات السينما والتلفزة وصفحات الجرائد والمجلات، صارت المرأة مجرد «سنارة صيد» في السكرتارية والشركات والمؤسسات .. لقد صارت المرأة إلاّ قليلاً مجرد جارية تخدم مافيا السياسة والاقتصاد والتجارة والمخابرات في الغرب الصليبي، ويريدونها هنا أن تلحق بأختها الصليبية لنكون مستنيرين تقدّميّين ثوريّين .. أما أن تكون ملكة جمال حقيقية في وطنها وأمتها وشعبها، فهذا ما يريدونه.
لا يريدون أن تكون ملكة جمال فلسطين أو مصر من عيّنة وفاء إدريس أو آيات الأخرس، أو إيمان حجو ذات السنوات الأربع! يريدونها مجرد جثة تنطبق عليها مقاييس المترات والسنتيمترات وألوان البشرة وأحجام الأنف والأذنين والقدمين .. جثة بلا روح ولا عاطفة ولا وجدان.(2/290)
لا أستطيع أن أفصل بين مسابقة ملكة جمال مصر، والمهرجانات أو المهارج التي تقام في بعض الدول العربية وخاصة المجاورة لفلسطين، مثل مهرجان صايغ النجوم وسوق عكاظ ومهرجان المحبة، ففي الوقت الذي يتم فيه استئصال الشعب الفلسطيني الأسير، وضربه بالطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ، وقتل أبنائه ومجاهديه، وأسٍر نشطائه، وتدمير بيوته، وفرض الحصار وحظر التجول على القرى والمدن الفلسطينية ينشغل البعض منّا بالرقص والطبل والزمر واختيار ملكات الجمال، وكأن كل شيء هادئ على الجبهة، وكأننا نعيش السلام والرخاء الأبديين! وكأن الصليبيّين الاستعماريين لا يريدوننا أن ندخل إلى ساحة التبعية والتغريب!!
أخشى أن يقول عنّا أحرار العالم: إننا فقدنا الإحساس والشعور، بعد أن فقدنا الغيرة والنخوة، وفي كل الأحوال، فنحن مدينون بالاعتذار إلى ملكة جمال فلسطين الاستشهادية التي تفجر نفسها فيمن أذلنا وقهرنا وجعلنا معرّة الأمم.. أما أنتم يا ملكات مارينا، فالويل لكم من الله، ثم من الشعوب!
http://www.al-islamguide.net المصدر :
==============(2/291)
(2/292)
الدعاة بين تبليغ الحق واستغلال الظلمة ...
بقلم الشيخ سعد الدوسري
إن من أعظم المهام التي يحملها الإنسان ، ويسعى في سبيلها مهمة الدعوة إلى الله تعالى ، فإن منزلتها في دين الله تعالى منزلة عظيمة ، ومرتبة رفيعة وذلك لشرف المدعو إليه ،( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) .
وكان قائد الدعاة ، وسيد المعلمين r ، مضرب المثل في ذلك ، فقد كان نبياً ورسولاً ومعلماً للبشرية ، قال الله تعالى ( إنا أر سناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) .
ومكانة الداعي إلى الله تعالى مكانة عظيمة ، حري به أن يفتخر بها وأن يجعلها وسام شرف على جبينه ، لكنه مع ذلك يجب عليه أن يتق الله فيها ، ويراقبه في كل ما يعمله و يقوله ، فلا يتكلم إلا بعلم ، ولا يعمل إلا لما فيه خير للإسلام والمسلمين ، بعيداً عن الأغراض النفسية ، أو الدعوات الشخصية.
وإن من الظن الحسن بمن سلك هذا الطريق ، واتصف بصفات أهله الداعين إليه أن يكون كذلك ، و لا بد له أن يكون كذلك إذا أراد ما عند الله والدار الآخرة .
وإن من كمال النصيحة أن أبين لا خواني أمراً مهماً ، يحتاجه كل داع إلى الله تعالى ، قد يكون من الواجبات والمتحتمات علينا ، وهو التبين لخطر أهل الزيغ والفساد ، ممن يدعون إلى الشر والفتنة بين المسلمين ، فقد عظم شرهم ، وتطاير شررهم ، فتراهم بين الآونة والأخرى يخرجون لنا بأنواع من الشر وأصناف من الهلاك ، من تزيينهم الباطل ، ودعوتهم لأبواب جهنم ، وصدهم عن ذكر الله ، بل ومحاربتهم لأولياء الله بجميع ما يملكون من أقلام مقروءة وإذاعات مسموعة وقنوات مشاهدة .
ومن أساليبهم الحديثة في الآونة الأخيرة استدراجهم الدعاة إلى الله تعالى بالظهور خلف شاشات القنوات والفضائيات ، يتكلمون معهم على جزئية في قضية ما ، دون السماح لهم بأن يزيدوا أو يتكلموا فيما لم يؤمروا به ، مع أن الظاهر في بعض اللقاءات أن الداعية يوافقهم على ما يقولون ، أو يظن به مالا ينبغي من حطام الدنيا الفاني .
والداعية بفعله هذا يساعدهم في باطلهم ويعينهم على الشر ، والله تعالى يقول ( ولا تعاونوا على الإثم و العدوان ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) ( وكذلك لو كان المتحاكم إلى الحاكم والعالم من المنافقين الذين يتخيرون بين القبول من الكتاب والسنة ، وبين ترك ذلك لم يجب عليه الحكم بينهم ، وهذا من حجة كثير من السلف الذين كانوا لا يحدثون المعلنين بالبدع بأحاديث صلى الله عليه وسلم ، ومن هذا الباب من لا يكون قصده في استفتائه وحكومته الحق ، بل غرضه من يوافقه على هواه ، كائناً من كان) مجموع الفتاوى ( 28 / 198 )
ومما نقل في ذلك أن الحجاج من يوسف دعا أنس بن مالك رضي الله عنه وسأله عن أعظم عقوبة عاقب بها صلى الله عليه وسلم ، فحدث أنس بن مالك رضي الله عنه الحجاج بحديث العرنيين الذين قطع صلى الله عليه وسلم ، أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ، فقال الحجاج فأين هؤلاء من الذين يعيبون علينا ،و صلى الله عليه وسلم قد عاقب بهذا ، فبلغ الحسن البصري ذلك فتمنى أن أنسا لم يحدثه بهذا الحديث وقال :يعمد أنس إلى شيطان فيحدثه بهذا .حلية الأولياء ( 6 / 131 )
فانظر - رعاك الله - إلى معاتبة الحسن رحمه الله لما صنع أنس رضي الله عنه ، مع أنه حديث رسول ا صلى الله عليه وسلم إلا أنه بسبب الظن من استغلال البعض للحديث منع من ذلك ، فمن كمال النصيحة للأمة وإرادة الخير لها إلا يحدث أمثال الحجاج ممن لا يقيم للشريعة وزناً ولا للدين اعتبارا إلا ما وافق هواه بمثل هذه الأحاديث التي تخدمه ويوظفها في باطله .
فيجب على الداعي إلى الله تعالى أن يتنبه لما يحاك له ، ويتفطن لما حوله ، وليكن شعاره قول عمر رضي الله عنه ( لست بالخب و لا الخب يخدعني ) .
أو ما قال الشافعي رحمه الله : ( كن فطناً متغافلاً ) .
وإن من المحزن والمؤسف _أيها الأخوة الكرام _أن نرى داعية إلى الله تعالى ممن أشير إليهم بالعلم والفقه في الدين ، يسير مهم من حيث لا يدري ، ويجيب على أسئلتهم المسمومة بما يريدون وبما تهواه أنفسهم ، وحاله معهم كمن في رقبته حبل يوجه يمنة ويسره ، وكان الأحرى به أن يتصرف معهم بحسب المطلوب من الداعية الحكيم الذي يضع الأمور في نصابها ، ويقيسها بمقياس الشرع ، ولا تنطلي عليه خدعهم وألاعيبهم .
ومن الأمثلة على ذلك من الحوادث التي مرت وكثر حولها الجدل والقيل و القال ما يسمى بحادث برجي التجارة العالمي ، أو حرب العراق ، أو حادث فيلكا في الكويت ، أو تفجيرات الرياض أو العمليات الفدائية أو غيرها مما له علاقة بالدين أو اتهم بسببه الإسلام .(2/293)
فقد عقدت لها الندوات واللقاءات ، ودعي لها الأساتذة والمفكرين ، والمشايخ والدعاة ، لإلقاء الضوء عليها واعطاء الحلول والعلاج لها ، لكن في بعض هذه اللقاءات ميل وإجحاف وعدم العدل في الطرح والعرض ، فتجدهم يتكلمون على جزئية في قضية ما ويتركون الكليات التي هي أعظم بكثير من هذه الجزئية ، فمثلاً حرب العراق سمعناهم يتكلمون على خطر رئيس العراق وحزبه و أنه فعل وفعل _ وإن كان هذا حقاً _ لكن العجب أن ترى إعراضا وتجاهلاً للخطر الأكبر الذي هو أعظم من خطر حزب البعث و أعوانه .
ومثلاً العمليات الفدائية وحكمها في الشرع ، فيدور الكلام في ذلك ويكثر الأخذ والرد مع التجاهل والتغاضي عن سبب هذه العمليات وسر وجودها الذي هو العدو اليهودي ، الذي خطره و فعله بالمسلمين أعظم بكثير من عمليات يموت في سبيل تحقيقها صاحبها .
فإن قيل كيف يتكلم أو يتصرف الإنسان الذي يدعى لمثل هذه المؤتمرات أو اللقاءات ؟ هل يتركها ويقاطعها ؟ أم يحضر ويشارك ؟
فيقال إما أن يمتنع ، أو يشترط عليهم أن يترك له الكلام بعدل وإنصاف ، مع العلم بأن يكون الكلام والتعليق على القضية التي يريدون لا يزيد على سببها أو الخطر الذي هو أكبر منها ، بمعنى أن يتكلم مرة على هذه القضية ويتكلم عشرين مرة على الخطر الذي أوجدها .
ولنا في كتاب الله تعالى أسوة حسنة ، فانه لما قتَل بعض المسلمين ابن الحضرمي في أول رجب الذي هو من الأشهر الحرم وهم لا يدرون أنه أول رجب ، قام المشركين ،وجعلوا يعيبون على المسلمين عدم احترامهم للشهر الحرام ، فأنزل الله تعالى آيات فيها منهج واضح لنا في مثل هذه القضايا فقال سبحانه (يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217)
فقد بين الله سبحانه أن القتال في الشهر الحرام محرم وكبير ، وأن ما فعله المسلمون خطأً ، لكن الصد عن سبيل الله ، و الكفر وإيذاء المسلمين بإخراجهم عن بلادهم أكبر من ذلك بكثير .
فلنا قدوة بهذا التوجيه الرباني الكريم ، نتأسى به في كل ما يعرض لنا في مثل هذه القضايا والحوادث ، ولا يكن أحدنا مضغة سائغة لأهل الزيغ والفساد الذين يدأبون ليلا ونهارا في خدمته باطلهم والقضاء على دين الله تعالى وشريعته الغراء ، وليربأ الداعي بالعلم وميراث الأنبياء عن أمثال هؤلاء الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ( لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم وأعزوا هذا العلم ، وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله إذا لخضعت لهم رقاب الجبابرة ، وانقاد لهم الناس) .
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ** ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه جهاراً ودنسوا ** محياه بالأطماع حتى تجهما
المصدر:http://www.h-alali.net
=============(2/294)
(2/295)
أساليب الحرب النفسية والدعائية ضد الصحوة الإسلامية
الكاتب / سعيد سليمان
تأخذ الحرب النفسية والدعائية ضد الصحوة الإسلامية أشكالاً وأبعادًا مختلفة، منها الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتدعمها دول كبرى وهيئات ومؤسسات دولية، من أجل تحطيم معنويات أبناء الصحوة وأنصارها، وإماتة الجهود المبذولة من قبلهم لإعادة مجد الإسلام وعودة الحياة وفق المنهج الإسلامي من جديد ، ومن أجل زعزعة الإيمان والقناعة بالمشروع الإسلامي وترك العمل للإسلام والقعود والرضا بالواقع المفروض على المسلمين .
ويمكن القول أن هذه الأشكال والأبعاد التي يعمل عليها أعداء المشروع الإسلامي متقاربة في مختلف البلدان التي تحكمها أنظمة علمانية، وإن اختلفت الخطط والبرامج الاستراتيجية والمرحلية والأساليب والوسائل التي تستخدمها الأنظمة والأحزاب التسلطية العلمانية والجمعيات الأهلية المشبوهة المعادية لما يمت إلى الإسلام بصلة، وسنشير إلى بعض الأساليب والوسائل التي تستخدم في مجال الحرب النفسية والدعائية ضد التوجه الإسلامي عمومًا لغرض تحجيمه وتهميشه وإضعافه، وبعضها كما سنرى أساليب مباشرة والبعض الآخر غير مباشر .
1 ـ تضخيم الأحداث المتعلقة بالقضايا الإسلامية إعلاميًا وإعطاؤها حجمًا كبيرًا: بغرض الإثارة والإشغال والتشويش، لكن تأثير هذا الطرح يرتد سلبًا. إذ سرعان ما تنكشف الأكاذيب والمبالغات .
2 ـ التركيز على الجوانب السلبية في تطبيقات الحركات الإسلامية : وتشويه تحركاتها واتهام النيات في أي تصرف أو خطوة تخطوها من أجل السعي لتطبيق الشريعة أو خدمة المواطنين.
وهنا ينبغي أن نشير إلى أن أصحاب الاتجاه العلماني لا يتصفون بصفة الإنصاف والعدالة في الحكم على ما يقوم به التوجه الإسلامي من إنجازات، وهذه أيضًا لن ترجع عليهم سلبًا فالجماهير لمتعد تتأثر بالأقوال بل تنتظر وترى الحقائق على أرض الواقع .
3 ـ إسقاط الأحداث التي تقع في أي بقعة من العالم الإسلامي ـ مهما كانت أبعادها صغيرة ـ على جميع أنحاء العالم الإسلامي وتعميمها، كذريعة لإصدار الأحكام الجائرة بحق الداعين إلى المشروع الإسلامي، علمًا بأن لكل بقعة ظرفها المختلف.
4 ـ ممارسة الإرهاب الفكري : تحت عناوين مزخرفة من قبل اللجان والمراكز والمؤسسات السرية والعلنية ـ الإدارية والحزبية ـ الرسمية وشبه الرسمية، وإقامة الندوات والمهرجانات الثقافية والتهجم على الآخرين وخاصة التوجّه الإسلامي، وكيل الاتهامات ضده ومنعه من الرد أو حرية التعبير، مع القيام بتحليل أو تفسير وتأويل أفكاره وأعماله، وفق قناعات وتصورات خاطئة ومخطط لها مسبقًا ونشرها وتعميمها على الجماهير، مما يؤدي إلى زرع الحقد والكراهية ضد كل ما له صلة بالتوجه الإسلامي في قلوبهم .
5 ـ استغلال وتحريك الجهات والشخصيات الإسلامية التقليدية ضد التوجّه الإسلامي: وهناك أشخاص محسوبون على الإسلام، وهم في الأصل يقفون ضد أي توجّه إسلامي ـ بسبب فهمهم الخاطئ أو الجزئي للإسلام، وعدم تفهمهم للواقع السياسي والاجتماعي والظروف التي تمر بها المجتمعات المسلمة، وما تحتاج إليه من مؤسسات منظمة وخطط وبرامج لترتيب الأعمال والنشاطات وتحديد الأولويات لإعادة مجد الإسلام، كما أن تلك الشخصيات التقليدية تنخدع ببعض المظاهر والأعمال التي تقوم بها الأنظمة العلمانية والأقوال التي تنفوه بها، ربما وقعت تحت ضغوط، أو انطلت عليها حيل لعدم معرفتها لطبيعة تلك الأنظمة وأساليبها في الخداع والتمويه والكذب وعدم تحرجها في قول الباطل وطمس الحقيقة.
6 ـ تأليف وإصدار الكتب والرسائل والمنشورات حول الحركات الإسلامية وحشوها بالأكاذيب والأباطيل والافتراءات : دون حياء أو خجل، وتشويه الحقائق، ونشر وترجمة ما يتهجّم على الإسلام والحركات الإسلامية من اللغات المختلفة مستخدمة المراكز والمؤسسات المشبوهة وأصحاب الأقلام من العلمانيين المتطرفين، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويزخرفون باطلهم بعناوين وشعارات العلمية والتقدمية وهم أبعد ما يكونون من هذين المصطلحين .. فهم غير موضوعيين وغير علميين في الكتابة والطرح .
7 ـ استغلال وتحريك التيارات الفكرية المناوئة والمعادية للإسلام وللتيار الإسلامي: مثل الشيوعيين والوجوديين والحداثيين وغيرهم من أصحاب الأفكار الباطلة للوقوف أمام التوجّه الإسلامي وإشغاله في معارك جانبية ثانوية، وذلك لكون هذه الأفكار وأصحابها لا وجود لهم ولا رصيد في الواقع، وهذا التصرف والأسلوب يظهر هذه الأنظمة على حقيقتها وفساد أفكارها ومناوأتها ومعاداتها للإسلام عقيدة وشريعة .
8 ـ تكرار إثارة الشبهات والأكاذيب والدعايات على الإسلام والتيار الإسلامي : وترديدها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. وفي الندوات واللقاءات وفي كل مناسبة على أنها حقائق ومسلمات وفق قاعدة (اكذب واكذب حتى يصدقك الناس). والهدف منها تشويه الشخصية المعنوية للتيار الإسلامي وإشغاله بالأمور الثانوية والتشكيك في مصداقيته بين الجماهير.(2/296)
9 ـ تشكيل وإيجاد مؤسسات وأجهزة أمنية واستخبارية عديدة من أجل التحكم في الجماهير : وفي كل شيء حيث تعمل كرقيب على كل تصرفات المواطنين، وتقوم بكتابة ورفع التقارير اليومية والدورية عن كل صغيرة وكبيرة من تصرفاتهم وأحاديثهم وكان الشعب متهم، حيث تُجمع الأدلة والبراهين للقيام بإدانته والحكم عليه فيما بعد .. والهدف والغاية من هذه الأجهزة تركيع الشعب وإذلاله وقتل روح الشهامة فيه وإخضاعه للسلطة الغاشمة .
10 ـ عرض البرامج التلفازية والإذاعية المشوهة لصورة الإسلام والتيار الإسلامي ومنها: عرض الأفلام التي فيها يصور الإسلام على أنه دين يقف أمام التقدم العلمي، أو اتهام التيار الإسلامي بالظلامية والجمود، وأنه بمنهجيته هذه يحاول إرجاع المجتمع إلى عقلية القرون الوسطى، وتصم هذه الأفلام أبناء الصحوة بالإرهاب والسذاجة والبعد عن الواقع والجهل والتخلف .. إلى غير ذلك من المفردات التي ابتكرها دهاقنة الفكر العلماني.
ومن آثار هذه الأساليب الوضعية إيجاد فجوة بين المجتمع وقيمه العليا المتمثلة في الإسلام .. وتهيئة الأرضية لنمو فكر التكفير والتطرف لدى بعض الشباب المتحمس؛ علمًا بأن هذه الأنظمة تقع في الكثير من الأحيان في موقف محرج أمام الجماهير لتناقضها بين إعلان التزامها بالإسلام وادعائها تقبله، وبين سلوكياتها المخالفة له .
11 ـ الإفساد المخطط والعمل على تشجيع الفساد الخلقي : بشكل علني وتشجيع الاختلاط والسفور ومحاربة الفضيلة والحجاب، وترتيب مناسبات وتنظيم سفرات مختلطة ومسابقات وحفلات للتعارف، وذلك من أجل إيجاد جيل منحرف خلقيًا، بعيد عن الأعراف والمبادئ والقيم الفاضلة .
12 ـ العمل على تهميش الدين وتقليص دوره في الحياة العامة: وذلك من خلال السيطرة على المؤسسات التعليمية الإسلامية والمساجد وإماتة دورها الإيجابي في المجتمع، وعدم الاهتمام بالشعائر الإسلامية والتركيز على المناسبات الجاهلية والمستحدثة وإشغال الناس بأفكار بالية وأسطورية لا أصل لها ولا حقيقة، والعمل أيضًا على تهميش دور الجماعات والمنظمات الإسلامية الإيجابي في المجتمعات.
وفرض العزلة القسرية عليها مع التعتيم الكامل حول النشاطات المثمرة والكبيرة التي تقوم بها بين الجماهير خدمة للمجتمع وحفاظًا على هويته وتماسكه الاجتماعي: علمًا بأن هذا الأسلوب لم يؤدّ إلا إلى ازدياد التوجه الجماهيري نحو الإسلام والالتزام بشعائره والاعتصام بمبادئه وقيمه وإحياء مناسباته والتعلق بها .
13 ـ استخدام العنف الإداري ضد أبناء الصحوة : متمثلاً في عدم التعيين والفصل والنقل إلى الأماكن النائية والإزعاج والمضايقة وغيرها من الأساليب التي هي ديدن هذه الأنظمة. هذه السياسة العوجاء لا تزيد أصحاب التيار الإسلامي إلا صلابة وتمسكًا واعتصامًا بالمنهج الرباني والدعوة غليه، ولا تزيد التيار الإسلامي إلا قوة وانتشارًا .
14 ـ السياسة الاحتكارية للاقتصاد والمال: واستخدام جميع الوسائل لإفقار الشعب وتجويعه، وجعل لقمة العيش بيد بعض أزلام السلطة عملاً بقاعدة (جوع كلبك يتبعك)، والسيطرة على الموارد المعيشية للمواطنين. وتستخدم هذه السياسة كأداة للضغط النفسي على الجماهير لإشغالها بلقمة العيش وإرغامها على قبول السياسات القمعية.
15 ـ إثارة النعرات القومية الشوفينية والقطرية الضيقة : وحتى النعرات المناطقية والعشائرية، المستلهمة إلى حد بعيد من أفكار المستشرقين، وذلك لإحداث الخلخلة في النسيج الاجتماعي، لكي تسهل السيطرة والتحكم به، واستغلال هذه النعرات لترسيخ وتقوية أركان السلطة .
ويرفض بعض تلك الأنظمة أسلمة المجتمع وتطبيق الشرعية؟ بحجة الحفاظ على الخصوصات القومية والوطنية ويعمل على إحياء المعتقدات والثقافات القديمة والتواريخ الجاهلية في عصر ما قبل الإسلام، وجعلها بديلاً للإسلام وعقائده وثقافته وتاريخه.
16 ـ الوقوف ضد اللغة العربية : لغة القرآن الكريم والإسلام .. وهذا يظهر بأساليب ووسائل مختلفة ومتعددة حسب اختلاف العلمانيين وتوجهاتهم وأروماتهم .. فالعلمانيون العرب يدعون إلى الكتابة بالحروف اللاتينية أو الدعوة إلى اللهجات المحلية، أما العلمانيون غير العرب من القوميات الأخرى فيرفضون اللغة العربية وحروفها جملة وتفصيلاً ويدعون إلى الكتابة بالأحرف اللاتينية، رغم أنها لا تعتبر أحرفًا قومية لتلك الشعوب فهي أحرف دخيلة على ثقافتها وآدابها، ولكنه الحقد على كل ما له صلة بالإسلام وتاريخه المجيد، ومثال ذلك تركيا.
هذه الوسائل والأساليب ـ وغيرها كثير ـ تُستخدم لغرض استنزاف الطاقات وإشعال حرب أعصاب وتوليد ضغوط نفسية على الإنسان المسلم الملتزم لإشغاله وتشتيت أفكاره وبعثرة تركيزه ، ولتحجيم العمل الإسلامي ومحاولة احتوائه، ولكن مع كل هذا تردد قوله تعالى: ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف].
والواقع يدل على أن هذه الأساليب غير مجدية وأن الحالة الإسلامية بوجه عام في تقدم وتطور، ولن تجني تلك الأنظمة ومن ناصرها من العلمانيين يغر الخيبة والخسران من جرّاء تلك السياسات .(2/297)
http://www.almansiuon.com بتصرف من :
=============(2/298)
(2/299)
مفارقات في مسألة الإسلام والعنف
جمال سلطان
المفارقة المدهشة والمؤسفة هذه الأيام فيما يتعلق بموضوع العنف وعلاقته بالدعوة الإسلامية أنه بينما بدأت الفعاليات السياسية والثقافية الغربية - الأمريكية والأوربية- تفرق بإلحاح وصرامة بين الإسلام وبين الحركات التي تمارس العنف، وهو إلحاح لوحظ تزايده مؤخراً ، مع زيادة التأكيد على أن الصراع ليس مع الإسلام وحضارته وثقافته وعقائده وشرائعه، وإنما الصراع مع الحركات التي تمارس "الإرهاب". أقول: بينما يحدث ذلك في الغرب "المسيحي"؛ نجد اللهجة بين المثقفين العلمانيين والمتغربين في العالم العربي "الإسلامي" تتزايد باتجاه اتهام الإسلام ودعاته وعقيدته وشريعته بأنه الرافد الأساس في وقائع العنف، وبالتالي يطالب هؤلاء "الحكماء" العرب بالضرب بيد من حديد على كل نشاطات الإسلام الدعوية والأخلاقية والفكرية وحتى العبادية، ويصل الأمر إلى طلب مطاردة الآيات والأحاديث التي يدرسها الطلاب في المدارس والمعاهد، ومطاردة حتى المؤسسات الرسمية التي تقوم على جانب من جوانب حماية قيم الإسلام أو علومه، فتعرضت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة السعودية لهجمة منظمة من العلمانيين والمتغربين، وكذلك تعرض الأزهر في مصر لحملات عاتية تتهمه بالجمود ودعم الفكر "الغيبي" الذي يولد العنف والإرهاب.
المؤسف أن بعض الممارسات وصلت إلى حد الهستيريا ، مثلما حدث في موريتانيا، حيث أقدمت السلطات على اعتقال جميع أعضاء هيئة التدريس في المعهد العلمي الديني الرئيسي في نواكشوط ، وهو معهد تشرف عليه مؤسسات علمية خليجية رسمية ذات احترام وسمعة أكاديمية وعلمية لا يرقى إليها الشك، وأعترف بأني ضحكت في البداية من فرط الجنون الذي حدث!.
يمكن تصور أن تعتقل أستاذاً أو مدرساً أو اثنين لأسباب مهما كان تكلفها وهشاشتها، أما أن يقدم "عاقل" على اعتقال "جميع" أعضاء هيئة التدريس في مؤسسة علمية، فهذا ضرب من الجنون الحقيقي، بطبيعة الحال هناك حكومات ومنظمات تنصيرية ترصد هذا الخطاب الغوغائي الجديد في الإعلام العربي وبعض مؤسساته الثقافية المتغربة، وهناك قلق قديم من تنامي الدعوة الإسلامية في أكثر من مكان في عالم اليوم، وهناك تقارير شائعة تتحدث عن أن الإسلام هو أوسع الديانات انتشاراً في الأرض الآن، وهذه فرصة تاريخية لضرب هذه الدعوة في مقتل، ووقف انتشار القرآن في جنبات الأرض؛ لأنه ما أسهل أن توصم كل لحية الآن بالإرهاب، وما أيسر أن تصف كل نقاب بأنه "خيمة إرهاب" وهكذا. ولم يكن ما فعلته " كمبوديا " في الأسبوع الماضي هو آخر هذه الجرائم، عندما شنت حملة مطاردة للدعاة المسلمين، وتهديد كل من دخل في الإسلام من الكمبوديين بأن سيف الاتهام بالإرهاب مسلط على رأسه، وقد قامت الحكومة بالفعل باعتقال العديد من الدعاة والمشايخ، وترحيل آخرين، وترويع المئات من المسلمين، حيث بدأ الإسلام في الانتشار على نطاق واسع في السنوات الأخيرة.
هناك بلاد تم تفريغها بالفعل ، مثل ألبانيا ، حيث أصبحت الآن مرتعاً خصباً لعشرات المنظمات التنصيرية، التي تحظى بدعم مؤسسات رسمية وشخصيات نافذة في المجتمع الغربي، من ضمنها: منظمات اليمين المسيحي الأمريكي الذي ينفق هناك مئات الملايين من الدولارات؛ لتصفية "الجيب الإسلامي" في خاصرة أوربا المسيحية. هذه الجرائم المتتالية يتم دعمها الآن من قبل "الأبواق" العلمانية والمتغربة والمنحرفة والمستهترة في العالم العربي، والمؤسف أكثر؛ أن أعلى الأصوات الآن في هذه "المؤامرة" تأتي من منطقة الخليج العربي، ثم انضاف إليهم مؤخراً مخلفات الماركسيين والمتفرنسين في المغرب بعد أحداث الدار البيضاء، والمؤسف أكثر أن مثل هذا الاعتداء على الإسلام وشريعته وقيمه، والمطالبة بحصار كل صوت إسلامي؛ إنما يصدر تحت ادعاءات بالغيرة على الإسلام وصورته في الغرب، رغم أن هؤلاء هم آخر من يمكن تصور الحديث عن الإسلام أو الغيرة عليه من قبلهم، ومنهم - صحافيون ومثقفون- كانوا يباهون باحتساء الخمر علانية في نهار رمضان في لندن، ابتهاجا بقدوم "الشهر الكريم"، والشهود أحياء يرزقون!.
إن هناك محاولات غير أخلاقية من قبل البعض لاستثمار حوادث العنف )المدانة شرعاً وواقعاً)؛ لكي تتم تصفية حسابات قديمة مع الإحياء الإسلامي والصحوة الإسلامية، وتصفية بعض المؤسسات الدينية النشطة، والتي مارست دوراً رائعاً في العقود الماضية حماية للإسلام وقيمه وأمنه الاجتماعي، فضلا عن تصفية حسابات مع الدعاة والعلماء الذين سبق وتصدوا للمنحرفين دينياً وفكرياً وأخلاقياً، وكشفوهم أمام الأمة، وهناك تحريض علني يومياً - وفي تصاعد مستمر، وكأنه مزاد بين صحف وشخصيات- للحكومات لإعلان الحرب على الدعوة الإسلامية، ومطاردة الدعاة إلى الله؛ بدعوى محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، رغم أن من يقولون هذا الكلام هم أول من يعرف أن مثل هذا التحريض هو السبيل الأرخص والأكثر نجاعة لخدمة الإرهاب، وتقديم العون الأدبي والنفسي والفكري لسلوكه الخاطئ .(2/300)
هذا التحريض هو محاولة شيطانية لحرق الدار كلها، وإشعال الحرائق في ديار المسلمين، ومن ثم على جميع العقلاء في هذه الأمة أن تتضافر جهودهم للتصدي لهؤلاء الانتهازيين والمخربين والطابور الخامس الخفي للإرهاب ذاته، هؤلاء الذين لا تطرف لهم عين وهم يحاولون إشعال الحرائق في ما بين الحكومات وملايين الشباب المسلم الذي لا يعرف إرهاباً ولا يؤمن بعنف، فقط لكي يقف هؤلاء المتغربون المخربون على أطلال الخرائب كالبوم والغربان، ضامنين اتساع مكاسبهم الشخصية أدبياً وسياسياً وإعلامياً ومالياً، على حساب كل شيء وأي شيء، ومقدمين أنفسهم كخط دفاع أول للحكومات ضد "الإرهاب الإسلامي"، الذين هم - في الحقيقة والواقع - داعموه وممدوه بكل مثيرات الفتن والنيران.
إن الحقيقة التي يؤكدها الواقع والتجربة أن التطرف يغذي بعضه بعضاً، فتنامي التطرف العلماني والتغريبي في مجتمع؛ يولد تطرفاً مقابلاً في الجانب الديني، ولا توجد تجربة واحدة من التجارب المريرة التي مرت بها بعض البلدان في العقود الأخيرة كان فيها لهذا الفريق العلماني المتغرب دور في علاج مشكلات الغلو الإسلامي؛ بل كان دورهم أشبه بمن يصب المزيد من الزيت على النار، لتزداد توهجاً واشتعالاً، وإنما حوصر العنف، وجففت منابعه بجهود الدعاة والعلماء، والخطاب الوسطي المعتدل، وكلما اتسعت مساحة العطاء والتأثير للخطاب الإسلامي المعتدل في المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية؛ كلما ضاقت المساحات المتاحة لأصوات التطرف والغلو، وحرمت المد الفكري والأدبي والإنساني حتى تلاشت أو أوشكت.
هذا هو الدرس الذي نحتاجه في هذه التحدي الجديد، قبل أن تجرفنا الأمواج بعيداً عن شاطئ الأمن والأمان والسلام الاجتماعي .
http://www.islamtoday.netالمصدر :
-===========(2/301)
(2/302)
الحضارة الإسلامية بين أسباب التدهور وعوامل النهوض
الدكتور إبراهيم غانم
حتى وقت قريب ساد الظن لدى كثيرين من المعنيين بشؤون الفكر والإصلاح الاجتماعي العام أنه قد تم التغلب على مشكلة الاحتلال العسكري الذي جثم على أغلبية البلدان العربية والإسلامية (ولم يبق إلا الاحتلال الاستيطاني الصهيوني)، وأن عبء التحرر من الاستعمار المباشر قد زال إلى غير رجعة، وأن ما تملكه الأمة من طاقات يمكن أن يستثمر من أجل التصدي للمشكلات، وحتى وقت قريب أيضاً ساد الظن بأننا ماضون على طريق التخلص من المشكلات الأخرى التي أعاقت التقدم وعطلت نهضة الأمة منذ قرنين من الزمان تقريباً، ومن ذلك القضايا المتعلقة بالاستبداد السياسي، والظلم الاجتماعي، والحريات العامة، وأوضاع المرأة، والانحطاط الأخلاقي.
ولكن بدلاً من التقدم إلى الأمام إذا بمجتمعاتنا العربية والإسلامية تجد نفسها تتقهقر إلى الخلف، وإذا بالقضية التي ظننا أنها حُلت تعود بشكل أكثر شراسة، ألا وهي قضية الاستعمار في شكله العسكري المباشر، إلى جانب أشكاله الفكرية والثقافية والاقتصادية والتشريعية غير المباشرة الأخرى التي لا تزال تراوح مكانها. إن الأحداث الجارية في الآونة الأخيرة، كلها تشير إلى عودة الشعور بالتبرم بشكل مضاعف مع عودة مشكلة الاحتلال العسكري التي غلب على الظن أنها قد حسمت، وأن حزمة المشكلات قد أعيد إليها ما نقص منها في وقت سابق، بما تحمله هذه العودة غير الحميدة من ضرورة إعادة ترتيب أولويات التصدي لهذه المشكلات؛ وكأنه لم تمر مائتا سنة أو يزيد عندما نهضت قوى الأمة الحية لمواجهة الغزو الغربي ورفعت في وجهه راية الجهاد. ومن ثم فإن من المنطقي أن يعاد طرح السؤال الأكبر الذي تدخل تلك المشكلات كلها تحت عباءته ألا وهو: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم(1)؟
لقد طرح هذا التساؤل، وبهذه الصيغة التي تقارن بين المسلمين وغير المسلمين، لدى رواد الفكر والإصلاح الإسلامي في العصر الحديث؛ أي منذ ما يقرب من مائتي عام، ولم تختلف الإجابات التي قدموها إلا في بعض التفاصيل، أما جوهر الأسباب كلها فقد كان واحداً لديهم وهو أن البعد عن جوهر الإسلام هو سبب الأسباب التي أدت إلى التدهور، وأن التمسك بهذا الجوهر هو سبب الأسباب التي تقود إلى النهضة.
وأياً ما كان الأمر فمثل هذا التساؤل يعدُ تساؤلاً أساسياً وحساساً في آن واحد؛ فهو أساسي لأن الإجابة عنه سوف تعبر عن مدى وكيفية فهم صاحب الإجابة للواقع الذي صار إليه حال المسلمين، ومثل هذا الفهم بدوره أمر ضروري، كمقدمة ومدخل للتعامل مع هذا الواقع ووضع خطة لتغييره إلى ما هو أصلح. وهو تساؤل "حساس" بالنسبة للمسلمين خاصة لأنه في صيغته المقارنة يفتح الباب للمناقشة حول "الإسلام ذاته" وما إذا كان سبباً في انحطاط المسلمين؛ حسبما يزعم البعض.
ويبدو لنا أن من اللازم بداية بيان: لماذا نهض المسلمون وازدهرت حضارتهم وسادت الدنيا أول مرة؟ وذلك قبل المضي في بيان أسباب انحطاطهم وأفول نجم حضارتهم، فثمة علاقة وثيقة بين الأمرين كما تقضي بذلك شهادة التاريخ، فقد شهد أنهم يوم تمسكوا بتعاليم الإسلام سادوا وشادوا وعمروا الأرض وأناروا للإنسانية طريق التقدم والرقي، وقدموا حضارة امتدت منافعها إلى كل المجالات. بعد ذلك ابتعدوا عن التعاليم السامية لهذا الدين، وجهلوه وأهملوه، ولبسوه كما يُلبَس الفرو مقلوباً... فوصلوا إلى ما هم فيه، وسيظلون كذلك حتى يعودوا إلى دينهم مرة أخرى عودة صادقة وصحيحة.
وإذا كانت "العلة" في تنكر المسلمين لدينهم كما يرى كثيرون من رواد الإصلاح فإن ما يوقع في الحيرة هو: لماذا إذن تخلى المسلمون عن تعاليم دينهم وأهملوها بعد أن رأوا أنها كانت سبب عزهم ومجدهم؟ ليس ثمة بد من طرح القضية ضمن إطار أشمل يفسر حركة التاريخ والسنن الكونية لصعود وهبوط الحضارات في مسيرة التقدم الإنساني بصفة عامة.
إن قضية النهضة لا تخرج عن كونها سنة من سنن الله في حياة الأمم "فكل أمة بين حالين لا ثالث لهما، يخلف كل منهما الآخر متى توافرت دواعيه وأسبابه، هذان الحالان هما حال القوة وحال الضعف.. فالأمة تقوى إذا حددت غايتها، وعرفت مثلها الأعلى، ورسمت منهاجاً عملياً ينظم حركتها، وصممت على الوصول إلى الغاية وتنفيذ المنهاج ومحاكاة المثل الأعلى مهما كلفها ذلك من تضحيات، وعندما تنسى الغاية وتجهل المثل وتضل المنهاج وتؤثر المنفعة والمتعة على الجهاد، وتنحل الأخلاق، ويكون مظهر ذلك الإغراق في الترف والقعود عن الواجب، حينئذ تأخذ الأمة في الضعف ويدب إليها دبيب السقم الاجتماعي، ولا تزال تضعف حتى تهيئ لنفسها عوامل التجدد فتتجدد أو لا تهيئ لنفسها هذه العوامل فتبيد. فالبشرية تسير قدماً نحو الكمال الذي كتبه الله لها يوم شاء أن يستخلف الإنسان في الكون وسخر له ما في السموات والأرض، وهي في محاولتها هذه أحياناً تستوحي الشعر والخيال وإن كانت بين الخطأ والصواب في استلهامها هذا..(2/303)
وأحياناً تستوحي الفكر والعقل فيرشدها إلى تجارب في تكوين الأمم وتربية الشعوب كثيراً ما تكون طويلة المدى، وكثيراً ما تنزع بها المعاكسات العاطفية إلى جهة الخطأ فتصبح عقيمة النتائج فاسدة الآثار، لهذا اقتضت حكمة الله ورحمته بالناس أن يشد أزر العقل والقلب بنواميس ونظم إلهية تقرب على الإنسان المدى وترشد البشرية إلى مدارج الكمال الذي كتب لها"(2).
وفي التاريخ شواهد تؤكد ما ذكرنا: فقيادة الدنيا كانت في وقت ما شرقية بحتة، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية، ثم نقلتها نبوات موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام إلى الشرق مرة ثانية، ثم غفا الشرق غفوته الكبرى ونهض الغرب نهضته الحديثة، فكانت سنة الله التي لا تتخلف، وورث الغرب القيادة العالمية، وها هو ذا الغرب يظلم ويجور ويطغى ويحار ويتخبط، فلم يبق إلا أن تمتد يد "شرقية" قوية يظلها لواء العدل والمساواة والحرية والرحمة، فإذا بالدنيا تنعم مرة أخرى بالسلام الإسلامي.
_______________________
الهوامش :
1 - صيغة هذا السؤال هي عنوان كتاب للأمير شكيب أرسلان، والكتاب عبارة عن جوابه، الذي يشرح فيه أسباب ارتقاء المسلمين في الماضي، ثم أسباب انحطاطهم مع بيان أسباب تقدم الأوروبيين.
2 - انظر: حسن البنا، دعوتنا في كتاب الله: من وظائف القائد جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية 19ربيع الأول 1355ه -9 يونية 1936م.
نقلا عن : مجلة المجتمع الكويتية ، http://alta r eekh.com/doc/a r ticle.php?sid=699
============(2/304)
(2/305)
إبليس زعيم دعاة الحرية
خالد آل حمد
إذا كانت العبودية تعني الاستسلام والانقياد بدرجاته المختلفة ، فأعلاها عبودية الله عز وجل من قبل المؤمنين به سبحانه وبرسالاته ورسله . وهذه العبودية هي الغاية من الخلق ، وسر فوز العبد في الدنيا والآخرة ، وإنما يتفاضل الخلق بحسب ترقيهم في منازل العبودية لله عز وجل .
إذا كانت العبودية كذلك .. فإن الحرية هي الوجه الآخر الذي يعني التخلي عن الأوامر ، والتفلت من القيود ، ونستطيع أن نقول أن الحرية بهذا المعنى غير موجودة ، ولن توجد في عالم البشر .
أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حراً
والذي يحول وجهه عن عبودية الله فإنه ولا بد يطلب شيئاً آخر : إما رئاسة .. أو مالاً ..أوجاهاً .. أو نحو ذلك .
فليس هناك فرار إلى غير شيء - كما هو زعم دعاة الحرية - فإما عبودية الله أو عبودية غيره .. وهؤلاء هم الذين يقتفون آثار إبليس حيث يرفعون لواء المعارضة والشقاق كما فعل إبليس فامتنع عن السجود .. وحجتهم تتكرر على الآذان في كل زمان ومكان بأنهم رجال كسابقيهم، وما يتكرر في الماضي لا يصلح في عصرنا الحاضر ، ولكل جيل رئة يتنفس بها . والغاية من هذا سلب حريات الناس في أن يؤمنوا بما يرونه ويعملوا برأيهم .. فتعساً لهؤلاء .
المصدرhttp://www.islammag.com
-===========(2/306)
(2/307)
تحرير المرأة .. عقم المفهوم وانتهازية التطبيق
معتز الخطيب
درجت حركة تحرير المرأة العربية على الاحتفاء بقاسم أمين رائدًا للتحرير , واعتبار كتابه "تحرير المرأة" البيان الثوري لها , لكن مفهوم "تحرير المرأة" مر بتحولات تجاوزت فكر قاسم أمين بمراحل نظرًا لاختلاف "المرحلة" والظروف المحيطة , بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققت .. ففي حين كان الاحتكاك الإرادي بالغرب الشرارة التي أحيت الكثير من الإشكاليات في الفكر العربي والإسلامي , وقضية المرأة إحداها , وخصوصًا واضع دستور التحرير "قاسم أمين" الذي عاش في فرنسا من 1881 إلى 1885 ووضع كتابيه "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" في 1889 : 1900 متأثرًا بأنموذج باهر ؛ عاينه في حضارة حديثة ومسيطرة .
وفي حمأة الثورة العارمة من أجل الحرية في مصر وغيرها (كانت هناك مسيرة متعثرة منذ أول مشاركة دستورية حقيقية من 1866 إلى قيام الثورة العرابية لانتزاع الحق في المشاركة في السلطة) فكان "تحرير المرأة" جزءًا من مشروع البحث عن الحرية الشاملة .. وفي لحظة الانبهار هذه يكمن تفسير التقلب الملحوظ في فكر قاسم أمين بين كتبه الثلاثة "المصريون" و "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" .
في هذه المرحلة استند مفهوم "تحرير المرأة" إلى تحرير جسدها من الحَجب والحجاب ؛ باعتبارهما ينتميان إلى التراث (نقيض العصر) في وقت كان مفهوم سائد للنهضة ينبني على القطيعة معه .
وفي حين كان "الحجب" يستمد مشروعيته من خصوصية كل من الرجل والمرأة , هذه الخصوصية التي تفرض نفسها على مجال ونوع المهام التي يمارسها كل منهما , و"الحجاب" يستمد مشروعيته من اعتبار أن الجسد حامل للذة , في ذلك الحين بدأ "تحرير المرأة" بنزع الحجاب وتجاوز الحَجب باعتباره رمزًا إلى عمق الإحساس بالسجن والقيد الذي لا يستقيم مطلقًا مع قيمة الحرية على النمط العصري .
وفي سنة 1924 دخل مفهوم "تحرير المرأة" مرحلة التنظيم حيث أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي بعد عودتها من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المنعقد في روما سنة 1922 , ثم انعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي سنة 1944 الذي لقي ترحيبًا من بريطانيا والولايات المتحدة حتى إن زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت كانت من ضمن المؤيدين , والمميز لهذه المرحلة أن ذلك كان يتم "طوعيًا" وبترحيب خارجي .
وفي مرحلة لاحقة تحولت تلك التنظيمات إلى مراكز استطالة لسلطة الغرب داخل المجتمعات العربية .. على صورة مؤتمرات دولية تشكل وثائقها أجندة عمل التنظيمات النسائية بل والحكومات أحيانًا , وفي هذا السياق يأتي مؤتمر المرأة الأول في مكسيكو عام 1975 تحت شعار "رفع التمييز ضد المرأة" ثم مؤتمر كوبنهاجن سنة 1980 ونيروبي 1985 ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة 1994 وبكين 1995 , وعن هذه المؤتمرات وبالتنسيق مع قياداتها تحت مظلة الأمم المتحدة انبثقت المؤتمرات العربية حيث شهدت مصر ظهور أول قمة نسائية سنة 2000 شارك فيها تسع من زوجات الرؤساء , ثم قمة المرأة العربية سنة 2001 التي شهدت إنشاء منظمة عربية للمرأة لها استقلالها في إطار جامعة الدول العربية .
وإذا كان مفهوم "تحرير المرأة" لدى قاسم أمين ركز على الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق ونحوها , فإنه أصبح أكثر تبلورًا نتيجة الاطلاع العميق على حركة التحرر الغربية والتشبع بأفكارها , خصوصًا من خلال الانخراط في التنظيمات الدولية والإقرار بمرجعية ما يصدر عنها من بيانات وتوصيات , بحيث أصبح جوهر فكرة "تحرير المرأة" يكمن في مطلب السيطرة دون الرجل أو في العلاقة مع الرجل بحيث تركز المؤتمرات على المرأة "الفرد" (أنا أولاً) و(حقوقنا الآن) الشعار الذي اتخذته سابقًا المنظمة القومية للمرأة التي أسستها رائدة التحرر "بيتي فريدان" في أمريكا وذلك في مقابل أولويات الأسرة والأطفال.. ومن ثم اعتبرت وثيقة بكين أن "الأمومة" (الدور الذي كانت تطمح إليه المرأة لتصبح رمزًا للعطاء وتستمد منه سلطتها وسطوتها) دور "نمطي" تقليدي (بمعنى الازدراء) ؛ لأنه مرتبط بالخضوع للرجل .
وإذا كانت المرحلة السابقة اقتصرت على الدعوة الفكرية (بدءًا من قاسم أمين) ثم التوصيات "غير الملزمة" (مع مؤتمرات الأمم المتحدة) فإن المشروع دخل طورًا جديدًا مع تبني بعض الأنظمة العربية والإسلامية له في محاولة استعجال تطبيقه بالدفع تجاه الحل السياسي من أعلى , وفي هذا السياق تأتي تعديلات قوانين الأحوال الشخصية بدءًا من مصر , ثم مشروع قانون "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" ـ كما سُميَ ـ في المغرب وعدد من الدول , وأخيرًا ـ وليس آخرًا ـ تعديل قانون الأحوال الشخصية في تركيا الذي أنهى سيادة الرجل على الأسرة وفرض مطالب "تحرير المرأة" كاملة وبدأ تنفيذه مطلع سنة 2002 .(2/308)
في هذه المرحلة نجد أن المفهوم انتقل من مجرد "الثورة الفكرية" ليصبح "مطلبًا اقتصاديًا" وسياسيًا باعتباره ركنًا في "التنمية" ليتناسب مع توجهات مجتمع السوق والقيم الرأسمالية , وبهذا يصبح مفهوم الإلحاح على موضوع "عمل المرأة" ومنح القروض المالية من البنك الدولي للمرأة العاملة , الأمر الذي يبين تحول وسائل تنفيذ مشروع التحرير من مجرد بث الأفكار إلى التوصيات والتنظيمات ثم محاولة الفرض الحكومي الرسمي .
ـ التنظيمات النسائية.. قراءة نقدية:
إنه من اللافت للنظر تزايد النشاط النسوي في العالم العربي وتأسيس الكثير من التنظيمات النسوية (الحكومية وغير الحكومية) في البلد الواحد ؛ فمثلاً وجد في الأراضي الفلسطينية (كما تسمى) ـ حسبما ذكر بحث موَّله برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن المنظمات النسوية ـ أكثر من (174) منظمة حتى عام 1993 , وبعد اتفاق أوسلو في العام نفسه بدأت وتيرة النشاط النسوي في التزايد بشكل فاق التوقعات , حتى إنه ربما تجاوز غيره من الأنشطة الاجتماعية والسياسية الأخرى .. وكذلك الأمر في كثير من الدول العربية هذا فضلاً عن المنظمات الحكومية والاتحادات النسائية المرتبطة بالتنظيم العالمي للمرأة , ومن المثير للجدل .. الدعم الأوروبي والدولي السخي لهذه التنظيمات والأنشطة وتمويل صندوق المرأة التابع للأمم المتحدة لها ! وعلى سبيل المثال حصلت التنظيمات النسوية في الأراضي الفلسطينية على 5% من إجمالي المعونات الدولية المخصصة للأراضي الفلسطينية (حسب تقرير 1997) فيما لم يخصص للمجال الزراعي والصناعي إلا أقل من 1.2 % منها .
ومن الجدير بالذكر أن أي تمويل إنما يتم لأهداف محددة وله شروطه ومحدداته السياسية والثقافية , ومن ثم تخضع الأولويات لتحديد الجهات المانحة ماليًا والضاغطة سياسيًا وثقافيًا , كما أنه يتعين الالتزام بتلك الأولويات لضمان استمرار التمويل .. ومن جهة أخرى فإن التنظيمات الحكومية تخضع لأولويات النظام السياسي ووفق خلفيته الفكرية والأيدلوجية .
هذه الاعتبارات تجعل التنظيمات وما يصدر عنها من مؤتمرات وأنشطة تختلط فيها المواقف الثقافية والحضارية بالسياسية إلى حد كبير ؛ مما يُحدث إشكاليات كبيرة على المستوى الثقافي والاجتماعي والديني ؛ لأنه لا يمكن لنا أن نستعير / نستنسخ جزءًا من نمط حياة قائم في بناء حضاري وثقافي معقد (الغرب هنا) من دون إدراك مكملات هذا الجزء , وتبعات ومشاكل هذا الاستنساخ على مجتمعاتنا ؛ ما يسفر عن فجوات تفرضها خصوصية المجتمعات العربية المتعددة ثقافيًا , والمتفاوتة وعيًا وتمسكًا بالقيم الدينية (المتيقنة أو الموهومة) .
فمثلاً , إن التوجه الحكومي في اليمن لدمج المرأة في العملية الاقتصادية لا يبتعد كثيرًا عن "التوجه العالمي" والتنسيق مع جهات خارجية أو "الخضوع" لمطالب سياسية دولية بخصوص هذا الشأن .. والأهم من ذلك هو أن هذا التوجه الذي ينشغل "كلية" بالتساوق مع التوجه العالمي لا يهتم كثيرًا بخصوصية المجتمع اليمني والذي يفرض سلم أولويات يختلف عن غيره ؛ فأبرز ما نلحظه في هذا التوجه أنه لا يهتم "الاهتمام المطلوب" بتعليم المرأة في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية بشكل مقلق , خاصة بين صفوف النساء , فالإمعان في مطلب "اللجنة الوطنية للمرأة" اليمنية (وهي هيئة حكومية تأسست قبل نحو خمسة أعوام) الذي ينص على (توفير فرص التعليم وخصوصًا الثانوي لجميع النساء , وتشجيع الإناث على الاستمرار في مواصلة دراستهن لما بعد المرحلة الإلزامية وعدم الاكتفاء بمستويات متدنية من التعليم لزيادة فرص مشاركة المرأة في سوق العمل بتوفير حوافز مادية وعينية) .. هذا الإمعان يبين أن مطلب تعليم النساء ينحصر في هدف محدد جاء "مكملاً" للتوجه العام نحو إدماج المرأة في العملية الاقتصادية , بمعنى أن الاهتمام بالتعليم لغرض إشراك المرأة في سوق العمل "فقط" , الأمر الذي يؤكد ما قلناه قبلُ من قفز التنظيمات النسوية على البعد الثقافي والفكري (باعتباره كان يمثل مطلبًا مبدئيًا مع قاسم أمين ومعاصريه) , لتحقيق مطالب سياسية واقتصادية من دون الالتفات إلى الفوارق التي تعيشها تلك المجتمعات .
وكذلك الأمر بالنسبة للتنظيمات النسوية الفلسطينية التي تنشغل بقضايا الزواج المبكر والتعدد ونحوها .. في حين لم نجد تنظيمًا نسائيًا يهتم بالمقاومة والعنف الإسرائيلي !
يأتي ذلك في سياق عولمة نموذج المرأة الغربية من خلال سعي الأمم المتحدة والتنظيمات المنضوية تحتها والخاضعة لها إلى فرض منظومة من القيم الغربية على أنها قيم إنسانية عالمية , وتطالب بها كل المجتمعات وتعتبرها هدفًا يستحق النضال من أجله .. وهذا من شأنه أن يجعل قضايا المرأة (وفق تصور التنظيمات النسوية) جزءًا من مشروع "العولمة" على اعتبار أن لها تداعيات وتأثيرات تتجاوز حدود الجغرافيا والهويات وتهميش كل المرجعيات الدينية والثقافية لصالح مرجعية الفلسفة الغربية .. وهذا يعيدنا من جديد إلى أزمة العلاقة مع الغرب والحداثة , وإشكالية الهوية والمرجعية .(2/309)
ولو عدنا نتأمل القضايا التي تلح عليها كل المؤتمرات على مدار القرن الماضي لوجدناها تنحصر في مطلبين رئيسين :
الأول : حق المرأة في إثبات الوجود والمشاركة في فعاليات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية والاجتماعية وغير ذلك في محاولة لإعادة صياغة العلاقة "المتخلفة" (بمعيار المقارنة مع الغرب) التي تقوم على "اقتسام" النشاط الإنساني بين الرجل والمرأة , وتجعل لكل منهما مجالاً خاصًا , مكانًا ونوعًا .. هذه الصياغة الجديدة استدعت الكثير من القضايا مثل "القوامة" و"عمل المرأة" , ما استدعى "حق المرأة" في التشريع القانوني وممارسة أدوار قيادية سياسية وغيرها , وما تفرع عن ذلك من إشكالات شغلت نقاشًا طويلاً من الخطاب الثقافي والسياسي .. هذه المشاركة مع الرجل كانت كفيلة بإعادة صياغة "العلاقة" بين الرجل والمرأة من منظور "حديث" و "واقعي" بعد أن كان ذلك الاحتكاك استثنائيًا وفي نطاق ضيق جدًا , وبعد أن كان الرجل هو المسؤول عن الدور القيادي في البيت وخارجه .
و"الحقوق" هذه تستدعي ضرورة مبدأ "المساواة" الذي شغل مساحة كبيرة من المؤتمرات المتوالية ثم من التشريعات في بعض الدول العربية والإسلامية كتركيا ومصر والمغرب وغيرها.. والإقرار بهذا المبدأ كفيل بإعادة صياغة خارطة العلاقة بين الرجل والمرأة في البيت وخارجه , ومن أبرز القضايا التي تحضر هنا "القوامة" , وبالتالي تأثيراتها على تنظيم شؤون الأسرة وتربية الأولاد , وحق الطلاق , وسفر المرأة وعملها من دون إذن الزوج , والتساوي في الميراث؛ بل اقتسام الممتلكات بالتساوي بعد الانفصال أو الوفاة , وغير ذلك مما قد يعود بالنقض على مسلّمات دينية ونصوص صريحة .
إن توسيع مشاركة المرأة في الاقتصاد من خلال تأمين فرص العمل بالاستناد إلى مفهوم "المساواة" وكذا باقي المجالات .. من شأنه أن يغير كثيرًا من ملامح الخارطة الاجتماعية والثقافية للأسرة العربية ؛ لنجد أنفسنا أمام "نمط" مختلف , يثير كثيرًا من الإشكالات التي سنستوردها من "النموذج المثال" الذي نحاكيه , من دون تَبْيِئَة هذا الاقتباس نفسه (قد رأينا بعض هذه البوادر من خلال أَنْثنة الإعلام العربي عامة) ؛ فتأمين فرص العمل لكل امرأة (من المهم هنا تَذَكر عجز الحكومات عن القضاء على البطالة بتوفير فرص عمل للرجال) من شأنه أن يرفع ـ إلى حد كبير ـ من نسبة البطالة في مجتمعات "نامية" كمجتمعاتنا , كما من شأنه أن يضع بثقله على قوانين وأعراف "الزواج" ليعاد ترتيبها وفق الوضع الجديد (بطالة الرجل وفقره , وخلق نساء رأسماليات) وربما نصل إلى أن تدفع المرأة المهر كما في كثير من ولايات الهند , أو أن يعول كل من الزوجين نفسه كما في الغرب .
المطلب الثاني :
تركز حول "حرية" المرأة في ممارساتها ونشاطاتها .. والحرية هنا تعني الانعتاق من أي سلطان (وفق التصور الغربي) ؛ وإذا كان المطلب الأول يركز على "الحقوق" بوصفها نشاطًا , فإن الثاني يركز على "الحرية" بوصفها قيمة لا بد أن تحضر في كل النشاطات التي تمارسها المرأة .
وتحت هذا المطلب تندرج كثير من القضايا الشائكة أبرزها حرية المرأة في التصرف بجسدها (الحرية الجنسية , والتحكم بالحمل وبجنس الجنين , والإجهاض , وتشكيل الجسد كما تشاء أو هكذا تتصور) في مقابل منع التعدد , وهو ما ركزت المؤتمرات وخاصة مؤتمر السكان ووثيقة بكين .. يأتي هذا في زمن ازدهرت فيه فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها (الإعلان , التجميل , الموضة , العطور , الملابس الداخلية والخارجية , الإكسسوارات , مسابقات الجمال , عروض الأزياء , فنانات ذوات أجساد ..) , وأصبح فيه الجنس والجسد هما الثقافة السائدة (في النموذج المثال الذي يراد عولمته) بالتحالف مع العقل المادي الساعي لتعظيم اللذة والربح وتقديمهما على كل هدف آخر , بعد أن كان الجنس والجسد يخضعان للثقافة السائدة التي يساهم في تشكيلها الدين والعرف الاجتماعي .
ومن المهم هنا أن الحرية الجنسية لا تقتصر على العلاقة الطبيعية (ذكر وأنثى) بل تتسع لتشمل اشتهاء المماثل والدخول معه في ممارسة فعلية ربما تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي , الأمر الذي سيصل إلى الاعتراف به قانونيًا كما في ألمانيا مثلاً , بالرغم من وجوده بكثرة في أمريكا وفرنسا والسويد والكيان الصهيوني وغيرها .
إن الإشكالية الجوهرية التي تنشأ عنها كل هذه الإشكاليات هو تَعَمّد التنظيمات النسوية العربية (حكومية وغير حكومية) تجاوز النسق الثقافي والديني الخاص بنا , وتَبنّي النموذج الغربي للمرأة لتحقيق مكاسب خاصة بتأثير الإرهاب أو الإغراء الدولي , وتحدي معتقدات ومفاهيم الجماهير التي تبقى على الدوام مشدودة إلى ثوابت دينية (سواء متيقنة أم مظنونة أو موهومة) فضلاً عن نسقها الثقافي الذي يتميز بكثير من الخصوصية والتحفظ إزاء نقيضه الغربي الذي تلح نخبنا (الثقافية والسياسية) المنتمية إلى ثقافته على فرضه وتعميمه .(2/310)
إن غياب المؤتمرات والتنظيمات النسوية العربية عن الاهتمام بشكل رئيس بموضوعات التربية والأسرة والعنوسة (سجلت بعض الإحصائيات أن في مصر 9 ملايين عانس) وصورة المرأة في وسائل الإعلام (خاصة أن هذه المؤتمرات لها صفة رسمية بمعنى أنها قريبة من مواقع القرار) وعن قضايا مشاكل الدعارة والبغاء المتنامية في العالم العربي , وعن خطاب المجلات النسائية الاستهلاكي , الذي ينشغل كلية بجماليات الفن لصناعة أجساد وفق المقاييس المحددة مسبقًا للجسد المثال في عالم يشكل فيه الجسد الأنثوي كل مقتضيات التوظيف في عالم المال ؛ لأن قطاع الإنتاج لا يرى في المرأة سوى جسد , ومن ثم يشترط ـ في الدرجة الأولى ـ جمال الهيئة في معظم المهن التي تشغلها المرأة ليكون الجسد هو أداة التواصل بين المالك والزبون , إن غياب كل ذلك عن أجندة التنظيمات يؤكد اغترابها عن المطالب الحقيقية للمرأة لاستلابها لمرجعية مختلفة كليًا عن مرجعية مجتمعاتها , كما يؤكد على البعد الاقتصادي في "تحرير المرأة" .
هذا العبث الذي يصر على تغيير ملامح حياتنا يجعل من أولوياتنا الحالية العودة إلى قضية المرأة وإعادة تأهيلها ومعالجة مشاكلها من سياق واقعها وثقافتنا ومرجعيتنا الدينية , والتأكيد على صناعة كوادر نسائية قادرة على العطاء والإبداع في المواقع الفكرية والاجتماعية وغيرها ؛ فقد تسبب تجاهلنا لمشاكل المرأة وغيابها أو تغييبها (بفعل عادات وتقاليد واجتهادات غير واعية) بإتاحة المجال لكثير من الاختراقات , وحدوث هذه التشوهات والالتباسات التي نعايشها.. وغني عن القول : إن الحل لمشاكل المرأة لا يكون بالقوانين والقرارات "الرسمية" أو بتسييسها ؛ لأنها مشاكل ثقافية واجتماعية منبنية على الوعي الديني والثقافي والاجتماعي .
المصدر http://www.almana صلى الله عليه وسلم netا
===========(2/311)
(2/312)
تهافت العصرانيون
الشيخ محمَّد العبدة
إذا كان الإسلام ـ وهو دين محفوظ ـ يتسم بالسماحة والاعتدال والوسطية (والوسطية هنا مثل رأس المثلث، أي هو الأعلى)، فهل هو واسع إلى درجة أن يخوض فيه كل خائض، ليهدم أصوله ولكن عن طريق قطع فروعه؟ أليس للإسلام ثوابت وقواعد، وله أركان وواجبات، فهل تتغيَّر هذه بتغير الزمان أو المكان؟
إنَّ كلمة (عصرانية) تعبير دقيقة عن اتجاه يوجد في كل زمان، فهكذا النفوس البشرية، وهكذا الأهواء، اتجاه لا يريد التنصل من الدين كلية، ولكن يحرِّف الدين ويلتف حول النصوص ليكون متلائماً مع العصر حسب زعمه.
فإذا كان العصر لا يقبل ذكر المعجزات المادية التي وقعت للأنبياء أو للصالحين في هذه الأمة؛ فلا مانع عند العصرانيين من إنكارها أو تأويلها تأويلاً غير مستساغ. وإذا كان العصر يدندن حول مساواة المرأة للرجل في كل شيء (وهو شيء يخالف أصل الخلقة)؛ فلا مانع عند هؤلاء من تحريف النصوص أو إنكارها، وإذا كانت إقامة الحدود لا تعجب أعداء الإسلام، فالعصرانيون يرددون نعم، الحدود كانت مناسبة لبيئة معينة في القديم، والآن غير مناسبة لهذا العصر.. لماذا لا يتسم العصرانيون بالشجاعة الكافية ويعلنون عن نواياهم التي هي إنقاص الإسلام من أطرافه، فتراهم يحومون مثلاً حول الصحابة بشيء من الغمز واللمز ولا يصرحون أو حول العقيدة لتتسع لكل ضال منحرف؟
فهم ـ كما قال ابن تيمية عن المعتزلة ـ يقولون بقول الخوارج في تكفير أهل الذنوب والكبائر من المسلمين، ولكنهم لم يصرحوا بهذا، وقالوا: إنهم في منزلة بين المنزلتين، ولكنهم مخلَّدون في النار، فوصلوا إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها الخوارج، ونعوذ بالله من الضلال.
إنَّ أعداء الإسلام يستغلون هذه الانهزامية عند العصرانيين، فتراهم في هجوم دائم على الإسلام واتهامه بشتى التهم في التشدد والتزمت والأصولية و....الخ، ويكون الرد عند العصرانيين هو الانسحاب في كل مرة والتنصل عن بعض ثوابت الإسلام.
إنَّ الإنسان في أصل فطرته ودوافعه وحاجاته لا يتغيَّر، وقد ذكر القرآن صفات متأصلة في الإنسان:
) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى(.
) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ(.
) وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا(.
( وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ).
والذي خلق الإنسان هو الذي شرع له هذه الأحكام ليصلح له دنياه وآخرته، والاستجابة لضغوط أعداء الإسلام والمستهترين بالرسالات السماوية هو من أسباب البلاء، وهو داء قديم تعرضت له الأديان السابقة، ولكن الله سبحانه وتعالى حفظ هذا الدين قرآناً وسنة، فلم يستطع التحريف النيل منهما، ولا أبالغ إذا قلت أنه ليس أضرَّ على الدين بعد الشرك والوثنية من هذه البدعة.
المصدر http://www.lahaonline.com
=============(2/313)
(2/314)
حُماةُ الرَذيلة
د. جعفر شيخ إدريس
يبدو أنه ما من مجتمع بشري إلا وفيه دعاة إلى نوع من الفضيلة وحماة للرذيلة، وأن حال المجتمع ومصيره رهين بغلبة أحد الفريقين. وأعني بالفضيلة أشياء مثل الصدق والعدل والأمانة والعفة وعدم الانغماس في الشهوات، والتحذير من كل ما يؤدي إلى ذلك من وسائل. هذه الأمور من الفضائل التي ركزها الله في طبيعة البشر، والتي تأتي أنوار الرسالات لتؤكدها وتشرع للناس ما يتناسب معها من عقائد زعبادات ومعاملات.
أريد أن أعطي القارئ الفاضل أمثلة من هذا ليعض ما اطلعت عليه في الغرب من غير بحث ولا تنقيب.
قرأت مقالا بجريدة نيويورك تايمز يسخر فيه صاحبه من كثير من الفضائل التي يتميز بها المجتمع السعودي، ويقول إنها تعوق فتح باب السياحة للأجانب، ويرى أن الاستفادة من هذه السياحة تتطلب التخلص من تلك الفضائل وأن تستبدل بها الرذائل التي اعتاد عليها في بلده والتي أصبح كثير من أمثاله حتى في بلادنا يرونها ضربة لازب لكل مجتمع يريد أن يرتقي إلى مصاف الدول المتحضرة بزعمهم. يسخر من الحجاب، ومن قتل القاتل، ومن منع اختلاط الرجال بالنساء، ومن توقف العمل لأداء الصلاة. ويقول إن فكرة تجوال امرأة شابة غير متزوجة وهي لا ترتدي إلا ... هو مما يراه السعوديون أمرا مرعبا.
لم أعرف تلك اللبسة التي ذكرها حتى سألت عنها، فإذا بها لبسة لا تغطي من جسم المرأة إلا شيئا من صدرها، وشيئا قليلا مما فوق ركبتيها بكثير إلى ما تحت خاصرتها! هذا الذي يراه هذا المطموس الفطرة أمرا طبيعيا، بينما يرى الحجاب أمرا منكرا.
ثم قرأت بعد أسابيع من ذلك في جريدة الواشطن بوست مقالا يقول إن تلك اللبسة صارت اليوم معروضة في كبرى المحلات التجارية ضمن ألبسة طالبات المدارس حتى اللائي لم يبلغن سن العاشرة! لكنه يذكر أن كثيرا من الآباء احتجوا على الدعاية لها، وأن بعض الأمهات رفضن أن يشترينها لبناتهن رغم إلحاحهن الشديد. وأن بعض مدراء المدارس يفكر الآن في فرض زي معين للطالبات. فمن الذي سينجح في هذه المعركة ـ إن كانت معركة؟ أغلب ظني أنهم حماة الرذيلة.
وكنت قد ذهبت قبل أسبوعين إلى لندن للمشاركة في مؤتمر عن العولمة نظمه المنتدى الإسلامي. وأثناء وجودي بالفندق كنت أقرأ بعض الصحف اليومية وبعض المجلات، كما أشاهد التلفاز. فوجدت في تلك الأخبار العجب العجاب. سمعتهم يتحدثون عن برنامج عرضته إحدى القنوات التجارية أثار سخط الآباء والأمهات، بل وسخط بعض الوزراء والوزيرات. أتدرون عم كان البرنامج؟ كان عن المبتلين بالميل الجنسي إلى الأطفال. ويبدو أنه عرضت فيه صور فاضحة وأنه سخر من الاعتراض على هذا الانحراف. لكن حماة الرذيلة وعلى رأسهم المسؤول عن القناة جاء يدافع عنه ويزعم أنه لا يرى فيه منافاة للأخلاق!
ثم قرأت في إحدى الجرائد عن فيلم سيعرض بعد أسابييع يشاهد فيه الشعب الانجليزي لأول مرة الفاحشة تمارس على شاشات السينما. بل إن الدعاية له التي نشرتها الجريدة والتي رأيتها بعد ذلك معلقة في الأماكن العامة تتضمن شيئا من ذلك المنكر. قالت إحدى الكاتبات في تلك الجريدة: هل نحن مقبلون على ممارسة الجنس في قارعة الطريق؟ وتذكرت ـ كما أن القارئ لا بد أن يكون قد تذكر ـ الحديث الذي رواه أبو يعلى عن رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن آخر الزمان:
والذي نفسي بيده حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط
لكن منتجى الفيلم، وكاتب القصة التي بني عليها ظهروا على شاشات التلفاز يدافعون عن هذ المنكر ولا يرون فيه شيئا منافيا للأخلاق.
ثم قرأت بإحدى المجلات مقالا طويلا بعنوان (عصر الانحطاط) ذكرني بكتاب جديد في تاريخ الثقافة الغربية عنواه: (من الفجر إلى الانحطاط).عرفت من صاحبة المقال أن ذينك البرنامجين المذكورين آنفا كانا ضمن سلسلة من المنكرات التي توالت في مدى بضعة أسابيع بتلك البلاد، منها اعتراف أحد الكبار بأنه أقسم أمام القضاء كاذبا، واعتراف بعض المتزوجين لوسائل الإعلام بأنهم زنوا، ومنها كثرة العلاقات الجنسية بين أقرب المحارم.
لكن هذا الكلام لم يعجب إحدى حاميات الرذيلة فكتبت في إحدى جرائد التابلويد تسخر من الكاتبة ومن المجلة التي نشرت المقال. وكان مما قالته أن زنا المتزوجين ليس بالخطيئة الجديدة فلا يعد معيارا لانحطاط الأمم. أقول نعم إنه ليس بالخطيئة الجديدة، بل قد يحدث في أكثر المجتمعات عفة. لكن فرق بين أن يكون حوادث شاذة متناثرة، وأن تعم به البلوى فيكون سمة للمجتمع. وأقول للكاتبة ما رأيها فيما نشرته الجرائد عن مسرحية ظهر فيها أحد الممثلين عريانا أمام الجمهور، ثم أعطاهم قفاه و... تخيلوا ماذا؟ تغوط! أترى هذا أيضا لا يدل على الانحطاط حتى في الأذواق؟(2/315)
إن الإجرام دركات. ففرق بين أن يرتكب الإنسان جرما محصورا في نفسه، وبين أن يتباهى به ويعلنه على الناس، ثم بين هذا وبين من يدعو إليه ويسعى للدفاع عنه وحماية مرتكبيه. هؤلاء هم شرار الخلق وهم سبب انحطاط الأمم وهلاكها. وقد أعطانا ربنا صورة واضحة عنهم لنسعى جاهدين لقمعهم ودفع باطلهم. تعلمنا من كتاب ربنا أن بعض الناس لا يفعل الغواية فحسب، بل يحبها ويكره الهداية. "وأما ثمود فهيديناهم فاستحبوا العمى على الهدي" وأن بعض الناس لا يرتكب الفاحشة فحسب بل يحب لها أن تنتشر ولا سيما بين الصالحين. " الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا" وأن بعض الناس يحب الكفر والفسوق والعصيان إلى درجة تجعله مستعدا لأن ييذل كل ما في وسعه للدفاع عنها بالحجة والمال، بل وبالنفس وكل رخيص وغال.
كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (المائدة: 64)
وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (الأنعام 121)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (الأنفال:36)
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء: 76)
وأنت ترى في هذه الآيات الكريمة وغيرها كيف أن الله تعالى لا يكتفي بإخبارنا عن باطلهم، بل يحثنا على مدافعته، وتغييره. فعلى المؤمنين بالحق أن لا يقفوا عند حدود الاستمساك السلبي به، بل أن يكونوا متعاونين في الدعوة إليه، والدفاع عنه، والسعي لقمع أعدائه بالحجة والبرهان، وبذل النفس والنفيس. "إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير." إن حماة الرذيلة لا يقفون عند حد الدفاع عنها، بل يسعون لمحو معالم كل فضيلة مضادة لها. لكن الذي يمنعهم من ذلك هم جنود الحق المدافعون عنه الباذلون الجهد لإعلاء كلمة الله.
(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )البقرة:251
المصدر موقع الشيخ جعفر إدريس
=============(2/316)
(2/317)
ظواهر أمريكية جديدة ..
في التعامل مع الإسلام
د. محمد بن حامد الأحمري
( 1 ) عندما عزم نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" على زيارة بلدان العرب قبل نحو من شهرين , أخضع نفسه لبرنامج مكثف لدراسة الوضع العربي , ولدراسة طريقة التعامل مع العرب , مع أنه لم يأت للمنطقة العربية من عالم بعيد , فقد كان وزير الدفاع في حكومة بوش الأب , ولما خرج من الوزارة تولى رئاسة شركة بترولية مهمة في دلس رفع ممتلكاتها من أربعة مليارات إلى أربعة عشر مليارًا قبل مجيئه لكرسي نائب الرئيس .
فكان ممن استقدمهم في هذا البرنامج المستشرق اليهودي "برنارد لويس" للقاء مفصل يسترشده فيه عن العرب وعن ثقافتهم وسلوكهم , والأساليب الأجدى معهم , وقد خلص إلى أن عليه أن يعيد بناء العلاقة الشخصية مع زعماء المنطقة (1) .. وهذه من الاستنتاجات والنصائح المكرورة التي تقدم للزعماء الغربيين كلما تعاملوا مع العالم الإسلامي أن يعطوا الأمر طابع "العلاقة الشخصية" !! وهي نصيحة ليست جديدة فقد تلقاها الكثير من الزعماء الغربيين من قبل وكتبوا عنها , فالصداقة والعلاقة الحميمة مفتاح الشخصية العربية !! .
فكانت من محصلة الزيارة والفكرة التي اهتم بها "تشيني" أن المواقف الشخصية الفردية , وإشعار الأشخاص الذين يقابلهم بهذه الجوانب جدير بأن يحقق الخطوات الاستراتيجية لمصلحة بلاده في العالم العربي ؛ فكثير من الأعمال التي شارك فيها أو نفذها فيما بعد أعطاها طابع الصداقة واللقاءات الفردية الخاصة الطويلة , قالوا عنه بأنه أقوى المفكرين اليمينيين الأمريكيين ووصفوه بالعملي العميق المستمع الصموت .
كما أن الموقف اقتضى زراعة الأصدقاء في المجتمع العربي والمسلم والترويج والمدح لهم على الإعلام الغربي , فقد ألقى مرة "مارتن انديك" أول سفير يهودي أمريكي إلى إسرائيل , خطبة على غير المعتاد على "سي إن إن" روج فيها لأحد الحكام العرب , وامتدحه قبل أحد المواقف المهمة المطلوب اتخاذها في شرم الشيخ !! .
( 2 )ولقد تجلت في هذه الأحداث لغة دينية عميقة من قبل الإدارة الأمريكية , فالرئيس يخطب بمصطلحات دينية بسيطة تسيطر على خطبه , مستحضرًا دائمًا كلمات الإنجيل في الصراع بين الخير والشر , ملمحًا إلى أن الغرب يمثل الخير والآخرون يمثلون الشر , ويلمح بالربط بين حرب صدام وحرب طالبان , ويقول "لقد حاولوا من قبل وفشلوا , وهزمناهم , وسوف نهزمهم اليوم" , كما في خطبته بأطلنطا .. ويذكر بالحروب الصليبية , حيث لا تمر عبثًا هذه الكلمات ؛ فلها جمهورها الذي يحب الكلمات المثيرة أو ذات العراقة في المخيلة .
أما وزير العدل فقد أثار الناس كما لم يثرهم غيره من قبله ؛ فـ "أشكرافت" ابن لقسيسٍ , وعميق الشعور بهذه المعاني , وقاموس مصطلحاته ديني بحت , حتى أن أحد الصحفيين لاحظ أنه الوحيد من الزعماء الذين وصفوا سقوطهم السابق في الانتخابات بـ "الصلب" صلب المسيح , ووصف حادثة الترقية والصعود بعد الخسارة بأنها كانت كـ "إنقاذ ورفع المسيح وعروجه للسماء" (2) .. ثم خطب في مكان آخر يدين المسلمين ودينهم وفق قراءته للإنجيل , وبأن إله المسيحية يضحي بابنه "جل الله وتعالى عن ذلك" من أجل الحياة , وإله المسلمين يأمرهم دينهم بأن يرسلوا أولادهم للموت .
ولوحظ منذ فترة أن اعتمدت دوائر ثقافية أمريكية مؤثرة فكرة إشاعة التشكيك في القرآن , وبعد حادثة التفجير في نيويورك تباكت المجلة نفسها أن العالم النصراني والإعلام الغربي , والعربي لم يول مسألة التشكيك في صحة القرآن ما يجب أن يوليها , فالتشكيك في القرآن فيما يرون ينهي التعصب واعتقاد الصحة والعصمة , ويسمح ببدائل له !! وكتبت مجلة "أتلتنك منثلي" عن هذه القصة بأسف كبير , وشكت من تقصير المثقفين في القيام بما يجب .. وعلى رغم أن المجلة علمانية يهودية ولكنها تشترك مع مشروع تبشيري آخر يرى أحد دعاته أنه يجب أن يصطلي المسلمون جحيم الشك والقلق . (3)
وقد أقامت معظم القنوات التلفازية والمجلات والجرائد محاكمات للقرآن , وكانت تستضيف أحيانًا مسلمين يخففون من غلواء الهجوم , ولكن فكرة المقابلة أصلاً هجوم على القرآن نفسه .. ومارست الكنائس هجومًا متكررًا على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم في عدد من جوانب هديه , ومارس بعضهم كذبًا غريبًا على الإسلام والعرب بطريقة فاضحة , من أمثال القسيس "فالول" , وقد لاحظ البيض وجود تعاطف المسلمين السود وإقبالهم على الإسلام ؛ فأعطت إحدى المحطات برامج ثابتة لقسيس ومرشح سابق للرئاسة أسود "آلن كيز" ولا تكاد تخلو ليلة من لياليه من التعريض بالإسلام والعرب والسعودية , وإلصاق الإرهاب بالإسلام .(2/318)
وقد فتحت عدد من المجلات والجرائد نقاشات صريحة وجادة , تتحدث عن أهمية الفصل بين المسلمين وبعض مفاهيم الإسلام , سواء كانت هذه المفاهيم من الإسلام أم ليست منه , وأهمية تصنيف المسلمين بناء على القبول بهذه التصنيفات , فالذين يرون أن الأرض يمكن أن تحكم بقوانين السماء "الشريعة" والذين يرون عصمة النصوص , وعصمة النبي , ويرون تحرير بلادهم من أي معتد , ومن يرون أن الجهاد له علاقة بالإسلام يجب أن يلحقوا بطبعة متشددة منفرة من الإسلام , يمكن لهذه الطبعة أن تسميها بعض المجلات والوسائل الإعلامية "وهابية , أو جهادية , أو بن لادنية" بحيث تشوه هذه الأنواع من الإسلام , ويبقى المسلم الصالح "في نظر الغرب" هو الذي يرى عدم الخلاف مع الغرب مطلقًا , ولا الخلاف مع مصالحه , فالمصالح الغربية يجب أن لا تختلف مع الإسلام أبدًا ولا مع إسرائيل في ذهن المسلم المطلوب للمرحلة القادمة , ويكتب صحفيون في جريدة ومجلة "نيويورك تايمز" مقالات يصرحون فيها بامتداح شخصيات عربية مجهولة , ولا حضور إعلامي لها في بلادها ولا خارجها , ويقدمونهم على أنهم من صاغة ـ أو سيكونون صاغة ـ الفكر العربي والإسلامي في المستقبل القريب , مع الترويج لإحياء الصوفية , والإسلام المتغرب في رأيهم .
( 3 )في عمود يقوم على الإثارة والكذب يحرص صحفي صهيوني من "نيويورك تايمز" على زرع الحقد والخلاف بين المسلمين , بعدما علم أن مجلات وجرائد عربية تترجم هراءه وسمه للمسلمين العرب , وقيل أنه هنأه وزير إعلام عربي على المقالات التي يكتبها هذا اليهودي ضد الإسلاميين , وزعم أن الوزير العربي وزع مقالاته بنفسه على رؤساء تحرير الجرائد في بلده وقال هكذا فاكتبوا ضد الإسلاميين !! وكتب مقالات صريحة يدعوا فيها إلى تجنب الحرب على الإسلام واعتماد استراتيجية "الحرب من داخل الإسلام" .. والحرب على مفاهيمه , ويرى أن هذه السياسة هي خير طريقة للتصحيح أو إثارة الشغب والقلق داخل المجتمع المسلم .
وتتكرر هذه الأيام كلمات ساخرة , تربط كلمات مثل : "قرآن وباكستان وأفغانستان وجهاد وعرب وإسلام وشرق أوسط وفلسطين وطالبان" في خلطة من مجموعة من الكلمات المكروهة والمستبعدة , وأصبحت تكرر بطريقة تثير القرف لدى السامع , وتُعرض غالبًا مرتبطة بصورة لنساء أفغانيات يضربهن رجل في الشارع , أو بصورة زانية يقام عليها الحد في ملعب في كابل , أو قصة الحكم بإعدام زانية أخرى في نيجيريا , أو بالمباني المهدومة في نيويورك , أو دماء يهودية في الشارع , ومطعم يهودي أو سيارة مفجرة .. ولا يتردد كبير المذيعين في "سي إن إن ""لاري كينج" إن يقول أن حربنا هذه مع سكان الكهوف .. وغالبًا تقدم في سياق يتجاوز أفغانستان ليشمل العرب والمسلمين في العالم أجمع .
وفي الصحافة الأمريكية الآن ثمة همهمات تردد أنه بعد القضاء على الأحزاب والجماعات المسلحة , سيكون التوجه لهزيمة الأفكار التي لا يرضى عنها الغرب وقتلها في مهدها , وإقصاء المفكرين الذين يروجون لنقد الغرب ؛ وأن التوجه القادم سيركز على المفكرين المسلمين تقييمًا وتوجيهًا , وستكون هذه "المكارثية العالمية الجديدة" حربًا شعواء في العالم الإسلامي , وقد بدأت بعض خطواتها في أمريكا على الأمريكان أنفسهم , الذين يتحدثون عن العالم الإسلامي بإنصاف , فقد صدرت سلسة مقالات بعنوان "المكارثية الجديدة بعد 11 سبتمبر" وهي أبحاث جديرة بالدراسة والنشر في العالم , ساقت قصص الأمريكان الذين تعرضوا لأذى من مؤسسات حكومية , وطلاب طردوا من جامعات , ومدرسين متدربين أبعدوا من الكليات ؛ منهم طالب ماجستير من ولاية "مين" كان يُدرس في ثانوية جزءًا من برنامج التخرج , بدأ الدرس بسؤال ما هو الإسلام عندكم ؟ ؛ فأجاب الطلاب بما سمعوا في المدرسة والإعلام والكنيسة : "الإسلام , قتل , فقر , جهل , قذارة , تعصب , ضرب للنساء" وكان المدرس فيما يبدو ملحدًا , فتحدث بعد ذلك باعتدال عن الإسلام , ولهذا طرد من المدرسة التي يُطَبِّق فيها , ثم اضطر أن يبتعد عن التدريس , مع أنه ليس مسلمًا .. ولأن الجو المشحون ضد المسلمين لا يحتمل القبول ولا التعقل , وإن كان هذا ما لقيه الملحدون الأمريكان ! فقد وجد المسلمون أنفسهم غير مرغوب فيهم , لا فكرًا ولا كلامًا ولا وجودًا .. وتصدر للحديث عن المسلمين الحاقدون عليهم حتى من المشهورين المعروفين بالكذب من أمثال نتنياهو .. وروع هؤلاء الشعب الأمريكي ورجال الكونجرس , من المسلمين وزعم نتنياهو أن المسلمين سوف يفجرون أنفسهم في الشوارع والمطاعم والمؤسسات الأمريكية ؛ فرد عليه أحد العقلاء وقال "ولكن يا نتنياهو إننا لا نصنع مثلكم ؟إننا لا نحتل أرضهم ولا نهدم بيوتهم!" فانزعج من أن يعترض عليه أحد ولو بحق , وهو المهيج الذي يرى أنه وضع الشعب الأمريكي في جيبه , من خلال جرأته الكبيرة على التدليس .(2/319)
( 4 )هناك مشاريع مشتركة دولية يعلن عن قطع منها في أوقات ومناسبات متعددة , أهمها الموقف من الهجرة العربية والإسلامية "الهجرة غير المرغوبة" وهي هجرة الفقراء والباحثين عن العمل وسبل الرزق , وهذه غير هجرة العقول التي تقوم عليها كثير من المؤسسسات الغربية وخاصة في أمريكا .. فهناك إلحاح بأن يكون البديل من غير المسلمين , من الهند وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا , لأن المسلمين يمثلون مشكلة حضارية دينية للغرب , ولهذا فإن الحكومات تميزهم تمييزًا عنصريًا بحجة التوازن , وبحجة أن المسلمين لا يندمجون في الثقافة المسيحية , مما يجعل "توني بلير" يدعو صراحة إلى وحدة التعليم الديني المسيحي في بلده , أي اعتماد الدولة العلمانية التدريس الديني المسيحي فقط .. فأي علمانية هذه! كما اقتضى الموقف الضغط على أوروبا بأن تستصدر قوانينًا خاصة "غالبًا موجهة ضد العرب والمسلمين , وبعضها نفذ من قبل أحداث نيويورك" وأن تكون لأوروبا سياسة شديدة ضد الهجرة من البلاد الإسلامية , وضد المسلمين , وضد نقل الأموال , ونقل التكنولوجيا , ومراقبة الطلاب المسلمين , واستصدرت الحكومة الأمريكية قرارًا رسميًا من الكونجرس بالمتابعة والتنصت على الطلاب الأجانب .. ومنعهم من بعض التخصصات , وحرمانهم من المميزات التي ينالها بقية الطلاب في الجامعات ـ بعض الجامعات لم تقبل بالتنفيذ السريع ـ والتحقيق مع الطلاب العرب , وتوظيف المخبرين في المساجد ؛ وهيج النصارى في العالم وأولياؤهم في حملة إرهاب وتخويف من المسلمين القادمين , وعادت ألقاب وشعارات البرابرة قادمون , والمسلمون قادمون , والحديث عن الثورة السكانية الإسلامية , واقتحام وحصار أوروبا دينيًا وسكانيًا .. وأن هولندا سيكون فيها بعد عشر سنوات مساجد أكثر من الكنائس . (4)
( 5 )"جيمس روبين" ديموقراطي , زوج المذيعة الإيرانية "كريستانا أمبور" المهتمة بالعالم الإسلامي في "السي إن إن" والذي كان متحدثًا باسم الخارجية الأمريكية , ونائبًا فترة لوزيرة الخارجية "ألب رايت" في حكومة كلينتون , كتب مقالاً غريبًا في جريدة الجارديان البريطانية , ونقلته مجلة "سليت" نصح فيه العالم الغربي أن يحافظ على المسلمين أذلاء وفقراء , لأنهم كلما تحرروا أو اغتنوا تمردوا .. وفلسفة إفقار العالم الإسلامي كانت الشغل الشاغل لعدد من اليهود , ففي تقديمه أمام الكونجرس أصر نتنياهو على أن القضاء على الإسلاميين يستلزم القضاء على الثروة في بلاد الخليج العربي , وإفقار السكان فيها , فمن أصابه البعوض لا يقتلها واحدة واحدة ولكن يجفف المستنقع ـ كما يرى ـ أي تجفف الدول العربية من الثروة .. وشدد الباقون من بقية الجوقة على ضرورة إفقار المسلمين وتجويعهم ؛ فالجائع لا يحارب , وكتب "دانيال بايبس" في عدد من المجلات منها "ناشيونال انترست" , يرد على فكرة "عامل الفقر" وأنها سبب الاعتراض والإرهاب في فلسطين وغيرها , وقال إن تجويع المسلمين قضاء على الإرهاب , حتى أصبحت بعض المجلات تنقل من نصوص كلامه , لتكون ضد من يقول أن الفقر سبب للإرهاب , فهو يرى أن المال والثروة سبب صعوده , وتجويع المسلمين إنهاء للإرهاب .
وبالتالي فمن الأهمية أن تساهم الدول العربية بجزء كبير من ثروتها لمحاربة الإرهاب , والجزء الباقي تساعد به في تأمين بدائل لبترول العرب , الذي جعلوا منه سببًا للإرهاب , وذلك بالمشاركة في تأمين الطريق لبترول آسيا الوسطى .
( 6 ) إن ما يحدث إلى الآن إنما هي أعمال إجرائية مؤقتة , تبحث عن فلسفة جامعة , ومحاولات كثيرة , يحركها الخوف والغضب والسخط , وغاب عنها الكثير من الحصافة ومن التعقل والهدوء , ورغم عمى التعصب والهياج , فسوف يجد الناس منطلقات للخير أنفع مما حصروا العالم فيه .. ومهما أدبر عن الإنصاف والتعقل قوم فلن يعدم الناس من عقلاء , وحريصين على مصالحهم عاجلها وآجلها .
وكثير مما سبق لا ينبني على مفرداته موقف , ولكنه يضيء جوانب من الواقعة , ونحن بحاجة لمعرفة ما يدور أحببنا ذلك أم كرهناه , لا لنزرع اليأس والعداء , ولكن للمعرفة , وللبحث في سبل خلاص الإنسان من جحيم الرعب الذي يهدده في كل مكان .. وبعث الخير والرحمة بالعباد , فدين الله رحمة للعالمين , ولن يطيق الناس ممن ذكرنا استفزاز بعضهم للمسلمين ؛ لن يطيقوا بقاء لغة الخوف والإرهاب والرعب , لغة للتعامل بين البشر في زمن تزيد حاجة كل إنسان للآخر , وتتماسك المصالح وتلح, فأمريكا في أوج عدائها للسودان لم تتخل عن استيراد الصمغ السوداني , والتخاصم مع العراق لم يمنع شراء أمريكا لبتروله , وفي أزمة الرهائن الإيرانيين كان هناك مفاوضات "إيران كونترا" .. فالأفكار القطعية النهائية في العلاقات الدولية ليست كما يتوهم من يصوغ الموقف بأحادية فكرية شديدة , فأمريكا والغرب عامة لن يستطيعوا الخلاص من العالم الإسلامي وجواره له , ومصالحه معه , والمسلمون يحتاجون للغرب من أبسط احتياجاتهم اليومية إلى أكثرها أهمية .. والغرب ليس واحدًا دائمًا في مواقفه ومصالحه وأوقات التحالف عارضة ! وأوقات الخلاف أكثر !(2/320)
ومن نعم الله على الإنسان أن يرزقه عقلاً راسخا , وخاطرًا لا يطيش به حدث , ولا يستخفه موقف , ولا يغيب عن تقدير الواقع , فيذهب بعيدًا في لحظات سخط وانتقام , أو موقف بؤس ويأس , فلم يزل الخير في الأرض كثيرًا , ولم تتمحض الدنيا للشر , ولا للخير , فهما في صراع دائم والله لا يضيع جهد المجتهدين , ونحن في حاجة لإعطاء هذه الأمور قدرها , فها هي أمم جبارة قادرة تطلب من قومها تدبر موقفها النهائي , وتبعث الدارسين للحال , وتتفاهم حتى مع المسلمين طلبًا في مخرج , فليست البساطة والعجلة والنظر القصير والنقمة والاستسلام لفكرة سابقة بقادرة على صناعة مخرج للأمة .. وبعض المتعجلين يزعم استكمال المعرفة بيده , وتحديد طريقة العمل ومستقبل الأمم وحسم المواقف من خاطرة عابرة !! .
ومكاسب الإسلام الكبرى من إقبال الناس عليه ـ لم يسبق لها مثيل ـ بأن تسلم هذه الأعداد أو تحرص على المعرفة , وإن كان منهم دافعه غير معروف , ولكن هناك عدد كبير يبحث الآن بجد وصدق عن الإسلام و أن يكون حلاً لمعاناته .. وزيادة عدد المسلمين والثورة السكانية في بلاد المسلمين حقيقة كبرى من حقائق العصر القادم , والحيوية في البحث عن فكر يبشر بخير كثير , والتساؤل الإسلامي عن المستقبل يكبر , والحوادث تجمع ,, والكراهية للمسلمين قد تصنع بينهم محبة وولاء أيضًا .
وضعف الدول الإسلامية أمر محزن , ولكنه ليس شرًا خالصًا , فقد أعطى تنوعًا , وتحولاً وتحديًا , ورحم الله المسلمين في عصر ذلتهم ألا تكون لهم حكومة واحدة قاهرة , تسيمهم سوء العذاب , فمن رأى التطرف العلماني في تركيا , ورأى تشدد آخرين أيقن أن الله راع ومظهر للحق بين الغالي والجافي .. وتنوع آراء المسلمين ومدارسهم في هذا مهاد صالح للتفكير الصادق والعمل الجاد لنقد الأعمال القائمة والخروج بفكرة وعمل أصلح .. وهناك محاولات جادة في كل زاوية للمراجعة الفكرية عند الأفراد , والجماعات والشعوب , والحكومات .. ومن أسباب ذلك جفاف النبع الفكري الغربي , الذي تعود أن يصدر فكرًا وأن ننجب له أتباعًا .. ولكنه اليوم يقف معترفًا أنه لا يملك شيئًا يقوله , ويدعو للعودة للمسيحية , أو الوثنيات القديمة , فهو مجتمع يهرب من قيمه التي حكم بها العالم , ويجبر الشعوب اليوم على عقيدة ؛ ثم يعلن الحرب عليها من يومه أو غده , كما يحدث للعولمة , فإن المبشرين بها يغتالونها بالضرائب ؛ كضرائب "الحديد" التي فرضت أخيًرا , ووضع الصعوبات في تنقل الأشخاص والبضائع مما لا يعطي ثقة ولا طمأنينة بفكرة حالية أو قادمة .
وإننا بأمس الحاجة لأن نقوم فنتدبر أمرنا , ونعطي لما يحدث مزيدًا من الفهم والوعي , فما كل خصومة تحمل شرًا دائمًا , ولا كل المواقف نقدم لها بالخسارة على الجميع , بل قد يكون في التعاون بين المجتمعات بداية سلم وخير وهدوء ونصر للحق .. ومهما أرعبنا العالم فإن إصرارنا على تقديم الخير لمن يخالفنا , وفي زمن قد يكون خير جواب لموقف الأذى مد يد الهداية والإنقاذ , والذين كانوا يصرون على الصلف كان الأنبياء يصرون على فتح أبواب الأمل والهداية لهم , لأن هذا ما كان الأنبياء يملكونه في تلك اللحظات .. ومن المهم الحرص على إنقاذ أنفسنا من كل ما يسيئ لديننا ولحياتنا الإسلامية , وهذا كفيل بأن يعيننا في صياغة آرائنا في أنفسنا , وفي العالم من حولنا .. وآلامنا الكبرى من واجبنا أن نصنع بها أعمالاً أكبر , وخيرًا للعالم كله , حتى من يفكر بالانتقام والقتل للمسلمين علينا أن نمد له يد الهداية الواثقة , لأن الجهل والتجبر لا يعود بخير على أحد .
الهوامش
1 ـ كينيث ويلش "تشيني خارج المخبأ" مجلة "يو إس نيوز آند وورلد ريبورت" عدد 25 مارس 2002 م ص 18 : 20 .
2 ـ إذاعة "ناشيونال ببلك رايدو" يوم الخميس 11/4/2002 م .
3 ـ مجلة "موثر جونز" عدد شهر جون 2002 م , من مقال عن الإرساليات في العالم الإسلامي بعنوان "الاستراق الصليبي" .
4 ـ صدر قبل أحداث نيويورك كتاب إنذار للغرب سماه مؤلفه بيوكانن "موت الغرب" وحاز على اهتمام كبير وأصبح من الكتب الأكثر مبيعًا في أمريكا , وحذر الكاتب من مشكلة الانهيار في معدل الولادة لدى البيض , وانهيار الوضع الديني , فالكنائس في أوروبا كما يقول تغلق أو تحول إلى مساجد .. والجنس الأبيض يندثر .
المصدر مجلة المنار الجديد
-===========(2/321)
(2/322)
حرب معلوماتية
د. مالك الأحمد
منذ ما يقارب العام استُنفر العالم ـ أثناء حربه على الإرهاب ـ على الجمعيات الخيرية الإسلامية، وتم إيقاف العديد منها في أمريكا وبعض البلدان الأوروبية، وتم التضييق على بعضها الآخر، فضلاً عن حملة التشهير الإعلامية الواسعة؛ دون التكلف بتقديم أدنى المسوغات.
وكانت الخاتمة التضييق على هذه المؤسسات ـ ومنها المؤسسات الخيرية في السعودية ـ في المشاركة العامة في المؤتمرات الدولية؛ حيث منعت فرنسا وفداً سعودياً ممثلاً للمؤسسات الخيرية الإسلامية في السعودية من المشاركة في مؤتمر عالمي عقد في فرنسا، نظمته الجمعية العربية لحقوق الإنسان، وحضره وفود من 65 دولة.
خضعت فرنسا ـ رافعة لواء الحرية والعدالة ـ للضغط الأمريكي، والذي بلغ أوجه في توجيه الاتهام للكثير من المؤسسات الخيرية الإسلامية بدعم الإرهاب بأموال التبرعات!!
السؤال: كيف نرد على ذلك؟ وكيف نواجه الموقف الأمريكي ذا النزعة الصليبية، والذي يحاول محاصرة النشاط الإسلامي الممثل في الأعمال الخيرية والدعوية التي تقوم بها المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم الإسلامي خصوصاً، والعالم الثالث عموماً؟
لا شك أن جزءاً من المقاومة حرب إعلامية ومعلوماتية؛ بحيث تكون مصادرنا موثقة، ومعلوماتنا مؤكدة، وصياغتنا موضوعية.
لا بد أولاً من جمع المعلومات حول النشاط التنصيري في العالم ومنه العالم الإسلامي، وتوضيح أن هذا النشاط يمد اللقمة بيد والصليب في اليد الأخرى، ويستخدم أسلوب الترغيب والترهيب.
ولا بد أيضاً من بيان مجاراة المنصرين للعقائد الوثنية ـ في إفريقيا مثلاً ـ وسعيهم إلى مزاوجتها بالنصرانية؛ بحيث ينتج دين هجين ظاهره النصرانية وباطنه الوثنية الصارخة، وهذا فقط لإقناع الوثنيين بالدخول في النصرانية.
لا ننسى أيضاً أن الجمعيات الكنسية تدعم الدكتاتوريات في إفريقيا، وتؤيد القمع السياسي، وتتحالف مع الأحزاب السياسية التي تضمن لها العمل بحرية.
وليس من الأسرار أن «جون جارنج» في جنوب السودان تدعمه الكنائس الغربية وبالمال، وتضغط على الحكومات الغربية لدعمه بالسلاح، وبالطبع فإن جميع وسائل النقل والإمكانات اللوجستية للمنصرين تحت تصرفه.
لا بد أيضاً من توضيح السلوكيات الحاقدة للمنصرين الذين يقصدون مناطق المسلمين وتجمعاتهم في إندونيسيا لبناء الكنائس؛ لتكون منطلقاً للتنصير بين أبناء المسلمين.
نحتاج لعمل بحوث ميدانية، وجمع معلومات تفصيلية، ومقابلة الناس في مناطق المسلمين الفقيرة ومناطق العالم الثالث؛ لتوعيتهم حول نشاط المنظمات الكنسية ودورها في مجتمعاتهم، مع الحرص على التوثيق والصور لدعم المعلومات.
من جانب آخر لا بد من التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني، وهيئات حقوق الإنسان، والمنظمات الإنسانية؛ لبيان طبيعة الدين الإسلامي، وتوضيح نشاط الجمعيات الإسلامية، ودورها الإغاثي والتعليمي، وأهدافها النبيلة، وعرض مقالات الناس والمسؤولين في مناطق عملهم حول هذه الأنشطة، وأثرها عليهم وعلى مجتمعاتهم.
أما وسائل الإعلام ـ العربية منها والغربية؛ خصوصاً ذات الانتشار الواسع ـ فيجب الاتصال بها والتنسيق معها لعرض أنشطة الجمعيات، وإبراز دورها، وعرض خططها وبعض ميزانياتها؛ مما يصلح للنشر.
إن وسائل الإعلام أصبحت مصدراً لتلقي المعلومات، ثم سبباً لاتخاذ المواقف من قبل أهل السياسة والفكر حتى رجال الأعمال، لذلك فإن حسن العلاقة معها مهم للغاية، ولا يكفي أن يكون في كل مؤسسة خيرية مسؤول علاقات عامة، بل لا بد من إدارة كاملة للإعلام تتولى التعريف بالأنشطة، والتواصل مع وسائل الإعلام واسعة الانتشار، وكسر شوكة الحصار الإعلامي الخبيث الذي تقوم به الولايات المتحدة ضد الجمعيات الخيرية الإسلامية، {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8].
الحرب المعلوماتية والإعلامية ضرورة عصرية للمؤسسات الخيرية، والصيغة لا بد أن تكون إيجابية؛ بمعنى أن تبادر وتهاجم ولا تدافع إلا عند الضرورة، وألا يكون الدفاع سياسة؛ بل موقفاً مؤقتاً.
بالطبع لا بد من التنسيق والتعاون بين الجمعيات الخيرية الإسلامية، ووضع أطر عامة للتعامل مع الواقع الحالي والتحديات الضخمة، وأن يكون الحدث الحالي فرصة للالتقاء والتنسيق، فالعدو واحد، والمستهدف واحد وهو العمل الخيري الإسلامي، وإذا لم تستطع المؤسسات ترتيب أوراقها في أوقات المحن والأزمات؛ فمتى تستطيع ذلك؟
http://www.albayan-magazine.comالمصدر
============(2/323)
(2/324)
الحوار الإسلامي النصراني
أو الحوار بين مسلمين ونصارى
د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي((*
بعث الله نبيهمحمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأمره بالدعوة إليه، فعمَّ وخصَّ، فقال ـ سبحانه ـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إلَهَ إلاَّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]،
وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
وحذَّره ربُّه أن يجنح إلى شيء من محاولات الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين لاستزلاله عما بُعث به، فعمَّ وخصَّ، فقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون]، وقال في خاصة أهل الكتاب: {وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}، إلى أن قال: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ} [المائدة: 48 - 49] .
فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فدعا عشيرته الأقربين، وثنى بسائر العالمين، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: «أن نبي ا صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار؛ يدعوهم إلى الله تعالى. وليس بالنجاشي الذي صلى عليه صلى الله عليه وسلم »(1). وكان نص كتاب صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: أسلم تسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم اليريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله؛ فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون»(2).
وعلى هذا الصراط المستقيم سار صحابته الكرام، والتابعون لهم بإحسان، وهم يفتحون القلوب قبل الحصون، ويُدخلون الناس في دين الله أفواجاً، وعلى خطاهم سار الموفقون من سلف هذه الأمة عبر القرون المتطاولة، لا يعرفون غير الدعوة إلى الله بالحجة والبيان، فإن لم؛ فبالسيف والسنان، {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، لا يعرفون شيئاً من الطرائق المحدثة من تقريب أو تلفيق أو توفيق.
فلما استدار الزمان، وتحلحلت عرى الإيمان، وآل حال أهل الإسلام إلى ضرب من الضعة والانكسار في القرون الأخيرة؛ طمع فيهم عدوهم، واستهوى رقاق الدين منهم إلى مدارج من الفتنة والاستزلال ـ والتي حذر الله نبي صلى الله عليه وسلم منها والمؤمنين ـ فاستشرفوها فاستشرفتهم، فلم يزل أمرهم في سفال، فلا هم أرضوا ربهم، ولا هم نالوا من مخالفهم بعض ما منَّاهم به.
فمن ذلك: فتنة (التقارب الإسلامي المسيحي)، كما كانت تسمى قبل ثلاثة عقود، ثم لطِّفت فسُمّيت: (الحوار الإسلامي المسيحي)، ثم وُسِّعت بين يدي «اتفاقية أوسلو» للتطبيع مع اليهود، فصارت: (حوار الأديان)، وربما: (حوار الأديان الإبراهيمية)، ثم لم تزل تتسع في ظل الدعوة إلى العولمة لتصبح: (حوار الحضارات) فتشمل الهندوسية، والبوذية، وسائر الملل الوثنية، في زخرف من القول، وبهرج من العمل.
وقد كانت الجبهة العريضة ـ تاريخياً وجغرافياً ـ تجاه العالم الإسلامي هي الغرب النصراني، ولا يزال، وسيظل كذلك إلى قيام الساعة، كما في حديث المستورد القرشي - رضي الله عنه - أنه سمع صلى الله عليه وسلم يقول: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس)(1). وأحاديث الفتن والملاحم ـ في الصحاح والسنن والمسانيد ـ متوافرة على أنهم خصوم المستقبل، كما أنهم خصوم الحاضر والماضي، وهم اليوم يملكون الآلة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والهيمنة الإعلامية، ومع ذلك تنطلق من مراجعهم الدينية والسياسية الدعوة إلى التقارب والحوار.. فما سر ذلك؟!
إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي أن نلم بجانب وصفي معاصر لنشأة ظاهرة (الحوار الإسلامي النصراني) أو (الحوار بين مسلمين ونصارى) على وجه الدقة؛ حتى لا نضفي على بعض الممارسات الخاطئة الصفة الإسلامية، بل ننسبها إلى أفراد أو هيئات من المسلمين خاضوا فيها بحسن نية وجهل حيناً، وتساهل وتجاهل أحياناً.(2/325)
ü وقائع معاصرة:
- في عام (1301هـ/ 1883م) أسس الشيخ محمد عبده، والقس الإنجليزي «إسحاق تيلور»، وجمال رامز بك (قاضي بيروت)، ونفر من الإيرانيين ـ جمعية سرية للتقريب بين الأديان في بيروت.
- في عام 1935م انعقد مؤتمر (تاريخ الأديان الدولي) في بروكسل، وأوفد شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي كلاً من الأستاذين: مصطفى عبد الرازق، وأمين الخولي.
- في عام 1936م انعقد (المؤتمر العالمي للأديان) في لندن، وانتدب الشيخ المراغي أخاه عبد العزيز لإلقاء كلمة نيابة عنه.
- في عام 1937م انعقد (المؤتمر العالمي للأديان) في جامعة السربون، وانتدب الشيخ المراغي الشيخ عبد الله دراز نيابة عنه.
- في عام 1941م أسس المستشرق الكاثوليكي الفرنسي «لويس ماسينيون»، والأب الكاثوليكي المصري «جورج قنواتي» (جمعية الإخاء الديني)، وضمت في عضويتها بعض علماء الأزهر.
- في عام 1948م (عام إعلان قيام دولة إسرائيل) أسس اليهودي الأمريكي «المير برجر» (جمعية الأصدقاء الأميركان للشرق الأوسط)، واستدرج لمنصب نائب رئيسها الشيخ محمد بهجة البيطار ـ رحمه الله ـ، ثم تبين له لاحقاً خلاف ما كان يؤمل.
وكان من نشاطها:
- في عام 1954م انعقد مؤتمر (القيم الروحية للديانتين المسيحية والإسلامية) في (بحمدون) في لبنان، ثم مؤتمر (لجنة العمل للتعاون الإسلامي المسيحي) في الإسكندرية عام 1955م، ثم مؤتمر (لجنة مواصلة العمل للتعاون الإسلامي المسيحي) في (بحمدون) عام 1956م.
ثم انطفأت تلك الجمعية المشبوهة أمام رياح الريبة من الدوافع اليهودية والأمريكية وراءها.
- في عام 1962م - 1965م انعقد المجمع الفاتيكاني الثاني، لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية في حاضرة الفاتيكان؛ ليزيح عن النصارى عقيدة (لا خلاص خارج الكنيسة)، ويوسع مفهوم (الخلاص) ليشمل المسلمين، وينظر إليهم بتقدير، ويحرضهم على نسيان الماضي، والعمل باجتهاد صادق في سبيل التفاهم، عن طريق الحوار والتعاون، كما جاء في دساتير المجمع وبياناته، فكان ذلك إيذاناً بانفتاح باب الحوار على مصراعيه، وانطلاق فعاليات التقارب من مؤتمرات، وندوات، وتبادل زيارات، وافتتاح سفارات، على أوسع نطاق.
- في عام 1964م أنشأ البابا «بولس السادس» (أمانة السر للعلاقات بغير المسيحيين)، تطورت في عام 1989م إلى (المجمع البابوي للحوار بين الأديان).
- في عام 1969م حذا مجلس الكنائس العالمي حذو الكنيسة الكاثوليكية؛ إثر مؤتمر (كرتينيه) قرب جنيف، ودعا إلى الحوار مع المسلمين على أصعدة متعددة.
- في عام 1971م أسس مجلس الكنائس العالمي (الوحدة الفرعية للحوار مع معتنقي المعتقدات الحية والإيديولوجيات)، ثم عقد العديد من المؤتمرات في آسيا وإفريقيا والعالم العربي؛ في عقد السبعينيات الميلادية.
- في عام 1968م انطلقت في الفلبين سلسلة من المؤتمرات في مناطق المسلمين، رعتها جهات أكاديمية حتى منتصف السبعينيات، ثم تولتها الحكومة الفلبينية بعد ذلك.
- في عام 1969م شرع الشيخ حسن خالد (مفتي لبنان) في عقد مؤتمرات (إسلامية ـ مسيحية) محلية متتابعة، لكن أوقفتها الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م.
- في عام 1970م بدأت سلسلة من اللقاءات بين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، وأمانة السر الفاتيكانية للعلاقات بغير المسيحيين.
- في عام 1971م شرعت وزارة الشؤون الدينية في إندونيسيا بعقد مؤتمرات متتابعة في أرجاء الجزر الإندونيسية، بلغت ثلاثة وعشرين مؤتمراً محلياً خلال ست سنوات، روجت لفكرة وحدة الأديان إلى حد بناء مجمع للمعابد الدينية للأديان المعترف بها في الحديقة الوطنية.
- في عام 1974م بدأت في الهند لقاءات بين مسلمين ونصارى؛ بتنسيق من مجلس أساقفة الهند الكاثوليك، ومعاهد تنصيرية، وأفراد من المسلمين، واستمرت حتى التسعينيات.
- في عام 1974م شرعت (جمعية الصداقة الإسلامية المسيحية في إسبانيا) في عقد مؤتمراتها في قرطبة؛ حتى احتفلت عام 1986م بمرور اثني عشر قرناً على تأسيس الجامع الأموي.
- في عام 1974م أقامت جماعة صوفية مؤلفة من أوروبيين ومغاربة، تُسمى (فرقة الأبحاث الإسلامية المسيحية)، وتنتمي إلى (دير سيننكا) في فرنسا ـ العديد من اللقاءات الروحية في عواصم أوروبية ومغربية.
- في عام 1974م قام وفد مكون من تسعة علماء من المملكة العربية السعودية، على رأسه وزير العدل الشيخ محمد بن علي الحركان بزيارة للفاتيكان، وبالتقاء البابا «بولس السادس»، وعقد ندوة عن حقوق الإنسان في الإسلام، سبقتها ندوة في باريس، وتلتها ثلاث ندوات في كل من جنيف، وباريس ثانيةً، وستراسبورج، وكان لها صدى واسعاً.
- في عام 1976م انعقدت (ندوة الحوار الإسلامي المسيحي) في طرابلس بليبيا؛ بتنظيم من الفاتيكان والحكومة الليبية، وبحضور كبير وتمثيل واسع من مختلف الطوائف والشخصيات، وقد فاجأ الرئيس معمر القذافي شركاءه النصارى بإلزامهم بالاعتراف بنبوة صلى الله عليه وسلم ، والإقرار بتحريف كتبهم، وإدانة إسرائيل؛ مما أدى إلى ولادة متعسرة للبيان الختامي، وقيام الكنيسة الكاثوليكية بإعادة تقويم مسيرة الحوار.(2/326)
- في حقبة السبعينيات الميلادية نشطت مؤتمرات الحوار الإسلامي النصراني في أوروبا الغربية؛ برعاية كنسية، وصبغة صوفية. وفي عقد الثمانينيات اتخذت منحى اجتماعياً؛ بفعل الهجرة المتزايدة لأوروبا من البلاد الإسلامية، ورعتها مؤسسات اجتماعية وأكاديمية، ومع تنامي الوجود الإسلامي في أوروبا وتنظيمه في التسعينيات؛ بادرت حكومات غربية إلى احتضان الحوار وتوجيهه، وكذلك الحال في أمريكا الشمالية.
- في عام 1979م سعى الرئيس المصري الراحل أنور السادات ـ إثر اتفاقيات (كامب ديفيد) مع اليهود ـ إلى بناء (مجمع للأديان) في (وادي الراحة) في صحراء سيناء، يضم (مسجداً، وكنيسة، وكنيساً)، وإلى طباعة القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، في غلاف واحد.
- في عام 1986م دعا البابا «يوحنا بولس الثاني» إلى صلاة مشتركة بين أتباع مختلف الأديان في بلدة (إسيزي) الإيطالية، مسقط رأس القديس «فرانسيس الإسيزي»، وأمّهم البابا في دعاء جماعي، وقد أخذت جمعية (سانت إيجيديو) التنصيرية الإيطالية على عاتقها تكرار هذه المناسبة، ولا تزال إلى يومنا هذا.
- في عام 1987م دعا المفكر الفرنسي «روجيه جارودي» ـ المنسوب إلى الإسلام ـ إلى (الملتقى الإبراهيمي) في قرطبة، واتخذ من (القلعة الحرة) مقراً لمؤسسته ومتحفه.
- نشأ في بعض البلدان العربية ذات التعددية الدينية ـ كلبنان، والأردن، وفلسطين، وتونس، والسودان ـ جمعيات متخصصة، ومراكز للحوار الإسلامي النصراني، أسسها جماعة من النصارى العرب، ومدت الجسور مع نظيراتها في العالم الغربي، وعُنيت بنشر ثقافة التقريب، وعقد المؤتمرات، وإصدار المطبوعات.
هذا غيض من فيض من حركة دائبة، واسعة الانتشار، متنوعة المناشط، تجاوزت مؤتمراتها ثلاثمائة مؤتمر خلال أربعة عقود، تُعنى بها أكثر من مائة جمعية ومركز في أركان الأرض الأربعة.
ü بواعث الحوار:
ثمَّ بواعث متعددة تكمن خلف المبادرة النصرانية للدعوة إلى الحوار مع المسلمين؛ منها:
أولاً: باعث الصد عن سبيل الله: قال ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99]، وقال: {وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72] .
لقد راع الكنائس الغربية في العصر الحديث انفتاح شعوبها على الإسلام، واعتناق ألوف منهم إياه؛ بعدما أتيح لهم سماع كلمة الحق بشكل أفضل من ذي قبل ـ حين كانت الكنيسة تغذي رعاياها بمعلومات مغلوطة منفرة عن الإسلام، ونبي صلى الله عليه وسلم ، وكتابه، وتاريخه ـ، فحين انفتح الناس بعضهم على بعض؛ خطف بريق الإسلام أبصار الغربيين الذين تحرروا من هيمنة الكنيسة، واعتمدوا التفكير المنطقي الحر، فرأت المراجع الكنسية أن لا جدوى من المجابهة؛ فهي أضعف من أن تقف أمام متانة العقيدة الإسلامية، وإحكام شريعتها، بل إن التحدي سيُكسب الإسلام مزيداً من الأنصار، ومن ثم تفتقت عقولهم عن فكرة (التقريب والحوار) للظهور أمام مواطنيهم بمظهر التآلف لا الندّية، والوفاق لا المجابهة، والحوار لا القطيعة؛ وبذلك يطفؤون روح التشوّف لدى رعاياهم، ويقرون في قلوبهم أن الفروق بين الأديان فروق شكلية، وكلها تؤدي إلى الله، فلا حاجة إلى تجشم عناء التغيير.
وقد أفصح عن هذا الباعث الخفي القس «أريا راجا» حين قال: «تواجه الكنيسة اليوم واقعاً يتسم بالجدة؛ ففي الماضي كانت العلاقة بالأديان الأخرى تساعد الكنيسة على إغناء ذاتها وتطوير إيمانها... أما اليوم فقد تبدلت الأوضاع تماماً، ومن المهم أن نشير إلى بعض خصائص هذه الحقبة من تاريخ البشرية:
أولاً: لقد تحررت الأديان الأخرى من وطأة الاستعمار، وهي تطرح نفسها اليوم كبديل عن الإيمان المسيحي له شموليته، ولقد حدث في تلك الأديان ما يشبه النهضة خلال السنوات الأخيرة، فظهرت فيه حيوية جديدة...
ثانياً: لقد توغلت تلك الديانات إلى حد بعيد، حتى في الغرب المسيحي؛ مما جعل من التعددية الدينية واقعاً في كل المجتمعات تقريباً، فعدد المسلمين في فرنسا يفوق عدد المسيحيين المصلحين، ومسلمو بريطانيا أكثر من الميتوديين فيها...
ثالثاً: وربما كان هذا هو الأهم، هناك وعي متزايد لغنى الأديان الأخرى... كان المسلمون في الماضي يُحسبون منافسين، أما اليوم فنشهد اهتماماً متزايداً في مفهوم الإسلام للجماعة وللصلاة... وبعبارة أخرى: فإنه لا العدائية اللاهوتية، ولا اللامبالاة تجاه الأديان الأخرى مسموح بهما بعد اليوم، فالطرق التي انتهجها المسيحيون قديماً في تعاملهم مع الأديان الأخرى لم تعد تكفي»(1).(2/327)
ثانياً: الباعث التنصيري: قال ـ تعالى ـ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 135]، لا ريب أن التنصير أو (البشارة) ـ كما يسمونه ـ يحتل موقعاً مميزاً في الديانة النصرانية، وحين تبنى النصارى خيار الحوار؛ لم يكن ذلك تخلياً منهم عن وظيفتهم العتيقة، ففي الدستور الرعوي (الكنيسة في عالم اليوم) الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني؛ جاء ما يلي: (تبدو الكنيسة رمز هذه الإخوة التي تنتج الحوار الصادق وتشجعه، وذلك بفعل رسالتها التي تهدف إلى إنارة المسكونة كلها بنور البشارة الإنجيلية)(2).
ولما رأى بعض النصارى في الحوار خيانة للبشارة، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية وثيقة بعنوان (حوار وبشارة) عام 1991م، جاء فيها: (إن المسيحين وهم يعتمدون الحوار بروح منفتح مع أتباع التقاليد الدينية الأخرى؛ يستطيعون أن يحثوهم سلمياً على التفكير في محتوى معتقدهم... نظراً إلى هذا الهدف ـ أي قيام الجميع بارتداد أعمق إلى الله ـ يكون للحوار بين الأديان قيمته الخاصة، وفي أثناء هذا الارتداد قد يولد القرار بالتخلي عن موقف روحي أو ديني سابق لاعتناق آخر)(3). أما «مجلس الكنائس العالمي» فقد صرح في كتاب (توجيهات للحوار) بالقول: (يمكننا بكل صدق أن نحسب الحوار كإحدى الوسائل التي من خلالها تتم الشهادة ليسوع المسيح في أيامنا)(4).
ومن بين أربعين بحثاً قُدّمت في مؤتمر المنصرين البروتستانت لتنصير المسلمين عام 1978م؛ كان هناك بحث بعنوان: (الحوار بين النصارى والمسلمين وصلته الوثيقة بالتنصير)، ناقش «دانيل آر بروستر» فيه هذه المسألة، وخلص إلى القول: (إذا شعرنا بأن شكلاً ما من أشكال الحوار يمكن أن يكون مفيداً لكسب المسلمين؛ فعندئذ يكون مهماً أن نبدأ الآن في تخطيط كيفية القيام بذلك)(5).
ثالثاً: الباعث السياسي: قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118)هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)ن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118 - 120].
كان من أكبر الدوافع التي صاحبت انطلاق التقارب الإسلامي النصراني في عقد الستينيات؛ طغيان المد الشيوعي الملحد على العالم، وتهاوي معاقل النصرانية أمام الفكر المادي الكاسح، فرأى المعسكر الرأسمالي الغربي أن يدعم جبهة المتدينين، ويوحد صفوفهم لكبح جماح الشيوعية.
لقد وُلدت الدعوة إلى التقارب وولدت معها تهمة (الباعث السياسي)، فقد قال مدير الأبحاث والنشر في (جمعية الأصدقاء الأميركان للشرق الأوسط) «إريك ولدمار» بين يدي مؤتمر (القيم الروحية للديانتين المسيحية والإسلامية) المنعقد في (بحمدون) في لبنان عام 1954م: «إن غاية المؤتمر واضحة جلية، وهي محاربة الإلحاد، والعمل على التقارب بين المسيحيين والمسلمين، وتوحيد القوى ضد التيارات التي تحاول النيل من عقائد هاتين الديانتين»(1). وأفصح أحد أعضاء المؤتمر بجلاء عن الباعث الحقيقي خلف تلك التظاهرة، فقال: «إن العالم الحر اليوم ـ أكثر من أي زمن آخر ـ يحسب الحساب للتطورات العالمية، وازدياد خطر الشيوعية، وإن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر بعين القلق إلى التطورات والأحداث الجارية في الشرق الأوسط، وترى من واجبها أن تقوم بكل ما في وسعها، كقائدة للدول الخارجة عن الستار الحديدي الشيوعي، للقضاء على الشيوعية التي أخذت تتفشى في الشرق الأوسط بشكل مريع»(2).
ومن العجب أن المعسكر الشيوعي المقابل شهر الأداة نفسها في وجه خصمه الرأسمالي، فقد رعى الاتحاد السوفييتي وبقية دول المنظومة الشيوعية مؤتمرات مُسيَّسة للحوار الإسلامي النصراني؛ لمناقشة قضايا التسلح النووي، والاستعمار، والتنديد بالسياسات الأمريكية، كان عرّابها بطريرك موسكو وسائر روسيا الأرثوذكسي «بيمن»، ومن الجانب الإسلامي مفتي سوريا الشيخ أحمد كفتارو.
كما أن الحكومات الغربية في عقد التسعينيات تبنت قضايا الحوار الإسلامي النصراني لتتمكن من دمج المهاجرين المسلمين في بنية المجتمعات الغربية، واتخاذهم ورقة ضغط على الحكومات الإسلامية لتقديم تسهيلات مماثلة؛ لتعزيز نفوذ الأقليات النصرانية في البلدان الإسلامية، ومهاجمة مشروع الدول الإسلامية، وتطبيق الشريعة.
ü اتجاهات الحوار:(2/328)
ثمَّ ثلاثة اتجاهات يجري الحوار الإسلامي النصراني المعاصر في مضمارها، تنتظم هذا الكم من المؤتمرات والمنتديات، وتفصح عنها أدبيات ذلك الحوار وبياناته الختامية؛ وهي:
أولاً: اتجاه التقريب: وهو الاتجاه السائد، والمستمد من مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني، ويمثل معظم المحاولات العالمية والإقليمية والمحلية التي يتواضع عليها المتحاورون. وأبرز معالمه ما يلي:
1 - اعتقاد (إيمان) الطرف الآخر، وتسويغه، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو.
2 - الاعتراف بقيم الآخر، واحترام عقائده وشعائره، وعدم تخطئته أو تضليله أو تكفيره.
3- تجنب البحث في المسائل العقدية الفاصلة؛ للحفاظ على استمرارية الحوار.
4- الدعوة إلى معرفة الآخر كما يريد أن يُعرف، ورفع الأحكام المسبقة.
5- نبذ (التلفيقية) و (التوفيقية)، واحتفاظ كل طرف بخصائصه.
6 - تجنب دعوة الآخر، ومحاولة اجتذابه، وحسبان ذلك خيانة لأدب الحوار.
7 - إبراز أوجه التشابه والاتفاق، وإقصاء أوجه التباين والافتراق.
8 - الدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي، والاعتذار عن أخطائه، والتخلص من آثاره.
9 - التعاون على تحقيق القيم المشتركة.
10 - تبادل التهاني والزيارات والمجاملات في المناسبات الدينية المختلفة.
ثانياً: اتجاه التوحيد: وهو اتجاه يستصحب معظم الخصائص السابقة لدى دعاة التقريب، ويزيد عليها ما يلي:
1 - اعتقاد صحة جميع المعتقدات، وصواب جميع صور العبادات.
2- الاشتراك في صلوات وممارسات وطقوس مشتركة.
ويمثل هذا الاتجاه غلاة الصوفية قديماً، كابن عربي، وابن الفارض، والحلاج، وحديثاً بعض المتمسلمين الأوروبيين مثل (روجيه جارودي)، و «فرقة الأبحاث الإسلامية المسيحية»، المنبثقة عن دير سيننكا في فرنسا، ومجمع «سوبود» في إندونيسيا، وفروعه في ثمانين دولة.
ثالثاً: اتجاه التلفيق: وهو اتجاه يهدف إلى تشكيل دين جديد ملفق من أديان وملل شتى، ودعوة الآخرين للانخلاع من أوضاعهم السابقة، واعتناق دين مهجن، ويمثل هذا الاتجاه قديماً (البهائية)، وحديثاً (المونية) التي يعتنقها أكثر من ثلاثة ملايين شخص في العالم، وتعقد مؤتمرات للحوار باسم (المجلس العالمي للأديان).
ü الحوار المشروع:
لفظ (الحوار) مصطلح حادث، لا يحمل حقيقة شرعية يمكن الإحالة عليها، بل ولا يحمل دلالة قانونية مستقرة تكشف عن أبعاد استعمالاته، يقول د. عبد العزيز التويجري: (مفهوم الحوار في الفكر السياسي والثقافي المعاصر؛ من المفاهيم الجديدة، حديثة العهد بالتداول، ولعل مما يدل على جدة هذا المفهوم وحداثته أن جميع المواثيق والعهود الدولية التي صدرت في الخمسين سنة الأخيرة، بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة، تخلو من الإشارة إلى لفظ الحوار)(3).
ولهذا لم يبق سوى الدلالة اللغوية، فالحوار مادته (حور) و (الحور: الرجوع عن الشيء إلى شيء... والمحاورة: المجاوبة. والتحاور: التجاوب)(4)، قال الراغب: (والمحاورة والحوار: المرادة في الكلام، ومنه التحاور، قال ـ تعالى ـ: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1])(1).
ولعل هذا هو السر في تحبيذ المشتغلين بالحوار لهذا اللفظ، وهو أنه لا يحمل هدفاً مبيتاً، أو التزاماً مسبقاً بشيء يحرج الداعين إليه، والمنخرطين فيه.
وحيث (لا مشاحة في الاصطلاح)؛ فلا بد من البيان الذي يرفع الإبهام، والإيضاح الذي يزيل الالتباس، فنقول:
إن الحوار الشرعي نوعان:
الأول: حوار الدعوة: وهو وظيفة المرسلين، وخلفائهم من العلماء الربانيين، والدعاة الناصحين، وهو مشروع الأمة الإسلامية، وعنوان خيريتها على سائر الأمم. ومضمون هذا الحوار هي (الكلمة السواء) التي دل عليها قوله ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 64]، وأسلوبه هو ما دل عليه عموم قوله ـ تعالى ـ: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] ، وخصوص قوله: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، وترجمته العملية سيرت صلى الله عليه وسلم في دعوة أهل الكتاب؛ من يهود المدينة، ونصارى نجران، ومكاتباته لملوك الأرض، ثم طريقة السابقين الأولين من الصحابة والتابعين والسلف الصالح، كمحاورة جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وأصحابه للنجاشي وبطارقته، وهدي الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في معاملة أهل البلاد المفتوحة، وأسلوب العلماء الراسخين في مخاطبة أهل الكتاب، ككتاب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى سرجوان (ملك قبرص).
وأبرز خصائص هذا الحوار ما يلي:(2/329)
1 - مبادأة أهل الكتاب بالدعوة الصريحة إلى الإسلام، وعدم الاشتغال بأمور أخرى تصرف عن ذلك، أو توهنه، أو تؤجله.
2 - مجادلتهم بالتي هي أحسن في القضايا العقدية الفاصلة، ومحاجتهم، ومناظرتهم، لدحض شبهاتهم، ونقض حججهم، بأسلوب علمي رفيع، ثم مباهلتهم إن لزم الأمر.
3 - أخذ زمام المبادرة في دعوتهم، كما يدل عليه قوله: {تَعَالَوْا} [آل عمران: 64]؛ باستضافتهم في دار المسلمين، واستقبال وفودهم، والكتابة إليهم، وغشيانهم في محافلهم وبيوتهم لدعوتهم، وكل ذلك ثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم
4 - تألفهم بالقول الحسن، كمناداتهم بم يليق بهم من ألقاب حق، وتحيتهم تحية مناسبة، كقول صلى الله عليه وسلم : «إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى»، وبالفعل الحسن، كعيادة مريضهم، وتمكينهم من الصلاة في المسجد لعارض، وإكرام وفدهم، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم
الثاني: حوار السياسة الشرعية: وهو ما تفرضه حركة الأمة الإسلامية، وتمليه طبيعة التعايش بين البشر؛ بحكم الجوار والمصالح المتبادلة. وهذا النوع من الحوار والمفاوضات والمعاهدات يوكل إلى أولي الأمر، وأهل الحل والعقد، وتضبطه القواعد العامة في الشريعة، وتقدير المصالح والمفاسد. وقد رافق هذا اللون من (حوار التعايش) نشأة الدولة الإسلامية في المدينة، حيث عقد صلى الله عليه وسلم عهوداً مع يهود المدينة، وأبرم صلح الحديبية مع كفار قريش، كما زخر الفقه الإسلامي المؤسس على فقه الكتاب والسنة بتراث ضخم في مجال العلاقات الدولية بأهل الكتاب؛ ذميين كانوا، أو معاهدين، أو مستأمنين، أو حربيين.
أما الحوار البدعي؛ فهو حوار المداهنة، والابتذال، والخضوع بالقول، وكتم الحق، والسكوت عن الباطل، والموادة، والموالاة لغير المؤمنين؛ مما يقع فيه كثير من محترفي الحوار المذموم اليوم.
ولا ريب أن في ديننا فسحة وسعة تنافي التقوقع والانكماش، وتمكن دعاة الإسلام ـ مستفيدين من التسهيلات الإعلامية الحديثة ـ من التقدم إلى العالم أجمع بخطاب متين يتضمن دعوة المرسلين إلى توحيد رب العالمين، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9] .
(ü) أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ فرع القصيم، من مؤلفاته كتاب: «دعوة التقريب بين الأديان دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية) في أربع مجلدات.
(1) رواه مسلم، رقم (1774). (2) رواه البخاري، رقم (7)، ومسلم، رقم (1773).
(1) رواه مسلم، رقم (2898).
(1) الكتاب المقدس ومؤمنو الأديان الأخرى، ص: 81 - 82. (2) المجمع الفاتيكاني الثاني، ص: 312.
(3) حوار وبشارة، ص: 25، 30. (4) نقلاً عن: الكتاب المقدس ومؤمنو الأديان الأخرى، ص: 70.
(5) الإنجيل والإسلام، المترجم إلى العربية بعنوان: التنصير.. خطة لغزو العالم الإسلامي، ص: 777.
(1) نقلاً عن: هرطقات فريسية، جورج حنا، ص: 8. (2) المرجع السابق، ص: 9.
(3) الحوار والتفاعل الحضاري من منظور إسلامي، ص 7. (4) لسان العرب، (3/383).
(1) مفردات القرآن، (135).
مجلة البيان السنة السابعة عشرة * العدد 184*ذو الحجة 1423هـ * فبراير 2003م
=============(2/330)
(2/331)
تحدٍّ جديد!
في بداية أحداث الحرب الأمريكية على أفغانستان أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تأسيس مكتب (التضليل الإعلامي) الذي يهدف إلى تزويد القنوات الإخبارية ووكالات الأنباء العالمية بمعلومات إخبارية مغلوطة وموجهة لخدمة المصالح الأمريكية؛ ساخرة بكل الشعوب، ومستفزة لكل المتشدقين بالديمقراطية والحرية الإعلامية. وقد عدَّ أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية إعلان وزارة الدفاع عن هذا المكتب حماقة سياسية تضعف من التأثير الأمريكي على الرأي العام العالمي، مؤكداً أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء دون أن تعلن عن كل شيء، وبعد أيام ألغي المكتب فيما زعموا..!!
ثم ها هي ذي الولايات المتحدة الأمريكية إمعاناً منها في الغزو الإعلامي تبدأ بث قناة إذاعية باللغة العربية (إذاعة سوا)، رصد لها (30 مليون) دولار لمدة ستة أشهر، وتهدف إلى تحسين صورتها عند العرب، وردم الهوة الثقافية مع صغار السن في الشرق الأوسط، كما جاء على لسان (نورمان بايتتز) صاحب فكرة إنشاء القناة.
وقد أدلت نائبة وزير الخارجية الأمريكي (شارلوت بيرز) التي تتولى مهمة الترويج للولايات المتحدة الأمريكية في الخارج بإفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قالت فيها: إن الإذاعة حققت نجاحاً، وإن على الولايات المتحدة أن تفكر في بث تلفزيوني للشرق الأوسط عبر الأقمار الصناعية. كما أدلى (نورمان بايتتز) بإفادة أمام اللجنة واصفاً المعلومات التي تلقاها عن تأثير إذاعة (سوا) بأنها مدهشة..!!
وندرك يقيناً بأنه لن تجدي المساحيق وعمليات التجميل في إخفاء معالم الوجه الأمريكي القبيح الذي نضحت بُثُوره بالفساد؛ ومع ذلك فإن الخبرات الأمريكية في غسيل الأدمغة، وتزييف الحقائق ربما تجد طريقها عند بعض الجهلة والسذج؛ خاصة أن الإذاعة ركزت في خطابها وطريقة عرضها وإيقاعها على صغار السن من الشباب!
إن هذا الاختراق الجديد لوعي الأمة يجعلنا نؤكد مرات عديدة دور الدعاة والخطباء والمصلحين ومختلف وسائل الإعلام الإسلامية في إحياء الوعي وتوضيح واقع الأمة، وخطورة التحديات التي تواجهها. قال الله ـ تعالى ـ: { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام: 55].
ولئن كان الإعلام هو الأداة الرئيسة في صناعة الرأي، وتشكيل الأخلاق الفكرية والاجتماعية؛ فإن تقصير الإسلاميين في تملك أدواته وتعلم فنونه جعل تأثيرهم ينحسر، ويختزل في شرائح محدودة من المجتمع.
إننا أمام تحد كبير يوجب علينا أن ننهض إلى مستوى المسؤولية، ونفكر بطريقة أكثر حيوية، ونسخر كل طاقاتنا في تبصير الأمة ومواجهة أعدائها، وفضح إسفافهم وفجورهم الإعلامي؛ فهذا العصر عصر الأقوياء، ولا مكان فيه للضعفة المتواكلين..!!
{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-179/179-001.HTM
===========(2/332)
(2/333)
كلمة للشيخ ابن باز عن الغزو الثقافي وأهمية مواجهته
عبد العزيز بن عبدالله بن باز
"... أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات والكتب والصحف والمجلات والأقلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر وأخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم والمرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف والدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام والثقافة الإسلامية من مكائده وشره مع التأكيد على دعاة الإسلام وحماته للتفرغ لكتابة البحوث والنشرات والمقالات النافعة والدعوة إلى الإسلام والرد على أصناف الغزو الثقافي وكشف عواره وتبيين زيفه حيث إن الأعداء قد جندوا كافة إمكاناتهم وقدراتهم وأوجدوا المنظمات المختلفة والوسائل المتنوعة للدس على المسلمين والتلبيس عليهم فلا بد من تفنيد هذه الشبهات وكشفها وعرض الإسلام عقيدة وتشريعا وأحكاما وأخلاقا عرضا شيقا صافيا جذابا بالأساليب الطيبة العصرية المناسبة وعن طريق الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن من طريق جميع وسائل الإعلام حسب الطاقة والإمكان لأن دين الإسلام هو الدين الكامل الجامع لكل خير، الكفيل بسعادة البشر وتحقيق الرقي الصالح والتقدم السليم والأمن والطمأنينة والحياة الكريمة والفوز في الدنيا والآخرة. وما أصيب المسلمون إلا بسبب عدم تمسكهم بدينهم كما يجب وعدم فهم الأكثرين لحقيقته وما ذلك إلا لإعراضهم عنه وعدم تفقههم فيه وتقصير الكثير من العلماء في شرح مزاياه وإبراز محاسنه وحكمه وأسراره والصدق والصبر في الدعوة إليه وتحمل الأذى في ذلك بالأساليب والطرق المتبعة في هذا العصر, ومن أجل ذلك حصل ما حصل اليوم من الفرقة والاختلاف وجهل الأكثر بأحكام الإسلام والتباس الأمور عليهم".
موقع الشيخ ابن باز
http://www.binbaz.o r g.sa/Display.asp?f=ibn00008.htm
===========(2/334)
(2/335)
حركة تحرير المرأة
التعريف :
حركة تحرير المرأة . حركة علمانية ،نشأت في مصر في بادئ الأمر ، ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية . تدعوا إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب ، وتقييد الطلاق ، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر … ونشرت دعوتها من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية في العالم الغربي .
التأسيس وأبرز الشخصيات :
• قبل أن تتبلور الحركة بشكل دعوة منظمة لتحرير المرأة ضمن جمعية تسمى الاتحاد النسائي .. كان هناك تأسيس نظري فكري لها .. ظهر من خلال كتب ثلاث ومجلة صدرت في مصر .
- كتاب المرأة في الشرق تأليف مرقص فهمي المحامي ، نصراني الديانة ، دعا فيه إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق ، ومنع الزواج بأكثر من واحدة ، وإباحة الزواج بين النساء المسلمات والنصارى .
- كتاب تحرير المرأة تأليف قاسم أمين ، نشره عام 1899م ، بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول ، وأحمد لطفي السيد . زعم في أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام ، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجاً على الدين .
- كتاب : المرأة الجديدة تأليف قاسم أمين أيضاً - نشره عام 1900م يتضمن نفس أفكار الكتاب الأول ويستدل على أقواله وادعاءاته بآراء الغربيين .
- مجلة السفور ، صدرت أثناء الحرب العالمية الأولى ، من قبل أنصار سفور المرأة ، وتركز على السفور و الاختلاط .
• سبق سفور المرأة المصرية ، اشتراك النساء بقيادة هدى شعراوي ( زوجة علي شعراوي ) في ثورة سنة 1919م فقد دخلن غمار الثورة بأنفسهن ، وبدأت حركتهن السياسية بالمظاهرة التي قمن بها في صباح يوم 20 مارس سنة 1919م .
• وأول مرحلة للسفور كانت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي تحضرن خطبته أن يزحن النقاب عن وجوههن . وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان التي اشتهرت باسم : هدى شعراوي مكونة الاتحاد النسائي المصري وذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى . واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك .
• تأسس الاتحاد النسائي في نيسان 1924م بعد عودة مؤسسته هدى شعراوي من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما عام 1922م .. ونادى بجميع المبادئ التي نادي بها من قبل مرقص فهمي المحامي وقاسم أمين .
• مهد هذا الاتحاد بعد عشرين عاماً لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م وقد حضرته مندوبات عن البلاد العربية . وقد رحبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بانعقاد المؤتمر حتى أن حرم الرئيس الأمريكي روزفلت أبرقت مؤيدة للمؤتمر .
ومن أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة :
• الشيخ محمد عبده - فقد نبتت أفكار كتاب تحرير المرأة في حديقة أفكار الشيخ محمد عبده . وتطابقت مع كثير من أفكار الشيخ التي عبر فيها عن حقوق المرأة وحديثه عنها في مقالات الوقائع المصرية وفي تفسيره لآيات أحكام النساء . ( التفاصيل في كتاب المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 63 وما بعدها . دار الوفاء سنة 1985م كتاب عودة الحجاب الجزء الأول ، د.محمد أحمد بن إسماعيل المقدم ) .
• سعد زغلول ، زعيم حزب الوفد المصري ، الذي أعان قاسم أمين على إظهار كتبه وتشجيعه في هذا المجال .
• لطفي السيد الذي أطلق عليه أستاذ الجيل وظل يروج لحركة تحرير المرأة على صفحات الجريدة لسان حال حزب الأمة المصري في عهده .
• صفية زغلول . زوجة سعد زغلول وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في تلك الأيام وأشهر صديق للإنكليز عرفته مصر .
• هدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب الأمة ( حالياً الوفد ) ومن أنصار السفور .
• سيزا نبراوي ( واسمها الأصلي زينب محمد مراد ) ، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية . وهما أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923م .
• درية شفيق . من تلميذات لطفي السيد ، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه ، ثم إلى إنكلترا ، وصورتها وسائل الإعلام الغربية بأنها المرأة التي تدعوا إلى التحرر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل : الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات .
- لما عادة إلى مصر شكلت حزب ( بنت النيل ) في عام 1949م بدعم من السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية .. وهذا ما ثبت عندما استقالت إحدى عضوات الحزب وكان هذا الدعم سبب استقالتها . وقد قادت درية شفيق المظاهرات ، وأشهرها مظاهرة في عام 19 فبراير 1951م و 12 مارس 1954م بالتنسيق مع أجهزة عبد الناصر فقد أضربت النساء في نقابة الصحافيين عن الطعام حتى الموت إذا لم تستجب مطالبهن . وأجيبت مطالبهن ودخلت درية شفيق الانتخابات ولم تنجح . وانتهى دورها . وحضرت المؤتمرات الدولية النسائية للمطالبة بحقوق المرأة - على حد قولها - .(2/336)
• سهير القلماوي : - تربت في الجامعة الأمريكية في مصر - وتخرجت من معهد الأمريكان - وتنقلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية ، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية .
• أمينة السعيد : وهي من تلميذات طه حسين ، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر .. ترأست مجلة حواء . وقد هاجمت حجاب المرأة بجرأة - ومن أقوالها في عهد عبد الناصر : " كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق ؟ " . تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية - وسخرت مجلة حواء للهجوم على الآداب الإسلامية .. وهي لا تزال تقوم بهذا الدور ..
• د . نوال السعداوي : زعيمة الاتحاد المصري حالياً .
الأفكار والمعتقدات :
نجمل أفكار ومعتقدات أنصار حركة تحرير المرأة فيما يلي :
• تحرير المرأة من كل الآداب والشرائع الإسلامية وذلك عن طريق :
- الدعوة إلى السفور والقضاء على الحجاب الإسلامي .
- الدعوة إلى اختلاط الرجال مع النساء في كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية ، والأسواق .
- تقييد الطلاق ، والاكتفاء بزوجة واحدة .
- المساواة في الميراث مع الرجل .
• الدعوة العلمانية الغربية أو اللادينية بحيث لا يتحكم الدين في مجال الحياة الاجتماعية خاصة .
• المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية .
• أوروبا والغرب عامة هم القدوة في كل الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعية للمرأة : كالعمل ، والحرية الجنسية ، ومجالات الأنشطة الرياضية والثقافية .
الجذور الفكرية والعقائدية :
بعد تبلور حركة تحرير المرأة على شكل الاتحادات النسائية في البلاد العربية خاصة والدولية عامة ، أصبحت اللادينية أو ما يسمونه ( العلمانية ) الغربية هي الأساس الفكري والعقدي لحركة تحرير المرأة . وهي موجهة وبشكل خاص في البلاد العربية والإسلامية إلى المرأة المسلمة ؛ لإخراجها من دينها أولاً . ثم إفسادها خلقياً واجتماعياً .. وبفسادها ، يفسد المجتمع الإسلامي وتنتهي موجة حماسة العزة الإسلامية التي تقف في وجه الغرب الصليبي وجميع أعداء الإسلام وبهذا الشكل يسهل السيطرة عليه .
ومن الأدلة على أن جذور حركة تحرير المرأة تمتد نحو العلمانية الغربية مايلي :
- في عام 1894م ظهر كتاب للكاتب الفرنسي الكونت داركور ، حمل فيه على نساء مصر وهاجم الحجاب الإسلامي ، وهاجم المثقفين على سكوتهم .
- في عام 1899م ألف أمين كتابه تحرير المرأة أبدا فيه آراء داركور .
- وفي نفس العام هاجم الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل ( زعيم الحزب الوطني ) كتاب تحرير المرأة وربط أفكاره بالاستعمار الإنكليزي .
- ألف الاقتصادي المصري الشهير محمد طلعت حرب كتاب تربية المرأة والحجاب في الرد على قاسم أمين ومما قاله : " إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا ".
- ترجم الإنكليز - أثناء وجودهم في مصر - كتاب تحرير المرأة إلى الإنكليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية .
- الدكتورة ( ريد ) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي التي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية .
- اغتباط الدوائر الغربية بحركة تحرير المرأة العربية وبنشاط الاتحاد النسائي في الشرق وتمثلت ببرقية حرم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمؤتمر النسائي العربي عام 1944م .
- صلة حزب ( بنت النيل ) بالسفارة الإنكليزية والدعم المالي الذي يتلقاه منهما - كما رأينا عند حديثنا عن درية شفيق .
- ترحيب الصحف البريطانية بدرية شفيق زعيمة حزب ( بنت النيل ) وتصويرها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده .
- برقية جمعية ( سان جيمس ) الإنكليزية إلى زعيمة حزب بنت النيل تهنئها على اتجاهها الجديد في القيام بمظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة .
- مشاركة الزعيمة نفسها في مؤتمر نسائي دولي في أثينا عام 1951م ظهر من قرارته التي وافقت عليها أنها تخدم الاستعمار أكثر من خدمتها لبلادها .
- إعلان ( كاميلا يفي ) الهندية أن الاتحاد النسائي الدولي واقع تحت زيادة الدول الغربية ولاستعمارية واستقالتها منه .
- إعلان الدكتورة نوال السعداوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري عام 1987م أثناء المؤتمر أن الدول الغربية هي التي هيأت المال اللازم لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي والدول العربية لم تساهم في ذلك .
هذه بعض الوقائع التي تدل دلالة لا ريب فيها على صلة حركة تحرير المرأة بالقوى الاستعمارية الغربية .
ويتضح مما سبق :
أن حركة تحرير المرأة هي حركة علمانية ، نشأت في مصر ، ومنها نشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية ، وهدفها هو قطع صلة المرأة بالآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها كالحجاب ، وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل شيء . ويعتبر كتاب المرأة في الشرق لمرقص فهمي المحامي ، وتحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين من أهم الكتب التي تدعوا إلى السفور والخروج على الدين ، وتمتد أهداف هذه الحركة لتصل إلى جعل العلمانية واللادينية أساس حركة المرأة والمجتمع .(2/337)
موقع مجلة رسالة الإسلام
http://www.islammessage.com/a r /modules.php?name=Sections&sop=viewa r ticle&a r tid=136
============(2/338)
(2/339)
هكذا بدأ الاختلاط
قال الشيخ علي الطنطاوي :]أما الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشد وأنكى من كل ما كان، إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدها قُوى قوية جداً، وأموال كثيرة جداً، كل ذلك مسخَّر لحرب الإسلام على خطط محكمة، والمسلمون أكثرهم غافلون.
يَجِدُّ أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون، أولئك يحاربون صفاً واحداً، والمسلمون قد فرَّقت بينهم خلافات في الرأي، ومطامع في الدنيا.
يدخلون علينا من بابين كبيرين، حولهما أبواب صغار لا يُحصى عددها، أما البابان الكبيران فهما باب الشبهات وباب الشهوات. أما الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل من يصيبه، ولكن سريانه بطيء وعدواه ضعيفة. فما كل شاب ولا شابة إذا ألقيت عليه الشبه في عقيدته يقبلها رأساً ويعتنقها.
أما الشهوات فهي داء يمرض وقد لا يقتل، ولكن أسرع سرياناً وأقوى عدوى، إذ يصادف من نفس الشاب والشابة غريزة غرزها الله، وغرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير، فتنشيء أسرة وتنتج نسلاً، وتقوي الأمة، وتزيد عدد أبنائها، فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر، للذة العاجلة التي لا تثمر. طاقة نعطلها ونهملها ودافع أوجد ليوجه إلى عدونا، لندافع بها عن بلدنا، فنحن نطلقها في الهواء، فنضيعها هباء، أو يوجهها بعضنا إلى بعض.
هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب. عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه، وأول هذا الطريق هو الاختلاط.
بدأ الاختلاط من رياض الأطفال، ولما جاءت الإذاعة انتقل منها إلى برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان والصغيرات من البنات.
ثم إنه قد فسد الزمان، حتى صار التعدي على عفاف الأطفال، منكراً فاشياً، ومرضاً سارياً، لا عندنا، بل في البلاد التي نعدُّ أهلها هم أهل المدنية والحضارة في أوربا وأمريكا.
كان أعداء الحجاب يقولون أن اللواط والسحاق، وتلك الانحرافات الجنسية سببها حجب النساء، ولو مزقتم هذا الحجاب وألقيتموه لخلصتم منها، ورجعتم إلى الطريق القويم. وكنا من غفلتنا ومن صفاء نفوسنا نصدقهم، ثم لما عرفناهم وخبرنا خبرهم، ظهر لنا أن القائلين بهذا أكذب من مسيلمة.
إن كان الحجاب مصدر هذا الشذوذ، فخبروني هل نساء ألمانيا وبريطانيا محجبات الحجاب الشرعي ؟ فكيف إذن نرى هذا الشذوذ منتشراً فيهم حتى سَنّوا قانوناً يجعله من المباحات ؟
ثم إن أصول العقائد، وبذور العادات ومبادئ الخير والشر، إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان، من حيث لا يشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عودنا الصبي والبنت الاختلاط فيها، ألا تستمر هذه العادة إلى السبع والثمان ؟ ثم تصير أمراً عادياً ينشأ عليه الفتى ، وتشب الفتاة، فيكبران وهما عليه ؟ وهل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين، من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات، حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب ؟
أم هي تكبر شعرة شعرة، كعقرب الساعة تراه في الصباح ثابتاً فإذا عدت إليه بعد ساعتين وجدته قد انتقل من مكانه. فهو إذن يمشي وإن لم تر مشيه، فإذا عودنا الأطفال على هذا الاختلاط فمتى نفصل بينهم ؟
والصغير لا يدرك جمال المرأة كما يدركه الكبير، ولا يحس إن نظر إليها بمثل ما يحس به الكبير، ولكنه يختزن هذه الصورة في ذاكراته فيخرجها من مخزنها ولو بعد عشرين سنة. أنا أذكر نساء عرفتهن وأنا ابن ست سنين، قبل أكثر من سبعين سنة. وأستطيع أن أتصور الآن ملامح وجوههن، وتكوين أجسادهن.
ثم إن من تُشْرِف على تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها، يظهر في عاطفته، وفي سلوكه، في أدبه، إذا كان أديباً. ولا تبعد في ضرب الأمثال، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألَّفه في الحب " طوق الحمامة " حديثاً مستفيضاً في الموضوع.
خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض، ولكن ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب. فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب، والباب هو الزواج. ومن تسوَّر الجدار أو نقب السقف، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس، وتأديب الضمير، وكان له في الآخرة عذاب السعير ] " ذكريات الشيخ على الطنطاوي (5/268-271) "
هذا ما قاله الشيخ عن بلادٍ غير بلادنا، والسعيد من وُعِظَ بغيره ولم يتعظ به الناس، فليحذر الذين يدندنون حول هذا الموضوع في بلادنا أن يشملهم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].
جنبنا الله مسالك أهل الفساد والإفساد، وجعلنا من الهُداة المهتدين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. "
موقع كلمة الحق
http://www. r ightwo r d.net/Anuke/modules.php?name=News&file=a r ticle&sid=12
============(2/340)
(2/341)
الفضائيات - غزو جديد
الحمد لله الذي أمرنا بطاعته، ونهانا عن معصيته ومخالفته، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
نحن على مشارف قرن جديد، ولا يزال للإسلام قوة وأتباع، ولا يزال في الأمة رجال يؤرقهم همّ الإسلام، يحملون قضيته، ويحفظون حدوده، ويذودن عن حياضه.
وهذا ما دعا أعداء الإسلام لأن يزيدوا من حملتهم ضد الإسلام ويضاعفوا من خططهم ومؤامراتهم، لإضلال المسلمين وإفسادهم وإخراجهم من دينهم، وجعلهم دُمى يحركونها كيفما أرادوا، قال تعالى: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا و من يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة:217].
حرب الفضائيات
إن أخطر ما يواجه به المسلمون اليوم ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات التلفزيونية الفضائية.
إنه غزو جديد.. لا تشارك فيه الطائرات ولا الدبابات.. ولا القنابل والمدرعات.. غزو ليس له في صفوف الأعداء خسائر تُذكر.. فخسائره في صفوفنا نحن المسلمين.. إنه غزو الشهوات.. غزو الكأس والمخدرات.. غزو المرأة الفاتنة.. والرقصة الماجنة.. والشذوذ والفساد.. غزو الأفلام والمسلسلات.. والأغاني والرقصات.. وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات. إنه غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وأمور الغيب التي وردت في كتاب الله وصحت عن نبينا محمد .
إنه غزو لمفهوم الولاء والبراء، والأخوة الإسلامية، والاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين المتمثل في مبدأ الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.
فأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ *** أعددت ذاك الحِمى من بعض أوطاني
إن هذا الغزو القادم إلينا من الفضاء يفعل ما لا تفعله الطائرات ولا الدبابات ولا الجيوش الجرارة.
إنه يهدم العقائد الصحيحة.. والأخلاق الكريمة.. والعادات الحسنة.. والشمائل الطيبة.. والشيم الحميدة.. والخصال الجميلة. ومتى تخلت الأمة عن عقيدتها وأخلاقها وقيمها سقطت في بؤر الضياع والانحلال.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
احذر مخططات الأعداء
أخي صاحب الدش:
هل تعلم ما قاله صموئيل زويمر رئيس جمعيات التنصير؟ لقد قال في مؤتمر القدس للمنصرين الذي عقد في القدس عام 1935م:
إنكم إذا أعددتم نشأً لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام وجعلتموه لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى تصبح الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، إنه يجود بكل شئ للوصول الى الشهوات !
أيها المبشرون ! إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه !!
أخي صاحب الدش:
هذا ما قالوه منذ ما يزيد على ستين عاماً، ولا يزالون يعملون دون كلل أو ملل، لأنهم يرون ثمار مخططاتهم الخبيثة تزداد يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، حتى ظهرت هذه الفضائيات التي استطاعوا من خلالها - وفي أعوام يسيرة - تحقيق ما لم يستطيعوه في قرون طويلة !
لقد استطاعوا من خلالها اقتحام ديارنا و بيوتنا.. وحتى غرف نومنا.. بلا مقاومة منا ولا غضب، ولا محاولة لمنعهم من ذلك.. بل بموافقة منا ورضا وترحيب !!
فلماذا ترضى لنفسك يا أخي أن تكون ممن يساعدون الأعداء و ينفذون مخططاتهم الرامية الى ضرب الأمة في عقيدتها وأخلاقها وعزتها ومجدها؟!
لماذا تقبل بالانهزام النفسي ودناءة الفكر والتصور والهدف والغاية؟!
راجع نفسك ثم أجب !
قصة وعبرة
قال محدثي: في ذات يوم حضر أحد زملائي في العمل كئيبا حزينا غاضبا ضجرا، وكأنه قد حدثت له مصيبة، فأحببت أن أخفف عنه، فسألته عن سبب حزنه وكآبته، فلم يرد علي.. فلما ألححت عليه بالسؤال قال لي: لقد ماتت.. ماتت.
فظننت أنها إحدى قريباته وقلت له: إني لله وإنا له راجعون، يا أخي اصبر واحتسب ولا تجزع حتى يأجرك الله على ذلك. ثم قلت له هل كانت مريضة؟
فأجابني: لا لم تكن مريضة ولكنها قُتلت !!
فصرخت في وجهه: كيف ذلك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله فلما رأى شدة انفعالي هدّأ من روعي وقال لي: لا عليك فهي لا تمت لي بصلة.. إنها بطلة المسلسل الأجنبي الذي أشاهده كل ليلة.. لقد كانت مصدر متعتنا وسعادتنا كل ليلة !! بما تبديه من مفاتن. وما تقوم به من حركات وإثارة.. تصور أنها لا تظهر إلا بالشورت أو المايوه أو.. فتغير وجهي حياء وقاطعته قائلا: يا أخي اتق الله ! أما عندك دين؟ أما عندك حياء؟ أما عندك مروءة؟ كيف تجرؤ على هذا الكلام؟ أما تخشى الله؟ ألست مسلما؟ ثم تركته وذهبت !
انتهت القصة عند هذا الحد، وهي تحمل في طيّاتها دلالات متعددة، لابد أن نقف عندها ونتأملها، ونستفيد منها في تحذير إخواننا من هذا الخطر الداهم المتمثل فيما يبث عن طريق القنوات الفضائية وغيرها.
أولاً: المؤمن لا يفرح بالمعاصي:(2/342)
وهذا من أهم الأمور التي يجب معرفتها، وهو التفريق بين المعصية و الفرح بها، فالمؤمن قد يعصي ربّه، ولكنه لا يفرح بالمعصية ولا يفاخر بها، وكذلك لا يصر عليها، بل يندم على فعلها.
قال الإمام ابن الجوزي: " لا ينال لذة المعاصي إلا سكران الغفلة، فأما المؤمن فإنه لا يلتذ، لأنه عند التذاذه يقف علم التحريم وحذر العقوبة، فإن قويت معرفته، رأى بعين علمه قرب الناهي، فيتنغص عيشه في حال التذاذه، فأن غلب سكر الهوى كان القلب متنغصا بهذه المراقبات، وإن كان الطبع في شهوته. وما هي إلا لحظة ثم ندم ملازم، وبكاء متواصل، وأسف على ما كان مع طول الزمان، حتى لو تيقن العفو، وقف بإزائِه حذر العتاب. فأفّ للذنوب ! ما أقبح آثارها.. وما أسوأ أخبارها ولا كانت شهوة لا تُنال إلا بمقدار قوة الغفلة !".
فانظر أخي المسلم في هذا الكلام، ثم احكم بنفسك على هذا الرجل الذي ما كفاه عصيانه كل ليلة برؤية النساء العاريات، وفرحه بذلك، وحزنه على فوات تلك المعصية، حتى راح يجاهر بها ويتأسف عليها ! وهذا دليل على موت قلبه، واستحكام مرض الشهوة من نفسه.
ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء
ثانياً: أثر الغفلة واتباع الهوى في موت القلب:
يا صاحب الدش:
أيها العاكف على صنم المرئيات والفضائيات، متنقلاً بجهازك الصغير من بلد الى أخرى، ومن قناة الى قناة، باحثاً عن المتعة الشهوانية، واللذة البهيمية، والسعادة الزائفة، ومن أفلام هابطة ومسلسلات ساقطة، وخمر، وقمار، وعري، ومجون، وجريمة، ومخدرات، وعقائد فاسدة، ووثنية بائدة، وجاهلية حاقدة !
أليس هذه غفلة عن الله وذكره وعبادته؟ وعن الموت وسكرته؟ وعن القبر وظلمته؟ وعن الحساب وشدته؟
أليس هذا تفريطاً فيما ينفعك، واهتماما بما يضرك في العاجل والآجل؟
أليس هذا اتباعا للهوى وانقيادا للشهوة؟
أفق أيها الرجل قبل أن تقول: رب ارجعون ، فيقال لك: كلا .
من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام
قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً [مريم:59].
قال الإمام ابن القيم: "الغفلة عن الله و الدار الآخرة متى تزوجت باتباع الهوى، تولد ما بينهما كل شر. وكثيرا ما يقترن أحدهما بالآخر، ولا يفارقه. ومن تأمل فساد أحوال العالم عموما و خصوصا وجده ناشئا عن هذين الأصلين".
فيا أخي !
إذا كان هذا الصحن المسمى ( دشاً ) يجمع بين هذين الأصلين: الغفلة واتباع الهوى، فكيف ترضى لنفسك هذه المعصية التي جمعت بين شيئين تولد منهما كل شر، ونشأ عنهما فساد العالم بأسره؟
يا من جلبت الدش رفقا إنما *** أفسدت ما في البيت من غلمان
خنت الأمانة في الشباب وفي النسا *** وجعلت بيتك منتدى الشيطان
خنت الأمانة في البنات ولن ترى *** منهن برّا إنهن عواني
ترضى لنفسك أن تكون مفرطا *** في الدين والأخلاق والإيمان
ترضى لنفسك أن تكون مزعزعا *** لقواعد الإسلام والإيمان
ترضى لنفسك أن تكون مروّجا *** لبضاعة الكفران و الخسران
أفسدت ما في البيت من أخلاقه *** أذهبت ما في البيت من إحسان
أدخلت في البيت الضلال مع الخنا *** والفسق بعد تلاوة القرآن
أيها الرجل
ماذا أعددت لقدومك على ربك؟
ما هو زادك الذي تزوّدته في سفرك الى الله والدار الآخرة؟
أيقدم الناس على ربهم بالحسنات و الأعمال الصالحات، وتقدم أنت بالأغاني والأفلام والمسلسلات؟
هل هذا هو نصيبك من الدنيا؟
هل هذه بضاعتك للآخرة؟
قال : { يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان و يبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله } [متفق عليه].
ثالثاً: اكسر صنم قلبك أولاً:
قال الإمام ابن القيم: "إن التوحيد واتباع الهوى متضادان، فإن الهوى صنم ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هواه، وإنما بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله سبحانه كسر الأصنام المجسدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولاً".
فيا صاحب الدش !
لن يسلم إيمانك إلا بتكسر صنم الهوى والشهوة في قلبك.. ولن يكون ذلك إلا بإبعاد هذا الطبق الذي فوق سطح بيتك..
اصعد الآن.. خذ معول العزم.. واضرب به هذا الصنم.. ليسلم لك توحيدك.. وتصح توبتك.. وتصلح عبوديتك.. قال النبي : { حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات } [متفق عليه].
وقال أبو علي الدقاق: "من ملك شهوته في حال شبيبته، أعزه الله تعالى في حال كهولته".
ألا تريد أن يحفظك الله حال كهولتك و شيخوختك؟
احفظ الله يحفظك.. احفظ الله يحفظ زوجتك وأبناءك.. احفظ الله يحفظ مجتمعك وأمتك.
فيا أخي !
كن رجلاً في قرارك.. حراً في إرادتك.. قوياً في عزمك.. ألا تريد أن تنفي عن نفسك رق العبودية لغير الله؟ وذل الشهوة وأسر الهوى؟! فتفكر فيما خُلقت له.. وانظر في مآل اتباع الشهوات وعواقبها !
قد هيأوك لمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك ان ترعى مع الهمل
أين أنت؟
أخي صاحب الدش !
أين أنت من قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون [النور:30].(2/343)
أين أنت من قوله تعالى: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [غافر:19].
أين أنت من قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة [التحريم:6].
أين أنت من قوله تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً [الإسراء:36].
أين أنت من قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون:5-7].
أين أنت من قوله : {.... فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].
أين أنت من قوله : { ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء } [متفق عليه].
أين أنت من قوله : { العينان تزنيان وزناهما النظر } [متفق عليه].
أين أنت من قوله : { أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني } [متفق عليه].
أخي الكريم:
إذا ما خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية الى طغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
حصاد القنوات
1- العقائد الباطلة:
عرضت إحدى القنوات الفضائية فيلماً هندياً من مشاهده أن ثعباناً لدغ طفلة، فأسرع أخوها الى صنم وأخذ يدعوه ويستغيث به كي يشفيها، فلما عاد إليها وجدها قد شفيت، فرجع الى الصنم وقال له: سأظل أصلي لك، وشكراً على ما فعلت لأختي.
وهذا المشهد يحتوي على:
1- الكفر بالله. 2- دعاء غير الله. 3- الدعوة الى عبادة الأصنام. 4- الاعتقاد بأن لغير الله تصرفاً في الكون. 5- وأقل ما يقع فيه من المشاهد لمثل هذا هو عدم إنكار المنكر ولو بقلبه، وذلك لغفلته الشديدة عن دين الله تعالى.
2- الجنس:
قال الدكتور بلومر: "إن الأفلام التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في معظم موضوعاتها، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الأمور الجنسية الضارة من الأفلام، وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية، يتعلمها الشباب من خلال السينما و التلفزيون" [بصمات على ولدي].
وتقول إحدى الفتيات في سن الثامنة عشرة: "إني أفكر بالانتحار في كل دقيقة، بل في كل ثانية، لأنه لا تمضي ساعة واحدة دون أن أشعر بالعاطفة الجنسية الجامحة تخترق أحشائي كما يخترق الرصاص جسم الإنسان ويقتله !! وكلما شاهدت فيلماً عاطفياً أو قرأت قصة غرامية تثور عاطفتي و غرائزي" [العفة ومنهج الاستعفاف].
3- الجريمة:
قال الدكتور سبوك: "هناك عدد من رجال القضاء و المحللين النفسيين يؤكدون أنه عندما يتم سؤال أحد الشباب المنحرف عن فكرة الجريمة لديه، فإن الإجابة تكون من رواية بوليسية، أو من برنامج في التلفزيون،أو من فيلم سينما" [أبناؤنا بين وسائل الإعلام و أخلاق الإسلام].
4- الجهل:
قالت مارغريت سميث: "إن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة، إن أكثر من 60% من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب الفشل الى أنهن يفكّرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن، وأن 10% منهن فقط مازلن محافظات" [صون المكرمات].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
دار الوطن
موقع كلمات
http://www.kalemat.o r g/sections.php?so=va&aid=62
============(2/344)
(2/345)
حتى لا ننسى
عبدالرحمن العشماوي
المسلمون في هذا العصر يعانون من داء النسيان لما يجري في العالم، فما تكاد تمر أيام أو أسابيع أو شهور على حادثة من الحوادث أو موقف من المواقف حتى تغوص تلك الحادثة أو الموقف في عالم النسيان، وتذهب أدراج رياح الذاكرة المثقوبة لأمتنا.
وتبدأ هذه المشكلة في نظري من نسيان معنى سنن الله الكونية في هذه الحياة، وهو نسيان متولِّد عند مسلمي هذا العصر عن نسيان أكبر يتعلق بانصراف الأذهان عن آيات القرآن الكريم، والأحاديث الواردة عن الرسو صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا تبدأ سلسلة «قاتمة» يعلو حلقاتها الصدأ من النسيان الذي يجعل الأمة في حالة غفلة مستمرة.
إن أعداء المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم من المتعصبين ضد ديننا الإسلامي الحنيف وأهله، لم يقصروا قولاً وفعلاً في التعبير عن روح العداء الموجودة لديهم، والتصريح بكثير من خططهم لمحاربة الإسلام والمسلمين، والإعلان الواضح في لقاءات وندوات ومؤتمرات كثيرة عن ضرورة ضرب المسلمين سياسياً واقتصادياً وفكرياً وعسكرياً وعقدياً قبل ذلك كله، وكأن أولئك الأعداء قد أمنوا جانب اليقظة عند المسلمين، فما عادوا يخشون من إعلان عدائهم، وتخطيطهم القريب والبعيد للهيمنة على العالم الإسلامي وخيراته.
وذلك ما يصرح به بعض قادة أعداء المسلمين الذين يدركون مدى الغفلة العميقة التي يواجه به المسلمون خطط الأعداء وتصريحاتهم، وقد روي عن موشي ديان انه قال ذات يوم للكنيست اليهودي في فلسطين بعد ان كشفت إحدى الصحف اليهودية بعض الخطط العسكرية اليهودية: لا تقلقوا فإن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا فهم لا يفهمون، وإذا فهموا فهم أعجز من أن يتحركوا لمواجهة خططنا.
وهذه النظرة إلى المسلمين ليست وهماً ولا خيالاً ولكنها واقع معاش.
ألا ترون إلى أحداث أمتنا الإسلامية كيف يكاد يُنسي بعضها بعضا، وما تكاد تتصدر قضية من القضايا الإسلامية واجهة ذاكرة الأمة حتى تختفي حينما تبرز قضية أخرى، وقد أدرك إعلام أعدائنا هذا الخلل الكبير فأصبحوا يتلاعبون بأحداث أمتنا وقضاياها كما يشاءون، وأصبحوا يعبثون بذاكرة أمتنا المبتلاة بالنسيان بصورة مؤسفة..
تزداد الأحداث سخونة في الشيشان مثلاً وتستطيع هذه الأحداث ان توقظ وجدان الأمة المسلمة، وتحرك المسلمين للمناصرة والدعم لاخوانهم المسلمين المشردين، فلما تصل إلى درجة ذات خطورة من الإثارة، يتحرك الإعلام الصهيوني في الوقت المناسب ويركز على أحداث أخرى في أفغانستان أو كشمير أو فلسطين تركيزاً يصرف النظر عن الشيشان، ولربما اصطنع هذا الإعلام المعادي قضايا ذات بريق أخاذ ونفخ فيها روح الإعلام الصاخب وصرف بها الأنظار عن قضايا الأمة المصيرية.
ونحن هنا لا نبالغ في لوم الأعداء على ما يصنعون فهم يحتالون لأنفسهم، وإنما نلوم أمتنا المسلمة على هذه الغفلة، وذلك النسيان الذي يحول بينها وبين التعامل الصحيح مع القضايا والأحداث.
وما تزال أقلام مسلمة ترسخ هذه الغفلة بصورة مؤسفة.
وما بناء الآمال على الانتخابات الرئاسية التي تجري في أمريكا ودولة الكيان الصهيوني إلا دليل واضح على هذه الغفلة، فنحن نرى كيف ينشغل الإعلام العربي مثلاً بتلك الانتخابات ويبني آمالاً على فوز شخص على آخر ناسياً ان السياسة العامة واحدة، والموقف السياسي الشامل واحد.
واضرب مثلاً بما يقال الآن عن الرئيس الأمريكي «بوش» من انه تجاوز الحدود في دعم الكيان الصهيوني، وانه رجل اليهود الأول في الولايات المتحدة.. إلى غير ذلك من الحديث الذي يدل على غفلتنا، ولا شك ان الأمة الآن قد نسيت ما كانت تقوله عن كارتر وريجان، وبوش الأب، وكلنتون من كلام يشبه إلى حد كبير ما يقال الآن عن «بوش»، ولا بأس ان اذكر القراء الكرام بهذا الخبر الصحفي المنشور عام 1979م يقول: أثنى موشي ديان على الرئيس كارتر قائلاً: «إن كارتر وحكومته عملا لصالح إسرائيل أكثر مما عملته الحكومات الأمريكية السابقة».. وقد نشر هذا الخبر في صحفنا العربية والإسلامية جمعيها تقريباً ولكنه غاص في أوحال النسيان، وعليه تقاس أخبار أخرى مهمة.
إشارة
أنا لا أرى جورَ الأعادي عائقاً لكنَّ ضعفَ المسلمين العائقُ
=============(2/346)
(2/347)
الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى المبارك
تؤكد أن:الأقصى في خطر
نائل نخلة
(قضية بناء هيكل على حساب المسجد الأقصى المبارك هي محل إجماع قومي وديني من كل الأطراف السياسية في المؤسسة الصهيونية، وهي دائبة على هذا المشروع بشكل تدريجي، وكل ما حدث حتى الآن من مشاريع هي عبارة عن مؤامرات لضرب المسجد الأقصى المبارك تهدف في نهاية الأمر للوصول إلى هذا الهدف المرسوم، الهدف الذي يتلخص في مقولة بن جوريون: «لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل») هذا ما قاله للبيان الشيخ رائد صلاح رئيس جمعية الأقصى ورئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948م.
وتشير كل الدلائل إلى الأخطار الحقيقية المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك والتي تشكل تهديداً واضحاً وجلياًَ لكيان المسجد الأقصى المبارك؛ فاليهود حكومة ومؤسسات وشعباً مصممون على النيل من المسجد الأقصى المبارك وبناء هيكلهم الثالث المزعوم، زاعمين أن المسجد الأقصى مُقام على أنقاض هياكلهم المندثرة تحت أرضيته.
ومن الواضح جداً أن لا فرق في الكيان الصهيوني بين يسار ويمين ومعتدل ومتطرف فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، وبحسب الشيخ صلاح الذي تحدث عن زيارة المجرم أرييل شارون إلى ساحات المسجد الأقصى في 29/9/2000م، تحت حراسة 2000 جندي من حكومة باراك.
يقول: «أؤكد أن (أرييل شارون) بشكل خاص يعاني من عقدة نفسية من المسجد الأقصى المبارك، والذي أقصده أن شارون ما زال في مخيلته التخوف والهاجس من عودة شخصية صلاح الدين الجديد إلى الأمة الإسلامية والعالم العربي، وواضح أن هذه الشخصية ارتبطت في التاريخ الإسلامي بالمسجد الأقصى المبارك، لا أقول ذلك رجماً بالغيب بل إحدى الصحافيات صحفية يهودية أجرت في أحد المرات لقاء مع (أرييل شارون)، وباختصار كانت محررة اللقاء تسأل شارون: لماذا هذا التخوف والقلق الذي يبدو عليك وأنت صاحب الأدوار العسكرية في المكان الفلاني وفي الزمن الفلاني، وقد حصلت على المراتب الفلانية؟ فقال لها بالحرف الواحد: أخشى أن يظهر صلاح الدين جديد في العالم العربي والإسلامي. فكان ردها: ولكن العالم العربي والإسلامي هو ممزق في وضع صعب.. فكان رده: في مثل هذا التمزق ظهر صلاح الدين في الفترة السابقة في العالم الإسلامي والعربي.
وثانياً: بالنسبة لأرييل شارون هو واضح جداً في موقفه الصريح من قضية المسجد الأقصى المبارك عندما سئل من قبل مجموعة من الصحفيين بعد اقتحامه الأخير للمسجد الأقصى المبارك سألوه: ما سبب دخولك إلى المسجد الأقصى المبارك؟ فكان جوابه: أنا لا أعرف شيئاً اسمه المسجد الأقصى المبارك.
هو أصلاً لا يعترف حتى بهذا المصطلح، لا يعتبر نفسه أنه اقتحم شيئاً محظوراً، ولا يعتبر نفسه دخل إلى مكان للآخرين، ولذلك دخول شارون إلى المسجد الأقصى المبارك.
ويعمل اليهود من أجل تحقيق ذلك المبتغى من خلال جمعيات ومؤسسات وحركات يهودية ونصرانية صهيونية؛ حيث تؤمن الأخيرة أن تمكُّن اليهود من النَّيْل من الأقصى وبناء الهيكل سيعجل في قدوم المسيح المخلص الذي سيقود هذا العالم المليء بالشرور والآثام إلى الخلاص، وتنشط هذه الجهات في مجال التنقيب عن الهيكل المزعوم تحت باحات الحرم القدسي الشريف، والاستيلاء على البيوت الإسلامية في البلدة القديمة في القدس، وطرد المواطنين المسلمين من الأحياء العربية والإسلامية، إضافة إلى عملها على دعم الاستيطان في القدس وفلسطين. ومن الواضح أن عمل هذه الجهات يحظى بدعم مالي ولوجستي من الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ويشار إلى أن هذه الجهات تتلقى أيضاً دعماً مادياً كبيراً من جهات أجنبية يهودية ونصرانية تتركز معظمها في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل الأخطر في موضوع الحفريات الصهيونية هو أن أخبار سيرها أو حجم خطورتها وتهديدها لكيان المسجد الأقصى المبارك، قد انقطع بنسبة حوالي 95% بعد منتصف السبعينيات، فلا أحد من الشعب الفلسطيني أو من العالم العربي والإسلامي يملك معرفة ذلك بالضبط، ويعود ذلك إلى السرية والكتمان الكامل الذي تحظى به تلك الحفريات؛ وهناك عدد من الأسباب سنأتي على ذكرها لاحقاً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحفريات تحت المسجد الأقصى كانت قد بدأت به جهات إنجليزية سنة 1876م بتمويل هائل من عدة جهات مثل صحيفة «تلغراف» و «بنك ميجر» إلا أنهم توقفوا عن ذلك بعد أن ثارت ثائرة المسلمين هناك، ولجؤوا إلى الحفر بشكل سري إلى أن اكتُشِفَ أمر ورشة حفر بريطانية سنة 1910م، واستؤنفت حفرياتهم مرة ثالثة بعد استعمارهم لفلسطين أوائل القرن المنصرم.(2/348)
أما الصهاينة فقد باشروا الحفر تحت المسجد الأقصى المبارك بعد احتلالهم للقدس الشرقية بما فيها المسجد القدسي الشريف سنة 1967م بعد انتصارهم على الجيوش العربية في حرب 5 حزيران من نفس العام؛ وهو ما يعكس الرغبة الصهيونية الجامحة والإرادة الصلبة القوية في القيام بأعمال الحفريات تحت الأقصى المبارك، وتسوِّغ بعض الجهات العاملة في هذا الحقل أعمالها الحفرية هذه بأنها تقوم بأعمال تنقيب عادية تهدف إلى الاستفادة العلمية ودراسة التاريخ لا أكثر.
* الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى المبارك حسب المراحل التي تمت فيها:
1 - المرحلة الأولى:
شرع البدء في هذه المرحلة في نهاية عام 1967م وبداية عام 1968م؛ حيث تركز العمل في هذه المرحلة في جنوبي المسجد الأقصى المبارك بطول 70 متراً من أسفل الحائط الجنوبي والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية وأبنية جامع النساء. وكان عمق هذه الحفريات 14 متراً. ومن الواضح أن هذه الحفريات قد أحدثت تصدعات وتشققات للأبنية المذكورة.
2 - المرحلة الثانية:
وبدأ العمل بها سنة 1969م وهي استكمال للمرحلة الأولى، ويذكر أنها بدأت من نقطة انتهاء المرحلة الأولى، وقد اتجهت هذه الحفريات شمالاً حتى وصلت باب المغاربة مروراً بأربع عشرة بناية منها مركز الإمام الشافعي، ووصل طول هذه الحفريات إلى 80 متراً، وقد أحدثت هذه الحفريات في هذه المرحلة تصدعات بجميع الأبنية التي مرت من تحتها، وقامت إسرائيل بنفس العام بجرفها جميعاً وإجلاء سكانها.
3 - المرحلة الثالثة:
وتم بها العمل في سنوات 1970م - 1974م، وتوقفت عام 1974م، ثم استؤنف العمل بها سنة 1975م، ولا زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور. ويمتد العمل في هذه المرحلة من مكان تحت المحكمة الشرعية القديمة (المدرسة التنكزية) وتتجه شمالاً مروراً بأسفل 5 أبواب من أبواب الحرم القدسي الشريف وهي:
باب السلسلة، باب المطهرة، باب القطانين، باب الحديد، وباب علاء الدين البصري. إضافة إلى مجموعة من الأبنية الدينية والأثرية والسكنية منها 4 مساجد وسوق القطانين ومئذنة قايتباي.
وتسببت هذه الحفريات في هذه المرحلة بتصدع الأبنية المذكورة إضافة إلى المدرسة الجوهرية ورباط الكرد والجامع العثماني، وبلغ عمق هذه الحفريات من 10 - 14 متراً.
4 - المرحلة الرابعة:
وبدأ العمل بها سنة 1973م، وانتهى سنة 1974م؛ حيث اقتربت الحفريات في هذه المرحلة إلى الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، ووصل عمق هذه الحفريات إلى ما يقارب 13 متراً.
5 - المرحلة الخامسة:
وبدأ العمل بها سنة 1974م؛ حيث توسعت الحفريات تحت الحائط الغربي للمسجد الأقصى إضافة إلى تركزها خلف الحائط الجنوبي الممتد من أسفل القسم الجنوبي للمسجد الأقصى وسور الحرم القدسي، وقد امتدت هذه الحفريات إلى شرق الحرم، وبلغ طولها 80 متراً.
ومن الجدير ذكره أن المرحلتين الرابعة والخامسة أدتا إلى اختراق الحائط الجنوبي والدخول عبره إلى الأروقة السفلية للمسجد الأقصى المبارك (وذلك في تموز سنة 1974م) في أربعة مواقع وهي:
* أسفل مسجد عمر والجناح الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى.
* أسفل محراب المسجد الأقصى بعمق 20 متراً إلى الداخل.
* أسفل الأروقة الجنوبية الشرقية للأقصى.
ولا شك أن هذه الحفريات بدأت تهدد السور والمسجد الأقصى المبارك بخطر الانهيار
6 - المرحلة السادسة:
شرع العمل في هذه المرحلة سنة 1975م، وبدأت أعمال الحفريات تتركز في مكان في منتصف سور البلدة القديمة وسور الحرم القدسي الشريف، وهذا المكان يقع بين باب السيدة مريم والزاوية الشمالية الشرقية لسور البلدة القديمة.
ويذكر أن اليهود قد قاموا في سبيل إتمام عملهم هذا بمصادرة الأراضي الملاصقة لمقبرة إسلامية هناك، كما أن هذه الحفريات لا زالت تهدد الكثير من المقابر الإسلامية التي تعتبر من أقدم المقابر الإسلامية في القدس والتي تحوي على رفات الصحابيين: عبادة بن الصامت وشداد بن أوس، والعديد من رجال العلم.
7 - المرحلة السابعة:
ويرجح أنها بدأت سنة 1977م، وكانت عبارة عن مشروع تعميق ساحة البراق الملاصقة للحائط الغربي للأقصى، ووصل عمق الحفريات في هذه المرحلة إلى 9 أمتار، وقد كانت هذه الساحة حتى عام 1967م تضم 200 عقار، ولكن الدولة العبرية قامت بجرفها خلال عشر سنوات (1967م - 1977م)، ومن الواضح أن هذه الحفريات خطر حقيقي للعديد من الأبنية مثل:
عمارة المدرسة التنكزية، عمارة المكتبة الخالدية، مسجد وزاوية أبو مدين الغوث، 35 بناية يقطنها ما لا يقل عن 200 مواطن.
8 - المرحلة الثامنة:
يذكر أن العمل قد بدأ بها سنة 1967م خلف جدران المسجد الأقصى الجنوبية، وحملت شعار: «كشف مقابر ملوك إسرائيل في مملكة يهودا»، ولا شك أن أخطاراً عديدة تحدق بهذه الجدران.
9 - المرحلة التاسعة:(2/349)
وفي هذه الفترة أعيد فتح نفق «وارن» (على اسم الإنجليزي وارن الذي اكتشف النفق سنة 1880م)، ويقع ما بين باب السلسلة وباب القطانين، وقد اقتربت الحفريات الصهيونية في هذه المرحلة إلى الحائط الغربي، وتوغلت أسفل الحرم على طول 25 متراً شرقاً وبعرض 6 أمتار ووصلت إلى «سبيل قايتباي».
وقد أدت هذه الحفريات كما أشير في تقرير المهندسين سنة 1981م إلى تصدع الأروقة الغربية الواقعة بين باب السلسلة وباب القطانين.
10 - المرحلة العاشرة:
يشار إلى أن هذه المرحلة قد بدأت بالتوغل تحت أرضية المسجد الأقصى المبارك والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم. ويذكر أن الصهاينة قد ركزوا عملهم في هذه المرحلة تحت باحات الحرم القدسي الشريف؛ حيث إنهم بدؤوا بتفريغ الأتربة من تحت كل باحات الحرم القدسي الشريف، ولعل هذه الحفريات هي من أخطر المراحل؛ لأنها تقع مباشرة تحت باحات الحرم وخصوصاً تحت الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، وقد بدأ يظهر آثار ذلك؛ حيث أخذت بعض الشقوق تظهر جلياً للعيان في قطع الرخام في قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
ونستطيع أن نلخص تركز الحفريات الصهيونية جغرافياً:
* غرب المسجد الأقصى.
* جنوب المسجد الأقصى.
* جنوب الحفريات الجنوبية.
من الواضح أن حديثنا أعلاه قد تركز بشيء من التفصيل على الحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك وتحت أسواره وجدرانه، من حيث سنوات الحفريات وطول الأنفاق وعمقها وسنوات البدء بها.
ولكن لوحظ أن هذه التفاصيل قد بدت شحيحة بعد منتصف السبعينيات مقارنة بالمعلومات التي كانت تتعلق بالحفريات ما بين الأعوام 1967م - 1975م، ولعل االسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا لا يتم استمرار الحديث عن نفس هذه الحفريات بنفس الطريقة أو بنفس روح ما بعد منتصف السبعينيات؟
يقول الأستاذ أحمد فتحي خليفة، الباحث في شؤون القدس والأقصى للبيان:
1 - إن الحفريات الصهيونية ابتعدت عن عيون الناس وملاحظاتهم، كما أنها ابتعدت عن شوارعهم وأزقتهم؛ وذلك لأن سير هذه الحفريات اتجه من تلك المناطق السكنية القريبة من ملاحظة الناس إلى داخل الحرم، وهي نسبياً بعيدة عن ملاحظات المواطنين.
2 - يضاف أن الصهاينة كانوا قبل عام 1975م يسمحون للباحثين والكتاب أن يبحثوا ويطلعوا على سير عمل تلك الحفريات، أما بعد هذا التاريخ فقد منعت المؤسسة اليهودية الحاكمة هؤلاء الكتاب والباحثين ـ بمن فيهم من كتابهم وباحثيهم الذين كانوا يكشفون النقاب عن هذه الحفريات ـ من الاطلاع على أدنى حد من المعلومات المتعلقة بالموضوع.
3 - إن ما تقوم به السلطات الصهيونية من إغلاق لبوابات الحرم بعد نصف ساعة من انقضاء صلاة العشاء يمنع ملاحظة ومعرفة ما يدور من حفريات تحت المسجد الأقصى.
أما الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية ورئيس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، فقد أعرب عن استيائه ومرارته لعدم توفر معلومات واضحة موثقة بالصورة والخريطة وقال: «إنه لا يوجد أحد من شعبنا الفلسطيني أو من عالمنا العربي والإسلامي يملك الإجابة عن حجم الخطورة المحدقة بالمسجد الأقصى» ملمحاً بعدم المعرفة العميقة بسير وخطورة الحفريات الجارية أسفل المسجد الأقصى المبارك.
ولكن مع كل ذلك فإن هناك الكثير من الشواهد والأدلة التي تؤكد استمرار الحفريات بالمسجد الأقصى المبارك، بل وحتى بدأت تهدد مناطق حساسة جداً مثل مسجد قبة الصخرة المشرفة.
وأشار الباحث أحمد فتحي خليفة في نفس المقابلة أن الحفريات وصلت أسفل باحات الحرم القدسي الشريف ولا سيما تحت المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، ويستدل الأستاذ أحمد على ذلك بالتصدعات والشقوق التي بدأت تظهر بكل وضوح على قطع الرخام المصفحة لجدران قبة الصخرة المشرفة إضافة إلى المنطقة الشرقية الغربية وفوق المحراب مباشرة، ويجزم الأستاذ أحمد خليفة أن هذه الشقوق تعود إلى الفراغات الموجودة تحت قبة الصخرة المشرفة. وبالطبع فإن هذه الفراغات سببها الحفريات الصهيونية تحت قبة الصخرة وباحات المسجد.
إضافة إلى كل ذلك يشير الأستاذ أحمد إلى أن المسجد الأقصى المبارك يحوي على 43 بئراً تتصل فيما بينها منها ما يصل عمقه إلى 20 ـ 25 متراً، ويرجح الأستاذ أحمد خليفة أن اليهود قاموا بربط جميع الآبار بعضها مع بعض (أي فتحوها على بعضها البعض)، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن اليهود قد سيطروا سيطرة كاملة على الطبقة الجوفية للأقصى.
أما الشيخ رائد صلاح فقد ذكر لنا في نفس المقابلة العديد من الأدلة والبراهين التي تؤكد بشكل لا لبس ولا ريب فيه أن المؤسسة اليهودية ماضية في تنفيذ مخططاتها ومن هذه الأدلة:
1 - ما نقله إليه المواطنون من آل الأنصاري ومن آل الدجاني الذين يقطنون في بيوت ملاصقة للمسجد الأقصى المبارك ما يسمعونه من أصوات اهتزازات تنبع من تحت المسجد الأقصى المبارك.
2 - ما نقله له الحراس من مشاهداتهم للشاحنات الكبيرة وهي تنقل أتربة من تحت المسجد الأقصى المبارك.(2/350)
3 - ويذكر الشيخ رائد صلاح ما أشارت إليه صحيفة هآرتس (البلاد) الصادرة في 11/8/1999م عما اكتشفه حاخام حائط المبكى في يوليو سنة 1981م من نفق يتجه تحت قبة الصخرة.
4 - ما نقله له أحد العاملين في سلك الآثار الفلسطينية أن إحدى ورشات عمل الحفريات الإسرائيلية قد تقدمت في الحفريات ووصلت حتى منطقة «الكأس» الواقعة بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك.
5 - ما نقله له حراس المسجد الأقصى من أنهم يسمعون أصواتاً قوية أسفل المسجد الأقصى شبيهة بأصوات حفريات وانفجارات.
6 - ما وصل للشيخ رائد من معلومات تؤكد أن الكيان الصهيوني يستعمل حوامض كيميائية تساعد في تفتيت الصخور.
7 - ما نقله له أحد رجالات الوقف الإسلامي في القدس أن هناك حفريات تتم أسفل المدرسة التنكزية وتصل هذه الحفريات تحت قبة الصخرة المشرفة.
8 - ما نقله له بعض موظفي لجنة التراث في بيت المقدس من سماع أصوات اهتزازات وضربات بالقرب من باب الرحمة؛ وذلك بتاريخ 3/2/2000م، وتبين لاحقاً أن هذه الأصوات صادرة من رجل يتبع لتنظيم جماعة «جبل أمناء الهيكل» كان يحفر في قبر (السادة المولوية) محاولاً فتح باب لنفق هناك. ويشير الشيخ رائد صلاح أن المؤسسة الإسرائيلية تهدف من وراء حفرياتها ـ طبعاً بالإضافة إلى هدفها الاستراتيجي وهدم الأقصى وبناء الهيكل ـ إلى السيطرة والتحكم بجميع المباني التابعة للأقصى.
الشيخ صلاح كانت له تجربة مباشرة مع هذه الحفريات يحدث البيان عنها قائلاً: «أنا دخلت في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى المبارك..، وهذه الزاوية تمثل مدخلاً إلى أحد الأنفاق التي بدأت المؤسسة الإسرائيلية بحفر نفق هناك في سنوات التسعينيات، وأنا شخصياً دخلت إلى هذا النفق بعمق تسعة أمتار، ومشيت في هذا النفق بامتداد حوالي مائتي متر باتجاه يوازي ساحة الأقصى من الجنوب ومن الغرب، ووجدت أن هذا النفق يتفرع منه عدة أنفاق صغيرة تصل إلى أساسات المسجد الأقصى المبارك.
ويتابع: (ما أؤكد عليه هنا ليس هو الشيء الوحيد الموجود من حفريات في ساحة المسجد الأقصى المبارك، وليس هو مشروع التآمر الوحيد لضرب المسجد الأقصى المبارك، بل هناك مبادرات كثيرة تحاول جهات كثيرة أن تنفذها بهدف الوصول إلى بناء هيكل على حساب المسجد الأقصى المبارك).
وسألته البيان عن وجود مخطط صهيوني حقيقي لهدم المسجد الأقصى، أم أن هناك مبالغات فيما يتعلق بهذا الجانب؟
فقال: (لا أقول هناك مخطط، هناك مخططات، ولا أقول إن هناك فقط مخططات، بل هناك تنفيذ؛ فالآن يجري تنفيذ بعض جوانب هذه المخططات في ساحة المسجد الأقصى المبارك، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، إذا أردت أن أستعرض أمثلة سريعة:
- في عام 1996م عندما قام في حينه نتنياهو بدخول نفق سمي اسماً تضليلياً بنفق (الحشمو نائيم) هو جزء من مخطط موجود.
- افتتاح إيهود باراك السابق لمكان تم تبليطه في الجهة الجنوبية من ساحة الأقصى المبارك.
- جزء من هذه المخططات التأكيد الذي سمعناه في الماضي من رؤساء حكومات إسرائيليين سابقين بما في ذلك رئيس الحكومة الحالي وبعض وزرائه ـ على أنهم ـ يصرون على سيادة مطلقة على الأقصى المبارك هو تأكيد على هذه المخططات.
- تأكيد الحاخامية الدينية الأولى في شخص الحاخام (لاو) والحاخام (دورون) على أن هناك سيادة مطلقة على الأقصى هي جزء من هذه المخططات.
- مطلب البعض ببناء كنيس في داخل الأقصى المبارك، ومطلب البعض بتحويل المدرسة العمرية إلى كنيس وهي جزء من الأقصى المبارك.
- وجزء من هذه المخططات ما تم تنفيذه حتى الآن هو إزالة مقبرة تاريخية كانت فيما مضى في الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى المبارك .
- تحويل حائط البراق الذي هو جزء ثمين من الأقصى المبارك إلى ما يسمى ـ تضليلاً ـ الآن بحائط المبكى وهو جزء من هذه المخططات).
ويكشف الشيخ رائد صلاح أن بعض علماء الآثار اليهود مثل (بن دوف) و (هرتزوك) يقولون بالحرف الواحد: إنه بعد حفريات استمرت أكثر من ثلاثين عاماً لم يجدوا ولو قطعة حجر تدل على وجود أثر إسرائيلي ديني في حرم الأقصى المبارك.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل تفرض حصاراً على الأقصى؛ حيث لا يسمح بإدخال أية مواد بنائية تساعد على ترميم الأقصى). وتعهد الشيخ صلاح بالاستمرار بكل المشاريع التي من شأنها تثبيت الحق الإسلامي في القدس والأقصى، وتساعد في منع تقدم واستمرار الحفريات الإسرائيلية.
- هل تهدد الحرم بالانهيار فعلاً؟
يقول الشيخ رائد صلاح: (هذه الحفريات لها نتائج كثيرة جداً، ومن أخطر هذه النتائج أنها قد تهدد حرم المسجد الأقصى بالانهيار، بحيث تعطي الإمكانيات للمؤسسة الإسرائيلية -الدينية والسياسية ـ أن تفرض سيطرة على ما يوجد تحت المسجد الأقصى المبارك من تحت الأرض، ومن خلال هذه السيطرة قد تسيطر على أماكن فوق الأرض).(2/351)
ويتابع: (هناك مدرسة اسمها المدرسة العمرية تقع في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد الأقصى المبارك، هذه الزاوية يطالبون الآن أن تحول إلى كنيس يهودي، تحت هذه المدرسة هناك أنفاق تسير وتصل مباشرة إلى الصخرة المشرفة؛ فالذي يسيطر على المدرسة العمرية والذي يسيطر على هذه الأنفاق طمعه واضح في المستقبل أن يسيطر على الصخرة المشرفة التي تقع بالضبط في وسط ساحة المسجد الأقصى المبارك.
ومما يشار إليه أن إسرائيل قامت منذ عام 1948م وحتى الآن بهدم ما يقرب من ألف ومائتي مسجد واقتلاع آلاف المقابر، وقامت بتحويل كثير من المساجد إلى خمارات ومطاعم ومراقص ليلية وبيوت للدعارة وأوكار للمخدرات مثل مسجد (عين كارم) الذي يستخدم الآن وكراً لأعمال الرذيلة، ومسجد (مجدل عسقلان) الذي حول إلى متحف ومطعم وخمارة، ومسجد (البصة) الذي حول إلى حظيرة أغنام، ومسجد (العفولة) الذي حول إلى كنيس يهودي، والمسجد الأحمر في صفد الذي حول إلى ملتقى الفنانين.
أما مقابر المسلمين فقد حول بعضها إلى مزابل. أما أوقاف المسلمين فإن ريعها يحول الآن إلى وزارة الأديان الإسرائيلية، ويصرف على خدمة الكنس اليهودية ورواتب الحاخامات؛ فهل هي الآن عاجزة (أخلاقياً، وأيديولوجياً، وعملياً) عن هدم المسجد الأقصى المبارك آجلاً أم عاجلاً؟
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-177/177-22.htm
============(2/352)
(2/353)
الشفافية السياسية
من الطبيعي أن يكون للدول الكبرى دور في رسم وترتيب الحياة السياسية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية للدول الحليفة أو التابعة؛ ولكن ما كان هذا أبداً يظهر على السطح، وكان العالم الغربي يستخف بالقيادات الشكلية لدول حلف وارسو ويعتبرهم مجرد أدوات في يد القيادة السوفييتية، وأن الغرب يمثل العالم الحر وأنه يمثل الديمقراطية الحقيقية، وبشر بالنظام العالمي الجديد الذي يذكر بالمدينة الفاضلة، ولكن الأحداث أكدت شيئاً واحداً هو أن هناك قوةً ما تريد أن تسيطر على العالم عن طريق أمريكا وتوابعها؛ ولذا تم طرح العولمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل ومحاولة فرضها على العالم، وتم تهميش كل المنظمات الدولية والإقليمية؛ فالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية و .... تحولت إلى مجرد أدوات لأمريكا ولم يعد هناك ضابط لأي شيء؛ فمثلاً ميلوسيفتش يعتبر مجرماً بحق الإنسانية؛ لأنه قتل المسلمين ولكن فاجبايي وشارون وبوتين إنما يقتلون المسلمين دفاعاً عن النفس مثلهم مثل بوش، والذي يرفع راية محاكمة ميلوسيفتش وصدام هو الذي يمنع التحقيق في جرائم شارون .
وفي هذا المقام نحن أمام مفارقات عجيبة في الحياة السياسية على مستوى العالم؛ فمثلاً حتى دولة مثل فرنسا يكون لها بعض المواقف المختلفة بعض الشيء عن السياسة الأمريكية، وتظهر على لسان كبار مسؤوليها بعض التصريحات العلنية حول العراق أو الشرق الأوسط أو ... ولكن كل هذا يتبخر أثناء لقاء رسمي مع مسؤولين أمريكيين كبار، وكذلك نجد أن هناك حديثاً عن خلافات في الإدارة الأمريكية، وأن هناك أكثر من جناح تتضح من تضارب المواقف؛ ولكن كل هذا يتبخر أيضاً عند قدوم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن.
ولنا هنا أن نتساءل: ما هو السبب الذي يجعل شيراك وبلير وبوش يغيرون مواقفهم؟ هل نستطيع أن نتخيل أن هناك من يمارس معهم نفس الأسلوب الذي يمارسونه مع عرفات، عندما يكرر بوش مطالبته بتنفيذ ما يطلب منه، وأخيراً بعد أن خيب أمله طلب تغييره، أو عندما يصرح وزير الخارجية الأمريكية باول لصحيفة النيويورك تايمز: «لقد حذرت عرفات قبل شهرين ونصف بأنه إذا لم ينفذ تغييراً استراتيجياً في سياسته فسيتم تغييره».
وهنا نتساءل عما بقي في أمريكا سياسياً عندما يصرح أحد كتاب يديعوت أحرنوت الإسرائيلية «أن اللسان كان لسان الرئيس بوش؛ لكن اليد التي كتبت الخطاب هي يد أرئيل شارون»؛ فإلى مزيد من الشفافية السياسية، وأخبرونا من الذي يحكم العالم؟
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-177/177-001.HTM
-==========(2/354)
(2/355)
الفرنكوفونية.. المفروضة والصبغة المرفوضة
ما الفرنكوفونية؟ ولماذا الحديث عنها؟
الفرنكوفونية: حركة فكرية، ذات بعد أيديولوجي، تهدف إلى تخليد قيم (فرنسا الأم) في كل مستعمراتها التي انسحبت منها عسكرياً، ومدافعة التيارات القومية واللغوية الأخرى؛ وذلك من خلال اعتماد اللغة الفرنسية باعتبارها ثقافة مشتركة بين الدول الناطقة بها كلياً أو جزئياً.
إنه إذا كان الحديث عن العلمانية، أو الشيوعية، أو القومية العرقية الانفصالية هو قلب الصراع في كثير من بلدان العالم الإسلامي، فإن الحديث عن الفرنكوفونية يعتبر حقاً هو قلب الصراع في الكثير من البلدان الإسلامية بإفريقيا وخاصة بلدان المغرب العربي؛ ذلك أن الأخطبوط الفرنكوني استطاع أن يحفظ الحياة لكثير من المقولات التي ماتت في الشرق بسبب التحولات العالمية الكبرى بدءاً بانهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، وانتصاب الهيمنة الأمريكية على العالم؛ ذلك أن الماركسية اللينينية الراديكالية، وكذا (المعتدلة) منها، وما شابه ذلك من المنظمات والأحزاب التي غيرت أسماءها واتجاهاتها في بعض البلدان، استطاعت أن تجدد امتدادها في بلدان المغرب العربي، وتحفظ بقاءها، بسبب الاحتضان الفرنكوفوني لها. وكذلك التيارات الأمازيغية الانفصالية التي لم يكن يؤبه لها إبان الصراع الثنائي العالمي بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، برزت اليوم في الواجهة، لكن من خلال الاحتضان الفرنكوفوني أيضاً؛ بل لقد استطاعت الفرنكوفونية، هذا الشيطان القديم الجديد، أن تحول بعض الاتجاهات الماركسية إلى اتجاهات (ماركسية / أمازيغية) بإحياء الظهير البربري الذي أصدره الاستعمار الفرنسي بالمغرب والجزائر إبان الاستعمار، والذي كان يقتضي فصل العرب عن الأمازيغ (البربر)، وعدم خضوع هؤلاء لما يخضع له إخوانهم العرب من جريان مناهج القضاء والتعليم الإسلامية عليهم، وأحدثوا لذلك قضاء عرفياً.
ومن هنا صرنا نسمع اليوم لدى هذه التيارات الخطيرة شعارات مرفوعة باسم (كُسَيْلَةَ البربري)، باعتباره رمزاً (وطنياً)! وإنما كُسَيْلَةُ البربري هذا هو قاتل القائد المجاهد المسلم الذي فتح المغرب: عقبة بن نافع. إن معنى ذلك أن على الأجيال الجديدة المتخرجة من محاضن الفرنكوفونيين (الشيو/أمازيغيين) أن يعودوا إلى مغرب ما قبل الفتح الإسلامي، وهو مغرب كانت تتنازعه الوثنية والنصرانية. والمغرب في الاصطلاح التراثي القديم إنما هو مجموع الغرب الإسلامي.
إن معالجة ملف الفرنكوفونية هي من الأهمية بمكان؛ بحيث تعتبر ضرباً في عمق التدافع الحضاري، ووقوفاً بثغر من ثغور الإسلام، لا عدوُّه يقل خطورة، ولا معركتُه تقل ضراوة، عما يواجهه المجاهدون في ساحات القتال هنا وهناك!
إن العارفين بالخطر الفرنكوفوني يرون فيه نوعاً من الحرب يشبه إلى حد قريب ما عرف في تاريخ الأندلس بـ (معارك الاسترداد) التي خاضها النصارى الإسبان لطرد المسلمين منها. لذلك، و«المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» ، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21] .
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-177/177-06.htm
=============(2/356)
(2/357)
عدو العدو: أصديق دائماً هو؟
جعفر شيخ إدريس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:
من القواعد الباطلة التي تتحكم أحياناً في سلوكنا البشري ما يكون مضمراً لا يفصح عنه الإنسان حتى لنفسه، لأنه ربما لا يكون هو واعياً به، بل ربما أنكره إذا ما رآه مصرحاً به، لذلك كان كشف هذه القواعد السلوكية المضمرة والإفصاح عنها ومناقشتها من أحسن وسائل التقليل من شرها وإقناع الناس بعدم الخضوع لها.
من هذه القواعد الباطلة أن عدو العدو هو دائماً صديق، أو أن صديق العدو هو دائماً عدو. كل منا يعرف بعقله ومن تجربته أن هذا ليس بصحيح. لأنه يعرف أن العدوين قد يشتركان في أمر يجعل كلاً منهما عدواً له، ولأنه يعرف أن الأمر الذي يتعاديان بسببه قد لا يكون له علاقة بذلك الأمر الذي جعل كلاً منهما عدواً له، ولأنه يعرف أن من يصادق عدواً لنا قد يصادقه لأمر لا علاقة له بالأمر الذي جعله لنا عدواً. لكننا في حياتنا الواقعية كثيراً ما نسير على هذه القاعدة التي نعلم بطلانها من الناحية العقلية والتجريبية.
من أضرار هذه القاعدة الباطلة أنها تفقد الفرد أو الجماعة أو الدولة الاستقلال في اتخاذ المواقف، بل تجعل عدوها -من حيث لا تشعر- هو الذي يقرر لها مواقفها، لأن موقفها سيكون دائماً هو الموقف المضاد لمن تراه عدواً لها، فثناء إعلامه على جهة ما يدعو للارتياب في أمره وهجومه عليها يدعو للثقة بها والثناء عليها.
من أضرارها أن العدو إذا عرف هذا الضعف في من تُسيِّره هذه القاعدة الباطلة، أمكنه أن يستغلها أسوأ استغلال. فما عليه ليجعله يعادي جهة ما إلا أن يُظهر الود نحوها ولو كان في الباطن خصماً لها، بل قد يكون هذا العداء الظاهر بترتيب معها، وما عليه لكي يجعلها ترتاب في أمر فرد أو جماعة أو دولة إلا أن يظهر الود نحوها والثناء عليها ولو كان في الباطن عدواً لَها.
إنَّ العقلاء الجديرين بالنجاح في عملهم هم الذين يتخذون مواقفهم بمقياس مبادئهم وبمراعاة لمصالحهم، ولا يجعلون غيرهم يقرر لهم ذلك سلباً أو إيجاباً. إن ديننا يحذرنا من أن يحملنا بغضنا لعدو على الاعتداء الظالم عليه، فكيف لا يمنعنا من أن نجور في حكمنا على غيره فنعاديه وهو يستحق الموالاة أو المناصرة، أو نواليه أو نناصره وهو يستحق المعاداة والمواجهة.
(ولا يَجْرِمَنَّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى) .
موقع الشيخ جعفر شيخ إدريس
http://www.jaafa r id r is.com/A r abic/aa r ticles/3adoo.htm
===============(2/358)
(2/359)
والت ديزني والضحايا بإرادتهم
أحمد إبراهيم خضر
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الفوائد: «قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات. فإن كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها؛ فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته، والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع، لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه.
وسرُّ ذلك: أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن؛ فإذا صغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء، ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله، لم يبق فيه ميل إلى محبته، فإذا نطق القلب بغير ذكره، لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان».
* ما علاقة ما قاله ابن القيم بوالت ديزني وجهاز استخباراتها؟ لنبدأ القصة من أولها(1).
أنتجت مؤسسة والت ديزني في أوائل التسعينيات فيلماً استوحته من روايات «ألف ليلة وليلة» بعنوان: «علاء الدين» واعتبرته واحداً من أهم أعمالها، وفي ربيع 1995م كتب «تريموثي هوايت وجي ون» مقالاً أكدا فيه أن في هذا الفيلم إساءة للعرب والمسلمين وتعرضاً للشريعة الإسلامية، واعتبر أن ذلك أمر يسهل فهمه تماماً. وعندما عرض الفيلم في أمريكا الشمالية احتجت منظمات الأمريكيين العرب، واتهمت المسؤول التنفيذي اليهودي لديزني بأنه تعمد تشويه صورة العرب. لكن ديزني دفعت هذه التهمة عن هذا المسؤول اليهودي، خاصة بعد أن حقق الفيلم عائداً يزيد عن مائتي مليون دولار في أمريكا الشمالية وحدها.
لم يكن يهم ديزني ردود فعل الأمريكيين العرب تجاه الفيلم؛ فالمسألة محسومة فيما يطلقون عليه هناك: «حرية التعبير»، كما أن ديزني كانت على دراية وفهم كاملين بصدى الفيلم فيما يسمونه: «منطقة الشرق الأوسط»، وآثرت أجهزة ديزني أن ترصد ردود الفعل تجاه الفيلم في منطقة تضم أكثرية ساحقة من المسلمين وهي منطقة جنوب شرق آسيا، وجاءت تحليلات «هوايت وون» لتبين أن المؤسسات الأمريكية تشكل لنفسها أجهزة استخبارات خاصة يدخل موظفوها عادة تحت اسم موظفي «العلاقات العامة»، وتخدم هذه الأجهزة هدفين في وقت واحد: أولهما: الحفاظ على استمرارية تدفق الدولارات الأمريكية إلى خزينة هذه المؤسسات. والثاني: الاستفادة من هذه المعلومات في خدمة المصالح الغربية عامة والأمريكية خاصة.
يرى كلٌّ من «وايت وون» أن فيلم «علاء الدين» هو واحد من أنجح محاولات ديزني في تغريب أو حتى «أمركة» منتج فني يخص ثقافة غير أمريكية. ولا يهتم الأمريكيون عادة بالثقافات غير الأمريكية إلا في ضوء الفائدة التي يمكن أن يجنوها من ورائها، هكذا كان الأمر في حرب الخليج ـ على حد قول هوايت وون ـ حيث قام الأمريكيون بتقويم ثقافة الخليجيين في حدود النفع الذي يعود على العالم الغربي منها. وعلى أساس هذه القاعدة، كانت رواية «علاء الدين» مادة خاماً استغلتها آليات ديزني في إنتاج تصور معين يخص ثقافة شرقية، هذا التصور ليس بالتصور الصادق الممثل لهذه الثقافة، وإنما كان تصوراً أمريكياً يصور العالم العربي (الأجنبي) بطريقة هزلية ساخرة. ويمكن القول هنا إن استغلال القضايا العرقية والقومية للشعوب، والتعبير عنها بشخصيات ديزني الكارتونية ليس أمراً جديداً عليها وإنما تعود جذوره إلى الأربعينيات من القرن الماضى.
* مكمسة العالم كيف؟
نجحت ديزني باستخدامها لشخصيات الروايات التي تنتجها ليس فقط في الدعاية لنفسها، وإنما أيضاً فيما نسميه بـ «مكمسة العالم» نسبة إلى شخصية ميكي ماوس الشهيرة. وعلى أساس ذلك فهي لا تستهلك الثقافات الأخرى فحسب، بل إنها تبيع الثقافة الغربية للعالم عبرها أيضاً.(2/360)
وتكشف ديزني عن حقيقة هامة مؤداها «أنها تنظر إلى مشاهدي منتجاتها على أنهم ضحايا ولكنهم ضحايا بإرادتهم» بدليل هذه المبالغ الضخمة التي ينفقونها على أفلامها. ومن هذا المنطلق خططت ديزني لغزو سوق جنوب شرق آسيا، وتوقعت عائداً من السوق الدولي يصل إلى حدود مائتين وخمسين مليوناً من الدولارات يأتي أكثرها من آسيا، وبالفعل لم تخيب آسيا توقعات ديزنى. اعتمدت استراتيجية ديزني على تأسيس مكاتب وشركات لها بعواصم دول هذه المنطقة، وعلى إقامة مظلة كبيرة يدخل تحت غطائها إلى المنطقة كل وسائل وأجهزة ديزني من أفلام وأسطوانات وشراط فيديو وكاسيت وغير ذلك. حرصت ديزني على عرض فيلم «علاء الدين» في فترة عطلة المدارس وعلى ألا يقتصر عرض الفيلم على الصغار فقط، بل للشباب والكبار، وحرصت ديزني كذلك على تقديم بعض التذاكر المجانية والمخفضة سواء للأفراد أو العائلات؛ هذا بالإضافة إلى الجوائز والمسابقات وبيع الدمى التي تمثل شخصيات الفيلم. كما تعمدت ديزني إدراكاً منها للصورة السلبية التي تسيء إلى العرب والمسلمين إلى اتباع إجراءات تخفف من حدة هذه الصورة، لكنها تقيس في نفس الوقت مدى فاعلية هذه الإجراءات وآثارها على المشاهدين. مثال ذلك أن أول عرض للفيلم في كوالالمبور كان لصالح الأطفال اليتامى بها، وتبين لديزني بعد العرض ان الأطفال لم يعترضوا على شيء مما شاهدوه.
بدأت ديزني بسنغافورة؛ حيث الأقلية المسلمة الهامة هناك، وكانت قد أعدت خطتها لغزو السوق السنغافوري في عام 1998م. افتتحت ديزني فيلم «علاء الدين» مع بدايات مايو 1993م وكانت هذه أول مرة يعرض فيها فيلم رسوم متحركة على نطاق واسع، وقياساً على نجاح فيلمها السابق «الجميلة والوحش» الذي شاهده 400 ألف متفرج وحقق عائداً قدره 1.2مليون دولار أمريكي في دورة ستة شهور، توقعت نجاح فيلم «علاء الدين» وخاصة أن سنغافورة بلد لا يزيد عدد سكانه على ثلاثة ملايين نسمة، وكان سعر تذكرة الدخول أربعة دولارات أمريكية.
* رأي السنغافوريين:
أنفق السنغافوريون على منتجات ديزني حوالي عشرة ملايين دولار أمريكي بخلاف ما أنفقوه على الفيلم، لكن ديزني كانت حريصة على تتبع ردود أفعال السوق السنغافوري على الفيلم عامة، وردود أفعال الأقلية المسلمة خاصة. وتبين لها الآتي:
1 - أن هناك إدراكاً من السنغافوريين لمخططاتها في المنطقة؛ فقد كتبت إحدى الصحف السنغافورية الهامة عندما أنشأت ديزني شركة حديثة لها بسنغافورة أن مؤسسة والت ديزني تمهد الأرض لهجوم واسع النطاق على قلوب وعقول وجيوب المستهلكين في جنوب شرق آسيا».
2 - كانت سيادة غير المسلمين على سنغافورة حائلاً دون حدوث أي مشكلات لديزني بسبب الفيلم؛ فغير المسلمين لا يهتمون بمشاعر المسلمين، وإن كانت هناك معارضة من قِبَل المسلمين فلا تحسب ديزني حساباً لها؛ فهم في جملتهم لا تزيد نسبتهم على 16% في حين يشكل البوذيون والطاويون نسبة 56% بخلاف النصارى والهنادكة.
* رأي الماليزيين:
عبرت ديزني بفيلم «علاء الدين» بحر الصين الجنوبي متجهة إلى «ماليزيا» في التوقيت نفسه الذي تحركت فيه إلى سنغافورة تقريباً. ولماليزيا عند ديزني ملامح خاصة حددها «هوايت وون» على النحو الآتي:
أولاً: إن 53% من سكان ماليزيا مسلمون والباقي من البوذيين والصينيين.
ثانياً: إن مالكي المسارح التي تعرض فيها ديزني أفلامها من غير المسلمين.
ثالثاً: إن الصحف الماليزية تعتمد في تمويلها بدرجة كبيرة على إعلانات هذه المسارح التي يمتلكها غير المسلمين.
رابعاً: إنه وإن كانت ماليزيا معروفة بتمسكها بالإسلام فإن ولاياتها ليست جميعها على درجة واحدة في هذا التمسك باستثناء ولاية «كالتنج» التي عارضت الحزب الحاكم، ووقفت ضد الروايات والمسرحيات التي تتنافى مع الإسلام.
خامساً: إن في ماليزيا حركة إسلامية قوية وهي حركة الشباب المسلم الماليزي (الأبيم ABIM)، وهى حركة تسعى إلى تأسيس دولة إسلامية ذات نظام اقتصادي وقانوني قائم على الشريعة الإسلامية.
سادساً: إن الحزب الحاكم في ماليزيا يؤكد على مسألة الانسجام العرقي والسلالي أي على القومية بدلاً من الإسلام.
سابعاً: إن هناك تحالفاً بين حركة الشباب المسلم (الأبيم) وبين الحزب الحاكم، تمثل وقتها في اختيار رئيس هذه الحركة نائباً لرئيس الحزب الحاكم، ثم وزيراً للتعليم، فنائباً لرئيس الوزراء في نفس الوقت الذي حافظ فيه على روابطه مع الحركة.
هذه الملامح السبعة التي حددتها ديزني لماليزيا جعلتها تراهن على نجاح فيلم «علاء الدين» بالرغم من مثالبه المشار إليها.
بدأت ديزني في رصد ردود الأفعال الماليزية تجاه الفيلم في ضوء الأبعاد السابقة. صدر أول رد فعل من حركة (الأبيم) التي طالبت الحكومة في نداء لها بإيقاف عرض الفيلم ومقاطعة كل وسائل توزيعه بسبب العنصرية التي تبرزها مقدمة أغنية الفيلم التى تقول على لسان أحد الشخصيات العربية: «إنني جئت من أرض في مكان بعيد حيث تطوف قوافل الجمال هناك، إنهم يقطعون أذنك إذا لم يكن يحبون وجهك، إن هذا فعل بربري، لكن هذا هو الحال في بلادنا».(2/361)
علق السكرتير العام للحركة على الفيلم بأنه عنصري يسخر من العرب والمسلمين على السواء، وأنه يجب منعه؛ لأنه لا يتناسب مع المشاهد الماليزي. ولم تكن (الأبيم) وحدها هي التي عبرت عن مشاعرها نحو الفيلم بل كانت هناك جهات أخرى عديدة هاجمت تصورات ديزني عن العرب والمسلمين كما أظهرها الفيلم.
* ولكن لماذا لم يتدخل الحزب الحاكم لإيقاف عرض الفيلم؟
فسر «هوايت وون» ذلك بعدم وجود ضغط شعبي قوي يجبر الحكومة على اتخاذ قرار في ذلك، كما أن الفيلم لم يعرض في أيام انتخابات بالرغم من أن الإساءة للعرب والمسلمين تشكل أرضية كافية لأتخاذ قرار في ذلك، ولكن في ظروف وأحوال أخرى.
أما عن التحالف بين حركة الشباب المسلم الماليزي وبين الحزب الحاكم فقد جاء لصالح ديزني؛ فبعد أن بدأت (الأبيم) بالاعتراض على الفيلم بالصورة التي أشرنا إليها عادت وتخلت عن نداءاتها بطلب الإيقاف تماماً مما يعني لديزني أن النداء بطلب الإيقاف لم يكن إلا من قبيل إظهار التعاطف مع الشباب المسلم وخاصة العربي المتحالف معها على المستوى الدولي.
رصدت ديزني أيضاً ردود فعل الصحف الماليزية تجاه الفيلم، فتبين لها محدودية هذه الردود وعدم استجابة هذه الصحف لنداء (الأبيم) بإيقاف عرض االفيلم. لم تكن هناك إلا صحيفة واحدة ناطقة بالإنجليزية كانت قد غطت الأحداث المرتبطة بالفيلم في حين لم تنشر أي صحيفة ناطقة باللغة الوطنية هذا النداء. علقت صحيفة ماليزية واحدة على الفيلم لكنها لم توفق في العرض السليم للجدل الذي أثير حوله. لم تتعرض هذه الصحيفة لعنصرية الفيلم، بل على العكس من ذلك تحمست له ودعت الأطفال والكبار لمشاهدته.
أما التفسير الذي وضعته ديزني لأسباب تجاهل الصحف الماليزية لنداء (الأبيم) بمقاطعة الفيلم فقد حصرته في اعتماد الصحف الماليزية بدرجة كبيرة على الدعاية والإعلانات التي يقوم بتمويلها أصحاب المسارح من الصينيين الذين يعرض الفيلم على مسارحهم. والصينيون ليست لديهم هذه الحساسية التي تجعلهم يراعون مشاعر المسلمين الخاصة بالفيلم. وقد فندت ديزني الزعم القائل بأن مالكي المسارح وموزعي الفيلم قد ضغطوا على الصحف لكي تغض الطرف عن نداء الجماعات الإسلامية بالمقاطعة بأن قرار عدم الأستجابة لهذه النداءات قد يكون مصدره المسؤولين عن هذه الصحف نفسها أو رؤساء تحريرها. وخلاصة الأمر أنه ليس من مصلحة الصحف نشر النداءات بمقاطعة الفيلم وخاصة أن عائداً مالياً كبيراً يعود عليها من إعلانات مالكي المسارح.
وقد حاول «هوايت وون» تفسير الأسباب التي كانت وراء عدم اهتمام الإعلام الماليزي بنداء (الأبيم) بالمقاطعة، وكذلك الأسباب الكامنة وراء عدم وجود استنكار شعبي معارض للفيلم كالذي حدث إبان كتاب سلمان رشدي على النحو الآتي:
1- الماليزيون مسلمون، ولكنهم ليسوا عرباً، وهذا لا يعني أنهم لا يتأثرون بما يجري لإخوانهم العرب، إنما سيكون الأمر أكثر شدة إذا كانت شخصيات الفيلم إسلامية بوضوح أكثر مما هي عربية.
2- أن الناس لا تنظر إلى الرسوم المتحركة أنها تدور حول فكرة أو قضية معينة؛ فهذا لا يكون إلا لأصحاب الفكر العميق، وهذه الرسوم والأفلام بالنسبة لعامة الناس هي مجرد أفلام يستمتع بها الأطفال وكذلك الكبار. ونادراً ما يؤخذ الأمر بجدية كالحال في أمور الدين والسياسة.
3- أن الماليزيين قد أعجبوا بشدة بالفيلم رغم إساءته للعرب بدرجة أكبر وللمسلمين بدرجة أقل، وقد طرحت ديزني هنا سؤالاً هاماً: كيف يشاهد ويستمتع من هو مخلص لدينه بفيلم معروف بأنه عدائي لأصحاب هذا الدين؟ إن هذا أمر غير عادي. وبصورة أخرى: لماذا أصر المشاهد الماليزي على تجاهل هذه النداءات التي تطالب بإيقاف عرض الفيلم؟
فسر «هوايت وون» ذلك بما يلى:
أولاً: الفيلم عبارة عن «رسوم متحركة، وهذا أمر يحبه الماليزيون كثيراً، كما أنه نوع من الميلودراما المؤثرة؛ بمعنى أنه يتضمن قصة حب بين أميرة جميلة تدعى (ياسمين) وشاب فقير وسيم يدعى (علاء الدين)، ويتضمن الفيلم العديد من الأغاني الرومانسية والقليل من أحداث العنف. والفيلم بصورة عامة صورة مماثلة لما يجري في السينما الماليزية، وقد تفاعل الماليزيون مع رومانسية الفيلم، ولم يدركوا تعرض الفيلم للشريعة الإسلامية؛ لأن التعرض لم يكن واضحاً ومحدداً؛ حيث أظهر احتمال بتر يد الأميرة (ياسمين) لسرقتها غير الواضحة لتفاحة، وقطع رأس (علاء الدين) لاحتمال رفقته للأميرة (ياسمين) أو لسرقته. ويبدو لنا هنا أن ديزني ربطت بين رومانسية أحداث الفيلم وبين عملية بتر اليد أو قطع الرأس لتؤثر بطريقة ماكرة على المشاهد المسلم فتدفعه لا شعورياً إلى اتخاذ موقف متشكك من شريعته الإسلامية.
ثانياً: أن قبول الإسلام مع الأعتقاد في فكرة تناقضه ـ كالسحر ـ أمر شائع عند الماليزيين، كما هو شائع أيضاً في الديانات الأخرى؛ ولهذا فليس من المستغرب أن يستمتع الماليزيون بفيلم يتضمن هجوماً على العرب والمسلمين في الوقت الذي يعتنقون فيه الإسلام ويتحمسون له.(2/362)
ويرى «هوايت وون» أن من أشد المواقف التي تدعو إلى السخرية هو أن ديزني قد اتخذت بعض الخطوات لمعالجة ما تضمنته مقدمة أغنية الفيلم من إساءة للعرب وللمسلمين، كما أنها اتخذت في نفس الوقت إجراءات لمجابهة الأنشطة غير المشروعة في تقليد النسخ الأصلية للفيلم كلفتها ما يقرب من سبعة ملايين دولار، ثم تبين لها انتشار شرائط الفيديو المقلدة وذات النوعية الرديئة من فيلم «علاء الدين» في أنحاء ماليزيا، وكانت هذه النسخ المقلدة تتضمن تعديلاً أجري على أغنية الفيلم، لكنه استبقى هذا المقطع الذي يقول: «إن هذا فعل بربري، لكن هذا هو الحال في بلادنا».
مر الفيلم بسلام في باقي دول جنوب شرق آسيا؛ ففي أندونيسيا ـ التي تبلغ نسبة سكانها من المسلمين ثمانياً وثمانين في المائة من جملة السكان ـ افتتح الفيلم في جاكارتا في 10/6/1993م وأنهى دورته بنجاح في 14 يوليو، وصاحبته الدعاية وتقديم الجوائز والتذاكر المجانية والهدايا ومسابقات الأطفال ـ كالحال في ماليزيا ـ كما بيعت في الأسواق دمى شخصيات الفيلم ـ كعلاء الدين وياسمين والجني والوزير جعفر- يرتدون زياً مستوحى من هذه الشخصيات في الفيلم.
وقد تجاهلت الصحف الأندونيسية ـ كالحال في ماليزيا ـ الفيلم ما عدا صحيفة (جاكارتا بوست) الناطقة بالإنجليزية التي نشرت تنديد الأمريكيين العرب بأغنية الفيلم، ولم تعر الصحف الأندونيسية الكبرى انتباهاً لنداء (الأبيم) بمقاطعة الفيلم أو أي نداء آخر للمنظمات الإسلامية الأندونيسية. أما التعليقات التي كتبت عن الفيلم سواء بالإنجليزية أو باللغة الوطنية فقد كانت في غالبيتها إيجابية، مقرظة للفيلم، مثنية على صناعته وإبداعاته، وعلى القيم والأخلاقيات التي أظهرها مثل قيم ألأمانة والعدالة والحرية والتعاون والمثابرة والإخلاص في الحب. واعترف النقاد مع هذا الثناء بأن الفيلم يقدم صورة مشوهة عن العالم العربي والإسلامي، وكتب أحدهم على استحياء «أنه على الرغم من التكنولوجيا المعقدة المستخدمة في الفيلم وقصته الجذابة فإنه قدم العرب في صورة ملونة عبر الإحساس الفني الغربي، وصف «هوايت وون» هذا الكاتب بأنه يعاني من تناقض وجداني ظهر في قوله إنه يتعجب لماذا لم تفعل هوليود مع الروايات الأندونيسية مثلما فعلت مع رواية «علاء الدين»؟
امتدت تحليلات ديزني لتعقد مقارنة بين أندونيسيا وماليزيا، وانتهت إلى أنه بالرغم من أن الدولتين مسلمتان وتنتميان إلى منطقة جنوب شرق آسيا فإنهما تختلفان في اتجاه كل منهما تجاه الغرب اختلافاً كبيراً؛ فباستثناء الانقلاب الشيوعي منذ عام 1948م، كان لماليزيا تاريخ سلمي في استقلالها عن بريطانيا التي أرادت أن تتجنب محنة كالتي عاشها الفرنسيون في فيتنام؛ ولهذا فإن الثقافة الغربية محبوبة في ماليزيا، ولها نفوذها الكبير هناك، ويظهر ذلك بوضوح في التليفزيون الماليزي الذي يعرض أغاني مادونا وفرقتها الموسيقية، وترى هذه التحليلات أنه بغضِّ النظر عن هذه (القعقعات) التي يظهرها البعض كالدعوة إلى الحد من استخدام اللغة الإنجليزية في الإعلانات وغيرها، فإن اتجاه الحكومة والشعب الماليزي نحو الغرب اتجاه إيجابي، وقد كان هناك بعض النقد للغرب في السنوات الأخيرة، لكن هذا النقد يظل في غالبيته للاستهلاك المحلي وعادة ما يستخدم للتأثير على السكان المحليين.
أما أندونيسيا فقد حصلت على استقلالها عبر ثورة عارمة ضد الهولنديين، ومن المعروف عن أندونيسيا اتجاهاتها العدائية ضد الغرب ـ من قبل الحكومة على الأقل إذا لم يكن من غالبية السكان. ويضاف إلى ذلك أن لأندونيسيا صناعة فيلمية متطورة أكثر من ماليزيا ويعكس تاريخها الحديث صراعاً مع صناعة السينما في هوليود مما يجعل الأندونيسيين لا يتعاطفون معها؛ وذلك على العكس من ماليزيا التي كانت محرومة من أفلام هوليود. المهم هنا هو أنه ليس في أندونيسيا اتجاه يعترض على فيلم «علاء الدين» بالإضافة إلى أن هناك خوفاً من رد الفعل العنيف الذي قد تتخذه الولايات المتحدة ضد أندونيسيا وخاصة أن الأولى قد وضعت الأخيرة في قائمة المراقبة لمخالفتها قوانين حقوق التأليف والطبع. ورغم شعور الأندونيسيين بعدم العدالة التام من قبل الولايات المتحدة التي هددت بفرض عقوبات عليها من جراء ذلك، فإنهم يتجنبون إثارة أي نوع من الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. وخلاصة ذلك أن المطالبة بوقف عرض فيلم علاء الدين أمر غير مرغوب فيه ولن يكون له أثره المطلوب.
* رأي البروناويين:(2/363)
أما (بروناي) هذه الدولة الصغيرة ـ ذات الأغلبية المسلمة ـ فقد كانت ردود الفعل الرسمية تجاه الفيلم محدودة. لم تكن (بروناي) قد شاهدت الفيلم إلى أن افتتح في أحد مسارح الدولة في 12/8/ 1993م لمدة أسبوعين. كانت الصحافة في بروناي قد غطت أحداث الجدل الذي أثير حول الفيلم في الولايات المتحدة وبصورة لم تحدث في أي دولة من دول جنوب شرق آسيا. وعلى عكس الصحافة في هذه الدول فإن الصحف الكبرى في بروناي أبرزت نداء (الأبيم) بمقاطعة الفيلم، إلا أن ذلك كله كان قد حدث قبل عرض الفيلم في بروناي، ولما عرض الفيلم توقف الجدل وأصبح الحديث عنه كحديث عن أخبار قديمة. وانتهت ديزني من تحليلاتها عن ردود الفعل تجاه الفيلم في بروناي إلى القول بأنه «على الرغم من أن بروناي دولة مسلمة تعتبر أن تجارة المشروبات الكحولية غير قانونية فإنه نادراً ما تجد هناك فيها حاجة إلى التاكيد على المعتقدات الإسلامية سواء كان ذلك على مستوى الشعب أو الحكومة».
* كيف اختُرق العقل المسلم؟
ما يهمنا من هذا كله هو: كيف استطاعت ديزني اختراق العقل المسلم سواء في حنوب شرق آسيا أو في غيرها من بلاد العالم الإسلامي؟ وكيف استطاعت «أمركة» جزء من الثقافة العربية وأعادت تقديمه إلينا في صورة استعلائية تهكمية ساخرة؟ والأهم من هذا وذاك كيف استطاعت أن تحول ضحاياها من المسلمين إلى ضحايا بإرادتهم يقبلون على أفلامها ويدفعون لها ثمن ما يستمتعون به من عروض تحقِّر من شأن المسلمين وتسخر من دينهم وشريعتهم.
إن رجال استخبارات ديزني توصلوا إلى حقيقتين أساسيتين اخترقت بهما العقل المسلم:
الأولى: أن مهابة المسلمين قد نزعت من قلوب أعدائهم بدليل جرأة هؤلاء الأعداء على الإسلام وشريعته وسخريتهم من المسلمين، بل وجعل المسلمين يدفعون ـ بإرادتهم ـ ثمن هذه السخرية. في البلاد التي يسود فيها غير المسلمين تجدهم لا يعبؤون بمشاعر المسلمين، وإذا اعترض المسلمون على إيذاء مشاعرهم، فلا أحد يقيم لذلك وزناً. أما في البلاد التي يسود فيها المسلمون فإن الأقلية غير المسلمة تتحكم فيهم؛ فهم يملكون المال؛ ومن تملك المال سيطر على الإعلام وتحكم في الكلمة. عرف رجال ديزني أن المسلمين ليسوا على قلب واحد، سواء اختلفت أقطارهم أو كانوا في قطر واحد، وإذا اعترض المسلمون على تحدي مشاعرهم فبضع تذاكر أو هدايا مجانية ترضيهم، أو حفل لصالح اليتامى، كما يسهل إقناعهم بأن أفلام الكارتون لا تحمل فكراً وإنما هي مجرد أعمال فنية للتسلية فقط، وخاصة أنه يصعب عليهم إدراك مقاصد هذه الأعمال الفنية. تأكد رجال استخبارات ديزني أن المسلمين لا يختلفون عن النصارى أو البوذيين في اعتقادهم في دينهم مع الأعتقاد فيما يناقضه في نفس الوقت. وهذه الأمور من شأنها أن ترجئ استخدام الأعداء لسلاح القوة بالتدخل أو استخدام العقوبات إذا لزم الأمر.
الثانية: أن المسلمين مصابون بالوهن؛ فهم يحبون الدنيا. صحيح أن الإسلام قوة لها اعتبارها؛ لكن هناك منافسون أقوياء للإسلام في قلوب المسلمين، إنه حب المسلمين للمال وحبهم للفن كما عبر عن ذلك هوايت وون. إنهم موزعون بين إخلاصهم لدينهم وحبهم للأعمال الفنية وخاصة الدرامية منها، سواء عرضت في صورة فيلم عادي أو كارتوني. عرف رجال ديزني ذلك الوهن في قلوب المسلمين من نتيجة تحالف أي حركة إسلامية مع الحزب الحاكم، ومن تملق الحزب الحاكم لمشاعر العامة أيام الانتخابات، ومن خضوع رجال الصحافة من المسلمين لمن يدفع أكثر حتى ولو كان غير مسلم، ومن سطحية تفكير النقاد المسلمين لأفلام ديزني، ومن عدم قدرة دولة كاملة يسيطر عليها المسلمون من إعلان هويتها ومعتقداتها الإسلامية وما كان خلاف ذلك فهو استثناء لا يعتد به.
لهذا كله تتداعى على المسلمين الأمم من كل أفق كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها؛ فقلوبهم ممتلئة بالباطل اعتقاداً ومحبة؛ فأين موضع اعنقاد الحق ومحبته؟ وجوارحهم مشتغلة بغير الطاعة فلا يمكنهم شغلها بالطاعة، إلا إذا فرغوها من ضدها، وآذانهم تصغي إلى غير حديث الله؛ ولهذا لم يبق فيها إصغاء وفهم لحديثه، ومالوا لغير محبة الله؛ فلم يبق فيهم ميل إلى محبته، وألسنتهم نطقت بغير ذكر الله، فلم يبق لهم محل للنطق بذكره.
وأخيراً: كما قال ابن القيم: «.. كذلك إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدها لا منفذ لها فيه فإنه لا يقبلها، ولا تلج فيه، ولكن تمر مجتازة لا مستوطنة».
--------------
(1) انظر تفصيل للمقالة الآتية:
Timothy صلى الله عليه وسلم White and J.E. Winn, Sslam Animation and jMoney, the r eception of disneyصs Aladdin in southeast Asia. htt://www.a r ts.uwate r loo.ca/Fine/juhde/white95 1.htm.pp1 - 13
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-176/176-18.htm
=============(2/364)
(2/365)
قبل أن تنهار حصون الأدب؟!
المتأمل في الساحة الأدبية العربية كثيراً ما يجد انفصاماً بين الأدب والفكر، ويلاحظ أنَّ مواصفات الإبداع "المعتمدة" لدى بعض الأدباء والنقاد تفتقر إلى أية صلة بالدين والفكر والمعتقد! في دائرة مشؤومة من الهوى والفجور، تتدرَّج من تزيين المنكرات والمعاصي؛ إلى المروق من الدين والصدّ عن سبيل الله..
يتولى كِبْرَها وقيادة دفتها نفر ممَّن يملكون الآلة ويفقدون الغاية! فلديهم اليراع والمداد، لكن لا سلطان للدين يكبح جماح أهوائهم، ولا وازع من مراقبة الله تعالى يحول بينهم وبين التنفيس عن رغائب النفس الأمَّارة بالسوء!
فمنهم مجتهد في ثوابت الشرع وقطعياته.. يحلل ويحرم، ويفكر ويقدِّر.. وينظِّر ويقرر.. وكأنما يوحى إليه بعد النبوّة!!
ومنهم مجترئ على صحابة النبي ( r ورضى عنهم) وأئمة الدين وأعلامه.. زيّن له الشيطان سوء عمله فرآه حسناً!
ومنهم مفسِّر للقرآن الكريم بهواه، تحريفاً للكلم عن مواضعه، وقولاً في كتاب الله العزيز بالرأي السقيم!
ومنهم مفنِّد للسنة المطهّرة، يردّ منها ما يفسد عليه اجتهاده، ويقبل ممَّا ردَّه جهابذةُ الحديث ما يؤيد مراده!
وحتى في الروايات والقصص: ترى في كثير منها ما ينبئ عن خبايا النفوس.. وما انطوت عليه من حبّ الفجور والفساد! فكم من رواية في تزيين العشق المحرَّم والخيانة الزوجية طار بها صُنَّاع السينما وشاشات الإغواء!
إنَّها معركة قديمة حديثة، فلا يخلو منها زمان.. {وإنَّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم...} {شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً...}.
مع أن للإبداع ميادين رحبة يرتع فيها الأدب نضراً بهياً، يسر الناظرين، دون اقتراف المنكرات، وتزيين السوء والفحشاء، ولكن {كلٌّ يعمل على شاكلته...}.
ولله درُّ رجال دقُّوا ناقوس التحذير من هذه الفتن، من أمثال المفكر الإسلامي العملاق الأستاذ "أنور الجندي" ـ رحمه الله تعالى ـ إذ يقول:
"إنَّ فصل الأدب عن الفكر ـ وهو عنصر من عناصره ـ من أخطر التحديات التي فتحت الباب واسعاً أمام الأدب ليتدخَّل في كلّ قضايا الإجماع، ويفسد مفاهيم الإسلام الحقيقية".
فهل نجد من "جنود" العقيدة الربَّانية، من يواصل مسيرة الإنذار والتحذير قبل أن تنهار حصون الأدب؟!
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a1-24-06-20021.doc_cvt.htm
=============(2/366)
(2/367)
الحرب على التائبات..!
لاتزال المكائد تُحاك ضد المرأة المسلمة منذ عهد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، يحركها حقد دفين في قلوب المرجفين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، ما بين كيد صريح في جرأة وإظهار للعداوة ضد العفاف والفضيلة (!) ومكر خبيث يحاول استدراج المحصنات الغافلات إلى مراتع الإثم، عبر دعاوى مخادعة إلى التحرر والتقدم والحضارة... إلخ.
إنَّ أصحاب القلوب المريضة يودُّون لو أنَّ قلوب الناس أجمعين تكون على أفجر قلبٍ مريض منهم، والغارقين في أوحال الرذيلة يريدون لو يخوض أهل الفضيلة في وحلهم كما خاضوا.. ولكن.. هيهات (أفنجعل المسلمين كالمجرمين)؟!
ولقد أصبح التعرف على أهل الإرجاف اليوم من السهولة بمكان؛ من خلال سمات مميزة تجمعهم، ودعاوى موحّدة تخرج من أفواههم، وعبارات مكررة مستهلكة أكل عليها الدهر وشرب، ينعقون بها كلما استجدت لها مناسبة..:
فإذا ذُكر العفاف والحجاب رأيتهم يرفعون رايات التحرر والتقدم والانطلاق (التحلل من قيود الأخلاق، والانطلاق في ميادين الفوضى والفساد)..
وإذا ذُكر التبرج والسفور رأيتهم يتحدثون عن الزينة والأناقة والجمال (إبداء المرأة زينتها لغير الزوج والمحارم)..
وإذا منَّ الله على نساء من المسلمات بالانعتاق من أسر "العفن الفني" واعتزال دروب الفتنة، نظروا:
فإذا كانت المعتزلة (التائبة) قد تخطت سن الشباب، فهي (بزعمهم) تركت الساحة لأنَّها لم تعد مناسبة لها وقد زوى عنها الجمال!
وإن كانت مازالت في أوج تألقها الفني، فهي (بإرجافهم) تركت الفن بتمويل وإغراءات من جهات غير معلومة!
(قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)!
وهكذا.. دعاوى سمجة ممجوجة، إضافة إلى تفاهتها وتهافُتها، وكأنَّهم لا يخجلون من إيرادها مع سقوطها؛ تحت وطأة الرغبة الشديدة في التنفيس عن غيظهم وحنقهم على التائبين والتائبات: {قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}!
فتحية ملؤها الحب والتقدير إلى كل امرأة مسلمة منَّ الله عليها بالنجاة من مستنقعات "العفن الفني" ومكائد استدراج المرأة إلى دروب الرذيلة.
ووصية بالحذر من أقوام من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.. يلبسون الحق بالباطل، ويتلونون في صور شتى، يُعرفون بسيماهم، مكشوفة دعاواهم.
ولأنتن ـ أيتها الطاهرات ـ في حلوق المرجفين والذين في قلوبهم مرض شوك وعلقم، وفي الوقت نفسه: رياحين تنشر شذاها الزكي فوَّاحاً في رياض الهدى والتقى والفضيلة.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a2-26-05-2002.doc_cvt.htm
=============(2/368)
(2/369)
السينما صناعة يهودية لترويج أفكار صهيونية
نشأ الاهتمام بالسينما بالنسبة لليهود خلال المؤتمر الصهيوني 1879م حيث أدركوا أهمية الإعلام التثقيفي لخلق إسرائيل وضرورة نشر الروح الصهيونية ، والوعي بمبادئها الباطلة ؛ فقد قام " جورج ميليه" بإخراج فيلم قضية " دريفوس " 1899 وتناول من خلاله ترويج فكرة اضطهاد اليهود في أوروبا ، معتمدة على التقاط الوقائع الساخنة ، فنجد من خلال الأحداث محاكمة دريفوس الذي خان وطنه ، وكذلك برر فيما بعد استيلاءهم على فلسطين للخروج من هذا الاضطهاد الأوروبي . أيضا فيلم " الماعز تبحث عن حشائش " الذي أنتج عام 1955م وتدور أحداثه عن عائلة من اليهود تهاجر إلى فلسطين ، فلا يجدون أن أبناء الأرمن يستغلون الخيرات ، وبالتالي لا يستحقون امتلاكها أي الفلسطينيين ، ثم توالت الأفلام لتكرس مبادئ الصهيونية من خلال ستار خفي !!
وبعد إعلان الدولة اليهودية عام 1948م قامت مرحلة الدفع باليهود لهذا الكيان ، وقدمت صورة تاريخ مشوه للعرب والمسلمين ، ولم تسلم النساء أيضا من أباطيلهم ففي فيلم " الأحد الأسود " نرى شخصية نسائية تخطط لقتل الآلاف دون إحساس آدمي ، وحكايات أخرى كثيرة تحمل خبث العقلية اليهودية التي أدارت وانتجت الأفلام للترويج للصهيونية ولم تظهر أفلام العنصرية المفضوحة إلا بعد اشتداد الصراع في فترة المقاومة الفلسطينية .
وبعد نكسة 1967م ظهرت أفلام توضح القوة على الأرض ، وأهمية الجيش الذي لا يقهر ، فظهرت أفلام أمريكية مصنوعة بأيدي يهودية التمويل مثل " السوبرمان الإسرائيلي والأمريكي " اللذين يسقطان المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين كأنهم ذباب ، كما تم في هذه الفترة إنتاج فيلم صهيوني حول المقاومة الفلسطينية ، يصور فيه الفلسطينيين وهم يدفعون بأطفالهم أمام رصاص الجنود الإسرائيليين ليتخلصوا من هؤلاء الأطفال ، وقد تم رصد أكثر من خمسة عشر مليون دولار لإنتاج هذا الفيلم في أمريكا ...
" أفلام ما بعد الهزيمة "
وبعد حرب 1973م تغيرت الأوضاع وبدأ الاتجاه نحو الأفلام الإباحية الجنسية مغلفة بطابع علمي ، الغرض منه إظهار هذا الانحلال الخلقي في ثوب علمي ، وهذا ما يُحدث نوعا من التفكك الاجتماعي والانحلال الأخلاقي خاصة عند المراهقين العرب ، كما اتخذت السينما الصهيونية أشكال أخرى حيث حاولت بث فكرة اليهودي البطل منقذ العالم مثل فيلم " يوم الاستقلال " إخراج رولاند إمبريت وتارة أخرى كانت تستجدى عطف العالم مثل فيلم " قائمة شندلر " .
وقد حصدت السينما الصهيونية أول جائزة في مهرجان كان 1967 وتحول اشتراك إسرائيل في ذلك الوقت إلى مظاهرة سياسية . . وقد استطاعت السينما الصهيونية الدفاع عن قضاياها رغم ما تحمله من ( ساديه الأفكار ) إلا أنه في المقابل كانت السينما العربية تخاطب غريزة الجنس . ولم نجد فيلماً متميزاً يعبر عن هويتها ..
ولم تقتصر السينما الصهيونية على إنتاج هذه الأعمال ولكنها رأت أن تتحول كالإخطبوط تهيمن على العالم بأكمله وكان ذلك من خلال سيطرتها الكامنة على " هوليود " قلب صناعة الأفلام الأمريكية ،
" مشاهير هوليود ..يهود "
وقد يكون إعلان أسماء بعض النجوم اليهود الذين يعملون بالسينما الأمريكية ونالوا شهرة واسعة صدمة كبرى إلا أنها الحقيقة المرة .فقد أعلن الممثل الأمريكي " مارلون يراندون " من خلال البرنامج الشهير " لاري كينج شو " أن اليهود يحكمون هوليود واتهموه بالعنصرية .. ومن النجوم اليهود : كيرك دوجلاس ، مايكل دوجلاس الذي قاد حملة تبرعات لبناء عدد من المستوطنات في الأراضي المحتلة ، ديفيد دشوفنى " بطل حلقات إكس فايلز ، آلان وودى ، كريستال بيرى ، ساندرا بولك ، مارك فرانكل ، جنيف جولد بلوم ، ريتشارد جير ، روبين ويليامز ، هريسون فورد ، مارك فرانكل ، آرى مايرز ، بول نيومان ، ليوناردو ينموى ، ماندى يتكس ، "إليزابيث تايلور" صهيونية متطرفة ، مايكل ريتشاردز ، رايزر بول ، ستيفن سيجال ، جوش سيلفر ، ستيفن سبيلرج ، جيرى لويس ، جون استيوارد ، باربرا سترايس ، ميل بروكز ، جوليا ناما جوليز بطلة حلقات مسلسل E r ، بروس ويلز ، سكوت وولف ، هنرى وينكلز ، ياسمين بليث ، إليزابيث شو بطلة فيلم " العودة إلى المستقبل " ، بيتر فولك بطل حلقات "كولومبو " وغيرهم الكثير والكثير ونظرا لخوف اليهود أن يُكتشف أن " هوليود " وقعت تحت سيطرتهم قام كثيرون منهم بتغيير أسمائهم إلى أسماء نصرانية كنوع من التمويه ، فمثلا " كيرك دوجلاس " اتخذ هذا الاسم بدلا من " إيزادور ديمسكى " ، " جيرى لويس " كما يتضح أنه اسم يهودي كان ليوسف ليثعتش .(2/370)
كما يمتلك اليهود أشهر الشركات والمحطات العالمية فمثلا شركة CBS TV يرأسها اليهودي لارى بيتش والذي قام بشراء أغلب أسهم هذه المحطة وبعدها أصبح جميع العاملين بها من اليهود ، شركة ABC يملكها تيدهيربيرت ، ليوناردو جولدنش NBCC يملكها ليوناردو جروسمان إيرفن سيجليش ، براند تاتر يكوف ، DISNEG يرأسها مايكل آيز ، مايكل أوتفير ، وكاراتى شامير شركة سوني للإنتاج الفني في أمريكا ويرأسها جون بيترز ، MTV ويملكها إمبراطور الإعلام " روبرت ميردوخ " يملك أغلب استوديوهات التصوير في هوليود ، فوكس TV يرأسها بارى ديلر ، وشركة T r ISTA r حدث لها ما حدث لشركة كولومبيان حيث قام اليهود بتكوين إمبراطورية إعلامية ..
" السخرية من الإسلام "
ولم تغفل السينما اليهودية من السخرية من الإسلام والعرب والمسلمين فمنذ عام 1986 أنتجت "هوليود" ما يزيد عن مائة وخمسين فيلما يسخر من الإسلام ، فمثلا فيلم " قرار إداري " بطولة " ستيفن سيجال " نرى من خلاله الإرهابيين المسلمون بخطف طائرة ركاب وتهديد بالقتل. فيلم " أكاذيب حقيقية " بطولة " أرنولد شوازنجر" يقوم من خلاله الإرهابيون المسلمون بإطلاق صاروخ نووي على فلوريدا ، أما فلم ( الحصار ) فيعد أسوأ فيلم ؛ حيث صور المسلمين والعرب بأنهم إرهابيون ، ويظهرون كوحوش لا تحركهم إلا الرغبة في القتل والتدمير باسم الإسلام ..
ولا يكاد يخلو أي فيلم من شخصية أو أكثر من اليهود ويتم تصويرهم أنهم قادة العالم ومنقذيه مثل " أمير مصر " وهو فيلم كارتون إخراج المخرج الصهيوني " سيليزج " ، الذي قالت والدته بعد مشاهدة الفيلم : إني أنجبت نبيا يهوديا يمسك التوراة بيد والكاميرا باليد الأخرى .
كما ظهرت أيضا أفلام تسخر من العقائد الدينية ، مثل فيلم الإغراء الأخير للسيد المسيح ، ويظهر المسيح بصورة مشوهة ومادية ..
" كيف يعمل رجال السينما على ترويج أفكارهم ؟"
تقول الكاتبة الصحفية " صافيناز كاظم " : اليهود رواد السينما الصهيونية يستغلون هذا الفن لبث الأفكار المؤيدة لأغراضهم السياسية والاجتماعية ؛ لذا أجادوا استغلال الفن ، ونحن نرى أن اليهود يمتلكون أكبر الشركات السينمائية العالمية منذ بداية القرن العشرين : مترو جولد ماير ، كولومبيا ، وارنر ، بارامونت ، يونيفرسال وغيرها من الشركات العالمية ، وكما يتضح أن منذ بداية السينما الصهيونية أدركت أهمية السيطرة على الإعلام بشتى أشكاله ؛ لأنها تعلم بقاء كيان ليس له عمق تاريخي أو مستقبلي ، وإنما يعتمد على استمرار وانتشار الخدعة . واستفادة من إمكانياتها في هذا الإطار ، ولذلك لم يكن غريبا أن يتبع المؤتمر الصهيوني الذي أقام 1897م بعد أقل من عامين أول فيلم يهودي يتحدث عن قضية " دريفوس " ، وأضافت أن اليهود محترفون ، لديهم هدف واضح يسعون لتحقيقه ، فهم ينجحون أو هكذا يبدون .
فلم يكن من قبيل المصادفة أن يهتم الصهاينة بالسينما والفنون عموما ولذلك كانت هوليود التي يملكها الصهاينة ترسم للأمريكان صورة العرب .
ويشير الفنان " عبد العزيز مخيون " صاحب التوجه والرؤية الإسلامية أن الفنانين الصهاينة ينغمسون في العمل السياسي ، فهذا " بن هيشت " الكاتب والمنتج والمخرج السينمائي مندوب المنظمة الإرهابية الشهيرة " أرجو " في هوليود في منتصف الثلاثينات وهي المنظمة التي أسسها جايوتتكس أو الإرهاب الصهيوني ..
ومن هنا كان السينمائيون يمررون ما يرويدونه من مفاهيم صهيونية تجاه العرب فقد أعادوا إنتاج هذه الأفكار في قوالب فنية سينمائية خاصة أن هوليود أسلمت لهم نفسها !!
" تشويه صورة رجال الدين "
بينما يؤكد " محي الدين " أستاذ الإعلام جامعة الأزهر : أن السينما الصهيونية حرصت على تقديم رجال الدين الإسلامي كرمز للشرور ، في مقابل طهارة الشخصية اليهودية ، ففي فيلم " اللعبة " للمخرج كول ماكاى يظهر شخص على أنه رجل دين يرتدى ملابس عربية تقليدية يغلف الشرور بكلمات عن الدين ، في حين يظهر الإسرائيليون مثل الأوربيين تماما في نظافة الثياب ورجاحة العقل ، فالواقع أن الصهاينة تخصصوا في الالتفاف على الحقائق ، كما توظف السينما الصهيونية الأساطير مستندة على أدبيات توارتية ، وتجسيد العداء التاريخي بين اليهود والعرب في جلباب هوليود فقط ، فعلى الرغم من أنه صدر أول قانون لصناعة السينما في إسرائيل عام 1954 أي بعد قيام الدولة الصهيونية إلا أنه تأخر إنتاج الأفلام الروائية الطويلة في إسرائيل بسبب عدم وجود أساس ثقافي وطني مشترك يمكن أن يصنع سينما !!
موقع الإسلام اليوم
http://www.islamtoday.net/a r ticles/show_a r ticles_content.cfm?id=21&catid=35&a r tid=1140
===========(2/371)
(2/372)
لصالح من يعملون
جمال سلطان
كان الخبر مثيرا للدهشة ، بقدر ما كان محركا لمزيج من مشاعر الغضب والشك ، والخبر يتعلق بنشاط بعض المنظمات النسائية في بلد عربي خليجي ، وكان عنوانه يتحدث عن جهود لوضع صيغة قانونية صارمة من أجل تأخير سن الزواج للفتاة المسلمة في هذه الدولة ، بحيث لا تقل عن ثمانية عشر عاما ، وكذلك تأخير سن الزواج للشباب ، والذي يقتلك غيظا وكمدا أن هذه الدولة تعرف ـ حسب الإحصائيات ـ واحدة من أعلى نسب العنوسة بين الفتيات ، ومع ذلك تأتي منظمة نسائية لكي تتجاهل هذه الحقيقة المرة والمخيفة والمتعلقة بصميم بنية المجتمع وسلامته النفسية والأخلاقية والدينية ، لكي تحارب من أجل إصدار قانون لا يمثل أية أولوية اجتماعية أو نفسية في هذا البلد على الإطلاق ، وإنما هو تقليد أعمى لتصورات وأولويات بلاد أخرى وشعوب أخرى لها نسيج اجتماعي مغاير تماما لطبيعة مجتمعاتنا ، ولها منظومة قانونية وأخلاقية مختلفة عن منظومتنا التشريعية والأخلاقية ، ولو كان هناك إخلاص وعقل وتجرد للمصالح الحقيقية لأوطاننا وشعوبنا ، لكان عكس الدعوة السابقة هو المطلب الملح مع وضع البرامج التربوية والنفسية المعينة عليه والموجهة له ، أي أننا في حاجة إلى تبسيط الزواج وسبله بالنسبة للفتيات والشباب على السواء ، وإلى خفض سن الزواج بالنسبة للاثنين بحيث تجد الفتاة والشاب فور بلوغهما ما يروي فطرتهما التي يشعل شياطين الإنس من حولهما جذوة نيرانها في كل موطئ قدم يطئوه أو مكان يتلفتوا إليه ، في الشارع والمذياع والتلفاز والسينما والمسرح والإعلان والموسيقى والأغنيات التي تتبارى الآن في مستوى الخلاعة والتماجن والبرامج الإباحية المتسترة في ثوب التثقيف الجنسي والاجتماعي والروايات والقصص التي ينشرها مرضى وشواذ ومهووسون جنسيا ، سيل عجيب ومتوالي يحاصر الفضيلة والعفة ، ويعكر صفو الخاطر ويلوث الفطرة ، ويدمر قيمة الحياء وبهاءها ، بل وجدنا من يكتب أو ينشر أو يذيع برامج لمعالجة ظاهرة الحياء عند الفتاة أو الشاب ، معتبرا إياها مرضا نفسيا لا بد من مقاومته!، وإنما الصحة والعافية في التبجح والصفاقة وقلة الحياء ، في مثل هذه الدوامات يكون الدعوة إلى حرمان الفتاة من حقها الفطري والإنساني في الحياة الزوجية الهانئة جريمة في حقها واعتداءا على حقها الإنساني ، إن الفتاة الأوربية يمكن أن تمارس الزنا وهي في سن الثانية عشرة أو ما بعدها ، ولا شيء يجرم ذلك قانونا ، وإنما القانون يجرم زواجها عند هذا السن ! ، ولعل القارئ يذكر كيف حاكموا شابا تركيا وفتاة بريطانية أسلمت وتزوجته ، وكان هو في سن الثامنة عشرة وهي كانت في السادسة عشرة ، وشنت الصحف البريطانية حملة عنيفة على المسلم التركي الذي وصفته بالوحشية ، لأنه تزوج فتاة زواجا شرعيا ، ولم يزن بها ، وفي نفس الشهر كانت نفس الصحافة تحتفي طويلا بطالب بريطاني في الرابعة عشرة زنا بطالبة في الرابعة عشرة أيضا ، وأنجبت الفتاة ولدا من الزنا ، وأذكر كمية البهجة والحبور والعطف الذي عرفه الطالب والطالبة الزانيان من الصحافة البريطانية في ذلك الوقت ، وبطبيعة الحال ، هذه الانتكاسة الفطرية لا يمكن أن تتوافق مع مجتمعنا العربي المسلم وديننا وأخلاقنا وشريعتنا ، وبالتالي فما يقننه الأوربيون لمجتمعاتهم لا ينبغي أن نضعه بكل سذاجة في أولويات همومنا الاجتماعية ، لأنه حتى لو كان دواءا للمجتمع هناك فقد يكون داءا عضالا وفتاكا إذا فرضناه على مجتمعاتنا هنا ، إن حالة الاغتراب التي تعيشها النشاطات النسائية في العالم العربي في حاجة إلى متابعة ومراقبة ونقد صارم ، لأن حب الظهور للبعض أو الرغبة في التسلية وتزجية الفراغ عند أخريات لا ينبغي أن تكون على حساب مصالح أمتنا الحقيقية ، وعلى حساب أمننا الاجتماعي ، وعلى الجمعيات والمنظمات الإسلامية والخيرية والناصحة في هذه الأمة أن تقوم بدورها في التصدي لمثل هذه النزعات والنزغات ، ولا ينبغي أن نخضع للابتزاز الغوغائي المتستر بدعاوى تحديث المجتمع وتثويره أو تنميته .
موقع مجلة العصر
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/a r ticle/10/1.shtml
=============(2/373)
(2/374)
النظام العالمي الجديد .. ستار الهيمنة
عبد الله بن هادي القحطاني
لقد أصبح الوعي الثقافي أكثر انتشاراً بين الناس في أقطار شتى وخاصة مع التطور المضطرد في وسائل الاتصال الذي تعدى كل توقع. ومع سقوط الشيوعية بأفول نجم الاتحاد السوفييتي السابق وكثير من الدول الشيوعية، ظهرت أطروحات تدفع إلى تبني قوانين وأخلاقيات ومبادئ عالمية جديدة لتحكم العلاقات بين شعوب العالم.
ومنذ زمن ليس بالبعيد تم اقتراح فكرة ما يطلق عليه بـ «النظام العالمي الجديد» من علا منبر هيئة الأمم المهترئة لفرض قوانين ومبادئ أحادية الرؤية على شعوب الأرض. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: مبادئ من؟ قوانين من؟ نظام حياة من سوف يفرض على العالم تبنيها؟ إنه نظام الحياة الأمريكي المطروح بقوة الإعلام، والمال، والسلاح. أليست الولايات المتحدة هي القوة البشرية العظمى اليوم كما أنه يقع على كاهلها أكثر العبء المالي لمنظمة الأمم المتحدة؟ والذي ما فتئ كثير من الساسة الأمريكان في الضرب على هذا الوتر لكي تتجاوب الأمم المتحدة أكثر للمصالح الأمريكية.
وفي هذا الإطار يقول الكاتب الأمريكي المؤثر في مجلة الشؤون الخارجية (Fo r eign Affai r s): «إن فرصة أحادية التحكم في العالم وتوجيهه وفقاً لمصالح الولايات المتحدة ورؤيتها قد حان، وعلى الولايات المتحدة الواثقة من قدرتها أن تمارس دورها الجديد». ونتسأءل عن إخفاق البحبوحة الاقتصادية والقوة العسكرية والتأثير على مجريات الأحداث في العالم في أن تجلب السعادة والشعور بالأمن والراحة النفسية للملايين من الأمريكان؛ فلقد حطمت المخدرات، والإدمان، والجريمة، والتفكك الأسري والاجتماعي حياتهم. هل يستطيع ذلك النظام الذي عجز أن يستأصل التفريق العنصري ضد السود والأقليات الأخرى أن يحقق العدالة بين سكان العالم؟ أو ربما يحل مشكلة الطبقية الاجتماعية في الهند على سبيل المثال؟
هل يستطيع نظام الحياة الأمريكي الذي تسبب في ازدياد مشكلة المشردين والإدمان والجريمة في أمريكا أن يقدم الحلول الناجعة لمشكلة الفقر بين ملايين سكان العالم في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية؟
كل هذه الأسئلة وغيرها كثيراً ما تطفو على السطح عندما نسمع مزاعم ف. س. نيبول (Nipaul) وهو يقول: «إن الحضارة الغربية هي الحضارة العالمية التي توائم كل البشر». ولكنَّ شاهداً من أهلها يرد عليه قائلاً: «إن الولايات المتحدة عجزت أن تحقق الأمن في شوارعها وحتى في عاصمتها، ناهيك عن باقي دول العالم» وهذا الشاهد هو ديفيد قرقن (David Ge r gen) رئيس تحرير مجلة يو إس نيوز أند ورلر ريبورت (US Newes and Wo r ld r epo r t) الواسعة الانتشار. وقد يقول قائل: إن النظام العالمي الجديد قد يتبنى نظم حياة البريطانيين أو الفرنسيين، أو الروس، أو ربما نظام حياة الصينيين، أليسوا أعضاء دائمين في الأمم المتحدة وأن لهم تأثيراً عالمياً كبيراً؟ ولكن هذه التظم أيضاً قد عجزت عن أن تجلب السعادة والأمن لأممها ناهيك عن الأمم الأخرى.
ويجب أن نعي استحالة أن يختار شخص عاقل نظاماً يتعارض مع مصالحه الخاصة، وكذلك الحال مع الدول؛ ولهذا فإن أي نظام يفرض على العالم فهو سوف يخدم فقط، وبدون شك مصالح أصحاب القدرة على فرضه على حساب الآخرين. وهذا قرقن أيضاً يؤكد على هذه القضية بقوله: «إن الشعب الأمريكي ومن خلال استطلاع للرأي الذي قام به مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية (Chicago Council fo r Fo r eign r elations) قد أبدى رأيه حول أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بأن تكون وفقاً للآتي:
1 - المحافظة على وظائف العاملين من الأمريكيين.
2 - حماية مصالح الأمريكيين العاملين في الخارج.
3 - تأمين تدفق كمية كافية من الطاقة.
وكما يقول التقرير حول الاستطلاع فإن الأمور الإنسانية كانت من أقل الأمور أهمية، بل إن الإشارة إلى المساعدة على انتشار الديمقراطية كانت في ذيل قائمة المشتركين في الاستطلاع.
فهل من الممكن لأمة هذه اهتماماتها أن ترعى حقوق البشر الآخرين وتحقق العدل والسعادة لهم؟
ولم يوارب هنتنجتون (Huntington) في تبيين الأسس التي تعين الغرب على فرض مصالحهم في العالم؛ حيث قال: «إن الغرب بالفعل يقوم بتوجيه المؤسسات الدولية ويملك القوة العسكرية والإمكانيات الاقتصادية ليسيطر على العالم بطريقة تحمي مصالح الدول الغربية، ويفرض هيمنتها، ويروِّج للمبادئ السياسية والاقتصادية الغربية».
ولهذا فإن مفهوم مبادئ النظام العالمي الجديد الغربية يعني الاستسلام الكامل للتعاليم والقيم والقوانين التي يفرضها ذلك النظام، ومن الطبيعي أن نتاج ذلك الاستسلام هو استعلاء المنظور المادي العلماني للحياة والكون، ولكنه سوف يكون من غير الممكن إجبار الناس على التسليم طواعية وبحرية لهذا النظام البشري الابتزازي؛ لأنه سوف يكون غير عادل ويكيل بمكاييل، ويعكس نقص البشر ورغبتهم في تحقيق مصالحهم على حساب الآخرين.(2/375)
لذا فإن القبول والتطبيق الكامل لهذا النظام العالمي الجائر بعيد المنال، وسوف يكون له آثار عكسية كما هو الحال مع الأنظمة العالمية القديمة مثل الاستعمار والشيوعية وهرطقات العصور الوسطى والرأسمالية الحديثة.
ومما لا شك فيه أن غالبية سكان العالم في حاجة ماسة لنظام حياة يحل لهم مشاكلهم ويجيب عن تساؤلات حيرتهم حول وجودهم ومستقبل أمرهم. وبعد تزايد مستويات الفساد والعنف في العالم بأسره فإن البشرية تبحث عمَّن ينقذها مما هي فيه؛ فالبعض ظن أنه قد وجد حلاً سهلاً في الانتحار، والآخر في المخدرات، وهلم جراً؛ وبهذا فلا عجب أن يعيش العالم اليوم في حالة من الفوضى الأخلاقية والروحية التي نتج عنها اضطراب في كل ميادين الحياة؛ فلقد جربت البشرية في تاريخها الحديث جمل النظريات الاجتماعية والاقتصادية، وكل نظرية لم تكن بأحسن من سابقتها، ولكن ـ للأسف ـ أن ما جرب من تلك النظريات قد أثبت إخفاقه، وكل ما أخفق منها يعاد تجربته مرة أخرى.
فهل هناك مخرج من هذه الفوضى؟ هل هناك خيار جُرِّب ونجح، وكل يتجنب تطبيقه، وهو الخيار الوحيد كما يقول مراد هوفمان سفير ألمانيا السابق في المغرب وغيره كثير من المفكرين الغربيين الذين هداهم الله للإسلام، في كتابه (الإسلام كبديل).. ؟ نعم! إنه دين الله الذي لا تتحكم فيه مصلحة وأهواء البشر، وإنما هو نظام عالمي رباني لكل البشر.
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-176/176-12.htm
==============(2/376)
(2/377)
أفيقوا أيها المسلمون فلقد تداعت عليكم الأمم
د محمد الدسوقى بن على
لقد أثبتت الأيام أن ما حاول الرئيس الأمريكي أن يعتذر عنه- أعني مما قرره أكثر من مرة ومنذ توليه الإدارة الأمريكية من أن حربه القادمة والتي جعل عنوانها (الحرب الصليبية الثالثة)، ستكون ضد المسلمين وضد ثوابت شريعتهم لتخليص العالم من الإرهاب وممن وصفهم بفاعلي الشر على حد قوله، ومن أنها ستكون حرباً صليبية طويلة الأمد- لم يكن ذلة لسان وإنما هو بالضبط ما يسعى له الآن بل ويصرح به دون ما حياء ولا خجل ويعيّن من أجل تنفيذه الصقور، فقد قام بوش بحشد 265ألف جندياً أمريكياً موجودين في قواعد خارج البلاد وباستدعاء 50ألف من جنود الاحتياط الأمريكيين كما أعلن مساء الخميس 20/ 9/ 2001أمام مجلس الكونجرس (الشيوخ والنواب) أن "بلده في حالة حرب وأن من لا يقف معنا ويشارك في الحرب فهو يقف مع الإرهاب".
وقد ظهرت مؤخراً دراسات عديدة من كتاب وصحفيين أمريكان كلها تؤيد وتؤكد أن هدف الحرب الحالية التي تقودها أمريكا هو القضاء على الإسلام بتشويه صورته، وإذابة المسلمين وتغييبهم عن جوهر قضيتهم وتركيعهم، واحتلال أرضهم وتنصيرهم وتصييرهم إلى أمة علمانية تنحي الإسلام جانباً أوتدين بما يدين به غيرها، وقد وجدوا ضالتهم في حاضرة الخلافة العباسية وفي منافقيها وخونتها الذين تخلوا عن شرفهم وفرطوا في أرضهم وعرضهم وساروا في تنفيذ مخططات أعدائهم، كما وجدوها في تخلى حكام المسلين عن أحكام شريعتهم ومبادئ عقيدتهم وفي استعدادهم للتفريط في ثوابت دينهم إرضاء لأمريكا والغرب تحت مسميات تجديد الخطاب الديني والإصلاح السياسي ومحاربة الإرهاب والتطرف وبناء شرق أوسط كبير وتطوير المناهج وحذف كل ما من شأنه أن يؤدي إلى العنف (الجهاد)، أو يدعو إلى العفة والفضيلة لتواكب متطلبات العصر، في وقت تقوم فيه حروب هؤلاء المعادين للإنسانية ولكل القيم على أساس ديني، وصدق الله القائل: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق.. البقرة /109)، ولن نستطرد في إثبات هذه الحقائق كثيراً، فقط نترك الوقائع والأحداث والدراسات التي قاموا هم بكتابتها هي التي تتكلم وتثبت ما نحن بصدد الحديث عنه.
ونذكر من ذلك على سبيل المثال دراسة للباحثة (شيري بنرد) بمؤسسة (راند) بعنوان (الإسلام الديمقراطي المدني)، ومجموعة مقالات لـ (دانيال بايبس) مدير مركز الشرق الأوسط ومعه لفيف من الكتاب يدورون في فلكه، كما نستشهد لذلك بما حدث عقيب الغزو الصليبي لحاضرة الرافدين فقد انكشف الوجه التبشيري القبيح للاحتلال الأمريكي لتلك البلاد في حادثتين منفصلتين وقعتا في مارس 2004.
الأول: هجوم نفذته المقاومة العراقية ضد قافلة أمريكية اتضح فيما بعد أن ضحاياه أربعة منصرين أمريكان، كانوا يقومون بمهام تبشيرية تحت إشراف مجلس الإرسالية المعمدانية الدولية الجنوبية طبقاً لما أكده موقع شبكة (CNN) الأمريكية على الأنترنت، والأربعة هم (لاري إليوت)60 عاماً، و(وفر إليوت)58عاماً، و(كارين دينيس) 38عاماً، و(ديفيد ماكدونال) 28عاماً، وأما الثاني: فكانت بطلته شركة (كلير شايتل كومينيكاشن) وهي شركة إعلام أمريكية عملاقة، حيث أذاعت إحدى محطاتها الإذاعية برنامجاً أكدت فيه أن احتلال القوات الأمريكية قام في بلاد الرافدين على فكرة تعليم أهلها أصول الحضارة الغربية وإنقاذهم من جاهليتهم، وراحت هذه المحطة في سبيل ترسيخ هذه الفكرة تسئ للدين الإسلامي وتتهكم من تعاليمه، وتظهر العرب والمسلمين في صورة أشخاص متخلفين يريدون العودة بالحياة الشخصية والحقوق المدنية ألف عام إلى الوراء، وفي صورة أشخاص همجيين يعشقون إقامة العلاقات الجنسية مع حيواناتهم، واستمرت وقاحات البرنامج الهزلي تصحبها ضحكات هيستيرية تعكس التعصب الأعمى لكل ما هو صليبي، ويأتي كل ذلك في إطار مخطط شامل تشرف عليه الهيئة الدولية لبحوث الإرساليات التبشيرية والتنصيرية التي يعمل بها 16مليون شخص يمثلون الأغلبية البروتستانتينية في أمريكا ويبلغ عدد مؤسساتها مئة وعشرين ألفاً وثمانين مؤسسة وتصل إصداراتها السنوية من الكتب إلى ثمانية وثمانين ألفاً وستمائة وعشرة كتاب، كما يبلغ عدد مجلاتها الأسبوعية 24ألفاً و900مجلة و400محطة، وتوزع بشكل سنوي 53مليون نسخة من الإنجيل طبقاً لنشرات الهيئة.(2/378)
وحسب ما أكدته جريدة الديلي تلجراف البريطانية على لسان (جون برادي) رئيس هيئة الإرساليات الدولية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ونقلته عنها جريدة الأسبوع في 5/ 1/ 2004 فإن الهيئة التي تُعد الجيش التبشيري للكنائس المعمدانية طالبت بجعل العراق مفتوحاً للتنصير وللجماعات التبشيرية بحيث تكون محطة لنقل الأفكار التنصيرية للمنطقة كلها، وهو ما تحقق بالفعل منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق حيث أصبحت العراق مرتعاً للمنصرين البروتستانت الذين جابوا أرض الخلافة العباسية، وراحوا يمارسون نشاطاتهم تحت زعم تقديم المساعدات الإنسانية للشعب العراقي وبدعوى إنقاذ النفوس الضائعة داخل الأراضي العراقية، ولولا أن منّ الله على هذا البلد بتلك الشبيبة المؤمنة التي وقفت ولا زالت لهم وللاحتلال برمته بالمرصاد لتحولت دول الشرق الأوسط كلها إلى النصرانية ولربما راق لهم هدم الكعبة على نحو ما جاء على لسان الكاتب الصهيوني (ريوفن كورت) المدير الناشر لمجلة (إسرائيل من الداخل) وساعتها لن يجد المسلمون "أي قبلة يتجهون إليها حينما يحنون ظهورهم لعبادة إله الخراب الذي يعبدونه" على حد قوله، وصدق الله القائل: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
ولقد سبق لرئيس الكنيسة المعمدانية السابق (جيري فينيس) أن وصف النبي محمداً بأنه مولع بمص الدماء وبأنه إرهابي.. كما سبق لأحد أعضائها وهو القس (فرانكلين جراهام) أن وصف الإسلام بأنه دين شيطاني تجب محاربته وبأنه دين شرير جداً لا يعرف التسامح، ويعد (فرانكلين) ووالده من أكبر المشاركين في عمليات جمع التبرعات للشعب العراقي لخدمة الأهداف التنصيرية، كما يعد (فرانكلين) المعلم الديني الأول للرئيس الأمريكي جورج بوش وهو الذي أقام قداس تتويجه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وكانت مكافأة بوش له أن سمح له بممارسة أنشطته داخل الأراضي العراقية، فماذا قدم حكامنا العرب والمسلمين تجاه دينهم وأبناء أوطانهم؟ وحسب ما ذكره (جون حنا) أحد أعضاء الجماعات التنصيرية والذي عاد مؤخراً من العراق، فإنه كان قلقلاً من أن لا تسمح السلطات الأمريكية للجماعات التبشيرية بممارسة نشاطاتها التنصيرية داخل العراق، إلا أنه اكتشف أن كل ما يحتاجه لدخول العراق هو امتلاك جواز سفر أمريكي وبعدها يصبح حراً في أن يفعل داخل العراق ما يشاء .. وهو ما يضع على كاهل المبشرين الأمريكان- حسب قوله- مسئولية كبيرة "فالأبواب كلها مفتوحة وأساليب التنصير متاحة والدعم العسكري موجود .. وكلها عوامل داعمة لإنقاذ العراقيين من الدين الإسلامي المزيف ومن قبضة النازيين المعادين للمسيح والمنكرين لحقيقة أن المسيح هو المخلص"، ويضيف حنا: "أن المسيحيين وهم في طريق تبليغ رسالتهم السماوية مطالبون بتوصيل الطعام إلى الجياع مثلما هم مطالبون بإشباع النفوس الجائعة .. حتى يدركوا أن المعونات التي يتلقونها هي من مسيحيين في أمريكا وليس مجرد أمريكان".
أما (جيم ووكر) أحد المنصرين الذي زار العراق في 10/ 2004ضمن فريق تنصيري حمل معه معونات تم شحنها في 45ألف صندوق فيضيف قائلاً: "لقد قابلت أطفالاً يموتون جوعاً لكن احتياجهم الأول لم يكن للطعام وإنما كان لمعرفة حب المسيح".. كما أكدت السيدة (جاكي كون) إحدى المبشرات البالغ عمرها 72 عاماً أنها نجحت بالفعل في تنصير سيدة كردية وطفلها، وحسب رواية (جاكي) فإنها قابلت السيدة الكردية داخل فندق عراقي وهي تستعد لإجراء عملية جراحية في ساقها فلما صلّت (جاكي) من أجلها داعية الرب أن ينجيها من إجراء تلك العملية، عادت تلك السيدة حاملة طفلها لتخبرها بأن الأطباء أكدوا لها عدم حاجتها لإجراء العملية بعد أن شفاها الرب ببركة صلواتها للمسيح، وأن المرأة الكردية صلت وراءها هي وطفلها شكراً للمسيح، وبعد أداء الصلوات خرجت المرأة الكردية وطفلها "حاملين الإنجيل مكتوباً بالعربية ومعهما شرائط فيديو للمسيح وفوق هذا كله حاملين المسيح في قلبيهما"، وتنهي جاكي حديثها قائلة: "ربما كانت عملية تنصير المسلمين في العراق صعبة، لكن المبشرين تلقوا دورات تدريبية مكثفة قبل الذهاب إلى العراق لتنصير أبناء الشعب العراقي ولتفنيد التعاليم الإسلامية التي تنظر إلى المسيح على أنه مجرد نبي آخر، ويعيشون في ضلالهم معتقدين أن محمداً آخر الأنبياء .. لقد جاءتنا فرصة العمر لحمل رسالة المسيح إلى العراق وفي زيارتنا الماضية حملنا للعراق 8000 إنجيل مكتوب باللغة العربية وهدفنا أن يصبح هذا العدد مليوناً في المستقبل القريب".
وكانت صحيفة (دير شبيجل) الألمانية فيما نشرته في 17/ 2/ 2003 قد أشارت إلى شيء من هذا وأكدت أن الحرب ضد العراق ما هي إلا جزء من حرب صليبية يشنها اليمين المسيحي الصهيوني المتطرف على العالم الإسلامي للإعداد لما يسمى بمعركة (هيرمجيدون) التي تهيئ للعودة الثانية للمسيح.(2/379)
وفي موقف تهكمي عرضته القناة الأولى الألمانية في 24/ 6/ 2004 ذكرت (أنيا راشكة) في برنامجها الأسبوعي (بانوراما) أن "هذه الطوائف التبشيرية تتحدث عن الحرب المقدسة في العراق ويرون أنفسهم شهداء ويعتبرون الأديان الأخرى مجرد زندقة وإلحاد، وهؤلاء الذين يزدادا نفوذهم في أمريكا هم الذين يدين لهم الرئيس بوش بمنصبه كرئيس لأمريكا"، تقول: "والمشكلة أ ن هؤلاء يريدون تنصير العالم أجمع"، وتضيف في استغراب: "أنهم قد وجدوا فرصتهم السانحة في احتلال العراق وأن معظم الأعمال التي يقومون بها سرية لكن يحظون بتأييد كامل من الحكومة الأمريكية، وأن الجيش الأمريكي نفسه يضم مجموعة منهم وهو ما يتبدى من تبرعات ومنح بالملايين وأن الرئيس بوش بنفسه قد قال لبعض أولئك المبشرين: (جميعنا مطالبون بنشر كلمة الله وتحقيق مملكة الرب)" ، وأضافت القناة الألمانية أن (تود نيتلتون) أحد أعضاء هذه المؤسسة قال: "إنه ومن معه يعرفون أن بعض المسلمين سيغضبون لمحاولة تنصيرهم بشدة.. وقد يؤدي ذك إلى تعرضهم- يعني هو وجماعته- للقتل، إلا أنهم لا يخشون ذلك معتبراً أن الموت في سبيل قضاء الخلود في الجنة، يعد تجارة مربحة خاصة حين يتم ذلك في فرض المسيحية على الضالين المسلمين".
ولعلنا بعد كل ما ذكرنا نعذر أولئك الخاطفين الذين ينفذون حكم الإعدام على أمثال هؤلاء الذين لم يكتفوا نساء ورجالاً بما ينغمس فيه الشعب العراقي حتى الثمالة من قهر وبطش وقتل وتعذيب وظلم واحتلال تمارسه حكوماتهم، حتى راحوا يستغلون معاناته أسوأ استغلال ويفتنونه عن دينه وفي بلده التي هي في حكم الشريعة دار حرب لا حرمة فيها لأجنبي أياً ما كان هدفه، وعلى أولئك الواقعين في أيدي المقاتلين ممن تداروا تحت ثياب الإغاثة، وقطعوا آلاف الأميال تحت عباءة تخليص العراقيين من القهر والاستبداد وتحت غطاء المعونات الإنسانية.. على هؤلاء الباكين على الشعب العراقي وتقطر قلوبهم من أجله شفقة ورحمة، عليهم إن كانوا صادقين بحق في رفع المعاناة عن هذا الشعب أن يوفروا جهودهم ويبقوا على أطعمتهم التي لا يحصل ذوو الحاجة إليها على شيء منها، لأنها لا تصل من الأساس إليهم وإن وصلت تصل بعد وفاتهم أو فوات أوانها أو مقابل تنصيرهم، وأن يضغطوا بدل ذلك- وهم كما رأينا قوة لا يستهان بهم- على رؤساء وحكومات بلادهم ليكفوا عن هذا الشعب المغلوب على أمره شرهم ويرفعوا عنه أيديهم ويخرجوا من تلك البلاد التي جاءوا لنهب نفطها وثرواتها ولفرض هيمنتهم عليها بعد استعمارها وإذلال أهلها.
وإذا كانت تلك هي بركة الاحتلال، قد تمثلت في كتائب التنصير، فعن بركته في التغلغل اليهودي داخل بلاد الرافدين حدث ولا حرج، وقطعاً للشك باليقين نسوق من شهادتهم وضمن اعترافاتهم ما كشفت عنه صحيفة (النيويوركر) الأمريكية من مخطط إسرائيلي يهدف إلى تفتيت العراق وجمع معلومات استخبارية واغتيال قادة المقاومة الشيعية والسنية وإقامة دولة كردية في الشمال، فقد ذكرت الصحيفة أن الخطة (B) التي اعتمدتها المخابرات الإسرائيلية، تشير إلى كل ما ذكر وتنادي بالتعاون مع الأكراد في إقامة دولتهم، وتقضي لتحقيق ذلك بتدريب الكوماندوز الأكراد للقيام بعمليات خاصة داخل الأراضي السورية والإيرانية والتركية والتركسانية لصالح إسرائيل تشمل التجسس على البرنامج النووي الإيراني تمهيداً للتخلص منه على غرار ما فعلته مع المفاعل النووي العراقي في عام 1981وأن رجال من الموساد قد دخلوا بالفعل بعض هذه البلاد بجوازات سفر غير إسرائيلية وعلى أنهم رجال أعمال لتحقيق ما تم التخطيط له والاتفاق عليه.(2/380)
كما كشفت جهات أمنية تركية رفيعة المستوى مؤخراً في تقرير لها نشرته صحيفة (جمهوريت) التركية ونقلته عنها صحيفة الأسبوع القاهرية في 22/ 11/ 2004 وأوردته إذاعة الرياض عن سياسات إسرائيل التي تهدف بمساندة من الاحتلال الأمريكي إلى العمل على فصل شمال العراق، وقيام تل أبيب منذ صيف عام 2003 بشراء مبان وأراضي- اعتماداً على نص توراتي يتعلق بتوصيف الأراضي المقدسة لليهود- بلغت6000متراً في مدينة كركوك إضافة لشراء500 منزلاً في محافظة الموصل وألفي متراً وثلاثين مبنى في أربيل، وأفاد التقرير أن إسرائيل قد ضاعفت- مستغلة سوء ورداءة الأوضاع هناك- من حجم تبادلها التجاري مع العراق، وكانت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية قد نقلت عن الحاخام (أرفيننج السون) في عددها الصادر في الأحد 24/ 11/ 2004أن عدداً كبيراً من الضباط والجنود اليهود منهم القناص (مارك افينين) حفيد أكبر الحاخامات اليهود في أمريكا قد قتلوا على أيدي المقاومة العراقية في الفلوجة، وأن الحاخام (أرفيننج) الذي عاد من هناك إلى أمريكا وقدر عدد المنضمين من اليهود بما يقارب 1000 خلاف من يؤثر- لمزيد من الإخلاص- عدم إظهار هويته، وقدر عدد الحاخامات بـ 37موزعين على القوات الجوية والبحرية، وأفاد أن العديد منهم احتفل على أنقاض الجثث العرقية وأشلاء الأطفال بعيد رأس السنة اليهودية.. حث المزيد من الشباب والحاخامات اليهود على الانضمام إلى الخدمة العسكرية على اعتبار أن الموت في العراق شهادة لهم خاصة أن أغلبهم متدينون ويقرأون الكتب الدينية اليهودية، والغريب أن يحدث هذا في الوقت الذي يمنع فيه الشباب المسلم في البلاد المجاورة بحكم الجيرة وأخوة العروبة والإسلام أن يناصروا إخوانهم ضد هذا الاحتلال الجاثم على صدر مسلمي العراق الحبيب.
كما سبق لجريدة الأهرام المصرية في 9/ 7/ 2004أن تحدثت في صدر صفحتها الأولى وفي مقال لرئيس التحرير عن حقيقة التواجد الإسرائيلي والدور الذي تقوم به في أرض العراق وفقاً لما جاء مدعماً بالوثائق على ألسنة مسئولين أمريكيين، وقد خلص تقريرهم إلى وجود خبراء للاستخبارات الإسرائيلية يهدفون إلى الوصول إلى المعتقلين الذين كانوا أعضاء في الاستخبارات العراقية والذين كانوا يختصون بالشئون الإسرائيلية، كما توصلوا إلى وجود خطة إسرائيلية ترمي إلى تفتيت الكيانات العربية، وحسب ما جاء في صحيفة (ديلي ستار) الملحقة بـ (الهيرالد تريبيون) فقد أمدت إسرائيل الأمريكيين بآليات ونظم تعذيب لانتزاع الاعترافات من أسرى ومعتقلي السجون العراقية حتى بات العسكريون الأمريكيون يستمعون بعناية فائقة إلى خبراء إسرائيليين للتزود بخبراتهم في التعامل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وعملاً بمبدأ أن الفعالية في انتزاع الاعترافات ينبغي أن تكون لها الأسبقية على احترام مقتضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد أقيمت تدريبات مشتركة أمريكية إسرائيلية في صحراء النقب، الأمر الذي يؤكد أن سوء المعاملة في سجن أبو غريب ليس من فعل بعض الشواذ كما يروج البعض، وإنما هو جزء من مخطط بسبيله أن يعمم بين الجنود وفي جميع السجون العراقية والأفغانية.
وكانت إسرائيل قد أظهرت منذ بداية الأزمة العراقية تأييداً كاملاً للولايات المتحدة حينما كانت تشن حملة ضخمة داخل أروقة الأمم المتحدة تمهيداً للحرب ضد العراق، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن إسرائيل تؤيد أمريكا في الحرب حتى تتجنب التهديدات العراقية مستقبلاً، ومع تأكيد معظم القادة الإسرائيليين على أن بلادهم لا تتعرض لخطر حقيقي من جانب العراق، فإن تأييدهم للولايات المتحدة يرجع إلى رغبة إسرائيل في أن تكون شريكة لواشنطن فيما يسمى بالحرب ضد الإرهاب وفي محاولة الربط بين العراق وأنشطة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة وغزة حتى تعطي نفسها الحق في أن تستمر في احتلالها وعدوانها على الأراضي الفلسطينية، وهي من وراء كل ذلك تخفي الرغبة في تحقيق حلمها في إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وما محاولات السعي المستميتة وغير الموفقة بمشيئة الله لتغيير العلم العراقي، إلا سيراً في هذا الاتجاه وإلا خير شاهد على ذلك وإلا خطوة في إخضاع العراق للهيمنة اليهودية.
لقد تحدث ساسة الغرب في كل مناسبة بالعداء الأسود غير المبرر للإسلام ولنبي الإسلام وطفحت بذلك شبكات الإنترنت وكتب الغرب، يقول المستشرق (كانتول سميت) في كتابه (الإسلام في التاريخ الحديث): "إلى أن قام (كارل ماركس) وقامت الشيوعية، كان النبي محمد هو التحدي الوحيد للحضارة الغربية الذي واجهته في تاريخها كله، وإنه لمن المهم أن نتذكر كم كان هذا التحدي حقيقياً، وكم كان يبدو في بعض الأوقات تهديداً خطيراً حقاً"، ولكل منصف أن يدرك مدى حنق الحضارة الغربية على الإسلام وأهله عندما يعرف أن (سميت) الذي سقنا عبارته يعد في الأوساط العلمية أحد المعتدلين، ولا ندري ما يكون عليه الحال عند المتعصبين والحانقين؟.(2/381)
وإذا كان هناك عدد من كتاب الغرب وعلى رأسهم (صموئيل هنتنجون) صاحب كتاب (صراع الحضارات)، و(فرانسيس فوكاياما) صاحب كتاب (نهاية التاريخ) وغيرهما قد بشروا بعهد تنتصر فيه الحضارة الغربية على حضارة الإسلام، فإن قادة بوزن (ريتشارد نيكسون) راح يؤكد في كتابه (الفرصة السانحة) الذي صدر منذ عدة سنوات على أن الإسلام قد أضحى هو العدو الرئيسي للغرب بعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي، كذا دون إبداء سبب سوى انهيار الشيوعية.
وفي إطار هذه الحملة المحمومة وغير المبررة على الإسلام والمسلمين أكد عضو مجلس النواب البريطاني (جورج جالوب) في حوار نشر في العديد من الصحف البريطانية والأمريكية بتاريخ 9/ 3/ 2003 على "أن الحرب الأمريكية على العراق ستكون مقدمة لحروب أمريكية جديدة على عدة دول عربية وإسلامية"، وقال مضيفاً: "إن أمريكا وبريطانيا ستعملان بعد تدمير العراق على زعزعة دول عربية وإسلامية أخرى بهدف تغيير الأنظمة في هذه الدول وتقسيمها إلى دويلات هزيلة"، وقال: "إنني أستغرب كيف يجلس أي حاكم عربي مرتاحاً على كرسيه في هذه الأجواء"، وأضاف: "إذا كان ثمة بقية من كبرياء لدى قادة الدول العربية فينبغي أن يقفوا ويعارضوا مسألة التغيير في العراق"، يا للخزي والعار!! .. وقال: "إن بوش وبلير يفكران بعد ذلك في تغيير نصوص القرآن"، ولعل هذا ما يفسر لنا مبادرة (أنيس شورش) بعد طباعة ونشر ما أسماه بـ (الفرقان الجديد) بإرسال نسخ منه إلى الرئيس الأمريكي بوش وأعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي لاعتماده رسمياً في كافة مواقع الإدارة الأمريكية والأخرى المتعاملة مع المسلمين، الأمر الذي ساهم في توزيعه على السفارات العربية والإسلامية في كل من باريس وواشنطن ولندن والعديد من المنظمات والهيئات الإسلامية والعربية بتاريخ 17/ 4/ 2004وإلى جميع الدوريات والمجلات التي تطبع في القدس ولندن فيما بعد.
ومن خلال ما ذكرنا من حقائق يتكشف لدى أي منصف أن الإسلام الذي جاء بأعظم حضارة عرفتها الإنسانية أضحى مستهدفاً، وأن ما يفعله أعداء الإسلام بالمسلمين الذين أضحوا بتخليهم عن ثوابت دينهم- التي يأتي في المقدمة منها الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين- كالأيتام على مائدة اللئام ... هو في الصميم من قبيل صراع الحضارات، ومن شديد ما يؤسف له أن جميع هذه القوى المعادية على اختلاف توجهاتها، أخذت مواقفها المعادية للإسلام دون قراءة واعية له ولا معرفة لقيمه ومبادئه، وقد أداها ذلك لأن تنكر فضله على العالمين وتشوه صورته وتتعامى عن حضارته التي طبقت شهرتها الخافقين، كما أداها عداؤها للإسلام لأن تتظاهر- بجهالة وعن عمد- بالعجز عن أن تتعايش أو أن توفق أوضاعها مع أمته التي تفوق في تعدادها خمس سكان الأرض، وكان المبرر الوحيد لها في معاداتها هو- إلى جانب الحقد- عدم وجود من تعاديه بعد انهيار الشيوعية.
نقول ذلك وننوه به ليعلم المسلمون كيف تداعت علينا الأمم، وتحققت فينا نبوءة نبينا صلى الله عليه وسلم؟ وكم هي الفخاخ التي نصبت لهم وهم يغطون في ثبات طويل ونوم عميق؟ وكم هي الفتنة التي يتعرض لها إخوانهم في الدين في حاضرة الخلافة العباسية وهم في غفلة من الزمن؟ وكم هي المحنة التي يعاني منها مسلمو العراق ولا يحركون رغم كل ما يجري لهم ساكناً ولا يذكرونهم حتى بالدعاء ورفع أكف الضراعة إلى الله حتى يزيل الغمة عن هذه الأمة؟ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، صدق الله مولانا العظيم.
==============(2/382)
(2/383)
(اليهود يهددون بتدمير الكعبة!))) …
وقت مواجهة مكة
بقلم: ريوفن كورت
14 ديسمبر 2001
إن تحطيم مركز التجارة العالمي، والهجوم على البنتاغون - رمز القوة الاقتصادية، والعسكرية الأمريكية - لهو عمل لا يضاهييه شيء في البشاعة.
والأخطر من ذلك أنه سيصبح سابقة للمعتدين في المستقبل.
فخلال شهور أو أعوام معدودة-إن لم يكن الآن-سيكون في حوزة الدول الإسلامية الأصولية، وجماعات الرعب، سلاح نووي، تستكمل به مخزوناتها الحالية من السلاح الكيماوي والبايلوجي.
وكما دلت عليه الفظاعة في عملية نيويورك، فإن هؤلاء لن يترددوا في اتخاذ أسلوب الإبادة الجماعية سياسة لهم.
إن منظر ركاب الطائرة، وهم يرغمون على إلقاء أدوات حلاقتهم، ومنظر أعضاء الكونغرس، أثناء إخلاء مبنى "الكابيتول" منهم، ومنظر الرئيس ونائب الرئيس، وقد هرع بهما إلى الملاجئ... كل هذا يكفي في بشاعته. لكن مرأى جو الرعب هذا مستمرا، أمر لا يمكن تحمله على الإطلاق.
ويقتضي ذلك تبني استراتيجية ردع جديدة محسوبة، توقف زخم الإسلام الراديكالي الذي يهدم العالم الحر.
لقد أعلن الإسلاميون المتعصبون الجهاد-الحرب المقدسة-ضد الغرب، ولا بد من رد مباشر ومناسب.
لقد اختار أعداء الحضارة الغربية ، مركز التجارة العالمي والبنتاغون، نظرا لأهميتهما، كمركزين في مجتمعنا.
فكان الهدف من تدميرهما، هو إيجاد خواء سلبي في نفوس الأمريكيين، وكل المؤمنين بالديموقراطية، وتقويض ثقتنا في قوتنا.
وسيكون في اللائحة مستقبلا-لو أتيح للجهاديين الاستمرار في مسارهم-البيت الأبيض، وتمثال الحرية، وجسر البوابة الذهبية، وساعة بيغ بن، وبرج إيفل، والكرملين، فكل هذه في خطر داهم، كما يعرف الجميع، وقد انفتحت شهية أتباع الإسلام الراديكالي، ووجدوا إلهاما فيما حدث.
كنت كتبت من قبل، أن أحد الردود الممكنة على العمليات الانتحارية التي يرى صاحبها، في عمله القاتل تضحية متوحشة، تضمن له مكانا في الفردوس، مع اثنتين وسبعين من الحور العين الأبكار ... هي الإعلان الجاد، أن كل من يرتكب ذلك، سيتم وضع أشلائه في جلد خنزير إلى الأبد، لكي يحرمه ذلك، رغباته في الحياة الآخرة.
وربما تبدو هذه الفكرة بدائية، وغير عقلانية، بالنسبة للقارئ الغربي، لكنها تناسب نظام القيم المختل، الذي يؤمن الجهاديون بقداسته.
وبالمثل فإن الغرب يتعين عليه إيجاد وسائل أخرى، لردع الجهاديين، ويجب أن نفعل ذلك، من خلا ل فهمهم وإجابتهم، بمعايير نظام القيم الذي يؤمنون به، لا الذي نؤمن نحن به.
فما الذي يجدي قصف كابول، أو قواعد طالبان العسكرية؟ لقد تم فعل كل ذلك من قبل، ولم يؤد تعاضد كل الجهود الغربية، إلى إجبار صدام حسين على الركوع.
لقد فشل جورج بوش الأكبر، وسيحتقر الناس جورج بوش الأصغر، إذا كانت تلك هي الفكرة الأساسية لمساعيه.
ففي مكة يوجد برجان طويلان، في شكل منارتين شامختين، تحيطان بعلبة سوداء عريضة، يعبدها المؤمنون، ويتجهون إليها في حجهم المقدس، وإلى هذا الشيء الرمزي، يتجه كل المسلمين في صلواتهم.
لنكن واضحين: لا ينبغي عتاب كل المسلمين، على الشرور التي يرتكبها بعض المنتمين إلى ديانتهم.
فالأغلبية الساحقة من المسلمين، بشر يعيشون حياة عادية، لا تعصب فيها، كل همهم هو تنشئة أولادهم، والقيام بأعمالهم، لكن دينهم ومؤسساتهم، في أمريكا وفي كل أرجاء تركا ليصبحا مصدرا لتفريخ التعصب والحقد الذي يهدد الآن مصير العالم أجمع، وخصوصا الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) وإسرائيل (الشيطان الأصغر)
إن الأمريكيين، مثل الإسرائيليين، يتميزون من بين الأمم، باحترامهم للحياة البشرية، وهم لا يستهدفون المدنيين، عن قصد وإسرار، وإذا تضرر المدنيون عن غير قصد، بسبب العمليات العسكرية، تأسفوا على ذلك، عن صدق.
ولا بد أن تلتزم سياسة الردع التي تتبناها، الديموقراطيات المتحضرة، بهذا المبدأ بصرامة، وإلا فإننا سننزل إلى المستوى المنحط، لأعدائنا المعلنين، الذين يتخذون من قتل المدنيين، أهم وسيلة لخدمة سياساتهم.
لكن العالم الغربي يتعين عليه حماية شعوبه، قبل أي شيء آخر، وهو ما يعني إيجاد سياسة ردع، تجعل منفذي العمليات الانتحارية والمخططين لها، يفكرون جيدا قبل الإقدام عليها.
وفي كل الأحوال، فإن الجهاديين برهنوا على عدم اهتمامهم، بالحياة البشرية، بل واتخاذهم من الشهادة، مثلا أعلى.
لا بد أن يعلم الجهاديون، بشكل لا لبس فيه-سواء بالإعلان الصريح، أو من خلال القنوات الخاصة-أن أي اعتداء قادم على هدف غربي، سيكون الرد عليه، ضربة عسكرية مباشرة ومدمرة، ضد واحد من رموز الإسلام السياسية.
وليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه الضربة القاضية مطلوبة الآن، ردا على الاعتداء ، على نيويورك وواشنطن.
وتوجد سابقة لهذا في الحرب العالمية الثانية، أدت إلى إغلاق ملف الصراع الذي بدأ بالهجوم التسللي الفظيع على "بيرل هاربير" وقد تم إنذار اليابانيين حول القنبلة النووية، قبل إلقائها على "هيروشيما" و "وناغازاكي" فلم يأخذوا الإنذار مأخذ الجد، وحينما نفذت أمريكا تهديدها، انتهت الحرب خلال أيام معدودة.(2/384)
لا أحد يشك في أن هدم واحد من الرموز المقدسة في الإسلام-حتى مع عدم الإضار بأي مدني-سيحول العالم الإسلامي إلى حالة من الجنون، والسعار المعادي للغرب، لكن هل يمكن التساهل مع عملية إبادة أخرى ضد الغرب؟؟
لندعُ جميعا أن تبقى الأماكن المقدسة، في خدمة المؤمنين المسالمين، الذين يعبدون الله فيها، لكن إذا تجرأ الجهاديون على ارتكاب مذبحة أخرى، ضد الغربيين، وضد رموز الحضارة الغربية، فلا بد من إقناعهم بشكل لا لبس فيه أنهم لن يجدوا أي قبلة يتجهون إليها، حينما يحنون ظهورهم، لعبادة إله الخراب الذي يعبدونه.
إننا لا نستطيع الانحناء والقبول، بإهانة ومذلة أخرى، ولا نستطيع القبول بخسارة كبرى في الأرواح، مثل الذي حدث، ولا نستطيع الاكتفاء بمجرد الصلوات والدعوات، أن تذهب عنا هذه المشكلة بعيدا، ولا نستطيع الاقتناع بأن حلها، سيكون بضربات تقليدية، على أهداف عسكرية، أو باللعبة الدبلوماسية المعتادة.
لا بد أن يتجه الغرب الآن إلى مكة، ويتعامل بشكل مباشر، مع التهديد الذي أرغَمَنَا رجال الجهاد الجبناء على مواجهته، ويتحدث إلى القتلة باللغة الوحيدة التي يفهمونها.
((ترجمة حرفية عن مجلة "إسرائيل من الداخل" Is r ael Inside r ركن آراء
views وكاتب المقال، هو ريوفن كورت r iuven Ko r et
وهو المدير الناشر للمجلة
موقع المجلة: www.is r aelilnside صلى الله عليه وسلم com
أخي بارك الله فيك.
ما قلته حق.
وسوف لا يصل اليهود ولا غيرهم من أعداء الله إلى بيت الله في غير الوقت الذي حدده الله.
وقد دل بعض النصوص أن خراب البيت يكون في آخر الزمان وليس على يد اليهود، وإنما على يد غيرهم.
نسأل الله ألا نرى ذلك اليوم.
ومع ذلك يجب على المسلمين أن يعدوا القوة التي أمرهم الله بها لإرهاب أعدائه، حتى يكفوا عن عدوانهم، وإذا كانوا لا يستطيعون على الوصول إلى بيت الله الحرام، فقد وصلوا إلى المسجد الأقصى، وهم يطمعون في المزيد من بلدان المسلمين.
وإذا لم يقم جيلنا بإعداد هذه القوة لردع أعداء الله من اليهود والصليبيين المعاصرين، فسنة الله تقتضي أن يستبدل به غيره.
ويجب علينا أن ننقل المخاطر التي نراها من أعدائنا إلى أجيالنا القادمة.
ونسأل الله أن يغير من حالنا المزري إلى حال يرضاه ويعزنا به.
- - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الأول ... 1
عام ... 1(2/385)
(2/386)
(2/387)
(2/387)
(2/388)
(2/389)
(2/390)
(2/391)
(2/392)
(2/393)
(2/394)
الإسلام وتيارات العم سام ... 50(2/395)
(2/396)
الإسلام الليبرالي: لماذا تريده أمريكا الآن؟ ... 54(2/397)
(2/398)
الإسلام الليبرالي: لماذا تريده أمريكا الآن؟ ... 57(2/399)
(2/400)
كاميليا حلمي: ... 61(2/401)
(2/402)
زيارة كونداليزا للمنطقة محاولة أمريكية لإفشال اتفاق مكة ... 67(2/403)
(2/404)
ظاهرة انهيار القيم ... 69(2/405)
(2/406)
سبيل النهضة ... 72(2/407)
(2/408)
الراعي العربي والذئب الأمريكي ... 92(2/409)
(2/410)
الهيمنة أم البقاء.. كتاب يفضح واشنطن ... 94(2/411)
(2/412)
السيطرة على العالم أم قيادته؟ ... 100(2/413)
(2/414)
الغرب يشجع التدين الصوفي في العالم الإسلامي - الجزائر نموذجاً ... 102(2/415)
(2/416)
خطيئات وليست أخطاء ! ... 112(2/417)
(2/418)
طموحات إمبريالية ... 115
Tahoma; colo صلى الله عليه وسلم 993300; visibility: hidden"> http://www.aljazee r a.net المصدر: ... 122(2/419)
(2/420)
إسلاميون على الطريقة الأمريكية !! ... 122(2/421)
(2/422)
مواجهة المخطط الإفسادي في بلدان المسلمين ... 123(2/423)
(2/424)
صلى عليك الله ... 133(2/425)
(2/426)
اليهود زحفوا إلى بغداد! ... 134(2/427)
(2/428)
يفسدون البلاد ... تحت نظر حكومة خائنة .. ! ( 3 ) ... 142(2/429)
(2/430)
الغرب والإسلام ( 1 ) ... 146(2/431)
(2/432)
من الرطانة إلى المسخ ... 155(2/433)
(2/434)
بعد استهانة أوروبا بالرسول الكريم : بيان دولي يطالب بإعلان الحرب على الإسلام ... 157(2/435)
(2/436)
الشبكات يديرها مختصون نفسانيون صهاينة لتجنيد الشباب العربي ... 160(2/437)
(2/438)
الحرة الموؤدة !! ... 167(2/439)
(2/440)
توبة حداثية ... 189(2/441)
(2/442)
التوسع لإسرائيل الديمقراطية للعرب ... 193(2/443)
(2/444)
حوار يتهادى بين أنقاض تتهاوى ... 196(2/445)
(2/446)
تربية امرأة ..! ... 205(2/447)
(2/448)
ويمكرون ويمكر الله ... 208(2/449)
(2/450)
هل تعبأ إدارة بوش بمشاعر مسلمي أمريكا بصدد قضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ... 211(2/451)
(2/452)
فهم خاطئ ... 212(2/453)
(2/454)
رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي يدعو للحد من انتشار الإسلام في أوروبا ... 214(2/455)
(2/456)
ديمقراطية . . الدمار الشامل ... 215(2/457)
(2/458)
الأساس الإلحادي للمفاهيم الغربية ... 218(2/459)
(2/460)
بات روبرتسون يكرر تصريحاته المعادية للإسلام ... 230(2/461)
(2/462)
أيها المسلمون تداركوا معقلكم الأخير ... 232(2/463)
(2/464)
إلى متى يستمر شعور عداوة الغرب للرسالة المحمدية ؟ ... 235(2/465)
(2/466)
الطائفية .. هل آن أوان توظيفها لتحرق المنطقة ؟ ( 1-2 ) ... 237(2/467)
(2/468)
مبادرة كارتر أسلوب جديد للتنصير ... 240(2/469)
(2/470)
أيها المسلم ... 245(2/471)
(2/472)
وزير الشؤون الدينية التونسي : ... 248
الحجاب دخيل ونشاز ولا نرضى بالطائفية ! ... 248(2/473)
(2/474)
قصة التعاون الإسرائيلي الإيراني ... 251(2/475)
(2/476)
أساليب المبشرين ... 254(2/477)
(2/478)
أساليب وطرق التنصير ... 255(2/479)
(2/480)
دعوة جاهلية ... 256(2/481)
(2/482)
في طريق محو الإسلام من القدس ... 260(2/483)
(2/484)
المدارس الأهلية الواقع المرير والأمل المنشود ... 261(2/485)
(2/486)
المجتمع المدني بين كوبنهاجن والمصحف ... 266(2/487)
(2/488)
رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في باكستان الجنرال " حميد جل " ... 270
واشنطن والناتو يهدفان إلى تصفية المقاومة في كشمير ... 270(2/489)
(2/490)
الوجه الآخر لشبكة الضلال والإفساد .. ... 274(2/491)
(2/492)
المواجهة مع إيران هي فتيل الانفجار المالي العالمي ... 278(2/493)
(2/494)
المغرب .. شروط تعجيزية وهواجس أمنية تحكم قانون الأحزاب ... 284(2/495)
(2/496)
والت ديزني .. والجانب الطفولي في الحرب الإعلامية ... 288(2/497)
(2/498)
تعقيبا على تسليم الدولة لفتاتين أسلمتا إلى الكنيسة ... 308(2/499)
(2/500)
قادة الغرب يقولون : دمروهم بالنووي ... 309(3/1)
(3/2)
مسلسل خروج المرأة عن المألوف مازال مستمراً – ... 313
منتخب كرة القدم للسيدات- في الكويت ! ... 313(3/3)
(3/4)
جرح في قلب مصر .. ... 315(3/5)
(3/6)
أجهزة استخبارات أوروبية تطالب بإجراءات جديدة ... 318
للحد من انتشار الإسلام ... 318(3/7)
(3/8)
إكراه المسلمات على الردة ... 319
سيناريو مكرر وحقائق غائبة وردود معلبة ... 319(3/9)
(3/10)
الهياج النسوي العلماني ... 326(3/11)
(3/12)
ديمقراطية الحرباء الغربية !! ... 329(3/13)
(3/14)
الحركة النسوية من المساواة إلي الجندر .. ... 341
دراسة نقدية إسلامية ... 341(3/15)
(3/16)
حرب الحجاب في تونس ... 345(3/17)
(3/18)
التربص..بالعلماء ... 349(3/19)
(3/20)
كلمة يجب أن تسود ... سنزلزل عرش اليهود ... 350(3/21)
(3/22)
حواف النهر ... 354(3/23)
(3/24)
اللغة العربية وقضية التخلف (1من 4) ... 356(3/25)
(3/26)
اللغة العربية وقضية التخلف ( 2- 4 ) ... 360(3/27)
(3/28)
اللغة العربية وقضية التخلف ( 4 - 4 ) ... 364(3/29)
(3/30)
المرأة .. ثم عمل المرأة ؟! ... 368(3/31)
(3/32)
الرد على الجاهل بخصوص مخطوط المصحف ... 369(3/33)
(3/34)
صفعة على وجه ساحر في بلاد الحرمين ... 372(3/35)
(3/36)
رؤية بين مجتمعين ... 376(3/37)
(3/38)
دعاوى المطالبين بالتوسع في عمل المرأة ... 378(3/39)
(3/40)
المادة الأولى من قانون إبليس ! وشهادة إفرنجية ... 384(3/41)
(3/42)
دعاة اللبرلة ! ... 389(3/43)
(3/44)
الآثار المترتبة على خروج المرأة للعمل ... 406(3/45)
(3/46)
انتبهوا أيها السادة : بيوتنا مهددة من الداخل ... 415(3/47)
(3/48)
الجمعيات النسائية صلاح أم ...؟! ... 419(3/49)
(3/50)
دبلوماسية تفطير الصائمين !! ... 421(3/51)
(3/52)
شهادة غربية ... 425
(خطر المساواة بين الذكور والإناث في مناهج التعليم) ... 425(3/53)
(3/54)
المرأة قضية انتخابية ... 434(3/55)
(3/56)
الأب مون : المتنبئ الجديد !! ... 439(3/57)
(3/58)
محاذير في فهم الإعلام الأمريكي ... 440(3/59)
(3/60)
المسجد وأعداء الإسلام ... 447(3/61)
(3/62)
ثقافة التلبيس (11) ... 451
قولهم: لابد من فتح المجال لجميع المذاهب في السعودية !! ... 451(3/63)
(3/64)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 6 ) ... 455
الكويت ... 455(3/65)
(3/66)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ... 464
( الجزائر ) ... 464(3/67)
(3/68)
بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (2) : ... 469
سوريا ... 469(3/69)
(3/70)
بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (3) : ... 473
العراق ... 473(3/71)
(3/72)
بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (4) : ... 479
المرأة اللبنانية ... 479(3/73)
(3/74)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 5 ) : ... 483
المغرب ... 483(3/75)
(3/76)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 7 ) : .. ... 486
المرأة التونسية ... 486(3/77)
(3/78)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 8 ) : .. ... 491
المرأة الألبانية ... 491(3/79)
(3/80)
رؤية حول : العدمية وما بعد الحداثة ... 493(3/81)
(3/82)
صراع الأفكار ... 499(3/83)
(3/84)
المدارس العالمية الأجنبية – الاستعمارية ... 503
تاريخها ومخاطرها البيان الثاني ... 503(3/85)
(3/86)
المجلات الهابطة حقائق وأرقام 1 - 2 ... 506(3/87)
(3/88)
حدث وموقف ... 507(3/89)
(3/90)
الجهاد في عين العاصفة 1 - 2 ... 509(3/91)
(3/92)
الإنسان بين القرود والخنازير ... 514(3/93)
(3/94)
الأسماء والمسميات ... 525(3/95)
(3/96)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي ... 526(3/97)
(3/98)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(15) ... 528(3/99)
(3/100)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(14) ... 531(3/101)
(3/102)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(13) ... 533(3/103)
(3/104)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(12) ... 536(3/105)
(3/106)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(11) ... 538(3/107)
(3/108)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(10) ... 540(3/109)
(3/110)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(9) ... 543(3/111)
(3/112)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(4) ... 546(3/113)
(3/114)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(8) ... 548(3/115)
(3/116)
حرب صليبية جديدة ... 550(3/117)
(3/118)
ثغرة الأدب بين دعاة الإسلام وخصومه ( 1 ) ... 553(3/119)
(3/120)
ثغرة الأدب بين دعاة الإسلام وخصومه ( 2 ) ... 558(3/121)
(3/122)
جراءة المنصرين على المسلمين ..!! ... 560(3/123)
(3/124)
تجاوزات الكتاب وتجاهل الدستور الوطني ... 564(3/125)
(3/126)
مهلا أيها المجترئون .. ... 570(3/127)
(3/128)
المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية تاريخها ومخاطرها ... 572(3/129)
(3/130)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 1 ) ... 573(3/131)
(3/132)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 2 ) ... 577(3/133)
(3/134)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 3 ) ... 581(3/135)
(3/136)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 4 ) ... 586(3/137)
(3/138)
أطفالنا .. وأفلام الكارتون ... 589(3/139)
(3/140)
ما هي هويتنا نحن المسلمين ... 591(3/141)
(3/142)
كتاب الله مستهدف من قوى شتى ... 596
أيقنت أنه معجزة الإسلام الخالدة ودرعه الحصينة ... 596(3/143)
(3/144)
مثل وقدوة ولكنه مع ذلك يواقع معصية ... 601(3/145)
(3/146)
" الإيدز الثقافي " والتبعية ... 607(3/147)
(3/148)
يا مسلمون ... إنها قاديانية جديدة ... 610(3/149)
(3/150)
مشاريع الإصلاح الأمريكي .. الخطر القادم ... 613(3/151)
(3/152)
تحت شعارات التحديث واللحاق بالعصر الإلكتروني ... 619(3/153)
(3/154)
الديمقراطية هكذا .. ! ... 623(3/155)
(3/156)
إرشاد ما نجي .. من هي ؟؟ ... 625(3/157)
(3/158)
المنظمات المشبوهة والديمقراطية !! ... 627(3/159)
(3/160)
ابنتي والموضة !! ... 634(3/161)
(3/162)
الأمم المتحدة دعت إلى تحرير المرأة من كل شيء ... 641(3/163)
(3/164)
من يريد تسميم الشعب العراقي؟ ... 645(3/165)
(3/166)
تجنيد المخبرين على النت ... 647(3/167)
(3/168)
الموالون للأجنبي .. أنتم أشد رهبة عليهم .. ! ... 656(3/169)
(3/170)
خط الدفاع الأخير .. في المعركة الأخلاقية ... 657(3/171)
(3/172)
البنتاجون يستهدف تجنيد المراهقين ... 663(3/173)
(3/174)
أرحام تتعاطف ... 666(3/175)
(3/176)
رد على كافرة ازدادت كفرا وردة ... 667(3/177)
(3/178)
قل موتوا بغيظكم ... 673(3/179)
(3/180)
مصطلحات أراد الغرب نشرها : ... 681(3/181)
(3/182)
هل هناك غزو ثقافي مدبر .. ... 685
كيف يرى العقل الغربي الثقافة العربية ؟ ... 685(3/183)
(3/184)
رداً على الأستاذ ديلواني: ... 691(3/185)
(3/186)
أيها الإسلاميون ( المعتدلون ) ... 695
احذروا الفخ الأمريكي! ... 695(3/187)
(3/188)
الغرب يرتّد عن قوانينه! ... 699(3/189)
(3/190)
مجاعة وخيراتنا نهب لغيرنا ... 702(3/191)
(3/192)
إسرائيل .. والمفاعل النووي الباكستاني ... 703(3/193)
(3/194)
الأفلام المرسومة ( الكرتونية ) ... إلى أين ؟ ... 705(3/195)
(3/196)
وللحقيقة فقط .. ( 1 ) ... 713(3/197)
(3/198)
وللحقيقة فقط .. ( 2 ) ... 715(3/199)
(3/200)
وللحقيقة فقط ( 3 ) ... 717(3/201)
(3/202)
وللحقيقة فقط ( 4 ) ... 718(3/203)