موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (1)عام
الباب الأول
عام
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الكيد علي هذا الدين قد بدأ منذ اللحظات الأولى من نزوله ، فقد عاداه العرب والعجم ، واليهود والنصارى والوثنيين وعباد الأصنام ....
وهذا الموسوعة التي بيد يدينا الآن هي عبارة عن تكملة للموسوعات السابقة التي كنت قد جمعتها وهي :
موسوعة الدفاع عن الرسو صلى الله عليه وسلم
وموسوعة الرد على شبهات أعداء الإسلام
والرد على شبهات الرافضة
وهذه الموسوعة فيها رصد لغالب المذاهب الفكرية المعاصرة والتي تشنُّ حرباً شعواء على الإسلام والمسلمين ، على كافة الأصعدة الفكرية والسياسية والاجتماعية والحضارية .
وغدت هذه المذاهب الهدامة تعشعش في جسم الأمة الإسلامية ، وهناك أناس من أبناء جلدتنا قد تبنوها ، وأخذوا يروِّجون لها على حين غفلة منا ، يساعدهم على ذلك أعداء الأمة الإسلامية ، من يهود ونصارى وبوذيين وشيوعيين وقوميين وعلمانيين وغيرهم ، ممن رضوا أن يكونوا أذناباً لأعداء الإسلام ، ألسنتهم ألسنة العرب ، وقلوبهم قلوب الأعاجم ...
وهذه الموسوعة قسمتها لتسعة وعشرين بابا وهي على الشكل التالي :
الباب الأول- عام
وهذا الباب يتحدث عن هذه التيارات بشكل عام
الباب الثاني -التغريب
وهذا الباب يعرف بهذا المصطلح وهو يعني بالدرجة الأولى أولئك القوم الذين انبهروا بالحضارة الغربية فراحوا يمجدونها ويدافعون عنها ، ويدعون المسلمين على تقليد الغرب بكل شيء ، وفي هذا الباب رصد لأصحاب هذا التيار وكشف شبهاتهم ، والرد عليها .
الباب الثالث-العولمة
وتعني استيراد كل شيء من الآخرين ، مع فقدان الخصائص الذاتية ، وهذا ينقض مبادئ الإسلام كلها ، لأنه وحده الدين العالمي المنزل من عند الله تعالى ، والمأمورين بتبليغه لكل الناس ، قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة
وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء
وقال تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (48) سورة المائدة
الباب الرابع-العلمانية
وهي تعني فصل الدين عن الحياة ، كما فعلت أوروبا عندما فصلت الدين الكنسي المحرف عن الحياة ، ومساواة الإسلام بغيره من الأديان الوثنية أو المحرفة ، وهذا يتناقض مع مبادئ الإسلام ، ويسوي بين الدين الخاتم الذي تكفل الله تعالى بحفظه ، والرسالات التي لم يتكفل الله تعالى بحفظها ، فحرفت وبدلت عبر عصور خلت ، قال تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر
وقال تعالى عن أهل الكتاب : {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (75) سورة البقرة
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (41) سورة المائدة
وقال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (15) سورة المائدة
ففي هذا الباب رصد لمقولات هؤلاء والرد عليها
الباب الخامس -الشرق الأوسط الكبير(1/1)
وهو يعني تقسيم بلاد المسلمين وتجزيئها إلى دويلات أصغر مما هي عليه الآن بكثير ، على غرار سايكس بيكو ، وربط هذه الدويلات المصطنعة بأعداء الإسلام مباشرة لتكون حامية لمصالحهم ، وساحقة لشعوبها وناهبة لخيراتها
ففي هذا الباب كشف حقيقة هذا المصطلح والرد على المنادين به ، وبيان خطره على الإسلام والمسلمين .
الباب السادس-التنصير
وهو يرصد الحركات التي تقوم بمحاولة تنصير المسلمين ، وهذه الحركات إما أنها جاءت مع المحتل الغازي مباشرة ، أو جاءت على هيئة بعثات تبشيرية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، حيث تدعي القيام بأعمال إنسانية كبناء مستشفيات أو مدارس أو بحجة المساعدات الإنسانية !! ونحوها لتكون وكرا للتآمر على الإسلام والمسلمين ، والتبشير بالنصرانية المحرفة أو غيرها من الأديان الوثنية .
ففي هذا الباب كشف لحقيقة هؤلاء والرد على ترهاتهم والتحذير منهم
الباب السابع- الاستشراق
وهو يعني الدراسات التي قام بها غير المسلمين عن الإسلام والمسلمين ، وغالبها غير موثقة ، وفيها تحريف كبير ، إلا القليل منها ...
ففيه رصد لكتابات هؤلاء والرد على أخطائهم والتحذير منهم ، ومن التأثر بهم
الباب الثامن -الماسونية
وهي تنظيم يهودي سري ، كالتنظيم القرمطي سابقا ، والمصدر واحد وهم اليهود ، حيث يمسكون بخيوطها ، ويدخلون فيها من أعمى الله أبصارهم من زعماء وقادة ، وموتورين وطلاب متاع رخيص ، ويتدرجون بهم إلى درجات معينة كلما نجح في واحدة نقل للتي بعدها حتى يصل للكفر بكل الرسالات السماوية ، ولا سيما الإسلام ، ويصبح هزمه الأوحد القضاء على الإسلام والمسلمين ، وتنفيذ ما يملي عليه أسياده اليهود ، ومن خالفهم فمصيره الموت !!!
ففي هذا الباب كشف لحقيقة الماسونية والرد على شبهاتهم والتحذير منهم
الباب التاسع-التطبيع والصلح مع اليهود
هذا الباب يتحدث عن نقطتين مرتبطتين ببعضهما البعض :
الأولى - موضوع هل يجوز الصلح مع اليهود كما فعل السادات ومن حذا حذوه من المنهزمين ؟!!!
وفيها اختلاف فمن العلماء من أجاز الصلح بشروط كالعلامة ابن باز رحمه الله
وفقهاء الهزيمة أجازوه بإطلاق
وهناك علماء أجلاء بينوا بطلان هذا الصلح وحذروا من عواقبه
والثانية - هل يجوز التطبيع مع اليهود ؟ يعني إزالة أسباب العداوة بيننا وبينهم ، وقيام علاقات تجارية وثقافية وعلمية بيننا وبينهم
والذين يقولون بجواز التطبيع لا يفتون بذلك من وحي الكتاب والسنة ، وإنما من وحي ما يملي عليه أسيادهم
فالله قد بين العداء بيننا وبينهم سيبقى حتى قيام الساعة :
قال تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (82) سورة المائدة
وقال تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة
وقال تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) سورة النساء
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) سورة آل عمران
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة(1/2)
بعث رامسفيلد الجنرال جيفري ميلر (Geoff r ey Mille r ) ليتولى قيادة معتقل غوانتانامو في نوفمبر 2002، لان رامسفيلد كان يعتقد إن القائد الأسبق لم يحصل على نتائج جيدة في التحقيق. ميلر، الذي يقال انه جزء من جماعة "مقوسي الملاعق" (ممارسي الشعوذة والممارسات الباطنية) كما أنه صنو فكري للجنرال وليام بويكن (William Boykin) الحاقد على الإسلام، كان هو الذي بدأ سياسة إعطاء دور للأخصائيين النفسيين وأطباء الأعصاب في المساعدة في التحقيقات، وذلك كجزء من "فريق مستشاري علم السلوك" (Behavio r al Science Consultation Teams BSCT) الذي ينعت باسم "بسكويت" أيضا. يعمل برنامج "البسكويت" تحت إشراف الاستخبارات العسكرية و كثير من أعضائه خضعوا إلى برنامج "البقاء، المراوغة، المقاومة والهرب" (Su r vival، Evasion، r esistance، and Escape SE r E) ويتضمن تعريض الخاضعين للتدريب إلى درجات حرارة قصوى وحرمان النواحي الحسية ومن ذلك احتجازهم في غرف ضيقة جدا وتعريضهم للأصوات العالية والإحراج والإذلال الجنسي، وأيضا ما يسمى "الحيرة الدينية" ويشمل ذلك تدنيس الكتاب المقدس أمام أعينهم.
بعد فترة وجيزة من وصول ميلر إلى غوانتانامو، أثار موظفو مكتب المباحث الفيدرالي (إف بي آي) المعينون في غوانتانامو جملة اعتراضات ضد استخدام تقنيات برنامج (SE r E) في عمليات التحقيق مع السجناء، وقاموا بإبداء قلقهم من ذلك أمام ميلر شخصيا، وذلك حسب وثائق كشف عنها في الدعوى القضائية للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية.
في أواخر شهر أغسطس 2003 بعث وكيل وزارة الدفاع الأمريكية ستيفن كامبون ومساعده بويكن، ميلر إلى العراق. زار ميلر في أبو غريب فرقة "الصيد والقتل" المعروفة باسم "القوة الخاصة 20". كانت مهمة ميلر "غوانتنمة" مراكز الاعتقال والتحقيق في العراق (جعلها مثل غوانتانامو). كما وصف ميلر بنفسه في التقرير الذي يلخص زيارته إلى العراق فإنه ذهب "ليناقش قدرة العمليات الحربية في استغلال المعتقلين بسرعة لصالح عمليات الاستخبارات". من توصياته المعروفة هي استخدام عمليات الاعتقال (مثلاً استعمال شرطة عسكرية كحراس سجون) "لتهيئة ظروف تحقيقات ناجحة". ومما هو غير معروف جيدا هو أن ميلر أيضاً أوصى بالاستفادة من فريق مستشاري علم السلوك (فريق البسكويت) "للمساعدة في تعزيز عمليات التحقي". و يشرح ميلر هذا الأمر قائلاً: "الفرق هذه المتكونة من أطباء نفسيين والعصبيين الخبيرين في علم السلوك تلعب دورا أساسيا في تطوير استراتيجيات تحقيق موحدة وفي تقييم انتاج المعلومات الاستخبارية من التحقيقات".
"هندسة معكوسة"
حسب قول جين ماير (الصحفية في نيويورك تايمز) فإن برنامج (SE r E) ومقره في مدرسة جون إف كندي الحربية الخاصة في فورت براغ، كما يشرف على برنامج التدريب خبراء نفسيين والعاملين في حقل علم السلوك الذين يحتفظون بتسجيلات ووثائق دقيقة لجميع ردود فعل المتدربين ومستوى الضغط النفسي لديهم. ولأن المقصود من البرنامج هو تعريض الخاضعين للتدريب إلى أقصى قدر من القلق من اجل ان يسلحوهم لمقاومة التحقيق و التعذيب فإن البرنامج كما تقول ماير " هو مستودع للمعرفة عن الطرق الإجبارية للتحقيق". و تكمل ماير: "لقد تعلم خبراء برنامج (SE r E) أن إحدى الطرق الفعالة لإثارة القلق الحاد هي خلق بيئة من الحيرة الكاملة: إذ تغطى رؤوس الخاضعين للتدريب بالأكياس ويتم قطع فترات نومهم بشكل مستمر ويتم تجويعهم لفترات طويلة و تخلع عنهم ثيابهم ويتم تعريضهم لدرجات حرارية قصوى" وهكذا دواليك.
إذا كان أسير حربٍ "يحاول تفادي الاعتراف بالأسرار أمام محققي العدو فإنه من الاحتمالات الضعيفة جدا أن يستطيع المقاومة إذا حرم من النوم او يصارع من اجل تفادي الآلام الشديدة. " أو حسب قول ماير في مقابلة موجودة على صفحة النيويوركر تقول فيها: "قبل 11 سبتمبر كان كثير من أولائك الخبراء في علم السلوك (الموجودون في غوانتانامو الآن) منتسبين إلى مدارس برنامج (SE r E) حيث كانوا يستعملون علمهم في تدريب الجنود المريكيين لمقاومة تحقيقات عنيفة. لكن منذ 11 سبتمبر أبلغتني مصادر مختلفة أن علماء السلوك بدأوا "عكس الهندسة" فبدلا من أن يعلموا أسلوب مقاومة محققي العدو في الأسر، بدأوا باستعمال مهارتهم للتغلب على مقاومة السجناء الموقفين عند الأمريكيين".
أحد من أولائك المذكورين في مقابلة ماير، والذي كان يلعب دورا مهما في غوانتانامو هو الكولونيل مورغان بانكس (Col.Mo r gan Bank) مدير دائرة التطبيقات النفسية (Psychological Applications Di r ecto r ate) في قيادة العمليات الخاصة للجيش الأمريكي (A r my Special Ope r ations Command) في قاعدة فورت براغ. كان بانكس يوصي بان يكون للخبراء النفسيين العاملين مع فريق مستشاري علم السلوك في غوانتانامو خلفية في برنامج (SE r E).
غوانتانامو المختبر(1/3)
وقال تعالى محذرا : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24) سورة التوبة
الباب الخامس عشر -الشيوعية والماركسية
وهي مذهب فكري يفسر الوجود والحياة تفسيرا ماديا إلحاديا وعلى ضوئه يفسر الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتزعم أن الانتقال من مرحلة لمرحلة أخرى حتمي لا إرادي حتى نصل إلى الشيوعية وتنتهي الدولة ويصبح الناس جميعا إخوة متحابين لا نزاع ولا خصام بينهم بتاتا ، والكل يعمل بكل طاقته ولا يأخذ إلا ما يحتاج إليه ... وغير ذلك من خرافات لا أصل لها في الحياة
ففي هذا الباب تعريف بها والرد على أطروحاتها والتحذير من مروجيها، وبيان خطرهم .
الباب السادس عشر -الإلحاد
يعني إما إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى أو إنكار صفة من صفاته
ففي هذا الباب تفصيل لذلك والرد على الملاحدة العرب خاصة والعجم عامة ، والتحذير من شرورهم .
الباب السابع عشر-عبدة الشيطان
فيه بيان لهؤلاء القوم الذين أعمى الله أبصارهم وبصائرهم ، فتركوا عبادة الله تعالى وعبدوا أحطَّ مخلوقاته وهو الشيطان ، الذي قال الله تعالى محذرا منه :
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (6) سورة فاطر
وقال تعالى : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (64) سورة الإسراء
ففيه ردٌّ على هؤلاء والتحذير منهم
الباب الثامن عشر -الدعوة إلى الوطنية
إن الوحدة الوطنية؛ تعتبر الحب على أساس المواطنة، فما كان من وطنك تحبه - سواء كان مسلماً أو فاسقاً أو كافراً - فالمهم أنه مواطن مثلك، بينما لا تحمل هذا الشعور لأخ مسلم من غير وطنك، ولو كان من أتقى الناس.
فهي موالاة ومعاداة على أساس الوطن!
ففيه رصد لحقيقة هذه الدعوة والرد على أصحابها ، والتحذير منهم
الباب التاسع عشر-كشف الشخصيات
في هذا الباب الكلام على كثير من الشخصيات التي كان لها أثر بالغ في نشرتلك المقولات أو الدعوة إليها ، مع الرد عليهم والتحذير منهم
الباب العشرون- سراب الديمقراطية الخادع
في هذا الباب بيان معنى الديمقراطية عند أصحابها وخصائصها ، ثم بيان حكم الإسلام فيها ، والرد على القائلين بها ، وأنها لا يمكن أن تغني عن الشورى التي أمر الله تعالى بها بقوله : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران
وبيان أنها تجعل السيادة لغير الله تعالى من الشعب للبرلمان للملك ... والله تعالى يقول : {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (57) سورة الأنعام
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (40) سورة يوسف
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (67) سورة يوسف
فالآمر والناهي هو الله تعالى وحده قال تعالى : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (54) سورة الأعراف
{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) } [الأنعام/57، 58]
الباب الحادي والعشر ون-العقلانية(1/4)
العقلانية مذهب فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي بدون الاستناد إلى الوحي الإلهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه.
والرد على أصحاب هذا المبدأ وبينا خطئهم والتحذير منهم ومن أفكارهم .
الباب الثاني والعشرون-قضية تحرير المرأة
في هذا الباب بيان معنى هذه الدعوة الخبيثة ، والتي ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب ، حيث زعموا أن المرأة المسلمة مظلومة مضطهدة ، معذبة ، مقيدة بالأغلال ، فدعوا إلى تحريرها ، ولكن ليس من الجهل والتخلف ، بل من الأمومة والقوامة ، وستر العورة ، والأدب ، والالتزام بطاعة الله تعالى ، ثم طاعة زوجها
فهي مؤامرة رجالية شيطانية تدعو المرأة للتخلي عن دينها وقيمها ، باسم الحرية المزعومة ، وأنه لا فرق بينها وبين الرجال بشيء
ففي هذا الباب ردٌّ على أصحاب هذه الدعوة الخبيثة وبيان بطلانها ، والتحذير من مروجيها وعلى رأسهم (قاسم أمين)
الباب الثالث والعشرون-القبيسيات
وهي تنظيم نسائي بقيادة منيرة القبيسي ، وجذور هذا التنظيم صوفية وخرافية وجزء من حركة تحرير المرأة
وقد التقيت ببعض أتباعها في الشام ، فلهن لباس خاص على الرأس والجلباب له شارة خاصة ، وأغلبهن لا يتزوج ويبالغن بالعبادة والتزهد ، وعندهن أفكار عن الحياة الزوجية وعن الرجال مغلوطة ، ولا يقرأن إلا كتب النساء، وقد تأثرن بثلاثة مدارس صوفية في الشام ، مدرسة الشيخ عبد الكريم الرفاعي ، ومدرسة البوطي ، ومدرسة الشيخ صالح فرفور ومدرسة الشيخ أحمد كفتارو ، كلها مدارس صوفية ، وإن كان بينها تفاوت في الإغراق في التصوف
وهنَّ يعملنَ بسرية وفي كثير من الأحيان دون علم أهلهن
وقد اختلفت الأنظار حول هذا التنظيم الجديد ما بين مادح لهنَّ إذا كان من الطرف الأول ، وما بين ذامٍّ لهنَّ ، وبالبرغم أنهن يقدمن خيرا في صفوف النساء إلا نَّ هذه الدعوة بهذا الشكل يجعلها مرتعا للخرافات والانحراف الذي لا يرضاه الله تعالى .
الباب الرابع والعشر ون-حوار الأديان
فيه بيان أسباب هذه الدعوة أن القائمين عليها يريدون تمييع العلاقة بين الإسلام والأديان الأخرى ، والله تعالى قد أمر بحوار أهل الكتاب بقوله تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (64) سورة آل عمران
فأخذ أصحاب الحوار المزعوم - ممن انبهر بحضارة الغرب العفنة وفكرهم النجس- الجملة الأولى من كلام الله تعالى وشطبوا الشروط التي وضعها الله تعالى لهذا الحوار
ونسي أصحاب هذا الحوار أنهم الطرف الأضعف والخاسر ، لأن أولئك الكفار والفجار الذين يدعوا لمثل هذا الحوار ليس عندهم استعداد للتخلي عن باطلهم ، وقد جادل صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران شهرا بلا فائدة ثم أمره الله تعالى بمباهلتهم فأبوا ودفعوا الجزية
وقد انجرف في هذه الدعوة كبار العلماء حتى وصل الأمر بهم إلى أن يقول زعيمهم بالترحم على بابا الفاتيكان الهالك فلعل أصحاب حوار الأديان يرضون عنه والله تعالى يقول : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (113) سورة التوبة
نعم عندما نكون نحن الأعلون يمكن أن ينجح الحوار أما ونحن بهذه الحالة من الذل والهوان والتفرق ، فلن ينجح هذا الحوار المزعوم
ففي هذا الباب ردٌّ على أصحاب هذه المقولة وبيان فسادها ، والتحذير منها
الباب الخامس والعشرون -حوار الحضارات أم صراعها
في هذا الباب بيان معنى هذه الفكرة والرد على أصحابها ، فما كان في يوم من الأيام أن يلتقي أصحاب النار وأصحاب الجنة على صعيد واحد قال تعالى : {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20) سورة الحشر
وما كان أن يتلقي من كان يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا مع من يؤمن بالمادة أو الشهوات أو الأصنام أو البشر أو الأوثان على صعيد واحد
بل هناك حقٌّ وباطل ، والصراع بينهما أبديٌّ ، قال تعالى :{ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) [الأنفال/8] }
وقال تعالى : {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (17) سورة الرعد(1/5)
{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) [الإسراء/81] }
{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) [الكهف/56] }
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) [الأنبياء/18، 19] }
فإما أن تسود حضارة السماء حضارة الطهر والعفاف ، وإما تسود حضارة الفحش والخنى والفجور
الباب السادس والعشرون -الرد على الجفري
فيه حقيقة الجفري الصوفي الخرافي ، صاحب الهواتف النقالة ، وكيف يسوق للناس ، على انه المصلح الجهبذ الكبير ، وبيان فساد أقواله والرد على ترهاته
الباب السابع والعشرون-فرقة الأحباش
فيه كشف لحقيقة الأحباش جماعة عبد اله الحبشي الهرري وأفكارهم والرد عليهم وبيان خطرهم على الإسلام والمسلمين
الباب الثامن والعشر ون-الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين
في هذا الباب توضيح وتفصيل لهذه الحرب الصليبية القديمة الجدية على الإسلام والمسلمين ، تحت مسميات شتى ، وكشف نوايا ومخططات أصحابها والرد على مقولاتهم
الباب التاسع والعشرون-الحرب على الإسلام
في هذا الباب كشف لحقيقة أعداء الإسلام وأنه على الاختلاف مشاربهم وأجناسهم وألوانهم متفقون على حرب الإسلام والمسلمين كما قال تعالى عنهم : {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (73) سورة الأنفال
وقال تعالى : {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186) سورة آل عمران
===================
أما مصادر هذه الموسوعة فهي كثيرة جدًّا وأهمها المواقع التالية :
المختار الإسلامي
موقع كلمات
الإسلام اليوم
منتدى التوحيد
شبكة نور الإسلام
صيد الفوائد
الشبكة الإسلامية
إسلام أون لا ين وفيه كثير من الأغاليط التي ورددنا عليها في هذه الموسوعة
شبكة مشكاة الإسلامية
موقع البينة
موقع أسرة آل محمود
فتاوى العلامة ابن باز رحمه الله
فتاوى الأزهر
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
مجموع فتاوى ابن تيمية
فتاوى الإسلام سؤال وجواب
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة
الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية
موسوعة خطب المنبر
مجلة البيان
مقالات جعفر شيخ إدريس
موسوعة الخطب والدروس
موسوعة الدين النصيحة 1-5
موسوعة البحوث والمقالات العلمية
مجلة البحوث الإسلامية
كتب العلامة عبد الرحمن الحبنكة
كتب ومقالات سليمان الخراشي حفظه الله
كتب العلامة محمد قطب
وغيرهم كثير
=================
هذا وأرجو الله تعالى أن ينفع بها جامعها وقارئها وناشرها والدال عليها ، وأن يجعلها في صحفية أعمالنا يوم الدين .
قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف
أخوكم
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 26 رجب 1428 هـ الموافق 9/8/2007 م
- - - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الأول
عام(1/6)
(1/7)
تمهيد الإسلام ومستقبل البشرية
تفزع أوروبا من الدين كما يفزع الملدوغ من الحبل ..ولو كان بالنسبة إليه حبل النجاة !
وأوروبا تسيطر اليوم بقوتها السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية على العالم كله . وتجر البشرية معها إلى الهاوية بسبب ذلك الموقف الأحمق لمفزع من الدين !
ولقد زعمت الجاهلية المعاصرة فى أول أمرها فى عصر النهضة أنها تستطيع أن تدير ظهرها للدين ثم تظل تمارس الحياة بصورة طبيعية لا يعتورها نقص ولا اختلال . بل زعمت أنها حين تتخلص من الدين فستعالج ما كان فى حياتها من نقص واختلال ! ولقد كانت ظروفها كما بينا من قبل تؤدى بها إلى الانسلاخ من ذلك الدين الذى يعكر صفو الحية ، ويعطل دفعتها ، وينشر الجهالة ،ويحجز على الفكر ، ويحجب عن البشرية النور .
وحين بدأت أوروبا تنسلخ من دينها لم يكن فى مقدورها أن تنسلخ دفعة واحدة من " القيم " التى كانت تصاحب ذلك الدين ، وربما لم يكن ذلك فى نيتها فى مبدأ الأمر ,.
فراح القوم - مخلصين فيما نحسب - يبحثون عن مصدر آخر للقيم التى لا يمكن أن تعيش بدونها البشرية .
ولكن التجربة العلمية أثبتت أنه لا يوجد مصدر حقيقى للقيم غير الدين !
قالوا العقل .. وقالوا الطبيعة .. وقالوا النفس البشرية .. وقالوا العلم .. وقالوا الفلسفة .. وقالوا كل ما يخطر فى بالهم . ثم خرجوا من ذلك كله بما وصلوا إليه آخر الأمر : القلق والجنون والضياع والحيرة والأمراض النفسية والعصبية والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة والانحلال والمسخ الذى يشوه الفطرة .. والهبوط الخلقى والفكرى والروحى فى كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والدول كلها على السواء ! وتحول الإنسان إلى آلة للإنتاج المادى فى صباحه ، وحيوان هائج فى الليل يبحث عن المتاع الحسى الغليظ ، ويبحث عنه أحيانا فى تبذل يتعفف عنه بعض أنواع الحيوان !
وتلك نهاية طبيعية لبعد الناس عن الدين ، وهى تجربة مكرورة فى تاريخ البشرية وإن ظنت الجاهلية المعاصرة أنها تجربة " رائدة " تخوضها البشرية لأول مرة ، لأنهم - فى جهالتهم " العلمية " - لا يقرأون التاريخ ، أو لا يحبون أن يأخذوا العبرة من التاريخ !
{قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)} [سورة يونس 10/101]
- - - - - - - - - - - - -
ثم إن الإنسان عابد بطبعه كما بينا فى الفصول السابقة من الكتاب ، فلا تستطيع أن تحول الإنسان من العبادة إلى " اللاعبادة " . إنما تستطيع أن تحوله من نوع من العبادة إلى نوع آخر . وليس الخيار - كما خيل للجاهلية المعاصرة - بين العبادة وعدم العبادة ، إنما الخيار فقط فى المعبود .. هل يكون هو الله جل جلاله أم يكون شيئا آخر غير الله .
الخيار - بالتعير القرآنى الحاسم - هو بين عبادة الله وعبادة الشيطان .
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)} [سورة يس 36/60-61]
وصراط الله المستقيم واحد ،ولكن سبل الشيطان كثيرة متعددة :
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام 6/153]
والمعبودات فىالجاهلية المعاصرة شتى ،والسبل إليها متعددة ، من عبادة " الدولار " إلى عبادة الهوى والشهوات ، مرورا " بالإنتاج " و" المصالح القومية " و" العلم " و" العقل " و" التقدم " و" التطور " و" الحرية الشخصية " و" الطبيعة " و" الإنسانية " .. ولكل معبود من هذه المعبودات تكاليفه والتزاماته التى ينبغى أن تطاع ..
فأين يذهب الإنسان حين يخرج من الدين ، أى من عبادة الله ؟
تقول الجاهلية المعاصرة إنه " يتحر " من " القيد " .
نعم ! يتحرر من " القيد الإنسانى " ليقع فى قيود الحيوان !
فالقضية كما قلت مرة فى كتاب " فى النفس والمجتمع " ليست خيارا بين القيد والحرية كما يتوهم الناس لأول وهلة حين ينفلتون من الدين والقيم المصاحبة له . إنما الخيار هو بين قيد من نوع معين يصاحبه نوع معين من الحرية ، وبين حرية من نوع آخر يصاحبها نوع آخر من القيود . قيد الإنسان ومعه حرية الإنسان ، أو حرية الحيوان ومعها قيد الحيوان " (1)" .
الدين قيد لا شك فيه ، لأنه التزام بما أنزل الله .. قيد على شهوات النفس ، وقيد على أهواء الإنسان .. ولكنه فى الوقت ذاته يحرر الإنسان من ضغط الشهوات وثقلة الأرض والخضوع المذل للقوى التى تقهر الإنسان فى الأرض ممثلة فى بشر يستبدون بالبشر ، أو ضغوط مادية واقتصادية تسحق كرامة الإنسان .
__________
(1) " " انظر - ان شئت - فصل " القيد والحرية " من كتاب فى النفس والمجتمع .(1/8)
والانفلات من الدين والقيم المصاحبة له هو " تحرر " دون شك . تحرر من القيود التى فرضها الله على الإنسان فى تصرفاته ، والحدود التى رسمها للناس وقال لهم : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [سورة البقرة 2/229] {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [سورة البقرة 2/187]. ولكنه فى الوقت نفسه يمسك الإنسان من خطامه ، ويجره من حبل الشهوات أو من حبل الضغوط القاهرة فلا يملك ألا يستجيب !
وحين انفلت الناس فى الجاهلية المعاصرة من قيد " الدين " فقد وقعوا فى عبوديات لا حدود لها ، سواء للحاكمين عليهم ، الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، فيتخذون من أنفسهم أربابا يشرعون للناس ، ويخضعونهم لهم بالسطان القاهر ، أو لشهواتهم التى لا يملكون الفكاك منها ، أو لأعراف وقيم وموازين ما أنزل الله بها من سلطان ، كلها تهبط بالإنسان من مكانه الكريم الذى كرمه الله به يوم خلقه ، وتمرغه فى الأوحال .
فهل هذه هى " الكرامة " التى يحققها الإنسان لنفسه حين يتمرد على الدين ويخرج من عبادة الله ؟
كلا ! وما تستطيع البشرية أن تستمر فى الحياة على هذه الصورة .
فمن ناحية تظل أمراضها الرئيسية تتضاعف لأنها تعرض عن تناول الدواء .
ومن ناحية أخرى تصيبها السنة الحتمية التى لا تتبدل ولا تتخلف ولا يتغير مجراها على مر الدهور :
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [سورة الأنعام 6/44-45]
ولقد مضت السنة الربانية مع أوروبا فى جاهليتها المعاصرة خطوة خطوة : نسوا ما ذكروا به ففتح عليهم أبواب كل شئ ، من قوة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية وعسكرية وسياسية .. الخ ففرحوا بما أوتوا ن أى طغوا الأرض بغير الحق ، ولم تبق إلا الخطوة الأخيرة حتى تتم السنة بتمامها ، وهى أخذهم بغتة إذا أصروا على ما هم فيه . والبغتة هى دائما بغتة وإن رأى بعض الناس بوادرها وتوقعوا حدوثها .
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [سورة النحل 16/45-47]
" والعقلاء " فى الجاهلية المعاصرة بدأوا يتخوفون على أقوامهم من الدمار المؤكد إن لم يغيروا حياتهم من قواعدها .
قال الفيلسوف الإنجليزى المعاصر " برتراند رسل ط فى تصريح له :
" لقد انتهى العصر الذى يسود فيه الرجل الأبيض .. وبقاء تلك السيادة إلى الأبد ليس قانونا من قوانين الطبيعة " (1)" واعتقد أن الرجل الأبيض لم يلقى أياما رضية التى لقيها خلال أربعة قرون .. " "(2) "
وقال " جون فوستر دالاس " وزير خارجية أمريكا فى كتاب " حرب أم سلام " :
" إن هناك شيئا ما يسير بشكل خاطئ فى أمتنا ، وإلا لما أبحنا فى هذا الحرج ، وفى هذه الحالة النفسية . ولا يجدر بنا أن نأخذ موقفا دفاعيا (لعله يقصد تبريريا) وأن يتملكنا الذعر .. إن ذلك أمر جديد فى تاريخنا!
" إن الأمر لا يتعلق بالماديات ، فلدينا أعظم إنتاج عالمى فى الأشياء المادية . إن ما ينقصنا هو إيمان صحيح قوى . فبدونه يكون ما لدينا قليلا .. وهذا النقص لا يعوضه السياسيون مهما بلغت قدرتهم ، أو الدبلوماسيون مهما كانت فطنتهم ، أو العلماء مهما كثرت اختراعاتهم ، أو القنابل مهما بلغت قوتها ! فمتى شعر الناس بالحاجة إلى الاعتماد على الأشياء المادية فإن النتائج السيئة تصبح أمرا حتميا .
" وفى بلادنا لا تجتذب نظمنا الإخلاص الروحى اللازم للدفاع عنها . وهناك حيرة فى عقول الناس وتأكل لأرواحهم . وذلك يجعل أمتنا معرضة للتغلغل المعادى - كما كشف عنه نشاط الجواسيس الذين تم كشفهم حتى الآن - ولن تستطيع أى إدارة لمكافحة التجسس أن تقوم بحمايتنا فى هذه الظروف " " (3) " .
وقال " ألكسيس كاريل " فى كتاب " الإنسان ذلك المجهول " :
" إن هدف هذا الكتاب هو أن يضع تحت تصرف كل شخص مجموعة من المعلومات العلمية التى تتعلق بالكائنات الحية فى عصرنا . فقد بدأنا نردك ممدى ما فى حضارتنا من ضعف .. وكثيرون يرغبون فى أن يلقوا عنهم التعاليم التى فرضها عليهم المجتمع الحديث . ولهؤلاء أكتب هذا لكتاب .. كذلك كتبت لأولئك الذين يجدون من أنفسهم شجاعة كافية ليدركوا - ليس فقط ضرورة إحداث تغييرات عقلية وسياسية واجتماعية - بل أيضا ضرورة قلب الحضارة الصناعية وظهور فكرة أخرى للتقدم البشرى " (ص 11 - 12 من الترجمة العربية لشفيق أسعد فريد).
__________
(1) " " لا يريد الرجل أن يقول " السنن الربانية " فيسميها - بفعل الجاهلية - قوانين الطبيعة !
(2) " " عن المستقبل لهذا الدين (ص 55) .
(3) " " عن المستقبل لهذا الدين (ص 83) .(1/9)
" إن الحضارة الغربية تجد نفسها فى موقف صعب لأنها لا تلائمنا . فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقة ، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية وشهوات الناس وأوهامهم ونظرياتهم ورغباتهم . وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجوداتها إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا .. " (ص 38) .
" يجب أن يكون الإنسان مقياسا لكل شئ ، ولكن الواقع هو عك ذلك . فهو غريب فى العالم الذى ابتدعه ، وأنه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه ، لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته . ومن ثم فإن التقدم الهائل الذى أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التى عانت منها لإنسانية .. فالبيئة التى ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا .. إننا قوم تعساء ، ننحط أخلاقيا وعقليا .. إن الجماعات والأمم التى بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم هى على وجه الدقة الجماعات والأمم الآخذة فى الضعف ، والتى ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من غيرها إليها .. ولكنها لا تدرك ذلك ، إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التى شيدها العلم حولها .. وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات التى سبقتها أوجدت أحوالا معينة لحياة من شأنها أن تجعل الحياة نفسها مستحيلة ، وذلك لأسباب لا تزال غامضة .. إن القلق والهموم التى يعانى منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. " (ص 44) .
" الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة ، وعادات الحياة واتفكير التى يفرضها عليه المجتمع العصرى .. ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات فى حسه وشعوره .. وعرفنا أنه لا يستطيع تكييف نفسه بالسنبة للبيئة التى خلقتها " التكنولوجيا ط وأن مثل هذه البيئة تؤدى إلى انحلاله ، وأن العلم والميكانيكا ليسا مسئولين عن حالته الراهنة ، وإنما نحن المسئولون لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع .. لقد نقضنا قوانين الطبيعة " (1)" فارتكبنا بذلك الخطيئة العظمى . الخطيئة التى يعاقب مرتكبها دائما .. إن مبادئ " الدين العلمى " و" الآداب الصناعية " قد سقطت تحت وطأة غزو الحقيقة " البيولوجية " . فالحياة لا تعطى إلا إجابة واحدة حينما تستأذن فى السماح بارتياد " الأرض المحرمة " .. تضعف السائل ! ولهذا فإن الحضارة آخذة فى الانهيار .. " ص 322 " " (2) " .
ولكن تخوف هذه القلة القليلة من " العقلاء " فى خضم الجاهلية المجنونة لن ينقذها من الدمار إلا أن تصيخ لصوت العقل وتعود إلى الله !
- - - - - - - - - - - - - - -
ولقد كان الدين الذى انسلخت منه الجاهلية المعاصرة دينا فاسدا ، لأنه من صنع البشر .. دينا لا يصلح للحياة . ولقد كانت - وهى تنسلخ منه - على مشارف الرشد .. ولكنها ضلت الطريق ..
وعلى البشرية اليوم - إن أرادت النجاة من الهاوية المحتومة - أن تبحث عن الدين الحق . الدين الذى يؤمن العقيدة الصحيحة فى الله ، والمنهج الصالح للحياة .
الدين الذى لا يوجد فصاما مصطنعا بين الإيمان بالغيب والإيمان بالمحسوس . بين الإيمان بالعقيدة والإيمان بالعلم . بين نشاط الروح ونشاط الجسد. بين الدنيا والآخرة . بين لعمل والعبادة . بين التقدم المادى والحضارى والالتزام بالقيم " الإنسانية " .. ولا بين أى جانب من الكيان البشرى السوى وجانب آخر .
الدين الذى يقيم حضرة " إنسانية " متكاملة لنه يأخذ الإنسان كله ولا يهمل جانبا منه . لا يهمل قبضة الطين من أجل إشراقة الروح ، ولا يهمل إشراقة الروح م، أجل قبضة الطين . ولا يهمل عمارة الأرض فى جميع جوانبها وأشكالها من أجل الفوز بالخلاص فى الآخرة ، ولا يهمل أمر الخلاص فى الآخرة من أجل عمارة الأرض . لا يهمل المشاعر الدينية الشفافة الرفيعة المرفرفة من أج النظر العلمى والتجربة العلمية ، ولا يهمل النظر العلمى والتجربة العلمية من أجل شفافية المشاعر الدينية . لا يهمل القيم الخلقية من أجل " النجاح " فى الأرض ، ولا يهمل النجاح فى الأرض من أجل القيم الخلقية ..
الدين الذى يؤمن العدل السياسى والعدل الاجتماعى والعدل الاقتصادى ، والذى يؤمن فى الوقت ذاته التجدد والنمو فى الحياة البشرية .
الدين الذى ينشئ الحضارة التى تليق بالإنسان ، الذى صوره الله فى أحسن صورة ، وكرمه وفضله على كثير ممن خلق :
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)} [سورة غافر 40/64]
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)} [سورة الإسراء 17/70]
ولن يكون هذ الدين إلا الإسلام ، فهو عند الله هو الدين :
__________
(1) " " انظر كيف يتأثر الرجل بالعرف الجاهلى رغم كل ثورته على الجاهلية المعاصرة !
(2) " " عن " المستقبل لهذا الدين " ص 72 - 75 .(1/10)
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [سورة آل 3/19]
وهو الذى تمت به نعمة الله على البشر واكتمل به شرع الله ومنهجه :
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [سورة المائدة 5/3]
وهو الذى يشهد واقعه - وقت أن طبق فى عالم الواقع - أنه أنشأ تلك الحضارة " الإنسانية " المتكاملة التى شملت كل جوانب الحياة وكل جوانب النفس البشرية . والتى كانت للإنسانية كلها نورا وهداية ، والتى استمدت منها أوروبا العلم والحضارة حين انبعثت - بعد احتكاكها بالمسلمين - تطلب النهوض .
وحين تعتنق أوروبا هذا الدين فلن تحتاج أن تتخلى عن شئ من تقدمها العلمى والمادى ولاتكنولوجى ، ولا شئ من عبقريتها التنظيمية ، ولا شئ من جلدها الدؤوب على العمل والإنتاج ، وهى العوامل التى حفظت لها بقاءها حتى هذه اللحظة ، وإن كانت - كما أشار جون فوستر دالاس - لا تستطيع أن تحميها من الدمار الحتمى الذى يجره عليها غياب " الروح " ..
كلا ! لا تحتاج أن تتخلى عن شئ من ذلك ، إنما تحتاج فقط أن تقيم ذلك لكه علىق اعدته الصححية ، وهى الإيمان باله وتطبيق منهجه فى الأرض ، كما تحتاج أن تتخلى عن عبوديتها للمادة وعبوديتها للشهوات .
- - - - - - - - - - - - - - -
والمسلمون بطيبعة الحال يحملون المسئولية الكبرى فى هذا الشأن ، فهم الذين أخرجهم الله ليكونوا هداة البشرية فى الحياة الدنيا ، والشاهدين عليها يوم القيامة :
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل 3/110]
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)} [سورة آل 3/104]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [سورة البقرة 2/143]
ولن يكونوا شهداء على الناس يوم القيامة حتى يؤدوا الشهادة فىالدنيا لهذا الدين ، بإقامته فى الأرض كما أمر الله ، والدعوة إليه كما أمر الله ، فتقوم الحجة على الناس إن قبلوه فقد اهتدوا ، وإن اعرضوا فقد أعذرت الأمة الإسلامية إلى ربها ، ويوم القيامة يشهدون على الناس أمام ربهم : لقد اقمنا الدين على الأرض كما أمرتنا ، ودعونا الناس إليه كما أمرتنا ، فاعرضوا فحق عليهم الجزاء ..
والمسلمون اليوم فى حضيض من الذلة ولاهوان والضعف والتلخف لم يهبطوا إلى مثله فى تاريخهم كله بسبب تخلفهم عن هذا الدين ، وإضاعة عقائده وأحكامه ، والغفلة عنه ، والتفريط فيه .
ولكنهم يحملون مسئوليتهم مع ذلك .. مسئوليتهم نحو أنفسهم ، ومسئوليتهم نحو البشرية ، لا يعفيهم منها كل ما وقعوا فيه من الهوان والذلة ، بل إن ذلك كله ليضاعف مسئوليتهم ، فإنهم ما وقعوا فيه إلا تفريطهم فى هذا الدين الذى قال الله فيه :
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)} [سورة الزخرف 43/43-44]
فماذا هم قائلون لربهم غدا حين يسألهم ؟!
وأى وزر يحملونه إذا احتاجت إليهم البشرية غدا فلم تجدهم فى المكان الذى ينبغى أن يكونوا فيه ، مكان الأمة التى تحمل الهدى الربانى وتبينه للناس ؟!
فأما الله سبحانه وتعالى فلن يعجزه تخاذل الذين يحملون اسم الإسلام اليوم وهم غافلون عنه ، إذا أراد أن يهدى البشرية غدا إلى الدين الحق ، فقد قال سبحانه يحذر المسلمين من قبل :
{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا - يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} [سورة محمد 47/38]
فإذا أراد الله للبشرية الهدى فسيقيض لهذا الدين من يحمله وينافح عنه كما قال سبحانه :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [سورة المائدة 5/54]
وإنا لنرى بواكير هذا الفضل الربانى فى حركات البعث الغسلامى التى تنبعث اليوم من كل مكان فى الأرض ، تسعى إلى تحقيق الغسلام فى الواقع ، وتجاهد فى سبيل الله لا تخاف لومة لائم ، وتتعرض لأبشع ألوان التعذيب الوحشى ، ثم تظل صامدة فى سعيها إلى إقامة هذا الدين فى الأرض كما أمر الله . كما نرى بواكير هذا الفضل فيمن يدخلون فى هذا الدين فى أوروبا وأمريكا من البيض والسود بعشرات الألوف ويتزايدون على الدوام .
أما البشرية قد بدأت طلائعها على الأقل تضيق بالضياع والحيرة وتتلمس الطريق إلى النور .. والنور هو دين الإسلام .
- - - - - - - - - - - - - - -
يقول " توينبى " فى محاضرته التى أشرنا إليها من قبل :(1/11)
" صحيح أنا لوحدة الإسلامية نائمة . وكلن يجب أن نضع فى حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا ثارت الربوليتاريا العالمية لعالم المتغرب " (1)" ضد السيطرة الغربية ونادت بزعامة معادية للغرب . فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية لا حصر لها فى إيقاظ الروح النضالية للإسلام ، حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف ، غذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولى للإسلام .
" وهناك مناسبتان تالاريخيتان كان الإسلام فيهما رمز سمو المجتمع الشرقى فى انتصاره على الدخيل الغربى:
" ففى عهد الخلفاء الراشدين ، بعد الرسول حرر الإسلام سورية ومصر من السيطرة اليونانية اغلتى اثقلت كاهلهما مدة ألف عام تقريبا .
" وفىعهد نور الدين وصلاح الدين والمماليك احتفظ الإسلام بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول .
" فإذا سبب الوضع الدولى الآن حربا عنصرية فيمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخى مرة اخرى .. وأرجو ألا يتحقق ذلك ! " " (2) " .
أما نحن فنرجو أن يتحقق ذلك ! لا على أساس حرب عنصرية كما يقول ، توينبى ، الذى يحصر تصوراته فى حدود التفكير الغربى الضيق الأفقث ، بل على أساس الصراع الصححي بين الحق والباطل الذى قال الله فيه :
{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)} [سورة الحج 22/40-41]
نرجو أن يتحقق ذلك لا بوصفنا مسلمين فحسب ، بل انطلاقا من كل الحب الذى نكنه للبشرية .. لكى تهتدى إلى النور ..
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)} [سورة يوسف 12/21]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الأول- عام(1/12)
(1/13)
عرب و بربر مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي
تصميم الدراسة:
- عرب و بربر .. مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله.
- التفرقة العرقية سلاح للترويض والإخضاع.
- أهداف الفرنسيين من الاحتلال وأساليبهم.
- هل المغاربة عنصران متباينان:
* من حيث تسميتهم أمازيغ وبربر.
* من حيث علاقة البربرية باللغة العربية.
- هل يجب أن يعود البربر إلى النصرانية كما تريد فرنسا وتيارها في بلادنا؟
- واقع الحال وآفاق المستقبل.
- كلمة أخيرة للدعاة الصادقين: لوثة العرقية في منظار العقيدة والشريعة.
عرب و بربر.. مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله:
تجتاح المغرب في السنوات الأخيرة حملة شرسة مسعورة ترمي إلى تمزيق الشعب المغربي المسلم عرقياً وعقدياً وأخلاقياً، وتفتيت قوته، وتوهين صلابته، وإضعاف مقاومته، ليتحول إلى قطيع من الأغنام بيد أجنبي متكالب يريد أن تتقطع كل الوشائج الدينية، والأواصر الأسرية، والروابط الاجتماعية؛ كي يتمكن من مسخ الهوية المغربية، واستنزاف الثروة الوطنية، وتوسيع رقعة ما يطلق عليه "فرنسا ما وراء البحار"، وفي سبيل ذلك ليس من ضير أن تستعمر الأرض، وتهان الكرامة، وتنهار الأخلاق، وتتفسخ القيم.
في سبيل هذه الغاية تركز دوائر النفوذ الأجنبي على محاولة القضاء على الحركة الإسلامية المغربية بصفتها صمام أمان المجتمع عقدياً وأخلاقياً؛ بتمزيقها وتحويلها إلى شظايا خرافية أو قبورية، أو مخزنية أو استخباراتية، فيرتاح أعداء الدعوة لما يؤول إليه أمرها من ضعف ووهن، وانشغال لمللها ونحلها بالمعارك الجانبية، والحرائق الهامشية.
كما انبعثت عناصر أخرى لإثارة البلبلة والتفرقة بين أفراد الشعب المغربي المنتمين في غالبيتهم إلى أصل واحد هو سام أبو العرب قاطبة كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "سام أبو العرب"1، سواء منهم من هاجر قبل البعثة النبوية الشريفة من اليمن، أو من هاجر بعد الفتح الإسلامي، وهو ما خططت له سلطات الحماية الفرنسية في ثلاثينات القرن العشرين بمحاولة تقسيم المغاربة إلى عرب وبربر لكل منهما أصول خاصة، وديانة متميزة، ثم تقسيم سكان الجبال إلى بربر ريف، وبربر زيان، وبربر سوس، وتقسيم سكان السهول والشواطئ والصحراء إلى أعراب، ومدنيين، وأندلسيين، وحسانيين، ثم بناء التنظيمات الحزبية والبرلمانية والمؤسسات الحكومية والوظيفية، والعسكرية والبوليسية على قاعدة تكريس هذه التفرقة وإذكائها، وتوظيفها واستثمارها لصالح الغرب الاستعماري وأهدافه الصليبية.
__________
(1) " " يقصد الدول الخاضعة للنفوذ الغربى .
(2) " " ص 73 من الترجمة العربية .
لقد عرف المغرب طيلة العهد الإسلامي دولاً منبعثة من عدة مناطق فيه، دولاً أسسها مسلمو صنهاجة الصحراء المرابطون المجاهدون، ودعاة سوس العالمة الموحدون الأشاوس، وأخرى أسسها حماة الأرض والعرض المرينيون والوطاسيون...الخ، وكلهم من عرب الهجرات الأولى، وعرب الفتح الإسلامي، فلم تمزق وحدتهم دعوة عرقية، أو فكر دخيل، أو ولاء لأجنبي، وكلما استضعفهم عدو انبعثت وحدتهم صلبة متحدية مدافعة، ويكفي شاهداً على ذلك ثورة مسلمي الريف بقيادة آل الخطابي التي كانت الخطوة التأسيسية الأولى لحركة التحرير الوطني، وتحقيق الاستقلال، على رغم تكالب قوتين فرنسية وإسبانية ضدها، مستعينتين عليها ببعض خونة العلماء، ووعاظ السلاطين.
على هذه التفرقة عاش النفوذ الأجنبي وأولياؤه في بلادنا، وبها استمروا، ومن أجلها يسعون.
حاولوا احتواء سكان السهول لضرب سكان الجبال، وتوهين ثوراتهم؛ بدعوى أنهم يكرهون الإسلام، ويبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويحاولون طرد سكان السهول، أو صرفهم عن دينهم، فلما لم تفلح هذه الدعاوى في ترويض الشعب بجميع فئاته، واندلعت الثورات المطالبة بالعدل والمساواة والحرية عمد المخزن إلى تكوين جيش من الزنوج على غرار تجربة العباسيين أيام المعتصم، إذ استعان في حكم البلاد بمرتزقة أتراك، ثم ما لبث جيش الزنوج هذا أن تمزق وانقلب على ملوكه، فسامهم سوء العذاب ثم بعد انفراط عقد السلطة المركزية في عهد السلطان عبد الحفيظ بثورة المستضعفين والجياع من سكان الجبال والسهول الذين احتلوا العاصمة "فاس"، استقدم الجيش الفرنسي لقمع الثوار وتكريس سلطة الاستعمار الأجنبي رسمياً في البلاد بتوقيع عقد الحماية المشؤوم.
ثم لم يتورع الفرنسيون عقب الاحتلال عن ركوب نفس الموجة العرقية، ولكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم منها نظراً لصلابة الوحدة الوطنية، وتمسك المغاربة بعقيدة التوحيد، ودين الإسلام الموحد، ثم لما اضطروا لمغادرة البلاد سنة 1956م طوروا أساليبهم لنفس الأهداف من وراء ستار لإثارة النعرات القبلية والعرقية تلافياً لأي توجه وطني نحو استئصال بقايا رواسب الاستعمار ومخلفاته، ورموزه وأعوانه، وعملائه وأذنابه.(1/14)
قبل أن نتناول الموضوع بتفصيل وتحليل واستدلال ينبغي أن نمهد بإيراد نماذج تاريخية تلقي الضوء على الجذور التوظيفية لهذه النزعات الطائفية لدى المخزن، ثم بتوضيح الأساليب الاستعمارية المعتمدة في هذا الأمر، مستطردين بما هو واقع الحال بعد الاستقلال، وآفاق المآل لهذه المؤامرات الهادفة إلى تمزيق وحدتنا، وتنصير أبنائنا، وتحويل قبلتنا.
التفرقة العرقية سلاح للترويض والإخضاع:
إن التفرقة وبث الفتنة بين القبائل كان سلاح المخزن الأمثل لترويض المغاربة، وإخضاعهم والقضاء على ثوراتهم ضد الظلم والفساد، يحتوي بعض سكان السهول لضرب ثوار السهول والجبال معاً، ويوقع الفتنة بين قبائل عرب السهول أنفسهم فيسلح البعض منهم، ويحرضه على الآخرين، فيقاتل بعضهم بعضاً، وينهب بعضهم بعضاً، ويستبيح بعضهم دماء بعض وأمواله، ويبقى المخزن حكماً وحارساً لوحدة مزيفة، وأمن مزعوم.
إلا أن هذا الأسلوب أثبت فشله على مر السنين، إذ سرعان ما كان المغاربة يكتشفون اللعبة، فيتحدون مطالبين بالعدل والكرامة والحرية، وينضمون إلى بعضهم تحت راية الإسلام والوحدة، فيدفعون ثمن ذلك ضروباً من القمع والإرهاب والتشريد، ولما عجز المخزن لم يجد بداً من حماية نفسه بارتهان الوطن كاملاً لدى جيش الجنرال ليوطي الغازي.
يقول المؤرخ أحمد الناصري2: "فلما كانت سنة إحدى وثمانين وألف غزا المولى رشيد بلاد السوس فاستولى على تارودانت رابع صفر من السنة، وأوقع بهشتوكة فقتل منها أكثر من ألف وخمسمائة، وأوقع بأهل الساحل وقتل منهم أكثر من أربعة آلاف، وأوقع بأهل قلعة إليغ، وقتل منهم بسفح الجبل أكثر من ألفين".
ويقول أيضاً3: "ثم دخلت سنة خمسة وتسعين وألف فخرج السلطان في العساكر إلى جبال فازاز لحرب صنهاجة من البربر هناك، فلما سمعوا بخروجه إليهم انهزموا إلى ملوية، وأنزل السلطان بقلعة آزرو ألف فارس، وبقلعة عين اللوح خمسمائة فارس، فأخذوا بمخنقهم، واستراح الناس من عيثهم ببسيط سايس، ولما منعوا من السهل، وانقطعت عنهم الميرة - أي الزاد -، وقلت الأقوات خشعوا، ونزل وفدهم، وقدموا مكناسة على السلطان تائبين، فأمنهم على شرط دفع الخيل والسلاح، والاشتغال بالحرث والنتاج، فدفعوها عن يد وهم صاغرون، وهؤلاء هم آيت إدراسن"
ويقول4: "وصعد السلطان الجبل - أي جبل فازاز - من الناحية الغربية، فأول من قدم عليه من برابرته بالطاعة زمور وبنو حكم فولى عليهم رئيسهم بايشي القبلي، فاستصفى منهم الخيل والسلاح، ثم تجاوزهما إلى المال فاستصفاه أيضاً.."
ويقول5: "ولما كانت الليلة المعينة لم يرع البربر إلا رعود المدافع، والمهاريس تصعق في الجو، ونيرانها تنقدح في ظلمات الليل، وأصداء الجبال تتجاوب من كل ناحية، فقامت عليهم القيامة، وظنوا الأرض قد زالت عنهم، وزحفت عليهم عساكر السلطان من باقي الجهات، واشتد القتال فانهزموا، وتفرقوا في الشعاب والأودية شذر مذر، فقتل رجالهم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، ونهب أثاثهم، وحيزت مواشيهم وأنعامهم، واستلبت خيلهم، واستحر القتل والنهب فيهم ثلاثة أيام والعساكر تلتقطهم من الأودية والشعاب، وتستخرجهم من الكهوف والغيران، وكان عدد رؤوس القتلى ينيف على اثني عشر ألفاً".
ويقول6: "فقدم عليه7 مع جماعة من المجاهدين أهل الريف من طنجة فوق المئة ومعهم زوجة الباشا أحمد الريفي وولداه منها، فقدمت هدية عظيمة، فقبض السلطان الهدية، وقتل الولدين ومن معها من أهل الريف، ثم قتل معهم ثلاثمائة من بني حسان قدموا عليه للتهنئة".
ويقول8: "ورد الخبر بأن ركب الحاج - أي حجاج بيت الله الحرام - قد وصل إلى تازة وهو محصور بها، فاستغاث أهل فاس بالبرابرة ليأتوهم بإخوانهم، فخلصوا الركب الذي بها - ركب الحجاج -، وقدموا بهم إلى فاس، فدخلوا باب الفتوح، ونزل البرابرة والحياينة بالزيتون...، وفي أثناء ذلك أغار عليهم جيش الوداية فقضوا عليهم، وقتلوا منهم كثيراً، فأمرهم السلطان أن يعلقوا رؤوسهم على سور قصبة شراقة ففعلوا...".
وفي العصر الحديث سلط الجنرال أوفقير ضابط المباحث العسكرية الفرنسية سابقاً الجيش المغربي على قبائل الريف في مذبحة رهيبة قتلاها بالآلاف، أما أسراها فقد جمعوا في ركن من الغابة، وناداهم أوفقير واحداً واحداً ليعطيهم الأمان، وقبل أن يطلب منهم الانصراف ركضاً لم يكن ينسى أن يخص كل واحد منهم برصاصة في رأسه.
لعل هذه المواقف القمعية المتطرفة ضد هذه الفئة المؤمنة تثير العجب لدى البعض، ولكن العجب يزول إذا ما عرفنا أن جريمة هؤلاء المستضعفين الوحيدة هي تشبثهم بالحرية والوحدة، والعقيدة والكرامة والأرض، في مواجهة محاولات مصادرة الوحدة والحرية، والعقيدة والكرامة والأرض.(1/15)
ولعل في المثال التالي وهو قطرة من بحر خير دليل على ما نذهب إليه: ذلك أنه في مستهل القرن العشرين ثار المغاربة ضد السلطان عبد الحفيظ، فاستنجد بالجيش الفرنسي - كما ذكر ذلك كل المؤرخين وفي مقدمتهم محمد غريط الذي أرخ للحادث بقوله9: "كتب الثائرون إلى المولى عبد الحفيظ بالوعيد والتهديد باحتلال فاس الجديد، فأيقن أنهم يفعلون ما يقولون، وبأن لهم قوة بها يستطيلون ويصولون، فاضطر للدفاع عن الحضرة العلية بجنود الدولة الفرنسوية...""...ولهذه الاضطرابات والانقلابات السريعة التي كادت تترك الناس فوضى، وتصير الدولة مطمعاً؛ بسطت الدولة الفرنسية على المغرب حمايتها، وسددت لرؤوس الفتنة رمايتها، فعادت الأمور إلى انتظامها، والدولة الشريفة إلى عزها وإعظامها"10.
وعندما استنكر علماء مراكش ما فعله السلطان عبد الحفيظ، واحتجوا على الاستعانة بالجيش الاستعماري الفرنسي كتب إليهم موبخاً متوعداً مهدداً بقوله11: "...وقد بلغ لعلمنا الشريف ما يتفوه به بعض الثرثارين الذين يدعون التفقه بين الجدران والأساطين من تهويل أمر الاستعانة بالفرنسيين، فالمتحقق في حالة هؤلاء البربر لا يرى الاستعانة بالغير في حقهم محظورة، إذ البرابر كأسنان المشط في مخالفة الشرع التي هي أفظع صورة، فالاستعانة عليهم ليست إلا لاستنقاذ حرمات الله، وهذا لا يوجد في الشرع عنه ناه..."، وفي ثنايا هذه الرسالة يكشف صراحة عن نظرة الاستعلاء التي ينظر بها إلى الثوار بقوله: "...وعاملناهم معاملة بني آدم مع أنهم ليسوا من هذا القبيل"12.
هذه النظرة الاستعلائية على المواطنين استنبتت في الحاشية والأعوان والمقربين بعد سقوط الأندلس، والاستعانة بنخبة من مهاجرتها الذين كانوا بطانة وأعواناً للأنظمة الفاسدة التي سلمتها للفرنج، ولما استخدموا من طرف المخزن عملوا على الاستئثار بالسلطة، واستبعاد أصحاب الأرض من المواطنين، وتحريض السلاطين عليهم.
ثم لما استقر الأمر للفرنسيين، وأمن المخزن غائلة الثوار؛ كتب السلطان عبد الحفيظ إلى العلماء يهنئهم بهذه المكرمة قائلاً13: "...فجرفتهم - أي الثوار - جنود القوة المرتجلة - أي الجيش الفرنسي - التي استبطؤوها، وشردتهم،... وأعلمناكم بهذا أن لله في طي قدرته نعماً لا تحصى، وتأخذوا حظكم من الفرح والسرور..."، وبذلك انغمر مغاربة المخزن في حظهم من الفرح والسرور على حساب التفريط في الأرض والعرض، والدين والكرامة كما وصف ذلك محمد غريط بقوله:14 "وحسنت الأحوال بعد زوال تلك الأهوال، فألوى الناس إلى خضراء الدمن15، وذهب بعضهم في اللهو والبطالة كل مذهب، وتآخوا على الفاحشة وبئس الإخاء، وسخوا ولكن فيما يحرم فيه السخاء، وصاروا في يوم الجمعة كما كان أهل الأندلس يوم السبت يفعلون أفاعيل أصحاب الطاغوت والجبت، واختلاط النساء بالرجال متعطرات متبرجات كأنهن بكل ناظر متزوجات، ومعاطاة الكؤوس على المقابر كأنما أعيد عصر الجاهلية الغابر..."
لقد حقق المخزن غايته باستتباب أمنه ورفاهيته، فهل حقق الاستعمار الفرنسي غايته المعلنة قبل الاحتلال والمضمرة؟
أهداف الفرنسيين من الاحتلال وأساليبهم:
تزعم السلطة الفرنسية أن هدف جنودها من تدخلهم في المغرب سنة 1912م هو القضاء على الفوضى، وحماية النظام، وتطوير البلاد وأهلها، مما تم بموجبه عقد مقايضة بينها وبين المخزن تضمن به بقاءه في مقابل وضع اليد الفرنسية على كامل التراب المغربي، ثم اقتسامه مع الإسبان، وتطويره في إطار الأهداف الفرنسية المعلنة، وفي هذا يقول المؤرخ الفرنسي تيراس16: "وفي مستهل القرن العشرين أصبحت الأسرة العلوية مهددة من كل الجهات لما اندلع من فوضى وثورة، ومن ثم كان لزاماً على القوات الفرنسية أن تتدخل لإنقاذ السلطان وعاصمته فاس من ثورة القبائل، وفي اليوم الثاني لبسط الحماية على المغرب تمكنت قوة عسكرية أخرى من صد حملة مرابطية جديدة قادمة من موريطانيا بقيادة الشيخ الهيبة".
فهل اكتفى الفرنسيون بتحقيق هدفهم المعلن هذا، أم كانت لهم أهداف أخرى مضمرة أشمل وأوسع، وأبعد خطراً؟
إن الاستعمار الفرنسي لم يقدم قط لحماية النظام السياسي المغربي، ولا لنشر الهدوء والأمن والتطور، بل قدم وفي برنامجه أن يحول البلاد وأهلها عن الإسلام ولغة القرآن (العربية)، ويقتطع المنطقة بكاملها عن أمتها، ويربطها نهائياً بالغرب الصليبي كنيسة وعادات، وتقاليد وأخلاقاً وأعراقاً، وفي هذا يقول ويلفريد ناب17: "وكتب ليوطي بنفسه قائلاً:" إنه ليس من مهامنا تعليم اللغة العربية للسكان الذين لم يتعلموها، لأن العربية هي إحدى العوامل المتعلقة بالإسلام، لأنها لغة القرآن، وهدفنا هو تطوير البربر خارج إطار الدين الإسلامي"، كما اتبع هذا النهج، وعمل لهذا الهدف عدد من الفرنسيين الرسميين، والموظفين العسكريين؛ فشجعوا الأسطورة المختلقة التي تدعي بأن هوية البربر تتميز عن الهوية العربية، وأن أصل البربر قبل الإسلام يتضمن ارتباطهم بالمسيحية واليهودية".(1/16)
وفي هذا يقول " BOBIN BIDWELL "18: "يقول الجنرال بريموند في كتابه تحت عنوان فرعي "البربر بلد أوروبي": لا يوجد هناك عرب في شمال إفريقيا، فالسكان ربما جاؤوا من سيبيريا، ويتكلمون لغة تشبه لغة الكيشوا في الأنديز"
The r e a r e no A r abs in No r th Af r ica. The population p r obably came f r om Sibe r ia and speaks a language with simila r ities to the Kichoua of the Andes.
ويضيف19: "ويقول الأستاذ برنار Be r na r d ": لا يوجد عرب في شمال إفريقيا، بل بربر على مستويات تعريب مختلفة".
The r e a r e no A r abs in No r th Af r ica: The r e a r e me r ely Be r be r s at diffe r ent stages of A r abisation.
ويضيف20: "وعندما أحيل الماريشال ليوطي على المعاش لخص سياسته البربرية على النمط التالي قائلاً: "لقد كان هدفي من الغزو هو أن أحمي البربري من أي تدخل في حياته الخصوصية، وأعرافه القبلية، وتقاليده،... إن نجاحي في إقامة المغرب الكبير وهو أمر كان يبدو مستحيلاً يعتبر ثمرة ونتيجة لنجاحي في التغلغل إلى الروح البربرية، والتمكن منها، ولقد ساندت دائماً العنصر البربري ضد العنصر العربي، إن العنصر البربري لن يفهمه إلا الجندي".
Mon sec r et, celui de ma Conquête, Ce fut de p r otége r le Be r bè r e cont r e toute int r usion dans sa vie intime, dans les coutumes du clan, dans ses t r aditions…
Si je navais pas conquis lâme be r bè r e, il mau r ait été impossible de constitue r un g r and Ma r oc. Jai toujou r s soutenu lélément, be r bè r e cont r e lélément a r abe dégéné r é… lélément be r bè r e ne se r a jamais Comp r is que pa r un Soldat.
ويضيف21: "واهتم الماريشال ليوطي اهتماماً كبيراً بدراسة عادات البربر وأعرافهم، كما قام في 9 - 1 - 1915م بتعيين لجنة للدراسات البربرية، وفي يونيو 1921م وبخ الماريشال ليوطي الضابط "A.I." الذي كتب إليه من "كرامة" باللغة العربية، وانتهره قائلاً: "إنه يتحتم علينا أن ننتقل مباشرة من البربرية إلى الفرنسية، فالعربية هي عامل الأسلمة لأنها لغة القرآن، أما مصلحتنا فتحتم علينا أن نطور البربر خارج إطار الدين الإسلامي"
Nous devons tend r e a passe r di r ectement bu Be r bè r e au f r ançais… La r abe est un facteu r dislamisation pa r ce que cette langue sapp r end dans le Co r an ; o r not r e inté r êt nous command de fai r e évolue r les be r bè r es ho r s le cad r e de lIslam…
ويضيف22: "وأعطى ليوطي تعليماته لضباطه بألا يساهموا في نشر الإسلام بين البربر فقال: "ينبغي أن يستوعب ضباطنا جيداً هذه المبادئ، كما يجب عليهم بالأخص أن يحرصوا على عدم الظهور كأمناء وحماة للإسلام".
Tous nos officie r s doivent êt r e bien pénét r és de ces p r incipes quils évitent su r tout de se p r ésente r en fou r rie r s de lislam.
إن عملية تحويل البربر إلى فرنسيين سهلة التنفيذ حسب "دي كايكس"، وذلك أنه ليس للبربر ثقافة ذاتية خاصة بهم، وعليه فإنهم لن يقاوموا الثقافة الفرنسية، ولكن المشكلة الوحيدة لديه هي أن الكتاب الفرنسيين يعتبرون البربر حقيرين وجشعين.
وكتب "PIQUET" الذي كان يعمل في الجنوب: "إن البربر أكثر استعداداً من الأجناس الأخرى للانسجام مع الحضارة الأوروبية، ولم يدرك أنه تسرع في حكمه بسهولة اندماج البربر بالفرنسيين، كما أن القائلين بهذا الرأي ينسون مقولة الماريشال" BUGEAUD" وهي: "إذا أخذت جمجمة لمسيحي وجمجمة لمسلم وتركتهما على النار تغليان في قدر واحدة لمدة مئة سنة فإنك ستحصل على مرقين مختلفين).
Faites bouilli r dans une même ma r mite pendant cents ans, un c r âne de ch r étien et un c r âne de musulman vous obtiend r ez deux bouillons sépa r és.
ويضيف23: "إن فكرة إمكانية احتواء البربر أدت إلى ممارسة تفضيلهم على العرب في الشؤون المادية كالمنح الحكومية مثلاً، وفي منتصف العشرينات حينما كانت معظم مناطق البربر تقاوم الاحتلال لم تفتأ سلطات الحماية تتطلع لليوم الذي ستشكل فيه هذه القبائل دعماً رئيساً لها".
لقد كتب الأستاذ"BE r NA r D" سنة 1924م: "إن البربر أكثر انقياداً من العرب، وذلك لأنهم أضعف حساسية، وأقل اهتماماً بأن يتفوقوا على المسيحيين".
وبعد مرور سنوات كتب أحدهم: "إن فرنسا لها الحق في تحويل البربر إلى فرنسيين"، بينما يتخيل آخر إمكانية ظهور أمة فرنسية في إفريقيا بعد مرور فترة من الزمن".
ويضيف24: "إن من السخرية السياسية أن ترغب السلطات الفرنسية في استعداء البربر ضد العرب، لاسيما وقد كان هذا هو الهدف الحقيقي للموظفين العاملين في المغرب، كما أن حرصهم الشديد على تحويل البربر إلى فرنسيين يقود طبيعياً إلى تنصيرهم، وغزاتهم سيكونون بعثات تبشيرية تنصيرية، لذلك علينا أن نعرفهم بالمسيح"
Les conqué r ants se r ont les missionnai r es. Pa r lons-leu r de Jésus.(1/17)
ويضيف25: "ولإنجاح هذه السياسة البربرية تقرر إبعاد التأثير العربي الإسلامي، يقول "دي كايكس" ما معناه: "إن التعريب هو الأسلمة، وهذا يعني إحكام قبضة ديانة من أهم أركانها الجهاد المقدس، ونشر لغة بإمكانها أن تصبح وسيلة لنشر أفكار معادية".
A r abise r cest Islamisé. Cest donc app r ofondi r lemp r ise dune r eligion de gue r re sainte et r épand r e une langue qui peut êt r e le véhicule didées hostiles.
ويستطرد الكاتب نفسه قائلاً26: "ويزعم داعية آخر يسمى" FONTAINE" أن جميع العرب كسالى ومفسدون، كما يلاحظ بلهجة المنتصر أن العرب قد وصلوا إلى إفريقيا قبل الفرنسيين، وعليهم أن يغادروا المنطقة حالاً.
إن هذه الأمثلة من الدعاية المبتذلة تبرهن على أهمية الصعوبات التي واجهت الفرنسيين عند انتهاجهم سياستهم المحكوم عليها بالفشل مسبقاً، وتجدر الإشارة هنا إلى أن موزعي المنشورات من خلال حملاتهم الدعائية وصلوا إلى درجة من الإسفاف جعلتهم يزعمون أن مناطق البربر تابعة لفرنسا، لأن التكوينات الجيولوجية لجبال الريف مماثلة لجبال الألب"
ويضيف27: "في عام 1931م أدرك الداعية الكبير "LEGLAY" أن هذه السياسة قد فشلت نهائياً فكتب حزيناً في كتابه "إفريقيا الفرنسية": إن الشعوب مهما اختلفت فيما بينها فإنها عندما تكتشف طموحاتها وقضاياها المشتركة فإنها تتحد في توجيه الانتقادات إلى الفرنسيين"
من خلال هذه النصوص - وغيرها لا يكاد يحصى - يتضح الهدف الحقيقي للاحتلال الفرنسي للمغرب، وهو تحويل المغاربة إلى نصارى ديناً، وفرنسيين من درجة دنيا لغة وتقافة ووضعاً اجتماعياً، وإلحاق المغرب أرضاً بتراب ما كانوا يطلقون عليه"فرنسا ما وراء البحار".
إلا أن هذا المشروع الخيالي الفرنسي ظل يتلقى الضربات القاسية على يد المقاومة المغربية في الأرياف والجبال، والسهول والصحارى، فلم يجد الفرنسيون بداً من الاستعانة بسلطة المخزن التي أصبحت مرتهنة في أيديهم ضعيفة لا حول لها ولا قوة، واستغلال وضعية السلطان المولى يوسف كإمام للمسلمين، حيث أجبروه على تزكية الحملات العسكرية الفرنسية ضد الثوار، وفي هذا كتب " BOBIN BIDWELL"28: إن استغلال وضعية السلطان كإمام ساعدت الفرنسيين على التدخل في المسائل المتفجرة مثل تعليم المسلمين، وإصلاح نظام الأحباس، من غير إحداث معارضة، وفي استمالة شريف تازروالت الذي كان يعتبر أحد الشخصيات الدينية البارزة في الجنوب، وكتب الماريشال ليوطي: "كنت سعيداً جداً حين طلب مني السلطان أن أوجه باسمه الجيش الفرنسي في عملية علوية شريفة للقضاء على ثورة الهيبة، وأن نتصدى بقوة لهذه المقاومة الإسلامية معززين بالسلطة الدينية التمثيلية للسلطان، وأعتقد أن اقتراح السلطان هذا يعد من أحسن المناورات السياسية الناجحة في التعامل مع الأهالي".
ولعل في إيراد البرقية التي أجبر المولى يوسف على إرسالها إلى المقيم العام الفرنسي بالمغرب بمناسبة انتصار الجيش الفرنسي على المقاومة المغربية في تازة ما يغني لتوضيح هذا الأمر، وهذا نص البرقية كما وردت في كتاب "ليوطي الإفريقي"29:
"الرباط في 19 مايو، الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة.
من صاحب الجلالة إلى المقيم العام.
أولاً: تلقينا بكامل الغبطة والسرور نبأ دخولكم المظفر إلى تازة على رأس جيشكم، وبالمناسبة نبعث إليكم بتهانينا لنجاحكم في هذه العمليات العسكرية المتعاقبة التي هيئت ونفذت تحت قيادتكم الرشيدة، كما نرجو منكم أن تبلغوا تهانينا الحارة لكل من الجنرال "كورو"، والجنرال "بومكرتن"، وإلى ضباطهم وكافة الجنود الذين أعرب لهم عن تقديري الكبير للشجاعة والحنكة التي أظهروها خلال عملياتهم الشاقة.
ثانياً: إننا نوصيكم بانتظار رسائلنا الشريفة التي تقدم التهاني باسمنا إلى كل من القائد أحمد ولد علي وهوارة لموقفهم العادل، كما نؤكد تأييدنا للقائد هاشم ولد الحاج المدني والحاج اجميعان ولد علي، وندعوهم باسم المخزن أن يستخدموا كل نفوذهم ونشاطهم للمحافظة على الهدوء، وإخضاع السكان للفرنسيين".
ثم في 11 سبتمبر 1914م أجبروا المولى يوسف على توقيع الظهير البربري الأول الذي يضفي الشرعية على السياسة الفرنسية البربرية، ويقضي بأن تلغى الشريعة الإسلامية لدى القبائل البربرية التي تم إخضاعها من قبل الجيش الفرنسي، وإحلال العرف مكانها في المعاملات والأحوال الشخصية، والقوانين الجنائية، على أن تتخذ قرارات وزارية لضبط محتويات هذا العرف وتقنينها، وبمقتضى هذا الظهير أحدث المقيم الفرنسي العام المارشال ليوطي ابتداء من سنة 1915م في قبائل البربر ما سمي "الجماعات العدلية" تمهيداً لتحويلها إلى سلطة قضائية حقيقية لا تلتزم في أحكامها بأي جزئية أو كلية من أحكام الشريعة الإسلامية، وإنما بالعرف الجاهلي لسكان ما قبل الإسلام، وبالقانون الفرنسي.(1/18)
ثم عزز الفرنسيون هذه الخطوة في أول عهد السلطان محمد بن يوسف قبل أن يلتقي بالحركة الوطنية الاستقلالية وينخرط فيها، فاستصدروا باسمه وتوقيعه ظهيراً آخر سنة 1930م هو ما دعي تاريخياً بالظهير البربري، شرعوا بمقتضاه قانوناً يفصل بين من صنفوهم عرباً عن من صنفوهم بربراً، واعْتُبِر بمقتضى هذا القانون أن الإسلام واللغة العربية خاصان بسكان السهول، وهم وحدهم العرب والمسلمون، وأن سكان الجبال غير عرب وغير مسلمين، وأوجب لذلك أن تؤسس في مناطقهم محاكم لا تطبق الشريعة الإسلامية، ومدارس لا تدرس إلا اللغة الفرنسية.
ثم خطت السلطة الفرنسية خطوة ثقافية أخرى في المناطق التي تعدها وحدها عربية مسلمة بأن قررت فصلهم تدريجياً عن لغة القرآن بتخصيص حصص في المدارس الرسمية لتعليم اللهجة العربية الدارجة التي استحدثت لها قواعد نحوية وصرفية وتعبيرية، وشهادات ابتدائية وثانوية، ودبلوماً عالياً يفتح للحاصلين عليه آفاقاً واسعة للتوظيف والترقية.
يقول شارل أندري جوليان 30: "بدأت السياسة البربرية باحتشام بالظهير البربري سنة 1914م، ثم أخذت فجأة صورة علنية بالظهير الصادر في 16 مايو 1930م، وقد أمضاه السلطان الفتي محمد بن يوسف، وهو يقر الصلاحية العدلية للجماعات العدلية التي أنشأها ليوطي، وينشئ محاكم لا تحكم بالإسلام وإنما بالعرف، مركبة من الأعيان، ومكلفة بالحكم في جميع القضايا المدنية والتجارية، وقضايا المنقولات والقضايا العقارية، وفي كل مادة تتعلق بالأحوال الشخصية أو نظام الميراث، كما تؤسس بمقتضى هذا الظهير محاكم استيناف لا تحكم بالشريعة الإسلامية وإنما بالعرف أيضاً، باستثناء الأحكام الاستينافية المتعلقة بالقضايا الجنائية حيث نص البند السادس على أن للمحاكم الفرنسية صلاحية البث في الجنايات المرتكبة بالبلاد البربرية مهما كانت وضعية صاحب الجناية وكل ذلك عملاً بالخطة التي وضعت منذ انتصاب الحماية لتكريس العرف وإلغاء الشريعة، ثم أمر السلطان بأن يتلى الظهير الشريف في المساجد والأسواق والأماكن العامة، وأن تسرع السلطة الفرنسية إلى تنفيذه في جميع ربوع المغرب".
وقد برهن إصدار الفرنسيين لهذا الظهير، وإجبار السلطان على توقيعه؛ على مدى الضغط الممارس على السلطة المغربية وممثلها الذي لم يكن يملك من أمره شيئاً، وفي هذا يقول "BOBIN BIDWELL":31: "ولم يحتج إلى سلطته - أي سلطة السلطان - إلا خلال الاضطرابات التي وقعت عقب صدور الظهير البربري، كما لم يحتج لرسائله الشريفة إلا لتزكية قراءة الظهير في المساجد، إنه يمكننا الترحيب بمواقف السلطان محمد الخامس في السنوات الأولى للثلاثينات، فسلطات الحماية لم تمرنه على السلطة، كما أن الجنرال" Spilman" اقترح أن يروض السلطان على النظر إلى الفرنسيين كأعضاء أوفياء ومخلصين، وأن يروع ويخوف من وجود شباب مغربي في مثل عمره يشجبون ويستنكرون بعنف توقيعه للظهير البربري".
وعن هذا الظهير الذي استصدر لخدمة أهداف الاستعمار والكنيسة الصليبية يقول "ويلفريد ناب" 32: "في عام 1930م نفذ الفرنسيون قانوناً جديداً على شكل ظهير، والظهير هو المصطلح الذي يطلق على الطريقة العادية التي ينهجها السلطان لوضع التشريعات ذات الصبغة الدينية، وأعطى هذا الظهير شرعية قانونية للمحاكم القبلية التي شكلت للبربر، وبذلك وضعت قبائل البربر تحت حاكمية القوانين الفرنسية..." ثم يضيف: ""ويمكن وصف هذا الظهير بأنه هجوم على الإسلام، ومحاولة لتقسيم البلاد".
لقد كان هذا الظهير كما يقول شارل أندري جوليان33: "لصالح الدعاية الكاثوليكية التي يتزعمها حينئذ الأسقف "هاري فيال"، وتنادي بها صحيفة "لو ماروك كاثوليك - المغرب الكاثوليكي"، والمجلة التاريخية لبعثات التبشير "لا ريفو ديستوار دو ميسيون"، واتهم الإصلاح - أي الظهير البربري - بأنه ظهر في وقت تفاقمت فيه الدعاية التبشيرية الفرنسية، ونشطت فيه جهود ضابط فرنسي هو "الكومندان ماتي" لنشر نسخ من كتاب عن حياة المسيح باللغة العربية، وتنصيب مغاربة من القبائل متنصرين ككتبة بمحاكم الجماعات".
ولذلك قام المغاربة عن بكرة أبيهم في الجبال، والسهول، والصحارى لمقاومة هذه المؤامرة الفرنسية كما وصف ذلك شارل أندري جوليان34 قائلاً: "وكان للحملة على الظهير البربري انعكاسات عميقة، فلقد انطلقت الحركة من مساجد سلا حيث ظل دعاء أيام الخطب "يا لطيف" يذكر عقب كل صلاة، ويختم بهذه الجملة" اللهم إنا نعوذ بك من غضبك فلا تفرق بيننا وبين إخواننا البربر"، ودوى جامع القرويين بهذا الذكر، وأقبل الجمهور على حرم مولاي إدريس يردد نفس الذكر، فكانت بذلك مظاهرة شعبية جعلت السلطة تحرك الباشا، ولتوقيف الإضرابات استقبل الباشا وفداً يتألف من عشرة أعضاء فلم يقتصر على اعتقالهم بل سلط عليهم عقوبة الجلد، كما لم يهتم أحد، أو يتأثر بقراءة رسالة السلطان التي يدين فيها حركة الشباب الاحتجاجية، ويبرر سياسة تكريس العرف البربري".(1/19)
هكذا عبدت طريق الغزاة الفرنسيين كي يعملوا على تقسيم المغاربة المسلمين إلى طائفتين عرقيتين: عرب وبربر، ويعملوا على تنصير سكان الجبال تمهيداً لتنصير المنطقة كلها، ويؤسسوا مدارس بربرية فرنسية تستبعد لغة القرآن الكريم مطلقاً، وتقطع جذور السكان عن أصولهم الدينية وأنسابهم، وأقاربهم في المناطق الأخرى، وتؤلبهم على إخوة الدين والرحم من عرب السهول بدعوى أنهم جنس غريب عن المنطقة، وأن دينهم الإسلامي خاص بجزيرة العرب، وأن الدين الوطني للمغرب هو المسيحية.
ثم أسسوا أديرة وكنائس ومآوى في الجبال ألحقوا بها الأطفال الأيتام، والمشردين، واللقطاء، وعزلوهم عن المجتمع المسلم، واقتصروا في تعليمهم على اللهجة البربرية، واللغة الفرنسية، والدين المسيحي، وكونوا من خريجي هذه المراكز قيادة فكرية وسياسية لتيار جديد في المنطقة مركزه في باريس تحت عنوان "معهد الدراسات البربرية" تسيره الاستخبارات العسكرية الفرنسية مباشرة بتوجيه من الكنيسة وقسسها، وغايته تحويل شمال إفريقيا - المغرب، وتونس، والجزائر، وليبيا - إلى مستعمرة فرنسية ممسوخة ديناً وجنساً، ولغة وهوية، ثم تحويل المنطقة كلها إلى قاعدة عسكرية لحرب صليبية تشن على باقي الوطن العربي والعالم الإسلامي، وقد حقق الفرنسيون بتأسيسهم هذه الأديرة والكنائس والمآوى نجاحاً لا ينكر، وكانت أكثر النتائج من نصيب كنيسة "تيومليلين" في ضاحية آزرو بمأواها ومدرستها التي كانت تستوعب أطفال المأوى، وتدرسهم حسب الخطة الاستعمارية المرسومة، لاسيما بعد أن أسسوا لتلامذتها "جمعية قدماء تلامذة مدرسة آزرو"، ومن هذه المدرسة تخرج منظر هذا التيار المدعو "محمد شفيق"، وكثير من زملائه، وفي هذه الجمعية كان نشاطهم.
وحرصاً منهم على تمييع الغيرة الدينية والنخوة الوطنية، واغتيال روح المقاومة في مجتمع سكان الجبال الذين أبلوا البلاء الحسن في مقاومة الفرنسيين؛ أجبروا شباب الأطلس المتوسط - وكانوا شوكة في خاصرة الاستعمار - على الانخراط في الجيش الفرنسي، وكونوا منهم لفيفاً أجنبياً حكموا بجنوده بلاداً إسلامية أخرى، وقاوموا بهم الاحتلال الألماني لفرنسا، فلم يبق في المنطقة إلا الأطفال والشيوخ والنساء، وسلطوا على الأطفال الأديرة والقسس والرهبان، أما النساء فنشروا الفاحشة بين كثير منهن، اختطفوهن، واستباحوا أعراضهن للجيش الفرنسي الغازي، وكونوا منهن فرقاً للغناء والرقص في المناسبات والاحتفالات والأعراس الفرنسية، بدعوى أن هذا هو الفن الراقي الأصيل الذي ورثه البربر عن آبائهم وأجدادهم، وليس العلم والفقه، وعقيدة النخوة والإباء والجهاد، واستمر استغلال هذا العفن الدخيل واستثماره سياحياً في مجتمعاتنا على يد حفنة من المتاجرين بأعراض الأمة وكرامتها بعد الاستقلال، إلى أن شاعت ظواهر يندى لها الجبين أعراساً علنية وسرية للشذوذ، وأقراصاً مدمجة للمخنثين والداعرات توزع في كافة أنحاء العالم للتسلية والترفيه على غير المغاربة وغير المسلمين، موازاة مع تغييب تراث علماء البربر وفقهائهم ومجاهديهم، حتى لم يعد يذكر عن كثير من مناطق البربر إلا رقص المخنثين من الذكور والإناث، ومنكرات الفاحشة والانحلال، وغاب ذكر أفذاذ العلماء والفقهاء والمجاهدين أمثال: أبي الحسن اليوسي، وعبدالعزيز بن إدريس الزموري من الأطلس المتوسط، أوعبدالكريم الخطابي، وعبد الله كنون من الريف، أو الفقيه الصالح عبدالله بن حسين المغاري، والعالم الجليل المختار السوسي من سوس، أو الأصولي البارع عبد الواحد الونشريسي شهيد محراب العلم بفاس، وامحت من الذاكرة مراكز للعلم كتاباً وسنة، وفقهاً وأصولاً، وأدباً وتاريخاً وفلسفة، مبثوثة منذ فجر التاريخ الإسلامي في الجبال والأودية والصحارى، بها عشرات آلاف المخطوطات النادرة مثل: زاويتي تانغملت وتامكروت ومكتبتيهما، وعشرات غيرهما.
وبعد أن أتم الفرنسيون مؤسساتهم الاستعمارية التنصيرية انتقلوا إلى مرحلة جديدة موغلة في المكر، فأخذوا يمهدون لتجاوز السلطان نفسه، والضغط عليه إن تردد في مساعدتهم ومسايرتهم نحو أهدافهم، وظهرت أصوات مسموعة تتساءل عن جنسية السلطان: هل هو عربي أم بربري؟ وعن مدى شرعية جلوسه على عرش المغرب، وأن عليه أن يختار بين صفتي العروبة والبربرية، إذ لكل صفة نتائجها وعواقبها، إن كان عربياً فلا يحق له أن يبقى سلطاناً على أرض بربرية، وإن كان بربرياً فعليه أن يساهم في تصفية الإسلام واللغة العربية، والجنس العربي من البلاد، وفي هذا يقول "BOBIN BIDWELL" 35: "واختلف كيرنير وفونتين في ملاحظاتهم حول السلطان، يقول فونتين: "إن السلطان باعتباره عربياً لا يمتلك الحق في حكم مناطق البربر، بينما يعتقد كيرنير أنه ما دام السلطان من البربر فلا ينبغي له أن يغازل العرب".(1/20)
إلا أن هذا المشروع الاستعماري الفرنسي أصيب بنكسة أفقدته صوابه وذلك بعد اللقاء التاريخي بين السلطان محمد الخامس وبين الحركة الوطنية الناشئة، واتفاق الطرفين على النضال المشترك ضد الحماية الفرنسية ومخططاتها العدوانية على الشعب والوطن، والدين والهوية، فكان النصر والاستقلال سنة 1956م.
وعلى الرغم من اندحار المشروع الصليبي التنصيري المرتبط بالاستعمار فإنه ظل بعد الحصول على الاستقلال ولحد الساعة يرفض إعلان هزيمته واللحاق بأوليائه ومؤسسيه في فرنسا، بل ويحاول دائماً التماسك، وتجديد الأساليب، وتطوير الوسائل، والتمويه على الأهداف، والتسلل إلى الساحة عبر الثقافة والسياسة، والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، محافظاً على قنوات الدعم الأجنبي مادياً ومعنوياً ولوجيستيكياً، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالاستخبارات الأجنبية، مستغلاً تناقض المصالح الحزبية، وتضارب التوجهات الفكرية والعقدية، يمارس الابتزاز على كل ساحة وبكل سبيل، مما لا تتسع لشرحه هذه الدراسة الموجزة.
ولئن كان النظام المغربي يعتقد أنه يستطيع احتواء هذا التيار بمثل الأساليب الممارسة حالياً فهو مخطئ، لأن الفرنسيين والكنيسة الصليبية لن يترددوا في الإطاحة به، وإحلال بديلهم الاستعماري العرقي مكانه، إذا ما تأكدوا من قدرة بديلهم العرقي هذا على السيطرة والصمود، لأنه هو الوحيد الذي لا يتورع عن إعلان الردة الرسمية عن الإسلام، وتنفيذ كل ما تريده فرنسا والكنيسة، والتنكر لكل القيم.
هل المغاربة عنصران متباينان؟
إن هذا الزعم الاستعماري لم يقصد به في الحقيقة إلا خدمة أهداف فرنسا في المنطقة المغاربية عامة، وإلا فإن هذه الدعوى العرقية مردودة على أصحابها، يفندها واقع الحضارة الإنسانية المعاصرة، كما يفندها العلم والتاريخ، والأصول اللغوية والاجتماعية، والنضال الجهادي للمنطقة منذ أربعة عشر قرناً.
ويمكن أن نوجز بعض الردود على هذه الدعاوى المتهافتة فيما يلي:
من حيث واقع التطور الحضاري الإنساني المعاصر تعد الدعاوى العرقية، وشعارات التمايز بالدم واللون واللسان متخلفة عن ركب التطور والرقي، وعالم مساواة الإنسان لأخيه الإنسان، ودول أورويا وأمريكا التي يحاولون الارتباط بها واتخاذها قدوة وهي قبلتهم تعطي جنسيتها لمن ولد على أرضها، ولمن تزوج امرأة منها، ولمن تزوجت رجلاً فيها، ولمن أقام مدة معينة على أرضها، وتجرم قوانينها تجريماً شديداً كل تفرقة عنصرية باللون أو الدين، أو العرق أو اللسان، بل إن فرنسا نفسها مكونة في أصلها من أعراق مختلفة انضاف إليها المهاجرون من كل بقاع العالم، فلم تظهر فيها أي دعوى عرقية قط، وأمريكا وهي أكبر وأقوى دولة في العالم فيها من الأعراق والألوان، واللهجات واللغات؛ ما لا يكاد يعد، ومع ذلك يعتز أهلها بمواطنتهم ولغتهم الرسمية التي هي الإنجليزية، ووحدتهم القومية، وعلمهم الواحد، ويجرمون كل دعوة عرقية، وكل جنوح من أحدهم خارج ثوابت الدولة يعتبر خيانة وتخريباً وتخلفاً.
ومن حيث علم الحفريات البشرية تثبت الدراسات والمكتشفات خلال القرن العشرين أن "إنسان النياندرتال L homme De Neande r thal" وجد على امتداد المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج لاسيما في كل من فلسطين والمغرب، والجزائر وليبيا، والصحراء الكبرى، ففي أحد أودية الصحراء الجافة بوادي تليسي سنة 1927م عثر على هيكل هذا الإنسان، كما عثر عليه أيضاً في حفرية أخرى بضاحية من ضواحي الرباط، وحفرية جنوبي رأس سبارتل بمغارات هرقل بمدينة طنجة، ورابعة في كهف التابون بسفوح جبل الكرمل بفلسطين، وخامسة في الجبل الأخضر في برقة سنة1955م، وهذه الاكتشافات البشرية تكتسب قيمتها العلمية الكبيرة من كونها أثبتت بالدليل العلمي تشابه هذه الهياكل المكتشفة فيما بينها، مما يعد أدلة مادية على وحدة سكان المنطقة العربية في أنسابهم وأصولهم منذ عصور سحيقة موغلة في القدم ترجع إلى أكثر من خمسين ألف سنة.
ومن حيث الدراسات التاريخية القديمة بما فيها المراجع العربية واليونانية وغيرها فإنها تؤكد انتساب البربر إلى الجنس العربي، والتقاءهم معه في الأصول، وفي هذا يقول صاحب كتاب" تاج العروس من جواهر القاموس36": "إنهم - أي البربر - بقية من نسل يوشع بن نون من العماليق الحميرية، وهم رهط السميدع، وأكثر قبائلهم بالمغرب في الجبال من سوس وغيرها متفرقة في أطرافها، وهم زناتة، وهوارة، وصنهاجة، وكتامة، ولواتة، ومديونة، وشبانة، وكانوا كلهم بفلسطين مع جالوت فلما قتل تفرقوا).(1/21)
ويقول المؤرخ اليمني القاضي عبد الله بن عبد الوهاب الشماخي: "أصل البربر قبل الزمن التاريخي بخمسة آلاف سنة يعود إلى الموجة البونية نسبة إلى بون صنعاء باليمن، وهي أول هجرة خرجت من اليمن، واتجهت إلى سيناء، ثم إلى المغرب، وتكونت منهم البطون البربرية الصنهاجية وغيرها، ومنهم من احتفظ باسمه القديم وهم البونيون الذين نزلوا بعنابة في الجزائر، وكانت تسمى بونة، ويقول ابن خلدون: إن البربر يعود نسبهم إلى الكنعانيين، ولكن هذا خطأ، لأن الكنعانيين هاجروا إلى شمال إفريقيا بعدهم، ثم امتزجوا بهم، وهذه الموجة هي التي غطت المغرب كله، وأعتقد أن ذلك كان في أيام المعينيين واليعربيين، وحسبك أن حروبهم تدعى الحروب البونية، يقول ويلز: عرفت بالحروب البونية نسبة إلى بون صنعاء، ونقلت عن معروف الدواليبي قوله: إنما سمي البونيون نسبة إلى بون صنعاء، وهذا البون واسع، وفيه القبائل الشرسة، وهي أشبه بقبائل الأوراس".
نخلص من هذا إلى أن سكان المغرب الأوائل ينتسبون إلى عدد من الهجرات العربية المتتابعة من عدة طرق، إلى منطقة شمال إفريقيا، وتنتسب كلها إلى سام بن نوح - عليه السلام -.
أول هذه الهجرات من نسل العماليق وهم عرب أقحاح كما يقول الطبري37: "فعاد، وثمود، والعماليق، وأميم، وجديس، وطسم هم العرب، لسانهم الذي جبلوا عليه لسان عربي، وقد كان منزل جدهم عمليق الذي يرجع نسبه إلى لاوذ بن سام أبو العرب في جوار مكة، ثم انتشرت قبيلته في الجزيرة العربية والعراق، والشام ومصر وغيرها، فلما هزم النبي داود - عليه السلام - ملكهم جالوت في فلسطين في القرن الثاني عشر قبل الميلاد خرجوا متجهين إلى المغرب حتى انتهوا إلى شمال إفريقيا".
ويقول ابن عبد الحكم38: "فتقدمت زناتة ومغيلة إلى المغرب، وسكنوا الجبال، وتقدمت لواتة فسكنت أرض انطابلس وهي برقة، وتفرقت في هذا المغرب، وانتشروا حتى بلغوا السوس".
أما الهجرة الثانية فهي أيضاً عربية النسب صريحته، وهي التي سارت مع الملك العربي "إفريقش" وسميت القارة باسمه، ذلك أنه في الألف الثاني قبل الميلاد وصل إلى شمال إفريقيا إفريقش بن صيفي ملك التبابعة من قبائل كهلان وصيفي العربية قادماً من جنوب شبه الجزيرة العربية، وكانت أبرز القبائل التي رافقته كتامة وصنهاجة وحمير، استقروا في منطقة شمال إفريقيا واستوطنوها، وتنسب هذه القبائل كلها إلى قحطان وفالغ من ذرية سام بن نوح - عليه السلام -، ثم اختلطت القبائل المهاجرة الأولى من العماليق بالقبائل الوافدة مع إفريقش، فكونوا شعباً واحداً متجانساً، وفي هذا يقول محمد عبد الرزاق مناع39: "وقد اختلط المهاجرون من كهلان وحمير وصيفي وبني كنعان وتصاهروا حتى صارت الجماعتان جماعة واحدة، كونت شعباً متجانساً".
وبعد الفتح الإسلامي تتابعت موجات الهجرة العربية إلى المنطقة جهاداً في ربوع الأندلس، وأصقاع إفريقيا، ووقوفاً في وجه الحملات الصليبية على المنطقة، وتعليماً للغة العربية والفقه، والحديث والقرآن وعلومه، مما تحفل به كتب التاريخ ولا تتسع له هذه العجالة.
من حيث تسميتهم .. أمازيغ وبربر:
أما تسميتهم "أمازيغ" فأصلها من الجد الأعلى للبرانس وهو "مازيغ بن كنعان" ذكر ذلك ابن خلدون في تاريخه40 نقلاً عن نسابة البربر "هاني بن بكور الضريبي، وسابق بن سليمان المطماطي، وكهلان بن أبي لؤي، وأيوب بن أبي يزيد وغيرهم" قال: "إن البربر فرقتان كما قدمنا وهما: البرانس والبتر، فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان، والبرانس بنو برنس بن سفجو بن ابزج بن جناح بن واليل بن شراط بن تام بن دويم بن دام بن مازيغ بن كنعان بن حام، وهذا الذي يعتمده نسابة البربر"41.
فالتسمية إذن بالنسب الكنعاني لفصيل من فصائلهم وليس للفصائل كلها، ومن المعلوم أن أغلب المؤرخين يعتبرون الساميين والحاميين سلالة واحدة، موطنها الأصلي هو الجزيرة العربية، وأنه لا وجود لسلالتين منفصلتين حامية وسامية، لأنهما اندمجتا في بعضهما منذ القدم.
وأما تسميتهم "بربر" فنحن إذا رجعنا إلى قواميس اللغة العربية وجدنا لكلمة"بربر" أصلاً راسخاً، ذلك أنها تكرار للفظ عربي هو "بر"، وقد وردت في القرآن الكريم بعدة معاني، لأن حرفي الباء والراء في المضاعف أربعة أصول هي: الصدق، وخلاف البحر، ونبات البُرّ الذي هو الحنطة، وحكاية صوت، وردت اسماً من أسماء الله الحسنى في قوله - تعالى-: ((إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ))الطور28.
وجاءت خلقاً كريماً من صفات الأنبياء والأصفياء في قوله - تعالى-: ((وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً))مريم14، ((وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)) مريم32.(1/22)
ووردت بمعنى الصدق والطاعة والقبول في قوله - تعالى-: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) البقرة44، ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) آل عمران92.
كما وردت بمعنى ما سوى البحر في قوله - تعالى-: ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) المائدة96.
ولعل هذا المعنى الأخير للبر - بفتح الباء - هو أصل التسمية "بربر" لأن اليونانيين والرومان كما هو مشهور أول من أطلق على سكان شمال إفريقيا هذه التسمية، عندما كانوا يهاجمون المنطقة من السواحل، فترهق الحرب الأهالي، ويقررون اللجوء إلى البر جبالاً وأودية وكهوفاً، بعيداً عن مناطق الغزو الأجنبي في الشواطئ، ويتنادون "البر .. البر"، ثم يتخذون من هذه الأماكن الحصينة جبهة للمقاومة الشعبية ضد الاستعمار الذي يحتل السواحل، وعندما سمع اليونانيون نداءهم "البر البر"، ورأوا آثار هجماتهم المباغتة على معاقل الاستعمار، وحصونه ومزارعه؛ أطلقوا عليهم هذه التسمية إشارة إلى ما تتسم به مقاومتهم من شراسة وعنف، ولذلك تجد هذه اللفظة في القواميس اللاتينية تعني الوحشية والعنف كما في الأمثلة التالية:
متوحش/Ba r ba r ian
فظ/Ba r ba r ic
وحشية/Ba r ba r ism
همجية/Ba r ba r ie
أما المؤرخون العرب فيذهبون إلى أن أصل التسمية هو نسبهم إلى بر بن عيلان بن مضر من أجداد العرب، وهو ما ورد في الشعر الجاهلي قبل الإسلام على لسان طرفة بن العبد:
ولكن دعا من قيس عَيلان عصبةٌ يسوقون في أعلى الحجاز البرابرا42
وإلى هذا الأصل المشترك بينهم وبين العرب تشير الشاعرة تماضر أيضاً:
فأقسم أنا والبرابر إخوة & nbsp; نمانا وَهُمْ جَدٌّ كريم المناقب
أبونا أبوهم قيس عيلان في الذرى &nbs p; ; وفي حرسه يسقى غليل المحارب
ويقول شاعرهم البربري الآخر قيس بن خالد يفتخر بأصله العربي:
أيها السائل عنا أصلنا &nbs p; ; قيس عيلان بنو العز الأول
نحن ما نحن بنو بر الندى ; طارد الأزمة نحار الإبل
نحن ما نحن بنو بر القوى &nbs p; ; عرف المجد وفي المجد دخل
إن قيسا قيس عيلان هم & nbsp; معدن الحق على الخير دلل
وعلى هذا الأساس فإن للبربر شرف الانتساب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم أخواله من الرضاعة، لأن حليمة السعدية مرضعته يرتفع نسبها إلى قيس عيلان، ومن المؤرخين من يذهب إلى أن أصل التسمية في اللغة العربية من " البربرة" وهي اختلاط الأصوات وكثرتها وزمجرتها من "بربر الأسد" إذا زمجر، وفي حديث على - كرم الله وجهه - 43 لما طلب منه أهل الطائف أن يكتب لهم الأمان على تحليل الزنا والخمر فامتنع، قاموا ولهم تغذمر44 وبربرة، ومنه الحديث: (فأخذ اللواء غلام أسود فنصبه وبربر)45.
والذي نراه أن التسمية "بربر" ليس لها أصل يفيد عرقاً أو نسباً لأنهم فصائل كثيرة، وتطلق عليهم حسب مناطقهم وأنسابهم تسميات متعددة، وقد اشتهروا في التاريخ بالبتر والبرانس، ومازيغ نسبة إلى جد فصيل منهم، وفي المصطلح الشعبي المتداول "زيان، والريفيون، والسوسيون، والقبائل، والشاوية، والزواريون، وكل هذه التسميات الشعبية لها جذورها في اللغة العربية.
على أن هذه النزعة العرقية لم تكن معروفة أو متداولة فيما قبل الاستعمار الأجنبي للمنطقة، بل كان المغاربة شعباً واحداً متمسكاً بوحدته الوطنية والعقدية والعرقية، وإنما وفدت هذه اللوثة الخبيثة مع الغزو الصليبي لبلادنا في إطار برنامجه لمسخ هوية البلاد وأهلها وأصالتها، وتمزيقها على صعيد العرق بتقسيمنا إلى عرب وبربر، وعلى صعيد الدين بالادعاء أن سكان الجبال لهم دينهم العرفي المستقى من بقايا ديانات مسيحية أو يهودية أو مجوسية كانت في بلادهم، كل ذلك من أجل تكريس النفوذ الفرنسي الكنسي في أوطان المسلمين كافة تطبيقاً لسياسة "فرق تسد"، وسعياً لتحقيق طموح إمبراطورية استعمارية حاقدة.
من حيث علاقة البربرية باللغة العربية:
وفي هذا المجال يحسن بنا أن نورد قول المؤرخ اليمني القاضي عبد الله بن عبد الوهاب الشماخي: "اللغة العربية والبربرية تشتركان في الأصول والتركيب، إن البربرية الموجودة الآن لغة عربية قديمة، وغير صريحة، لأن هناك العربية الصريحة، والعربية غير الصريحة، العربية غير الصريحة ما كانت قبل نزول الوحي في أطوار تكوينها، فاللغة الحميرية إذا رأيتم هي اللغة البربرية، ثم جاءت الأسواق قبل البعثة النبوية بنحو ثلاثمئة عام فبدأت تتهذب وتصقل في سوق عكاظ وأمثاله، حتى جاءت اللغة العربية الصريحة التي شرفها القرآن، ورفعها إلى القمة".(1/23)
إلا أن ما ذهب إليه الشماخي وهو ما يؤكده التقارب بين البربرية واللهجة اليمنية الحالية، وكثير من التقاليد المشتركة بين الشعبين اليمني والبربري في العادات والتقاليد، والملابس والحلي، لا ينفي أن اللهجات البربرية قد تأثرت على مر السنين بالشعوب الوافدة إلى المنطقة من غير العرب كالفينيقيين والرومان، والبيزنطيين والوندال، على رغم أنهم ووجهوا بمقاومة شرسة من قبل الأهالي، ولم يستطيعوا النفوذ إلى ما سوى بعض السواحل، وإن كان هذا التأثير محدوداً جداً، فحروف التيفيناغ التي لدى الطوارق، وتبناها التيار البربري الفرنكفوني مثلاً؛ مستمدة من الفينيقيين، وهم ساميون كما ذهب إليه غوستاف لوبون46، ورغم ما طرأ عليها بسبب الاتصال المباشر بالعالم الخارجي تجارة ومدافعة فإن هذه الحروف مازال أكثرها أقرب إلى حروف اللغات السامية عربية، وحميرية، وسريانية، وآرامية.
وكذلك الحال فيما يتعلق بأغلب القواعد النحوية والصرفية، وتركيب الجمل والمفردات التي لا تكاد كلها تقريباً تبتعد عن أصلها العربي إلا بما أحدثه في بعضها عامل الزمن والاستعمال الدارج مما يؤكد أنها أصيلة في كلامهم، وغير دخيلة أو منقولة، وأن اللغة البربرية هي لهجة عربية قديمة وغير صريحة مثلما كان الحال في لهجات قبائل عرب الجزيرة قبل البعثة، وقبل أن يوحدها القرآن الكريم، سواء اللهجات التي انقرضت وبقيت لنا منها نقوش تدل عليها مثل الثمودية، والصفوية، واللحيانية، أو العربية الباقية كلغة قريش بصفائها، واشتراك القبائل الأخرى في فهمها واختصاصها وحدها في الكتابة والشعر والخطابة لاسيما بعد نزول جل مفردات القرآن بها، وكلغات القبائل الأخرى التي لكل منها تميز خاص نطقاً أو تعبيراً كما هو حال كشكشة47 ربيعة ومضر، وفحفحة48 هذيل، وطمطمانية49 حمير، وعجعجة50 قضاعة، وشنشنة51 اليمن، وعنعنة52 تميم، ولكنها كلها تجتمع في كونها لغة عربية.
وهذا ما قررته دائرة معارف "يونيفرساليس" مؤكدة: "أن اللغة البربرية امتداد لصيغ اللغة العربية"، وأن الآداب البربرية "مستمدة من المشرق العربي"، وأن "جميع اللهجات البربرية مطبوعة بطابع اللغة العربية" 53.
ولعل من المفيد في هذا المجال أن نسوق بإيجاز ما ذكره الدكتور محمد بن عبد الكريم الجزائري54 قال: "لعل كثرة اختلاط سكان الشمال الإفريقي مع مختلف الأجناس المتوالية على احتلال بلدهم، وتبدل الطقس وقساوة الطبيعة، كل ذلك أصبح سبباً في تبربر لغتهم العربية، وتلاثغ ألسنتهم بعد فصاحتها، وفي إمكاننا أن نأتي ببعض البراهين لعلها تكون خير مرشد لمن ضل السبيل في بحثه عن عروبة الشمال الإفريقي لغة وجنساً:
البرهان الأول: ثلث مفردات اللغة البربرية عربي النزعة.
البرهان الثاني: عدم وجود ما يقابل اللغة العربية إن أريد حذفها، وتعويضها باللغة البربرية.
البرهان الثالث: وجود حروف في اللغة البربرية لا وجود لها في سوى اللغة العربية، ثم لا تكاد تجد حرفاً من هذه يعسر النطق به في تلك، مثل حرف الضاد والعين، والغين والطاء، وجميع الحروف التي تفردت بها لغة الضاد، والعجيب أن هذه اللغة هي لغة ذات ضاد كالضاد العربية تماماً، إن هذه البربرية ليست مستقلة بذاتها، وإنما هي عربية في أصلها قد تحرفت بطول الزمن، حتى أصبحت أكثر بعداً عن العربية الفصيحة من هذه اللهجات العامية المختلفة التي تتكلمها الشعوب الناطقة بالضاد.
البرهان الرابع: سرعة انتشار العربية في البربر بمجرد امتزاجهم بالعرب الفاتحين، ولعل خير دليل على عروبة البربر بالأصالة أنهم لم يتأثروا بأية لغة من لغات الأجناس الكثيرة التي مرت بهم مثلما تأثروا باللغة العربية.
البرهان الخامس: وجود التشابه الخَلْقي والخُلُقي المشترك فيهما - أي عرب هجرات ما قبل الإسلام وهجرات ما بعده - قديماً وحديثاً، قال ابن خلدون: "البربر لم يكن لهم انتحال للمباني والصنائع والمدن، وبهذه الصفة يشبهون العرب، على أن يقاس حضري أولئك وبدويهم بحضري وبدوي هؤلاء".
البرهان السادس: وجود أسماء وألقاب عربية تلقب بها البربر قبل الفتح الإسلامي، قال ابن خلدون: "ومن الأسماء العربية عند البربر موسى بن صالح من بني يفرن، الكاهن المشهور"، فلو لم يكونوا عرباً ما أسموا أبناءهم بأسماء عربية صريحة مثل صالح هذا، وزياد والد طارق بن زياد".
هل يجب أن يعود البربر إلى النصرانية كما تريد فرنسا وتيارها في بلادنا؟(1/24)
يعتمد في الترويج لهذا الهدف قدماء المتعاونين مع سلطة الحماية والاستعمار في ببلادنا، والمنظرون السريون والعلنيون للتيار البربري الفرانكفوني في المغرب/ ومنطقة شمال إفريقيا، وفي أوروبا بأكاديمية الدراسات البربرية بفرنسا ومراكز التوجيه والدعم المادي واللوجيستيكي في المعسكر الاستعماري، على مقولة متهافتة هي زعمهم بأن الدين الأصلي لسكان ما قبل الإسلام هو المسيحية، ولذلك ينبغي استبعاد اللغة العربية/ والانتقال مباشرة إلى اللغة الفرنسية والتغريب، تمهيداً للردة والتنصير، ولئن رفعوا شعار الدفاع عن البربرية مرحلياً فإنما ذلك لتبرير الانتقال إلى الفرنسية مباشرة، والدليل واضح في دعاة هذا الاتجاه، لأنهم لا يعلمون أبناءهم إلا الفرنسية، ولا يتكلمون في أغلب حياتهم العملية إلا بها، ويصرحون بأنها هي لغة الإدارة، وتسيير الِشأن العام، بل منهم من التحق مباشرة وعلانية بالمسيحية، وأخذ يسمي أبناءه بأسماء فرنسية، مع العلم بأن الردة عن الإسلام تكاد تعم أعضاء هذا التيار، حتى وجد منه من يدعو صراحة وعلى منابر الإعلام المرئي والمسموع إلى طرد الدين الإسلامي، واستبعاد أهله من الوطن.
وبغض النظر عن تهافت منطق أذناب الاستعمار وبقاياه المعاصرين فإنه كذلك يدحض من عدة وجوه، منها:
1- أن الدين ليس قضية وراثية وإنما هو إيمان إرادي، واقتناع حر، يقرره المرء بمحض إرادته، فقد يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، والعكس بالعكس، وقد تكون الأسرة كلها كافرة وابنها مسلم، وقد يكون الأب مؤمناً والابن كافراً - نعوذ بالله من الكفر والشرك -، وهذا من البديهيات العقدية، وسكان المغرب بجميع فصائلهم قد اختاروا الإسلام واعتنقوه بكامل وعيهم وإرادتهم بعد أن تبين لهم الرشد من الغي، والهدى من الضلال، ويستطيع أي منهم أن يرتد في أي لحظة تعمى فيها بصيرته، دون الاعتماد على هذه الحجة الصليبية التي تزعم أن البربر قوم مسيحيون، وأن على الكنيسة أن تستردهم وتنتشلهم رغم أنفهم من "براثن" الإسلام بواسطة احتلال أرضهم، وتشريد عائلاتهم، ومصادرة ثروات بلادهم، ونشر الفاحشة، وشذوذ القسس والرهبان بين أبنائهم، وفصلهم عرقياً ولغوياً عن أصولهم في النسب، ولسانياً عن لغة قرآنهم المجيد، ودينياً عن الإسلام والعقيدة الصافية البيضاء.
2-أن سكان مغرب ما قبل الإسلام لم يعرف أكثرهم المسيحية،ولم تنتشر في مجتمعهم؛ باستثناء بعض شواطئهم التي احتلها الرومان والبيزنطيون والوندال، وقد عرفوا قبلها اليهودية زمان النبي سليمان - عليه السلام -، وقبل ذلك انتشرت فيهم المجوسية والوثنية عبادة للنار، والنجوم، والطواطم، والأوثان، وبعض الحيوانات التي وجدت مرسومة في الحفريات والصخور، فإذا تقبلنا هذا المنطق المتهافت لدى التيار الفرانكفوني في بلادنا فسوف ينبعث من يطالب بالعودة إلى الوثنية أو المجوسية أو اليهودية بحكم أن هذه الديانات كانت منتشرة قبل المسيحية، وأن على البربر أن يرتدوا يهوداً أو مجوساً أو وثنيين.
3- أننا بالمقياس التاريخي وحده نستطيع أن نثبت أن الدين الأصلي للسكان لم يكن المسيحية، أو الوثنية، أو المجوسية، أو اليهودية، وإنما كان ملة أبينا إبراهيم - عليه السلام - وهو سمانا المسلمين، وقد أثبت صاحب السيرة الحلبية أن إسماعيل - عليه السلام - قد أرسل بدين أبيه إبراهيم أبو الأنبياء - عليهم السلام - إلى الحميريين العماليق وهم معدن البربر وأصلهم، فاعتنقوه، ونقلوه معهم إلى إفريقيا.
ولعل اعتناقهم لديانة إبراهيم التوحيدية هو ما يفسر عدم اهتمامهم بالأصنام والأوثان، والنحت والرسم، وما اكتشف بمنطقتهم من آثار - وهو قليل جداً بالنسبة لما عند الأمم غيرهم - ليس إلا من بقايا الغزو الروماني، والبيزنطي، والوندالي لبلادهم، مما يؤكد احتفاظهم طيلة تاريخهم القديم ببعض معاني التوحيد الإبراهيمي الخالص، كما يفسر سرعة استجابتهم لهذا التوحيد نفسه عندما وفد إليهم من جديد في ثوبه المحمدي على يد الفاتحين صحابة وتابعين، فاعتنقوا الإسلام، وتفاعلوا معه، وأتقنوا لغته، وجاهدوا في سبيله، ونقلوه إلى أمم غيرهم في الأندلس ومجاهل إفريقيا، تم كل ذلك في ظرف لم يتجاوز ثلاثين سنة بعد وصول عقبة بن نافع إلى المنطقة سنة92 هجرية، وهذه ظاهرة لم تتكرر في أي قطر آخر دخل إليه الإسلام، ثم تحمل البربر بعد ذلك مسؤولية إقامة أمر الإسلام سياسة وإدارة وتسييراً للشأن العام بتأسيس أنظمة سياسية متكاملة، وإقامة إمبراطوريات عظيمة نصرت العقيدة وأهلها، ودافعت عن قيم الدين ومثله وشريعته، ووحدت منطقة الشمال الإفريقي من المحيط الأطلسي إلى الحدود الليبية المصرية، ومن الأبيض المتوسط إلى بحيرة تشاد كما هو شأن دول المرابطين، والموحدين، والمرينيين.(1/25)
4- أن الارتباط العاطفي بالجزيرة العربية وعالم الغيب من خير الأدلة على انتمائهم لأبناء عمومتهم عرب المشرق، فبمجرد ما سمعوا بظهور النبي صلى الله عليه وسلم اشرأبت أعناقهم إليه قبل أن تأتي جيوش الفتح، وشاعت بينهم أحاديث وأخبار ما زالت رائجة في أدبياتهم لحد الآن، وإن لم نتأكد من صحتها عن وفود منهم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به، وأيدته ونقلت دينه إلى أهلها وعشيرتها، من ذلك ما ذكره أبو العباس بن إبراهيم الدكالي في كتابه "الذهب المنقود في ذكر الأعلام من الآباء والجدود" أشار فيه إلى حديث صحبة رجال سبعة من قبيلة رجراجة البربرية وفدوا على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، وحملوا رسالته إلى قومهم، ومازال المغاربة لحد الآن يفتخرون بكون بعض أجدادهم من الصحابة الكرام، ويتغنون في أهازيجهم الشعبية وأدعيتهم بمن يسمونهم "رجراجة الأحرار".
5- أننا بمقياس التجربة والواقع نرى فشل كل جهود المبشرين في تنصير المغاربة منذ السماح لهم بفتح الكنائس في مدينة فاس سنة1760م، مروراً بمعاهدة الحماية سنة 1912م، والظهيرين البربريين الاستعماريين في سنة1914م وسنة 1930م، وبالجهود التي يبذلها في هذا المجال بقايا الخونة وعملاء الاستعمار في العصر الحديث، مما يؤكد أن المغاربة يرفضون كل محاولة لتغريبهم وتنصيرهم وشق صفوفهم عرقياً، أو إبعادهم عن دينهم ولغة قرآنهم ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ))55.
واقع الحال وآفاق المستقبل:
إن هذا البحث لم يحملنا عليه انتماء إلى عرق دون عرق، أو قوم دون قوم، ولئن تضمن تنقيباً عن الأصول والأعراق الوطنية فإنما للرد على دعاة العرقية والعنصرية من أولياء النفوذ الأجنبي وأتباعه، خاطبناهم بلغتهم دحضاً لمفترياتهم، وإقامة للحجة عليهم، وإلا فإن الحديث والكتابة عن الانحراف قد يكون أحياناً ترويجاً ودعاية له.
وما دعانا لإثارة الموضوع إلا عواصف وأنواء تقصف مجتمعنا وأبناءنا، وتحاول تدمير حاضرنا ومستقبلنا، وتخريب دنيانا وآخرتنا، وتوهين صفنا ووحدتنا، والقضاء على حريتنا واستقلالنا، وتحويلنا إلى ذيول وأتباع لأجنبي صليبي مستعمر.
يشهد بذلك ما تعرفه بلادنا حالياً من فساد اجتماعي واقتصادي وسياسي، وانحلال أخلاقي وإعلامي، ونشاط محموم سائب لكل دعاة الفاحشة، ودعاة التبعية للمستعمر القديم، ودعاة التحلل من القيم والأخلاق، ودعاة التمرد على الدين، ودعاة بيع الأعراض والمتاجرة في المحرمات، مما ينذر بفتنة عارمة تحل بديارنا، وتعصف بمستقبل أبنائنا، وتدمر وجودنا كأمة لها تاريخها المجيد، وطموحها الراقي العتيد، ونِدِّيتُها للأمم غيرها.
ويصرح بذلك أولياء الردة والكفر والولاء للأجنبي علانية وبكل جراءة ووقاحة، وكأنما نامت نواطير56 البلد، أو غاب ناطورها، وانكسر نُطَّارُها57، فعاثت في أرجائها الثعالب، وهرجت ومرجت، وبعثرت المَقَاثي والمزروعات.
إن بني إسرائيل لُعِنوا لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، وقال الله - تعالى- عنهم: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ))58.
وإن هذا مآل من فعل فعلهم فلم ينته عن منكر، ولم ينه عنه، وهو ما ورد تفصيله في الحديث الشريف59: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل أول ما يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون... إلى قوله: فاسقون)) ثم قال: كلا والله لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخذُنَّ على يد الظالم، ولتأطُرُنَّه على الحق، ولَتقصرُنَّه على الحق قصراً، أو لَيَضْربَنَّ الله ُبقلوب بعضكم على بعض، ولَيَلْعَنَنَّكُم كما لعنهم).
إن الإسلام الذي وحد القبائل المتنافرة، والشعوب المتناكرة، والأقوام المتناحرة؛ هو البلسم الشافي للأمراض العرقية والعنصرية، وفتن التناحر والتقاتل والتنابز.
وإن ما شاع في بلادنا من جراءة على الله، وتمرد على القيم، ومحاولات خبيثة لتخريب الوحدة الوطنية، وتوهين الصف الواحد المتراص، يحمل الدعاة مسؤولية عظيمة وخطيرة، لأن بين أيديهم دواء ما تعاني منه الأمة من أمراض وأوبئة، وتقاعسهم عن إفشاء الدواء، والتمكين منه ظلم عظيم، ولسوف يسألون...
كلمة أخيرة للدعاة الصادقين:
(لوثة العرقية في منظار العقيدة والشريعة):(1/26)
إن القلوب المؤمنة، والأفئدة المتشربة لدين التوحيد والإخلاص لله - تعالى- حقاً، والصادقة في تحمل أمانة التبليغ؛ لا بد أن تتطهر من لوثة العرقية، وتسلس قيادها لله عقيدة صافية، وشريعة على النهج السليم.
إن الإخلاص لله - تعالى- هو تصفية جميع النوايا والأعمال من ملاحظة المخلوقين، فإن شابها شيء من ملاحظتهم كان الشرك أكبر أو أصغر، ظاهراً أو خفياً.
وإن العرقية دائماً مشوبة بالشرك، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول60: (إن الله - تعالى- يقول: أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكاً فهو لشريكي، يأيها الناس أخلصوا أعمالكم لله - تعالى- فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما خلص له، ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء، ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله - تعالى- منها شيء) فكيف بمن يلاحظ انتماءه العرقي قبل انتمائه العقدي أو معه في بره أو صدقته، أو زكاته أو زواجه، أو مصاهرته أو صِلاته وعلاقاته؟
إن كل تجمع أو تكتل أو تحزب يراعي فيه المرء مع الله انتماءه العرقي أو القبلي هو للعرق أو للقبيلة، وليس لله منه شيء، والله - تعالى- يقول فيما يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم : ((من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا عنه بريء، وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك61)).
ولئن كانت العصبية العرقية والقبلية تزلزل أركان الوحدة الوطنية، وتمزق شمل الأمة، فإن أخطر من ذلك أيضاً أنها تعصف بالإيمان نفسه، وتخرب دنيا المرء وآخرته، يقول - عز وجل -: ((لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))62، ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ))63.
ترى الرجل يفتخر بآبائه وأصوله، ومِنْ أصوله مَنْ هم جُثِيّ64 جهنم، ولن ينفعه ذلك أو يغني عنه يوم القيامة من الله شيئاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :65 (لَينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو لَيكونُنَّ أهونَ على الله من الجُعَل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ66 الجاهلية، إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب)، ويقول: 67(يا أيها الناس إن الله - تعالى- قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية، وتَعَظُّمَها بآبائها، فالناس رجلان: رجل برٌّ تقيٌّ كريم على الله - تعالى-، ورجل فاجر شقيٌّ هَيِّنٌ على الله - تعالى-، إن الله - عز وجل - يقول: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 68"))، ويقول69: (من ادعى دعوى الجاهلية فهو من جُثِيِّ70 جهنم، قيل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى، تداعوا بدعوى الله الذي سماكم بها المؤمنين المسلمين عباد الله)، ويقول عن العصبية العرقية71: (دعوها فإنها منتنة)، وعن الحسن أن أُبَيّاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اعتزى72 أحدكم بعزاء الجاهلية فأَعِضُّوه بِهَنِ73 أبيه ولا تُكَنُّوا) 74.
إننا ذريةُ أبٍ واحد وأمٍّ واحدة خُلِقا من تراب، ومن نفسٍ واحدة خلق منها رب العزة زوجها ((وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء))، وإن قيامنا بواجب الدعوة الإسلامية عبادةٌ مفروضة، لها أدبها، وأركانها، وشروطها، وأدبها الحياء من الله - تعالى- فلا نشرك معه غيره وجوهاً أو أرحاماً أو عرقاً أو قبيلة، ومن شروطها تطهير النوايا من الشرك كبيراً أو صغيراً ظاهراً أو خفياً، ومن أركانها إيثار الأتقياء بمحبتنا وولائنا وتعاوننا في الله معهم، مهما تباعدت الأرحام والأعراق والمصالح على غيرهم من أولي العرق أو القبيلة أو المصلحة.
إن دعوى التخلص من لوثة العرقية والتطهر من نتنها ليست شقشقة باللسان، أو استعراضاً متكلفاً مرائياً لنصوص لا أثر لها في السلوك، ولكنها تحتاج إلى دليل، ودليلها تصرفات المرء ومعاملاته، وأقواله وملامحه، وتصريحاته وتلميحاته، ولئن تكلف امرؤ خُلقاً ليس من أخلاقه، ونية ليست نيته فإن الله - تعالى- يقول: ((وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ))75.
http://www.islamicnews.net:المصدر
==============(1/27)
(1/28)
من ابن الراوندي إلى أبناء راند : الزندقة تجدد نفسها
أحمد بن عبد المحسن العساف
ahmassaf@yahoo.com
ابنُ الراوندي رمزٌ من رموزِ الإلحادِ والزندقةِ في تاريخنا الإسلامي، وهو أبو الحسن أحمدُ بنُ يحيى الراوندي نسبةً إلى قريةِ رَاوَند الواقعةِ بينَ أصفهانَ وكاشان في فارس، ولدَ عام 210 وتُوفي في الأربعين من عمره مخلِّفاً وراءَه أكثرَ من مئةِ كتابٍ طافحةٍ بالمخازي والافتراءاتِ التي تُبَيِّنُ خُروجَه عن دينِ الإسلام، وقد كانَ يهودياً ثمَّ دخلَ الإسلامَ وتنقَّلَ بينَ عدَّةِ مذاهبَ حتى ماتَ كافراً ملحداً والعياذُ باللهِ من سوءِ الختام.
وله تصانيفٌ كثيرةٌ في الحطِّ على الملَّةِ وتنقُّصِ النبواتِ والقرآنِ وكانَ يلازمُ الرافضةَ والملاحدةَ فإذا عُوتبَ قالَ: إنَّما أريدُ أنْ أعرفَ أقوالهَم. قالَ فيه ابنُ عقيل: عجبي كيفَ لم يقتلْ وقد صنَّفَ " الدامغ " يدمغُ به القرآنَ؛ و"الزمردة " يُزري فيه على النُبُوات! وقال ابنُ الجوزي في المنتظم: وقد نظرتُ في كتابِ "الزمرد" فوجدتُ فيه الهذيانَ البارد؛ وحتى المعرّي هاجمَ ابن الراوندي وسفَّهَ آرائه الساقطة.
وبلغتْ به الدناءةُ والخِسةُ أنْ ألَّفَ للشيعةِ كتاباً ضدَّ مذهبِ أهلِ السُّنة نظيرَ مبلغٍ زهيدٍ لا يتجاوزُ 33 ديناراً فقط؛ وألَّفَ لليهودِ كتابَ " البصيرة " يحتجُ لهم في إبطالِ نُبُوةِ سيِّدِ البشرِ- عليه الصلاة والسلام - مقابلَ 400 درهمٍ فقط وما أرخصَ نفسَه عليه! وعَمِلَ نسَّاخاً للكتبِ لكنَّه طُرِدَ من هذا العملِ وفشلَ فيه لأنَّه يضعُ زياداتٍ وإضافاتٍ من عندِه على أصولِ الكتب. وقد طلبَه السلطانُ بعد نشره أحدَ كتبه فاختفى عندَ ابن لاوي اليهودي حتى ماتَ طريداً مستخفياً بين اليهود! وسردَ ابنُ الجوزي بلاياه في عدَّةِ صفحات؛ وقال الذهبيُّ في ختامِ ترجَمته: لعنَ اللهُ الذكاءَ بلا إيمانٍ ورضيَ عن البلادةِ معَ التقوى؛ ونُقلَ عن أبي عليٍّ الجبائي المعتزلي قولَه: قرأتُ كتابَ هذا الملحدِ الجاهلِ السفيهِ ابن الراوندي فلم أجدْ فيه إلاَّ السفهَ، والكذبَ، والافتراء؛ وكانَ ذكياً غيرَ زكيٍّ كما وصفهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميِّة.
وبعد ألفٍ ومئتي عامٍ تقريباً من وفاةِ هذا الملحدِ الزنديق صدرَ تقريرُ "راند 2007 "* بعنوان: بناءُ شبكاتٍ مسلمةٍ معتدلة؛ و" راند "هو أكبرُ مركزٍ فكريٍّ في العالم ولهُ تأثيرٌ كبيرٌ على السياسةِ الأمريكيةِ خاصةً مع الحكومةِ الغازيةِ اليمينيةِ الحاليةِ؛ وللمركزِ فرعٌ عربيٌّ وحيدٌ في دولةِ (قطر)، ويعلنُ هذا المركزُ تحريضَه الصريحَ ضدَّ الإسلامِ وشعائرهِ وضدَّ بلدانٍ إسلاميةٍ على رأسها السعودية.
يوصي التقريرُ بتأييدِ التياراتِ العلمانية والليبرالية والعصرانية والصوفية في العالمِ الإسلامي لتتولى تغييرَ الإسلامِ وحربَ جميعِ التياراتِ الإسلاميِّةِ دونَ تمييزٍ بينَ حملةِ السلاحِ وحملةِ الأفكارِ أو بينَ المقاومةِ المشروعةِ وأعمالِ العنفِ، لتكتملَ بذلكَ حلقةُ الصراعِ ضدَّ الإسلامِ فكرياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، فهو تقريرٌ عدائيٌ ضدَّ الإسلامِ وكلِّ تيارٍ إسلاميٍّ بل وكلِّ مَنْ لا يُعادي الإسلامَ صراحة.
ويضعُ التقريرُ وصفاً للاعتدالِ بمفهومٍ ونكهةٍ أمريكيةٍ تتناسبُ مع المصالحِ الاستراتيجيةِ الأمريكيةِ على أنْ تُحاكمَ جميعُ أطيافِ العالمِ الإسلاميِّ إلى هذا المفهومِ من خلالِ اختبارٍ دقيقٍ لا يحتملُ غيرَ الكفرِ الصريحِ أو الثباتِ على الإسلام. وللمعتدلين حسبَ وجهةِ نظرِ "راند" مواصفاتٌ هي:
* قبولُ الديمقراطيةِ قبولاً كاملاً ورفضُ فكرةِ الدولةِ الإسلامية.
* القبولُ بالمصادرِ غيرِ المذهبيةِ لتشريعِ القوانين.
* احترامُ حقوقِ النساءِ والأقلياتِ الدينية. (مثل: حرية تغيير الدين؛ والإذن ببناء دور العبادة؛ وتولي مناصب سياسية عليا؛ والمساواة التامة بين الجنسين وفتح الباب على مصراعيه بلا حواجز للزنا والفجور)
* نبذُ الإرهابِ والعنفِ غيرِ المشروع.
كما يدعو التقريرُ إلى تفسيرِ الإسلام بما يتماشى مع القوانينِ الدولية وحقوقِ الإنسان وحقوق المرأة، وإلى حمايةِ المعتدلين- بالمفهوم الأمريكي- من الحكومات التسلطية ومن الإسلاميين، مع ضرورة السماح للمعتدلين بانتقادِ أمريكا لتحقيقِ قدرٍ من المصداقية والقبولِ الشعبي.
وينصحُ التقريرُ بتجاهلِ الدولِ في سبيلِ تحقيقِ هذه الاستراتيجية مما يعني الاعتداء على سيادةِ البلدان؛ وينبه " راند " أتباعه إلى استغلالِ التعليم والإعلامِ والعمل الإنساني الخيري لنشرِ مفاهيمِ الزندقةِ الجديدة تحت ستار الاعتدال وما أجملها من كلمة! كما يؤكدُ التقريرُ على أهميةِ حشدِ النصوصِ الشرعيِّةِ التي تؤيدُ مفاهيمَ الاعتدالِ الأمريكي ونشرِها بكلِّ وسيلةٍ بعيداً عن المسجد.
وقد قسَّمَ التقريرُ الأصنافَ التي يمكنُ التعاونُ معها إلى ثلاثِ طوائفَ هي:
• العلمانيون الليبراليون والأنظمةُ التي تُعادى الحكمَ الإسلاميَّ صراحةً مثلَ نظامِ مجرمي تونس وهذه تزكيةٌ "راندية" للملأِّ في تونس!
• العصرانيون بعد اجتيازهم اختبار الاعتدال.(1/29)
• التقليديون(الصوفية الشركية الوثنية).
كما حدَّدَ التقريرُ الأصنافَ التي يُمنعُ التعاونُ معها وهم:
* التياراتُ الإسلاميةُ مهما كانت رخاوتها وعقلانيتها!
* الأنظمةُ العلمانيةُ التسلطيةُ التي لا تُعادي الإسلامَ صراحة.
ونلاحظُ أنَّ ابنَ الراوندي ظهرَ في مركزِ العالمِ الإسلامي ولم يكنْ مؤيداً من دولةٍ كافرة وكانَ يخشى السلطانَ ويتنصَّلُ من بعضِ سوءاتهِ الفكريِّةِ إنْ خُوصمَ واتخذَ من الكتابةِ والتأليفِ والمناظرةِ سبيلاً لنشرِ ضلالاتِه التي عادى فيها أكثرَ الفرقِ والمذاهبِ المنتميةِ للإسلام. بينما أبناءُ "راند" لا يخافونَ من الحكوماتِ الإسلامية لأنَّهم يستندونَ إلى ركنٍ أمريكي شديد ويجاهرونَ بأفكارهم بلا خوفٍ أوتهيُّبٍ ويتخذونَ من الإعلامِ والتعليمِ والعملِ الخيري طرقاً لدعوتهم الكفريِّة محتجين بنصوصٍ شرعيِّةٍ على خلافِ دلالتها ويحرصون على البدءِ بأطرافِ العالمِ الإسلاميِّ قبل مركزه وهم كُثر- لا كثَّرهم الله- وليسوا رجالاً فقط بل رجالٌ ونساءٌ وأشباه.
وإنَّ هذا التقريرَ فرصةٌ للمسلمين جميعاً أفراداً وجماعاتٍ ودولاً:
فرصةٌ ليعودَ النَّاسُ لربِّ العالمين.
فرصةٌ ليبحثَ كلُّ مسلمٍ عن مكانه في ساحةِ الجهادِ الكبرى المتنوعةِ وعن الثغرةِ التي يحرسها.
فرصةٌ لتراجعَ التياراتُ الإسلاميةُ نفسَها في المناهجِ والبرامجِ والسياساتِ العامَّةِ فلم يعدْ مجرَّدُ التميعِ والتساهلِ وعباراتُ الرخاوةِ مقبولةً لدى أمريكا والغرب بلْ لا بدَّ من كفرٍ صراحٍ يعرفُه الناشئُ قبلَ المُكتهل.
فرصةٌ لتوحيدِ الجهودِ الإسلاميةِ وفقَ الكتابِ والسنةِ على فهمِ سلفنا الصالح.
فرصةٌ لتصالحَ الدولُ والحكوماتُ شعوبَها.
فرصةٌ لاقترابِ الدولِ والساسةِ من الصالحينَ والأخيار الذين يستحيل تواطؤهم مع الخارج على الخيانة.
فرصةٌ لتعيدَ الحكوماتُ النظرَ في تعاملها مع التياراتِ البِدعيِّةِ والشركيِّةِ واللادينية.
فرصةٌ لتوجيه رسالةٍ تربويةٍ لعامةِ شرائحِ المجتمع.
فرصةٌ لتعزيزِ الدعوة إلى الله في أطرافِ العالمِ الإسلامي.
فرصةٌ للعلماءِ أن يقودوا حملةَ المواجهةِ والمقاومة.
فرصةٌ لقراءةِ العدوِّ وفهمهِ من داخله وإشغاله بنفسه أو في البلدانِ التي احتلها.
فرصةٌ لقيام مراكز بحوثٍ ودراساتٍ غير ربحيةٍ تهتمُ باستراتيجياتِ الدعوةِ والتحصينِ والمقاومة.
فرصةٌ لتوبةِ مَنْ " تعلمن " أو " تلبرر " دونَ أنْ يتوقعَ هذا المستوى السحيقِ من الانحدارِ؛ أو لمن يبحثُ عن سبيلِ نجاةٍ وعودة ممن تورط بانتماء لاديني.
فرصةٌ للمزيدِ من البلاءِ الحسنِ حتى نلقى اللهَ ثابتين على الحقِّ الذي نعتقده.
فرصةٌ لتمايزِ الصفوفِ وفضحِ أعداءِ اللهِ الذين سيظهرون بلا حُجُب.
فرصةٌ للعنايةِ المضاعفةِ بالمرأةِ المسلمةِ والدفاعِ عنها من داخلِ عالمها فضلاً عن خارجه.
فرصةٌ لدعوةِ " الأقليات " للإسلامِ والسُنَّة.
وما أكثرُ الفرصِ لمن تأملَّ ونظرَ بعينِ بصيرته وهمومِ مستقبلِ أمته؛ فإنْ استجمعنا لهذه المنحِ قوانا وقدراتنا فثمَّ الرشادُ والنُجُح، وإنْ تركناها صارتْ غُصَصا مليئةًً بالويلاتِ والمحنِ؛ وعبادُ الرحمن أولى النَّاسِ بالحكمةِ في التفكيرِ والتصورِ وفي التخطيطِ المتقنِ والأداءِ المنضبط مستعينين بالله متوكلين عليه- سبحانه -.
* للمزيد حول هذا التقرير ينظر: استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام: قراءة في تقرير راند2007-د. باسم خفاجي/المركز العربي للدراسات الإنسانية- سلسلة رؤى معاصرة.
28 /5/ 1428
http://www.islamselect.com المصدر:
=============(1/30)
(1/31)
الدور الخفي للجامعات الأمريكية في العالم العربي
إبراهيم شاهين
صحفي بوكالة الأخبار الإسلامية - نبأ
نشر "تقرير واشنطن" في عدده رقم 102 بتاريخ 31/3/2007م في موقعه على الانترنت تقريراً حديثاً حول دور الجامعات الأمريكية في الدول العربية في نشر السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية مثل ما تسميه "الحرب على الإرهاب"، حرب الأفكار، ودور هذه الجامعات في تحسين وإعادة الاعتبار لصورة أمريكا التي تزداد سوءاً بين الشعوب الإسلامية على إثر حربها المعلنة ضد كل ما هو إسلامي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001م.
وتضمن هذا التقرير المعنون بـ"مهمة جديدة لجامعات أمريكا في العالم العربي" مؤشرات خطيرة جداً على الدور الحقيقي للجامعات الأمريكية في الدول العربية، يؤكد أنها لم تنشأ عبثاً، وأن مخططاً تم إعداده في دوائر السياسة الأمريكية منذ عشرات السنين للسيطرة على العقول العربية.
ولم يخف التقرير نتيجة هذا الاستثمار الأمريكي الناجح للدرجة التي تباهى فيها بانتساب غالبية القادة في العالم العربي حالياً للجامعات الأمريكية.
ودعا التقرير إلي مزيد من هذا الاستثمار في التعليم لدوره الكبير في تغيير الفكر السائد في العالم العربي بما يتوافق ووجهات النظر الأمريكية، حيث ذكر قول النائب الأمريكي السابق "لي هاملتون" رئيس لجنة الحادي عشر من سبتمبر في شهر يناير 2007م: "إن هذه الجامعات مراكز امتياز وتفوق في البلاد التي تقع فيها، معبراً عن دهشته من عدد الزعماء وقيادات المجتمع التي تخرجت من الجامعات الأمريكية في العالم العربي، مؤكداً أن الاستثمار الحقيقي لابد أن يكون في مثل هذه المؤسسات التعليمية، داعياً إلى دعمها وتقويتها".
وأشار التقرير إلى مشاركة رؤساء الجامعات الأمريكية في العالم العربي في لقاءات وندوات مشتركة بالعاصمة واشنطن للاتفاق والتنسيق حول كيفية تطوير دور هذه الجامعات لخدمة الأهداف الأمريكية، وكانت أهم هذه اللقاءات الفكرية والإعلامية مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ومساعدتها دينا باول، وندوة في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في محاولة للسيطرة على تنامي مشاعر العداء والكراهية للولايات المتحدة في معظم دول العالم وخاصة في العالم العربي عقب الاحتلال الأمريكي للعراق.
وفي الندوة المشار إليها "راهن رؤساء تلك الجامعات على أجيال الشباب من الخريجين من الجامعات الأمريكية الذين يعرفون ويقدرون "القيم والمبادئ الأمريكية"، حتى وإن اختلفوا مع بعض سياساتها، وأن هؤلاء هم الذين يمكنهم أن يبنوا جسور التواصل، ويبدأوا حواراً بناءً كممثلين لأوطانهم والولايات المتحدة، كما راهنوا على دور هذه المؤسسات بما تقدمه من مناهج وطرق تدريس، وبما تنتجه من بحوث ودراسات في تغيير التفكير السائد في العالم العربي"، وأهم هذه الجامعات والمؤسسات الأمريكية التي تتخذ من بلدان العالم العربي مقرات أو فروعاً لها:
1- الجامعة الأمريكية ببيروت AUB، وتأسست عام 1866م كمؤسسة تعليمية خاصة مستقلة تلتزم بمقاييس التعليم في ولاية نيويورك.
2- الجامعة الأمريكية في القاهرة AUC، وتأسست عام 1919م، كجامعة خاصة مستقلة.
3- الجامعة الأمريكية في الشارقة AUS، وتأسست عام 1997م بواسطة حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القسيمي كجامعة مستقلة خاصة تتبع معايير التعليم في الولايات المتحدة.
4- الجامعة اللبنانية الأمريكية LAU، وهي جامعة خاصة تعتمد معايير التعليم في ولاية نيويورك.
5- فروع الجامعات الأمريكية في قطر، حيث أنشأت خمس جامعات من كبرى الجامعات الأمريكية فروعاً لها في مدينة الدوحة ابتداء من عام 2005م، وهذه الجامعات هي كورنيل، وكارنيجي ملون، وجورجتاون، وتكساس أيه أند أم، وفرجينيا كومنولث.
6- بالإضافة إلى هذه الجامعات هناك مؤسسات تعليمية أمريكية تنتشر في العالم العربي مثل "الأيمديست" و"مؤسسة فولبرايت" التي تقدم منحاً سنوية للدراسة في الولايات المتحدة.
وبعد فإن أخطر ما في هذا التقرير أنه يكشف الهشاشة التي يعيش فيها المسلمون في العالم العربي، الذين تركوا عقولهم رهينة للاستثمار الأمريكي، وبنقودهم، حتى بات الأمريكيون يراهنون علي نجاح مخططاتهم إيماناً بأبنائهم من طلاب الجامعات الأمريكية على امتداد الدول العربية.
دعونا نكشف ستر الزيف الذي يعيشه عالمنا العربي بإرادته، فالجميع يتسابق للتفاخر بالانتساب إلى الجامعات الأمريكية وحتى باللبس الأمريكي، والأكل الأمريكي، والأفلام الأمريكية لدرجة التباهي بإتقان اللكنة الأمريكية في التخاطب بالإنجليزية.
فإذا كان المسلمون قد تناسوا أو فقدوا الذاكرة فيما يتعلق بمخططات الأمريكيين لهم فإن دماء أبنائهم في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال، والاستيلاء على أموالهم ونفطهم بدواعي مختلفة، والانحياز الدائم للعدو الصهيوني قد ينعش ذاكرتهم، ويدلهم على أية مواقف ينبغي أن يقفوها من كل ما هو أمريكي.
http://www.islamicnews.net:المصدر
===========(1/32)
(1/33)
الإسلام وتيارات العم سام
د. أحمد محمود السيد
ما زالت أمريكا (العم سام) تطرح الدين الإسلامي على نطاق البحث، تقوم بتقسيمه وتجزيئه، وتفريعه وتشريحه، وإعادة توصيفه وتجديده حتى يصل إلى الصورة التي توافق هواها فقط، بل يتعدى ذلك إلى تفكيكه وتذويبه، وتمييع قضاياه وأحكامه بتحويله إلى مسخ لا يعبر عن دين أو وحي، ولا يعبر حتى عن فلسفة أو فكر، وإنما يصبح شيئاً هلامياً لا يصلح لأي مواجهة مع المعسكر الغربي بعقيدته المسيحية واليهودية، فضلاً عن عجزه أمام المعسكر الشرقي بعقائده الأرضية كالبوذية والهندوسية.
لقد قسمت الإسلام إلى إسلام سياسي، وإسلام حضاري، وإسلام اجتماعي، وإسلام اقتصادي، وإسلام ثقافي، وإسلام شعبي، وإسلام رسمي (حكومي)، وإسلام شعائري، وإسلام فكري، وإسلام متطرف، وإسلام إرهابي، وإسلام إفريقي، وإسلام آسيوي، وإسلام أمريكي، وإسلام أوروبي، أما المسلمون فقد قسمتهم إلى أربعة تيارات:
1- تيار الجمود.
2- تيار التغريب.
3- تيار التجديد.
4- تيار الوسطية والاعتدال.
يستعين العم سام بمحترفي الكتابة، ومهندسي الكلام، وفلاسفة الجدل والحوار والتحوير من أبناء أمتنا الذين خدعتهم حضارة العدو أو قل خادعوا هم دينهم وأمتهم، حيث يجري الترويج للتيار الأخير باعتباره التيار المثالي الواجب اتباعه، والذي لا يتناقض مع الفكر الغربي، بل يؤكد على أنه موافق لمصلحة الإسلام والمسلمين، ولأنهم يعلمون - بينهم وبين أنفسهم - أن الإسلام كل لا يتجزأ، وأنه يؤخذ كله حزمة واحدة؛ لأنه يمثل منظومة متكاملة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والدينية، أو قل إن صبغة الله وصبغة الإسلام تغلف هذه المجالات جميعها على اعتبار أنها تندرج تحت إطار التعبد لله - سبحانه وتعالى -، وإسلام الوجه لله في كل مناحي الحياة الدنيوية والأخروية، حينما علموا هذه الحقيقية أرادوا تفتيت تلك النظرة الشاملة، وبعثرة حقيقته، وتفريق أتباعه، ومحاربة كل قسم على حدة فضلاً عن بلبلة أفكار المسلمين، وتذويب هويتهم، وتشتيت تصوراتهم، وتضليلهم، واستعداء بعضهم على بعض في ضوء الِفَرَق التي قسموها للإسلام.
يكتب أحد هؤلاء "الدعاة" مبشراً بتيار (الوسطية والاعتدال) ومعبرا عن كيفية تسيده وإنقاذه للمسلمين في عالم اليوم بعد ما يستعرض بقية التيارات ( الجمود - التغريب التجديد - ورابعهم الوسطية والاعتدال)، فيرفض التيارين الأولين: الجمود باعتباره - على حد قوله - يتعبد بوقائع التاريخ، ويقصد به الاتجاه السلفي الذي يتبع كل ما جاء عن السلف الصالح والتابعين في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، وتيار التغريب الذي يستبعد النموذج الإسلامي بالكامل، ويستبدله بالنموذج الغربي بالكامل، أما تيار التجديد فهو يؤيده إذا كان مرتبطاً بتيار الوسطية والاعتدال يعني تجديد في إطار "الوسطية" و"الاعتدال" كما وصفها العم سام.
ما هي سماتها التي يبشر بها هذا الكاتب؟
- الموازنة بين التكليف والاستطاعة في مجال العبادات: ويخرج من هذه الموازنة بما يسمح للمسلمين بإلغاء التكليف في حالة عدم الاستطاعة، أو حتى في حالة الاستطاعة مع احتمال تحقق المشقة مستقبلاً.
- التأليف بين الدولة والمواطن والمواطنة (في ضوء النظام السياسي الغربي).
- التأليف بين العقل والنقل: وذلك من خلال إعطاء الحرية للعقل للاختيار والتأويل بين مختلف النصوص بما يتفق مع واقع المسلمين ومصالحهم.
- المقاربة بين الاجتهاد والتقليد: في ضوء فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ليغطي مسائل الحياة المعاصرة، مع الانطلاق من بعض الثوابت التي يتم فيها التقليد.
- تقديم المصلحة لتتوافق مع الأصول الإسلامية يقول: "الوسطية والاعتدال الإسلامي فكر تهيمن عليه المصلحة وتجعلها هدفاً، وتجعل رؤية المسلمين لواقعهم (تشريعاً) (ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن)".
- رفض الغلو والتطرف في أمور الدين دون إفراط أو تفريط، والانطلاق من كل ما هو سهل، وميسور، ومخفف.
- النظر إلى الدنيا نظرة تقدير وتفخيم، واستبعاد نظرة الازدراء والاحتقار، والتعامل معها في درجة وسط بينها وبين النظر للآخرة.
- "الوسطية الإسلامية وسطية جامعة تجمع وتؤلف بين ما يمكن جمعه وتأليفه كنسق غير متنافر وغير ملفق من السمات والقسمات، والمكونات الموجودة في القطبين النقيضين كليهما".
- وسطية الحضارة الإسلامية تتمثل في تأليفها بين المتقابلات المختلفة كالروح والجسد، والدنيا والآخرة، والمادية والمثالية، والدين والعلم، والعقل والنقل، فضلاً عن قدرتها على استيعاب وقبول الحضارات الأخرى، والتفاعل معها وخاصة الحضارة الغربية.(1/34)
النموذج الوسطي نموذج معرفي لدى تيار التجديد الإسلامي، يرفض الصوفية التي تفنى في الله، ويرفض المادية التي تجعل الإنسان محور الكون الوحيد، وتقدم للإنسانية مذهب الاعتدال بين الاثنين، حيث تربط الوسائل بالغايات، وتقيم الصلات بين العمران والإيمان، وتؤسس علاقة ودية بين الإنسان والطبيعة، إنها الحضارة العمرانية المتدينة التي تأخذ من الحضارات وتعطي بلا حساسية أو شعور بالدونية، حيث تؤسس التمدن الإسلامي القائم على احترام الحضارات الأخرى والأخذ منها بلا حرج.
وهكذا ينسج هذا الكاتب بين المقولات المادية للفكر الغربي الأمريكي وبين مجموعة من الآيات والأحاديث يلوي عنقها لياً لتعبر عن تيار الوسطية والاعتدال التي أرادتها أمريكا عنواناً لإسلام الغد المُعَدَل في كلمة حق أريد بها باطل، فالوسطية هي هذا الدين الإسلامي بكل ما يحمل من عقيدة وعبادة، وأحكام ونظرة للدنيا والآخرة، فمقدار الخيرية في هذه الأمة وهذا الدين ليس المصلحة بفلسفة (الغاية تبرر الوسيلة)، ولا سيادة العقل كما يَدَعِي الكاتب، إنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله ((كنتم خبر أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)).
http://www.islamicnews.net:المصدر
==============(1/35)
(1/36)
الإسلام الليبرالي: لماذا تريده أمريكا الآن؟
محمد إبراهيم مبروك
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وتأهب أمريكا للسيطرة الكاملة على العالم؛ رأى منظروها أن العقبة الأساسية التي تعترض هذه الخطة هي الإسلام، لأنه يملك الأيديولوجية الوحيدة التي تستطيع أن تتصدى للمنظومة الرأسمالية الليبرالية البراجماتية التي تقود أمريكا.
وعندما أقول منظرو أمريكا فأنا لا أقصد ما اعتادت وسائل الإعلام ترديده من أن النظرة العدائية قد تصاعدت بوجه عام مع مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة من أمثال "ريتشارد بيرل" و"بول وولفويتز" مع الرئيس بوش، ولكني أقصد المنظرين الكبار الذين يرسمون السياسات الأمريكية أياً كان القائمون على السلطة؛ جمهوريون أم ديمقراطيون، خصوصاً الثلاثة الكبار هنتجتون، وفوكوياما، وبرنارد لويس؛ فهؤلاء الثلاثة تحدثوا بلا مواربة بأن مشكلة أمريكا هي مع الإسلام نفسه وليست فقط مع الجماعات المنطلقة منه، أو على حد قول هنتجتون في كتابه (صدام الحضارات): "أن المشكلة لا تتعلق فقط بالإسلاميين الأصوليين، وإنما بالإسلام نفسه".
ويحدد فوكوياما هذه المشكلة في تصادم الإسلام مع مبدأ العلمانية الذي تحتم فرضه السيطرة العالمية للنظام الرأسمالي، وذلك لتفريغ المجتمعات من القيم الخاصة بها، وهو الأمر الذي يتطلبه هذا النظام لتصبح قيم السوق النفعية هي القيم الوحيدة الحاكمة.
ومن ثم تمثل الحل الأمريكي إما في القوة العسكرية، وإما في تأويل الإسلام بالطريقة التي تفرغه من مضمونه الذي يتناقض مع العلمانية، فالعلمانية في فحواها الأخير هي الاقتصار على العقل البشري وخبراته في تصور حقائق الوجود، وتصريف شئون الحياة، وهو الأمر الذي يعني التصادم الحتمي مع الإسلام، حيث أن مرجعيته في النصوص المقدسة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ، والذي يقول قرآنه: ((ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))، ويقول أيضاً: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)).
ومن ثم لزم تفريغ الإسلام من قواعده الأساسية ليتوافق مع هذه العلمانية تحت مسمى الإسلام الليبرالي، فالإسلام الليبرالي هو الإسلام المفتوح للتوافق مع كل المفاهيم والقيم الغربية، أي الإسلام المتوافق مع العلمانية والديمقراطية والعلاقات التحررية بين الرجل والمرأة، وقواعد حقوق الإنسان الغربية والمصالح الأمريكية النفعية، والذي يمكن أن يتوافق مع كل شيء في الوجود إلا مع حقائق الإسلام نفسه.
ولقد كانت الخطوات الأمريكية متقدمة في هذا الموضوع، فقد أعلن عالم السياسة الأمريكي ليونارد بياندر نظريته عن الإسلام الليبرالي في كتابة (الليبرالية الإسلامية) عام 1988م والتي ذهب فيها إلى أنه: "بغير تيار الليبرالية الإسلامية فإن الليبرالية السياسية لن تنجح في الشرق الأوسط".
ثم جاء عالم السياسة الأمريكي وليم بايكر عام 2003م ليكتب عن الإسلاميين المستقلين الليبراليين تحت عنوان ذي مغزى هو (إسلام بلا خوف)، أما التنظير الأكبر في هذا الموضوع فيتمثل في التقرير الاستراتيجي لشيرلي برنار العامل بلجنة الأمن القومي بمؤسسة راند المعروفة بصلاتها بالمخابرات الأمريكية عن الإسلام المدني الديمقراطي عام 2003م.
وهي تقسم الاتجاهات الأساسية في العالم الإسلامي إلى أربع فرق: الأصوليون، والتقليديون، والعلمانيون، والحداثيون، وتقسم اتجاه الأصوليين إلى أصوليين تقليديين وتضرب لهم مثلاً بالوهابيين في السعودية، وأصوليين راديكاليين (متطرفين) وتمثلهم الجماعات الجهادية المختلفة.
أما التقليديون فتقسمهم إلى تقليديين محافظين وهم الأكثر تعاوناً مع مؤسسات الدولة، والقيم التقليدية للمجتمع، وتقليديين إصلاحيين وهم الأكثر استعداداً للتنازل عن التطبيق الحرفي للنصوص حفاظاً على روح الشريعة، وهي ترى أن العلمانيين يعتقدون أن الدين ينبغي أن يكون مسألة خاصة منفصلة عن السياسة والدولة، وأن التحدي الرئيسي يكمن في منع التعدي في أي من الاتجاهين، وتضرب المثل في ذلك بالنموذج الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك) في تركيا.
أما الحداثيون وهم الذين تعول عليهم الجانب الأكبر في تنفيذ خطتها فهي تصفهم بأنهم الذين يسعون بنشاط إلى إدخال تنقيات هائلة في الفهم التقليدي للإسلام، فهم يؤمنون بتاريخية الإسلام (أي أن الإسلام الذي كان يمارس في عهد الرسول لا يعكس حقائق ثابتة، وأن ذلك يتعلق بالظروف التاريخية التي كانت ملائمة لذلك العصر، ولكنها لم تعد صالحة اليوم)، أما لماذا يتم التعويل على هؤلاء الحداثيين بالذات فإن ذلك يرجع في الحقيقة لامتلاكهم القدرة الأكبر على التزييف والتضليل فهم بعكس العلمانيين التقليديين علمانيون متلونون، يصرون على الاحتفاظ بالأطر والشعارات الإسلامية الشكلية، الأمر الذي يمنحهم القدرة الأكبر على تدليس المفاهيم بالنسبة للجماهير الإسلامية التي تم تسطيحها بفعل أجهزة الإعلام المعولمة المسيطرة.(1/37)
أما المضمون الداخلي لأفكارهم فهو مضمون علماني تماماً، يجعل المرجعية النهائية لكل التصورات والمفاهيم والقيم والسلوك للعقل والمصلحة فقط لا غير، ومسألة تاريخانية النصوص هذه لا يقصد منها سوى نزع القداسة عن النصوص ومن ثم فقدانها الثبات الحافظ لقواعد الدين، وبذلك يسهل تفكيكه، وإعادة تشكيله بحسب المخططات العلمانية، ويوجه هؤلاء كل جهودهم الفكرية في تأويل الآيات والنصوص لتتفق مع هذه المعايير.
ومن الواضح هنا أن الخطة لم تعمل على صناعة هؤلاء الحداثيين من العدم، ولكنها على علم بكل هؤلاء الذين يحملون هذا العوار، ومن ثم فإن غاية الخطة هي العمل على دعمهم، وعلى هذا فقد كانت مقترحات "شيرلي برنار" في دعم هؤلاء الحداثيين أولاً، وكون ذلك بالتزام المخطط التالي:
• نشر وتوزيع أعمالهم في شرح وطرح الإسلام بتكلفة مدعمة.
• تشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب.
• تقديم آراءهم في مناهج التربية الإسلامية المدرسية.
• إعطاؤهم مناصب شعبية للتواصل مع الجماهير.
• جعل آراءهم وأحكامهم التأويلية للقضايا الدينية الكبرى متاحة للجماهير على مستوى الفضائيات والإنترنت.
• وضع العلمانية والحداثة كخيار مضاد لثقافة الشباب الإسلامي التي يجب وصمها بثقافة العنف.
• تيسير وتشجيع الوعي بالتاريخ والثقافة قبل عهود الإسلام في وسائل الإعلام ومناهج الدراسة.
• تنمية المنظمات المدنية المستقلة لتدعيم الثقافة المدنية.
ومن السذاجة اعتقاد أن المخططات الأمريكية على قناعة بقدرة هؤلاء على إيجاد بديل للفكر الإسلامي الحقيقي متمثلاً في الإسلام الليبرالي، وإنما المقصود فقط هو صنع الخلخلة اللازمة لنفاذ الفكر العلماني البراجماتي الأمريكي إلى الجماهير، ومن ثم فإن شخصيات الإسلام الليبرالي والتي كان يطلق عليها من قبل شخصيات الفكر الإسلامي المستنير تستخدم من قبل المخططات الأمريكية كخيال مآته، يمكن الإشارة إليه على تعدد الآراء في الإسلام، ومن ثم إثارة البلبلة والفوضى التي يبنى عليها العلمانيون حجتهم في شرعية فرض أفكارهم برضى جميع الأطراف، وإن كان في الحقيقة ضد جميع الأطراف.
وإن كان هذا هو المقصود أي الاستفادة من الحداثيين في إطار الخطط الأمريكية لنشر الإسلام الليبرالي فهل يعني ذلك أن تلك الخطط ستترك باقي الفرق الأخرى دون استفادة؟ هذا ما سوف نناقشه في مقال قادم - بإذن الله -.
http://www.islamicnews.net:المصدر
=============(1/38)
(1/39)
الإسلام الليبرالي: لماذا تريده أمريكا الآن؟
محمد إبراهيم مبروك
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وتأهب أمريكا للسيطرة الكاملة على العالم؛ رأى منظروها أن العقبة الأساسية التي تعترض هذه الخطة هي الإسلام، لأنه يملك الأيديولوجية الوحيدة التي تستطيع أن تتصدى للمنظومة الرأسمالية الليبرالية البراجماتية التي تقود أمريكا.
وعندما أقول منظرو أمريكا فأنا لا أقصد ما اعتادت وسائل الإعلام ترديده من أن النظرة العدائية قد تصاعدت بوجه عام مع مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة من أمثال "ريتشارد بيرل" و"بول وولفويتز" مع الرئيس بوش، ولكني أقصد المنظرين الكبار الذين يرسمون السياسات الأمريكية أياً كان القائمون على السلطة؛ جمهوريون أم ديمقراطيون، خصوصاً الثلاثة الكبار هنتجتون، وفوكوياما، وبرنارد لويس؛ فهؤلاء الثلاثة تحدثوا بلا مواربة بأن مشكلة أمريكا هي مع الإسلام نفسه وليست فقط مع الجماعات المنطلقة منه، أو على حد قول هنتجتون في كتابه (صدام الحضارات): "أن المشكلة لا تتعلق فقط بالإسلاميين الأصوليين، وإنما بالإسلام نفسه".
ويحدد فوكوياما هذه المشكلة في تصادم الإسلام مع مبدأ العلمانية الذي تحتم فرضه السيطرة العالمية للنظام الرأسمالي، وذلك لتفريغ المجتمعات من القيم الخاصة بها، وهو الأمر الذي يتطلبه هذا النظام لتصبح قيم السوق النفعية هي القيم الوحيدة الحاكمة.
ومن ثم تمثل الحل الأمريكي إما في القوة العسكرية، وإما في تأويل الإسلام بالطريقة التي تفرغه من مضمونه الذي يتناقض مع العلمانية، فالعلمانية في فحواها الأخير هي الاقتصار على العقل البشري وخبراته في تصور حقائق الوجود، وتصريف شئون الحياة، وهو الأمر الذي يعني التصادم الحتمي مع الإسلام، حيث أن مرجعيته في النصوص المقدسة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ، والذي يقول قرآنه: ((ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))، ويقول أيضاً: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)).
ومن ثم لزم تفريغ الإسلام من قواعده الأساسية ليتوافق مع هذه العلمانية تحت مسمى الإسلام الليبرالي، فالإسلام الليبرالي هو الإسلام المفتوح للتوافق مع كل المفاهيم والقيم الغربية، أي الإسلام المتوافق مع العلمانية والديمقراطية والعلاقات التحررية بين الرجل والمرأة، وقواعد حقوق الإنسان الغربية والمصالح الأمريكية النفعية، والذي يمكن أن يتوافق مع كل شيء في الوجود إلا مع حقائق الإسلام نفسه.
ولقد كانت الخطوات الأمريكية متقدمة في هذا الموضوع، فقد أعلن عالم السياسة الأمريكي ليونارد بياندر نظريته عن الإسلام الليبرالي في كتابة (الليبرالية الإسلامية) عام 1988م والتي ذهب فيها إلى أنه: "بغير تيار الليبرالية الإسلامية فإن الليبرالية السياسية لن تنجح في الشرق الأوسط".
ثم جاء عالم السياسة الأمريكي وليم بايكر عام 2003م ليكتب عن الإسلاميين المستقلين الليبراليين تحت عنوان ذي مغزى هو (إسلام بلا خوف)، أما التنظير الأكبر في هذا الموضوع فيتمثل في التقرير الاستراتيجي لشيرلي برنار العامل بلجنة الأمن القومي بمؤسسة راند المعروفة بصلاتها بالمخابرات الأمريكية عن الإسلام المدني الديمقراطي عام 2003م.
وهي تقسم الاتجاهات الأساسية في العالم الإسلامي إلى أربع فرق: الأصوليون، والتقليديون، والعلمانيون، والحداثيون، وتقسم اتجاه الأصوليين إلى أصوليين تقليديين وتضرب لهم مثلاً بالوهابيين في السعودية، وأصوليين راديكاليين (متطرفين) وتمثلهم الجماعات الجهادية المختلفة.
أما التقليديون فتقسمهم إلى تقليديين محافظين وهم الأكثر تعاوناً مع مؤسسات الدولة، والقيم التقليدية للمجتمع، وتقليديين إصلاحيين وهم الأكثر استعداداً للتنازل عن التطبيق الحرفي للنصوص حفاظاً على روح الشريعة، وهي ترى أن العلمانيين يعتقدون أن الدين ينبغي أن يكون مسألة خاصة منفصلة عن السياسة والدولة، وأن التحدي الرئيسي يكمن في منع التعدي في أي من الاتجاهين، وتضرب المثل في ذلك بالنموذج الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك) في تركيا.
أما الحداثيون وهم الذين تعول عليهم الجانب الأكبر في تنفيذ خطتها فهي تصفهم بأنهم الذين يسعون بنشاط إلى إدخال تنقيات هائلة في الفهم التقليدي للإسلام، فهم يؤمنون بتاريخية الإسلام (أي أن الإسلام الذي كان يمارس في عهد الرسول لا يعكس حقائق ثابتة، وأن ذلك يتعلق بالظروف التاريخية التي كانت ملائمة لذلك العصر، ولكنها لم تعد صالحة اليوم)، أما لماذا يتم التعويل على هؤلاء الحداثيين بالذات فإن ذلك يرجع في الحقيقة لامتلاكهم القدرة الأكبر على التزييف والتضليل فهم بعكس العلمانيين التقليديين علمانيون متلونون، يصرون على الاحتفاظ بالأطر والشعارات الإسلامية الشكلية، الأمر الذي يمنحهم القدرة الأكبر على تدليس المفاهيم بالنسبة للجماهير الإسلامية التي تم تسطيحها بفعل أجهزة الإعلام المعولمة المسيطرة.(1/40)
أما المضمون الداخلي لأفكارهم فهو مضمون علماني تماماً، يجعل المرجعية النهائية لكل التصورات والمفاهيم والقيم والسلوك للعقل والمصلحة فقط لا غير، ومسألة تاريخانية النصوص هذه لا يقصد منها سوى نزع القداسة عن النصوص ومن ثم فقدانها الثبات الحافظ لقواعد الدين، وبذلك يسهل تفكيكه، وإعادة تشكيله بحسب المخططات العلمانية، ويوجه هؤلاء كل جهودهم الفكرية في تأويل الآيات والنصوص لتتفق مع هذه المعايير.
ومن الواضح هنا أن الخطة لم تعمل على صناعة هؤلاء الحداثيين من العدم، ولكنها على علم بكل هؤلاء الذين يحملون هذا العوار، ومن ثم فإن غاية الخطة هي العمل على دعمهم، وعلى هذا فقد كانت مقترحات "شيرلي برنار" في دعم هؤلاء الحداثيين أولاً، وكون ذلك بالتزام المخطط التالي:
• نشر وتوزيع أعمالهم في شرح وطرح الإسلام بتكلفة مدعمة.
• تشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب.
• تقديم آراءهم في مناهج التربية الإسلامية المدرسية.
• إعطاؤهم مناصب شعبية للتواصل مع الجماهير.
• جعل آراءهم وأحكامهم التأويلية للقضايا الدينية الكبرى متاحة للجماهير على مستوى الفضائيات والإنترنت.
• وضع العلمانية والحداثة كخيار مضاد لثقافة الشباب الإسلامي التي يجب وصمها بثقافة العنف.
• تيسير وتشجيع الوعي بالتاريخ والثقافة قبل عهود الإسلام في وسائل الإعلام ومناهج الدراسة.
• تنمية المنظمات المدنية المستقلة لتدعيم الثقافة المدنية.
ومن السذاجة اعتقاد أن المخططات الأمريكية على قناعة بقدرة هؤلاء على إيجاد بديل للفكر الإسلامي الحقيقي متمثلاً في الإسلام الليبرالي، وإنما المقصود فقط هو صنع الخلخلة اللازمة لنفاذ الفكر العلماني البراجماتي الأمريكي إلى الجماهير، ومن ثم فإن شخصيات الإسلام الليبرالي والتي كان يطلق عليها من قبل شخصيات الفكر الإسلامي المستنير تستخدم من قبل المخططات الأمريكية كخيال مآته، يمكن الإشارة إليه على تعدد الآراء في الإسلام، ومن ثم إثارة البلبلة والفوضى التي يبنى عليها العلمانيون حجتهم في شرعية فرض أفكارهم برضى جميع الأطراف، وإن كان في الحقيقة ضد جميع الأطراف.
وإن كان هذا هو المقصود أي الاستفادة من الحداثيين في إطار الخطط الأمريكية لنشر الإسلام الليبرالي فهل يعني ذلك أن تلك الخطط ستترك باقي الفرق الأخرى دون استفادة؟ هذا ما سوف نناقشه في مقال قادم - بإذن الله -.
http://www.islamicnews.net:المصدر
=============(1/41)
(1/42)
كاميليا حلمي:الغرب يسعى لتدمير الأسرة المسلمة
حوار: علي عليوه
16/3/1428هـ الموافق له 04/04/2007م
حذرت كاميليا حلمي - المدير التنفيذي للجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، ومنسقة ائتلاف المنظمات الإسلامية - من المخططات الغربية الرامية إلى تدمير الأسرة العربية والمسلمة في إطار سعي الغرب للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي.
تلك الهيمنة التي بدأت باحتلال فلسطين ثم العراق وأفغانستان؛ لأنه يدرك أن الأسرة هي خط الدفاع القوي أمام تلك المخططات، فهي التي تربي الأجيال على تعاليم الإسلام، وحب الوطن، والاستشهاد في سبيل الله.
وأوضحت كاميليا حلمي في حوارها مع شبكة (الإسلام اليوم) أن المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والطفل تتضمن بنوداً تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهي تعكس منظومة أنثوية متطرفة يُراد فرضها على العالم، لافتة النظر إلى أن المظالم التي تعاني منها بعض النساء في المجتمعات الإسلامية، ويستغلها العلمانيون في الطعن على الإسلام ترجع إلى الفهم الخاطئ لدى عدد من الرجال في بلادنا الإسلامية لمفهوم "القوامة"، وإليكم تفاصيل الحوار:
* ما هي مخاطر المواثيق المتعلقة بالمرأة والطفل التي تصدرها الأمم المتحدة على الأسرة العربية والمسلمة؟
هذه الاتفاقيات أو المواثيق التي تصدرها الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمرأة والطفل تتضمن بنوداً تتصادم مع الشريعة الإسلامية، وقد تحفظت على تلك البنود الوفود الإسلامية الحكومية؛ لخطورتها على تماسك الأسرة، ولكن لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة تسعي جاهدة؛ لإلغاء هذه التحفظات في محاولة لفرض رؤيتها النسوية على البلدان العربية والإسلامية.
الخطورة في تلك المواثيق أنها بمجرد التصديق عليها من جانب الدول الأعضاء بالأمم المتحدة تصبح مباشرة جزءاً من منظومة القوانيين المحلية، ومعروف أن تغيير هذه المنظومة يحدث تغييرات في الإدراك العام، والوعي المجتمعي بما يقضي على ما تعارف عليه المسلمون من قيم وتقاليد، وإحلال قيم ثقافية وعرف اجتماعي ذي نزعة غربية تتناقض مع الدين، ومنظومة الثقافة العربية والإسلامية، ومع مرور الوقت تنشأ أجيال من الشباب المسلم وقد تم تغريبها وسلخها عن هويتها المسلمة.
تهديد بقطع المساعدات:
* ما هي الوسائل التي تلجأ إليها لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة لإجبار الوفود الرسمية على سحب تحفظاتهم على البنود التي تتصادم مع الشريعة الإسلامية؟
اللجنة تلجأ لعدد من الوسائل منها: التلويح بسلاح المساعدات الاقتصادية، وهذا السلاح فعّال مع الدول الفقيرة، واستخدام المصطلحات بشكل ملتوٍ بإعطاء معنى معين للمصطلح باللغة الإنجليزية، ومعنى مخالف له باللغة العربية، وقد وقعت الوفود العربية الرسمية في الفخ؛ فقد أعطى بعضهم موافقته على المعنى العربي لمصطلح (الجندر) في حين أن المصطلح بالإنجليزية له معنى مختلف تماماً.
وهذا المصطلح (الجندر) يمثل حجر الزاوية في كل المواثيق وفي أغلب البنود، ويعني في الإنجليزية (النوع الاجتماعي) أي: الرجل والمرأة والمثليين، أما في الترجمة العربية للكلمة فمعناها الرجل والمرأة فقط، كما أنهم طرحوا المصطلح أمام الوفود العربية وغيرها بأن معناه المساواة بين الرجل والمرأة وأخفوا المعنى الحقيقي له.
والخطورة في هذا المصطلح، والتي لم تفطن إليها الوفود العربية الحكومية أن الترجمة الإنجليزية له تفتح الباب واسعاً لتقنين الشذوذ، بل والسماح بالزواج بين المثليين في إطار ما تسميه هذه الوثائق بالأسرة غير النمطية المكونة من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة، بل السعي لتضمين ذلك في صلب هذه المواثيق باعتباره من حقوق الإنسان.
* ما هي توجهات أعضاء لجنة مركز المرأة؟ وكيف استطاعوا الهيمنة عليها وبالتالي فرض تلك التوجهات على المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة وعلى وفود الدول الأعضاء؟
عدد كبير من أعضاء تلك اللجنة من أصحاب التوجه الأنثوي، كما أنهن موجودات في أجهزة وإدارات أخرى في الأمم المتحدة، وصاحبات هذا التوجه يرفعن شعار لا للحياة الزوجية، ولا للأمومة، ولا للرجل نفسه، ويروجن لمقولة: إن الزواج سجن، والأمومة عبودية للمرأة، وأحد العوائق لتوليها المناصب القيادية، ويروّجن للعلاقات الجنسية الشاذة.
والأنثويات يتبنين أجندة الجندر، ويتمحورن حول أنفسهن، ويرين أن الأنثى هي الأصل، وأنهن لسن في حاجة إلى الرجل، وأن العلاقة الزوجية اغتصاب للمرأة، وأن عمل البنت في بيت أسرتها - الذي هو نوع من التدريب؛ يفيدها في حياتها المستقبلية - يعتبرنه نوعاً من العمل غير مدفوع الأجر، ويطالبن بتجريمه، وحث منظمة العمل الدولية على اتخاذ نفس الموقف.
وللأسف الذين وضعوا هذه العناصر الأنثوية في أماكنهم الحساسة داخل الأمم المتحدة هم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين زرعوهم لخدمة أهداف ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأهمها الرغبة في الهيمنة على العالم.
الهيمنة على العالم الإسلامي:
* ولكن لماذا تركز لجنة مركز المرأة على المرأة والطفل تحديداً؟(1/43)
الهدف هو تدمير الأسرة العربية والمسلمة؛ لأن من يخططون للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي، ونهب ثرواته تلك الهيمنة التي بدأت باحتلال فلسطين ثم العراق وأفغانستان والبقية تأتي؛ يعلمون أن الأسرة هي خط الدفاع الأخير أمام مخططاتهم، فهي التي تربي الأبناء على القيم، وعلى حب الوطن، والاستشهاد في سبيل الله، وهم يريدون جيلاً منهزماً منسلخاً عن عقيدته وهويته، وينتمي ثقافياً إلى منظومتهم وهويتهم، ويرحب بهم إذا جاؤوا لاحتلال وطنه بدلاً من أن يضحي بنفسه لمنع هذا الاحتلال.
* ما هي أهم الفروق بين الرؤية الإسلامية والغربية حول العلاقة بين الرجل والمرأة وحقوق المرأة؟
نظرة الإسلام حول العلاقة بين الرجل والمرأة تختلف جذرياً مع الرؤية الغربية؛ فالنظرة الغربية ترى تلك العلاقة تصارعية، في حين أنها في الإسلام علاقة تكاملية، والإسلام يعتبر الرجال والنساء متساوين في التكاليف الشرعية والكرامة الإنسانية، والثواب والعقاب، مع مراعاة اختلاف الأدوار لاختلاف الخصائص الفسيولوجية والسيكولوجية والبيولوجية، لكنهم غير متطابقين.
والرؤية الغربية والمواثيق الدولية التي تعكس في الغالب وجهة نظر الغرب تربط ربطاً مغلوطاً بين تعاليم الدين الإسلامي وبين ما تعانيه بعض النساء من ظلم وهدر حقوقهن؛ لذلك نحن نطالب هيئة الأمم المتحدة باحترام التعددية الدينية والثقافية لشعوب العالم إن أرادت لجهودها المبذولة النجاح، وكذلك دعم حق تلك الشعوب في التمسك بثقافاتها وقيمها، والتوقف عن محاولات فرض الأجندة والرؤية الغربية على دول العالم.
الفهم الخاطئ للقوامة:
* ولكن من أين تأتي تلك المظالم التي تتعرض لها بعض المسلمات وتُتخذ سبباً من جانب النسويات الغربيات وكذلك العلمانيات في العالم العربي للطعن في تعاليم الإسلام؟
هذه المظالم ترجع إلى الفهم الخاطئ لدى بعض الرجال لمفهوم "القوامة"؛ فيسيء للمرأة، ويتسلط عليها، وينسى أن تلك القوامة تعني الرعاية للزوجة، والإنفاق عليها وحمايتها، وأن يشاورها في أمور الأسرة والأولاد، فالله - سبحانه وتعالى - جعل من صفات المؤمنين أن أمرهم شورى بينهم، والرسولل صلى الله عليه وسلم كان يشاور زوجاته، ويساعدهن في أعمال البيت، ولم يضرب امرأة قط، وكان دائم الحث على الرفق بالنساء، والإحسان إليهن.
وعلى الجانب الآخر فإن غياب مفهوم "حسن التبعل" للزوج - الذي يعدل الجهاد في سبيل الله - لدى بعض الزوجات يُعدّ من أسباب عدم التوافق بين الزوجين، وقد يدفع الرجل للإساءة إلى زوجته، إلى جانب غياب مفهوم المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها زوجها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله، والرجل هو قائد البيت في إطار الرعاية والشورى.
والغرب بمواثيقه التي تصدر عن الأمم المتحدة يستهدف إلغاء قوامة الرجل التي تحمله أعباء إضافية داخل الأسرة، ويشجع المرأة للتمرد على هذه القوامة بحجة المساواة بين الرجل والمرأة، حتى يصبح لمؤسسة الأسرة رئيسان، والمثل الشعبي يقول: (المركب التي لها رئيسان تغرق).
* ولكنّ العلمانيين في العالم العربي والإسلامي والنسويات الغربيات يقولون: إن الإسلام يميز بين الرجل والمرأة في الميراث ولا يساوي بينهما؟
الشريعة الإسلامية قررت حق المرأة في الميراث، وذلك بعد أن كانت غير ذات حق في الميراث، فأصبحت ترث أباها وأخاها، وابنها وزوجها بضوابط حددها الشرع. وتقسيم الميراث بين الرجل والمرأة في الإسلام لا يقوم على الجنس، ولا على نقصان إنسانية المرأة بالنسبة للرجل؛ لأن الإسلام ساوى في بعض الحالات بينهما، كما في الإرث بين الأخت والأخ لأم في حالة الكلالة يقول القرآن الكريم: ((وإن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ولَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ))(النساء:الآية 12).
كذلك نجد في الشريعة الإسلامية أربعاً وعشرين حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، فالبنت ترث في بعض الأحيان أكثر من الأب، وقد ترث أكثر من الأم - وكلاهما أنثى -، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن أحكام المواريث في الإسلام لا تحكمها معايير الذكورة ولا الأنوثة، ولكن يحكمها عدد من المعايير:
أول هذه المعايير: أن الجيل الجديد يرث أكثر من الجيل القديم.
والمعيار الثاني: هو درجة القرابة.
أما المعيار الثالث: فهو الأعباء المالية؛ لأن الفطرة أن الرجل مكلف أن ينفق على الأنثى، فإذا كان هناك ولد وبنت فإننا نطبق قاعدة ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ))[النساء: 11] لأن هذا الولد سوف يتزوج ويأتى بزوجة يعولها، على حين أن البنت سوف تتزوج برجل يعولها، وبالتالي فالبنت في هذه الحالة متميزة في الميراث من الناحية العملية؛ لأنه من المفروض أن تحتفظ بنصيبها وفق ذمتها المالية دون أن يكون عليها إنفاق.(1/44)
ومعلوم أن المرأة لها ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئاً عن ذمة الرجل المالية، فلها حق تملك جميع أنواع الأموال من عقارات ومنقولات وأموال سائلة (نقود) كالرجل سواءً بسواء، ولها حق التصرف بمختلف أنواع التصرفات بإرادتها الذاتية، ولا يتوقف شيء من ذلك على رضا أب أو أخ أو زوج، وهو ما تفتقده المرأة الغربية في عدد من الدول الأوروبية حتى الآن.
* ما هو دور اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل وائتلاف المنظمات الإسلامية الذي شارك في الجلسة الـ(51) للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة؟
اللجنة عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، وهو ما يتيح لنا الفرصة للمشاركة في مناقشات لجنة مركز المرأة كمراقبين فقط، أما القرار أو التحفظ أو التوقيع فأمور متاحة فقط للوفود الرسمية الحكومية، ودورنا يتمثل في مراقبة المناقشات من خلال المشاركة، وتوضيح الرؤية الإسلامية تجاه الوثائق التي تطرح في هذه الجلسات للوفود الرسمية؛ لتكون أكثر وعياً بما تدبره تلك اللجنة.
وقد شارك ائتلاف المنظمات الإسلامية في الجلسة الواحدة والخمسين للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، والتي تُعقد بشكل دوري كل عام لمتابعة الحكومات في تطبيقها لبنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة، كما عقدنا ندوات وحلقات نقاش للوفود الأهلية؛ للتعريف بوجهة نظر الإسلام في القضايا التي طرحتها اللجنة، ونسقنا مع وفد الفاتيكان، وبعض الوفود الأخرى التي لها موقف مشابه لموقفنا الرافض لإباحة الإجهاض، والأمور الأخرى التي تهدد مؤسسة الأسرة.
ونحن نطالب الدول الإسلامية بالتمسك بتحفظاتها على البنود التي تتصادم مع الشريعة الإسلامية، وعدم الرضوخ للضغوط التي تمارسها تلك اللجنة بهدف رفع تلك التحفظات، وألاّ تتبنى الوفود الرسمية الممثلة للدول العربية والإسلامية مشروع وثيقة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد الطفلة بكل موادها، وألاّ تقبل أن تُفرض على الدول المواثيق المشار إليها لاحقاً كمرجعية قانونية تلزم بتطبيقها على الرغم من التحفظات.
واللجنة الإسلامية للمرأة والطفل انتهت من إعداد ميثاق الأسرة في الإسلام؛ والذي وضعه مجموعة من العلماء والباحثين، وأصدرت من قبل ميثاق الطفل في الإسلام، وهي بذلك تكون قد ساهمت من خلال هاتين الوثيقتين في تقديم الرؤية الإسلامية البديلة للمواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، وهي على اتصال دائم بوسائل الإعلام المحلية والدولية، وتمدها بالتقارير والمعلومات التي تصب في التحذير من مواثيق الأمم المتحدة، ومحاولات لجنة مركز المرأة في فرض أجندتها الإباحية على العالم العربي والإسلامي.
http://www.islamtoday.net:المصدر
==============(1/45)
(1/46)
زيارة كونداليزا للمنطقة محاولة أمريكية لإفشال اتفاق مكة
د محمد مورو
1 صفر 1428هـ الموافق له 18- 2- 2007م
على قدر الفرح العربي والإسلامي باتفاق مكة - على أساس أنه يحقن الدم الفلسطيني، وينزع فتيل الحرب الأهلية بين فتح وحماس - على قدر الغضب والضيق الأمريكي الإسرائيلي من هذا الاتفاق، فالأجندة الأمريكية التقليدية هي الفوضى الخلاقة، والحرب بين الطوائف في المنطقة، وجزء من هذه الأجندة هي الحرب بين حماس والجهاد في فلسطين، وكذلك فإن زيارة كونداليزا رايس كانت مقررة سلفاً قبل اتفاق مكة؛ بهدف وضع اللمسة الأخيرة في عملية الإطاحة بحكومة حماس، ولكن اتفاق مكة قطع هذا المخطط وأفشله، وردت أمريكا على ذلك بتجميد الـ 86 مليون دولار التي كانت قررتها لصالح الرئاسة الفلسطينية أي نوع من التعبير عن الغضب على محمود عباس لأنه تجرأ وقبل الاتفاق مع حماس، حتى لو كان ذلك عن طريق ضغوط دول حليفة لأمريكا، فالتحالف لا يعني بالضرورة الانطباق في المواقف، وربما يعرف الحلفاء المحليون ما لا تعرفه أمريكا!!، ولا تفهمه إدارة المحافظين الجدد، أو أغبياء واشنطن أمثال بوش وتشيني الذين يدفعون الأمور لصالح إيران دون أن يدروا!!.
الموقف الأمريكي الغاضب من اتفاق مكة عبر عن نفسه في تصريحات المسئولين الأمريكيين بمن فيهم الآنسة كونداليزا رايس، وهي أن أمريكا سوف تتريث لترى سلوك الحكومة، أي أنها تريد اعتراف حماس بإسرائيل، والقبول بنبذ العنف، وتفكيك الجناح العسكري لحماس، ثم بعد ذلك تفكر في رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وربما وجدت ساعتها أن ما حدث لا يكفي، فلا بد من قيام حماس بنفسها بتصفية الأجنحة العسكرية للحركات الأخرى مثل الجهاد والجبهة الشعبية، وربما أيضاً طلبت من الحكومة تفكيك الجناح العسكري لفتح ذاتها المتمثل في كتائب شهداء الأقصى، أو ربما تطلب إسرائيل ومعها أمريكا بتسليم قادة حماس وفتح إلى المحاكمة، ومن ثم من يبقى في الحكومة والبرلمان من فتح وحماس يمكنهم أن يطلبوا من أمريكا وغيرها رفع الحصار.
جاءت كونداليزا رايس إلى المنطقة، وفضلت أن تمر على العراق أولاً لتقول للجميع: أن ما يعني الإدارة الأمريكية في الوقت الحاضر هو الموضوع العراقي، ولا داعي لأن يطلب منها الرئيس عباس شيء ذو قيمة في الحلف الفلسطيني، وكانت إسرائيل ومعها أمريكا قد عبرت سلفاً قبل الاجتماع الثلاثي الذي تم بين كونداليزا ومحمود عباس وايهود أولمرت أنها لن تتطرق إلى القضايا الجوهرية.
إذا كان الاجتماع مجرد تطييب خواطر؛ فالرئيس عباس حاول تسويق وتبرير وتأويل الاتفاق بما يطمئن أمريكا وإسرائيل، وحاول أن يلفت نظرهم إلى أن الأمور في فلسطين المحتلة وفي المنطقة لا تسمح بتنفيذ الأجندة الأمريكية بالطريقة الغبية التي تريد كونداليزا، وأن الاستمرار بهذه الطريقة سيحرج حلفاء أمريكا في المنطقة، وربما يزيد قوة حماس في النهاية، وأنه من غير المعقول أن يرجع عباس من الاجتماع الثلاثي بدون أي تقدم سياسي، أو حتى اقتصادي، ومن ثم فإن منطق حماس سيكون هو المنطق الصحيح، وهو أن حماس لا ترفض المرونة لمجرد أنها متشددة، بل هي ترفض المرونة بدون ثمن مقابل، وإلا فإن من يفعل ذلك هو أحمق ومفرط في حقوق الشعب، ويدفع ثمن مجاني بلا مقابل.
رغم كل ذلك فإن كونداليزا كررت معزوفة قديمة ليس فيها جديد عن مناهضة الإرهاب، وحل المشكلة الفلسطينية في وقت لاحق يكون أكثر ملائمة، ولكن الحقيقي في الموضوع أن الآنسة كونداليزا فشلت في دفع الأمور نحو إفشال اتفاق مكة، لأن عباس رأى أن أولمرت أصبح في الداخل الإسرائيلي أضعف حتى أن يتم الاعتماد على وعوده المستقبلية بفرض صدقه المزعوم فيها - وهو غير صادق طبعاً -، وكذلك فإن شمس الجمهوريين وشمس اليمين المحافظ، وشمس بوش، وشمس كونداليزا كلها تغرب وتنحسر في أمريكا، فما الداعي أن يراهن عباس على الرمال المتحركة التي لو راهن عليها ستبتلعه هو أيضاً معها.
http://www.islammemo.cc:المصدر
================(1/47)
(1/48)
ظاهرة انهيار القيم
عمر حيمري
القيمة إما مطلقة، أو نسبية. فالمطلقة تكون ذاتية، أي تطلب لذاتها، لا لغيرها. فكل الناس في كل زمان وفي كل مكان يرغبون فيها، ويحبذونها ويطلبونها لحسنها الذاتي كالسعادة، والحرية، والفضيلة، والصدق...لا يختلف عن هذه القيم اثنان في كونها حسنة. أما القيمة النسبية فتطلب لغيرها لا لذاتها. فنحن حين نطلبها نريد من ورائها تحقيق شيء آخر أسمى منها. فالدواء مثلا مر، غير مستساغ، غالي الثمن، ومع ذلك نقتنيه، لا رغبة فيه، ولكن لغاية أسمى منه وهي الصحة. والمال هو الآخر يطلب لتحقيق السعادة أو المكانة الاجتماعية المرموقة... ولا يطلب لذاته. وانطلاقا من هذا التعريف التمهيدي المقتضب نستطيع أن نفهم اختلاف القيم وتناقضها من مجتمع لآخر. فما يعتبر حسنا ذو قيمة عالية في مجتمع أو في فلسفة ما قد يعتبر قبيحا في مجتمع أو فلسفة أخرى. فلحم الخنزير، والخمر مثلا يعتبر رجسا من عمل الشيطان، حرام على كل مسلم تناوله أو الاتجار فيه أو ا لتداوي به... وعلى خلاف ذلك فهو عند الإنسان الغربي العلماني طعام وشراب طيب مباح يقبل على استهلاكه بشراهة في كل المناسبات. والبقر إلاه يقدس ويعبد في الهند، إلا أنه يذبح ويؤكل في غير الهند. والدين عندنا له قيمة قدسية يرفع صاحبه إلى أعلى المراتب الاجتماعية أما عند الغربي العلماني فهو رجعية وظلامي وأفيون مخدر يجب تجاوزه والثورة عليه. وإذا كان المال في المنظور الإسلامي وسيلة لا غاية لا بد من مراعاة طهارته فلا يكون من كسب حرام كالقمار والربا والسرقة والغش والنصب... فهو عند الآخر غاية في حد ذاته لا فرق بين ما هو حلال وما هو حرام، المهم هو الحصول على المال ولو عن طريق الغصب والتأميم وقد يرتكب بسببه سفكك الدماء. والإسلام يدعوا إلى العفة وصيانة الأعراض من القذف والتشهير ووضع لذالك حدودا، وعقوبات. أما العلماني فلا مكان في قاموسه المعرفي للعفة، فهو يرى أن من حقه أن يمارس كل ما يحلو له من شذوذ جنسي أو من زنا ولو كان من المحارم. وقد يرى الفاحشة في أهله ولا يحرك ساكنا. والعقل في الإسلام له مرتبة عليا ومن ثم حرم الإسلام كل ما من شأنه أن يلغيه، ويغيبه كالخمر والمخدرات فالمحافظة عليه واجبة يعاقب كل من تهاون فيها. أما الاتجاه العلماني فيضلل العقل مستخدما مناهج تعليمية مضللة. انطلاقا من هذه القيم النسبية نستطيع فهم الحكمة الإلهة من التشريع لأن الإنسان حين يترك لهواه يضل ويضل، فعقله محدود بحدود الزمان والمكان، ويحتاج إلى عناية ربانية تساعده على التمييز بين الفعل القبيح والفعل الحسن خصوصا وأن للشيطان مكائد لا تحصى تزين للإنسان كل فعل قبيح. وللماديات بريقها الذي لا يقاوم. إن الإسلام كعقيدة وشريعة، جاء بأخلاق وقيم كلية شاملة تستغرق حياة المسلم، وسلوكياته الفردية، وعلاقاته الاجتماعية ووضع لذالك أحكاما وتشريعات تنظم كل أنماط الحياة حتى يضمن حماية الفرد، والمجتمع من كل انحراف قد يكون له انعكاس سلبي مدمر للفرد والمجتمع الإسلامي. والواقع أن مجتمعنا الإسلامي ظل زمانا طويلا في منأى عن كل الانحرافات الأخلاقية، والسلوكيات الشاذة، حتى اجتاحته العلمانية الغربية، باسم الحرية، والديمقراطية، والعولمة، والتجارة الحرة، وحقوق الإنسان... فبدأت قيمنا الأخلاقية تنهار الواحدة تلوى الأخرى بل تسارع الهدم الأخلاقي حتى أصبحنا نتساءل هل نحن مسلمون؟ ونعيش في مجتمع إسلامي؟ أيحدث مثل هذه الانحرافات الشاذة، كزنا المحارم مثلا في مجتمعنا الطاهر إلى عهد قريب؟. كل ذلك تم بفعل مكائد الغرب العلماني، والصهيونية العالمية، ونشرهما، وترويجهما لكل فكر وثقافة إباحية، لا أخلاقية مسخرين لذلك وسائلهم الإعلامية من فضائيات وإنترنيت وصحف ومجلات، ولم يتركوا وسيلة من وسائل الاتصال إلا واستخدموها. أضف إلى ذلك ضغوطاتهم السياسية تحت ذريعة حرية التعبير والفكر، وحقوق الإنسان... دون أن ننسى الطابور الخامس الذي يلجئون إليه كلما فشلت وسائلهم المذكورة آنفا. فهو الضامن لاستمرار فكرهم وثقافتهم وسياستهم في تصدير كل ما هم انحرافي لا أخلاقي متعارض مع ديننا الحنيف إلى مستعمراتهم السابقة التي شملت كل بلاد الإسلام لأنهم يعلمون أن قوتنا في قيمنا التي هي من ديننا ولا سبيل لهم إلى احتوائنا إلا بتجريدنا من هويتنا ومسخ شخصيتنا الإسلامية إن الغرب العلماني فرض على كل بلاد المسلمين قانونا وضعيا، يرى فيه الإنسان المنتمي إلى بلاد الإسلام طاغوتا يجب الكفر به فهو معارض ومناقض للشريعة. ومن ثم فالناس عندنا لا يعترفون به ولا يحترمونه ويتحايلون عليه. في ظل غياب شريعة إسلامية يؤمن بها الفرد والمجتمع، وفي ظل قانون وضعي غير معترف به ولا محترم كانت الطامة الكبرى فظهرت عندنا جرائم الرشوة، ونهب المال العام، والتفنن في السرقة، والكذب، والتحرش الجنسي على مرأى ومسمع من المارة ولا أحد يستنكر وكأن الأمر طبيعي، أما ما يحدث داخل وسائل النقل العمومي المختلطة بسبب الازدحام، وأمام الإعداديات والثانويات والجامعات وأحيائها السكنية المختلطة من فواحش(1/49)
ورذائل فحدث ولا حرج نهيك عن جرائم
الاغتصاب والسكر العلني وتعاطي المخدرات والعري الشاطئي، والمهرجانات الصيفية... صحيح هناك عوامل أخرى تكرس الانحلال الخلقي عندنا كالأزمات الاقتصادية والبطالة والفاقة والطبقية الصارخة التي ما عاهدناها يوم كان المجتمع الإسلامي يحكمه التكافل الاجتماعي، وكان أفراده يؤدون زكاة أموالهم عن رضا وطواعية لا يحاسبهم في ذلك غير وازعهم الديني لا كما يتهربون اليوم من دفع الضرائب ويتحايلون على مصالحها. بل هناك من يجد مبررا دينيا يعفيه من دفع الضرائب، وهو أن المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع غير إسلامي فلا يجوز أن يدفع له الضرائب. إنه لمن الصعب أن نطالب الجائع، والعاجز والمتشرد أن يلتزم بالقيم الاجتماعية العليا في غياب توفير أدنى شروط الحياة الكريمة. ولله در عمر ابن الخطاب الذي عطل حد القطع عام الرماد لشبهة الجوع. إن تدهور القيم وتحللها وما نتج عن ذلك من تشويه لشخصية الفرد والمجتمع معا ومن تنام للمعاصي والمنكرات لا علاج له إلا بالرجوع إلى الإسلام عقيدة وتشريعا وحكما وتنظيما. ولنا عبرة في نموذج طالبان التي استطاعت أن تقضي على زراعة المخدرات والاتجار فيها، وتطهير المجتمع من كل الجرائم السلوكية في وقت قياسي وذلك بشهادة أعدائها قبل أصدقائها. إن مجتمعاتنا الإسلامية تنهار يوميا أمام أعيننا بفعل المد ألانحرافي الإباحية الذي يصدره إلينا الغرب، ولولا الصحوة الإسلامية لكانت الكارثة.
ahim r i@hotmail.f r
http://www.islamselect.com المصدر:
==============(1/50)
(1/51)
سبيل النهضة
أ. د. عون الشريف قاسم*
لعل من أفضال النهضة الأوربية الحديثة وما انتهت إليه من حضارة غربية معاصرة، على شعوب العالم، أنها بتحديها الكبير لكل المجتمعات التقليدية، والهزة العنيفة التي أحدثتها في كيانها، قد نبهت هذه الشعوب إلى ضمور شخصياتها، وشحذت عزمها على البحث عن سر هذا الضمور، واكتشاف عناصر القوة في حاضرها، بتتبع منابع الأصالة والإبداع في ماضيها، ساعية بذلك إلى تأكيد ذاتها حتى تقف على رجليها بعد طول سبات في مجال الإبداع والإسهام في بناء الحضارة. وذلك لأن هذه الحضارة - رغم ادعاء الغرب ابتداعها على غير مثال - هي في حصيلتها النهائية جهد مشترك، وحصيلة لكل تراث الإنسان على الأرض. وهي وإن اصطبغت في كثير من جوانبها بالصبغة الأوربية والغربية عامة، فليست ملكًا لأحد، وهي في عمومها إنسانية المنحى، خاصة فيما يتعلق بالأسس العلمية والتكنولوجية التي يرتكز عليها المجتمع الحديث. فالدراسات العلمية والبحوث والنظم الإدارية وما إليها يمكن تطبيقها دون كبير عناء في كل قطر من أقطار العالم تتوافر فيه الإمكانيات والكفايات اللازمة، ومن ثم عمّت هذه الحضارة الحديثة في صورها المختلفة كل بقاع العالم تقريبًا؛ لأنها لا تعترف بالحدود، ولا تصدها السدود، ولكنها - كما برهنت تجربة القرنين الماضيين - لا تنتقل عامة في صور مجردة، بل تتخذ من الأوعية والقوالب والأزياء والأصباغ والألوان ما يجعلها شديدة اللصوق بالشخصية القومية للأمة التي تنقلها. فالإنجليز - مثلاً - الذين استعمروا قدرًا كبيرًا من العالم، لم ينقلوا أسس الحضارة الحديثة مجردة، بل نقلوها بما تهيأ للإنجليز أن يتأثروا بها ويطوعوها ويصبغوها بصبغتهم القومية. ومثل ذلك فعل الفرنسيون، ومثل ذلك يفعل الأمريكيون. فهناك إذن تراث عالمي مشترك هو هذه الحضارة الصناعية التي ارتبطت في كثير من مظاهرها بالمجتمعات الغربية المسيحية، ولكن ذلك وحده لا ينفي عالميتها، ولا يحول بين شعوب العالم الأخرى والاستفادة منها. وهذا نصف المعركة. أما نصفها الآخر فهو تطويع هذا التراث العالمي المشترك لخدمة أغراض البيئة المحلية دون إملاء أو ضغط خارجي، بحيث ينجم عنه إثراء الشخصية القومية وتطويرها بتفجير طاقات الخلق والإبداع في كيانها؛ وذلك ما نسميه بالثقافة، إذ الثقافة حين ننظر إليها من زاوية أثرها في حياة الناس، هي ما يترسب في النفس من تجربة الأمة الحضارية، أو هي الأثر الذي تتركه المعاني والعلوم والفنون وما إليها في شخصية الإنسان. وبمعنى آخر هي ما يمكن تطبيقه من الحضارة على واقع الحياة، أو هي ما يمكن تطويعه من حصيلة المعرفة لبناء شخصية الفرد وتطوير حياة الجماعة. وتتجلى في أبرز صورها في المنحى العقلي العام، وفي المسلك الشخصي للأفراد فالحضارة أعم والثقافة أخص، إذ قد يغلب على الحضارة كإنجاز بشري عام، جانب المثالية والنظرية والعقلانية، في حين لا تكون الثقافة إلا حين يكون التمثيل والفعل والتطبيق والإيجاب.(1/52)
وهذا التفريق بين عمومية الحضارة وخصوصية الثقافة لا يقتصر على الوضع الحضاري السائد الآن فحسب، بل ينسحب على كل وضع حضاري آخر، فإن هناك مثلاً، فارقًا كبيرًا بين الحضارة الإسلامية في أسسها المجردة وقيمها المطلقة، كما وردت في القرآن الكريم والسنة المشرفة، وبين الأثر الذي تخلّف عن هذه الحضارة في شخصيات الشعوب والجماعات التي ارتبطت حياتها بالإٍسلام. فهناك دائمًا النظام الإسلامي الحضاري كنموذج ومثال، وهناك إلى جانبه النظام الإسلامي كواقع وتاريخ. والإٍسلام التاريخي، كما يتمثل في حياة الشعوب الكثيرة التي اعتنقت الإسلام، يختلف في جزئياته وتفاصيله عن النموذج والمثال، رغم كل الجهود المبذولة لتطبيق النموذج على واقع الحياة تطبيقًا دقيقًا. وذلك ناجم عن أن لكل مجموعة من البشر، في بيئة بعينها، ظروفها التاريخية والجغرافية والبشرية والحضارية التي تتحكم في عملية الرفض والاختيار، وتنتهي بتحوير التيار الحضاري الوافد، أو تغييره بحيث ينسجم انسجامًا عضويًا مع البيئة الأصلية للمجموعة. ولهذا السبب نجد الإسلام الشعبي في بيئاته المختلفة يتلون بلون الموروثات المحلية، وكثيرًا ما نجد رواسب الماضي السحيق من طقوس وعادات وممارسات تختلط بالأفكار والأعراف الإسلامية على مستوى الممارسة الشعبية، كما هو ملاحظ في كل أنحاء العالم الإسلامي. وهذا الأمر لا يقف عند حدود المجموعات، بل يتعداها إلى الأفراد، فإن كل فرد من البشر يتمثل من الأفكار والقيم بالقدر الذي تهيئه له ظروفه البيئية والجسمية واستعداده العقلي والنفسي، وذلك يختلف الناس في تشربهم للمثل العليا والأفكار والاتجاهات، ومن ثم يختلفون في المسلك والتصرف. والأمر في ذلك على درجات وتفاوت. فإن ما يتشربه الناس من قيم الحضارة واتجاهاتها العامة، وهي في عنفوانها وتوقدها، يختلف كمًا وكيفًا عما يتطبع في نفوس الناس من آثارها وهي في مرحلة الجزر والتدهور والجمود. ولا يعني هذا أن الناس جميعهم يتساوون في مقدار هذا التمثل في أي من المرحلتين، بل يعني أن قدرًا صالحًا منهم هو الذي يفعل ذلك، مضفيًا على المرحلة المعنية سمة التوقد والإشراق؛ إن كان ذلك في قمة الحضارة، أو سمة الجمود والتقليد؛ إن كان ذلك في مرحلة التدهور والانحلال، وكلما قربت الصلة بين قيم الحضارة والأشكال المختلفة التي تعبر بها عن نفسها وبين حياة الناس المعاشة، بحيث، يتقارب القول والعمل، ويتجانس الإيمان مع المبادئ في المسلك الشخصي، كان ذلك علامة من علامات الحيوية والنشاط في أعماق الحضارة، وتتباعد هذه الصلة بالتدريج في أطوار التدهور حتى يبلغ الناس في نهاية المطاف درجة الانفصام والازدواجية، بحيث تكون قيم الحضارة وأشكالها ومبادئها العامة في جانب، وحياة الناس العامة وسلوكهم في جانب آخر، وعندما تكون روح الحضارة وقواها الدافعة في نفوس الناس وفي كيان المجتمع قد خمدت وانطفأت، ولا يبقى في وجودهم سوى الأشكال والهياكل الجوفاء التي تكون بلا معنى ولا غاية، إذ فقدت الروح التي تكسبها مدلولها ومعناها.(1/53)
وهنا لابد من إشارة إلى الحضارة العربية الإسلامية، والثقافة المترسبة عنها في حياة شعبنا وكل شعوب العالم الإسلامي. فهي حضارة - شأنها شأن الحضارات - تقوم في أساسها على الدين، ولكنه دين أتى معبرًا عن مرحلة متأخرة من تطور الحياة البشرية، حين بلغ الوعي الإنساني نضجه واكتماله، وتحلل من كثير من قيود الخرافة والتفكير الغيبي والأسطوري، وكان كل ذلك مرتبطًا بتطور اجتماعي لا يقل عنه أهمية. إذا كانت جمهرة الإنسانية - وليس حفنة من الطبقات الحاكمة والمنتفعين بها كما كان الحال في امبراطوريتي فارس وروما - تنتقل من مرحلة اقتصادية مختلفة، هي مرحلة البداوة والرعي في جزيرة العرب وما شابهها؛ والزراعة التي تكبلها قيود الإقطاع والتسلط في مناطق الحضارة المجاورة، إلى مرحلة اقتصادية متقدمة هي مرحلة التجارة وحياة المدن والاستقرار. ونسبة للتعقيد الذي طرأ على حياة الإنسانية في هذه المرحلة من تشابك حياة الناس، وقد أصبحوا يعيشون على اختلاف ألوانهم وأجناسهم بين جدران المدينة الواحدة، فلم تعد القبيلة التي تقوم على رابطة الدم - وهي القاعدة الاجتماعية الصالحة لاقتصاديات البداوة - ملائمة لحياة المدينة القائمة على المصالح المشتركة، وبذلك انهارت كل الروابط والأسس التي تستند إليها، بانتقال العرب إلى المدن والأمصار. وكان لابد للدين أو المذهب الذي يعبر عن هذا الوضع من أن يأخذ في الاعتبار كل هذا التعقيد الذي طرأ على الوضع البشري عامة والوضع العربي خاصة، ومن ثم كان دين الإسلام، على خلاف كل ما سبقه من الأديان، معبرًا عن النقلة الحضارية الكبيرة القائمة على سيادة العقل البشري، وتحكيمه في كل ما يتعلق بحياة الناس، ويكفي في هذا المجال أن نذكر أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لم يستند في إقناع الناس إلى معجزة أو خارقة، وإنما استند إلى الدليل والبرهان العقلي، وكان تحديه للناس عقليًا، ومعجزته كلمة. وبانتقال الناس من الوحدة الاجتماعية المتجانسة في القبيلة؛ إلى وحدة اجتماعية أشد تعقيدًا، وأكثر اختلافًا في المصالح وتضارب الرغبات؛ وما يتبع ذلك من تنافس وتناحر وتكالب على الثروات التي تجود بها التجارة؛ وكل ذلك مما يهدد سلامة الإنسان، ويعرض كيان المجتمع للتمزق والانهيار، كانت الحاجة إلى تنظيم المجتمع ماسة. وكانت مدينة مكة التجارية نموذجًا مصغرًا لكل أدواء المرحلة الحضارية الجديدة. وما كان لدين أتى معبرًا عن هذا الوضع الحضاري المعقد أن يكتفي بما اكتفت به الديانات قبله، والتي عبرت عن مراحل في حياة البشر أقل تعقيدًا. وحين قال المولى جل وعلا في أواخر ما نزل من الذكر الحكيم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) [المائدة/3]، فكان من مظاهر هذا الإكمال الاهتمام بتنظيم حياة الناس في مجتمع المدينة المعقد، والمزاوجة بين الجانب الروحي - وهو الجانب الديني - والجانب الاجتماعي، بأن جعلهما بمثابة وجهي العملة الواحدة، ليحدث التكامل في شخصية الفرد، ويتم الانسجام بين متطلبات الروح وتطلعاتها، وحاجات الجسد ورغباته بما يحقق سعادة الفرد، وينتهي بخير الجماعة. ومن ثم كانت قيم الدين الجديد، وكل الشعائر والعبادات التي ترمز إليها وتعبر عنها مرتبة ارتباط تلازم بحياة المجتمع وقضاياه.(1/54)
الدين الإسلامي، وقد جاء معبرًا عن انتقال الإنسان من مرحلة الفردية والمسئولية الشخصية سواء كان ذلك على نطاق الأفراد أم القبيلة التي تضمهم، إلى مرحلة الجماعية والمسئولية الاجتماعية في حياة المدينة - حيث كانت هذه المدينة - لابد أن يتجاوز الطور الذي كان فيه الدين تعبيرًا فرديًا عن الإنسان في علاقته بالسماء، ليصبح تعبيرًا شموليًا في علاقة الإنسان بالسماء، وعلاقته بالأرض ومن عليها وما عليها، فقد كانت بساطة الحياة في ماضي الإنسانية وروح الجماعة التي تفرضها رابطة الدم مما يؤمن للناس حياتهم، فلا يحتاجون لتشريعات اجتماعية كثيرة لتنظيم علاقاتهم، ولهذا السبب لم يرسل رسول لبادية، بل كانت كل الرسالات لنقاط حضرية أو قرى (والقرية: المصر أو المدينة) لقوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) [يوسف/109]، وحتى هذه القرى كانت حياتها تتسم بالبساطة ولكنها أكثر تعقيدًا من البادية، ولكل منها أزماتها، فبعث الله إليها برسله، وأنزل عليهم التشريعات الملائمة لكل حالة، ولكنها جميعًا رسالات لمجموعات بعينها محدودة الزمان والمكان. وجاءت الرسالة الخاتمة لمرحلة في تاريخ الإنسانية خاتمة، فأكملت الدين لمواجهة المجتمع الحضري، ليس في مدينة بعينها بل على مستوى الإنسانية كافة. فالإسلام من هذه الناحية ليس دينًا روحيًا فحسب، بل هو دين اجتماعي أيضًا، ومن هنا كان تأثيره بعيد المدى على حياة الأفراد والجماعات التي تعتنقه، إذ هو لا يكتفي بتنظيم علاقة الإنسان بربه فحسب، ويكتفي في ذلك بطقوس العبادات وشعائرها، بل يسعى إلى تنظيم حياة الأفراد الخاصة، ويربطها بحياة المجتمع العامة، ويربط الحياتين معًا بالمثل الإنسانية العليا التي هي تراث الإنسانية جمعاء. وبذلك تتداخل كل هذه العلاقات وتتشابك، بحيث يصبح الواقع صورة للمثال والمثال تعبيرًا عن الواقع، ويصبح الديني تعبيرًا عن الدنيوي، والدنيوي تعبيرًا عن الديني، وتصبح مصلحة الفرد هي مصلحة الجماعة، ومصلحة الجماعة هي مصلحة الفرد، وتكون العبادات سبيلاً إلى المعاملات، والمعاملات ضربًا من العبادات. ولذلك كانت كل شعائر العبادة في الإسلام لا تهدف إلى الخلاص الفردي فحسب، بقدر ما تهدف إلى إصلاح حياة المجتمع، وتنشيط التعاون والتكافل والتكاتف الاجتماعي، مثلما هو الحال في الزكاة والحج والصوم، وحتى العبادة الرمزية المجردة في الإسلام وهي الصلاة، والتي هي صلة بين العبد وربه وعلي المستوى الروحي، ولكن هدفها الاجتماعي النهي عن الفحشاء والمنكر اللذين يضمان فيما بينهما كل شرور الحياة الاجتماعية، وكل ما ينكره الناس من مسلك وتصرف. ومعظم هذه العبادات جماعية ليتضاعف أثرها في حياة الناس. وكل ذلك ما يقوي من ترابط المجتمع ويؤكد تكافل أفراده، ويجعل العلاقات بين الأفراد علاقة عضوية مثل علاقة الدم، ولذلك عبر عنها القرآن الكريم والسنة المشرفة بالأخوة، كما قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) [الحجرات/10]، وقال صلى الله عليه وسلم "المسلم أخو المسلم".
ولكن الإسلام كنظام، رغم كل هذه الشمولية التي تنتظم حياة الروح وحياة الجسد في الفرد والجماعة، ليس دولة دينية بالمعنى الضيق الثيوقراطي، بحيث يكون نقيضًا للعلمانية. فالمسئولية في الإسلام مسئولية فردية وجماعية اجتماعية. وهي ليست حكرًا على جماعة بعينها، تدعي الوصاية على الأمة، ولهذا السبب انتقل الرسو صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى دون أن يختار خليفة له، بل ترك أمر الخلافة لإجماع المسلمين. ومعنى ذلك أنه ليس هناك مناصب دينية لحكام يتصرفون في أمور الناس بالحق الإلهي، مثلنا هو الحال في البابوية مثلاً، وليس هناك كهان أو وسطاء يقومون بين الناس وربهم، وإنما هو نظام السيادة لعامة المسلمين الذين يعبرون عن إرادة الله، ولذلك جاء في الحديث الشريف (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة)، ومن ثم كان إجماع الأمة هو الأصل الرابع في التشريع الإسلامي بعد الكتاب والسنة والقياس.(1/55)
وبحكم هذا الربط القوي بين المسئولية الفردية والمسئولية الاجتماعية، ووصلهما بالمثل الإنسانية العليا المشتركة بين بني البشر، تخطت شخصية الرجل المسلم كل حواجز العنصر واللون والإقليم واللغة والطبقة، مكونة النموذج الأمثل للمواطن الإنسان أخ الإنسان، حيث كان هذا الإنسان مهتديًا بقوله تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات/13]. وبذلك لا يصبح المسلم مواطنًا إنسانًا فحسب؛ بل يصبح مواطنًا عالميًا، بل يصبح جماعة في فرد أسميه (الفرد الجماعة). وعلى هذا فإن النظام الإسلامي لا يكتفي بالنصح والموعظة الحسنة وحدها؛ بل يسعى إلى صياغة شخصية الفرد المسلم صياغة تقربه من نموذج المواطن الإنسان هذا، أو الفرد الجماعة، ومن هنا يجئ هذا الإلحاح الكبير على جزئيات السلوك وتفصيلات المعاملات، بحيث يتوخى الإنسان في كل عمله وقوله الصدق والعدل وكرامة الإنسان، متخذًا من رسوله الذي وصفه ربه بأنه على خلق عظيم القدوة الأسوة. ومن هنا يحدث التجانس بين الأفراد وتعم الوحدة الروحية والاجتماعية حياة المجموعة المسلمة حيثما كانت في بقاع الأرض وأقطارها، وبذلك لا يصبح المسلم، وقد تعاونت على حياته كل هذه العوامل الروحية والاجتماعية صورة مصغرة لمجتمعه الخاص فحسب، بل يصبح صورة مصغرة لكل مجتمع مسلم في كل زمان ومكان، ومن هنا يكتسب عالميته. وهذا هو السر الكامن وراء تعاطف المسلمين وتواددهم وألفتهم بعضهم لبعض أينما التقوا، ومهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وأوطانهم.
وقد وضع الإسلام بخاتميته لرسالات السماء حدًا فاصلاً بين عهدين، عهد طفولة الفكر الإنساني وبداوة الحياة الاجتماعية، وعهد نضج العقل البشري وارتباط مصير الإنسان بأخيه الإنسان في حياة اجتماعية قد ينتهي بها الأمر إلى تجاوز كل الحدود والإقليميات، ليصبح مسرحها العالم بأكمله. وقد فطنت هذه الحضارة التي تعبر عن هذه المرحلة وما يتلوها من مراحل منذ البداية إلى احتدام هذا الصراع الكبير بين روح الإنسان وجسده، وما ينجم عن ذلك من تطور أو تدهور، فسعت إلى إقامة ميزان تعادل بينهما، ينجم عنه تكامل الشخصية الإنسانية، ويتولد منه مجتمع الكفاية والعدل لكل بني البشر، ولذلك فقد خلقت مجتمعًا لا مكان فيه لدين انطوائي يحلق بالناس في متاهات الغيب، ويتولى السلطة فيه طغاة يتلقون وحيهم من خارج حياة الناس وقيم دينهم، بغرض إحكام قبضتهم على مصير البشر بل جعلت الدين جزءًا من الدنيا، وكل شعائره وعباداته مسخرة لخدمة أغراض الحياة ومثلها الاجتماعية العليا التي هي في أرقى صورها نفس المثل الدينية، ولا مكان فيه لدنيا ينطلق الناس فيها على هواهم دون وازع أو رادع، زاعمين أنها الحرية وشجاعة الاختيار، في حين أنها ليست سوى إطلاق للنزوات والشهوات من عقالها في زمان استبدت فيه بالناس المطامع، واستعبدتهم الرغبات، ولوت أعناقهم الأنانية وحب الذات. هي حضارة شاملة تجمع كل تراث البشرية وتوجهه لخدمة غايات الحياة لتخلق الفرد المؤمن بربه، المتعاطف مع أخيه الإنسان، العامل لخير نفسه وخير مواطنيه ومجتمعه وخير الإنسانية جمعاء، لأنه يعلم أن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعلم مثقال ذرة شرًا يره. ولأنه لا يكاد يجد في كتابه المقدس آية تحثه على عبادة ربه إلا وهي مقترنة بدعوته إلى العمل الصالح، وبذلك يصبح العمل الصالح عبادة يثاب عليها الناس كما يثابون على عبادة ربهم. بل إن هناك من الإشارات ما يفيد برجحان العمل على ما سواه من العبادة، لأن العمل صلاح لحياة الناس مباشر، والعبادة صلاح غير مباشر. وصدق رسول ا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إن قومًا ذهبوا من الدنيا ولا عمل لهم، وقالوا نحسن الظن بالله. كذبوا. لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل".(1/56)
فمكان الدين بمعناه الخاص في الحضارة الإسلامية مكان متفرد، لا يكاد يجاوز حدود الأسس والقيم العامة المتفق عليها بين بني البشر، وتقبلها الفطرة السليمة، ثم ينفتح الباب واسعًا لحرية الفكر وحرية التطور. ويكفي في هذا أن الدين يدعو الناس إلى إباحة تأويل ظاهر النص بما يستقيم ومفهوم العقل. وبهذا المفهوم الثوري في إدخال الدين في حياة الناس، بحسبانه مستودع التراث الروحي للإنسان، ليلج جماع الشهوات، ويوجه الناس للعمل الصالح، محررًا بذلك إرادة الإنسان من قيود الأنانية ونزوات النفس الأمارة بالسوء، وفاتحًا المجال لعقله ليتفكر في خلق السماوات والأرض، وبهذا المفهوم الثوري الذي يربط بين الدين كموجّه لا قيد، وبين الدنيا كإنجاز وتحقيق، وبين العقل كرائد لا يكذب أهله، انفتح المسلمون الأوائل على الدنيا، وأقاموا حضارة لا تعصُّب فيها ولا جمود، وإنما هي إنجاز بشري في كل مجال من مجالات الإبداع في البناء والتعمير والاقتصاد والعلم. لقد كان الدين انفتاحًا على الحياة لا إلغاءً لها. وكان حافزًا على إقامة المجتمع الإنساني الفاضل المليء بالحركة والعلم المتفتح على كل ثمرات الحياة من أية جهة جاءت، لا قيدًا على حركة المجتمع وتحنيطًا له. وبذلك تحولت القيم والشعارات والمبادئ التي عبر عنها الدين من مجرد مفاهيم عقلية إلى حياة مُعاشة. وتم بذلك التناسق والانسجام بين القول والعمل، وبين الفكر والمسلك. وذلك ليس بالأمر اليسير، إذ ما أكثر الأفكار والمثل التي تمتلئ بها عقول الناس وتعج بها خزائن كتبهم، وما أقل ما يتحول منها إلى عواطف وأحاسيس ومشاعر ودوافع للفعل. وهذا ما نجح فيه النظام الإسلامي، إذ إنه بربطه بين قيم الحياة الإنسانية الباقية ونزوع الإنسان الروحي، ومزجه بينهما بحيث يكون العمل لصالح الجماعة ضربًا من الجهاد الروحي يثاب عليه فاعله كما يثاب على التبتل والتوجه إلى الله، قد أحال هذه القيم وأعمال البر المترتبة عليها إلى مشاعر وأحاسيس تثير وجدان الفرد المؤمن، وتدفعه إلى فعل الخير، وبذلك يصبح الضمير الفردي ضميرًا اجتماعيًا بالضرورة، دون كبير إلزام من المجتمع. ومما يؤكد دور الدين الاجتماعي في حضارة الإسلام أن جانب الردع فيه، وهو الخاص بالحدود، قد وضع فيه بطريقة تجعل تنفيذه أعسر المهام على أي حاكم، لأن تطبيقه محاط بقدر كبير من الشروط والمستلزمات، وكان ذلك مقصودًا، لأن الغاية ليست العقوبة في ذاتها، وإنما هي صلاح المجتمع والبشر. ومن ثم جاء التركيز على الضمانات الاجتماعية التي تحول بين الناس والوقوع في الموبقات، ومتى وضحت هذه الضمانات أصبح لا عذر لمن يرتكب جريمة ويستحق عليها العقاب الرادع. ولعل هذا الدور الاجتماعي البعيد الأثر في حياة الناس هو الذي مكّن للإسلام من الرسوخ في وجدان الناس وقلوبهم وعقولهم، رغم فساد أنظمة الحكم التي كثيرًا ما كانت في جانب والجماهير المسلمة في جانب آخر. ولعله لهذا السبب كان كبار التابعين والعلماء يتحاشون بلاط الخلفاء والأمراء، ويرون في التعاون مع الدولة ابتعادًا عن روح الإسلام الديمقراطية الاشتراكية، لأن هذه الأنظمة منذ أواخر عهد سيدنا عثمان، كانت مجموعات من المتسلطين لا يهمهم في معظم الأحوال من الدين إلا ما يؤكد سلطاتهم ويمدهم بالمال. ولذلك كانت العناية بكتب الأموال وكتب الخراج كبيرة خاصة في عهد بني العباس. والطريف في الأمر أن الأحكام الشرعية ونظرياتها التي كانت تستنبط طوال العهد الأموي وصدرًا من حكم بني العباس، وتدوّن في الكتب والمذاهب كان يقوم بها الفقهاء والمجتهدون بعيدًا عن مراكز الحكم ودواوين الحكومة، ولم يجد الفقهاء طريقهم إلى السلطة بطريقة موسعة إلا في أيام بني العباس. ولهذا السبب لم يكن عدم اهتمام الحكومات - التي حكمت باسم الإسلام - بالإسلام سبيلاً إلى اضمحلاله أو تلاشيه، بل ظل بعكس ذلك يتعمق في وجدان الناس ويترسب في حياتهم، ويفتح المجال أمام المستضعفين والفقراء، رغم ظلم الحكام وإعنات المتسلطين. وهذا النظام الاجتماعي الشامل القائم على التكافل بين الأغنياء والفقراء عن طريق الزكاة والأوقاف وأعمال البر والصدقات هو الذي ضمن للمجموعة اكتفاءها الذاتي الذي لا يتأثر باضطراب أنظمة الحكم وسقوطها. وهذا هو السبب وراء انتشار الإسلام في أنحاء العالم بجهود الأفراد والجماعات دونما سند رسمي أو قهر. ولا يبعد الإنسان عن الحق إن زعم أن النظام الإٍسلامي مع شموله وتفصيله لكثير من جزئيات الحياة الاجتماعية والدينية، لم يتوسع في تحديد وتفصيل الأجهزة الإدارية والسياسية التي ترتكز عليها الدولة، مكتفيًا بخلق المجتمع القوي الذي يعبر فيه الفرد عن الجماعة، ويمكنه إن لزم الأمر أن يستغنى عن الدولة دون أن يصاب الإسلام كنظام إنساني وحضاري بسوء، كما برهنت تجارب المسلمين في هذه القرون الطويلة التي انصرمت منذ أن فقد المسلمون السيطرة السياسية على حياتهم. ومعنى ذلك أن الإسلام كنظام اجتماعي وروحي قد ظل يصوغ شخصيات الأفراد والجماعات ويشكلها، بحيث أن نقول إن الفرد المسلم هو التجسيد الحي والتلخيص لفكرة(1/57)
الإسلام في إطار الزمان والمكان، هو التشخيص الواقعي لمعطيات الحضارة الإسلامية. وقد ظلت شخصية الفرد المسلم والجماعة المسلمة قوية متماسكة أمام كل التحديات. وقد وجد المستعمرون في ذلك عنتًا شديدًا ورهقًا. ولم يفلحوا رغم كل جهودهم في إضعافها وتحويلها عن منابعها. والشواهد على ذلك ماثلة في شمال إفريقيا وفي الجزائر بالذات، التي جاهد مناضلوها الاستعمار الفرنسي لأكثر من مائة وثلاثين عامًا، وانتصروا بإسلامهم على المستعمرين. ومثل ذلك تم في معظم بلاد المسلمين. ولفشل المستعمرين في تحويل المسلمين عن إسلامهم - رغم ما بذلوا من جهود تربوية واقتصادية وثقافية وإعلامية - فقد انصرفت جهودهم إلى الهجوم على الإسلام والمسلمين بحسبانهم رمزًا للجمود والتقليد ومجافاة التطور، زاعمين أنهم لا يرجى صلاحهم إلا بالتخلي عن هذا الداء الكامن القديم، ببتره واستئصاله، وبذلك وحده يمكنهم الانخراط في كل مظاهر الحضارة الغربية وشكلياتها، ويزعمون أن ذلك ناجم عن تعصب المسلمين الديني، فهم يريدون تحكيم الدين في زمان انتهى فيه أمر الدين كقوة في حياة المجتمع، أصبحت الدولة علمانية لا تتقيد في حركتها بتوجيه ديني، إذ أصبح الدين أمرًا شخصيًا لا علاقة للآخرين به. وهذا الأمر في ظاهره منطقي لو أن الأمر أمر دين لا يتناول قضايا المجتمع بالتفصيل كالدين المسيحي أيضًا، أو لو أن الأمر أمر مجتمع كالمجتمع الأوربي الذي هو في الواقع تجسيد لمعطيات الحضارة الإغريقية الرومانية في إطار مسيحي. فما أكثر مظاهر هذه الحضارة الغربية النابعة أصلاً من هذا التراث الأوربي المشترك، وذلك قد ينسجم عاطفيًا وشعوريًا مع الشخصية الأوربية، ولكنه قد لا ينسجم مع شخصيات حضارية أخرى مختلفة المنابع.
ويتبين خطل هذه المقارنة بين المجتمع المسلم والمجتمع الغربي؛ من أن عنصر الدين الذي كان في حياة الفرد الأوربي - خاصة في أيام طغيان البابوات - شيئًا غريبًا عنه، بل عدو يضغط على حريته الفكرية والشعورية ويستلب مقدراته، ولا حلّ إلا بمحاربته وإقصائه، بحيث يكون شيئًا هامشيًا لا يحكم علاقات الأفراد، ولا يتسلط على الحاكمين والمحكومين. وقد تم ذلك في حدود. لكن عنصر الدين في حياة الفرد المسلم هو النسيج الحضاري الذي يلف كل كيانه، ويطبع شخصيته بطابعها المميز في الفكر والشعور والمسلك، في المنزل، وفي الشارع، وفي كل مكان، وهو أمر شخصي ذاتي متغلغل في حنايا النفوس والقلوب. لم يعد دينًا خارجيًا عقليًا بل أصبح إرثًا حضاريًا وذاتية، بل قومية.
وهذا يفسر طغيان هذه الذاتية الحضارية على كل المسلمين، وإن لم يتقيد الكثيرون منهم بحرفيات الدين بمعناه الضيق في عرف الأوربيين. وتجريد حياة المسلمين من الدين - بعدوى العلمانية - لا ينتهي بإقصاء الدين فحسب، بل ينتهي بتجريد الأمة من كل مقوماتها، وتدمير شخصية الفرد والجماعة التي صاغتها تعاليم الدين التي هي دينية ودنيوية في ذات الوقت.(1/58)
ولعله من مفارقات الأقدار أن كثيرًا من المتحدثين باسم الدين في عهود الانحطاط، قد جردوا الدين من هذا المعنى الحضاري الشمولي الذي يسم المجتمع المسلم ويعطيه كينونته، وانصرفوا إلى الدين بمعناه الأوربي الضيق، يلحون على تفصيلات الأحكام، ويتصيدون المفارقات بين نموذج الإسلام الأمثل والإسلام التاريخي المطبق في حياة الناس. وبذلك وقر في نفوس كثير من الناس - خاصة في العصور الحديثة - أن الإسلام قد انحسر عن حياة الناس ولم يعد له مكان إلا في هذه الأضابير والمدوّنات وكتب الفقهاء وعلماء الشريعة. فإن الدين هو ما يتحدث عنه هؤلاء فهو فعلاً قابع في الكتب والمدونات. ولكن الدين ليس مقصورًا على هذا وحده رغم أهميته، كما رأينا في المجتمع الإسلامي، بل الدين هو كل الحياة. ويكفي أن تدلل على هذا الفهم الضيق لمعنى الدين أن المسلمين الأوائل فهموا من كلمة العلم كل معرفة يكتسبها الإنسان، ولكن معنى العلم تقلص في عهود التخلف ليصبح وقفًا على علوم الشرع وحدها. وهذا التضييق في معنى الدين ناجم عن التضييق العام الذي اعترى حياة المجتمع المسلم في فترة التيه التي أعقبت انهيار دولة الإسلام، وما تبع ذلك من الانهيار العام في كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، بفعل الغزو التتري، والحروب الصليبية، وتمزق الدولة بين الأمراء المتصارعين، وتسلط المماليك ومن إليهم، مما أدى إلى الإفقار العام، وإغلاق المدارس المتخصصة، ومعامل العلماء ومراصدهم، والمكتبات الكبرى في كل مدن الإسلام، فانطفأت جذوة العلم التي ازدهرت بها حضارة الإسلام في الطب والهندسة والفلك والفلسفة، وهذه كلها كانت ترفد علوم الدين وتمنحها الحيوية الدافعة للاجتهاد ليواكب الفقه تطور المجتمع، وبانهيار كل هذه العلوم وانحسارها وانتقال ثمراتها إلى أوربا - لتقيم عليها حضارتها الراهنة - لم يبق للمسلمين سوى الحد الأدنى الذي يحفظ عليهم وجودهم، وهو علوم الدين بمعناه الضيق، وما يتصل بها من علوم اللغة، وبفقدان المجتمعات المسلمة السيطرة المركزية على حياتها من جراء ذلك تم الانفصام في حياة المجتمع، وانشطرت الوحدة العضوية التي كانت قائمة بين الدين والدنيا، خاصة على المستوى الرسمي، ولم يعد الولاة يهتمون بأمر الدين إلا في الحدود التي تضمن تسلطهم، وانصرف الفقهاء للتشبث بما بين أيديهم من نصوص هي كل ما تبقى من آثار الإسلام الملموسة، يلحون عليها بالشرح والتعليق بعيدًا عن واقع الحياة وتطورها.
ولكن الإسلام كحضارة وتراث كامن في النفوس، ظل يصوغ شخصيات الأفراد والجماعات طوال هذه القرون، وقد أسهم العلماء والفقهاء في رفد هذه الحركة الحضارية بإلحاحهم على تعليم الناس ما يجب معرفته من أسس دينهم، وإن كانوا يرون ما هم بصدده هو الدين لا غير.
وهذا يعود بنا إلى نقطة البداية التي انطلقنا منها. فهناك النموذج الأمثل للحضارة الإسلامية - كما تبدو في صورتها الرسمية المدونة في الكتاب والسنة والشريعة - وهناك ما ترسب منها في حياة الناس وعقولهم وقلوبهم، وقد تتبعنا ما انتهى إليه الأمر في مجتمعات المسلمين.(1/59)
ورغم أننا ذكرنا أن ما انتهينا إليه هو في جماعة التجسيد الحي لفكرة الإسلام في إطار الزمان والمكان، إلا أن هناك من الظروف الموضوعية - وعلى رأسها تخلف المسلمين وتكالب أعدائهم عليهم خاصة في الحقبة الأخيرة - ما يحول بين هذا التجسيد والانطلاق في رحاب الزمان، بحيث تتجدد الشخصية وتزداد ثراء وتتخلص من قيودها. وقد سلف القول أن ما يتشربه الناس من قيم الحضارة في عنفوانها يختلف عما يؤول إليه أمر الناس في عصور التدهور والانحطاط. فإن الانهيار المادي يعقبه بالضرورة انهيار فكري، ومن ثم تحدث الانقسامات في المجتمع، وتستحيل كثير من دوافع القوة والمخاطرة التي كانت مبعث الحركة والنشاط في البداية إلى قوى سالبة تعوق حركة المجتمع وتبقيه حيث هو، لأنه لا يضمن أن ما سيأتي به في المستقبل خير مما هو عليه فالإيمان بالقدر خيره وشره - الذي كان يدفع بالأولين إلى المخاطرة والمجازفة إيمانًا بالقضاء والقدر - استحال في النهاية إلى تواكل وخمول وانتظار لما سيأتي به القدر، لأن ما هو مقدر لابد أن يأتيك فلماذا تجهد نفسك؟. وإرادة الفاعل التي كان يرى فيها المسلم الأول سر حركة الكون وسر نشاطه هو، تصبح في عهود الجمود مدعاة لتعطيل إرادة الأفراد ووضع القيود على حريتهم في الحركة، لأن الله لو أرادك على غير ما أنت عليه لفعل، فلماذا تعاند إرادة الله؟ وهذه الإرادة الإلهية الفاعلة التي حفّزت المسلمين الأوائل للبحث والتنقيب عن أسرار الكون - كما أمرهم الله - فأقاموا صرحًا للعلوم الطبيعية دعموا به مكان العقل في فهم العلاقات بين الأشياء، استحالت في نهاية المطاف إلى قوة رهيبة تلغي قانون النسبية، وتعطل معظم ما يستقيم مع العقل من الأفعال وردود الأفعال. ومن ثم انفتح الباب واسعًا أمام الخرافات والأساطير والدجل، وأصبح معظم الناس يعيش في عالم غيبي لا تحكمه قوانين الطبيعة، ولا يتقيد بالأسباب، وإنما تسيطر عليه الشطحات والغارات والطيران في الهواء وغير ذلك من الخوارق والكرامات التي نفاها رسول الإسلام وكان أحق بها من غيره. وهكذا أوغل معظم الناس في الجهالة، واستغلهم المستغلون باسم الدين، واستبد بهم الحكام فاستعانوا على دنياهم بهذه القيم، وبعدت الشقة بينهم وبين قيم دينهم الفاعلة، واستحالت العبادات التي ترمز لهذه القيم إلى حركات آلية يفعلها المسلم بحكم العادة والألفة، دون أن تردع عن غيّ، أو تدفع إلى خير إلا في أضيق الحدود، رغم كثرة المساجد ودور العبادة وكثرة مرتاديها، ولكنهم كما قال رسول ا صلى الله عليه وسلم غثاء كغثاء السيل، نُزِعت المهابة من قلوب أعدائهم، ووُضع في قلوبهم الوهن، وهو حب الدنيا وكراهية الموت. وفي كل ذلك إشارة إلى أن الشخصية الحضارية رغم احتفاظها بجوهر كيانها المستقر في القلوب والضمائر، قد اتجهت تحت ظروف الجهالة والاستبداد والفقر وجهة سلبية في كثير من جوانبها، ولكنها ما تزال تحمل في عمق أعماقها روح حضارتها وبذرة إبداعها، من إيمان بالله، وإيمان بالإنسان وقدرته على صنع المعجزات. وهي رغم غشاوات الجهالة وتخلف القرون التي رانت عليها وحجبت جذوتها عن الإشعاع في واقع حياة الناس، إلا أنها كامنة وتنتظر لحظة الوعي واستعادة الإرادة لتتفجر من جديد.(1/60)
ولعل مما يضاعف من صعوبة استعادة هذا الوعي وتحرير الإرادة المأزق الحضاري الذي نعيشه اليوم، والذي يناقض ما كان عليه أمرنا في البداية. فإن المسلمين الأوائل قد واجهوا الوضع الحضاري في الأمصار وهم في مركز القوة والسلطة، والحضارات السائدة في موقف الضعف والجمود، وبذلك تم لهم تطويع كل التيارات الحضارية التي تشربوها وصاغوها صياغة إسلامية تتلاءم والمزاج النفسي والعقلي للمسلمين، دون تزمت أو حجر. ونحن الآن في موقف الجمود والضعف في مواجهة حضارة عارمة القوة، يسعى أصحابها لفرضها علينا كبديل عن حضارتنا الجامدة. وبذلك أصبحت معركتنا مع هذا الغزو الحضاري الضاري معركة حياة أو موت. فرضت علينا الحرب في جبهتين: جبهة داخلية يتوجب منها أن ننتصر على أنفسنا باستعادة فعالية شخصيتنا الحضارية في كل أبعادها الدينية والاجتماعية، مما يقتضي ثورة ثقافية عارمة ننفتح بها على ماضينا في ضوء تجربتنا المعاصرة، عودة واعية لمنابع إبداعنا، وتجديدًا لوسائلنا في تحقيق ذلك. وجبهة خارجية نصد فيها كل محاولات الطمس والإبادة الموجهة إلينا من قبل حضارة الغرب، دون أن يحول ذلك بيننا والاستفادة من منجزات هذه الحضارة وتطويعها لخدمة أغراض حياتنا. كل ذلك نفعله ونحن في بحر لجّي يكاد يغرق وجودنا من تأثير فعالية حضارة الغرب وقدرتها على اختراق الحدود والعقول، حتى انتهت بالناس في كثير من بلاد المسلمين إلى خيارين: إما التمسك بما آلت إليه حضارتنا رغم تخلفه والتقوقع فيه والعيش على ماضيه، وإما نبذه وأخذ ما عند الغرب بخيره وشره كما زعم أحد ممثلي هذا الاتجاه في بداية أمره. وقد وضح ذلك حين سعى المسلمون لتطوير حضارتهم بأخذ ما يتلاءم معها من مكتسبات الغرب، كما فعل أوائلهم في مواجهتهم للحضارات القديمة، ونجم عن ذلك ما سمي بالنهضة العربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكن حركة الاستعمار التي استولت على معظم العالم العربي والإسلامي بعد ذلك أجهضت هذه المحاولة، ووضعت حدًا لذلك التطور الطبيعي لإحداث النهضة، وفرض المستعمرون نظمهم الغربية في التربية والتشريع وكل مجالات الحياة الفاعلة، ولم يبق من الإسلام في حياة المسلمين إلا الشعائر الدينية على مستوى الأفراد، وقوانين الأحوال الشخصية على مستوى المجتمع.
والناظر الآن في أحوال العالم الإسلامي - وقد انقضى ما يقرب من نصف قرن على خروج جيوش المستعمرين من معظم أنحاء العالم الإسلامي - يجد أن الأمر أشد تعقيدًا مما كان عليه الحال قبل دخول المستعمرين، من تغيرات في عقول كثير من المسلمين وحياتهم، فقد وضح لمعظم الناس أننا رغم ما حصلنا عليه من تقدم شكلي فإننا ما نزال في موقف الجمود والضعف في مواجهة حضارة عارمة القوة يسعى أصحابها إلى فرضها علينا كبديل عن حضارتنا، ولا يقبل هذا المنطق الاستعماري إلا قلة ممن استهوتهم حضارة الغرب، لأن الناس لا يستبدلون نظامًا بنظام بهذا الأسلوب الاستبدادي، الذي يهدف إلى إلغاء شخصيات الأمم وصبها في قالب الشخصية الغربية، مهما تدثر بالحديث الأجوف عن نشر الديمقراطية والحريات وحكم القانون، وهي دعوات لا يتقيدون بها في تصرفاتهم مع الآخرين، كما هو واضح في كيلهم بمكيالين، وازدواجية معاييرهم حين يتعلق الأمر بمصالحهم أو أهدافهم السياسية. والحضارة روح والأشكال تعبير عنها. وقد كان من آثار احتكاكنا بالحضارة الغربية في القرنين الماضيين أن بدأنا ننصرف قليلاً عن بهرج الأشكال التي غزت حياتنا، ونتوفر على روح هذه الحضارة القائمة على العلم والصناعة، رغم سعي الدول الغربية لحرمان الدول النامية - ومن بينها العالم الإسلامي - من الحصول على ثمرات العلم التي تحدث التطور، ليظلوا عالة على الغرب، مستهلكين لا منتجين لبضائعه. وقد بدأ هذا الوعي يحدث يحدث آثاره على وجودنا ويدفعنا إلى اكتشاف نفوسنا التي علاها صدأ القرون، وفي ذلك ما فيه من تنشيط لقوانا الكامنة، مما يجعلنا نستعيد كثيرًا مما فقدناه في عصور التخلف، من وحدة شخصيتنا العضوية، ونظرتنا الشمولية للدين، بحسبانه إنجازًا حضاريًا عامًا يدفع بالإنسان لتأكيد إنسانيته بقدر إيمانه وإخلاصه في عبادة ربه. وكلما استعدنا قدرًا صالحًا من قوتنا كان في ذلك دعمًا لإرادتنا في التحكم في التيارات التي تصب علينا من الخارج، فنقبل منها ما يتلاءم وكياننا الحضاري، ونرفض منها ما يصادمه. وبذلك نتجاوز مرحلة التلقي والتقليد إلى مرحلة الهضم والتمثل والإبداع. ومن ثم تصبح التيارات الوافدة رافدًا لشخصيتنا الحضارية لا بديلاً عنها، فتتأكد بذلك ذاتيتنا، ونستعيد مبادرتنا على الإسهام في بناء الحضارة، كما فعلنا بالأمس. وبهذا وحده نصل حاضرنا بماضينا منطلقين لمستقبل مشرق، لأن كل أمة تتمثل من الحضارة السائدة ما ينسجم وشخصيتها، وهي تخضعه لمواصفاتها، فتكون ثقافتها المتولدة عن ذلك تعبيرًا عن ظروفها هي لا عن ظروف حضارية مجردة لا مكان لها إلا في دعايات المستعمرين وعقول من يستجيبون لهذه الدعايات.(1/61)
وكل ذلك يحتاج منا لثورة روحية شاملة في كل مجالات التربية والثقافة والسياسة، تشحذ من عزائم الناس، وتقوي من إيمانهم بأنفسهم، وتدفعهم إلى معرفة هذه النفس بالرجعة إلى منابعها الأصلية، رجعة موجهة بروح الحضارة الحديثة القائمة على العلم والابتكار. وبذلك نخلق المناخ الصحي للنهضة الحقيقية التي ترتكز على بعث شخصية الأمة الأصلية، نوصلها بكل تيارات الفكر الحية في عالم اليوم. وهذا شبيه بما حدث للحضارة العربية الإسلامية في بداية أمرها، مع الفارق الذي ذكرناه آنفًا. وهو أيضًا شبيه بما حدث في النهضة الأوربية المعاصرة بعد أن تحجرت الحضارة الإغريقية الرومانية، خاصة بعد أن ارتدت الزي المسيحي كما زعم المؤرخ جيبون في كتابه عن انهيار الإمبراطورية الرومانية.
ولكن الشخصية الأوروبية سرعان ما تململت تحت أشعة الشمس التي سلطتها عليها الحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية، فعبّت من ثمار هذه الحضارة في الفلسفة والعلوم والمهارات، وترجمت معظم الكتب العربية بما فيها القرآن إلى اللغة اللاتينية، ودرستها في مدارسها وجامعاتها التي قامت بتأثير هذه الحضارة الإسلامية في جنوب فرنسا وجنوب إيطاليا وبريطانيا وغيرها. وكان أن بعث ذلك فيها الوعي بذاتها، ونبهها إلى ماضيها، فرجعت تبحث عن أصول عبقريتها في العهد الإغريقي الروماني. وبدأ الناس يدرسون تراث الماضي في ضوء التجربة الجديدة بغرض اكتشاف روح هذه الحضارة، والتعرف على مصادر الإلهام فيها، والتي ما تزال كامنة في النفوس. ولم يلبث عصر النهضة أن انفجر عن هذه الحضارة الغربية التي نشهدها اليوم. وما حدث في هذه التجربة الغربية قمين بأن يحدث لحضارتنا العربية الإسلامية التي ما تزال روحها حية ومجسدة في شخصياتنا المعاشة، رغم كل المعوقات والحرب التي شنها وما يشنها أعداء الإسلام من المستعمرين، وضاعف من ضراوتها الجهل والتخلف والفقر (أعداؤنا الأساسيون). يجب أن يكون اندفاعنا القوي للتزود من العلوم والفنون التي تتيحها لنا الحضارة المعاصرة، مربوطًا باندفاع لا يقل عنه قوة لاكتشاف ذواتنا بدراسة تراثنا في كل أبعاده القريبة والبعيدة. وعندها سنكتشف أن كثيرًا مما ندرسه في مدارسنا - كنتاج لعبقرية أوربا - ما هو في معظمه إلا بضاعتنا القديمة ردّت إلينا في أغلفة أجنبية. وذلك يقتضي أن تكون الثورة الروحية الثقافية ثورة على الأمية الحضارية الغاشية في أواسط متعلمينا الذي تعلموا في المدارس مبادئ العلوم المختلفة، ولكنهم يجهلون الكثير عن ماضي أمتهم وعبقريتها، ومنابع الأصالة والإبداع الكامنة في نفوسهم والمتوارثة عن أسلافهم. فإن معرفة هذا الماضي المشرق بدراسته في ضوء التجربة الحضارية المعاصرة كفيل بأن يفجر في نفوسنا جميعًا بذور الأصالة الكامنة في أعماقنا، والتي هي مقرونة بهذا الماضي. وعندها سيكون عطاء العرب والمسلمين للحضارة عظيمًا، إذ أن ما تحتاج إليه البشرية في مقبل أيامها، وقد اندفعت في تحقيق رغباتها المادية وإشباع شهواتها في التسلط والحروب، هو ضرب من التوسط لا يحققه إلا ميزان التعادل الذي تقيمه رسالة الإسلام الخاتمة في نفوس الأفراد والجماعات. وقد جاء الإسلام أصلا لمواجهة تحديات هذا التقدم المادي الهائل بحله الذي لا حل سواه، وهو جوهر خاتميته المتمثل في خُلق (الفرد الجماعة)، الذي تتكامل قواه الروحية مع قواه الحسية، ليواجه أزمات التقدم بشخصية موحدة متكاملة بدل هذه الشخصية الأحادية النظرة التي تمشي على رجل مادية واحدة، وتبتر رجلها الروحية كما تفعل حضارة الغرب المرجوحة، والتي جاء الإسلام لمعالجة سلبياتها، لأن الأساس الذي قامت عليه من فصل الدين عن الدنيا كان صالحًا لمراحل الحياة البسيطة التي فيها الروح الجماعية حركة الجماعة كما سبق القول.
ومن الواضح أن هذا التوجه الجاد الذي انتظم معظم العالم الإسلامي نحو استعادة فعالية الشخصية الحضارية وأخذهم بأسباب العلم وسعيهم لنقض ما رسبته مخططات المستعمرين في حياتهم من نظم تربوية وقانونية، وتحكيم قيم دينهم في حياتهم الاجتماعية والسياسية، كل ذلك قد أثار الهلع في نفوس أهل الغرب الذين ظنوا أنهم قد أفرغوا الإسلام من محتواه الشامل، ليصبح عبادات فردية كما تقضي بذلك علمانيتهم، التي تبعد الدين عن حركة المجتمع الفاعلة تحت شعار الدين لله والوطن للجميع.
وأمام هذا التحدي الكبير لمخططاتهم الرامية لصب العالم في قالب الحضارة الغربية عامة عن طريق العولمة التي توظف كل الوسائل المادية والمعنوية لتحقيق ذلك الهدف، فقد تبين لهم أن الخطر عليهم أكبر من أن تحتويه عولمتهم. فاحتاجوا كما يقول المثل السوداني (إنهم محتاجون لمساعدة العولمة بجكّة). وهذه (الجكّة) ـ الجري ـ هي اللجوء إلى القوة لفرض مخططاتهم بعد أن فشلت طرق الدعاية والإغراء في حمل المسلمين على التنازل عن قيم دينهم. والواقع أن الحضارة العربية الإسلامية تكاد تكون الحضارة العالمية الوحيدة الحية الذي ظلت لأكثر من ألف عام تواجه بصلابة حضارة الغرب وتستعصي على الانصياع لها، في حين استكانت لها معظم حضارات العالم.(1/62)
ومن ثم كان من الطبيعي أن يرى الغرب في الإسلام - عدوه التقليدي - هو الهدف، خاصة بعد انهيار الشيوعية التي نجحوا في هزيمتها. وهذا هو سر هذه الحملة المنظمة على الإسلام والمسلمين في هذه الأيام، والمحاولات المستميتة لإجهاض كل تقدم إسلامي في أي مجال من المجالات باستعمال القوة إن لزم الأمر. وينسى الغربيون ظلمهم الفادح للمسلمين في أوطانهم بما في ذلك وقوفهم الفاضح مع العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين رغم تحججهم الكاذب بدعم حقوق الإنسان. كما ينسون أن ما يسمونه بالإرهاب الإسلامي هو حصيلة ظلمهم وسياساتهم الخاطئة في كل أنحاء العالم، والتي تدعو كل صاحب ضمير للثورة عليهم. ومن الواضح أنهم ظنوا أن الفرصة مواتية - وقد نجحوا في هزيمة الشيوعية - أن يوجهوا كل طاقاتهم ودسائسهم لهزيمة الإسلام في حياة المسلمين، وفي حياة البشرية، وقد تجاوز الأمر حدود الصراع المعهود بين الحضارات ليستحيل في الآونة الأخيرة إلى حرب صليبية صهيونية على المسلمين كافة، مما يقتضي مواجهة هذا العدوان السافر على وجود الأمة بما يستحقه من تدابير، وعلى رأسها الإصلاح الشامل لأنظمة الحكم في بلاد المسلمين، لتواجه مع شعوبها هذه الحرب الظالمة، وهي حرب لا تستهدف وطنًا بعينه، بل تستهدف أمة بأسرها. ولذلك لابد أن تواجهها الأمة بأسرها، مما يقتضي تجميع الصفوف والطاقات لمواجهة العدوان، مثلما فعلوا في كل تاريخهم مهتدين في ذلك بما كادوا أن ينسوه من قول المولى جل وعلا: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) [الأنفال/60]. وما النصر إلا من عند الله، والله جل وعلا الذي وصف أمة الإسلام بقوله جل وعلا: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) [آل عمران/110] كفيل بنصر دينه الذي ختم به الديانات لحل أزمة الإنسانية في هذا الطور الأخير من مراحل تقدمها، في وقت تهدد فيه حضارة الغرب المرجوحة بإفناء الإنسانية بظلمها وتعدياتها على الإنسان وبيئته. والله غالب على أمره وهو المستعان.
http://www.meshkat.net المصدر:
==============(1/63)
(1/64)
الراعي العربي والذئب الأمريكي
يسري صابر فنجر
من الأمور المسلَّم بها أن النبي صلى الله عليه وسلم أُعطي جوامع الكلم، وإذا كان الأسلوب القصصي تألفه النفس وتصغى له الآذان خصوصاً إذا كان حيوان يتكلم أو جماد يتحرك أو حجر يحس، فقد ساق لنا الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه (3471) والإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه (2388) من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ما أحاول تنزيله على الواقع، وأخذت منه عنوان مقالي، وكم في كلامه صلى الله عليه وسلم من إرشادات وتنبيهات نحن في غفلة عنها، نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا ويلهمنا رشدنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل على الناس فقال: " بينما رجلٌ يسوق بقرة له إذ ركبها فضربها، التفتت إليه البقرة فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث" فقال الناس: سبحان الله تعجباً وفزعاً أبقرة تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر -وما هما ثم- وبينما راع في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: استنقذتها مني فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري" فقال الناس، سبحان الله ذئب يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإني أومن بهذا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم".
أما واقعنا فكنا خير أمة أخرجت للناس، وكانت لنا خلافة ونظام عالمي عرف حقوق العدو قبل الصديق فأداها وشهد له العدو بذلك، وكانت لنا ذاتية ومرجعية...، ثم تحول ذلك كله إلى غثائية نشتكي منها الآن، ولا راعي يدفع هذا العدو الأمريكي الصائل الظالم الذي لم ولن يعرف إلا الحرب والدمار وانتهاك حقوق الإنسان...
حتى لم يفعل أحدهم من أدعياء الرعاية فعل عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم حينما استأذن له حاجب أبرهة فقال له: أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، وهو الذي يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأذن له أبرهة، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جانبه، فقال له عبد المطلب: حاجتي أن ترد عليّ مائتي بعير أصابها لي، فقال له أبرهة: أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لأهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه فقال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك، فردّ على عبد المطلب إبله، وانصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في رؤوس الجبال، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، وقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
اللهم إنّ العَبْد يَمْـ *** نَعُ رَحْلَه فَامْنَعْ حِلالَك
لا يَغْلِبَنَّ صَليبُهُم *** ومِحَالُهُمْ غَدْواً مِحالِكْ
إنْ كُنْتَ تارِكَهُمْ وقِبْلـ *** ـتنَا فأمْرٌ ما بَدَا لَكْ
فحرب أمريكا ضد الإسلام والمسلمين قائمة ومستمرة تحت أي مسمى زعموا، وصرحوا بذلك مراراً، وأن الإسلام هو عدوهم " قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ "(آل عمران: من الآية118).
ويحذرون من المد الإسلامي، والصحوة الإسلامية.
ونحن نقول: للإسلام رب سيحفظه بل وعد بنصره - سبحانه - لكن رعايا المسلمين وأسراهم في كوبا وغيرها من يسأل عنهم؛ من يطلب فك أسرهم؟ وأموال العرب والمسلمين التي جمدت في البنوك وتقدر بالمليارات من يقول فيها حتى قول عبد المطلب ولِمَ لَمْ نفزع وندعو ونستنصر ربنا كما فعلت قريش؟ ماذا ننتظر؟ فالبقرة نطقت من الظلم، والذئب قال للراعي: أين أنت يوم أخذتُها منك، ونحن لم نخلق لنكون أذيالاً لأمريكا أو غيرها ولم نخلق لنبحث عن المصلحة الشخصية من منصب وجاه وغيره من متاع الدنيا، ولكن خلقنا نحمل رسالة فيها عزتنا وكرامتنا وعلى أساسها كان بنياننا " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" ومنها غذاء أرواحنا واجتماع أشلائنا " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " فإلى كل راعٍ مسئول عن رعاياه أن يحمل هذه الرسالة، ويحمل رعاياه عليها، ويجعلها شعاره، فقد أتاه الذئب وتحكّم فيه يوم غفل عنها، ومتى استطاع الراعي أن يدافع عن غنمه وكل واحدة في جهة، فلا بد أولاً أن يجمع شملهم ثم يدافع عنهم بكل قوته وإنما يبحث الذئب عن الغنم القاصية الشاردة...
نسأل الله أن يخذل أمريكا وأعوانها ويعجل بهلاكهم، وينصر دينه ويعلي كلمته إنه على ذلك قدير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
=============(1/65)
(1/66)
الهيمنة أم البقاء.. كتاب يفضح واشنطن
قراءة: أحمد بن زيد
6/9/1427هـ الموافق له 28/09/2006م
مؤلف هذا الكتاب شخصية فريدة في ذاتها كما هي فريدة في أفكارها؛ فهو يُصنّف ضمن أهم ثلاث شخصيات ثقافية على قيد الحياة في هذا القرن، عرّفه أذيال واشنطن بأنه "المنشق" على السياسة الأمريكية، ووصفه آخرون بمن يكره ذاته، بينما اعتبرته محطة (CNN) الإخبارية "أهم نُقّاد السياسة الأمريكية" إنه (ناعوم تشومسكي) الذي وُلد سنة 1928 في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة لعائلة من المهاجرين الروس، ويُعدّ أهم عالم لغويات معاصر، وأحد أكثر العلماء تأثيراً في علم اللغويات الحديث.
ولعل كتابه (الهيمنة أم البقاء) يُعدّ من أهم مؤلفاته على الإطلاق، والذي يتناول قضايا السياسات الأمريكية، ويستخدم فيه أسلوب التحليل العميق في الكشف عن السعي الأمريكي نحو السيطرة على العالم، ضاربة عرض الحائط بالمبادئ والقيم الإنسانية، كما يتطرق إلى الأهداف الحقيقية لإدارة بوش من وراء غزو العراق، وخفايا العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية، وممارسة أمريكا لإرهاب الدولة من أجل إخضاع أنظمتها لسيطرتها.
استبداد خلف قناع الديمقراطية!
ويورد الكتاب في الفصل الأول مقولة (دارفست ماير) وهو من كبار أعلام البيولوجيا الذي يؤكد أن تاريخ الحياة على الأرض يدحض الزعم القائل بأنه خير لك أن تكون ذكياً من أن تكون غبياً، وذلك بالرجوع إلى النجاحات البيولوجية على الأقل، فالخنافس والبكتيريا أنجح من البشر بكثير من جهة البقاء على قيد الحياة، وذلك يشير إلى أن البشر استخدموا ذكاءهم لتدمير أنفسهم وأرضهم على امتداد تاريخهم، بحيث يجعل من ذلك خطأ بيولوجياً بتعديهم على البيئة الحاضنة للحياة.
ثم يؤكد الكاتب أن عام 2003 تضمّن الكثير من المخاوف الواقعية التي لها ما يسوّغها بشأن بقاء الجنس البشري على قيد الحياة، ملقياً باللوم على إدارة بوش التي عمدت إلى عرقلة جهود منظمة الأمم المتحدة الرامية إلى حظر عسكرة الفضاء الخارجي، وهو خطر جسيم يتهدد البقاء، كما أنها وضعت حداً نهائياً للمفاوضات الدولية لدرء الحرب البيولوجية، ومضت إلى ضمان حتمية الهجوم على العراق على الرغم من المعارضة الشعبية، ومن تحذير منظمات الإغاثة ذات الخبرة الواسعة في ظروف العراق من هذا الغزو الذي قد يعجل بكارثة إنسانية.
كذلك مضى الرئيس بوش ومساعدوه في تقويض المساعي الدولية الهادفة إلى تقليص الأخطار التي تكتنف البيئة والمسلم بأنها أخطار جسيمة، وأشار الكاتب إلى أنه في مستهل عام 2003 كشفت الدراسات أن الخوف من الولايات المتحدة قد بلغ ذرى عالية جداً في جميع أنحاء العالم، مشمولاً بارتياب شديد من قيادتها السياسية، ونبذها لأبسط حقوق الإنسان، وازدرائها للديمقراطية بشكل لم يسبق له مثيل، ثم يعهد الكاتب بأسلوبه التحليلي العميق إلى كشف الأساليب الاستبدادية التي تختفي وراء قناع الديمقراطية الذي تلبسه أنظمة دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا.
هيمنة بقوة السلاح!!
وينتقل نعوم تشومسكي في الفصل الثاني للحديث عن الاستراتيجية الامبريالية الكبرى للولايات المتحدة التي تمثلت في إعلانها عام 2002 عن نيتها للحفاظ على هيمنتها كأقوى دولة في التاريخ من خلال التهديد بالقوة المسلحة أو باستعمالها فعلاً.
كما تؤكد هذه الاستراتيجية حق الولايات المتحدة في اللجوء إلى شن حرب وقائية مخالفة للقانون الدولي، وتندرج في جرائم الحرب، ويقر بعض المدافعين عن الاستراتيجية الأمريكية أنها تتعارض بشكل فظ مع القانون الدولي، لكنهم لا يرون في ذلك أي ضرر لاعتبار أن هذا القانون حسب رأيهم لا يعدو أن يكون كلاماً فارغاً.
وقد أوضحت واشنطن خلال حملتها ضد العراق أنها ستتجاهل مجلس الأمن، ولن تتقيد بميثاق الأمم المتحدة، كذلك نصحت القيادة الاستراتيجية بوجوب أن تحتفظ الولايات المتحدة بحق الأولوية في استعمال الأسلحة النووية، وأن التسابق إلى امتلاك الأسلحة التدميرية الشاملة حتى بين قوى صغيرة ليزيد من حجم المشكلة المهلكة، ثم أصبح هناك سعي أمريكي للهيمنة على الفضاء لكي تتمتع بالحصانة والمنعة، وأن تعمل على ضمان حدود معينة لأي ممارسة سيادية من جانب دول قد تعوق مخططاتها العالمية.
وقد جرى تعديل هذه المخططات على مر السنين للتعامل مع التحولات، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي عزز وسائل العنف بشكل مطّرد دفع الجنس البشري المهدد بالانقراض إلى شفير الكارثة.
حرب تفتقد المصداقية:
ثم يتناول الكاتب تطبيقات هذه الاستراتيجية على الوضع العراقي الذي تمثل في إظهار العراق ورئيسه صدام حسين كمصدر للشر، وإقناع الجمهور بامتلاكه لأسلحة دمار شامل، وحشد حملات دعائية لتسويغ الحرب على العراق، وكان من الواضح منذ الوصلة الأولى للحملات الدعائية أنها تفتقر للمصداقية، وقد عارضت عمليات التفتيش على الأسلحة؛ لأنها خشيت ألاّ تؤدي إلى شيء.(1/67)
ومضى بوش وأعوانه في إطلاق التحذيرات المخيفة حول خطر صدام حسين الداهم على الأمم المتحدة وعلى جيرانه، وارتباطاته بما يصفونهم بـ"الإرهابيين الدوليين"، ملمحين دون مواربة إلى تورطه في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفي غضون أسابيع صار 60% من الأمريكيين يعدون صدام حسين خطراً مباشراً على أمريكا، وكان من الواضح أن هدف أمريكا هو تنصيب النظام الذي تراه في العراق، حتى لو نزع صدام حسين سلاحه تماماً، واختفى هو وجماعته، وقد أعلم (ارنست أري فلايشير) الناطق باسم البيت الأبيض الصحفيين بهذا الهدف قبل ضرب العراق.
وحين أخفقت بعد احتلالها للعراق في العثور على أسلحة دمار شامل انتقل موقف إدارة بوش من الحديث عن اليقين المطلق بوجود هذه الأسلحة إلى الحديث عن الاتهامات الأمريكية، يسوّغها اكتشاف أجهزة من الجائز استخدامها لإنتاج تلك الأسلحة، مع أنه من الوجهة العملية لا يوجد بلد ما إلاّ ويملك الإمكانية والقدرة على تصنيع أسلحة الدمار الشامل.
تهجّم على الشعوب:
ويستعرض الكاتب هجمات الولايات المتحدة على دول لتغيير أنظمة الحكم فيها مثل: نيكاراغوا وليبيا وبنما بادعاءات أنها تشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي مستخدمة فيه أسلوب "الإرهاب الدولي".
ولم تقم هذه الدول بالرد على الهجمات الأمريكية بعمل تفجيرات في ولاياتها، أو عمل اغتيالات سياسية، بل لجأت دولة مثل نيكاراغوا إلى المحكمة الدولية كي تسعفها، وفي عام 1986 أصدرت المحكمة قراراً لمصلحة نيكاراغوا، وأدانت واشنطن على استعمالها غير المشروع للقوة، وأمرتها بدفع تعويضات وصلت قيمتها إلى (17) مليار دولار، واستطاعت أمريكا السيطرة من جديد على نيكاراغوا، وجعلتها تتخلى عن مطالبتها بالتعويضات.
ويذكر الكاتب أن رقم (17) مليار دولار هو نفس المبلغ الذي دفعه العراق إلى الأفراد والشركات تعويضاً عن غزوه للكويت، كما أن عدد قتلى الاجتياح العراق كان جزءاً ضئيلاً من قتلى الاجتياح الأمريكي لنيكاراغوا وإسرائيل للبنان عام 1982، ولم تكن هناك أي تعويضات، لكن الكاتب يشير إلى التعريف الأمريكي السياسي للإرهاب بأنه مكافحة التمرد حتى لو مارست هي نفسها الإرهاب لتحقيق هدفها، والتعاريف الرسمية للإرهاب لا تجيب عن كل سؤال بدقة، ولا ترسم حدوداً واضحة بين الإرهاب الدولي والعدوان أو بين الإرهاب والمقاومة.
الأهداف الخفية لسياسة واشنطن:
ويتناول الكاتب أحداث كوسوفو التي أظهرت أن الولايات المتحدة قد تدخلت بروح الحمية الخلقية لحماية السكان الكوسوفيين من عمليات القمع الصربي لهم، إلاّ أن الحقيقة هي أن هذا التدخل من أمريكا وحلفائها من الحلف الأطلسي لم يكن استجابة إنسانية لعمليات التطهير العراقي، بل لقطع الطريق على الأخطار التي تهدد حلف شمالي الأطلسي والقوة الأمريكية من رجل تحداها مثل ميلوسيفيتش، وإن قصف صربيا كان عبرة لأي دولة أوروبية قد يتبادر إليها أنها مستثناه من قواعد حقبة ما بعد الحرب الباردة، ولتأكيد هيمنة الولايات المتحدة في أوروبا، وإجهاض أي محاولة لخروجها عن السيطرة الأمريكية، والدليل على ذلك أنه بعد أربع سنوات فقدت كوسوفو أي اهتمام من قبل أمريكا - وأوروبا على الرغم من أن نصف سكان هذا الإقليم يرتعون اليوم في البؤس.
هذه الشواهد يسوقها الكاتب ليدل على أن مواقف الإدارة الأمريكية وحلفائها لا تنبع من أهداف إنسانية خلقية كما يظهر في الشعارات بل لغرض فرض هيمنتها، فمثلاً عندما عارضت تركيا أوامر واشنطن عام 2003 في رفض السماح بشن هجوم على العراق بدأنا نقرأ عن سجلات تركيا المروعة في تعذيب وقتل الأكراد، على الرغم من أنها كانت تتم بمساعدات أمريكية، ويشير الكاتب إلى أن الصيغة الدارجة لرسالة ما تسمى بالدول المتحضرة المستنيرة مفادها أن الحاجة إلى الاستعمار ماسة اليوم مثلما كانت في القرن التاسع عشر لحمل مبادئ النظام والحرية العدالة إلى باقي أنحاء العالم، والتي تعيد الغرب إلى شريعة الغاب للتحكم بمصير الدول وشعوبها.
الأزمنة الخطرة:(1/68)
وفي الفصل الرابع الذي يسميه الكاتب الأزمنة الخطرة للإشارة إلى المخاوف الحقيقية التي تهدد الجنس البشري من جراء سياسات الإدارة الأمريكية، ويتناول جوانب من تاريخ الشخصيات التي وظّفتها إدارة بوش في تسويق الحملة المعلنة على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر، ومن بينها (جون نيغروبونتي) الذي كان يدير السفارة الأمريكية في هندوراس يوم كانت القاعدة الرئيسة للهجمات المسلحة على نيكاراغوا، وقد وقع عليه الاختيار أن يكون المشرف على الجانب الدبلوماسي للمرحلة الراهنة من الحرب على الإرهاب داخل أروقة الأمم المتحدة، أما الجانب العسكري فيديره رامسفيلد الذي كان موفد ريجان للشرق الأوسط خلال فترة من أسوأ الفترات، كما انتُدب لإرساء علاقات امتن مع صدام حسين، أما كولن باول الذي قام بدور المعتدل في الإدارة الأمريكية فقد عمل مستشاراً للأمن القومي إبان المرحلة النهائية من مراحل الإرهاب والأعمال الوحشية مقوضاً دعائم الدبلوماسية في عقد الثمانينيات في أمريكا الوسطى، ومسانداً نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقية.
ويقول الكاتب الآن تختفي الجرائم على أيدي المنتصرين بالطريقة المعهودة، إلاّ أنها لا تذهب طي النسيان لدى الضحايا؛ ففي الوقت الذي أدان الباناميون بدورهم هجمات الحادي عشر من سبتمبر إلاّ أنهم تذكروا موت الناس الفقراء عندما هاجمتهم الولايات المتحدة في سياق ما يُسمّى بالقضية العادلة.
وربما تؤكد هذه الذكريات مستوى التأييد المتدني للقصف الأمريكي لأفغانستان، ففي أمريكا اللاتينية حيث التجربة الطولى عهداً مع العنف الأمريكي كان التأييد في أدنى درجاته؛ لأنهم يتذكرون أن الحكومة الأمريكية هي أحد أكبر رواد الإرهاب ورُعاته!!
http://www.islamtoday.net:المصدر
=============(1/69)
(1/70)
السيطرة على العالم أم قيادته؟
إبراهيم غرايبة
21- 9- 2006
في كتابه "الاختيار" يذكر مستشار الأمن القومي الأسبق بالولايات المتحدة زبيغنيو بريجنسكي الأميركيين بوجوب عدم الخلط بين قوتهم والقوة غير المحدودة، فرفاهية الولايات المتحدة الأميركية متشابكة مع رفاهية العالم، والانشغال - الناجم عن الخوف - بالأمن الأميركي المنعزل، والتركيز الضيق على "الإرهاب"، وعدم المبالاة بشواغل الإنسانية القلقة سياسياً؛ لا يعزز الأمن الأميركي، ولا يتوافق مع حاجة العالم الحقيقية للقيادة الأميركية، وما لم توفق الولايات المتحدة الأميركية بين قوتها الطاغية وجاذبيتها الاجتماعية المغوية والمضطربة في آن معاً فقد تجد نفسها وحيدة وعرضة للهجوم فيما تشتد الفوضى العالمية.
فسيؤول كل شيء إلى الزوال، والهيمنة ما هي إلا مرحلة تاريخية عابرة، ولاحقاً إن لم يكن قريباً جداً سوف تتلاشى السيطرة العالمية للولايات المتحدة الأميركية، ولذلك فليس مبكراً على الأميركيين السعي إلى تحديد شكل الميراث النهائي لهيمنتهم.
تتعلق الخيارات الحقيقية بالكيفية التي يجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تمارس هيمنتها وفقها، وكيف يمكن تقاسم هذه الهيمنة ومع من؟ وإلى أي أهداف نهائية ينبغي تكريسها؟ وما الغرض المحوري للقيادة العالمية غير المسبوقة للولايات المتحدة الأميركية؟
يتعين أن يكون أمن الشعب الأميركي الهدف الأول للسياسة الأميركية العالمية، لكن الأمن القومي المنفرد وهم خرافي، فيتعين أن يتضمن السعي وراء الأمن جهوداً تبذل من أجل جمع دعم عالمي واسع، وبخلاف ذلك يمكن أن يتحول الاستياء إلى تهديد متعاظم لأمن الولايات المتحدة الأميركية.
وفي غضون السنتين اللتين تلتا أحداث 11 أيلول/ سبتمبر بدأ التضامن العالمي الابتدائي مع الولايات المتحدة الأميركية بالتحول على نحو متزايد إلى عزلة أميركية، في حين تراجع التعاطف العالمي أمام الشكوك الواسعة الانتشار بالدوافع الحقيقية لاستخدام القوة الأميركية.
لقد أوجد احتلال العراق تناقضاً مربكاً، فلم يسبق أن كانت القدرات العسكرية الأميركية العالمية بهذا القدر من المصداقية، لكن المصداقية السياسية العالمية لم تكن بهذا القدر من التدني، واتضح أن تبرير شن الحرب على العراق لم يكن صحيحاً، وهذا ما ألحق الضرر بالموقف الأميركي العالمي، لا أمام اليسار الأميركي فقط بل أمام اليمين أيضاً، وبما أن الشرعية الدولية تنبع بدرجة كبيرة من الثقة فلا ينبغي أن ينظر إلى الأضرار التي لحقت بالموقف العالمي للولايات المتحدة الأميركية على أنها تافهة.
إن التركيز الأساسي على الإرهاب جذاب سياسياً على المدى القصير، فهو يتميز بالبساطة وبتضخيم عدو مجهول، واستغلال المخاوف الغامضة يمكن من حشد الدعم الشعبي، لكن الاعتماد على ذلك كاستراتيجية بعيدة المدى يفتقر إلى القوة المستمرة، ويمكن أن يكون باعثاً على التقسيم على الصعيد الدولي، ويمكنه أن يولد جواً من عدم التسامح مع الآخرين، ويطلق العنان للعواطف العصبية، ويمكنه أن يخدم كنقطة لوصف الولايات المتحدة الأميركية الاعتباطي للدول الأخرى بالخارجة على القانون، ونتيجة لذلك فإنه يشكل خطراً من أن تصبح صورة الولايات المتحدة الأميركية في الخارج منهمكة في شؤونها الخاصة، وتكسب الأيديولوجيات المعادية للولايات المتحدة الأميركية مصداقية دولية بتسمية أميركا بأنها شرطي بلدي عين نفسه بنفسه.
أدى الجمع بين الاستنتاجات الاستراتيجية الثلاثة المستخلصة من تعريف الإرهاب بأنه التهديد المركزي للأمن الأميركي، أي كل من ليس معنا فهو ضدنا، وأن الاستباق والتدخل العسكري مبرران، وأنه يمكن أن تحل مكان التحالفات الدائمة تحالفات خاصة؛ إلى إثارة قلق واسع في الخارج، فالأول ينظر إليه على أنه استقطاب خطر، والثاني ينظر إليه على أنه لا يمكن التنبؤ به من الناحية الاستراتيجية، والثالث مثير للاضطرابات من الناحية السياسية، وباجتماعها معاً تسهم في تقديم صورة عن الولايات المتحدة الأميركية بأنها قوة عظمى تتزايد اعتباطية.
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws:المصدر
============(1/71)
(1/72)
الغرب يشجع التدين الصوفي في العالم الإسلامي - الجزائر نموذجاً
عبد الحق بوقلقول
23/8/1427هـ
في حديث له مع قناة الجزيرة الفضائية قال (الباحث المتميز) الدكتور عبد الوهاب المسيري مجيباً عن سؤال حول حقيقة توصية لجنة الحريات الدينية التابعة للكونغرس الأمريكي بضرورة تشجيع 'حركات الإسلام التقليدي والصوفي': ".. ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي"، ثم يضيف: "لقد أوصت هذه اللجنة بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولا شك صلابة مقاومة للاستعمار الغربي.."
في هذا الكلام وضوح شديد أن ظاهرة استفحال وعودة مظاهر التدين الخرافي الذي ظل الاعتقاد بأن صفحتها طويت بشكل نهائي من واقع الأمة الإسلامية بشكل عام منذ عقود طويلة بفضل جهود كبار المصلحين الإسلاميين مباشرة مع أولى سنوات المخاض الكبير الذي شهده الشرق الإسلامي منذ ثورة الإمام محمد بن عبد الوهاب في شبه جزيرة العرب، ثم قيام حركة الإحياء التي كان الشيخ جمال الدين الأفغاني أول أقطابها منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ أضحت واقعاً فعلياً وأمراً مدروساً بعناية فائقة.
في العام الماضي صدر عن إحدى مؤسسات الثينك تانكس الأمريكية تقرير مطول عن واقع حالة العالم الإسلامي، ولقد جاء بشكل كتاب هو في حقيقته عبارة عن بحث تفصيلي يهدف إلى التعرف على الحركات والمذاهب الدينية القادرة على التغيير والتأثير في المشهد الديني والسياسي في العالم الإسلامي، واستكشاف أهم الاختلافات في العالم الإسلامي، وتحديد منابع الراديكالية الإسلامية (وفق تصور الذين أشرفوا على إعداده بطبيعة الحال)، وأما إذا أردت أن تعرف 'هؤلاء' الذين ساهموا في تحقيق هذا البحث فيكفيك أن نورد لك أن من بينهم يمكنك أن تجد اسم شيريل بينارد وهي زوجة السفير الأمريكي الحالي في العراق زلماي خليل زاده، ثم إن هذا البحث كان قد تلقى تمويله مباشرة من المجلس القومي للاستخبارات في واشنطن، فضلاً على أنه يقع في 567 صفحة من أهم ما ورد فيها بمناسبة الحديث عن الطرق الصوفية في العالم الإسلامي ما ترجمته: "أفرادها يشكلون غالبية المسلمين اليوم، وهم محافظون على معتقداتهم الإسلامية وتقاليدهم المحلية، غير متشددين، يعظمون قبور القديسين، ويؤدون عندها الصلوات، يؤمنون بالأرواح والمعجزات، ويستخدمون التعاويذ، ومجموعة الاعتقادات هذه أزالت تماماً التعصب والتشدد الوهابي، وأصبح الكثيرون منهم لا يرون تضارباً بين معتقداتهم الدينية وولائهم لدولهم العلمانية وقوانينها".
أما في معرض تناوله لماهية الصوفية فالبحث يورد: "إنها تهتم بعالم الروحانيات الداخلية، والتجارب العاطفية والشخصية للشيوخ، وتعتبر في غالب الأحيان "الإسلام الشعبي"، أتباعها كثيرون عبر العالم الإسلامي، وتشكل الطرق الصوفية وأخوان الطريقة قاعدة مهمة من الهيكل الاجتماعي، والقيادة المؤثرة في الصوفية هم الشيوخ، وفي كثير من البلدان الإسلامية يلعب مشايخ الصوفية على اختلاف طرقهم التي ينتمون إليها دوراً مركزياً في السياسة والدين، وفي طقوسهم المعروفة بالذكر يقومون بتراتيل وحركات تمايل وغناء هدفها بلوغ النشوة الروحانية التي يعتقدون أنها تقربهم من الله".
ليس هذا كل ما في الأمر فلقد أوردت مجلة "يو إس نيوز" الأمريكية ما مخلصه أن الولايات المتحدة تسعى لأجل تشجيع ودعم الصوفية باعتبارها واحدة من أهم وسائل التصدي للجماعات الإسلامية، هذا ويعتقد بعض كبار الاستراتيجيين الأمريكيين أن أتباع الصوفية ربما كانوا من بين أفضل الأسلحة الدولية ضد "القاعدة" وغيرها من الإسلاميين المتشددين.
من بين التكتيكات السياسية في هذا الشأن استخدام الدعم الأمريكي لاستعادة الأضرحة الصوفية حول العالم، وترجمة مخطوطاتهم التي ترجع إلى العصور الوسطى، وكذلك دفع الحكومات لتشجيع نهضة الصوفية في بلدانهم.
ثم تتحدث ذات المجلة بما يفيد أن المتصوفين وأساليبهم الغامضة يمثلون اختلافاً واضحاً مع الطوائف الأصولية الإسلامية كالطائفة الوهابية مثلما تقول المجلة، وكانت الأضرحة الصوفية قد تعرضت للتحطيم في إطار الصراع الطويل بين الصوفية والحركة الوهابية قبل قيام الدولة السعودية الأولى حينما تحالف الإمام محمد بن عبد الوهاب مع الإمام محمد بن سعود لأجل إتمام ذلك، ويذكر التاريخ أن تلك الحرب كانت طاحنة كادت نيرانها تمتد عبر كامل العالم الإسلامي لو لا أن الظروف الدولية وقتها حالت دون ذلك لأسباب عديدة سوف نكتفي بالقول هنا أن أهمها كان التواجد الاستعماري البريطاني والفرنسي على السواء، وسيطرته على معظم بلاد المسلمين مثلما يعرف الجميع.(1/73)
الواقع أن الجميع يكون قد لاحظ الآن أن الصوفية التي انهزمت سابقاً تسعى إلى العودة، ومما يزيد في قوتها الحالية أن أعداد أتباع مختلف طرائقها على امتداد رقعة العالم الإسلامي آخذ في التزايد بشكل محير لا يمكننا القبول بأنه مجرد مصادفة تاريخية جديدة، فليس مقبولاً عقلاً أن تتحرك هذه الأفكار مجدداً وفي نفس الوقت من أفغانستان إلى وسط وجنوب آسيا وصولاً إلى غرب أفريقيا لتشمل ملايين المسلمين هكذا ببساطة.
قبل فترة ليست بالبعيدة صرح أحد أكبر المتخصصين في علم الآنتروبولوجيا وهو المسمى "روبرت دانين"، والذي كان قد درس المتصوفين الأفارقة يقول: "سيكون من الحماقة تجاهل الاختلافات بين الصوفية والأصولية، فالصراع بين المدرستين يشبه حرب العصابات"، وبما أن كلاماً كهذا يعد بكل المقاييس خطيراً وذا دلالات مفصلية في واقع الحرب العالمية على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب فإن القضية استرعت انتباه صناع السياسة الأمريكية، صحيح أن قيام الأمريكيين أنفسهم بدعم الصوفيين بشكل مباشر أمر متعذر وغير ممكن من الناحية الأخلاقية على الأقل، فإن هؤلاء يسعون إلى دعم كل من هو على علاقة بها.
من بين التكتيكات السياسية في هذا الشأن استخدام الدعم الأمريكي لاستعادة الأضرحة الصوفية حول العالم، وترجمة مخطوطاتهم التي ترجع إلى العصور الوسطى، وكذلك دفع الحكومات لتشجيع نهضة الصوفية في بلدانهم، ومن هنا يمكننا الاستشهاد مثلاً بما ينتهجه ملك المغرب الأقصى الحالي "محمد السادس"، فهذا الأخير بادر إلى جمع زعماء الصوفية المحليين هناك، وقدم لهم ملايين الدولارات كمعونة لاستخدامها حصناً ضد الأصولية المتشددة، وأما في الجزائر عندنا فإن الأمر يأخذ طابع الاستراتيجية السياسية المتكاملة.
طيلة كامل العام الذي سبق انتخابات الثامن أبريل الأخيرة عمت الدهشة كل المراقبين الذين كانوا يتابعون تطورات الساحة السياسية الجزائرية بسبب المظهر الجديد الذي بدت عليه الأحداث، لقد أمكننا وقتها أن نتابع ومباشرة عبر كاميرات التلفزيون أطوار لعبة القط والفأر بين الرئيس بوتفليقة (المترشح لخلافة نفسه) وعدد كبير من التنظيمات الدينية الصوفية التي تسمى عندنا: الزوايا.
فالأول ومن خلال تركيز كامل ومعونات مالية كان يبحث عن الدعم العلني والرسمي من قبل شيوخ أكبر الزوايا في البلاد من أجل الفوز بعهدة ثانية، وأما الأخيرون فلم يكن همهم غير إطالة أمد اللعبة في سبيل الحصول على أكبر قدر من المساعدات المادية في مقابل تقديمهم للدعم المطلوب.
لم يكن المراقبون - أو أكثرهم على الأقل - على أية حال قد فهموا شيئاً من هذا الإصرار الذي كان الرئيس يبديه في الحصول على دعم هذه الزوايا (دعم علني يأخذ هنا طابع المباركة من لدن الشيوخ ليستغل ذلك إعلامياً ببراعة) لأجل تأمين العهدة الثانية، ثم إنه وفي سبيل تحقيق ذلك لم يتورع الرئيس بوتفليقة في أن يبدو بمظهر الرجل البسيط على خلاف تلك الشخصية المتميزة التي عهدها الجزائريون عن رئيسهم، فصار يحرص على أن يعبر عن مشاعر المودة وحتى الاحترام الكبير تجاه كل شيوخ الطرقية في الزوايا التي زارها، إلى درجة تُناقض أحياناً كل مميزاته الشخصية التي عُرفت عنه من قبل، وهذا دليل على الاهتمام الخاص الذي يوليه شخصياً لزعماء هذه "المنظمات الدينية".
من هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو حول هذه الزوايا - وهي التي كانت بالأمس محل انتقاد عنيف بسبب جمودها الديني والاجتماعي، فضلاً عن دورها المشين حينما لعبت دور اللواحق بالنظام الاستعماري - وقدرتها عن إقرار عملية انتخاب ثم إعادة انتخاب الرئيس الجزائري، لقد كانت إبان العهدة الرئاسية الأولى وبفضل دعم ذكي من لدن رئيس حريص على توسعة قاعدته الانتخابية قد استطاعت أن تتحول إلى أداة حقيقية في سبيل إدامة عهد السلطة بشكل عام، لقد كان النظام الجزائري قد أدرك وقتها وتمكن من أن يستقطب خلال العشرية الماضية ما لهذه الزوايا من أثر يمكن جعله إيجابياً بقصد الموازنة، ومن بعدها توقيف عجلة حركة مركز الثقل الذي يملكه الإسلام السياسي بما أن هذا الأخير كان يهدد النظام الذي تأسس منذ الاستقلال في العام 1962 بشكل وجودي صريح.(1/74)
من هنا فإن الهدف من تأسيس الجمعية الوطنية للزوايا في الجزائر كان: إعادة الاعتبار للإسلام "التقليدي"، والحقيقة أن هذه التوجهات كانت قد سبقت وصول الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم في ربيع العام 1999، لأن الواقع يثبت أنه وبداية من أواخر ثمانينيات القرن الماضي وحينما كانت السلطة تحس بتعاظم حضور ونفوذ الحركة الإسلامية عبر كامل التراب الجزائري؛ بدأ العمل جدياً في البحث عن أنجع الطرق لأجل إعادة إحياء الزوايا التقليدية، وبعث دورها على الساحة الاجتماعية، ومن ثم السياسية بالتالي، على الرغم من أنها كانت حتى تلك اللحظة مهمشة بشكل تام بمعنى أنه كان يتعين الاستعانة بثقلها في سبيل مواجهة المد الدعوي الإسلامي، والذي لا شك أن أهمه كان تيار الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجارف الذي كان يضم السلفيين خصوصاً بعد أن نال هؤلاء حق العمل السياسي اعتباراً من العام 1989، لقد كانت الصفة التي ميزت الزوايا بعدها عن الطموحات السياسية، فهي كانت دائماً راضية بالنظام الحاكم، وهذه بلا شك كانت النقطة التي التقت عندها طموحات قادتها مع الذين خططوا لأجل تخليد نظام الحكم السياسي في الجزائر.
لقد كان هذا اللقاء المصلحي صمام أمان للماسكين بمقاليد السلطة من جهة، وللقائمين على الزوايا من الجهة الأخرى وهو الذين ضمنوا بهذا مورداً مادياً رسمياً، وتشجيعاً علنياً على الانتشار والتوسع خصوصاً في الأوساط الريفية؛ وإن اقتضت الأمانة منا القول: أن تأثير هؤلاء على الريفيين كان حاضراً دائماً على الرغم من أن هذه الحقيقة كانت منفية وغير معترف بها بشكل صريح.
أما فيما يتعلق بالرئيس بوتفليقة فإن هذا الأخير استطاع أن يستوعب وبشكل سريع مبدأ أن تحكمه في هذه القوى سوف يمنحه سلطات قوية وحضوراً فعلياً كفيلين بضمان استمرارية عهده بما أن الزوايا كانت تؤمّن له مهمة التواصل مع شرائح عريضة من السكان الذين ما يزال عدد كبير من بينهم يمجد "المرابطين"، من هنا وبما أن العملية تتطلب تحركاً فعلياً لأجل المساعدة على نشر مثل هذه الأفكار جرى تسريب إشاعة رسمية مفادها أن الرئيس نفسه هو من المنضوين تحت لواء إحدى الطرق، والتي كان يحضر إليها بشكل روتيني خلال "رحلته الصحراوية" لأجل التنسك والدعاء، ثم إن الرجل ولحسابات سياسية قرر أن يمنح هذه الزوايا المنتشرة عبر طول البلاد وعرضها دوراً حاسماً من الناحية التأطيرية حتى يتمكن من أن يحشد الجزائريين وبشكل قطعي وراء المنطق السياسي للسلطة، وهذا هو ما وقع فعلاً في انتخابات 8 أبريل 2004، فخلال معظم تنقلاته عبر البلاد حتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية التي سبقت ذلك الموعد لم يخلف الرئيس مناسبة إلا وزار فيها إحدى هذه الزوايا حيثما حل موزعاً عليها مبالغ مالية مهمة، طالباً من شيوخها أن "يدعوا" الله له في سبيل أن يتمكن من استكمال ما بدأه من عمل سياسي إصلاحي، ويحقق ما رسمه من أهداف استراتيجية، ولقد كان ينجح في كل مرة في الحصول على مباركة أولئك الشيوخ والزعماء الطرقيين، وقناعتهم بضرورة أن يحصل الرجل على عهدة ثانية يواصل فيها ما بدأه في الأولى، باختصار لقد تم له ذلك، وأعلن المشايخ مساندتهم للرجل بشكل صريح.
بديهي أنه قد حاول عدد من المراقبين أن يشكك في مدى نجاعة هذه التحركات التي كان بوتفليقة يصر عليها بما أن هؤلاء المتابعين كانوا يتخوفون من أن يؤدي هذا إلى عودة الجمود الديني والاجتماعي، بما أن هذا - وفقاً لرأي هؤلاء - لا يقل خطورة عن الإسلام المتطرف فضلاً عما يمثله من انحسار لصالح دعاة السلفية، لم يكن بوسع هؤلاء المراقبين أن يفقهوا معنى أن يعلن الرئيس علناً انتماءه إلى "الإسلام المنفتح على الحداثة والعالمية"، ثم اعتماده على الزوايا والطرقية المعارضة لكل تطور وتجديد، وهي المرتبطة بكل قيم التقليد والجمود التي حاربتها سابقاً "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" للشيخ عبد الحميد بن باديس، لم يكن بوسع جل المراقبين إذن أن يدركوا حجم التأثير الحقيقي الذي تملكه الزوايا من الناحيتين السياسية والاجتماعية بما أنهم لم ينتبهوا إلى أن هذه الأخيرة لم تتعرض إلى حملة التصفيات خلال عقد المواجهات المسلحة في التسعينيات الأخيرة، وتحولها إلى هدف مباشر من قبل 'الإرهابيين' إلا بسبب موقفها الرافض لذلك، وبسبب أنها كانت تمثل أيضاً جيوب مقاومة في وجه الأيديولوجيا الإسلامية وانتشارها، بمعنى أنه كان يتعين على الأخيرة التخلص منها ومحوها.(1/75)
إذن وعلى الرغم من أن هذا العدو الجديد حاول القضاء عليها بالحديد والنار استطاعت الزوايا أن تحافظ على وجودها واستمراريتها، بل وحتى في مواصلة تنظيمها لمهرجاناتها الدينية (المواسم، الزردات، والزيارات) مع ملاحظة أن أعداد المواظبين على هذه المناسبات ما انفك يتزايد ويضطرد حتى بين سكان المدن، من هنا فإنه يمكننا أن نعتبر الزاوية من وجهة النظر التاريخية مؤسسة فعلية قامت وارتبطت بها كل مناحي الحياة في المناطق التي تواجدت وتأسست فيها: أماكن للصلاة والذكر إلى جانب أماكن أخرى خصصت للتعليم وتحفيظ القرآن، ولكنها أيضاً كانت أماكن يتم فيها التباحث حول المشكلات والأزمات العائلية، فضلاً عن تنظيم العمل في المناطق الزراعية كما هي حالة "التويزة" مثلاً، والتي هي تظاهرة اجتماعية يتم فيها التعاون على إجراء عمليات الحصاد أو الحرث وما إلى ذلك من نشاطات تستلزم تعاوناً وتآزراً بين الناس.
لقد ظهرت الزوايا في الجزائر (التي من أشهرها: الرحمانية، التيجانية، القادرية، السنوسية، الدرقاوة وأخرى كثيرة..) ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي تحت تأثير زعماء دينيين أقوياء كانوا يلقبون عرفاً بـ'الصالحين' (ما يقابل القديسين عند المسيحيين) كانوا يحظون بالتبجيل والتقدير من قبل الجميع، ثم إن التعلق بهؤلاء الناس وعلى مر الأيام تحول وأصبح يقترب من حد العبادة والتعلق الروحي بشكل يشبه الوثنية القديمة، وهذا ما كان يطرح مشكلة صعبة، فالمنظرون الدينيون كانوا يعتبرونه مساساً صريحاً بصلب عقيدة التوحيد، إذ أن عملية تشييد القباب على أضرحة الصالحين وما كان يجري حولها من طقوس يقوم بها 'الأتباع' الذين يعرفون باسم 'الخوان'، وهم الذين يحرصون على زيارة تلك القبور طالبين من المدفونين تحتها الشفاعة والتوسط لهم عند البارئ - تبارك وتعالى - فضلاً عن الشعوذة وأعمال الدجل التي كانت تقام هناك، كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت من الزوايا هدفاً مباشراً لم يتوانى المنظرون الإسلاميون في مهاجمته وحربه بما أنهم يعتبرون ذلك انحرافاً صريحاً عن جادة الدين.
أما في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين فإن رواد النهضة الإسلامية كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ثم محمد رشيد رضا قاوموا هذه التوجهات المنحرفة عبر العالم الإسلامي برمته، أما في الجزائر فإن فضل البدء في هذه الحرب يعود إلى جمعية العلماء سابقة الذكر التي أسسها وقادها الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهذا الأخير هاجم بلا تردد تلك التصرفات "المنافية للإسلام"، والشعوذة التي كانت تمارسها هذه الزوايا بعد تحولها إلى خطر حقيقي بات يتهدد عقيدة الجزائريين بشكل صريح.
إن النضال الذي خاضه إصلاحيو جمعية العلماء منذ تأسيسها الرسمي في الخامس من شهر أيار/مايو 1931 بالتنسيق مع معظم توجهات الحركة الوطنية استطاع أخيراً أن يهمش هذه الزوايا خصوصاً بعد أن اُتهمت هذه الأخيرة بالضلوع مباشرة في المخططات الاستعمارية، بما أنه وبعد طول مواجهة بينها وبين الفرنسيين (ثورة الأمير عبد القادر، أولاد سيدي الشيخ، بوعمامة، المقراني، والحداد وغيرهم من زعماء وقادة المقاومة الشعبية الجزائرية) انتهت هذه الزوايا أخيراً إلى دخول الأجندة الاستعمارية، وجرى ترويضها حتى أصبحت ملحقة بالإدارة الفرنسية التي وظفتها في سبيل تأمين استمرارية هيمنتها على البلاد والعباد.
لا يعني هذا بالضرورة القول بأن كل أتباع الزوايا كانوا من الخونة والمتخلفين عن نصرة وطنهم، فالحقيقة أبعد ذلك لأن غالبية هؤلاء التحقوا مباشرة وبشكل شخصي وفوري تقريباً بصفوف المقاومة، بمعنى أن الزوايا ككيان ومؤسسة إلى جانب قياداتها هي من فضلت البقاء ضمن مخطط اللعبة الاستعمارية، وحينما تحقق استقلال البلاد في 1962 تأكد تهميش هذه الزوايا وإقصاءها عن الحقل السياسي على الرغم من أن حضورها ونشاطها الاجتماعي ظل متواصلاً وحاضراً، لأجل هذا كان يمكننا إبان عهد "الاشتراكية النوعية" أن نلاحظ بين الفينة والأخرى مواسم وزردات ذات طابع علني، ولم يكن من النادر وقتها أن تقرأ إعلاناتها عن مواعيد تنظيم تلك التظاهرات فوق الصحف الحكومية، ودعوة الأتباع من كل مكان حتى المهاجرين من بينهم إلى الحضور.(1/76)
بوصول الرئيس بن جديد إلى تولي مقاليد السلطة في بداية العام 1979 بدأ العمل الجدي في سبيل توطيد وتمكين دور الزوايا، حيث أن الإشاعات 'الرسمية' وقتها كانت تتندر بالقول أن الجزائر لا تحكم لا من القصر الرئاسي في حي المرادية ولا حتى من "لي تاغارا" - حيث المقر العام لوزارة الدفاع الوطني في العاصمة الجزائرية -؛ بل من مدينة مازونة في أقصى الغرب حيث كانت توجد الزاوية التي تنتمي إليها ابن جديد، وحالياً ومع بداية القرن الحادي والعشرين يمكننا القول أن لا شيء قد تغير فعلاً إذ يبدو جلياً أن الزاوية قد عادت وبشكل أكثر قوة لتشغل موقعاً مهماً لدى جماهير فقيرة من الناحية الروحية، ومهيأة جيداً - بفضل منظومة مدرسية ما تزال تعتبر أجيال الجزائريين عينات اختبار وتجربة لا فرق بين النجاح والفشل فيها عند منظري التربية عندنا - وعلى الرغم من أنه من غير المعقول الالتصاق بأدبياتها إلا أنه من الواضح جداً أن كثيرين من بين الجزائريين عادوا يلتصقون بتلك الخوارق والقدرات غير الطبيعية التي يملكها 'سيدي أمحمد بوقبرين'، أو الشيخ 'محند أو الحسين'، أو حتى 'شعيب بومدين' وغيرهم من "الصالحين" أكثر من أي إمام من أولئك المنظرين والمفكرين مهما كان شأن هؤلاء الأخيرين، هذا يعني الحضور القوي للزوايا، وتأثيرها على نمط تفكير أتباعها، وبالتالي خياراتهم السياسية المتعلقة بالمشايخ.
لا يعني هذا بأية حال من الأحوال أن الرئيس بوتفليقة يخطط في سبيل تحويل هذه الزوايا وتطويرها لتصبح أحزاباً سياسية، ولا حتى لواحق لهذه الأخيرة لأنها سوف تفقد مصداقيتها وتأثيرها على أتباعها لو أنها اختارت المضي في هذه الطريق، فضلاً على أنه لا ينبغي الإبقاء على تواجدها في مجال العمل السياسي حتى ذلك المتناغم مع السلطة بما أن هذا سيكون كفيلاً بقتلها أيضاً، وإنما التفكير في الاستفادة من تأثيرها خلال المناسبات السياسية المهمة، وهذا يعني أنه سوف يلجأ إليها خلال الانتخابات التشريعية والمحلية القادمة قصد ضمان الأغلبية المريحة للتحالف الرئاسي - مهما يكن شكله مستقبلاً -، علاوة على أن خدماتها سوف تستحضر خلال موعد الاستفتاء على تعديل الدستور أيضاً بما أن هذا الموعد الأخير في نظر الرئيس بوتفليقة هو "نقطة المحرق" في استراتيجيته للخروج من الأزمة بشكل عام.
ختاماً إنه وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة هي توجه عالمي يتحرك وفقاً لإملاءات تأتي من وراء المحيطات، ولن يسعنا هنا الحديث عن إمكانية نجاحها أو فشلها إلا أنه من الضروري الانتباه إلى أن مواجهة تهديد من هذا الحجم لا يمكن أن يكون بمجرد الاعتماد على إقامة الملتقيات، فضلاً عن كتابة المقالات أو الخطابات لأن القضية أكبر من أن تتراجع هكذا، وهي فعلاً تتطلب عملاً توعوياً متكاملاً يتجاوز العقد الآنية والحسابات السياسية المصلحية لأنها ببساطة لم تعد قضية جماعة ولا حزب ولا حتى دولة واحدة.
مؤخراً نشرت مؤسسة "راند" الشهيرة والتي واحدة من أهم روافد الفكر المسيحي المتصهين الحاكم في الولايات المتحدة حالياً وثيقة عنوانها: "الإسلام المدني الديمقراطي: شركاء موارد وإستراتيجيات" من أهم ما ورد فيها أن قسمت العالم الإسلامي والتيارات السائدة فيه إلى أربع هي: التقليديون، الحداثيون، الأصوليون ثم العلمانيون، ثم خلصت إلى أنه يتعين مساعدة التيارين الأولين باعتبار أنهما الأقرب إلى تحقيق "التجانس" مع القيم الغربية، فالأول لا يجد مانعاً في القبول بسلطة الآخر، و أما الثاني فإن هذا 'الآخر' هو في الحقيقة غايته، وإن ادعى أن هدفه هو تطوير الدين الإسلامي وجعله قابلاً في الاندماج في الواقع العالمي الأمريكي الجديد.
وبالتالي فإنه يظهر أمامنا من هنا أن الفريق المحافظ المهيمن على دواليب الحكم والإدارة في الولايات المتحدة لم يعد يكتفي بمطلب بناء الأمم والدول - مثلما كان يدعو فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ -، وإنما صار يراهن على إنجاز مهمة كبيرة يسميها 'إعادة بناء الديانات والثقافات'، ورغم أن الوثيقة هذه تسلم ابتداء بأن هذه المهمة شاقة وتحتاج إلى طول نفس خاصة إذا ما تعلق الأمر بدين كبير بحجم الإسلام، إلا أنها مع ذلك تدعو إلى خوض غمار هذه التجربة، وتحمل مشاقها بما يحقق المطلب المنشود في صياغة إسلام «مدني ديمقراطي» متقبل لقيم العلمنة والحداثة، وهذا معناه أن مسألة القيم ونظام الثقافة العامة لم تعد شأناً محلياً واختيارياً للأمم والشعوب بقدر ما غدت خاضعة لاختيارات الخارج، ولعبة مصالحه وسلم أولوياته، وإن اقتضت التفسيرات الإعلامية إدراجها تحت سلّم الدفاع عن القيم المدنية والديمقراطية الغربية.
http://www.almoslim.net:المصدر
=============(1/77)
(1/78)
خطيئات وليست أخطاء !
اعترفت الوزيرة الأمريكية بارتكاب آلاف الأخطاء التكتيكية في العراق، أما هدف تلك الأخطاء فهو صواب عند القادة الصليبيين.
ولا نريد الحديث عن تلك الآلاف التي دمرت البلاد ونشرت فيها الفساد وأراقت ظلما وعدوانا دماء العباد، ولكنا نريد معرفة الهدف الذي حصلت من أجله تلك الآلاف من الأخطاء.
وقبل الحديث عن الهدف، ننبه على أن ما زعمته بأنه أخطاء هو في الحقيقة "خطيئات" وليست أخطاء، لأن الخطأ هو ما قصد صاحبه الصواب، فأصاب غيره خطأ وليس عمدا، كمن رمى حيوانا ظنه صيدا فتبين أنه آدمي.
أما الخطيئة فهي الذنب الذي تعمد صاحبه فعله.
ولهذا قال أهل اللغة: "المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ من تعمد لما لا ينبغي"
وإذا تأملنا عدوان النصارى الصليبيين الأمريكان على بلدان المسلمين، وبخاصة العراق، فإن كل ما حصل منهم في تلك البلدان، هو سيئات فاحشة وأعمال منكرة، لأنها كلها عدوان على الشعب بغير حق.
أما الهدف الأمريكي المعلن لغزو العراق، فقد اضطربوا في تحديده، فكان في بادئ الأمر القضاء على أسلحة الدمار الشامل في العراق، وعندما ظهر كذبهم في ادعاء وجود أسلحة الدمار الشامل، انتقلوا إلى ادعاء هدف جديد، وهو القضاء الدكتاتورية التي غرسها في العراق الرئيس العراقي وإرساء دعائم الديمقراطية التي ستكون منطلقا لتطبيقها في بقية الشعوب الإسلامية، ولا سيما العربية منها.
ويرون أن هذا الهدف قد تم الجزء الأهم منه، وهو القضاء على الدكتاتورية بالقضاء على النظام، وجميع الأخطاء التي ترتبت على تحقيقه هي تكتيكية، هكذا يريد قادة النصرانية الصليبية العدوانية يريدون أن يضللونا فيسترون عنا الهدف الحقيقي من عدوانهم، لنصدقهم وننتظر منهم إكمال الجزء الآخر من الهدف، وهو تطبيق الديمقراطية.
والحقيقة أن لهم أهدافا من هذا العدوان، من أهمها: السيطرة على منطقة الخليج للاستئثار بخيراته التي أهمها الطاقة البترولية.
ولكن الهدف الحقيقي الذي لا يظهرونه في وسائل إعلامهم، ويعرفه حقيقته زعماء الدول العربية وغيرها، ويعرفه المثقفون والكتاب والمؤرخون، هذا الهدف هو تثبيت جذور اليهود في الأرض المباركة "فلسطين" و تثبيت دولتها الظالمة التي تدمر الشعب الفلسطيني المسلم وتقضي على هويته وتزيل كل معالمه الإسلامية في هذا الشعب.
وتحقيق هذا الهدف لا يتم إلا بتدمير أي قوة في الدول العربية، وزحزحة شعوبها عن عقيدتهم التي فرضت عليهم الولاء فيما بينهم الذي يجعلهم يتناصرون ولا يخذلون إخوانهم ويسلمونهم لأعدائهم، والبراء من أعداء الله وأعدائهم المعتدين.
وقد كان الجيش العراقي وشعبه العربي المسلم العظيم أخوف ما يخافه اليهود وأعوانهم من البروتستانت الأمريكان لكثرة عدد هذا الجيش وشدة مراسه وقوة تدريبه وشجاعته، وشدة عداء شعبه للمحتلين اليهود.
ولقد بدأ اليهود بمحاولة إضعاف هذا الجيش الشجاع عندما هاجموا مفاعله النووي سنة 1981م.
ولقد استدرجت أمريكا رئيس النظام السابق للمواجهة مع إيران بعد نجاح الخمينيين في طرد عميلهم السابق "الشاه" لتضرب بعض القوتين ببعض، وشجعت بعض الدول العربية على دعمه في حرب دامت ثماني سنين أزهقت أرواح الملايين من البشر، وأحدثت خسائر فادحة في الأموال والاقتصاد في المنطقة بأكملها.
واستدرجته كذلك إلى حرب ثانية جديدة وهي احتلال دولة الكويت التي اتخذتها ذريعة لحشد جيوشها وجيوش دول أخرى من المنطقة وخارجها ونقل أسلحتها الفتاكة المتنوعة برا وبحرا وجوا، كانت نتيجتها تلك الهزيمة المنكرة للجيش العراقي وتدمير كثير من مرافق العراق وما بقي من أسلحته التي حوصرت مع غيرها مما يحتاجه الشعب العراقي عشر سنوات مهدت بها أمريكا لحرب الخليج الثالثة الحالية.
وهذه المرة كان المسوغ للعدوان الأمريكي على العراق، وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وعلى الرغم من إرسال لجان للتفتيش عن هذا السلاح وفشلها في العثور على شيء من ذلك، فقد أصر دكتاتور أمريكا على الحرب إصرارا جعله يضرب بآراء أعضاء مجلس الأمن وكثير من العقلاء المعارضين للحرب من داخل أمريكا وخارجها، لأن الهدف الذي يريد تحقيقه ليس العثور على أسلحة دمار شامل ولا اجتثاث النظام الدكتاتوري وإحلال الديمقراطية محلها في العراق فحسب، وإنما هو تدمير العراق اقتصاديا وسياسيا والقضاء على العقول العلمية وأهل الرأي والفكر العراقيين، وإحداث تنازع واختلاف بين الطوائف العراقية وتمكين بعضها من السيطرة على بعض، وقد اتضح ذلك جليا في تمكينه طائفة الشيعة من السيطرة واصطفافه معها في تدير مدن أهل السنة ومحافظاتها وقراها.
كل ذلك يتخذه المعتدي الأمريكي على العراق ليضمن لليهود الأمن من أي مقاومة جهادية محتملة تزلزل الأرض تحت أقدامهم، فاليهود هم الهدف الحقيقي من العدوان الأمريكي على العراق، وكل خطيئة ارتكبها في العراق إنما هي ذريعة لهذا الهدف.(1/79)
الدليل على ذلك أن أمريكا تتغاضى عن جرائم ترتكبها دول عربية في حق رعاياها لأنها اعترفت باليهود اعترافا رسميا صريحا، أو اعترافا عمليا تحت مظلة مكاتب اقتصادية ونحوها، وأي دولة تستجيب للضغوط الأمريكية فتعترف باليهود ستكون مرضيا عنها ولو بلغت من الاستبداد أعلاه.
وهاهي الوزيرة التي اعترفت بآلاف الأخطاء التكتيكية، تطير إلى العراق هي ومثيلها البريطاني الحليف، لإصلاح بعض الأخطاء التي أبرزها في وسائل الإعلام تغيير رئيس الوزراء الشيعي، برئيس وزراء جديد قد يكون أكثر ولاء لإيران التي ربما قد بدأت المفاوضات بينها وبين أمريكا، ولا يبعد أن يكون من قادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية التي دعا زعيمها إلى تدخل إيران في الشأن العراقي، لأنه شعر أن الجيش الأمريكي الذي يتعاون معه لضرب أهل السنة قد يقلص وجوده في العراق تقليصا، يجعله عاجزا عن الاستفراد بالعراق.
الخلاصة أن هدف أمريكا في حرب العراق هو التمكين لليهود في قلب الأمة العربية، والقضاء على أي قوة محتملة قد تقلق أمن اليهود، فالهدف الأساسي من الحرب هو تمكين اليهود والقضاء على كل قوة يخشى اليهود من نموها.
http://www.al صلى الله عليه وسلمawdah.net المصدر:
==============(1/80)
(1/81)
طموحات إمبريالية
عرض/ إبراهيم غرايبة
يقدم هذا الكتاب مجموعة من المقابلات مع المفكر الأميركي الشهير نعوم تشومسكي أجراها ديفد برساميان حول غزو العراق واحتلاله، ومذهب الضربات الأميركية الاستباقية، والدول المارقة، والتهديد المتنامي الذي يشكله الاندفاع الأميركي نحو الهيمنة على السلام الدولي، ونظام الدعاية الأميركي الذي يختلق الماضي الخرافي، وينشر الوقائع غير الملائمة من التاريخ.
تغيير النظام
بدأت أوروبا ومنطقة شرق آسيا تحتلان مركزا اقتصاديا عالميا مهما لا يقل أهمية عن مركز الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها مجموعات اقتصادية مرتبطة ببعضها ولديها مصالح مشتركة، وإن كان لكل منها مصالح منفصلة.
-الكتاب: طموحات إمبريالية
-المؤلف: نعوم تشومسكي
-ترجمة: عمر الأيوبي
-عدد الصفحات: 175
-الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت
-الطبعة: الأولى/2006
طالما كان للولايات المتحدة الأميركية موقف متناقض تجاه أوروبا، فهي تريد أوروبا موحدة تكون سوقا أكثر كفاءة للشركات الأميركية تقدم مزايا الحجم الكبير، لكنها تخشى دائما التهديد الناجم عن احتمال تحرك أوروبا في اتجاه آخر، ويتصل بذلك انضمام العديد من دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة تؤيد عملية الانضمام هذه لأنها تأمل أن تكون هذه البلدان أكثر عرضة للنفوذ الأميركي، وأن تتمكن من تقويض نواة أوروبا، وهي فرنسا وألمانيا.
وتبدي الولايات المتحدة رفضها للنظام الاجتماعي في أوروبا القائم على الأجور والعوائد المحترمة للعمال، وبالطبع فإن نظام الأجور المتدنية وقمع العمالة في أوروبا الشرقية يساعد في تقويض المعايير الاجتماعية في أوروبا الغربية، وسيكون ذلك مفيدا للولايات المتحدة.
تبدو سياسية المجموعة الحاكمة في الولايات المتحدة للسنوات القادمة (حتى عام 2008 والمقصود الحقبة الجمهورية المحافظة والأصولية) قائمة على مأسسة سلسلة من البرامج الشديدة الرجعية، من عجز هائل شبيه بما فعلوه في الثمانينيات (الحقبة الريغانية) وتقويض البرامج الاجتماعية، وتقليص الديمقراطية، وسيكون الإرث الذي سيخلفونه صعبا في الداخل.
وعلى الصعيد الدولي يأمل الأصوليون اليمينيون الجدد مأسسة مذاهب الهيمنة الإمبريالية من خلال القوة والحروب الوقائية المنتقاة، فالولايات المتحدة متفوقة عسكريا، وتأمل المجموعة المهيمنة عليها اليوم أن تتحرك في اتجاهات خطرة، مثل عسكرة الفضاء استنادا إلى القوة الطاغية بصرف النظر عما يحل بالاقتصاد.
وتخطط السياسات الأميركية بناء على إستراتيجيات دعائية تتجاهل رأي الناس وموقفهم، وتفترض أنهم جهلة وأغبياء لا يدركون مصالحهم أو تتوسل بهذه المقولة لتغطية برامج فردية واستبدادية للحكم والقرار والإدارة.
وهناك بالطبع نضالات أميركية سياسية واجتماعية لمواجهة هذه الطموحات الإمبريالية، وتبدو مكاسبها ضئيلة، ولكنها طبيعة هذه الحركات والدعوات، فلنتذكر دعوات إلغاء الرق كم احتاجت من وقت، وقد أمكن بالفعل إنجاز أعمال وبرامج للسلام والعدالة.
إن الهدف الأساسي للجمهوريين الجدد هو توسعة مزايا الأغنياء من حلفائهم وفرصهم في الولايات المتحدة والعالم، والتخلي عن برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والاجتماعية، ولا سبيل لتحقيق تأييد الناس إلا بإخافتهم وإرهابهم.
وبغير ذلك فإنهم سينظمون أنفسهم وأصواتهم الانتخابية باتجاه العدالة الاجتماعية، ولكن الإرهاب فرض عليهم أن يتخلوا عن مصالحهم وأولوياتهم من أجل حماية أنفسهم، وتحت غطاء هذه الحماية يمرر الجمهوريون أجندتهم. لقد ظهر بوش قائدا يحقق نجاحا في التغلب على العدو الرهيب، وهو عدو تم انتقاؤه بدقة ليمكن سحقه بسهولة.
ويحتاج المواطنون والناس جميعا في العالم كله لمواجهة هذا الطوفان الدعائي إلى استخدام ذكائهم العادي، وتفحص الطوفان الإعلامي بالحس السليم العادي والذكاء المتشكك.
يأمل الأصوليون اليمينيون الجدد مأسسة مذاهب الهيمنة الإمبريالية من خلال القوة والحروب الوقائية المنتقاة، فالولايات المتحدة متفوقة عسكريا وتأمل المجموعة المهيمنة عليها اليوم أن تتحرك في اتجاهات خطرة
لماذا يواجه نشطاء العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة دائما بسؤال مثل "ما الذي علينا أن نفعله؟ " وهو سؤال لا يطرح في العالم الثالث بل الناس هناك يخبرونك بما يفعلونه، ومن الملفت للاهتمام في الولايات المتحدة اليوم أن معارضي سياساتها هم من الأساتذة والكبار بعد أن كان المعارضون لحربها في فيتنام في الستينيات من الشباب وطلاب الجامعات.
فهل يعني ذلك أن معارضة الحرب قد ولت إلا من بقايا معارضيها أنفسهم في الستينيات؟ الواقع أن حملة الستينيات بدأت بعد سنوات من الجهود القاسية وغير الملحوظة لتتحول إلى حركة شبابية ومجتمعية كبيرة، وهو ما يتوقع حدوثه في الولايات المتحدة، ولكن ثمة حملة إعلامية وسياسية إغراقية لعدم الإقرار بالتاريخ الفعلي، ولأجل ألا تدرك أن الجهد المتفاني والملتزم يمكن أن يحدث تغييرات كبيرة، وتلك فكرة خطيرة يجري محوها من التاريخ.
التاريخ والذاكرة(1/82)
كتب عالم الاجتماع الإيطالي أنطونيو غرامسكي في سنة 1925 "إن إحدى العقبات الرئيسية أمام التغيير هي أن القوى المهيمنة تعيد إنتاج أيدولوجية الهيمنة، ومن المهام الجليلة والملحة تطوير تفسيرات بديلة للواقع، ويذكر روبرت مكنمارا في الفيلم الوثائقي "ضباب الحرب" اعترافا مثيرا للاهتمام، فهو يستشهد بقول الجنرال كورتي ليماي، وكان قد خدم معه في فترة قصف المدن اليابانية بالقنابل الحارقة في الحرب العالمية الثانية، "لو خسرنا الحرب لكنا حوكمنا جميعا كمجرمي حرب" فما الذي يجعل الحرب غير أخلاقية إذا خسرت وأخلاقية إذا ربحت؟
إن الإستراتيجية الأميركية التي تفسر السلوك الأميركي الأخير هي إستراتيجية الدفاع الوقائي، وهي كما تقول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد كليتنون كانت موجودة في جيب أي رئيس، ولكن بوش الابن هو من استخدمها، وقد علق هنري كيسنجر على هذه الإستراتيجية بأنها تمزق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بل وتلغي منظومة وستفاليا للقانون الدولي التي وضعت في القرن السابع عشر.
وقد وافق كيسنجر على هذا المذهب، لكنه أضاف شرطا واحدا: يجب علينا جميعا أن ندرك أن هذا المذهب لنا، وليس لأي أحد آخر، سنستخدم القوة متى شئنا ضد كل من نعتبره تهديدا محتملا، وربما فوضنا هذا الحق إلى دولة تابعة، لكن ليس للآخرين.
لقد ارتكبت الولايات المتحدة الأميركية جرائم حرب كبرى في عهد ريغان على سبيل المثال، فقد قتل مائتي ألف مواطن على الأقل في أميركا اللاتينية، ولكن عندما ترتكب الولايات المتحدة هذه الجرائم فإنها تعتبر كأن لم تحدث.
وكان الشخص المسؤول عن إحدى مكونات هذا الإرهاب، حرب الكونترا في نيكاراغوا هو جون نيغروبونتي، السفير الأميركي في هندوراس، والذي كان يلقب بحاكم مقاطعة هندوراس، ثم عمل سفيرا في العراق، وقد كتبت صحيفة وول ستريت جورنا مقالة تشير فيها إلى أن نيغروبونتي ذاهب إلى العراق كحاكم مقاطعة حديث، وأنه تعلم مهنته في هندرواس في الثمانينيات عندما كان مسؤولا عن أكبر محطة للاستخبارات الأميركية في العالم، وهو الآن مسؤول عن أكبر سفارة أميركية في العالم.
إستراتيجية الدفاع الوقائي الأميركية، تقول عنها مادلين أولبرايت إنها كانت موجودة في جيب أي رئيس ولكن بوش الابن هو من استخدمها، وكيسنجر يصفها بأنها تمزق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالة عن مداولات جرت بين هنري كيسنجر وريتشارد نيكسون، واشتملت على جملة مثيرة للدهشة، وقد حاول كيسنجر في المحاكم منع نشرها، ولكن المحاكم سمحت بذلك. كان نيكسون يريد شن هجوم على كمبوديا تحت ذريعة نقل المؤن جوا، يقول نيكسون: أريد ضرب كل شيء، وينقل كيسنجر الأمر إلى البنتاغون بتنفيذ حملة قصف واسعة النطاق في كمبوديا على كل ما يطير أو يتحرك.
وهي أكثر الدعوات في السجل التاريخي الأميركي صراحة لارتكاب الإبادة الجماعية، وقد أطلقت الأوامر نفسها في الفلوجة في العراق، لقد مرت المداولات الخطية بين نيكسون وكيسنجر بدون تعليق أو رد فعل، إن وجوب كبت الذاكرة سياسة يدركها جيدا الحكام الإمبرياليون.
يقول برتراند رسل: إن من طبيعة الإمبريالية أن مواطني القوة الإمبريالية هم آخر من يعلم دائما عن الظروف السائدة في المستعمرات أو يهتم بها، والواقع أنهم يهتمون ولهذا فإنهم آخر من يعلم، لأنهم يتعرضون لحملات واسعة النطاق من الدعاية الصريحة أو الصامتة، فالتزام الصمت تجاه الجرائم هي دعاية أيضا، وإذا عرف الناس بجريمة فلن يسمحوا لها بالاستمرار، لقد أبيدت مدن وقرى في الستينيات ولكن مثل ذلك لم يحدث في العراق لأن الرأي العام كان أكثر حضورا.
إن الوثائق السرية غالبا ما تخفى عن السكان المحليين خشية من الاهتمام الذي يبديه الناس، وما زال كثير من الوثائق يخضع للحظر رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة عليها، وذلك خلافا للقانون الأميركي، مثل وثائق حول ما حدث في غواتيمالا عام 1954، وما حدث في إيران سنة 1953.
ويحمل غلاف كتاب إقبال أحمد "الإرهاب: إرهابهم وإرهابنا" صورة لريغان في مكتبه وهو يلتقي قادة المجاهدين الأفغان، وتلك صورة لا تروج لأنها تعبر عن الدور الأميركي الفعال في دعم المجاهدين الذين تحولوا لاحقا إلى طالبان، لقد ساعدت الولايات المتحدة بفعالية في تنظيمهم وتمويلهم وحشد الإسلاميين المتشددين حولهم من جميع أنحاء العالم.
عالم محتمل آخر
هناك اتجاهان متضاربان في السياسة الخارجية الأميركية، أحدهما يدعى المثالية الويلسونية، وهي التي تستند إلى النوايا النبيلة، والثاني يدعى الواقعية الرصينة، وهي تقول إن علينا أن ندرك حدود نوايانا الحسنة، وفي بعض الأحيان لا يمكن تحقيق نوايانا الحسنة في العالم الحقيقي.(1/83)
وعندما تهاوت ذرائع غزو العراق، فتبين أنه لا توجد أسلحة دمار شامل، ولا يوجد ارتباط بين القاعدة والعراق، ولا علاقة للعراق بأحداث 11/9 كان على كتاب خطابات بوش استحضار شيء جديد، لذا استحضروا رؤيته المسيحانية بإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط، فكتب ديفد إغناطيوس في الواشنطن بوست أن حرب العراق أكثر حروب العصر الحديث مثالية.
فهي حرب مبررها المنطقي الوحيد هو العمل على تحقيق مستقبل ديمقراطي للعراق، لقد كان الغزو إذن رؤية نبيلة وملهمة، وربما نجد لو كان لدينا سجلات أن جنكيز خان عندما كان يقوم بذبح عشرات الملايين كان لديه أيضا رؤية نبيلة، وهل هناك استثناء لمذهب الرؤية النبيلة للغزو في نظر أصحابه؟
يقول تشرشل قبيل الحرب العالمية الأولى عندما كان وزيرا للمستعمرات البريطانية في سياق الدعوة إلى زيادة النفقات العسكرية البريطانية "إننا لسنا شعبا فتيا ذا سجل بريء وميراث ضئيل، لقد استحوذنا لأنفسنا على حصة غير متناسبة مع حجمنا من الثروة والحركة التجارية العالمية، وحصلنا على كل ما نريده من الأراضي، وما ننشده هو الاستمتاع الخالص بالممتلكات الشاسعة والرائعة التي حصلنا عليها بالعنف بشكل رئيسي، وحافظنا عليها بالقوة إلى حد كبير، وغالبا ما تبدو أقل صوابا بالنسبة للآخرين مما تبدو لنا".
هناك اتجاهان متضاربان في السياسة الخارجية الأميركية، أحدهما يدعى المثالية الويلسونية وهي التي تستند إلى النوايا النبيلة، والثاني يدعى الواقعية الرصينة وهي تقول إن علينا أن ندرك حدود نوايانا الحسنة، وأنه في بعض الأحيان لا يمكن تحقيقها
لا يلزمك سوى دقيقة واحدة من التفكير لتدرك أنه ما من سبيل لأن تسمح الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بقيام عراق ديمقراطي يتمتع بسيادة وطنية، ذلك أن السياسات التي يجب أن يتبعها العراق الديمقراطي ستقوم على محاولة استرجاع مكانه كقوة بارزة في العالم العربي، فما الذي سيعنيه ذلك؟
أن يعاود العراق التسلح، وربما سيطور أسلحة دمار شامل للردع ولمواجهة العدو الإقليمي إسرائيل، فهل ستسمح الولايات المتحدة بذلك؟ فعراق ديمقراطي أمر لا يمكن تصوره أميركيا أو بريطانيا.
إن على مواطني الدول الديمقراطية أن يسلكوا طريق الدفاع الفكري عن النفس لحماية أنفسهم من الخداع والسيطرة، فالحكومة تقوم على الرأي، حتى الحكومات المستبدة والعسكرية تقوم على الرأي، ولا يلزم التعذيب للسيطرة على الشعب بل يمكن ذلك بالقبول، إنك تجد في وسائل الإعلام الموجهة إلى الأطفال والتي تصوغ الرأي العام انحيازا لإسرائيل والظلم بشكل لا تتبعه إسرائيل نفسها.
http://www.aljazee r a.net المصدر:
Tahoma; colo صلى الله عليه وسلم 993300; visibility: hidden"> http://www.aljazee r a.net المصدر:
=============(1/84)
(1/85)
إسلاميون على الطريقة الأمريكية !!
د. صلاح عبد الفتاح الخالدي
أمريكا تريد إسلاماً أمريكانياً، مُصمَّماً وفق «المواصفات والمقاييس» الأمريكية المخربة! وهي تريد «إسلاميين» يدعون إلى الإسلام الإمريكاني، ويتحركون به، وينشرونه بين الناس، ولا بد أن يتم «إنتاج» هؤلاء الإسلاميين وفق الطريقة الامريكية، التي تتعامل مع الإنسان، وكأنه «سلعة» تنتج في المصنع الأمريكي!
«إسلاميون» وصف يطلق على الذين يدعون إلى الإسلام ويتحركون به، فهو وصف دعوي حركي، فيه ثناء على أصحابه، الذين يحملون همّ الإسلام والمسلمين لكن «أمريكا المخربة» تريد أن تتدخل في كل شيء، وأن «تحشر أنفها» في كل شيء، وهي ما تدخلت في شيء صالح إلا أفسدته، ولا في شيء عامر إلا خربته، سواء في الفكر أو الثقافة أو العلم أو المعرفة، وسواء في السياسة أو الاقتصاد أو العمل أو الإدارة، أو القيم والتصرفات، والأخلاق!!
لقد تم تأسيس منظمة إسلامية في أمريكا قبل عام اسمها: «المسلمون الأحرار ضد الإرهاب»، أعضاؤها «إسلاميون على الطريقة الامريكية»؛ وتنشط هذه المنظمة الإسلامية الامريكية الحركية، في الدعوة داخل أمريكا وخارجها، وافتتحت لها داخل أمريكا حتى الآن ثلاثة عشر فرعاً، وستفتتح أول فرع لها في مصر قريباً، وستنتشر في المستقبل القريب في العالم كله، وتمولها أمريكا في كل شيء!!
وهذه المنظمة الإسلامية هي «وجه أمريكا الإسلامي» في الخارج، وأعضاؤها يمثلون أمريكا في أي مؤتمر عالمي! وقد عقد في هذا الأسبوع مؤتمر عالمي في إسبانيا، للدعوة إلى السلام، ومواجهة الإرهاب وشارك في هذا المؤتمر وفد من هذه المنظمة الإسلامية، وتحدث أعضاؤه في المؤتمر باسم الإسلام الإمريكاني! ورئيس هذه المنظمة هو المحامي «كمال نعواش» وهو فلسطيني الأصل، نشأ في أمريكا، ومنتج وفق التصاميم الأمريكية، ومبرمج على الطريقة الأمريكية، ويدعو إلى الإسلام الواعي المسالم، الذي ينال الشهادة الأمريكية!
وقد قدر الله لي أن أسمع بعض ما قاله «نعواش» في مقابلة إذاعية، وهو يبشر بأفكار منظمته الإسلامية، فقال: إن هدف منظمته الإسلامية هو الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد المتعصبين والمتطرفين والإرهابيين، ولقد انتشر الفكر الإرهابي في ربع القرن الأخير، منذ عام 1979 وصار الصوت العالي هو الصوت الإرهابي، والمسلمون المتسامحون ساكتون معتدى عليهم! ونحن لا نريد في أمريكا دعاة وأئمة من العرب، لأنهم إرهابيون، ويعيشون في القرن السابع الميلادي، ولا يصلحون لنا، نريد أئمتنا من المسلمين العصريين، وهم الجيل الجديد من مسلمي أمريكا!
وقال: إننا نريد إسلاماً لا يتدخل في السياسة، ويفصل بين الدين والدولة، ويحقق المساواة التامة في كل شيء بين الرجل والمرأة!!
أيها المسلمون: تابعوا وارصدوا، وافتحوا عيونكم، واحذروا وحذِّروا واثبتوا، وواجهوا الإسلاميين الأمريكيين الجدد!!.
16/06/2005
http://www.ala7 r ar.net المصدر:
-===========(1/86)
(1/87)
مواجهة المخطط الإفسادي في بلدان المسلمين
عبد العزيز بن ناصر الجُلَيّل
لا يخفى ما تمر به بلدان المسلمين من تغيرات خطيرة وسريعة؛ وذلك ضمن مخطط إفسادي كبير على العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والمرأة، والاقتصاد؛ ظهرت بعض آثاره اليوم على حياة الناس في بيوتهم، ومدارسهم، ومجتمعاتهم، وأموالهم، وأخلاقهم، وبعضها في الطريق إلى التنفيذ.
ومشاركة مع إخواني الدعاة الذين أقلقهم هذا الخطر وراحوا يبحثون عن كل ما من شأنه مدافعته وصده عن المسلمين أكتب هذه الخواطر السريعة التي كانت محل تفكير وحوار، والتي أحسبها تسهم في إيجاد مشروع تحصيني وقائي لأسرنا ومجتمعاتنا أمام هذا الخطر الداهم، أسأل الله - عزوجل- أن يلهمنا صحة الفهم وحسن القصد.
فأقول وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم:
يقول الله - تبارك وتعالى-: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]، ويقول- عز وجل - : {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116]، ويقول - سبحانه -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. [آل عمران: 104]
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعقاب».
وإنفاذاً لهذه التوجيهات الإلهية والنبوية يجب على أهل الغيرة والإصلاح أن ينفروا لمدافعة هذه المخططات الإفسادية وصدها عن المسلمين قدر المستطاع، وأرى أن تتم هذه المدافعة عبر جبهتين رئيستين:
الجبهة الأولى: الاحتساب:
ويكون ذلك بالإنكار المباشر لمظاهر الفساد منذ بدايتها أو السماع بالتخطيط لها؛ وذلك بمناصحة الأشخاص المنظِّرين أو المنفذين لها، والإنكار عليهم شفاهاً، ومكاتبة؛ ومخاطبة أهل الحل والعقد في البلد وإظهار الامتعاض والإنكار؛ وهذا أمر يجب أن ينفر له طائفة معينة وهم أهل العلم من المشائخ والقضاة وطلبة العلم والوجهاء. وذلك يتطلب تعاوناً وتشاوراً بين أهل العلم في كل مدينة، وأن يكون هناك مجالس وتوزيع للأدوار والجهود. كما يتطلب جهات مساندة تهيئ لهم المعلومات والوثائق وحصر ما يجدُّ من منكرات ومعلومات وترتيبها وتنظيمها، وأحسب أن هذه الجبهة قائمة الآن ولا تزال في مراحلها الأولى ولكنها بحمد الله ـ - تعالى -ـ في تطور وتوسع.
الجبهة الثانية: التحصين والوقاية للمجتمع من الفساد:
وأحسب أنه لا زال هناك تقصير شديد في هذه الجبهة مع أن الثمار المرجوة منها كثيرة جداً، واستجابة الناس لها كبيرة والحمد لله. ولا يعني هذا التقليل من جهود القائمين ـ حاشا لله ـ فهم تاج الرؤوس، وأعمالهم لن تضيع عند الله - عز وجل - إن شاء الله - تعالى -، وحسبهم أن يفوزوا بالأعذار عند ربهم ـ إن شاء الله - تعالى - وإبراء الذمة إذا حوسبت الذمم، مع ما تثمره جهودهم من مراغمة أهل الفساد، والتخفيف أو التأخير لبعض المنكرات، وإنما المقصود أن لا تُنسى جبهة التحصين والوقاية التي قد تكون أكثر ثمرة وآثاراً؛ وبخاصة أن المتحركين من المصلحين في الجبهة الثانية يمتلكون وسائل كثيرة ومجالات متعددة في مخاطبة الناس وتحذيرهم وتحصينهم لا يملكها غيرهم، ولو وظفت التوظيف الصحيح وتضافر الغيورون والمصلحون في تنفيذها، وتوزعت الأدوار فيها لكان لها نتائج باهرة تحبط على المفسدين أهدافهم وترد كيدهم في نحورهم.
وفي هذه الورقة بعض المقترحات في تفعيل دور هذه الجبهة وكيفية الاستفادة من الوسائل الكبيرة المتاحة في مخاطبة المجتمع وتوجيه الناس.
ومن نافلة القول أن نشبه سيل الفساد المسلط على مجتمعات المسلمين وتنوع الناس في مقاومته بسيل جارف ينتهي إلى إغراق أراضٍ وعمران ودور؛ وأصحابها يعلمون أنه سيخرِّب دورهم ومزارعهم وأموالهم، فانقسموا إلى فرقتين:
الأولى: فرقة رأت أن لا خلاص من خطر هذا السيل إلا بأن يهب الجميع في قطعه من منبعه وأصله، فلم يتمكنوا من قطعه ومنعه، وأبت طبيعة السيل وقوته عليهم ذلك؛ فكلما سدوه من موضع نبع من موضع آخر، وانشغل أهل القرية بشأن هذا الوادي عن الزراعات والعمارات وغرس الأشجار وتحصين البيوت. ويمكن أن يكون في عمل هذه الفرقة تخفيف لشدة السيل أو سد لبعض منابعه، لكن لا يمنعه عن بيوت الناس وممتلكاتهم.(1/88)
الثانية: رأت أن صرف الجهود كلها في عمل الفرقة الأولى قد أضاع عليهم كثيراً من المصالح ولم يستطيعوا منع السيل، فاتجهوا إلى بيوتهم في تقويم أسسها وقواعدها ورفع أسوارها عن مجرى السيل، كما اتجهوا إلى صرف سيل الوادي عن مجراه المنتهي إلى البيوت والعمران؛ وذلك بتحذير الناس من شره القادم، وبتوجيه الناس إلى أن يحصنوا بيوتهم من هذا السيل، وبتضافر الجميع على صرفه عن بيوتهم وعمرانهم إلى الرمال المحيطة بهم أو السبخات أو الحفر التي يجد السيل فيها مصرفاً له يضيع فيه ويتفرق.
والمقصود من إيراد هذا المثال التأكيد على أهمية العمل في جبهة التحصين والوقاية للناس والمجتمعات من سبل الفساد الموجهة إليهم، وأن يعطى حقه من الاهتمام مع بذل الجهد من أهل العلم في الجبهة الأولى؛ وذلك بالاحتساب على المفسدين ولو للتخفيف أو التأخير، وأهم من ذلك إبراء الذمة والإعذار إلى الله - عز وجل -. والمقصود توزيع الأدوار وأن لا ينشغل الدعاة بجبهة عن جبهة.
وأسوق فيما يلي ما يحضرني من الوسائل القوية التي يملكها المصلحون من الدعاة وطلبة العلم ولا يملكها غيرهم من المفسدين، وكيف يمكن تفعيلها وتنشيطها وتوظيفها.
الوسيلة الأولى: المنابر الدعوية:
ويقصد بها تلك المنابر التي يخاطَب فيها فئام من الناس على مختلف شرائحهم، ويحصل من خلالها تحذير الناس ووعظهم، وبيان خطر المنكرات على الفرد والبيت والمجتمع، وبيان ذلك بالفتاوى الشرعية المستندة إلى الأدلة الشرعية.
ويدخل تحت مسمى المنابر الدعوية ما يلي:
أ ـ خطبة الجمعة:
حيث أثرها العظيم على الناس وما تتميز به من دقة الإنصات من السامعين وتركيزهم على ما يقال فيها، وهذه المنابر نعمة من نعم الله - عزوجل-على المسلمين، ووسيلة عظيمة الفائدة يمتلكها الدعاة إلى الله - عزوجل-ولا يملكها المفسدون. وأقترح لتفعيل دور الخطبة واستثمارها في إصلاح الناس وتبغيض الفساد والمنكرات لهم النقاط التالية:
أولاً: إيجاد رابطة مستمرة بين الخطباء في كل حي تجتمع في كل أسبوع، وذلك للتنسيق وتبادل الخبرات وتبادل الخطب وتحديد المواضيع المهمة للخطبة وترتيب الأولويات في ذلك. كما يُقترَح رابطة أوسع للخطباء على مستوى المدينة؛ في كل شهر مرة؛ وذلك لتوسيع دائرة التشاور وتنسيق الجهود.
ثانياً: يتفرغ أناس لجمع الخطب الجيدة القديم منها والجديد والتي يحتاج إليها المجتمع وطبعها وجعلها في متناول الخطباء ليرجعوا إليها في كتابة الخطبة.
ثالثاً: يتفرغ أناس لجمع الفتاوى القديمة والجديدة للعلماء والتي يبين فيها أهل العلم الحكم في المنكرات القديمة والجديدة التي تعشش بين المسلمين أو هي في بدايتها؛ وذلك لرفضها من الناس ومقاطعتها وتزويد الخطباء بها لقراءتها على الناس.
رابعاً: التعاون مع القائمين على إذاعات القرآن بالاقتراح عليهم تسجيل بعض الخطب المهمة التي يتفق عليها سلفاً لتذاع على الناس وتكرر عليهم.
خامساً: طبع الخطب الجيدة والمهمة في رسائل صغيرة وتوزيعها مجاناً أو بيعها بسعر رمزي.
سادساً: الحرص من محلات التسجيلات على تسجيل الخطب المهمة ونشرها بين الناس، وأن يصاحب ذلك تغطية من الدعاية الجيدة والتسويق القوي.
سابعاً: يُفَعَّل دور أئمة المساجد وحلقات التحفيظ في توزيع أشرطه الخطباء الجيدة على بيوت الحي.
ب ـ الدروس والمحاضرات والجولات الوعظية:
وهذه من الوسائل المهمة التي لو رتبت مواضيعها وأماكنها وأوقاتها لظهر لها وقع عظيم في تحصين الناس ووقايتهم من الفساد، وهي ـ والحمد لله ـ كثيرة ومنتشرة، ولكنها تحتاج إلى تفعيل وتنشيط وتنظيم لكي يكون أثرها أكبر مما هي عليه الآن. ومن الوسائل المقترحة لتفعيلها ما يلي.
أولاً: اختيار المواضيع المهمة للمحاضرات والدروس، أو توظيف الدروس في مخاطبة الناس ووعظهم وتحذيرهم من المنكرات سواء كان ذلك عندما تأتي مناسبة في الدرس أو تخصيص آخر الوقت في الدروس للحديث عن المنكرات والتحذير منها، أو أن تُعَدَّ أسئلة مهمة تُطرح على الشيخ ليجيب عليها في نهاية الدرس، ويركز على مظاهر الفساد والموقف منها.
ثانياً: تحريك بعض طلبة العلم المؤثِّرين بما عندهم من العلم والديانة والبلاغة في أن يشاركوا وينفِروا في هذه السبيل، وأن يعيدوا النظر في سلبيتهم بحجة الورع البارد.
ثالثاً: التنسيق مع إذاعات القرآن والقنوات الإسلامية لنقل الدروس والمحاضرات المهمة فيها.
رابعاً: مساعدة المحاضِر في جمع المادة العلمية والفتاوى المهمة التي يستخدمها في إقناع الناس برفض الفساد وتحريمه ومقاطعته.
خامساً: قيام محلات التسجيل بتسجيل مثل هذه الدروس والمحاضرات المهمة والدعاية لها وتسويقها بين الناس.
سادساً: نشر هذه المحاضرات في بيوت الحي عن طريق مساجد الحي وحلقات التحفيظ ودعمهم مادياً.
سابعاً: يحسن أن يكون هناك رابط أسبوعي أو شهري بين طلبة العلم الذين يقومون بالدروس والمحاضرات للتنسيق بينهم والتشاور في المواضيع المطروحة.
ج ـ الاستفادة من إذاعات القرآن والقنوات الإسلامية:(1/89)
وميزة هذه الوسائل الإعلامية أنها تخاطب الفئات الكبيرة من الناس؛ لذا صارت من أهم الوسائل التي ينبغي أن يعتني بها الدعاة إلى الله - عزوجل-واستثمارها في توجيه الناس وتحصينهم وتحذيرهم من الفساد الموجه لهم، ورد شبهات المفسدين. ومن أوجه الاستفادة من هذه المنابر ما يلي:
1 ـ ما يكون فيها من برامج الإفتاء، ويحسن أن توظف هذه البرامج في تحذير الناس من صور الفساد المسلطة عليهم، وبيان الحكم الشرعي فيها، والتركيز على هذا النوع من الفتاوى.
2 ـ تقديم الدروس العلمية المسيرة التي توعِّي الناس بدينهم (في التفسير والعقيدة والفقه والآداب) وترفع عنهم اللَّبْس والتضليل.
3 ـ إجراء المقابلات والندوات والحوارات في القضايا التي تحذر المسلمين مما يراد بهم من الفساد والشر، والرد على الشبهات وفضح أهلها.
4 ـ ولتفعيل دور هذه المنابر يُحَثُّ أهل القدرات الإعلامية من الدعاة للدخول فيها والتعاون مع القائمين عليها في تهيئة البرامج وتقديم المواد التي تحقق الأهداف.
5 ـ نقل الخطب والدروس والدورات العلمية الشرعية التي تعقد في المساجد.
الوسيلة الثانية: إحياء اللقاءات الأسرية ودوريات الأحياء(1):
حيث ثبت بالتجربة عظيم فائدتها في تأليف القلوب والتعاون على الخير، والتحذير من الفساد والمنكرات. ولو أن أهل الاستقامة في كل أسرة وكل حي ـ وهم كثير والحمد لله ـ كوَّنوا هذه الروابط واللقاءات واستثمروها في وقاية الأسر والجيران نساءً ورجالاً من شر الفساد والمنكرات لكان لها الأثر العظيم. ومن الأعمال الخيرة التي تقوم بها هذه الروابط واللقاءات ما يلي:
1 ـ توزيع الأشرطة والكتيبات التي تنشر الفضيلة وتحارب الرذيلة.
2 ـ توزيع الفتاوى التي تبين حرمة ما جد في حياة المسلمين من منكرات البيوت.
3 ـ إقامة المسابقات الهادفة التي تنبه السامعين إلى أمور شرعية قد يجهلونها أو يغفلون عنها.
4 ـ استضافة بعض طلبة العلم المؤثرين ليتحدثوا عن بعض المنكرات وضرورة إنكارها وتحصين البيوت وتربية الأولاد والنشء على حب الفضيلة وبغض الفساد والرذيلة.
5 ـ العناية بشؤون المرأة وتوعيتها بأحكام الإسلام، وتحذيرها من منكرات اللباس والزينة وما يراد لها من إخراجها واختلاطها بالرجال. ويمكن أن تنشأ روابط نسائية في الأسرة تتولى المستقيمات في كل أسرة تحقيق هذه الأهداف بما سبق من الوسائل.
6 ـ مراقبة الحي وما فيه من المنكرات والتعاون مع الهيئات لإزالتها.
الوسيلة الثالثة: أئمة المساجد:
لا يخفى دور إمام المسجد في نشاط المسجد ونشاط الحي الذي فيه المسجد؛ وهذا ملموس من بعض الأئمة الناشطين. فلو أن إمام كل مسجد قام بدوره في جماعة الحي لكان في ذلك خير عظيم، وسد منيع. ومن أهم الأنشطة التي يقوم بها إمام المسجد ما يلي:
1 ـ القراءة على جماعة المسجد في الكتب والفتاوى التي تحذر من الفساد والمنكرات في البيوت أو الأسواق وغيرها.
2 ـ التعاون مع دورية الحي في دعم أنشطة المسجد وحلقات التحفيظ ومتابعة المنكرات في الحي.
3 ـ استضافة طلاب العلم ليلقوا كلمات ومحاضرات وفتاوى تدعو الناس إلى الخير وتحصنهم من الفساد وتحذرهم منه.
4 ـ متابعة المحاضرات والدروس في المساجد الأخرى، وتبليغ جماعة المسجد بها مشافهة أو عن طريق الملصقات الإعلانية.
5 ـ التعاون مع حلقات التحفيظ في توزيع الكتيبات والأشرطة على منازل أهل الحي.
6 ـ تفقُّد الأشخاص الذين لا يصلُّون مع الجماعة ومناصحتهم بالتعاون مع دورية الحي.
7 ـ إقناع طلاب العلم من جماعة المسجد على فتح دروس في المسجد سواء كانت لعوام المسلمين أو للطلاب الدارسين.
8 ـ ولتفعيل دور الإمام في المسجد يحسن تكوين رابطة لأئمة المساجد في الأحياء المتقاربة، والتشاور معهم وتبادل الخبرات في أنشطة هذه المساجد.
9 ـ الاستفادة من المشرفين على حلقات التحفيظ في تقديم الفتاوى، واقتراح الرسائل المهمة التي تُقرأ على جماعة المسجد.
الوسيلة الرابعة: حلقات التحفيظ ومكتبات المساجد:
لا يخفى دور هذه الحلقات المباركة في حفظ أبناء الحي بحفظهم لكتاب الله - عزوجل-وتربيتهم وتحصينهم من الفساد. ومع ذلك يمكن أن يستفاد من هذه الحلقات ليظهر أثرها في أهل الحي؛ وذلك بالوسائل التالية:
1 ـ توزيع الأشرطة والكتيبات على بيوت الحي.
2 ـ إعطاء طلاب التحفيظ بعض الأشرطة والفتاوى والكتب لأخذها إلى أهليهم مما من شأنه تحذير البيوت من المنكرات والفساد.
3 ـ الاهتمام بأولياء أمور طلاب التحفيظ، والاجتماع بهم في دورية شهرية للعناية بأبنائهم، والتناصح معهم في إصلاح البيوت وتطهيرها من الفساد.
الوسيلة الخامسة: مواقع شبكة المعلومات:
وقد برز أثر هذه المواقع في الآونة الأخيرة لما ظهرت المواقع الإسلامية للمشائخ والمؤسسات الإسلامية والمواقع التي تهتم بالمرأة والحسبة. لذا يجب الاهتمام بها وتفعيلها وتقديم المادة المناسبة التي فيها تحذير المسلمين مما يراد بهم من الفساد، وتخصُّص بعض أهل العلم في تتبع شبهات المفسدين وشهواتهم والرد عليها.
الوسيلة السادسة: المعلمون في المدارس:(1/90)
المعلم المسلم صاحب الرسالة لا ينظر إلى وظيفته بأنها مصدر للرزق فحسب، وإنما هي من أهم المجالات التي يمكن تربية النشء فيها وتحصينهم من الفساد والمنكرات. كما يمكن التأثير من خلال التعليم على أسر الطلاب وبيوتهم بإيصال بعض الفتاوى والأشرطة عن طريق أبنائهم، وكذلك يستفاد من مجالس الآباء في المناصحة مع أولياء الأمور في التخلص من المنكرات والفساد.
الوسيلة السابعة: الحسبة والاحتساب:
من خصائص هذه الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وكلما شاع الاحتساب وأنتشر قل الفساد واندحر المفسدون؛ سواء كان ذلك على يد مراكز الهيئات أو عن طريق المحتسبين؛ لذا ينبغي للدعاة وطلاب العلم والمحاضرين أن يحثوا الناس على مختلف طبقاتهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كلٌّ فيما يخصه وحسب علمه وقدرته.
الوسيلة الثامنة: الكُتَّاب والمؤلفون:
إن الإكثار من الكتب والرسائل والمطويات التي تحذر من الفساد وتكشف خطط المفسدين تعتبر من أهم الوسائل التي توعّي الأمة وتحذرها من كيد المفسدين وتلبيسهم وتضليلهم؛ وذلك بما يكون في هذه المؤلفات من بيان حكم الله - عزوجل-في مظاهر الفساد الذي يروِّج له المفسدون، وكشف سيئاتهم التي يلبِّسون بها على الناس.
الوسيلة التاسعة: أماكن الانتظار العامة:
وذلك مثل الانتظار في عيادات الأطباء وصرف الدواء في الصيدليات الحكومية ومحلات الحلاقة ومكاتب العقار وما شابهها.
حيث من المفيد تزويد هذه الأماكن بمطويات ورسائل وفتاوى تناسب حاجة الناس وتحذيرهم وتحصينهم من سبل الفساد.
الوسيلة العاشرة: الدُّور النسائية لتحفيظ القرآن:
لم يعد خافياً أثر هذه الدُّور المباركة ـ ولله الحمد ـ في تحصين المرأة المسلمة من كيد أعدائها وتعليمها دينها وتحذيرها من مظاهر الفساد الموجه لها وللأسر المسلمة. والعناية بالمرأة المسلمة له أثر في نفسها كما أن له أثراً كبيراً في إصلاح الأسر والبيوت؛ حيث تنقل المرأة ما تسمع وترى وتقرأ في هذه الدور وما يوزع فيها من أشرطه وكتيبات وفتاوى إلى أسرتها وأولادها. لذا لزم أمر العناية الشديدة بهذه الدور.
الوسيلة الحادية عشرة: رسائل الجوال:
لقد ظهر في الآونة الأخيرة أثر رسائل الجوال في نشر الخير والشر؛ لذا ينبغي توظيفها من قِبَل المصلحين في نشر الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدلالة على الكتب والفتاوى والدروس المفيدة، والتحذير من الفساد وتعرية أهله وتبيين المنكرات ودفع الناس لإنكارها.
تنبيهات مهمة:
الأول: لا بد في الوسائل السابقة من عمل مرتب ومنظم ترتب فيه الأولويات، وتوزع فيه الأدوار، ويجند الآلاف المؤلفة من الصالحين في إحيائه وتنفيذه بتوجيههم واستثمار طاقاتهم ولا يكتفي بالجهود الفردية.
الثاني: لا يُقتصَر في مخاطبة الناس ببيان الحكم الشرعي في المنكرات وتحذيرهم منها، بل ينبغي أن يتوجه الخطاب إلى القلوب وتقوية العبودية لله - عزوجل-فيها، والاستسلام لشرعه - سبحانه - والإذعان والقبول له وتخويفهم من الله - عزوجل-ومن عذابه، وتقوية محبة الله - سبحانه - وتعظيمه، والخوف من يوم الحساب والوقوف بين يدي الله - تعالى -.
الثالث: العناية بالجانب التربوي في أوساط الدعاة وطلبة العلم وأهل الاستقامة من شباب الأمة وفتياتها، والعناية بصحة الفهم والتصورات، وحسن السلوك والأخلاق، وأن لا يكون العمل الاحتسابي والإعلامي سبباً في انشغالنا عن العمل التربوي.
الرابع: إعداد جيل إعلامي قوي يجمع بين العلم الشرعي والصمود على الثوابت الشرعية، والبعد عن الضعف والانهزامية والاستجابة لأهواء الناس، وبين الوعي الإعلامي والخبرة الإعلامية التي تخاطب الناس وتؤثر فيهم وتكسبهم.
أسال الله - عزوجل-أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه، ويذل فيه عدوه، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر؛ إنه سميع الدعاء.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(1/91)
(1/92)
صلى عليك الله
ميسون قصاص
ريح الصّبا تزكي الصّبابة * * * في الحشا عند الهبوب
وتحرّك الأشواق تطوي * * * بالمنى بُعدَ الدّروب
فإذا الحياة بمرّها * * * تحلو وتنساها الكروب
وتهون في الدّرب الصّعاب* * * وينجلي ليل الخطوب
يا أحمدَ الهادي ويا* * * نوراً أطلّ على القلوب
من كلِّ شيءٍ حسنَهُ * * * آتاك علّام الغيوب
فالشّمسُ حزت ضياءها * * * والغيمُ مدمعَه السّكوب
والطّيرُ أهدت شدوها * * * والزّهرُ أهداك الطّيوب
أهدى الصّباح حياته * * * وسكينةً أهدى الغروب
يا منذراً ومبشّراً من * * * عند علّام الغيوب
يا داعياً وسراجَ نورٍ * * * قد أضاء لنا الدّروب
ذكراك تحيينا وحبّك * * * غيثنا يروي القلوب
وحديثك الهادي رياض * * * ليس فيها من لغوب
صلّى عليك الله * * * يا من ذكره يمحو الذّنوب
صلّى عليك .. صلّى عليك
http://www.odabasham.net المصدر:
============(1/93)
(1/94)
اليهود زحفوا إلى بغداد!
التغلغل الصهيوني في العراق حقيقية وليس خيالاً
د. أكرم المشهداني
مجلة المجتمع / لقد أجمع المحللون والمراقبون السياسيون وخبراء السياسة الدولية على أن حماية أمن الكيان الصهيوني هو أهم هدف لغزو واحتلال العراق، إلى جانب الأهداف الأخرى المتمثلة في السيطرة على منابع النفط والهيمنة العسكرية والسياسية المباشرة على الممرات البحرية وطرق المواصلات العالمية لترسيخ الزعامة الانفرادية على العالم، وخصوصاً المنطقة العربية المليئة بالثروات والخيرات!
لم ينتظر الصهاينة كثيراً كي تستقر الأوضاع للأمريكان في العراق، فكانوا أول من وصلوا إلى بغداد بعد سقوطها وانهيار النظام؛ فبعد نصف قرن تمكن اليهود من العودة إلى بلاد الرافدين، وهذه المرة بطريقة علنية ورسمية.
ففي 22 يوليو 2003 كشفت صحيفة (معاريف) العبرية أن ممثل الوكالة اليهودية (جيف كي) قد قام بزيارة رسمية إلى العراق استمرت خمسة أيام، وهو أول شخصية صهيونية رسمية تزور العراق بعد احتلاله. وذكرت الصحيفة أن الزيارة تمت بموافقة رئيس وزراء الكيان الصهيوني أرئيل شارون، وأنها تمت بتنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية.
المسؤول الصهيوني قال لوسائل الإعلام إنه اجتمع مع اليهود الذين يسكنون في بغداد وعددهم يصل إلى 34 شخصاً معظمهم من المسنين، وأنه قام بتزويدهم بالمال؛ لأنهم حسب ادعائه يعيشون في فقر مدقع، وقاموا بمرافقته إلى الكنيس اليهودي في بغداد.
العودة إلى بغداد:
في هذه الأثناء تواترت أنباء عودة يهود عراقيين إلى بغداد، وانتشرت في العاصمة العراقية منشورات ومقالات صحافية وخطب لأئمة مساجد تحذر من تغلغل اليهود في المجتمع العراقي، ومن محاولاتهم شراء مبانٍ وبيوت حكومية وخاصة داخل بغداد، وعززت هذه الأنباء ما ذكرته صحيفة (معاريف) التي أكدت أن عراقيين يعملون لصالح المخابرات الصهيونية يعتزمون شراء فندق فخم ليكون مقراً للموساد!
وأوضحت أن الموساد يعمل على شراء أو استئجار فندق يكون قريباً من فندق بغداد الذي استأجرته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كما نقلت وكالة الأنباء الصهيونية "عيتيم" أن جهاز المخابرات الموساد يسعى لاستئجار أو شراء فندق (زهرة الخليج) القريب من فندق بغداد وسط العاصمة، وأبلغت أصحابه بأنها على استعداد لدفع أي مبلغ يطلبونه مقابل تأجيره أو بيعه.
وقال شهود عيان إن عراقيين بعضهم قدموا من الخارج يقومون بشراء البيوت والأراضي السكنية بأسعار خيالية؛ خاصة أن دوائر التسجيل العقاري معطلة ولذلك تتم مثل هذه العمليات الشرائية خارج الإطار الرسمي وعلى أوراق غير رسمية تشير إلى بيع العقار للشخص الفلاني "المجهول الهوية" عبر وسيط من دون طلب إخلاء ذلك العقار!
وتتركز عمليات شراء البيوت والمباني في مناطق الكرادة الشرقية، والصليخ، والمنصور والمسبح، وعرصات الهندية وهي من الأحياء الراقية في بغداد. وذكرت مصادر إعلامية أن أكثر من خمسين يهودياً عراقياً وصلوا إلى بغداد قادمين من الكيان الصهيوني لأول مرة منذ عام 1948م، وقال أحد العاملين في الفندق الذي نزلوا به: إنهم كانوا من كبار السن ويصطحبون معهم أبناءهم الذين لا يجيدون التحدث بالعربية على عكس آبائهم. وقام هؤلاء اليهود بشراء عقارات في شارع فلسطين ببغداد بأضعاف أسعارها المعتادة.
هذه الأنباء استفزت جماعات المقاومة العراقية، مما حدا بواحدة منها تطلق على نفسها منظمة "الإسلاميين العرب" إنذار اليهود من مغبة المجيء إلى بغداد، وأشارت في بيان لها إلى أن 17 شركة صهيونية ستفتح مكاتب لها في بغداد؛ لكنها توعدت بأنها ستنسف مقار شركاتهم.
أسرار الشراء:
ونقلت وكالة (فرانس برس) عن بعض الصحف العراقية الجديدة أنباء شراء اليهود للدور السكنية، والمباني العامة في بغداد؛ فصحيفة (الدعوة) كتبت في مقال بعنوان "أسرار فندق في الكرادة" أن فندقاً في وسط المدينة يستقبل مجموعة من الصهاينة بهدف شراء منازل أو قصور كانت ملكاً لضباط النظام السابق.
وعنونت صحيفة (اليوم الآخر) عدداً لها ب"اليهود يشترون كل شيء"، أما صحيفة (الهلال) فكتبت: "اليهود جاؤوا، ويشترون كما فعلوا في فلسطين". وتساءلت صحيفة "الساعة" عما إذا كان اليهود سيطالبون بالأملاك المصادرة سنة 1951م.
كل هذا يؤكد أن الصهاينة تسللوا إلى بغداد في ظل حماية الاحتلال الأمريكي لهم؛ وقاموا بعمليات شراء لمساكن ومبانٍ مختلفة كان من بينها مبنى لإقامة خلية الموساد؛ بحيث يقومون بدورهم الاستخباراتي داخل المجتمع العراقي، وينفذون مخططاتهم التخريبية، وإثارة الفتن والقلاقل في العراق.
فحص الآثار:(1/95)
في اليوم الثاني من شهر مايو 2005 أذاع راديو سوا (صوت أمريكا) خبراً مفاده أن ثلاثة مسؤولين صهاينة دخلوا إلى العراق بجوازات سفر تركية، وذلك للتحضير لوفود أخرى للقاء رجال الدين اليهود هناك، وفحص حالة القبور والأماكن الأثرية اليهودية بكردستان والموصل، وقد كشفت صحيفة (هاآرتس) العبرية عن زيارة مثال الألوسي مساعد أحمد الجلبي للكيان الصهيوني واتصالات عراقية صهيونية في 4سبتمبر 2004 لحضور ندوة عن (الإرهاب) أقامها مركز دراسات هرتزليا. وقد وصل مثال عن طريق تركيا وكان يشغل وظيفة مدير ما تسمى بهيئة اجتثاث البعث التي شكلها الحاكم الأمريكي السابق بول بريمر لفصل مئات الألوف من العراقيين من أجهزة الدولة.
وزعم مثال للجريدة أن الكثير من العراقيين يريدون إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وأضاف أن العديد من المثقفين العراقيين يدركون أن الكيان الصهيوني يجب أن يؤخذ بالاعتبار كحقيقة موجودة وأن أجيالاً من الناس قد خلقوا هنا، وأن من مصلحة العراق أن تكون له علاقات مع الكل وهو ما نريده".
وفي اليوم نفسه نقلت الصحيفة عن صلاح الشيخلي سفير بغداد في لندن قوله: إن موضوع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني سوف يبحث بعد الانتهاء من الانتخابات العامة في العراق. وأضاف الشيخلي في لقاء خص به مراسل الصحيفة في لندن شارون ساديه أن مجموعة ضغط قوية من رجال الأعمال والمسؤولين السياسيين في العراق تعمل في بغداد، من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وتابع أنه لا يمانع شخصياً في إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني أو في قيام مواطني الكيان الصهيوني بزيارة العراق! ولكن الحكومة العراقية لم تعتمد بعد أي موقف رسمي بهذا الخصوص!
وأوضح في معرض رده على سؤال أن الظرف غير ملائم حالياً لفتح ملف إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني لأن العراق يواجه مشاكل خطيرة عديدة في ضوء انهيار مؤسسات الدولة واستمرار النشاطات الإرهابية في أراضيه! على حد قوله. وفيما إذا كانت مجموعة الضغط مكونة من رجال أعمال أمريكيين رد السفير العراقي: إن المجموعة الضاغطة لإقامة علاقات مع الدولة العبرية مكونة من رجال أعمال عراقيين وموظفين كبار في الحكومة العراقية المؤقتة، ولكن بسبب الظروف السائدة اليوم في العراق فإن محاولة إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني سيكون مصيرها الفشل الذريع!
وأضاف السفير العراقي في لندن أنه ينصح الجميع بالتروي في هذا الموضوع، لأن العراق اليوم يدار حسب العواطف وليس حسب المصالح المهمة للدولة العراقية، وبالتالي يجب اختيار التوقيت المناسب للإعلان عن العلاقات الثنائية بين العراق والدولة العبرية؛ مشيراً إلى أن الموضوع مشابه تماماً للموسيقي، فعندما تعزف جميع الآلات بتناسق تام فإن الأوركسترا تنطلق إلى الحفلة، وعليه يجب الانتظار قليلاً لإخراج هذا المشروع الجديد إلى حيز التنفيذ!!
وقال: إن من أبرز المطالبين بإنهاء حالة الحرب بين العراق والكيان الصهيوني هو هوشيار زيباري وزير الخارجية. وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الصهاينة يأخذون بنصيحة الولايات المتحدة بألا يتحدثوا بصوت عال عن العلاقة مع بغداد لأن الصهاينة يدركون أن إبراز موضوع العلاقات الآن قد يلحق ضرراً بمحاولات النظام الجديد لإشاعة الاستقرار في البلاد.
وثائق المخابرات:
بعد دخول القوات الأميركية للعراق بأيام كان رجال الموساد ينامون في مقار خاصة بأحمد الجلبي وحزبه (حزب المؤتمر) في حي المنصور ببغداد، حيث كشف تقرير عراقي نشرته صحيفة عراقية تواطؤ الجلبي مع الكيان الصهيوني في تنفيذ اغتيالات وسرقة وثائق حساسة جداً تخص النظام السابق، وأن حزب الجلبي ساعد الموساد في دخول بغداد والوصول إلى مواقع حساسة كانت فيها معلومات ووثائق حيوية عن برنامج التسلح العراقي.
وقال التقرير إن رجالاً من حزب الجلبي وأبرزهم انتفاض قنبر، الناطق الرسمي باسم الحزب تولوا بأنفسهم إرشاد عناصر الموساد إلى أماكن مهمة للغاية في مناطق المنصور والكرادة والمسبح ومجمع القادسية حيث كان نظام صدام يحتفظ فيها بوثائق حساسة جداً.
وأضاف التقرير أن الصهاينة طلبوا من الجلبي الحصول على أرشيف جهاز المخابرات العراقية والذي يعتقد أنه جرى تخزينه على أسطوانات مدمجة خاصة، واتهم التقرير الجلبي بأنه ساعد الموساد على اقتحام متحف بغداد وسرقة مئات القطع الأثرية الثمينة والنادرة وأن جزءاً من هذه الآثار موجود بالفعل في الكيان الصهيوني!!
والأمر الخطير الآخر في التقرير المنشور كشف أن أرئيل شارون وافق شخصياً على منح حزب الجلبي مبلغ مليون ونصف المليون دولار في الشهر الواحد، دعماً لأنشطة الحزب داخل العراق ضمن خطة معدة لتجنيد سياسيين وقادة مجتمع لبناء ما يسمى بالنفوذ الصهيوني في هذا البلد العربي الكبير والحيوي.
واتهم التقرير الكيان الصهيوني بتقديم بعض الأسلحة الى عناصر حزب الجلبي وتدريب قسم منهم في معسكرات خاصة للموساد في دول إفريقية وأن البعض من هذه العناصر مجند في المخابرات الصهيونية بشكل مؤكد!(1/96)
من جانب آخر اعترف بعض أعضاء مجلس الحكم العراقي أن الجلبي عرض عليهم البت في إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، وأنه كان يساعد رجال أعمال دون الإفصاح عن جنسيتهم لدخول العراق والتجوال فيه وإقامة صفقات تجارية مع رجال أعمال عراقيين.
وأكد مسؤولون في هيئة علماء المسلمين أن انكشاف العلاقة بين حزب الجلبي وبين الكيان الصهيوني دليل على تورط عناصر الجلبي في رصد العلماء العراقيين واغتيال البعض منهم، كما أن العلاقة تعني أن الجلبي متواطئ بصورة أو بأخرى في بعض التفجيرات التي استهدفت مساجد أو حسينيات وكنائس أريد منها إثارة الفتنة الطائفية في العراق!
مصير واحد:
أحد عملاء الأحزاب والقوى التي قدمت مع الدبابة الأمريكية كتب بكل صلف مقالة تحت عنوان: "نحن والكيان الصهيوني مصيرٌ واحد وخيارات حضارية واحدة" في إحدى صحف العملاء يقول: "لم يكن عداؤنا للشعب اليهودي ولقراره بإقامة دولته المستقلة على حصته من أرضه التاريخية الأزلية، لم يكن هذا الخيار خيار أغلبيتنا العراقية، العربية والكردية والتركمانية والمسيحية بأنواع تلاوينها، بل كان خيار الأقلية المذهبية السنية التي حكمت العراق من مثلث الوسط ممثلة بجنرالاتها النازيين في أربعينيات القرن الفائت؛ وصولاً إلى جنرالاتها القوميين في خمسينيات القرن والذين كانوا عرابي القومية العربية القادمة من الشام، ولم يكن خيار طرد يهود العراق والمشاركة في حروب العرب القومية الشوفينية ضد الكيان الصهيوني، خيار شيعة العراق وهم أغلبية أهل البلد ولا خيار كرد العراق أو مسيحيوه أو تركمانه أو غيرهم، بل خيار الأقلية السنية الصحراوية التي اغتصبت السلطة والثروة في العراق منذ إعلان الدولة العراقية في الربع الأول من القرن الماضي وحتى التاسع من نيسان"!! انتهى.. وأترك التعليق للقارئ الكريم.
من جانبٍ آخر أشار معهد التصدير الصهيوني إلى زيادة حجم التصدير الصهيوني إلى الدول العربية خلال الربع الأول من العام 2005 بنسبة 8. 5% وبلغ 42 مليون دولار وإن العراق الجديد صار من أكثر الدول العربية تعاملاً مع البضاعة الصهيونية من خلال وسطاء عرب وغربيين.
كما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية 9 أبريل 2003 يوم غزو بغداد نقلا عن مصادر سياسية في الكيان الصهيوني خبرًا يقول إن النفط العراقي سيتدفق إلى معامل التكرير في حيفا (المحتلة)، وأن الاستعدادات جارية بهدف استئناف تشغيل أنبوب النفط القائم منذ عهد الانتداب البريطاني، ويمتد من الموصل في العراق إلى حيفا؟! ونقلت عن وزير البنى التحتية الصهيوني يوسيف يارتيسكي القول بأن تشغيل أنبوب نفط الموصل حيفا سوف يخفض من أسعار الوقود للدولة العبرية بمقدار 25%! و"ستتحول حيفا إلى روتردام الشرق الأوسط".
كما أعلن مسؤولون أمريكيون أن مرحلة ما بعد الحرب في العراق (الاحتلال) سوف تشهد تغيير النظام التعليمي في العراق، وأن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أدرجت عروضاً من أجل تجديد النظام التعليمي العراقي، بمبلغ ابتدائي يقدر ب 65 مليون دولار؛ لتغيير المناهج التي تؤيد العنف، وتحرض ضد أمريكا والكيان الصهيوني؟ وذلك على غرار ما جرى في أفغانستان، حيث خصصت الوكالة الأمريكية 516 مليون دولار لبرنامج يتعلق بالنظام التعليمي، يحض على السلام والتسامح!
كما كشف مسؤولون عن تصدير السيارات المستعملة من الكيان الصهيوني أنه أدخلت إلى العراق أكثر من نصف مليون سيارة صهيونية مستعملة عن طريق موردين عرب وعبر أراض عربية! وأن هوس استيراد السيارات للعراق أدى إلى تنظيف الكيان الصهيوني من السيارات القديمة والملوثة للبيئة!
كوماندوز صهاينة:
على صعيد آخر كشف جنرال فرنسي متقاعد عن وجود 150 من وحدات الكوماندوز الصهيونية داخل العراق؛ لاغتيال العلماء الذين وردت أسماؤهم في قوائم مفتشي الأسلحة الدوليين!!.. وقال الجنرال الفرنسي المتقاعد في تصريحات لقناة التلفزة الفرنسية الخامسة يوم 8 أبريل 2004 إن أكثر من 150 جندياً صهيونياً من وحدات الكوماندوز دخلوا الأراضي العراقية في مهمة تستهدف اغتيال العلماء العراقيين، الذين كانوا وراء برامج التسلح العراقية، وقدمت أسماؤهم إلى لجنة مفتشي الأسلحة الدولية برئاسة (هانز بليكس).(1/97)
وقال الجنرال الفرنسي: "إن مخطط الاغتيال هذا تم وضعه من قبل مسؤولين أمريكيين وصهاينة، وأن لديه معلومات دقيقة بوجود الكوماندوز الصهاينة داخل العراق حالياً، بهدف اغتيال العلماء العراقيين الذين كانوا نواة برامج التسلح الصاروخي والنووي والكيماوي، التي أرعبت الكيان الصهيوني، وعددهم حسب الجنرال الفرنسي قرابة ثلاثة آلاف و500 عالم عراقي عالي المستوى، من بينهم نخبة تتكون من 500 عالم عملوا في تطوير مختلف الأسلحة، وهذه النخبة هي المستهدفة من العمليات الصهيونية بالدرجة الأولى. في الوقت نفسه نشرت صحيفة القدس العربي خبراً من مراسلها زهير أندراوس من فلسطين المحتلة، بأن الرئيس العراقي جلال طالباني قال في مقابلة خاصة بثتها القناة الثانية للتلفزيون العبري أن التقدم في العملية السلمية بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين سيفتح الباب علي مصراعيه لإقامة علاقات بين تل أبيب والعراق. واعتبر طالباني أنه لا توجد عداوة بين العراق والكيان الصهيوني. وقال مراسل التلفزيون عراد نير إنها المرة الأولي التي يوافق فيها الرئيس العراقي طالباني على التحدث إلى صحافيين صهاينة بصورة علنية!
علاقات دبلوماسية:
وقال الصحافي نقلاً عن مصادر في الخارجية الصهيونية أن اللقاء الذي جمع طالباني مع رجل الأعمال الصهيوني حاييم سابان هو لقاء تاريخي في العلاقات بين البلدين. وقد بث التلفزيون لقاء بين طالباني وبين الصحافيين الصهاينة، وبعد أن قدم المراسل نفسه للرئيس العراقي وجه له سؤالين حول العلاقات الصهيونية العراقية، والاستثمار الصهيوني في العراق، قال طالباني في معرض رده على السؤالين: إن العراق سيقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة العبرية بعد قبولها بالمبادرة السعودية التي طرحها الملك عبد الله في اجتماع القمة العربية في بيروت في مارس من العام 2002، مشيراً إلى أن دولته هي دولة معتدلة، ولا تكنّ العداء للدولة العبرية.
وأضاف أن العراقيين لا يريدون أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. أما حول الاستثمار الصهيوني في العراق فقال طالباني إن بلاده مفتوحة أمام رجال الأعمال الصهاينة وأنه يرحب بكل مبادرة منهم لفتح باب التبادل التجاري مع العراق بصورة علنية ووجه لهم دعوة رسمية إلى استثمار أموالهم في العراق.
من ناحية أخرى تصافح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ووزير البنية التحتية السابق في الكيان الصهيوني بنيامين بن أليعازر على هامش المنتدى الاقتصادي للشرق الأوسط في الأردن. وقد تقدم بن أليعازر من زيباري في أحد الممرات بين قاعات المنتدى وقال لهوشيار بالعربية: أنا عراقي...شلونك؟.ورد عليه وزير الخارجية العراقي بالإنجليزية قائلاً:"أنا بخير" ثم قال بالعربية "الحمد لله"!
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
==============(1/98)
(1/99)
يفسدون البلاد ... تحت نظر حكومة خائنة .. ! ( 3 )
سليمان بن صالح الخراشي
يعظم مُصاب الأمة عندما تُبتلى بحاكمٍ لايهمه سوى إطالة بقائه على كرسي الحكم، وإن تلازم ذلك مع " مهانة وذلة " لأعداء الأمة، أو مع تضييع لدين الرعية المسلمة وأخلاقهم، وأحيانًا لاتلازم؛ ولكنه مرض القلوب بالشهوة، وتمكن البطانة الفاسدة. وتناسى هذا الحاكم وأمثاله وعيده صلى الله عليه وسلم : (من مات وهو غاشٌ لرعيته لم يرح رائحة الجنة) أخرجه البخاري. وأي غشٍ أعظم من التمكين للمنافقين والمفسدين في المناصب - سواء إعلامية يستغلونها في نشر فسادهم أو غيرها - تحت نظر الحاكم الخائن المشارك معهم في حمل الأوزار؟
هذا ما حدث في البلاد المصرية المسلمة في الفترة التي وقعت فيها الواقعة التالية التي آذت شرفاء تلك البلاد وعانوا منها طويلا ولا يزالون؛ حيث تمكن (ثلاثة) مفسدين من تسهيل أمر الشر فيها مستغلين غفلة السلطان أو تغافله عنهم وعن مكرهم؛ إما مهادنة للعدو المحتل " الإنجليز "، أو لمرض القلب والفسق.
وتفاصيل ذلك - كما يقول صاحب بحث " المرأة المصرية والتعليم الجامعي ": (أن بعض الفتيات لجأن إلى لطفي السيد مدير الجامعة يطلبن مساواتهن بالرجال في التعليم الجامعي، وأن بعض عمداء الكليات وأساتذتها طلبوا أن تقبل الفتيات الحائزات على البكالوريا في كلياتهم، وكان طه حسين هو أول من عرض على لطفي السيد قبول الطالبات في الجامعة، وحين سأله لطفي السيد: هل قانون الجامعة يمنع دخول البنات؟ أجابه بأن القانون يقول: إن الجامعة للمصريين ولم يحدد النوع! يضاف إلى ذلك أن بعض الصحف طالبت بضرورة أن يشمل التعليم الجامعي الفتيات، ولكن الموقف لم يكن سهلاً، فقد كانت هذه المسألة شائكة، خصوصاً أن أنصار هذا الرأي بالنسبة للرأي العام ككل كانوا قلة، وكان الأمر يستلزم التريث والتزام التكتم وعدم مناقشته أو عرضه على الرأي العام؛ حتى لا يثور المتزمتون ويتعقد الموقف، وفي غفلة من هؤلاء وضعت الجامعة الرأي العام والحكومة أمام الأمر الواقع عندما فتحت كلية الآداب أبوابها للطالبات ودخلتها أربع،، هن: سهير القلماوي، وفاطمة سالم سيف، وفاطمة فهمي خليل، وزهيرة عبد العزيز. ويتضح ذلك فيما كتبه لطفي السيد في مذكراته، إذ يقول " لا أخفي أننا قبلنا الطالبات أعضاء في الأسرة الجامعية في غفلة من الذين من شأنهم أن يُنكروا علينا اختلاط الشباب بأخواتهن في الدرس").
ويتابع كاتب البحث قائلا: (وعن اختلاط الطالبات بالطلبة داخل الجامعة، فقد تحاشت الطالبات في أول دخولهن الجامعة أي صلة تربطهن بالطلبة، ودخلن قاعات المحاضرات مغطيات الرءوس، وامتنعن عن الاقتراب من الأماكن التي يتواجد فيها الطلاب، وتجاهلن التحيات الموجهة إليهن، ورفض الاشتراك في مناقشة الأساتذة خلال الدرس، وقد حاول الدكتور طه حسين أثناء عمادته لكلية الآداب تشجيع الاختلاط بين الطالبات والطلبة، ففي الحفل الذي أقامته الكلية في نادي الجامعة بمناسبة النجاح الذي أحرزه مشروع القرش في فبراير 1932، نشرت جريدة الأهرام صورة تظهر طلبة الكلية حول عميدهم طه حسين وقد جلست كل طالبة بجانب طالب، مما أثار الرأي العام وتوتر موقفه من الجامعة أكثر مما كان). (المرجع: أبحاث " مئة عام على تحرير المرأة " 575-563/1).
وقد اعترف بهذا الهالك (طه حسين) في الاحتفال بتكريم أولى خريجات الجامعة في فبراير 1932م حيث قال في كلمته: (أظن أن موقفي الآن ولست من الرجال الرسميين- يسمح لي بأن أكشف لحضراتكم عن مؤامرة خطيرة جداً حدثت منذ أعوام، وكان قوامها جماعة من الجامعيين، فقد ائتمر الجامعيون، وقرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة، وأن يختلسوا منها حقاً اختلاساً لا ينبئونها به ولا يشاورونها فيه، وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالي في الجامعة المصرية، وأؤكد لكم أيها السادة أنه لولا هذه المؤامرة التي اشترك فيها الجامعيون، وبنوع خاص أحمد لطفي السيد باشا وعلي إبراهيم باشا وهذا الذي يتحدث إليكم، لولا هذه المؤامرة التي دبرناها سراً في غرفة محكمة الإغلاق لما أتيح لنا ولا للاتحاد النسائي أن أقدم إليكم الآن محامية مصرية وأديبات مصريات، اتفق هؤلاء الثلاثة فيما بينهم أن يضعوا وزارة المعارف أمام الأمر الواقع، وكان القانون الأساسي في الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظاً مذكراً ينطبق على المصريين والمصريات، وعلى ذلك ائتمرنا على أن تقبل الفتيات، فقبلناهن ولم نحدث أحداً بذلك، حتى إذا تم الأمر وأصبح لهن حق مكتسب في الجامعة، علمت الوزارة أن الفتيات دخلن الجامعة) اهـ ص (23-24) من (حواء) العدد 1255/11 أكتوبر 1980م. وقد ذكرت الحادثة هدى شعراوي في مذكراتها (ص 443-444)، وكانت ممن استمع لاعتراف طه حسين.
وللفائدة فقد كانت لمصر تجربة رائدة في التعليم النسائي الجامعي دون اختلاط قبل أن يُقحمها المفسدون فيه. (انظر البحث السابق، ص 564).(1/100)
قال الأستاذ محمد أديب كلكل في كتابه " حكم النظر في الإسلام " (ص 134) بعد أن أورد ما رواه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". مشيراً إلى فوائد هذا الحديث: (وفيه ربطٌ بين الاستبداد السياسي "قوم معهم سياط"، والانحلال الخُلقي "ونساء كاسيات عاريات"، وهذا ما يصدقه الواقع، فإن المستبدين من الطغاة والمتسلطين من الفراعنة يُشغلون الشعوب عادة بما يقوي الشهوات، ويزينها، ويلهي الناس بالمتاع الشخصي عن مراقبة القضايا العامة، لكي يبقوا سادرين في غفلاتهم، غارقين في شهواتهم، لا يهتمون بطغيان، ولا يسألون عن انحراف، ولا يقاومون ظلماً ولا عدواناً).
نستفيد من الحادثة السابقة
- أن لا نستقل أو نستهين بأهل الفساد (ممن عجزوا عن منافسة الأمم الأخرى فيما ينفع؛ لأن فاقد الشيئ لا يُعطيه، فرضوا بأن تُختزل حياتهم وأهدافهم في مجرد تسهيل أمر الفساد)؛ فإن عددًا قليلا منهم يهدم أمة ودولا بأسرها، ويوقعها فيما قد تعاني منه سنوات طويلة، إذا ما وجدوا الفرصة ووصلوا إلى مراكز صُنع القرار؛ وقد قال - تعالى -عن أسلافهم: (وكان في المدينة تسعة رهط يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون). نعوذ بالله من حالهم وحال من يسعى لتمكينهم أو تهوين شرهم.
ذاك ما حدث في مصر التي أسأل الله أن يهيئ لها من يُعيد الأمر إلى نصابه، ويُمكن للصالحين فيها. أما في بلادنا " المملكة العربية السعودية " - التي صبرت فظفرت - فالأمر مختلف - ولله الحمد -؛ حيث كان المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - يعي أخطار دعوة تغريب المرأة ومن يقف وراءها؛ وتجد على الرابط التالي رأيه فيها:
الملك عبد العزيز.. وقضية تغريب المرأة
وفي تعليم الفتاة: أصبح التأخر النسبي له نظاميًا خيرًا لأهل هذه البلاد كي يتجنبوا أخطاء الآخرين ويحذروا من ألاعيب المفسدين العابثين؛ فتعاونت السلطة والعلماء على تهيئة المناخ الشرعي لتعليم الفتاة ما ينفعها دون اختلاط، في تجربة فريدة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء. وتجد على الرابط التالي ما يوضح أمرًا طالما أخفاه البعض!
أكذوبة... تُردد في الصحافة السعودية!
وفي مجال العمل: التُزم فيه بالبعد عن كل ما يمتهن المرأة ويُعرضها لما يُخالف الشرع، (والنادر يُعالج)، وتجد على الرابطين التاليين خطاب خادم الحرمين الملك فهد - رحمه الله - في التأكيد على هذا الأمر، إضافة إلى اقتراحات مفيدة في هذا الموضوع:
إلى مؤتمر المرأة
(عمل المرأة عن بُعد) مشروع فضيلة الشيخ محمد الهبدان
ويبقى - بعد هذا - من أهل هذه البلاد - حكومة وشعبًا -:
1- الثبات على شرع الله، وعدم المداهنة أو التنازل عنه في مقابل كيد الأعداء - من كفار ومنافقين - وتربصهم بهذه البلاد وأهلها؛ متذكرين قوله - تعالى -: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا). وقوله: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا).
2- الحذر من أهل الفساد وإبعادهم عن مراكز التوجية والتأثير؛ خاصة في مجال الإعلام، وكل ما يتعلق بالمرأة وشؤنها؛ مع متابعة ومساءلة من " يتواصل " منهم مع الجهات الأجنبية المختلفة. فإن النار من مستصغر الشرر، وما تضخم " الطابور الخامس " في بلاد كثيرة إلا بواسطة العدو الداعم لهم.
أسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لكل ما يحب ويرضى، وأن يوحد صفهم في مواجهة من يريد الشر بهم وببلادهم..
http://www.saaid.net المصدر:
=============(1/101)
(1/102)
الغرب والإسلام ( 1 )أحقاد وافتراءات . . لها تاريخ
د. محمد عمارة
مشكلتنا، في مواجهة الهجوم على الإسلام، والإساءة إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وخاصة تلك التي تتكرر من دوائر سياسية ودينية وإعلامية في الغرب.. أننا نتعامل مع هذه الهجمات والإساءات تعاملاً غير صحي، يتسم في أغلب الأحيان، بالتجزيئية والموسمية والانفعالات، التي سرعان ما تتبخر، مع بقاء المواقف المعادية على حالها.. بل ربما هي في تصاعد وازدياد..
وحلاً لهذه المشكلة، فإن العقل المسلم، ومؤسسات العلم والإعلام الإسلامية، عليها أن تعي عدداً من الحقائق، التي تمثل ثوابت حاكمة أو يجب أن تكون حاكمة لمواقفنا إزاء هذه الهجمات.
وأولى هذه الحقائق: هي إدراك الجذور العميقة للعداء للإسلام عند الآخرين.. فمنذ ظهور الإسلام بدأ العداء له، والتهجم عليه، والافتراء على رسوله صلى الله عليه وسلم . ولقد سجل القرآن الكريم، وسجلت السيرة النبوية، هذه الحقيقة، باعتبارها سنة من سنن التدافع بين الحق والباطل: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" (البقرة: 217)، "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير" 109 (البقرة)، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" (8) (الصف)، "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" 36 (الأنفال)... ولقد اعترف كثير من الغربيين بقدم العداء الغربي للإسلام، حتى قال القائد والكاتب الإنجليزي "جلوب باشا" (1897 1986م): "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط أي مشكلة الغرب مع الشرق الإسلامي إنما يعود إلى القرن السابع الميلادي"! أي إلى ظهور الإسلام!!
فنحن إذن أمام موقف ثابت وقديم.. ولسنا أمام مقال هنا ورسم "كاريكاتوري" هناك.. ومن ثمَّ فنحن في حاجة إلى استراتيجية ثابتة ودائمة لمواجهة هذا العداء وهذه الهجمات.
والحقيقة الثانية: هي أن هذا الغرب الذي تأتي منه أغلب هذه الهجمات ليس كتلة واحدة ولا موقفاً واحداً إزاء الإسلام.. صحيح أن الأكاذيب والافتراءات تملأ الكتب المدرسية الغربية حتى لقد رُصدت هذه الأكاذيب في مشروع بحثي أنجز في ألمانيا، فبلغت ثمانية مجلدات!!.. وصحيح أن هذه الأكاذيب تنتشر في الثقافة الشعبية الغربية التي تصور المسلمين عبدة للثالوث!!.. وتصور رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كاردينالاً كاثوليكياً رشح نفسه في انتخابات البابوية، فلما رسب أحدث انشقاقاً هو الأكبر والأخطر في تاريخ النصرانية!!.. إلى آخر مخزون ثقافة الكراهية السوداء في المجتمعات الغربية إن كان له آخر!... لكن.. ومع هذا.. فإن هناك عدداً كبيراً من علماء الغرب ومفكريه قد قادتهم عقولهم إلى احترام الإسلام والثناء على حضارته، والإنصاف لتاريخ الأمة الإسلامية.
ولذلك، فعلينا أن نواجه الافتراءات الغربية بمشروع فكري نقدم فيه للغرب وعلى نطاق واسع... شهادات هؤلاء العلماء والمفكرين الغربيين، المنصفة للإسلام، وذلك من باب "وشهد شاهد من أهلها".. فالأمر المؤكد أن هذه الشهادات ستكون أجدى وأفعل في كشف الزيف الذي تمثله حملات العداء والتشويه للإسلام..
والحقيقة الثالثة: هي أن أفكار الجمود والتقليد والغضب والعنف، التي لا تخلو منها مجتمعاتنا الإسلامية، يسلط أعداؤنا عليها كل الأضواء، بل ويبالغون في تصويرها حتى تغطي على تيار الوسطية والاستنارة والاعتدال في الفكر الإسلامي وهو التيار الأوسع والأعرض والأعمق وذلك لتشويه كامل الصورة الإسلامية، ولإخافة الشعوب الغربية من الإسلام، فتنخرط وراء حكوماتها الاستعمارية في الحرب على عالم الإسلام.. وفي مواجهة ذلك علينا أن نقدم للإنسان الغربي مشروعاً للتعريف بالإسلام نترجم فيه الفكر الوسطي الإسلامي، وأن تقدم هذا المشروع المؤسسات الإسلامية المعروفة بالوسطية والتاريخ العريق مثل الأزهر الشريف وذلك لنقول لهؤلاء الآخرين: هذا هو الإسلام، لمن أراد أن يعرف حقيقة الإسلام.
هناك علاقة جدلية بين "الدفاع" و"الهجوم"، وإذا كان "الدفاع" غير "الاعتذار".. فإن علينا ونحن ندافع عن الإسلام إزاء التهجمات التي توجه إليه، والإساءات التي توجه إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وخاصة من دوائر الهيمنة السياسية والإعلامية الغربية.. علينا ونحن نعرف الآخرين بحقائق سماحة الإسلام وعدالته أن نتخذ موقف الهجوم على الفكر العنصري والدموي الذي تزخر به المواريث الدينية والحضارية لدى هؤلاء الغربيين الذين يهاجمون الإسلام والذين يبصرون "القشة" في عيون غيرهم، ويتعامون عن "الأخشاب والأشواك" التي تمتلئ بها عيونهم!.. وعلى الذين ينتقدون "الخطاب الديني الإسلامي" أن ينظروا أولاً إلى خطاباتهم الدينية والثقافية، الطافحة بالعنصرية والدموية والاستعلاء والتمركز حول الذات وإنكار الاعتراف بالآخرين...(1/103)
كذلك، يجب علينا ونحن ندافع عن الإسلام، ونرد سهام خصومه، أن نستخدم سلاح الوعي بحقائق التاريخ.. والوعي بحقائق الواقع الذي نعيش فيه.. فنذّكر الذين يتهمون المسلمين بالعدوانية والإرهاب: أن الشرق قد تعرض لعدوان الغرب واستعماره وقهره ونهبه منذ ما قبل الإسلام.. وبعد ظهور الإسلام.. فالقضية أقدم حتى من الإسلام!..
فالإغريق والرومان والبيزنطيون قد احتلوا الشرق وقهروه حضارياً ودينياً وثقافياً ولغوياً عشرة قرون من "الإسكندر الأكبر" (356 324ق. م) في القرن الرابع قبل الميلاد وحتى "هرقل" (610 641م) في القرن السابع للميلاد...
لما حررت الفتوحات الإسلامية أوطان الشرق وضمائر شعوبه من هذا القهر الاستعماري... عاد الغرب ليختطف الشرق من التحرير الإسلامي، فشن عليه حملاته الصليبية التي دامت قرنين من الزمان (1096 1291م)، ولم يتورع الغرب إبان هذه الحروب الصليبية التي رفع فيها أعلام النصرانية عن أن يتحالف مع التتر الوثنيين ضد الإسلام!
ولما حررت دول الفروسية الإسلامية الشرق من جيوش الصليبيين وأزالت قلاعهم وكياناتهم الاستيطانية.. عاد هذا الغرب الاستعماري منذ إسقاط غرناطة (1492م) إلى القيام بغزوته الحديثة، فالتف حول العالم الإسلامي، ثم أخذ بغزوة بونابرت سنة 1798م في ضرب قلب العالم الإسلامي، ومازلنا نعالج آثار هذه الغزوة، التي مضى على بدايتها خمسة قرون.. والتي لم يتورع فيها الغرب الاستعماري الحديث عن التحالف مع أعدائه التاريخيين اليهود الصهاينة ضد الإسلام والمسلمين كما سبق وصنع الغرب الصليبي بتحالفه مع الوثنية التترية في العصر الوسيط!
ثم... على الغرب الاستعماري أن ينظر قبل اتهامه الإسلام وأمته بالعدوانية والإرهاب! - أن ينظر إلى خريطة الواقع الذي نعيش فيه..
فشركات الغرب العابرة للقارات والجنسيات، تنهب ثروات العالم الإسلامي وموارده الخام بأرخص الأسعار، في الوقت الذي يصدرون فيه إلينا سلع الاستهلاك الترفي والترف الاستهلاكي بأغلى الأسعار.. ويعملون على حرماننا من التنمية والتقنية وامتلاك أدوات القوة الصناعية!
والقواعد العسكرية الغربية تغطي أغلب بلاد العالم الإسلامي.. حتى لقد تحولت بلاد عربية وإسلامية إلى قواعد عسكرية!!.. ولا شيء غير القواعد!!.. وذلك لحراسة النهب الاقتصادي، والعدوان على سيادة الدول الإسلامية!
والأساطيل الحربية الغربية غدت تحتل بحارنا ومحيطاتنا.. بل وتحولت مناطق من عالم الإسلام إلى مدافن للنفايات القاتلة.. بعد أن تحولت شعوبنا وزراعاتنا إلى حقول تجارب للفاسد والضار من الأسمدة والمبيدات والأدوية!!
والغرب، الذي يحرم شعوب الإسلام دون غيرها من حق تقرير المصير.. هو الذي يعطي هذا الحق للأقليات التي هي جزء أصيل من الشعوب الإسلامية، حتى غدا هذا الحق لأول مرة في تاريخ الشرعية الدولية.. أداة تفتيت للدول ذات السيادة بدلاً من أن يكون أداة لتحرير الشعوب من الاستعمار، ما حدث ويحدث في "تيمور الشرقية" وفي جنوب السودان.
يحدث ذلك في واقعنا الإسلامي.. بينما لا تجد في الغرب جندياً مسلماً.. ولا شركة إسلامية، ولا حتى سفينة إسلامية لصيد الأسماك!! ومع ذلك يتحدثون عن عدوانيتنا وإرهابنا.. غافلين ومتغافلين عن حقائق التاريخ، وحقائق الواقع الذي نعيش فيه.. فهل نعي نحن دور هذا الوعي بالتاريخ الواقع في هذا الصراع؟!
فصل جديد.. وليس الأخير!
في 30 سبتمبر سنة 2005م نشرت إحدى الصحف الدانماركية "بولاندس بوسطن" رسوماً كاريكاتورية مسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكانت هذه الرسوم ثمرة "لمسابقة" أجرتها الصحيفة بين رسامي "الكاريكاتور" ليتخيلوا ويرسموا رسول الإسلام، في الصورة التي رسمتها في مخيلتهم ثقافتهم الغربية وتراثهم عن رسول الإسلام.. وكانت الحصيلة اثني عشر رسماً، منها ذلك الرسم الذي يصور رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم معتمراً عمامة في شكل قنبلة!!
نعم.. فرسول السلام العادل، والتوحيد الخالص، والرفق بالطبيعة والجمال، فضلاً عن الإنسان والحيوان والنبات، قد صورته الثقافة السائدة في التراث الغربي "إرهابياً"، نشر دينه بالسيف والدم.. وها هي تعاليمه الآن الإسلام قد غدت "الإرهاب" الذي يشيعه في العالم أتباعه "الإرهابيون"!!
وعندما استفزت هذه الرسوم سفراء الدول العربية والإسلامية في "كوبنهاجن" عاصمة الدانمارك ودعتهم السفيرة المصرية للاجتماع والاحتجاج.. وطلبوا مقابلة رئيس الوزراء الدانماركي، رفض مقابلتهم، قائلاً: إن ما نشرته الصحيفة لم يخرج عن حدود القانون.. وإن الحكومة الدانماركية لا تتدخل فيما هو من حرية التعبير!
ومع تسرب أنباء هذه الرسوم إلى أجهزة الإعلام في البلاد الإسلامية، غضبت الجماهير لرسولها الكريم، ولمقدسات دينها الحنيف، فعقدت المؤتمرات، وصدرت البيانات، واندلعت المظاهرات، وسقط الشهداء.. وبدأ جمهور الناس في مقاطعة البضائع الدانماركية.. وانخرطت قطاعات من النخبة في الكتابة والخطابة دفاعاً عن العقائد والمقدسات.(1/104)
لكن رد الفعل الغربي في الإعلام وفي مؤسسات الاتحاد الأوروبي والحكومات الغربية، كان في مجمله سلبياً.. بل ومعادياً.. فصحف كثيرة في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وإسبانيا واستراليا والنرويج وروسيا فضلاً عن إسرائيل قد أعادت نشر الرسوم المسيئة إلى رسول الإسلام.. ومفوضية الاتحاد الأوروبي تضامنت مع الدانمارك، بحجة أن حرية التعبير يجب ألا تتقيد بحرمات مقدسات الإسلام.. بل وهددت هذه المفوضية الدول الإسلامية التي تقاطع البضائع الدانماركية بتطبيق العقوبات عليها، لأن مقاطعة الدانمارك هي مقاطعة لكل دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرين!!.. ووصل الأمر إلى حد أن أحد الوزراء في إيطاليا دعا إلى شن حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين.. وإلى طبع هذه الرسوم المسيئة إلى رسول الإسلام على القمصان ليرتديها ويتزين بها الأوروبيون!!
وهكذا انشغل العالم بوقائع أحدث فصول الإهانات الغربية لمقدسات الإسلام!
وفي الساحة الإسلامية.. ظن كثيرون أن هذا الحادث الغريب هو حادث مفاجئ.. وشاذ.. وليست له سابقة ولا نظير في التاريخ.. بينما ظن آخرون أن هذا الموقف الغربي، الذي يستبيح إهانة العقائد والمقدسات الدينية الإسلامية، بدعوى حرية التعبير التي يراها "قيمة مطلقة" تعلو على غيرها من القيم حتى إنها غير قابلة للنقاش!... ظنوا أن ذلك الموقف الغربي هو موقف حديث، أثمرته العلمانية الغربية التي سادت في السياسة والدولة والمجتمعات الغربية منذ القرن الثامن عشر والتي نزعت القداسة عن كل مقدسات الأديان.. والتي تطورت في ما بعد الحداثة إلى نزع القداسة حتى عن منظومة القيم والأخلاق.
لكن الذي تريد أن تقدمه هذه الدراسة، من خلال "الوقائع.. والوثائق.. والشهادات الغربية ذاتها" هو البرهنة على أن عداء الغرب للإسلام، وتعمده إهانة مقدساته وفي المقدمة منها رسوله العظيم.. وقرآنه الكريم هو عداء وافتراء له تاريخ!.. وأن تاريخ الغرب في اقتراف هذه الجرائم سابق حتى على علمنة الفكر الغربي والمجتمعات الغربية.. بل إن هذا الموقف الغربي من الإسلام إنما يعود إلى ظهور الإسلام!!
لقد قالها الجنرال الإنجليزي "جلوب باشا" اللفتنانت جنرال جون باجوت (1897 1986م) والذي سبق أن عمل قائداً للجيش الأردني حتى سنة 1956م.. قالها في لحظة صدق فجاءت معبرة أصدق التعبير عن تاريخ الغرب في العداء للإسلام.. لقد قال: "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط أي مشكلة الغرب مع الشرق الإسلامي إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد"!! أي إلى ظهور الإسلام.
ليس غرباً واحداً:
وقد حرصنا دائماً، وفي كل ما كتبناه عن مواقف الغرب من الإسلام وحضارته وأمته، على ضرورة التمييز في الغرب بين:
1 الإنسان الغربي: الذي لا مشكلة له مع الإسلام وأمته وحضارته.. والذي يتفهم ديننا وقضايانا عندما تعرض عليه بمنطق وموضوعية.. والذي لنا من بين علمائه ومفكريه العشرات، بل والمئات الذين تحدثوا عن الإسلام وحضارته بموضوعية وإنصاف حتى إننا نتعلم من كتاباتهم.. نحن المسلمين الكثير..
2 والعلم الغربي: الذي هو مشترَك إنساني عام، استفادت فيه النهضة الأوروبية الحديثة من تراث الإسلام العلمي والحضاري، كما سبق واستفاد المسلمون فيه من تراث الحضارات القديمة الإغريقية.. والهندية.. والفارسية التي أحيا مواريثها الإسلام..
3 ومؤسسات الهيمنة الغربية: تلك التي تتركز مشكلة الإسلام والمسلمين معها، لا لأنها غربية، وإنما لأنها "إمبريالية"، سبق لها أن استعمرت الشرق ونهبته اقتصادياً، وقهرته دينياً وسياسياً وثقافياً لمدة عشرة قرون من "الإسكندر الأكبر" (356 323ق. م) في القرن الرابع قبل الميلاد وحتى "هرقل" (610 641م) في القرن السابع للميلاد!
فلما ظهر الإسلام، وحررت فتوحاته أوطان الشرق من هذا الاستعمار والقهر الغربي الإغريقي.. الروماني.. البيزنطي عاد هذا الغرب تحت أعلام الصليب، و"بأيديولوجية" الحرب الدينية المقدسة ليحارب الشرق، ويشن عليه العديد من الحملات العسكرية، التي شاركت فيها دول الغرب وإماراته وفرسان إقطاعه، بقيادة الكنيسة الكاثوليكية.. ولقد استمرت هذه الحملات الصليبية، والكيانات الاستيطانية والإحلالية التي أقامتها في قلب العالم الإسلامي قرنين من الزمان (489 690ه 1096 1291م).
وعندما نهضت دول الفروسية الإسلامية الدولة "الزنكية النورية" (521 648ه 1127 1250م).. والدولة "الأيوبية" (567 648ه 1171 1250م).. والدولة "المملوكية" (648 784ه 1250 1382م).. عندما نهضت دول الفروسية الإسلامية هذه فحررت عالم الإسلام من آثار هذه الحملات الصليبية الغربية.. بدأ الغرب دورة جديدة من دورات صراعه التاريخي ضد الإسلام والمسلمين، وذلك لإعادة اختطاف الشرق من التحرير الإسلامي.. فكانت الحروب التي أسقطت "غرناطة"، واقتلعت الإسلام من الأندلس (897ه 1492م) لتبدأ غزوة الخمسمائة عام!.. الغزوة الغربية الحديثة للشرق الإسلامي، التي لا تزال وقائعها قائمة حتى هذه اللحظات!.(1/105)
لقد بدأت هذه الغزوة الغربية الحديثة بالالتفاف حول العالم الإسلامي حول إفريقيا (902ه 1497م) واحتلال الكثير من البلاد الإسلامية في شرقي آسيا الهند.. والفلبين.. وإندونيسيا.. ثم استدارت لضرب قلب العالم الإسلامي العالم العربي ابتداء من حملة "بونابرت" (1769 1821م) على مصر والشام (1213ه 1798م).
ولكي يدرك الذين لا يدركون وعي الغرب بهذا التاريخ.. بل واحتفاله بذكرياته.. يكفي أن نعلم أن الغرب قد احتفل بمرور خمسمائة عام على إسقاطه "غرناطة" واقتلاعه الإسلام من غربي أوروبا الأندلس احتفل بذلك سنة 1992م، وذلك بإقامة "دورة أولمبية" في "برشلونة" سنة 1992م أي في مكان الحدث!! وذهب العالم بمن فيه المسلمون! ليلعبوا على أنغام الذكريات الغربية بالانتصار على الإسلام.. وببدء الغزوة الغربية الحديثة لعالم الإسلام من ذات المكان أيضاً البرتغال! وليشاهدوا مع الألعاب الأفلام والمسرحيات التي تتحدث عن هذه الأحداث، في مسلسل الصراع الغربي ضد الإسلام!.. بل وفي العام نفسه (1992م) شن الغرب حربه بقيادة الصرب ضد البوسنة والهرسك، لاقتلاع الإسلام من وسط أوروبا، في الذكرى الخمسمائة لاقتلاعه من غرب أوروبا.
إذن.. فمع هذه المؤسسات الاستعمارية الغربية، ومع هذا المشروع "الإمبريالي" الغربي، الطامع في اغتصاب الشرق ونهب ثرواته وتغريب ثقافته وقهر حضارته ومسخ هويته، تتركز مشكلتنا في العلاقة بالغرب.. وليس مع الإنسان الغربي أو العلم الغربي.
وذلك حتى لا نضع الجميع في "سلة واحدة"، غافلين عن المنهج القرآني في التعامل مع الآخرين كل الآخرين: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" 113 (آل عمران).
وإذا كنا قد نشرنا العديد من الكتب الكبيرة والمتوسطة.. والصغيرة عن تاريخ الغرب معنا نحن المسلمين.. على امتداد قرون هذا الصراع الذي فرضوه علينا.. فإن هدف هذه الدراسة الموجزة هو:
1 إيراد الوقائع والشهادات الغربية، والحقائق التاريخية، التي تحكي تاريخ الافتراءات الغربية على الإسلام، والعداء والعدوان على مقدساته..
2 ولتكون هذه الوقائع والشهادات والحقائق التاريخية في صدر جداول أعمال أية حوارات بين المسلمين والغربيين.. وذلك لتكون هذه الحوارات علاجاً "للمرض" وليست وقوفاً عند العرض.. فضلاً عن أن تكون كحالها اليوم "علاقات عامة" و"مجاملات".
إن التناول الشجاع لحقائق العلاقات بين الغرب والشرق، هو الكفيل بفتح الأبواب ولو ببطء وتدرج لتصحيح مسارات هذه العلاقات..وهو وحده الكفيل بتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإعادة بناء الصور لدى الفرقاء المختلفين.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
=============(1/106)
(1/107)
من الرطانة إلى المسخ
محمد بن حامد الأحمري
هناك معارك تعترك فيها اللغات كما تعترك الجيوش على حدود الدول وفي أعماقها وقد لا تراها العيون، ولأن الناس يصلون نار المعارك العسكرية وتسيل الدماء وتهلك الجموع؛ فلا يهتم أحد بالمعارك الثقافية الأخرى، وبخاصة معارك اللغات..
اليوم تنكمش اللغة العربية، وتحاصر في كل ركن، وتحل محلها اللغة العبرية والإنجليزية والفرنسية.فدول المشرق العربي تعيش نهباً للغة الإنجليزية وأحياناً الفرنسية، في القرى النائية وأعماق الصحراء تجد اللوحات باللغة الإنجليزية في الوقت الذي لم يقف على أبواب هذه الأماكن متحدث بهذه اللغة.بل وصل الأمر بشركتين عربيتين في بلد عربي أن تكتبا العقود بينها بالإنجليزية وتمنعا عمالها من الحديث بالعربية، وبلغ الجهل والتخلف بهؤلاء أن تكون جميع اللوحات الإرشادية بالإنجليزية، وأحياناً نصف اللوحات.
وفي دول المغرب العربي مشروع فرنسة شامل، ففرنسا تقوم بمعونات ثقافية مجانية بإرسال مدرسي اللغة الفرنسية وإغراق الأسواق بالكتب والأفلام الفرنسية بالإضافة إلى البرامج التلفزيونية. وأوقف مشروع التعريب في هذه البلدان بحجة أن التعريب أدى للأصولية.
ويوم ينتهي النفوذ السياسي والاقتصادي للفرنسية والإنجليزية - وقد يكون قريباً - هل سترثها اللغات المتخلفة جداً كاليابانية والصينية والهندية وندرسها في مدارسنا ونحول وسائل إعلامنا لها، أم أن المستقبل للعبرية والتي تتزايد شهرتها واهتمام العالم بها، لأن اليهود احترموا لغتهم ففرضوها على العالم، ولم يكن أحد يتحدث بها إلا كهنة معابد اليهود وكانت العبرية والديانة اليهودية أهم وسائل تكوين دولة مترابطة، لأن اليهود قدموا من شعوب شتى ولغات شتى فجمعتهم العبرية والديانة اليهودية.
إننا لنلوي ألسنتنا بعجمتهم ورطانتهم في كل بلدانهم حيث لا يحترمون لنا لغة ولا ذات، ويوم يدخلون بلداننا ترانا نستبق تحت أقدامهم لنترجم لهم خدماً طيعين بلا أجر، بل ونحرص ألا تعكر مزاجهم كلمة عربية واحدة، بل إن المريض في الدول العربية عندما يشتد به المرض قد لا يفكر في الذهاب إلى المستشفى لأنه لا يستطيع أن يشرح مرضه بلغة أخرى، وهم لا يفهمونه بل ربما أمرضوه أو قتلوه لأنه لا يعرف لغتهم ولا يعرفون لغته.
لقد انهارت الثقافة الإسلامية وعلومها العربية يوم أن كانت اللغة التركية لغة ثانية بل لغة مسيطرة في البلاد العربية، وعشنا زمناً طويلاً من الانطواء وضعف العلوم والثقافة، لأن اللغة المهيمنة لم تكن لغة المجتمع فلم تكن العربية، ولم
يتعرب الأتراك، واليوم سيكون بقاء اللغات الأجنبية مسيطرة في بلاد المسلمين علامة انهيار ثقافي وتبعية سياسية شاملة، فمجتمع يعيش بلغتين ويحيا ثقافتين مجتمع مصيره المسخ والانهيار، فاختاروا لكم حياة ثقافية وحضارية واحدة، إما أن تكون العربية، أو الفرنسية، أو الإنجليزية، وتجنبوا مشاريع التقليد الفاشلة قديماً وحديثاً. ونحن اليوم نعيد تجربة العهد التركي الفاشلة ثقافياً مع أنها حمت المسلمين عسكرياً زمناً طويلاً، نعيد التجربة مع الغربيين. لقد آن لنا أن نعي ثقافتنا ونعرف أهمية لغتنا وألا نحيا حياة المسوخ، وليس في هذا منع لوجود مختصين ونقلة لما نحتاجه من الغرب أو الشرق، فتكون هناك حاجة دائماً لمن يعرف هذه اللغات سواء اليابانية, أو الصينية, أو العبرية, أو الإنجليزية أو الفرنسية، ولكن ليس بهذه العملية الماسخة لشعوبنا، الممزقة لها سياسياً وثقافياً، آن لنا أن نتخلص من هذا الاستعمار الفكري المزري.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============(1/108)
(1/109)
بعد استهانة أوروبا بالرسول الكريم : بيان دولي يطالب بإعلان الحرب على الإسلام
مصطفى فرحات
لم يكن خافيا أن قضية الرسومات التي سعت لتشويه صورة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كانت ورقة تحركها أطراف حاقدة على الإسلام والمسلمين. وهكذا بُعيد الهدوء النسبي الذي عرفته دول العالم الإسلامي عقب حركات احتجاجية كبيرة اتفقت في مضمونها على مقاطعة المنتجات الدنمركية كإجراء أولي قطعا لدابر الكائدين لهذا الدين، أصدرت مجموعة من المفكرين والمثقفين بيانا دوليا يطالبون فيه الديمقراطيين بالقيام بحرب على الإسلام، بحجة أنه نظام شمولي يسعى إلى إقامة عالم تسوده الفوضى والحقد، علما أن البيان نشرته صحف عديدة من بينها صحيفة "جيلاندر بوستن" الدنماركية التي كانت الحلقة الأولى في مسلسل نشر الرسومات الكاريكاتورية.
وسعى البيان الذي وقّعه اثنا عشر شخصا، قاسمهم المشترك أنهم نشروا دراسات وأبحاثا تهدف إلى نقد الإسلام والاستهزاء بقيمه، إلى التأكيد على أن المعركة مع الإسلام تعتبر امتدادا لمعركة العالم المتحضر ضد الفاشية والنازية والستالينية، موضحين أن الصراع الذي يشهده عالم اليوم ليس "صراع حضارات ولا عداء بين الشرق والغرب، ولكنه صراع عالمي بين الديمقراطيين والدينيين".
وكنتيجة منطقية للرؤية العدائية التي يحملها أصحاب البيان ضد الإسلام والمسلمين، تم التأكيد على أنه "مثل جميع الأنظمة الشمولية، يتغذى الإسلام بالخوف والغضب. ويراهن دعاة الكراهية على العواطف من أجل إنشاء كتائب بغرض خلق عالم قائم على خنق الحريات وعدم المساواة. ولكننا نعلن صراحة وحزما: ما من شيء، وحتى اليأس، يُبرر اختيار الظلامية والشمولية والحقد. والإسلام يعتبر أيديولوجية رجعية أينما حلت تقتل المساواة والحرية واللائكية. ونجاحها لا يمكن إلا أن يقود إلى عالم مبني على القهر: قهر الرجل للمرأة وقهر الإسلاميين لغيرهم. ومن أجل منع هذا، علينا أن نؤمّن الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين".
ودفعا لكل التباس حول إمكانية استهداف جميع أتباع الديانات العالمية وليس الإسلام وحده، أوضح البيان أن أصحابه يرفضون "(النسبية الثقافية) التي تقوم على أساس قبول أن يُحرم رجال ونساء ذوو ثقافة مسلمة من الحق في المساواة والحرية والقيم اللائكية باسم احترام الثقافات والتقاليد". كما أنهم يرفضون التخلي عن روحهم النقدية خوفا من اتهامهم بـ "رُهاب الإسلام/ إسلاموفوبيا"، مُبرزين أنه "مفهوم مؤسف يخلط بين نقد الإسلام وبين التعييب على أتباعه".
وفي الختام، طالب الموقّعون على البيان بوجوب "تعميم حرية التعبير، وذلك حتى تتمكن الروح النقدية من سيادة كل القارات، ضد كل التلاعبات والعقائد". ودعوا ما أسموهم بـ"الديمقراطيين والأحرار في كل العالم ليصبح قرننا قرن المعرفة المضيئة وليس قرن الظلام"، في إشارة إلى الإسلام.
ويأتي هذا البيان الذي وقّعه سلمان رشدي وتسليمة نسرين وبرنار هنري ليفي في قائمة تحوي اثنا عشر مفكرا ليؤكد النظرة العدائية التي يحملها الغرب عبر مؤسساته لكل القيم الإسلامية، ليس بغطاء "رُهاب الإسلام" كما يؤكد أصحاب البيان أنفسهم، ولكن بدعوى أنه دين لا يمكن التعايش معه ولا احترامه لأنه دين مبني على الحقد والكره والبغضاء، بحسب أولئك المفكرين.
ولكنّ السؤال المطروح اليوم يوجّه إلى دعاة حوار الحضارات والأديان الذين يجدون أنفسهم على هامش السياسة الغربية في إدارة الصراع مع العالم الإسلامي، فمتى يتخلى المسلمون عن عقد النقص الكامنة فيهم ويقتنعون أن المنظومة الفكرية الغربية تحركها الموروثات التي تغذت قرونا من الحروب الصليبية، وأننا لسنا في نظرهم سوى كائنات ظلامية لا حق لها بالعيش في عالم النور!
نص البيان: لنواجه معا الشمولية الجديدة
يقع عالم اليوم تحت تهديد نظام شمولي جديد هو الإسلام، وذلك بعد التغلب على الفاشية والنازية والستالينية.
نحن، معاشر الكتاب والصحافيين والمثقفين، نطالب بمقاومة الشمولية الدينية وترقية الحرية والمساواة في الحظوظ وكذا اللائكية لجميع الناس.
أظهرت الأحداث التي تلت نشر أوروبا للرسومات الكاريكاتورية ضرورة المقاومة من أجل هذه القيم العالمية. وأن هذه المعركة لا يمكن الظفر بها عن طريق الأسلحة، ولكن علينا أن نسلك طريق الأيديولوجيا. فنحن لا نشهد صراع حضارات ولا عداء بين الشرق والغرب، ولكن صراعا عالميا بين الديمقراطيين والدينيين.
مثل جميع الأنظمة الشمولية، يتغذى الإسلام بالخوف والغضب. ويراهن دعاة الكراهية على العواطف من أجل إنشاء كتائب بغرض خلق عالم قائم على خنق الحريات وعدم المساواة. ولكننا نعلن صراحة وحزما: ما من شيء، وحتى اليأس، يُبرر اختيار الظلامية والشمولية والحقد. والإسلام يعتبر أيديولوجية رجعية أينما حلت تقتل المساواة والحرية واللائكية. ونجاحها لا يمكن إلا أن يقود إلى عالم مبني على القهر: قهر الرجل للمرأة وقهر الإسلاميين لغيرهم. ومن أجل منع هذا، علينا أن نؤمّن الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين.(1/110)
إننا نرفض "النسبية الثقافية" التي تقوم على أساس قبول أن يُحرم رجال ونساء ذوو ثقافة مسلمة من الحق في المساواة والحرية والقيم اللائكية باسم احترام الثقافات والتقاليد. ونحن نرفض التخلي عن روحنا النقدية خوفا من اتهامنا بـ "رهاب الإسلام/ إسلاموفوبيا"، وهو مفهوم مؤسف يخلط بين نقد الإسلام وبين التعييب على أتباعه.
إننا نطالب بتعميم حرية التعبير، وذلك حتى تتمكن الروح النقدية من سيادة كل القارات، ضد كل التلاعبات والعقائد. ونحن ندعو الديمقراطيين والأحرار في كل العالم ليصبح قرننا قرن المعرفة المضيئة وليس قرن الظلام.
التوقيع: 12 موقّعا
أيعان حرزي علي (من أصل صومالي، عضو البرلمان الهولندي وكاتبة فيلم "الخضوع" الذي أخرجه نيو فان غوخ)
شهلة شفيق (كاتبة إيرانية مقيمة بفرنسا، من مؤلفاتها كتاب: "الرجل الإسلامي الجديد")
كارولين فوريست (قاصة ومسئولة النشر لمجلة "بروشوا" المهتمة بالدفاع عن الحريات وضد الأصوليية)
برنارد هنري ليفي (فيلسوف فرنسي)
إرشاد مانجي (كاتبة إيرانية صاحبة كتاب "مسلمة ولكن حرّة")
مهدي مُظفّري (أستاذ إيراني مغترب بالدنمرك)
مريم نمازي (كاتبة زمنتجة في التلفزة البريطانية الدولية ومديرة العلاقات الدولية بحزب العمال الاشتراكي في إيران)
تسليمة نسرين (كاتبة من البنغلاديش)
سلمان رشدي (صاحب آيات شيطانية)
أنطوان سفيّر (كاتب لبناني ذو جنسية فرنسي).
فيليب فال (مدير نشر أسبوعية "شارلي إيبدو" التي أعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم )
ابن ورّاق (كاتب وباحث بالمعهد الأمريكي، له مؤلفات منها:"أصول القرآن"، و"لماذا لست مسلما").
04-3-2006
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws المصدر:
=================(1/111)
(1/112)
الشبكات يديرها مختصون نفسانيون صهاينة لتجنيد الشباب العربي
إنهم يصطادون ضحاياهم عبر الإنترنت!
نشرت جريدة " لوسوار" البلجيكية منذ فترة وقائع غريبة ربما كانت ستمر مرور الكرام لولا أن مجلة "لومجازين ديسراييل" (المجلة اليهودية الصادرة في فرنسا) نشرت أيضاً ملفاً عن "عملاء الإنترنت" الذين هم في الحقيقة يشكلون اليوم إحدى أهم الركائز الإعلامية للمخابرات الصهيونية والأمريكية على حد سواء.
إنهم أشخاص لا يعرفون أنهم يفعلون شيئاً خطيراً، يفتحون الإنترنت، وبالتحديد صفحات الدردشة الفورية لقضاء الساعات في الكلام عن أشياء قد تبدو من أول وهلة غير مهمة، وأحياناً تافهة أيضاً، لكنها في الحقيقة أشياء تشكل أهم المحاور التي تركز عليها أجهزة استقطاب المعلومات في المخابرات الصهيونية لأنها ببساطة تساعدها على قراءة السلوك العربي، سلوك الفرد وبالخصوص الشباب!
في سنة 1998 اجتمع ضابط المخابرات الصهيونية "موشي أهارون" مع نظيره الأمريكي في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لم يكن الأمر يعدو اجتماعاً روتينياً، كان فيه الجانب الأمريكي يسعى إلى الحصول على الحقائق اللوجستيكية التي من عادة المخابرات الصهيونية تقديمها للأمريكيين عن الدول المتهمة قبلاً ب"محور الشر"، وبالخصوص التي تطلق عليها إدارة البيت الأبيض الدول المارقة.
مكتب متحرك- ثابت: لكن الجانب الصهيوني كان يبحث عن الدعم اللوجستيكي غير المعلوماتي، بل المادي لتأسيس مكتب ظل في الحقيقة بمثابة الأمل الكبير "لموشي أهارون" الذي كان من أبرز الوجوه الصهيونية المختصة في الشؤون الأمنية العربية. فكرة المكتب كانت تتأسس على نقاط مضبوطة مسبقاً، وبالتالي تبدو واضحة وسهلة: تأسيس مكتب مخابراتي متحرك- ثابت عبر الإنترنت. كان الأمر على غرابته يبدو مثيراً للاهتمام بالنسبة للأمريكيين الذين اشترطوا أن يكونوا ضمن " الشبكة ". مادياً، لم يكن الكيان الصهيوني قادرا على ضمان "نجاح" تجربة مخابراتية عبر الإنترنت من دون مساعدة أمريكية عبر الأقمار الصناعية وعبر المواقع البريدية الأمريكية التي تخدم بالخصوص "الشات" بكل مجالاتها والتي تعرف الإقبال عليها من قبل الشباب وبالخصوص من قبل شباب العالم الثالث في القارات الخمس!.
بتاريخ 1 مايو 2002 تم الكشف لأول مرة في جريدة " التايمز " عن وجود شبكة مخابراتية تركز اهتماماتها على جمع أكبر عدد من "العملاء" أولاً وبالتالي من المعلومات التي يعرف الكثير من الاختصاصيين النفسانيين المنكبين على المشروع كيفية جمعها وبالتالي كيفية استغلالها لتكون معلومة "ذات أهمية قصوى"! كانت العملية أشبه بفيلم هوليودي ذي تأثيرات سينمائية محضة، ومبالغات كتلك التي تتكاثف عليها الأفلام الحركية الأمريكية، لكن الحقيقة كانت أن مكتب " المخابرات عبر الإنترنت " تأسس فعلاً في سنة 2001م، تحت قيادة ضباط من المخابرات الصهيونية أولهم هو نفسه "موشي أهارون" بمعية ضباط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والذي امتد إلى العالم من خلال جملة من المعطيات التي كانت تتركز على نفس الهدف الأول: جمع عملاء شباب لخدمة "الكيان الصهيوني "!
ملفات سرية: ما نشرته مجلة "لوماجازين ديسراييل" الصادرة في فرنسا يبدو مثيراً للكثير من الدهشة، ربما لأنها نقلت عن "ملفات سرية" الكثير من التفاصيل التي استطاعت أن تجمعها عن مصادر موثوقة في الكيان الصهيوني، حيث إنها كما تقول المجلة "أخذت السبق في نشرها" وهو ما أثار في النهاية سخط السفير الصهيوني في فرنسا ضد المجلة اليهودية التي اتهمتها الكثير من الجهات اليهودية بأنها "كشفت أسراراً لا يحق لها كشفها للعدو" وهو ما تراه المجلة نفسها: الحق في المعرفة! بين هذا وذاك كانت القضية الأخطر. وبالنسبة إلينا، لأهمية وخطورة هذه الإشكالية قمنا بدعوة أستاذين مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع للتعمق في الموضوع، وهم: "جيرالد نيرو" أستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، والدكتورة "ماري سيجال" أخصائية اجتماعية، اختصاصية في السلوك البشري في جامعة "لوروا" البلجيكية.
مخابرات الإنترنت(1/113)
يقول "جيرالد نيرو" (أستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب: أخطار الإنترنت): "هذه شبكة تم الكشف عنها في مايو 2001م، وهي شبكات يديرها مختصون نفسانيون في الكيان الصهيوني وهم مجندون لاستقطاب شباب العالم الثالث وبالتحديد الشباب المقيم في دول المحور (محور الصراع العربي الصهيوني). لقد قمت بالكتابة عن هذه الشبكة في كتابي "أخطار الإنترنت" وذكرت بعد الكثير من الدراسات أن مكتب "المخابرات الإنترنتية" عبارة عن مواقع للشات، والحوار والانطلاق، بحيث إنها تعتمد على معطيات تبدو مهمة بالنسبة لمستعملي الإنترنت، أولاً الخصوصية وثانياً الحوار وبالتالي تناول المواضيع المحظورة أحياناً كالجنس...إلخ.لهذا، الدخول إليها لن يحتاج إلى مغامرات حقيقية، بل إلى مجرد فتح المواقع المعنية تلك، إذ يكفي القيام بمسح شامل للمواقع لتكتشف العدد الرهيب لمواقع الشات التي بدورها تنقسم إلى أقسام كثيرة مثل: الحوار العاطفي- الحوار الثقافي والفكري- الحوار السياسي- الحوار الرياضي إلخ" هذه الأقسام تجلب إليها آلافاً من المشتركين الذين يستعملون أسماء مستعارة، لأن المواقع في النهاية تريد أن يشعر المشترك فيها أنه "حر" و"غير مراقب". وهذا هو السبيل الأفضل لاصطياد عدد كبير من الأشخاص. ثمة نقطة لا يعرفها الشخص الذي يفتح موقعاً معيناً (يقف خلفه ضابط مخابرات صهيوني) مثل موقع "شات لوف" الذي انطلق عام 2003م من الولايات الأمريكية وصار اليوم موقعاً دولياً يحمل أكثر من عنوان عبر الإنترنت على سبيل المثال "الصداقة دوت كوم" الذي يدخله الملايين شهرياً ويصدر بالعديد من اللغات... إلخ. هؤلاء صار واضحاً للعيان الآن أن ثمة من يسيرون المواقع من خلفيات مخابراتية، ثمة أطباء نفسانيون ومختصون في علم الاجتماع يديرون الحوار بذكاء وحرفية كبيرة، وقد استطعنا أن نقيم دراسة في الموضوع عرضناها ضمن كتابنا السابق الذكر.
الحاجة الماسة للحوار
ويضيف "جيرالد نيرو": "في الحقيقة أن كل من له قدرة على استعمال الإنترنت لسد فراغ أو حاجة نفسية يعتبر "عميلاً مميزاً"، لأن المواقع التي تثير الشباب هي التي تمنحهم مساحة من الحوار ربما يفتقدونها في حياتهم اليومية، ناهيك عن أن استعمال الإنترنت يضمن خصوصية معينة، حيث إن المتكلم يحتفظ عادة بسرية ما في شخصه، كأن يستعمل اسماً مستعاراً، وبالتالي يكون إحساسه بالحرية أكثر، إن تركيز الشباب لا يكون على الموقع نفسه، بل على من سيلتقيه للحديث معه. المسألة تبدو سهلة بالنسبة لضباط المخابرات الذين ينشطون بشكل مكثف داخل مواقع الدردشة، بالخصوص في المناطق الأكثر حساسية في العالم. ولعل أكبر خاصية يمكن اكتشافها في مستعملي الإنترنت في العالم الثالث هو الحاجة إلى الحوار. عادة يكون مستعمل مواقع الشات شخصاً يعاني من البطالة اجتماعياً وفكرياً، وبالتالي يسعى إلى سد وقت الفراغ بالبحث عن "أشخاص آخرين" يشاركونه أفكاره. وربما يعتقد بعض المستعملين للإنترنت أن الكلام عن "الجنس" مثلاً ضماناً يبعد الشبهة السياسية عن المتكلم، بينما الحقيقة أن الحوار الجنسي هو في الحقيقة وسيلة خطرة لكشف الأغوار النفسية وبالتالي لكشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها في الحوارات العادية الأخرى، لهذا يسهل "تجنيد" العملاء انطلاقاً من تلك الحوارات الخاصة جداً التي تشمل في العادة غرف النوم والصور الإباحية وما إلى ذلك، بحيث إنها السبيل الأسهل للإيقاع بالشخص ودمجه في عالم يسعى رجل المخابرات إلى أن يكون عالمه، أي أفيونه الشخصي! ".
قراءة الشخصية
أما الدكتورة "ماري سيجال" التي تشارك معنا الحوار فترى شيئاً آخر، تقول: عبارة "المخابرات الإنترنتية" هي المصطلح الجديد على مسامع الآخرين، برغم حقيقة وجودها. الأمريكيون اعتبروا قبل غزو العراق أنهم (يسعون إلى قراءة الشخصية العراقية) من خلال الإنترنت. أي استقطاب أكبر عدد من العراقيين بمختلف مستوياتهم لدراسة شخصيتهم وكان ذلك المشروع قيد البدء فعلاً، قبل أن تتسارع الأحداث بغزو العراق بتلك الطريقة. من وجهة النظر العلمية فإن استقطاب المعلومات لم يعد أمراً معقداً، بل صار أسهل من السابق بكثير. ربما في السنوات العشرين السابقة، كان "العميل" شخصاً يتوجب تجنيده بشكل مباشر، بينما الآن يبدو "العميل" شخصاً جاهزاً، يمكن إيجاده على الخط، وبالتالي تبادل الآراء معه ونبش أسراره الخاصة أحياناً، وأسراره العامة بشكل غير مباشر".
حادثة غريبة:(1/114)
هنالك حادثة غريبة نشرها ضابط المخابرات الصهيوني- الأمريكي "وليام سميث" الذي اشتغل إبان الحرب الباردة ضمن فرقة "المخابرات المعلوماتية"، نشر في جريدة "واشنطن بوست" قبل عامين أجزاء من كتابه "أسرار غير خاصة" عن تجنيد شباب عاطلين عن العمل من أمريكا اللاتينية، كان دورهم في غاية البساطة والخطورة عبارة عن كتابة تقرير عن الأوضاع السائدة في بلدانهم. في الفصل السادس من الكتاب ذكر "وليام سميث" أن أحد الشباب الناقمين على النظام في إحدى دول جنوب أمريكا ذكر لضابطة مخابرات كانت معه على الخط (عبر غرف الدردشة) أن ثمة إشاعات مثيرة تدور بين الناس أن سعر البنزين وبعض المواد الغذائية سوف يرتفع في الأيام القادمة. فسألته الضابطة: "وماذا يعني ذلك؟ كل يوم ترتفع الأسعار في العالم"، فرد عليها الشاب: أنت تمزحين، سيثور الناس هذه المرة ويقومون بثورة ضد النظام. كانت تلك المعلومة البسيطة والمهمة لا تعني أن الأسعار سترتفع، بل أن تسارع جهات من الخارج إلى رفعها وإلى إثارة الناس بشكل حقيقي لأجل إثارة الفوضى عبرها، وهو الشيء الذي تم تنظيمه في جمهورية جورجيا حين تم الكشف عن شبكة تنشط عبر الإنترنت قامت بحشد مجموعة من النشطاء الذين استطاعوا أن يقوموا بعمليات كثيرة ضمن (الثورة الملونة) مؤخراً. ما يهمنا في الحقيقة هو التأكيد أن الإنترنت لم يعد نافذة على العالم فحسب، بل صار يشكل وسيلة خطرة للدخول إلى خصوصيات الآخرين وبالتالي تم استغلاله لأغراض مخابراتية عسكرية محضة، هذا شيء لا يختلف عليه أحد اليوم أساساً..
وتضيف الدكتورة "ماري سيجال": "نحن نتساءل عمن يستعمل الإنترنت عادة؟ من الصعب الرد على السؤال لأن الذين يستعملون الإنترنت تتراوح أعمارهم بين السادسة إلى الثمانين عاماً، ولهذا يصعب تحديد أسباب الاستعمال خارج ما نسميه أساساً بالرغبة في كسر حاجز المسافة أولاً، وبالتالي في الحوار".
لماذا نستعمل الإنترنت؟: وأكدت: "ما يثير اهتمامنا في المعهد البلجيكي لخدمات الإنترنت هو أن نركز على نقطة مهمة وهي: لماذا نستعمل الإنترنت؟ هل لتصفح البريد أم لتصفح العالم؟ في هذه النقطة يجب القول إن العالم لم يعد واسعاً طالما الإنسان الجالس في مقعده يمكنه زيارة واشنطن ونيودلهي في برهة عين، من دون أن يغادر مقعده. هذا شيء عظيم تم إنجازه، إلا أن النتائج كانت فادحة، لأن استغلال هذه الشبكة الضخمة تم تعريضه لعوامل خارجية على أساسها تحول الإنترنت إلى "سد فراغ" أو تسلية سرعان ما انقلبت إلى مأساة حين عجز الإنسان عن فعل شيء سوى الدخول إلى مواقع الدردشة التي لن يخرج منها إلا بإحساس أنه أضاع وقتاً عليه تداركه بالدخول إلى دردشة أخرى من دون أن يسأل نفسه عَمّ يجب أن يتكلم به أساساً!
رؤية الحرب:
لم يقتصر الإنترنت على مجرد مواقع الشات والتحرشات الغريبة التي يعتقد كل طرف أنه يحقق من خلالها حريته الشخصية أو ما صار يصطلح عليه "ديمقراطية" الفرد في الجماعة، وهو المصطلح الذي يعني أن الفرد في النهاية يؤسس بداية تكوين المجموعة، وهو في الحقيقة المعنى التروتسكي القديم الذي أدى في النهاية إلى إحداث الخلل في العديد من التركيبات الطبيعية لماهية الحرية نفسها، وماهية الإنسان. ربما في عالم الإنترنت، صارت المؤشرات الرقمية هي الأهم، بحيث لم يعد ممكناً الكلام إلا عن ذلك العالم الكبير الذي حولته الشبكة المعلوماتية والرقمية إلى قرية صغيرة، بيد أن عبارة القرية الصغيرة " اخترعها " الغرب لاختزال كل السياسات غير المتساوية وغير العادلة التي ترتكبها الدول القوية على الدول الضعيفة التي تشكل أكثر من نصف سكان العالم. القرية الصغيرة هي الانعكاس الثاني لعالم الإنترنت، بكل ما منحه ذلك العالم من إيجابيات حقيقية وسلبيات جمة، لأن الشبكة المفتوحة على "الديمقراطية الفردية" أغرقت شعوباً كثيرة في الفقر والمآزق السياسية وقادت الأفراد إلى خيانة أوطانهم أيضاً.
سوق الإنترنت:(1/115)
في تاريخ 27 مايو 2002 نشرت جريدة "لوموند" الفرنسية ملفاً عن حرب الإنترنت، وهي الحرب التي فعلاً انطلقت منذ أكثر من عشرين سنة، وتوسعت منذ أحداث 11 سبتمبر2001، بحيث تحولت من حرب معلوماتية إلى حرب تدميرية كان الهدف الأساسي منها احتكار "سوق الإنترنت" عبر مجموعة من المواقع التي رأت النور بعد ذلك التاريخ الأسود من سبتمبر 2001، بحيث إن أكثر من 58% من المواقع التي ظهرت كانت في الحقيقة فروعاً، مؤكدة من أجهزة الاستخبارات للعديد من الدول أهمها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، تليهما بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.. لم يكن المغزى من المواقع (ذات الوجهة الشبابية) اكتشاف العالم من جديد، ولا اختصار المسافة بين الشمال والجنوب لتقريب الدول والمسافات، بل كان الهدف منها قراءة أخرى لواقع الحرب الجديدة التي تفجرت والتي يسميها أكثر من 90% بالحرب على الإرهاب. ربما من الصيغة الأحادية المصدر، فإن الإرهاب ارتبط للأسف الشديد بجملة من التشويهات الإعلامية التي مورست ضد دول العالم، لإغراقها في الفقر ولإلصاق تهمة الإرهاب بها مرتين، مرة لأنها ضعيفة وفقيرة ومرة لأنها فعلاً تحمل رؤى مختلفة عن رؤى الاستغلال الرأسمالي الغربي، ونمط الفكر الغربي الاستهلاكي، لهذا كان الإعلام الأمريكي في السبعينيات ينظر إلى دول الجنوب نظرة حربية مازالت مستمرة إلى اليوم، وإن توسعت لتشمل دولاً وأعراقاً أخرى. ما تحقق على مستوى الشبكة المعلوماتية لم تحققه ربما أكبر الحروب المباشرة.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
=============(1/116)
(1/117)
الحرة الموؤدة !!
أصلحوا أوضاع المرأة!!. متى تأخذ المرأة مكانها اللائق بها في المجتمع؟! إلى متى تظل حبيسة المنزل؟! لماذا نترك مجتمعنا مصاب بشلل نصفي؟!.. حرروا المرأة من تسلط الرجل.. أين مساواتها بالرجل؟.. ومثل هذه الشعارات كثير وكثير.
وصيحات أخرى تنادي إلى محاكاة المرأة الغربية، والسير في ركاب الغرب الذي حرر المرأة، وأعطاها حقوقها (عفوا وحقق منها ما يريد).
أخي القارئ أختي القارئة.. قفا معي، ولنقل لأصحاب تلك الأصوات: مالكم كيف تحكمون؟
ثم لنسأل سؤالا كبيرا: هل يمكن وصف المرأة الغربية بالحرة الموؤدة؟!
لقد نالت المرأة الغربية حريتها، وهو ما استطاعت الحضارة الغربية بقوة تقدمها التقني أن تزينه لنا وتبهرجه، للحد الذي افتتن بها بعض بني جلدتنا، فأبهرهم حالها وأخذ بألبابهم ما وصلت إليه تلك المرأة، فانعكس ذلك على تفكيرهم وسلوكهم وأفعالهم، بل ومواقفهم.
ولكن ما حقيقة الأمر؟
حقيقة الأمر هو ما تشير له أرقام إحصائياتهم، وما سطرته أقلام أناس يعيشون في تلك المجتمعات، والتي بمجموعها ترسم لنا صورة المرأة الغربية التي حققت حريتها الكاملة، لكنها وئدت وهي حية في جوانب عديدة من حياتها، فخدش حياؤها، وأهينت كرامتها، وطعنت عفتها.
ولهؤلاء القوم.. ولكل رجل وامرأة غرهم صورة المرأة الغربية البراقة فرشحوها رمزاً للمرأة الراقية العصرية نقول:
على رسلكم، أين ستذهبون بنا؟
وتأملوا هذه الصور - الرقمية - للمرأة الغربية التي تسجل تاريخ حقبة زمنية هي الأسوأ والأبشع في حياتها، رغم ما تعيشه من رفاهية.
والآن تعالوا معا نقرأ لغة الأرقام:
الاغتصاب:
في أمريكا التي تتربع على عرش الحضارة الغربية سجل عام 1982م: 65 حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة. وفي عام 1995م: 82 ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة أن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً. وفي عام 1997م: قالت جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة أنه تغتصب امرأة كل 3 ثواني!! بينما ردت الجهات الرسمية أن هذا الرقم مبالغ فيه حين إن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثواني أي أن الفرق في الثواني فقط. [المصدر: موقع اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل عن تقرير- قاموس المرأة الصادر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد].
وفي تقريرها السنوي أشارت منظمة العفو الدولية أن سبعمائة ألف يتعرضن للاغتصاب سنويا في الولايات المتحدة فقط. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: هل المرأة الغربية حرة أم مستعبدة؟ ].
وفي إسرائيل الحنظلة التي زرعها الغرب في قلب العالم الإسلامي تتعرض حوالي 300 ألف امرأة سنوياً للاغتصاب والتحرش الجنسي، وخصوصاً الإسرائيليات من أصول غير غربية [المصدر: موقع جريدة الشرق الأوسط، مقال: أمريكا تتهم الخليج بالاتجار بالبشر.. جملة ناقصة!].
أخي المسلم أختي المسلمة.. أليس خروج المرأة سافرة عن محاسنها، مختلطة بالرجال هو السبب الرئيس في وقوع الأذى بها؟
وأي أذى؟! إنه اغتصابها الذي يعد أحط أشكال الإهانة والإذلال للمرأة، وصدق الله القائل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}الأحزاب59.
أضف إلى ذلك ما يتبع ذلك الاختلاط من علاقات وصداقات فرضت ثقافة تدعى فن التعامل مع الجنس الآخر، أو العلاقة بين الجنسين، الذي كان نتاجه هذه الأرقام المخيفة والحال المبكي للمرأة، وصدق الله القائل: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}الأحزاب32. وصدق الله القائل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}الأحزاب 53.
الحمل سفاحا:
ونتيجة لحرية الفتاة الغربية، ونجاحها في علاقتها بالجنس الآخر، أظهرت الإحصاءات أن 170 شابة في بريطانيا تحمل سفاحا كل أسبوع. [المصدر: موقع مفكرة الإسلام، مقال: واقع المرأة الغربية بالأرقام عن مجلة المستقبل في عددها 154 ـ صفر 1425هـ إبريل 2004م].
يقول - أندرو شابيرو - في كتابه - نحن القوة الأولى ص 57:
إن أكثر من عشرة آلاف فتاة أمريكية تضع مولوداً غير شرعي سنوياً، وهي لم تبلغ بعد الرابعة عشرة من عمرها، إن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين الدول المتقدمة التي زادت فيها نسبة المراهقات اللاتي يحملن بسبب الممارسة الجنسية في السنوات الأخيرة.
وطبقاً لنتائج المؤتمر الوطني الذي عقد في باريس في عام 1987م جاء فيها: أن (20%) من الولادات كانت عن طريق الزنا.
[المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
أيها العقلاء! أليست هذه العلاقات سبيلا مفضيا لوقوع الفاحشة؟(1/118)
وصدق الله القائل: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}الإسراء32.
الرق والبغاء:
إن إخراج المرأة من عرشها، والتلذذ بها طوعا منها، أو رغما عنها، لم يعد كافيا لإشباع نهمة الرجل الغربي، فأخذ ينظم مؤسسات البغاء والدعارة ليشبع جوعه الجنسي الذي لن يصل إلى حد الاكتفاء.
بل ولم يقف جشع وجبروت أولئك البشر المسعورين بحب استعباد المرأة، والمستضعفين عند حد معين، فاسترقوا المرأة!! لماذا؟ من أجل أغراضهم الدنيئة.
ففي تقرير خطير نشرته محطة CNN الإخبارية الأمريكية؛ أكدت فيه انتشار ظاهرة تجارة الرقيق من النساء حول العالم لاستخدامهن في الأعمال الجنسية المحرّمة. كما أشار التقرير إلى أن معدلات هذه الظاهرة تزيد عاما بعد عام، وقد أكد التقرير بناء على أبحاث قام بها فريق بحث مقره جامعة: Johns Hopkins بـ Ma r yland بالولايات المتحدة: أن هناك 2 مليون امرأة وطفلة يتم بيعهن كعبيد سنويا.
وأن 120 ألف امرأة من أوروبا الشرقية (روسيا والدول الفقيرة التي حولها) يتم تهجيرهن إلى أوروبا الغربية لهذا الغرض الدنيء.
وأكثر من 15 ألف امرأة يتم إرسالهن إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبهن من المكسيك.
وتباع المرأة القادمة من دول شرق آسيا بأمريكا بـ 16 ألف دولار ليتم استخدامها بعد ذلك في دور الفواحش والحانات.
وفي إسرائيل يتم إجبار قرابة 10 آلاف فتاة من الاتحاد السوفييتي المنحل على ممارسة الفاحشة.
وهناك10 آلاف طفلة سريلانكية بين السادسة والـ 14 عشر يجبرن على الفاحشة.
وكذلك الحال بالنسبة لبورما والتي يصل الرقم فيها لـ 20 ألف حالة سنويا. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: هل المرأة الغربية حرة أم مستعبدة؟ ].
وفي أمريكا من عام 1979 إلى 1985 م: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللاتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية ومن النساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر وذلك دون علمهن. [المصدر: موقع مفكرة الإسلام، مقال: واقع المرأة الغربية بالأرقام عن مجلة المستقبل في عددها 154 ـ صفر 1425هـ إبريل 2004م].
الاعتداء الجسدي والضرب:
ونتيجة لهذه النظرة الدونية من الرجل للمرأة في الغرب فإن أسباب الخلاف معها في تزايد سريع.
ففي تقريرها السنوي أشارت منظمة العفو الدولية إلى ما نقلته عن البنك الدولي: إلى أن هناك امرأة تتعرض للضرب كل خمسة عشر ثانية في دول العالم. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: هل المرأة الغربية حرة أم مستعبدة؟ ]
وفي أمريكا سجل عام 1997م: 6 ملايين امرأة عانين من سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين من الضرب المبرح.
وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية، أن نسبة (83%) من النساء دخلن المستشفيات سابقا مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها كان دخولهن نتيجة للضرب!
وسجلت الشرطة في إسبانيا أكثر من 500 ألف بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد.
وفي عام 1990م: قدمت 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن (أزواج وخلافه).
وقال محامي الشعب الأسباني أن الشكاوى بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح بلغت هذا العام (1997م) 54 ألف شكوى، تقول الشرطة أن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد. [المصدر: موقع اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل عن تقرير- قاموس المرأة الصادر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد].
ونقلت صحيفة - فرانس سوار - الفرنسية عن الشرطة في تحقيق نشرته حول الموضوع:
أن 93% من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن. وأن 60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
[المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
القتل:
وقد تمادت الخلافات، وما ينتج عنها من سوء معاملة إلى إزهاق نفس المرأة بقتلها، ففي أمريكا كشفت دراسة عام 1997م: أن 4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن.
وفي أسبانيا أكثر من حالة قتل واحدة كل يوم. [المصدر: موقع اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل عن تقرير- قاموس المرأة الصادر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد].
الوضع الأسري:
أما الأسرة الغربية فهي أكبر خاسر في عصر تحرير المرأة.
ففي أمريكا عام 1980م: 1,553000 حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، منهم أطفال يقتلون فور الولادة.
وفي عام 1982 م: 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات.
وفي عام 1984م: 8 ملايين امرأة تعيش وحدها مع أطفالها ودون أية مساعدة خارجية. [المصدر: موقع اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل عن تقرير- قاموس المرأة الصادر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد].(1/119)
وفي فرنسا كشف مؤتمر عقد بباريس في عام 1987م: أن (73 %) من طلبات الطلاق كانت من المرأة، بسبب خيانة واعتداء الزوج. [موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ].
وأكبر ضحية في عصر الحرية هو الطفل.
ففي أمريكا تساء معاملة الأطفال بنسبة 92% من قبل أسرهم.
وفي تقرير نشرته مجلة 'The women' الأمريكية بعنوان 'لماذا تعملين يا أمي' كان التقرير محاولة للإجابة عن السؤال الذي يهتف به الطفل كل صباح وهو يرمق أمه من النافذة حتى تغيب عن ناظريه، وهي تمضي إلى عملها تاركة إياه للمربين أو الخادمة، جاء في التقرير أن معظم الأطفال يعانون عقدة ذنب ليس لهم فيها يد، مفادها شعورهم بأن أمهاتهم يتركونهم عقابًا لهم على شيء اقترفوه.. لا يدرون ما هو؟
ناهيك بما تؤدي إليه هذه العقد المركبة ـ من شروخ نفسية يصعب التئامها مستقبلاً فيزداد الخرق على الراقع حين تثار قضية 'الحصول على جيل من الأسوياء' [موقع مفكرة الإسلام، مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب... ].
لقد دفع هذا الواقع المؤلم الشابات إلى القلق وعيش الوحدة، فطبقاً لنتائج المؤتمر الوطني الذي عقد في باريس في عام 1987م جاء فيها: (70 %) من الشابات الفرنسيات يعشن وحيدات وقلقات. [موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
وفي أسبانيا وفي عام 1992م سجلت أقل نسبة ولادات في العالم.
وفي عام 1990م: 93 % من النساء الإسبانيات يستعملن حبوب منع الحمل ولمدة 15 عاماً متتالية في عمر كل منهن. [المصدر: موقع اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل عن تقرير- قاموس المرأة الصادر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد].
أما المرأة الغربية حين يمتص الرجل رحيق زهرة عمرها فإنه لا يبالي بها حال ضعفها وشيخوختها،
ففي أمريكا عام 1997م وجد أن 74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد. [المصدر: موقع اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل عن تقرير- قاموس المرأة الصادر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد].
المرأة والعمل:
يظل عمل المرأة هو الحلم الذي تسعى العديد من النساء لتحقيقه خاصة عند من تعتقد أنه الشكل الوحيد لإثبات وجودها.
ولكل أخ ينادي بخروج المرأة للعمل، وكل أخت تسعى لذلك أقول: تمهلوا، واقرؤوا صفحات حياة العمل التي سبقتنا إليها المرأة الغربية.
ولنبدأ تصفحنا من بريطانيا، فقد ورد في تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية نقلاً عن 'ذي تايمز' البريطانية بتاريخ 11/3/1999 أن معظم النساء الموظفات يفضلن العودة إلى المنزل. وتقول نسبة 24% من النساء أنهن فقدن الرغبة الحقيقية في العمل، ولم تعد لديهن أحلام وطموحات في ذلك المجال. وتشعر سبع نساء من كل عشر أنهم لا يحصلن على أجر مكافئ للرجل. وقالت نسبة غالبة أنهن يعملن بطاقة أكبر من الرجال للحصول على نفس المزايا. [المصدر: موقع مفكرة الإسلام، مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب... ].
وفي أمريكا 71% من النساء الأمريكيات العاملات اللواتي اشتكين للمكتب من مضايقات رؤسائهن الجنسية، انتهى بهن الأمر إلى ترك العمل، فقد فصلت منهن 28 % بينما نقلت 43 % منهن إلى وظائف أخرى تعرضن فيها إلى قدر كبير من المضايقات مما حملهن على الاستقالة. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
ولننظر هذه الإحصائية للإجابة على السؤال التالي: هل الأمريكيات سعيدات بحريتهن وخروجهن بالعمل مساواة بالرجال؟
كشفت إحصائية لاتجاهات الأمريكيات أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن من أبرز النتائج التي نتجت عن التغير الذي حدث في دورهن في المجتمع وحصولهن على الحرية: انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب، وأن الحرية التي حصلت عليها المرأة هي المسئولة عن الانحلال والعنف الذي ينتشر في الوقت الحاضر.
وبالنسبة للنساء العاملات قالت 80% أنهن يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه المنزل والزوج والأولاد.
وقالت 74% أن التوتر الذي يعانين منه في العمل ينعكس على حياتهن داخل المنزل، ولذلك فإنهن يواجهن مشاكل الأولاد والزوج بعصبية، وأية مشاكل مهما كانت صغيرة تكون مرشحة للتضخم.
وسئلن: لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء هل كانت المرأة تطالب بالتحرر وحقها في العمل والمساواة بالرجل؟
87% من النساء قلن: لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة بين الجنسين مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة ولقاومنا اللواتي يدفعن شعاراتها. [المصدر: موقع مفكرة الإسلام، مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب... ].(1/120)
أما صفحات حياة المرأة الإيطالية فنقرأ فيها ما أكدته نتائج الدراسات الاجتماعية لمعهد الأبحاث والإحصاء القومي الأوربي على تفضيل المرأة الإيطالية للقيام بدور ربة البيت عن أي نجاح قد يصادفها في العمل، وأوضحت نتائج الأبحاث بأن الإيطالية أكثر سعادة وتفاؤلا بخدمتها للأسرة أكثر من سعادتها بالتقدم في أي عمل مهني أو الوصول إلى مكانة وزيرة أو سفيرة أو رئيسة بنك، كما يفضلن أن يكن أمهات صالحات ولسن عاملات ناجحات. و أشارت الدراسات إلى أن المرأة العاملة في إيطاليا تتخذ من العمل وسيلة للرزق فقط، وترفضه في أول مناسبة اجتماع عائلي أو عندما يتمكن زوجها من الإنفاق على الأسرة، وأوضح نحو 36% من السيدات العاملات في إيطاليا أنهن يؤدين أعمالا أقل من كفاءتهن ولذا يخشين الابتعاد من العمل، بينما لا تتجاوز هذه النسبة الـ19 % من السيدات العاملات في الدول الأوربية الأخرى، وأن 38% منهن يخشين من المعاكسات أثناء العمل.. وأن 64% منهن ينتجن بأكثر من نصف الدخل السنوي للزوج في العائلة.. بينما أجمع أكثر من 95% من السيدات في إيطاليا على إيمانهن العميق بقيمة الأسرة كأساس حقيقي للسعادة والاستقرار، والتأكيد بأن إصرار عمل المرأة هو هروب من أزمات أسرية.
[المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
وفي ألمانيا كتب - فردناند بروتزمان - في جريدة - الهيرالدتربيون - عن ابتعاد المرأة الألمانية عن العمل في أعمال الرجال.. وانصرافها إلى بيتها وأطفالها.. فقال: الأطفال والمطبخ.. هما الوصف التقليدي لمكانة المرأة في المجتمع الألماني، ففي الصفوف العليا من المرفق التجاري الألماني الغربي، وهو مركز القوة الصناعية والمالية في البلاد، يمكن وصف دور المرأة بكلمة واحدة: ليست موجودة.
ويقول جورغ: يضيع قدر كبير من الإمكانات الإدراية الجيدة نتيجة الحقيقة الماثلة في أن النساء يخترن دورا كربة بيت أو أم، وتتردد الشركات في نقل النساء إلى إدارة أعلى لأنهن قد يقررن أن يكون لهن أطفال ويتركن العمل. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
نساء مشهورات تركن الوظائف الكبيرة، واخترن الوظيفة الأكبر:
تحت عنوان - عصر المرأة الخارقة ولّى - هذا ما وصفت به الصحف البريطانية ما فعله نساء مشهورات قررن الانحياز إلى الفطرة، وتفضيل الأمومة والأنوثة على الوظائف المجزية التي تدر الملايين، - فبراندا بارنيس - قررت أن تتخلى عن وظيفتها كرئيسة تنفيذية لشركة - بيبسي كولا - وعن راتب سنوي قدره مليونا دولار، وتوصلت إلى قناعة مفادها أن راحة زوجها وأولادها الثلاثة أهم من المنصب ومن ملايين الدولارات، وأن المنزل هو مكانها الطبيعي الأكثر انسجاما مع فطرتها وتكوينها، وقبل رئيسة البيبسي كانت - بيني هاغنيس - رئيسة كوكاكولا المملكة المتحدة قد اتخذت القرار نفسه، لأنها تريد أن تنجب طفلا وتصبح أما، ومثل ذلك فعلت لنداكيسلي - رئيسة تحرير مجلة - هي- المعروفة بدفاعها عن خروج المرأة للعمل، وكذلك نساء كثيرات يشغلن مناصب مرموقة ويتقاضين أجورا عالية، و - براندا بارنيس - أطلقتها صيحة مدوية عندما صرحت: لم أترك العمل بسبب حاجة أبنائي لي بل بسبب حاجتي له. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
أما العمل في عالم الفن فنترك الكلام فيه لـ - مارلين مونرو - تلك المرأة التي تعد أشهر ممثلة في الإغراء في وقتها، ماتت منتحرة، واكتشف المحقق الذي يدرس قضية انتحارها رسالة محفوظة في صندوق الأمانات في مانهاتن بانك في نيويورك، ووجد على غلافها كلمة تطلب عدم فتح الرسالة قبل وفاتها.
ولما فتح المحقق الرسالة وجدها مكتوبة بخط - مارلين مونرو - بالذات، وهي موجهة إلى فتاة تطلب نصيحة مارلين عن الطريق إلى التمثيل.
قالت مارلين في رسالتها إلى الفتاة، وإلى كل من ترغب بالعمل في السينما: احذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء؛ إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أما، إني أفضل البيت، الحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية هي رمز سعادة المرأة، بل الإنسانية. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
" وبعد هذه الصفحات المجلية لواقع المرأة العاملة هناك، تعالوا نقلب صفحات حبر كلماتها عقلاؤهم، وأهل الخبرة منهم، وكتابهم، والذين أكدوا على آثار خروج المرأة للعمل وترك وظيفتها الأساسية في منزلها:(1/121)
وسنبدأ بـ - سامويل سمايلس - وهو من أركان النهضة الإنجليزية حيث قال: إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما نشأ عنه من الثروة، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه يهاجم هيكل المنزل، ويقوض أركان الأسرة، ويمزق الروابط الاجتماعية، ويسلب الزوجة من زوجها، والأولاد من أقاربهم، وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقة، هي القيام بالواجبات المنزلية، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام باحتياجاتهم البيتية.. ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم تربية، وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والمحبة اللطيفة، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وصارت معرض للتأثيرات التي تمحو غالباً التواضع الفكري، والتودد الزوجي، والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
ويبين الدكتور سوليفان سبب مفاسد أوروبا بقوله: إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وفي انحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية، ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال في المصانع والمعامل والمكاتب جنبا إلى جنب. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
وهاهي ذي خبيرة اجتماعية أمريكية ـ الدكتورة إيدا إلين ـ تقول: إن التجارب أثبتت ضرورة لزوم الأم لبيتها، وإشرافها على تربية أولادها، فإن الفارق الكبير بين المستوى الخلقي لهذا الجيل والمستوى الخلقي للجيل الماضي إنما مرجعه إلى أن الأم هجرت بيتها، وأهملت طفلها وتركته إلى من لا يحسن تربيته.
وتقول الكاتبة الشهيرة -أنى رورد - في مقالة نشرتها في جريدة - الاسترن ميل - في عدد 10مايوم 1901: لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاءً من اشتغالهن بالمعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء.. نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها.
فانظر إلى كلام هذه المرأة وقد مضى عليه قرن من الزمان كيف وحال المرأة الغربية اليوم أسوء بكثير مما كانت تتحدث عنه؟!!. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
وتقول أستاذة في إحدى الجامعات في بريطانيا وهي تودع طالباتها بعد أن قدمت استقالتها: (ها أنا قد بلغت سن الستين من عمري، ووصلت فيها إلى أعلى المراكز، نجحت وتقدمت في كل سنة من سنوات عمري.. وحققت عملا كبيرا في نظر المجتمع.. ولكن.. هل أنا سعيدة بعد أن حققت كل هذه الانتصارات؟ لا؛.. إن وظيفة المرأة الوحيدة هي أن تتزوج وتكون أسرة، وأي مجهود تبذله بعد ذلك لا قيمة له في حياتها بالذات! [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
وتقول المحامية الفرنسية كريستين بعد أن زارت بعض بلاد الشرق المسلم: سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد وها أنا ذا أعود إلى باريس، فماذا وجدت؟ وجدت رجلا يذهب إلى عمله في الصباح يتعب يشقى، يعمل حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حُبٌّ وعطف ورعاية لها ولصغارها.
والأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية جيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل بالرجل الذي كان قدرها.
في الشرق تنام المرأة وتحلم، وتحقق ما تريد؛ فالرجل قد وفر لها خبزا، وحُبّا وراحة ورفاهية.
وفي بلادنا حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة، فماذا حققت؟
انظر إلى المرأة في غرب أوربا، فلا ترى أمامك إلا سلعة؛ فالرجل يقول لها: انهضي لكسب خبزك؛ فأنت قد طلبت المساواة، وطالما أنا أعمل فلابد أن تشاركيني في العمل؛ لنكسب خبزنا معاً.
ومع الكد والعمل؛ لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها، وينسى الرجل شريكته في الحياة، وتبقى الحياة بلا معنى ولا هدف.
[المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
ونشرت جريدة - لاغوس ويكلي ركورد - نقلا عن جريدة - لندن ثروت - قائلة: إن البلاء كل البلاء في خروج المرأة عن بيتها إلى التماس أعمال الرجال، وعلى أثرها يكثر الشاردات عن أهلهن، واللقطاء من الأولاد غير الشرعيين، فيصبحون كلا، وعالة وعارا على المجتمع.. فإن مزاحمة المرأة للرجال ستحل بنا الدمار.. ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
ويقول المستشرق المشهور - إميل درمنغم - في كتابه - حياة محمد - ص329:(1/122)
فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين، وأن المرأة فيه لا تًحسُدُ بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا، ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي، ولا يجهل ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
وأكدت دراسة حديثة معتقدا قديما: الرجل يصبح أكثر سعادة إذا لزمت زوجته المنزل. تقول الدراسة أن الوضع الوظيفي للرجل عامل أكثر أهمية فيما يتعلق بالإصابة بالاكتئاب عما كان معتقدا. كما أن الرجل الذي لا تعمل زوجته يصبح أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب. وخلص فريق من قسم الطب النفسي في كلية الملكة ماري الطبية بلندن إلى أن الرجل المتوسط العمر الذي تعمل زوجته لساعات محدودة أو تلزم المنزل لرعاية الأسرة تقل لديهم احتمالات الإصابة بالاكتئاب مقارنة بمن تعمل زوجاتهن يوم عمل كامل. كما أن الزوجة التي تتخلى عن رعاية أسرتها وتعمل بنظام اليوم الكامل يصبح زوجها أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
(بي بي سي). [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
أقوال واعترافات عربية:
كتب صبحي إسماعيل في جريدة السياسة الكويتية قائلا: تتمتع بحيوية ونشاط وطموح لا يتمتع به الكثير من الرجال الذين وقف طموحهم عند الحصول على الشهادة الدراسية واستلام وظيفة، أما هي فقد شقت طريقها العلمي بنجاح لتواصله بالماجستير ثم الدكتوراه كما تؤكد - مناهل الصراف - خريجة الفلسفة، لكن المفاجأة هو يقينها بأن المرأة بطبيعتها ليست مهيأة للعمل السياسي؛ لأن وجودها في البيت أمر ضروري لرعاية الزوج الذي يكون بحاجة إليها بعد عودته من عمله، والأولاد كذلك بحاجة إليها لتربيهم وترعاهم وتعتني بهم، وأنا أذكر دائماً أن الوضع القائم الآن هو وضع خاطئ فليس من المعقول أن تضحي المرأة بأولادها من أجل أي شيء مهما كان، فليست هناك مكاسب تعادل خسارتها لأولادها وبيتها، وإذا كانت المرأة لم تستطع أن تحب مملكتها ورعاياها الذين هم جزء منها فكيف يمكن أن نأمنها على مصالحنا.
وتواصل الصراف: من الممكن أن تحصل المرأة على حق التصويت حتى تزكي من ينوب عنها في الاهتمام بقضاياها ثم تترك تصريف شؤونها للرجل؛ لأن مجرد وجودها في المجلس بما على النائب من تبعات يفقدها أنوثتها وخصوصيتها حتى وإن لم تكن متزوجة واعتقد أن من تهللن مناديات بحقوق المرأة لسن أكثر من باحثات عن الشهرة، وعليهن أن يسألن أنفسهن قبل الحديث عن الترشيح هل يقدرن على العطاء أم لا؟ وأن يكن صادقات في الإجابة التي لاشك أنها ستكون بالنفي، فالمسؤولية أعظم من أن تقوم بها امرأة، وليس هذا تقليلاً من شأن المرأة ولكن لأن هذا الدور لم تخلق له المرأة، وإنما خلقت لأدوار أعظم، وتضيف الصراف: أنها لو حصلت على حق الانتخاب فلن تعطي صوتها لامرأة مهما كانت، ولكنها ستعطيه لرجل وهذا ليس موقفاً ضد المرأة ولكنه معها؛ لأني أريدها أن تظل في بيتها، وأرجو أن لا أتهم منهن بأني رجعية أو متخلفة، وأن تتقبل الرأي الآخر، فأنا أريدها زوجة حنوناًً، وأماً عطوفاً، تقوم على رعاية أسرتها، ولتبحث النساء من خلال تنظيماتهن عن حلول لمشكلات المجتمع، وتهمس الصراف في أذن الناشطات السياسيات أن المشوار لا يزال طويلاً وهناك مجالات أهم للمرأة وأدوار أخرى يمكن أن تقوم بها المرأة يجب أن تقوم على البحث عن حلول لها ولا تضيع وقتها في جدل نيابي قد يؤخذ في الاعتبار أو لا. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
ولك أن تعجب من تناقضات دعاة (ترجيل المرأة)، فهذا الكاتب الروائي الشهير إحسان عبد القدوس الذي أغرق السوق الأدبية برواياته الداعية إلى خروج المرأة من البيت والاختلاط بالرجال ومراقصتهم في الحفلات والنوادي والسهرات، يقول في مقابلة أجرتها معه جريدة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 18/1/1989: (لم أتمن في حياتي مطلقا أن أتزوج امرأة تعمل، فأنا معروف عني ذلك، لأنني أدركت من البداية مسؤولية البيت الخطيرة بالنسبة للمرأة!!. [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة].
" وقبل أن أكتب خاتمة هذا البحث القصير، أقف معكم في هذه الاستراحة والتي يحدثنا فيها السفير الأمريكي لدى اليابان " أدوين رايشار" الحاصل على الماجستير والدكتوراه من اليابان عن مشاهداته وتجاربه مع المجتمع الياباني فيقول:
التراث الياباني يشدد على التمسك بالقيم الجماعية والتكافل بين الأعضاء، لذلك فقد كانوا يحرصون على تنشئة البنت تنشئة ممتازة، لتكون عنصرا قيما لا تشوبه شائبة، وينظر اليابانيون إلى تحرر النساء كسلوك فوضوي هدام بمثابة " فخ " وقعت فيه المرأة، والحياة الاجتماعية للمرأة اليابانية المتزوجة تقتصر في الغالب على البيت وعلى القليل من الأقارب والصديقات! [المصدر: موقع طريق الإسلام، مقال: أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ].(1/123)
" وختاما فقد سطرت هذه الكلمات لأصل أنا وأنت أخي القارئ وأختي القارئة لما يلي:
1- أن نعمة الهداية لدين الإسلام أعظم نعمة في الوجود، قال - تعالى -: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}الحجرات17. فنحمد الله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، قال - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}آل عمران110. وإيماننا بهذه الخيرية يجعلنا نعيش أعزاء بديننا فخورين بتمسكنا به، ساعين لهداية العالمين إليه، قال - تعالى -: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}المنافقون8.
فهذه الشريعة كاملة، والإيمان بها نعمة لكل من استقرت بقلبه وانصبغت به حياته الخاصة والعامة، قال - تعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3.
والإسلام الحق يتحقق بالعمل بسائر شرائعه، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}البقرة208.
وإن من شمولية الإسلام أن بين حق الخالق - سبحانه وتعالى - على المخلوق، ونظم علاقة المخلوق مع سائر المخلوقات، فالمرأة في الإسلام مخلوق كريم نالت أعظم منزلة لها، فقد كرمها الإسلام تكريما كبيرا في جميع مراحل عمرها، فأكرمها طفلة صغيرة، بل أمر الرجل بأن يحسن اختيار الزوجة لتنشأ البنت وتتربى في أحضانها أزكى تربية، وطالبه بحسن تسميتها، ورحمتها وإكرامها، وأوجب تربيتها التربية الحسنة وأكد على أهمية ذلك، ثم جعل لها حقها أختا فاضلة يتشرف الرجل برعايتها، وأكرمها عندما تكون زوجة فجعل لها من الحقوق مثل الذي عليها، قال - تعالى -: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}البقرة228.
أما عندما تصبح أما فإنها تنال أعظم المكانة بأن قرن حقها في الإحسان بحق الله - تعالى -في توحيده، قال - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}الإسراء23.
إنه دين عظيم أعطى المرأة حقوقها، وطالبها بأداء الحق الذي عليها، من عبادة لله وحده، وأداء لحق الأسرة بدءً بالزوج وانتهاءً بأبنائها.
لقد ميز الله - تعالى -هذا الدين بأنه وسط بين الأديان، فاستحق المؤمنون به صفة الوسطية، حتى فيما يتعلق بالمرأة، فقد خلقها الله - تعالى -لأداء وظيفة محددة في الحياة، وأعطاها من الصفات والخصائص ما يمكنها من الحياة بنجاح، فوهبها بطنا ينشأ الإنسان جنينا فيه، ووهبها حضنا دافئا يلتصق الإنسان رضيعا به فيرضع حليبها الذي يمده بالقوة التي تجعل منه يحيا حياة تراحم وتعاون وتكامل معها، لا حياة صراع وتحد لها!! ووهبها عاطفة جياشة تغمر أبناءها رحمة، وزوجها مودة، ووالديها عرفانا، وسائر المؤمنين تقديرا، فيسعد الرجل - الذي خلقه الله - تعالى -أيضا لأداء وظيفة محددة، وأعطاه من الصفات ما يمكنه من أداء ذلك الدور - بهذه العلاقة المقدسة، وتصبح الحياة محطة للتزود بالصالحات في رحلة نهايتها إما إلى جنة وإما إلى نار. ، إنه المنهج الوسط في تكامل الجنسين لتسير عجلة الحياة بتوازن بديع، ولتعمر الأرض بالإنسان المعتدل في حياته ليعبد الله وحده لا شريك له.
أما في مناهج البشر القاصرة، فقد وقع على المرأة أعظم الظلم، ففي قوانين البشر تقوم الحياة على أساس (الصراع) بين الرجل والمرأة، فتختل الحياة بمحاولات المرأة اليائسة لإثبات جدارتها بمنافسة الرجل ومساواته، فما تنتهي من صراع إلا ويفتح لها الرجل المتلاعب بها جبهة أخرى ليتلذذ بتعذيبها وهي تسبح في اتجاه عكس حركة الموج الطبيعية!!(1/124)
وإن من الظلم للرجل والمرأة والأبناء والأسرة، والمجتمع أن يخرج الإنسان عن الوسطية في شأن المرأة فيحرمها من حياة الطمأنينة الكامنة في قيامها بوظيفتها في الحياة، ليخرجها تزاحم الرجل في وظيفته فتصبح رجلا ثانيا في الحياة، فتعرض نفسها للأذى والمخاطر وتفقد الأمن في حياتها، ولتثور شهوة الرجل الذي فطر على الميل إليها - ليحصل التناسل في علاقة مقدسة تسودها المودة والرحمة هي الزواج - فتثور هذه الشهوة للتجاوز السياج الآمن المتمثل في الشرائع والآداب التي نظم الدين حياة الجنسين به، فتنقلب حياة الراحة والسعادة والأمن والاطمئنان إلى حياة تعيسة، أفضل ما نصفها به هو حياة الضنك لكل من في المجتمع وأولهم المرأة، قال - تعالى -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}طه124.
وما هذه الصور التي عرضناها من حياة تلك المجتمعات الكافرة بالله - تعالى -إلا بيانا لحياة الضنك رغم ما هم فيه من تقلب في النعم، قال - تعالى -: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}آل عمران196- 197. وحياة الضنك هذه موجودة في بعض بلاد و مجتمعات المسلمين وذلك بقدر بعدهم عن شرع الله وإعراضهم عنه.
وإن من كدر العيش تحت ظل التحرر من شرع الله ومحادة الله ومشاقته، تلك الأمراض التي سلطها الله على المتجاوزين لحدوده المستبيحين للفواحش من إيدز وغيره من جند الله والتي كلفتهم ولا تزال تكلفهم الكثير والكثير من الأموال والأنفس.
2 - إن قاصمة الظهر للمرأة بل للمجتمعات المسلمة أن تقوم الخطط التنموية في مجتمعاتنا المسلمة على أساس تحويل المرأة نسخة مكررة للرجل في ميادين البناء والتنمية، لنصبح كرجل زين له عقله القاصر خلع إحدى عينيه وزراعتها مع العين المجاورة لها بحجة التغيير والتطوير والمساواة في الموقع، فقل لي بربك: كيف ستكون حياته بعد أن عطل تلك العين وأفقدها دورها؟ وبعد أن ضيق على العين الأخرى وجلب لها ما يسبب عجزها عن القيام بدورها، بل ويجلب لها الأمراض؟!!
إن من واجب العقلاء في أمتنا المسلمة أن يخططوا لمستقبل مجتمعاتهم على أساس المفهوم الشامل للحياة في ديننا العظيم، خطط تراعي حق الجميع في الحياة السعيدة، خطط لا تتأثر بما يسعى إليه الآخرون من إشغالنا بمعارك مصطنعة هدفها القضاء على هذه الأمة في ميدان تحرير المرأة على حساب مصادرة حق الآخرين في الحياة. خطط تنظر إلى الأمة بأنها الأحق في قيادة البشرية التائهة إلى بر الأمان.
إن مشاركة المرأة إن لزمت فمن خلال مراعاة خصوصيتها كمسلمة، فخديجة - رضي الله عنها - تاجرت وهي في منزلها بتوكيلها من تثق به، فلم تعطل دورها في منزلها، ولم تخرج تتحدى الرجال وتكون التكتلات النسائية لإثبات الوجود وكسب الأصوات في الانتخابات!! بل كانت نعم المعين للنبي صلى الله عليه وسلم في القيام بأعباء الرسالة الخاتمة، وخالة جابر - رضي الله عنهما - أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لمزرعتها فتعمل في نخلها لسد حاجتها ولتتصدق منه، فكان ذلك في حدود ملكيتها، ولم تُقحم في مجامع الرجال لتعمل، فأين هذه المعالم من خطط اليوم؟!
لماذا لا توفر للمرأة فرص عمل وهي في منزلها؟ لا تتعجب.. فقد طرحت كثير من الأفكار والمشاريع لتحقق ذلك (مثل ما طرحه محمد الهبدان) وغير ذلك مما عند الغرب نفسه في هذا التوجه.
أو على الأقل في مكان قريب منه تراعى فيه خصوصية المرأة كإنسانة لها خصائصها الفسيولوجية والنفسية، ولها دورها الاجتماعي المهم فتراعى في اختيار نوع العمل، ومكان العمل بعيدا عن الرجال، وساعات العمل بما يحقق قدرتها على أداء حق أسرتها عليها.
كما أنه من اللازم أن يُهتم بتطوير المرأة إيمانيا، وعلميا، ونفسيا، وصحيا، ومهارايا، واجتماعيا، لتتعايش مع معطيات التقنية المعاصرة بما يحقق لها الرفاهية والسعادة، ولتكون في مستوى التحدي الذي تعيشه الأمة اليوم، وذلك وفق برامج وخطط تعد من خلال المنظور الشامل للحياة.(1/125)
3- يجب أن تعي المرأة الفرق العظيم بين امرأة اختارت التفرغ للوظيفة الأولى لها في الحياة فأعطت أسرتها كل خبرتها التي نالتها من حياتها التعليمية، واستغلت مواهبها ومهاراتها في بناء وتنشئة أغلا ثروة للمجتمع إنهم أبناؤها، وكانت عونا لزوجها في تهيئة جنة الحياة له ولأبنائه، وصنف آخر هي تلك المرأة التي تخرج من بيتها لعمل احتاجت الخروج له وهي مع ذلك منعقدة القلب على أن وظيفتها الأساسية والعظيمة هي في بناء أسرتها، لم تخرج منافسة للرجل، بل تعرف قدرها ومنزلتها التي جعله الله لها، وأنها متى ما وجدت وسيلة لسد حاجتها فإنها ستبقى لأسرتها فقط، فتخرج كما يريد الله الذي تؤمن به وتتقيه، محتجبة محتشمة، معتزة بإيمانها معلنة تميزها، حذرة من مخالطة الرجال وإلانة القول لهم مهما كان الثمن، وأنه متى ما تعرضت للمخالطة والمزاحمة من الرجل فإنها ستترك ذلك المكان لأنها لا ترضى أن تُفتن أو تفتن، فهي على يقين أن من يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب، قال - تعالى -: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}الطلاق2- 3.
أنه لفرق كبير بينها وبين تلك التي تخرج تتحدى الرجل وتصارعه، فيبدأ إثبات الوجود بالتلاعب تدريجيا في الحجاب، وإعلان أن قوة الشخصية ليست في التمسك بالحجاب (وهومما أمر الله به من شرائع لا لصيانة المرأة فحسب بل لصيانة المجتمع كله) بل في حرية اللباس حتى ولو كان جذابا لنظر الرجل وإثارة كوامن الشهوة فيه، وحرية السلوك فتوأد وهي حية لتثبت أنها قوية في صراعها مع الرجل!!
4- أن نساعد المرأة على أن تتجاوز موقف الصمت إلى موقف الفاعلية، والذي أخذ عليها بسببه الوصاية بعض النساء المغرورات ليتكلمن باسمها، ويعبرن عن مشاعرها، ويطالبن بحقوقها.
لقد أثبتت المرأة المسلمة وجودها، واعتزازها بتميزها على مدار تاريخ أمتنا، فكانت من أعظم أسباب انتشار عدل الإسلام إلى كل بقاع الدنيا، فمالها اليوم تضعف في مواقفها؟!
وإنه من الإنصاف أن نسطر أزكى عبارات التقدير لأولئك النسوة الأنصاريات في زمننا اللاتي نلمس ونرى ونسمع بما يقمن به في مجال مقاومة تغريب المرأة المسلمة اليوم، كما نسجل تقديرنا الفائق وفخرنا بأولئك المسلمات الآتي بلغن مستويات عالية من التعلم وهن لم يتنازلن عن أي معلم من معالم شخصية المرأة المؤمنة الآخذة لكل ما من شأنه الرقي بها، مما لا يتعارض مع هويتها الإسلامية، فلم يدخلهن الغرور، فثبتن ورفضن كل أشكال الذوبان وفقدان الذات الإسلامية.
5- نصرة المرأة حق على كل مسلم، فنصرة المظلوم مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما)) قالوا: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: ((تأخذ فوق يديه)). رواه البخاري حديث رقم 2312.
وإن من العدل ألا ندعي الكمال في شأن وضع المرأة، فصور الظلم الذي يقع عليها يجب رفعه عنها فالله جعل الظلم محرما، فما نسبة الاهتمام الموجه لحل مشاكل المرأة الأسرية؟ ومشاكلها المالية؟ ومشاكلها الاجتماعية من ترمل، وطلاق، وعنوسة؟.. إننا بحاجة لتلمس مواضع الألم في حياتها ليتم علاجه بالطريقة التي أمرنا الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، حينها نكون قد أنصفنا المرأة، ولم نترك لمن يسعى للتغرير بها مجالا للتأثير عليها، ونكون قد رممنا ذلك الشرخ في تلك اللوحة الرائعة الجمال التي تشكل شامة تزين جبين الدهر ألا وهي صورة حياة المرأة المسلمة، فنقطع الطريق على ضعاف البصر والبصيرة الذين لا يعرفون من تلك اللوحة الجميلة إلا وصف وتهويل ذلك الشرخ الصغير!!.
6- أن نقول لأصحاب تلك الأصوات: أين تذهبون بنا؟ أين عقولكم؟
لماذا التركيز فقط على زهرة عمر المرأة، وتناسي ما قبل شبابها وما بعده؟ وتناسي حاجياتها الأخرى؟!
لماذا العناية فقط بالمرأة، والإعراض عن الأسرة؟
أوليس للرجل حق في استقرار حياته الأسرية ليخرج إلى ميادين العمل و الإنتاج بقوة ونشاط فيحقق أعلى نسب الفاعلية والإنتاج، مما يعود على بلده بالنماء والازدهار؟
أليس للطفل حق في أن ينشأ في أسرة آمنة مطمئنة فينموا مكتمل الجوانب النفسية والعقلية والصحية والإيمانية، بدلا من وأده في صغره بحرمانه حنان الأمومة؟
ألا ما أشد أنانية الإنسان حينما يحيد عن نهج رب العالمين ليتخذ إلهه هواه، قال - تعالى -: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}المؤمنون71.
7- أن نقول لكل مسلم ومسلمة واقف بين الفريقين: دعاة الرحمن، ودعاة الشيطان، قال - تعالى -: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}الأحقاف31.(1/126)
وتذكروا أن من واجبنا أن نزرع في نفوس بناتنا بذرة اسمها أنت الأعلى ونسقيها بماء الحنان والرحمة، ونغذيها بالمعاملة الحسنة الكريمة، والعدل، حتى تثبت أمام قوة رياح التغريب، وتسلم من الميل عن سراط رب العالمين، قال - تعالى -: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}النساء27.
فأعداء الدين لن يرضوا حتى نتبع ملتهم، قال - تعالى -: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة120، وقال - تعالى -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة109.
8- أن نتذكر أن الحياة الحقيقية هي في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}الأنفال24.
ثم لنتواصى بعبادة رب هذا البيت، الذي أطعمنا من جوع وآمنا من خوف، قلب أخي بصرك ذات اليمين وذات الشمال لترى كيف حُرم غيرنا الخيرات وأعطيناها نحن، وكيف خاف غيرنا وأمِنّا نحن، و... و....
فالحذر الحذر من كفران النعم، فإن الإعراض عن شرع الله مؤذن بحلول النقم، قال - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ. أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ. أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}الأعراف 96- 99.
وأخيرا..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}الصف 8-9.
http://www.saaid.net المصدر:
============(1/127)
(1/128)
توبة حداثية
اليوم أقلد قلمي شرف هتك الأسرار، أسرار الضياع لم تكن توبتي نتيجة ظروف قاسية، أو محنة عارضة، بل كنت أنعم بكل أشكال الترف، وحرية في كل شيء، وكنت أجسد العلمنة بمعناها الصحيح، وكانت أفكار الحداثيين وخططهم نهجي ودستوري، وكتبهم مرصوصة في مكتبتي، وقلمي تتلمذ على أشعار نزار قباني، ورمي الحجاب حلم يداعب خيالي، وقيادة السيارة قضيتي الأولى أنادي بها في كل مناسبة، واستغل ظروف من هم حولي لإقناعهم بضرورتها، تمنيت أن أكون أول من تترجم فكرة القيادة إلى واقع ملموس، ولطالما سهرت الليالي أخطط فيها لتحقيق الحلم، أما تحرير المرأة السعودية من معتقدات وأفكار القرون البالية وتثقيفها وزرع مقاومة الرجل في ذاتها فلقد تشربتها وتشربتها خلايا عقلي، وسعيت جاهدة لتسليط الضوء على جبروت الرجل السعودي وأنانيته،
وقدمت الرجل المتحرر على طبق من ذهب على أنه يفهم المرأة وقد استخرج كنوز أنوثتها وقدمها معه جنبا إلى جنب، وشوهت صورة الرجل المتدين على أنه اكتسب الخشونة والرعونة من الصحراء وتعامل مع الأنثى كما تعامل مع نوقه وهو يسوقها بين القفار، كانت الموسيقى غذاء الروح كما كنت أسميها هي نديمي من الصباح إلى الفجر، أما الرقص بكل أنواعه فقد جعلته رياضة تعالج تخمة الهموم، ونظريات فرويد كنت أدعمها في كل حين بأمثلة واقعية، وأنسب المشاكل الزوجية إلى الكبت، والعقد من آثار أساليب التربية القديمة التي استعملها أهلنا معنا، وكانت أفكاري تجد بين المجتمع النسائي صيتا عاليا ومميزا؛ سرت على هذا النمط سنين عديدة، وفي يوم من الأيام وأنا في إحدى الأسواق كنت جالسة في ساحته لفت نظري شاب متدين بهيئته التي تدل على التدين،
ثوب قصير وسير هاديء وعيون مغضوضة أظنه في سن ما بعد العشرين وبدأ عقلي الضال يعمل أعجبني هدوؤه وراودتني بعدها أفكار غريبة غريبة علي جدا، علامات الرضا بادية على محياه خطواته ثابتة رغم أن قضيته في نظري خاسرة هو والقلة التي ينتمي إليها يتحدون ماردا جبارا تقدم وحضارة، ولا يزالون يناضلون سخرت بداخلي منه ومنهم، لكني لم أنكر إعجابي بثباتهم، فقد كنت أحترم من يعتنق الفكرة ويثبت عليها رغم الجهود المتواضعة وقلة العدد وصعوبة إقناع البشر بالكبت كما كنت أسميه حاولت أن أحلل الموضوع فقلت في نفسي ربما هؤلاء الملتزمين تدينوا نتيجة الفشل فأخذوا الدين شعارات ليشار إليهم بالبنان، لكن منهم العلماء والدكاترة وماضي عريق قد ملكوا الدنيا حينا من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب أو ربما هو الترفع عن الرغبات؛ وعند هذه النقطة بالذات اختلطت علي الأمور الترفع عن الرغبات معناه الكبت والكبت لا ينتج حضارة حاولت أن أتناسى هذا الحوار مع نفسي لكن عقلي أبى علي ولم يصمت ومنذ ذلك الوقت وأنا في حيرة فقدت معها اللذة التي كنت أجدها بين كتبي ومع أنواع الموسيقى والرقص ومع الناس كافة علمت أنني فقدت شيئا، لكن ما هو ؟؟ لست أدري اختليت بنفسي لأعرف علتي وطرقت أبواب الطب النفسي دون جدوى فقدت الإحساس السابق بل لا أشعر بأي شيء كل شيء بلا طعم وبلا لون ورجعت مرة أخرى لنقطة البداية متى كان التغير؟؟
إنه بعد ذلك الحوار تساءلت كل ما أتمنى أستطيع أخذه ما الذي يحدث لي إذاً أين ضحكاتي المجلجلة؟؟
وحواراتي التي ما خسرت فيها يوما ؟؟ جلسات السمر والرقص ؟؟
كيف ثقل جسدي بهذا الشكل ؟؟ وكلما حاولت أن أكتب أجدني أسير بقلمي بشكل عشوائي لأملأ الصفحة البيضاء بخطوط وأشكال لا معنى لها غير أن بداخلي إعصاراً من حيرة بدأت أتساءل هذه الموسيقى المنسابة إلى مسمعي لم أعد أشعر بروعتها لو كانت غذاء الروح لكانت روحي الآن روضة خضراء، أو تلك الكتب التي احترمت كتابها وصدقتهم لِمَ تخذلني الآن كلماتهم ولا تشعل حماسي كما كانت، وهنا لاح سؤال صاعق هل هم فعلا أفضل منا - تقصد الغربيين - ؟؟ هل هم فعلا أفضل منا ؟؟ وبماذا أفضل ؟؟ تكنلوجيا ؟؟
وبماذا خدمت التكنلوجيا المرأة عندهم ؟؟ خدمة الرجل الغربي، والمرأة أين مكانها ؟؟ معه في العمل!!
وأخرى في المرقص تتراقص على أنغام الآلات التي اخترعها الرجل!!
وأخرى ساقية للخمر الذي صنعه الرجل ونوع في أسمائه!!
اكتشفت حقيقة أمرّ من العلقم الرجل تقدم وضمن رفاهيته وتملص من الحقوق والواجبات، حتى في جنونه جعل المرأة صالة عرض لكل ما يطرأ على خياله، اخترع لها رقصات بكل الأشكال، رقصت وهي واقفة، جالسة، نائمة، مقلوبة كما رقصت الراقصة كما اشتهاها العازف، اشتهاها ممثلة؛ مثلت كل الأدوار التي تحاكي رغباته من اغتصاب، إجرام، حب، شذوذ، أي دور وكل دور!! اشتهاها عارية على الشاطيء تعرت!!(1/129)
اكتشفت الخديعة الكبرى في شعار حرية المرأة، فإن نادى بها رجل فهو ينادي بحرية الوصول إلى المرأة، ثم من ماذا يريدون تحرير المرأة، من الحجاب ؟؟ لماذا ؟؟ ما هو الحجاب؟؟ إنه عبادة كالصلاة والصوم؛كنت سأحرم نفسي منه لولا أن تداركتني رحمة الله، يريدون أن يحرروني من طاعة الأب والزوج إنهم حماتي بعد الله، الأب والزوج حماتي بعد الله يريدون أن يحرروني من الكبت، كيف سميتم العفة والطهارة كبتا؟؟ كيف؟؟ ما الذي جنوه من الحرية الجنسية؟؟
أمراض ضياع!! حرروا المرأة كما يزعمون أخرجوها من بيتها تكدح كالرجل وضاع الأطفال!!
واليوم اليوم يتدارسون ضياع الأطفال تباً لهم وتباً لعقلي الصغير كيف صدقهم؟؟
كيف لم أرَ تقدمنا والمرأة متمسكة بحجابها ؟؟ كيف كنت أنادي بالقيادة؟؟
فمع قيادة المرأة للسيارة يسقط الحجاب تسقط المرأة بعده عرفت علتي وعلة الشباب جميعا أولا: مشكلتنا الأساسية أننا لا نعرف عن الإسلام إلا اسمه وعادات ورثناها عن أهلنا كأنه واقع فرض علينا
وثانيا: لم ندرك طريقة الغزو الحقيقية خدرونا بالرغبات شغلونا عن القرآن وعلوم الدين، فهي خطة محكمة تخدير ثم بتر، ونحن لا نعلم؛ اتجهت إلى الإسلام من أول نقطة من كتب التوحيد إلى الفقه
ومع كلمات ابن القيم عدت إلى الله، ومع إعجاز القرآن اللغوي والتصويري والعلمي والفلكي ووو..ندمت على كل لحظة ضيعتها أقلب فيها ناظري في كتب كتبتها عقول مسخها الله وطمس بصيرتها كانت معجزة أمامي هو القرآن الكريم لم أحاول يوما أن أفهم ما فيه أو أبحث في تفسيره؛ أخرجت من منزلي ومن قلبي كل آلات الضياع والغفلة، وعندها خرج اللحن من قلبي، ووجدت حلاوة الشهد تنبع مع قراءة آيات القرآن، وعرفت أعظم حب: أحببت الله - تعالى -، أحببت الله لبست الحجاب الإسلامي الصحيح بخشوع وطمأنينة واقتناع بعد تسليم أشعر معه رضا الله عني، وعرفت معنى قوله - تعالى -: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) في سكناتي وحركاتي وطعامي وشرابي استشعر معناها العظيم بت أنتظر الليل بشوق إلى مناجاة الحبيب أشكو إليه أشكو إليه شدة شوقي إلى لقائه، وإلى لقاء رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، وحنينا إلى صحابته الكرام، ونسائه الطاهرات وأخيرا كلمة إلى كل من سمع قصتي لا ترفضوا دينكم قبل أن تتعرفوا عليه جيدا لأنكم إذا عرفتموه لن تتخلوا عنه فداه الأهل والمال والبنون والنفس.
http://www.aw r ak.com المصدر:
============(1/130)
(1/131)
التوسع لإسرائيل الديمقراطية للعرب
جوزف سماحة
السفير / فكرتان طرحهما رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في الأسابيع الماضية عند حديثه عن الشرق الأوسط.
الأولى، هي أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو الأكثر إلحاحاً في العالم اليوم. ولذا فإنه ينوي جعله الأولوية المطلقة في ولايته الثانية وسيحاول أن يقنع جورج بوش بفعل الشيء نفسه في ولايته الثانية. ولقد أشيع جو في بريطانيا عشية زيارة بلير إلى واشنطن أن الرجل سيستخدم ثقله من أجل أن يقنع حليفه الأطلسي بوجهة نظره. لا يبدو أن الزيارة حققت هدفها تماماً.
الثانية، هي أن نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي أمر مستحب، وأنه يصلح لأن يكون واحداً من أهداف السياسات الغربية. قال بلير ما تقدم في معرض نفي التهمة عن نفسه من أن يكون واحداً من <<المحافظين الجدد>> الأميركيين. أوضح أنه يرى في نشر الديمقراطية <<عملاً تقدمياً>>.
يمكن الإطلالة، من هاتين الفكرتين، على المواقف التي يطوّرها <<المحافظون الجدد>> في الولايات المتحدة. ومع أخذ التنويعات بالاعتبار يمكن اختصار هذه المواقف كما يلي:
أولاً: إن المهمة الأكثر إلحاحاً في العالم، اليوم، هي إثبات أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هامشي جداً.
ثانياً: تأسيساً على هذه الهامشية لا لزوم لأي تدخل. وبما أن غياب ياسر عرفات يقدم وكأنه فتح نافذة فإن المطلوب إقفالها بسرعة. لم يكن عرفات في ذاته المشكلة. المشكلة هي في المطالب الفلسطينية، حتى في حدها الأدنى، التي تهدد أمن الديمقراطية الوحيدة والحليفة في الشرق الأوسط. وحتى لو لم تكن تهددها فإن الاهتمام بها يصرف النظر عمّا هو أكثر أهمية.
ثالثاً: إن عدم التدخل، وهذا يجب أن يكون واضحاً، هو، في العمق، دعوة إلى دعم ما يقوم به أرييل شارون. غير أن أي دعم للحاكم الإسرائيلي لا يتوجب عليه أن يصل إلى حدود استفزاز المستوطنين ومتطرفي المعسكر القومي الديني. إن التحالف بين أقصى اليمين الأميركي وأقصى اليمين الإسرائيلي يستحق الحماية، حتى لو كان أقصى اليمين الأميركي ذا شبهة (أو ماض) لا سامية. إن أفق العلاقة بين الطرفين مفتوح.
رابعاً: إذا كان النزاع العربي الإسرائيلي هامشياً فإن مشكلة العالم العربي هي التعثر والفشل والقمع وما ينجم عن ذلك من إيديولوجية إسلامية فاشية. لا حل لذلك إلا باستخدام الوسائل كلها، بما في ذلك العسكرية، لنشر الديمقراطية وفرضها وحمايتها. ويمر ذلك بمكافحة الإرهاب وأشكال المقاومة، وإخضاع الدول المارقة، وهزيمة إيديولوجيات الممانعة، والتصدي لانتشار أسلحة الدمار.
خامساً: كل تقديم للحلول الإقليمية على المهمات آنفة الذكر قد يعني إنشاء دولة فلسطينية إرهابية، كما يساوي تشجيع العرب والمسلمين على الإرهاب الذي يمكن أن يكافأ.
ليس أسهل من عقد مقارنات كثيرة. ففي أميركا، اليوم، وكقاعدة عامة، ينبع التأييد الأعمى لأقصى اليمين الإسرائيلي من البيئة نفسها التي ينبع منها <<التطلّب>> الديمقراطي. هذا سر شائع لا تفسير له إلا أن المقصود ب<<الديمقراطية>> استعادة لشعار <<المهمة الحضارية>> الذي استخدم في تبرير الحملات الكولونيالية. نعم ثمة مفارقة. غير أن التجربة تعلّم أن القصد من رفع لواء <<الديمقراطية>> صرف الأنظار عن مشاكل أخرى، وتوفير ذريعة من أجل إعادة هيكلة الوضع العربي في اتجاه
حسم موازين القوى وإنتاج أنظمة الطاعة الكاملة للمركز الإمبراطوري.
إن تمريناً بسيطاً يؤكد ما سبق. فلو أخذنا أسماء الكتّاب، والبحاثة، والمفكرين، والمؤسسات، والوسائل الإعلامية، ومراكز الأبحاث، لو أخذنا هذه الأسماء كلها سنصادف هذه الحقيقة القائلة بأن الأكثر <<صهيونية>> في الموقف من إسرائيل هو الأكثر <<ديمقراطية>> في الموقف من العرب. يسمون هذه الظاهرة <<الوضوح الأخلاقي>>، أو <<الحرب العالمية الرابعة>>، أو <<معركة الأجيال القادمة>>، لكنها مسميات تصب كلها في مجرى واحد.
أليس غريباً أن كل من هو أقل من هؤلاء حماساً ل<<الديمقراطية>> هو نفسه أقرب إلى سياسة بلير القائلة، عملياً، بأن درجة التدخل لفرض الحريات يجب أن تكون متوازية مع درجة التدخل لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ولو أنها غير متوازنة تماماً مع درجة التوازن في هذا التدخل.
إن هذه هي واحدة من مشكلات <<الليبرالية العربية الهجينة>>. تريد لنا أن نصدق السلعة الأميركية الزائفة المصدّرة إلينا وأن نتجاهل الحقيقة الأميركية الناصعة: الوطنية. فواشنطن إنما تبرّر نشر الديمقراطية بالمصلحة الوطنية الأميركية. نشر الديمقراطية أكذوبة. الوطنية الأميركية جديرة بأن تعلمنا دروساً كثيرة.
الليبراليون العرب يتجاهلون هذه الحقيقة. يصرون على قراءة منحرفة لها، وعلى انتقائية مبتذلة. يتهرّبون من الجواب عن السؤال المركزي: ما عنصر الجمع بين التأييد الأعمى للتوسعية الإسرائيلية وبين الحرص الأعمى على الديمقراطية العربية؟ ما السبب في هذه الرغبة العارمة بتعميم <<ثقافة السلام>> على حساب <<ثقافة العدالة>> أو <<ثقافة السلام العادل>>؟(1/132)
إن فضيلة بلير، في هذا السياق، هي قدر من التماسك. لذا يسعه القول إن خطابه الديمقراطي للعرب تقدمي تمييزاً له عن خطاب <<المحافظين الجدد>>. خطابه يهتم بمشكلات المنطقة ولو أنه لا يربط كل شيء بها. خطابهم من موقع نقيض تماماً ولو تشارك الطرفان، لفظياً، في بعض الأهداف.
ليس ما تقدم دفاعاً عن بلير. إنه، بداية، مدخل إلى سجال مع <<الليبراليين العرب>>. وهو، ثانياً، تمييز ضروري من أجل تفكيك خديعة الدعوة الديمقراطية التي يروّج لها اليمين الأميركي الأقصى.
أما رئيس الوزراء البريطاني فله حساب آخر. فهو وإن بدا متمسكاً بما يطالب به فلسطينياً فإنما يفعل ذلك من موقع المتراجع تحت الضغط الأميركي الإسرائيلي. إن موقفه، اليوم، متخلف عمّا كانت عليه حصيلة الموقف الأوروبي قبل سنوات. لقد بات يوزع مسؤوليات الأزمة بشكل غير عادل، ويلقي على الفلسطينيين الأعباء الرئيسية للخروج منها. ومع أنه يعلن التمسك ب<<خريطة الطريق>> فإنه يوافق على <<خطة الفصل>> التي تدفنها أملاً منه، وهو أمل غير موثوق، بأن تفتح <<الخطة>> الباب أمام <<الخريطة>> فتفتح هذه بدورها الباب أمام مفاوضات وضع نهائي غامضة النتائج.
ليس سراً أن إسرائيل وأميركا تمسكان بمفاصل الانتقال من محطة إلى أخرى، وليس سراً أن بلير لم يقنعنا كثيراً بوزنه في واشنطن.
يبقى أن لبلير فوائد عديدة بينها أنه يخدم جيداً كوسيلة سجالية مع <<الليبراليين العرب>>. يمكنه أن يكون مرشدهم إلى وعي نقدي للسياسة الأميركية، أي للسياسة التي ينسبون إليها، وهماً، الرغبة في تحرير العرب من القضية الفلسطينية، ومن أي همّ وطني أو قومي، مدخلاً إلى جنة الديمقراطية الموعودة.
09/10/1425
01/01/1970
http://www.almokhtsa صلى الله عليه وسلم com المصدر:
=============(1/133)
(1/134)
حوار يتهادى بين أنقاض تتهاوى
د يحيى هاشم حسن فرغل
تأتي إشارة البدء في حرب هرمجدون من حيث تصر الأصولية المسيحية على إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، كرغبة جارفة للوصول إلى لحظة الصدام، فهدم المسجد الأقصى إذا حدث هو إشارة البدء لحرب هرمجدون حسب تصوراتهم للأحداث المقبلة، ووفقا لتقدير الدكتور رفيق حبيب المسيحية والحرب ص 55
ومن مظاهر التمهيد لهذا العدوان الديني المسيصهيوني الذي يتبارى في التعامل معه بالحوار طلاب الود وعشاق التسامح: من مظاهر هذا العدوان ما لا يزال يسجله التاريخ حول المسجد الأقصى في شبه غفلة من عشاق التسامح، فقد كان لهذا الفكر الأصولي الإنجيلي الصهيوني أثر كبير في اندفاع رجال الدين والرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا والغرب عموما إلى دعم الدولة اليهودية في إجراءاتها الإجرامية بغير حدود، حيث يعتبرون قيامها بما تقوم به من جرائم ترتقي إلى مستوى الإبادة تنفيذا لإرادة إلهية.
ولقد بدأ يصل إلى أسماع النائمين فحيح الثعابين بإعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترومان الاعتراف بالدولة الإسرائيلية فور قيامها وهو أول من أعلن هذا الاعتراف - وكانت التربية الدينية لهذا الرئيس تركز على عودة اليهود إلى صهيون، وقصة حياته الشخصية حافلة بالاقتباسات والإشارات التوراتية، وتشير إلى ميله للإسهاب في ذكر التعاليم اليهودية المسيحية، وعندما قدمه إيدي جاكوبسون إلى عدد من الحاضرين واصفا إياه بأنه (الرجل الذي ساعد على خلق إسرائيل) رد ترومان مستشهدا بفكرة الصهيونية الدائمة عن النفي والبعث فقال: (ماذا تعني بقولك: ساعد على خلق؟ إنني قورش، إنني قورش) وقورش هو الذي أعاد اليهود في تاريخهم القديم من منفاهم في بابل إلى القدس.
وتأييدا لاستيطان اليهود بفلسطين عقد رجال الدين المسيحي الأمريكان مؤتمرا في عام 1945، وتقدم فيه خمسة آلاف قسيس بمذكرة للرئيس الأمريكي ترومان يطالبونه بفتح أبواب فلسطين لليهود بدون قيد أو شرط.
يقول القس الأمريكي الشهير جيري فالويل والصديق الشخصي للرئيس ريجان ومناحم بيجن: عن انتصار إسرائيل عام 1967 (ما كان لإسرائيل أن تنتصر لولا تدخل الله) جريدة الشرق الأوسط 14\11\1986 ص 6
ثم ذهب هذا القس إلى إسرائيل حيث غرسوا له بعض الأشجار في أرض عرفت فيما بعد باسم غابة جيري فالويل..، التقطت له صور هناك وهو راكع..وطلب منه بيجن أن يذهب إلى المستوطنات الجديدة وأن يعلن: (إن الله أعطى الضفة الغربية لليهود) وقد فعل ذلك بحضور حراسه وعدد من الصحفيين الأمريكيين الذين سجلوا له قوله (إن الله لم يكرم أمريكا إلا لأنها كريمة تجاه اليهود) وأضاف قائلا: (إننا إذا فشلنا في حماية اليهود فلن نعود مهمين في نظر الله) أنظر معروف الدواليبي في كتابه أمريكا وإسرائيل طبعة 1990 ص 48
ولقد دأب عدد من القساوسة من أمثال جيم باركر، وكينيث كوبلاند، وروبرتس، وسواغارت، وغيرهم على الإعلان عن قدسية إسرائيل استنادا إلى ما ورد في الكتاب المقدس عندهم، وذلك في الإذاعات الصوتية والمرئية.
ويقول القس الأمريكي مايك إيفانس في ولاية تكساس: (إن تخلي إسرائيل عن الضفة الغربية وغيرها من الأرض المحتلة بعد حرب 1967 سوف يجر إلى دمار إسرائيل، ومن بعدها الولايات المتحدة، إن الرب أمرني بوضوح إنتاج هذا البرنامج التليفزيوني الخاص بدولة إسرائيل) وبرنامج القس المشار إليه عنوانه: (إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء) وقد أذيع عام 1983، ولمدة ساعة بالتليفزيون.
ويقول القس كرال ما كانتاير في وصفه لحرب 1967 (على من يؤمن منا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله أن يهب الآن لمساعدة اليهود، فما أعطاهم الله يحق لهم أن يمتلكوه، ولا يجوز أن يقايضوا على الأراضي التي كسبوها) أنظر كتاب " من يجرؤ على الكلام " لبول فندلي نشر بيروت الطبعة الخامسة من ص 394 - 418
ويقول كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية: (لقد اعتبرت أن إقامة وطن لليهود هنا هو أمر من الله، وهذه المعتقدات الخلقية والدينية هي التي كانت أساس بقاء التزامي بسلامة إسرائيل ثابتا لا يمكن أن يهتز)
ويقول ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية مخاطبا اليهود: أعود إلى أنبيائكم الأقدمين في العهد القديم وعلامات اقتراب مجدون وهي معركة فاصلة بين قوى الخير والشر في الفكر الصهيوني فأجدني أتساءل: هل نحن الجيل الذي سيشهد تلك الواقعة.. إن هذه النبوءات تصف الأزمان التي نعيشها بالتأكيد) نقلا من كتاب أمريكا وإسرائيل للدكتور معروف الدواليبي ومقدمته لمحمد علي دولة ص 20-24.
وحين صافح كلينتون الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الأسبق - في زيارته لإسرائيل وغزة في أوائل ديسمبر 1998 أراد أن يطمئنه إلى السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل فقال له عن القس الذي تلقى اعترافاته عن علاقته الغرامية بمونيكا إنه أي القس قال له: (إن الله سيغفر لك كل ذنوبك بما فيها علاقتك مع مونيكا، ولكن الله لن يغفر لك أبدا إذا نسيت إسرائيل) جريدة الخليج 23\12\1998 ص 12 مقال فوزية رشيد.(1/135)
وأخير ا هاهو جورج بوش الابن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية.. لا يكتفي في مناصرته لإسرائيل بما استولت عليه فعلا من أرض المسلمين في فلسطين وإنما هو يفتح من أجلها جبهات القتال على المسلمين في كل مكان.
وعلى هذه القاعدة الصليبية تكتل الشعب ورجال السياسة في أمريكا والغرب ضد الإسلام والمسلمين والمسجد الأقصى بالذات، متأثرين بأفكارهم الدينية تجاه مناصرة اليهود ومعاداة المسلمين، خلافا لما يظنه البعض منا أن هؤلاء قد تخلصوا من دينهم وما عادوا يقيمون لغير مصالحهم المادية وزنا، يقول الدكتور ادوارد سعيد بمجلة " الكتب: وجهات نظر " عدد إبريل 2003 - ص 20 (والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تبدي بشكل علني تمسكها بأهداب الدين، فحياة الأمة مشبعة بالإحالات على الله من قطع النقد إلى المباني العامة إلى الشهادات اللغوية من مثل " بالله نؤمن " " إلى بلاد الله " " بارك الله أمريكا " إلخ، والقاعدة التي يقوم عليها حكم بوش مؤلفة من حوالي 60 إلى 70 مليون رجل وامرأة، يؤمنون مثله بأنهم التقوا يسوع المسيح وأنهم وجدوا على الأرض من أجل إتمام عمل الله في بلاد الله. …
إننا بإزاء ديانة نورانية نبوية ذات قناعة راسخة برسالتها الرؤيوية التي لا علاقة لها ألبتة بواقع الأمور وتعقيداتها.. )
فأين يجد طلاب الود وعشاق التسامح وعارضو الخد الأيسر مكانا لهم بين هذه الأنقاض لإجراء الحوار؟:
ويقول الدكتور ديفيد بلانكس أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمجلة " الكتب: وجهات نظر " عدد إبريل 2003 - ص 20: (قد يكون مستغربا بالنسبة لبعض غير الغربيين أن يكتشفوا أن الأمريكيين عموما شديدو التدين، فالأمريكيون الذين يؤمنون بالله أكثر بكثير من نظرائهم الأوربيين والإسرائيليين، وهم أكثر انتظاما في حضورهم الصلوات في أماكن العبادة،، وتبين دراسة أجريت أخيرا بعنوان " مسح التعرف على الهوية الدينية الأمريكية عام 2001 أن الأمريكيين اقل علمانية مما يفترضه كثير من غير الأمريكيين، وقد تبين من الاستطلاع أن 75 % وصفوا موقفهم بأنه ديني أو ديني إلى حد ما)
ويقول: (لماذا يؤيد الإنجيليون إسرائيل؟ هذا ليس نتيجة للإعلام أو الضغط اللوبي اليهودي أو أي عامل خارجي آخر، ومع أن قيادتهم تتحدث بلغة الأمن فإن معظم المؤمنين يؤيدون إسرائيل لأسباب دينية، أي تلك الأسباب التي وردت في سفر الرؤيا، آخر أسفار العهد الجديد الذي يتنبأ بهرمجدون، …. إنه على من يشعرون أنه يمكن أن يكسبوا الدعم للقضية الفلسطينية عن طريق الشكوى من اللوبي اليهودي أن يعيدوا النظر في موقفهم فليس من الممكن كسب اليمين المسيحي)
ويجب علينا نحن من جهتنا أن نتذكر أن ما هم فيه من تدين أشبه بمذهب المرجئة عند بعض الفرق الإسلامية: في الأخذ بمقولة أنه " لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة "، والمخلص عندهم دائما مستعد لمحو الخطايا أولا بأول، ما توسط لذلك كاهن أو قسيس في صلاة أو اعتراف
أما نظرية المصلحة التي تحكم السياسة والسياسيين فلا غبار عليها إذا وسعنا مفهوم المصلحة، بالنظر إليها وفق عقيدة صاحبها، فهي التي تنشئ هذه المصلحة وتلونها وتحددها وتوجهها على المدى البعيد.
فأين يجد طلاب الود عشاق التسامح وعارضو الخد الأيسر مكانا لهم بين هذه الأنقاض لإجراء الحوار؟
ولم يقتصر الأمر على الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية
حتى الملحدين في الغرب الأوربي منهم تأثروا على المستوى الثقافي بهذه العصبية الدينية، لقد سار الفيلسوف الفرنسي الملحد جان بول سارتر في مظاهرات باريس قبل حرب 1967 تحت لافتات كتب عليها " قاتلوا المسلمين " فالتهب الحماس الصليبي الغربي وتبرع الفرنسيون آنذاك بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط. وفي هذا تأكيد لما ذكره ت ج إس إليوت في كتابه " ملاحظات نحو تعريف الثقافة " من أن المسيحية لم تغادر مكانها في أوربا وإنما تحولت عند الملحد العلماني إلى ثقافة يدافع عنها كما يدافع عن وجود حضارته نفسها.
ولقد تحولت هذه الثقافة المسيحية في الوقت نفسه إلى عنصرية تغلغلت في دماء الرجل الأبيض: إنها كما يقول الأستاذ جلال كشك: (حملة إبادة للوجود الإسلامي في يوغوسلافيا تحقيقا للنقاء العنصري بالقتل والحرق والطرد الجماعي، لكي يستولوا على الأرض بدون سكان، كما فعل الكاثوليك في أسبانيا والبرتغال قبل خمسمائة سنة، ثم في كريت وصقلية وقبرص وجنوب أوربا، وكما فعل الصرب والأوربيون في البلقان قبل مائة عام، وكما فعلت وتفعل إسرائيل، وكما فعلت بلغاريا في مسلميها عدة سنوات، وكما يفعل الأرمن في قرة باغ حيث يطبقون النموذح الإسرائيلي ويستدعون المهاجرين الأرمن من أمريكا لإسكانهم في بيوت المسلمين، بعد أن تم إخلاء مائتي قرية مسلمة بالإبادة والطرد) نقلا عن كتاب (إنهم يذبحون المسلمين) للأستاذ محمد جلال كشك، نشر مكتبة التراث الإسلامي ط 1992 ص 54 )(1/136)
وإذا كان لابد من التذكير بابتلاء المسلمين حول المسجد الأقصى في المعركة الصليبية الحالية فعلينا أن نذكر على سبيل المثال ما نشرته صحيفة " هامير " المحلية في تل أبيب عن مجازر عام 1948 التي كانت الأكثر قذارة في كل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد فلسطين، وصرحت الصحيفة بأن كل معركة انتهت بمجزرة، وكان ثمن احتلال كل قرية عربية تنفيذ أعمال قتل واغتصاب وجرائم حرب، وفي هذا يقول أرييه يتسحاقي الذي كان يعمل في أرشيف الجيش الإسرائيلي، ثم صار يعمل محاضرا في جامعة " بارايلان ": إنه قرأ جميع الوثائق الموجودة في الجيش الإسرائيلي وجمع كل الوثائق المتعلقة بالمذابح، ويؤكد أنه في كل قرية احتلتها إسرائيل تقريبا تم تنفيذ أعمال تعتبر جرائم حرب من القتل والاغتصاب والذبح، ويقول: إنه على يقين من أن الأمور ستطفو على السطح في النهاية، ويتساءل: كيف سنعيش معها جريدة الأهرام 25\5\1992 ص 5
واليوم ومنذ بدأت الانتفاضة الثانية للفلسطينيين وهي التي بدأت واقعا لحظة تعرض المسجد الأقصى للاعتداء عليه بزيارة شارون وهو النجس، فقد بدأت حرب الإبادة الحقيقية للشعب الفلسطيني بضربه وهو الأعزل حتى من مناصرة العرب والمسلمين ضربه وهو المسلح بالحجارة والسكين وقنابل مولوتوف: ضربه بطيارات الأباتشي والدبابات والصواريخ، واعتقال الآلاف، و اغتيال الأفراد المتهمين بالمقاومة أو نية المقاومة أو التفكير في المقاومة، وقتل النساء والأطفال تحت أنقاض البيوت التي تقصف بالصواريخ، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتدمير بيوت المتهمين بالمقاومة، والبيوت التي جاورت بيوتهم، ومزارعهم، والمزارع التي جاورت مزارعهم، وغلق المدارس والجامعات، والمتاجر، وضرب المظاهرات السلمية بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع، ومنع التجول لمدد تتجاوز الأيام إلى الشهور وتحويل المدن والقرى إلى سجون، كل ذلك يحدث تحت حماية الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن وصمت العالم وصمت المسلمين وصمت العرب، ولا تسمع صوتا غير صوت عشاق التسامح وطلاب المودة، و" خطاب " الحوار.
إنها عملية إبادة فشلت من قبل في الحروب الصليبية، ولكنها نجحت نجاحا مطلقا في الأندلس، ثم نجحت نجاحا كاملا في أوربا، وهاهي تحرز نجاحات مرحلية ابتداء من سقوط الدولة العثمانية بيد الاستعمار ومؤامرات أحلاس العرب: في تركيا، وفلسطين، والعراق، والشرق الأوسط، ميدان المعركة الأخيرة من وجهة النظر الأصولية الصهيونية المسيحية، في هرمجدون، أو من وجهة النظر الحضارية التاريخية في تصفية حساب يقوم بها وارثو الدولة الرومانية التي أخرجها الإسلام من المنطقة. وأينما جال المرء بنظره فسوف يجد مسلمين يتعرضون للضرب في كل مكان .
فهل هي صدفة أن المسلمين يتعرضون للضرب في كل بقعة من بقاع الأرض؟ في الوقت نفسه ؟ إن الأعذار التي يقدمها الذين يضربون المسلمين هي نفسها الأعذار والمبررات التي تقدمها إسرائيل لضرب الفلسطينيين والعكس صحيح.
و تعلق الدكتورة بنت الشاطئ - رحمها الله - على ما يجري للمسلمين على يد خصومهم الدينيين في الغرب، فترجعها إلى أصولها باعتبارها تيارات ثقافية نتحمل نحن المسلمين تبعة القصور والتقصير فيها فتقول: (ما بعد هذه الجولة المتحضرة (!!) المسعورة متروك لنا نحن بغفلتنا عن الموقع الفكري الإسلامي الذي يعيث فيه دعاة تنوير، موكلون بمهمة طمس معالم وجودنا الإسلامي بتشويه قيمه ومبادئه،.. وأجهزة إعلام تتبارى في التحذير من الأصولية، وتسقط بذلك وعي الشباب بزيف نسبة الإرهاب إلى دين يحظر الإكراه في الدين.. ومنابر صحفية وواجهات صوت وضوء مباحة لأدعياء العصرية أعداء الأصالة والأصولية، يلوثون مناخنا الفكري الإسلامي بمقولاتهم الخاسرة، ويبشرون فينا بتنوير عصري يحررنا من خدر " الأفيون "، ويستهزئون بالتدين والمتدينين، ويسخرون من قيم إسلامية يرونها من حفريات زمان غبر) جريدة الاتحاد 4\6\1992
يقول الدكتور محمد مورو في جريدة العرب الصادرة بلندن: (إن المسلمين سوف يتعرضون لعدوان غربي أمريكي صهيوني سواء واجهناهم، أو استسلمنا لهم، أو حتى قبلنا العتبات والأقدام، ومن الأفضل أن ندفع الثمن واثقين وواعين مع الاحتفاظ بكرامتنا بدلا من أن ندفعه - أيضا - راكعين مهدوري الكرامة غائبي الوعي).(1/137)
ولم يذهب الدكتور مورو بعيدا فلقد كان الثمن فادحا وسوف يكون، بدءا من الضربات التي وجهها الغرب في العصر الحديث لكل من محمد علي، والشريف حسين، وسعد زغلول، وفاروق، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وصدام حسين، ولقد أبدى هؤلاء جميعا في فترة من نفوذهم رغبة صادقة في التعاون مع الغرب، بل أبدى بعضهم استعداده الكامل لكي يكون شرطيا لهم في المنطقة له، أو ليضمن مصالحهم ضمانا كاملا، فلم يعد منهم بغير خفي حنين وضربة فوق الرأس ودمار في أحشاء القلب وخرابا للديار. وما ذلك إلا لأن الفكر السياسي لهؤلاء جميعا كان يتنكر تماما لتفسير عداء الغرب لنا تفسيرا دينيا، حتى جاء الطيار الأمريكي مندوب كلينتون ليكتب " هذه هدية رمضان " على صاروخ قذفهم به في دورة من حروبهم ضد العراق، وهو شديد الصراخ علهم يسمعون.
ومن هنا فإننا نقول: كيف يستقيم في عقل أو دين أو وجدان أن تقوم دعوة للسلام تتجاهل هذه الخطط التي تقعقع فيها طبول الحرب الدينية وتصطرخ فيها دعوات إبادة المسلمين، في أقوي الدول المعاصرة التي أخذت في يدها مصير العالم لمحض ما بيدها من قوة؟
وإذا كان البعض يرى أن للسياسيين فينا أن يختاروا ما يرون من السياسات بحكم أنهم الجهة الأعلم بضرورات المرحلة، وما تقتضيه من حركة أو تكتيك، أو عقد معاهدة أو إلغاء معاهدة.. فإنه بنفس القدر من هذا الاعتراف يجب أن نعترف بأن المثقفين والدعاة ليس موكولا إليهم اتخاذ شيء من هذه المواقف السياسية المتلونة بحسب الظروف، وإنما هم الموكول إليهم تعريف الناس بالمواقف الثابتة التي تحرك تلك المواقف السياسية على مدى التاريخ.
وهنا فإن المرء ليعجب للمثقفين والدعاة: كيف أقاموا جدارا من الصمت حول هذه الأصولية المسيحية الصهيونية الأمريكية بينما هم يغرقوننا يوميا حول فقه السلام والتسامح واللاعنف والتعارف والحوار وأدق النظريات المستوردة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والفلسفة والشعر والقصة والمسرح والفنون التشكيلية حتى صرنا نعرف عن نجوم المفتين والدعاة وفنون المذاهب الطبيعية والانطباعية والسيريالية والتكعيبية والبنيوية والعبثية والحداثية.. أكثر مما نعرف عن عدو يطرق أبوابنا ليطلب منا الرحيل في معركة هرمجدون؟
هانحن في بدايات القرن الحادي والعشرين نصحو من نعاس طويل على ضجيج الإمبراطورية الأمريكية وقد تحولت إلى ثكنة صليبية.
إنها حرب دينية منذ الفتح الإسلامي والحرب الصليبية إلى الأندلس إلى اليوم
يجردوننا من الحافز الديني لكي يكون خالصا لهم
فأين يجد طلاب الود عشاق التسامح والتفاوض والحوار و" الخد الأيسر " …. مكانا لهم بين هذه الأنقاض؟
إنه لاملجأ من الله إلا إليه .
لاملجأ بغير الرجوع إلى عقد الإسلام الأساسي؛ عقد المبايعة مع الله: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ": عقد فريضة الجهاد
وفي المرحلة الراهنة: هو الجهاد المدني الذي دعا إليه الأستاذ فهمي هويدي في مقالته الأخيرة المنشورة بجريدة الشعب بتاريخ 17\2\2006:
أما خطة الحل لاستراتيجي فنراها كما قلنا في مقال سابق - في خطوات يتم إنجازها على المدى الطويل:
تغيير جذري فينا باسترداد عناصر القوة التي تساقطت من أيدينا وتسللت من قلوبنا واغتصبت من عقولنا: منهجا وتربية وثروة وتجردا واعتقادا، وجهادا، ودفاعا واستردادا للأرض والثقافة والهوية، وهذا حلم صعب ولكنه موعود.
و.. تغيير جذري في الغرب:
في قلاع الكنيسة بالكلمة السواء التي أشار إليها القرآن.
وفي قلاع المؤسسة الاستشراقية بالتزام المنهج العلمي التزاما حقيقيا.
وفي قلاع المؤسسة الإعلامية بتصحيح ولائها، وفي قلعة الرجل الأبيض بالتجرد من العنصرية
وهذا أقرب ما يكون إلى حلم إبليس في الجنة
إنها المعركة الدينية التي وجه القرآن أنظارنا إليها في قوله - تعالى -: {وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهودُ وَلا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ} 120 البقرة.
وسر انهزاماتنا في هذه المعركة أننا نكاد لا نصدق القرآن فيما قال.
http://al-shaab.o r g المصدر:
==============(1/138)
(1/139)
تربية امرأة ..!
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
كلمة يتداولها العامة اليوم يقولون عن بعض ضعاف التربية وضعاف العزم والهمة، يقولون عنه:
تربية امرأة!
وهذه الكلمة ليس على إطلاقها
فكم من الأئمة الأعلام ربتهم أمهاتهم وكانوا هداة مهتدين
يأتي على رأسهم إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد - رحمه الله -
فكم قدمت له أمه من عناية ورعاية حتى أصبح إماما للدنيا ولها إن شاء الله مثل أجره.
كذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فقد ربّته أخته سِتّ الرَّكب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر.
قال ابن حجر: وُلِدتْ في رجب سنة سبعين في طريق الحج، وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي.
وغيرهم كثير هذا في الماضي
أليست الخنساء من شواهد التاريخ على صدق التربية؟؟
وعلى شدتها؟؟
وعلى علو همتها؟؟
وقبلها أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - وعن أبيها
وقد يُقال:
هذا كان في الزمن الماضي يوم لم تكن هناك مغريات وفتن ونحو ذلك
فأقول:
بل حتى في هذا الزمن نساء صادقات وفي التربية جادّات
نساء ممن عاصرناهم وعاصرونا
امرأة أعرفها شخصياً
زوجة أحد الأقارب توفي زوجها وترك لها ستة أبناء
فلما عُرِض عليها الزواج بعد انقضاء عدتها بَكَت
فقيل: ما يُبكيك؟
قالت: أخشى أن أترك تربية أبنائي لغيري فيضيعوا.
فلم تتزوج بعد زوجها، بل أوقفت حياتها على أبنائها.
فَسَعَتْ في تربيتهم وتعليمهم وتحفيظهم القرآن.
فحفظ بعضهم القرآن كاملا
واليوم
أكبر أولادها نال الشهادة العالية (الدكتوراه)
وأصغرهم يدرس في كلية الطب
والبقية بين معلّم وموظف وطبيب
وهم من خيار أهل البلد إذا عُد الأخيار
هذه نتيجة جهد امرأة صادقة لا تركض ولا تلهث خلف (الموضة) ولا تجري وراء كل جديد
وحدثني أحد المشايخ عن امرأة عندهم في الحي
لها ثلاثة أولاد
كأنهم أيتام وما هم بأيتام!!
تخلّى عنهم أبوهم فشمّرت الأم عن ساعد الجد، وسعت في تربيتهم تربية جادة
يقومون الليل
بعضهم يحضر للمسجد قبل الأذان، بل أحدهم يؤذن أحيانا لصلاة الفجر، عندما يتأخر المؤذن.
ألحقَتْهُم بحلقات تحفيظ القرآن الكريم
يقول محدثي: أرى فيهم الجدية وعلو الهمة وصدق التآخي
وما هذه النسوة حفظهن الله إلا خير شاهد على صدق التربية، وجدية النشأة، وقوّة العزيمة.
إذاً لماذا يقول بعض الناس عن الخامل: تربية امرأة؟!
لأن بعض الأمهات العصريات ممن همهن الجري وراء كل جديد، واللهث خلف سراب الموضة، والركض إثر شهوات النفس ومتعها وملذاتها
آثرن ذلك على حساب أولادهن
فيومٌ للسوق
وآخر للحديقة
وثالث للملاهي
ورابع للتمشية
وضاع الابن بين أوقات الأم وتمشياتها وزياراتها
وآخر ما تسأل عنه الأم أولادها من بنين وبنات!!
ولا يهمها سوى أن يُوفَّر للابن سيارة
لماذا؟
لتذهب وتعود وتغدو وتروح حسب مزاجها
وليَضِعْ الابن بعد ذلك!!!
وبعض الأمهات الجادات لا تُريد أن يُوفر لأولادها سيارات حفاظاً على أولادهن، وحرصاً على مضيِّهم في تعليمهم ودراستهم، بعيداً عن الفوضى والعبث.
هذا هو السبب في نظري في رخاوة تربية بعض الأمهات في هذه الأزمنة.
إذا ليس العيب أن يتربى الرجل على يد امرأة، فكم من عظماء الرجال تربوا على أيدي أمهاتهم فأفادوا أمماً لا أمَّة واحدة!
ولكن العيب في بعض النساء واهتماماتهن
كذلك يُقال عن بعض الرجال
فأعرف رجلا من الأقارب لا يهش ولا ينشّ!! في تربية أولاده
وأولاده أحق بوصف الرخاوة والضياع
وليس هذا من باب الشماتة. بل من باب الذِّكر والتذكير
ومن باب الإنصاف
أن يُذكر ما للرجل وما عليه، وما للمرأة وما عليها.
فبارك الله في نساء مؤمنات تفوق إحداهن عشرات الرجال.
http://www.sst5. com المصدر:
===============(1/140)
(1/141)
ويمكرون ويمكر الله
محمد حسن يوسف
تدأب الدول الاستعمارية أبدا على الكيد للدول الضعيفة، وتحاول دائما أن تجعلها في دائرة التبعية لها، حتى لا تستطيع الفكاك من أسرها أو التخلي عن الحاجة لها. والدول الاستعمارية وهي ترسم سياساتها تجاه تلك الدول الضعيفة لا تضع في حسبانها أي رد فعل لتلك الدول الضعيفة، فهي بحسبانها دولا ميتة مسلوبة الإرادة لا تستطيع الحركة أو القدرة على رد الفعل.
ولكن الأمر العجيب أن تفشل الدول الاستعمارية في تحقيق أطماعها، رغم عدم قدرة الدول الضعيفة فعلا على اتخاذ أي رد فعل حيال مكائد الدول الاستعمارية. فما هو السبب في ذلك؟
إن هذه الدول الاستعمارية لا تحسب أبدا حساب قدرة الله!! ولا تدري أنها في تجبرها وعنادها فإن الله يقف لها بالمرصاد. وهكذا هو حال قوى الطغيان والظلم على مر التاريخ، كما يخبرنا القرآن الكريم بذلك. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
والقصة التي بين أيدينا الآن، والتي ما زالت تحدث فصولها ولم تنته بعد: غزو الولايات المتحدة للعراق. لقد كان من ضمن الأسباب المحددة للغزو، ضمان سيطرة الولايات المتحدة على منابع البترول، والتحكم في أسعاره بخفضها لأدنى حد ممكن، وضمان تدفق إمداداته إلى أراضيها ليغذي شركاتها ومصانعها ويشعل الحركة في اقتصادها لينتعش على حساب دماء الآخرين.
وكانت الدول المصدرة للبترول قد عملت على خفض أسعار البترول إرضاء لرغبات الولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة بجبروتها وعنادها، وحيث كانت أسعار البترول الخام قد وصلت لحدود 40 - 50 دولارا للبرميل، لم يكن جشعها ليرضى بذلك، بل كانت تريد استنزاف الدول المصدرة لأقصى درجة. فكان الغزو للعراق لضمان أسعار البترول عند المستوى 25-30 دولارا للبرميل. فما الذي حدث؟
أرسل الله إعصار كاترينا ليضرب منصات البترول في منطقة خليج المكسيك، وأُجبرت المصافي في المنطقة على الإغلاق. وأدى بذلك إعصار كاترينا إلى ارتفاع سعر خام البترول إلى مستوى غير مسبوق بلغ 70. 85 دولارا للبرميل.
ويُرجع خبراء اقتصاديون أسباب ارتفاع أسعار البترول في الفترة الأخيرة إلى هذا المستوى غير المسبوق إلى عدة عوامل، لعل من أبرزها: تردي الأوضاع الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط التي تسيطر على مخزون عالمي ضخم من البترول. ويظل من المؤكد أن الاضطرابات التي تحدث في العراق لها تأثير كبير في التقلبات الحالية في أسعار البترول على المستوى العالمي، فعدم انتظام تدفق البترول العراقي بكمياته الكبيرة بشكل منتظم أدى ولا شك إلى تأثر الاقتصاد العالمي سلبا بذلك.
ويعود جزء من ارتفاع أسعار البترول إلى أسباب مناخية حيث تعرضت الولايات المتحدة المستهلك الأول للبترول لعواصف بحرية أوقفت إنتاجها لكميات لا بأس بها من البترول وشلت قدرة بعض مصافيها البترولية في خليج المكسيك على إنتاج مشتقاته.
كما يذكر أن السبب في زيادة الطلب على البترول في السنوات الأخيرة يعود إلى زيادة طلبه من كل من الصين والهند، فبكين أصبحت ثاني مستهلك للبترول بعد الولايات المتحدة، وكذلك الهند زاد طلبها بشكل ملفت في ظل نمو اقتصادي مطرد.
وهكذا يلقى الارتفاع الحاد الذي شهدته نهاية هذا العام في أسعار البترول بظلاله على الجميع، سواء الدول المنتجة أو الدول المستهلكة. كما سيحد من نمو الاقتصاد العالمي الذي شهدته بداية هذا العام. ومن المؤكد ألا تنخفض الأسعار خلال الفترة القليلة القادمة، مما سينعكس بالسلب على الأداء الاقتصادي لمعظم دول العالم، وسيسمح لمعدلات التضخم بالارتفاع بدرجة كبيرة.
فإذا كانت الولايات المتحدة بغزوها للعراق أرادت أن تهبط بأسعار البترول إلى مستويات متدنية تخدم اقتصادها وتضمن الحصول على تدفق منتظم لإمدادات البترول، فإن الله - سبحانه وتعالى - أراد أن يرد عليها كيدها، ويجعله في نحرها. وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
15 من شوال عام 1426 (الموافق في تقويم النصارى 17 من نوفمبر عام 2005).
http://www.saaid.net المصدر:
==============(1/142)
(1/143)
هل تعبأ إدارة بوش بمشاعر مسلمي أمريكا بصدد قضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ؟
حث الرئيس الأميركي جورج بوش حكومات العالم على التصدي لما أسماها ردود الفعل العنيفة على الرسوم المشينة بحق النبوة الكريمة وطلب العمل على وقفها.
ودعا بوش أثناء استقبال العاهل الأردني عبد الله الثاني 'نحن نرفض العنف كوسيلة للتعبير عن الاستياء مما يمكن أن ينشر في الصحافة الحرة'.
أما وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس فقد اتهمت كل من سوريا وإيران بتعمد إذكاء غضب المسلمين بسبب الرسوم.
وقد جددت الولايات المتحدة دعمها للدانمارك في مواجهة غضب العالم الإسلامي، بسبب الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دانييل فرد الذي يزور كوبنهاغن لشبكة تلفزيونية دانماركية الليلة الماضية 'أشعر بالحزن من أجلكم أنتم الدانماركيون لأنكم لستم معتادين على ذلك..إنه لأمر صعب'.
وأدان المسؤول الأميركي الذي جاء لتقديم دعم واشنطن للحكومة الدانماركية، أعمال العنف التي طالت المصالح الدانماركية في الخارج.وكان الرئيس جورج بوش قد اتصل برئيس الوزراء أندريس فوغ راسموسن الأسبوع الماضي وأعرب له عن دعم أميركا لبلاده.
من جهنه فقد عقد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية -كير- وهو أكبر منظمة إسلامية تعنى بإبراز صورة الإسلام والمسلمين لدى وسائل الإعلام الأميركية، عددا من المؤتمرات الصحفية في كل من الولايات المتحدة وكندا لتوضيح حملة التعريف بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
وعقدت كير 12 مؤتمرا صحفيا عبر فروعها البالغ عددها 31 فرعا، أعلنت خلالها عن تخصيص عام 2006 الحالي عاما لتوعية الرأي العام الغربي بحياة وتعاليم النبي الكريم محمد - عليه السلام -.
وبدأت كير الحملة بسلسلة خطوات اشتملت على توفير نسخ مجانية من بعض أفضل المواد التعريفية -مصورة ومكتوبة- باللغة الإنجليزية عن النبي الكريم، والتعرف عليه وعلى تعاليمه للأميركيين والكنديين. ومن المتوقع أن تصل كلفة الحملة التعريفية هذه حوالي 2 مليون دولار أميركي.
كير، دعمت مشروعها بإطلاق موقع إلكتروني خاص بعنوان 'تعرف على حياة محمد - عليه السلام -' www.cai صلى الله عليه وسلم com/muhammad. ويمكن لزوار الموقع الحصول على شريط تلفزيوني وثائقي عن حياة النبوة الكريمة بعنوان محمد: تراث رسول أو كتاب 'محمد' للدكتور يحيى إمريك.
وفضلا عن هذا فإن الموقع المذكور يوفر نبذة مختصرة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وقاعدة بيانات بعنوان 'محمد من خلال كلماته' تضم عددا كبيرا من أحاديث الرسول المترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
وبخصوص قضية الإساءة الأخيرة لمقام النبوة الكريم في صحيفة دانماركية، يوفر الموقع إرشادات للناشطين المسلمين حول سبل التعامل مع هذه الأزمة أسمته كير أساليب العمل الإعلامي والجماهيري المنظم والسلمي.
واعتبرت كير الأزمة الأخيرة بمثابة 'فرصة للتعلم' عن الإسلام والمسلمين كما أنها فرصة للاختيار بين 'التعددية القائمة على الفهم والاحترام المتبادل وبين التعصب القائم على الشك وعدم المعرفة'.
وكانت كير أطلقت في شهر مايو/ أيار الماضي مبادرة لتوفير نسخ مجانية من ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية للأميركيين الراغبين في التعرف على كتاب الله، وذلك ردا على التقارير التي أشارت إلى تدنيس المصحف الكريم بمعسكر غوانتانامو الأميركي. وقالت كير إنها تلقت 27 ألف طلب للحصول على المصحف حتى الآن.
13صفر1427هـ
13مارس 2006م
http://www.islammemo.cc المصدر:
===============(1/144)
(1/145)
فهم خاطئ
عبد الله بن محمد زقيل
في أولِ مقالِ تحت هذا العمودِ اقتبستُ عنوانَه من حديثِ المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواهُ الإمامُ أحمدُ (6/377) وغيرهُ، وحسنهُ بعضُ أهلِ العلمِ والذي قال في آخرهِ: '' هن شقائقُ الرجالِ ''، وفي لفظ: '' إنما النساءُ شقائقُ الرجالِ ''، وقد توسع بعضُ المسلمين - مع الأسف - في فهم عبارةِ النبي صلى الله عليه وسلم التي في آخر الحديثِ على غيرِ مقصودِ النبي صلى الله عليه وسلم ، فأطلقوا لأنفسهم العنان في تنزيل العبارةِ على كل أمر خاص بالرجال فجعلوه للنساء، ولو رجعنا إلى سببِ ورودِ الحديث لتبين لنا أن الأمرَ ليس على إطلاقهِ، وأن العبارةَ فُهمت على غير وجهها المراد بل هو فهمٌ خاطىءٌ، ولنقف على سببِ ورودِ الحديثِ.
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: كَانَتْ مُجَاوِرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيْهَا فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ إِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا يُجَامِعُهَا فِي الْمَنَامِ أَتَغْتَسِلُ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : تَرِبَتْ يَدَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، فَضَحْتِ النِّسَاءَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ وَإِنَّا إِنْ نَسْأَل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ نَكُونَ مِنْهُ عَلَى عَمْيَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ: بَلْ أَنْتِ تَرِبَتْ يَدَاكِ، نَعَمْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، عَلَيْهَا الْغُسْلُ إِذَا وَجَدَت الْمَاءَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَنَّى يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا هُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ.
فلا يأتي محتجٌ ويقولُ في قضيةٍ تتعلقُ بالمرأةِ: النساءُ شقائقُ الرجال، فنقولُ له: ارجع إلى سببِ ورود العبارة ثم استدل، ولذلك لو رجعنا إلى فهم العلماءِ الذين شرحوا الحديثَ لوجدنا أنهم يضبطون العبارة ضبطاً دقيقاً، هذا الحافظُ ابنُ حجرٍ يقولُ في '' الفتح '': وَإِنَّمَا خُصَّ الذَّكَر بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الرِّجَال فِي الْغَالِب هُمْ الْمُخَاطَبُونَ وَالنِّسَاء شَقَائِق الرِّجَال فِي الْأَحْكَام إِلَّا مَا خُصَّ '' أي: إلا ما خُص به النساء. وقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَإِنَّ الْخِطَاب إِذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُذَكَّر كَانَ خِطَابًا لِلنِّسَاءِ إِلَّا مَوَاضِع الْخُصُوص الَّتِي قَامَتْ أَدِلَّة التَّخْصِيص فِيهَا.
فهؤلاءِ العلماءُ فهموا العبارةَ على وجههِا الصحيح فالرجوعُ إلى فهمهم أولى ممن يريدُ تنزيلها في كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ على النساءِ، ويلوي عنقها لتوافق هواه، وعلى هذا الفهم الخاطىء يلزمهم أن يساووا بين المرأةِ في كلِّ شيءٍ، فعلى سبيل المثالِ لا الحصر: يجوزُ للمرأةِ أن تجمعَ بين أربعةِ رجالٍ! وأن تساوى بالميراثِ مع الرجل! وغيرها من الأحكامِ التي هي خاصة بالرجل، ولا أظنُ مسلماً عاقلاً يقولُ بهذا القولِ.
http://www.saaid.net المصدر:
==================(1/146)
(1/147)
رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي يدعو للحد من انتشار الإسلام في أوروبا
عبد الباقي خليفة
دعا رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي "مارشيلو بيرا" إلى ما وصفه "الحد من انتشار الإسلام في أوروبا". وأشار في مقابلة نشرتها صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية الواسعة الانتشار إلى نبوءة المستشرق الإنجليزي بيرنارد لويس، ومفادها أن أوروبا ستصير مسلمة في غضون مائة سنة" قائلاً: "لقد تحدثت مؤخراً مع أحد الأساقفة الذين يهتمون بهذه المسألة، فأكد لي أن الإسلام سيفرض نفسه في أوروبا بعد ثلاثين عاماً فقط"، وأضاف: "أخشى أن يكون هذا الرأي هو الحقيقة".
من جهته دعا رئيس الوزراء الإسباني السابق "خوسي ماريا أثنار" إلى إدخال إصلاحات حقيقية على منظمة الحلف الأطلسي (الناتو) في ضوء التهديدات الموجهة إلى البلدان الغربية من طرف ما أسماه ب "الإرهاب الإسلامي". وقال أثنار في افتتاحية نشرتها صحيفة "ميساجيرو" الإيطالية يوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2005 "كان حلف الناتو ركيزة أساسية بالنسبة للغرب في السابق، ولا يزال كذلك الآن ولكن يجب إدخال بعض التغيرات". وأشار السياسي الإسباني ورئيس وزراء بلاده سابقاً، إلى المهمات التي أشرف عليها هذا الحلف العسكري بعد سقوط جدار برلين، وقال: "بعد انتهاء الحرب الباردة، قام الناتو بدور تاريخي في تشييد السلام، وبينما كنا منهمكين في الحفاظ على السلم، كان الإرهاب الإسلامي يستعد لمهاجمة الغرب، الأمر الذي حدث فعلاً في 11 سبتمبر 2001 و11 مارس 2003 و7 يوليو 2005 إن الإرهاب الإسلامي صار تهديداً حقيقياً لمجتمعاتنا". وقدّم أثنار جملة من الاقتراحات من أجل إصلاح حلف الناتو من أجل مواجهة التحديات الجديدة وقال: "بادئ ذي بدء يجب على أعضاء الناتو الإقرار بأن الإرهاب الإسلامي يمثل تهديداً لوجودنا، وينبغي علينا تجاوز الحدود الجغرافية للبلدان المشكلة للحلف لأن الأعمال الإرهابية تهدد الأمن الداخلي والخارجي على حد سواء"، وأضاف: "إن الانتصار على أعدائنا يتطلب محاربتهم في كل مكان لأن الإرهاب الإسلامي تهديد كوني".
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
================(1/148)
(1/149)
ديمقراطية . . الدمار الشامل
جون سباستيان
عمليات تفجير:
نشرت صحف نيويورك تايمز وكريستيان ساينس مونيتور مجموعة من التقارير التي صنفت ب "السرية" عن السجون الأمريكية المهربة إلى العديد من الدول الأوروبية، حتى الديمقراطية منها من الاتحاد الأوروبي.
خطورة التقارير كانت في أن الولايات الأمريكية المتحدة، راعية السلام في الشرق الأوسط وحاملة مشعل الحرية والديمقراطية للعالم "المتخلف" هي التي -منذ انتهاء الألفية السابقة- صارت الخبيرة رقم واحد في صياغة نظم الحرب الجديدة ليس على الإرهاب فقط بل وعلى الدول التي وجدت نفسها في فخ المصطلح الأمريكي القديم "الدول المارقة" والذي يعني أن حق الحرب صار مضموناً اليوم بالنسبة للولايات الأمريكية ضد أية دولة في العالم لا تدخل في صف "الشرعية الدولية" الواجب احترامها من منطلق ما تأمر به إدارة البيت الأبيض بالخصوص ما ترتبت عنه الحرب الأمريكية على العراق ليس فقط "نجاح مهمة" الإطاحة بديكتاتور عراقي اسمه صدام حسين بل للأسف الشديد أنه تم الإطاحة بدولة كاملة وإسقاطها إلى الحضيض، لأن الجرائم التي تم الكشف عنها هي التي ارتبطت بالاحتلال وشكلت به واقعاً رهيباً عكس "الديمقراطية" الأمريكية التي تريد نشرها بنفس الطريقة في العالم وبالخصوص في منطقة الشرق الأوسط من فضيحة أبي غريب إلى فضيحة "المجازر المجانية" كما أسمتها صحيفة لوسوار البلجيكية التي كان لها السبق الأول في الكشف عن "البعد الآخر" من عمليات الاختطاف التي تنسب إلى المقاومة العراقية، من ضمنها عملية اختطاف عسكري أمريكي هو "جيميس هامير" واغتياله في عملية صورت على شريط فيديو ونسبت إلى جماعة عراقية مقاتلة.لكن عائلة "جيمس هامير" خرجت عن صمتها فجأة، فاتهمت والدة القتيل السلطات الأمريكية بقتل ابنها، ليس لأنها أرسلته إلى العراق لنشر"الديمقراطية" بل لأنها أرادت أن تصفيه جسدياً بتهمة تعامله مع النظام الإيراني.
موقع كريستيان ساينس مونيتور عبر الإنترنت نشر أن "جيمس هامير" زار إيران سراً أكثر من مرة في الشهور الأخيرة، مما دفعها إلى القول إنه كان يتعامل مع الإيرانيين سراً لبيع معدات عسكرية لحسابه الخاص.
والدة "جيميس هامير" ذكرت أن ابنها كان مراقباً من قبل الشرطة الفدرالية حين زارها، وأنه باح لها بأن حياته في خطر من دون أن تكون على علم عن نوع الخطر الذي يعنيه، سوى ذلك المرتبط بوجوده في العراق لكن اختطافه وقتله جعل العالم يرمي بالجثة في شباك المقاومة العراقية ونفض اليد من "عميل" كانت الإدارة الأمريكية تتهمه بالتورط المشبوه ببيع معدات عسكرية لإيران لحسابه الخاص، وهي جريمة عقابها "الإعدام".
لكن إعدام ضابط أمريكي شارك في الحرب على العراق لن يكون سهلاً إعلامياً، خاصة احتمال أن يكون "جيمس هامير" قد سرب معلومات إلى الإيرانيين أثار رعب الأمريكيين، فكان التخلص منه بقتله، في مسرحية منسوبة إلى جماعات المقاومة العراقية.. هذه الفضيحة التي استطاعت الإدارة الأمريكية أن تخنقها حتى قبل أن تنفجر إعلامياً داخل الولايات الأمريكية توازي فضيحة السجون الأمريكية التي تم الكشف عنها والتي تورط من جديد سياسة صقور البيت الأبيض الذين يتحملون اليوم مسؤولية الوضع السياسي الدولي الذي غرق في اللا قانون، في الخارجين عن القانون من أصحاب النفوذ داخل البيت الأبيض ومدراء الشركات البترولية الأمريكية وكذلك مسئولين من الحكومات الأوروبية المتواطئة في فضيحة السجون المتنقلة تلك من ألمانيا إلى رومانيا إلى بلجيكا استطاعت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن تنقل مئات السجناء من معتقل جوانتانامو الكوبي لتمارس "حق" استجوابهم بحرية أكبر، وتعذيبهم دون رقابة مراقب.
لم تكن الفضيحة شيئاً جديداً لأنها في الحقيقة ارتبطت بالحرب التي بدأتها أمريكا من دون العودة إلى الشرعية الدولية، ومن دون احترام قرارات الأمم المتحدة.. أمريكا تواجه اليوم تهمة الإرهاب الدولي، وتهمة تجاوز القانون بلا وجه حق، ولهذا على الإدارة الأمريكية أن تقنع ملايين من الشباب الأوروبي اليوم أن ما فعلته إلى الآن كان لصالح "العراقيين" ولصالح "المجتمع الدولي" ولصالح "مستقبل العالم" ولصالح "السلام الدولي".. على إدارة جورج دابليو بوش أن تقول لكل الأوروبيين المستائين من قضية السجون السرية تلك إن أراضيهم استغلت "للرفق بالإنسان" وأن الذين تم جرهم من سجون أخرى ليسوا بشراً بل "جراثيم" من الدرجة الدونية، وأن المعتقلين مهما كانت التهمة المنسوبة إليهم يحظون آلياً بحق المحاكمة العادلة وحق توكيل دفاع قانوني لهم.(1/150)
هذه هي النظم القانونية التي وعينا عليها، ودرسناها في المدارس ودافعنا عنها بعد التخرج، ولا يمكن اليوم التنازل عنها لصالح بوش أو غيره.. لا يمكن السماح بإهانة إنسان بتهمة انتمائه الديني أو العقائدي، ولا يحق أن نربي أبناءنا على الحرب وعلى غزو الدول بحجة أنها "مارقة" الجريمة كبيرة ونعتقد أننا تواطأنا جميعاً معها بالصمت، وعلينا أن نغير حالة السكون التي يعيش فيها مجتمعنا، سواء في فرنسا أو في أية دولة من أوروبا "الحرة" التي يشعر شعبها بالصدمة بسبب قيام حكوماته المختارة ديمقراطياً بفتح "ترابها" للطائرات الأمريكية المحملة بسجناء سياسيين قصد استجوابهم بالقوة، وبوسائل تفتقد أبسط القواعد الإنسانية الموقع عليها في اتفاقيات جنيف، لكن أمريكا كما لا ننسى لم توقع على تلك الاتفاقية، وبالتالي لا تعترف بها، كما أنها لم توقع على اتفاقيات أخرى مثل الحد من انتشار الأسلحة النووية مع أنها تمارس عقاباً نفسياً رهيباً على الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية. لأن عبارة الدول المارقة "هي الماركة" التي تلصقها إدارة بوش بكل من تسعى إلى إسقاطه بالقوة، وقد يأتي دور الدول الأوروبية، بأن تتهمها أمريكا لمجرد أن شعوبها لن تظل صامتة طول العمر أمام ما صار يرتكب باسمها هنا وهناك. ولعل الرفض الشعبي الألماني للسجون الأمريكية هو بداية مهمة نتمنى أن يعاقب عليها المتسببون في هذا الدمار الشامل الذي صار اسمه "ديمقراطية جورج دابليو بوش" في العالم.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(1/151)
(1/152)
الأساس الإلحادي للمفاهيم الغربية
د. أحمد إبراهيم خضر
الإلحاد كما يقول (القرطبي): هو التكذيب. وأصل الإلحاد في لغة العرب هو العدول عن القصد، والجوْر عنه والإعراض، ويستعمل للإشارة إلى كل معوج غير مستقيم، وقيل: إنه الكفر والشرك.
والإلحاد نتيجة لازمة لحالة النفس التي استنفدت كل إمكانياتها الدينية، فلم يعد في وسعها أن تؤمن. والإلحاد في الغرب كما يقول (عبد الرحمن بدوي) يتجه مباشرة إلى «الله» وينكر الدين. وعلى هذا الأساس نجد أن المفاهيم الغربية: كالتنوير، والعقلانية، والنفعية، والعلمانية، والوضعية: التجريبية والمنطقية والإمبيريقية والبراجماتية والحداثة وما بعد الحداثة...إلخ: كلها مفاهيم أساسها إلحادي، ومن ثم فهي غير محايدة.وهي شديدة التداخل بعضها مع بعض، وفدت إلينا من الغرب، وانفعل وتفاعل معها بعض باحثينا، رغم أنها جميعاً وبلا استثناء تصب في نهر واحد: هو معاداة الدين، ومحاولة فصل الأخلاق عنه.
التنوير كما يصفه (عاطف أحمد): هو مركز الحداثة الغربية، وهو مرحلة من مراحل الفكر الأوروبي تميزت بالتأكيد على الخبرة والعقل الإنساني، وظاهرياً ليس في ذلك شيء، لكنه ارتبط بعدم الثقة بالدين، وبسلطة التقاليد، ورفض الوصاية الدينية على الفكر وشؤون الحياة. وارتبط التنوير أيضاً بالنشأة التدريجية للأفكار التي تبنتها المجتمعات الغربية: كالليبرالية، والعلمانية، والديموقراطية.
ينظر التنوير إلى الكائنات البشرية نظرة مادية، ويؤمن بقدرة الإنسان على تحقيق التقدم من خلال التعليم والبحث العلمي الهادف للسيطرة على الطبيعة؛ في الوقت الذي يُعلي من قيمة المنفعة في المجال الاجتماعي والأخلاقي. و «النفعية» هنا تقوم على مبدأ: أن اللذة أحسن وأفضل من الألم، والمنفعة هي السعادة الكبرى لأكبر عدد من الأفراد، والوصول بالسعادة إلى أقصى حد ممكن هو الهدف الأساسي والنهائي للجنس البشري، ولا يتم ذلك إلا عن طريق اللذة، فلا شيء مرغوب لذاته سوى اللذة، وليس هناك نوع من اللذة أفضل من الآخر. وترتبط النفعية «بالبراجماتية» وهي النظرية التي ترى الآثار الملموسة تجريبياً والمتضمنة في فكرة ما أو في قضية ما، هي التي تكوِّن معنى القضية، وتعتبر في نفس الوقت معياراً لصدقها. وتنظر «البراجماتية» إلى «المنفعة» على أنها المعيار الأساسي لكل قيمة.
أما أساس الفكر التنويري كما يرى (غانم) هنا فهي المقولة المعروفة: «لا سلطان على العقل إلا العقل». وقد شغلت قضية العقل الفلسفة الغربية لألفي سنة؛ مما أدى إلى التطرف في تأكيد مكانة العقل وسلطته في المجتمع البشري، وأعلت من قيمته ليقف في مواجهة الإيمان والسلطة الدينية والمسائل الروحية، ويرى (سمارت) في الموسوعة الفلسفية أن روح عصر التنوير العقلانية النقدية وجهت ضد الحقائق المنزلة في الكتب المقدسة، ويرى أيضاً: «أن أفضل استخدام للعقلانية على المستوى الديني سلبي تماماً، وأنها في نهاية المطاف حركة مضادة للدين ذات نظرة نفعية، لا تلقي بالاً للقيم الأخلاقية، وتعطي وزناً أكبر للمناقشات العلمية والتاريخية المضادة للإيمان.
ومن هنا تحددت «العقلانية» على أنها مذهب فلسفي، يرى أن كل ما هو موجود مردود إلى مبادئ العقل. وتداولت المعاجم والدراسات هذه الصيغة العقلانية، وتكررت في مؤلفات مؤرخي الفكر في شتى اللغات، وأضحى مفهوم «التنوير» ملازماً لمفهوم «العقلانية»؛ على أنها العمل بمبادئ العقل. سُمّي القرن الثامن عشر في فرنسا بـ (عصر التنوير). واعتاد مؤرخو الفكر على أن يطلقوا لقب «فيلسوف» على كل من كتب بروح جديدة في هذا القرن، سواء أكانت كتاباته في التاريخ أو العلوم أو الدين أو القانون أو السياسة. وسُمّي هذا القرن أيضاً بـ «قرن الفلاسفة» كرديف لمن خالف الشائع، فترسخ معنى «العقلانية» على أنها بناء كل الإنتاج الذهني ممحوراً حول العقل وقدراته، وتحولت «العقلانية» لتعني الثقة الكلية بالعقل، والإيمان بقدرته ورفض ما عداه من سلطة بما فيها السلطة الدينية.
هناك تطورات اقتصادية واجتماعية رافقها تقدم نوعي في مختلف العلوم مهدت لظهور العقلانية والتنوير، ودفعت من ثَم إلى قطيعة شبه كاملة مع الدين. وحين حدث الانقلاب الواضح في أسس وآلية المنهج العلمي، وحين استتبت التجربة والاستقراء كمنهج في علوم كثيرة: كالرياضيات، والهندسة، والميكانيكا، انتقل هذا المنهج بتأثير التحولات الاجتماعية إلى الميادين الأخرى، وأهمها الدين والأخلاق، وأضحى أداة اليقين والعلمية، فشاع بعد ذلك «أن كل معرفة يقينية لا بُدّ أن تستمد يقينها من الواقع ومن قابليتها للتعميم عليه، وليس الدين». ومن هنا طالب المفكرون الغربيون بتأسيس الأخلاق على العقل وحده وليس الدين، مؤمنين باستحالة التوفيق بين الوحي والعقل، وبين الإيمان والعلم، وبَشَّر بعضهم بدين جديد أسماه «الدين الطبيعي» الذي لا يقوم على وحي ولا هو بحاجة إلى هرمية كهنوتية، ولا إلى عناية إلهية أو تناسق مسبق، بل على ما فطرت عليه طبيعة الإنسان ووهبته من أخلاق تمكنه من إقامة مجتمع تحكمه الأخوة والمساواة.(1/153)
وهناك بعض التعريفات التي تربط العقلانية «بالإمبيريقية» بصورة مباشرة، منها أن العقلانية هي كل تفكير، أو فعل واع منبثق من قواعد المنطق والمعرفة الإمبيريقية؛ حيث تترابط الأهداف ارتباطاً منطقياً، وتتحدد وسائل أكثر ملاءمة، وتعرَّف الإنبيريقية أو «التجريبية»: بأنها كل ما يقوم على الملاحظة والتجربة، ويُستخدم هذا المصطلح ليشير إلى الملاحظات والقضايا التي تعتمد أساساً على الخبرة الحسية، أو التي تشتق من الخبرات التي يتم التوصل إليها عن طريق «المنهج الاستقرائي» وهو العملية المنطقية التي تستنبط عن طريقها التعميمات من وقائع جزئية؛ أي الانتقال من الحكم والأمثلة الفردية إلى المبادئ العامة. وقد ذهب المفكرون الغربيون بـ «التجريبية» إلى جميع الحقول في العلم والمعرفة وحتى الدين، ثم إلى عمق ما يُسمّونه «بالوضعية» بحيث تكون الحواس والتجربة المصدر الوحيد لكل معرفة يقينية، مبقية للعقل القدرة على الربط بين معطيات الحواس وتذكرها، ويرون أن الأفكار تنشأ من هنا، ومن بين هذه الأفكار ما يطلقون عليه «فكرة الله». ويرى مفكرو الغرب كذلك أنه لا وجود لقوانين أو معطيات قَبْلية سابقة على التجربة، والتكرار هو الذي يجعل المعرفة عادة، وعلى هذا الأساس لا يعترفون بكل المعطيات الدينية؛ لأنها تمثل معطيات سابقة على التجربة. وخلاصة ذلك: أنه لا حقائق معرفية في مجال الدين؛ لأن الحقائق الدينية في نظر مفكري الغرب هي موضوع إيمان وليست موضوع معرفة. وحسبنا هنا في بيان تعارض الإمبيريقية مع العقيدة ما اعترف به الباحثون العرب من أن الإمبيريقية تستند إلى ما يسود العلوم الاجتماعية من اتجاه علماني، ومن اهتمام بمسائل علمانية، ولأن «الإمبيريقية» تعتمد فقط على الأساليب الفنية؛ فإنها ترفض أي فكر، وترى بصراحة أن كل ما لا يخضع للتجريب فهو باطل.
و «الوضعية»: فلسفة ظهرت على يد المفكر الفرنسي «أوجست كونت» الذي ولد في «مونبيليه» لأسرة تقليدية كاثوليكية فقد الإيمان وهو في السادسة عشرة من عمره، وتحول إلى شاب متحرر يقرأ لـ «فولتير»، وسعى لإبعاد الله باسم الدين، وكان يقول إنه مستعد لتقدير الله تاريخياً بشرط الانتهاء منه ومن ذكره نهائياً.
سَمّى الشيخ (مصطفي صبري) فلسفة كونت بـ «الفلسفة الإثباتية» ووصمها بالإلحاد. استغرق تأليف هذه الفلسفة من «كونت» اثني عشر عاماً، وخلاصتها: إحلال الروح العلمية محل الروح الدينية، وحل مشكلات الأخلاق والدين. رأى «كونت» أن فلسفته الوضعية لن تجعل هناك حاجة إلى الدين، كما حاول أن يصطنع أخلاقاً وضعية بعيدة كل البعد عن أي فكرة دينية، وخالية تماماً من أي مصدر إلهي. المطلق عند «كونت» لا وجود له في العالم، والمطلق الوحيد عنده هو أن كل شيء نسبي. والأديان عنده ولدت من الخزعبلات القديمة، وفي رأيه أن الدين يجب أن يبقى شكلاً، ولا بُدّ أن يتغير محتواه، ولهذا انشغل في أواخر عمره في صياغة دين عالمي بلا إله، أبقى فيه على الطقوس، وبدلاً من أن يتجه الناس إلى عبادة إله غير مرئي جعلهم يتجهون إلى الإنسانية لعبادتها، وأعلن نفسه البابا الأعلى للإنسانية. المرأة عند «كونت» هي الأجدر بالعبادة؛ لأنها محل لتحقيق أماني الصداقة والعشق. وتاريخ كونت الشخصي يكشف أنه أنه كان مصاباً بأمراض نفسية وعقلية، كما كان متزوجاً من بغي كان يقوم بالتستر عليها من الشرطة. كما يكشف تاريخه أيضاً أن فلسفته الوضعية هذه كانت ثمرة علاقته بامرأة سجين فرنسي أحبها، وكتب لها ما نصه: «لقد بدأت الوضعية الدينبة فعلاً في لقائنا الأول يوم الجمعة 16 مايو 1845م». والحقيقة هنا هي أن الفلسفة الوضعية ليست أصلاً من بنات أفكار «كونت» وإنما هي من أفكار أستاذه (سان سيمون) الذي تتلمذ على يديه ست سنوات. عرَّف (سان سيمون) الوضعية بأنها تطبيق المبادئ العلمية على جميع الظواهر الطبيعية والإنسانية وفهمها في ضوء هذه المبادئ فقط (لا الدين)؛ فالدين عنده يمثل طفولة الإنسانية، أما العلم فهو إطار محقق وصادق من المعتقدات الراسخة التي تحل محل الدين، والعلوم الوضعية هي التي ستتصدى في نظره للنفوذ الرجعي للأديان. التفكير الغيبي عند (سان سيمون) تفكير مزيف يجبر العقول على الطاعة العمياء.(1/154)
وتكمن خطورة (سان سيمون) في اتصالاته القوية باليهود والماسونية؛ مما يوحي بالدور اليهودي والماسوني في إطلاق هذه االمفاهبم. ويقول «جي نورمانو» الأستاذ في جامعة هارفارد كاشفاً النقاب عن خطورة هذا الرجل: «كل العلوم الاجتماعية خصبتها كتابات (سان سيمون): الاشتراكية من صنعه، وهو في نفس الوقت نبي الرأسمالية. أثر (سان سيمون) في الاقتصاد والفلسفة والتاريخ والدين وللسياسة، وهو الذي صاغ مسودة عصبة الأمم في عام 1814م، وهو فوق ذلك كله يعتبر قائداً للنخبة الجديدة من السياسيين والصحفيين ورجال التقنية والصناعة، وهو المتحدث الرسمي باسم الجيل الذي يحمل روح التحديث الثائرة. كان (سان سيمون) منذ طفولته ميالاً إلى التحرر من الدين الذي رأى فيه اختراعاً قامت به الإنسانية، وكان يرى أن الإنسان هو الذي اخترع الله مدفوعاً بدوافع مادية، وأن فكرة الله ناتجة عن دورة السائل العصبي في المخ. (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً)(1).
أثرت الفلسفة الوضعية على الإسلام والمسلمين تأثيراً مدمراً؛ وقد انخدع بها بعض شيوخ الأزهر، ولم يعرفوا كنه حقيقتها. امتدحها الشيخ (فريد وجدي)، وكانت وراء كتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) كما أنها كانت وراء أفكار (طنطاوي جوهري)، ولا نعتقد أننا نجانب الصواب إذا قلنا إنها كانت أحد المعاول الرئيسة في القضاء على الخلافة الإسلامية بعد أن تبنتها جمعية (الاتحاد والترقي) في تركيا التي آمنت بمبدأ الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية وهي الدعامة التي تغلغلت بها الفلسفة الوضعية إلى الشرق. رحبت المحافل الماسونية، وخاصة محفل «سلانيك» بإيطاليا بجمعية (الاتحاد والترقي) وكانت جلسات هذه الجمعية تعقد في غرف هذه المحافل التي يستحيل على الجواسيس أن يصلوا إليها.
أما «الوضعية المنطقية» كما يصفها (محمد المياري) فقد تطورت من وضعية كُوِّنت وتأسست على يد جماعة تسمى بـ «جماعة فيينا». وما يهمنا من هذه الفلسفة هو عداؤها للدين الذي بنطوي تحت محاربتها للميتافيزيقا؛ فهي ترفض لغة الميتافيزيقا، وتصفها بأنها لغة زائفة، يمكن تكذيبها، ولا تخرج عن كونها مجرد لغو، وتشكل أشباه قضايا، وليست قضايا، كما ترى أن الخبرة الحسية هي المجال الوحيد الذي يمكن أن تبحث فيه أي قضية والذي يمكن للإنسان أن ينهل منه أحكامه العملية، وما لا يرتد إلى الخبرة الحسية عند هذه الوضعية لا معنى له.
أما «العلمانية» فلا تحتاج إلى كثير بيان؛ إنها كما شرحها (شريف يونس): ذلك المبدأ الذي ينادي بفصل الدين عن الدولة وعن التعليم العام، وتحويل الدين إلى شأن خاص بالفرد، وكفالة حق الأفراد في تغيير عقائدهم كيفما شاؤوا. وتنطلق «العلمانية» من رؤية إنسانية غير دينية للعالم تحرر الفرد من الخضوع لما هو غيبي ومطلق. ويرى (محمد الحارثي): أن مفهوم فصل الدين عن السياسة هو المفهوم السائد للعلمانية عند العرب. إلا أنه يوضح أن العلمانية الآن تحاول أن تظهر أنها ليست منكرة لوجود مسلَّمات دينية بمعناها الشمولي. ويوضح (الحارثي) كذلك: أن الخطاب العلماني في منطقتنا العربية مساير للخطاب السياسي، وهو خطاب موجه في أساسه إلى عقلنة المجتمع فكرياً، واجتماعياً، وسياسياً. وكان هذا من أبرز الأسباب التي أدت إلى إثارة الخطاب الديني وحوَّلته إلى خطاب تصادمي مع الخطاب العلماني في المنطقة العربية، وخاصة أن العلمانيين كانوا قد اتجهوا إلى وسيلة ما يسمى بـ «بنقد التراث من داخله» بقصد تفعيله في تجديد الفكر العربي، كما انصب على ما يُسَمّى «بفقه الواقع» من تلك المواد التراثية وعدم استصحاب «فقه النص» بل كانوا يحاكمون فقه النص. كما كانوا يقابلون بين الواقع بكل مدخلاته المحلية والخارجبة وبين التراث والنص اليقيني بصفة خاصة، تمهيداً لما يُسَمّى «بأنسنة الدين»؛ أي اعتباره إنسانياً منقطع الصلة بالله، وعد التراث جميعه المقدس، وغير المقدس منتجَ الخبرة الإنسانية.
أما «الحداثة» فمن أبرز صفاتها عدم القدرة على تعريفها، حتى إن الحداثيين أنفسهم أخفقوا في تحديد مفهوم دقيق لها، وعرَّفوا الحداثة بعد الجهد بالحداثة. ظهر المفهوم أولاً مرتبطاً بفن العمارة في عام 1945م؛ حيث كانت تعني الخروج على كل ما هو نمطي ومألوف برؤية ثورية تعيد صياغة العمارة؛ باعتبارها نشاطاً فنياً وإنسانياً، يتمتع بحرية تامة، ولا تحده قيود. ثم امتد المفهوم كغيره من المفاهيم إلى ميادين الحياة الأخرى، فأعيد تعريفه ليعني: وجهة نظر خاصة تدور حول إمكانات الحياة الاجتماعية البشرية، تجد جذورها في التنوير، وتتأسس على الإيمان بالتفكير العقلاني، ومن ثم تنظر إلى الحقيقة والجمال والأخلاق كحقائق موضوعية يمكن اكتشافها ومعرفتها وفهمها من خلال التفكير العقلاني والوسائل العلمية، وليس عن طريق الدين.(1/155)
المجالات الثقافية المختلفة من المنظور الحداثي تتمايز ويستقل بعضها عن بعض استقلالاً تاماً؛ بحيث ينفصل كل مجال عن غيره، ويضع لنفسه معاييره حسب طبيعته ذاتها، وليس من أي شيء خارجها؛ بحيث يكون هناك تمايز واضح بين الثقافة العلمانية والثقافة الدينية. وهذا يعني أنه لا ارتباط بين الدين من ناحية، والتعليم أو الفن أو السياسة أو الاقتصاد من ناحية أخرى، فلا يستطيع الدين أن يفرض معاييره على الفن أو السياسة أو الاقتصاد. وتؤكد الحداثة هنا على الأخلاق بصفة خاصة، وترى أنه لا يجب أن تستند إلى الدين وألا بفرض الدين معاييره عليها؛ لأنها من المنظور الحداثي تقوم على قوانين الطبيعة أو العقل.
ومن ناحية أخرى تعرِّف «الموسوعة البريطانية» الحداثة بأنها: حركة ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، تدعو إلى إعادة تفسير التعاليم الكاثوليكية التقليدية في ضوء النظريات التاريخية والفلسفية والنفسية، وتدعو إلى حرية الضمير، وترى أن العهدين القديم والجديد مقيدان بزمانهما، وأن هناك تطوراً في تاريخ الديانة الإنجيلية. تبنّى المثقفون العرب هذا المفهوم للحداثة، واعترف بعضهم بعدم فصل الحداثة العربية عن الحداثة الغربية، ونظروا إلى الحداثة على أنها وحدة متجانسة مشعة عالمياً من الغرب، ولهذا حاولوا إسقاط الفهم الغربي للحداثة على الإسلام والقرآن؛ فقاموا بتفسير الإسلام في ضوء النظريات التاريخية والفلسفية والاجتماعية التي تقوم أصلاً على أساس إلحادي فوقي للدين، كما نظروا إلى الإسلام والقرآن على أنهما مقيدان بفترة تاريخية معينة لا تمتد إلى غيرها، وقام العديد منهم بإحداث ما يُسَمّىه بـ «الإصلاح والتجديد» في الإسلام وفق هذه النظريات، مطلِقاً لنفسه حرية التفسير دون أدنى التزام بأي ثوابت عقدية. وتعبر «الموسوعة الأمريكية» عن هذا الموقف العدائي للحداثة من الدين بصورة أشد وضوحاً فتقول: «إن الحداثة نظرة تقوم على الاقتناع بأن العلم والتقدم العلمي الحديث يتطلب إعادة تقويم أساسي للعقائد التقليدية»، ومن ثم لا ينظر إلى الدين على أنه صياغة دقيقة لسلطة جديرة باعتماد وقبول الحقائق المنزلة من الله، وإنما ينظر إليه على أنه مقولات لمشاعر وخبرات دينية عاشها بعض الرجال عبر حقبة تاريخية معينة، وعلى هذا الأساس تكون الحقائق الدينية عرضة لعملية تطوير مستمر كجزء من الخبرة المتقدمة للجنس البشري. وتستلزم هذه العملية إدخال مفاهيم عديدة وجديدة كشيء ضروري للتعبير عن الفكر والتقدم الحديث؛ فالوحي مثلاً في مفهوم الحداثة مجرد خبرة حسية لمجموعة حقائق عن الله أكثر منها موضع اتصال لحقيقة شاملة من الله. أما موسوعة «نيو كولومبيا» فهي ترى أن الله ـ - تعالى -ـ في «مفهوم الحداثة» ليس فوق الوجود المادي. ويقرّ (جون ديوي) في «الموسوعة الأكاديمية الأمريكية» بأن مصطلح «الحداثة» في العصر الحديث استخدم لنقد الدين بصفة عامة. وبمعنى آخر: تميل إلى الفرار مما يسمى «بالدوجما»، وتفتح المجال للعقل للتمحيص والوصول إلى اليقين. كما تنطوي الحداثة على فكرة «نسبية المعرفة»، وترفض النظرة التي ترى أن العلم يقوم على أساس صلب من الحقائق المتيقنة التي يمكن للحواس ملاحظتها.
ومن أبرز المثقفين العرب الأحياء الذين تبنوا هذه النظرة للحداثة (حسن حنفي) أستاذ الفلسفة الإسلامية. انعكس هذا التأثير على العديد من الأفكار التي تُخرج من يعتقدها ـ وهو يعلم ويقصد ـ من دائرة الإسلام. دعا «حنفي» إلى إخضاع القرآن للنقد وللمنهج النقدي مثلما فعل (أسبينوزا) مع التوراة والإنجيل، ورفض تفسير قوله ـ - تعالى -: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] بأنه حفظ للنص، معلقاً بأن هذا التفسير «نظرة لاهوتية صرفة تهرب من النقد، وتلجأ إلى السلطة الإلهية». الله عند (حسن حنفي) وظيفة وليس رباً، الله هو التقدم، والصلاة والصيام ليست عبادات معقولة، الإيمان التقليدي بالله وملائكته وكتبه ورسله هو إيمان ميت، الإيمان الحقيقي عنده هو الإيمان بالتقدم ومصلحة الشعوب. «الدين» عند (حنفي) هو العمل وليس الاعتقاد، الشك في العقيدة ليس بخطيئة؛ لأن الدين في رأيه مرض نفسي، واهتزاز شعوري، وارتجاج في المخ، وهوس واضطراب، ولهذا يجب تحويله إلى إيديولوجية(1).
ويرى (محمد الحارثي) في تحليله الدقيق لتأثير الحداثة الغربية على الخطاب الحداثي العربي، أن (طه حسين) هو المؤسس الحقيقي للخطاب الحداثي العربي وواضع منطلقانه الفكرية؛ نظراً لرؤيته الشمولية لقضايا التحديث في العالم العربي، ولروحه العلمية الناقدة وقدرته على التحاور، واعتداده بالذهنية في المنهج العلمي، ولطرحه الصريح لآرائه التي رأى أنها إصلاحية والتي لا تقلّ جرأة عن آراء «قاسم أمين» وكذلك لأثره على من أتوا بعده، ولهذا يراه (الحارثي) صوتاً مفرداً في مجموعة أصوات من النخبة.(1/156)
أما العناصر الواضحة في أصول الخطاب الحداثي العربي عند (طه حسين) فهي: التشكيك في المقدس، والتشويش عليه، والدعوة إلى التحول من فكر قديم إلى فكر حديث يحكمه شرط المعاصرة، يقوم على نشاط العقل العملي، ويعتمد البرهان؛ مما يسهم في قطع الوشائج بين العلم والدين إذا أريد للعلم أن ينجح، وإعادة قراءة النص الديني من خلال معطيات العصر؛ من حيث مواجهة النص الديني بالواقع. كان (طه حسين) يقول نفس ما قاله الغربيون من أن الإسلام كان متأثراً بالتوراة والإنجيل، فاتّهم القرآن بأنه قد تعمد طمس ذكر الأديان السابقة. ورأى أن القصص القرآني يحتمل أكثر من فهم، وأكثر من توجيه قرائي. ورأى كذلك أن العرب ليست لديهم القدرة على الابتكار، وأن غير العرب هم الأقدر على صنع المدنية. وأن وحدة الدين ووحدة اللغة لا يصلحان أساساً للوحدة السياسية، ولا قواماً لتكوين الدول. وأن نظام الحكم، وقيام الدول وتكوينها يقومان على المنافع العملية قبل أي شيء آخر، وعلى هذا الأساس يكون الدين شيء والسياسة شيء آخر، وهذا هو ما تقوم عليه الحياة الحديثة في أوروبا.
كان (طه حسين) كما يقول (الحارثي) يعتد بالصوت الأحادي، ويصادر ما عداه، ويطرح كل قيمة ثابتة. من هنا اكتسب مفهوم «الحداثة» شكلاً جديداً غير ذلك الذي كان عند القدماء الذين نظروا إليها على أنها «التجديد» بمعنى «تنبيه الناس لما غفلوا عنه من أمور دينهم» كما جاء في الحديث: «يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد على الناس أمر دينهم». حوَّل (طه حسين) مفهوم «الحداثة» ليصبح «البحث عن طرائق التحول من معرفة إلى معرفة، ومن مدنية إلى أخرى». ويذكر (محمد قطب) أن (طه حسين) لم يتخلَّ عن آرائه هذه حتى عام واحد قبل وفاته.
حين نقل الباحثون العرب مفهوم الحداثة الغربي إلى المنطقة العربية لم يفرغوه من مضامينه الأيديولوجية المتمثلة في فلسفة التنوير الفرنسية التي كانت ترى «أن الهدم هو طريق البناء، وأن هذا الهدم ينبغي أن يبدأ من رفض المقدس أياً كان مصدره، وتمجيد الحقيقة العلمية» ولهذا كانوا يروِّجون لمضامين مسّت المسلَّمات، وهزت الخصوصيات اليقينية، وتستَّر بعض منهم وراء الأدب والشعر والنثر لزعزعة اليقيني في الذاكرة العربية، وتحويل الذائقة العربية عن تراكماتها الحسية التي تأصلت منذ أكثر من خمسة عشر قرناً؛ فاعتبر بعضهم ـ كما يقول الحارثي ـ الكتابة القرآنية نصاً لغوياً خارجاً من كل بُعْد ديني، ويجب أن يُقرأ كما يُقرأ أي نص أدبي، وحاولوا إعادة الخطاب الشعري العربي؛ بحيث يتمرد على الماثل من القيم عن طريق الخروج على ضوابط البيان العربي وقوانين اللغة المعيارية في نحوها، وصرفها، وبلاغتها، ثم تُستغل في تعضيد دعاوى التغيير في نمط التفكير، وفي أصول المرجعية العربية.
أصبحت «الحداثة» وفقاً لهذه الغايات رفضاً صريحاً للقديم، وانقطاعاً عنه؛ فكل قيمة تراثية دينية وغير دينية، لغوية وإيقاعية ومعرفية، وأدبية لا بُدّ من رفضها، للوصول إلى التغيير في الفكر وفي الحياة، وهو تغيير لا يقتصر على هدم تقاليد الأدب العربي، واستنبات تقاليد جديدة، ولكنه دعوة إلى تغيير شمولي في مناشط الحياة جميعها وفقاً لمبدأ «الهدم طريق البناء».
أما «ما بعد الحداثة» التي وصفها منتقدوها كما يقول (السيد إبراهيم): بأنها هَوَس عارض، أو اختراع خلاَّب اخترعه أهل الفكر بحثاً عن خطاب جديد يُكسبهم امتيازاً ثقافياً؛ فهي كما عبر عنها (عاطف أحمد) نقلاً عن «وبستمر سيدمان»: اتجاه فكري يرفض الحداثة، كما يرفض النظريات والأنساق التفسيرية الكبرى (ويدخل الإسلام تحت هذه الأنساق بالطبع) التي تحاول تفسير كل الظواهر، وتتنبأ بالمستقبل الإنساني وتصنعه، وتعتبر أن ذلك هو الذي يحقق التحرر والتقدم. وتمارس (ما بعد الحداثة) تفكيرها ـ مثلها مثل الوضعية المنطقية ـ عبر نطاق اللغة؛ على اعتبار أن اللغة هي كل شيء، وهي لا تنظر إلى الظواهر على أنها قائمة في الواقع وإنما تبحث في الصياغات اللغوية ذاتها المتعلقة بالواقع الذي لا يتجاوز نطاقها. وتشرح (خالدة تسكام) هذه الجزئية بقولها: إنه ينظر إلى مفهوم اللغة التقليدي على أنه أسطورة تنطوي بداخلها على شيء غامض، هذا العنصر الغامض في اللغة هو العنصر الميتافيزيقي. وبصورة أوضح: إذا طبقنا ذلك على ثقافتنا العربية؛ فإن ما تريد «تسكام» أن تقوله صراحة هو: تحرير اللغة العربية من الأسطورة الميتافيزيقية، وبعدها يتم إزالة هذه الأسطورة تماماً؛ أي: الدين، ومن هنا نجد تفسيراً لكل محاولات الباحثين العرب في مهاجمة اللغة العربية ومحاولة الوثوب على قواعد الصرف والنحو والبيان العربي أملاً في تحريرها من الدين الذي يستبدلونه بمصطلح الأيديولوجية.(1/157)
وينفي اتجاه (ما بعد الحداثة) وجود معانٍ أو حقائق معينة، يعمل التفكير على اكتشافها، بل ترى أن ما نتعامل معه على أنه حقائق ومعانٍ إنما يتمثل في الطريقة التي نفكر فيها، والتي هي دائمة التغير والاختلاف. ويحتفي هذا الاتجاه احتفاءً خاصاً بالاختلاف وبالجزئي، وما هو يومي، وبالرغبة والجسد، والممارسات الحسية عموماً، وبالصور المباشرة والحضور المباشر للأشياء الذي ينطوي على غياب أية حقائق وراءها. ويرفض اتجاه ما بعد الحداثة القول بوجود أساس أولي وثابت لا يقبل النقض يرتكز عليه الفكر. وقد عبر عن ذلك «نيتشه» في مقولته المشهورة: «موت الحقيقة المطلقة» أو «أن الله قد مات» - تعالى -الله عما يقولون. شرح الباحثون هذه المقولة بقولهم: «إنها مجاز، أريدَ به أنه قد ضاع الأساس الذي يضمن لأي مقولة أن تكون مبنية على الحق، ولا يوجد أساس يمكن أن يقال به: هذا خطأ، وهذا صواب».
ويُعتبر (جاك دريدا) أبرز فلاسفة (ما بعد الحداثة) المعاصرين، وقد رحل عن هذه الدنيا منذ بضعة أيام، وهو من أكثر الفلاسفة المعاصرين تأثيراً على الباحثين العرب. ويُسمّى بفيلسوف التفكيك أو التقويض. وخلاصة فلسفته التي قام الباحثون العرب بتطبيقها على النصوص القرآنية هي: (لا حدود فاصلة بين النص والتفسير) مما يعني تقويض مرجعية صاحب النص من جذورها، بمعنى أن صاحب النص لا يستطيع أن يفرض على النصوص المعاني التي يريدها؛ فالعقل يجدد النصوص على نحو دائم، والنصوص ليست إنتاج أصحابها وحدهم؛ فهي تتقاطع مع نصوص أخرى لها هيمنة عليها على أنحاء لا يمكن أن نميط عنها اللثام، والتفكيك هنا هو استراتيجية من شأنها أن تثير أسئلة لا تهدأ حول النصوص، ومهمتها إنكار أن أي نص له وجود ثابت ومستقر. وقد وضعت «تسكام» في ترجمتها لما قاله «رافيندران» عن «دريدا» ولما شرحه (السيد إبراهيم) عن فلسفة «دريدا» النقط فوق الحروف بإعلان البُعد الإلحادي لهذه الفلسفة. تقول (تسكام): تعريف التفكيك بأنه رفض لأولوية الروح وسلطة الوسيط، وأنه تحدًّ لما هو أخلاقي؛ إنه الانغمار في الحياة الدنيوية، إنه يعني اختفاء الرب... الحقيقة فَبْركة وخداع كبير... التفكيك يمتد إلى كتبنا المقدسة، لا يعترف بشيء اسمه كتاب... شرع (دريدا) في إطاحة الأديان عن عروشها في ممالك مثلت فيها حصانات، وفرت الحماية للمفاهيم الميتافيزيقية.. ينبغي تحرير الذهن من الضغوط والضوابط التي فرضت باسم الرب أو الأديان... ». ولبيان تأثير (دريدا) على الباحثين العرب، ومن ثم هجومهم الشرس على الدين ننقل هنا فقرة واحدة لـ (محمد شقرون) يقول فيها: «إن ضرورة تفكيك الدين من أجل التحرير الضروري لمجال الفكر؛ وذلك لإنتاج تأويل علمي عن الاجتماعي لم تطرح بصراحة وبجرأة في الوطن العربي كضرورة واضحة لممارسة العلم بصفة عامة».
هذه هي أبرز المفاهيم التي يتغنى بها ثلة من المثقفين العرب في أيامنا هذه، وهذا بيان للأساس الإلحادي الصارخ فيها، وبيان كذلك لمدى وحجم تأثيرها على هؤلاء الصنف من المثقفين، ودَوْرهم في هدم المسَلّمات العقدية وما يرتبط بها عند المسلمين.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============(1/158)
(1/159)
بات روبرتسون يكرر تصريحاته المعادية للإسلام
طالب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية قيادات المجتمع الأمريكي السياسية والدينية بإدانة تصريحات مسيئة للإسلام أدلى بها مؤخرا بات روبرتسون وهم زعيم ديني أمريكي متشدد.
وأشار مجلس كير في بيان له أن روبرتسون ذكر مؤخرا خلال برنامجه التلفزيوني "نادي السبعمائة" أن "الإسلام ليس دين سلام"، وأن "هدف الإسلام سيداتي وسادتي سواء أحببتم أو لا هو السيطرة العالمية"، كما أشار روبرتسون إلى أن بعض المسلمين مدفوعين "بقوى شيطانية".
وسبق لروبرتسون الإساءة للإسلام والمسلمين على برنامجه حيث وصف الإسلام بأنه "دين مستعبدين" أو أخذي العبيد، كما وصف الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام بالجنون، كما عبر عن مخاوفه من تعيين مسلمين في مراكز حكومية هامة بما في ذلك القضاء.
وأشار مجلس كير إلى أن لروبرتسون سجل مليء بالتصريحات المعادية للإسلام، ففي عام 2002 أساء روبرتسون للإسلام وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم خلال مقابلة أجرتها معه قناة Fox الأمريكية حيث وصف روبرتسون الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سارق وقاتل، كما أساء للدين الإسلامي ووصفه بأنه لا يدعو للسلام وأن القرآن هو سرقة من العقائد اليهودية، كما يتعرض روبرتسون للإسلام والمسلمين بالإساءة بشكل متكرر خلال برنامجه التلفزيوني المعروف باسم "نادي السبعمائة".
وتعليقاً على تصريحات روبرتسون الأخيرة أكد نهاد عوض المدير العام لكير أن بات روبرتسون لا يمثل عموم الأمريكيين في نظرتهم أو تعاملهم مع المسلمين، كما ذكر عوض أن "فشل قيادات بلدنا المعتدلين في تحدي تصريحات روبرتسون المعادية للمسلمين سوف يرسل رسالة خاطئة للمسلمين عبر العالم مفادها أن غالبية الأمريكيين يوافقون على رؤاه المليئة بالكراهية"، وأضاف عوض قائلا "تأليب خطاب كراهية المسلمين المستمر ضدهم يسمم توجهات الرأي العام الأمريكي تجاه المسلم الأمريكي العادي".
وأشار عوض إلى استطلاع أصدرته صحيفة واشنطن بوست ووكالة ABC الإخبارية - في التاسع من مارس الحالي - وجد أن واحد من كل أربعة أمريكيين "يقر بامتلاك رؤى متحيزة ضد المسلمين"، كما توصل الاستطلاع نفسه إلى أن 46% من الأمريكيين لديهم رؤى سلبية ضد الإسلام، مما يعادل زيارة قدرها 7% مقارنة بموقف الأمريكيين من الإسلام والمسلمين في الشهور التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
كما أشار الاستطلاع نفسه إلى أن نسبة الأمريكيين الذي يعتقدون بأن الإسلام يحض على العنف تضاعفت منذ عام 2002، وأشار تقرير لصحيفة واشنطن بوست عن الاستطلاع إلى قول بعض الخبراء المعنيين بصورة الإسلام في أمريكا أن التوجهات السلبية ضد الإسلام "أوقدت جزئيا نتيجة لتصريحات سياسية وتقارير إعلامية تركز بشكل كلي تقريبا على تصرفات المسلمين المتطرفين".
وذكر عوض أن "الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين يترجم بشكل - لا محالة فيه - إلى أفعال تحيز وتمييز وعنف - أحيانا - ضد المسلمين"، مشيرا إلى تعرض أحد مساجد ولاية أوهايو لاعتداء مؤخرا، وإلى تعرض بعض الطلاب المسلمين بإحدى الجماعات الكندية لاعتداءات مدفوعة بالكراهية مؤخرا.
http://al-shaab.o r g المصدر:
==============(1/160)
(1/161)
أيها المسلمون تداركوا معقلكم الأخير
الأسرة وفقهها
اتفاقية " سيداو " وخطرها على الأسرة وفقهها في الإسلام
الكفار بقيادة أمريكا وأذنابها من الدول الأوربية يودون أن يسيطروا ويهيمنوا على العالم اجتماعياً، بعد أن سيطروا عليه اقتصادياً، وعسكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، متخذين منظمات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وهيئة الصحة العالمية الهزيلة الضعيفة، والمنظمات الكنسية الأخرى، مظلات لتحقيق أغراضهم ومآربهم، وبث أحقادهم ضد الإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، تحت شعارات ومصطلحات براقة، خادعة، كاذبة: حقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل كما يزعمون التي خدعوا بها السذج والمغفلين من المنتسبين إلى الإسلام، مستغلين في ذلك ومسخرين عملاءهم وجواسيسهم من الشيوعيين والمنافقين، قوام طابورهم الخامس في العالم، متخذين من المؤتمرات، والندوات، والمنظمات الكنسية، وسيلة لتحقيق هذه الأغراض الخبيثة التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب والدمار.
في مقدمة هذه الأمور معقل من معاقل الإسلام، وعروة من عراه، لم يتمكنوا من نقضها بالكلية كما نقضوا سابقاتها بعد، هذا المعقل هو الأسرة المسلمة: الأمهات، والأطفال، وفقهها الذي كان بمعزل من كيدهم ومؤامراتهم حيناً من الدهر، حيث كانت دائرة الأحوال الشخصية "فقه الأسرة"، هي الدائرة الوحيدة التي يحكم فيها شرع الله.
من أجل ذلك كثفوا عقد المؤتمرات والندوات: مؤتمر نيويورك، القاهرة، الذي توِّج بمؤتمر بكين بالصين، الذي نتج عنه اتفاقية "سيداو" المشؤومة، القائمة على أنقاض فقه الأسرة في الإسلام، حيث نقضت بنودها المتسترة في قضية القضاء على التمييز ضد المرأة، ورفع الظلم عنها، وإزالة كل أشكال التمييز بينها وبين الرجل، ضاربين عرض الحائط بالفروق الخلْقية، والنفسية، والشرعية، بين الرجل والمرأة، التي أقرها ربنا على لسان المرأة الصالحة والدة مريم: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى"، ورادين لقول الله - عز وجل -: "وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ".
ثم سعوا لحمل كل الدول الإسلامية لقبول بنود هذه الاتفاقية، والعمل على تنفيذها فوراً.
الحامل للكفار للإقدام على هذا العمل الإجرامي الكبير أسباب، منها:
1. الحسد، فطالما أن الأسرة تفككت في أمريكا وأوربا فلماذا تبقى الأسرة المسلمة بمنأى عن ذلك؟
2. الحقد الدفين ضد الإسلام والمسلمين، الذي تبديه ألسنتهم أحياناً، وما تخفي صدورهم أكبر وأكبر.
3. انفراد أمريكا بالسيطرة والهيمنة على كل العالم، بعد أن قضت على النمر الورقي روسيا، حيث أضحت هي وصنائعها من الشيوعيين يدورون في فلكها، وتحولوا بقدرة قادر إلى موالاة الإمبريالية من غير حياء ولا خجل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
حيث لم يبق أمامهم سوى الإسلام السني فقط، أما الزبد فيذهب جفاء، فلابد من دحره حتى يسهل لهم قياد العالم، وأنى لهم ذلك؟ خاب فألهم وكذبت نبوءتهم.
زعم الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعاً فاهنأ بطول سلامة يا مِرْبَع
4. استكانة حكام المسلمين، وخضوعهم للهيمنة الأمريكية، وتنفيذهم مخططاتها، جرَّأ الكفار على الاستمرار في حربهم الصليبية على الإسلام والمسلمين في كل المسارات.
ومن العجيب أن نجد بعض الدول الإسلامية سبقت هذه الاتفاقية، حيث قلدتهم في ذلك وتشبهت بهم، وفي مقدمتها تونس.
وإن الجزائر الآن تسعى للبدء في تنفيذ هذه البنود، حيث قدم رئيسها مشروعاً لتعديل شرط الولاية في الزواج، ليكون من حق المرأة أن تلي أمر نفسها ومن يليها، رداً لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
وهكذا نرى النتائج الخبيثة لهذه الاتفاقية شيئاً فشيئاً.
الذي يغيظ الكفار في فقه الأسرة الإسلامي، ويريدون تغييره وتبديله ليساير ما هم عليه ما يأتي:
1. إقرار المرأة في بيتها.
2. قوامة الرجال على النساء في الإمامة الصغرى (الصلاة)، والكبرى (الحكم)، وفي النكاح.
3. رعاية الوالدين لأولادهما ومسؤوليتهما الكاملة عنهم.
4. تشجيع الإسلام على الزواج المبكر، والحض على الإنجاب.
5. تمييز الذكر على الأنثى في التعصيب فقط في الميراث.
6. عدم مشاركة المحافظات من النساء في الانتخابات ونحوها.
7. حرمان غير المسلم والعدل من حضانة الأبناء.
8. إباحة تعدد الزواجات.
9. إلزام الرجال بالنفقة على من يعولون.
10. قصر الإسلام قضاء الوطر على الزوجة وما ملكت اليمين.
11. ختان الأنثى السني لأنه يعدل من شهوة المرأة.
ولهذا نجد أن بنود هذه الاتفاقية جاءت لتقضي على ذلك كله.
فقد جاء في الجزء الأول، المادة [2- أ] من الاتفاقية: (تجسيد مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية)، والله يقول: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى".
وكذلك في المادة [2- ز]: (إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات)، ويعنون بذلك إبطال عقوبة جريمة الزنا، والإجهاض، ونحوهما.(1/162)
وجاء في الجزء الثاني، المادة [7- أ، ب، ج] إعطاء المرأة جميع الحقوق السياسية، بحيث يمكن أن تلي الإمامة الكبرى.
وجاء في الجزء الثالث، المادة [10-ج] تشجيع الاختلاط، الذي يعتبر من العوامل الأساسية لإشاعة الفاحشة بين المؤمنين.
وفي الجزء الرابع، المادة [15-2]، حيث نص على أن تكون المرأة والية على نفسها ومن يليها.
هذه مجرد أمثلة، فالاتفاقية عموماً تقوم على أنقاض الإسلام، ورد ما هو معلوم من الدين ضرورة، ومعلوم أن حكم من رد ما هو معلوم من الدين ضرورة الكفر والخروج من دائرة الإسلام، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
وعليه نرجو من جميع حكام المسلمين رفض هذه الاتفاقية، والحذر من الأخذ بها، وعلى العلماء وطلاب العلم أن يبينوا للعامة مخالفة ذلك لما جاء به الشارع الحكيم، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
ونرجو من إخواننا المخدوعين بها أن يعيدوا النظر في موقفهم هذا، وعليهم أن لا ينخدعوا بدعايات أعداء الإسلام، وعملائهم، وصنائعهم.
وليعلم الجميع أن الدين تم وكمل، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فوالله لن يضرن إلا نفسه، وأن ما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، كما قال مالك - رحمه الله -، وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقد صلح أولها بالاعتصام بالكتاب، والسنة، وما أجمعت عليه الأمة.
وليتذكروا كذلك أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله - تعالى -، وأن هذا العلم دين، فلينظر كل منا ممن يأخذ ويتلقى دينه.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الكفر، والفواحش، والآثام، وصلى الله وسلم على نبي الملحمة، الناهي عن التشبه بالكفار، المفضي إلى غضب الجبار، وعلى آله وأصحابه الأطهار، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا ينال سلامنا الكفار، والمنافقين، والفجار.
http://www.islamadvice.com المصدر:
=============(1/163)
(1/164)
إلى متى يستمر شعور عداوة الغرب للرسالة المحمدية ؟
د.صلاح عبد المتعال
درج التعبير التقليدي في التراث الغربي في وصف المسلمين بأنهم (المحمديون)، مع سبق إصرار الكتابات المستشرقة التى غلب عليها الضلال والتشويه، بأن الإسلام اختراع ساقه فرد من الجزيرة العربية ادعى النبوة واشترط في إعلان الإيمان به هو ذكر اسمه في نطق الشهادة بدخول الإسلام، فهو دين بشري ليس بسماوي مثل اليهودية والمسيحية التي انتشرت في الربوع الأوروبي. ولم بقف لها ضد انتشارها في العالم بشكل كاسح إلا ظهور الإسلام. وقد امتد متصل الصراع منذ بدأ انهيار الإمبراطورية الرومانية القديمة وانحسار ديانتها المسيحية في المشرق العربي وتهديدها أبواب أوروبا الشرقية. وفي خلال زمن قصير عبر الإسلام إلى أبواب الجنوب الأوربي الغربي بفتح طارق بن زياد الأندلس وإيداع حضارة إسلامية أوربية كانت التراث المخزون لنهضة الحضارة الأوربية الحديثة بل زاد على ذلك نقل ترجمات الدين الإسلامي من المنفذ الصقلي والآخر المالطي.
لقد كان مبرر الفتح الإسلامي لهذه البقاع الأوربية هو نشر كلمة التوحيد والحكم والامتثال للشريعة الإسلامية كدين للهداية وحسن المعاملات على أساس من تقوى القلوب، غير أن الرفاه الذي ترفل فيه الأغنياء والحكام على مر أزمان ستة قرون تناسى فيه الكثير من الناس مبررات وجودهم واستيطان أجيالهم المتعاقبة بأنهم حملة رسالة، فدب فيهم الوهن وتفرقت بهم السبل ومزقتهم ملوك الطوائف مما أثار الطمع في قلوب أعدائهم فكانت النهاية لسطوة المسلمين المتفرقين وانقلب أحوالهم من العزة إلى الذل ومن الانتصار إلى الانكسار ثم جاءت الحروب الصليبية التي عبرت عنها الدكتورة نادية مصطفى في إحدى الحوارات التي سجلها لنا موقع الإسلام اليوم في يونيو 2004 بأنها المحطة الثالثة من محطات كراهية للغرب نحو الإسلام والتي استغرقت نحو مائتي عام بين الهزائم والانتصارات بين الصليبيين والمسلمين التي انتهت بدحر الصليبيين نهائيا وتحرير بيت المقدس على يد المسلمين بقيادة صلاح الدين.
إن الله حافظ كتابه استبدل قوما أضاعوا كلمته في الأندلس بقوم رفعوا كلمته بفتح القسطنطينية (استانبول) وأرسوا قواعد دولة إسلامية كبرى بخلافة عثمانية استمرت نحو خمسمائة عام مرت بالصعود نحو ازدهار الأمم، عندما حافظت على دينها وشريعتها ورابطت على الثغور ضد أعدائها حتى بلغ بها الامتداد والتوسع أن طرقت أبواب النمسا في وسط أوروبا، ثم إلى المنحنى الحضاري الهابط، عندما فرط حكامها وسلاطينها في حقوق أبنائها وأساءوا استخدام سلطتهم السياسية، خاصة على أطراف نفوذها في أقاليمها الممتدة، مما أتاح لأعدائها في الخارج الغربي والداخل العلماني من انعقاد إرادتهم لإسقاط الخلافة العثمانية التي لقّبت في آخر عهدها بالرجل المريض. وقد توالت المراحل بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى توحّش الاستعمار الغربي وتقسيمه للعالم العربي والإسلامي استنادا إلى الوهن والتخلف الذي أصاب الأمة الإسلامية وتشرذم إرادة حكامها و تقدم الغرب العلمي والتقني في شتى المجالات خاصة مجال تفوقه في الأسلحة المتقدمة الفتاكه ؛ مستزرعا إسرائيل كرأس حربة للمسيحية الصهيونية والمصالح الغربية المتشعبة تاركا زمام قيادته للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية وأضرابها من دول أوروبا المتصهينة وعلى رأسها بريطانيا .
samotal50@hotmail.com *
http://al-shaab.o r g المصدر:
===============(1/165)
(1/166)
الطائفية .. هل آن أوان توظيفها لتحرق المنطقة ؟ ( 1-2 )
علي حتر
الطائفية هي تحديد قيمة الإنسان والتعامل معه بمقياس الطائفة والعرق والقبيلة والجماعة والملة التي يأتي منها.. ولا أقول ينتمي إليها.. لأن كثيرين من المنحدرين من طائفة أو ملة معينة بحكم الولادة، لا ينتمون بالضرورة إلى مبادئ ومفاهيم تلك الملة.. ورغم ذلك، فإنهم في المقاييس الطائفية يحسبون منها..
ومن الطبيعي أن توجد مشاعر طائفية عند الكثيرين من أبناء الطوائف بأنواعهم.. ولكن من الطبيعي أيضا أن تقوم علاقات التعايش والتعاون في المجتمعات المتعددة الطوائف لضمان التعايش السلمي بين أبناء وطوائف هذه المجتمعات..
ويلاحظ عادة، أن المواقف الطائفية غير معترف بها في عقول من يمارس الطائفية.. فالطائفي، وخصوصا الذي يبني مواقفه وطائفيته على منطلقات عقيدية ودينية، يعتقد أنه يمارس العقيد بدفاعه عن المنتمين لها، ويعتقد أن التعامل على هذا الأساس موقف صحيح وليس موقفا طائفيا..
المراقبون من خارج الأطر التي تنتج عن التكتلات الطائفية، هم الذين يلاحظون المواقف الطائفية ويدرسون تأثيراتها ويدركون وجودها.
وفي الحقيقة أن مجرد وجود الإحساس بالانتماء الطائفي، لا يشكل خطرا في ظل وجود مفاهيم الانتماء للمجتمع بكامله، ومفاهيم التعايش لبناء الوطن والمجتمع، وقبول التعامل مع كل فرد من أفراده بمقياس دوره في الأداء والإنتاج، لا بمقياس ملته وطائفته..
لكن الخطر في مجتمعاتنا المستضعفة يأتي من مجموعة من النقاط:
- أن تكون في المجتمعات مستوى وعي وكم معرفي منخفضان بالإضافة إلى وضع اقتصادي سيء.
- أن تكون هناك قيادات وحكومات بلا برامج، مصالحها تتعارض مع مصالح مجتمعاتها، ومرتبطة ببرامج ومشاريع خارجية.
- أن يكون هناك قوى خارجية طامعة في السيطرة على مجتمع معين متعدد الطوائف، وهذه سمة أغلب المجتمعات في هذه الأيام، وأن تعتقد هذه القوى الخارجية أن إطلاق الصراعات الطائفية هو من أهم وسائل إضعاف المجتمع المستهدف، لتفتيته وإضعافه.
- أن تنتشر في المجتمع فكرة ضرورة معاقبة الآخر أو التصادم معه لمجرد انتمائه لطائفة أخرى..
تلعب القوى الخارجية في حالتنا العربية والإسلامية دورا كبيرا في تسخير الطائفية لخدمة مصالحها التي لا تتحقق إلا إذا سيطرت على الشعوب بإضعافها، بعد أن سيطرت على الحكومات سيطرة شبه كاملة، وتلجأ هذه القوى الإمبريالية الأمريكوصهيونية إلى وسائل متعددة منها:
- الإعلام المدروس الموجه
- تحريك الثقافات والنزعات الطائفية النائمة أو غير الفعالة لجعلها تتصدر الحياة
- التقسيم واللجوء إلى الكوتات الدينية والإثنية والسياسية لإحياء الفكرة وجعلها قائمة في كل حركة من حركات أبناء المجتمع، وفي العراق مثلا، هناك الأكراد والعرب عند الحديث عن القوميات، وهناك السنة والشيعة والمسيحيون وطوائف دينية أخرى عند الحديث في الدين.
- القيام بعمليات عسكرية واستخباراتية تسيء للعلاقة بين الطوائف (كما يحدث في العراق، وخصوصا العملاء البريطانيين في البصرة، ووجود القوات الأمريكية في مقام الهادي قبل تفجيره وغير ذلك من الممارسات)
- التركيز الإعلامي على بعض العمليات من النوع الذي يقبل أكثر من تفسير، وتعزيز التفسير الطائفي له..
- استعمال العملاء المأجورين من طوائف مختلفة لإثارة الفتن..
- ادعاء العمل وفق مشروع حضاري لرفع سوية المجتمع (كالدمقرطة والتحرير في العراق) لخلق الثقة في هذه القوى مقابل زعزعة الثقة في قوى الشعب المعارضة لمشاريع المعتدين ولصوص نهب البلدان الضعيفة..
إن الخطر الحقيقي يأتي من ممارسة الطائفية وتحويلها إلى فتنة، كنتيجة للانخداع بأساليب القوى الخارجية، والفتنة أشد من القتل..
وإذا كنا لا نعلن ولا نعترف بوجود ميل طبيعي إلى التشيع في طوائف، فإننا يجب أن نضع أسسا مقبولة لتجنب أن يتحول هذا التشيع إلى فتنة طائفية في أي من مجتمعاتنا.
ومن أهم هذه الأسس:
- إلغاء الكوتات المبنية على مقاييس الملة والطائفة والعرق، في وعينا قبل إلغائها في التعامل. وهذه الكوتات الآن تشكل سلاحا فاعلا في أيدي قوات البطش والاحتلال والنهب في العراق.
- التمسك بالمفاهيم الوحدوية وعدم الانجرار وراء الأخبار الإعلامية المصاغة بدقة وتقنية عالية لتغذية نار الفرقة والتشرذم.
- أن يكون مقياس عدائنا هو مدى ضلوع الطرف المقابل لنا في مساندة الاحتلال ومشاركة الشركات الأجنبية في نهب البلد وخيراته، وتحالفاته مع القوى الطامعة وممارساته في المجتمع..
- في ظل وجود الاحتلال وممارساته، علينا باستمرار أن ننطلق من مفهوم أكدته كل تجاربنا، وهو مفهوم أن أية ضربة أو عملية موجهة للمجتمع، سببها ومخططها هو الاحتلال وأجهزته الأمنية.. وعملاء العدو الصهيوني كانوا يضربون كنائسه في أوروبا، لحث اليهود على الهجرة إلى فلسطين، فهل يكون بريئا من ضرب المساجد والكنائس والمقامات في العراق لتفتيته والسيطرة عليه؟؟
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/167)
(1/168)
مبادرة كارتر أسلوب جديد للتنصير
د. حسن علي أحمد
يبدو أن مشاغل جيمي كارتر هذه الأيام أكثر بمرات عديدة منها أيام فترته الرئاسية لأمريكا.
هذه حقيقة مع فارق بسيط.
فمع كثرة المشاغل والمتاعب إلا أنه وزوجته روزالين يجدان متعة عظيمة فيما يقومان به، لأنهما - كما يقول - يؤديان ما يؤمنان به وقد نذر بقية عمره لأجله، فالتنصير أو ما يسمى تدليساً التبشير هو الهدف الرئيس الذي أنشأ من أجله مركز كارتر في أتلانتا بولاية جورجيا.
هذا المركز والذي لاقت أعماله نجاحاً ودعماً كبيراً من جمعيات التنصير العالمية، تكون ابتداءً من قسم واحد يعمل من أجل السلام في العالم!، يتفرع اليوم إلى أقسام عديدة؛ أهمها مركز كارتر للديموقراطية (CCD)، وشبكة كارتر الدولية للتفاوض (CINN).
لقد استفاد المنصرون من تجاربهم والتي عانت من الفشل مرات كثيرة خاصة في بلاد المسلمين فتغيرت بعض أساليبهم وبشكل ملحوظ خلال العقد الماضي.
فلم يعد التنصير اليوم حكراً على القسس والرهبان بل أصبح المنصر مهندساً أو طبيباً أو قائداً لثوار ورئيساً سابقاً لدولة عظمى داعية للديموقراطية والسلام! ؟ ويدعي كارتر أن شبكة التفاوض الدولية التابعة لمركزه تتابع أكثر من 104 نزاعات في العالم، صنفت اثنتان وثلاثون منها على أنها حروب كبيرة بعد أن سقط فيها أكثر من 1000 قتيل.
تقع ثمانية من هذه الحروب الكبيرة في أفريقيا؛ القارة الأقرب إلى قلب كارتر والتي سعى ويسعى فيها لدعم المسيحيين في القرن الإفريقي، والذين يشكلون أقليات في كل دول المنطقة حتى في أثيوبيا خلافاً لما يعتقده كثيرون.
ويعرف من يتابع مجريات الأحداث في شرق أفريقيا والاجتماعات التي عقدت خلال الأعوام الماضية في أتلانتا ونيروبي وأديس أبابا، أن تبني كارتر لجورج قرنق في جنوب السودان وجبهة أسياس أفورقي النصراني في أرتيريا إنما كان لينفصل الأول عن السودان وتندمج الثانية بشكل نهائي في أثيوبيا كخطوة نحو إيجاد دولة أو كيان يضم كل المسيحيين في القرن الأفريقي، تحقيقاً لحلم يراود النصارى منذ زمن بعيد، حيث لم يفتأوا يصرون على أن المنطقة كانت ويجب أن تظل مسيحية.
وضمن جهود كارتر المتواصلة للتغلغل في المنطقة، زار خلال شهر تشرين الثاني الماضي زامبيا للإشراف على سير الانتخابات الرئاسية الأخيرة فيها وذلك في إطار برنامج مركزه للديموقراطية المذكور سالفاً.
هناك أطلق كارتر - وفي بعض الدول الأخرى التي زارها - مجموعة من النداءات أراد لها أن تكون مبادرة تستهدف إنهاء النزاعات في القارة وتساهم في حل مشاكلها الصحية والاقتصادية.
ونستعرض فيما يلي طرفاً مما قام به في رحلته هذه إضافة إلى مراقبة الانتخابات في زامبيا: * قضى عطلة نهاية الأسبوع السابقة للانتخابات في محادثات مع طرفي النزاع في ليبيريا؛ الرئيس الانتقالي آموس سوير، وقائد المتمردين تشارلس تايلر؛ في لاغوس، العاصمة النيجيرية، حيث التقى بالرئيس إبراهيم بابنجيدا من أجل الجلسة القادمة في سلسلة لقاءات سوير وتايلور والتي تعقد في باموس سكرو تحت إشراف الحكومة النيجيرية من أجل حل سلمي للنزاع الدامي الذي شغل ليبيريا لأكثر من 22 شهراً.
وبدا كارتر متعاطفاً مع زعيم المتمردين في تصريحاته التي ذكر فيها أن تايلر أصبح أكثر استعداداً للسلام والديموقراطية [1].
كما تعهد كارتر بمساعدات سيقدمها مركزه لإقامة انتخابات خلال العام المقبل في حالة حصول اتفاق بين الطرفين وإنهاء تقسيم ليبيريا.
وجدير بالذكر أن الجبهة الوطنية الليبيرية قد أثارت فتنة عظيمة في البلاد بقيادة تشارلس تايلر النصراني المتعصب، راح ضحيتها آلاف المسلمين وتعرضت فيها ممتلكاتهم وأراضيهم للنهب والتخريب.
* بالإضافة إلى الإشراف على الانتخابات، يقدم المركز خدمات أخرى.
فقد أعلن ممثل المركز أنه قد تم تنظيم مجموعات محلية هدفها حماية الأطفال وتعليمهم، وأعلن أن الجهود الأولى ستصرف في حملة تطعيم - ضد أمراض الحصبة والدفتيريا والتيفود والسعال الديكي.
* حرص كارتر على تنظيم لقاءات مع القيادات السياسية والفكرية لتلك الدول، كان أهمها اللقاء الأكاديمي الذي تم في المعهد النيجيري للشؤون الدولية وذلك ضمن حلقة علمية عن (دور ومشاركة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في نشوء النزاعات الأفريقية).
وقد حرص كارتر في ذلك اللقاء على دعوة مجموعة من الأساتذة الأفارقة لزيارة مركزه في أتلانتا لإلقاء المحاضرات فيه عن العلاقات الدولية كما كان حريصاً على طرح بعض النقاط التي تمس الواقع المتخلف لأفريقيا جنوب الصحراء والتي يمكن تلخيصها بالتالي: 1- إن أفريقيا لم تحصل على نصيب مكافئ من الثروة العالمية وأنها لا تزال تعاني من آثار النظم الاستعمارية التي اغتصبت شعوبها وثرواتها.
وهذا بالتالي - كما يقول - أدى إلى وقوع أفريقيا في الديون التي ترزح تحتها اليوم.
2- إن أمريكا لا بد أن تفعل كما فعلت أوروبا واليابان في إعفاء أفريقيا من بعض الديون وتخفيض معدلات الربا عليها.(1/169)
كما أن عليها أن تشتري المنتجات الأفريقية - طبيعية وصناعية - بأسعار جيدة يكون من شأنها رفع مقدرة أفريقيا على دفع ديونها.
3- إن سقوط الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة يتيحان لنا فرصة عظيمة للاهتمام بالعالم النامي وقال: إن النظام العالمي الجديد ليس حقيقة قائمة.
وقد يكون فرصة جيدة لكنها لم توجد بعد؟ ! وقال: إنه يتمنى أن يتجاوز النظام العالمي الجديد كونه مجرد تغيير في التركيز من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط وأن يستطيع الوصول إلى أفريقيا المحرومة من حقها الطبيعي تحت الشمس السياسية! وأضاف أن الرؤساء والمسئولين الأفارقة يقع عليهم عبء الإنتاج بمستوى الاقتصاد للقارة وعدم الاعتماد على المساعدات العالمية.
ولا نشك في أن كارتر قد استطاع لمس وجدان سامعيه بمثل هذه الطروحات.
لكننا لا نشك أيضاً أن هدفه من وراء ذلك إنما هو محاولة إقناع الأفارقة بأنه مهتم وساع في حل مشاكل القارة على اختلافها ليحتل مكاناً في قلوبهم يمكنه من تنفيذ برامجه في التغلغل في القارة دونما شكوك أو معارضة.
ولا يخفى على كل من عرف كارتر ومراكزه أن التنصير هو غايته الأولى، وليراجع من شاء تصريحاته وكتبه ومنشورات مركزه.
وحق لنا أن نتساءل، وقد تباكى كارتر على حرمان أفريقيا من حقها ووقوعها ضحية الاستغلال الغربي: لماذا لم يقدم لها كارتر شيئاً يذكر عندما كان رئيساً لأمريكا وكان بإمكانه أن يفعل الكثير؟ ففي فترة حكمه لم يزد مجموع المساعدات للقارة - جنوب الصحراء - على 250 مليوناً من الدولارات كانت تضيع في أحسن أحوالها - وكارتر يعلم ذلك - بين قلة من الذين يسيطرون على مقاليد الأمور هناك.
لا أحسب أن تاريخ العالم يحفظ أسوأ من صورة مدنية الغرب في معاملة الآخرين وإنكار مصالحهم وتجاهل حقوقهم.
وهذه السخائم الوبيلة ليست في طبيعة الغرب سجية محدثة، بل كانت المدنية الغربية ولا تزال تفرض إثمها على أنه شرف ورفعة وتنشر نزواتها وأهواءها على أنها قوانين عادلة.
وفي بداية الحملات الاستعمارية الحديثة على القارة الأفريقية، شكلت بعثات التنصير الكنسية طلائع هذا الغزو، وكانت أداة فعالة في ترسيخ الاستغلال الذي تحدث عنه - مستنكراً - كارتر!.
لكن اليوم وقد اختلفت العوامل التي تربط الغرب بمصالحه في أفريقيا فقد تغيرت وسائله وانقلبت أولوياته، وأصبح الاستعمار الجديد والاستغلال الاقتصادي أدوات طيعة موجهة لخدمة أهداف الكنيسة.
هذا ما كتبه النصارى أنفسهم وناقشوه في مؤتمر من أهم مؤتمراتهم في هذا القرن اجتمعت له أعداد كبيرة من الهيئات والمنظمات المسيحية التي تستهدف المسلمين في ولاية كولورادو في 15/10/1978م أم واشتهر بعدها بمؤتمر المنصرين.
ثم جمعت مادة هذا المؤتمر في كتاب حرره القس دونالد ماكوري تحت عنوان (الإنجيل والإسلام)..
ليس أقصد من وراء هذا السرد إثارة الحسرة والأسى ولا التباكي على واقعنا الذي اعتراه ضعف وعجز في نواح كثيرة لكنها ذكرى لعل الدعاة إلى الله يستفيدون من مثل هذه التجارب والأساليب.
فمثل هذه الأساليب قدمت خدمات تنصيرية فاقت إلى حد بعيد كل جهود القسس والرهبان والدعوة التقليدية.
إن المسلمين اليوم وإن كانوا في أعقاب فترة كلية، ولا زالوا ينفضون غبار الذل الذي أصابهم بعد أن طُويَ لواءهم، إلا أنهم يتهيأون - كما يرى كل ذي عينين - لانتفاضة مرموقة بإذن الله، وهم يستعدون لحمل رسالة الحق من جديد.
ولا بد لهم في ذلك من وسائل ناجعة وصالحة، فإن دعائم الدعوة الموفقة الناجحة تلتقي كلها في الأخذ بكتاب الله - سبحانه - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
نعم إن مستقبلنا في هذه الدنيا ثم مصيرنا يوم المعاد، كلاهما لا يضمنه إلا هذا المنهج الوثيق.
-------------------------------------
(1) مجلة (ويست أفريكا) الصادرة في لندن بتاريخ 14 ديسمبر 1991 م وقد اعتمدت على ما كتبه مراسلهم من نيجيريا فيما نقلته من أقوال كارتر.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============(1/170)
(1/171)
أيها المسلم
إنك تعاني ما لا يعانيه غيرك من البشر، جهودك تضيَّع، وخططك تدمر، وأحلامك تُغتال.
وتتواتر عليك المصائب دون انقطاع.
إن من يقرأ ما كتب عنك ولا يعرفك يخرج بنتيجة حتمية - هذا إذا أنصف - وهي أنك أصبحت منبوذ هذا العصر، يتحاماك الناس في كل مكان، وينفرون منك لا لشيء، إلا لأن عقولهم امتلأت بالصور القبيحة التي يرسمها الإعلام لك، والإعلام في هذا العصر هو السلاح الذي لا يوضع، والحرب المشنونة التي لا تهدأ، إنك تواجه ضربين من الحروب: أ- ضرب يجيء ويذهب بين الفينة والفينة، حينما تبلغ الكراهية الذروة، ويصل الضجيج إلى منتهاه، ولا يسكت إلا حينما يشفي غليله السنان والحسام والمدفع والدبابة والصاروخ.
ب- وضرب هو هذا (العرس الإعلامي) القائم الدائم بفحيحه وضجيجه، والذي لا يهدأ عن الهجوم على الإسلام: أفكاراً وأشخاصاً.
والضرب الثاني هو الأقسى والأنكى لأنه الأبقى، ومع أن الأول آلامه أعم، وبلاياه يحس بها الجميع، إلا أن الثاني لا يشعر به إلا العلماء وقادة الفكر وذوو الحس الحي في الأمة، الذين يتألمون لمصائب غيرهم ويشفقون من الآتي قبل حلوله.
إنك - أيها المسلم - غدوت ضحية هذه الحضارة المادية العاتية، تريد أن تطحنك برحاها، فتجدك عسر الهضم صعب المكسر، وهذا من أكبر العزاء لك، فلتكن ثقتك بالله قوية، ولا تحتقر نفسك وتشكو الضعف، وتجنب طريقة بني إسرائيل حيث شكوا لموسى - عليه السلام - الضعف والضراعة والاستكانة: (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا ومِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ويَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف 129].
أفلس أعداؤك جميعاً، مادياً ومعنوياً، أفلسوا من الخلق والدين والدنيا، باعوا دينهم بعرض قليل منزوع البركة، ينطبق أكثره على نشر الفساد واستئصال المعروف وإرساء المنكر وإشاعة التقاليد الفرعونية، كل ذلك خوفاً منك، وعلاجاً لحضورك الذي يخيف سَدَنَة الفرعنة، ويهدد تقاليدها العفنة ورسومها المنخورة.
فاعرف نفسك - أيها المسلم - واعلم أنك - إن صدقت النية واستجمعت العزم - كنت اليد التي تُنَفَّذُ بها إرادة الله في الأرض من سحق الباطل وإنعاش الحق.
إن أعداءك يسلكون في سبيل إضعافك وإلغائك سياسة النَفَس الطويل والبناء الهادئ والمشاعر الباردة التي لا تستثار بسهولة، اطوِ قلبك على كراهية الكفر ورموزه، واثنِ جوانحك على مقت الخيانة والمكر التي تجرّب عليك كل حين، ولكن إياك أن تُستَدْرَجَ إلى عمل ينتظره شانئوك للإيقاع بك.
أجِّل خلافاتك مع من يشاركونك كلمة التوحيد، ويهدفون مثلك إلى إحياء عقيدة أهل السنة والجماعة، واستخلاصها من براثن الماسخين والمستغلين، فأعداء هذه العقيدة أمرهم عَجَبٌ في كثرتهم وتنوعهم واجتماعهم على هذا الهدف، رغم اختلافاتهم العميقة.
وجِّه كل جهدك إلى من يريدون حصرك في مفهوم للدين من صنعهم، فهؤلاء هم العدو فاحذرهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
هؤلاء هم وكلاء الاستعمار بين ظهراني المسلمين، وهم موضع ثقته، وعيبةُ أسراره، ورواد دهاليزه.
إياك أن تنخدع بدعوى أن بلادنا مستقلة، حرة في قراراتها وإراداتها، تلفَّت يمنة تجد ألف دليل ودليل في كل صقع على أننا مكبلون، يُقرأ لنا، ويرسَمُ لنا، ويزرَع لنا، ويصنَع لنا، ويحفرَ لنا.
إن صعوبة المرحلة الاستعمارية المكشوفة - مع شراستها ومرارتها - لا تقارن بما يحدث في هذه المرحلة التي أعقبت تلك، التي يدبر أمرك فيها عدو من جلدتك بقلب مجلوب وعقل مستعار.
لقد بان الصبح لذي عينين، فأنت الذي يحمل الشرعية، وأمامنا مثالان حاضران من أمثلة كثيرة، أحدهما في شرق الأرض، والآخر في غربها.
أما الأول ففي أفغانستان، حيث أنت الذي قام في وجه الإلحاد الغازي، وصليت بنار الشيوعية قبل أن تولِّيك الأدبار تحت شدة ضرباتك الموفَّقة واستوصت على وليدها الخديج [1] كل من خَبُث من الأوصياء، قبل أن تندثر في مقبرة التاريخ.
وأما الآخر ففي الجزائر، لما قام الشعب هناك، فصحَّحَ خطأ عمره ثلاثون سنة سلماً لا حرباً، وأفصح عن إرادته تحت رقابة هؤلاء الذين يغتصبون هذه الإرادة بكل صلافة وصفاقة وبعد عن المعقول حيث: أجمعوا أمرهم عِشاءً فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاءُ وقالوا: هذا لا يكون، وما هكذا رجونا أن تكون النتيجة، (والشعب لم يصوِّت على شيء)! ! الديموقراطية في خطر.
الوحى الوحى، أدركوها قبل أن يعصف بها الإسلاميون! ! يا لله وهذا الافتراء! كيف يدان شخص قبل اقترافه الجريمة؟ ويدان ممن؟ ممن يداه ملطختان بدماء الأبرياء، وجيوبه منتفخة من حقوق المستضعفين! أيها المسلم: لا تستغرب ما ترى، فأنت تعيش في عصر الغرائب والأعاجيب، وحسبك هذا ليدفعك إلى الصبر والعمل ليل نهار دون كلل ولا ملل، لا تسمح للإحباط أن يتسرب إلى نفسك، فحق لك أن يتعب منك المرجفون ولا تتعب، وييأس من ثنيك عن عزيمتك وأهدافك دهاقنة الباطل ولا تيأس.(1/172)
لا تبالِ بالأوصاف الكاذبة التي تلصق بك، ولا بالأقلام المأجورة التي تنهشك، ولا تصرفْك الدعايات المسمومة التي تلفَّق ضدك عما توجهت له.
يعيبون عليك الاشتغال بالسياسة؟ وهل شرط المشتغل بالسياسة أن يتخلى عن دينه، ويدوس الأخلاق، ويترك هذا المجال لمحترفي الدجل يرسون دعائم الفساد ويحوطونها بالشريعات الباطلة، ويحرسونها بالدساتير والقوانين المفصلة على قدِّ نواياهم الخبيثة، وسلوكهم المنافق؟ لم هذا التردد والخوف البادي على تعبيراتك وأعمالك كلما سمعت من يتهمك بحب السلطة والحكم مع أنك لم تمارسهما يوماً، وكأنه عار وشنار تحب أن تتوارى منه، مع أن غيرك - وهو السفيه الأرعن، والجاهل الرعديد - تراه واثقاً من نفسه، لا يفكر أن توجه له مثل هذه التهمة مع أنه متلبس بهما تلبساً كأن أمه ولدته على رقاب الناس؟ إن الباطل لا يستبحر في دنيا الناس ولا يعرِّش إلا حينما يراهم يحبون الدعة والراحة والرفاه الكاذب الذي يُمنِّيهم به، ويستحون مما لا يستحى منه، فيخجلون من الرجولة، ويتفاخرون بالفرار من تسمية الأمور بأسمائها التي وضعها لها البشر الأسوياء.
أيها المسلم: إن الباطل ذا الرؤوس المخيفة الذي يخوفونك مغبة غضبته ليس كما يدعون، نعم، له أساليب جهنمية، وأرواح كثيرة، سبعة أرواح! ولكنها أرواح قصيرة كأرواح القطط والكلاب، فلا ترعك غضبته، ولا تصرفك عن طِيَّتِك أساليبه وتجاربه، لا تتردد عن الإصرار على دمغه بحقك فيزهق ويضمحلّ، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم 4-5].
----------------------------------------
(1) الخديج:المولود الذي يولد ناقصاً.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(1/173)
(1/174)
وزير الشؤون الدينية التونسي :
الحجاب دخيل ونشاز ولا نرضى بالطائفية !
أثيرت في مداولات مجلس المستشارين الخاصة بالشؤون الدينية في تونس عدة نقاط تتلخص في ضرورة تطوير البرامج الدينية كي تتوجه الى الشباب بأسلوب يستميلهم والعناية بالناحية الجمالية للمساجد والمنحة الزهيدة جدا التي يتقاضاها الأئمة الخطباء وكذلك طبيعة الخطب الدينية المقدمة، وقد أجرت صحيفة «الصباح» التونسية في عددها الصادر يوم الثلاثاء (27/12) حواراً مع وزير الشؤون الدينية السيد أبو بكر الأخزوري حول هذه القضايا وتفرعاتها. فكان أن ذكر الوزير أن الحجاب دخيل على تونس وأنه يرمز إلى "الطائفية". وفيما يلي نص الحوار:
* * *
سؤال: لاحظ السيد الشاذلي القليبي أن التلاوات تركز على الأسلوب الشرقي، هل تسربت المسحة الشرقية أو المشرقية الى المشهد الديني في بلادنا؟
جواب: هناك مسحة مشرقية في بعض الصحافة المكتوبة ذلك أن بعض المجلات تستند الى فتاوى الأزهر، بينما عندنا من الفتاوي ما يفي بالغرض، خصوصا أن من الفتاوى المشرقية ما هو حكم أصلي ولا نعتبره فتوى. ثم نحن لنا مؤسسات كفيلة بالوصول الى الاجابة عن كل تساؤل، وتونس تختزل أكبر مدرسة فقهية في العالم الاسلامي بدءا بسحنون ومرورا بابن عرفة الى الزيتونة، ثم ان الزيتونة بعد ان رد اليها اعتبارها أصبحت قادرة بأساتذتها الأجلاء وهو ما يمكن من التصدي الى الفتاوى لأن الفتوى لا تكون الا مع المستحدث الطارئ.
سؤال: أثيرت أيضا قضية كيفية تزويق المساجد وجانبها المعماري، فهل من خطة في هذا الاتجاه؟
جواب: لقد أصدرنا مناشير تلزم باحترام شكل الصومعة ولا تسند الرخص إلا بعد التأكد من المواصفات المناسبة للمعمار التونسي ونقصد بذلك المنبر والمحراب والصومعة والأقواس. مع العلم أنه ما بين 7 نوفمبر 1987 الى اليوم، قد تم بناء 2000 مسجد.. ونمتلك في تونس اليوم 4000 مسجد ونيف.. وفيما يتعلق بالتزويق، فإننا نريده تزويقا تونسيا..
سؤال: تسعى اليوم بعض الفضائيات العربية الى استقطاب الشباب العربي والتأثير عليه، هل وضعتم استراتيجية خاصة بالشباب التونسي وتوفر له الحاجة الدينية المعرفية وفقا للخصوصية التونسية؟
جواب: هناك برنامج «الاسلام والحياة» الذي يعد من قبل أساتذة شبان من الزيتونة وغيرها، برنامج في شكل حواري يجيبون فيه عن أسئلة المشاهدين ويتحدثون في مواضيع حياتية لها علاقة بالشباب، الى جانب الدراسات العميقة المستفيضة التي تمس الشباب كالعنف اللفظي والسيدا (الإيدز). ثم باعتبار أن الشباب يرتاد المساجد فإننا نسعى الى جعل الأئمة الخطباء يتناولون مواضيع تستهدف عقول الشباب من خلال تطوير الخطاب الديني وجعله عقلانيا.
سؤال: ولكن فيما يخص البرنامج الديني في قناة «تونس7» هناك انتقادات ضده ومطالبة بتطوير الاعلام المرئي الديني؟
جواب: بالعكس أثناء نقاشات مجلس المستشارين لاحظنا تثمينا للجهد المبذول ودعوة الى الاستزادة لقطع الطريق على الفضائيات التي تدخل البيوت دون أن تستأذن. إنه عمل دؤوب، لذلك فإن من نتائجه ما هو حيني وما هو على المدى البعيد، وعلى كل فإن تشريك أهل الاختصاص في الاعلام وطرق التبليغ سيؤدي بالضرورة الى تحسين الأداء وهذا التوجه هو العام بحيث يكون العمل جماعيا..
سؤال: وبالنسبة الى وزارة التربية، هل يوجد تنسيق يشمل مراجعة مادة التربية الدينية والتفكير الاسلامي؟
جواب: تونس رائدة في المراجعة بحيث أصبحت المقررات المدرسية في مادة التربية الاسلامية تدعو الى الفكر النير والى القيم السمحاء، ووزارة التربية مشكورة نراها تتصدى بنصوص الى كل ما هو ماضوي [أي يتعلق بالماضي] ويدعو الى الانغلاق وفي مقابل ذلك تطرح قضايا تشجع على النظر والنقد وهذا إعداد للجيل الجديد، بحيث ينقد ويحلل ويعلل وبالتالي يرفض كل ما يجر الى الوراء.
كما أصبح «الكُتّاب» ضمن منظومة المدرسة ولدينا اليوم 890 «كُتّابا» في كامل أنحاء البلاد، ونتوقع أن يصبح العدد في عام 2009: 1060 «كُتّابا» ويخضع «الكُتّاب» في منظومته الجديدة الى برمجة تصدرها الوزارة فيها نشاط حركي وأناشيد وقرآن وأخلاق وفيه الاعلامية أيضا.
سؤال: لو نتحدث عن التوجهات الجديدة للخطاب الديني الرسمي في تونس، كيف يمكن اختزالها؟
جواب: لا بد للخطاب الديني من أن يتبع حركية المجتمع لذلك فالتوجهات الجديدة تشمل رسكلة الأئمة والمؤدبين وتوحيد الآذان بالتونسي في كافة الولايات.. تمكنا من إرساء المعادلة الصعبة بين الأصالة والحداثة وبين الموروث ونتائج التفاعل مع الآخر.
سؤال: من الملاحظ مؤخرا تنامي نسبي لظاهرة ارتداء الحجاب، كيف تنظرون الى هذا التنامي؟(1/175)
جواب: بالعكس ظاهرة الحجاب تراجعت وعندما نقول تراجعت، فإننا نعي ما نقول، ونستند الى معطيات موضوعية، فالحجاب دخيل ونسميه بالزي الطائفي باعتبار أنه يخرج من يرتديه عن الوتيرة، فهو نشاز وغير مألوف ولا نرضى بالطائفية عندنا، ثم إن تراجع هذه الظاهرة واضح لأن الفكر المستنير الذي نبث كفيل باجتثاثه تدريجيا بحول الله. ولكن مع هذا نحن ندعو الى الزي التقليدي الخاص بنا، وخطاب الرئيس بن علي في 25 جويلية الفارط يوضح ذلك، وهل من العيب أن نحترم خصوصياتنا ونعطي الصورة اللائقة بنا؟ فنحن لسنا خرفان بانيورش وفي هذا ثراء.. إننا نرفض الحجاب الطائفي ولباس «الهٌركة البيضاء» واللحية غير العادية التي تنبئ بانتماء معين، فنحن لدينا مقابل ذلك الجبة.
إننا من الحداثيين ونرفض كل انغلاق، ومع الرئيس بن علي تمكنا والحمد لله من إرساء المعادلة الصعبة بين الأصالة والحداثة وبين الموروث ونتاج التفاعل مع الآخر..
سؤال: بعد أيام قليلة نودع هذه السنة وندخل في سنة مهمة وطنيا، نحتفل فيها بخمسينية الاستقلال، فماذا أعدت وزارة الشؤون الدينية لتكون في صلب الحدث، خصوصا أن المسألة الدينية طيلة نصف القرن الماضي في تونس، قد شهدت عدة اصلاحات واجراءات؟
جواب: إننا بصدد انجاز كتاب يستعرض الانجازات الدينية خلال خمسين سنة الماضية، وسنوزع الانجازات على مرحلتين الاولى من الاستقلال الى 1987 والثانية من 1987 الى 2006..والى جانب تدوين الانجازات في القطاع الديني ستشارك الوزارة بجناح في المعرض الوطني الذي يعتزم التجمع الدستوري الديمقراطي تنظيمه بمناسبة هذه الذكرى الوطنية.
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
==============(1/176)
(1/177)
قصة التعاون الإسرائيلي الإيراني
كان الإيرانيون الشيعة يصرون على التظاهر في مكة ضد أمريكا وإسرائيل ثم فضح الله أمرهم بعد أيام من هذا الإصرار فنكشف للعالم أجمع أن سيلا من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران مع أن أخبارا متقطعة كانت تبرز من حينٍ لآخر عن حقيقة هذا التعاون بين إيران وإسرائيل منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية لقد تبين أن الشيخ صادق طبطبائي كان حلقة الوسط بين إيران وإسرائيل من خلال علاقته المتميزة مع يوسف عازر الذي كانت له علاقة بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي وقد زار إسرائيل معه في 6 كانون الأول 1980 وانكشف ختم دخوله إلى إسرائيل على جوازه عندما ضبطه البوليس الألماني على المطار وفي حقيبته مئة ونصف كيلومن المخدرات مادة الهيروين وذلك في كانون الثاني 1983 وقد عرض ختم دخوله إلى إسرائيل على ملاين الناس في التلفزيون الألماني وكان من جملة الوسطاء في تصدير السلاح الإسرائيلي إلى إيران أندريه فريدل وزوجته يهوديان إسرائيليان يعشان في لندن وقّع فيه خمس صفقات كبيرة مع أكبر شركات تصدير السلاح في إسرائيل إسمها شركة بتاريخ 28-3-1981 TAT والصفقة الثانية بتاريخ 6-1- 1983يعقوب النمرودي الذي وقع صفقة وتوجد صورة لكل وثيقة من هذه الصفقات وكذلك العقيد اليهودي أسلحه كبيرة مع العقيد كوشك نائب وزير الدفاع الإسرائيلي.
وفي 18تموز1981 إنكشف التصدير الإسرائيلي إلى إيران عندما أسقطت وسائل الدفاع السوفيتية طائرة أرجنتينية تابعة لشركة اروريوبلنتس وهي واحدة من سلسلة طائرات كانت تنتقل بين إيران وإسرائيل محملة بأنواع السلاح وقطع الغيار وكانت الطائرة قد ضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية على أن صحيفة التايمز اللندنية نشرت تفاصيل دقيقة عن هذا الجسر الجوي المتكتم وكان سمسار العملية آن ذاك التاجر البريطاني إستويب ألن حيث إستلمت إيران ثلاث شحنات الأولى إستلمتها في 10-7-1981والثانية في 12-7-1981 والثالثة في 17-7-1981 وفي طريق العودة ضلت طريقها ثم أسقطت وفي 28 آب 1981 أعلن ناطق رسمي بإسم الحكومه القبرصية في نقوسيا أن الطائرة الأرجنتينية من طراز (كنادير سي إل 44) رقم رحلتها (224 آى آر) قد هبطت في 11 تموز 1981 في مطار لارنكا قادمة من تل ابيب وقادرته في اليوم ذاته إلى طهران حاملة 50 صندوق وزنها 6750 كيلوغرام وفي 12 تموز حطت الطائرة نفسها في مطار لارنكا قادمه من طهران وقادرته في اليوم نفسه إلى إسرائيل يقودها الكابتن (كرديرو) وفي 13 من نفس الشهر حطت الطائرة نفسها قادمة من تلابيب وقادرته إلى طهران في اليوم نفسه يقوده الكابتن نفسه.
وفي مقابلة مع جريدة (الهيرلد تريديون) الإمريكية في 24-8-1981 إعترف الرئيس الإيراني السابق أبوالحسن بني صدر أنه أحيط علماً بوجود هذه العلاقة بين إيران وإسرائيل وأنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الديني هناك والذي كان متورطاً في التنسيق والتعاون الإيراني الإسرائيلي وفي 3 حزيران 1982 إعترف مناحيم بيجن بأن إسرائيل كانت تمد إيران بالسلاح وعلل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي أسباب ذلك المد العسكري الإسرائيلي إلى إيران بأن من شأن ذلك إضعاف العراق وقد أفادت مجلة ميدل إيست البريطانية في عددها تشرين الثاني 1982 أن مباحثات تجري بين إيران وإسرائيل بشأن عقد صفقة تبيع فيها إيران النفط إلى إسرائيل في مقابل إعطاء إسرائيل أسلحة إلى إيران بمبلغ 100 مليون دولار كانت قد صادرتها من الفلسطينيين بجنوب لبنان وذكرت مجلة أكتوبر المصرية في عددها آب1982 أن المعلومات المتوفرة تفيد بأن إيران قد عقدت صفقه مع إسرائيل اشترت بموجبها جميع السلاح الذي صادرته من جنوب لبنان وتبلغ قيمة العقد 100 مليون دولار وذكرت المجلة السويدية TT في 18 آذار 1984 ومجلة الأوبذيفر في عددها بتاريخ 7-4-1984 ذكرت عقد صفقة أسلحه إسرائيلية إلى إيران قالت المجلة الأخيرة إنها بلغت 4 مليارات دولار فهل كانت إسرائيل لترضى بشحن السلاح إلى إيران لو كانت إيران تشكل أدنى خطر على الوجود والكيان اليهودي؟! وهل كانت أمريكا لتعطي السلاح إلى إيران لو كانت إيران تشكل الخطر الإسلامي الحقيقي الذي تهابه أمريكا وروسيا وغيرهما؟!
وفي سنة 1989 استطاع بعض الشيعة الكويتيين تهريب كمية من المتفجرات وذلك عن طريق السفارة الإيرانية في الكويت ودخلوا بها الى مكة ثم قاموا بتفجير بعضها وقد أصيب الحجاج بالذعر فقتل من جراء ذلك رجل واحد وجرح عشرات آخرون من الحجاج ثم مالبث أن إنكشف أمرهم وقبض عليهم وكانوا 14 من الأشقياء الذين أخذ بعضهم يبكي ويظهر الندم والتوبة أثناء مقابلة تلفزيونية أجريت معهم اعترفوا خلال ذلك بالتنسيق الذي كان بينهم وبين السفارة الإيرانية في الكويت وأنها سلمتهم المتفجرات هناك.(1/178)
إن علاقات حسن الجوار الممتازة بين إيران وبين الدول الملحدة المجاورة لها تثير المخاوف والشكوك في نفوس المراقبين هذه العلاقات الجيدة التي لم يعكر صفوها أبداً موقف الإتحاد السوفيتي المجرم إتجاه إخواننا المجاهدين في أفغانستان بل إن أحسن العلاقات وأطيبها قائمة بين إيران وبين دول جائرة ظالمة تتعامل مع شعوبها بالنار والبطش بل أن إيران نفسها أقامت في أفغانستان بعض الأحزاب الشيعية الأفغانية التي كان لها دور كبير في إعاقة عمل الجهاد في أفغانستان ثم ما لبثت أن استخدمت بعض طوائف من الشيعة في لبنان الذين تم على يدهم قتل الآلاف من المسلمين الفلسطينين وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم وقتل رجالهم وشيوخهم ونسائهم بلا رحمة.
http://islamicweb.com المصدر:
=============(1/179)
(1/180)
أساليب المبشرين
نمضي في استعراض بعض أساليب المبشرين، و ننتقي مثلاً من مخطط وضعه أحدهم لمنطقة غرب أفريقيا و نيجيريا في مواجهة الإسلام و مده. و من الغريب أن نجد المبشر يضع خطة و يعنونها "الجهد المنظم لمكافحة تقدم الإسلام في غرب أفريقيا"..و نتساءل: هل المطلوب نشر النصرانية أم ضرب الإسلام أم أن الاثنين لا ينفصلان؟..و نتساءل عمن يمكِّن لهؤلاء أن يضعوا خططهم و ينفذوها؟ هل الحكومات الاستعمارية التي زالت رسمياً أم خلفاؤها الذين يتربعون على رءوس السلطة تحت اسم الحكام الوطنيين المستقلين؟.. و نسير مع خطة المبشر لنجده يوصي بإصدار كتب باللغات العامية تتناول دحض ما يسميه الافتراءات المحمدية القائمة على الجهل، و يقول: إن هناك مواداً كافية متاحة حول هذا الموضوع في مصر و الهند، و المطلوب نقلها إلى غرب أفريقيا حتى تُستَخدم الأسلحة المصاغة على الحرب ضد الإسلام في كل مكان.
و الخطوة الثانية في مشروع المبشر أخطر من الأولى: يجب أن تدرس في مدارس البعثات التبشيرية كل أخطاء الإسلام، و أن يحذر التلاميذ منها. و مدارس البعثات التبشيرية هذه هي القائمة بيننا بأسماء أجنبية معروفة و التي تتقاضى أعلى المصروفات. أما الخطوة الثالثة فتنادي بعقد اجتماعات خاصة للمحمديين كما يسميهم المبشر و البحث في الوسائل التي يمكن بها النفاذ إليهم و التأثير عليهم لترك دينهم و الإقبال على النصرانية. و الخطوة الرابعة لافتة للنظر: يجب احتلال المراكز (المدن) المحمدية الهامة حيث أن الدعوة الإسلامية تنتشر منها إلى المناطق الوثنية المجاورة.. و نتساءل عمن سيحتل هذه المراكز و كيف سيكون الاحتلال؟
و الخطوة الخامسة خطيرة و ذكية: يجب تعيين مبشرين أو دعاة متجولين للنصرانية على غرار الدعاة المسلمين المتنقلين.. و على كل منهم أن يمكث في القرية الواقعة ضمن نطاق عمله مدة تكفي للتأثير على الناس و إقامة مكان للعبادة، و يجب الاعتناء باختيار هذه العناصر إذا كانت هناك قرى مسلمة في المنطقة. و الخطوة السادسة ليست غريبة: يجب إقامة كلية مسيحية تضم الخبراء في الشئون الإسلامية في كل مكان يكون فيه المسلمون أغلبية.
http://tansee صلى الله عليه وسلم jee r an.com المصدر:
============(1/181)
(1/182)
أساليب وطرق التنصير
ثم اتجهوا أيضا إلى التنصير بطرق مغلفة، وأساليب غير مباشرة.
ولعل من أخطر هذه الأساليب ما كان:
1- عبر التطبيب، وتقديم الرعاية الصحية للإنسان: وقد ساهم في تأثير هذا الأسلوب عامل الحاجة إلى العلاج، وكثرة انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة في البيئات الإسلامية، خصوصا مع مرور زمن فيه ندرة الأطباء المسلمين، بل فقدانهم أصلا في بعض البلاد الإسلامية.
2- التنصير عن طريق التعليم: وذلك إما بإنشاء المدارس والجامعات النصرانية صراحة، أو بفتح مدارس ذات صبغة تعليمية بحتة في الظاهر، وكيد نصراني في الباطن، مما جعل فئاما من المسلمين يلقون بأبنائهم في تلك المدارس؛ رغبة في تعلم لغة أجنبية، أو مواد خاصة أخرى، ولا تسل بعد ذلك عن حجم الفرصة التي يمنحها المسلمون للنصارى حين يهدونهم فلذات أكبادهم في سن الطفولة والمراهقة حيث الفراغ العقلي، والقابلية للتلقي، أيا كان الملقي!! وأيا كان الملقى!!
3- التنصير عبر وسائل الإعلام: وذلك من خلال الإذاعات الموجهة للعالم الإسلامي، إضافة إلى طوفان البث المرئي عبر القنوات الفضائية في السنوات الأخيرة، فضلا عن الصحف والمجلات والنشرات الصادرة بأعداد هائلة..وهذه الوسائل الإعلامية: المرئية، والمسموعة، والمقروءة كلها تشترك في دفع عجلة التنصير من خلال مسالك عدة:
(أ) الدعوة إلى النصرانية بإظهار مزاياها الموهومة، والرحمة والشفقة بالعالم أجمع.
(ب) إلقاء الشبهات على المسلمين في عقيدتهم وشعائرهم وعلاقاتهم الدينية.
(جـ) نشر العري والخلاعة وتهييج الشهوات بغية الوصول إلى انحلال المشاهدين، وهدم أخلاقهم، ودك عفتهم، وذهاب حيائهم، وتحويل هؤلاء المنحلين إلى عباد شهوات، وطلاب متع رخيصة، فيسهل بعد ذلك دعوتهم إلى أي شيء، حتى لو كان إلى الردة والكفر بالله - والعياذ بالله - وذلك بعد أن خبت جذوة الإيمان في القلوب، وانهار حاجز الوازع الديني في النفوس. وهناك وسائل أخرى للتنصير يدركها الناظر ببصيرة في أحوال العالم الإسلامي، نتركها اختصارا، إذ المقصود ههنا التنبيه لا الحصر، وإلا فالأمر كما قال الله - عز وجل -: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وكما قال - سبحانه -:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}
http://www.binbaz.o r g.sa المصدر:
===========(1/183)
(1/184)
دعوة جاهلية
سميح الجوهري
في تحقيق صحفي منشور يوم الأربعاء 9 محرم 1427 في جريدة " لاريبوليكا" الإيطالية مع وزير الاصلاح الدستوري روبيرتو كالديرولي الذي يتبع حزب لومبارديا الايطالي يدعو فيه بابا الفاتكيان الإعلان عن الحروب الصليبية في إطار الكره المتزايد من قبل المسلمين ضد المسحيين، وأنهم كانوا يتحركون من قبل على شكل إرهابي والآن غيروا المخططات وأصبحت على شكل شعبي ثائر، ويجب على البابا الحاضر أن يتدخل فورا ويعلنها حروب صليبية كما أعلنها من قبل البابوات السابقون في القرون الماضية، وكان أول من دعا إليها كما هو معروف تاريخياً هو البابا سلفستر الثاني سنة 1002 ميلادية ثم خريغوريوس سنة 1075 حتى عام 1097 بعد تحريض الكتاب المستمر على رأسهم هلتون سانيتو وريموند لول بتراك وآخرين، وسؤال الصحفي أنه بذلك يريد العودة بهم الى فترة حروب فيينا ومعارك ليبنتون وتحريض الشباب على المشاركة فيها، فكان رد الوزير نعم نحن الآن في حروب صليبية جديدة وعلى الحكومات الأوربية أن تواجهها وهم في حالة استرخاء لحاجتهم للنفط وأمام الرسومات التي أثارت كل هذه الزوابع من المسلمين ضد المسيحيين، وأنه في الغد فان حزبه سوف يتقدم باستجواب أمام مجلس النواب ضد العنصرية التي تتم ضد المسيحيين في الدول الإسلامية ويجب أن نعاقبهم عليها، وتصريحات أخرى عنيفة في نفس الصدد من قبل وزير العمل ماروني الذي يتبع نفس الحزب الايطالي الذي يطالب بالحروب الصليبية، ولا تقل من قبل رئيس مجلس الشيوخ مارشيلو بيرا أستاذ الفلسفة في إحدى الجامعات الايطالية مطالبا احترام المسيح وموسى - عليهما السلام - كأن أهل الاسلام يتطاولون عليهما، في الوقت الذي توجد فيه لوحة كبيرة بنصف حائط تقريبا معلقة في إحدى كنائس مدينة بولنيا الايطالية التي رسمها ايطالي في عام 1415 وهي ترمز الى نبي الاسلام - عليه الصلاة والسلام - وهو ملقى في نار جهنم تحيط به الشياطين، ولم يطالب أحد كذلك من كبار الفاتيكان برفع هذه اللوحة التي تسئ الى نبي الاسلام على مدى السنين، عامة أغلب الصحف الايطالية تقريبا تهاجم وتنشر مقالات وتحليلات ملء الصفحات تتعلق بنفس الصدد وعن تصادم الحضارات وهي مادة الأقلام في الوقت الحاضر، فضلا عن خروج كتب يتم الاعلان عنها في كل أجهزة الأعلام أغلبها عن الاسلام وفيما يتعلق بالمرأة وموضوع الحجاب والختان الى آخرة وهي كلها مواد دسمة مطلوبة ومكملة لما نحن عليه الآن، ولا ينسى أن جانبا كبيرا من المثقفين الايطاليين يدعون الى الحوار البناء الذي يزيل توهج الموقف الحالي وبالأخص من رجال الدين المسيحي من بينهم الكردنال ريناتو مارتينو وهو رئيس مجلس القضاء والسلام في الفاتيكان والمساعد الأول للبابا في مجالس أخرى وشخصية معروفة وفي تحقيق صحفي له منشور يوم عاشوراء في لاريبوليكا جاء فيه: بأن الغرب أبدى عجرفة نحو الاسلام وعليه أن يحترم ثقافات الآخرين، وما حدث من رسومات ضد نبي الإسلام هي في حد ذاتها إساءة كبيرة ومن دول ثرية متقدمة ليس لديها أي قدر من احترام ثقافة الآخرين، وهذه الرسومات ربما تثير لدينا بعض من السخرية، أما لدى الناس فهي بمثابة إهانة كبيرة لهم وهذا ما حدث خاصة ونحن نعلم علم اليقين أنه في الثقافة الاسلامية واليهودية ليس هناك ما يشير الى رسومات لصور الأنبياء ولا تحجيم أو تخيل لرب السموات الله، أما حرية النشر فهي مطلوبة ولكن يجب أن تكون في الحد المعقول، وبأن البابا السابق جوفاني بولو الثاني بذل جهده من أجل رفع صورة احتلال العراق على أنها في مضمون حروب صليبية جديدة ووفق في ذلك وحضرت لجان من الخارج تقدم الشكر، وللأسف الغرب لا يضع في اعتباره ظروف الآخرين ولا حساسيتهم نحو دينهم وظروفهم وتاريخيهم وعزتهم بأنفسهم وثقافتهم، ولئن كانت هناك صحوة اسلامية في الوقت الحاضر فهي في حد ذاتها تعبير وردا على العنجهية والعجرفة التي تصدر عن الغرب، ويجب أن نضع في اعتبارنا أن جانب كبير من هذه الدنيا لا تزال في حالة تخلف ومستغلة من أصحاب النعم ومن يملك القوى العسكرية والأبحاث العلمية، وعليه يجب أن نقدم لهؤلاء يد المساعدة دون العلاقة فقط في دائرة الأسواق ودنيا التسويق وهو أمر غير معقول ولا مقبول، وعلينا أن نضع أنفسنا مكان هؤلاء لنتعرف على ظروفهم وأحوالهم، واذا نظرنا نظرة موضوعية الى موضوع الارهاب فعلينا أن نعرف أصوله ومسبباته، وإذا اسرائيل أعادت الأراضي التي احتلتها في عام 67 فسوف يكون هناك سلام وإذا كان هنالك من يدفع وينادي بحروب صليبية فنحن نسير على ضوء نداءات البابا الحاضر ولنرى ذلك أمام اغتيال القس في تركيا الذي كان يدعو الى الحوار، وأخرى تقر أن ما يحدث الآن هو خلاف بين العلمانية والإسلاميين بعد تفقوهم في مصر وفلسطين ثم هذه إيران التي يزداد صوتها وتحديها، والمقالات والتحليلات لا حصر لها وأغلبها تتلاعب بالألفاظ في مضمون العقلانية والمنطق كأننا بعيدين عنهما، أو علينا أن نتقبل الاهانة ضد نبينا - عليه الصلاة والسلام - في سلام، فضلاً عن التحقيقات الصحفية العديدة لكثير من(1/185)
الشخصات المرموقة منها
لحاخام اليهود الأكبر بروما والرجل على موقفه باين وواضح وحاد وضد هذه الاهانة التي وقعت ضد نبي الاسلام، على كل الطريق ملئ بالأشواك، والكل يدعو الى الحوار سيما رئيس الجمهورية الايطالي، وما يخيب الرجاء أن المركز الثقافي الاسلامي متغيب في الصدد، ولا حتى في بيان صحفي يحدد موقفه من هذا الهجوم ودعوة الجاهلية التي عليها الوزير الذي يدعو الى حروب صليبية، إلا أن ابن القذافي سيف الاسلام الذي يعيش في إيطاليا هاجم الوزير الايطالي الذي يدعو الى تلك الحروب وكثرة تطاوله على الاسلام..ان الأمر أخطر ما يظن، والأدهى في هذا الظلام الكثيف هو اقدام الاعلام المنظور الايطالي بعمل أحاديث مع من يطلق عليهم بالامام، ومن هؤلاء من جاء على التلفزيون وهو اختيار متعمد موفق ويعجب الناس - وهو يقول أننا وعدنا بفتح روما عن قريب، وبالطبع من يسمع هذا التعبير من أهل البلاد في هذا الوقت الحاضر بالذات فيزيد النار اشتعالا، وأن الاسلام جد خطر عليهم ويريد احتلال بلادهم وهو لا يدري معنى كياسة المؤمن، هذه مسائل جد خطيرة.
كلمة أخيرة الانتخابات البرلمانية في إيطاليا سوف تبدأ يوم 9 أبريل وأن أهل اليمين لمهزمون أكيد حسب التقديرات الأولية، وسوف يأتي أهل اليسار الذين شجبوا احتلال العراق وحربه وأنهم يريدون الانسحاب ومتقاربين في الفهم والتجربة وأنهم ضد كل هذه الأفكار اليمينية المتطرفة فهل سوف يحدث تغيرا أم سيظل التطاول على الاسلام والحديث عن تضارب الحضارات، وأين حكامنا من كل هذا، انهم يعدون الأموال وما في البنوك وكيف يعيشون كعمنا مبارك الذي وصفته الصحف أنه هو وأبنائه يتفرجون في بطولة القدم الأفريقية، وهناك من مات غريقا ضحية في مياة البحر الأحمر وبين الأسماك المتوحشة، ومن يحاول أن يعرف شئ عن عزيز مفقود فمصيره الضرب، ومدى تجاهل السلطات واعداد الطائرات للصحفيين دون النظر الى أهل المنكوبين وسفرهم، وفي هذا أشيد بايطاليا في حالة أي نكبة فأول شئ يعمل عليه المسئولون هو إعداد الطائرات لكل الأقارب ولمن حدث لهم من مصيبة في الخارج، الأمم تحيا باحترامها لشعوبها، وهذا كلام مكرر فارغ ليس له قيمة لدى حكامنا.. نحن نعيش في مشاكل متعددة دائما وأبدا تعود الى السلطان الأول الى جعل الدولة عزبة تنتمي اليه والى أسرته المترفة، ولو رحمنا وجعلها مملكة باسمه لاستراح الناس وهي كذلك.. وفي مضمون الثراء وبلاد الغير مصريين، فقد نشرت احدى المجلات الايطالية تحقيقا صحفيا مصورا عن مدينة حديثة تبعد عن الغردقة 50 كيلومترات يطلق عليها الجونة اذا صحت الترجمة، وأنها بنيت على نظام هيوليود مع الحفاظ على شكل المعمار الاسلامي وأنها بمثابة ألف ليلة وليلة وأصحابها على مختلف الأشكال والألوان والجنسيات والمدح الكبير كأنه خيال في دنيا الأحلام، فهل للفلاح المصري ابن الأرض والزرع مكان له في هذه المدينة الخرافية الحديثة، يبدو أن مصر ستظل أبدا للغير دون أهلها.
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/186)
(1/187)
في طريق محو الإسلام من القدس
في خطوة لا سابق لها؛ أدانت المحكمة العليا في القدس مؤذن مسجد الشيخ جراح الواقع قرب فندق المستعمرة الأمريكية في القدس الشرقية بحكم فحواه أنه (يحدث ضجة غير معقولة) ويزعج السكان اليهود على بعد بضعة مئات من الأمتار في النصف الثاني من المدينة، وغرمته ما يعادل (55) جنيهاً، و (500) جنيهاً آخر إذا أعاد مثل هذه (الجريمة) خلال الثلاث سنوات القادمة.
وهذا الحكم جاء نتيجة لتحقيق قام به البوليس حول هذه التهمة.
وهي أن إمام هذا المسجد الصغير، الذي يلتصق بمئذنته مكبر صوت ضخم، يرفع صوت المكبر إلى أقصى درجة ويوجهه باتجاه الأحياء اليهودية، حتى في الليل وفي أيام السبت! ويدعي متطرفون يهود أن قوة المكبر ازدادت بشكل ملحوظ منذ بدء الانتفاضة، وقد تحققت الشرطة من ذلك بمقياس صوت قاست به نسبة الضجيج وادعت أن صوت المؤذن يتجاوز ما هو مسموح به.
وقال أمير شيشن رئيس قسم القضايا العربية في بلدية القدس: (لقد تلقينا شكاوى حول ضجيج المكبر والأذان - بالإضافة إلى اليهود - من مسلمين ومسيحيين وهؤلاء يخافون من التصريح بأسمائهم).
وقد عبر المسلمون غضبهم من قرار المحكمة، ولم يقتنعوا من تعليق هذا المسؤول في المجلس البلدي، خاصة وأن هذا الحكم صدر في الوقت الذي يجتمع فيه زعماء مسلمون من شتى أنحاء العالم في مراكش لمقابلة الملك الحسن لمناقشة الطرق التي يحافظ بها على (التراث لإسلامي) في القدس.
وقد أعلن محامي الدفاع أنه سوف يستأنف ضد هذا الحكم، ويطلب التدخل من (هيئة الوقف الإسلامي).
وقد قال موشي عميراف عضو المجلس البلدي: (المدينة حساسة جداً تجاه تناول المحكمة لقضية مثل هذه القضية، لأن مثل هذه الخلافات يجب أن تحل بالوفاق، وإلا فإن حلها بهذه الطريقة سوف يسوق المدينة إلى الانفجار).
جريدة التايمز:24/2/1992
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============(1/188)
(1/189)
المدارس الأهلية الواقع المرير والأمل المنشود
محمد الناصر
تؤسَّس المدارس الأهلية عادة من أجل أهداف خاصة يحددها أصحاب هذه المدارس، أو المؤسسات التي أقامتها، أو لسد حاجة تعليمية ملحة لم تغطها المدارس الحكومية.
وقد كانت البعثات التبشيرية سباقة إلى هذا المجال في بلاد المسلمين، لأغراض التبشير تحت مظلة الاستعمار الحديث، وما يزال تأثيرها قائماً حتى الآن.
ثم قامت مدارس وطنية في بلاد المسلمين، بعضها سار على نهج العلمانيين متأثراً بالهجمة الفكرية الغربية، وبعضها الآخر أراد أصحابه إيقاف هذا الغزو الصليبي، فأنشأ مدارس متناثرة في أنحاء العالم الإسلامي لنشر تعاليم هذا الدين الحنيف، وهذا الذي يعنينا في هذا المقال.
المدارس التبشيرية الأجنبية:
ركز أعداؤنا على زرع المدارس والجامعات في بلادنا منذ مطلع هذا القرن، من أجل تشكيك أبناء المسلمين في قيم الإسلام ومعتقداته باسم العلم والمعرفة، وتمكنوا من تخريج كثير من أبناء المسلمين، قاد بعضهم دفة الحكم في أقطارهم فترة من الزمن، فكانوا أسوأ خلف لشر سلف من أسيادهم.
فقد اعتبر هؤلاء أن (المدارس من أحسن الوسائل لترويج أغراض المبشرين) [1].
حرص هؤلاء أن تؤسس هذه المدارس والجامعات على النمط العلماني الغربي ظاهراً.
يقول تاكلي: (يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية)! وكانت الأغراض الحقيقية إذن من إنشاء هذه المدارس والجامعات هو التخريب العقائدي والفساد لمصلحة المستعمر، تحت مظلة العلم والمعرفة والتحديث والعلمانية.
وقد تنوعت وسائل المبشرين في أعمالهم هذه فأسسوا المدارس للأطفال، وللبنات، وأنشأوا قسماً للطب وآخر لنشر الإنجيل [2].
ومن وسائل المبشرين في كل من سورية وفلسطين:
1- توزيع نسخ من الإنجيل.
2- التبشير عن طريق الطب..
3- المدارس والكليات..
4- الأعمال النسائية مثل: زيارة المبشرات لمنازل المسلمين وإلقائهن المحاضرات الخاصة [3].
وكانوا يستغلون الفقر والحاجة في بعض بلاد المسلمين، فيختارون الأطفال دون سن الخامسة لقاء مبلغ من المال، ويرسلون بعضهم - بعد تدريسهم في مدارس التبشير - إلى فرنسا، كما حصل في السنغال، إذ يعود الصبي مسيحياً إلى بلاده، ويُمنح حق المواطن الفرنسي في المستعمرات من حيث المستوى، الاجتماعي والوظائف.
ومن أمثلة هؤلاء: سنغور (سان جورج) رئيس جمهورية السنغال السابق، فهو مسيحي، لكن أبويه وإخوته مسلمون [3].
لقد خرَّجت المدارس والجامعات التبشيرية كثيراً من قادة الفكر والسياسة في بلاد المسلمين، ومعظمهم من النصارى والموتورين، ومن أبرزهم: ميشيل عفلق، وجورج حبش، وقسطنطين زريق وأنطون سعادة [4].
واهتمت هذه المدارس الأهلية بتعليم المرأة المسلمة لإخراجها من دينها عنوة؛ تقول الصليبية (آنَّا مليجان): (ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين في مدارس التبشير الخاصة، إن القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التي أنشئت خصيصاً لهذه الغاية، والتي تستهدف صياغة المرأة المسلمة على النمط الغربي، الذي تختفي فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة)! [5].
لقد نجحت هذه المدارس الأهلية في أداء مهمتها بالعمل الجاد وحسن التخطيط واتباعها وسائل تربوية حديثة مستفيدة من دعم الأثرياء ورجال الكنيسة وحكومات الاستعمار.
المدارس الأهلية الإسلامية:
شعر المسلمون بالخطر وقد أفسد عليهم أبناءهم، فحاول بعض أهل الخير والغيرة أن يرمموا بعض هذا الخراب وأنشأوا عدداً من المدارس الأهلية المتناثرة في أنحاء بلادهم، اعتباراً من الأقطار العربية في آسيا وإفريقية أو في بلاد المسلمين في هاتين القارتين، ثم تبعتها محاولات لأبناء الجاليات الإسلامية في أوربا وأمريكا.
كانت جهود هذه المدارس طيبة، ويكفي المخلصين من أصحابها الأجر والمثوبة إن شاء الله...
إلا أنها ما تزال تتعثر في أساليبها ومناهجها، ويسود معظمها الارتجال وأخطاء أخرى، أبعدتها عن تحقيق الأهداف المرجوة، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه الأخطاء والانحرافات:
أ- يسود معظمها الارتجال وعدم التخطيط؛ إذ سرعان ما تنشأ الفكرة ثم يبحث عن المبنى وبعد ذلك تكون الصدمة في عدم وجود الكوادر الإدارية المناسبة ولا هيئة التدريس المؤهلة، ولا حتى فكرة واضحة عن المناهج الإضافية والأنشطة المختلفة.
ب - الإشراف والإدارة: بسبب السرعة قد لا يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فيضطر أهل الخير لاختيار مشرفين أو إداريين من غير ذوي الاختصاص التربوي.
وإنه لأمر طبيعي أن يشرف المهندس على مباني المدارس وتهيئتها صحياً، وأن يباشر الطبيب المسلم الإشراف على علاج أبناء المسلمين فيها، وأن يستلم المدرس التربوي أمر التدريس أو الإشراف الإداري إن كانت خبرته كافية.(1/190)
أما أن يسلم الإشراف والإدارة إلى المهندسين والأطباء أو التجار، فإنه لأمر مفزع ومؤسف حقاً حيث لا يستفاد من الكفاءات والاختصاصات في مجالاتها المناسبة ثم يقال بعد ذلك: ليس بالإمكان أحسن مما كان...
هاتوا البديل.
ج - الهاجس المادي: وهو من العوائق التي تقف أمام اختيار الكفاءات في التدريس، وهو الشبح الذي يجعل أصحاب الحاجات يرتضون بالأجر الزهيد..
أو هو الذي يقدم الخريجين الجدد؛ لأن رواتبهم أقل وطبيعي أن عطاء هؤلاء سيكون ضعيفاً.
وبذلك يتحول أطفال المسلمين إلى مراكز تجارب وتدريب..
حتى إذا اكتسب المستجدون الخبرة، أو اكتفى صاحب الحاجة تحوَّل المدرسون إلى الوظائف الأخرى ذات الحوافز الأفضل!.
وهكذا يستمر التخبط.
أين أموال المسلمين الفائضة؟ أين التضحيات العقَدية؟ ! ابحث عنها في المحاضرات والخطب والتنظير.
د- أما رياض الأطفال [6]: فكثير منها أصبح أشبه بأماكن يتجمع فيها الأطفال في ملعب آمن على سلامة أبدانهم.
أما حالتهم النفسية، وحالتهم العقدية والدينية، وقدراتهم العقلية فحدِّث عنها ولا حرج.
إنها تُوأد بخشونة المعاملة أو الجهل بنفسية الأطفال فيتخرج هؤلاء في المجتمع وقد امتلأوا بالعُقد النفسية، والانحرافات الخلقية.
وبعض هذه المدارس لا يتفاعل مع خصائص الطفولة فيثقل على الأطفال بتحميلهم فوق قدراتهم، فيكرهون المدرسة بدلاً من أن يرتاحوا إليها.
هـ - ومما يعرقل تقدم هذه المدارس - ويعيق العملية التربوية في بعض المدارس الجادة - تدخُّل حكومات تلك البلاد، فإذا كانت علمانية فهي حاقدة تجهض كل تحرُّك للمدارس الإسلامية.
وإذا كانت (بين بين) أربكت هذه المدارس بكثرة تدخل الموجهين أو الإداريين، وقد يكون هؤلاء ممن لا خبرة لديهم، أو لا يؤمنون بعقيدة أو هدف هذه المدارس، فيستغلون عصا السلطان بشراسة، ويذكّروننا بسلطة المندوب السامي أيام الانتداب المشؤوم.
وربما تحولت هذه المدارس بسبب هذا التدخل أو بسبب الأخطاء السابقة - إلى مكان للمشاحنات والدسائس فتضيع الأهداف وتُنسى الغايات، ولا تكفي النية الطيبة في إنشاء هذه المدارس مادامت لم تحقق أهدافها.
هذه صورة مجملة أستخلصها من متابعتي لهذا الموضوع في عدد من ديار المسلمين، ولعلّي لا أكون متشائماً واليأس ليس من شيم المؤمنين، ولكن الكلمة الصريحة الصادقة واجبة ولو كانت مُرة لأنها أمانة تؤرق أصحابها.
فلابد من:
1- التخطيط في وضع المناهج الجادة المساعدة ذات الهدف العقدي والأخلاقي.
2- ومن تقديم أصحاب الخبرة والكفاءة في الإدارة والتدريس.
3- وألا يشغل الهاجس المادي أصحاب المدارس، فربح ضئيل مع الأجر العظيم خير وأبقى.
4- التعاون بين المدارس الإسلامية، والاستفادة من الخبرات فيما بينها، لأن رسالتها رسالة عظيمة.
إننا نريد من هذه المدارس - ومدارس المسلمين عموماً - أن تخرّج الدعاة والمصلحين؛ إذ ما بال مدارس التبشير قد تضافرت جهود القائمين عليها - رغم باطلهم - والمسلمون تتفرق كلمتهم رغم الحق الذي يحملونه؟ ! وإنه لأمل يراودنا في نجاح هذه المؤسسات، وأن تقوم بدورها العظيم، وتحقق الأمل المنشود.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الغارة على العالم الإسلامي، ص101، الدار السعودية للنشر.
(2) انظر تفصيلاً لذلك في: التبشير والاستعمار، والغارة على العالم الإسلامي.
(3) انظر تفصيلاً لذلك في: التبشير والاستعمار، والغارة على العالم الإسلامي.
(4) الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام: القسم الخامس، إعداد الشيخ أحمد بشير نقلاً عن (التبشير والاستعمار).
(5) في مسألة السفور والحجاب، د عبد الودود شلبي، ص4.
(6) انظر كتابنا:تربية الأطفال في رحاب الإسلام (فصل رياض الأطفال، ص453).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(1/191)
(1/192)
المجتمع المدني بين كوبنهاجن والمصحف
الهيثم زعفان
في الوقت الذي تأججت فيه مشاعر المسلمين كافة للإساءات التي وجهت إلى حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذت معظم المنظمات الإسلامية الفعالة موقفا واضحا من تلك الأحداث وجدنا نشطاء ما يطلق عليه ' المجتمع المدني ' في عالمنا العربي يلتزمون الصمت حيالها وفي ذات الوقت الذي استغاث فيه رئيس الجالية الإسلامية من أن هناك منظمات مدنية دنمركية أعلنت أنها ستحرق المصحف الشريف في ميدان عام في العاصمة الدنمركية كوبنهاجن وجدنا أيضاً هؤلاء النشطاء يؤثرون الصمت في حين يعلوا صوتهم تارة حينما تدعى ماجنة ما أنها ضربت على يد زوجها أو أبيها, وتارة أخرى عندما تصادر رواية ما لتجاوزها حدود الأخلاق بدعوى أن في ذلك محاربة للإبداع, وكثير من الضجيج الفارغ مما فرض تساؤلا منطقيا, وهو لماذا كان خيار الصمت هو اختيار نشطاء المجتمع المدني في العالم العربي حيال ما حدث تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجاه العزم على حرق المصحف الشريف؟
سؤال دفعنا إلى عدة تساؤلات على رأسها :
هل هناك علاقة بين كوبنهاجن ونشطاء المجتمع المدني في عالمنا العربي؟
الإجابة ببساطة نعم...... وبتوضيحها يتم استيعاب خيار الصمت هذا.
لكن قبل التوضيح ينبغي التفريق بين فريقين من المنظمات والمؤسسات على الساحة العربية والإسلامية, الأول منظمات خيرية تؤدي دورها الخدمي والإغاثي والدعوي وفق رؤى عقدية وترفض التمويل الأجنبي كلية وتنظر إليه بمنظار الحلال والحرام وتدرك خطورته على الأمن القومي للبلاد وهي ما تعرف بالمنظمات الإسلامية أو منظمات العمل الخيري الإسلامي. وأخرى برجماتية نفعية تحررية تخدم من يدفع أكثر بغض النظر عن حل المال أو حرامه أو حتى خطورته على أمن العباد والبلاد. بوضع هذه التفرقة في الحسبان نكون قد وضعنا أيدينا على أول الخيط في تفسير السلوك الصامت لمنظمات المجتمع المدني حيال التعدي الصارخ المستمر على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا التهديد بحرق المصحف الشريف.
العلاقة بين كوبنهاجن والمجتمع المدني في العالم العربي:
طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2005 الصادر مؤخراً عن الأمم المتحدة فإن متوسط معونات الدنمرك لدول العالم الثالث مليار وسبعمائه وثمانيه وأربعون مليون دولار أمريكي، والدنمرك بهذه المعونات تعد من أكثر البلدان الغربية دعما لنشطاء المجتمع المدني في العالم العربي فهذه سناء المصري توضح في كتابها تمويل وتطبيع ' أن الدنمرك التي عقدت بها العديد من الندوات العلنية واللقاءات السرية تعد من أنشط البلاد في تمويل المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان والنشاط النسائي, وتضيف الكاتبة أن عاصمتها كوبنهاجن هي مركز النشاط الصهيوني لاستقطاب فلول المثقفين والمثقفات العرب الذين يفرقون بين المال والسياسة ولا يجدون بينها أي شبهة ترابط. ويشاركها ' حلمي شعراوي ' الرأي في أن أكبر دول التمويل هي دول اسكندنافية خاضعة للنفوذ الصهيوني.
ولما كانت معظم المنظمات المعنية قد التفت على القوانين المنظمة للعمل الأهلي في البلدان العربية لذا فإن المنح تأتي على الحسابات الشخصية لأصحاب المنظمات المدنية وليس حسابات المنظمات طبقاً للقوانين، وبالتالي فهي لا تخضع للمتابعة الرسمية من قبل حكومات الدول العربية، وسلوك الدنمرك لهذا لأسلوب الحسابات الشخصية على الرغم من أنه لا يحقق الأهداف المعلنة للمشروعات وذلك لغياب المحاسبة يرجع إلى أهداف عدة تصب جميعها في منبع واحد فسره كثير من الباحثين بأنه 'منبع التجنيد' حيث يتم تكليف هؤلاء النشطاء بإجراء بحوث ميدانية تمس السيادة الوطنية, وتنتهك خصوصيات وحرمات الأسر المسلمة وتكشف عورات النساء، كما تعمل على تطبيق مشروعات ميدانية بعينها يلمس المطلع عليها غرابتها وشذوذها على مسامع المجتمع المسلم, فعلى سبيل المثال يحصل النشط على المنحة مشروطة بالدفاع عن حقوق المثليين, وقد تابعنا قريبا عدة أزمات افتعلتها تلك المنظمات المدنية عندما ألقت الشرطة القبض على مجموعات من الشواذ في دولة عربية كبرى، كما نجد مشروعات أخرى تعمل على تهيئة المناخ لتطبيق نصوص مؤتمرات المرأة الدولية وخاصة مؤتمر بكين وتوابعه والتي تضم وثائقه في ثناياها ما يخالف الشرائع السماوية وتلفظها الفطرة الإنسانية, وكذا مشروعات 'الجندر' ذلك المصطلح الجديد الذي يترجم عندنا 'بالنوع الاجتماعي' وهو يعمل على تذويب الفوارق بين الرجل والمرأة ويعمل على الاعتراف بالشواذ كأشخاص أسوياء لهم كافة الحقوق. وغير ذلك من المشروعات التي تمولها الدنمرك وبخاصة 'دانيدا' danida وهي جماعة - صناع القرار في وزارة الشئون الخارجية بالدنمرك -، وهي لجنة سياسية تخرج من طيات جهاز دولة يضم الأنشطة السياسية والاقتصادية والمخابراتية, والتي تنفق ملايين الدولارات على المنطقة العربية في أنشطة نسوية وبصورة خاصة القضاء على ختان الإناث مما دفع الباحثين للتساؤل عن العلاقة بين ختان الإناث وصنع القرار في الخارجية الدنمركية.(1/193)
قد يقول قائل طالما أن الأمر كذلك فطبيعي أن لا يكون متوقعا من الأساس أن يبدي هؤلاء أية انتقادات لتلك الإساءات، هذا صحيح! لكن الفرد من هؤلاء عندما يلهث وراء المنحة فهو يلهث بحسابه الشخصي أما عندما يخرج في وسائل الإعلام فهو يتحدث باسم منظمته ويدندن على أن الدولة تشجع المؤسسات المدنية وبالتالي يخيل لغير المطلع نظرا للإيحاء بثقل المؤسسة وهذا له تأثير في صناعة الرأي العام وحشد الجماهير، ففي النهاية رجل الشارع العامي لا يرى أمامه إلا تلك المنظمة التي تشبع احتياجاته الأساسية ونجح بعضهم في تكوين قاعدة جماهيرية خدمتهم سياسيا ومن هنا فإن مجرد الحديث باسم المنظمة كنا نضمن معه حشد على الأقل المجتمع المحلى المحيط بالمنظمة، أما النشطاء لو تحدثوا عن الأجندات الغربية بصورة شخصية فسيلفظهم المجتمع جميعه والأدلة على كثيرة فقديما على سبيل المثال والارتباط كانت نوال السعداوي تقول كلاما شاذا فتنهض الجماهير جميعها لترفض هذا الكلام حتى معظم العلمانيين كانوا يشاركون الجماهير في الرفض وتشاركهم مؤسسات الدولة, أما الآن فمنظمات المجتمع المدني تقول نفس كلام نوال السعداوي بل وصلوا لما لم تكن تتخيله نوال السعداوي, وتنفذ المشروعات النسوية من قبل المنظمات وسط ترحيب مؤسسي بل وتسخر كل مؤسسات الدولة لتنفيذ تلك المشروعات حتى ولو كانت المنظمات المدنية ملتفة على قوانين العمل الأهلي في تلك الدولة - وهو أمر بحاجة إلى تفسير أيضا-. الفرق بين الماضي والحاضر أن نوال السعداوي يرى البعض أنها كانت تقبض وتقول بمفردها دون مظلة مؤسسية لذا فتكميمها أو منعها كان سهلا لكن الآن النشطاء يقبضون ولديهم الغطاء التنظيمي داخل المجتمع حتى لو بصورة غير رسمية لذا فان تأثيرهم عندما يتحدثون يكون واسعا.
إن المنظمات الدنمركية التي تدعوا الآن إلى حرق المصحف هي قرينة إن لم تكن هي نفسها التي تمول نشطاء المجتمع المدني عندنا لذا لم يكن غريبا أن يعلوا الدولار عندهم على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يؤثر هؤلاء كوبنهاجن على المصحف الشريف.
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/194)
(1/195)
رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في باكستان الجنرال " حميد جل "
واشنطن والناتو يهدفان إلى تصفية المقاومة في كشمير
أكد الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الباكستانية الجنرال " حميد جل " أن وصول قوات الناتو والقوات الأمريكية إلى المناطق المتضررة من الزلزال في باكستان جاء لأهداف ترغب في تحقيقها في منطقة كشمير معتبراً أن الهدف هو الصين والمجاهدين الكشميريين، حيث ستطالب باكستان بحملة مماثلة لما هو عليه الحال في مناطق وزيرستان والقيام بتصفيتهم!
وفي لقاء خاص مع المجتمع نفى وجود أي خلاف بين طالبان والقاعدة، وأن القيام بقتل علماء الدين الأفغان ليس من سياسة طالبان..وإليكم تفاصيل الحوار:
هل هناك خوف من وجود قوات الناتو والقوات الأمريكية على الاستقرار في باكستان عقب كارثة الزلزال؟
قوات الناتو أو القوات الأمريكية الموجودة حالياً في مناطق كشمير ويفوق عددها الألفي جندي جاؤوا لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول: هو محاولة تحسين صورتهم بين المسلمين من خلال تقديم مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال الذي ضرب هذه المناطق بهدف إفهام العالم أنهم ليسوا ضد الإسلام، وأنهم يرغبون في إزاحة الصورة التي انطبعت عليهم في أفغانستان والعراق! والثاني: هو أن حلف الناتو وبعد نهاية الخطر السوفييتي بدأ يبحث عن عدو جديد له وعن دور جديد في العالم، ووجدوا أن الصين هي المارد القادم لهم، ومن جهة الوجود في مناطق النفط لحمايتها والقيام بحماية أمن إسرائيل من جهة أخرى!
أما الهدف الثالث: فهو أنهم ظلوا يبحثون عن طريق للوصول إلى معاقل المجاهدين الكشميريين وحمل باكستان على التصرف معهم وإنهائهم واعتبروهم الخطر الجديد على مصالحهم، وأعتقد أنهم سيلجؤون إلى حيلة لحمل باكستان على تصفية المجاهدين في كشمير بالقول والتبرير أن حياتهم قد تكون مهددة في مناطق كشمير وعلى الحكومة الباكستانية القبض عليهم وتصفيتهم، وبالتالي مطالبة السلطات الباكستانية بشن حملة عليهم تكون شبيهة بما تقوم به في مناطق وزيرستان.
وأعتقد أن القيادة الوسطى من الجيش الأمريكي هدفها بسط سيطرتها من المغرب إلى إندونيسيا، وأن باكستان كانت خارجة عن هذا النطاق وجاءت فرصة الزلزال لإدخالها بشكل أو بآخر ولهذا قرروا الإتيان بقوات الناتو.
كما يهدفون إلى تطويق الصين من خلال وصول نفوذهم إلى كل من بورما ونيبال وستكون هاتان الدولتان الهدف القادم باعتبار الدولة الأولى ما زالت تحكم بجيش غير ديمقراطي، والثانية وقع فيها انقلاب على الديمقراطية وحلت فيها حكومة منتخبة. وأعتقد أن هناك تحالف خطير بات يتوسع في المنطقة يضم كل من الهند وإسرائيل وأمريكا!
كيف تنظرون إلى الدور الذي باتت تقوم به الجماعات الإسلامية والجهادية في مناطق الزلزال؟
من حسن الحظ أن الإسلاميين والمجاهدين تواجدوا في هذا الوقت في باكستان ونشطوا بشكل منقطع النظير في المناطق المنكوبة وبنشاطهم أوقفوا المطامع التي لا تنتهي للمنظمات الغربية غير الحكومية، وتمكنت جماعات مثل الجماعة الإسلامية من خلال مؤسستها "الخدمت" ومنظمة "الإرشاد" و"الاختر" التابعتين لجماعة التبليغ و"خدمة الخلق" التابعة لجماعة الدعوة من القيام بدور غير مسبوق فاجأ الأوساط الحاكمة والدول الأجنبية، وبإخلاصهم وصلوا إلى مناطق لم يصل إليها أحد لا من الجيش ولا من المنظمات الأجنبية. وجعل هذا الأمر الناس يلتفون حولهم ويقدمون لهم يد العون كما تمكنوا من نفي الإرهاب عنهم وأشعروا الجميع أنهم كيان له إنسانيته وحصلوا خلالها على مكاسب أخلاقية ومزيد من الاحترام القومي كما أثبتوا للجميع أن لدى باكستان عدداً كبيراً ممن يخدمونها.
هل تدخل الزيارة التي قام بها أجمل قادري رئيس جمعية علماء إسلام للكيان الصهيوني ضمن الخطوات الباكستانية للاعتراف به؟
أولاً: يجب ألا نصنف "أجمل قادري" ضمن العلماء لأن ذلك صعب جداً وليست هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها إسرائيل، بل سبقتها زيارة في السابق ولا أعرف لماذا اهتم بزيارة إسرائيل وما أهدافه القادمة؟ والرجل لا يعرفه أحد وهو شخصية مغمورة ومجهولة في الوسط الديني، وأعتقد أن زيارته الحالية كانت بهدف المساهمة في عودة العلاقات بين باكستان وإسرائيل رغم أنه حاول التظاهر بأنه ذهب للصلاة في المسجد الأقصى، حيث حرص على اللقاء خلال زيارته هذه بالمسئولين الإسرائيليين، والذي يقوم بما قام به اليوم "قادري" لا نضعه سوى في خانة الخائنين لدماء شهداء الأقصى وفلسطين!
فهل سمح للفلسطينيين أن يقيموا دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس؟ وهل سمح لأكثر من أربعة ملايين لاجئ فلسطيني بالعودة إلى بلادهم؟ أظن أن مثل هؤلاء سوف يفشلون في القفز على تضحيات الفلسطينيين لأن إسرائيل لا يهمها الدم المسلم وجهزت نفسها اليوم بأكثر من 300 صاروخ نووي ولا أظنها ستستسلم وتنهزم بسهولة!
في رأيكم.. ما أسباب تنامي عمليات المقاومة في أفغانستان مؤخراً وهل يمكن القول إنها قد تأثرت بالتجربة العراقية؟(1/196)
يمكن القول إنهم قد تأثروا بالفعل بالمقاومة الجارية اليوم في العراق وأخذوا منها مثل هذه التجارب ووسائل المقاومة، وقد كنت قريباً جداً من القادة الأفغان أيام الجهاد الأفغاني ولم ألمس منهم استعداداً للقيام بعمليات انتحارية ولم أعرف عنهم مثل هذه العمليات، وكنت قد شعرت بالحيرة حينما سمعت أنهم قد لجؤوا إليها فلم تكن مثل هذه العمليات مشهورة ولا معروفة لديهم ونجاح المقاومة العراقية قد أثَّر على الأفغان وجعلهم يقومون بتصعيد عملياتهم.
يقال إن هناك خلافاً حاداً بين طالبان والحزب الإسلامي في أفغانستان؟
هذا غير صحيح، وقد يكون قد انتقم الشباب لذلك، لأنهم كانوا ينتظرون من العلماء القيام بدور مهم لمواجهة الأمريكيين ونصرة الدين، وأن يعيدوا الحرية لبلادهم ولا ليكونوا عملاء لهم، وأعلم أن الأفغان سواء كانوا من طالبان أو عامة الناس لا يقبل أحد منهم بقتل العلماء، وما حدث وفق معلوماتي الخاصة أن الذي قام بقتل العلماء والتفجير داخل المساجد هم الشباب المتهور، حيث اتهموا بعض علماء الدين بالتجسس والعمالة وغيرها.
في رأيكم من يقف وراء تصفية بعض قادة طالبان في باكستان؟
أستبعد أن يكون الأمريكيون أو الاستخبارات الباكستانية وراء تصفية بعض قادة طالبان السابقين على الأراضي الباكستانية، وأظن أن وراء قتلهم صراعات داخلية بينهم، ومدينة بيشاور كانت قد شهدت منذ الجهاد الأفغاني عمليات اغتيال كبيرة كان من بينها الشيخ عبد الله عزام.
صرح مسئول أمريكي في الهند أن بلاده على استعداد لشن هجوم عسكري مشترك مع الهند ضد بلد ثالث.. فهل كان يقصد باكستان؟
أظنهم كانوا يعنون بالبلد الثالث بورما لأنها كانت هدفهم وقد تزامنت هذه التصريحات مع مناورات عسكرية هندية في إقليم البنغال الذي لا يبعد كثيراً عنها، أما القول إنهم كانوا يشيرون إلى باكستان فأظن الأمر مستبعداً ما دامت باكستان دولة نووية التخطيط، ولأن استهدافها في هذا الوقت صعب للغاية وما دام السلاح النووي متوافراً لدينا فأظن أن الهجوم غير وارد.
يقال إنكم تشاركون في الاتصالات السرية بين الأمريكيين وطالبان وتنظيم القاعدة؟
لا علاقة لي بهذه الاتصالات السرية بين الأمريكيين وطالبان وحتى القاعدة، وكان "جاويد براشا" قد تحدث للصحافة بأنني مشارك في هذه الاتصالات بين الطرفين وهذا غير صحيح لأنني لا أقبل بأي دور في ذلك، صحيح قام وفد أمريكي بقيادة "منصور إعجاز" الأمريكي الجنسية الباكستاني الأصل والمقرَّب من الحكومة الأمريكية بزيارتي في بيتي لكن لا علاقة لهذه الزيارة بهذه الاتصالات، وكان هدف لقائه معي هو تبادل الأفكار حول أفغانستان وكشمير ولم يطلب مني القيام بالوساطة أو التفاوض ولا علم لي بمثل هذه المفاوضات، ولا أعرف إن كان "إعجاز" قد جاء مبعوثاً من الرئيس بوش للقيام باتصالات مع طالبان كما فعل في الماضي مع القادة الكشميريين عندما عينه الرئيس كلينتون لهذه المهمة في عام 1998م أم لا.
هل تعتقدون أن زعيم القاعدة ما زال حيا أم أنه مات؟
زعيم القاعدة ما زال حياً يرزق وما زال يعيش في منطقة حدودية.
اعترف الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أخيراً أن بلاده قد ارتكبت بالفعل خطأ حينما احتلت العراق واليوم تفكر في الخروج؟
بعد 4 سنوات فهم كمسؤول أمريكي الحقيقة، وقوله صحيح وإن كان قد جاء متأخراً، وأظن أن انسحاب الأمريكيين من العراق سيكون أصعب قرار يقومون باتخاذه في حياتهم، ولا أظن أن العملية ستكون سهلة لهم، وأعتقد أن اللوبي اليهودي في أمريكا قد يدمر أمريكا من الداخل إن هي قررت بالفعل الانسحاب من العراق، وسيبذل اليهود الأمريكيون جهودهم لمنع بوش من الانسحاب من العراق.
وهناك في رأيهم خطر كبير ستواجهه أمريكا وإسرائيل إذا قرر بوش الانسحاب، لقد تورَّطوا فعلاً وإن أرادوا الانسحاب فمع من يتفاوضون؟! مع أسامة أم الظواهري أم الزرقاوي؟ المشكلة معقدة جداً وستكون هناك هوَّة، والذي أعتقده أن الأمريكيين سيصعدون أكثر في المنطقة، وأظن أن الأمريكيين سيتورطون في مناطق كثيرة وسيحتاجون إلى صرف المزيد من الأموال.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
================(1/197)
(1/198)
الوجه الآخر لشبكة الضلال والإفساد ..
حرب على الإسلام وساحة مفتوحة للإفساد الخلقي!
د.أكرم عبد الرزاق المشهداني
لا نشك لحظة في أن لشبكة الاتصالات العالمية (الإنترنت) فوائدها العديدة كوسيلة إعلامية اتصالية شكَّلت طفرة هائلة في الفكر والتبادل الإنساني وفي توفير مجالات الاتصال وتناقل المعلومات عبر الشبكة إلى جميع أنحاء العالم, لكن ذلك لا يجعلنا نتغافل عن الدور السلبي الخطير الذي يُمارس اليوم عبر هذه الشبكة الأخطبوطية من لدن أطراف عديدة بهدف نشر الرذيلة والإفساد ومحاربة الدين الإسلامي وصرفِ المسلمين عن عقيدتهم. نعم، إن خدمة الإنترنت هي ثورة العصر وحديث المجالس والبيوت، ولكنها أيضاً سلاح ذو حدين يستخدم للخير أو للشر.
فإذا أدركنا هذه الحقائق وجب علينا أن نقرر: أي الاستخدامين سنختار؟ ولابد أن ننبه لما يمكن أن تسببه من أخطار.
مليار دولار تكاليف مواقع محاربة الإسلام:
مؤخراً كشفت دراسة حديثة أُجريت بجامعة الأزهر بالقاهرة أن عدد المواقع الإلكترونية (على شبكة الإنترنت) التي تتهجم على الإسلام، سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة، تعدى العشرة آلاف موقع، وأن الميزانية المرصودة لمهاجمة الإسلام في جميع وسائل الإعلام الغربية، ومنها الإنترنت تعدت (المليار دولار) سنوياً. وقالت دراسة قام بها الدكتور سيد مرعي، الأستاذ بكلية التربية بجامعة الأزهر، والتي نشرتها صحيفة "روز اليوسف" الحكومية: "إن عدد المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت في المقابل لا يتعدى مائتي موقع، كما أن الجهود الإعلامية المبذولة للدفاع عن الإسلام قليلة وفردية، ولا تتعدى ميزانيتها مليون دولار على مستوى العالم الإسلامي كله، مقابل المليار دولار التي ينفقها آخرون لتشويه صورة الإسلام ".
وحسب وكالة " قدس برس " فقد رصدت الدراسة المواقع المعادية للإسلام على شبكة الإنترنت منذ بدايتها أوائل التسعينيات، مشيرة إلى أن " بعض المنظمات الصهيونية " كانت أول من فطن إلى أهمية استغلال شبكة الإنترنت في نشر أفكارها ضد الإسلام والمسلمين. وصنفت الدراسة المواقع المعادية للإسلام إلى مواقع متخصصة في سب وقذف الإسلام والرسولل محمد- صلى الله عليه وسلم - ، ومواقع متخصصة في تشويه صورة الصحابة والطعن في السنة النبوية المطهرة، ومواقع أخرى تخصصت في تأليف سور تحاكي في كلماتها ولغتها آيات القرآن الكريم، ولكنّها مليئة بالركاكة والعبث البشري والمفاهيم الخاطئة. كما رصدت الدراسة مواقع إلكترونية فنية قالت: إنها " قذرة " تأتي بآيات قرآنية مكتوبة بخطوط عربية معروفة على شكل خنزير أو كلب أو أي حيوان آخر.
وأشارت الدراسة إلى أن أحد هذه المواقع يسمي نفسه " موقع القرآن " وآخر يسمي نفسه " سورة من مثله " ويعرض سوراً بأسماء غريبة غير موجودة في القرآن الكريم، بهدف تشويه القرآن {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (42) (فصلت). وتناولت الدراسة ما أسمته أيضاً " المواقع العنصرية "، التي تتهم المسلمين بالإرهاب والعنف، وتصف الإسلام بالدموية والعنصرية، وتلصق الاتهامات الباطلة بالمسلمين في كل مكان وزمان، كما رصدت الدراسة الأزهرية " المواقع الإباحية " التي تعرض صوراً عارية لنساء، ومعها آيات من القرآن الكريم، وبعضها تستخدم كرسوم منقوشة على ملابس الفنانات الغربيات وعارضات الأزياء المعروفات! واعتبرت الدراسة أن هذه المواقع وسيلة فائقة أمكن توظيفها من قِبَل أعداء الإسلام في استكمال الحرب عليه، وتشويه صورته لدى غير المسلمين في العالم، بقصد قطع طريق الحقيقة على من يريد أن يعرف شيئاً عن الإسلام، كما تقول الدراسة. وأكدت الدراسة أن من أهم المجالات التي يمكن توظيف الإنترنت لخدمتها هو مجال الدعوة الإسلامية، على الرغم من استخدام البعض للشبكة في تشويه صورة الإسلام.
بداياتها شبكة عسكرية:
منذ نحو ثلاثة عقود، وبعد نجاح الاتحاد السوفييتي السابق في غزو الفضاء وبدء سباق التسلح النووي في عهد الحرب الباردة طرح في أمريكا بقوة السؤال التالي: كيف يمكن ضمان استمرارية الاتصالات بين مختلف السلطات والقوات الأمريكية في حالة نشوب حرب نووية؟ وللإجابة عن هذا السؤال تم تكليف مؤسسة الأبحاث الأمريكية المعروفة "راند" r AND بدراسة هذه المسألة الإستراتيجية لمحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها وتوصلت الدراسة إلى وجوب بناء شبكة اتصالية معلوماتية لا مركزية. وفى عام 1969م نفذت وزارة الدفاع الأمريكية هذه الشبكة وأسمتها الأربانيت ADVANCED r ESEA r CH P r OJECT AGENG- A r PANET(1/199)
وبعد بضع سنوات تم ربط هذه الشبكة بمجموعة من الجامعات الأمريكية عبر أربع عقد مكونة من أجهزة كمبيوتر عملاقة، وكان الهدف من ذلك تأمين سرعة نقل المعلومات وإتاحة الفرصة للعلماء والباحثين إمكانية الاستفادة المشتركة من موارد أنظمة الكمبيوتر لديهم رغم تباعد المسافات. لقد كان تأسيس شبكة الإنترنت الأمريكية يقتصر فقط على مكاتب وزارة الدفاع الأمريكية وللمهام الدفاعية العسكرية فقط ثم تم تأسيس شبكة (أربانيت) التي سمح بروتوكول تأسيسها بتوحيد الشبكة في نظام بريدي شامل تتعاون من خلاله عشرات السلطات المستقلة في نقل وإيصال الرسائل فيما بينها.
وأدى النجاح الكبير في هذا المجال، إلى انعكاسات إيجابية هائلة على تقدم البحث العلمي وتنشيطه في المراكز البحثية المشتركة في هذه الشبكة ودفع مزيداً من الجامعات ومراكز البحث إلى السعي للانضمام لهذه الشبكة بهدف تمكين باحثيها من تناقل المعلومات وتبادلها. وبحلول أواخر الثمانينيات، أصبحت هناك ملايين من أجهزة الكمبيوتر وآلاف من الشبكات التى تستخدم هذه البروتوكولات. وقد تولدت شبكة الإنترنت الحديثة من ترابط هذه الشبكات...
فالإنترنت إذن مجموعة شبكات وحاسبات عالمية متنوعة، تجمع بينها أنظمة اتصالات إلكترونية تستخدم لنقل البيانات أو ما يدعى بTCP/ IP ويوجد بها 43 مركزاً في عموم الكرة الأرضية منها اثنان في الشرق الأوسط. وفى بداية التسعينيات ظهرت واجهة تستخدم النصوص وتعتمد القوائم MENUS للوصول إلى المعلومات عبر العالم وتدعى هذه الواجهة GOPHE صلى الله عليه وسلم
ولكن الثورة الحقيقية في عالم الإنترنت كانت ظهور شبكة الويب العالمية WWW. وهى خدمة سهلة الاستخدام تعتمد في عرض المعلومات على النصوص والصور والصوت والفيديو وما ساعدها على الانتشار مضاعفة سرعة خطوط الاتصال. وظهرت في هذه الفترة الشركات الموفرة لخدمة الإنترنت (السيرفر) INTE r NET SE r VICE SUPLIE r S. وذلك لتزويد الناس باشتراك خدمة الإنترنت عبر شبكة الاتصال الهاتفي ثم ظهرت مجموعة أخرى من الشركات المتخصصة بالإنترنت منها ما يقدم مستعرضاتB r OWSE r S ومنها ما يقدم محركات بحث SEA r CH ومنها ما يقدم مجموعات لغات الترجمة، ويوجد حالياً على الإنترنت ملايين المواقع ومن مختلف المواضع بالإضافة إلى التجارة الإلكترونية والتفاعلات المالية عبر الشبكة.
كما تنوعت استخدامات الشبكة بسبب الحرية التي توفرها للمستخدمين والباحثين، إلى استخدامات بريئة (علمية وبحثية وإعلامية وغيرها)، وإلى استخدامات خبيثة كمواقع الدعارة والفحش والدعايات الموجهة ضد الأخلاق والدين، ومواقع لجهات تعمد إلى بث الإساءة والتشويه للدين الإسلامي والطعن في العقيدة الإسلامية.
ممارسات فاحشة عبر كاميرات الإنترنت:
من الوسائل التي أوجدتها شبكة الويب العالمية هي ما يسمى بغرف الدردشة CHAT r OOMS والتي تتيح إجراء حوارات وأحاديث مباشرة بين المشتركين على الشبكة مع استخدام الصورة والصوت بالنقل المباشر، إذ تلجأ شريحة كبيرة من الشباب والفتيات في العالم العربي إلى شبكة الحوارات (أو الدردشة الإنترنتية) كوسيلة جديدة لإنشاء علاقات تعارف وصداقة وحب مع الجنس الآخر. وفي غضون ذلك قد تحدث تجاوزات خطيرة حسب مجموعة من الشباب والفتيات منها حصول ممارسات فاحشة من خلال الكاميرات أو ممارسة الجنس في غرف الدردشة (أعمار الشباب والشابات الذين يلجؤون إلى مثل هذا النوع من العلاقات تتراوح بين 13 إلى 35 عاماً).
وتشكو فتيات متورطات من الخديعة في اكتشاف طبيعة وشخصية أخرى لمن أقمن معهم علاقات عبر الإنترنت عن طبائعهم وشخصياتهم الحقيقية على أرض الواقع، لأن الإنترنت يتيح فرصة كبيرة للمراء والنفاق، فالصورة التي يعكسها الإنترنت مختلفة تماماً عن الصورة الحقيقة للشاب.
ويحذر التربويون المتخصصون من خطر الانفلات وترك الأمور على الغارب لمثل هذه العلاقات المشبوهة التي غالباً ما تقود إلى علاقات غير شرعية تزيد بدورها من نسب الخيانة والعنوسة في المجتمع.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
=============(1/200)
(1/201)
المواجهة مع إيران هي فتيل الانفجار المالي العالمي
جيفري ستاينبيرج
في تحذير حاد لأولئك الذين يحرضون على مواجهة عسكرية مع إيران في المدى القريب، أعلن ليندون لاروش في 3 فبراير مايلي: " إن أية مواجهة مع إيران أو حتى ضربة عسكرية محدودة ضد سوريا، لن تكون سوى فتيل . القنبلة التي سيتم تفجيرها عن طريق هذا الفتيل هو انهيار كل النظام المالي والنقدي العالمي "
إضافة إلى ذلك، حذر لاروش بأنه بينما بعض المحرضين الرئيسيين في الولايات المتحدة على هذه المواجهة داخل إدارة بوش ويقودهم نائب الرئيس ديك تشيني، جاهلون تماما بأبعاد " القنبلة النقدية " التي قد يفجرونها بأفعالهم قريبا، " إلا أن مثل هذه السذاجة غير موجودة في الدوائر السيناركية المتمركزة في لندن والتي تحرك جميع نواحي هذه المواجهة… نفس السيناركيين في حي المال في لندن الذين يروجون لنظام عالمي دكتاتوري فاشي يقوده أصحاب البنوك، هم نفسهم الذين يحركون خيوط بعض الإسلاميين الراديكاليين منذ أيام معاهدة سايكس بيكو ورعاية المخابرات البريطانية في العشرينات من القرن الماضي لحركة الإخوان المسلمين".
وأكد لاروش: "إننا ننظر إلى مواجهة أكثر بشاعة من الحرب العالمية الأولى، لأن النظام الاقتصادي العالمي على وشك التبخر، وأية مواجهة عسكرية جديدة في رقعة النفط العالمية، خاصة إذا جرى استخدام أسلحة نووية بطريقة استباقية، ستفجر حربا عالمية وفوضى مؤدية إلى عصر ظلام كلي. إن الحمقى في واشنطن، مثل نائب الرئيس تشيني، ليست لديهم أدنى فكرة عما هم في صدد إشعاله. هم يتبعون فقط أوامر السيناركيين من أمثال جورج شولتز".
لكن لاروش نوه أيضا: "إن أفعال تشيني وزمرته الذين يريدون مواجهة عسكرية مع إيران، يهددون بتدمير الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كجمهورية ذات سيادة، مثلما فعلوا مؤخرا في ألاعيبهم لتنصيب صامويل أليتو قاضيا في المحكمة العليا الأمريكية كخطوة كبرى نحو تمزيق دستور الولايات المتحدة كوثيقة حية. هذه الأفعال لا تقل خطورة عن الخيانة العظمى".
وشدد لاروش على أن الدوائر المالية في لندن تعمل وفقا " لطريقة عمل فينيسية " لتدبير وإدارة النزاعات (الإشارة هنا هي إلى دور مدينة البندقية التاريخي في العصور الوسطى باعتبارها مركزا ماليا وتجاريا رئيسيا في البحر المتوسط ودورها في إشعال الحروب الدينية في أوربا والحروب الصليبية في الشرق عن طريق الدسائس، ولربما تعطي شخصية ياغو في مسرحية عطيل للكاتب شكسبير نكهة درامية لهذه الحقيقة التاريخية - المترجم). ووضح لاروش هذه النقطة بقوله: " إن الإمبراطورية البريطانية عبر تاريخها الذي بدأ مع تحريك حرب السبعة أعوام في أوربا (1756- 1763)، استخدمت باستمرار الطريقة الفينيسية في إشعال الحروب عبر كل قارة أوراسيا، كوسيلة للحفاظ على الإمبراطورية البريطانية من المنافسين من داخل القارة. "
" أدرس التاريخ، وسترى نمطا متكررا: حرب السبعة أعوام والثورة الفرنسية التي أدارتها شركة الهند الشرقية البريطانية و الحروب النابليونية وحرب القرم، والحرب الأهلية الأمريكية التي كان لبريطانيا اليد الطولى فيها، والغزو الفرنسي للمكسيك المدعوم بريطانيا، ومن ثم الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب الباردة التي أطلقها ونستون تشرتشل، وحرب الهند الصينية. البريطانيون دائما يشعلون حروبا ويحثون طرفين آخرين لخوضها. "
" في بعض الأحيان، كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، يشارك البريطانيون ويمنون بخسائر كبيرة، لكن ذلك هو الثمن الذي يدفعونه مقابل استغلال منافسيهم وآخرين وإدخالهم في أمواج الصراعات المدمرة، والتي يخرج الجناح الإمبريالي المالي المتمركز في لندن منها منتصرا دائما عاجلا أم آجلا. في اللحظة الراهنة في قضية إيران، يلعب جاك سترو (وزير الخارجية البريطاني) من جديد بالحكومة الإيرانية الحالية والمؤسسات الأمريكية وحتى الكثيرين في الحزب الديمقراطي وغيرهم كدمى. "
" حاليا، تعرف الدوائر المالية في حي أعمال لندن أنه إذا انهار النظام المالي والنقدي الحالي، كنتيجة لحرب جديدة في الخليج، فإن الزمرة المصرفية ستحكم قبضتها على العالم وتسيطر عليه عن طريق صناديق الاستثمار والتحوط التي تحتفظ بالملكية الاسمية لمعظم الثروات الطبيعية في العالم. في ظل النظام القانوني السائد اليوم، ستعلن هذه الدوائر في لندن ملكيتها للموارد الطبيعية والقدرات الإنتاجية لهذا الكوكب، وسيكون لدينا عولمة مطلقة، أي دكتاتورية سيناركية عالمية. "
بريطانيا تحرك خيوط اللعبة(1/202)
في يوم السبت 4 فبراير صوت الأعضاء الخمسة وثلاثون لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنسبة 27 إلى 3 (وخمسة امتنعوا عن التصويت) لصالح إحالة ملف البرنامج النووي الإيراني على مجلس الأمن الدولي. جاء التصويت بعد هزيمة محاولات اللحظة الأخيرة التي قام بها أعضاء منظمة دول عدم الانحياز لوقف التصويت، نتيجة لعملية مساومة دبرتها الحكومة البريطانية. خلال لحظات أعلنت الحكومة الإيرانية أن جميع المفاوضات الدبلوماسية قد انتهت، وأن إيران ستعاود تشغيل جميع نواحي برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم، وهو البرنامج الذي تم تجميده لمدة عامين جرت خلالها المفاوضات، وتمت إعادة العمل به جزئيا في العاشر من يناير هذا العام، وهو الأمر الذي زود المسوغ للمواجهة الحالية.
وقد ساعدت الحكومة الإيرانية في تأجيج نار هذه المواجهة المدبرة من بريطانيا من خلال رفضها للحل الوسط المتمثل بالاقتراح المقدم من قبل الحكومة الروسية حول تخصيب اليورانيوم الإيراني في روسيا لتزويد الوقود للمفاعلات النووية الإيرانية، مما سيعني تقديم الضمانات الكافية على أن إيران لن تكون قادرة على إنتاج المواد المستخدمة في صنع القنابل النووية. بعد أن قام السكرتير العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الجنرال على لاريجاني بزيارة إلى موسكو في نهاية يناير 2006 حيث عبر عن دعمه للاقتراح الروسي، تمت إعادة النظر في هذا الدعم بشكل مفاجئ حالما عاد لاريجاني إلى طهران. والأسوأ من ذلك تدخلت إيران في نزاع بين جورجيا وروسيا حول شحنات النفط والغاز الروسي إلى جورجيا، عن طريق إعلانها عشية اجتماع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن في لندن، بأنها ستضمن تزويد جورجيا باحتياجاتها من الطاقة. قرأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التحرك الإيراني باعتباره صفعة في وجه موسكو وكإشارة على أن إيران ليست راغبة في التوصل إلى صفقة بخصوص بروتوكول تخصيب اليورانيوم.
هذه التحركات التي قامت بها القيادة الإيرانية المتمثلة بخامنئي - أحمدي نجاد لم تنفع سوى في إثبات أنهما ليسا سوى قطعتي شطرنج محدودتي الذكاء في اللعبة البريطانية الكبرى مثلهما مثل زمرة تشيني في واشنطن التي يحركها جورج شولتز.
الساعة الآن تدق بانتظار يوم 6 مارس حينما تنعقد جلسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث سيقدم الدكتور محمد البرادعي تقريره حول البرنامج النووي الإيراني. لكن التصويت في الرابع من فبراير ضمن أنه بغض النظر عما سيتضمنه تقرير البرادعي فإن إيران ستحال إلى مجلس الأمن بما سيعنيه ذلك من فرض عقوبات وحتى ضربات عسكرية.
حتى يفهم المرء الأحداث الحالية بشكل كامل ويدرك أبعاد الدسائس الفينيسية المدبرة من لندن بواسطة حكومة بلير، لا بد من وجود فهم للتاريخ. في الماضي كان "المكتب العربي" السيئ الصيت في وزارة الخارجية البريطانية يحرك خيوط حكومات المشايخ القبلية والراديكاليين الإسلاميين عن طريق "المستشاربن" والمندوبين البريطانيين الموجودين في تلك البلدان. أما "الأزمة" المدبرة اليوم فإنها تدار من خلال التنميط النفسي العميق (psychological p r ofiling) للاعبين والمؤسسات الأساسية لطرفي اللعبة المشتركين في المواجهة القادمة.
وفقا لتقارير إعلامية عديدة، يبدو أن المواجهة حول برنامج إيران النووي قد أدخلت إلى نفق اللاعودة في 31 يناير أثناء مأدبة عشاء وزارية أقيمت في منزل وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في لندن. طرح جاك سترو على ضيوفه وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، وهم بالإضافة إلى سترو يمثلون الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، فكرة أن يحال الملف الإيراني حالا إلى مجلس الأمن لفعل شيء من أجل "دعم عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
لا تتوفر أية تفاصيل دقيقة لما دار في ذلك العشاء، لكن من الواضح أن سترو وضع قضية العقوبات على الطاولة، ثم توسط بين النقيضين "المتطرفين" المتمثلين بواشنطن على جهة وروسيا والصين على الجهة الثانية. وورد ضمن ما رشح عن العشاء في وسائل الإعلام أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أصرت على إحالة الأمر إلى مجلس الأمن فورا وفرض عقوبات على إيران. أما روسيا والصين فقد أصرتا على منح وكالة الطاقة الذرية فرصتها حتى شهر مارس، بينما تستمر المفاوضات بين روسيا وإيران بدعم من بكين لتفادي المواجهة في مجلس الأمن.(1/203)
كانت رايس قد حصلت على شحنتها الهجومية من مربيها وراعيها جورج شولتز الشخصية السيناركية الرئيسية. يترأس شولتز مع جيمس وولزي رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق "لجنة الخطر الداهم" (Committee on the P r esent Dange r - http://www.fightingte r ro صلى الله عليه وسلم o r g) وهي جماعة واجهة أنجلوأمريكية سيئة الصيت من مخلفات الحرب الباردة. هذه اللجنة أصدرت بيانا في 23 يناير 2006، مطالبة بتغيير النظام في طهران وإجراءات طارئة لإغلاق البرنامج النووي الإيراني. بالإضافة إلى دعوتها لعقوبات اقتصادية عاجلة من الأمم المتحدة ضد إيران، طالب البيان أيضا بفرض حصار على واردات إيران من المنتجات النفطية وعقد محكمة دولية لمعاقبة أية الله خامنئي والرئيس أحمدي نجاد، وحملة نشيطة لتقديم الدعم العلني والسري لمعارضي النظام داخل إيران.
لقد وضعت الانتخابات الإيرانية الأخيرة التي فاز فيها أحمدي نجاد الإيرانيين على خط المواجهة بما يناسب بشكل كلي اللعبة البريطانية العالمية. تذكر مصادر مطلعة على الصراع الداخلي المستمر في طهران أن الحرس الجمهوري والميليشيات المؤيدة لأحمدي نجاد تسعى لاستفزاز ما تظن هذه الدوائر أنها ستكون ضربة عسكرية "محدودة" ضد الجمهورية الإسلامية، وهي ضربة ستمكنهم حسب اعتقادهم من توطيد سيطرتهم على الحكم في البلاد.
كانت أسس المواجهة بين طهران وواشنطن قد وضعت في أغسطس من عام 2005. في ذلك الوقت كشف لاروش خطة تشيني التي وصفها لاروش باسم "مدافع أغسطس" التي كانت موجهة لضربة نووية استباقية ضد برنامج التسلح النووي الإيراني المزعوم. في وقتها تدخلت المؤسسات العسكرية الأمريكية لتسريب تفاصيل خطط الإدارة الأمريكية و "القيادة الاستراتيجية" بتوجيه ضربة جوية على إيران يحتمل أن تستخدم فيها الأسلحة النووية لضرب الأهداف المحصنة. أدى تدخل لاروش في حينها إلى إعاقة ذلك الهجوم في لحظة كان الكونجرس في إجازة.
http://al-shaab.o r g المصدر:
=============(1/204)
(1/205)
المغرب .. شروط تعجيزية وهواجس أمنية تحكم قانون الأحزاب
إدريس الكنبوري
بعد أشهر عدة من الجدل السياسي بشأنه وانقسام آراء السياسيين والمهتمين حوله، أصبح قانون الأحزاب السياسية الجديد في المغرب حقيقة نافذة بعد المصادقة عليه في جلسة برلمانية فارغة تقريباً، إذ لم يحضر للتصويت على القانون الذي أثار الكثير من السجال، من ضمن نحو 325 نائباً في البرلمان سوى عدد قليل من النواب، وتم التصديق على القانون ب" أغلبية " 44 صوتاً ومعارضة نائبين وامتناع 22 عن التصويت، الأمر الذي أبان درجة الأزمة السياسية في البلاد وغياب التأثير السياسي للأحزاب، في التعاطي مع قانون هو الأول من نوعه في المغرب.
ومنذ عدة أشهر والقانون المشار إليه يرقد في رفوف الحكومة التي كانت تريد بحسب المراقبين اختيار الوقت المناسب لتمريره أمام البرلمان في صمت، نظراً للانتقادات الواسعة التي تلقاها، سواء من قبل الأحزاب السياسية التي تراجع العديد منها عن انتقاداته في النهاية، أو منظمات المجتمع المدني التي لا تزال ترى في هذا القانون محاولة للقضاء على حرية الأحزاب السياسية ووسيلة لفرض وصاية الدولة عليها، ونظمت وقفة احتجاجية ضده أمام مقر البرلمان في الرباط. لكن الملك بادر خلال تدشين الدورة البرلمانية الحالية إلى دعوة الحكومة للإسراع بإخراج القانون إلى حيز الوجود، مما دفعها إلى المسارعة به، بعد ممارسة نوع من الضغوط على قيادات الأحزاب لسحب انتقاداتها أو التراجع عن بعض التعديلات التي تقدمت بها داخل اللجنة البرلمانية المكلفة بالتشريعات.
قانون التغلب على الأزمة: جاءت الدعوة إلى وضع قانون للأحزاب السياسية في العام الماضي من الملك وليس من الأحزاب نفسها، مما أكد أن هذه الأخيرة أصبحت غير قادرة على المبادرة وفقدت الكثير من قوتها سواء بسبب حالات التسرب لأعضائها أو حالات الانقسام داخلها أو تركيزها على المحطات الانتخابية وفقدان التواصل مع المواطنين وسيطرة الصراعات فيما بينها وتكاثر عددها، إلى حد أصبحت تدعى ب"الدكاكين". وتكمن رغبة الملك من وراء إخراج قانون للأحزاب حسبما أعلن في خطابه العام الماضي في تقوية دور الأحزاب السياسية وتمكينها من أداء المهام المنوطة بها في تأطير المواطنين وإصلاح الأوضاع الحزبية، ويقول بعض المنتقدين لسياسة الحكم في المغرب: إن الأحزاب وصلت درجة من الضعف لم تعد تلعب لصالح الملكية، حتى إن أسبوعية "لوجورنال" الفرانكفونية شديدة الانتقاد للملك وحاشيته كتبت قبل أيام أن "طبيعة التحالف القائم بين الملك والأحزاب وصمت هذه الأخيرة يشكل خطراً على البلاد"، إذ هناك تخوف لدى الدوائر الرسمية من أن يتحول تراجع شعبية الأحزاب وعجزها إلى رصيد إضافي للحركات الإسلامية.
من هنا يرى المراقبون أن الهدف من وراء وضع القانون هو دفع الأحزاب من جديد إلى لعب دور في الحياة السياسية واستعادة نفوذها في الشارع السياسي، وظهرت رغبة الحكم في ذلك في محطتين خلال هذا العام، الأولى: عندما أعلن الملك في مايو الماضي عن " المبادرة الوطنية الكبرى للتنمية البشرية " لإخراج البلاد من النفق الاجتماعي والاقتصادي الحاد إثر تقرير للبنك الدولي دق ناقوس الإنذار حول خطورة الأزمة في المغرب، حيث دعا العاهل المغربي الأحزاب السياسية إلى بلورة تصورات حول هذه المبادرة الشاملة ووضع الملف الاجتماعي على رأس أولوياتها في التحضير لانتخابات عام 2007م، الأمر الذي علق عليه البعض قائلاً: إن الملك أصبح هو الذي يرسم برامج الأحزاب التي تفتقد للبرامج، أما المحطة الثانية فهي مطالبة الملك في شهر أكتوبر الماضي للأحزاب بوضع تصورات تهم قضية الصحراء ومشروع " الحكم الذاتي " الذي طرحه لإنهاء النزاع وتقديمها له، ذلك بعد فترة طويلة من غياب الأحزاب عن هذه القضية التي تعتبر " مقدسة " في البلاد وتدخل ضمن اختصاص القصر والدوائر المقربة من الملك.
يشكل قانون الأحزاب المغربي الجديد تراجعاً كبيراً عن قانون الحريات العامة لعام 1958م الذي كان الإطار القانوني المنظم للأحزاب خلال العقود الماضية، على الرغم من المفارقة الكبرى فيه، وهي أن الأول وضع بعد عامين فقط من استقلال البلاد عن فرنسا في وقت كان يفترض أن البلاد لم تحقق النضج السياسي المطلوب ولم يكن هناك سوى حزبين رئيسين، بينما وضع الثاني بعد خمسين عاماً من الاستقلال وحصول الكثير من التراكمات في التجارب السياسية المتوالية ووجود نحو 43 حزباً سياسياً.
قيود وهواجس أمنية:(1/206)
الهواجس الأمنية في القانون كانت واضحة، وظهر في المادة الرابعة التي أكدت أنه " لا يمكن لأي حزب أن يستند أو يؤسس على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي "، وبذلك أصبح المنع مبرراً قانوناً، بعدما كان الإسلاميون في السابق يقولون إنه لا مبررات قانونية له بناء على قانون: 1958م الذي لم يكن واضحاً في هذا الصدد، كما أنهى القانون أيضاً رغبة عدد من الفاعلين في الحقل السياسي الأمازيغي في تأسيس حزب عرقي لهم يدافع عن المطالب الثقافية والجهوية لهم. وقد اعتبر رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي عبد الله باها أن منع تأسيس أحزاب على أساس إسلامي من شأنه أن يغذي دعوات بعض المطالبين بإحلال العلمانية في البلاد، واستهداف مؤسسة إمارة المؤمنين "التي تشكل الأساس المتين للدولة المغربية على مدى تاريخها"، كما انتقد أيضاً منع تأسيس أحزاب أمازيغية أو جهوية، لأن ذلك يوحي بأن الأحزاب لا علاقة لها بالثقافة المحلية ولا بالجهوية البانية أو الدين.
وقد امتلأ القانون بمجموعة من القيود ذات الطابع التعجيزي التي تجعل من تأسيس الأحزاب أمراً صعباً، من ذلك مثلاً اشتراط حصول الراغبين في إنشاء حزب سياسي على ألف توقيع مكتوب على الأقل للأعضاء المؤسسين للحزب الجديد، يلزمون بمقتضاه بعقد المؤتمر التأسيسي للحزب خلال عام، وأن يكون هؤلاء منتمين بحسب مقرت إقامتهم إلى نصف عدد جهات المملكة على الأقل، شرط ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين بكل جهة عن 5 % من مجموع الأعضاء المؤسسين، ولا يكون المؤتمر التأسيسي مطابقاً للقانون ما لم يحضره 1500 مؤتمر على الأقل، مع أن غالبية الأحزاب الحالية لا تعكس هذا المستوى من الانتشار الذي يطالب به القانون، مما دفع بالمنتقدين إلى القول بأن هدف القانون هو منع ظهور أحزاب جديدة.
سلطة الترخيص:
الأمر الآخر أن القانون وضع بيد وزارة الداخلية سلطة الترخيص للأحزاب السياسية وسلطة حلها في حال مخالفة القانون، ولم يجعلها بيد القضاء كما كانت تطالب بذلك هيئات المجتمع المدني وكما هو حاصل في البلدان الديمقراطية. ووضع قائمة من الممنوعات الغامضة التي يرى فيها المهتمون وسيلة لحل الأحزاب مستقبلاً، من ذلك مثلاً الإخلال بالاحترام الواجب للملك، بشكل يسمح بإدخال كل انتقاد للوضع السياسي العام ضمن دائرة المس بالمحظورات. ونص القانون أيضاً على حل الحزب في حال لم يشارك في الانتخابات مرتين متواليتين، مما يقود بحسب المراقبين إلى إدراج جميع الأحزاب في اللعبة الانتخابية بصرف النظر عن الانتقادات التي يمكن أن توجهها هذه الأحزاب للدستور أو القوانين المنظمة للانتخابات.
وقد جاء القانون الجديد بمقتضيات تهم مراقبة مالية الأحزاب السياسية بما يتيح توافر نوع من الشفافية في تدبير ماليتها، حيث منع أن يتلقى الحزب "أية هبة أو تبرع أو إعانة مادية من دولة أجنبية أو من شخص طبيعي أو معنوي خاضع لقانون أجنبي، ولا يتلقى أية إعانة كيفما كانت طبيعتها من طرف الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو المقاولات العمومية"، ومنع الحصول على إعانات من أشخاص أجانب مقيمين في المغرب، وألزم الأحزاب بحصر حساباتها المالية سنوياً والاحتفاظ بجميع الوثائق المتعلقة بماليتها لمدة عشر سنوات على الأقل، وعلق الحصول على الدعم المالي للدولة على عدد الأصوات الحاصل عليها في الانتخابات وعدد المقاعد التي فاز بها كل حزب.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
==================(1/207)
(1/208)
والت ديزني .. والجانب الطفولي في الحرب الإعلامية
جمال الحوشبي
أخذت أقلب عدداً من البطاقات الجذابة الصغيرة ذات الصور الملونة التي قامت شركة ديزني بطرحها مؤخراً لاجتذاب الأطفال؛ ترويجاً لعدد من أفلامها الكرتونية المدبلجة.ولسابق معرفتي بهوية هذه الشركة وتاريخها الطويل في استفزاز المسلمين؛ من خلال أفلامها ومعارضها ومهرجاناتها التي يغلب على طابعها الهوية الصهيونية، رجعت إلى مشروع بحث موضوعي قديم قمت بإعداده ثم توقفت عنه لانشغالي بغيره.
بدأت فكرة المشروع الأولى في أعقاب مشاهدة مباشرة لفيلم من أفلام ديزني المدبلجة، قرأت من خلاله رسالة واضحة ربما خفيت على بعض المشاهدين، ولقد كانت مشاهدة موضوعية هدفت منها إلى الخروج بنتائج موضوعية ـ كذلك ـ تحدد الإطار العام للعقلية التي تقف خلف هذه الأفلام، والرسالة التي تحرص إدارة الشركة على إيصالها للمشاهد بالأسلوب الذي تراه مناسباً بحسب الظرف والمرحلة. وحتى تحكم على عملٍ ما فإنه يجب عليك ألا تقف عند حدود الانبهار بتفاصيله الكثيرة المشوِّقة.. فقط اخرج من دائرة الحدث، وتجرد عن مغريات الإثارة، ثم انظر من بُعد للعمل كله مع اصطحاب عدسة مكبرة لترى تفاصيل بعينها تقودك إلى الحقيقة. وإليكم هذا المثال من خلال عرض لذلك الفيلم الموجه بأهدافه الصهيونية، والذي تتصدر الدعاية له تلك البطاقات الملونة التي تتداولها تلك الأيدي البريئة في مدارسنا ومنتدياتنا العامة.
(حياة حشرة).. وملحمة صراع النمل مع الأشرار!
قرية مسالمة من النمل تعيش بسلام حياة الجد والنشاط، وتدير أمورها الخاصة بـ (ديمقراطية) واحترام، وانسجام وتعاون، تظللها شجرة سَرْو كبيرة على ضفاف الوادي السحيق المحيط بها فوق ربوة عالية، وتُحْدِق بها الخيرات من كل مكان. شيء واحد يقلق هذه القرية المسالمة.. إنه سرب من الجراد الأشرار الهمجيون القادمون من الصحراء القريبة، أولئك الذين لا يعرفون معنى للديمقراطية، فقائدهم ديكتاتوري عنيف، يطبل إعلامه من حوله ـ جرادة خرقاء تهذر كثيراً ـ ممجداً لكل قرار صائب يتخذه ذلك القائد. أما بقية السرب الذين يقودهم فهم حشرات بُلْهٌ يسيرون خلفه، وهم ـ بحسب الفيلم ـ لا يملكون دفعاً ولا رفعاً، ولا يهمهم سوى شهواتهم التي يحصّلونها من جراء السير خلف الزعيم والتسبيح بحمده، وتأييده في أعقاب كل قرار يتخذه. إنهم جميعاً زمرة جراد متوحشين يُغيرون على جيرانهم ـ المسالمين ـ.. ينهبون خيراتهم، ويرعبون صغارهم، ويتربصون بهم الدوائر كلما سنحت لهم الفرصة أيام الحصاد.
ولما لم تجد القرية ملاذاً من هذا الخطر المحدق قررت الاستسلام ـ لفرط ضعفها، ورغبتها في الأمن والسلام ـ واختارت دفع الإتاوات الظالمة لزعيم الجراد، وآلت على نفسها أن تحرم نفسها من الخيرات الكثيرة التي تقوم بجمعها بدلاً من المواجهة الخاسرة مع أولئك الأشرار. لكن مغامراً من بينها قرر السفر إلى الغرب باتجاه الحضارة والمدنية ليستعين بأفراد منها لقمع هؤلاء ـ الجيران ـ المعتدين. وتحت أضواء المدينة.. بمزيجها الاجتماعي وشوارعها المكتظة، وعماراتها الشاهقة ووهج النيون والملاهي الليلية؛ يتعرف ذلك الفدائي الصغير على الفريق المنقذ، ويتفق معه على مساعدة بني قومه من الهلاك، وحمايتهم من جيرانهم المعتدين. غير أن الطريف في الفيلم يكمن في تصوير فرقة الإنقاذ تلك بمجموعة من المهرجين الفاشلين، وبالفعل تتوجه الفرقة على متن طائرة خاصة ـ حشرة خنفساء كبيرة ـ إلى قرية النمل، وتبدأ باستعراض قوتها الجوفاء، والتخطيط للقضاء على الأعداء.
لقد كان ذلك المغامر فدائياً حقاً فقد أقنع أعضاء الفرقة بالصمود بعد أن كانوا متخوفين من مواجهة ذلك الجراد المتوحش، واستطاع أن يبتكر حيلة لإخافة أولئك المخربين وطردهم، ولكن الحيلة ظهرت، والمخططات انكشفت، ليأتي بعدها دور منقذ حقيقي آخر استطاع تفريق الجراد، والقضاء على زعيمهم.
ووسط حفاوة بالغة يتم توديع فريق الإنقاذ، وتظهر الدنيا في ختام الفيلم ـ كالعادة ـ بمظهر محبب، فالربيع يعود لنضارته، والزهور تتفتح من جديد، وتشرق الشمس بعد القضاء على أولئك الأشرار.(1/209)
هذه القصة الرمزية باختصار هي مادة فيلم الرسوم المتحركة (حياة حشرة) الذي قامت بإنتاجه والت ديزني، ولو أن شركة أخرى سواها أخرجته لم يكن هناك مسوِّغ لتكلف البحث وتدقيق النظر في الرسالة التي يعرضها الفيلم خارج إطار التسلية والترفيه، غير أن استبدال هذه الرموز في الفيلم بما يقابلها في العقلية اليهودية، متصلاً بالواقع المحيط بدولة (إسرائيل) يحدد معالم الصورة الكاملة، فقرية النمل اختيرت بعناية ودقة متناهية لتمثل دولة (إسرائيل) بديمقراطيتها المزعومة، وكفاحها، وحبها للسلام، ورغبتها في الأمن. أما ذلك السرب الهمجي من جراد الصحراء الأشرار فتصوير للعرب المحيطين بها. وتظهر نفسية اليهود وغطرستهم وتعاليهم حتى مع من يقدم لهم يد العون في تصوير المنقذ الغربي بفريق من المهرجين المخفقين الحمقى الذين لم يعد دورهم في مواجهة العرب دور الفزاعة التي تخيف الغربان في حقل الذرة الكبير، إلى أن ظهر الحليف الاستراتيجي الجديد بقوة على مسرح الأحداث.
بهذه النظرة الكلية يمكننا رسم الإطار العام للفيلم، وإذا خضنا في تفاصيله الدقيقة فالمجال واسع، والآراء تتباين، والحديث عنه أكثر اتساعاً، فلربما كانت تلك العجوز الشمطاء الحكيمة في قرية النمل رمزاً لدور امرأة حقيقية في تاريخ اليهود على غرار «جولدا مائير»، ولربما كان قائد الجراد الأشرار رمزاً لأحد رموز النكسة العربية من الثوريين العرب الذين يمتلئ بهم تاريخ الصراع قديماً وحديثاً، مع اعتقادي أن الفيلم أهمل نوعاً آخر من الجراد هو ذلك الجراد المهجن الذي انضم إلى فرقة الإنقاذ مؤخراً بعد أن أخذ على عاتقه حماية قرية النمل تلك من إرهاب أبناء جنسه!!
أما ذلك الشاب المخترع في الفيلم الذي أنقذ بني قومه؛ فشخصية حقيقية في تاريخ اليهود يُكِنُّ لها الصهاينة اليوم الإعجاب والتقدير ـ كما سيأتي ـ. وهكذا يتم استبدال الرموز واحداً تلو الآخر وفق دراسة دقيقة، بأسلوب ماكر، وبتوجيه غير مباشر لتكتمل معه الرسالة المطلوبة. ويكفي أن يدرك المشاهد الصغير ـ في هذه المرحلة ـ أن هناك قرية مسالمة تتعرض للاضطهاد والظلم والاعتداء من قِبَل جيرانها الأشرار، أياً كانت هذه القرية، ومهما كانت هوية أولئك الأشرار سواء أكانوا جراداً صحراوياً كما تُصورهم ديزني لمشاهديها الصغار، أو كانوا عرباً مسلمين إرهابيين كما تُصورهم لمشاهديها الكبار.
إنه غزو حديث ومطوّر هذه المرة، وحملة إعلامية جديدة تكمن الخطورة فيها من خلال جهلنا برسالتها الحقيقية الغامضة؛ وفي أننا نقتنيها بأموالنا، ونحتفي بها في أسواقنا لنفسد بها عقول أبنائنا وبناتنا!!
ومسلسل الصراع الدامي بيننا وبين اليهود قديم قِدم التاريخ، ومتجدد تجدد المستقبل، فأمة اليهود أمة ملعونة في القرآن، ناقضة للعهود، ولا تعرف للسلم معنى، وتسعى في الأرض فساداً. كما أنهم ـ كعادة الشعوب المستضعفة إذا تمكنت ـ لا يعرفون للرحمة معنى في تعاملهم مع من هم أقل منهم قوة وعتاداً، ويرتفع رصيد التأييد لقادتهم بدرجة الغطرسة والقهر والمجازر التي يسوم المستضعفين بها، والوعود الآثمة بسلب الحقوق، ونقض العهود، والقضاء على الشعب الأعزل. وما يحدث على أرض فلسطين المسلمة خير شاهد على ذلك؛ حتى أولئك الذين يسارعون فيهم خوفاً وطمعاً، ويقدمون لهم الولاء، ويعلنون أنهم الحريصون على أمنهم واستقرارهم؛ لم يسلموا من التحرش ومن البطش والنكال.
هكذا إذن بدت التفاصيل أمامي وأنا أستعرض هذا الفيلم الذي اشتراه أحد الزملاء، ورغبت في تقييمه قبل أن يتوجه به إلى المنزل ويقرر عرضه على طفله الصغير. ولربما كانت (عقدة المؤامرة) هي المخرج الذي يَسِمُ به البعض هذه الاستنتاجات الواعية وأمثالها، والتي تتولى الربط بين حقيقة المواجهة مع العدو والمنتجات الإعلامية والثقافية والفكرية التي يقدمها، والسبب كامن في النظرة السطحية الشفافة التي ينظر هؤلاء من خلالها إلى ما يُقدم إليهم بغضِّ النظر عن هويته وأهدافه.
ولم أشأ أن أسترسل في مشاهدة بقية أفلام الأطفال التي أصدرتها هذه الشركة لإثبات هويتها اليهودية، وكشف الرسالة الصهيونية التي تحملها؛ لعلمي بمدى الحاجة إلى عمل مؤسسي إعلامي فاعل يُعنى بمثل هذه الدراسات الناقدة، ويتولى مهمة كشفها، والرد المناسب عليها، كما يسعى إلى الحد من تداولها، وتوجيه المسلمين لمقاطعتها؛ حفاظاً على عقول الناشئة، وصيانة لمناهج التربية في عالمنا الإسلامي.
تلك كانت القناعة الأولى قبل أشهر من اطلاعي على دعاية أخرى بثتها شركة والت ديزني باللغة العربية، في هذا الإعلان ذكرت الشركة عزمها على توزيع كميات كبيرة من النسخ المجانية في مصر لفيلمها الكرتوني المدبلج الجديد (الديناصور)، والعديد من الأفلام الأخرى، إضافة إلى تقديم عروض مجانية لهذا الفيلم في السينما المصرية خاصة. ولعلمي بهوية الشركة تساءلت حينها: لماذا هذا الفيلم خصوصاً؟ ولماذا تم اختيار هذا القطر العزيز على قلوب المسلمين خاصة؟ حتى توافر لي ـ بعد الطلب ـ نسخة من الفيلم، ومعه كانت التجربة الموضوعية الثانية.(1/210)
(الديناصور).. وقصة الخروج إلى أرض الميعاد!!
يعد فيلم الديناصور عملاً فنياً متقن الإخراج، يتجلى فيه مزيج من التشويق والإثارة من خلال شخصياته المتعددة ـ المحببة إلى الأطفال ـ بالإضافة لجودة الإخراج والتصميم الذي اعتمد تقنية ثلاثية الأبعاد هذه المرة(1)، غير أن هدفه الجوهري الغامض، ورسالته التي يسعى إلى إيصالها كانا أكثر إتقاناً وأشد إثارة، وفي سبيل تعزيز رسالة الفيلم حرصت إدارة الشركة على التمهيد بمقدمة موجزة مقارنة بفيلم (حياة حشرة) الذي أدخل المشاهد مباشرة في قرية النمل. وهذه المقدمة في هذا الفيلم مهمة جداً نظراً للرسالة بالغة الأهمية التي يحملها، والتي تتطلب هذا القدر من التوضيح لمتوسطي الفهم من المشاهدين. وليس غريباً أن تنص هذه المقدمة على عبارة دقيقة غامضة تقول: (إن هناك أشياء تبتدئ كبيرة، وهناك أشياء تبتدئ صغيرة. ولكن أحياناً تكون هذه الأشياء الصغيرة هي التي تعمل أكبر تغيير في حياتها)! فما هذه الأشياء التي بدأت صغيرة والتي عملت تغييراً كبيراً في حياتها؟ قد لا نملك الجواب بسرعة، ولكنا لن نتردد في الإشارة إلى تجربة (إسرائيل) دولة اليهود على أرض فلسطين المسلمة، من خلال سرد أحداث الفيلم، ومن خلال خاتمته الموجزة ـ كذلك ـ التي تقول: «لا أحد منا يعرف نوع التغيير الذي سيحدث في المستقبل، لكن هناك شيء مؤكد.. وهو أن رحلتنا لم تنته.. ». نعم! إنها رحلة طويلة من صراع طويل لن ينتهي إلا على ضفتي نهر الأردن في الملحمة الكبرى الفاصلة مع المسلمين!
لكن لنعد لقصة الفيلم منذ البداية:
تبدأ أحداث الفيلم بإيحاءات العهد القديم الموغل في القدم ـ يبدو ذلك من آثار الجداريات والأحافير التي يتم عرضها بسرعة ـ وفجأة يبدأ ذلك العهد بالظهور والحركة لينشق عن منظر وحيد؛ إنه منظر لمجموعة من البَيْض تحوطه بالعناية أمٌّ رؤوم تحوم حوله وتخاف عليه وترعاه.
ينتقل المشهد لمنظر علوي رائع لأرض نهر كبير بأشجارها الكثيفة الرائعة وجبالها المزدانة بوشاح أخضر، ومياهها الرقراقة وطيورها الكثيرة. وعلى ضفتي النهر يظهر قطيع ضخم يضم عشرات الألوف من فصيلة الديناصورات آكلة الأعشاب ـ هذه المرة ـ تعيش بسلام في هذه الأرض. ويتكرر التأكيد على التضييق والاضطهاد الذي تعاني منه هذه الأمة، فكما حمل الفيلم السابق الرسالة نفسها في العصر الحديث؛ ها هي ذي الرسالة تتكرر في هذا الفيلم لتنقل جانباً من المعاناة في العصر الغابر. كما يحرص الفيلم على إظهار خطر آخر ينغص على هذا القطيع عيشه، وهو أنه يعيش بجوار قطيع آخر من الديناصورات المتوحشة آكلة اللحوم. وهذا التباين في هوية هذين الجارين مهم جداً؛ إذ يوحي بمعاني الذلة والمسكنة والاستضعاف بجوار القهر والظلم والتسلط الذي يسعى المخرج إلى غرسه في عقلية المشاهد.
ينتقل المشهد فجأة ليصور حدثاً خطراً كان يجري على سطح الأرض.. عن كثب يقف ديناصور ضخم بشع ومتوحش يرقب القطيع، ثم يهجم عليه فجأة، ويدب الفزع، وتسود الفوضى. جميع القطيع يهرب، حتى الأم تركض فزعة مخلفة البيض وراءها، ويتكسر كل البيض تحت أقدام هذا (الوحش) ما عدا بيضة واحدة قُدّر لها النجاة، ويُسلط الضوء ـ لثوان معدودة ـ على هذه البيضة الفريدة قبل أن يختطفها ديناصور آخر ثم يلقي بها في البحر. وفي خضم الأمواج المتلاطمة تحوطها العناية الإلهية وترعاها طوال رحلتها الشاقة الخطرة، وتحفظها من الكيد والأذى، فتراها تنجو من أنياب التماسيح، ومخالب السباع، وأقدام الزواحف الضخمة على طول ذلك النهر الكبير، حتى تقع بين مخالب طائر لاحم يختطفها ثم يطير بها بعيداً.. إلى هناك جهة الشرق البعيد، وبعد صراع مفتعل مع أحد الطيور يلقي بها في إقليم آخر، وسط حياة جديدة بين مجموعة من القرود. إخالكم أدركتم الآن طرفاً من القضية المحورية التي تدور حولها أحداث هذا الفيلم في هذا المقطع الأول من مقاطعه المتعددة!(1/211)
نعم! إن هذا الفيلم يحمل رسالة يهودية جديدة هذه المرة، فهو يصور للطفل ـ بطريقة سهلة غير مباشرة، وبأسلوب شائق ومثير ـ البدايات الأولى لتكوين الدولة اليهودية على أرض فلسطين المسلمة. وإدارة الشركة في هذا الفيلم تحرص على إظهار الحق التاريخي والديني لقضيتهم، فتجدهم يبدؤون قصة النشأة من هناك.. لحظة خروج اليهود من أرض مصر التي كانوا يذوقون فيها صنوف الذل والقهر والبطش من جيرانهم الأشرار.. فرعون وجنوده. كما يظهر الفيلم صورة رمزية لولادة نبيهم موسى - عليه السلام - الذي نجاه الله - تعالى - من القتل على أيدي الجنود الظلمة. ويختزل الفيلم حياة موسى - عليه السلام - الطويلة في بيت فرعون لتمثل تلك الرحلة الطويلة للبيضة من لحظة التقاطها إلى أن يقذف بها في الأرض الجديدة التي تمثل مرحلة النشأة؛ إذ لا حاجة لعرض تلك الفترة الطويلة التي لم تكن فيها أحداث مهمة تمس تاريخ اليهود. وهناك بين مجموعة من القرود الرحماء ينشأ ذلك الطريد الغريب ويُعَدُّ بعناية فائقة، غير أنه لا يطول به المقام، فبعد حياة الأمان والمرح والسعادة على تلك الأرض تحين ساعة الرحيل. وهنا يعمد مخرج الفيلم إلى ربط علمي مهم اختير بعناية فائقة ليصور نظرية من النظريات المقدمة لأسباب انقراض ديناصورات عصر الجوراسي قبل 225 مليون سنة كما يذكر الجيولوجيون؛ عندما كانت تعيش على الأرض ديناصورات آكلة نباتات إلى جانب أخرى بدائية آكلة لحوم مقاربة لحجم النعامة التي نراها اليوم، ليتوافق ذلك مع أسباب الخروج الفعلي لموسى - عليه السلام - من أرض مدين. وفي حين تتنزل الشهب والنيازك من السماء للقضاء على مظاهر الحياة هناك؛ فإن تدبيراً آخر من السماء يختار فرداً كريماً من أولئك المستضعفين ليقود قومه في رحلة النجاة إلى أرض الميعاد.
بهذه الإثارة والمعاناة ينتهي المقطع الأول للفيلم الذي يجتمع فيه التشويق مع مراعاة التسلسل المنطقي للأحداث.
ثم يبدأ المقطع الثاني، وفيه تتجلى النفسية اليهودية الحاقدة المليئة بالغدر والجحود والبهتان، وبخاصة مع نبيهم الكريم الذي أنقذهم الله - تعالى - به من حياة الذلة والمسكنة إلى حياة الحرية والاصطفاء. والحقيقة أن هذا النبي الكريم تعرض في حياته، وبعد مماته لصنوف من الأذى والمضايقات والافتراءات على يد اليهود قتلة الأنبياء والرسل. ويعود سبب ذلك الأذى والبغض لشدة هذا النبي الكريم عليهم بالحق، وغيرته على محارم الله - تعالى - التي ظل اليهود ينتهكونها، وشرائعه التي كفروا بها.. بدءاً من طلبهم أن يجعل لهم إلهاً من دون الله - تعالى -، وانتهاء بعبادتهم العجل من دون الله - سبحانه - في غيبته.
وفي هذا الفيلم تجلية لحقيقة ماثلة، وتصوير لمظهر من مظاهر ذلك الأذى بعد ألوف من السنين على وفاة موسى - عليه السلام -. والناظر لما يصدر عن النفسية اليهودية الحاقدة لا يقف طويلاً عند الهدف الخفي الذي يصوره المقطع القادم من الفيلم الذي يبدأ بهجرة ذلك الديناصور ـ المنقذ ـ بحثاً عن بني قومه الذين يلتقي بهم أخيراً تائهين في وهج الشمس بصحراء سيناء القاحلة، وهائمين على وجوههم بلا ظل ولا ماء، وهم مع ذلك مطاردون من عدد من الديناصورات آكلة اللحوم الغاضبة. والملاحظ في الفيلم أن هذا الديناصور الشاب يجد القطيع منهكاً.. تائهاً لا يعرف إلى أين يسير مع أن له قائداً ومساعداً يوجهان حركته الضخمة. لم يكن لدى القطيع بد في المسير؛ فالقائد ـ كما يصوره مخرج الفيلم ـ فظ غليظ القلب، شرس الطباع، ظالم لا يرحم الضعفاء وكبار السن والمرضى، وهو مضطرب في قراراته؛ فها هو يصدر أوامره الصارمة فجأة بالتوقف للراحة، وبعد قليل يصدر أمراً آخر مفاجئاً وأكثر صرامة ليتحرك القطيع قبل أن يأخذ راحته، وعن يمينه يسير ذلك المساعد الذي صُوِّر على أنه ديناصور تابع لا حول له ولا قوة، فهو يأتمر بما يأمره به، وينتهي عما ينهاه عنه، ويحفظ القطيع كلما عرض للقائد عارض.
لعلكم بعد هذا العرض أدركتم ـ كذلك ـ أبطال الفيلم من وجهة نظر اليهود! ولسبب ما تنقلب الشخصيتان؛ فرمز موسى - عليه السلام - في الفيلم ينقلب إلى رمز آخر جديد يعتبره اليهود المخلص الحقيقي لهم، في حين يُصوَّر موسى - عليه السلام - في رمز ذلك القائد العنيف الظالم.
لكن من هي الشخصية الجديدة التي استولت على البطولة، وسحبت البساط من تحت أقدام ذلك الشاب الفتي الذي نشأ وترعرع ليحقق حلم عودة القطيع إلى أرض الميعاد؟
إن المتتبع للتاريخ اليهودي الحديث لن يقف طويلاً عند ـ تخمين ـ تلك الشخصية التي يقدرها اليهود ويكنون لها الإعجاب والاحترام، فهذه الشخصية تعود للزعيم الصهيوني «حاييم وايزمان» الذي يصفه اليهود بأنه (الرجل الذي قاد شعب الله المختار إلى أرض الميعاد في أشهر لم يستطع موسى - عليه السلام - أن يقودهم إليها طوال أربعين عاماً)، وتناسى اليهود أن غضب الله - تعالى - ولعنته التي حلت بهم ـ بسبب كفرهم ـ هي التي أوجبت عليهم الشقاء والتيه في أرض سيناء تلك المدة الطويلة التي توفي فيها هارون - عليه السلام - ثم لحقه موسى - عليه السلام -.(1/212)
ولك أن تنظر للحقد اليهودي على نبي الله الكريم في هذه القضية خصوصاً ـ قيادة اليهود في أرض التيه ـ بالصراع الذي يفتعله مخرج هذا الفيلم بين عصرين متباينين لليهود في الزمان والمكان: عصر سحيق موغل في التاريخ القديم بقيادة موسى - عليه السلام - كليم الله - تعالى -، الرحيم الصبور على أذى بني إسرائيل. وعصر الصهيونية الحديث بقيادة ذلك المتطرف الصهيوني الروسي خليفة هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة ذات التاريخ الأسود المليء بالحقد والقتل وسلب الحقوق وسفك الدماء(1). لقد صور موسى - عليه السلام - بالقائد الذي لا يعرف أين يتجه، فهو لا يبدأ من مكان حتى يعود إليه، وبالقائد الذي كلف قومه ما لا يطيقون، وشق عليهم مشقة بالغة، لم يراعِ فيها كبيرهم، ولم يتفقد مريضهم. أما هذا القائد الشاب فيُصوَّر على أنه القائد رقيق القلب، دمث الأخلاق، الرحيم الذي يتخلف مع الضعفاء، ويتفقد كبار السن، ويواجه الصعاب، ويأسر الأفراد بحسن تعامله. بل حتى الماء الذي فجره الله - تعالى - لكليمه ومصطفاه موسى - عليه السلام - فضلاً وتكرماً حين استسقى لقومه؛ خصها هؤلاء الحاقدون بهذا القائد الجديد الذي ضرب بقدمه الأرض فانبعث الماء العذب من تحتها!! وهكذا هم اليهود قوم غدر ولؤم وبهتان وتزوير للحقائق.
ويظل الصراع في الفيلم بين هذين القائدين حتى تحين ساعة النهاية المزرية لذلك القائد الذي لا يعرف الطريق الصحيح فيموت على سفح جبل وعر يحول دون الوصول إلى أرض الميعاد، ليستلم المهمة هذا الشاب الفتي بعد هلاك ذلك القائد الهرم، ويتوجه بالقطيع جميعاً إلى طريق معاكس تماماً للطريق الذي كانوا يسيرون فيه، اكتشفه هذا القائد بنفسه، وشقَّه بعرقه وجهده، وصبره وتحمله وتضحيته. لقد كان هو الطريق الوحيد الذي رآه مناسباً لعبور ذلك القطيع نحو هدفهم التاريخي مهما كان طريقاً مزوراً يكتنفه الظلم والقهر والغدر والألم لسكان البلاد الأصليين. وبالفعل يصل القطيع الضخم لغايته ويبلغ أرض الميعاد، كما أوصل وايزمن ما لا يقل عن 100 ألف يهودي إلى أرض فلسطين المسلمة. ويختم الفيلم ـ كالعادة ـ بمنظر الخضرة التي تكسو الأرض نضارة؛ فالطيور ترفرف فرحاً، والأزهار تنتعش طرباً. ويحرص المخرج على إظهار أن جيلاً جديداً بدأ يعمر الأرض، وأن حياة جديدة بدأت تتشكل هناك وسط هتاف الجميع فرحاً بسلامة الوصول إلى أرض الميعاد، وهو احتفاء لا يقل عن احتفاء اليهود عشية دخولهم القدس في أرض فلسطين الجريحة. ويختم الفيلم بتلك المقدمة التي تربط هذا الوصول لتلك الأرض بالمستقبل الذي لا يُعلم ماذا سيحدث فيه!
إنه فيلم استطاع أن يصور قصة اليهود منذ البداية من خلال وجهة نظر اليهود أنفسهم، لكن بطريقة ماكرة ومخادعة فيها الكثير من التزوير والبهتان والحقد، والله - عز وجل - يشهد على نفسيتهم الخبيثة، والله - عز وجل - يكشف إفكهم ويُظهر كفرهم في كثير من الآيات في كتابه العزيز. ولقد قرر الله - تعالى - حقيقة غضبه ولعنته لليهود، وأنها بسبب كفرهم ومجاوزتهم حدود الأدب معه ومع أنبيائه ورسله. قال - عز وجل - : {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].
ومن خلال ذكر الكيد اليهودي بموسى - عليه السلام -، وتفاقم شرهم على أنبياء الله أجمعين يحذرنا القرآن من أن نكون مثلهم فنؤذي رسولنا كما آذوا رسولهم، على رسل الله أجمعين الصلاة والسلام، ويبين وجاهة موسى - عليه السلام - عند ربه. قال - عز وجل - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]. كما يخبرنا القرآن الكريم عن خطاب صريح ومباشر وجَّهه موسى - عليه السلام - نفسه لليهود يسألهم فيه عن سبب أذيتهم له مع أنهم يعلمون صدق رسالته، وأنه رسول ربهم، ومخلِّصهم من بطش فرعون، ويذكر - سبحانه - أن سبب ذلك كامن في فساد قلوبهم التي طبع الله - تعالى - عليها بكفرهم. قال - عز وجل - : {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5]. إنه الكفر والاستعلاء والفساد في الأرض الذي اتسم به جنس اليهود المبغوضين من شعوب الأرض أجمعين على مدار التاريخ القديم والحديث.
(ديزني) تواصل حربها الإعلامية ضد الإسلام:(1/213)
تأخذ الحرب الصهيونية على الإسلام والمسلمين في هذا الوقت أشكالاً متعددة، لعل من أهمها الحرب الإعلامية التي تُوظف لها الأفلام السينمائية، وأفلام الرسوم المتحركة الموجهة للكبار والصغار. وتكمن خطورة وسائل هذه الحرب في وجودها بوفرة في الأسواق وإمكانية الحصول عليها بسهولة من محلات الفيديو المنتشرة في العالمين العربي والإسلامي من دون وعي من قِبَل المشاهدين أو تحليل موضوعي دقيق لرسائلها المعادية.
وما يقال عن رسالة هذين الفيلمين يقال عن كثير من أفلام هذه الشركة. وباستقراء بعض تجاوزات (ديزني)؛ نجد أنها تعمد لتصوير رسالة تكررها هذه الشركة دائماً مفادها ـ ضرورة «محاربة» الرجال الأشرار «ليظل العالم مكاناً مليئاً بالسعادة» ـ وهي تتعمد الإساءة للإسلام والمسلمين من خلال تصويرهم بأولئك الأشرار في كثير من إنتاجها الإعلامي، ومهرجاناتها المتكررة باعتماد الأسلوب المباشر وغير المباشر.. ومن تلك الأمثلة ما يلي:
1 - أنتجت شركة ديزني عام 1982م فيلم الرسوم المتحركة (القط الطائر)، الذي يسيء للمسلمين من خلال فكرة الفيلم التي تدور حول كوكب في الكون الخارجي جميع سكانه من الهررة الذين بلغوا درجة متطورة من التقدم العلمي، بحيث يبدو سكان الأرض أمامهم أناساً متخلفين جداً. وفي الفيلم مغامرة يتصل من خلالها قط طائر عجيب منها بعالم أمريكي شاب، ويتفقان على مواجهة عصابة «خطرة جداً» تسعى للحصول على أسورة القط كي تسيطر على العالم بواسطتها. صورت هذه العصابة ـ طبعاً ـ على أنها من العرب، وتحمل أسماء عربية هي بالتحديد «أحمد ـ محمد ـ زكريا ـ علي»!! والغريب أنهم جاؤوا بعرب حقيقيين يتحدثون اللهجة البدوية ليقوموا بهذا الدور الشرير، وقد وقَّت المخرج ظهور هذه العصابة العربية بشكل يجعل المشاهد يضج غضباً من رؤيتها، ويهلل فرحاً كلما حقق القط انتصاراً عليها. وختاماً يتدخل «الجيش الأمريكي»، ويلقي القبض على العصابة العربية لينتصر القط العجيب والعالم الأمريكي!!
2 - بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وفي عام 1991م أنتجت شركة ديزني فيلماً آخر من أفلام الرسوم المتحركة يسيء للعرب والمسلمين اسمه (علاء الدين)، يدور الفيلم حول قوة شريرة تجتمع فيها قوة الجني السحرية التي تدخل عالم القوة الكونية لانشطار الذرَّة لتصبح قوة مدمرة عظيمة، يستولي عليها رجل عربي شرير اسمه (جعفر) بأنفه المعقوف، وعمامته الدائرية، ولحيته المدببة، وثيابه الشرقية الواضحة؛ ليصبح بذلك أقوى جني على وجه هذه البسيطة. وهي صورة مشوهة دائماً للعربي المكروه تتكرر كثيراً في الإعلام الصهيوني الأمريكي.
3 - تعدُّ شركة والت ديزني مساهماً كبيراً في جهود الحكومة الأمريكية التي تخوضها فيما تسميه حرباً على (الإرهاب)، والذي لا يستهدف سوى دول ومنظمات خيرية، وحركات مقاومة إسلامية.
ولإظهار ما تملكه (ديزني) من قدرات، وما يمكن أن تقدمه في هذا المجال من أفلام وبرامج موجهة؛ قال مدير الشركة: «إن أحد مصادر قوتنا هو قدرتنا على التواصل مع عدد كبير من الناس في الولايات المتحدة وعبر العالم، ولذا فإننا نتحرك على عدة جهات لكسب الرأي العام العالمي في معركتنا».
4 - ذكر موقع شركة ديزني على الإنترنت خبراً يفيد بأنها ستدخل العهد الجديد باكتساب عدد من ملايين المسلمين في العراق. وذلك كجزء من اتفاقية (الأرض مقابل النفس) بين الشركة وصدام حسين ـ استهزاء باتفاقية (الأرض مقابل السلام) التي أطلقها العرب للتعبير عن حسن نياتهم لليهود. في اتفاقية (الأرض مقابل النفس) ستبادل شركة ديزني دولة العراق بالفائض من مخزونها الاحتياطي من الأسلحة النووية مقابل أكثر من أربعة ملايين شخص (سوف ندعوهم إخواننا وأخواتنا!!) كما يقول الإعلان. وقد رافق هذا الخبر صورة حقيقية للمسجد الحرام بمرتاديه من الطائفين والقائمين والركع السجود، لكن المفاجأة في هذه الصورة هي استبدال الكعبة المشرفة بكُرة زجاجية على شكل كرة الجولف المصممة من قِبَل فناني ديزني. وتحت الخبر وردت عبارات استفزازية متعددة للمسلمين تشمل الإساءة للنبي محمد بتشبيهه بالفأر (ميكي)، حيث اعتمدوا في هذه الاتفاقية شخصية جديدة تسمى (محمد ميكي)، إضافة إلى استبدال كرة الزجاج بالكعبة الشريفة!!
5 - لم تكفّ شركة ديزني عن الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بشكل دائم ومستمر، وما زلنا نتذكر تلك الضجة الإعلامية والمواجهة الكلامية التي تمت بين شركة ديزني والجامعة العربية والمنظمات الإسلامية في أمريكا، والتي انتهت باستسلام الجميع وإصرار ديزني. كان ذلك في 1/10/1999م عندما أقامت (ديزني) معرضاً للقدس داخل ما أسمته بـ (القبة الألفية) للشركة بولاية فلوريدا، والذي لم تساهم (إسرائيل) في تمويله إلا بقيمة 1. 1 مليون دولار، أما الباقي فقد قدمته جهات أخرى لا يجهلها أحد ـ منها جهات عربية ـ!!(1/214)
بل إن أحد رجال الأعمال اليهود اقترح على صفحات الصحيفة الشهيرة والواسعة الانتشار «نيويورك تايمز» أنه في حال قبول ديزني لمقترح قدمه للرأي العام بعد تغيير اسم المعرض من «القدس عاصمة إسرائيل» إلى «القدس قلب إسرائيل»؛ فإنه مستعد لكي يمول المشروع ولو كلفه ذلك كل ثروته. وعلى باب المعرض تم تنظيم استطلاع لآراء الأطفال فقط من بين الزائرين لكي يظهر للعالم الجواب الذي سيقوله أغلبية هؤلاء الأطفال لسؤال واحد فقط هو: «ما هي عاصمة إسرائيل؟ ». ومع هذا فقد شاركت في هذه القرية اليهودية دول عربية وإسلامية!
سياسة التوجيه من خلال الترفيه:
كل أمة تحمل رسالةً ما في الحياة ـ مهما كانت طبيعة تلك الرسالة ـ هي أمة تستشعر معنى المسؤولية، وتسخِّر جميع طاقاتها لخدمة رسالتها تلك، وتوظف أهدافها الكبرى لنشرها والتعريف بها، حتى إنها لتجعل من اللهو والترفيه وسيلة مؤثرة فعالة لتحقيق القضية الكبرى والوصول إلى هدفها المركزي. وهذا ما يلمحه المتتبع لأفلام هذه الشركة في طَوْرين من أطوارها، يظهر الطور الأول في صورة الأفلام والرسائل الموجهة قبل استيلاء اليهود عليها، بينما يتجلى الثاني بعد بسط سيطرتهم عليها. ذلك أن هدف الشاب والت ديزني ـ صاحب الفكرة الأولى ـ في خطواته الأولى لإنشاء شركته؛ كانت تهدف لدمج الطفل مع حيوانات الغابة من خلال المزج السينمائي الساحر بين الأطفال والحيوانات والطبيعة. ولهذا قام بابتكار شخصيات محببة إلى الأطفال تبعث جواً من المرح والفكاهة. لكن من خلال الأزمة المالية التي كانت تمر بها الشركة ـ وبطريقة الابتزاز والمكر والخداع ـ استولى اليهود على هذا الصرح الإعلامي الضخم الذي اكتسب شهرته العالمية، ثم سعوا حثيثاً لتوظيف تلك الشخصيات الكرتونية المدبلجة في تحقيق أهدافهم وخدمة هويتهم، وبخاصة قضية صراعهم الدامي مع المسلمين. ومن خلال الترفيه تمكن اليهود من طرح قضاياهم الجادة، وفرضوها في كل المحافل، وأشغلوا بها العالم شرقاً وغرباً. إنهم إذن يدركون ماذا يفعلون، فهم لا يقدِّمون منتوجاتهم، ولا ينفقون أموالهم لمجرد اللهو والتسلية المحضة، بل ليكسبوا بها التعاطف الدولي مع قضاياهم المحورية التي يذكّرون بها المشاهد صباح مساء باستخدام الأسلوب المباشر، أو باعتماد أساليب أخرى ماكرة غير مباشرة تُدرس بعناية ثم تقدم بذكاء، مع كثير من النفاق والكذب وتزوير الحقائق. بخلاف إعلامنا العربي الغائب الذي يغامر كثيراً بعقول المشاهدين؛ عندما يصر على تقرير اللهو المحض ضمن أكثر قضاياه الجادة التي يتفنن فيها، وينفق من أجلها الميزانيات الباهظة والجهود الكثيرة.
إن كثيراً من برامج الإعلام العربي الطائشة، ومسلسلاته الباردة الساذجة لا هدف من ورائها إلا مجرد الإضحاك والتسلية وتضييع الأوقات، فإذا طرحت قضية جادة على استحياء فمن باب التنويع لا غير في أسلوب تقديم الهزل والتنافس عليه. حتى فقدت الأمة اتزانها، وتخلت عن رسالتها، ولم تكد تعي معنى الجد إلا من خلال قوانين اللهو باعتماد هذه السياسة الإعلامية العقيمة، بينما تمكن أعداؤها من توظيف اللهو لخدمة قضاياهم الجادة، وتلك هي المفارقة الحقيقية في معادلة النصر والهزيمة.
بهذه النظرة الواعية يمكننا أن ندرك الهدف من هذا الغزو ـ اللطيف ـ الموجه لأبنائنا وبناتنا، والذي صاغه اليهود بعناية دقيقة؛ مستفيدين من أحدث الأساليب المتطورة في الإخراج السينمائي عموماً، وفي عالم الرسوم المتحركة على وجه الخصوص.
والت ديزني في عيون أطفالنا:
وبعد.. فكيف ينظر أطفالنا لهذه الشركة؟ وما حجم الوعي بأساليب الغزو غير المباشر في محتوى أفلام الرسوم المتحركة التي تقوم بإنتاجها؟ وللإجابة الموضوعية عن هذا التساؤلات قمت باستطلاع مقنن لخمسة وعشرين طالباً من طلاب المرحلة المتوسطة ممن شاهدوا فيلماً واحداً على الأقل من أفلام الرسوم المتحركة التي تنتجها شركة ديزني، والذين تتراوح أعمارهم بين 13 ـ 15عاماً؛ لمعرفة آرائهم حول خمسة محاور مهمة هي: ماذا تعرف عن شركة ديزني؟ ما الفكرة العامة التي استنتجتها لكل فيلم رأيته من أفلام هذه الشركة؟ ما نسبة المفاسد والفوائد التي اطلعت عليها في هذه الأفلام؟ عدِّد بعضاً من تلك المفاسد أو الفوائد في هذه الأفلام من خلال مشاهداتك وتجاربك الخاصة. وأخيراً: قارن بين أفلام ديزني والأفلام الكرتونية المدبلجة التي قامت بإنتاجها شركات إسلامية من حيث السلبيات والإيجابيات.
وكانت النتائج الموضوعية من خلال إجابات الطلاب أنفسهم على النحو الآتي:
أولاً: ماذا تعرف عن شركة والت ديزني؟
3 «هي شركة تنتج برامج للأطفال، وتعمل أشياء كثيرة حتى يؤخذ عنها فكرة حسنة ويشتري الناس منها».
3 «شركة أمريكية تنتج أفلاماً يلهو بها أطفال المسلمين».
3 «شركة لا تتعامل مع الأطفال فقط في أفلامها، ولكنها تراعي أعمارنا نحن الشباب في سِنِّنا وفي الثانوية كذلك».
ثانياً: ما الفكرة العامة التي استنتجتها لكل فيلم رأيته من أفلام هذه الشركة؟(1/215)
بتوجيه الطلاب إلى الخروج من دائرة الانبهار بالسرد القصصي لأحداث الأفلام التفصيلية التي شاهدها كل منهم إلى استخراج الفكرة العامة لكل فيلم كانت النتائج التي توصل إليها الطلاب ـ بعباراتهم الخاصة ـ كما يلي:
(الغدر والخيانة والطمع)، (الحب والغرام)، (الانتقام)، (تعلم حياة جديدة من غير الاعتماد على الآخرين)، (الاستغناء عن الكبار)، (إيذاء الآخرين)، (الطمع والغيرة)، (الأنانية).
ثالثاً: ما نسبة المفاسد والفوائد التي اطلعت عليها من خلال مشاهداتك المباشرة لهذه الأفلام؟
تباينت التقديرات من الطلاب في تحديد هذه النسبة بحسب التباين بينهم في الفهم، والذي يعود لعوامل عدة، لعل من أهمها: محافظة الأسرة وتدينها، والنشأة التي نشأها الطفل، ونسبة الثقافة ودرجة الوعي ونحوها. وفي الجملة تراوحت نسب الفساد التي ذكرها الطلاب ما بين (15% و 100%) بينما تراوحت نسبة الفائدة بين (10% و 60%). وهناك من فصّل تفصيلاً مهماً في الموضوع، وأضاف إضافات طريفة على النحو الآتي: «في قصص الأطفال نسبة الفساد في نظري 20%، أما في الأفلام التي يمثل فيها الرجال الكبار فالفساد 100% كلها قصص حب، ماذا نستفيد منها؟ ». «عندما نكون صغاراً يكون الفساد قليلاً علينا، ولكن كلما كبرنا يكون الفساد أكثر». «هذه الأفلام تعلم الأطفال كيف يتعلقون بها، حتى يكبروا ويشاهدوا فساداً أكبر».
رابعاً: عدّد بعضاً من تلك المفاسد والفوائد من خلال مشاهداتك وتجاربك الخاصة.
تعددت إجابات الطلاب حول هذه القضية باختلاف العوامل السابقة. ولعل أحسن التبويبات التي ذكرها أحدهم في إجابته أنه قسم «المفاسد» إلى نوعين: مفاسد خارج الفيلم، ومفاسد داخل الفيلم.
وقد أعجبني هذا التقسيم، وانتهجته مع سائر الإجابات الأخرى التي أدلى بها زملاؤه الآخرون. وبعد تفنيدها كانت النتائج على النحو الآتي:
أولاً: المفاسد التي شاهدها الطلاب داخل الأفلام: (الحب، تلهي عن الصلاة والعبادة، تعلّم أشياء خليعة، خلق الأرواح وتصوير الإنسان، اللبس القصير والفاضح، الموسيقى، الرقص والاختلاط بين الذكور والإناث، مظاهر ليست من مظاهر المسلمين، رمي الأطعمة وإهانتها وعدم تقدير النعمة، ألفاظ وأفعال شركية كثيرة ـ وذكر بعض الطلاب عدداً منها ـ مثل: تنزيل المطر، وإنبات الأعشاب، وتصرفات تشابه فعل الله - تعالى -، السحر، القمار).
ثانياً: المفاسد خارج الأفلام ـ كما ذكرها الطلاب ـ: (تعليم الصغار أن يتحدثوا عن الحب والغرام منذ البداية، تضييع الوقت، الانشغال عن الوالدين وتعويد الطالب على عدم برِّهما، صرف الأموال والتبذير).
بينما دارت الفوائد في الآتي: (التعاون بين الأفراد، والتحذير من الانفراد والانعزال، التحذير من الأنانية والطمع، قضاء الوقت والمرح).
ومن إجابات أحد الطلاب حول الفوائد التي خرج بها قوله: «ليس فيها إلا مجرد ضياع للوقت، والضحك».
ثالثاً: قارن ـ بذكر السلبيات والإيجابيات ـ بين أفلام ديزني والأفلام الكرتونية المدبلجة الموجهة للطلاب، والتي قامت بها شركات إسلامية أخرى.
من خلال مشاهدة الفرق ـ في نظر هؤلاء الطلاب ـ كانت النتائج كما يلي:
المكر الكبّار في مقابل الوعي الغائب:
في غياب الوعي التربوي، ومراقبة ما يقدم للأطفال من حيث المحتوى والهدف ـ لا من حيث التشويق والإثارة فحسب ـ يظهر الخلل، وينشأ الانحراف. ولقد رأيت أن نسبة كبيرة من أولياء الأمور لا يهمهم ـ غالباً ـ وجود مفهوم منحرف يقدم بأسلوب غير مباشر في أفلام الرسوم المتحركة، وبخاصة للأبناء والبنات دون سن الرابعة عشرة، رغبة في الاستمتاع والتسلية، وظناً منهم بأن عقولهم الصغيرة أقل من أن تدرك ما بين السطور. وهذا وعي غائب أفرزه التساهل والجهل معاً.. التساهل بأمانة التربية والتقويم منذ الصغر، والجهل بالقدرات الحقيقية لعقلية الفتيان والفتيات.
ومن خلال الإجابات السابقة يتبين لنا مستوى النضج، ودرجة الوعي والإدراك الذي يصل إليه أبناؤنا وبناتنا في هذه السن المبكرة، بل إن بعضهم لربما فاق كثيراً من الكبار في هذا المجال في باب النقد والتحليل. إن ظاهرة الوعي الغائب يتحدد من خلال قناعة الكثير من أفراد هذه الأمة بالتفاعل مع الهجمات الموجهة الشرسة فقط، ومن هذه القناعة خاصة يعظم الكيد الخفي بعد أن تتهيأ للعدو الفرص السانحة ليعمل بهدوء لكن بنتائج مؤكدة. ومن خلال التخطيط الخفي يرتب العدو أوراقه، وينشر مكره، ويحقق مخططاته وفق الأولويات التي يراها مناسبة في كل مرحلة، وغياب الوعي عن المكر الخفي داء خطر، لا يزول بمجرد الهيجان ضد الكيد السافر المباشر، كما أنه شر عظيم يمكن لأعداء الأمة بكل سهولة.(1/216)
وفي حين يهبّ كثير من العرب والمسلمين إذا ما تحقق النيل الصريح المباشر من دينهم وعقيدتهم؛ نجد كثيراً منهم غافلين عما يراد بهم في الخفاء، إنهم لا يهبُّون ـ غالباً ـ إلا إذا نيل من شخص النبي محمد .. باسمه الصريح، بينما لا تثيرهم مئات المطاعن والشتائم الأخرى على هذا النبي الكريم بالوسائل الماكرة غير المباشرة؛ عبر الوسائل الإعلامية الكثيرة في الصحف والأفلام والمجلات والقنوات. وهم يثورون كذلك إذا نيل من القرآن الكريم.. لكن ذلك المحفوظ بين دفتي المصحف ذي اللون الأخضر البراق المكتوب بخط النسخ الجميل، ولا يحركون ساكناً أمام عشرات التصريحات اليومية بعدم صلاحية هذا القرآن للتطبيق في هذا العصر، أو التنقص من أحكامه وتشريعاته، أو مقارنته بالقوانين الوضعية التي يتحاكمون هم إليها، ويحتجون بها في حياتهم اليومية بلا حرج. كما أن منظراً يبثه الإعلام لطفل مسلم بريء يُقتل بين أحضان والده ظلماً كفيل بتأجيج مشاعر الملايين وتحريكهم في الشوارع هائجين.. غاضبين طوال النهار، لكنهم سريعاً ما يُصبحون في اليوم التالي على لهوهم ومرحهم وغفلتهم.
وفي حين تحصد الطائرات والقذائف عشرات الألوف من المسلمين في بقاع شتى من العالم، ويُفتَك بالألوف من أطفال المسلمين ونسائهم وشيوخهم بغير ذنب، ويموت من جراء الحصار الطويل مئات الألوف منهم؛ يتبادل البعض في الشارع العربي جدوى المقاطعة لمنتوجات ذلك العدو الظالم وهم يتابعون فيلماً من أفلامه، ويتجرعون مشروباً من مشروباته، ويلبسون كساء من منتوجاته!! بل حتى أحداث الرعب في دول عربية وإسلامية مجاورة لا تكاد تحرك أحداً من المسلمين في ذلك الشارع!!
فأين من يستشعر مصاب إخواننا المسلمين في فلسطين والجزائر والسودان والصومال؟ وماذا نعلم عما يحدث الآن في الجمهوريات المسلمة في آسيا؛ بدءاً بالشيشان ومروراً بداغستان، وكشمير، وتركستان، وأفغانستان؟ بل أين نحن عما يخطط له الأعداء للمستقبل القريب للعديد من الدول الإسلامية الأخرى مثل باكستان ومصر واليمن وسوريا ولبنان والسعودية وغيرها، وسعيهم لإيقاعها في مستنقع الفوضى والاضطراب والفرقة؟ وأكاد أجزم أن كثيراً من المسلمين اليوم قد ضبطوا انفعالاتهم ومشاعرهم وردود أفعالهم تجاه عدوٍّ من الأعداء بعينه، في قضية من القضايا بعينها، وأن كثيراً منهم لا يكادون يفطنون لما يجري من أحداث مصيرية تتعلق بأمتهم؛ فضلاً عن إدراك حقيقة ما يراد بهم في المستقبل القريب، فضلاً عن معرفة الواجب تجاه فيلم كرتوني مدبلج يطعن فيهم وفي دينهم ورسولهم وتاريخهم.
ولقد كان الرهان قائماً ـ ولا يزال ـ في قاعات الاجتماعات المغلقة لصناع القرار في الغرب على جدوى التفكير في ردود فعل الشارع العربي الذي يحوي 380 مليون مسلم، وتهميشه من أي دور فاعل محتمل قبل اتخاذ القرارات الجائرة ضد العرب والمسلمين. ومع علمنا بأنه مجرد شارع لفئة بسيطة من المستمعين ـ كما يقول بعض المحللين الغربيين ـ إلا أن له كذلك مكانته التي يحسب لها المستعمر الحديث ألف حساب، فهو قوة فاعلة يمكن أن تذكي نار المخاوف الغربية، وأن تشعل نقاشات الصهيونية الأمريكية في الكونجرس لو استثمر الاستثمار الصحيح في معادلة المواجهة الصامتة مع الغرب في هذه المرحلة.
إن دراسة واعية، ونصيحة صادقة تُقدم للأمة، ومقاطعة صارمة يجمع عليها هذا العدد الضخم كله في ذلك الشارع العربي الواسع، ويؤازرهم فيها سائر إخوانهم المسلمين في العالم؛ لأي منتج تثبت صلته بمؤسسة أو منظمة تستخف بحقوق العرب والمسلمين، أو تكيد لهم بأي نوع من أنواع الكيد، أو تدعم اقتصاد عدوهم الغاصب، أو تستخف بقضيتهم الكبرى ـ مؤذن بإغلاق الكثير من المحلات المشبوهة في ذلك الشارع الكبير، والتمهيد لظهور محلات أخرى أنقى منها وأكثر ولاء، أو على الأقل أكثر حياداً. وهو ما يعترف به صنَّاع القرار الأمريكي أنفسهم عند الحديث عن سلاح المقاطعة الفتاك الذي يلوّح به المسلمون بين الحين والآخر.
غير أن سلاح المقاطعة ذاك ليس محصوراً في زجاجة مشروب غازي فقط، أو في علبة حلوى، أو منتج للأطفال، أو مطهر للأواني المنزلية فحسب، بل يدخل فيه الجانب الإعلامي بمقاطعة تلك الشركات المعادية التي تنتج تلك الأفلام المشبوهة التي تحدثت عنها. كما يتناول ـ على السواء ـ الصناعات الثقيلة والخفيفة والملبوسات والأدوية، ونحوها. إنه شعور داخلي لدى الفرد، وشعور عام يشكل حركة المجتمع يمكن توظيفه بعناية وفق قاعدة الولاء والبراء الشرعية التي يتقرب فيها العبد المسلم من ربه طمعاً في الأجر؛ من خلال امتناعه عن إنفاق أي جزء من ماله ـ مهما كان قليلاً ـ في أي وجه من وجوه الإضرار بالمسلمين. وهو التفاعل الذي يبرهن فيه صاحبه على صدق انتمائه للمسلمين في قضاياهم المصيرية الكبرى مع عدوهم أينما كان.
أعدت تلك البطاقات الملونة إلى أصحابها الصغار في آخر المطاف، ثم سألت أحدهم مداعباً: أي نصيحة من هذه النصائح المكتوبة على البطاقات أعجبتك؟ فكَّر قليلاً وهو يقلبها بيده الصغيرة ثم قال:«الصديق وقت الضيق»!!(1/217)
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(1/218)
(1/219)
تعقيبا على تسليم الدولة لفتاتين أسلمتا إلى الكنيسة
دولة ومؤسساتها فقد مبررات وجودها دستوريا
اللجنة المصرية للدفاع عن حرية العقيدة
مرة أخرى تثبت الدولة ومؤسساتها وأجهزتها أنها غير أمينة على دستور البلاد الذي يحمي الحرية في أعز ما فيها ، حرية الاعتقاد وحرية الدين ، مرة أخرى تقدم الدولة وأجهزتها ومؤسساتها دعمها المطلق للتطرف الديني الذي تمارسه قلة من المتطرفين الأقباط مدعومين من المؤسسة الكنسية في أعلى سلطاتها ، مرة أخرى تعلن الدولة لمواطنيها كافة بأنها غير مسؤولة عن تطبيق القانون أو نصب الدستور الذي من المفترض أن يحكم البلاد ويوجه دفة الحكم فيها ويحدد العلاقة بين المواطن وبين مؤسسات الدولة ، مرة أخرى تثبت الدولة لمواطنيها أنها غير معنية أصلا بحمايته أو الدفاع عن حقوقه الأولية بل وتؤكد للمواطنين بأنه يمكن أن تتواطأ مع البلطجة أو التطرف إذا كان ذلك يخدم مصالح بعض الأشخاص حتى وإن كان ينطوي على جريمة صريحة يعاقب عليها القانون ، مرة أخرى تثبت الدولة في مصر أنها دولة بلا مؤسسات وبلا قانون وبلا عدالة وبلا نيابة عامة ، دولة فقدت مبررات وجودها كدولة ، عندما نامت كل مؤسساتها وأجهزتها عمدا أمام صرخات مواطنتين مضطهدتين في دينهن فارتين بعقيدتهن التي اختاروها من القمع والاضطهاد ، فإذا بالشريان الوحيد في الدولة الذي يعمل ، وهو شريان الأمن فيها ، يقبض على فتاتين لجأتا إليه للحماية ، بوصفه يمثل دولة وقانونا ، وإذا به يقوم بتسليم " تيريزا إبراهيم " و" ماريان عياد " إلى المتطرفين الذين يطاردونهن واللاتي فررن منهم أصلا ، وأمام الدولة المستخزية الفاقدة للأهلية كدولة ، وأمام أعين الأجهزة التي تستأسد على قوى المعارضة السياسية ، يقوم المتطرفون بحلق شعر رأس الفتاتين تماما " على الصفر " ويتم ترحيلهن قسرا إلى أحد الأديرة للخضوع لحكم الاعتقال الذي حكمت به الدولة الموازية / الكنيسة ، عقابا لهن على تفكيرهن في ممارسة حق كفله لهم دستور دولة لم تعد قائمة فيما يبدو ، ولكي يؤكدوا أمام كافة المواطنين بأنه لا دولة للأقباط في مصر إلا دولة الكنيسة ، بإرادتها السياسية وبقانونها الخاص ومحاكمها الخاصة وبأجهزتها ومعتقلاتها .
إن هذا الذي يحدث جريمة أخلاقية ، وجريمة قانونية ، وجريمة دستورية أيضا ، وليس الأمر كما يروج بعض الحمقى بأنه لا يفيد البلد تحول مسلم إلى المسيحية أم تحول مسيحي إلى الإسلام ، وإنما الأمر في صميمه هو إهدار متعمد للدستور والقانون ، بل وتواطؤ من الدولة وأجهزتها الرسمية على إهدار دستور البلاد ، والاتفاق الجنائي بين الدولة وبعض المتطرفين على ارتكاب جريمة صريحة في حق مواطنين ، وتخلي الدولة وأجهزتها عن مسؤوليتها التي من أجلها قامت ، وهي حماية المواطن في حقوقه المكتسبة وفي أعلاها حقه في حرية الدين والاعتقاد ، هذه هي القضية في صلبها وجوهرها .
إن هذا الذي يحدث ويتكرر كل عدة أيام في مصر هو نذير شؤم على البلاد والعباد ، وإذا وقعت الواقعة ، ولا نظنها بعيدة ، إذ يستشعرها الكافة في احتقان النفوس في عموم مصر هذه الأيام ، فإن أحدا لن يمكنه أن يطفئ نيرانها ، ووقتها نعض أصابع الندم على تواطأنا جميعا على إهدار القانون والدستور وتغييب الدولة عن ممارسة دورها كدولة ، مقابل تعزيز وتعميق دور دولة الكنيسة .
http://www.almoslim.net المصدر:
=============(1/220)
(1/221)
قادة الغرب يقولون : دمروهم بالنووي
علي عبدالعال
فالغرب في هذه المرة يجهر بلا أي مواربة في توجيه التهديد، والتهديد مغلف باستخدام السلاح النووي، على ما في هذا السلاح من خطورة ليست في حجم الدمار الذي يخلفه بمثل ما فيه من قدرة على توسيع رقعة أي مواجهة قد يكون طرفاً فيها. والمواجهة هذه المرة ليست مواجهة أحلاف وتكتلات على مصالح متناقضة، بل مواجهة حضارات بحسب الرؤية الغربية، وهذا الصدام الحضاري الذي نال امتياز التبشير به حكماء ومفكرو الغرب سيقع حتماً بين أطراف عقائدية وفكرية في الأساس.
في تحذير صريح ومباشر في آن واحد، هدد الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، الخميس 19/1/2006م، باستخدام الترسانة النووية لبلاده ضد أي دولة ترعى هجوماً (إرهابياً) على الأراضي الفرنسية.
وقال شيراك: إن باريس ستكون مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية في حال وقوع أي هجوم عليها. جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي الذي دأبت الأدبيات الرسمية العربية على اعتباره (صديق العرب والمسلمين في أوروبا) خلال زيارته للقاعدة النووية الفرنسية بجزيرة "ليل لونغ" قبالة سواحل برست بغرب البلاد.
وتحدث شيراك عما وصفه بالتهديدات الجديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة. وقال: "إن في العديد من البلدان، تنتشر أفكار متشددة تدعو إلى المواجهة بين الحضارات"، مضيفاً أن زعماء الدول التي: "ستقدم على استخدام الوسائل الإرهايبة ضدنا، عليهم أن يعوا أنهم سيعرضون أنفسهم لرد حازم ومناسب من جانبنا". وقال: إن فرنسا كيفت قواتها النووية بشكل يسمح لها بالرد على التهديدات.
ولم تكن هذه التصريحات الصادرة عن أحد زعماء الأجنحة الغربية العتيقة من النوع العابر بأي حال، خاصة وأنها تأتي في ظل الجدل المثار حول البرنامج النووي لإيران باعتبارها المارد الإسلامي المتشدد الذي يتأهب لتدمير الحضارة الغربية ومعها أمريكا وإسرائيل.
وكانت فرنسا أبدت قلقها حيال البرنامج الإيراني ودعت طهران لوقف عمليات البحث والتطوير في منشآتها النووية. ولما لم يقم دليل واحد لدى الغرب حتى الآن على وجود دولة ترعى الهجمات ضد بلاده شرقية كانت أو غربية، خاصة وأنه ما من عملية هجومية تقع في دولة من الدول الغربية إلا وتصحبها سلسلة من الإدانات والاستنكارات الرسمية، فلابد من الوقوف أمام هذه التصريحات لمعرفة وجهتها الحقيقية والهدف من ورائها.
فقد تحدث شيراك من بين ما تحدث عما وصفه بالتهديدات الجديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة. هذه الحرب التي تمخض عنها "حلف شمال الأطلسي" آنذاك في مقابل "حلف وارسو" الشرقي الذي سرعان ما انهار مخلفاً عالم القطب الأوحد والحلف الأوحد الذي شاءت له الظروف أن يأخذ طابع التحالف العسكري الأبدي بين القوى الغربية.
وقد صاحب الأبدية التي تلون بها الحلف الغربي تساؤل قوي ظل يطرح نفسه دون أن يهتدي لجواب..في مواجهة من؟ ظل الغربيون حريصون على بقاء حلفهم العسكري وقد انهار العدو الشرقي!؟.فلا يوجد عدو واضح يمكن توجيه الآلة العسكرية الغربية إليه، ولا توجد أرض معركة ظاهرة للعيان، ولا دولة معينة يمكن إسقاطها لتنتهي عند ذلك حربهم.
ولم يكن الغربيون من السفه حتى يوجهون طاقاتهم لقتال الأشباح.
فمن بين الأوصاف التي خلعها الرئيس الفرنسي على الدول التي حذرها من رعاية الهجمات التي قد تستهدف بلاده دول: "تنتشر فيها أفكار متشددة تدعو إلى المواجهة بين الحضارات". وهذا الوصف لا شك لا ينطبق ـطبقاً للرؤية الغربيةـ سوى على دول المنطقة العربية والإسلامية. ومن ثم فلا مجال لنفي حقيقة التهديد الموجه من قبل الغرب، وهو ما أعلنه الأمريكيون قبل ذلك صراحة فيما يسمى بـ (الحرب على الإرهاب) هذه الحرب التي دارت رحاها وجميع معاركها على أرض إسلامية (العراق، أفغانستان، باكستان، اليمن، السودان، السعودية، الكويت) وأخيراً (سوريا وإيران ولبنان) ناهيك عن تجنيد الأنظمة المتحالفة مع الغرب ضد شعوبها في هذا المجال.
وأمام هذه الحرب التي أخذ الحلف الغربي بجميع أجنحته يعد لها العدة ـ كما يبدو من خطاباته ـ وهو ما بدى جلياً في التحالف الذي اجتاح الأراضي العراقية بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، واسقاط نظام صدام حسين، تتجلى خطورة وحجم التهديد.
فالغرب في هذه المرة يجهر بلا أي مواربة في توجيه التهديد، والتهديد مغلف باستخدام السلاح النووي، على ما في هذا السلاح من خطورة ليست في حجم الدمار الذي يخلفه بمثل ما فيه من قدرة على توسيع رقعة أي مواجهة قد يكون طرفاً فيها. والمواجهة هذه المرة ليست مواجهة أحلاف وتكتلات على مصالح متناقضة، بل مواجهة حضارات بحسب الرؤية الغربية، وهذا الصدام الحضاري الذي نال امتياز التبشير به حكماء ومفكرو الغرب سيقع حتماً بين أطراف عقائدية وفكرية في الأساس.(1/222)
نحن إذن أمام صدام تطوع زعماء الغرب بالترويج له، وإن قالوا أنه ضد ما يرونه (إرهاب) هذه الكلمة التي اختلفوا في تحديد مدلولها ظاهريا وإن اتفقوا على تحديد العدو الذي أسقطوها عليه، ووجهوا نحو صدره سهامهم. ولعل تصريحات الرئيس الفرنسي تعيد إلى الأذهان وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) الحروب والمعارك التي أشعلها في البلاد الإسلامية بـ "الحرب المقدسة" هذه الحرب التي ساق لها الغربيون قوة عسكرية هائلة، وحشد سياسي وإعلامي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية حتى الآن.
ولعل ما يثير الريبة إزاء التهديدات الغربية هو (الخطاب الجماعي) الذي دائماً ما تتحلى به تصريحات الزعماء الغربيين، ففي خطاب شيراك الذي عليه مدار الحديث يقول الرئيس الفرنسي: إن "مكافحة الإرهاب هي بالتأكيد من أولوياتنا"، مضيفاً "سنواصل على هذه الطريق بحزم وتصميم". معتبراً أن الإمدادات الإستراتيجية والدفاع عن الحلفاء يشكلان مصالح "حيوية" وتبرر بالتالي اللجوء إلى قوة الردع النووية. ويضيف شيراك: إن باريس يجب أن تكون قادرة على أن تضرب بقوة مراكز القوى في الدولة المعادية وقدرتها على التحرك.. وإن كل القوات النووية الفرنسية تضع هذه الإستراتيجية في ذهنها.
فشيراك بخطابه هذا كمن يشرع لعدون مستقبلي، وهذا العدوان لم يحتكم سوى لرؤية أحادية في تحديد مكمن الخطر الذي ينبغي أن تتوجه إلى سهام باريس النووية حيث يقول: "يعود إلى رئيس الجمهورية (الفرنسية) تقدير الحجم والنتائج المحتملة للتهديد أو الابتزاز".
وفي الوقت الذي يتغنى فيه بقوة فرنسا النووية التي يتوعد بها الآخرين يشير إلى أن العالم: "مطبوع بظهور استعراضات قوى تستند إلى امتلاك أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيميائية". وحمل على: "محاولة بعض الدول حيازة القوة النووية بما يتنافى مع المعاهدات" الدولية!، جاء هذا الكلام وسط اشتداد الأزمة حول البرنامج النووي لإيران التي يتهمها الغرب بمحاولة الحصول على السلاح النووي باعتبار أنه من الكبائر أن تفكر أي جهة غير غربية في الحصول على هذا السلاح.
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws المصدر:
==============(1/223)
(1/224)
مسلسل خروج المرأة عن المألوف مازال مستمراً -
منتخب كرة القدم للسيدات- في الكويت !
الجامعة الأمريكية في القاهرة خرج منها أول المنحرفين فكرياً وعقائدياً وأخلاقياً من خلال عبدة الشيطان - كما صرحت بهذا وزارة الداخلية المصرية - واليوم جاءت مدربة الجامعة الأمريكية في الكويت؛ لتصرح بتشكيل أول منتخب لكرة القدم النسائي في دولة الكويت جاء ذلك بالتعاون مع الفيفا الدولية بعد اجتماع عقد في الدوحة تحت إشراف الاتحادين الدولي والآسيوي وكشفت عن خطتها التي بدأت منذ عام 2000 ووصل عدد الفتيات لهذه اللعبة 200 من الجامعات والمدارس الخاصة!
وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر فيما يحدث داخل أسوار الجامعة والمدارس الخاصة، وتضيف أنها تعلمت التدريب عن طريق الصفحات الإلكترونية وأنها تطلب الاستعانة بمدربة أجنبية محترفة!
واستغرب عضو لجنة شؤون المرأة في مجلس الأمة النائب بدر شيخان الفارسي الترتيبات التي حدثت لتشكيل منتخب المرأة لكرة القدم معتبراً أن هذا منافياً للدين ولا يتفق مع العادات والتقاليد وطالب بالحسم في مثل هذه الأمور الدخيلة لتكون الفيصل.
كما رفض النائب د. فيصل المسلم تشكيل المنتخب النسائي مبدياً استياءه قائلا: إن الله خلق الرجال والنساء وجعل لكل منهما ما يناسبه من الأنشطة الرياضية ولا ريب أن كرة القدم رياضة لا تناسب طبيعة المرأة المسلمة المحافظة.
دعوات صريحة للتعاون مع مكاتب السحر والشعوذة!
-من أمن العقوبة أساء الأدب-.. وصل الأمر بالسحرة والعرافين والمشعوذين إلى وضع إعلانات على سيارات النساء في تجمع الأعراس ومواقف الموظفات أو الطالبات في الجامعة وترصد كل امرأة تقف بسيارتها أمام موقف الجمعيات التعاونية أو الأسواق ويضع هؤلاء عناوينهم عبر الشبكة العنكبوتية أو هواتفهم النقالة زاعمين أنهم يملكون السحر المؤثر وحل جميع المشكلات والمنامات عبر خرز -الهبهاب وعرج السواحل وغيرها-.
- يا معشر الناس آن الأوان لوقفة شجاعة ضد هؤلاء المفسدين الذين ادعوا أنهم يملكون النفع ودفع الضر وهذه من صفات الله - تبارك وتعالى - ولذلك قال ابن القيم - رحمه الله -: -من اعتقد أن الساحر يستطيع بسحره أن يضر أو ينفع فقد فسدت عقيدته وخبثت نفسه وأشرك مع الله من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.. (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر.. ) - ولقد أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم باجتثاث الشرك لأنه كبيرة من الكبائر -ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يارسول الله قال: الشرك بالله والسحر... - وقال صلى الله عليه وسلم : -من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق بشيء وكل إليه- رواه النسائي.
إن السحر ما زاد الناس إلا هماً وغماً وخسارة إيمانية ومالية ولذلك قال - سبحانه -: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)طه: 69-.
أحد نجوم ستار أكاديمي ضبط بحوزته حشيش!
هذه البيئة التي يدخل منها فنانو ما يسمى بستار أكاديمي لم تكن بيئة صلاح وصلاة وتقوى لذلك توجهوا إلى هذا المستنقع.. وهذه هي الحالة الرابعة التي يتم القبض فيها على أحدهم ولكن هذه المرة في مطارات الإمارات وبحوزته قطعة حشيش!
http://www.al-fo r qan.net المصدر:
==============(1/225)
(1/226)
جرح في قلب مصر ..
أمير سعيد
تبدو الطريق ليست يسيرة إلى التعامل مع هكذا حقيقة لا نريد أن نصدقها ولا نتخيلها، لكنها أضحت من مفرزات زمن الاستسلام والتراجع، إنها الممارسة العملية لقرار ربما لم يتخذ حقيقة لكنه عملياً قد أضحى على الأقل عرفاً متبعاً له من حيث النتيجة قوة القرار السري أو العلني..لا فارق كبيرا بين هذا وذاك.
بكل بساطة وصراحة جارحة، لقد جرى العرف الآن بأن لا حق للقبطي أن يغير دينه في مصر التي فتحها عمرو العاص وصيرها أنموذجاً لحرية الاعتقاد، فالطريق إلى الإسلام صارت مثل الطريق إليه كذلك إبان حكم "ديسيوس" الذي اضطهد الأقباط من أتباع الكنيسة قبل 17 قرناً من الزمان.
في بلد الأزهر وفي عنوان الإسلام وشاراته العلمية، صار اعتناق الإسلام لدى الأقباط أشبه بعملية استشهادية. ربما الأزهر بمشيخته العريقة وعلى رأسها محمد سيد طنطاوي ترنو إلى قصر اعتناق الإسلام على أولئك الخلص الذين لا ترهبهم معتقلات جوانتنامو في الأديرة القبطية!! ربما الأزهر لا يريده إلا لأرباب العزائم وعناوين البطولة..
ربما لكن هذه الإرادة الأزهرية يضج منها الصالحون وتتفطر لها القلوب المؤمنة وتتزاحم في نقدها الأقلام المخلصة وترتفع لها أيدي المظلومات في جوانتنامو مصر: ماريان، تيريزا، وفاء، ماري، وأخيراً أميرة وغيرهن ممن لا يعلمهن إلا عالم السر وأخفى..
طبيبتان أسلمتا (ماريان ـ تيريزا) فأسلمتهما الشرطة لأهلهما، وبدورهم إلى الأديرة بعد أن اعترف قس الفيوم بأنهما "تحت السيطرة" هكذا بهذا اللفظ الذي تناقلته العديد من الصحف المصرية، لاسيما صحيفة الأسبوع القريبة من بعض أقطاب الحكم المصري، حلقت لهما شعورهما بادي الأمر ثم يعلم الله ما يمارس ضدهما الآن "لإقناعهما".
زوجتا قسيسين أسلمتا، لجأتا للأزهر قبلهما فكانت النتيجة واحدة، فهاهو "العرف" الجديد يفضي بهن جميعاً إلى القرار بين جدران الأديرة العالية.
ما الجريرة التي ارتكبتها هؤلاء النسوة حتى يحملن على أدهم الأديرة؟ أين شرف الرجال المسلمين إذا كانت القضية تزوى بملفها المتخم بالضيم المثقل بالجراح بهكذا سهولة وذاك اليسر؟
أين الأزهر الإرادة ضد الاحتلال؟ أين الأزهر الحامي لحمى الإسلام في مصر؟ أيناكم علماء مصر؟ أين منكم الحديث على أعواد المنابر، في بياناتكم ومقالاتكم بالصحف؟ أستعرض صفحات الجرائد فلا أسمع لكم صوتاً، لا يقابلني فيها إلا القساوسة وبعض المفكرين المتطوعين، أما حماة الشريعة فلا أراهم، لا أسكت الله لكم صوتاً بالحق صادحاً..
ألا ليت شعري أين ذهب العزم منكم.. لله أنتم، أما من سبيل لأن تقولوا للخاطفين لا تخطفوا فتيات الإسلام.. أليس من سبيل سوى صمت القبور هذا؟!
فعاليات وأصوات كثيرة تصدح بالإسلام في مناحٍ عديدة غابت عن هذه المحنة التي تعرضت لها نسوة رضين بالله رباً وبالإسلام ديناًَ، وأكرهن على إخفائه.
فقط بيانات يتيمة بثتها اللجنة المصرية للدفاع عن حرية العقيدة أو لمناهضة الاضطهاد الديني، لا نلمز المطوعين من المؤمنين والذين لا يجدون إلا جهدهم، نشد على أيديهم، ولا نستقل عملهم المبارك ولكن نستقل جهد غيرهم ممن آتاهم الله الحجة وشبكات التأثير وهوامش التحرك الواسعة فلم يشغلوها وتركوها خاوية إلا من لاعبي النار ومؤججي الفتن.
جرح في قلب مصر، أدماها وليس الإلحاح في الحديث عنه من قبيل استيلاد الفتن، ولا هو من قبيل السذاجة في التعرض لقضايا قد تنفخ فيها قوى الظلام الصهيونية كما تنفخ في لبنان وغير لبنان من أجل أن توجد ذرائع تدخلها، إذ ليس معنى دفع الفتن ووأد المؤامرات في مهدها السكوت على ظاهرة باتت تهدد حرية العقيدة التي جاء الإسلام فأتاحها لكل أهل الكتاب: " وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر"، "من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها"، تلكم الحرية التي كفلها الدين القويم للناس فأتت الأحداث الأخيرة فقيدتها ضد المسلمين، وبات أي قبطي يريد الآن أن يختار دينه في بلد الإسلام بحاجة إلى أن يغادر إلى أي دولة غربية ـ لاسيما أمريكا ـ حتى يصبح مصان الاعتقاد حر اعتناقه!!
جرح في قلب مصر، أدماها وليس الإلحاح في الحديث عنه من قبيل استيلاد الفتن، ولا هو من قبيل السذاجة في التعرض لقضايا قد تنفخ فيها قوى الظلام الصهيونية كما تنفخ في لبنان وغير لبنان من أجل أن توجد ذرائع تدخلها، إذ ليس معنى دفع الفتن ووأد المؤامرات في مهدها السكوت على ظاهرة باتت تهدد حرية العقيدة التي جاء الإسلام فأتاحها لكل أهل الكتاب
معاذ الله أن نثير فتنة، لا بل نسعى لدفعها لأن هذه الأحداث تسير الآن باتجاه خطير، يضغط المراجل حتى قوة احتمالها ولا يترك مجالاً لتسريبها؛ ما ينذر بعواقب لا يريد أحد من العقلاء أيا كان دينه أن تسير الأمور حثيثاً باتجاهها المريع، فالجروح المنغلقة على القروح تؤذن بأن تنفجر ثآليلها، وقد تجري حادثة بسيطة بالأحداث مجرى العظائم ولن يكون بالإمكان ثمة وقت لدرسها وتحليلها ومن ثم تجنبها حين تقع.(1/227)
من المستفيد إذن من حدوث ذلك حين يحدث؟ أليس الكيان الصهيوني المتربص بهذه الأمة وثوابتها، الناعمة لقرون بهدوئها الطائفي، هذا العدو الذي ما فتئ يدعي على القبائل المسيحية الإفريقية الاضطهاد ثم يطرح الحل عليها بالهجرة إلى أرضه المزعومة..
أليس المستفيد من يقدح زناد الفتنة حين يرسل عبر هذه الأحداث رسالة يريد بها أن يقول إن الإسلام مضطهد في أرضه؟!
إن رسالة كهذه إذا ما رسخت بأذهان المسلمين المصريين وغير المصريين كفيلة بأن تهدد سلاماً اجتماعياً ظلت مصر لعقود طويلة حريصة على عدم المساس به..
في هذا الظرف الدولي والإقليمي العصيب، وتراكم الضغوط واللعب بأوراق الضغط الطائفية لا يريد أي عاقل للفتنة الطائفية أن تنبجس فتغرق التربة المصرية في وقت هي فيه أحوج ما تكون إلى الهدوء والاستقرار، وليس وأد هذه الفتنة بالخضوع للابتزاز ولا بخياطة الجروح على القروح..
6/2/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
-==========(1/228)
(1/229)
أجهزة استخبارات أوروبية تطالب بإجراءات جديدة
للحد من انتشار الإسلام
طالبت أجهزة استخبارات أوروبية ووزارات العدل بدول الاتحاد الأوروبي بوضع إجراءات جديدة من شأنها وضع صعوبات وعقبات أمام زواج الأوروبيات بشباب من المسلمين، واستند مطلب أجهزة الاستخبارات الأوروبية وعلى رأسها الفرنسية والبريطانية والبلجيكية على أن آلاف الأوروبيات يعتنقن الإسلام بصورة سنوية من منطلق زواجهن بمسلمين، وأن هؤلاء يقعن تحت "إغراءات غامضة" يقدمها المسلمون،، وذلك بحسب ما ذكر مصدر أمني أوروبي لصحيفة "الوطن" السعودية.
وقالت أجهزة الاستخبارات إن الإجراءات الحالية المطروحة بدول الاتحاد كشروط للزواج الرسمي بين أوروبية وشخص أجنبي، غير كافية، فلا يكفي اشتراط وجود مسكن أو عمل ثابت للأجنبي، بل يجب قبل الحصول على العقد المدني للزواج أن يتم التأكد من صحيفة الحالة الجنائية للشخص الأجنبي، وأن تتأكد مجالس المدن المخولة بعقد وثائق الزواج من الجهات الأمنية أن هؤلاء الأجانب لا ينتمون إلى جهات "متطرفة"، وأنهم يتسمون بالاعتدال، وليس لهم أنشطة أو اتصالات مثيرة للشبهات أو الشكوك.
وأكدت أجهزة الاستخبارات الأوروبية في تقرير مشترك أن مؤسسة الزواج الأوروبي أصبحت معرضة للخطر، حيث يستخدم الإسلاميون زواجهم من أوروبيات كوسائل لجذب الأوروبيين "التطرف" حسب قولهم، حيث يتم إلزامهن بارتداء الحجاب والملابس الفضفاضة، وأن الأوروبيات يجدن في الدين الإسلامي جانباً روحياً أصبحت لا تملؤه الكنيسة الآن، ولا يلتفت إليه الأهل الذين يبتعدون تدريجيا على أصول الدين المسيحي.
وطالبت الاستخبارات الأوروبية دول الاتحاد بالتنبه إلى تزايد موجة إسلام الأوربيات وزواجهن من أجانب، وأن كثيراً من الأجانب يقومون بالتحايل على القانون الأوروبي عبر الزواج بأكثر من سيدة، مطالبة وزارات العدل والهجرة والجنسية بالتأكد من الخلفية الشخصية للأجانب حال إقدامهم على الزواج من أوروبيات، بجانب ضرورة التأكد من عدم اقترانهم بأخريات، واتخاذ من تلك الإجراءات أسبابا لتقليص إتمام زواجهم بالأوروبيات.
وساقت أجهزة الاستخبارات الأوروبية حادث تنفيذ البلجيكية موريل ديجايكو(32 عاما) هجوما في 2 نوفمبر الماضي في العراق ضد قوات الاحتلال الأمريكية كنموذج تحذيري كبير، للتدليل على مدى ما تتعرض له الأوروبيات من إغراء للزواج بإسلاميين والسقوط في براثن "التطرف والإرهاب" حسب تعبيرهم، مؤكدين أن هذا الحادث لن يكون الأخير إذا لم يتم تنفيذ إجراءات ضد دخول مزيد من الأوروبيات في الإسلام، وتنفيذ برامج توعية للفتيات الأوروبيات.
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
=============(1/230)
(1/231)
إكراه المسلمات على الردة
سيناريو مكرر وحقائق غائبة وردود معلبة
همام عبد المعبود
سيناريو مكتوب ببراعة فائقة، وينفذ بدقة شديدة، يتكرر مرات ومرات، وما من أحد يعتبر، فهل من مدكر؟!.......... )
... فتاة أو امرأة مسيحية آمنت بالله سرا، ودرست الإسلام جيدا لمدة عام أو عامين، تسأل من تثق به من زملائها في العمل أو صديقاتها في الجامعة: أريد أن أشهر إسلامي فماذا أفعل؟!، يرشدها زملاؤها إلى الذهاب لأقرب مركز شرطة، أو سراي نيابة أو إلى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أو دار الإفتاء أو مشيخة الأزهر.....، تدخل الفتاة للجهة المختصة، وتبلغ الشخص المسئول برغبتها في اعتناق الإسلام كدين...
المسئول.. بمجرد سماع طلبها.. يرفع سماعة الهاتف، ويتصل بـ.......، وفي خلال أقل من ساعة تفاجأ الراغبة في الدخول للإسلام بأهلها ورجلان من الكنيسة يدخلان عليها، ويطلبان إخلاء الغرفة من الموجودين، وينفردوا بها لساعة أو ساعتين (.... ) يمارسون خلاها كل وسائل الضغط الممكنة، يخرجوا بعدها وهم يقولون إنها قد تراجعت عن مطلبها، وأنها تعلن ثباتها على المسيحية، وربما طلبوا من الموظف المختص أن يأخذوها إلى الكنيسة ليقوموا بمراجعتها ومناقشتها في قرارها، بعيدا عن أجواء الشرطة والنيابة!!!
يتصل الشخص المسئول بـ.....، ويبلغه بطلب رجال الكنيسة، وفجأة ينزل السماعة فينطلق الرجلان بالسيدة ويضعانها في سيارة مغلقة وينطلقان بها إلى الكنيسة، وفي صبيحة اليوم التالي تعلن الكنيسة أن الفتاة رجعت إلى عقلها ورشدها وعادت إلى دينها، وتراجعت عن طلبها الدخول في الإسلام، وقد تعلن أنها بحاجة إلى برنامج للعلاج النفسي ويأخذونها إلى الدير، وما أدراك ما الدير، أنه أشبه بمستعمرة أو دويلة داخل الدولة، وسرعان ما ينسى الناس قصة هذه الفتاة التي لا يدري أحد أحية هي أم أنها قد أصبحت في عداد الموتى!!!
الفارق الوحيد بين حالة (وفاء) وحالتي (تيريزا وماريان) هو مظاهرات الطلاب، وبيانات المثقفين، وفتاوى العلماء، و تغطيات الإعلام
هذا هو السيناريو (السكريبت) بلغة مؤلفي الدراما، الذي يتكرر في كل مرة تعلن فيه فتاة أو امرأة مسيحية رغبتها في اعتناق الإسلام، وهذا هو بالضبط ما حدث مع الفتاتين القبطيتين تيريزا إبراهيم (23 سنة) وماريان مكرم عياد (23 سنة)، الطالبتان بالسنة النهائية بكلية الطب بجامعة القاهرة، وهو هو نفس السيناريو الذي تكرر مع السيدة وفاء قسطنطين، البالغة من العمر 48 عامًا، والتي كانت تعمل مهندسة زراعية بإحدى الإدارات الحكومية بقرية أبي المطامير بمحافظة البحيرة، وهو نفس السيناريو المعد سلفا للتعامل مع أي حالة مشابهة!!
بين (وفاء) و(تيريزا / ماريان)
الفارق الوحيد بين حالة (وفاء) وحالتي (تيريزا وماريان) هو مظاهرات الطلاب، وبيانات المثقفين، وفتاوى العلماء، و تغطيات الإعلام (الصحافة المعارضة المصرية والقنوات الفضائية العربية)، في حالة (وفاء)، في حين سكت الجميع- اللهم إلا القليل النادر- في حالة تيريزا وماريان..
ورواية الكنيسة للرد جاهزة ومعدة سلفا وهي أن: الفتاة اختطفت وأُكرهت على الإسلام من قبل جماعة من المتطرفين، وهي تحتاج إلى فترة نقاهة طويلة طبية ونفسية، تسترد بعدها عافيتها، وتعود إلى دينها، ولا تنس الكنيسة بالطبع أن تحذر من مخطط (؟؟!!) يمول من الخارج لأسلمة الفتيان والفتيات المسيحيات، ولا مانع أن تتهم إمام أحد المساجد في بلدة الفتاة بأنه يقف خلف الموضوع، وأنه مشغول بدعوة النساء المسيحيات للدخول في الإسلام!!
أما رواية الجهات الأمنية فهي أن الفتاة: وقعت في أحابيل علاقة غرامية مع (زميلها) شاب مسلم، أغراها بالزواج، وأنه عندما علمت أسرة الفتاة بقصة الحب هذه ضغطت على الفتاة لكي تقطع هذه العلاقة فورا، لكن الفتاة رفضت أن تنصاع لضغوط الأسرة لإنهاء هذه العلاقة، فقامت بإشهار إسلامها!!
سيناريو محبوك.. وخطة جاهزة لإفشال أي محاولة من أي نوع لاعتناق شاب أو فتاة مسيحية دين الإسلام، وقبيل ثلاثة أسابيع قامت الجهات الأمنية بمحافظة الفيوم (على بعد120 كيلو متراً من القاهرة)، بإعادة فتاتين قبطيتين هما تيريزا إبراهيم (23 سنة) وماريان مكرم عياد (23 سنة) الطالبتان بالسنة النهائية بكلية الطب جامعة القاهرة إلى أسرتهم للحيلولة دون تفاقم الموقف، وقامت أسرة الفتاتين فور تسلمهما بحلق رأسيهما تماما وإلباسهما رداء الرهبنة، ونقلهما إلى الكاتدرائية القبطية في العباسية، بعدما تظاهر مئات من الأقباط أمام كنيسة مار جرجس بوسط مدينة الفيوم يوم 28 فبراير الماضي، احتجاجا على إعلانهما اعتناق الإسلام.(1/232)
وأصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانا قالت فيه إن الفتاتين توجهتا إلى فندق في الفيوم للإقامة فيه، لحين انتهاء جلسات النصح الديني لهما، التي يتقرر بعدها ما إذا كانتا تشهران إسلامهما نهائيا أو تبقيان على مسيحيتهما، حيث جرى العرف في مصر على أن يتم عرض أي مسيحي يسعى لتغيير ديانته علي لجنة النصح الديني، التابعة للكنسية، لتقديم النصح له بالبقاء على دينه، قبل إشهار إسلامه، في حالة تأكيد رغبته في ذلك. فيما ترددت أنباء عن رفض الكنيسة إسداء النصح للفتاتين في مديرية الأمن أو الفندق، قبل أن تسلمهما قوات الأمن لأسرتيهما، على غرار ما حدث مع زوجتي قس أبو المطامير وقس الشرابية، في كانون ثاني (ديسمبر) الماضي.
ولم يستطع أحد ساعتها أن يجد تفسيرا للصمت المريب للمنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان داخل مصر وخارجها .
واقعة مشابهة
وقبل هذا الحادث بثلاثة أشهر فقط، أثار إعلان السيدة وفاء قسطنطين، زوجة أحد الكهان بالكنيسة المصرية، إسلامها، ثم ادعاء الكنيسة، بعد تسليمها السيدة وفاء، أنها قد عادت إلى دينها، عدة تداعيات وفتاوى دينية، في مقدمتها أن الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه، ولا على الاستمرار فيه، وعدم جواز ردّ المرأة التي أعلنت إسلامها إلى أهل دينها الأول، مهما يكن السبب، بل ووجوب حمايتها ونصرتها.
وانتقدت "اللجنة المصرية لمناهضة الإكراه الديني"، التي تضم مثقفين معظمهم من الصحفيين والمحامين وأساتذة الجامعات، تسليم أجهزة الأمن فتاتين مسيحيتين، أعلنتا رغبتهما في إشهار إسلامها، إلي الكنيسة، واعتبرته تناقضا مع "حرية الاعتقاد، وحرية الدين"، ودعم "للتطرف الديني، الذي تمارسه قلة من المتطرفين الأقباط مدعومين من المؤسسة الكنسية"، ووصفت تسليم الدولة للفتاتين بعدما لجأتا إلى أجهزة الأمن في محافظة الفيوم، لاعتناق الإسلام رسميا، بأنه "جريمة أخلاقية، وجريمة قانونية، وجريمة دستورية أيضا"، وتأكيد لغياب دور الدولة الرسمية، معتبرة أنها فقدت مبررات وجودها كدولة.
وأصدر حوالي 30 مثقفاً مصرياً، ما بين صحفي ومحامي وأستاذ جامعة، معظمهم من الإسلامييين، بيانا انتقدوا فيه رضوخ الحكومة المصرية وقبولها تسليم السيدة التي أسلمت إلى رجال الكنيسة، كما عابوا فيه انسحاب الدولة ومؤسساتها من تحمل مسئولياتها القانونية والدستورية أمام مواطنيها بشكل خطير، وترك الساحة للضغوط المتطرفة التي وصلت إلى حد تسليم مواطنة إلى بعض رجال الدين ليضعوها قيد الاعتقال والتحفظ، وإجراء عزل كامل لها عن العالم الخارجي بدعوى مراجعتها للتثبت من أنها ليست واقعة تحت إكراه ديني.
وجاء في البيان الذي صدر تحت عنوان "بيان حول الأزمة القبطية الأخيرة": أن حرية الاعتقاد ينبغي أن تكون مكفولة للجميع، وينبغي أن تكون مصونة بقوة القانون، وأن تكون محمية، وأن الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والقضائية هي المخولة وحدها بالتحقيق مع مواطنيها ووضعهم قيد الاحتجاز أو الحبس وفي الأماكن التي حددها القانون، و إلا أصبحنا أمام دولتين، كما أن هيبة الدولة ذاتها تكون ساقطة من حسابات مواطنيها بعد ذلك، وأن خضوع الدولة وأجهزتها للابتزاز تحت ضغط المظاهرات المتطرفة يشكل سابقة خطيرة تعطي إشارات سيئة إلى الأطراف الدينية الأخرى بأن المطالب تنتزع بالضغط والابتزاز، وليس وفق القانون وضمانات مؤسسات الدولة.
ولم يستطع أحد ساعتها أن يجد تفسيرا للصمت المريب للمنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان داخل مصر وخارجها، كما تساءل الكثيرون عما كان يجب أن يفعله المجلس القومي للمرأة، وناشد المثقفون كافة المنظمات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية التدخل لتحرير السيدة وفاء من الاعتقال الكنسي، ومنحها حرية الحركة والتنقل والإشراف الطبي والاجتماعي والاتصال بالعالم الخارجي، كإنسانة، وكمواطنة مصرية، وكذلك منحها حق اختيار السكن الذي تريد.
كما ناشد المثقفون الأجهزة الأمنية والقضائية تقديم المعلومات الصحيحة والمباشرة إلى أجهزة الإعلام لتوضيح صورة الأحداث المماثلة قبل أن تستفحل؛ وناشدوا الشرفاء والوطنيين من الأقباط أن يعلنوا صوتهم صريحا دفاعا عن حرية المواطنة "وفاء قسطنطين" وحقوقها الإنسانية، وألا يخضعوا لمنطق التطرف والتعصب الديني، مطالبين الدولة بتحقيق مبدأ الشفافية في هذه القضية بإتاحة الفرصة كاملة للصحافة المصرية بالالتقاء بالسيدة وفاء والتعرف على حقيقة قضيتها والضغوط التي مورست عليها ومن أي جهة كانت وحقيقة قناعاتها الدينية.
لا إكراه في الدين(1/233)
وقد جاء القرآن الكريم صريحا وواضحا في بيان "حرية الاعتقاد"، قال - تعالى -: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)، وقال أيضا: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقال - تعالى -: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وقال - سبحانه -: (يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا... ).
وحول ما يردده البعض من أن القانون يفرض إجراءات معينة لإشهار إسلام القبطي أو القبطية منها ضرورة أن تتاح له فرصة الخلوة برجل دين مسيحي ليعظه وينصحه، وأن إشهار الإسلام لا يتم إلا بإعلان رجل الدين أن الطرف المعني مستمسك بالإسلام، قال الفقيه الدستوري والمفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا: "هذا الكلام غير صحيح، فهذه المسألة لا ينظمها قانون في مصر أصلاً، وإنما جرى بها العرف منذ زمن، نافيا أن يكون في الإجراءات المتبعة في مصر، ولا في غيرها من بلاد الأرض قاطبة، إجراء يتيح، أو يبيح، تسليم شخص أعلن إسلامه إلى أهل دينه السابق، مؤكدا أن هذا التسليم في ميزان الإسلام "خطيئة غير جائزة".
وكانت صحفا مصرية قد نقلت تسريبات عن اللقاءات الأولى التي سمحت بها بالفعل السلطات لوفد الكنيسة بالجلوس مع الزوجة، أكدت فيها أنها أسلمت منذ عامين وعن قناعة ودون إكراه من أحد، وأنها تحفظ 17 جزءا من القرآن، وأنها تصلي بعينيها، وتصوم رمضان سرا. ويشكل الأقباط، حسب الإحصائيات الرسمية في مصر، نحو 5. 3 % من عدد السكان البالغ 76 مليون نسمة، أي نحو 4 ملايين نسمة.
وادعي قسيس بكنيسة أبي المطامير بمحافظة البحيرة أن السيد محمد المرجون زميل السيدة وفاء قسطنطين قام باختطافها وأرغمها على إشهار إسلامها. وقال منظمة أقباط الولايات المتحدة في موقعها على الإنترنت أنه "بعد الضغط الذي صنعه الأقباط المعتصمون المتظاهرون في الكنيسة على الحكومة، سلمت مباحث أمن الدولة الفتاتين للآباء الكهنة، وتم إرسالهما لأحد الأديرة، ولم يتم الإعلان عن اسم الدير، وهما الآن في الدير مع والديهما".
يشار إلى أن امرأتين مسيحيتين في مدينة أبو المطامير أشهرتا إسلامهما خلال الأشهر الستة الماضية، غير أن الكنيسة تتهم الشرطة المصرية بالتواطؤ ضد الأقباط، مدعية أن ما يقوله الضباط في مركز أبو المطامير من أن المسيحيات يشهرن إسلامهن بمحض إرادتهن كلام غير صحيح.
ويقول علماء: الأصل أن الإسلام لا يُكْره أحدا على الدخول فيه، كما أنه لا يكره أحدا على البقاء فيه والاستمرار على اعتناقه وهو كاره، قال - تعالى -: " (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) [البقرة: 256]. وقال أيضا: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (جزء من الآية 29 من سورة الكهف). وقال أيضا: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (سورة يونس الآية 99).
والثابت عند أهل العلم أنه لا يجوز للمسلمين ردّ المرأة التي جاءت إليهم مسلمة، غير أنه يجب على الدولة المسلمة أن ترد إلى زوجها غير المسلم الذي بقي على دينه ما دفعه لها من المهر وما في حكمه من بيت مال المسلمين، أو تلزم بهذا الرد من يتزوجها من أهل الإسلام، لئلا يضار الزوج من أهل الدين الآخر في ماله لسبب لا شأن له به ولا ويد له فيه.
وذلك امتثالا لقوله - تعالى - في سورة الممتحنة: «يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا... » إلخ الآية العاشرة من السورة. والمقصود بالامتحان هنا أن يتأكد أن سبب إسلام المرأة هو رغبتها في الدين.
وعليه فإنه لو كانت الفتاتان قد أكرهتا على العودة للمسيحية وترك الإسلام بعدما دخلتا فيه ولو بقلبيهما فإنهما تكونان مؤمنتين، وأمر عقيدتها بينهما وبين ربهما، وهو أعلم بهما من خلقه أجمعين وأرحم بهما من خلقه أجمعين، ويبقى إثمهما على من أكرههما، وعلى من مكنوا المكرهين منهما بعدما أعلنتا أنهما مسلمتين.
10/2/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
=============(1/234)
(1/235)
الهياج النسوي العلماني
د. محمد يحيى
4 ربيع الأول1427هـ الموافق له 2 أبريل 2006م
كنت أطالع الصحيفة اليومية الكبرى في مصر وأمر عليها بسرعة إلى أن انتبهت إلى كثرة الأخبار والموضوعات المطولة التي تتعلق من زاوية أو أخرى بما يطلق عليه شأن المرأة.
وسرعان ما أدركت أنه لم يكن لي حق في الانتباه لأن هذه الظاهرة تتسم بها الجريدة بشكل يومي، وتشاركها صحف أخرى، ويزيد عليها التليفزيون الرسمي أضعافاً مضاعفة إلى حد أنه يمكن أن يطلق عليه تلفزيون المرأة بلا منافس، وبعد دقائق كنت أدير مؤشر التليفزيون على قنوات فضائية فلفت نظري قناة إخبارية تابعة لبلد عربي كبير، فوجدت تركيزاً عجيباً على العنصر النسائي، وأخبار المرأة، ومشاكل وقضايا المرأة، وحضور قسم كبير من الضيوف من النساء، ولم يكن السبب في هذه الظاهرة النسائية شهر مارس وما يعج به من أيام وأعياد واحتفالات للمرأة، وإنما كانت هذه ظاهرة مستمرة منذ فترة، وبالطبع هناك أسباب مباشرة لهذا الحضور أو الهياج النسوي.
ففي الحالة المصرية يستشعر الإعلام منذ سنوات طويلة أن هناك توجهاً تغريبياً في أعلى المستويات يلح على طرح ما يسمى بقضية المرأة، وفرضها بكل أبعادها على الساحة العامة، تحقيقاً لأغراض متعددة منها ضمان الزعامة لشخصيات نسائية معينة، وتبريراً لانشغالها بالسياسة، وصنع القرار دون أن يكون لها منصب أو وضع رسمي يرخص لهذا النشاط الواسع الذي وصل إلى حد إصدار القرارات المهمة، وتوجيه كبار المسئولين، وإصدار الأوامر إليهم.
ومن ناحية أخرى كان الاهتمام المبالغ فيه بل والهستيري بقضايا أو مسألة المرأة وسيلة ذكية لإغراق الرأي العام وإلهائه عن قضايا أخرى حيوية تهم المجتمع ككل مثل: قضايا الحرية السياسية، والسلطة، والأزمات الاقتصادية، والفساد المالي، والسيطرة لفئات طفيلية أو للأجانب إلى آخره.
ومن الناحية الثالثة مثّل الاهتمام الجارف المفتعل بمسألة المرأة وسيلة للتقرب من الدول الغربية صاحبة النفوذ والتي يهمها أن يسود التغريب في المجتمعات الإسلامية كوسيلة لربط هذه المجتمعات بالغرب، باعتبارها مجتمعات متغربة معلمنة.
ومن هنا حرص البعض ممن يريدون التبعية للغرب حفاظاً على مواقعهم السلطوية على أن يبرزوا هذه القضية المفتعلة بأسلوب مبالغ فيه كوسيلة لإعلام الغرب بحسن النية في توجيه دفة البلاد إلى التوجهات التي يريدها الغرب.
ومن الناحية الرابعة كان طرح القضية أو المسألة النسائية بهذا الإغراق تعبيراً عن سيطرة نخبة من العلمانيين التغريبيين على مجريات الأمور الثقافية والإعلامية والاجتماعية في مصر، وطرحت هذه النخبة قضية المرأة كعنوان لها وشعار، ليس إيماناً منها بتلك القضية أو بحقوق المرأة أو عناية بمشاكل النساء، بل باعتبارها المنفذ والمبرر الذي يمكن استعماله لطرح العديد من القضايا التي تصب باتجاه العلمنة والتغريب بكامل شئون المجتمع، فمن خلال الحديث عن قضايا المرأة مثلاً يصب الاهتمام على إلغاء أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية لتحل محلها قوانين مستمدة من الممارسات والقيم الغربية في هذا المجال، كما يمكن إسقاط القيم الإسلامية الأخلاقية التي تحكم السلوك الشخصي والأسرة، وإحلال قيم علمانية ومتغربة محلها.
ومن خلال طروحات قضايا المرأة من المنظور النسوي وعبر مسائل النوع ومن خلال فلسفات ما بعد الحداثة والتشكيكية يمكن تعريض أسس الدين نفسه والعقيدة والوحي ومفاهيم الفطرة والطبيعة الإنسانية إلى الشكوك والشبهات بما يهز الثقة بالإيمان، ويفتح الباب للانجراف أمام موجات تمتد من الإلحاد إلى الشذوذ والانحراف الجنسي، إلى التحلل من التقاليد العريقة.
وهكذا فإن الإغراق المصطنع والمفروض للإعلام والساحة العامة بقضية أو قضايا النسوية لا ينطلق من اعتبارات بريئة مثل: اللهفة على حل مشاكل النساء، ورفع مستواهن الاجتماعي؛ بقدر ما ينطلق من حزمة من الاعتبارات تتراوح - كما قلت - من تملق طروحات الزعامة عند بعض الشخصيات النسائية، إلى إعمال سياسات العلمنة والتغريب والتبعية، وإلى تمكين نخب علمانية متغربة من السيطرة على مجريات الأمور في الساحة العامة، وليس أدل على ذلك الشعور من أن تلك الطروحات تتسم بنبرة عنصرية استعلائية ترى أن معالجة قضايا المرأة أياً كانت لا يمر إلا عبر قهر الرجال، وعبر تغيير صبغة المجتمعات العربية من الإسلام إلى المذاهب الفكرية والقيمية الغربية.(1/236)
فنحن لسنا أمام معالجة المشكلة أو قضية داخل إطار عقيدة وثقافة المجتمع العربي المسلم، وإنما نحن أمام محاولة نسف إطار وعقيدة وثقافة هذا المجتمع وتدميرها، وإحلال الثقافة الغربية محلها، وهذه المحاولة تستخدم قضية المرأة كذريعة ليس إلا لتنفيذ هذا المشروع التغريبي العلماني الكبير، وإلا.. فأين الاهتمام عندما تعرضت سيدات عاملات ومثقفات لاعتداءات أمنية من بلطجية تابعين للحزب الحاكم خلال الانتخابات المصرية على مدى العام الماضي، وأين الاهتمام بالمرأة عندما تعرضت الآلاف أو عشرات الآلاف من النساء المصريات إلى عسف السياسات الحكومية التي حكمت عشوائياً بالقضاء على التربية المنزلية للدواجن التي كن يعتمدن عليها، كما قضت على صناعة الدواجن التي كان لهن نصيب كبير فيها، وليس أدل على هذا الدافع الخبيث وراء الطروحات المبالغ فيها لقضية المرأة من تلك القناة الإخبارية الفضائية التي جعلت جل اهتمامها بالمرأة لا لشيء إلا لأن البلد الذي تتبعه يتعرض للابتزاز الغربي الوقح من جانب تلك القضية من خلال شبهات تثار حول وضع المرأة هناك، وبدلاً من الرد على هذا الابتزاز بما يستحقه من الإهمال أو التوضيح الموضوعي لحقيقة مواقف الإسلام من هذه الشبهات جاء الرد غير الموفق من خلال أسلوب بدائي يظن أن مجرد غمر مساحة البرامج بالنساء هو خير معالجة لتلك الشبهات، رغم أن أي شخص يمكن أن يرد بأن الأمر كله مصطنع، ولذلك فهو لا يمثل معالجة حقيقية للاتهامات بتحقير شأن المرأة، لكن الأهم من هذا هو أن أسلوب الرضوخ للضغوط، ومحاولة الدفاع الساذج عن الذات بهذه الطريقة تدل على تغلغل اتجاه التبعية، والإحساس بالدونية أمام الغرب.
وهنا نجد دليلاً آخر على عدم صدق الطروحات المسرفة لقضية المرأة، وتحول هذه الطروحات من معالجة قضايا ومشاكل النساء بواقعية، وفي إطار تعاليم الإسلام وعقيدة المجتمع وثقافته؛ إلى أدوات وأساليب لتحقيق أغراض وسياسات أخرى.
http://www.islammemo.cc:المصدر
==============(1/237)
(1/238)
ديمقراطية الحرباء الغربية !!
محمود كعوش
الخوض في موضوع الديمقراطية الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص على خلفية تطويعها لازدواجية المعايير تمثلاً بما هو حاصل مع موضوع السياسة الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص، وذلك عندما يتعلق الأمر بالمسلمين عامة والعرب خاصة، لا يعني بحال من الأحوال التنكر لأهمية الديمقراطية وضرورة إرساء قواعدها في العالم الإسلامي والوطن العربي.
فالمسلمون والعرب كانوا ولا زالوا يناضلون من أجل ردم الهوة بينهم وبين حكامهم، وتمهيد الأرضية الصالحة للديمقراطية وإشاعتها في بلدانهم.
لكنهم يسعون وراء ديمقراطية تتواءم مع واقع حالهم وتعاليم دياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم لا وراء ديمقراطية مستوردة من الغرب لم تعد هي بالأصل موجودة فيه أو ديمقراطية تُفرض عليهم فرضاً وتكون وفق المقاييس الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص، ووفق ما تفترضه الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية المشتركة. وعلى مدار أكثر من أربعة أعوام أعقبت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تواترت التصريحات الشفهية والخطية وما تزال تتواتر في وسائل الإعلام الغربية المرئية والمسموعة والمكتوبة، الصادرة عن كبار المسؤولين الغربيين وبالذات الأميركيين بدءاً بالرئيس جورج دبليو بوش وانتهاءً بأصغر موظفٍ في الخارجية والبنتاغون حول إصرار وعزم الولايات المتحدة الأميركية على فَرْض "ديمقراطيتها" على المسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص.
وأستذكر في هذا المقام ما جاء في مقالة لوزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول نشرتها له صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الذي استقبلت به الفاتح من العام الميلادي 2004، لأن ما جاء في المقالة صور ذلك الوضع بشكل واضح لا لبس فيه.
قال باول يومها: "إن جهودنا في أفغانستان ستستمر في عام 2004، فإننا عاقدو العزم أيضاً على تحويل هدف الرئيس "جورج دبليو بوش" الخاص بشرق أوسط حر وديمقراطي إلى حقيقة واقعة. سنقوم بتوسيع مبادرة الشراكة الأميركية - الشرق أوسطية لتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي في جميع أنحاء المنطقة، كما أننا سنقف إلى جانب الشعب الإيراني وغيره من الشعوب التي تعيش في ظل أنظمة مستبدة أثناء نضالها في سبيل الحرية".
وأضاف باول: "لقد شعرت إيران بضغطنا وضغط حلفائنا المتواصل عليها للكشف تماماً عن برنامج أسلحتها النووي، وقد بدأت القيام بذلك.
كما نبذت ليبيا الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل بفضل استراتيجية الرئيس بوش القوية في مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل".
لم يُشر وزير الخارجية الأميركي السابق حينذاك إلى أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية بالطبع مثله مثل جميع السياسيين الأميركيين وعلى رأسهم جورج دبليو بوش.
و كان هذا غيض من فيض ما جاء في مقالة كولن باول "العتيدة" قبل عامين.
لكن ما تلاها من مقالات خطها باول بقلمه حول الديمقراطية الأميركية "الموعودة" وما أعقبها بقلم خليفته كونداليزا رايس كان أدهى وأمر!! وتوارى عام 2004 ثم توارى بعده عام 2005 وولجنا الشهر الأول من عام 2006 ولم يتحقق شيء من "ديمقراطية" الولايات المتحدة "الموعودة"!!
11 سبتمبر/ أيلول 2001
منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 والحديث المتواتر بعصبية وتوتر عن الأصولية الإسلامية والإرهاب العربي يتوازى مع الحديث عن "محاسن ومزايا" الديمقراطية الغربية وضرورة إرساء دعائمها في الشرق الأوسط عامة والوطن العربي خاصة، إن لم يكن بالترغيب فبالترهيب. ويوماً بعد آخر بدأت وتيرة هذا الحديث تتصاعد أكثر فأكثر.
ومنذ ذلك التاريخ، تحوّلت الديمقراطية إلى سلاح تُشهره الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص وبلدان الغرب بشكل عام في وجه أي بلدٍ إسلامي أو عربي لا ينصاع للإرادة الأميركية ـ الغربية المشتركة، ولا يستجيب لمتطلبات الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية ومشروعها الاستعماري التوسعي في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الوطن العربي بالطبع. والحقيقة أن هذه الديمقراطية قد عفا عنها الزمن وأصبحت أثراً بعد عين، أكان ذلك في الولايات المتحدة الأميركية أو في العديد من بلدان الغرب.
وهنا قد يجوز لي استثناء اسكندنافيا بشكل عام والدنمارك بشكل خاص... وربما فرنسا إلى حد ما. وهذه الديمقراطية لم تعد سوى شعارٍ أو يافطة للمشروع الاستعماري التوسعي، لإعطائه "المشروعية" وإضفاء الصبغة الواقعية عليه، وبالأخص فيما يتعلق منه بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى أخص الخصوص الوطن العربي.
وكما أن السياسة الأميركية خاصة والغربية عامة تكيل بمكيالين عندما يتصل الأمر بالشرق الأوسط وبالأخص بالوطن العربي، فإن الحال هو كذلك مع الديمقراطية التي أصبحت ظرفية وتتلوّن وفق الظروف والأهواء والمصالح ومتطلبات السياسة.
غُيبت الديمقراطية مع تحول العالم إلى أحادية القطبية(1/239)
غُيبت الديمقراطية مع تغييب الأمم المتحدة ومجلس أمنها لتمرير العدوان الأميركي - البريطاني على العراق في عام 2003، لا بل غُيبت قبل ذلك بكثير وربما مع سقوط جدار برلين وتفكك الإتحاد السوفياتي في نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات في القرن الماضي.
ولم يتبق من هذه الديمقراطية إلا الشعار واليافطة كما أسلفت الذكر لرفعهما بين الحين والآخر خدمة لمصلحة المشروع الأميركي - الإسرائيلي الاستعماري التوسعي.
نعم غُيبت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية والعديد من بلدان الغرب وأدخلت غرفة العناية الفائقة "الإنعاش" مع تحول العالم إلى أحادية القطبية.
غُيبت قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، فكيف الحال مع هذه الديمقراطية بعد ذلك التاريخ؟ فالحرب على العراق التي شُنّت في عام 1991 وبعدها حرب البوسنة والهرسك "سراييفو" وحرب يوغسلافيا وأفغانستان واحتلالها وحرب العراق واحتلاله أخيراً مثلت شواهد حية للديمقراطية الغربية قبل وبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001. أما ما يجري من استهداف للمسلمين والعرب في الولايات المتحدة بصورة خاصة والعالم بما فيه الغرب بصورة عامة، وهو ما اعترف وأقر به الأمين العام للمنظمة الأممية المُغيبة كوفي أنان، لهو شاهد آخر على الديمقراطية الغربية "وفضائلها ومحاسنها وحسناتها"!! ولعلّ ما هو حاصل من صَمتٍ مُطبقٍ تجاه التقتيل والحصار والتجويع والإذلال للإنسان والفتك بالشجر والحجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ما هو إلا شاهد الشواهد على هذه الديمقراطية المزيفة. ولا ننسى الديمقراطية الغربية المطبقة في معكسر غوانتانامو منذ احتلال أفغانستان عام 2002.
إنها الديمقراطية الغربية عامة والأميركية خاصة التي يريدون تصديرها إلى العالم الإسلامي والوطن العربي... لا بل هي الديمقراطية التي يريدون فرضها عليهما قصراً بالعصا بدون جزرة وبالترهيب بلا ترغيب.
ولا شك أن "الديمقراطية" الإسرائيلية المولودة أصلاً من ضلع الديمقراطية الغربية، لا تقل عنها "سذاجة وسخافة" من حيث "الفضائل والمحاسن والحسنات"!
إن لم تذق "كرابيج" الديمقراطية الغربية، فلا بد أن تذوقها يوماً ما...
صديقي ذاقها اسأله عنها يجيبك!
قبل خمسة عشر عاماً قُدِرَ لصديقٍ عزيز أن يتذوق "كرابيج" الديمقراطية الغربية لثمان وأربعين ساعة كاملة، ولا يزال طعمها تحت أسنانه، لا بل ما زال يدفع ثمن تلك الكرابيج حتى يومنا هذا. وهي إذا ما قيست بـ"كرابيج" الديمقراطية الغربية التي تذوقها مسلمون وعرب آخرون لا تُحصى أعدادهم منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 حتى اليوم، فلا تشكل "إبرة في كومة من قش" حسب تعبير لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد استعمله مراراً وتكراراً قبل تمكن قوات الإحتلال الأميركية من أسر الرئيس صدام حسين في ديسمبر/ كانون الأول 2003. نعم، صديقي تذوقها قبل ذلك بكثير... تذوّقها قبل خمسة عشر عاماً كما أسلفت الذكر، وكان ذلك في واحدة من "ديمقراطيات" الغرب، بل في أُم الديمقراطيات الغربية كما يحلو للغربيين عامة والإغريق خاصة أن يطلقوا عليها. كانت ديمقراطية أبعد ما تكون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومواثيقها واتفاقياتها وفي مقدمها اتفاقية جنيف "حسنة الصيت والسمعة"... تلك الاتفاقية التي ربّما تُطبق على الجميع ما عدا العرب. تذوّقها صديقي وتذوّقها معه عشرات ألوف بل مئات ألوف العرب في البلدان الغربية.
كان ذلك في يناير/ كانون الثاني 1991، وتحديداً في الثامن عشر منه بعد ساعات قليلة من قيام جيش الرئيس صدام حسين بتوجيه صواريخه إلى تل أبيب رداً على بدء العدوان الثلاثيني على العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ذلك العدوان الذي حلا لواشنطن أن تُطلق عليه تسمية "عاصفة الصحراء" والذي وقع بذريعة (احتلال الكويت وضرورة تحريرها) على حد زعم الولايات المتحدة وشركاؤها في العدوان. في ذلك الوقت كان صديقي واحداً ممن راعهم ما حدث لألف اعتبار واعتبار، أبرزها خوفه على العراق في الإطار القطري والوطن العربي في الإطار القومي الأوسع والأشمل. لقد كانت الكويت هي الذريعة والمبرر، ولو لم تكن لأوجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها ألف ذريعة وألف مبرر غيرها!! كان صديقي في حينه يكتب لإحدى الصحف العربية الكبرى، وكانت الصحيفة من أبرز الصحف المعارضة للاحتلال وصدام حسين مع أنها كانت تُطلق على الأخير لقب "فارس العرب" إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
ديمقراطية المخابرات والاستخبارات وغرف العمليات الأمنية المشتركة(1/240)
خمسة أشهر وبضعة أيام كانت قد مرّت على ضم الكويت للعراق باعتبار أنها الفرع الذي عاد للأصل، قضاها صديقي في تدوين أرقام لوحات سيارات جهاز المخابرات في ذلك البلد الغربي "الديمقراطي" التي كانت تتابعه أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، ومحاولة التملّص من رجال الاستخبارات الدوليين الذين ظهروا علي سطح الأحداث فجأة ومن دون إنذار مبكر ونشطوا تحت أسماء ومسمياتٍ مختلفة ومزيفة. فمنهم من كان يقدم نفسه ككاتب أو باحث يسعى وراء دراسة تختص بمنطقة الشرق الأوسط أو الوطن العربي، وآخر كان يقدم نفسه على أنه صحافي جديد يسعى وراء المساعدة، وثالث كان يدعي أنه رجل أعمال وافد يسعى وراء الإعلان لأعماله ومشاريعه في الصحيفة التي كان صديقي يعمل بها. رجال مخابرات البلد الغربي "الديمقراطي" كانوا يطاردون صديقي متجنبين الاحتكاك المباشر به. كان جل اهتمامهم أن يضعوه تحت ضغط نفسي ثقيل ومكثف فقط. هكذا كانت الأوامر والتعليمات لهم. والوافدون الجدد من رجال الاستخبارات الدوليين ذو المهن المتعددة والمزيفة كانوا يبالغون ويفرطون في دعواتهم لصديقي، ربما ليظل تحت عيونهم وأبصارهم. في حينه تأكد لصديقي أنه مقبل على ما لا تُحمد عقباه "ولربما على أيام سوداء"، إذا ما "وقعت الواقعة" وشنت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الحرب على العراق، لا لأنه كان متعاطفاً مع العراق ومؤيداً له، ولا لأن البلد الغربي "الديمقراطي" كان يملك من المبررات ما يعطيه حق اعتقاله أو ترحيله، إنما لأن إحدى السفارات العربية التي كانت ممثلة في غرفة العمليات الأمنية التي تشكلت في عاصمة ذلك البلد على غرار مثيلاتها في العواصم الغربية الأخرى بذريعة مواجهة "الأخطار المحدقة" كانت قد خاطبت وزارة الأمن في تلك العاصمة وطلبت منها ملاحقة ومتابعة صديقي وإذا اقتضى الحال ترحيله على أول طائرة (بغض النظر عن الجهة التي يرّحل إليها). المخاطبة تمت عبِرَ كتاب دبلوماسي. لكن صديقي وإن أخذ الأمر على محمل الجد وتهيأ لتبعاته سلفاً، إلا أنه ظل كغيره يراهن حتى اللحظة الأخيرة على حكمة القيادة العراقية واحتمال انسحاب الجيش العراقي من الكويت طوعاً وسحب الذرائع من أيدي الولايات المتحدة الأميركية وجميع البلدان الغربية المتربصة شراً بالعراق خاصةً والأمة العربية عامة... وهنا لا أستثنى تربص إسرائيل بالطبع. لكن حتى ذلك لم يفد، لأن الولايات المتحدة وحلفائها كانوا قد اتخذوا قرار العدوان من قبل.
اليونان كانت البلد الغربي "الديمقراطي" المقصود
البلد الغربي في بيت القصيد هنا كانت اليونان، وقد سبق أن ألمحت إليهاً في سياق الإشارة إلى الإغريق وأم الديمقراطيات الغربية.(1/241)
نعم كانت اليونان حيث كان صديقي يقيم مع عائلته في عاصمتها، وكان يعمل في الحقل الإعلامي كما أسلفت الذكر أيضا ً. وكانت الصحيفة العربية التي أشرت إليها سابقاً من بين وسائل الإعلام التي كان يراسلها، وهي كانت وما زالت تتخذ من عاصمة الضباب وصاحبة الجلالة مقراً لها. كان صديقي في حينه يعتبر اليونان واحدة من بلدان العالم الثالث عشر لما للديمقراطية فيها من "قدسية!! " ندر وجودها في بلدان ديمقراطية حقيقية مثل البلدان الإسكندنافية!! وقد عبّر عن ذلك في عديد مقالاته. كانت الحكومة اليونانية منزعجة من صديقي لأنه لطالما عَبّرَ عن اهتمامٍ إعلامي خاص بشؤون المسلمين في منطقة "تراقيا" شمال اليونان بمحاذاة الحدود مع تركيا. وعبّر عن ذلك في مقالاته أيضاَ، كما وأقام علاقات وصلات طيبة مع تلك الأقلية اليونانية ومع ممثليها في البرلمان... وكانوا لا حول لهم ولا قوة لأن الإعلام المحلي والدولي اعتاد متعمداً تجاهلهم وتجاهل أقليتهم، وكذلك الدبلوماسيون المسلمون والعرب. وكان رأس الدبلوماسية في السفارة العربية المقصودة منزعجاً من صديقي أيضاً مثله مثل الحكومة اليونانية، لكن لسبب أو أسباب أخرى أقلها أنه كان يبدي حضوراً ديناميكيا في الندوات السياسية العامة والخاصة التي اعتاد حضورها كبار السياسيين اليونانيين بمن فيهم رئيس الحكومة لم يكن ليتوفر عند رأس الدبلوماسية المقصود وأقرانه من الدبلوماسيين وبالأخص العرب منهم. فقد امتاز صديقي بجرأة وطنية وقومية كانوا يفتقدونها، وكانت تخوله مماحكة أولئك السياسيين ورئيس حكومتهم ومحاورتهم بحدة وحتى انتقادهم شفهياً وفي مقالاته لأن اليونان في ذلك الوقت كانت قد شرعت في مغازلة إسرائيل وبدأت تتخلى تدريجياً عن موقعها ودورها كجسر للعلاقات الطيبة بين الغرب والعرب. في حينه وصل اليمين اليوناني "حزب الديمقراطية الجديدة" بزعامة قسطنطين ميتسوتاكيس الى السلطة بعد هزيمة انتخابية أنزلها باليسار الاشتراكي "حزب الباسوك" وزعيمه التاريخي أندرياس باباندريو، وانحرف بالسياسة اليونانية الخارجية "180 درجة" معاكسة للنهج الباسوكي الداعم للعرب والقضية الفلسطينية. وفي حينه اعترف اليمين اليوناني بإسرائيل لأول مرة منذ عام 1948. وكانت الحكومة اليونانية منزعجة من مواقف صديقي بهذا الخصوص أيضاً. الحكومة اليونانية لم تستطيع ترحيله وإن تمكنت من ملاحقته ومتابعته. لم تستطع ترحيله لأن حصانته الصحفية كانت تمنعها من ذلك، ورأس الدبلوماسية لم يستطع هو الآخر أن يُحقق مطلبه لأن صديقي كان يتمتّع بحصانة لا تقل قوة عن حصانته.
تجدر الإشارة إلى أنه وعلى ضوء احتلال الكويت وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين اليونان وإسرائيل انعقد في أثينا مؤتمر دولي سري تحت عنوان "مواجهة الأصولية القادمة من الشمال"، رعته وكالة الاستخبارات الأميركية "C.I.A" وأشرف عليه إحدى محطات التلفزة اليونانية وتدعى Antena. ورأس المؤتمر وسيط السلام الأميركي المغفور له فيليب حبيب. صديقي كان الصحافي الشرق أوسطي الوحيد المشارك في ذلك المؤتمر بحكم علاقاته مع أحد كبار العاملين في محطة التلفزة المذكورة، وكان الشاهد العربي الوحيد على مشاركة عدد من السياسيين الدوليين والعرب والإسرائيليين السابقين في ذلك المؤتمر. وكان رأس الدبلوماسية في السفارة العربية المقصودة نجماً من نجوم ذلك المؤتمر. وقد تصدر الطاولة الرئيسية أثناء العشاء الختامي للمؤتمر إلى جانب فيليب حبيب والسفير الأميركي والوفد الإسرائيلي. وكان صديقي أيضاً شاهداً على جلسته "الشاعرية" التي لم يحسده عليها أحد من الدبلوماسيين العرب والمسلمين الذين لبّوا دعوة العشاء، وهو ما زاد في انزعاج سعادته من صديقي أكثر فأكثر. ذلك المؤتمر مثّل "بالطبع!! " وجهاً من وجوه "الديمقراطية" الغربية!!
الرئيس بوش الأب اتخذ قرار الحرب وأعلن عن ساعة الصفر،
فكشرت الديمقراطية الغربية عن أنيابها(1/242)
مع اتخاذ الرئيس الأميركي في حينه جورج بوش الأب قرار العدوان على العراق وتحديد ساعة الصفر، أعلنت حالة الطوارئ القصوى في الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الغرب... وبالطبع في اليونان. ومع اتخاذ القرار وتحديد ساعة الصفر، سقطت الديمقراطية الغربية، بل غُيبت، وسقطت وغُيبت معها جميع حقوق الإنسان وبالذات الإنسان العربي، واتفاقيات هذه الحقوق بما فيها اتفاقية جنيف. ولم يعد هناك من قيمةٍ تُذكر لجميع الحصانات، الصحفية منها والدبلوماسية. نعم سقطت الحصانات جميعها. وكما كان مفترضاً أن يدفع العراق ورئيسه ونظامه ثمن التمرّد على الإرادة الغربية عامة والأميركية خاصة وكذلك الإرادة الإسرائيلية، أصبح من واجب كل بلد أن يصفي حساباته مع خصومه السياسيين الذين تجرأوا على توجيه الانتقاد والنقد له ولسياسته. وكانت "الديمقراطية" الغربية هي الشعار واليافطة. والتقط ممثلو البلدان في غرفة العمليات الأمنية في أثينا كغيرهم في الغرف المماثلة في العواصم الغربية الأخرى الفرصة للإنتقام من خصومهم كذلك. ومع قرار العدوان وتحديد ساعة الصفر أُطلق العنان لـ"الديمقراطية" الغربية لتصول وتجول.
كانت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وإسرائيل وبلدان عربية إضافة إلى البلد المُضيف ممثلين في غرفة العمليات الأمنية "حسنة الصيت والسمعة" تلك. ومع القرار وساعة الصفر انتشر رجال مخابرات تلك البلدان على عجلٍ سعياً وراء "خصومهم" من الشبان العرب لاصطيادهم والحصول على أوسمة رفيعة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وترقيات من بلدانهم. وكل ذلك جرى في ظل "الديمقراطية" الغربية التي لطالما تغنت بها بلدان الغرب وسعى الرئيس جورج بوش الأب وراء تطبيقها بل فرضها في الوطن العربي، كما يسعى الآن الرئيس جورج بوش الإبن وراء تطبيقها وفرضها على الوطن العربي، لكن بأكثر حدة وصرامة... وحماقة. فأيام الأب كان العالم ثنائي القطبية أما الآن وفي عهد الإبن فالقطبية واحدة ومحصورة بالولايات المتحدة.(1/243)
بدأت الحرب، وبدأت "الديمقراطية" الغربية معها تعبّر عن ذاتها بشراسة ما بعدها شراسة مع فجر 17 يناير/ كانون الثاني 1991 بدأ العدوان وألقت الطائرات الأميركية والغربية حِممها وجميع أنواع قنابلها فوق العراق وفي المنطقة الحدودية مع الكويت، كما وجهت البوارج جميع أنواع صواريخها باتجاه العراق والمنطقة الحدودية أيضاً، وتحوّلت منطقة الخليج إلى جحيم حقيقي أتى على الأخضر واليابس والبشر والشجر والحجر. القنابل والصواريخ الأمريكية والغربية أتت على كل ما كان يتحرك في العراق وعلى حدوده من الأهداف البشرية والآلية، بكل ما امتلك واختزن أصحابها من حقد تجاه العراق والوطن العربي. أصبح العراق والمنطقة الحدودية مقبرة مفتوحة للجثث المحترقة، كما أن الآليات العسكرية والمدنية تحولت إلى ركام من المعادن المُحطمة والمحترقة. ومع بدء العدوان في فجر ذلك اليوم، استُنفرت غرفة العمليات الأمنية في أثينا كما استُنفرت جميع غرف العمليات الأمنية في بلدان الغرب "الديمقراطية... استنفرت بشراسة ما بعدها شراسة. ومع قصف تل أبيب بالصواريخ العراقية مع صبيحة اليوم التالي، رفعت غرفة العمليات في أثينا مثلها مثل غرف العمليات في العواصم الغربية الأخرى من درجة استنفارها إلى الحد الأقصى، وبدأ رجال المخابرات في استدعاء... بل القبض على كل من أشَّرَ إليه أركان تلك الغرفة، وبالأخص العرب. كان صديقي يتناول الغداء مع واحدٍ من رجال استخبارات البلد العربي المُمثل في غرفة العمليات كان قد قَدَم نفسه له كرجل أعمال قادم من الولايات المتحدة الأميركية ويريد الإعلان عن مشاريعه في الصحيفة العربية "المذكورة" التي كان صديقي يراسلها. كان صديقي يتناول الغداء مع "رجل الأعمال" الإستخباراتي بناءً لدعوة مبكرة وعاجلة على ما بدا حتى يكون تحت عين الغرفة الأمنية وفي متناول أيدي الممثلين فيها. اتصل أبناء صديقي به على عجل وأبلغوه بضرورة العودة إلى البيت لأمر عاجل وتعليمات من رجال المخابرات. اعتذر من مُضيفه الإستخباراتي ليستقبله رجال المخابرات على الباب ويطلبوا منه مرافقتهم مصحوباً بإقامته وجواز سفره بذريعة أن وزير الأمن ينتظره في الوزارة لأمرٍ هام. كانت الوزارة تعُجُ بالعرب، وبالأخص الفلسطينيين، ممن أوقفتهم أجهزة الأمن والطوارئ. قيلَ لصديقي أنه مهدد بالقتل وأن الوزارة بصدد حمايته والحفاظ على سلامته. استضافوه في غرفة مزودة بهاتف لإجراء مكالماته الهاتفية، وكانت مفتوحة على بهو يمتلئ بالموقوفين العرب وبالأخص الفلسطينيين ممن كانوا يقيمون في اليونان بحكم أعمالهم أو دراساتهم الجامعية. أجواء من "الديمقراطية" المتناهية كانت تُخيم على وزارة الأمن في ذلك اليوم الذي أعلن فيه رئيس الوزراء اليوناني في حينه قسطنطين ميتسوتاكيس أنه "سيكنّس أثينا من العرب وينظفها منهم"... وهذا تعبير غربي "ديمقراطي" أيضاً. ومع ساعات الليل الأخيرة ساقوا صديقي إلى زنزانة مليئة بالموقوفين العرب معظمهم من الفلسطينيين، فأيقن عندها أنه سيكون ضيفاً ثقيلاً على ديمقراطية اليونان وأن الآتي سيكون أعظم وأخطر. في حينه كانت وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية تبث خبر اعتقال صديقي وقرار الحكومة القاضي بترحيله، وفق ما علم فيما بعد. ظهر اليوم التالي وبدل أن يتمَ الإفراج عنه حسبما قيل له، اقتادوه إلى سيارة تحمل لوحة من اللوحات التي كان قد دونها إبانَ فترة متابعته بعد احتلال الكويت توجهت به إلى المطار مصحوبة بآلية مصفحة تابعة للأمن اليوناني. أدخلوه مُدرج المطار عِبرَ بوابة جانبية لتحاشي الحشد الإعلامي الذي كان ينتظره في بهو المطار. أدخلوه المدرج باتجاه طائرة كانت وجهتها ليبيا التي لم يسبق له أن زارها برغم عديد الدعوات التي كانت توجه إليه أثناء احتفالات الفاتح من سبتمبر/أيلول والتي لم يُلبِ واحدة منها. حاول التمنع وطلب تسفيرهُ إلى لبنان أو الأردن أو يوغوسلافيا، فكان الرفض وتخييره بين الطائرة المتوجهة إلى ليبيا أو طائرة "العال" الإسرائيلية التي كانت متوقفة على مسافة ليست ببعيدة. كانوا يعنون ما قالوه له... لم يكن ذلك من باب التهديد والتخويف. في النهاية دفعوا به دفعا بكل ما تحمله الديمقراطية الغربية من وحشية داخل الطائرة. نعم كان ذلك الدفع من "آليات الديمقراطية" الغربية!! لم يُسمح لصديقي أن يودع عائلته أو أن يمرّ على بيته للحصول على بعض الملابس والنقود أو كتابة توكيل لزوجته للتصرف في ضرورات المنزل والعائلة "النقدية". دخل الطائرة بالملابس التي كان يرتديها وفي جيبه آلاف الدراخمات التي لم يكن لها قيمة خارج اليونان لتعذر استبدالها بعملات أخرى. هي "الديمقراطية" الغربية بعينها التي يريدون تصديرها للوطن العربي أو فرضها بقوة الترهيب... "ديمقراطية إذلال الكرامة والإرادة والروح عند الإنسان العربي... نصف ساعة أو أكثر قضاها صديقي في الطائرة وحيداً قبل أن يتدافع الدبلوماسيون العراقيون وعائلاتهم إلى داخلها مرحلين أيضاً، تنفيذاً لقرار دولي شمل جميع البعثات الدبلوماسية العراقية في العالم قضى بتخفيضها إلى(1/244)
الحد الأدنى. وهال صديقي أن يعرف منهم أن اسمه كان مدرجاً أيضاً على القائمة
الدبلوماسية التي سلمها وزير الخارجية اليوناني للسفير العراقي... قائمة الدبلوماسيين غير المرغوب في بقائهم فوق الأراضي اليونانية، علماً أن صديقي لم يكن في يوم من الأيام دبلوماسياً.. لا عراقياً ولا فلسطينيا ً. لكنها الديمقراطية اليونانية التي تمثّل وجهاً من وجوه الديمقراطية الغربية التي تعمل على وضع العربي في القالب الذي تريد وتهوى.. المهم أن يتشكل ذلك ويتواءم مع آليات ومتطلبات تلك الديمقراطية البائسة. وصل صديقي إلى لبيبا مع انفراط عقد مظاهرة المليون التي تصدرها في 19 يناير/ كانون الثاني 1991 في طرابلس العقيد معمر القذافي تأييداً للعراق ورفضاً للحرب ضده. وصل وأحسنت وفادته وضيافته. أيام قلائل بعدها انتقل إلى تونس للالتحاق بأبناء جلدته الذين كانوا ما يزالون في تونس كواحدة من المنافي الفلسطينية. هناك عرف أن مئات بل آلاف العرب جُلهم من الفلسطينيين ممن حملوا الفكر القومي العربي قد سبقوه إليها مُرحلين من اليونان وبلدان غربية "ديمقراطية" أخرى كثيرة، لا لسببٍ إلا لأن الفكر القومي العربي يتعارض بل ويتصادم مع متطلبات الديمقراطية الغربية ذات "المحاسن والمزايا" العديدة التي يريدون تصديرها للوطن العربي، بل فرضها عليه فرضاً.
هي حكاية العربي مع ديمقراطية "الحرباء" الغربية!!
حكاية صديقي مع "الديمقراطية" الغربية التي ما تزال تؤرق جفونه وتقض مضاجعه وتُنغص أحلامه حتى أحلام اليقظة منها، والتي ما يزال طعمها تحت أسنانه حتى اليوم، هي حكاية عشرات ألوف بل مئات ألوف العرب عامة والفلسطينيين خاصة قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001. أما حكايات بل مآسي عشرات ألوف بل مئات ألوف العرب عامة والفلسطينيين خاصة بعد ذلك التاريخ مع تلك الديمقراطية، فهي أدهى وأمر وأكثر إيلاماً. وإذا كانت الكرامة والإرادة والروح العربية قد تعرضت للإذلال والمهانة قبل ذلك التاريخ، فهي معرضة الآن للقتل والفتك والإبادة. هذا إذا قُدّر لإسرائيل أن تحافظ على استئثارها أو تستأثر أكثر فأكثر بملف السياسة الغربية وبالأخص الأميركية في الوطن العربي. وكذا الحال مع الديمقراطية الغربية وبالأخص الأميركية، وهي بيت قصيدنا الآن. فهذه الديمقراطية التي كانت مضرب مثل في العقود الأخيرة من القرن الماضي ومغناطيساً يجذب الناس وبالأخص في العالم الثالث إليها، فقدت بريقها مع بداية العقد الأخير من ذلك القرن وأصبحت بلا جاذبية تُذكر. فهي بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 تحوّلت إلى "حرباء" تتلوّن وفقاً للظروف وضرورات السياسة الاستعمارية - الاستيطانية التوسعية الجديدة. إنها الديمقراطية التي (تارة تأخذ لغة الدفاع عن حقوق الإنسان كما هو الحال في الصين، وتارة أخرى تأخذ لغة مكافحة الإرهاب والدفاع عن حقوق المرأة كما هو الحال في أفغانستان، وتارة ثالثة تأخذ لغة مصادرة أسلحة الدمار الشامل لتدميرها لخطرها على السلم والاستقرار والأمن في العالم كما هو الحال في العراق، وتارة رابعة تأخذ لغة الدعوة إلى تطوير الأنظمة وتغيير بنيتها لتنتج ثقافة التسامح بدلاً من إنتاج ثقافة أصولية تشكل تربة "خصبة" للإرهاب كما. وقبل هذه مجتمعة "لا ننسى وجه هذه الديمقراطية" المكشر عن أنيابه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ترى إلى متى سيستمر العرب على ما هم عليه من استكانة واستسلام مهينين لهجمة "الديمقراطية" الغربية وبالأخص الأميركية؟!
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
http://al-shaab.o r g المصدر :
=============(1/245)
(1/246)
الحركة النسوية من المساواة إلي الجندر ..
دراسة نقدية إسلامية
قدم الباحث ا.مثنى أمين الكردستاني: دراسة هي الأولى من نوعها في العالم الإسلامي تناولت بالدراسة والتحليل أهم أفكار الحركة الأنثوية (feminism)، التي باتت تمثل رؤية معرفية وأيديولوجية للعالم وليست مجرد أفكار حقوقية وسياسية أو اقتصادية عن المرأة، كما تعد الحركة الأنثوية أقوى الحركات الفكرية التي ترعرعت في ظل العولمة كحركة فكرية تمارس العمل عبر مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة.
وتبرز خطورة الحركات الأنثوية المتطرفة في تبنيها مجموعة من الآراء والخيارات تعتبر تهديدا مباشرا لكل الأديان والقيم والحضارات الإنسانية، خاصة أن هذه الأفكار الأنثوية أصبحت تمثل النسق الفكري للعديد من الوكالات الدولية التابعة للغرب وللأمم المتحدة التي صاغتها في شكل اتفاقيات دولية مفروضة على كافة المجتمعات دون التمييز بين البيئات والثقافات المختلفة، بل تفرض ضغوطاً أخرى سياسية في حالة عدم تطبيقها في دول العالم الأدهى من ذلك أن من يسيطر على تلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة فئات ثلاثة (الشاذون جنسيا-السحاقيات الفيمينست- التمركز حول الأنثى).
وإزاء هذه المخاطر المحدقة على واقع المرأة المسلمة تأتى دراسة (آراء الحركة الأنثوية الغربية من وجهة نظر إسلامية) للباحث العراقي مثني أمين الكردي والتي نال عنها درجة الماجستير من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان قسم العقيدة - مؤخرا لتدق ناقوس الخطر حول مستقبل المرأة المسلمة في ظل سيطرة (الفيمينست) على المجتمع الدولي في ضوء عولمة القيم
التمركز حول الأنثى:
ويستعرض "مثني" تاريخ ظهور الحركات الأنثوية، الذي يؤرخ بنهاية القرن التاسع عشر في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، حيث بدأت المدرسة الراديكالية المتطرفة في داخل الحركات النسائية، والتي تتبني نهجا عدائياً اتجاه الرجل وتنظر إلي المرأة مجردة عن سياقها الاجتماعي وهي في ذلك تتجاوز منطلقات الحركات النسوية المعتدلة (حركات تحرير المرأة).
ومن الجدير بالذكر أن الحركة الأنثوية بدأت متطلباتها التي تطورت في منتصف 1989 م حول توسع فرص التعليم والمساواة القانونية، وحقوق المرأة الضائعة، ولسوء أوضاع المرأة في الغرب عامة في تلك الفترة ومع تطور الثورة الصناعية في المجتمعات الغربية، ونظراً لحاجة المصانع لمجهود المرأة، تبنت الحركة الأنثوية أفكاراً اكثر تحرراً وحطمت كافة القيود الأخلاقية والاجتماعية المحيطة بالمرأة، وتبنت متطلباتها حق المرأة المطلق في ممارسة الجنس كما تشتهي، ورفض مؤسسة الزواج كما تبنت الحق المطلق في الإجهاض.
تبنت تلك المدرسة أمثال: (سيمون دي بوفوار) التي تقول: "لا يولد المرء امرأة، بل يصير كذلك"
إزاء هذه الأفكار طالبت الأنثوية برفض أوضاع المرأة المرتبطة بتركيبها الهرموني، ومن ثم ضرورة تغيير مجموع العلاقات بين الجنسين داخل الأسرة (الجندر).
ثالوث النسوية:
وإزاء هذا الواقع المرير طالبت الحركة الأنثوية بمبدأ الحركة المطلقة للمرأة ونزع القداسة عن عقد الزواج والرباط الأسري، والاستخفاف المستمر بعفة المرأة، وأهمية غشاء البكارة معتبرة أن هذا جزء من الثقافة الذكورية التي ترى في المرأة متاعاً خاصاً للرجل ورفعت الأنثوية راياتها الثلاث: الإصلاحات الاجتماعية (إلغاء القوانين)، المطالب السياسية والحب الحر.
كما سعت (الأنثوية) إلي ترسيخ مفاهيمها الاجتماعية، وتبنت مطالب الشذوذ الجنسي في الأمومة والإنجاب من خلال ابتداع تقسيمات جديدة " الأم البيولوجية.. والأم الاجتماعية " وروجت لثقافة جديدة تقوم على الإباحية وملكية المرأة لجسدها، وهو ما أفرز: أمهات غير متزوجات- ترك طفل لمؤسسات التبني- الإجهاض- القضاء على الأحداث- رفض الحجاب والتستر، بل التوسع في شركات التجميل والزينة وبناء الأسر اللانمطية (زوجة وثلاثة أزواج)- زوج وزوج- اللواط - السحاق (باعتباره يخلص المرأة من سيطرة الرجل)
بل الأخطر من ذلك ما سعت إليه الأنثوية من محاولة تغيير وإعادة صياغة اللغة الذي دفع بعض الكتابات العلمانية المعاصرة إلي الدعوة لإعادة صياغة القرآن الكريم ولفظ الجلالة بصياغة جديدة تميل إلي المرأة " لماذا لا يكون لفظ الجلالة مؤنثاً"؟ (!).
الأنثوية وحركات تحرير المرأة العربية:
وبعدما ركبت الأنثوية موجة العولمة عمدت إلى تشويه باقي الثقافات والحضارات الأخرى فأعلنت حربا شعواء على الإسلام وأحكامه والمرأة المسلمة، ونهجت في ذلك منهجا يقوم على التشكيك في صحة الدين، والقول بأن الفقه الإسلامي ذكورى، يسوغ سيطرة الرجل على المرأة والتأكيد على المساواة المطلقة، ونقد نظام الزواج و الأسرة الإسلامية وتقديم الاجتهاد من مجتهدين غير عالمين بأحكام الإسلام مقابل تقديم الجوائز المالية والأدبية لهم، أمثال "سعداوي"، و "المرنيسي". وغيرهن،(1/247)
ويفضل الأنثويون التركيز على مشكلات النساء المسلمات أكثر من مشكلاتهن وهو ما يهدد أمن المجتمعات الإسلامية التي بدأت تشهد ثمار ما زرعته الأنثوية المتطرفة في عقل المسلمين والمسلمات من زيادة أعداد مرضى الإيدز، وحملة تقليص عدد المواليد من خلال تأخير سن الزواج، الذي جلب الزنا بدلا من الزواج، لدرجة أن بعض الدول التي تتخذ من الإسلام ديناً حرمت تعدد الزوجات، مع السماح بتعدد الخليلات.
دور المنظمات الأهلية:
تشير الدراسة بأن الحركة الأنثوية ركزت على نشاطها في مجالات التعليم والمواثيق والدساتير الدولية، لتسهيل عملية التغيير الاجتماعي مستغلة في ذلك المنظمات الدولية والإقليمية والمؤتمرات العالمية.
بهدف الضغط على الدول لإحداث تغييرات في قوانينها الداخلية ويسهم في خطورة الأمر اتجاه الأمم المتحدة للتعامل مع المنظمات الأهلية مباشرة، بل جعلها رقيبة على دولها، خصوصاً ما يتعلق بشئون المرأة والطفل، فمثلاً هيئة المعونة الأمريكية تخصص كل عام ما يزيد على 20 مليون دولار مساعدة للمنظمات الأهلية المصرية بشرط أن يكون المشروع الممول مقبولا في المنظمة المقدمة للمعونة.
بل امتد الأمر إلي أقصى درجات الضغط التي يمارسها النظام العالمي الجديد، حيث أصبح من أهم شروط انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مثلا الاعتراف بالشذوذ الجنسي.
التصور الإسلامي لقضية المرأة:
يعرض د. "مثني" في دراسته للتصور الإسلامي لمجمل قضية المرأة المعاصرة من خلال تفعيل القواعد الإسلامية التي تقدم البدائل المناسبة، والتي تنطلق من اعتماد (الحاكمية لله) مرجعية شاملة، وسيادة الشريعة بما تحويه من أحكام المرأة والمجتمع ككل، وينبني التصور الإسلامي على ضرورة أن تكون الأخلاق والقيم ثابتة وليست متغيرة كما تفعل الأنثوية التي تشكك وتعبث بكل القيم، كما يركز التصور الإسلامي على اعتبار الأمومة وظيفة مقدسة خاصة بالمرأة، كما يعلى الإسلام أمر الفطرة وضرورة مسايرتها، لا لمعاكستها.
كما قيدت الشريعة الإسلامية الحريات، وجعلتها تدور في فلك حفظ مصالح الفرد والمجتمع، وقد ردت الدراسة على عدة شبهات تثار حول رؤية الإسلام للمرأة مثل: (القوامة - ونشوز الزوجة).
وتختم الدراسة بمناقشة عامة لوضع المرأة المسلمة، ودورها في بناء المجتمع مطالبا بضرورة بناء حركات نسائية واعية بمشكلات المرأة المعاصرة، وتدفع بعجلة التنمية المتكاملة دون تهميش للمرأة، ودون استدراج للمرأة المسلمة إلي متاهات الفكر الغربي الذي انطلق من واقع ظالم، ليس للمرأة فقط، بل لفئات كثيرة من المجتمع (العبيد- النساء- السود) لكون أن التربية الإسلامية خصبة بالعدالة والمساواة والتكريم الإلهي للمرأة والرجل والحيوانات والنبات والبيئة، تقديراً لدور كل منهم في الحياة المستقرة الكريمة.
15- ذو الحجة-1426 هـ
15- يناير- 2006
http://www.lahaonline.com المصدر:
=============(1/248)
(1/249)
حرب الحجاب في تونس
رضا عبد الودود
على خطا الغرب وفرنسا تسارع تونس نحو المزيد من التغريب والتقارب مع الغرب على حساب قيم ومعالم الإسلام، متذرعة بالحرية والخصوصية الثقافية بنهج تطويعي لكل القيم والمعتقدات في سبيل إحكام السيطرة على المجتمع المسلم الذي صار أكثر تململاً ورفضاً لمحاولات تهميشه.
وفي هذا الإطار وصف وزير الشؤون الدينية التونسي أبو بكر الأخزوري
الحجاب بـ"الدخيل والنشاز" غير المألوف على المجتمع التونسي، متوعداً باجتثاث الحجاب وكل المظاهر الإسلامية من لحية وجلباب أبيض في المجتمع التونسي.
وأكد "الأخزوري" في حوار مع صحيفة الصباح اليومية التونسية مؤخراً أن "الحجاب زي طائفي يخرج من يرتديه عن الوتيرة"، وأنه يرفض أيضاً ارتداء الرجال للجلباب الأبيض الخليجي الذي يُطلق عليه في تونس "الهركة البيضاء"، وإطالة اللحية، وقال: إن هذه المظاهر تنبئ عن اتجاه معين-وذلك في محاولة لتسييس الزي تمهيداً لتجريمه.
يذكر أن السلطات التونسية تحظر على الإناث الدراسة والعمل في المؤسسات العمومية بالحجاب استناداً إلى قانون صدر سنة 1981 في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة يُعرف "بالمنشور 108" ينعت الحجاب بالزي الطائفي. ومع بدء العام الدراسي في سبتمبر الماضي شن مسؤولو التعليم في تونس حملة واسعة النطاق لتطبيق القانون (108). وتم منع الطالبات المتحجبات من دخول المدارس والكليات، وهو ما اضطرهن إلى تغيير شكل حجابهن حتى يوفّقن بين الدراسة والتمسك بالحجاب. كما منعت إحدى المحجبات من إجراء عملية ولادة في إحدى المستشفيات الحكومية التي رفضت مجرد التعامل معها حتى تخلع حجابها في صورة لا إنسانية، لا يطيقها حتى عتاة التغريب في فرنسا أو أوروبا، ومع ذلك ترفض السلطات التونسية التهم الموجهة إليها بمحاربة الحجاب أو أي شكل من أشكال التدين، معتبرة أن ما تقوم به يدخل في باب محاربة ما تصفه بـ"ملابس دخيلة" على العادات والتقاليد التونسية.
لماذا الحجاب مجدداً؟
ويحمل توقيت إثارة قضية الحجاب في تونس مجدداً على لسان وزير الشؤون الدينية الذي أثار كافة الأوساط الحقوقية والاجتماعية في تونس وفي المغرب العربي عدد من المغازي والأهداف السياسية لعل أهمها:
ـ حصر الإسلاميين بعيداً عن المعارضة.
- ضرب جهود التقارب بين التيارات السياسية وقوى المعارضة الإسلامية والقومية والاشتراكية التي بدا صوتها يرتفع بصورة غير مسبوقة لمعارضة نظام الحكم الاستبدادي في تونس، وتحاول الحكومة التونسية تسويق رسالة سياسية مفادها "أن الإسلاميين خطر على المجتمع المدني"، وعلى قوى المعارضة العلمانية الابتعاد عن التيار الإسلامي.
ولعل كثرة الحديث حول الحجاب في تلك الظروف منذ أن ابتعدت الظاهرة عن التسييس وباتت تعبيراً حيوياً عما تعتنقه المرأة في تونس من أفكار وقناعات. لعبت ثورة الاتصالات والفضائيات دوراً كبيراً في إحياء ما حاربته رماح السلطة على مدى عشرية ونصف، إذ لم تعد النهضة ولا تنظيماتها المدنية محفزاً أو مبشراً بما ارتأته المرأة في تونس من خيارات وقناعات، ولكن الديكتاتورية الحاكمة عادت لتجد في المسألة فزّاعة تمزّق بها قميص أي ائتلاف سياسي معارض...
وعلى مستوى أعلى تستهدف تلك الحملة إدخال الدين إلى دائرة الجدل السياسي بعدما اقتنع الجميع بحرية الاختيار والاعتقاد انطلاقاً من أن المرأة حرة فيما تختار أو تعتنق من أفكار ومعتقدات، فإذا كانت الأطراف الدينية لا تمارس الوصاية على لابسات الجينز أو التنورة الفاضحة، ومن ثم فإن خصوم الفكر الإسلامي مطالبون أيضاً بالاعتراف لها أيضاً بحقها في الاختيار إذا ما اقتنعت بزي ترى فيه معبراً عن الحشمة أو القناعات الدينية التي تريد الالتزام بها.
- تأتي تلك الحملة الشرسة على الحجاب كأحد المظاهر الإسلامية في إطار حملة أوسع للحرب على الإسلام، وذلك على حد تعبير الشيخ راشد الغنوشي في تصريحاته مؤخراً مع قناة الجزيرة؛ إذ أكد أن هذا الموقف من الحجاب ليس جديداً بل هو جزء من الحرب على الإسلام التي بدأت، كما قال زعيم النهضة، مع دولة الاستقلال بقيادة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. وأوضح أن منع الحجاب بدأ عام 1981، إلا أن تطبيقه منذ ذلك الوقت شهد صعوداً و انحداراً حسب الظروف. ومنذ عام 1991، تحول الأمر من حرب على الحركة الإسلامية التونسية بوصفها حركة سياسية، ليصبح حرباً على الإسلام نفسه، وعلى كل ممارسة دينية، وتسببت تلك الحرب في هجر آلاف الشباب للمساجد ومنع الحجاب، إضافة لطرد آلاف الفتيات والعاملات والموظفات، بل حُظر على المحجبات التعامل مع مؤسسات الدولة لدرجة منع الحوامل من وضع أحمالهن بالمستشفيات حتى يخلعن الحجاب.
وما يؤكد ذلك تصريحات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في ذكرى إعلان الجمهورية في 25 يوليو الماضي، على أن الحرب على الحجاب مستمرة، وأنه لا عودة للحجاب الذي وصفه بالطائفي. وكانت تأكيدات "بن علي" جاءت رداً على نداءات من داخل تونس وخارجها لإطلاق حرية المرأة في لبس الحجاب.
مغازلة الغرب(1/250)
وعلى صعيد آخر تبدو تصريحات وزير الشؤون الدينية وحملات الحكومة التونسية الأخيرة على المناهج الدراسية وتصفيتها لكل ما يمت للإسلام بصلة تحت شعارات "أكل عليها الزمان وشرب"- من التنوير والإبداع، كرسالة ترغب في توصيلها لحكومات الغرب بعد أن انفضح أمر الحكومة التونسية أمامها لما تمارسه من تضييق على الصحفيين والقضاء على هامش الحرية بل والقضاء على المخالفين للنظام بسبل لا إنسانية، وهو بالتالي يوجه رسالة للقوى الغربية التي بدأت بالضغط عليه من أجل تحقيق انفراج يتعلق بحقوق الإنسان بتونس. معتقدة أن تحركها ضد ما يسمى بـ"الأصولية والإرهاب"، قد يوفر لها فرصة لاستعادة رضا الدول الغربية عنها.
ولعل انتقادات المشاركين في قمة المعلوماتية الأخيرة التي عُقدت بتونس مؤخراً كانت آخر تلك الانتقادات، ومن ثم جاءت حملة التعبئة والتصعيد ضد الصحوة الإسلامية من قبل أجهزة الدولة تعبيراً عن استياء النظام من انكشاف صورته أمام المنظمات الدولية أثناء انعقاد قمة المعلوماتية، وما تعرض له الصحفيون والمعارضون من قمع لفت أنظار المنظمات الحقوقية والإعلامية الدولية.
وفي النهاية لابد من التأكيد على خطورة منحى السلطات التونسية التي تصر على منهج الإقصاء سواء لقوى الإسلاميين أو المعارضة التونسية، مما يهدد دورها الحضاري في صياغة مستقبل تونس السياسي في ضوء من التقارب والتعاضد الوطني إزاء مشروعات التغريب والشرق أوسطية التي تستهدف حصر الدول العربية والإسلامية في جزر منعزلة عن بعضها لتسهيل عملية فرض الأجندة الغربية على شعوبها خدمة لمصالح وأهداف غريبة عن تكوينها الثقافي ومصيرها السياسي... فهل تستمع الإدارة التونسية لصوت العقل بإلغاء القوانين سيئة السمعة وقانون (108) الخاص بالزي الوطني...
21/12/1426
21/01/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
============(1/251)
(1/252)
التربص..بالعلماء
محمد الشواف
الشيخ أحمد ديدات عبقري مؤمن، متعمّق بدراسة الأديان، ويدعو إلى الله على بصيرة، همّه الدعوة للإسلام، والدفاع عن دين الله، ومناصرة المظلومين حول العالم، لا بد أن يُغضب قوى الشر، وأصحاب المعتقدات الفاسدة، وطوابير المنافقين حول العالم.لذلك فقد كان عام 1996م عام فرح وابتهاج للكنيسة على وجه الخصوص؛ فقد هدأت حركة الداعية، واستراح المحارب العنيد، الذي أحرج الكنيسة، وسحب البساط من تحتها بمناظراته المُفحمة.
حزنت في ذلك الوقت جماهير المسلمين في كل مكان، لِما أصاب الداعية المنافح عن عقيدة الإسلام، وهمّ بعض المتحمسين أن يتهموا الموساد أو الاستخبارات الأمريكية، أو المتعاطفين مع الكنيسة، بدس مادة غريبة لديدات، سببت له الشلل التام، وألزمته الفراش.
حوادث مشابهة وقعت لعلماء ودعاة ومفكرين، تم السكوت عنها لعدم توافر الأدلة، والخوف من تهمة نظرية المؤامرة.
فقد عقد قبل سنوات مؤتمر إسلامي في إحدى الدول المتقدمة، شارك فيه عدد من علماء العالم الإسلامي، وبعد رجوع ثلاثة منهم إلى بلدانهم ظهرت أعراض مرض غامض عليهم، وقيل وقتها: إن مخابرات إحدى الدول وضعت للعلماء الثلاثة مادة في الطعام، ومات العلماء الثلاثة، في أوقات متقاربة، - رحمهم الله - تعالى -.
لا أريد أن يفهم من كلامي أني أؤكد فرضية قتل الداعية ديدات، لكني أستطيع أن أؤكد أن عدداً من العلماء والمفكرين والمعارضين قتلوا بهذه الطريقة، في بعض الدول العربية والإسلامية.
إن رجلاً عظيماً مثل ديدات - رحمه الله -، يستحق منا أن نقف على كل مراحل حياته، وأن نستفيد من أسلوبه في الدعوة والمناظرات؛ لأنه في الحقيقة أسس مدرسة فريدة في الدعوة إلى الله، ودراسة الأديان، وأصول المناظرات.
مما يؤسف له أن الغرب الذي أزعجه ديدات، بمناظراته الشهيرة، كان أكثر اهتماماً به من بعض الدول الإسلامية؛ لأن الغرب اعتبره ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة، فأقامت الكنيسة قسماً خاصاً لدراسة مناظرات ديدات وكتبه، ومحاولة التشويش عليها، والتقليل من شأنها بطريقة خبيثة، بعيداً عن الأسلوب العلمي الرصين!
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
==============(1/253)
(1/254)
كلمة يجب أن تسود ... سنزلزل عرش اليهود
أبو الحارث محمد الدالي
إن الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
من المعلوم بالضرورة خطر اليهود على الأمة الإسلامية منذ مئات السنين وسطر القرآن آيات كثيرة تدل على خطرهم وخبثهم وحقارتهم وكشف لنا أساليبهم وألاعيبهم الدنيئة.
يكفي قول الله فيهم {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (120) سورة البقرة
هذا أعلى ما يتمنوه ولن يكون ذلك بإذن الله.
وحربهم التي يشنوها على أمتنا بعد أن خدروها بالإعلام وبالتضليل وبكل الأساليب المتطورة والتي تسببت في تغييب شبابنا عن الجادة وعن طريق الحق وطريق الهداية إنما يقصدون من ورائها أن تلغى من عقولنا وقلوبنا (لا إله إلا الله محمدا رسول الله) والدليل على ذلك ما يحدث في فلسطين والتي نسأل الله - تعالى -أن يردها كاملة إلى الإسلام والمسلمين وما يقترفونه في الأقصى الشريف كل هذا لأنهم يحاربون هذه الشهادة العظيمة التي هي مفتاح السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة فصوروا لنا أنهم أبناء الله وأحباؤه ورد الله عليهم {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ} (18) سورة المائدة
ثم انتقلوا إلى أن يقولوا {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (30) سورة التوبة
فلم يجدوا مفرا من ذلك وعلموا أن الله عظيم في قلوب المؤمنين فدخلوا من باب القلوب وأفسدوها بفتن الدنيا من النساء والمال وهم يعلمون أن أعظم فتنة فتنة النساء وفتنة المال فلما أفسدوا القلوب إلا من رحم الله استطاعوا أن يملؤوها بما يشاؤون ولا حول ولاقوة إلا بالله وزلزلوا كلمة التوحيد من صدور كثير من المسلمين إلى أنك تسأل بعض الناس عن معنى (لا إله إلا الله) لا يعرفها وإذا عرفها لم يعمل بها وكله انشغال بالدنيا الفانية.
هل نسينا مخططات اليهود: -
نعم فهل غاب عن بالنا أنهم قتلوا 400 نبي؟!!!
وهل غاب عن بالنا أنهم حرفوا الكتب السماوية؟!!!
وهل يغيب عن بالنا خدعة هيكل سليمان المزعوم؟!!!
وهل يغيب عن بالنا ما يفعلوه من إعلانات لأبنائهم في الغرب للقدوم إلى فلسطين؟!!!
وهل يغيب عن بالنا آباؤنا الذين شردوا في عام 48؟!!!
وهل يغيب عن بالنا آباؤنا الذين شردوا في عام 67؟!!!
أم هل غاب عن الأمة ما يقترفونه بزعم الاتفاقيات التي انجررنا وراءها؟!!!
كل هذا وأكثر منه من قتل وتخريب ويتم واغتصاب واحتلال...... إلخ
اللهم إليك المشتكى وعليك توكلنا ولا حول ولا قوة إلا بك
إن الهيكل الذي يدعونه لا يريدون من ورائه إلى إسقاط المسجد الأقصى بزعم أنهم يبحثون عن ذلك الهيكل والأمر كله خديعة وهو مما استجده أبناء القردة والخنازير عليهم لعائن الله تترى.
ولكن لن نلومهم ولكننا نلوم أنفسنا وأمتنا فهل أمتنا تصدق هذه الافتراءات؟
وهل تناسينا ترويجهم ودعاويهم لأبنائهم وتحريفهم لكتب الله وإدخال عباراتهم التي من صنعهم حتى يرحلوا أبناءهم إلى فلسطين بدعوى أن من دفن فيها فله وله وله...... إلخ
وإلى آخر هذه الدعاوى والافتراءات التي تبكي العيون والقلوب حسرة على حالنا الصعب.
إخوتاه: إن سبب التكلم في هذه القضية ليست تهييج الشباب إلى الهلاك وليست الحماسة الفارغة إنما هذه القضية قضية قرآنية عظيمة محكمة فيها يعرف حال المسلمين أهم الأقوى أم الضعفاء.
بمعنى أن فلسطين والقدس بالتحديد هي معيار الأمة الحقيقي ودرجة حرارة الأمة تقاس بالقدس فإن كانت مع المسلمين كما كان في عهد عمر ابن الخطاب رضي الله - تعالى -عنه فذلك ان الإسلام بخير وأن أهله على الحق وأنهم متحدون.
وأما إن كان غير ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وسبب أن الله أذن لعمر - رضي الله عنه - ولم يأذن لرسوله صلى الله عليه وسلم بتحرير الأقصى حتى لا يأتي من يقول بعد ذلك أن الفتح كان في عهد رسول الله ولا يمكن لأحد غيره.
كذلك الحال في عهد صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله تعالى -وأسكنه فسيح جناته.
بعد هذا العرض هل هناك حلا؟
في كل آيات القرآن تجد أن الله - سبحانه وتعالى - يعظم المعصية حتى نخاف فعلها ثم تجده - سبحانه وتعالى - يعطينا الحل ويعطينا المخرج لأنه غفور رحيم ولأن هذا القرآن هو دليلنا الذي ينير لنا الطريق فنهتدي باتباعه.(1/255)
والحل الوحيد هو أن تنفض الأمة الغبار الذي عليها من ضعف ووهن وخوف وفرقة وأن توحد ربها كي يوحد - سبحانه - صفها ضد عدوها ثم تقول ولو مرة واحدة في وجه هذا العدو الخبيث الذي سب الله بكلام حقير حيث قالوا {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (181) سورة آل عمران
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ونسأل الله أن يعاملهم بما هم أهله والمقصد أن الأمة تقول لهم (سنزلزل عرش اليهود) لكن بأسلوب جديد وهو أسلوب العزة وبلون جديد هو لون الدم فما أخذ بالدم لا يرجع إلا بالدم وبشكل جديد وهو الجهاد في سبيل الله وبقوة جديدة وهي صحوة شباب الأمة
بعدها يحل فينا قوله - تعالى -{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد
اللهم إنا نسألك أن نكون ممن ينصرونك حتى تنصرنا وتثبت أقدامنا
كلمة أخيرة: -
يا شباب الأمة، يا دعاة الأمة، يا علماء الأمة، يا أولياء الأمور...
بالله عليكم لا تعطوا القضية ظهوركم
وأروا الله من أنفسكم خيرا فالشر قد كثر والخير قد انطمس
والدين له حق علينا فاستعينوا بالله وتوكلوا
{إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (128) سورة الأعراف
نداء خاص: -
يا أهل فلسطين: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (140) سورة آل عمران
قصيدة يا قدس أهديها لكم وهي للشاعر عبد الرحمن العشماوي: -
وفد اليهود أمامهم أحقادهم *** ووراءهم تتحفَّرُ الصُّلبان
أوَ لم يقل عبدالعزيز، وذهنُه *** متوقدٌ، ولرأيه رُجْحَانُ
وحُسام توحيد الجزيرة لم يزلْ *** رَطْباً، يفوح بمسكه الميدانُ
في حينها نَفضَ الغُبارَ وسجَّلَتْ *** عَزَماتِه الدَّهناءُ والصُّمَّانُ
أوَ لم يَقُلْ، وهو الخبيرُ وإِنما *** بالخبرةِ العُظْمى يقوم كيانُُ
مُدُّوا يدَ البَذْلِ الصحيحةَ وادعموا *** شعبَ الإِباءَ فإنهم فُرْسَانُ
شَعْبٌ، فلسطينُ العزيزةُ أَنبتتْ *** فيه الإباءَ فلم يُصبْه هَوانُ
شَعْبٌ إذا ذُكر الفداءُ بَدا له *** عَزْمٌ ورأيٌ ثاقبٌ وسنانُ
شعبٌ إذا اشتدَّتْ عليه مُصيبةٌ *** فالخاسرانِ اليأسُ والُخذلاُن
لا تُخرجوهم من مَكامنِ أرضهم *** فخروجُهم من أرضهم خُسران
هي حكمةٌ بدويَّة ما أدركتْ *** أَبعادَها في حينها الأَذهانُ
يا قُدْسُ لا تَأْسَي ففي أجفاننا *** ظلُّ الحبيبِ، وفي القلوبِ جِنانُ
مَنْ يخدم الحرمين يأَنَفُ أنْ يرى *** أقصاكِ في صَلَفِ اليَهودِ يُهانُ
يا قُدسُ صبراً فانتصاركِ قادمٌ *** واللِّصُّ يا بَلَدَ الفداءِ جَبَانُ
حَجَرُ الصغير رسالةٌ نُقِلَتْ على *** ثغر الشُّموخ فأصغت الأكوانُ
ياقدسُ، وانبثق الضياء وغرَّدتْ *** أَطيارُها وتأنَّقَ البستانُ
يا قدس، والتفتتْ إِليَّ وأقسمتْ *** وبربنا لا تحنَثُ الأَيمانُ
واللّهِ لن يجتازَ بي بحرَ الأسى *** إلاَّ قلوبٌ زادُها القرآنُ
وفي الختام أشكر أخي أبا عبد الرحمن على حسن النصح والمعاونة
http://www.saaid.net المصدر:
===============(1/256)
(1/257)
حواف النهر
د. محمد بن سعود البشر
لا يزال أصحاب الفكر الليبرالي والسائرون في ركبه، من الرموز والتلاميذ، يتنادون للتأثير في المجتمع بأساليب شتى، وطرائق عدة، يحاولون إيهام المجتمع بأنهم كثر، وسوادهم كبير.. يزعمون أنهم يمثلون "تيارًا" لم يعد بالإمكان التقليل من حجمه أو التوهم بعدم وجوده.
نلحظ ذلك في المنتديات الثقافية، في القنوات التلفازيّة الحكومية والخاصة، وفي الصحافة اليومية.. يعلو صراخهم في هذه الوسائل ليسجلوا حضورًا فكريًا وإعلاميًا وثقافيًا يلفت الأنظار، وتعجب لجلدهم في الترتيب والتنسيق لهذه الغاية بالليل والنهار.. يعزفون على جراح الأمة بدعوى الوطنيّة. وينالون من ثوابت الدين باسم التسامح والاعتدال والوسطيّة.. يفعلون ذلك وهم الغلاة المارقون.. حتى ليكاد أحدهم أن يفرط من منظومة القيم، وأن ينسلخ من الثوابت بدعوى محاربة التطرف والتخلف والأحادية والإقصاء..
مثل رموز هؤلاء والمجتمع كمثل الطفيليات التي تكثر على حواف النهر.. وأفراخهم كمثل اليرقات التي تحاول أن تكبر وتتكاثر وتصرخ ليظن الواهمون أنهم يمثلون "تيارًا" لا يجوز تجاوزه.. أو رقمًا في المعادلة الفكرية لا يمكن تجاهله.. بيد أن هذه الطفيليات واليرقات التي تقتات من الطحالب القذرة على حواف النهر التي استنبتها هؤلاء العملاء أو قذف الأجنبي ببذورها علينا عبر فضاءات السماء لا يمكن أن تحيل الماء الطهور نجسًا.
لا نزعم أن مجتمعنا ملائكي، منزّه عن الأخطاء، ساكن لا يعرف التغيير، أو جامد لا يقبل التطوير.. بل نجزم أن معطيات الواقع تفرض انتفاضة شاملة باتجاه الحراك الحضاري للحاق بركب العصر، ومتغيرات الحاضر والمستقبل، لكننا في الوقت نفسه ندرك أن هذه الانتفاضة، وذلك الحراك لابد أن يَتِمّا وفق منظومة القيم التي نؤمن بها، آخذَيْن بشروط النهوض الحضاري التي تحددها ثوابت ديننا، ومعايير مجتمعنا، وملامح ثقافتنا. ولذلك فإننا نرفض أن تقود هذه الشرذمة القليلة الركب، أو أن تأخذ بخطام الأمة لتقودها إلى التهلكة تحت مظلة المدنية المزعومة، أو بدعاوي محاكاة الآخر ومسايرته كشرط للتقدم المدّعى.
عبثًا تحاول هذه الزمرة أن يكون لها وجود، ولابد يومًا أن تصحو على لحظات فنائها، فهي نبتة خبيثة على حواف نهر جارٍ، يتدفق بصفاء الفطرة، وحماسة التدين، وإن وعي الغيورين، وجدّ النابهين، وجلد المخلصين كفيل بتعجيل لحظات الفناء..سنراهم غدًا تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت..وما ظلمهم الناس ولكن أنفسهم يظلمون.
3/12/1426
03/01/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
===============(1/258)
(1/259)
اللغة العربية وقضية التخلف (1من 4)
بقلم: د. حلمي محمد القاعود
(1)
في أواسط أغسطس 2004م، شاركت في برنامج تلفازي يبثّ على الهواء حول المظاهرة التي قادها "شريف الشوباشي"، وكيل وزارة الثقافة ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والصحفي بجريدة "الأهرام"، وهي المظاهرة التي هتف فيها بسقوط "سيبويه" عالم اللغة العربية الأشهر، من أجل تطوير اللغة العربية وتقدم العرب! وقد أحسست من خلال المداخلات والمشاركات التي كان "الشوباشي" طرفاً فيها، أن الموضوع بدا مظاهرة، ولكنه لم ينته بعد، وأظنه لن ينتهي لأسباب، منها:
أن توقيت طرحه جاء موازياً أو مواكباً لدعوات أخرى اتخذت شكل أحزاب جديدة أعلن عنها البعض ترفض عروبة مصر، واللغة العربية، وتدعو إلى بعث الهيروغليفية، بوصفها أساس العامية المصرية الجارية الآن.
أن إثارة الموضوع من خلال حفاوة شبه رسمية، سواء من الناشر الذي أبرز صورة المؤلف على غلاف الدعوة على غير العادة، وأبرز الهتاف بسقوط سيبويه من خلال بنط كبير للغاية، أو من خلال بعض الصحف والكتاب الذين روَّجوا للموضوع، ثم تجييش بعض البرامج الإذاعية والتلفازية لتقديم "الدعوة" بوصفها تصب في سياق ما يسمى بالتنوير، يعني أن الأمر ليس بسيطاً ولا هيناً، وليس مجرد رأي شخصي قد يحالفه التوفيق أو لا.
أن التركيز على تعليق جريمة التخلف العربي في رقبة اللغة العربية، وتجاوز الأسباب الحقيقية لهذا التخلف، يشي بأن المقصود هو صرف الأنظار عما يجري للأمة من هوان ومذلة وانهيار، والوقوف على قضية ذات مستوى علمي تخصصي بمنهج دعائي بعيد كل البعد عن المعالجة العلمية والمنهجية لمشكلة نتجت عن التخلف العربي، ولم تكن سبباً فيه بحال من الأحوال.
أن هذه الدعوة قديمة قدم النهضة الحديثة، فقد بدأت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وقادها بعض الأجانب الذين رأوا في اللغة العربية عائقاً أمام أطماع الغرب الاستعماري في تحقيق التبعية والتغريب، فنشروا آراءهم التي يعيد إنتاجها "الشوباشي" بعد قرن وربع قرن من الزمان، ومن هؤلاء اللورد جراي، واللورد كرومر، وخليفته دانلوب، والسير ويليام ويلكوكس، والمستر ويلمور.. وسنعود بعد قليل إلى عرض بعض آرائهم بإيجاز مع آراء بعض المصريين والشوام الذين شايعوهم، لنرى مدى الاتفاق والاختلاف مع "دعوة" الشوباشي التي قدمها من خلال تظاهرته وهتافه وبسقوط سيبويه.
(2)
يقول "شريف الشوباشي" في كتابه "لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2004م، ص 166:
"وبعيد عن ذهني تماماً أن أدعو إلى تطوير جذري يقضي على أسس اللغة العربية، فمثل هذا التطوير يقطعنا عن تراثنا وثقافتنا، وهو مرفوض تماماً بالنسبة لي. فنحن العرب أصحاب ثقافة من أهم الثقافات الإنسانية، ومن الجنون التفريط في هذه الكنوز التي تركها لنا السلف.
والمطلوب هو العمل على تطوير اللغة بجرأة، ولكن دون نسف الأسس التي قامت عليها والحفاظ على الشكل والقواعد الأساسية التي وضعها السلف. وأعلم أن أي تطوير للغة يمسّ جوهرها هو خوض في بحر غريق. لكن عبور هذا البحر هو سبيل الخلاص للعقل العربي وإنقاذه من الحلقة المفرغة التي يدور فيها منذ عدة قرون".
ومع هذا التناقض الذي تحمله دعوة الشوباشي إلى "التطوير" الجذري دون نسف الأسس والثوابت، فإنه يصرّ على وصم اللغة العربية بالتعقيد والصعوبة، والقيد الذي يكبل العقل العربي ويغل طاقات العرب الخلاَّقة والإسار الذي يخنق الأفكار ويلجمها "وهي تسهم للأسف في حرماننا من الانطلاق إلى الآفاق الرحبة التي يفتحها العلم الحديث ووسائل المعيشة المواكبة للتطور العلمي. وباختصار فإن اللغة أصبحت سجناً يُحبس العقل العربي بين جدرانه الحديدية بإرادته المستكينة" (ص13)، ثم إنه يرى في رسوخ اللغة واستمرارها جموداً وتحجراً ينعكسان سلباً على العقل العربي، ويقول: "فأنا أعتبر أن اللغة هي إحدى عناصر تخلف العالم العربي، وأن تحجر البعض في تناول قضية اللغة من أسباب عملية إجهاض النهضة" (ص15)، أيضاً، فإنه يطالب بإعادة النظر في القواعد الأساسية للغتنا لتصبح أداة فعالة لتفجير طاقات العقل العربي المحتبسة في هيكل اللغة المقدس(!)، وزعم أنه على ثقة من أنه يترجم المشاعر الدفينة في نفوس ملايين العرب وهو يهتف قائلاً: يسقط سيبويه!
ويقول ما فحواه: إن المجتمعات المتقدمة ليست على استعداد لإضاعة وقتها الثمين في الكلمات الرنانة الفارغة من أي محتوى، وفي القواعد المعقدة والجناس والطباق والمقابلة والاستعارة المكنية وغير المكنية وما شابه ذلك من محسنات بديعية (ص14).
ويهدد الأمة بأنه إذا لم تجدد اللغة العربية نفسها فتبقى دائماً لغة العرب المشتركة، أو تتقوقع على نفسها فتواجه خطر الزوال لحساب اللهجات كما حدث للغة اللاتينية في القرون الوسطى. (ص10)
هذا مجمل الخطوط الرئيسة لدعوى تطوير اللغة العربية التي يراها سبب تخلف العرب وابتعادهم عن التطور والانطلاق..(1/260)
وهذه الخطوط بما فيها من تناقض، تعيد إنتاج ما قيل ونشر في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، فقد قال اللورد "جراي" حين سئل في مجلس العموم البريطاني عن تعليم اللغة العربية بمصر: "لا تصلح اللغة العربية اليوم لتعليم العلوم إذ تفتقر إلى الإصلاحات العلمية والفنية".
وقد ألقى السير "ويليام ويلكوكس" خطبة في نادي الأزبكية عام 1893م عنوانها: "لِمَ لم توجد قوة الاختراع لدى المصريين؟"، وذكر أن العامل الأكبر في فقد قوة الاختراع لديهم هو استخدام العربية الفصحى في القراءة والكتابة، ونصحهم باتخاذ العامية أداة للتعبير الأدبي، اقتداء بالأمم الأخرى واستشهد بالأمة الإنجليزية، وقال: إنها أفادت فائدة كبيرة منذ هجرت اللاتينية التي كانت لغة الكتابة والعلم يوماً ما.
لقد اتخذ "ويلكوكس" من مجلة "الأزهر" التي كان يحررها "إبراهيم بك مصطفى، في أواخر عام 1892م (وهي غير مجلة الأزهر التي صدرت عن مشيخة الأزهر فيما بعد وتصدر حتى الآن) منبراً يتهجم فيه على لغة القرآن. ويوحي إلى المصريين بأنهم ليسوا عرباً ولا صلة لهم ولا للغتهم بالعرب، بل ادعى ما هو أدهى، إذ زعم أن اللهجة التي يتكلمها المصريون تمت إلى اللغة الفينيقية أو "البونية" كما سماها، انحدرت إليهم منذ أن كان الهكسوس بمصر، وأنه لا صلة لها بالعربية، ونشر ذلك من خلال براهين مضحكة في كتابه "سورية ومصر وشمال إفريقية ومالطة تتكلم البونية لا العربية" الذي ظهر عام 1926م، وفيه عدّد الصعوبات التي يجدها المصريون في تعلمهم اللغة العربية. وقد حاول أن يدعم آراءه الغريبة بالتأليف بالعامية، كما ترجم بها قطعاً من بعض روايات شكسبير، وبعض فصول من الإنجيل، فجاءت الترجمة سخيفة ركيكة، أساءت إلى شكسبير والإنجيل معاً، وفي كتابه الذي ألفه بالعامية تحت عنوان: "الأكل والإيمان"، فخانته العامية، ولجأ في كثير من تعابيره إلى الفصحى لتمده بالكلمة الصحيحة.
وفي عام 1901م، أصدر "مستر ويلمور" أحد قضاة مصر كتاباً تناول فيه هذه المسألة، ونصح المصريين بهجر اللغة الفصحى، واتخاذ العامية أداة للتعبير والكتابة، وقد أثار الكتاب ردود فعل عنيفة، وتصدَّى له العديد من الكتاب، وكانت مجلة "الهلال" ميدان هذه المعركة، حيث أيَّدت العربية ودافعت عنها (راجع السنة العاشرة من الهلال وخاصة عدد فبراير 1903م).
وقد تابع عدد من المصريين هؤلاء الأجانب في الدعوة إلى التخلص من الفصحى بوصفها حائلاً بين المصريين والتقدم، وقد حاول "إسكندر معلوف" من سورية، أن يوهم جمهور المصريين بأن اللغة العربية الفصحى من أهم أسباب تأخرهم وأثنى على اللغة الإنجليزية، وطالب بأن تكتب الصحف والمجلات بالعامية بدلاً من الفصحى، وتدوين العلوم والآداب بالعامية ليستطيع الشعب تحصيل العلوم بسهولة.
أما "سلامة موسى" فقد أثنى على "ويلكوكس" ودعوته إلى العامية، وزعم أنه شغلته هموم مصر كثيراً، وأقضت مضجعه! وأكد دعوة الرجل إلى العامية، واتهم الفصحى بالعجز عن تأدية الرسالة الأدبية والعلمية. كما زعم أن الفصحى تبعثر وطنيتنا وتجعلها شائعة في القومية العربية(!!) (لمزيد من التفاصيل راجع: عمر الدسوقي، في الأدب الحديث، ج2، الفصل الأول).
===============(1/261)
(1/262)
اللغة العربية وقضية التخلف ( 2- 4 )
حلمي محمد القاعود
يتفق "الشوباشي"، مع هؤلاء الأجانب والعرب في أن الفصحى هي سبب تخلفنا، وأنها تحول بيننا وبين الرقيّ لما فيها من صعوبات وتعقيدات، واختلف معهم في أنه لم يدع إلى العامية صراحة، وإن كان قد دعا إلى ما يقود إليها، في نهاية المطاف.
لقد طالب بإلغاء المثنى ونون النسوة والمفعول به والتمييز وعدم استخدام التشكيل، كما طالب بإلغاء البلاغة العربية والمحسنات البديعية، ورأى أن كلمة "إللَّي" بالعامية تنوب عن اسمي الموصول: الذين واللائي!
ما طالب به الشوباشي، هو "كل" خطته لتطوير اللغة العربية، وهي خطة غير علمية وغير منهجية لأنه في الوقت الذي طالب فيه بإلغاء بعض المفردات النحوية، لم يقل لنا شيئاً عن مصير بقية المفردات، وكيف سيكون مصير الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، والمثنى والجمع، والحال والصفة، والبدل وعطف البيان؟ إنه لم يتكلم عن ذلك أبداً لأنه يعلم أن بداية تحقيق مطلبه، تعني عملياً استخدام العامية، وانتهاء الفصحى، بل انتهاء العربية تماماً.
وقد كان هنالك سؤال وجيه لم يجب عنه "الشوباشي" في كتابه ولا في المداخلات الإعلامية أو الصحفية، هذا السؤال يقول: كيف نقرأ القرآن الكريم بعد تنفيذ مطالبه؟ ثم ما مصير المثنى وجمع المؤنث والمفعول والتمييز واسم الموصول؟ ثم من الذي سيقرأ القرآن الكريم والتراث بعد سيادة العامية في الكتابة والقراءة والحديث اليومي؟
إن تشخيص مشكلة التخلف في بلادنا العربية من خلال اتهام اللغة العربية بأنها السبب الأساسي الذي يمنع العرب من الإبداع، ويحول بينهم وبين التقدم، هو تشخيص خاطئ وغير سليم، كما أن تطوير الفصحى إلى العامية هو تطوير غير سليم أيضاً، ولا يمثل وعياً حقيقياً بحقيقة مشكلات اللغة العربية، فضلاً عن مشكلات الوطن والأمة، حتى إن ادّعينا احترام اللغة والحرص عليها والخوف من زوالها ومحوها.
إن التخلف في بلادنا العربية له أسبابه المعروفة التي يعرفها كل من له أدنى علاقة بالفكر والثقافة، وتتمثل في غياب الحرية والعدل والمساواة والكرامة وتقدير العلم والعلماء. إن العبيد والمظلومين والمقهورين والمهمَّشين والذين لا يجدون فرصة للمشاركة في تقرير مصيرهم ومصير أوطانهم، ويرون أن الراقصة والمطربة ولاعب الكرة أكثر أهمية وأكبر مكانة من العلم والعلماء والبحث العلمي، هؤلاء لا يستطيعون أن يتقدموا أو يبدعوا أو يخترقوا حجب التخلف والضياع والهزيمة.
لم يقترب الشوباشي من التشخيص الحقيقي لتخلف بلادنا العربية، كما لم يقترب أبداً من المشكلات الحقيقية التي تعانيها اللغة العربية في الواقع المعاصر.
إن الإحساس بالدّونية، هو الذي يجعل الناس يحتقرون لغتهم ويبحثون عن غيرها من لغات أهل التقدم والعلو في الأرض، ويجعل المسؤولين والمثقفين ورجال الصحافة والإعلام يحاولون دائماً التحدث بلغات أجنبية أو استخدام بعض الكلمات من هذه اللغات لتزيين كلامهم ظناً منهم أن ذلك يضعهم في خانة المتقدمين المتحضرين، ويبلغ الإحساس بالدونية مداه حين يصل الأمر إلى أعماق الأرياف والقرى، فنرى مثلاً الفتى "عوضين" صاحب كشك الحلويات والسجائر يتخذ عنواناً لكشكه مكوناً من كلمتين إحداهما أجنبية والأخرى عربية تحمل اسمه "بوتيك عوضين" أو سوبر ماركت عوضين، بعد أن رأى القنوات التلفازية والصحف اليومية تغص بالكلمات الأجنبية، بل إنه رأى أسماء أجنبية لقنوات عربية صميمة، وحروفاً لاتينية لبرامج أو مذيعين يشاهدهم على الشاشة الصغيرة، فضلاً عن السخرية والتهكم على مدرسي اللغة العربية، أو تقديمها من خلال التنطع والتشدق.
الدونية تنبع من الهوان والهزائم القومية، وقد تلبَّست كثيراً من المواطنين، وخاصة من الشباب الذين لم يتعلموا معنى المقاومة ضد العدو، ومعنى التمسك بالهوية وعدم الخجل منها.
وإذا كان الشباب يستشعر الدونية على وجه الخصوص فإن ذلك يرجع إلى تحقير لغته العربية من خلال نظام التعليم السائد، فهذا النظام ليس موحداً، ويقوم على الطبقية، فهنا مدارس لغات، ومدارس أجنبية، ومدارس خاصة، كلها تعلي من شأن اللغات الأجنبية، وتحقِّر ضمناً اللغة القومية، وفي الوقت نفسه نجد المدارس العامة التابعة للدولة تجعل اللغة العربية مجرد مادة ضعيفة لا تحظى بالاهتمام أو الدرجات التي تحظى بها مادة أجنبية يتم تدريسها في التعليم العام (الفرنسية في شهادة الثانوية العامة تدرَّس لمدة سنتين في المراحل الثلاث: الابتدائي والإعدادي والثانوي، ولها أربعون درجة. أما اللغة القومية فتدرس لمدة اثني عشر عاماً، ولها ستون درجة!!، والإنجليزية لها ستون درجة وتدرس لمدة تسع سنوات!!، ويلاحظ أن العربية لم تحظ بالستين درجة إلا بعد حملة صحفية عنيفة شنها المدافعون عن اللغة العربية ضد وزارة التعليم).(1/263)
إن ضعف اللغة العربية أو مشكلات تعليمها يرجع إلى سوء المناهج وطرق التدريس والامتحانات، وهذا أمر يعلمه جميع المهتمين بشؤون التعليم في بلادنا، ويبدو ذلك أمراً مقصوداً، فاللغة العربية رمز لما هو مهم وأساس في حياة الأمة، أعني الإسلام الذي يعدُّه البعض عقبة في طريق التماهي مع الغرب، ومصدراً للعديد من المشكلات معه، لذا فإن الغضّ من شأن اللغة يقطع الروابط التي تربط الأجيال بدينها: عقيدة (لدى المسلمين)، وحضارة وثقافة (لدى غيرهم).
وإذا عرفنا أن حفظ القرآن الكريم هو العنصر الأهم في مساعدة الطلاب على نطق الفصحى نطقاً صحيحاً، وعرفنا أيضاً أن القرآن الكريم يتم تغييبه عملياً في التعليم من خلال إلغاء مادة التربية الدينية واقعياً، أدركنا سراً خطيراً من أسرار انهيار اللغة العربية وصعوبتها، لقد تفوق "طه حسين" و"أمثاله" في اللغة العربية بسبب حفظه للقرآن الكريم، وتجويده له، مع أنه حمل على شيخ الكتاب ونائبه "العريف" حملة ضارية في سيرته الذاتية "الأيام" ولكنه ردد كثيراً أن "لغتنا يُسرٌ لا عسر"، مما يعني أن قضية تطوير اللغة التي يسعى إليها "شريف الشوباشي" بالأفكار التي قدمها، هي قضية خاسرة، أثيرت في وقت مريب، وفي ظل أحداث مريبة!. (3)
كان يفترض أن يطرح "الشوباشي" اجتهادات علمية لتطوير تعلم العربية وتيسير تدريسها وتعميمها في المدارس والمعاهد والجامعات وأجهزة الإعلام والصحافة والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتجارية، ولكنه واجه المسألة من خلال الهجاء والاتهامات الجزافية والأحكام العامة والأفكار الصادمة والمقدمات الخاطئة التي تؤدي إلى نتائج خاطئة، وتكاد كل صفحة من صفحات كتابه التي تقرب من المائتين تحمل واحداً من هذه العناصر غير العلمية التي لم يقدم دليلاً واحداً على صحتها أو صوابها، لقد اجتهد من سبقوا "الشوباشي" في التدليل على صحة ما يقولون حتى لو لم يكن مقنعاً. هذا ما فعله ويلكوكس والمستر ويلمور، وإسكندر معلوف، وسلامة موسى، وأحمد لطفي السيد، وعبدالعزيز فهمي، ولويس عوض، وأنيس فريحة، وسعيد عقل... وغيرهم.
بيد أن الشوباشي لم يكلف نفسه عناء البحث عن مسوِّغات حقيقية لدعواه، واكتفى بهجاء من "سماهم حراس الضاد وتراث السلف، وأنصار التجمد ورفض التجدد، وحراس القديم، وحراس الماضي، وأنصار الماضي، والمنافقين، والمزايدين، والتيار المحافظ"، والآخرين الذين وصفهم ب"الالتواء والنفاق والجمود والمزايدة واللعب على وتر الدين والتقاليد وتجارة الدين... " إلخ!
لقد انحرف الشوباشي عن موضوعه في أماكن كثيرة ليهجو من يرفضون بشدة أي تطوير ملموس في اللغة، ويصفهم بأنهم هم الذين "يرفضون بضراوة أي تجدد في كل مظاهر الحياة... وهم الذين يقفون في مواجهة كل محاولة جادة للخروج من مأزق التمسك بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل، وهم أنفسهم الذين يفرضون مرجعيات سلفية لكل قضايا المجتمع ومشكلاته المستعصية، وهؤلاء يقحمون الدين الحنيف في كل شيء، ليس في السياسة فقط لكن في التعاملات اليومية والعلاقات الاجتماعية والقوانين وقواعد السلوك العام، وهم يعمدون إلى ترويع الناس معنوياً من أجل الحفاظ على القديم الذي يناسب مصالحهم". (ص120)
لم يقدم الشوباشي أي مثال على ما يقول، واكتفى بالتحريض على معارضيه فيما ذهب إليه بتهم عظمى، لا يدري أحد كيف سوَّلت له نفسه أن يوجهها إلى مجهولين قبل أن يظهر كتابه، ثم أخطأ خطأ فادحاً في تصويره للماضي والحاضر، والمستقبل والدين الحنيف. لقد صنع اليهود الغزاة في فلسطين نموذجاً فريداً للتمسك بالماضي في صناعة الحاضر والمستقبل. لقد بعثوا لغتهم الصعبة بعد أربعة آلاف عام، وجعلوها لغة حية يترجمون إليها علوم العالم، ويتخذونها وسيلة للبحث العلمي الذي غزوا من خلاله الفضاء، وصنعوا أسلحة الدمار الشامل، وراحوا يتكلمون في المحافل الدولية والسياسية والدبلوماسية، بلغتهم القديمة المهجورة لمدة أربعة آلاف عام.
إن ديننا الحنيف لا يقحمه أحد في أمور الحياة، لأنه ببساطة نظَّم أمور الحياة الإسلامية، ووضع لها الأسس العامة، التي تكفل للإنسان المسلم وغير المسلم، الكرامة والحرية والعدل والمساواة والمشاركة، وتدفعه إلى العمل والإنتاج والإبداع..ولا أعلم من معارضي تطوير اللغة العربية على طريقة الشوباشي من يسعى إلى ترويع الناس معنوياً من أجل الحفاظ على القديم الذي يناسب مصالحه! هلا ذكر لنا مثالاً واحداً على ذلك.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(1/264)
(1/265)
اللغة العربية وقضية التخلف ( 4 - 4 )
د. حلمي محمد القاعود
لقد تساءل الشوباشي: هل العربية مقدسة؟ وأقر أنه لولا القرآن الكريم ما بقيت العربية مستمرة حتى القرن الحادي والعشرين (يقصد القرن الخامس عشر الهجري) يتحدث بها قرابة ثلاثمائة مليون من البشر.
كما يرى أن علاقة اللغة بالدين (يقصد الإسلام) من أخطر القضايا وأكثرها حساسية.
ثم يشير إلى أن بعض الأفكار الجامدة التي تقف بالمرصاد في وجه أي تطور إلى تحنيط اللغة وعزلها عن مجاراة العصر بسبب الربط المباشر بين العربية والدين، ويزعم أصحاب هذه الأفكار في رأيه أن العربية ليست فقط اللغة التي نزل بها القرآن، ولكنها لغة الدين ذاته وبالتالي فهي محاطة بقدسية خاصة ترفعها إلى مرتبة تجعل المساس بها نوعاً من أنواع الكفر، ومن هذا المنطق كما يقول ظهرت نظرية تصف اللغة العربية بأنها لغة "توقيفية" أي أنها منزَّلة من السماء، وبالتالي فهي متوقفة بجوهرها عن أي إضافة أو حذف أو تعديل بيد البشر. (ص71).
ومشكلة الرجل أنه يخلط الأمور ببعضها، ويفهمها على طريقته الخاصة غير العلمية والمنهجية، ولو أنه قدم لنا شاهداً واحداً على ما يقول لصدقناه، ولكنه لم يفعل. لم يذكر لنا اسم واحد من أصحاب الأفكار الجامدة. ولم يحدثنا عن الذين جعلوا العربية تصل إلى درجة القدسية، ولم يكلمنا عن نظرية اللغة "التوقيفية"، مع أنها توقيفية بالفعل دون نظرية، ودون الفهم الذي يدور في رأس الشوباشي الذي يعني توقفها بجوهرها دون إضافة أو حذف أو تعديل بيد البشر.
لا توجد لغة في العالم تتوقف عن التطور بمعنى التفاعل مع الحياة والأخذ والعطاء، والعربية مع أنها لغة "توقيفية" لم تتوقف في القديم أو الحديث عن النمو أو التراجع. شهدت فترات ازدهار عظيمة حين كان أصحابها أقوياء أعزة لا يتماهون مع عدوهم ولا يستسلمون له، وكانت لغة العلم والبحث في أوروبا على مدى العصور الوسطى المظلمة هناك..واستوعبت الحضارات القديمة ومعطياتها، كما شهدت فترات تراجع كبيرة وخاصة في العصرين المملوكي والعثماني حين أصاب أهلها الضعف والوهن، ولولا القرآن الكريم، لكانت قد انتهت، وحين بدأت النهضة الحديثة عادت إلى فتوتها من جديد، وإن كانت هذه العودة تتذبذب صعوداً وهبوطاً نتيجة للواقع القومي في مجالاته المختلفة.
اللغة العربية مهمة لأنها تحمل دستور الإسلام، وحبها واجب على المسلمين حتى من لا يتكلمون بها، ومقولة "الثعالبي" التي يستنكرها "الشوباشي" ويغض من قدرها هي مقولة صحيحة، تجب الإشادة بها (ص88)، ولا علاقة لها بتدهور مكانة العرب التي وصلت كما يقول الشوباشي إلى حد الاضطهاد من قبل الأجناس غير العربية!
وإذا كانت فكرة قدسية اللغة تبدو قضية مفتعلة في غير سياقها، فإن ادعاء أن النصارى العرب لا علاقة لهم باللغة، وأن المسلمين وحدهم هم ملاك العربية والعارفين بأسرارها وآدابها، يبدو أكثر افتعالاً وفجاجة، فلم يصدر قرار أو قانون بحجب النصارى عن تدريس اللغة العربية تكريساً لفكرة قدسية اللغة العربية التي يدعيها الشوباشي، وقد صدر قرار بتعيين معيدة نصرانية في قسم اللغة العربية بجامعة قناة السويس قبل سنتين، تخرجت في القسم نفسه.. فمن الذي منع، ومن الذي كرَّس؟ ثم لماذا هذا الفرز الطائفي، والناس جميعاً يحرصون على عدم التفريق بين أبناء الوطن؟ هل الغاية من طرح الموضوع بشكله الطائفي إثبات نوع من الولاء لبعض الجهات، وإعلان العداء للهوية الإسلامية من خلال اللغة العربية؟
لقد استعرض الشوباشي دور النصارى العرب في خدمة العربية، وهذا أمر مقبول، وإن كان الباحثون في مختلف تخصصات اللغة العربية، قد أتوا به في سياقاته المختلفة، ولكن من المعيب أن يدعي أن النصارى كانوا يعانون من التعصب اللغوي على مدى طويل، مع حرمان من استخدام اللغة بحجة أنها لغة المسلمين وحدهم، مما دفعهم إلى محاكاة بعض المسلمين في نظم القصائد والبديعيات في مدح السيد المسيح وحوارييه.. ويبدو أن القصور المعرفي الأدبي لدى الشوباشي أنساه أن النصارى العرب كانوا في طليعة من أسهم في تطوير الأساليب العربية "وهذا هو التطوير الحقيقي"، وقد ذكرت كتب الأدب دور "أديب إسحاق" وآخرين في هذا المجال. والذي لا يعرفه الشوباشي أن ديوان الشعر العربي الذي كتبه النصارى في مدح محمد صلى الله عليه وسلم وليس المسيح - عليه السلام - ديوان ضخم، عقدت له فصلاً طويلاً في كتابي "محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث" ترى هل يجيب الشوباشي عن سرّ انزلاقه في الفرز الطائفي الذي لا مسوّغ له؟
في المداخلة التلفازية التي أشرت إليها في بداية هذه السطور، رفض الدكتور "نبيل لوقا بباوي" ما ذهب إليه الشوباشي، واتفق مع معظم ما قلته، وحين وصفه المذيع بأنه مسيحي استنكرت ذلك وتحفظت عليه، ورفضت الفرز الطائفي، فالمواطنون في مصر مسلمون وغير مسلمين يعيشون ثقافة واحدة هي الثقافة الإسلامية مع اختلاف انتماءاتهم الدينية، وهم جميعاً مواطنون مصريون قبل كل شيء.(1/266)
إن أحكام الشوباشي خاطئة في معظمها، ولا تسير على منهج، ولا تعتمد على أسس علمية، يمليها الهوى والرغبة، ويكفي أن يصدمنا بالقول مثلاً إن ثقافتنا تملي علينا عدم الاقتراب من مناطق نعتبرها محظورة بل محرمة على التفكير، ويؤسس على ذلك سؤالاً حول هجرة العرب للغة طوعاً مع عشقهم لها وتمسكهم بها؟ وهذا ادعاء باطل، لأن القرآن الكريم حمل آراء إبليس وفرعون في رب العالمين نفسه.. فكيف تكون لدينا مناطق محظورة أو محرمة؟ ثم إن العرب لم يهجروا العربية بل أرغموا على هجرها، ولو أنه سلك منهجاً علمياً حقيقياً لعرف ذلك.
وبعد:
فمع أن هذا الكتاب جاء صادماً وفاجعاً، إلا إنه حرك الحياة الثقافية لتبحث عن الأسباب الحقيقية لمأساة اللغة العربية في عصر يهتم فيه الآخرون بلغاتهم، يبعثونها بعد موت طويل جداً (العبرية) أو يعتزون بها بعد هزائم قاسية (اليابانية) أو يستخدمونها لغايات سياسية واقتصادية (الفرنسية).
إن الصواب أن نقول: تطوير أساليب تعليم العربية، وليس تطوير العربية إلى العامية، فالعاميات لا تقدم حلاً عملياً، وفي عصر العولمة والهيمنة فإن واجب الكفاح من أجل بعث العربية واستعادة مكانتها وسط الإهمال التعليمي، وغزو اللغات الأجنبية ونمو الدعوات الشعوبية، والتدخل في تغيير مناهجنا التعليمية من قبل قوى الشر الدولية، يجعلنا نتحرك تحركاً حقيقياً في كافة المجالات من خلال الخبراء والمتخصصين.
إن لغتنا الجميلة تستحق العمل والجهد لتكون شابة دائماً، حية باستمرار.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============(1/267)
(1/268)
المرأة .. ثم عمل المرأة ؟!
د. زيد بن محمد الرماني
لقد باتت قضية عمل المرأة من أعقد القضايا التي طرحت للنقاش منذ أن نالت البلاد الإسلامية استقلالها السياسي من نير الاستعمار الغاشم وإلى اليوم.
وحاول الكثيرون خلع المرأة المسلمة من منهاجها الرباني القويم، مسايرة للمرأة الغربية، ولتكون سهلة المأخذ.
وجنح غير قليل إلى إثارة الشبهات وإبداء المغالطات ليغطوا بها معالم الحق.
واتخذ أرذلوهم من وضع المرأة اليوم في البلاد الإسلامية وسيلة لتبرير مناهج تغريب المجتمعات الإسلامية الحاضرة.
لقد قدّر الإسلام المرأة وأكرم إنسانيتها وقرر حقوقها وآدابها وواجباتها، واهتم برعايتها ومكانتها ودفعها إلى تحمل مسؤولياتها النوعية، وجعل ذلك كله قرآناً كريماً وحديثاً نبوياً، شريفاً، فكانت سورة النساء من طوال المفصل، وسور أخرى مثل التحريم والمجادلة والطلاق قرآناً وتشريعاً وعبادة.
وكذلك انتهجت السيرة والأحاديث الشريفة فيها منهجاً عملياً وفق توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه.
ثم، هضم حق المرأة في المجتمع الإسلامي في عصور الانحطاط، من ناحيتين: حرمت من حقوقها الشرعية في العلم والعمل وإبداء الرأي، ومن ناحية أخرى بترت عن وظيفتها التربوية والأسرية، وحصرت في الاستمتاع والاستخدام، فتخلفت عن بناء المجتمع، وضعف دورها فيه حتى أضحت شيئاً لا يعتد به إلا حين متعة الرجل ومصلحته..
ثم، غزيت أفكار المرأة وأسرتها وافتري عليهما بافتراءات شتى، واتهمتا بما ليس فيهما، ونسب الغزاة ذلك كله إلى الإسلام، والإسلام منه براء، إذ استغلوا أوضاعها الاجتماعية المريضة وإهمال مجتمعها لها، وحرمانها من وظائفها وحقوقها، فأعلنوا أن الغرب يمكنه إنصافها ورعايتها وإعطاءها حقوقها، وعمدوا إلى مسائلها الفقهية فشوهوها وإلى مزاياها الشرعية فطمسوها، ثم حاولوا ربطها بالحريات المتفلتة والعمل المضني، والتعليم المختلط والمساواة الزائفة مع الرجل.
وشجعوا على تعليم المرأة وتوظيفها، فاستجابت لهم وأضحى العمل من تطلعاتها، فصار مشكلة اجتماعية لم تعتد عليه، ومشكلة عمالية لا توفق فيه أحياناً إلى اختيار العمل المناسب، ومشكلة أسرية تهدر من أجله بعض واجباتها، ولكنها على كل حال أثبتت جدارتها في بعض المجالات الطبية والتعليمية والنسائية والعملية.
لقد جاء في نتائج استفتاء أجرته مجلة (كلير) في باريس حول مساواة المرأة بالرجل: إن مليونين ونصف امرأة فرنسية مللن المساواة مع الرجل، وإنهن مللن الحياة العصرية، مللن حالات التوتر الدائم طوال ساعات النهار وأغلب ساعات الليل، مللن الاستيقاظ من الفجر خوفاً من أن يتأخرن عن ساعات بدء العمل في المصنع والمكتب مللن الحياة العائلية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا أثناء العطل أو عند النوم، مللن الحياة التي لا تستطيع فيها المرأة أن تباشر مسؤولياتها الكبرى في تربية أطفالها فهي لا تراهم إلا لحظات خاطفة تكون خلالها مرهقة الجسم خائرة القوى متوترة الأعصاب.
وبعد، فهل يا ترى تعي المرأة المسلمة حقيقة تلك الدعوة المريبة وتلزم تعاليم دينها الذي كرمهاوكفل حقوقها وتقوم بأداء مهمتها في رعاية بيتها وتربية أولادها، فمهمتها ليست بهينة لو علمت ذلك وهي تتذكر دوماً حديث المصطفى إذ يقول صلى الله عليه وسلم (... والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها).
z r ommany2@Hotmail.com
http://www.aldaawah.com المصدر:
==============(1/269)
(1/270)
الرد على الجاهل بخصوص مخطوط المصحف
ادعى الكاذب بنتائوور أنه أرسل إلى مكتبة سمرقند خطاباً ودفع خمسة عشر دولاراً قيمة تصوير مخطوط المصحف الشريف مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، في محاولة منه وممن هم خلفه للطعن في كتاب الله، ولكنهم نسوا وعموا عن أن الله - جل وعلا - قد تعهد بحفظ هذا الكتاب منذ نزول جبريل به على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة ولقد تبين لنا كذبه من عدة وجوه
أولا: أرسلنا إلى إخواننا بسمرقند للاستفسار عن المخطوط فأفادونا بالتالي:
بالفعل كان هذا المصحف موجودا بسمرقند ولكنه نقل إلى بطرسبرج عاصمة روسيا القيصرية وبعد الثورة البلشفية سنة 1917 ثم نقل إلى تركستان وهو يوجد الآن في طشقند فيبدو أن الكاذب بنتائور قد أرسل الخطاب قبل سنة 1917 حين كان المصحف بسمرقند أو أن من طلبوا منه تزوير هذا البحث أخطئوا في الاسم فاشتبه عليهم اسم سمرقند وطشقند
ولعلم الجاهل بنتائور أنه توجد نسخة مصورة من هذا المصحف الشريف في قاعة القران الكريم بدار الكتب المصرية تم تصويرها عن الأصل الموجود بطشقند على يد المصور الروسي (بلوساركس) فإن أراد كذباً منمقاً كان أولى به أن يدعي تصوير نسخة القاهرة.
ثم لعلمك أيها الجاهل أن مخطوط مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، موجود بالقاهرة، وأما الموجود بطشقند فيسميه العلماء المصحف المنسوب إلى عثمان، لأنهم يدققون في ألفاظهم، ومخطوطات المصحف الشريف موجودة بكل متاحف ومكتبات العالم بعدد لا حصر له.
ويبدو أنك التقط أي مخطوط لتصب على أسماعنا سخافاتك التي قلتها
ثانياً: علم قراءة وتحقيق المخطوطات هو علم يدرس بالجامعات والمعاهد وهو ما لا نظن أن الجاهل بنتائور على علم به على الإطلاق أو أنه قد سمع به.
وحسب أصول هذا العلم أيها الجاهل فإن كافة الكتب القديمة كانت تكتب بخط اليد حيث لا طباعة وقتها ولما كان البشر لا يخلوا من الأخطاء والسهو مهما بلغت دقتهم، لهذا فجزء من دراسة هذا العلم هو دراسة طرقهم في التصحيح عند وقوع الخطأ أو السهو أو السقط - ولا أدري أتفهم معنى هذه المصطلحات أم لا؟
فمن طرق التصحيح عند السهو أن يلحق المسهو عنه بالهوامش سواء كانت سفلية أم جانبية.
أن تمحى الزيادات بعدة طرق منها وضع خط على الكلمة الزائدة لبيان أنها زادت بفعل خطأ الكاتب
ونسوق لك مثالا أي هكذا: لا إله إلا إلا الله
ولأنك مثل باقي إخوانك من العلوج محرفي الكلم عن مواضعه لذلك سقت لنا قطعا من المخطوط ولم تنشر الصفحات بالكامل حتى يتبين التصحيح وأيضاً طريقة قصك للآيات من المخطوط توحي لكل ذي عقل أنك تخفي شيئا، هذا على افتراض أن مخطوطتك هي مخطوطة طشقند ولكن يأبى الله إلا أن يكشف كذبك بسهو نسيت أن تمحوه ألا وهو في الآية الأولى التي ذكرتها ببحثك (تأكل في أرض الله)
وقع السهو من كاتب المخطوط فكتبها الأرض ثم وضع خطاً على حرف الام ألف ليبين أنه زائد سهواً ولكن لأنك جاهل وأراد الله أن يبين للناس كذبك وخداعك لذا لم تمح هذا الخط
وأيضا جريمتك لم تكن كاملة ولجهلك العميق نسيت أن تمحو تصحيحا غير واضح في الآية (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)
فالتصحيح بجانب الآيات بخط صغير مكتوب رأسياً
والمثال الثالث يا عريض القفا هو آية (وظللنا عليكم الغمام)
يبدو أنك حاولت قص الصورة لإخفاء التصحيح ولكنك تركت حرفي العين واللام بالطرف الأيسر من الصورة ليتضح بهذا كذبك وافتراءك
ولأني أعرف أنك مخادع وكاذب فأنا على يقين أنك لو كنت انتبهت لعلامات التصحيح التي أسوقها لك في الصورة القادمة وهي من مخطوطك لكنت محوتها حتى تتم خدعتك لتنطلي على عوام المسلمين
ومما سبق يتبين أنه إذا كان التصحيح موجوداً في البعض فهو موجود بالجميع ولكنك أخفيته لأنك مخادع
ثم أنقل لك من بعض مواقعكم دفاعكم عن قولنا بالتحريف في الإنجيل، فلماذا لم تطبق ما تدعونه على نسخة المخطوط (وأنواع الأخطاء المحتمل حدوثها في أثناء عملية النسخ كثيرة مثل:
1- حذف حرف أو كلمة أو أحياناً سطر بأكمله حيث تقع العين سهواً على السطر التالي.
2- تكرار كلمة أو سطر عن طريق السهو، وهو عكس الخطأ السابق.
3- أخطاء هجائية لإحدى الكلمات. )
وهذا الذي ذكر بأحد مواقعكم هو نقل حرفي لعلم ابتدعه المسلمون وهو علم التثبت والتحقق والنقل، فهلا كنت متجردا في بحثك وطبقت ما تدعونه على مخطوطك؟؟؟ بالطبع كلنا يعلم انك مخادع
ثالثا: من أصول هذا العلم أن الباحث ينشر مع بحثه توثيق المخطوط، والتوثيق وهذا ما أظن أنك لا تعلمه يكن في أول صفحة، أو آخر صفحة من المخطوط، كأختام، أو توقيعات، أو سند للمخطوط.
ولأنك مدلس فلم تنشر لنا هذا أو لأن من دفعوك لكتابة ما كتبت فقط ساقوا لك تلك الصور وطلبوا منك الكتابة فأنت عندي لست إلا مطية لمن هم خلفك.(1/271)
رابعاً: وهو الأهم إليك أيها الجاهل صورة المخطوط الحقيقية، مخطوط طشقند، ومع قليل من التدقيق يتبين أنها كتبت بالخط الكوفي أيضاً ولكن يلاحظ أن رسم الحرف وانسيابيته وخط الكاتب يختلف عما هو في مخطوط الكاذب بنتائور وانظر الى المسافات بين الكلمات والسطور هل تتطابق مع مخطوط الأفاق بنتائور مما يوضح أنه مخادع
أخزاك الله في الدنيا والآخرة
http://www.t r utheye.com المصدر:
=============(1/272)
(1/273)
صفعة على وجه ساحر في بلاد الحرمين
ناصر بن عبد الرحمن الحمد
"...لقد جاءت الندوة العظيمة الندوة المباركة الندوة التي فلقت هام أهل الزيغ لتبين لولاة أمرنا في هذه البلاد أننا على الشرف الذي صنعتموه والخير الذي بذلتموه لا نسبكم كما تسبكم المخادعات... "
حين تأتي حية موسى بتأييد المولى جل جلاله تلقف ما يأفك السحرة من دجل وخزعبلات (سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم).
اتخذوا وسائل الإعلام منبرا من منابرهم وسلما من سلالمهم ليرسموا للناس حقيقة بلا حقيقة وأخبارا مبناها الشهوة وحب الظهور وحب الفتنة جعلوا الفتاة العفيفة تتكلم وهي لم تتكلم بل تكلموا عنها ولكنه السحر والله قال (ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
فالساحر سيفتضح وسيبين عواره ويظهر بواره.
لما خرج لنا أصحاب القلوب المريضة والأسنة الحداد وأقلام الحساد على هذه البلاد لترسم للمجتمع ظلما وزورا أن المرأة في بلاد الحرمين مظلومة، مهضومة، مقهورة، مبتورة، مكسورة، مشلولة...... و ما علموا أنهم هم الذين ظلموها هضموها قهروها بتروا لسانها وتكلموا عنها كسروا يدها وكتبوا عنها شلوا رجلها وحضروا وأحضروا عنها شياطين الإنس والجن ويدندنون دائما بما له علاقة بشهواتهم وكذب الدجالون وصدق الباري جل جلاله حين قال - سبحانه - (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) من الذي خول بعض أهل العلمنة المدعين للحرية المزعومة وما هي إلا الحرية الأمريكية.
من خولهم حتى يتكلموا نيابة عن بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا هل يا ترى شرذمة مأفونة من الذكران المستغربين يملكون رأينا أم يا ترى تلك الفتيات اللواتي تربين في أحضان نيويورك وفرنسا وبريطانيا لا يشكلن شيئا من بنات بلاد الحرمين أصبحن سادة المنبر الإعلامي يتحدثن بهوى شيطاني وملكة إبليسية.
وما إن تخرج امرأة لا تحمل أي مؤهل وتخرج سافرة حاسرة حتى يحتضنها كثير من إعلامنا العربي وهكذا (الطيور على أشكالها تقع) بينما تلك المرأة الأكاديمية دكتورة، محاضرة، طبيبة، كبيرة، صغيرة....... مادامت أنها ستتكلم بدفاع عن العفة والشرف فلن تجد لها أدنى صدى في صحافتنا ولا إعلامنا (ما السر؟؟ ).
أو أن الفتاة الأولى تخرجت من ضئضئ تخرج منه هؤلاء كما قال الباري جل جلاله (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف).
ولذا لابد للقلم الشريف عندهم أن يكسره الحاقدون والقلم المأفون أن يمجده العابثون وله يؤيدون هكذا حين تنتكس الفطر ولكن تبقى المراة العفيفة في بلاد الحرمين في المملكة العربية السعودية هي عنوان الشرف ومنبر الحرية المحدودة بحدود الشرع.
لقد جاءت الندوة العظيمة الندوة المباركة الندوة التي فلقت هام أهل الزيغ لتبين لولاة أمرنا في هذه البلاد أننا على الشرف الذي صنعتموه والخير الذي بذلتموه لا نسبكم كما تسبكم المخادعات عبر قنوات ومنتديات وغير ذلك وإذا وقفوا أمامكم رسموا لكم غير الذي يكتبوه وبينوا لكم غير الذي ينهجوه.
بل نحن العفيفات اللاتي تربين في هذه البلاد المباركة لا نعطي ولائنا لأمريكا ولا الغرب ولا لإيران ولا لغيرها ولسنا نصرح سبكم في صحف الغرب وقنواته ونمدحكم أمام أعينكم بل نقول كما قلنا ونرسم كما رسمنا.
فأي الفريقين أحق بالأخذ منه أتلك الشرذمة التي تكتب عنكم وتسبكم في كل ساحة وإذا أتت قابلتكم بوجه بشوش يمدح و لا يسب أم يا ترى الأحق بالأخذ عنه تلك الثلة التي تمثل مجتمعنا الكريم والتي تدافع عنكم وعن بلادكم ولو كلفها الدم والعظم (أي الفريقين أحق بالتقدير).
جاءت الندوة لترسل رسالة للعالم أجمع وللعالم الإسلامي خاصة أن المرأة في بلادنا هي في أحسن حال في أجمل معاملة تقول فيها المرأة لسنا نخاف عبث المجرمين فهنا رجال الحسبة بعد الله - تعالى- لسنا نخاف مكر الغاصبين فمدارسنا عفيفة لنا احترامنا كنساء ولنا تميزنا كإناث ولسنا نخاف تسلط الاستغلاليين فلدينا أمكنة نأخذ فيها راحتنا في عملنا دون أن يزاحمنا الرجال فإيتونا بنساء مثلنا تقدير واحترام الذميمة والمليحة الكبيرة والصغيرة السمينة والنحيفة مجتمعنا لا يفرق بينهما لأن مبدأه ليس الشهوانية.
جاءت ندوة مكتبة الملك عبدالعزيز لتقول فيه المرأة الشريفة العفيفة لا نريد أحدا يتكلم عنا لا نريد أحدا يكذب علينا يخدعنا ويمكر بنا و يأخذ أراذلنا ويستبعد أكارمنا لا وألف لا لقد أتعبتنا الكتابات الحاقدة والألسنة الفاسدة.(1/274)
وها نحن نفخر اليوم في ندوة الفخر وبحضور الأميرة حصة الشعلان حرم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تمتطي في الندوة الدكتورة أفراح الحميضي والدكتورة نوال والدكتورة نورة العجلان يمتطين جواد الحق ليتبين الحق الذي طالما أخرس من لدن إعلامنا وهاهي تنقشع غياية الغواية وتبين منائر الهداية في (كلمات) بمثابة(لكمات)على أهل الدعوة إلى حرية الوصول للمرأة ولتبين هذه الفاضلات لولاة الأمر في هذه البلاد أننا معكم يدا بيد ضد أي مفسد لديارنا او مفسد لأفكارنا يدا بيد ضد أي مخالف لسياسة البلاد التي إنما قامت وصار لها شأنها وعزها بكتاب الله - تعالى -وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ودفعها لكل مبطل زائغ.
فيوم الندوة يوم حق تتجلى فيه قيم المرأة المسلمة التي تعيش في بلاد الحرمين امتلأت القاعة لم تكف القاعة العدد كثير جدا وهو غيض من فيض ممن لم يستطعن الحضور لهذه الندوة حتى إن أهل الزيغ تغيضوا من هذا العدد الغفير وكعادتهم (هذا منظم، هذا مخطط له، هذا تمالأ.... وما انتخابات جدة عنا ببعيد).
يا هؤلاء هذه بناتنا هذه عقيدتنا هذا شرفنا هذه كرامتنا هذه عزتنا تريدون أن تخرموها بكتابات صحفية أو تمالأ إعلامي ألا لا نامت أعين المرتابين أين الإعلام ودوره في ما دار في هذا الحوار الكريم وعدد الحضور الكبير أم أن هذه النساء يكذبن ماخطوا وخططوا له.
اخسئوا اليوم يا أهل القلوب المريضة والمشاعر الحاقدة وهكذا بإذن الله - تعالى -ستقف العفيفات والمخلصون لهذه البلاد ضد أي مفسد لها أو حاقد أو حاسد.
تحية ثم تحية ثم تحية للأميرة المباركة حصة الشعلان ثم للأخوات الداعيات الدكتورة أفراح والدكتورة نوال والدكتورة نورة ثم إلى كل من حضر من الأخوات ثم إلى كل فتاة عفيفة في هذه البلاد وللآخرين نقول (موتوا بغيظكم) والله المستعان وعليه التكلان.
إمام وخطيب جامع الإمام بن ماجه - رحمه الله - ناصر بن عبدالرحمن بن ناصر الحمد
01-1-2006
http://www.alqlm.com المصدر:
===========(1/275)
(1/276)
رؤية بين مجتمعين
الدكتور سعد بن عبدالله الحميد
حرص أعداءُ الإسلام على استغلال المرأة المسلمة، لهدم مبادئ الأمة الإسلامية من الداخل، ولقد تعددت المداخل التي دخلوا منها للمرأة المسلمة،
ومن أهم تلك المداخل: حث المرأة المسلمة على الخروج من البيت، إما للعمل أو لمزاولة نشاطات في عدد من المجالات المختلفة، وقد تمت تهيئةُ مختلفِ وسائل الاختلاط بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، مع ضعف الضوابط التي تضبط المرأة.
وقد بدأت عملية أخراج المرأة من بيتها، بغرض وظائف متعددة للنساء، ووضع المميزات والمغريات المادية، التي تحفزهنَّ للعمل، وأصبحت النساءُ ينافسن الرجال في أعمال لم يخلقن لمثلها، وقد فتحت الأقسام النسائية في عددِ من الأماكن، التي كان من الممكن شغرها بالرجال الذين ضاقت عليهم سبل العيش، ولا يجد الواحد منهم مالاً يكتسب منه قوته، ويلم شعثه، ويحصن نفسه بالزواج، ويكونَ أسرةً مسلمة، لها مردودها الإيجابي على المجتمع كافة، ومن هذا يدخلُ في عالم الفراغ، ويغلبه ضعف الإيمان في قلبه، وتغلبه شهوته، ليبدأ أعمالهُ الإجرامية، كالسرقة والزنا، واللواط وتعاطي المخدرات.
ونتيجة لهذا يحكم عليه بالإجرام، ويقضى على عنصرٍ فعال في المجتمع، وما ذلك إلاَّ نتيجة استجابتنا لنداءاتٍ مغلفةٍ بغلافٍ براق، يسلب الناظرَ إليه عقله، ومن خلف هذا البريق يكمن الخطر.
وقد نجد بيتاً يقومُ عليه شاب فقد أباه، وتحمل أعباءَ أسرته كاملة، والتي تضم أمه وإخوانه وأخواته، وهذا الشاب المسكين يتقلبُ يمنةً ويسرة، للبحث عن عمل يستطيع أن يكفَ به حاجة أسرته فلا يجد، وفي المقابل نجد بيتاً يقوم علية رجل يتمتع بمركز وظيفي مرموق يفيض دخلة عن حاجته، ونجد زوجته وبناته يعملن أيضا، فيكون لديهم من الدخل ما يكفي لإنقاذ أسر متعددة، ولامانع في أن يكون عمل المرأة قصر على الحاجة الملحة، كأن تكون معلمة أو مطببة لبنات جنسها، وماعدا ذلك فهو من اختصاص الرجال ولا ينبغي أن تشاركهم فيه النساء، ولو طبق هذا لكان الخطب أهون، لكننا نجد الأمة تنساق وراء تيار جارف يدعونا الميثاق الذي أخذ الله علينا لانتشالها منه، فالمخطط واضح ومكشوف، والأهم من ذلك عملهم في إبعاد المعوقات التي قد تواجه المرأة، فمثلا...
المرأة التي يعوقها أطفالها عن العمل.. نجد دور الحضانة قد هيئت لذلك ونجد التعليم في بلاد المسلمين وغيرها إنما يهيئ المرأة للعمل، لا لتكون ربة بيت.
وإلى هذا أشار أحد رجال الفكر من الكفار أ نفسهم في كتاب ألفه، والذي نال إعجابهم لدرجة أنه حاز على جائزة نوبل للأدب، وهذا يعني إقرار منهم لما جاء فيه من أراء، والمؤلف اسمه (ألكسس كارين) وقد سمى كتابه (الإنسان ذل المجهول) وقد نقد التعليم عندهم قائلا: (يجب أن تحسب قوانين التعليم وبخاصة تلك التي تتعلق بالبنات والزواج والطلاق حساب مصلحة الأطفال قبل كل شيء، وينبغي أن تتلقى النساء تعليما أعلى، لا لكي يصبحن طبيبات أو محاميات أو أستاذات ولكن لكي يربين أولادهن حتى يكونوا قوماً نافعين) ويقول أيضا: (أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفسيولوجية والعقلية؟! يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل الغربيين على الحمل فقط، بل أيضا على رعاية صغارها) ونحن نذكر هذا لا لحاجتنا إليه فديننا الإسلامي ولله الحمد قد بين كل شيء، ولكن نذكره لمن يسود وجهه إذا سمع المقالة صدرت عن أحد من أعلام المسلمين، وتهلل وجهه فرحا إذا ذكرت له مقوله لأحد الغربيين فيقول هاهم العقلاء..
وأصحاب تلك البلاد ينتقدون هذه الأوضاع التي جلبوها إلى بلادنا، ليبدؤوا بنا من حيث انتهوهم، وليساوونا بهم، مع أن وضعنا يختلف عن وضعهم، فلئن كانت المرأة في الغرب معذورة لأنها لا تجد الدين الذي يحفظ لها حقها، ولا الرجل الذي يقوم برعايتها، ولا تجد المجتمع الذي يحتضنها إذا عجزت وخارت قواها، فما عذر المرأة في ديار الإسلام وقد أكرمها الله أما، وبنتا، وزوجةً، وذات رحم، ألم يكفل الله لها حقوقها؟ فحقها كأم مقدم على حق الأب كما جاء في حديث صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: ((يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من قال أمك، قال ثم من؟ فقال: أبوك)).
وكفل لها حقها وهي طفلة، عندما أنقذها من براثن الجاهلية التي كانت تفتك بها وتغتالها ((وإذا الموؤدة سئلت، بأي ذنب قتلت)) صدق الله العظيم.
وكفل الله - سبحانه وتعالى - للمرآة حقها وهي زوجة ففي الصحيحين عن صلى الله عليه وسلم قال: ((استوصوا بالنساء خيرا)) وفي الحديث الصحيح عن الترمذي وغيره، عن صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)).
وفي الصحيحين عن صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقه)).(1/277)
ولو ذهبنا نتبع النصوص الشرعية الواردة في بر الوالدين وفي الإحسان للبنات والزوجة والأقارب لطال المقام بنا، وهذا أمر لا يكاد يخفى، بل أن حال الغرب كحالنا بل هو أشد وطأة ووضعهم الاجتماعي في غاية من التفكك.
http://www.islamlight.net المصدر:
===========(1/278)
(1/279)
دعاوى المطالبين بالتوسع في عمل المرأة
الشيخ محمد بن عبدالله الهبدان
بالرغم من وضوح المنهج الإلهي في قضية عمل المرأة، إلا أنه لا يزال أناس يسعون جاهدين لإخراج المرأة من بيتها، ومزاولة العمل كالرجل تماما، ولكن بتدرج حتى يصلون إلى أهدافهم المنشودة، وغاياتهم المقصودة، ولعلي أستعرض في هذا المبحث بعض المغالطات التي يتحجج بها دعاة عمل المرأة، فمن ذلك:
الحد من العمالة الأجنبية:
يقول أحد الكتاب: إن دراسة إقامة مثل هذه المصانع ستفتح مجالات عمل إضافية للفتاة والمرأة السعودية، وسيؤدي إلى الاستغناء عن العديد من العمالة الوافدة [1]
والجواب على ذلك:
1- لماذا لم تكن المطالبة بإنشاء المصانع المختلفة لمعالجة مشكلة البطالة الموجودة في بلادنا؟! فقد قال المدير العام لصندوق تنمية الموارد البشرية في السعودية: إن معدل البطالة قد يصل إلى 20% في المملكة!! [2]
أليس الأولى لعلاج مشكلة العمالة هي إيجاد الفرص لشبابنا؟!!
2- هاهي المدن الصناعية التي يتم في ورشها إصلاح السيارات، وهاهي العمائر والفلل التي تحت الإنشاء، وهي عشرات الألوف من محلات التجارة والسباكة والحدادة وغيرها، كم نسبة السعودة فيها من الذكور؟
فهل ستزاولها نساؤنا؟
3- إن الحد من مشكلة العمالة الأجنبية الكثيفة يمكن أن يتم من خلال وسائل أهما:
- الحد من تصاريح الاستقدام، ومنع استغلال النفوذ في الحصول عليها، ومكافحة المحسوبية، ففي ظننا أن الآلاف من تصاريح الاستقدام تباع وتشترى، وتحقق دخلا جيدا لبعض المتحايلين على الأنظمة والقوانين.
- تكوين لجان نزيهة لدراسة حاجة السوق من العمالة، ومعرفة واقع كل مؤسسة عاملة وحاجتها من العمالة، إذ أن استقراء الواقع وسبره يؤكد تكدس عمالة لا حاجة إليهم في كثير من مؤسساتنا الرسمية والخاصة، بل نجد الخادمات والسائقين يكتظون في بعض البيوت لدواعي المباهاة والترف المذموم.
- تشجيع اليد العاملة الوطنية للعمل في كافة المهن الضرورية، وتدريب المجتمع على تقبل هذه التوجه المهم، ولو في بعض المهن على الأقل إن لم يكن كلها.
هجرة الأموال:
وهذا المبرر هو نتيجة طبيعية لوجود العمالة الأجنبية، فإذا قلصت العمالة الأجنبية التي أشرنا إليها، انخفض معدل هجرة الأموال إلى خارج البلاد.
ولكن من العجيب عدم طرح هؤلاء لمشكلة هجرة الأموال، لأسباب أخرى كالسياحة خارج البلاد، فأعداد السياح السعوديين الذاهبين إلى الخارج هي الأعلى كماً، والأكثر إنفاقا، ففي بريطانيا فقط أنفق السياح العرب 1. 5 مليار عام 1996 م.
ولذا لا تعجب حين تعلم أخي القارئ الكريم، أنه بفضل هذه الإنفاقات الباهظة من السياح في غير بلدانهم، أصبحت السياحة مصدر الدخل الأول لدول كثيرة منها: مصر على سبيل المثال، ((وقد أنفق مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي 27 مليار دولارا في السياحة الخارجية عام 2000 م، وقالت مؤسسة ABK الدولية في دراسة لها أن متوسط إنفاق الفرد الخليجي في رحلته بلغ 1814 دولارا، بمعدل 135 دولارا في الليلة الواحدة.
وطبقا للدراسة نفسها، فقد بلغ عدد الرحلات التي قام بها الخليجيون العام الماضي 8. 8 مليون رحلة، شغلوا خلالها 199 مليون غرفة، حيث سجل السعوديون 4. 8 مليون رحلة دولية، والإماراتيون 1. 8 مليون رحلة، فالكويتيون 1. 3 مليون رحلة، فالبحرينيون 400 ألف رحلة، فالقطريون والعمانيون معا 700 ألف رحلة.
وبلغ عدد الليالي التي شغلها الخليجيون في الفنادق العالمية 200 مليون غرفة / ليلة [3].
ولئن كانت تحويلات الأجانب للأموال في مقابل مردود إنتاجي في الداخل غالبا، إلاّ أن نفقات السياح لملايين الدولارات في الخارج هي للمتعة واللذة دون مقابل، بل في أحيان كثيرة في مقابل مردودات عكسية، سواء فكرية أم عقائدية، أو أخلاقية أو صحية.
ومعلوم كثرة العائلات السعودية التي تقيم حفلات زواج أبنائها وبناتها في الخارج، وتتباهى في الإنفاق المالي الغزير هناك، فضلا عن توجه الكثيرين لشراء البيوت وتملك العقارات في بلدان أجنبية مختلفة، مع ما يصحبه ذلك من رحيل للأموال بأرقام خيالية، سواء تلك الخاصة بإقامة تلك البيوت والعقارات، أو مبالغ تنفق لصيانتها وحراستها والسكن فيها وقت الإجازات والعطل.
كما أن الاستطباب بالخارج يتطلب هجرة أموال خيالية، لمعالجة المرضى في مصحات أميركا وبريطانيا، وأسبانيا وجنيف، وغيرها من دول العالم، وقد أنشئت مكاتب صحية في الخارج لمتابعة شؤون هؤلاء المرضى، ترصدها ميزانيات ضخمة، وكان الأولى العناية بإنشاء المصحات المحلية، وتشجيع الطلاب على الانخراط في مجال الطب ليقل الاعتماد على الأجانب، بالإضافة إلى استقدام بعض الكفاءات المسلمة إلى بلادنا حتى تحين فرصة سد النقص في كفاءاتنا المحلية.
والمقصود أن مصاريف العلاج في الخارج التي تقدر بالملايين لم يبحث حلها على نطاق الصحف ووسائل الإعلام، مما يدل على أن القضية ليست سوى توجهات فكرية مشبوهة، ورغبات دفينة في تغريب المجتمع.(1/280)
إن هجرة الأموال إلى الخارج أمر مثير للقلق حقا، لكن حصره في مسرب واحد مكابرة مستهجنة، ودعوة مشبوهة، فالميزانية المدفوعة مقابل الواردات شيء يفوق الوصف، فلماذا فتح الأبواب على مصراعيها لاستيراد كل شيء مهما كان كماليا أو تافها، حتى بلغ بنا الأمر أن نستورد مفرقعات الأطفال الباهظة الثمن، العظيمة الضرر بل حتى أطعمة القطط والكلاب المعلبة بعلب فاخرة ناهيك عن السجاير المحرمة شرعا، الضارة بدنًا، المكلفة ثمنا..
إن الملايين من الدولارات تهاجر كل عام دون أن يفتح ملف لمناقشتها فأين الغيورون على المال العام، وميزان المدفوعات المختل!!؟
زيادة الناتج القومي:
يزعم دعاة تحرير المرأة، أن إعطاء المرأة الفرصة لتعمل خارج منزلها فيه مكاسب اقتصادية ذات أثر مهم في زيادة الناتج القومي من خلال نتاج المرأة الذي أضيف إلى نتاج الرجل.
والجواب عن هذه الفرية من وجوه:
1- إن هذا الكلام لو قيل في مجتمع خال من بطالة الرجال لربما كان له حظ من النظر. لكن أن يقال هذا في بلد تبلغ نسبة بطالة الرجال فيه نسبة علية جدا.
ففي آخر إحصاءات وزارة التخطيط بحجم البطالة في السعودية، تبين أن نسبة البطالة في الذكور آخذة في الارتفاع، ومن المشاهد كثرة الخريجين من الجامعات السعودية، الذين تزدحم بهم البيوت دون أن يجدوا أعمالا يسترزقون منها، حتى شاع تذمرهم وتضجرهم.
2- ويجاب عنه كذلك أن ما تتقاضاه المرأة من رواتب، وما تقدمه من إنتاج يقل كثيراً عما تدفعه الأسرة والمجتمع إزاء تخلي المرأة عن وظيفتها الأساس في البيت، وحلول الخادمة بدلا منها، بالإضافة إلى نفقات غير مباشرة، تدفع مقابل طهي الطعام وغسل الثياب وكيها وغيرها، مما لا بد منه إزاء تخليها عن واجباتها.
3- إن ما يدفعه المجتمع من تكاليف غير منظورة على المدى البعيد إزاء النتائج السلبية المترتبة على خروج المرأة من البيت، وتنازلها عن وظيفتها الأهم، لأمر يدعو إلى القلق فعلا فانحراف الأبناء، وفقرهم العاطفي، واضطرابهم النفسي، كل هذه أعباء إضافية يتحملها المجتمع بمرور الوقت فما هذه المؤسسات الاجتماعية والإصلاحيات ودور الرعاية النفسية، والتربوية بما تتطلبه من ميزانيات باهضة إلا ردة فعل لاستيعاب تلك الجموع الغفيرة من الفتيان والفتيات المفتقدين للرعاية الأسرية الفاعلة والتي من أهمها غياب الوالدين بسبب ظروف العمل.
4- إن زيادة الناتج القومي يتحقق من خلال وسائل عديدة ليس منها إخراج المرأة إلى العمل فمن ذلك:
* الاستغلال الأمثل للثروة وعوائد النفط بتشجيع الصناعات الوطنية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات كمرحلة أولى يعقبها مراحل أخرى من التطور والتصدير.
* محاولة إيجاد مصادر إيرادات جديدة، وعدم الاعتماد على النفط فقط من خلال البحث عن المعادن الأخرى، وإعداد دراسات الجدول الاقتصادية لاستغلالها صناعياً وتجاريا.
* العناية بتنمية الزراعة والإنتاج الحيواني ونموها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير العملات الصعبة بالداخل بدلا من رحيلها إلى المستثمر الأجنبي وفي تجربة القمح والألبان وغيرها شاهد مهم على فاعلية هذا الإجراء.
توفير دخل ثابت للمرأة يحميها من الحاجة والعوز.
وهذا الطرح قد يكون معقولا في مجتمعات لا دينية تفتقد أسس التكافل الاجتماعي، وتغلب فيه الأنانية والشح لكن مجتمعنا المسلم المحافظ لا تنطبق عليه الصفات الذميمة فالإسلام قسم المسؤوليات وحدد الواجبات وبين الحقوق بما فيها حق المرأة المسلمة في العيش الكريم، فألزم أباها بالإنفاق عليها حتى تستغني عنه بالزواج ثم ألزم الزوج بالإنفاق عليها وإن كانت ذات مال. قال الله - تعالى -: ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا)) (الطلاق: من الآية7).
وفي حالة افتقار المرأة لمن ينفق عليها من أب أو زوج أو ولد كان على ولي أمر الدولة الإسلامية وجوب الإنفاق على المرأة، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: ((أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عز وجل - فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُؤْثَرْ بِمَالِهِ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانَ)) [4].
ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يعمل دائما لوضع نظام متكامل في هذا المضمار، فها هو يقول وقد أحس بغياب المجاهدين، واستشهاد كثير منهم في فتوحات المسلمين، وخلفوا ذرية ضعافا: ((لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ)) [5]
ومن العجيب أن هؤلاء الداعين إلى عمل المرأة يتحدثون وكأنهم في مجتمع إباحي أوربي أو غيره، حيث لا دين ولا أخلاق، ولا مبادئ ولا قيم.(1/281)
وإلا ما معنى أن يتجاهل هؤلاء ما تقوم به الجهات الرسمية من مثل وزارة الشؤون الاجتماعية من صرف بطاقات الضمان الاجتماعي للمحتاجين؟
وما معنى ما توفره الجمعيات الإغاثة من مساعدات مجدولة للأسرة الفقيرة؟
وما معنى عشرات الملايين التي ينفقها الأثرياء المسلمون لسد حاجة الأرامل والأيتام؟
-------------------------
[1] جريدة الجزيرة العدد (8748).
[2] انظر العالم في عام. حسن قطامش: ص 34.
[3] الأسرة عدد 98جمادى الأولى 1422هـ
[4] رواه مسلم (1619).
[5]البخاري (3700) وانظر: عمل المرأة وموقف الإسلام منه.عبد الرب نواب ص 161-162
14/6/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
==========(1/282)
(1/283)
المادة الأولى من قانون إبليس ! وشهادة إفرنجية
سعد بن مطر العتيبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه.. أما بعد..
فأخت فاضلة، كانت ترى جواز كشف الوجه بناء على ما يفتي به علماء بلد آبائها وأمهاتها، ولكنها بعد قراءة عدد من البحوث والفتاوى في المسألة، وصلت إلى قناعة بأن ستر الوجه أمام الأجانب جزء من الحجاب الشرعي الذي أمر الله - عز وجل - به. فلم تلبث أن لبست النقاب.. عارضها زوجها في البداية، لأنه كان يرى خلاف ذلك ولا سيما أنهم يعيشون في بلاد الإفرنج.. لكنها رأت أن هذا مما لا تجوز فيه طاعة الزوج، إذ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).. تقبل زوجها قرارها بعد ذلك وبفرح وسرور كما أخبرني.. ذات يوم كانت تسير نحو المدخل الخلفي للمسجد في تلك المدينة الغربية - التي توصف بالمحافظة في مفهوم القوم! فقد كان سير المرأة فيها كاشفة الصدر يعد مخالفة قانونية، وفتح منتديات القمار فيها يعد جريمة قوية مرت هذه الأخت الفاضلة برجل أمن ينظم السير خلف المسجد، فلم تكد تتجاوزه حتى ناداها بصوت مسموع: من فضلك.. من فضلك.. توقَّفَتْ بعد أن تجاوزته، والتفتت قائلة: ماذا؟ فأجابها: عفواً، فقط سؤال شخصي! هل صحيح أن زوجك ألزمك بهذا اللباس على وجهك؟! قالت: كلا.. كلا.. زوجي لم يكن يرغبه، لكن أعتقد أن الله يحب ذلك! هز الإفرنجي المحترِم للقانون رأسه، وهو يكرر اعتذاره عن هذا السؤال الاستطلاعي ليس إلا..
قلت: يا له من مهزوم هذا الذي افترى على هذين الفاضلين.. أي عقدة يحملها بين جنبيه ليقدم معلومة من خياله!.. لكن يبدو أن هذا الإفرنجي لديه مناعة، فلم يعد يصدق هذه الماركة التقليد، فبحث عن الحقيقة بنفسه.. وهكذا المهزومون الزاحفون إلى جحر الضب، الناقلون للمجتمعات الأخرى صوراً مختلقة عن مجتمعاتنا، يتقربون بها إلى الإفرنج زلفى، لا ثقة فيهم.. بنص آية الحجرات..
هذه القصة والخاطرة مرت على البال، وأنا أتصفح بعض الكتابات المهزومة حول المرأة في بلادنا.. وما لا يمكن تسويغه أن تقدّم أطروحات أجنبية تستند في تنظيرها إلى المساواة لا إلى العدالة! ثم يُسْتَجْدَى في تحقيقها في بلاد الإسلام قومٌ لم تصل المرأة عندهم إلى هذا المستوى من الطرح..
لن أتحدث في هذه المقالة عن شيء آخر غير دعوى المساواة مع إشارة إلى بعض ثمارها الحنظلية! ويكفي في بيان تهافت هذه الدعوى حقيقتان لا يمكن إنكارهما من ذي لب، وإن أنكرها من أعماه الحب:
الأولى: من الناحية القانونية: فأين المساواة في بلاد الإفرنج التي تُستجدى؟! هل في مواد دساتيرهم أي نصٍّ على أن المرأة يجب أن تساوى بالرجل في أهم الأمور، بمعنى أن يكون لها نصف ما يمنح للرجال من حقوق سياسية مثلا؟ أين النص القانوني الذي يبين حق النساء (نصف المجتمع - والإحصائيات تثبت أنهن أكثر، فهم لم يعدلوا معهن حتى في نسبة عددهن إلى الرجال) في نصف مقاعد المجالس النيابية والبرلمانات المنتخبة وغير المنتخبة؟
وأين النص الذي يجعل منصب الرئيس أو رئيس الوزراء، محل التداول القانوني بين الرجل والمرأة، ويكون منصب النائب بالتداول العكسي مثلا؟
الثانية: من جهة الواقع. فيكفي أن نتساءل: كم نسبة النساء في البرلمانات الغربية الديمقراطية، بل: كم عدد النساء في تلك البرلمانات؟ ولماذا هي هكذا؟ ولماذا تعطى نسبة أقل من مرتب زميلها (الرجل) في العمل في بعض ديار الإفرنج! مع أنَّهما يحملان نفس المؤهل ويقومان بنفس العمل!
لا لن أنقل لكم شهادة مقلِّد للإفرنج، فنحن في عصر (الجودة)، ولكن سأدع أحد الوطنيين الإفرنج شحما ولحما وفكرا، يقدم شهادته عن حقيقة المساواة بين الجنسين في بلده (الولايات المتحدة الأمريكية) بلغة الأرقام الصارخة، وإليكموها:
" في العام 1920 فقط كي نُظهِر للنساء بأننا نملك روحاً رياضية منحناهن حق التصويت. وهل تدري ماذا حصل؟ لقد بقينا في السلطة!
فجأة أصبحت النساء تملك أصواتاً أكثر، وكان بإمكانهن رمينا في كومة النفايات السياسية، ولكن ماذا فعلن؟ لقد صوتن لنا!...
مع ذلك بعد أكثر من ثمانين سنة على اكتسابهن حق التصويت وبالرغم من نمو حركة نسائية ضخمة إليك ما وصلنا إليه الآن:
- لم توضع امرأة واحدة على بطاقة الاقتراع الأساسية للأحزاب لمنصبي الرئيس ونائب الرئيس في عشرين من واحد وعشرين انتخاب وطني منذ العام 1920م.
- يوجد حالياً خمس نساء فقط في منصب حاكم ولاية من خمسين ولاية.
- تشكل النساء 13 بالمئة فقط من المقاعد في الكونغرس.
- 496 من أكبر 500 شركة في أمريكا تدار بواسطة رجال.
- أربع فقط من أهم واحد وعشرين جامعة في الولايات المتحدة تدار بواسطة نساء.
- 40 بالمئة من كل النساء المطلقات بين الخامسة والعشرين والرابعة والثلاثين من أعمارهن يعشن في الفقر.
- يبلغ متوسط أجر النساء 76 سنتاً مقابل كل 1 دولار يكسبه الرجال ينتج عنه خسارة ما يزيد عن 650، 133 دولار عن العمر بأكمله.
- حتى تحصل على نفس الراتب الذي يحصل عليه نظيرها الذكر، يجب على المرأة أن تعمل طوال العام إضافة إلى أربعة أشهر أخرى ".(1/284)
قلت: إنَّها الفطرة، وإن شاؤوا فليقولوا: إنها القانون الطبيعي، الذي جعله الله في أرضه، وهو عند القوم يعد مصدرا من مصادر التقنين..
إن الصراخ العربي بدعوى تحرير المرأة لم يتعرض لمشاكلها الحقيقة في الواقع الاجتماعي، بل اتجه إلى لباسها، وأعطاها أقل من نصف لباس الرجل! وكفى بها مساواة!
بل إن من المتحدثين باسم المرأة من ينكر إقامة أهل الخير والصلاح مكاتب استشارية مجانية مصرحة، لحل الخلافات العائلية، ويصف ذلك بأنه تدخل من الدعاة في كل شيء!
رحم الله العلامة الأديب الأريب الشيخ / علي الطنطاوي حين نبّه لدعوى تحرير المرأة بلغته الواضحة ومشاعره الصادقة، قائلاً: " إنَّ القائمين على المدارس المختلطة والجامعات يُعلِّمون الطالبات - فيما يعلمونهن كيف يتجنبن الحبل، وكيف يتخلصن منه إن وقع. أي أنهم يبيحون السفاح، أو يصنعون شيئاً هو قريب من ذلك، فينزلون بالبشر إلى رتبة البهائم!
ثم يأتي منا من يريد أن يسلك ببناتنا هذا المسلك، فيحاربون الحجاب، ويرغبون في التكشف، ويحبذون الاختلاط، ينفِّذون فينا أول مادة من قانون إبليس، أي التكشف والسفور والحسور: "يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا" (الأعراف27)، أليست هذه هي المادة الأولى في قانون إمامهم وقائدهم إلى جهنم إبليس؟ ". فقط هذا هو الجزء الذي يمكن أن يوضح لنا معنى (الجندر) ذي الخلفية الفلسفية القاتمة والواجهة المموهة، وتتجلى الثمرة المشهودة للدعوة إليها مكشوفة في هذا النص الإلهي الواضح "يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا".. أما بقية المعاني فستظل محل إشكال عند أصحابها، ومن يروج لهم؛ أما عندنا فقد حدد لنا الله - عز وجل - المنظور الشرعي بقاعدة الفطرة وفروع الحقيقة المشهودة في جملة قرآنية قصيرة: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى" (آل عمران36).
باختصار: جهود تغريب المرأة الغربية لم تفلح.. وثمرته الحنظلية المتفق عليها: تطبيق المادة الأولى من قانون إبليس الاجتماعي على نساء العالمين ومن انخدع بها من نساء المسلمين!
وها هي الولايات المتحدة بعد ثمانين عاما من دعاوى المساواة ومنح التصويت للمرأة تخفق في تحقيقها حتى في مرتّب المرأة العاملة خارج المنزل.. أما عندنا فحتى الزوجة الموظفة الثرية تجب لها في شريعتنا النفقة على زوجها قدر سعته!
وما فكرة المساواة إلا بقايا أفكار مدينة فاضلة في نظر المنظرين، فشلوا في تطبيقها فجعلوها في جملة العِصِيّ التي بإزاء الجزرة، وكما قال مور: " في بلدان أخرى، ندعو هذا الأمر تمييزا عنصريا، ولكننا في أمريكا ندعوه أمرا طبيعياً، منذ ولادة هذا البلد، لمدة تزيد عن 225 عاما، اهتممنا جيدا بأن لا تستلم أي امرأة لا المنصب الأول ولا الثاني فيه. وفي الجزء الأكبر من ذلك الزمن تأكدنا من عدم استلام أي منهن أي منصب على الإطلاق. في الواقع، في أول 130 عاماً من الانتخابات الرئاسية، كان من غير الشرعي للنساء حتى أن يصوتن! ".
وها هي بلاد الإسلام تسير في طريق كرامتها رغم العوائق والتشغيب، وتتجلبب بالإرادة الحرّة متى وجدت الحرية.. وها هي القاهرة بعد مئة عام من دعوى تحرير المرأة تستعيد الحجاب في أرقى أحيائها! وها هو العالم يرى كيف أن جملة (الإسلام هو الحل) قد جعلت نساء مصر يهرعن نحوها، ويتسلقن الجُدر ويدخلن مع النوافذ، ليشاركن في الاقتراع الديمقراطي!! من أجلها، نعم في بلاد قاسم أمين نفسه! نسأل الله - عز وجل - أن تكون الجملة المذكورة حقيقة مطبقة لا شعاراً يردد. وأن يوفق حكام المسلمين لتطبيقها.
وها هو الحجاب يعود بقوة في ديار الإفرنج أنفسهم، فلا تكاد تقف هناك في إشارة مرورية، أو تدخل سوقا عاما، أو مركز بحث، أو معرض كتاب، أو مبنى جامعة، إلا وترى مسلمة محجبة.. من المسلمات وممن يمثلن بلادنا حق التمثيل من الوطنيات الداعيات والمرافقات والدارسات، والعالمات المتميزات.... بلْه بلاد الحرمين التي لم تُلْق الحجاب - بحمد الله - حتى نبحث هل تستعيده.. "وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" (يوسف21)، وهذه هي ثمار مبدأ العدالة الحقيقية لا فكرة المساواة الفرضية.. ولا عبرة بالخارجين على المجتمع والقانون، فهم في كل بلاد العالمين.
فيا ليت قومي يعلمون..
لفتة للمنصفين من الأجانب: مثال لما يغفل عنه كثيرون: إنَّ جميع مدارس البنات في بلادنا لا يجوز أن يديرها إلا نساء، ولا يجوز أن يكون في طاقمها الإداري إلا بنات حواء. ولو وجد فيها رجل واحد لوجب إخراجه بقوة القانون وضغط المجتمع النسوي نفسه، وإن أمتنا المسلمة المحافظة، تعد ذلك جزءاً من محافظتها وثقافتها الإسلامية.
ويا ليت قومي يعلمون.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
اللهم وصل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله..
22/11/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
============(1/285)
(1/286)
دعاة اللبرلة !
عقول محتلة...أم ولاءات مختلة؟
د.عبد العزيز كامل
ربما لم يأخذ الفكر الليبرالي حظه من الدراسات التحذيرية في حقول الدراسات الإسلامية خلال عقود طويلة مضت، كما حدث مع الفكر الشيوعي أو القومي أو البعثي، ولعل ذلك يعود إلى أن الليبرالية كثيراً ما تسترت وراء ديكور الديمقراطية، وتنكرت أحياناً أخرى بأقنعة الحرية الفكرية، والسعادة الفردية، وقِيَم التحضر والتمدين والتحديث، في أوقات كان معظم العالم العربي والإسلامي يئن تحت وطأة نظم شمولية بأفكار قمعية تاقت الشعوب معها إلى معاني الحرية والانطلاق. وقد انهمك المثقفون والمفكرون في مناهضة الفكر الإلحادي، شرقياً كان أو غربياً، ظانين أن الفكر الليبرالي متحرر من الأيديولوجيات والثوابت أياً كانت.
ولما انهار جدار الشيوعية، فرح بذلك العالم (الحر) في أمريكا والغرب، ودق طبول النصر لعصر جديد، تتسيد فيه القيم الغربية الليبرالية بلا منافس أو منازع، ليشترك العالم بالترغيب أو الترهيب في رفع رايات انتصار خادع، على جثة نِدٍ حضاري مزيف، هو الاتحاد السوفييتي السابق، ورفع أحد فلاسفة أمريكا المعاصرين «فرنسيس فوكوياما» عقيرته بانتصار الليبرالية في المعركة الحضارية الإنسانية، ليسدل الزمان أستاره على المشهد الأخير والمثير من مسرحية «نهاية التاريخ»!
وبدأ الأمريكيون بعدها يتحركون بهستيريا لإخضاع (العبيد) أو (الهنود) للدخول قسراً في سجن الحرية الليبرالية، وأصبحنا أمام (جوانتنامو) ثقافية واقتصادية وسياسية وأمنية اسمها (العولمة)؛ حيث لا مجال للحديث معها عن ديمقراطية الأغلبية، ولا الذاتية الشخصية أو الخصوصية الثقافية، ولا حتى منطق المصلحة، وبخاصة إذا كانت مصلحة (الآخر).
ويؤسفنا بعد كل هذا أن نجد من بني جلدتنا من يجعل من نفسه منصة تنطلق منها صواريخ الدمار الفكري الشامل القادم من أمريكا، صوب أراضينا المكشوفة وسماواتنا المفتوحة، متعللين بحريتهم في الفكر والفعل.
إن القضية قبل أن تكون اعتناقاً لفكر، أو اقتناعاً بمبدأ؛ هي قضية إيمان وتسليم؛ فمن الحقائق المقررة في ديننا أن الله لم يترك مناهج إصلاح البشر للبشر بشكل مطلق، بل تولى ـ - سبحانه - ـ ذلك بنفسه، فأرسل لذلك الرسل وأنزل الكتب، ونادى الوحي في الناس جميعاً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: 174 - 176]. وإن الظن بأن البشر يمكنهم التفرد بتدبير شؤونهم بما يتفق مع غاية خلقهم، هو سوء ظن بالإله الخالق ـ - سبحانه - ـ وادعاء عليه بالعبثية وعدم الحكمة ـ جل ربنا عن ذلك ـ إذ كيف يخلق ويرزق، ثم يأذن للإنسان بأن يفسد باسم الإصلاح، أو يفجر باسم التحرر... ؟ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص: 27 - 34].
إن كل فكر إنساني لا يعبأ إلا بالحياة الدنية القصيرة، دون اكتراث بالنجاة في الحياة الآخرة الباقية؛ لهو فكر معاد للإنسانية، مهما ادَّعى أصحابه الحرص على سعادة الإنسان؛ لأن هذا الفكر في النهاية هو اتباعٌ للهوى الذي يهوي بالإنسان إلى دركات التيه والضياع.
والفكر الليبرالي (Lib r alisme) لم يبلوره مفكر واحد في عصر واحد، بل اشترك في وضع أصوله العديد من المفكرين في أزمنة وأمكنة مختلفة، حتى صارت له أسسٌ تشمل نواحي الحياة في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية، إلاّ أن هذا الشمول لا ينفي عن الليبرالية صفة القصور؛ لأنها اقتصرت في الجملة على تلبية الغرائز الدنيا في الإنسان، دون أدنى اعتبار للقيم العليا التي من أجلها كرّم الله بني آدم وحملهم في البر والبحر وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، بل هي فوق ذلك لا تعتمد إلا على أخس قدرات الإنسان على الفعل، وهي التمرد على إرادة الله عن طريق الكسب الاختياري الذي منحه إياه: {بَلْ يُرِيدُ الإنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 5 - 6]، وهذا هو أحط أنواع العبودية لغير الله؛ حيث يجعل من نفسه إلهاً لنفسه.(1/287)
لقد نشأ الفكر الليبرالي في بيئة غير بيئتنا، وتأصل على غير شريعتنا وأخلاقياتنا، وطُبق في غير مجتمعاتنا، واستهدف علاج آفات وإصلاح عيوب لم تعانِ منها أمتنا؛ فليس عندنا تسلط كنسي على عقول الناس، ولا احتكار كهنوتي للحقيقة، ولا خرافة طقوس تقوم على الخصومة المفتعلة بين الدين والعلم، ومع هذا، هَامَ به ـ على طريقة جُحر الضب ـ أقوام من المسلمين، وأرادوا أن يستوردوه ومعه العز والتقدم والشرف، فلم يجرُّوا بذلك على أمتهم إلا الذل والتأخر والانكسار، وصعب عليهم بعد ذلك ـ كما فعل الغراب حين أراد أن يقلد مشية الهُدْهُد ـ أن يعودوا لما كانوا عليه، فلا هم ظلوا مسلمين صلحاء أنقياء، ولا هم صاروا غربيين خلصاء بل: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إلَى هَؤُلاءِ وَلا إلَى هَؤُلاءِ} [النساء: 143].
نشأ الفكر الليبرالي عن فلسفة سياسية واقتصادية، أفرزت قناعات ثقافية وممارسات اجتماعية، حاولت بعد ذلك أن تتحول إلى منطلقات لحرية دينية، ونسبية اعتقادية، تؤول إلى (اللا دين). والليبرالية، بكل تعريفاتها لكل أصنافها؛ تركز على جوهر واحد يتفق عليه جميع الليبراليين، وهو أنها: تعتبر الحرية هي المبدأ والمنتهى في حياة الإنسان، وهي وراء بواعثه وأهدافه، وهي المقدمة والنتيجة لأفعاله. فالحرية هي سيدة القيم عندهم دون أدنى حدود أو قيود، سواء كانت هذه الحدود هي (حدود الله) أو كانت تلك القيود لسبب سياسي أو اجتماعي، أو ثقافي، أما مبدأ عبودية الإنسان لخالقه كما جاءت به رسالات السماء جميعاً، فهي عند الليبراليين لون من تراث الماضي «المتخلف».
بدأ الفكر الليبرالي في مرحلته المبكرة داعياً إلى حق التمرد ضد الحكومات التي تقيد الحريات الشخصية، ولهذا أوحت الأفكار الليبرالية بالثورة الإنجليزية عام 1688م، والأمريكية عام 1775م، والفرنسية عام 1789م، وأدت هذه الثورات إلى قيام حكومات تعتمد على دساتير تقدس حق الإنسان في الحرية الشخصية بأوسع دوائرها، دون التزام تجاه شيء، إلا القوانين المصاغة أصلاً لحماية الحريات الشخصية.
صحيحٌ أن الحرية الإنسانية، بضوابطها الأخلاقية، قيمة عظيمة، يفقد الإنسان من حقوقه الآدمية بقدر ما يفقد منها، ولكن التحريف الذي لحق بدين الأوروبيين النصارى، في تقنين ألوان من العبودية، جعلتهم يثورون على تلك التطبيقات المنحرفة للأديان المحرفة، ولو كنا مكانهم تحت التسلط والاستبعاد، لثرنا مثلهم؛ لأن للحرية الإنسانية حدوداً لا يطيق الإنسان بوصفه إنساناً أن يُحرم منها على الشكل الذي شرعته الكنيسة من دون الله. ولكن الفكر الليبرالي لم يقف عند حد علاج الخلل الناشئ بسبب فساد تصورات الكنيسة في الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع، بل جعل الآلهة المتعددة إلهاً واحداً هو الهوى، فهو المعبود الحقيقي في الملة الليبرالية.
الليبرالية... وتأليه الهوى:
يدرك من له أدنى إلمام بتصنيفات وتفريعات أصحاب الملل والنحل والأديان، أن الإنسان بمعزل عن هداية الوحي، عبد كل شيء من حجر وشجر وشمس وقمر، وقدَّس الكثيرَ من الحيوان والهوام، وأطاع كل طاغوت من إنسان وجان، إلا أن هناك عبادة أخرى لم تشتهر بين العبادات؛ لأن المعبود فيها غير مشخص ولا ثابت، والعبادة فيها بلا شعائر ولا طقوس، ألا وهي عبادة الذات وتقديس الهوى، وتلك العبادة تختلف عن غيرها، بأن العبودية فيها غير واضحة المعالم؛ فهي مجرد سير أعمى وأهوج في طرق مظلمة بحثاً عن سعادة مفقودة، وغاية غير موجودة.
وهذا الظلام الحالك، هو ما أشار إليه القرآن في قول الله ـ - تعالى -ـ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]، ففي الآية تنديدٌ بمن يأتمر بأمر هواه؛ فما رآه حسناً فعله، وما رآه قبيحاً تركه، وهذا هو جوهر التأليه؛ فكل ما يستلزم الطاعة بلا قيود فهو عبودية، والإله المعبود في الآية هو الهوى، من باب التشبيه البليغ أو الحقيقة، والطاعة هنا مستلزمة للمحبة والرغبة، فـ (هواه) بمعنى: مهويه ومرغوبه المطاع.
ولهذا فإن عِلْم عابد الهوى لا ينفعه إن كان عنده علم؛ لأن الله ختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، فلا هادي له ولا مرشد من بعد الله؛ لأنه أغلق على نفسه باب الهداية عندما عزل نفسه بنفسه عنها.
ولم نرَ في الأفكار والمناهج المنحرفة شيئاً ألصق بوصف عبادة الهوى وتقديس الذات مثل الليبرالية المعاصرة من حيث وضعها وتعريفها؛ فهي تعني طلاقة حرية الإنسان وانفلاتها من كل القيود، بحيث لا يكون هناك أي مانع أو رادع من فرد أو أسرة أو جماعة أو دولة أو فكر أو دين أو تقاليد، بل يتصرف المرء وفق ما تمليه النفس وتسوق إليه الرغبة على ألا يتعدى على حرية الآخرين. صحيح أن أرباب الليبرالية يختلفون فيها بقدر اختلاف أهوائهم، إلا أنهم يتفقون على شيء واحد، وهو وصف موسوعة (لالاند) الفلسفية لها بأنها: «الانفلات المطلق بالترفع فوق كل طبيعة».(1/288)
وقد عرَّفها المفكر اليهودي (هاليفي) بأنها: «الاستقلال عن العلل الخارجية، فتكون أجناسها: الحرية المادية والحرية المدنية أو السياسية، والحرية النفسية والحرية الميتافيزيقية (الدينية)» وعرفها الفيلسوف الوجودي (جان جاك روسو) بأنها: «الحرية الحقة في أن نطبق القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا». وعرفها الفيلسوف (هوبز) بأنها «غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء».
وهكذا نرى أن تعريفات الليبرالية تُجمِع على أنها انكفاء على النفس مع انفتاح على الهوى؛ بحيث لا يكون الإنسان تابعاً إلا لنفسه، ولا أسيراً إلا لهواه، وهو ما اختصره المفكر الفرنسي (لاشييه) في قوله: «الليبرالية هي الانفلات المطلق».
ولهذا فإننا نعجب كل العجب ممن لديه أدنى معرفة بمعنى العبودية لله في الإسلام؛ كيف يجرؤ أن يقول: (الليبرالية الإسلامية) فيجمع بين متناقضين، وهل يمكن أن ينادي من أسلم بـ «انفلات مطلق» أو «تطبيق للقوانين التي اشترعها الإنسان بنفسه لنفسه»؟! وهل هناك في الإسلام استقلال عن كل المؤثرات الخارجية في الاعتقاد والسياسة والنفس والمادة؟! كيف يمكن أن تنسب كل هذه القبائح للإسلام أو تصبغ به؟ إن الليبراليين الغربيين يحلو لهم كثيراً أن يكسوا هذه الدمامة بأصباغ من الجمال المصطنع، فيفلسفوا اتِّباع الهوى بـ «تحكيم العقل» ويصفوا التمرد على القيم والثوابت بـ «الحرية المطلقة» أو «منع المنع»، ويرددوا دائماً بأنهم ضد الاستبداد السياسي الذي يمثله استبداد الدولة، والاستبداد الاجتماعي الذي تمثله القيم والأعراف، والاستبداد الديني الذي تمثله العقائد.
ولذلك نرى الليبراليين بكل أصنافهم ينفرون من كلمة (ثوابت) ويضيق عَطَنُهم من كلمة (عقيدة) ويفرون كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة إذا حدثتهم عن ثبات الأحكام، ودوام الحكمة والصلاحية فيها.
وبالنظر إلى أن طبيعة الهوى وسجية أهل الأهواء هي التقلب والتغير، فقد صاحَبَ الغموضُ مصطلحَ (الليبرالية) في مرحل تطورها، إلا في أمر واحد؛ وهو: تحقيق الرفاه والترف والذاتية الفردية إلى الحد الأقصى، وتحول هذا من الإطار الذاتي إلى الإطار الجمعي لدى المجتمعات التي تبنت الأفكار الليبرالية، والتي أسمت نفسها (العالم الحر)، وأصبح هذا العالم (حراً) في أن يحقق الحد الأقصى من الرفاة والمتاع، سيراً وراء الهوى المتبع والشح المطاع للأفراد، كل ذلك على خلفية المصلحة، المرادفة في كل الأحوال للأنانية المفرطة.
ولهذا وجد الناس البَوْن شاسعاً بين شعارات الليبرالية في عالم المثال، وتطبيقاتها في عالم الواقع؛ فقد غاب العامل الإنساني، وحل محله العامل الطبقي أو العنصري، ولم يعد (الإنسان) هو قضية الليبرالية الأولى إلا بحسب لونه أو جنسه أو مستواه الاقتصادي. فالليبرالية السياسية (الديمقراطية) في الغرب تختلف عن ديمقراطيات البلدان التابعة أو المستعبَدة من الغرب، والليبرالية الاقتصادية (الرأسمالية) في الغرب يجب أن توصِل عندهم إلى نتائج مسيطِرة، وعندنا إلى نتائج مسيطَر عليها. وأما بقية مفردات الليبرالية من ثقافية واجتماعية ودينية، فهي ينبغي أن تمثل عندهم نموذج القدوة والمثال، بينما تمثل لدى مقلديهم أنماط التبعية والذوبان إلى حد الابتذال.
أما الليبرالية الفكرية الثقافية والدينية فهي الأخطر، وتعني عندهم المزيد من هجر الخصوصيات والثوابت عند الأمم، في حين يفيئون هم إلى ما يعدُّونه قِيَماً يجب تصويرها بأحسن صورة، وتصديرها على أوسع نطاق.
وقد حدثت في ذلك تجارب وتجارب، دأب المفتونون بالفكر الليبرالي فيها على أن ينقلوا إلى مجتمعاتنا أدواء الليبرالية، دون أن يستطيعوا أن يداووا بها مرضاً.
لن نتحدث هنا عن تجربة تركيا المريرة في ذلك، سواء على يد العلمانيين أو أشباه الإسلاميين؛ فقد يقال إن تركيا في قسم منها جزء من أوروبا، ولهذا تسعى للتواصل معها واللحاق بها، ولكن أمامنا تجربة أخرى عربية غير تلك التركية، وهي التجربة المصرية التي خاضها العلمانيون كاملة لتنتهي إلى نتائج وخيمة لا تزال الأجيال في مصر تعاني منها لليوم، ومع هذا فقد ظلت هذه التجربة الخاسرة جاهزة للتصدير رغم كل علامات التحذير من انتهاء صلاحيتها وفساد مكوناتها.
*تكرار التجارب... واجترار الأخطاء:(1/289)
انبرى نفر من المفتونين بالفكر الليبرالي فيما مضى من العقود في مصر يبشرون بذلك الفكر على صُعُد مختلفة، ففي السياسة برز (سعد زغلول) ليكون داعية للنهج الأوروبي في الأداء السياسي، وبالبرغم من نشأته الأزهرية، إلا أن رحلاته المتعددة لأوروبا غيرت من فكره، وأقنعته بأن المحتل الأوروبي عندما يرحل ـ ولا بد أنه سيرحل ـ يجب الإبقاء على ما جاء من أجله، وهو تجذير التغيير في بنية الشعوب، لتقترب من النموذج الأوروبي، ولم يكن سعد زغلول وحيداً في حمل الهم الأوروبي رغم اقتران اسمه بالبحث عن الاستقلال، بل حمل معه هذا الهم كثيرون ممن أُشرِبوا في قلوبهم حب الأوروبيين من خلال التعليم في مدارس الإرساليات أو معاهد الأقباط، أو ضمن البعثات الخارجية؛ حيث دشن هؤلاء (العائدون من أوروبا) حملة تغريب منظمة بالتنسيق مع قوى (الاحتلال) حيناً، وتحت راية (الاستقلال) أحياناً.
فالاستعمار الإنجليزي استمر في مصر الفترة نفسها التي استمر فيها المد الليبرالي، وتحت إشراف ذلك المستعمر، وضع الليبراليون أيديهم على كل منافذ التأثير، وقد تعاقبت على حكم مصر حكومات تنتمي إلى أحزاب سياسية، وكان أكثرها يحمل المبادئ الليبرالية في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع، كحزب الوفد الضليع في علمانيته الذي أسسه سعد زغلول والذي تفرعت منه أو انشقت عنه أحزاب علمانية، تؤمن كلها بالمبادئ الليبرالية على اختلافٍ بينها في الوسائل، وفي المدة من (أكتوبر 1922م) وحتى قيام ثورة (يوليو 1952م) أي فيما يقرب من ثلاثين عاماً، قامت في مصر إحدى وأربعون وزارة، كان الوفديون الليبراليون أو المنشقون عن الوفديين (السعديين) يتناوبون فيها مع غيرهم من العلمانيين على كراسي رئاسة الوزراء، ولم يكن التنافس بين هذه الأحزاب في الغالب إلا بقدر إثبات قدرتها على إحداث التغيير في بيئة المجتمع المصري وفق معايير الغرب؛ فماذا كانت الحصيلة؟
- وضع دستور علماني لمصر عام (1923م) على يد حزب الأحرار الدستورين المتعاطفين مع الانجليز، وهو الدستور الذي ظل معمولاً به مدة المد الليبرالي، والذي نص صراحة على أن التشريع حق خالص للبرلمان، وهو ما يعني تنحية الشريعة، وظل ذلك تقليداً متبعاً بعد ذلك.
- أبرمت معاهدة (1936م) بين الإنجليز وبين حزب الوفد الليبرالي في إحدى فترات (مصطفى النحاس) الذي تولى رئاسة الوزراء سبع مرات، وكانت معاهدة تحالف مع الاحتلال، تتخفى وراء مفاوضات الاستقلال، وقد استمرت لثلاثة عقود، في ظل المد الليبرالي المنادي بالتحرر.
- في ظل الأحزاب الليبرالية، جرى (تأليف) أحكام مبدلة وضعية بدلاً من الأحكام الشرعية على يد (عبد الرزاق السنهوري)، وفريقه، وهي الأحكام والقوانين المحادة للشريعة والمتناقضة مع أحكامها ومقاصدها والتي أصبحت مصدراً تستمد منه معظم الدول العربية فيما بعد قوانينها، وقد أحلت تلك القوانين كثيراً من المحرمات وألغت مرجعية الشريعة بشكل عملي.
- انطلقت مؤامرة (لبرلة) أو (تحرير المرأة) من حجاب العفة والكرامة، على يد قاسم أمين (تنظيراً)، وهدى شعراوي وصفية زغلول (تطبيقاً) وانتشرت العدوى بعد ذلك إلى بلدان عربية عديدة حتى صارت بعض العربيات ينافس الأوروبيات في (الليبرالية) الاجتماعية والأخلاقية.
- أُرسيت قواعد التعامل الربوي لتُبنى عليها صروح الاقتصاد، على يد (طلعت حرب) الذي أقام اقتصاداً وطنياً حراً، ولكنه كان حرباً على الله ورسوله؛ لأنه لم يذر ما بقي من الربا، بل أقام له المؤسسات والشركات ليؤكل أضعافاً مضاعفة.
- أُصِّل «بطلان» الحكم الإسلامي على يد (علي عبد الرازق) الذي بلغت (اليبرالية الدينية) على يديه أن زعم أن المسلمين أحرار في أن يهجروا تحكيم الشريعة؛ لأن الإسلام دين لا دولة.
- جرت علمنة مناهج التعليم، على يد المستشار (دنلوب) المفوض الإنجليزي الذي كلف بوضع المعالم الرئيسة لمناهج التعليم المصرية؛ بحيث يُحَيَّد فيها الدين والتاريخ الإسلامي، وتهمش اللغة، وتستلهم المبادئ الغربية.
- أما الصحافة والإعلام فلا تسل عن تعاون الفجار مع الكفار في إنشاء مؤسساتها وإرساء قواعدها على أسس منافية للدين عقيدةً وشريعةً وأخلاقاً؛ حيث اشتهرت أسماء لأخبث قوى الهدم باسم الكتابة والفن والأدب، ولمعت أسماء كثير من النصارى واليهود الذين قاموا في ظل حماية الحكومات الليبرالية بهدم كل ما طالته أيديهم من قيم وأخلاق ومبادئ، بالتعاون مع حثالة من دروز لبنان، ونصيرية سوريا، وأقباط مصر، مع من داروا في فلكهم من سقطة القوم.(1/290)
إن المحصلة النهائية للتجربة الليبرالية التي سادت في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، أثمرت جيلاً تطلع إلى المزيد من الانحراف باسم التحرر، حتى جاء الثوريون ليثوروا على التحرريين، ويزايدوا عليهم في المناداة بمبادئ الحرية، حتى نعتوا أنفسهم بـ (الضباط الأحرار) تشبهاً بعتاة العلمانيين في تركيا، وتحت دعوى القضاء على فساد الأحزاب المتعددة في عهد الملكية، جرى جمع الفساد كله في حزب شمولي واحد أطلقوا عليه (الاتحاد الاشتراكي)، وهو الحزب الذي تسربت إليه، وتحيزت إلى صفه كل عناصر الفساد القديمة، إضافة إلى العناصر المفسدة الجديدة.
واليوم تحاول الولايات المتحدة تحت مسمى إصلاح الشرق الأوسط الكبير، أن تجدد الدماء المتجمدة في عروق الليبرالية المصرية، وتنشئ لها على عينها أجيالاً جديدة، بعد (الانقلاب الأبيض) الذي قام به الثوريون على أنفسهم، انتقالاً من النهج الاشتراكي الشرقي، إلى النهج الديمقراطي والرأسمالي الغربي؛ حيث لم يَرُقْ للأمريكيين ذلك التردد والتلكؤ الذي سلكه بقايا (جيل الثورة) في انقلابهم على النهج الاشتراكي، كما لم تقنعهم نتائج (المواجهة الشاملة) مع أصحاب النهج الإسلامي، الذين أظهروا رفضاً لكلا المنهجين المستوردين الاشتراكية والرأسمالية؛ ولهذا فإن الأمريكيين اليوم يتطلعون إلى إيصال قوى شابة، تقود المعركة من جديد لصالح الغرب مع الإسلاميين، أو بالأحرى مع الإسلام في مصر، غير تلك القوى التي قادت المعركة من قبل لصالح الشرق.
ولكن الولايات المتحدة نفسها، بدأت بنفسها في إثبات أن ما يسمى بـ (القيم الديمقراطية والليبرالية) تسقط عند أول اختبار في ميدان المصالح، وتترنح في حلبة الصراع، عندما يكون الند المحارب صاحب حق، أو طالب حرية حقيقية.
* تعدد الليبراليات وتهاوي الشعارات:
إذا كانت الليبرالية السياسية تعني حق الإنسان في اختيار النظام الذي يريده، والنواب الذين يمثلونه، بما يكفل تحقيق العدالة والمساواة والاستقلال؛ فإن هذه الليبرالية بدأت تسقط كشعار على يد الولايات المتحدة ودول الغرب المبشرة بها؛ فقد درجت الولايات المتحدة وحلفاؤها على انتهاك سيادة وحرية العديد من الدول في السنوات الأخيرة، مرة بالغزو المباشر، ومرة بالتدخل السافر، ومرات ومرات بأنواع العقوبات، وبهذا يجري بانتظام إهدار ما يعده الغرب قيماً وأعرافاً قامت لأجلها الثورات الكبرى هناك، ويحدث هذا من أمريكا بالذات على يد يمين ديني مغالٍ، يؤمن بالحرفية أكثر مما يؤمن بالحرية، حتى إن الحقوق السياسية داخل الولايات المتحدة نفسها، باتت تعيش خطراً وضرراً بدأ يصل إلى حد ارتفاع بعض الأصوات بحرمان النساء والسود والمهاجرين من حق الانتخاب، وقصر ذلك على البيض البروتستانت. وهو ما يؤكد أن مشروع الهيمنة الأمريكي ليس من أجل الحريات، بقدر ما هو بسبب المصالح العنصرية والطبقية في الداخل والخارج.
إن هذا يعني في النهاية أن مسلسل سقوط (القيم) الليبرالية قد بدأ بالفعل على يد من بشروا بها، ووضعوا خطط السيطرة على العالم من أجلها، بل إن الديمقراطية نفسها ـ كأبرز تجليات الليبرالية السياسية ـ بدأت تفقد بريقها الخادع هنا وهناك، بعد أن بدا للجميع أنها لا تزيد عن عملية بيع وشراء، لا للسلع والمنتوجات، ولكن للذمم والأصوات، فهاهي الولايات المتحدة نفسها، ترتفع فيها تكاليف شراء المناصب العليا بمعدلات صاروخية؛ فمجموع ما أُنفق على الانتخابات الرئاسية قد ارتفع من 175 مليون دولار عام 1960م إلى أكثر من مليار ومائتي مليون دولار عام 1980م، وارتفع إلى ثلاثة مليارات ومائتي مليون دولار في التسعينيات، ووصل إلى أربعة مليارات من الدولارات في آخر التسعينيات، وفي الانتخابات الأخيرة بلغت تكاليف فوز بوش وحزبه خمسة مليارات من الدولارات.
هذا عند زعيمة العالم الليبرالي الحر في الغرب. وأما في الشرق؛ فإن الكراسي ومناصب الحكم بل مقاعد النيابة عن الشعب عند من يلهثون وراء السراب الليبرالي والديمقراطي، تُسرق ولا تُشترى، فإذا كان كبار رجال الأعمال في الغرب يشترون الأصوات شراء؛ فإن كبار المحتالين عندنا يسرقونها سرقة، بتزوير ظاهر، وتحايل مكشوف، بل بـ (بلطجة) وشيطنة وانحراف. أما في واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط (إسرائيل) فقد تكشفت مؤخراً فضيحة تورط شارون وابنه (عمير) بالكذب والتزوير وإنفاق مبالغ طائلة من أموال دولة اللصوص القائمة على الاغتصاب، لإنفاقها على العملية الانتخابية التي جاءت بشارون.
أما الليبرالية الفكرية التي تعد أساساً لليبرالية السياسية، فهي تؤصل منذ نشأتها للفوضي الفكرية، ولهذا فإن كل ما يبنى فوقها من منشآت سياسية يؤول أمره إلى الفوضى، وثورة الليبرالية على الدين وثوابته لا تلبث أن تتحول إلى ثورة على السياسية ومسالكها.(1/291)
وتأتينا الليبرالية الاقتصادية (الرأسمالية) بوجهتها الانتهازية ونكهتها اليهودية؛ إذ تقوم منذ وضع أسسها (آدم سميث 1723 ـ 1790) على المصلحة، أو (الأنانية)، فهي المحرك الوحيد للنشاط الإنساني كما يقول، ولا ينبغي أن يوضع أمام المصلحة أي قيد، وهو ما عبر عنه بقوله: (دعه يعمل، دعه يمر)؛ فالاقتصاد لا ينظمه حسب النظام الرأسمالي إلا قانون العرض والطلب وقوانين الطبيعة البشرية، دون أي قيود أو ضوابط.
وتجيء الليبرالية الدينية، أو (الميتافيزيقية) كما يسمونها أحياناً، لتكون عاراً على كل من يتبنى الليبرالية ممن يدعي احترام المبادئ الإنسانية فضلاً عن القيم الإسلامية، فالليبرالية الدينية، أو التعددية الدينية تسعى إلى نمط من الفكر الديني، لا يتقيد بأية قواعد، ولا يستند إلى أية مرجعية، بل يستند إلى حرية الإنسان في اختيار الإله الذي يهواه، ولو عبد كل يومٍ إلهاً.. ولو لم يعبد إلهاً على الإطلاق إلا هواه.
والليبرالية الدينية تقوم على فكرة نسبية الحقيقة، وترِّوج لمقولة: لا دين على الإطلاق يحتكر الصواب.
ولهذا كانت الليبرالية الدينية دائماً هي الأداة الخادمة والدافعة لبقية الليبراليات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ لأن الليبرالية الدينية تهدم أولاً القواعد، وتزيل الحواجز، لينطلق (البناؤون الأحرار) بعدها في تشييد أبنية الضلالة على أسس الغواية، كل ذلك على خلفية إلغاء الخصوصيات الثقافية، وتدمير مفهوم (المقدس) وتبديله بمهفوم (النسبية) في الحقائق والعقائد والقيم لإزالة الثبات عنها، حتى لا يبقى هناك مجال لأصول تبنى عليها الهوية، أو ترتكن إليها القيم.
وفي عالمنا الإسلامي، وبالرغم من أن الليبرالية بدأت تظهر حقيقتها على أنها حملة استئصالية، تستهدف الدين في أصوله قبل فروعه، والأخلاق في جوهرها قبل مظهرها؛ فقد وجدت من الأفّاكين من يروِّج لها ويتحدث باسمها، بل تطور الأمر إلى أن بعض الطيبين انساق إلى الانخداع بالليبرالين والإنصات لقولهم، وصدق الله: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47].
وتمخض الأمر عن ميلاد ما يعرف الآن بـ (الليبرالية الإسلامية) على غرار ما كان يعرف بـ (اشتراكية الإسلام) و (اليسار الإسلامي) وكذلك دعوى (ديمقراطية الإسلام) والدعوة إلى (أسلمة العلمانية).
والسؤال هنا: هل سيؤول مصير (الليبرالية الإسلامية) إلى معنى (الليبرالية الدينية) المتمحور حول مقولة (جون هيك): «لا دين يحتكر الحقيقة»؟! نخشى أن يحدث ذلك! وهل سيقول الليبراليون (الإسلاميون) إن الإسلام لا يملك كل الحقيقة، وأن عقيدته لا تمثل كل الصواب؟ فبعض الأفراخ الجديدة للفكر الليبرالي (الإسلامي) بدأت تكشف عن نفسها في جراءة لا تُستغرب على من يؤمن بـ (نسبية الحقيقة) و (تطور القيم)، وهو ما قد يوصِل إلى التطابق والتماثل بين (الليبرالية الإسلامية) والعلمانية الرامية إلى فصل الدين عن الحياة، ولكن هذه قضية أخرى تحتاج إلى تفصيل وتأصيل.
غير أن إرهاصات التحول (العربي) الليبرالي العلني إلى محادَّة الدين تشعرنا بالقلق، من أن تتحول هذه العدوى إلى التوجه الليبرالي (الإسلامي) المدَّعى.
يثير موقع شبكة (الليبرالية الكويتية) في زاوية (من نحن؟) السؤال التالي: «هل الليبرالي علماني؟ »، ويجيب: «نعم! كل الليبراليين علمانيون»، ثم يثير سؤالاً آخر: «ما هو موقفنا من تطبيق الشريعة الإسلامية؟ » فيجيب: «الحقيقة هي أنه لا توجد هناك أية شريعة إسلامية، بل هناك شرائع إسلامية متعددة.. وقد أثبت التاريخ أن جميع الدول الدينية في التاريخ الإنساني هي دول دكتاتورية قمعية، ولا يوجد نموذج لشريعة إسلامية حتى الآن يتوافق مع حقوق الإنسان الأساسية» ثم ينتهي القائمون على الموقع إلى القول: «الطريق إلى العدل والمساواة والحرية يبدأ بتطبيق الديموقراطية والليبرالية الحرة، أما الدعوة إلى الشريعة؛ فما هي إلا أوهام مخلوقة من الجماعات الأصولية لبسط نفوذها».
هل يستطيع الليبراليون (الإسلاميون) تبرئة زملائهم من الليبراليين العرب في الكويت أو غيرها من هذا الإلحاد الصريح؟ وهل يستطيعون أن ينفوا عن الليبراليين (الإسلاميين) في تركيا مثلاً توقهم المتسارع والمندفع إلى نحو تلك الليبرالية الدينية.. ؟ لقد قال نجم الليبرالية (الإسلامية) «رجب أردوغان»: «نحن بحاجة إلى تغيير توجهنا إلى حيث الليبرالية الدينية.. »، ومع هذا لا يزال «أردوغان» فارس أحلام العديد من (الإسلاميين) الليبراليين، الذين تسميهم بعض الأوساط الأمريكية (الإسلاميين الجدد).
لا نشك أن الولايات المتحدة سترعى هذه التيارات الجديدة، وستتبناها؛ لأنه أقصر طريق للوصول إلى بغيتها في ضرب ما تسميه (الإسلام الأصولي) أو (السلفي) أو (الوهابي)، بل إنها ستزرع زرعاً ـ من خلال نفوذها على الحكومات ـ مثل هذه العناصر الداعية إلى (التحرر الديني) في مناصب التأثير والتوجيه الاجتماعي، وهو ما كشف عنه تقرير معهد (راند) الشهير عن (الإسلام المدني الديموقراطي) أي (الإسلام الليبرالي) وكذلك تقرير (عقول وقلوب ودولارات).(1/292)
والولايات المتحدة لم تعد تخفي رغبتها العارمة في فرض (الليبرالية الدينية) تحت مسمى (الحريات الدينية)؛ فقد بدأت منذ سنوات في إصدار تقرير سنوي باسم (تقرير الحرية الدينية في العالم) تركز فيه على العالم الإسلامي، وهذا التقرير يصدر بموجب ما يسمى بـ (قانون الحرية الإمريكي) الصادر عام (1998م) والذي يستهدف بحسب وصف موقع الخارجية الأمريكي على الإنترنت «دراسة وفحص المعوقات التي تحول دون (إطلاق) الحرية الدينية في مئة وسبعة وتسعين دولة ومنطقة في العالم».
صدر التقرير السابع عن الحرية الدينية في العالم في 8/11/2005، على أن يُقدَّم للكونجرس الأمريكي لمناقشته، وقد انتقد حالة الحرية الدينية في عدد من الدول العربية والإسلامية، وأثنى على (التقدم) الحاصل في دول أخرى في جوانب «التحرر» الديني. وقبل أن أذكر أبرز ما ورد في ذلك التقرير، أريد التنبيه على النقاط التالية المستخلصة من محتوى التقرير:
1 - الولايات المتحدة تتجه نحو اعتبار قضية (الحريات الدينية) من الشؤون الدولية لا من خصوصيات الدول الداخلية.
2 ـ لا تريد الولايات المتحدة أن تتعامل مع أفكار (الحرية الدينية) كمجرد أفكار تقترح أو دعوات تعرض، وإنما تريدها إملاءات، توصل إليها الإغراءات أو الضغوطات.
3 ـ (فوضى العقائد) هي السقف المحدد والغاية المرجوة من «فرض» الحرية الدينية، حتى تنفتح كل الأبواب أمام التنصير أو بالأصح التكفير الذي يستهدف بشكل خاص عوام المسلمين.
ولنمر سريعاً على لقطات من التقرير الخطير:
أ ـ ما يتعلق بإيران:
يأخذ التقرير على إيران، عدم الاعتراف بالطائفة البهائية (التي تؤمن بـ «المرزا غلام أحسن» نبياً بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ) وينتقد إغلاق مراكز التبشير النصراني البروتستاتي في إيران، ويرى أن اتخاذ سياسة معادية لدولة (إسرائيل) يدخل ضمن عدم الالتزام بالحرية الدينية، كما يشير إلى التحيز الحاصل في إيران ضد الطائفة السنية.
ب ـ ما يتعلق بالسعودية:
يدعي التقرير ألاَّ وجود للحرية الدينية في المملكة العربية السعودية، ويدل على ذلك بـ (إجبار) الدولة مواطنيها جميعاً على اعتناق دين الإسلام فقط، وعدم سماحها للمواطن بأن يغير دينه، وينتقد أيضاً عدم الاعتراف داخل المملكة بالأديان الأخرى، فضلاً عن حمايتها، ويرى أن عدم السماح لأصحاب الأديان الأخرى من غير المواطنين بممارسة شعائرهم علناً أمر متعارض مع الحرية الدينية، ويُعد التقرير من مظاهر انتهاك هذه الحرية عدم السماح للمواطنين بالرجوع عن الإسلام، ومن مظاهر انتهاكها: إطلاق الشرطة الدينية (أهل الحسبة) لمراقبة المتهاونين في أداء الصلاة، ومن المظاهر المنتقدة أيضاً إلزام جميع الطلاب في المراحل المختلفة بدروس ومناهج دينية تتطابق مع التعاليم «السلفية». كما يرى التقرير أن معالجة الصحافة للقضايا الدينية محدودة للغاية ومقيدة.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الأمريكية تطالب بالالتزام العلني بالسماح بأداء الشعائر لغير المسلمين، وتحث على إلغاء التمييز بين الطوائف والأديان، وأظهر التقرير أن وزير الخارجية الأمريكي السابق (كولن باول) كان قد وصف الأوضاع بالسعودية عام 2004م بأنها مثيرة للقلق بسبب «الانتهاكات الشديدة» للحريات الدينية.
ج ـ ما يتعلق بالسودان:
يأخذ التقرير على الحكومة السودانية أنها تعتبر نفسها «حكومة إسلامية» وأن الحزب الحاكم يلتزم بـ (أسلمة) البلد، ولهذا يفرض كثيراً من القيود والتمييز ضد غير المسلمين وغير العرب، ويرى التقرير أن الحرية الممنوحة للمسلمين في بناء المساجد ليست ممنوحة لغير المسلمين في بناء معابدهم، وأشار التقرير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية صنفت السودان مرات عديدة بأنه بلد مثير للقلق فيما يختص بالانتهاكات الشديدة للحرية الدينية، وأن ممثلي السفارة الأمريكية هناك ربطوا بين تحسين العلاقة مع الخرطوم، وبين اتخاذ إجراءت للتخفيف من تلك الانتهاكات.
د ـ ما يتعلق بمصر:
يرى واضعو التقرير أن تمييز الحكومة المصرية ضد المسيحيين لا يزال مستمراً؛ فهناك تمييز في التعيين في المناصب العامة وهيئات التدريس، ويُرفض قبول المسيحيين في جامعة الأزهر! وهناك إعاقة لحرية بناء الكنائس، ويعتبر التقرير من المآخذ على الدولة المصرية أنها تمتنع عن الاعتراف بالطائفة البهائية، وينتقد محاولات «التضييق» على النشاط التبشيري بين المسلمين بذريعة منع الفتن الطائفية.(1/293)
وقد أشار التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم وزيرة الخارجية الأمريكية ومساعدها للشرق الأوسط والسفير الأمريكي وغيرهم، أثاروا مع كبار المسؤولين المصريين موضوع الحرية الدينية، كما أعربوا عن قلقهم بشأن التمييز ضد البهائيين والمسيحيين، وأشار التقرير إلى أن أعضاء من الكونجرس الأمريكي أبدوا غضبهم أثناء زيارتهم لمصر مؤخراً من المقالات التي تعادي السامية، وأبلغوا بذلك رؤساء تحرير الصحف وغيرهم من الإعلاميين، وأشار التقرير كذلك إلى أن هناك برامج أمريكية في مجالات عدة لتمويل مشاريع تتعلق بالحريات الدينية، منها برامج للتعاون مع الأقباط في جنوب مصر وبرامج لتشجيع التقارب بين الطوائف الدينية، ونوه التقرير بمشاركة بعثة أمريكية في تشجيع وضع مواد دراسية تحث على الحرية الدينية في مناهج التعليم باللغتين العربية والإنجليزية.
هـ ـ ما يتعلق بالعراق:
لأن العراق أصبح ساحة مفتوحة أمام التجارب الأمريكية في تنفيذ مفاهيمها حول الحرية الدينية؛ فقد أشار التقرير إلى أن هناك تنسيقاً على مستوى عالٍ بين المسؤولين في البلدين لجعل العراق بلداً نموذجياً في إطلاق الحريات الدينية، ولهذا تستضيف الإدارة الأمريكية العديد من الندوات والحوارات حول هذا الموضوع، وتمول المشاريع الهادفة لذلك لجمع جهود المذاهب والطوائف كلها ضد ما تعتبره الولايات المتحدة إرهاباً ينبغي على الجميع محاربته.
شهادة إشادة.. !
في مقابل هذه الانتقادات المتعددة لبلدان كثيرة، أشاد تقرير الحرية الدينية الأمريكي بدولة الإمارات لاستضافتها مؤتمراً دولياً لمحاربة الإرهاب والتشدد الديني؛ في حين أن حكومتها تبرعت بقطعة أرض في أواخر عام 2004م لبناء كنيسة (سانت ماري) لجالية الروم الأرثوذكس في دبي، ورحب التقرير باشتراك وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في أبو ظبي في الاحتفالات الدينية التي أقامتها الكنيسة الإنجيلية العربية هناك بمناسبة عيد الميلاد؛ حيث حضرها وكيل وزارة شؤون المساجد ومساعد وكيل وزارة الشؤون الإسلامية. وأثنى التقرير أيضاً على قيام مستشار الوزارة للشؤون الدينية في دبي بإزاحة الستار عن حجر الأساس لبناء كنيسة (الأنبا أنطونيوس) القبطية المصرية على أرض دبي، برفقة رئيس أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر والخليج والشرق الأوسط.
وماذا بعد:
ـ فهل هذا ما يريده الليبراليون ـ علمانيين أو «إسلاميين»؟
ـ هل يطالبون بأن تتحقق (المساواة) بين التوحيد والتثليث، وتعدد الآلهة وانعدام الآلهة.. في بلاد المسلمين.. ؟
ـ وهل يسرهم ذلك (العدل) بين المعبودات، فلا يفرق بين عبادة خالق الكون الواحد الأحد، وبين عبادة الصلبان والنيران والجُعلان.. ؟
ـ هل يرضيهم أن يفرض (السلام) مع كل أعداء الإسلام، وتشن حروب الإبادة فقط على عباد الرحمن؟
ـ وهل يفرحون بانتشار الكنائس في جزيرة العرب التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يجتمع فيها دينان.. ؟
ـ وهل يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتتم العودة عن الحجاب، استجابة لدعاوى التحرير والتغرير؟
ـ وهل يغتبطون باستمرار استبعاد الشريعة بحكم الدولة والقانون، ولا يبقى منها إلا نصوص مجمدة في صدور بعض الدساتير.. ؟
ـ وهل تنشرح نفوسهم عندما يرون التعليم والإعلام يمسخ أجيال الأحفاد بعدما دمر كثيراً في أجيال هي الآن آباء وأجداد.. ؟
ـ وهل يرغبون في أن تظل فئام من الأمة تأكل الربا أضعافاً مضاعفة، معرّضين أنفسهم والناس معهم لحرب من الله ورسوله.. ؟
لا نظن الدعوة لهذا وغيره في بلاد المسلمين تصدر إلا من دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها؛ فإن كان الليبراليون العلمانيون اللادينيون لا يستنكفون عن هذا الوصف لأنفسهم، فلا نظن أن الليبراليين «الإسلاميين» يجهلون أن هذه هي أبرز معالم البرنامج الذي يريد به الأعداء أن يردونا به إلى الوراء.
{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} [النساء: 89].
اللهم اهدنا جميعاً سواء السبيل.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============(1/294)
(1/295)
الآثار المترتبة على خروج المرأة للعمل
رياض بن محمد المسيميري
لقد أفرزت تجارب الأمم المعاصرة على وجه الخصوص نتائج فادحة، ترتبت على خروج المرأة من بيتها إلى العمل، ويمكن تلخيص تلك النتائج والآثار الوخيمة فيما يلي:
1- شيوع الاختلاط:
لقد كان الاختلاط في مقدمة الآثار الوخيمة لخروج المرأة من بيتها إلى العمل، فالمستشفيات وقطاع الإعلام والنقل الجوي، والمؤسسات العامة والخاصة وحقل التعليم، لا تزال أماكن تكتظ بالاختلاط الخبيث بصورة مقززة، حيث لم يعد غريباً أن تجتمع المرأة والرجل في حجرة واحدة، ومكتبين متلاصقين دون حسيب أو نكير من أحد.
ومعلوم أن الاختلاط هو البوابة الأولى نحو فاحشة الزنا، سيما مع نشوء الصداقة وزمالة العمل، حيث يسقط حاجز الخوف أو التردد، ويذوب الحياء تدريجياً، فتنشأ العلاقة الآثمة، ومن ثم تنحدرُ الأمة برمتها في مستنقع الرذيلة، ويصبح الناس عبيداً لشهواتهم وملذاتهم، فتنهار قواهم عند أدنى فتنة أو تحدٍ خارجي، فيكونون بذلك لقمةً سائغةً للعدو المتربص في ساعات النزال الأولى، ذلك أنَّ الأمة المترفة الغارقة في بحر شهواتها لا تستحق نصراً ولا يليق بها بقاء!!.
قال العلامة بكر أبو زيد: "وقد علم تاريخياً أن الاختلاط من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا وإخضاعها، بتضييع مقومات كرامتها وتجريدها من الفضائل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
كما نعلم تاريخياً أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات وزوال الدول، كما كان ذلك لحضارة اليونان والرومان [1].
وفيما يلي بعض الحوادث والقصص الواقعية الناتجة عن الاختلاط.
يروي المفتش هاملتون هذه الحادثة، فقد أبلغ بأن أحد مدراء المطاعم لا يعطي الوظيفة للفتيات إلا بعد موافقتهن على اقتسام الفراش معه، فقام بإعطاء إحدى المتقدمات للعمل مسجلاً صغيراً، و طلب منها أن تتقدم إليه طالبة العمل، وإليك مقتطفات مما دار بينهما من حديث:
المدير: هل تركت المدرسة لتوك؟
المتقدمة: نعم أنهيتُ الفصل الصيفي.
المدير: ستذهبين مرةً أخرى في الخريف.
المتقدمة: لست واثقة من ذلك، لأن علي أن أنتقل من منزلي (نتيجة لطرد أبويها لها).
المدير: هل أنت مضطرة للعمل.
المتقدمة: نعم.
المدير: سأعطيك نموذج الطلبات لتملئينه فيما بعد، والآن هل تسمحين لي ببعض الأسئلة الشخصية.
المتقدمة: تفضل ما بدا لك.
المدير: ما هو هدفك في الحياة؟
المتقدمة: في الحقيقة ليس لي هدف.
المدير: هل تريدين أن تعملي طوال حياتك أم أنك تريدين الزواج؟
المتقدمة: لا، أفضل أن أعمل طوال حياتي واستمتع بحياتي.
المدير: أنت رومانسية إذن.
المتقدمة: نعم.
المدير: هل لك مجموعة من العشاق (البوي فريندز) أم عشيق واحد مستمر.
المتقدمة: لا ليس لي عشاق، وإنما عندما أشعر بالحاجة إلى الذهاب مع أحدهم أذهب معه.
المدير: لا تكوني مضطربة ولا قلقة، ولكني رجل قذر "نعم" إن عليك أن تساعديني في الطبخ وسأتركك في المطبخ لوحدك بدون معونة، ولا تجعلي الزيت يحرق جلدك.
المتقدمة: أنا مستعدة لعمل أي شيء، أعطني فرصة.
المدير: وعليك التنظيف وغسل الأطباق، وأحياناً تكونين على الصندوق وأحياناً تنظفين المراحيض، هل تعترضين على ذلك.
المتقدمة: لا، سأفترض أنني في منزل والدتي.
المدير: يبدو أن عليك أن تقومي بأود نفسك.
المتقدمة: نعم لقد تركت منزل والدتي وسأعيش مع بعض صديقاتي.
المدير: هل تحبين الحفلات.
المتقدمة: نعم.
المدير: ما رأيك في الحشيش (الماريوانا).
المتقدمة: له حسناته وسيئاته، في الواقع لا أعرف.
المدير: إذا رأيت هنا واحداً يدخن الحشيش هل يضايقك ذلك؟
المتقدمة: لا يضايقني، إنه أمر لا يخصني، إنه أمر تراه في كل مكان.
المدير: ماذا تقولين إذا قلت لك سأعطيك الوظيفة بشرط أن تنامي معي؟
المتقدمة: إن ذلك يعتمد هل ذلك بصورة دائمة أم مرة واحدة فقط؟
المدير: لا اعرف؟ لكن ما أهمية ذلك؟ إني لا أقول لك كل يوم، يكفيني مرة واحدة في الأسبوع ما رأيك؟
المتقدمة: لا بأس بذلك.
المدير: هل نقفل الباب ونتكلم في هذا الموضوع بالتفصيل؟
المتقدمة: لا يهم.
المدير: تعالي إذن، إنك حقاً لجميلة.
المتقدمة: شكراً.
المدير: ولديك ساقان جميلتان.
المتقدمة: شكراً.
المدير: إنني سأستأجرك للعمل هنا ولن تمانعي طبعاً في الخدمات الجانبية ألا يضايقك ذلك؟
المتقدمة: لا.
المدير: ما رأيك في قبلة الآن؟
المتقدمة: إنني مضطربة الآن.
المدير: لا بأس، متى نجتمع؟
المتقدمة: متى ما تريد؟
المدير: بأسرع وقت ما رأيك الساعة الثانية بعد الظهر.
وعندما ألقي القبض على هذا المدير بتهمة الابتزاز الجنسي، أطلق صاحب العمل سراحه بكفالة، والغريب حقاً أن لا أحد يرى فيما فعل أي جريمة، حتى الشرطة ورجال القانون، لم يروا في ذلك ابتزازاً، إنَّ الجميع يرون ذلك أمراً روتينياً لا غبار عليه، وعندما قدم للمحكمة حكم عليه بغرامة مالية قدرها 125دولاراً فقط!!. وأطلق سراحه على الفور.
وتقول لين فارلي: إذا كانت المرأة تقبل من نفسها أن تكون صيداً جنسياً، فإنَّ من حق الرجال أن يصطادوا.(1/296)
ولكن المرأة العاملة تجد نفسها مضطرة إلى الرضوخ لرغبات رئيسها الجنسية، لأنها لا تجد العمل ابتداء إلا بالموافقة على نزواته، ولا يمكنها الاستمرار في العمل إلا بالاستمرار في الرضوخ حتى يكون هو الذي ملها، فعندئذٍ يختلق أي عذر ليستبدلها بغيرها.
وقد يكون من المفيد أن يدرك القارئ الكريم أن على الفتاة إذا بلغت سن السادسة عشرة مغادرة منزل والديها، وتبحث عن عمل لأنَّ الوالدين لا يستطيعان الإنفاق عليها، وإنّ عليها أن تعيش من دخلها وهذه إحدى بدع، المساواة التي يزخر بها المجتمع الأمريكي والأوربي، حيث تطرد الفتاة من منزل أمها وأبيها بعد سن الثامنة عشرة أو نحوها، كما يطرد الفتى ويقال لكليهما: الآن انتهى دورنا، عليكما أن تبحثا عن عمل تعيشان منه، ولا شأن لنا بكما، تفضلا أخرجا من المنزل أو يمكنكما البقاء بشرط دفع أجرة السكن والأكل!!
ولا غرابة بعد ذلك أن نرى الأولاد عندما يكبرون يكيلون لآبائهم وأمهاتهم الصاع صاعين، فيموت الأب أو الأم دون أن يدرى عنه أحد!!
حتى يبدأ الجيران في الشك، فيطلبون الشرطة التي تفتح أبواب المنزل عنوة لترى منظراً معتاداً، فقد توفى العجوز منذ أيام!!
والقصص في هذا الشأن كثيرة و لا تخفي على أكثر المتابعين والمطلعين على أحوال القوم.
2- تفكك الأسرة وضياع الأبناء:
إن نظام الأسرة في الإسلام قائم على وحدة الشمل، وتحديد الواجبات، وتقسيم المهمات، فالأب مسؤول عن قيادة الأسرة وتوجيهها واكتساب المعاش، وإنفاقه على زوجته وأبنائه، والأم مسؤولة عن تربية الأبناء ورعايتهم.
فإذا أخل أحد الطرفين بواجباتهِ لسببٍ ما، فإنَّ نظام الأسرة برمته يصبح معرضاً للانهيار في زمنٍ وجيز، فحين تخرج الأم من بيتها لتعمل خارج البيت، فلا بد من تدبير البديل الذي ينوب عنها في مهمتها الخطيرة، وللأسف الشديد حلت " الخادمة " محل الأم العاملة، واستلمت المهمة، ومن ثم حدثت المآسي والفواجع، وحسبك أن تدرك أن نسبةً كبيرةً من الخادمات يعتنقنَ الديانة، الهندوسية أو البوذية، أو النصرانية، وجم غفير منهن متعصبات لمعتقداتهن الوثنية، ويسعينَ جاهدات إلى التبشير بها وتعليمها من تحت أيديهن من الأطفال الأبرياء!!.
وكان من المتوقع أن تصدر عن الأطفال الصغار تصرفات وحركات غريبة مشابهة لتلك التي يتعاطاها الخدم الوثنيون، تعبيرا عن طقوسهم الدينية، إذ أن بقاءهم تحت أيدي الخدم معظم ساعات النهار، وربما شاطروهم فراشهم ليلاً وطعامهم نهاراً سيؤدي بالطبع إلى قبول كل ما يصدر عنهم من حركات وتصرفات.
وأشد من هذا أحياناً استغلال هؤلاء الأطفال جنسياً، سيما من ذوي الأعمار ما بين 4-7 سنوات تقريباً، حيث تكبر أجسامهم وتظل عقولهم عاجزةً عن إدراك ما يفعله الآخرون.
ومن جهة ثانية تسبب غياب الأم عن بيتها إلى نشوء الخلافات بين الزوجين أنفسهما، حيث أخلت الزوجة بمتطلبات زوجها وحاجته إلى الاهتمام به شخصيا وتلبية مطالبه المختلفة، حتى لو كان مقتنعا بخروج زوجته إلى العمل لتشاطره الإنفاق على البيت، إلا أن هذا لم يمنع خروجه عن طوره في أحيان كثيرة بسبب الضغط النفسي الناشئ عن فوات حقوق كثيرة لا يمكن التغاضي عنها إلى الأبد.
وأما ضياع الأبناء الكبار فهو أمرٌ لا يمكن تجاهله، فأثره واضح وملامحه ظاهرة على نطاق الأسرة والمجتمع بأسره.
فكثيرا ما يخلوا الأبناء بالخادمات في البيوت، إما بسبب غيابهم عن المدرسة، أو هروبهم منها ساعات الضحى، أو بقائهم بلا دراسة بعد الثانوية لضعف معدلاتهم المخولة لهم في دخول في الجامعات، أو عدم توفر فرص العمل بعد إتمام الجامعة أو غيرها.
وكذلك الفتيات ربما خلون بالخادمات فمارسن العهر معهن أو مع السائقين، سيما مع ضعف الوازع الديني وكثرة المغريات والفتن.
كما كان حلول الانترنت ودخوله بيوتنا فرصة للعاطلين عن الدراسة أو العمل لإبرام العلاقات مع الجنس الآخر وعقد الصداقات والمواعيد المحرمة.
3- نشوء البطالة في أوساط الرجال:
لا شك أن شغل النساء لوظائف رجالية، يعني تفويت الفرصة عليهم لشغل تلك الوظائف، ومن ثم زيادة نسبة البطالة في أوساطهم.
فالمركز الطبي مثلاً حين يوفر وظيفتين في ركن الاستقبال، ثم تكلف موظفتان لشغل الوظيفتين المذكورتين، فهذا يعني بداهة حرمان العنصر الرجالي من فرصتين هم أجدر بهما منهن.
وهكذا حين تسند وظائف هنا وهناك لموظفات على حساب الرجال، تزداد نسب البطالة وتنمو باتجاه الأعلى، ومن ثم يتعرض المجتمع بأسره إلى شفير البركان الذي لا نأمن ساعة هيجانه وثورانه.
ولعل من نافلة القول الإشارة إلى بعض آثار البطالة على المجتمع، فيما يلي من سطور مع التأكيد على فروقٍ رئيسة بين بطالة الرجال وبطالة النساء، سيما في المجتمعات المسلمة المحافظة.
فمن هذه الآثار:
4- نشوء الحقد والكراهة على المجتمع بأسره:
إنّ الإنسان مجبول على الطمع والأنانية والأثرة، فإذا رأى الآخرين قد حازوا الألقاب وفازوا بالمناصب، وجمعوا الأموال، وهو صفر اليدين عاطل عن العمل، فإن ذلك كفيل بنشأة النقمة الجامحة على المجتمع، وصناعة حيز كثيف من الأحقاد ضد الآخرين!(1/297)
إن التجارب الأممية المعاصرة أثبتت أن استئثار فئة من المجتمع بالمناصب والثروات وحرمان الآخرين، قد أوجد نظام الطبقيات المقيتة بكل سوءاتها الاجتماعية، ومخلفاتها التصادمية، وفي حالة المجتمعات الشيوعية والرأسمالية على حدٍ سواء أصدق الشواهد على صحة ما نقول، فكثيراً ما تحدث حالات الاعتداء على الآخرين، أو إتلاف الممتلكات العامة دون مبرر واضح إلا شهوة الانتقام والتنفيس عن الأحقاد الدفينة تجاه الجميع.
5- نشوء الجريمة الارتجالية والمنظمة:
وهذه الفقرة لها أشد العلاقة بسابقتها ولكنها تزيدها توضيحاً شيئاً ما، فأقول إنّ نشأة الأحقاد لدى الطائفة الشبابية وصغار السن بالذات، نتيجة شعورهم بالحرمان، واستئثار الآخرين بالثروات دونهم مع شعورهم بقوتهم البد نية، وطاقاتهم الجسمانية المعطلة، سيدفعهم إلى استغلال قدراتهم تلك في الاستيلاء على بعض ما عند الآخرين بالقوة عبر الجريمة الارتجالية، أو المنظمة أو حرمانهم منها من خلال تصفيتهم جسدياً، وقد أصبحت الجريمة بشقيها الارتجالي والمنظم مصدر القلق الأول، الذي يعكر صفو حياة القوم، فوق ما هم فيه من الضنك والتعاسة، ولا يبدو في الأفق أي بوادر انفراج في أزمة الأمن هذه بل العكس هو الصحيح، فإن معدلات الجريمة آخذة في الارتفاع بسرعة، وبنسبٍ عالية للغاية، سيما مع التطور المذهل في تقنية الاتصالات، وابتكار الشبكة العنكبوتية التي سهلت لشبكات الإجرام العالمية نفث سمومها، وعرض خبراتها وتجاربها القبيحة في مجال الجريمة والابتزاز!!
6- ارتفاع نسب الانتحار:
لقد صاحب موجة الإلحاد العالمية التي اكتسحت، ولا تزال أنحاء متفرقة من العالم المعاصر أن ضعف جانب الوازع الديني، حتى عند قطاع من المسلمين المتأثرين بالثقافات الأجنبية الوافدة، مما أدى إلى نشأة الأنماط السلوكية الشاذة، حتى بلغ الأمر إلى تصفية الذات تصفيةً مباشرة بالانتحار عند وصول الضحية إلى حالة من اليأس والقنوط، من إمكانية تصحيح وضعه الاجتماعي، أو تحقيق شيءٍ من آماله المعيشية والأسرية، مما يدفعه مع ضعف الإيمان - إلى وضع حد لحياته ومأساته بزعمه والله المستعان!
7- ارتفاع معدلات السرقة على وجه الخصوص:
لا يشك أحد أن أقوى دوافع السرقة هو الحاجة والحرمان، فالسارق - عادة وغالباً- إنسانٌ محتاج ومحروم - مع ضعف الديانة -، والبطالة بلا شك، واحدة من أهم أسباب ودوافع السرقة، سيما حين تعطل الحلول الشرعية الجادة القادرة على احتواء مشكلة البطالة، وتجاوز أزمة العاطلين عن العمل بتوفير أسباب الحياة المعيشية الكريمة، بفضل توفر السيولة المالية الكافية عبر مصرف الزكاة الشرعية، ناهيك عن رابطة التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع التي أمر بها الدين الحنيف.
8- شيوع المخدارت وانتشار المدمنين:
تبقى المخدرات عدواً متفقاً عليه لدى جميع الدول - ولو من الناحية الظاهرية - وذلك لما لها من الآثار المدمرة للفرد والجماعة، ومع ذلك ظلت تجارة المخدرات وتعاطيها في ازدياد مريع وسريع، لأسبابٍ كثيرة ليس هذا موطن ذكرها ويكفينا منها هاهنا سببان:
أولاهما:
أن لجوء البعض إلى المخدرات هو الرغبة في الهروب من الإحساس بالواقع، واطرح الهموم والإغراق في الخيال ونحوها من الترهات، والأوهام التي يصنعها الشيطان في أذهان هؤلاء المساكين من فاقدي الإيمان، واليقين برب العالمين، وذلك كله نتيجة لحالة الفراغ والبطالة السائدة في المجتمعات، وافتقاد هؤلاء المرضى فرص العمل والاسترزاق.
ثانيهما:
الرغبة الجامحة في إيجاد مصادر دخل، بعد أن أغلق المجتمع أبواب العمل المشروع، وقلص فرص الكسب الكريم، وأبطل نظم التكافل الاجتماعي التي جاء بها الإسلام، مما دفع هؤلاء إلى اقتحام مجالات تكسب غير مشروعة، فكان طريق الإتجار بالمخدرات هو أسرع الطرق إثراءً وأكثرها جاذبية.
9- العزوف عن الزواج بسبب العجز عن المئونة:
لا يخفى أن الزواج في عصرنا الراهن قد أصبح مكلفاً للغاية، بحيث لم يعد ممكنا إلا لفئةٍ محدودة من الناس، قادرةً على النهوض بأعبائه الثقيلة أو لفئة أخرى لديها الاستعداد لتحمل الديون وإراقة ماء الوجه، بحثاً عن مغامرين يقبلون إقراضهم لوجه الله أو تحمل أقساط شهرية باتباع طريقة التورق وغيرها.
وهذه التكاليف الباهظة للزواج أدت بالطبع إلى عزوف عام عنه، مما أدى إلى ارتفاع نسبة العوانس بشكل مثير للقلق حقاً، فضلاً عماّ يترتب على هذه النازلة من الأزمات الأخلاقية الماحقة، كانتشار الزنا ودور البغاء وكثرة اللقطاء عياذاً بالله، وما يصاحب هذا وذاك من المآسي الاجتماعية والصحية وغيرها.
----------------------------------------
[1] حراسة الفضيلة (82).
26/5/1426 هـ
03/07/2005
http://www.islamlight.net المصدر:
=============(1/298)
(1/299)
انتبهوا أيها السادة : بيوتنا مهددة من الداخل
الشيخ عادل أبو مختار السعود
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد: -
خطابي....إلى السادة أولياء الأمور من المسلمين الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.
أخاطب..... من نطق بكلمة التوحيد وعلم أن لا معبود بحق إلا الله - تعالى -.
أخاطب.... من يعظم حرمات الله ويعظم شعائره التي هي من تقوى القلوب.
أخاطب.. المسلم الذي يريد لنفسه أولا"النجاة ولأهله ومجتمعه عيشة نقية طاهرة في ظل الشريعة الغراء .
ولا أخاطب..... أولئك الإباحيين الذين لا يرجون لله وقارا ولا يرعون للدين حرمة ولا يقيمون للمبادئ والمروءة والشرف وزناً أولئك الذين أشربت قلوبهم الإباحية فاستمرءوا الزنا و الخنا... أولئك الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا... !!
ماذا أعددت للأمة في نكبتها.
دأب أعداء الإسلام على إغراق شباب المسلمين في الشهوات وإبعاده عن معاني الدين فأصبحنا نجد كثيرا من شباب الأمة تائها تافها، لا هم له سوى السعي وراء الشهوات، كم عدد الشباب الذي يقضى ليله في(السيبرات)أمام شاشات الكمبيوتر وأمام الدشوش والفضائيات يشاهدون العهر والفجور؟ الإجابة سوف تكون مزعجة يحزن لها من في قلبه بقية خير… وترتسم بها بسمة عريضة على وجه إبليس القبيح. لاشك أنه قد حقق نصرا عظيما حينما استبدل الشباب المسلم الذي هو أمل الأمة الذي هو شر محض بالمحاريب والمصاحف والبكاء من خشية الله.
أين ليلنا من ليل السلف الصالح رضي الله عنهم؟ … تورمت أقدامهم من قيام الليل وتقرحت أشداقهم من كثرة الصيام…. أما شباب اليوم ويا عجباه تورمت أقدامهم من التسكع على النواصي وقوارع الطرق و تقرحت أشداقهم من التدخين و المخدرات و أصبحت وجوههم مصفرة لا تسر الناظرين،، وأصبح من الصور التي يمكن أن تراها دوما في المدن الكبيرة تلك الفتاة التي تنفخ الدخان من نافذة سيارتها تتحدى فطرة الله فيها ويالحسرة من ابتلي بمثلها.
إذا سرت في الطريق كم بيتا" تسمع القرآن يرتل فيه، ونساؤه متحجبات.، وكم بيتا تئن سقوفها من وطأة المعاصي.... غناء وتبرج وتحلل وبعد عن رب العالمين... نسبة تقطع نياط القلوب قال من هو الخلق عليم (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ: من لآية13
ففي أي الخندقين أنت أيها السيد؟ يا من ستسأل بين يدي الذي يعلم السر وأخفى عن بيتك وأهلك... هل أنت في خندق الشيطان تبارز الله - تعالى -بنعمه وتعصاه وأنت في ملكه؟ أم أنك فى خندق الموحدين الذين يحار بون الشيطان ويقاتلونه بسنن النبي الأمين، و يدحرونه بالتمسك بكتاب رب العالمين.
أيها السيد: من الذي يأكل طعامك ويسكن بيتك ويتمتع بمالك وترعاه ليلك ونهارك وتحوطه بكلاءتك؟؟
هل هي تلك المرأة المتبرجة المتهتكة التي هي أعظم أدوات الشيطان في إضلال العباد.. ؟ أم أنه ذلك الشاب التافه التائه البعيد عن صراط الله المستقيم؟، لا تلقى باللائمة على غيرك وترمى بالتقصير سواك أنت المسئول أمام الله - تعالى- قال صلى الله عليه وسلم : (الرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته؟ والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهى مسئولة عنهم. متفق عليه
فأدرك نفسك، وتدارك ما فاتك، وتلك بعض الإشارات والصور - العلامات - على طريق الهدى.، وأرجو أن يتمسك بها من أراد الآخرة وسعى لهل سعيها وهو مؤمن من السادة ولاة الأمور وكذلك السيدات لأنهن كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي مسئولات أمام الله - تعالى -فتعالوا معي نضع أيدينا على بعض المخالفات التي غيرت معالم البيت المسلم و نتلمس هدى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في علاج هذه الأخطاء.
لا عز إلا في كنف العزيز:
من طرائف ما ذكره أحد شيوخ الدولة العثمانية في بلاد الإنكليز أنه اجتمع مرة مع بعض كبراء الدولة البريطانية فقال له أحد الحاضرين لماذا تصرون أن تبقى المرأة المسلمة في الشرق متخلفة معزولة عن الرجال محجوبة عن النور.... ؟ فقال له السفير العثماني: لأن نساءنا في الشرق لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن فخجل الرجل ولم يدر جوابا. لن تجد للحياة طعما حتى تعمل بالكتاب والسنة.. فإلى الذين يبحثون عن السعادة في الحانات والخمارات وأماكن اللهو هل وجدتم ما وعدكم الشيطان حقا؟
الوقاية خير من العلاج: -
لما كان الزنا هاوية سحيقة من اقترب منها سقط فيها سد الإسلام كل الطرق المؤدية إليه وأحاطه بكثير من الحواجز وهو ما يسمى بسد الذرائع، ومنها: الاختلاط الماجن، والمصافحة والملامسة، والخلوة، والنظر، والتجاوزات الشرعية، تلك خمسة كأنها قنابل موقوتة تهدد البيوت المسلمة بالدمار.
أولا" الاختلاط: -(1/300)
وهو وجود جمع من الجنسين في مكان واحد دون الضوابط الشرعية كما في الجامعات و وسائل المواصلات وقد بدأت الدعوة إليه على يد أعداء الإسلام من الكفار أمثال "مرقص فهمي" "ودار كير" ثم تولى كبره العلمانيون من أمثال سعد زغلول وطه حسين وقاسم أمين ولطفي السيد من أذناب الغرب المتحلل فسعوا في نشره في بلاد المسلمين بعدما ذاقت أوروبا وأمريكا ويلاته.، إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها أن المرأة تميل إلى الرجل والعكس (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30)
أراد دعاة الحرية الزائفة أن يغيروا نواميس الكون ويبدلوا سنن الحياة فقاتلوا لإخراج المرأة من بيتها لتخالط الرجل في مناحي الحياة وقد تهيأت الأجواء وذابت المبادئ والأخلاق وكسرت الحواجز الفطرية فظهر ما يسمى بالصداقة الجريئة " البريئة" بين الجنسين. والحب العاهر " الطاهر" و صديق العائلة " البوي فرند " فانتشر الفساد وأطل الزنا من بيوت من قبل كانت محصنة في ظل الشريعة الغراء.
الاختلاط محرم على أشرف الخلق:
قال - تعالى -: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب: 53)
أيها السيد: هل تعرف هذا المتاع الذي تسأل الصحابة عنه أمهات المؤمنين؟ إنه هو السؤال عن أحاديث رسول الله وسننه، فكيف إذا كان السائل هو من دون الصحابة وأمهات المؤمنين في الخلق والدين وطهارة القلوب، كيف إذا ظهر الجهل وتبرجت النساء وفسدت الأخلاق وظهرت الفتن، ألا يجدر بنا أن نأخذ حذرنا ونحصن بيوتنا من هذه الآفة العظيمة.
الاختلاط ممنوع في أشرف الأغراض:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد يوما فوجد الرجال قد اختلطوا بالنساء في الطرقات حين خرجوا من الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم : "يا معشر النساء عليكن بحافات الطريق" فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار من لصوقها به. 929 صحيح الجامع
الاختلاط ممنوع في أشرف الأوقات:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه أبو داود صحيح الجامع 3310
فتبين من كلامه الحث على البعد بين الجنسين لأن الشر كله فى الدنو والاقتراب.. مع أن القلوب أطهر ما تكون عند الصلاة، فهل تدعى وأنت في مكان يموج بالشباب والفتيات أن قلبك طاهر؟ هيهات لم تزعم.
عجبت…… داعية الاختلاط يأباه.
هاجم قاسم أمين الاختلاط فغضبت الأميرة "نازلي" فأدار دفة أفكاره 180 درجة ودعا إلى الاختلاط فلما ذهب إليه المؤرخ الإسلامي "رفيق العظم " قال له "لقد جئت هذه المرة للحديث مع زوجتك في بعض المسائل الاجتماعية" فغضب قاسم أمين "كيف يطلب منه مقابلة زوجته" فقال له "رفيق العظم: أولست تدعوا إلى هذا؟ فلما لا تقبل التجربة مع نفسك.
15-5-1426 هـ
http://www.islamwo r d.com المصدر:
============(1/301)
(1/302)
الجمعيات النسائية صلاح أم ...؟!
الدكتور سعد بن عبدالله الحميد
إنَّ السببَ في دخول البلاء على ديار الإسلام، هي دعوات فاجرة، ظهرت وتدرجت بالمسلمين شيئاً فشيئاً، إلى أن وصل بهم الحال إلى ما نراه اليوم، وقد تكون هذه الدعوات قد دخلت عن طريق بعض المشاريع الخيرية، كما هو حاصلٌ في الجمعيات النسائية التي تُسمى بالخيرية، فتعمل أعمالاً فيها نفعٌ للمجتمع، كاستقبال المعونات والزكوات والصدقات من الناس، وتأخذ ما زاد عن الحاجة من الولائم، مما قد يرمى في أماكن جمع النفايات، فتوزع ذلك بين الفقراء، ولكن هذه الجمعيات النسائية لا ينطلي جيلها على من سير أحوال الأمة الإسلامية جمعاء، فإنَّ الشر ما دخل عن طريقها إلاَّ لكونها ذريعةً لخروج المرأة من بيتها؛ ولأنَّه يتسلل إليها عناصر مشبوهة، فتنشر أفكارها من خلالها، وتقوم بنشاطاتٍ مخالفة للإسلام، وتكمنُ خطورة هذه الجمعيات في صعوبةِ مراقبتها، لكونها أماكن مغلقة، فلا يدري ما يدورُ في داخلها، وهي إحدى الوسائل التي استعملت لإفساد المرأة في بلاد المسلمين، ولنأخذ مثالاً على ذلك مصر؛ لكونها من أوائل البلدان الإسلامية التي مرت بهذه التجربة، والتي كانت عاقبتها وخيمة جداً، يراها كل مبصر، فحينما كانت الدول العربية تخوض حربها الأولى مع اليهود، تكون حزبٌ نسائي اسمه حزب بنت النيل في عام 1949م، ولم يمضِ قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ مجلة اللغة الفرنسية، ثُمَّ أصدرَ مجلةَ البلبل للأطفال، وبعد أشهرٍ قليلة من تكوين ذلك الحزب، سافرت رئيسته إلى بريطانيا، فقوبلت بحفاوةٍ عظيمة، ورحبت بها الصحف البريطانية، ونشرت عنها الأحاديث العديدة، التي تصورها بصورة الداعية إلى تحرير المرأة المصرية، من الأغلال التي تثقل كاهلها، وتعوقها عن التقدم، ومنها أغلال الحجابِ والطلاق وتعدد الزوجات، وقد ازدادت صلة هذا الحزب بالاستعمار وضوحاً، حينما نشرت مجلة روز اليوسف بعد ذلك مقالاً جاء فيه، قولها: (استقالت عضوة في إحدى الهيئات النسائية، وأرسلت استقالةً مسببةً إلى رئيسة الهيئة، تتهمهمُ فيها بأخذ إعاناتٍ مالية من إحدى السفارات الأجنبية، وقد قبلت الرئيسة الاستقالة دون عرض الخطاب على مجلس الإدارة)، ولم يمضي إلاَّ قليل، حتى أكدت للجمهور المصري في عددها (24) هذا النبأ، وزادته وضوحاً حيث قالت: ((تشترك كل من السفارات البريطانية والأمريكية بمبلغ ألف جنيه سنوياً، في بعض المجلات التي يصدرها حزب بنت النيل))، هكذا كُشف الغطاء، فظهر المستورُ، وعرف الناسُ سرَّ هذه القوة الجبارة، التي استطاعت إصدار ثلاث مجلات مختلفة في آنٍ واحد، وعلى ورق مصقول، وبدأت نساء هذه الجمعيات في الاتجاه على المظاهرات، مطالبات بالنقمة نفسها، إلغاءَ الطلاق، وتعدد الزوجات، وأبرقت جمعية سان جيمس النسائية بإنجلترا تهنئ الهيئات النسائية المصرية، على كفاحها من أجل الحقوق السياسية، وتعلن تأييدها لها باهتمامٍ عجيب من كل ناحية، لا يفسرهُ إلاَّ اتفاق هذه النواحي في موقفها من مصر، وقد شوهدت بعض القرارات التي اتخذت في مؤتمر أثينا، الذي حضرته رئيسة بنت النيل سنة 1951م، كشفت سرَّ اهتمام الهيئات النسائية الدولية بحركات الأحزاب النسوية في مصر، حينما أيدت مندوبة الحزب المصري سياسة التسلح الدفاعي، التي يندرج بها الاحتلال البريطاني للبقاء في أرض الوطن، ورفض الجلاء، ومثل هذا الحزب النسائي امتداداً لتلك الحركة التي قامت بها نازلي فاضل، وهدى شعراوي.فأما نازلي فاضل هذه فجدها إبراهيم باشا الذي هدم بدرعية، وفعل أفاعيله المعروفة، ونازلي هذه كانت أداة في يد الإنجليز، وذلك أن الصبي الحقود مرقص فهمي، حينما أصدر كتابه (المرأة في الشرق)، الذي دعا فيه صراحة القضاء على الحجاب الإسلامي، ودعا لإباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها، ولتقييد الطلاق، وإيجاب وقوعه أمام القاضي، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين المسلمات والأقباط النصارى، فقد أحدث هذا الكتاب ضجةً عنيفة، فبدأ الاستعمار الإنجليزي إثر هذه الضجة يبحث عن وسيلة لشد أزر مرقص فهمي، فلجأ إلى الأميرة نازلي فاضل ليستعجلها على عمل شيء يساندُ مرقص فهمي، من خلال صالونها الذي افتتحتهُ آنذاك، ليكون مركزاً تبث منهُ الدعوة إلى التغريب عامة، وإلى تحرير المرأة خاصة، وكان من نتيجة تعاونها مع الإنجليز على شدِّ أزر مرقص فهمي، أن ضغطت على قاسم أمين الذي ألف كتابهُ تحرير المرأة، وما بعده من كتب،(1/303)
وأما هدى شعراوي فهي ابنة محمد باشا سلطان، الذي كان يرافق جيش الاحتلال البريطاني في زحفه على القاهرة، ويدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته، ويهيبُ بها إلى تقديم كافة المساعدات المطلوبة له، وقد سجل له التاريخ تقدمهُ مع فريق من الخبراء بهديةٍ من الأسلحة الفاخرة إلى قادة جيش الاحتلال، شكراً لهم على إنقاذ البلاد، وقد قوبلت خدمات سلطان باشا هذه من الإنجليز بالإنعام عليه بألقاب تخوله للقب سير، وأشاروا على الخديوي فمنحه عشرة ألاف من الجنيهات الذهبية، ولذلك فغير مستغرب أن ينتج هذا الأفعى تلك العقرب هدى شعراوي، فهي ذرية بعضها من بعض، فهدى هذه هي التي أكدت الإتحاد النسائي المصري عام 1923م، الذي أصبح يمارسُ نشاطه، حتى استطاع أن يمهدَ لعقد المؤتمر النسائي العربي عام 1944م، وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة، واتخذت منه القرارات المعتادة وفي مقدمتها: الطلاق وتعدد الزوجات، والمساواة التامة مع الرجال، وزاد على ذلك المطالبة بحذف نون النسوة.
27/4/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
===========(1/304)
(1/305)
دبلوماسية تفطير الصائمين !!
يزيد حمزاوي
من سخرية السياسة في قرننا الواحد والعشرين، تحت قبة النظام العالمي الجديد، تبني بعض الإمبراطوريات الغربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا دبلوماسية مبتكرة في تعاملها مع الأنظمة العربية و " الإسلامية "، وهي دبلوماسية دعوة بعض رؤساء الجاليات المسلمة وبعض السفراء، للإفطار في الخارجية أو الكونجرس أو حتى البنتاجون!
وقد تعددت هذه المناسبة البريئة في السنوات الأخيرة، حتى صارت " بروتوكولاً " سنوياً ينظمه الساسة الغربيون ويلقون إثره الخطابات والكلمات، التي تمجد حرية التدين والمساواة في أداء الشعائر التعبدية، بين جميع طوائف البلد المنظم لذلك "البروتوكول"، ويحرص الخطباء من وزراء خارجية أو جنرالات أو ساسة من أصحاب القرار الكبار، أن يهتبلوا تلك الفرصة الرمضانية أمام مسؤولي الجالية المسلمة، لعرض كلمات رنانة وعبارات طنانة، عن مدى احترامهم للإسلام وتقديرهم للمسلمين، وخصوصاً من الجالية.
وفي بعض الأحيان يتجاوز أولئك الخطباء ذلك السقف ليشيدوا بالإسلام المسالم والمتسامح، الإسلام الحضاري الذي ينبذ العنف والأصولية وهضم حقوق الإنسان والمرأة، وقد سماه ساركوزي (وزير المالية الفرنسي) قبل سنين "إسلام الجمهورية الفرنسية"، ويبدو أن هذه الإمبراطوريات المُجوعة للشعوب، هالتها الدراسات والاستطلاعات والمؤشرات المتدنية، التي تعبر عن مدى تدني شعبيتها وإفلاس أسهمها، بين شعوب العالم قاطبة، وبالأخص شعوب العالم الإسلامي.
من سخرية السياسة في قرننا الواحد والعشرين، تحت قبة النظام العالمي الجديد، تبني بعض الإمبراطوريات الغربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا دبلوماسية مبتكرة في تعاملها مع الأنظمة العربية و " الإسلامية "، وهي دبلوماسية دعوة بعض رؤساء الجاليات المسلمة وبعض السفراء، للإفطار في الخارجية أو الكونجرس أو حتى البنتاجون
إن جميع التقارير التي ترفعها الصحافة والهيئات الرسمية وغير الرسمية، تبين بأن الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها في المعسكر الغربي يحظون بكراهية شديدة بين جميع الأوساط في عالمنا الإسلامي، لكن للأسف أن تلك النظم الغربية لا تبحث عن تفسير منطقي لأسباب تلك الكراهية المتزايدة.
بل وفي خطوات مغالطة تقدم لنفسها مجموعة من التفسيرات، التي لا تلامس الحقيقة في جوهرها، من بين التفسيرات لتلك الكراهية، حسب بعض الغربيين، هي البروبجندا الكاذبة التي تشحن بها بعض الشعوب الإسلامية، على يد بعض حكامهم الديكتاتوريين لتبرير فشلهم بإلقاء اللوم على الغرب، ومؤامراته التي لا تنقطع منذ عهد الاستعمار إلى الآن.
كما أن تفسيرات أخرى تعيد تلك الكراهية إلى الخطاب الإسلامي الديني، الرافض للتطور والعصرنة والفكر الليبرالي الديمقراطي الحر...، فالشباب المسلم وفق هذا التفسير، هم من الذين تغسل أدمغتهم في المساجد والمعاهد الدينية، لذلك فرياح الديمقراطية ستقضي على هؤلاء المتطرفين الذين يحتكرون التوجيه الديني، بل إن سياسيين من البيت الأبيض يعتقدون أن الشعب المسلم في مجمله ضحية، فهو شعب طيب يحب الغرب، ويتمنى أن يصبح مثله تماماً، في كل شيء، لكن ثلة من رجال الدين جعلت من تلك الشعوب رهينة بين يديها
توجهها كيفما تشاء، وإن الشعوب المسلمة تتوق إلى اليوم الذي تأتي الجيوش الغربية لتحررها من نير الاستعباد الأصولي، الذي تفرضه كمشة من المتطرفين على عشاق الحضارة الغربية.
وهناك فريق آخر يعيد تلك الكراهية إلى قوانين الهجرة المتشددة، التي تفرضها الدول الغربية على شباب العالم الإسلامي، حيث إن هذا الشباب يأمل ويرجو أن تُمنح له تأشيرة لدخول بلاد الغرب، للإقامة فيها والتنعم بميزات المجتمعات المتقدمة ومناخ الحرية والرفاه، لكن قوانين الهجرة تعيق تلك الأحلام، وتحول دون أن يكون للشباب المسلم مستقبل محترم، مما يذكي حقدهم على الدول الغربية التي لا تفتح لهم حدودها.
وفي هذا الصدد يقول أحد الصحفيين: إن الكراهية الموجهة للغرب ليست ذات جذور أيديولوجية أو ثقافية أو سياسية، بدليل أن كل الشباب في العالم الإسلامي مستعد أن يتخلى عن هويته وجنسيته وجواز سفره مقابل أي جنسية أخرى من العالم الغربي، فضلاً على أن تكون الجنسية الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية!
هذا هو الوضع، فهل يغالط الغرب نفسه أم أنه يكذب عليها؟
وأياً كان الأمر، فإن الغرب ينظر بعين عوراء، بل عمياء إلى جرائمه في فلسطين والعراق وأفغانستان، ووقوفه الجائر إلى جانب الظلمة ضد المستضعفين...، هذا خارج حدودها، أما في الداخل فليس الوضع أحسن حالاً، ففي فرنسا حملات التضييق على الأئمة على أشدها وحظر الحجاب في المدارس يراد تعميمه على الجامعات... وفي أمريكا قانون الوطنية يبيح للمباحث الفيدرالية والشرطة التجسس على مساجد المسلمين وغرف نومهم، والتنصت على مكاتبهم ومراقبة هواتفهم وصناديقهم البريدية والإلكترونية، واعتقالهم بدون تهمة وحجزهم على ذمة التحقيق لمدد طويلة...(1/306)
وفي بريطانيا قوانين وزارة الداخلية الجديدة تشرع لنفسها التضييق على المسلمين في كل مكان، بحجة مقاومة الإرهاب.. المهم أن حياة المسلمين في الغرب تحولت إلى جحيم، والمواطن المسلم صار مواطناً مشبوهاً ترمقه أجهزة الأمن، وتجعل منه مشروع سجين في أي حين.
كل هذه السلوكيات عميت عنها السياسة الغربية، فذهبت في حملة علاقات عامة تدعو بعض المترفين إلى موائد للإفطار في رمضان، والأدهى والأمر أن الغرب الجواد في الشهر الكريم، على بضعة مدعوين، هو نفسه الذي شرع تجويع العراقيين مدة عقد من الزمن، ذهب ضحيته مليون من العجزة والأطفال والنساء.
كما أن وزير خارجية فرنسا الشهم، يرجو الأجر العظيم بتفطير بضعة مسلمين في "الكي دورسي" بينما يقترح قراراً جديداً لمعاقبة سوريا، وقد صرح الوزير الجواد أنه من أنصار العقوبات الاقتصادية على سوريا إذا لم تتعاون مع الأسرة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري، وبلغة أكثر وضوحاً فإنه من أنصار الحصار الاقتصادي وتجويع عشرين مليون سوري.
لا شك أن خدعة دبلوماسية تفطير الصائمين قد تنطلي على بعض المدعوين، من الذين تعودوا على الموائد الحافلة بالمأكولات، أما الشعوب المسلمة فلن تنطلي عليها تلك الخدعة الدبلوماسية؛ لأن صوت التجويع الذي تتضوره طيلة السنة أعلى من صوت التفطير الدبلوماسي.
كما أن الشعوب المسلمة ستزيد كراهيتها للغرب، لخشيتها من أن تكون يوماً هي الوجبة التي يفطر عليها أكلة البشر المتحضرون في القرن الواحد والعشرين.
29/9/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
==============(1/307)
(1/308)
شهادة غربية (خطر المساواة بين الذكور والإناث في مناهج التعليم)
لقطات:
(1)
الحقيقة أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها..
والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء، بالنسبة لجهازها العصبي.
(2)
على النساء أن ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة..
(3)
أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفسيولوجية والعقلية؟..
يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل على الحمل فقط، بل أيضا على رعاية صغارها..
(4)
ينبغي أن تتلقى النساء تعليما أعلى لا لكي يصبحن طبيبات أو محاميات أو أستاذات، ولكن لكي يربين أولادهن حتى يكونوا قوما نافعين...
(5)
إن أهمية وظيفة الحمل والوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتى الآن إلى درجة كافية، مع أن هذه الوظيفة لازمة لاكتمال نمو المرأة.. ومن ثم فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة، ولذا يجب ألا تلقن الفتيات التدريب العقلي والمادي، ولا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان وتبث فيهم..
شهادة غربية=((خطر المساواة بين الذكور والإناث في مناهج التعليم))
عندما انتقد الدكتور كارل الحضارة المادية الغربية، في كتابه:
"الإنسان ذلك المجهول"..
لم يفته بطبيعة الحال أن يذكر ما جنته الأسر الغربية من تلك الحضارة، إنه لا يتردد في الحكم عليها بالانهيار..
نعم يذكر ذلك بصراحة، لأنه واقع ملموس شهده:
" قد انحلت روابط الأسر، ولم يعد للألفة والمودة وجود" ص27، هكذا يقول..
وما السبب في ذلك؟..
السبب:
مساواة الأنثى بالذكر في كل شيء:
- من حيث تلقي الفتاة التعليم ذاته الذي يتلقاه الفتى.
- ومن حيث إقحامها في أعمال الرجال..
وتبعا لذلك تأخير الزواج، واحتقار الأمومة، والانصراف عن تربية الأبناء..
ابتدأ المؤلف بذكر الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، وخلص منها إلى خطأ المساواة بينهما في الوظائف والمهام، منبها النساء أنهن بوصف الأنوثة يلعبن دورا أسمى مما لو كن مقلدات للرجال،، يقول:
" إن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخارجي للأعضاء التناسلية، ومن وجود الرحم والحمل، أو من طريقة التعليم، إذ أنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك..
إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيمائية محددة يفرزها المبيض.
ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليما واحدا، وأن يمنحا قوى واحدة ومسئوليات متشابهة..
والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها..
والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء، بالنسبة لجهازها العصبي.
فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للين مثل قوانين العالم الكوكبي.
فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي.
فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة". ص109.
نفهم من كلامه وما يسوقه من أدلة، أنه يريد التأكيد على أهمية أمومة المرأة، وأنها الوظيفة الأولى والأهم في حياتها، حتى إنه ليؤكد أن التأخر عنها ينعكس على قدراتها العقلية سلبا، يقول:
" وعلى أي حال، يبدو أن النساء، من بين الثدييات، هن فقط اللائي يصلن إلى نموهن الكامل بعد حمل أو اثنين.. كما أن النساء اللائي لم يلدن لسن متزنات توازنا كاملا، كالوالدات، فضلا عن أنهن يصبحن أكثر عصبية منهن.. " ص110
إنه لا يدعو إلى أهمية الأمومة فحسب، بل يدعو ويظهر فضل الأمومة المبكرة، أي يدعو إلى الزواج المبكر، يقول:
" من الواضح أن الأفراد الذين ينتمون لأربعة أجيال متعاقبة يكونون بعيدين جدا عن التجانس، فالكهل وحفيده إن هما إلا شخصان غريبان تماما..
وكلما قصرت المسافة الزمنية التي تفصل بين جيلين كلما كان تأثير الكبار الأدبي على الصغار أكثر قوة، ومن ثم يجب أن تكون النساء أمهات في سن صغيرة، حتى لا تفصلهن عن أطفالهن ثغرة كبيرة لا يمكن سدها، حتى بالحب".. ص215
وفي أثناء حديثه لا يفوته أن ينكر انقلاب المفاهيم وتغيرها في بلاده، من حيث نظرة الناس إلى الأمومة، وانصراف الأمهات عن تربية أبنائهن بالعمل واللهو..
إن الطفل يتعلم أحسن العلم ويتربى أحسن التربية حينما يلقى الرعاية من والديه، فالمدرسة لا تصلح بديلا للبيت، وصحبة القرناء لا تكون ثقافة ولا تمنح ذكاء، ومن المهم أن تتضمن مناهج تعليم الفتيات دراسة مستفيضة عن الطفل ليكن مهيئات للتربية، يقول:
" يكاد المجتمع الحديث أن يهمل الإحساس الأدبي إهمالا تاما.. بل لقد كبتنا مظاهره فعلا..(1/309)
فقد أشربنا جميعا الرغبة في التخلص من المسئولية، أما أولئك الذين يميزون الخير من الشر ويعملون ويتحفظون فإنهم يظلون فقراء وينظر إليهم بضيق وتأفف..
والمرأة التي أنجبت عدة أطفال، وأوقفت نفسها على تعليمهم بدلا من الاهتمام بمستقبلها الخاص ضعيفة العقل".. ص176
" لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالا تاما..
ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن، أو مطامعهن الاجتماعية، أو مباذلهن، أو هوايتهن الأدبية أو الفنية أو اللعب البريدج، أو ارتياد دور السينما، وهكذا يضعن أوقاتهن في الكسل.. إنهن مسئولات عن اختفاء وحدة الأسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار فيتعلم منهم أمورا كثيرة..
إن الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع جراء من نفس عمرها في حظيرة واحدة لا تنمو نموا مكتملا كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمضي في إثر والديها، والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذين يعيشون وسط جمهرة من الأطفال الآخرين، وأولئك الذين يعيشون بصحبة راشدين أذكياء، لأن الطفل يشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقا للقوالب الموجودة في محيطه..
إذ إنه لا يتعلم إلا قليلا من الأطفال الذين في مثل سنه، وحينما يكون وحده فقط في المدرسة فإنه يظل غير مكتمل، ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة فإنه يحتاج إلى عزلة نسبية واهتمام جماعة اجتماعية محددة تتكون من الأسرة". ص306
" يجب علينا أن نعيد إنشاء الإنسان في تمام شخصيته الذي أضعفته الحياة العصرية ومقاييسها الموضوعة، كذلك يجب أن يحدد الجنسان مرة أخرى، فيجب أن يكون كل فرد إما ذكرا أو أنثى، فلا يظهر مطلقا صفات الجنس الآخر العقلية وميوله الجنسية وطموحه…
وتجديد التعليم يحتاج إلى بصفة خاصة إلى قلب الأهمية النسبية المنسوبة إلى الأبوين والمدرسين في تكوين الطفل.. إننا نعلم أنه من المستحيل أن ننشيء أفرادا بالجملة، وأنه لا يمكن اعتبار المدرسة بديلا من التعليم الفردي..
إن المدرسين غالبا ما يؤدون عملهم التهذيبي كما يجب، ولكن النشاط العاطفي والجمالي والديني يحتاج إلى أن ينمى فيجب أن يدرك الوالدان بوضوح أن دورهما حيوي، ويجب أن يعدا لتأديته..
أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفسيولوجية والعقلية؟..
يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل على الحمل فقط، بل أيضا على رعاية صغارها". ص353
ثم إنه يطالب بالزواج طويل الأمد، لأجل مصلحة الأطفال، حيث إن الطلاق المبكر في بلاده في ازدياد، والعلاقات خارج نطاق الزوجية كثيرة، وهي تنتهي سريعا، ويدعو إلى تحديد نوعية تعليم الفتاة بحيث يكون مناسبا لأمومتها، يقول:
" يجب أن يحصل كل فرد على الأمن والاستقرار اللازمين لإنشاء الأسرة، ومن ثم ينبغي ألا يكون الزواج بعد الآن اتحادا مؤقتا فقط، فاتحاد الرجل والمرأة يجب أن يستمر على الأقل إلى أن يصبح الصغار غير محتاجين إلى الحماية، كما يجب أن تحسب قوانين التعليم، وبخاصة تلك التي تتعلق بالبنات، والزواج، والطلاق، حساب مصلحة الأطفال قبل كل شيء..
وينبغي أن تتلقى النساء تعليما أعلى لا لكي يصبحن طبيبات أو محاميات أو أستاذات، ولكن لكي يربين أولادهن حتى يكونوا قوما نافعين".. ص339
ثم يبين خلاصة رأيه في وضع المرأة،، فيقول:
"صفوة القول:
أن وجود الجنين، الذي تختلف أنسجته اختلافا كبيرا عن أنسجة الأم، بسبب صغرها، ولأنها جزئيا من أنسجة زوجها تحدث أثرا كبيرا في المرأة..
إن أهمية وظيفة الحمل والوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتى الآن إلى درجة كافية، مع أن هذه الوظيفة لازمة لاكتمال نمو المرأة.. ومن ثم فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة، ولذا يجب ألا تلقن الفتيات التدريب العقلي والمادي، ولا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان وتبث فيهم..
يجب أن يبذل المربون اهتماما شديدا للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، وكذا لوظائفها الطبيعية، فهناك اختلافات لا تنقض بين الجنسين..
ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدين".. ص110-111
تلك هي نظرته إلى المرأة والأسرة والطفل…
وكما رأينا إنه يدعو، بعد أن درس طبيعة المرأة في تكوينها الجسدي والعقلي والعاطفي، وبعد أن لمس الآثار السيئة لخروج المرأة إلى سوق الرجل، يدعو إلى الرجوع إلى الفطرة، إلى الأسرة، التي لا تقوم إلا بالمرأة، التي تتفرغ من أجل صغارها، هي المحضن الفعلي والصحيح لتربية الأطفال، فالمدرسة لا يمكن أن تقوم بدور الأسرة، والأحسن للمرأة أن تتزوج في سن مبكر، كي يعظم أثرها في أبنائها..
يستنكر أن تتلقى الفتاة نفس تعليم الفتى..
يستنكر خلو مناهج تعليم الفتيات من مواد تختص بالأمومة والتربية..
ويعلن صراحة أنه ليس مهما أن تصبح الفتاة طبيبة أو أستاذة أو محامية أو غير ذلك..
إنما المهم أن تتعلم ما يعينها على تربية أبنائها.
وبعد:
فهل ترون فرقا بين ما يدعو إليه دعاة الحق، وبين ما دعا إليه الدكتور كارل فيما سبق؟..(1/310)
لا فرق..
ما دعا إليه هو بالضبط ما يعلنه المصلحون من الدعاء والعلماء الذين يقفون في وجه مدمري الأسر والمرأة..
فكيف اتفق المؤمن والكافر؟..
كيف اتحدت فكرة دعاة الإيمان والدكتور النصراني كارل في قضية المرأة؟..
إنها الفطرة والتجرد..
معلوم أن كل إنسان مهما كان دينه، فهو لا يخلو من عقل..
فهذا الدكتور له عقل يفكر به، وقد نظر في علم الطب وفهم حقيقة الفرق بين الرجل والمرأة، ورأى الواقع الصعب الذي آلت الأسر في الغرب، عندما أخذت بمبدأ المساواة التامة بين المرأة والرجل، مخالفة بذلك الفطرة وحقيقة الحياة..
فرجع إلى فطرته وما تعلمه من علم صحيح فوجد الحل في أن تمارس المرأة عملها الرئيس، الأمومة والتربية، وأنه يجب أن تهيء لهذا العمل منذ البداية، وأن من تعاليم الحضارة السيئة إخراج المرأة من بيتها للعمل مع الرجال، وتعليمها نفس تعليم الذكور..
ها قد شهد شاهد من أهلها..
ما أحسن الاعتبار، والسعيد من وعظ بغيره.. لكننا نرى قومنا يرفضون الاعتبار..
قلنا لهم: إن الله - تعالى -فرض على المرأة القرار في البيت، بقوله:
{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
وهذا حكم عام في حق جميع النساء، ليس مختصا بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، كما يزعم بعضهم، فالأحاديث في المعنى كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم :
(إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها) صحيح رواه ابن خزيمة 3/93،
وهذا لا شك عام..
قالوا: تريدون حبس المرأة؟..
أليس كانت تخرج تعمل، تبتاع وتشتري، وتمرض الجرحى، وتطوف وتسعى؟..
قلنا: نحن لم نحبسها، إن كنتم ترون قرارها في البيت حبسا، فالله - تعالى -هو الذي حبسها، مع أنا لا نسمي قرارها في البيت حبسا، فالمحبوس مذنب لا يخرج إلا بعد انتهاء مدة العقوبة، أما المرأة فلها أن تخرج متى شاءت إذا كانت ثمة ضرورة، إذن ليست مذنبة، وليست محبوسة..
أما أن المرأة كانت تخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لتعمل وتبتاع وتشتري ونحو ذلك..
نعم كان ذلك..
لكن هل خروجها في ذلك الزمان كالخروج الذي يطالب به دعاة تحرير المرأة اليوم؟..
لا.. كان الأصل أن تقر في بيتها، ولا تخرج إلا للضرورة، لكن هؤلاء يريدون الأصل فيها أن تكون داخلة خارجة، كالرجل تماما.. وشتان بين الأمرين..
ثم إن العادة في ذلك العهد هو خروج الكبار المتزوجات، أما المخدرات الأبكار فلم يكن يخرجن إلا نادرا..
ولذا احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يحث ويأمر المسلمين بإخراجهن إلى العيد، كما في حديث أم عطية: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نخرج العواتق وذوات الخدور) مسلم 2/605..
لكن هؤلاء ينادون بخروج المرأة عموما، وبخاصة الأبكار وصغيرات السن، اللاتي هن محل الفتنة.. فهم لا يبالون بالنساء اللاتي فوق الأربعين..
إنما غرضهم الفتيات ما دون ذلك خاصة ما حول العشرين..
ودعاة تحرر المرأة يسعون اليوم حثيثا إلى المساواة التامة بين الذكر والأنثى، في التعليم والعمل.. ومقصودهم هو رفع الحجاب وبث الاختلاط..
وبدون ذلك لن تتحقق المساواة في نظرهم..
وهم دوما يستشهدون بالغرب في هذا المجال يقولون: لما نبذ الغرب تلك العادات البالية الفصل بين الجنسين تقدموا وفاقوا العالم.. ونحن لازلنا متأخرين لإصرارنا على الفصل بين الجنسين..
فما عساهم أن يقولوا إذا سمعوا شهادات علماء الغرب ومفكريهم في التأكيد الشديد على أن المساواة التامة بين الجنسين، واقتحام المرأة أعمال الرجال، وتركها لوظيفة الأمومة، هو الخطر الكبير على حضارتهم؟..
إن الذين عاشوا تجربة إخراج المرأة من بيتها يعلنون بصراحة أنها كانت فاشلة، تسببت في محو الأسر، وتشرد الأطفال، ونشوئهم محرومين من الحنان والعاطفة والتربية، وما يتبع ذلك من الانحراف، وهم الآن يحاولون إرجاع المرأة إلى بيتها:
فبعض الدول الأوربية تعطي جوائز لأحسن أم، وكثير من النساء اللاتي بلغن مناصب عالية في شركات كبيرة يستقلن ويعلن أن المكان الصحيح لهن هو البيت والأمومة، وكثير من الكليات والمدارس في أمريكا وأوروبا نسائية مائة بالمئة..
وأمام كل هذه الأدلة، الشرعية منها والواقعية، لا ندري لم يصر دعاة حقوق المرأة من بني جلدتنا على الترويج لإخراج المرأة من بيتها، والزج بها في أعمال الرجال والاختلاط بهم؟!
إن أرادوا نصوصا شرعية تحرم الاختلاط، وتوجب قرار المرأة في بيتها، والحجاب، فهي كثيرة رددناها مرارا وتكرار..
وإن زعموا أن تطور الغرب كان نتيجة خروج المرأة إلى العمل، فالغرب نفسه منذ ستين سنة وإلى اليوم يعلن عكس ذلك..
إذن كل الأدلة لا تقف مع دعاة خروج المرأة للعمل، بل هي ضدهم، لكنهم مع لا يؤمنون، فإما أنهم لا يفهمون، أو أنهم من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..
وهم يربطون بين حضارة الغرب وخروج المرأة لغرض في نفوسهم، فإذا ما جوبهوا بالحقيقة، واعترافات مفكري وعلماء الغرب بعكس ذلك، لاذوا بالصمت..
لكن الأهم من هذا عموم الناس، الذين ليسوا من المصلحين ولا من المفسدين، بل هم من المتفرجين..(1/311)
هؤلاء للأسف الشديد، بعضهم لأجل حفنة مال لا يمانع أن يخدم ابنته في عمل بين الرجال، يحطم أنوثتها ومستقبلها، وهو يزعم أنه يريد أن يحفظ مستقبلها، متناسيا خطر وجود الفتاة بين الرجال، فلهذا نقول:
إذا كنت ضعيف الإيمان بكلام الله - تعالى -، ولا تجد في نفسك خضوعا لأوامره، فلا أقل من أن تتعظ بتجربة الغرب في هذا المجال، وشهادات العقلاء منهم بخطر إخراج المرأة عن وظيفتها والزج بها بين الرجال..
فلعل ذلك يكون منبها لك أن تحذر المهالك في حق من وليت أمرهم..
http://saaid.net المصدر:
===============(1/312)
(1/313)
المرأة قضية انتخابية
وفاء بنت عبد الله العمر
موقع نووي هناك رغبة جارفة لاختراقه والجدل بكل ما يحيطه، وكلٌّ يرغب في سبقه الصحفي ليعرّف بنفسه.
قضية ساخنة على الدوام.
قضية دائماً في الفرن.
والغريب أن من له شأن ومن ليس له شأن وهم كثر، يتصدى لهذه القضية، والأغرب أنهم يتحدثون فيما لا يفهمون بعيدين عن اللب، يناقشون هموم المرأة، ويتحدثون عن هويتها المفقودة، يختلفون ويعلو الصياح والنقاش، وتتصدر العناوين مقالات كتَّاب كرام، وقُرّاء كِرام، يناقشون قضايا لأغراض انتخابية كما يُقال، لذا يتم اختيار ما يرونه القضية الأبرز رغم كونها قضية فرعية ليس لسبب سوى أنها القضية التي تشهر صاحبها، وتجعل من عملية الاستفزاز في كثير من الأحيان كشافاً يسلَّط على صاحب القلم وليس صاحب القضية.
وأنا امرأة وصاحبة شأن وأجدهم ليس لهم شأن، ويتناقشون في أمر ليس ذي شأن، ناقشوا قيادة المرأة للسيارة في مجالس خاصة ثم عامة ثم في مجلس الشورى، ناقشوا دخول المرأة للمطاعم دون محرم.
ومنذ الأجداد وهم يناقشون ويتحدثون عن واجباتها، وتخفت الأصوات كثيراً عند الحديث عن حقوقها، هذا داخل البلاد.
أما خارجها فكلهم ليس لهم شأن، تبرعوا بالحديث عن تحرير المرأة.
تحريرها ممن؟ لا أعلم.
لو حلّت قضيتهم الأساسية وقادت المرأة في بلادنا السيارة وسمح لها أن تجوب الأماكن العامة ودخول الأماكن المغلقة بلا ضوابط تحقيقاً للهوية كانت الضائعة فهل ستتحرر المرأة حقاً؟
وما هو تحريرها؟ هل هو مشابه لتحرير المرأة في (ميدان التحرير) على يد هدى شعراوي(1) وثلّة أرادت أن تناهض الاستعمار الإنجليزي بحرق الحجاب بعد وضعه تحت الأقدام؟ وبعدها تجاوباً لمناهضة الاستعمار قام الإنجليز أثناء وجودهم في مصر بترجمة كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين إلى الإنجليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية.
أم هو بقاء المرأة زوجة كادحة لا تأتي بيتها إلا كآلة مرهقة لتشارك الرجل في دفع أقساط السيارة، وشراء الخضار من أسواقها، وإيصال الأبناء إلى المدارس، و....و.... و.... إثباتاً للهوية المفقودة؟
أم المطلوب أن تشارك الرجل مساواة له في أماكن العمل حتى تصبح نموذجاً لحرية المرأة، فتصبح هدفاً لهذا وأداة لذاك؛ متعرضة للتحرش في موقع تجاور فيه الرجل في عمل يناسب التحرير؟
لا أعلم: هل الرؤيا ضعيفة، أم للأمر غاية ضبابية؟
هل يرى الآخرون ما لا يراه المتصدرون لقضاياهم وليست قضايانا؟
هل ترى تلك القاضية السويدية (بريجيد أولف هامر) التي أعدت دراسة عن مشكلات المرأة العربية، أعدتها بتكليف من الأمم المتحدة، والتي أكدت فيها بتعجب أن المرأة الشرقية في قطاعات كثيرة وبارزة في البلاد العربية أكثر حرية من المرأة السويدية، وذكرت جملة رائعة: «المرأة العربية تمارس وضعاً ينتمي إلى القداسة لا إلى العبودية».
ثم تتابع هذه القاضية ما استخلصته من خلال دراستها فتقول: «أما المرأة السويدية فقد ذاقت الأمرّين لكي تنال حريتها ومساواتها بالرجل، ولم يتحقق لها ما تريد إلا بعد أن جرّدتها قوانين بلادها من صفاتها الطبيعية وحريتها الأنثوية لتجعل منها كائناً أقرب إلى رجل»(2).
هل قيادة المرأة للسيارة ودخولها المطاعم بدون محرم؟ وقضية الحجاب: هل الإسلام سنَّه أسود أم أخضر؟ (كأنهم يجهلون أنه ستر وعبادة) و.... و.... و....
هل هذا ما سيحرر المرأة؟
إنهم يختلفون ويناقشون وينظِّرون، وحتماً شاركت ثلّة من النساء، هي من وجهة نظرهم أساسية ورئيسية، وهي تمثل فئة، محدودة.
ألا أُخِذ رأي من في الميدان؟
هل طرحتم بجرأة مشكلات المرأة الاجتماعية؟
هل تمت دراسة مشاكل النساء على مقعد الدراسة وفي الجامعة؟
وهل ناقشتم ماذا يحل بآلاف البنات اللاتي لم يجدن مقعداً في الجامعة؟
هل بحثتم لهن عن فرص لاستثمار طاقاتهن حتى لو كان انطلاقهن من منازلهن، وفُتحت لهن أبواب العمل وهن في بيوتهن؟
هل ناقشتم الظلم الواقع على المطلقة المحرومة من أبنائها ليس بحكم الشرع ولكن بجهل قاضٍ بعيد عن الواقع، وقانون حدوده جدران المحكمة؟
هل يحكم لها بنفقة وتُصرف لها فعلياً بحاجتها الفعلية بدل تحديدها؟
هل درستم حالات كون المرأة أحياناً معلقة قبل الطلاق عشرات السنين يعلقها بعلها ليتزوج هو وينجب أبناء وهي معلقة في منزل أهلها؟ هل نوقش تقاعد المرأة وحقوقها المادية في ديوان الخدمة المدنية وما يضمن لورثتها حياة كريمة بعد أن حسم من راتبها ما حُسم كتقاعد؟
هل فَقِهَ الرجال كيفية الحفاظ على حرية المرأة وهويتها، وأن لها حقوقاً يجب أن تصان؟ كم تلك الخطب التي صيغت بأكملها لتوضيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، «وإن النساء شقائق الرجال» ولتوضيح معنى هذه العبارة بدقة! وهل فَقِهَ الرجال الذين يتبرعون لنقاش قضايا النساء حرمةَ أموالهن وأنه ليس مشاعاً بحيث يؤخذ منها برضا أو بغصب؛ لأنها ولدت حرة ولم تُسترقّ بزواجها ووجودها في بيت زوجها، بل حريتها الحقيقية تبدأ منذ أن تصبح ملكة في أسرتها معززة مكرمة؟(1/314)
كم مرة نوقشت القوامة على صفحات الصحف أو في البرامج المباشرة وفي خطب الجمعة!
كم مرة وُضِّحَ معنى القوامة أنه ليس الاستعباد وأن القوامة تسقط بعدم إنفاق الزوج على الزوجة!
هل حلّ تحرير المرأة بالمفهوم الغربي مشكلاتها في مجتمعها الذي منحها الهوية؟
ما زالت بعض النساء يعانين ويلجأن للمحاكم من أجل كسب حضانة الابن أو الابنة، وقد تنصفهن المحاكم الوضعية لديهن في نهاية الأمر بعد سنوات واستنزاف مادي.
وما زالت المرأة تلجأ إلى ملاجئ أهلية أسستها النساء في الغرب هروباً من العنف الزوجي والضرب إلى حدِّ العاهة والتشويه.
وما زالت تعاني من تحرش الرجال بها في مقر العمل وامتهان كرامتها.
وما زالت تعاني من أجل لقمة العيش وتمتهن مهناً لا تليق بـ (شقائق الرجال).
أتعلمون أن المرأة في صدر الإسلام كانت تمارس حرية لا تمارسها الآن ولا تمارسها أي امرأة في أي مجتمع معاصر؟
- فقد بايعت النساء الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكتفِ ببيعة الرجال له(3).
- كانت في مقام يؤخذ لها رأي، ويؤخذ من حكمتها، ولم يتنطع بعضهم في المجالس بنقصان عقلها ودينها دون فهم للبِّ الحديث وأبعاده.
ألم تحلّ أم سلمة بجزالة رأيها معضلةً أرّقت الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الحديبية، عندما أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج والنحر والحلق ليقتدي به الصحابة على الفور؟ وهذا ما حصل.
- هل بُتّ في قضاياها وكأنها طرفٌ غير مكلف؟
بل كان لها الشأن الأعلى والحرية المسؤولة. ألم يقل عمر بن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ على المنبر: «لا تغلو في صدقات النساء! » يريد بذلك تحديد مهور النساء، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر! يعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله ـ - سبحانه - ـ يقول: {وَإنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 20]، فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر(4)؟
- ألم تكن عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ أم المؤمنين مرجعاً للصحابة؛ حيث كان أكابرهم ـ - رضي الله عنهم - ـ يسألونها عن الفرائض؟ فعن عطاء بن رباح قال: «كانت عائشة أفقه النساء وأعلم النساء وأحسن الناس رأياً في العامة».
لم يقل عن عائشة إنها امرأة ناقصة عقل ودين في هذا الشأن رغم أنها كانت تملك مشاعر امرأة وعواطفها بكل معانيها؛ فقد استقلت بالفتوى زمن أبي بكر وعمر وعثمان إلى أن ماتت - رضي الله عنها -.
تلك الحريات الحقيقية وتلك الهوية، إن كان هناك من نقاش وإن كان هناك نوايا صادقة نحوها لإثبات الهوية كما يقولون فإننا نريدها هوية الصحابية التي مارست حرية حقيقية، فشاركت في البيعة، وشاركت في الجهاد، وشاركت في نشر العلم، وكان رأيها في قضيتها هو الأوْلى، لا نريد سوى تلك الحرية وتلك الهوية.
فهل يكفّ أدعياء نصرة المرأة عن دعواهم المغرضة؟ وهل تفطن أخواتي النساء إلى حقيقة تلك الدعاوى والمزايدات المكشوفة حتى لا يضللن عن الحقيقة؟
------------------------
(1) حتى تعرف أخي القارئ حقيقة تلك المرأة فاقرأ تاريخها ومنطلقاتها في الكتاب القيم (عودة الحجاب) ج 1 للشيخ الدكتور محمد بن إسماعيل المقدم، وستجد أيضاً حقيقة معركة (تحرير المرأة) في كتاب قاسم أمين، وما احتواه من تضليل بدعوى نصرة المرأة، وفي الحقيقة سترى استعبادها من قِبَل القوانين الغربية.
(2) لمعرفة المزيد من أحوال المرأة الغربية المستعبَدة من قِبَل الرجل في الغرب انظر على سبيل المثال كتاب (أهداف الأسرة في الإسلام) د. حسين محمد يوسف من مطبوعات (دار الإصلاح) في الدمام، والاعتصام في مصر.
(3) بيعة النساء. انظر البخاري في مناقب الأنصار، ومسلم في الحدود، وتهذيب سيرة ابن كثير للأستاذ مروان كجك.
(4) هذه قصة مشهورة لكن فيها مقال لعلماء الجرح والتعديل، انظر (الرسائل الثلاث) للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============(1/315)
(1/316)
الأب مون : المتنبئ الجديد !!
صلاح عبد الفتاح الخالدي
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ختم به الأنبياء والمرسلين، فلن يرسل نبياً أو رسولاً بعده، كما أخبرنا أنه سيظهر بعده متنبئون كذابون كثيرون، وصدق صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقد سجل التاريخ أسماء متنبئين كثيرين، ماتت نبوتهم المدعاة قبل موتهم .. وقد ظهر في العصر الحديث عدد كثير من المتنبئين الكذابين، الذين حاولوا تحريف الإسلام والقرآن ففشلوا، ولم يستجب لهم إلا عدد قليل من المرتزقة أو المعقدين.
ومن أواخر هؤلاء المتنبئين الأحياء، الذي تجد دعواه النبوة دعاية إعلامية في الشرق والغرب «الأب مون» صاحب الديانة الجديدة التي تسمى «الديانة المونية» نسبة إليه اسمه «ميونج مون» والذي ولد في كوريا الجنوبية سنة 1920، أي انه الآن في الخامسة والثمانين من عمره، وقد اعتنق النصرانية، وترقى فيها حتى صار قساً، وادعى بعد ذلك أنه نبي وأن الله أرسله لإنقاذ العالمين !!
وادعى الأب مون انه لما كان في السادسة عشرة من عمره ظهر له عيسى بن مريم - عليه السلام - ، واجتمع به، وأخبره أن الله اختاره ليكون رسول هذا الزمان، لينشر السلام على هذه الأرض، وأنه سيكون المسيح الثاني، وأن دعوته موجهة لأصحاب الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام وأن كل مسلم أو يهودي أو نصراني مأمور بالإيمان به واتباعه، وان الله جمع له رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فآمنوا به وبايعوه وأمروا المسلمين بالإيمان به.
وتقوم «الديانة المونية» الجديدة على الجمع بين الكتب السماوية الثلاث: التوراة والإنجيل والقرآن، وادعى الأب مون أن الله أنزل عليه كتاباً جديداً، نسخ به القرآن وغيره، وهذا الكتاب الرباني الجديد مأخوذ من الإنجيل ومن القرآن ولم يبق الإنجيل كتاباً من عند الله، كما أن القرآن لم يبق كتاباً من عند الله، فلا يجوز لنصراني أن يقرأ في الإنجيل ويتبعه لأنه ملغى، ولا يجوز المسلم أن يقرأ في القرآن أو يتبعه لأنه ملغى، وكل من آمن بالقرآن فهو كافر، لأنه آمن بكتاب منسوخ!!
وللأب مون أتباع ينشرون دعوته ويبشرون بدينه ولهم مراكز دعوة في مختلف بلاد العالم، وأقوى مراكزهم تلك الموجودة في أمريكا، وتقدم لهم أمريكا الدعم والتأييد والتسهيل، وتصرف لهم المخصصات المالية.. ووصل عدد « المونيين » المؤمنين بالمتنبئ «مون» مليونين! وقد افتتحوا لهم مركزين لنشر الديانة الجديدة في فلسطين مؤخراً، احدهما في القدس، والثاني في غزة.. ويقدمون أنفسهم على أنهم دعاة سلام، يريدون تحقيق السلام بين اليهود والفلسطينيين.. وسيزور الأب مون فلسطين قريباً على انه «رسول للسلام» من قبل الله، كما كان عيسى - عليه السلام - رسولاً للسلام من قبل.
وأن اليهود والأمريكان حريصون على دعم ونشر رسالة الأب مون للتشويش على المسلمين، والشغب على القرآن.. فاعرفوا أيها المسلمون واحذروا وتنبهوا وتبصروا وواجهوا وتابعوا.
http://anon.f r ee.anonymize صلى الله عليه وسلم com المصدر:
=============(1/317)
(1/318)
محاذير في فهم الإعلام الأمريكي
د.باسم خفاجي
فرض الإعلام الأمريكي نفسه على كثير من دول العالم الإسلامي والعالم العربي بصورة الإعلام الصادق والمتميز والمعتدل. وساهم في تضخيم هذه الصورة ضحالة الإعلام الحكومي الموجه في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وانخفاض وقلة استخدام الوسائل التقنية الحديثة لإيصال المعلومة بأكفأ وأسهل طريق إلى أكبر قطاع ممكن من الشعب، وكذلك تنافس وسائل الإعلام العربية والإسلامية في إبراز الغرب وكافة وسائلة الإعلامية وأدواته الثقافية بصورة وردية مشرقة ومبهرة.
وفي عالم تزيد عدد اللغات فيه عن 6000 لغة، وتتنوع وتتباين فيه القيم الحضارية والدينية، نجد أن الإعلام الغربي يمثل أكثر من 90% من حركة الإعلام المتدفق بين أرجاء العالم في السنوات الأخيرة. ولا شك أن لهذه الهيمنة آثاراً على محاولات الحفاظ على الهوية الدينية، واللغات والثقافات غير الغربية، والوقاية من الأمراض الأخلاقية الغربية التي تتسرب إلى الشعوب من خلال تدفق المعلومات.
ويستدعي هذا الأمر محاولة جادة لفهم هذا الإعلام وكيف يعمل. وفي هذا المقال إطلالة على بعض المحاذير التي ينبغي الانتباه لها عند التعامل مع الإعلام الغربي بشكل عام، والأمريكي بشكل أكثر خصوصية. ويركز المقال على علاقة الشخصية الغربية بنوع الإعلام الغربي الذي يوجه إلى العالم الخارجي، ومعرفة أثر الثقافة المحلية والجوانب الفكرية الأمريكية على هذا الإعلام. وأخيراً علاقة الإعلام الأمريكي باللوبي الموالي للحركة الصهيونية.
1- فهم العقلية الغربية
إن من الخطورة بمكان - قبل أن نفسر المواقف الغربية - أن نحاول البحث عن الدوافع الأمريكية والغربية من خلال منطلقات وعقلية عربية إسلامية بحتة دون فهم الخلفيات الفكرية التي ينطلق الإنسان الغربي منها في حياته اليومية وتعامله مع قضايا العالم. إن المتابع للغرب يعلم يقيناً أن الإعلام الغربي والأمريكي تحديداً ليس كتلة صماء ذات موقف واحد من القضايا التي تعترض الشعب الأمريكي، وإنما هو نتاج توازن مجموعات من قوى الضغط ذات المصالح الداخلية المتضاربة، ولكن تجمع هذه القوى في الوقت نفسه على أهمية استغلال العالم أجمع من أجل تحقيق السيطرة الأمريكية الكاملة على الواقع العالمي. وتتداخل مجموعة من العناصر الاقتصادية والسياسية والفكرية والدينية لتساهم في تشكيل الرسالة الإعلامية في أمريكا.
"إن الإعلام والصحفي الأمريكي يبحث عن الخبر والمعلومة ليس من أجل قيمتها الثقافية أو المعرفية، وإنما من أجل مساحة الإثارة والاهتمام التي تحدثها لدى الرأي العام، الذي يمكن أن يستثيره الخبر. "
ليو جيفري، مجلة أخبار الصحافة، "تغير دور الصحفي في عصر التلفاز"
ومن المهم كذلك إدراك أن التيار الغالب على الحياة الأمريكية الإعلامية والسياسية هو تيار لا ديني يستخدم الدين والدنيا معاً لتحقيق مطامعه في السيادة والهيمنة، وليس تياراً دينياً يسعى إلى نشر رسالة أو الدعوة إلى موقف عقدي. ولا يعني ذلك انعدام وجود المتدينين، ولكن يبقى دور الدين في الحياة السياسية والإعلامية الأمريكية محدوداً في عالم تدافع المصالح والرغبة الأمريكية الجامحة في السيطرة على العالم، وسحق أي بديل حضاري يمكن أن يهدد هذه الرغبة.
2- الإعلام المحلي مقابل الإعلام القومي
يغطي الإعلام الأمريكي قارة بأكملها ويهدف إلى توفير المعلومة والخبر إلى أكثر من 280 مليون نسمة تقطن الولايات المتحدة. ولذلك فإن الإعلام المحلي له من القوة والتأثير على الرأي العام ما لا يتوفر لكثير من وسائل الإعلام القومية، ويختلف ذلك عن الصورة المعتادة للإعلام في العالم العربي إذ أن الصحف القومية تتمتع بغالبية القراء. أما في الولايات المتحدة فإن رجل الشارع الأمريكي لا يقرأ في الغالب صحيفة النيويورك تايمز أو الواشنطن بوست إذا لم يكن من سكان نيويورك أو واشنطن، ولكنه قد يقرأ الصحيفة الهامة في مدينته.
ولعل هذا ما يفسر وجود أكثر من 1500 صحيفة يومية أمريكية. ولتوضيح ذلك، فإن مجمل ما يطبع يومياً من الصحف الرئيسية الكبرى [وول ستريت - نيويورك تايمز - واشنطن بوست - يو إس توداي] لا يتجاوز 5 مليون نسخة، بينما يطبع يومياً من الصحف الأخرى ما يزيد عن 55 مليون نسخة. أي أن الصحف الكبرى لا تحظى بأكثر من 10% من إجمالي القراء في أي يوم. أما باقي القراء فيعتمدون على الصحف المحلية كمصدر أساس للأخبار والتحليلات والمواقف السياسية والفكرية.
لا يعني ذلك التقليل من أثر وقيمة الصحف الكبرى، فلا شك أن كثير من هذه الصحف المحلية تتأثر بالتيار الإعلامي العام الموجه من قبل الصحف الكبرى، إلا أن الاستقلالية تمثل أيضاً سمتاً رئيساً تعتز به الكثير من هذه المؤسسات الصحفية الصغيرة نسبياً. وتتكرر الصورة إلى حد ما في الإذاعة والبرامج الإخبارية في قنوات التلفزيون المحلية.
" إن الصحف لم تعد وسائل نقل أخبار مباشرة ودقيقة، وآراء تحريرية واضحة. لقد تحولت الصحف إلى قلاع للجبناء من الصحفيين الذين تحركهم الأهواء الفكرية"(1/319)
جيرارد جاكسون، "الغضب المقدس، والكذب الإعلامي"
وأهمية هذه النقطة تكمن في أنه مع تقدم وسائل نشر الأخبار، وتعدد مصادرها، والنقلة الهائلة في إمكانات الإعلام البديل التي وفرتها شبكة الإنترنت، ووسائل الاتصال الحديثة، فإن التحكم الكامل في الإعلام الأمريكي شبه مستحيل، وذلك لكثرة وسائل الإعلام، وتنوع الأفكار التي يمكن أن تطرح من خلال هذه الوسائل المختلفة، وتنوع الشخصيات الإعلامية تبعاً للمناطق الجغرافية المختلفة من القارة. ولذلك فالمستقبل يحمل علامات استفهام كبرى أمام استمرار محاولات الهيمنة الإعلامية للتيار الصهيوني في القارة الأمريكية.
3- هل اللوبي الصهيوني مسيطر حقاً على الإعلام
إن أهم هدفين رئيسين يسعى الإعلام الموجه من قبل اللوبي الصهيوني إلى تحقيقهما، هما إرباك الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والعالم الإسلامي، وإيجاد حالة من الخوف والترقب من كل منهما. ولا شك أن تأثير اللوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي واضح وملموس، ويستمد قوته من عدد من العناصر الهامة، ومنها:
التغلغل الإعلامي: وصول عدد كبير من الموالين لهذا اللوبي إلى مراكز إعلامية هامة، وسيطرتهم على عدد كبير من غرف التحرير في الصحف والمجلات والقنوات التلفزيوينة.
القوة الإعلانية: إن للقوة المالية التي تتمتع بها الشركات المرتبطة بهذا اللوبي، قدرة على استخدام الميزانيات الإعلانية كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف فكرية وسياسية. ونظراً لأن أغلب وسائل الإعلام الأمريكية هي مؤسسات ربحية بالدرجة الأولى، فإن الإعلان يعد أهم مصدر من مصادر التمويل والربح لهذه المؤسسات الإعلامية. وبالتالي فإن من يملك التصرف في الميزانيات الإعلانية يمكن أن يتحكم في المحتوى الفكري للرسالة الإعلامية ويمكن أن يؤثر أيضاً على المصداقية الصحفية لوسيلة الإعلام.
ملكية وسائل الإعلام: قام التيار الصهيوني منذ أكثر من قرن ميلادي بشراء العديد من الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى، وإخضاعها بصورة أو أخرى لأهداف التيار بشكل غير مباشر، مع استمالة الرأي العام عن طريق اللعب على الغرائز، والإسفاف الإعلامي، وغير ذلك من الوسائل التي اشتهر بها هذا التيار تاريخيا.
جهل الرأي العام: المجتمع الأمريكي بطبعه لا يهتم بقضايا العالم الخارجي، ولا يعنى بصراعات العالم طالما أنها لا تؤثر على حياته اليومية. ولذلك نجح اللوبي الصهيوني في استغلال هذا الجهل العام لإعادة صياغة رؤية الرأي العام الأمريكي تجاه أولويات اللوبي الصهيوني.
خيارات للجميع
في مقابل ما ذكر أعلاه من تأثير اللوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي، فإن نفس هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تستخدم من قبل أي تيار آخر لتحقيق نتائج متشابهة. ويعني ذلك أن الهيمنة لم تنتج بسبب ميل طبيعي أو فطري للرأي العام الأمريكي لمناصرة اللوبي الصهيوني، وإنما نتجت من تخطيط جاد ومثابر، واستخدام كفء للموارد، واستغلال طبيعة المجتمع الأمريكي لتحقيق النتائج التي يهدف إليها اللوبي. وجميع الوسائل السابقة يمكن أن يستخدمها لوبي آخر أو تيار معارض لتحقيق نتائج شبيهة أو مقاربة.
ولذلك فإن دعاوى السيطرة التامة للوبي الصهيوني على الأعلام الأمريكي، وإن كانت صحيحة إلى حد ما مرحلياً، إلا أنها ليست مطلقة، ومن الممكن زعزعة عوامل استقرارها، ولكنه طريق طويل وجاد ولا يثمر نتائج فورية أو عاجلة.
إن 45 دولة إسلامية في العالم، وأكثر من مليار مسلم لن يحصلوا أبداً على تغطية إعلامية عادلة من إي من وسائل الإعلام المكتوب والمرئي إلى أن يكون لهم صحيفة متميزة تمثل وجهة نظرهم. وليس مهماً كم تكون البداية متواضعة، فإن هناك عدد كاف من القراء لدعم مثل هذه الصحيفة التي قد تبدأ أسبوعياً ثم تتحول يومية، ويمكن أن ينشأ عنها إذا أو قناة تلفزيونية أيضاً
ريشارد كيرتس، "من يتحكم في الإعلام" مجلة واشنطون ريبورت.
4- الانعزال الفكري وآلية التحيز
إن الإعلامي الأمريكي لم يعد قادراً على تمييز تحيزه ضد العرب والمسلمين. إن تقوقع الصحفي الأمريكي حول مجموعة من المسلمات الخاطئة تراكمت من جراء سنوات من التعتيم وتشويه المواقف قد أفرز صحافة أمريكية وإعلاماً أمريكياً منعزل فكرياً عن باقي العالم رغم قوة وصوله إلى مختلف أنحاء الأرض. فهو إعلام منعزل من ناحية مصادر تغذيته بالأفكار والأخبار، ولكنه بالمقابل إعلام منفتح من ناحية الوصول إلى القراء والمشاهدين في كافة أنحاء الأرض. إنها معادلة صعبة حقاً، وقد لا ترى بسهولة لمن ينبهر بمظاهر التعددية الزائفة في الإعلام الأمريكي.(1/320)
ولذلك فإن الإعلام الأمريكي اليوم يقوم بنوع من الفرز الآلي للأخبار والأحداث، فما وافق منها توجهاته الفكرية العامة أصبح خبراً واعتبر حقيقة، وما خالفها أصبح دليلاً على عدم عدالة الخصم. وهكذا يمكن إيجاد آلية ظاهرها المنطق والعقل، ولكنها تخفي في طياتها أبشع أنواع التعصب والحجر على الرأي الآخر. إن عدم الحياد في الإعلام الأمريكي ليس أحادي الاتجاه، ولكنه متنوع الأشكال أيضاً، ولكن محوره الرئيس هو طابع الانحياز الفكري، فهو لا يملك التفريق بين التغطية غير المحايدة لخبر ما، وبين تغطية الخبر الذي يختلف مع وجهة نظر المحرر أو الإعلامي.
إن الصحافة الأمريكية قد تدعي أنها تسعى إلى عرض كل وجهات النظر المحيطة بموضوع ما، ولكن الحقيقة أن الإعلام الأمريكي يسعى إلى الدعاية إلى موقف مسبق، ولكنه يقوم بذلك بشكل إعلامي يبدو متوازنا.
وبعد
لقد أظهرت تداعيات أحداث سبتمبر وما تلاها من الحرب على الإرهاب وتغيير النظام الحاكم في كل من العراق وأفغانستان، والاحتلال الحالي للعراق أن من يملك الإعلام يملك زمام الشعوب ويدفعها في الاتجاهات التي تهم من يمتلك هذه الوسيلة من وسائل التأثير على الرأي العام وتوجيهه. وكان لتكاتف الإعلام الأمريكي مع الآلة العسكرية والسياسية أثراً واضحاً في توجيه الرأي العام الأمريكي والعالمي في تلك الفترة.
وفي عالم تحول إلى قرية صغيرة تطورت فيه وسائل الإعلام والاتصالات، وغزت فيه الأفكار والقيم الواردة من كل أنحاء العالم القرى النائية في عالمنا العربي والإسلامي عن طريق الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية والشبكات الإليكترونية، أصبح من المهم بل من الضروري فهم آليات وطرق عمل الإعلام الأمريكي على توجيه وحسم دفة الصراعات والخلافات الفكرية وغير ذلك في هذه القرية العالمية، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي حولت العالم الإسلامي من لاعب على الهامش إلى مشارك فعلي في رسم مستقبل البشرية.
إن بذل الجهد في تفهم كيف يعمل الإعلام الأمريكي وكيف يؤثر على الشعوب هو أحد أسرع الطرق لمقاومة التأثير السلبي لهذا الإعلام من ناحية، والاستفادة منه من ناحية أخرى. فليس المطلوب هو مهاجمة الإعلام الأمريكي فهذه المهمة رغم جدواها- فإنها مهمة انبرى له الكثير من أبناء الأمة، ولكن الأهم في هذه المرحلة هو الفهم الصحيح لأحد أهم أساليب التأثير المعاصرة وهو الإعلام الغربي، وكيفية الاستفادة من جوانبه المفيدة ومقاومة ما يحتويه من أفكار أو مبادئ أو حقائق مخالفة لأهداف ورغبات الأمة.
5 رمضان 1426هـ 8 أكتوبر 2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
===================(1/321)
(1/322)
المسجد وأعداء الإسلام
يعتبر المسجد رمز الحياة الإسلامية ومحور اهتمام المسلمين، ومركز المدينة أو المحلة الإسلامية، وحوله يتجمع نشاط المسلمين بكل مظاهره وصوره، فمنه انبثقت أفكارهم وتطلعاتهم، إليه يعودون بعد ضربهم في الأرض، وخوضهم في كل المجالات اقتصادية أو جهادية أو سياسية.
والمسجد تجسيد لأهداف المسلم وغاياته في حياته وهو الطريق لتحقيق هذه الأهداف والغايات فبناؤه يعد أول خطوة من أجل ذلك، وهدمه قضاء على هذه الأهداف والغايات في مهدها ومحاولة قضاء على مجرد التفكير فيها أيضاً.
وهذا ما يدركه كل من المسلمين وخصومهم بوضوح أيضاً.
فالمسلم الحق أينما حل يبحث عن المسجد، فإن لم يجده فكر في طريقة إيجاده، وتطلع إلى الوسائل التي تعينه على ذلك، من التعرف على إخوانه في العقيدة الذين يشاركونه هذا الاهتمام، ومن تسهيل السبل لرفع هذا البناء الذي يوقف لعبادة الله وحده، ويرفع فيه اسم الله - عز وجل - وحده، كل ذلك إعمالاً لقول الله - تعالى -:(إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ).
أما أعداء الإسلام، فمن إدراكهم لهذه الحقائق، ومعرفتهم بأن المسجد هو نقطة تجمع للمسلمين، وبؤرة ضوء يلتفون حولها ويقتبسون من نورها؛ يعز عليهم أن يكون للمسمين أي تجمع، ويهتدون بأي نور، فقد أخذوا على أنفسهم عهداً أن يضربوا كل وحدة للمسلمين وكل شبه وحدة، وأن يقضوا على أية وسيلة يستمدون منها الشعور بذاتهم، والحفاظ على خصائصهم، والتميز عن غيرهم، وهذه الطبيعة في أعداء الإسلام ليست جديدة، وليست غير طبيعية، وليست غير مفهومة، فهي طبيعة قديمة وطبيعية ومفهومة.
ولسنا نريد الحديث عن أساليب الأعداء في تفريق صفوف المسلمين والعمل على ضرب قواهم والوسائل الكثيرة التي تسخر لذلك، ولكن نريد أن نتحدث عن موقفهم من المساجد فقط.
ونبدأ بالشيوعية فعندما سيطرت هذه الشيوعية على الشعوب الإسلامية كانت مساجد المسلمين من أولى أهدافها، فهدمت منها ما يعز على الحصر والذي ضنت به عن الهدم -لجمال هندسته وضخامة بنيانه- حولته إلى متاحف أو معامل أو مرافق، ومنها ما جعلته مخازن للخمور وغيرها من النجاسات زيادة في تحدي المشاعر.
وحرمت ارتياد هذه المساجد للعبادة، وقضت على ما كان ملحقاً بالكثير منها من مدارس العلم والمؤسسات الخيرية التي أوقفت على مصالح المسلمين، ففي خوجند التي كانت إحدى العواصم في وسط آسيا وكانت مليئة بالمساجد لم تبق الشيوعية فيها إلا مسجداً رسمياً واحداً ليكفي حاجة 150 ألف شخص، بينما هدمت المساجد الباقية وحول بعضها إلى مكتبات للأطفال ومخازن وبارات، وفي داغستان هدم في عهد ستالين (2000) مسجد، وفي (آخطي) وهي بلدة تبعد عن دربند (وهو ما يسمى بباب الأبواب في المراجع الإسلامية) أربع ساعات بالسيارة - تحول المسجد إلى متحف، ووضع فوقه تمثال معدني للينين ارتفاعه سبعة أمتار تقريباً..
واليوم وبعد سقوط الشيوعية يعيد المسلمون بناء المساجد بنشاط وحماسة مذهلة، فأهل داغستان بنوا حوالي 200 مسجد من أموالهم الخاصة منذ بداية 1990 إلى الآن، وفي خوجند العمل جار لبناء 14 مسجداً في وقت واحد.
وفي كل أمكنة أخرى يكون النشاط نفسه، فتبنى المساجد الجديدة، ويعاد فتح المساجد القديمة المعطلة أو التي كانت مستخدمة لأغراض أخرى، وأصبح بالإمكان إعادة فتح أي مسجد للعبادة إذا طالب بذلك عشرون شخصاً على الأقل.
وفي فلسطين فإن سياسة الاستيطان اليهودي الشرسة تحرص على تغيير وجه فلسطين المسلم، وصبغها بالصبغة اليهودية، وتبذل جهوداً وأموالاً خيالية في هذا المجال، يمدها في ذلك اليهود والصليبيون المتعصبون في أمريكا وأوربا.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه اليهود في مدن فلسطين الرئيسية في حيفا ويافا، فإنهم يحرصون أن يطبقوا هذه السياسة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ويبدأون بالرموز الكبيرة في كل مدينة.
فقد نجحوا في أن يكون لهم مكان عبادة في مسجد الخليل، وهم يسعون لتحويل كل مكان خالص للعبادة اليهودية وحرمان المسلمين منه، على الرغم من أن المسلمين أمضوا أكثر من أربعة عشر قرناً في العبادة فيه.
على أن جهودهم تستنفر وتتجمع لهدم المسجد الأقصى ومسجد الصخرة لإقامة هيكلهم المزعوم مكانه.
ومحاولتهم لإحراق المسجد الأقصى عام 1969، وتكرار محاولاتهم وضع الحجر الأساسي في ساحته وبناء هيكلهم بعد ذلك على أطلاله ليست مجرد هدم لمسجد فقط؛ وإنما هي قضاء على كل أمل للمسلمين في حقهم في مدينة القدس، وجعل الفلسطينيين يقتنعون أنه لا قبل لهم بنيل أي حق يطالبون به، وهي بعد كل ذلك يمكن أن تكون سابقة خطيرة لها نتائجها وأبعادها لا على مسرح النزاع بين اليهودية والإسلام وهو فلسطين؟ بل على كل أرض يقف فيها الإسلام في مواجهة أي دين آخر.(1/323)
وبهذا يجب أن تفسر المذبحة التي وقعت للفلسطينيين في ساحات المسجد الأقصى وعلى تخومه، وبهذا أيضاً تظهر العلاقة واضحة بين هذا الحادث وبين ما يجري في الهند من هذه الحملة المسعورة التي يقوم بها الهندوس الوثنيون لهدم المسجد البابري وإقامة معبد لصنمهم (راما) في مكانه.
ووجوه التشابه كثيرة بين ما يفعله اليهود في فلسطين للمسجد الأقصى وغيره، وما يفعله الهندوس.
*فاليهود يريدون إلغاء كل ما يمت للإسلام بصلة في فلسطين ليقنعوا العالم أنها أرضهم الشرعية وأن المسلمين طارئون عليها.
والهندوس كذلك يريدون إلغاء وجود الإسلام في شبه القارة الهندية وإذابة المسلمين هناك.
*واليهود والهندوس يريدون الإيحاء للعالم أن الإسلام فترة زمنية انتهت، كما انتهت فترة الاستعمار الغربي، وأن على المسلمين أن يرحلوا كما رحل الإنكليز والفرنسيون والبرتغال والطليان عن البلاد التي حكموها بالظلم والطغيان والقهر، ويعمون عن حقيقة جوهرية أن هذه الشعوب التي دخلت في الإسلام لم تأت من الجزيرة العربية، بل هي من أهل البلاد الأصليين الذين قبلوا الإسلام عن طواعية، وأنه من الصعب بل من المستحيل أن يتخلوا عنه بسهولة وبخاصة في هذا الزمن على الرغم من تطور أساليب الفتنة، وما حدث في البلاد الشيوعية يعطي الدرس البليغ للهندوس ولليهود ولغيرهم ممن يفكر في تغيير دين المسلمين وإذابتهم.
*واليهود والهندوس تبدوا جهودهم وكأن هناك تنسيقاً بينهما من أجل الضغط على المسلمين وإشغالهم وتشتيت جهودهم فالمنطقة الممتدة بين المتوسط وشرق آسيا، وهي المنطقة التي ينساح الإسلام فيها على مساحة واسعة الأرجاء نجدها الآن تُتَحَّيف من أطرافها وتثار فيها مشكلات مستعصية تشغل المسلمين وتشتت جهودهم وهذا واضح شديد الوضوح في الهند في الشرق، وفي فلسطين في الغرب، كما أنه واضح أيضاً في أفغانستان وفي سيلان، وفي الفلبين.
إن إصرار الهندوس على هدم المسجد البابري في الهند ليس مجرد هدم مسجد فقط، وإنما هو رمز لإزالة أثر الإسلام من الهند، وهو بداية سلسلة من الأعمال التي تذكر بالمذابح المتبادلة التي حصلت هناك بهندسة من الاستعمار البريطاني قبل انفصال الباكستان.
وعلى الدول العربية والإسلامية واجب كبير في لفت نظر الهند حكومة وشعباً إلى خطورة ما يحدث للمسلمين عندهم، هذا الواجب الكبير الذي توجبه الأخوة الإسلامية التي تربط بين المسلمين في كل مكان، فإن لم يكن واجب الأخوة الإسلامية، فالأخوة الإنسانية والعلاقات التي تربط بين الدول.
إن الشعوب العربية تضامنت مع شعوب غير مسلمة سابقاً ولاحقاً، ولازالت أجهزة إعلامها وكتب التاريخ المدرسي فيها تشيد بصمود فيتنام وكوريا، وتتعاطف مع دول أمريكا اللاتينية، ونعتقد أن تعاطفها مع الشعوب والأقليات الإسلامية لا يقل من حيث الواجب الإنساني -إن لم يكن هناك دين- أهمية وإلحاحاً.
والهنود -على الرغم من كثرة عددهم- عندما تصلهم الاحتجاجات من الدول العربية والإسلامية فإنهم سينظرون إلى الأمور بتعقل أكثر، ذلك لأن الهند لها علاقات مزدهرة مع أغلب هذه الدول بل إن بعضها يفضلها على باكستان.
فلا أقل من تصريح يفهم الهند أن القضاء على125 مليون مسلم أمر مستحيل وضار بمستقبل الهندوس أنفسهم.
أما الكلمة الأخيرة فهي موجهة للمسلمين الذين يجب أن يفهموا أن الديمقراطية الهندية ديمقراطية زائفة وأن المسلمين يعانون من عسف هذه الديمقراطية ما يهدد وجودهم من أصله، وإن الهند لها تطلعات استعمارية، وهي تعاني من مشاكل داخلية معقدة وتتطلع إلى حلها على حساب ما يحيط بها من الدول، والمجال الذي تتطلع إليه لبسط نفوذها هو مجال إسلامي بشكل كامل تقريباً، فليس التهديد الهندي موجهاً للصين مثلاً أو للشرق بل تهديدها متجه إلى البنغال وباكستان وأفغانستان بالدرجة الأولى.
والهنود يظنون أنهم بامتلاكهم القنبلة النووية أصبحوا قادرين على فرض الاعتراف بهم كقوة مسيطرة في آسيا، ولا تكتفي بالعيش داخل حدودها.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============(1/324)
(1/325)
ثقافة التلبيس (11)
قولهم: لابد من فتح المجال لجميع المذاهب في السعودية !!
سليمان بن صالح الخراشي
هذه شبهة بدأت تتردد في " السعودية " بعد ما يُسمى أحداث 11 سبتمبر، والفتنة التي حدثت جراءها. يقوم بترديدها بعض المناوئين لمنهج هذه الدولة " الإسلامي السلفي ": من العلمانيين وبقايا المتصوفة والرافضة، الذين استغلوا هذه الأحداث مؤازرة مع الغربيين للضغط على الدولة للتخلي عما هي عليه من تمسك بالإسلام والسلفية.
ولكي يقبل الناسُ مطالبهم؛ فإنهم يزعمون أنه لا يليق بالدولة أن تتبنى مذهبًا واحدًا - هو المذهب الحنبلي كما يقولون! - وتحجرَ على المذاهب الإسلامية الأخرى!
فتسألهم: ما هي هذه المذاهب التي يُحجر عليها في هذه البلاد؟
فيقولون - في خلط متعمد -: المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والشيعي والصوفي!!
فيمزجون المذاهب (الفقهية) لأهل السنة بمذاهب أهل البدع (العقدية) بدعوى أن الظلم طالها جميعًا.
فيصدقهم بعض الطيبين ويردد ما يقولون تضامنًا مع المظلومين!
ولكشف هذا التلبيس لابد من معرفة هذه الأمور:
1 - أن هذه الدولة المباركة قامت في عقيدتها على تبني الإسلام الصحيح الوارد في الكتاب والسنة، والذي كان عليه سلف هذه الأمة؛ ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، وهو الذي قام شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب وتلاميذه - رحمهم الله - بتجديده والدعوة إليه، وحمايته بالسلطان.
ولافرق في هذا بين " حنبلي " أو " حنفي " أو " مالكي " أو " شافعي "؛ لأن الجميع من (أهل السنة)، عقيدتهم واحدة.
وهذا ما أكده الشيخ محمد في رسائله وأقواله؛ كقوله مثلا في رسالته إلى من يصل إليه من المسلمين:
(أخبركم أني ولله الحمد عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم الدين). (الرسائل الشخصية، ص 150).
أو قوله: (وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد؛ فنحن مقلدون الكتابَ والسنة، وصالحَ سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة: أبى حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل - رحمهم الله - تعالى -". (الدرر السنية، 97/1).
أو قوله في رسالته إلى عبدالرحمن بن عبدالله: (قلت لهم أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية والمالكي والشافعي والحنبلي كل أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبو ذلك نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب وذكرت ما قالو بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها فصرفوا ذلك وتحققوه ولم يزدهم إلا نفورا). (الرسائل الشخصية، ص 38).
هذا في (العقيدة): لا فرق بين الجميع (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) عند الشيخ؛ كلهم أهل سنة، أصولهم واحدة، ودعوتهم واحدة، وهذه البلاد السلفية لهم جميعًا.
2 - أما في (الفقه)؛ فكان أهل نجد - ومنهم الشيخ - كغيرهم من أهل البلاد الإسلامية الأخرى تفقهوا على مذهب من المذاهب الأربعة المنتشرة؛ لتنضبط دراستهم.
ومع هذا فإن الشيخ وتلاميذه لا يتعصبون لغير الدليل الشرعي؛ ولو خالف مذهب أحمد.
كذلك فإنهم لا يُنكرون على من تفقه على المذاهب الثلاثة الأخرى؛ مادام سلفيَ العقيدة.
وهذا ما صرح به الشيخ: كما في قوله: (وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها). (الرسائل الشخصية، ص 107).
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: (إن الشيخ رحمة الله ما جاء بمذهب مستقل، وإنما هو في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وإذا ترجح عنده القول بالدليل أخذ به ولو لم يكن في مذهب الإمام أحمد، يعني أنه لا يتعصب إلى الشخص، وإنما يذهب إلى الحق، فهو حنبلي، ولكن إذا كان الدليل مع غير أحمد وفي غير مذهب أحمد فإنه يأخذ به، لأن الإمام أحمد - رحمه الله - يأمر بهذا، يأمر أن نتبع الدليل، ولا نأخذ قوله ولا قول غيره، قال - رحمه الله -: " عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان - هو سفيان الثوري رحمة الله - والله - تعالى -يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم): أتدري ماالفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله - أي بعض قول الرسول صلى الله عليه وسلم يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك " اهـ؛ هذا قول الإمام أحمد، فالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب هو على مذهب الإمام أحمد، إمام أهل السنة، ولكنه لا يتعصب لمذهب أحمد، بل متى وجد الدليل مع غيره أخذ بالقول الذي عليه الدليل، وهذا موجود في فتاواه وفي رسائله، موجود معروف مدون. هذا في الفقه، أما في العقيدة فهو على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة الأربعة). (رد شبهات حول دعوة المجدد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، ص 35-37).
أخيرًا: يقول الدكتور ناصر القفاري رادًا على التلبيس السابق:(1/326)
(لقد توهم بعض الناس أن تعدد المذاهب الفقهية هو تعدد في الاتجاهات العقدية، ويبدو أن هذا الوهم قديم، ففي عصر ابن تيمية رُفع إليه سؤال يطلب منه صاحبه بيان الاعتقاد في مسألة وفق مذهب الشافعي، فأجابه الشيخ: بأن مذهب الشافعي هو مذهب سائر الأئمة، ومذهب الأئمة هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وهو ما نطق به الكتاب والسنة. وفي مجلس المناظرة المعقودة بشأن الواسطية قال الحاكم الذي يحضر المناظرة: "أنت صنفت اعتقاد الإمام أحمد، فتقول هذا اعتقاد أحمد.." فأجابه شيخ الإسلام: بأن هذه عقيدة الأئمة وسلف الأمة التي تلقوها عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فهذه "عقيدة محمد، صلى الله عليه وسلم ".(الفتاوى: 3/ 169).
ولم يقتصر الأمر على مجرد توهم الاختلاف عند بعض العامة، بل تبعه في عصرنا ترويج لهذا المفهوم وإشاعة له، وبلغ الأمر أن أقيمت مراكز، وصنفت كتب، وصدرت مقالات في دوريات تتبنى هذه المفاهيم الخاطئة؛ فمثلاً: قامت (دار التقريب) في مصر وكان شعارها ومنهجها التقريب بين المذاهب الستة! أي التقريب بين المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والزيدي والاثني عشري، أي إنها جعلت المذاهب الأربعة كالفرق المبتدعة المخالفة للسنة في الاعتقاد سواء بسواء!!
وهذا تلبيس عظيم، حيث يُفتعل خلاف لا وجود له، وفرقة بين المذاهب الفقهية لا مكان لها، ويُدعى تقارب بين فرق بدعية الخلافُ معها قائم في أصول الاعتقاد؛فيوهم الناس أن الخلاف بين الحنابلة والشافعية كالخلاف مع الرافضة، أي أن الخلاف في مسائل الاجتهاد كالاختلاف في أصول الاعتقاد، أو أنه لا اختلاف مع الرافضة في الاعتقاد، إنما هي خلافات يسيرة في أمور الفروع، أي أن ما عند الروافض من عقائد باطلة هي حق، وهذا حكمٌ على الباطل بأنه حق، وصد لأبواب الهداية أمام المغرر بهم من الرافضة حيث يعتقدون أن ما عند السنة لا يختلف عما عندهم؛ فيبحثون عن ضالتهم في غير السنة، أو يشكون في الإسلام ذاته إذا رأوا أن ما هم عليه فاسد في العقل، ومخالفٌ للفطَر، وقيل لهم إن هذا بعينه هو ما عند أهل السنة). (أصول الدين عند الأئمة الأربعة واحدة، ص 51-52).
قلت ُ: فليحذر أهلُ الإسلام من تلبيس أهل الباطل الذين يريدونَ صرفَهم عن الحق إلى باطلهم، أو ثنيَهم عن التمسك به، وليخبروهم أن لامكان في هذه البلاد لغير " أهل السنة "؛ وأما غيرهم من المنافقين وأهل البدع فإنهم يعيشون فيها مكبوتين غير ظاهرين؛ إلى أن يلحقوا بركب المؤمنين.
http://www.saaid.net المصدر:
==============(1/327)
(1/328)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 6 )
الكويت
سليمان بن صالح الخراشي
هذه هي الحلقة السادسة من حلقات " بدايات السفور في العالم الإسلامي " خصصتها للحديث عن بداية سفور (بعض) النساء في الكويت. وقد جاءت متوافقة مع ماسمعناه قبل أيام من إقحام المرأة المسلمة هناك في العملية السياسية التي لا تليق بها " شرعًا ولا واقعًا "، وقد أفتى بذلك علماء وعقلاء الكويت " انظر رسالة: فتاوى وكلمات، للدكتور عبد الرزاق الشايجي - وفقه الله - ".
ولكن الحكومة هناك ومعها بعض النواب - هداهم الله - لم يأبهوا بهذا؛ استجابة منهم - شعروا أو لم يشعروا - لضغوطات الغرب؛ وعلى رأسه الحليفة القديمة بريطانيا! ثم أمريكا. وهذا لم يعد يخفى على عاقل يتابع الأحداث - ولله الحمد -.
ولذا فإنك تجد هذا الخبر لم يتوقف عنده أكثر الناس أو يتحمسوا - حتى بعض المؤيدين له! - لعلمهم أنه مجرد خطوة جديدة من خطوات التنازلات والإفساد، لن يُقدم أو يؤخر شيئًا في حال المسلمين؛ بل سيزيدهم وهنًا على وهن، وتفككًا فوق تفكك. وقد رأوا عواقبه في بلاد أخرى من بلدان المسلمين.
وقد أجاد الكتاب الشرفاء الفضلاء من أهل الكويت عندما دبجوا المقالات في بيان ما أوجزته آنفًا، وسخر بعضهم من حال الحكومة هناك، حيث المسارعة في إرضاء بني الأصفر؛ ولو بالضغط على النواب وإرهابهم، أو ترغيبهم ومساومتهم هم والمجتمع بزيادة الرواتب!!
انظر بعض هذه المقالات: (هنا) و (هنا) و (هنا) و (هنا).
أعود - بعد هذا - للحديث عن بداية سفور (بعض) النسوة في الكويت فأقول: لا أظن أحدًا - لقُرب العهد - يُخالف في أن جميع النساء المسلمات في الكويت كن إلى عهد قريب لا يتجاوز 30 -40 عامًا يلتزمن بالحجاب الشرعي " ستر الوجه أو النقاب "؛ إلى أن وقع بعضهن في التغريب المذموم في عهد حاكم الكويت عبد الله السالم (1965-1950م).
فإذا كان حاكم الكويت القديم مبارك الصباح (1916-1896م) - الذي تولى الحكم بعد قتله لأخويه غدرًا !! - قد رضي حماية بريطانيا سياسيًا وخارجيًا - دون التدخل الداخلي -، فوقع معها " معاهدة الحماية " مدخلا البلاد تحت وصاية الكفار؛ فإن عبد الله السالم قد اجتهد - بجهل أو بغيره - في " تغريب " البلاد داخليًا؛ حيث تم في عهده: الحكم بالدستور الجاهلي؛ حيث أصبحت الشريعة الإسلامية مجرد (مصدر) من مصادر التشريع! وليست (المصدر)، وتأسيس البنوك الربوية تحت إدارة بريطانية، وإلغاء علم الكويت القديم الذي يحمل كلمة التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله " واستبداله بالعلم الحالي، وإغراق البلاد في اللهو - سينما ومسرح..-، ودعم تحرر المرأة المسلمة من أحكام الشريعة.
بعد هذا حصلت الكويت على استقلالها!! (1962م).
وهذه سياسة استعمارية خبيثة؛ حدثت في بلاد عديدة؛ لا رحيل إلا بعد ضمان التغريب وعدم الحكم بالشريعة!
- يقول الزعيم محمود بهجت سنان - عراقي - في كتابه " الكويت زهرة الخليج العربي " (ص 162-163) متحدثًا عن ذكرياته في الكويت: (إن المرأة الكويتية حتى سنين قلائل كانت ترتدي الجلباب عند خروجها من منزلها، والجلباب رداء طويل الذيل يزحف وراءها على الأرض ما يقارب المتر إمعاناً في ستر قدميها أثناء المسير، إذ أن أغلبهن كن يفضلن المشي حافيات الأقدام في الطرقات، والنادر منهن من تنتعل الحذاء أو القبقاب، ويستر وجهها نقاب كثيف تشع عيناها من فتحتين صغيرتين فيه تجاه العينين.
وأما الصفات التي تمتاز بها المرأة الكويتية فهي تمسكها بتعاليم الدين وهي لا تعرف إلى التبرج سبيلاً، ولا تستعمل من وسائل الزينة غير الحناء في أكفها وأرجلها ورأسها، وتتعطر بدهن الورد والمسك ودهن العود، وهي العطور المفضلة عندها). (ويوم كنتُ في الكويت أقيمت مظاهرة من قبل قسم من طالبات المدارس يطلبن رفع الحجاب، وقد جمعن ما لديهن من البراقع (البواشي) وأحرقنها) !
- وتقول لورنس ديونا - وهي صحفية سويسرية زارت الكويت عام 1968م وكتبت انطباعاتها وملاحظاتها في كتابها " المرأة في الكويت بين الحصير والمقعد الوثير " (ص 27، 22-21):
(إن جميع النساء كن قبل ثلاثين سنة يتسربلن بالنقاب و"العباية"، أما "البوشية" - ذلك الحجاب الرقيق- فيخفي وراءه، وما زال يخفي أيضاً في أوساط بعض العائلات المحافظة، وجه بنات المدينة).
(وفي الكويت جامعتان منفصلتان: الأولى للفتيان، والثانية للفتيات، وهذا التقسيم الذي رغب بعض النواب في سنه قانوناً دائماً، ومن حسن الحظ أن الأمير عبدالله السالم، المتوفى قبل سنوات قليلة، كان قد عارضه، يكلف البلاد مصاريف باهظة)!!
- ويقول المؤرخ الكويتي يوسف القناعي في كتابه " صفحات من تاريخ الكويت " (ص 86): (وتخرج المرأة لقضاء حاجتها من السوق أو للزيارة متحجبة، والسفور لا يُعْرف بالكويت).(1/329)
ويُخبرنا الأستاذ حمد السعيدان في " الموسوعة الكويتية المختصرة " (ص 1475) عن أول فتاة كويتية زاولت العمل المختلط - للأسف- فيقول: (وتعد الآنسة شيخه القطامي أول فتاة كويتية تنخرط في سلك العمل جنباً إلى جنب مع الرجل، وكان ذلك عام 1957). أما عبدالله الحاتم فيرى أن (أول فتاة كويتية اقتحمت ميدان العمل واشتغلت موظفة هي الآنسة شريفة عبدالوهاب القطامي بدأت حياتها هذه عام 1960م بأن اشتغلت موظفة في شركة نفط الكويت). " من هنا بدأت الكويت، ص 88 ". قلت: لعلهما أختان.
أما عن بداية تمثيل (قلة من النساء) على المسرح في الكويت؛ فقد حدثت عندما استُقدم المخرج المصري " زكي طليمات " بجهود من الوزير الحالي صباح الأحمد - هداه الله - لتطوير (! ) المسرح الكويتي. فقام طليمات باستدراج المرأة المسلمة لهذا العمل المشين بخطة إبليسية ساعده فيها ثلة من مرضى القلوب والمغفلين.
يقول الأستاذ يوسف التركي في كتابه " لمحات من ماضي الكويت " (ص 52): (وكان من جملة الأشياء التي لحظها الأستاذ زكي طليمات خلال زيارته للكويت عام 1958 أن المسرحيات ليست مكتوبة، ولذا اقترح أن تكتب المسرحية ثم وزع الأدوار على الممثلين لحفظها، كما لاحظ أن الرجال يقومون بأدوار النساء ولذا كان من رأيه استقدام ممثلات من خارج الكويت لعدم توافرهن في الكويت).
ولنستمع إلى طليمات نفسه يحكي لنا ماقام به:
يقول - والتعجب مني -: (حينما كنتُ في القاهرة أحزم حقائبي للقدوم إلى الكويت، مستجيباً لدعوة كريمة من جانب وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لأن أتولى أمر توجيه النشاط المسرحي الذي تشرف عليه، وأرسي أسساً صحيحة في فنون التمثيل، كان تساؤل الناس يحوطني من كل جانب، وكأنني مقدم على مجازفة خطيرة، أو معركة غير متكافئة.
ومن مشفقٍ ما عسى أن أفعل في قِطْرٍ حديث العهد بالتحرر الاجتماعي كما تفهمه الحياة الحديثة، وبسفور المرأة خاصة، والمعلوم أنه عسير كل العسر أن تقوم قائمة للمسرح في قطرٍ يحكمه الحفاظ والمحافظة. (! )
حق وصدق أنني أمام تجربة قاسية ومثيرة.. ولكن ما الجديد في الأمر؟ حياتي في المسرح كلها تجارب قاسية ومثيرة، ولم أخرج من إحداها بمال ادخرته، إذ ما زلتُ حتى الآن أركب قدمي أينما سرت، وإن خرجتُ من هذه التجارب بنشوة الباني الذي يزهو بأنه رفع بناءً وأشاد. (! )
سألت نفسي: ماذا في الكويت من مظاهر النشاط المسرحي؟ ثم ماذا تريده الكويت مني على وجه التحقيق؟ مظاهر النشاط هنا تكاد تنحصر في الحفلات التمثيلية التي يحييها الطلاب بين جدران المدارس، ثم في الحفلات القليلة التي يقدمها "المسرح الشعبي"، وأعضاؤه أيضاً من هواة التمثيل، وهي حفلات يحضرها الجمهور بالدعوات المجانية، وتجري غير متتابعة، وتقدم مسرحيات مرتجلة باللهجة الكويتية، تعالج الأحوال القائمة في أسلوب فني متعثر، ليس من المسرحية الحقة إلا المظهر، وليس لهذه المسرحيات نصوص مكتوبة يتقيد بها الممثلون، هذا والأداء التمثيلي يجري من جانب الممثلين دون تقيد محكم فيما يبدونه كلاماً وإيماءةً وحركةً تبعاً لمقاييس ومعايير تستمد قيمها من موضوع المسرحية ومن الانفصالات التي تجري في شخوصها.
ومع هذا، فإن الجمهور يستمتع بهذه الحفلات إذ لا يجد غيرها مجالاً للتنفيس وللتعبير عما يحسه.
وفي جميع ما تقدم ذكره من مظاهر النشاط المسرحي، يقوم الرجال بأدوار النساء؛ لأن العُرْف السائد في نواحيه المتزمتة (! ) يحول دون أن تعتلي المرأة المسرح إلى جانب الرجل، حتى ولو كانت من غير نساء الكويت.
على ضوء ما تقدم تتضح مهمتي فيما يريده مني الكويت لمسرحه الناشئ:
الخطوة الأولى: وقد اتخذتها قبيل قدومي إلى الكويت، إذ وافق الكرام المسئولون على أن أستقدم معي من القاهرة ممثلتين محترفتين، وهيئة ممن يديرون الحركة المسرحية، فاخترت السيدتين: زوزو حمدي الحكيم، وجيهان رمزي، وكلتاهما من تلاميذي، للأولى خبرة وماض مشرِّف في خدمة المسرح، وللأخرى استعداد خصب يبشر.
وأخذنا نعمل... أقول (نحن) ولست (أنا) وحدي فإذا قلت نحن، فإنني أعني المسئولين في الوزارة، ومن أجريت ذكرهم، ثم أعضاء الفرقة (فرقة المسرح العربي) الذين اخترتهم من الشباب الكويتي والعربي.
أعلنت عن حاجتي إلى شباب يعمل بالفرقة التي ترعاها الوزارة وتشرف عليها، فتقدم أكثر من مائتين وخمسين شاباً، ولم تتقدم فتاة كويتية واحدة، واستغرق أمر اختيار الصالح منهم ثلاثة أسابيع، إذ أن الرغبة وحدها في أن تصبح ممثلا لا تفيد ما لم يكن وراءها استعداد فطري لتلقي فنون المسرح.
وفي أثناء هذه الفترة وقد دوت أبواق الدعاية للفرقة الناشئة عن طريق الراديو والتلفزيون، وبعد محاضرات عدة ألقيتها في شأن المسرح، في ماهيته، وفي أن أهدافه تحرر وتثقيف (! ) وليست تحللاً وتزييفاً، وقعت أعجوبة!
تقدمت فتاتان كويتيتان موظفتين في وزارة الصحة، لتعملا ممثلتين، على الرغم من تزمت المتزمتين (! ) فعانقتُ في قدومهما الأمل الحلو في نجاح مهمتي، كما ازددت ثقة في أن الكويت على أبواب تطور اجتماعي في حياة المرأة.(1/330)
وتم إعداد المسرحية بقدوم شهر رمضان وأعلنت استعداد الفرقة لافتتاح موسمها الأول.
ولكن أصواتاً حكيمة، ارتفعت تهمس لي بأن أخذ التريث، وأن أرجئ افتتاح الموسم إلى ما بعد انتهاء شهر الصوم، حتى لا تتحرك أوكار المتزمتين والرجعيين وفي كل قطر عربي يوجد هذا الطراز من الناس- (! ) فيهاجمون الفرقة بدعوى أننا لم نوقر شهر الصوم التوقير كله، فأخرجنا النساء إلى جانب الرجال فوق المسرح، وبينهن فتاتان من الكويت.
وأخيراً: أعترف بأنني لم أكن أُقَدِّر هذا النجاح، وعندما راجعت الأمر بين نفسي وبين مخزونها من التجارب التي تمرست بها، ازداد يقيني بأن العمل الجيد يلقى جزاءه الطيب، لقد أحسن أعضاء الفرقة القيام بمهمتهم فكان جزاؤهم التوفيق. ولكن فرحتي الكبرى، أنه لم يهب إعصارٌ من جانب المتزمتين فيطيح بالفتاة الكويتية من فوق المسرح (! ). إن اسمي "مريم صالح" و"مريم غضبان" سيدخلان تاريخ المسرح الكويتي كرائدتين، وسيكونان دائماً على رأس القائمة لمن تليهما من الفتيات الكويتيات اللواتي سيؤلفن بنشاطهن الفني نقطة انطلاق جديدة في نشاط المرأة الكويتية). انتهى حديث طليمات؛ (مجلة العربي، العدد 43، ونقلته ظمياء الكاظمي في كتابها: الحركة المسرحية في الخليج العربي، ص 146-136).
قلتُ: لقد باء الهالك بهذه السنة السيئة التي سنها لمن جاء بعده. وقد كانت نهايته غير مأسوف عليه مأساوية؛ حيث فقد عدة أعضاء من جسده بالعمليات المتتالية - نسأل الله السلامة - " انظر: صفحات من حياتهم، لمحمد نصر، ص 109).
اقتراحي للفضلاء من أهل الكويت (رجالا ونساء) - وقد تيقنوا أن بلادهم كغيرها من بلاد المسلمين تواجه ضغوطات غربية يخضع لها أصحاب المصالح ومرضى القلوب، ممن قال الله عنهم (فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يُسارعون فيهم.. ): أن يكون شعارهم في المرحلة القادمة " خير وسيلة للدفاع الهجوم "، و " إن لم تُشغلهم بالحق أشغلوك بالباطل "؛ وتطبيق ذلك على أرض الواقع يكون بطرح المشاريع العملية التي تُباعد بين المسلمين والفساد؛ ومنها:
1- إعادة الإلحاح في موضوع " تحكيم الشريعة " وتعديل الدستور.
2- اقتراح إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسميتها " هيئة الإرشاد " مثلا؛ تكون مهمتها تذكير الناس ونُصحهم، ونشر الخير بينهم بكافة الوسائل المتاحة.
3- إلزام النساء المتبرجات بالحجاب؛ لأنه بالاتفاق - حتى عند من يرى كشف الوجه - بدعة ومنكر..
4- المطالبة بمنع الاختلاط في الجامعة، وإعادته لسابق عهده قبل التغريب. وبالمقابل إنشاء جامعات أهلية غير مختلطة.
5 - توعية الشعب الكويتي بمخططات الأعداء؛ فإن الشعوب إذا التزمت ووعت؛ أفشلت مخططات التغريب مهما كانت مدعومة من الحكومات!.
6- مناصحة بعض الدعاة الحزبيين الذين يُغلبون مصالحهم الشخصية أو مصالح حزبهم على الحق والفضيلة أن ينتهوا عن هذا " التلون " و " التقلب "؛ وإلا حُذر منهم.
أسأل الله أن يوفق أهل الكويت لما يُحب ويرضى، وأن يُجنبهم كيد الأعداء.
هذا مقالٌ مهم للدكتور الكويتي عبدالله النفيسي - وفقه الله - نشره للرد على " سذاجة " بعض المحسوبين على الخير من الدعاة " الحزبيين " المتقلبين والمتلونين، الذين يُسامون على دين الأمة وأخلاقها في سبيل أن يرضى عنهم أعداء الله، أو أن يُعجلوا بالحصول على مطمح سياسي " موهوم "؛ حيث يكتشفون في النهاية أنهم لا حصلوا " دنيا " ولا أبقوا " دينا ".. بل أفسدوا غيرهم ممن انخدع بمظاهرهم. وهذا الصنف المتلون يوجد في كل بلد من بلاد المسلمين؛ فليحذره المسلمون وليحذروا منه؛ قبل أن يورطهم - بحماقته وقلة ديانته - في تنفيذ مخططات الأعداء وهم لا يشعرون..
الأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية
الفتنة الكبيرة التي تنتظر الحركة الإسلامية
الذي حدث في مجلس الأمة الكويتي وهو يتقاطب حول ملفّ المرأة الأسبوع الفائت وما تمخّص عن ذلك من تصويت لصالح إدماج المرأة في العملية السياسية وإقحامها إقحاما في الشارع السياسي له دلالات كثيرة وانعكاسات خطيرة على التنظيمات الإسلامية العاملة في الجزيرة العربية... ولم يتردد -والحمد لله- عدد من النواب الإسلاميين في التعبير شفاهة «أو كتابة» عن عدم رضاهم لنتيجة التصويت الذي تم في مجلس الأمة. وأفضل ما سمعت في هذا الصدد - دونَ بْخس حق الآخرين الذين لم اسمعهم- هو ما سمعته من النائب أبورميه - حفظه الله - ونصره حينما قال: إن الله سوف يُحاسبنا على ذلك وإن كثيرا من الناس سوف يندمون في نهاية المطاف عندما يرون بأعينهم النتيجة السلبية التي ستترتب على إقحام المرأة في الشارع السياسي. وأفضل ما قرأت في هذا الصدد هو ما كتبه النائب وليد الطبطبائي - حفظه الله - ونصره في جريدة «الوطن» الأربعاء 5/18 والذي أكد من خلاله أن عضوية مجلس الأمة هي «ولاية عامّة» لا تجوز شرعاً للنساء وقد استشهد بإمام الحرمين الجويني في كتابه «غياث الأمم » وكان استشهاده في محلّه.(1/331)
ولقد لاحظ الأخ أحمد الكوس في كلمته التي نشرها في جريدة «الوطن» الخميس 5/19 أن الحكومة سخّرت كل آلتها الإعلامية «تلفاز وإذاعة وصحف» لجانب مشروعها وأرهبت لجنة الإفتاء وجَنّدت جميع مدارس وزارة التربية وحتى مراكز تنمية المجتمع في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في جميع مناطق الكويت لصالح مشروع الحكومة وكمّمت أفواه الأئمة والخطباء من على المنابر ومنعتهم من الإدلاء بآرائهم المعارضة لمشروع الحكومة وبعد كل ذلك تدّعي الحكومة أن خطوتها كانت ديموقراطية؟ وهي ملاحظة قيمّة وفي محلّها.
ما يُخيف في هذا الأمر هو سياقه الاستراتيجي الخارجي ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تابعت هذا الموضوع ورعته منذ البداية بغرض تثميره في أجندتها الخاصة بالجزيرة العربية، وكان تصريح باوتشر الناطق باسم الخارجية الأمريكية بعد وقت قليل جدا من تصويت مجلس الأمة لافتا للنظر من جهة كشف الخلفية الأمريكية للموضوع، وليس غريباً على الإدارة الأمريكية هذا الموقف ليس لأنها نصيرة الديموقراطية ـ كما تدعي ـ ولكن خطوة كهذه من الممكن أن تصبّ في تفكيك البُنى السياسية والاجتماعية التقليدية وفي ترويض الشخصية القومية لعرب الجزيرة الذين يقوم مجتمعهم على موروث راسخ من الفصل بين محيط السياسة والولاية العامة من جهة والمرأة من جهة أخرى خاصة وان هذا الموروث هو من الثوابت الإسلامية التي التزم بها مجتمع الجزيرة العربية على مرّ العصور منذ بزوغ الإسلام حتى عصرنا الحاضر.
وصار من الواضح - للقاصي والداني - أن تحريك هذا الموضوع وافتعاله وما رافقه من تحريض اجتماعي بارز قد ساهمت في رعايته الإدارة الأمريكية فلقد جاءت إلى المنطقة عدة وفود من الكونجرس ومن جمعيات أمريكية كما كانت السفارة الأمريكية ترسل مندوبيها في كل المناسبات للاتصال بالعناصر النسائية الحركية وكانت الوفود الأمريكية ترسل مندوبيها في كل المناسبات للاتصال بالعناصر النسائية الحركية وكانت الوفود الأمريكية تحضر جلسات مجلس الأمة وتتصل بالنواب في منازلهم، كل ذلك يكشف الخلفية الأمريكية للموضوع ويستوجب منا أن نتساءل: لماذا كل هذا الاهتمام الرسمي الأمريكي بموضوع المرأة في الكويت؟ (تابع إن شئت تصريحات الرئيس بوش في هذا المجال).
يجب على الحركة الإسلامية في الجزيرة العربية بكل أطيافها وألوانها وراياتها ومسمياتها ألا تفوت هذه الفرصة لاستخلاص الدروس والعبر وتنقية الصفوف والمفاهيم وتحرير المواقف من الوهن وتبصير القيادات الإسلامية والقواعد للتحديات السياسية القادمة ما يوجب البلورة الفكرية وتأصيل المفاهيم والمباشرة فورا بعمليات الإرشاد السياسي والتربية الاجتماعية وتجاوز العتبات الحزبية قبل أن تجد الحركة الإسلامية نفسها - وباسم الديموقراطية وصوت الأغلبية - وقد تم استيعابها وهضمها وتجنيدها لتنفيذ الأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية. أقصى ما تتمناه الإدارة الأمريكية هو حركة إسلامية تلتزم بالضوابط الديموقراطية ولا تلتزم بالضوابط الشرعية الإسلامية، وأحلى ما تسمعه من كلام هو ذلك الكلام الانفعالي الهائم الطليق الذي تفوه به النائب الإسلامي عندما قال بعد إعلان نتيجة التصويت: (هذا يوم عظيم من أيام الديموقراطية الكويتية)، أي ديموقراطية يا أخي سامحك الله وعفا عنا وعنك!! وهل سيسألنا الله - تعالى -في نهاية المطاف عن التزامنا بالديموقراطية والتعددية وتصويت الأغلبية أم يسألنا عن مدى التزامنا بالثوابت الشرعية التي اخترقها وتجاوزها القانون الأخير موضوع التصويت؟ لقد كشفت التجربة الأخيرة في مجلس الأمة أمرين بارزين: أولهما: أن الحكومة مستعدة لأن تلجأ لكل المخالفات والتجاوزات السياسية والقانونية لتمرير مشاريعها أيا كانت المطابخ السياسية التي طبخت فيها، وثانيهما: أن النواب الإسلاميين يعانون من خلل كالمنخل على مستوى حركتهم وفكرهم ونضجهم السياسي وهو خلل خطير وعضوي وبنيوي قد يجدون أنفسهم في نهاية المطاف أفضل أدوات لتنفيذ الأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية على اعتبار أن التجربة الكويتية - لا سمح الله - سوف يتم تعميمها على أقطار الجزيرة العربية، إن الأمر جلل والفتنة عظيمة وهي فتنة تنتظر الحركة الإسلامية قبل أن تصبح وسيلة من وسائل تنفيذ الأجندة الأمريكية في الجزيرة العربية. هل أصبحت الديموقراطية فخا كبيرا منصوبا للحركة الإسلامية؟ (د / عبد الله النفيسي).
http://www.saaid.net المصدر:
===============(1/332)
(1/333)
بدايات السفور في العالم الإسلامي
( الجزائر )
سليمان بن صالح الخراشي
لم يبدأ السفور وتوابعه في العالم الإسلامي إلا زمن استعمار ديارهم من قبل النصارى الصليبيين الذين شجعوا هذا الأمر؛ وخططوا له، طلبًا لإفساد المسلمين، وإشغالهم بالشهوات.وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.
وقد وجدوا بغيتهم في بعض أبناء المسلمين المفتونين الذين أثاروا هذه القضية وغلفوها بالغلاف الإسلامي مبدئيًا ليتقبلها الناس! رغم إجماع المسلمين العملي المتوارث على خلاف ذلك. - كما بينت ُهذا في مقال سابق -.
وقد كان التركيز في البداية على مسألة كشف الوجه؛ لأنهم يعلمون أنها متى تحققت سيسهل ما بعدها! كما حدث فيما بعد على أرض الواقع في دول عديدة.
ومن يُبسط القضية ويجعلها مجرد خلاف فقهي فهو واهم!
نعم: لو كان الحوار مع أمثال الألباني - رحمه الله - لعددناها كذلك؛ لأننا نعلم أن الشيخ عندما اختار هذا القول وضع له شروطًا لا تكاد تجدها معمولا بها عند من يتبجح بأنه يتابعه!
ونعلم كذلك أن الشيخ قد اختار أفضلية ستر الوجه، وكانت نساؤه على هذا..
ونعلم كذلك أن الشيخ عالم رباني يغار على أعراض المسلمين، ويدعوهم للعفاف والبعد عن التساهل.. الخ، وكتبه ومؤلفاته شاهدة بهذا.
لكن الحوار مع مرضى القلوب وأذناب الغرب خلاف هذا كله؛ لأنهم كما قال - تعالى -: (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)؛ ولأننا نعلم أن طرقهم لمسألة كشف الوجه وأنها مسألة خلافية! هو بوابة لما وراءه؛ كما حدث مثل ذلك في بلاد أخرى.
وما قاسم أمين عنا ببعيد!
فعندما كان يطالب بكشف الوجه في كتابه الأول " تحرير المرأة ".. إذا به يكشف عن خبثه في كتابه الثاني " المرأة الجديدة " فيشن الحملة التشويهية على الحجاب كله!
والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.
وفي هذا المقال سأذكر كيف حدث السفور في أحد البلدان الإسلامية، وكيف كان المستعمر يرعى هذا الأمر ويصنعه على عينه كما فعل في بلاد أخرى؛ ليتبين لنا مقدار الكيد والمكر الذي يبذله اليهود والنصارى في سبيل تدمير بلاد المسلمين أخلاقيًا، بعد أن دمروها سياسيًا ونهبوا ثرواتها.
والله المستعان.
يقول الأستاذ الجزائري: محمد سليم قلالة في كتابه " التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد " (ص 133 - 137):
(حدث هذا في مثل هذا الشهر من سنة 1958: يوم الاثنين 27 مايو.. "سيداتي سادتي أيتها المرأة، اعلمي أن الوقت قد حان لتلعبي دورك في تاريخ الجزائر الجديدة.. أيتها الفرنسية اعلمي أنك شريكة الرجل في الحياة، وفي المجتمع الإنساني، أنك تقاسمينه الآلام والأفراح، سعادته وتعاسته.
لقد أقامت الديانة الإسلامية العدالة بينك وبين الرجل، هو أخوك في التكاليف والعلاقات الإنسانية، يقول الله: "للنساء نفس الحقوق ونفس الواجبات"(1). اعلمي يا أختي العزيزة أنك لست سلعة تشترى وتباع، إنك سيدة بيتك وسيدة في الشارع وفي تربية الأجيال، إنك سيدة بالرغم من الذين ينازعونك مكانتك، حطمي أغلالك بمطارق من حديد.
إن هذا الحجاب الخيالي الزائد لا علاقة له بالإسلام، إن العفة والأخلاق الحسنة ليست أبداً خلف هذا الحجاب الشفاف والمخادع، إن أفضل حجاب هو الصفات الدينية والخلقية الحسنة، إننا نريد يا أختنا العزيزة أن تثوري بشدة ضد مبادئ عصور مضت في إطار الدين، وتشاركي الرجل في الوجود.
وأنتم أيها الرجال اعلموا أن تجديدكم لا يمكن أن يتم إلا إذا ارتكز على المرأة، ساعدوا أنفسكم لإقامة مجتمع مزدهر، إن وراءكم فرنسا تحميكم بديمقراطيتها ومثلها العليا وتساعدكم على بلوغ أهدافكم".
إلى هنا ينتهي قول إمام مسجد سيدي الكتاني آنذاك في مدينة الشيخ ابن باديس أمام نحو 100 ألف شخص بحضور سوستيل وسالان. (الجنرالان الفرنسيان!)
وبعد قليل تصعد فتاة جزائرية مسلمة إلى الميكروفون لتقول: "لقد سمعنا صوتاً من أكثر الأصوات المأذونة في الإسلام يدعو إلى التجديد الذي يجب أن نحمله في تحررنا الغالي، لا ندع الفرصة تضيع، إنها الفرصة الوحيدة التي تُمنح لنا للسير في طريق التحرير الكامل والمطلق، أرجوكن أن تقمن بعمل رمزي يكون دليلاً على بداية وجودنا الجديد وعلاقتنا الأخوية الكاملة تجاه أخواتنا من جميع الديانات في وطننا المشترك فرنسا، أطلب منكن أن تفعلن مثلي"(2).
وفي حركة رائعة (يقول المعلق) نزعت الآنسة بنت الباشا آغا حائكها الأبيض ثم حجابها، ورمت الكل من الشرفة وسط دوي من التصفيق والصياح:
هورا!! هورا!! برافو!! برافو!!
وتتبعها فتيات أخريات.. تنزعن أحجبتهن وتطلقن الصيحات المدويات وسط دوي آخر من الصياح: هورا! هورا! برافو! برافو!
ويبدأ فصل جديد في سياسة الاستعمار الثقافي لبلادنا... وفي مدينة الشيخ ابن باديس.
وفي الساعة السادسة مساء من يوم الثلاثاء 20 مايو 1958 حدث نفس الشيء أيضاً في مدينة وهران بمسرح الاخضرار، حيث تجمع أكثر من 50 ألف شخص.. ألقيت الكلمات من طرف السلطات المحلية يتقدمهم الجنرال ماسو، وعُلقت اللافتات ثلاثية اللون وقد كتب عليها: "الجزائر فرنسية"، "شعب واحد، قلب واحد"، "ديغول في السلطة".. وبعد ذلك فسح المجال للأهم.(1/334)
(وتوالت على المنصة فتيات مسلمات في سن الزهور، بلباس أوروبي؛ ليطلبن من أخواتهن التخلي عن أحجبتهن التي تمنعنهن من تحرير شخصياتهن).
وفي حماس فياض يقول المعلق الصحفي - تقوم النساء الموجودات بين صفوف الجماهير وأغلبهن ربات بيوت بنزع أحجبتهن ودوسها بالأقدام في الوقت الذي ارتفعت فيه صيحات عديدة: تحيا الجزائر الفرنسية، وتبعها دوي من التصفيق الحار.
ويستمع الجميع ويرددون (لامارساييز) النشيد الوطني الفرنسي ثم ينتشرون في شوارع وساحات المدينة يلعبون ويمرحون و.. الخ.
وفي الجزائر العاصمة، وهي مركز كل شيء: بدأ المهرجان الشعبي يوم 13 مايو يوم استولى العسكريون على السلطة في الجزائر، وأعلنوا لجنة الخلاص العام وطالبوا بصعود ديغول للحكم. ابتداء من هذا التاريخ انتظم مهرجان وطني بالعاصمة الجزائرية لمساندة لجنة الخلاص الوطني، وقبل ذلك لوضع اللبنة الأولى للاستعمار الثقافي الجديد.
كان اللقاء يتم بأهم ساحات المدينة: (ساحة الشهداء والأمير عبد القادر حاليًا) وكان جنرالات فرنسا في كل يوم يلقون الكلمات والخطب أمام التجمعات العامة، وفي كل يوم كان يزداد العدد ويزداد المرح واللهو ويندمج الجميع في ظل النشوة العارمة ويتحدون في الرقص والغناء والطرب، في الوقت الذي كانت الجبهة توحد نساء ورجالاً آخرين في ميدان المعركة حيث الدم والدموع.
في ظل هذه النشوة قامت نساء جزائريات بالحركة المشهورة التي سموا على أثرها بنساء 13 ماي: لقد قمن بإحراق أحجبتهن أمام الجميع تعبيراً عن رفضهن للمجتمع الجزائري المسلم، واندماجهن في المجتمع الفرنسي الغربي.
وروجت الصحافة الفرنسية الخبر، ونشرت صور النساء وهن يحرقن جلابيبهن، وعلقت إحدى هذه الصحف (درنيار أور): (آخر ساعة) على صورتين نشرتهما على نصف صفحتها الأولى يوم الاثنين 19 مايو 1958 "أمامكم وثيقتان نادرتان تنفرد (آخر ساعة) بنشرهما"، "لقد نزعت أمس في المهرجان مجموعة من الشابات الجزائريات المسلمات أحجبتهن وأحرقنها، إنه عمل يؤكد رغبة المرأة المسلمة في التفتح على فرنسا، وبعد هذا العمل العظيم، هل يبقى في فرنسا من يرفض سياسة الإدماج؟ ستتجمع النساء الجزائريات اليوم، وستكون هذه التظاهرة الفريدة من نوعها حدثاً بارزاً في هذه الأيام التاريخية التي تعرفها الجزائر، إن وجوه النساء الشابات التي يمكن لقرائنا رؤيتها هي عنوان مستقبل الجزائر".
ويحدث التجمع الذي تكلمت عنه الصحيفة بحضور سوستيل والجنرال سالان وتواصل الفتيات الجزائريات نفس العمل وسط دوي من الصياح هورا.. هورا.. برافو! برافو! ). انتهى كلام الأستاذ محمد.
تعليق: يتبين لنا من النص السابق أمران:
الأول: أن الاستعمار قد أوجد عملاء له من أبناء المسلمين، يفخرون بالانتماء إلى بلاده، ويجعلون من بلادهم الإسلامية مجرد تابع ذليل له.
الثاني: أن حركة السفور تمت برعاية صليبية نصرانية، وبمتابعة من الببغاوات الذين انخدعوا بشعارات الغرب الزائفة؛ فانسلخوا من دينهم. ثم تبين لهم فيما بعد أنهم خسروا دينهم ودنياهم؛ بسبب بلاهتهم وثقتهم فيمن قال الله عنهم (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- هذه ليست آية من القرآن!! وهذا يدل على جهل هذا الإمام وتلاعبه.
2- Echod' Alge صلى الله عليه وسلم 27/05/1958
http://saaid.net المصدر:
================(1/335)
(1/336)
بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (2) :
سوريا
سليمان بن صالح الخراشي
لقد كانت الحلقة الأولى من هذه السلسلة عن " الجزائر " وتجدونها على هذا الرابط :
http://saaid.net/Wa r athah/Alkha r ashy/m/32.htm
أما هذه الحلقة فهي خاصة بالشام ( سوريا بالذات ) يتأكد من خلالها ما سبق أن بينته في مقال آخر من أن إجماع المسلمين ( العملي ) كان على ستر النساء وجوههن عن الأجانب ، وذلك قبل أن تقع معظم ديارهم بيد المستعمر الكافر الذي شجع السفور وروج له من خلال عملائه ؛ بدعوى التقدم والتطور الذي سيحققه أهل تلك البلاد إذا ما نزعت النساء حجابهن !
ولكن الواقع يؤكد أن المؤامرة على المرأة المسلمة قد تمت ، ولم يحصل بعدها لا تقدم ولاتطور ! إضافة إلى أن الدين والأخلاق لم يسلما لمن طاوع العدو.
وواجب الأمة المسلمة اليوم بعد أن تكشفت لها الأمور ، أن لا تُلدغ من جحر واحد مرتين ، بل تأخذ بأسباب التقدم والتطور الدنيوي دون تفريط في عقيدتها وأخلاقها . وهذا أمر ميسور لمن أخلص النية وأصر على السير .
يعد المؤرخ الشامي / عبدالعزيز العظمة - رحمه الله - ( 1856-1943) من المؤرخين المخضرمين الذين أدركوا بلادهم قبل الاستعمار الفرنسي وأثناءه ، حيث سجل في كتابه الشهير " مرآة الشام " التغيرات التي طرأت على المجتمع بسبب الاستعمار النصراني ، ومن تقييداته التي تهمنا : قوله ( ص 74 ) :
( كانت النساء عند خروجهن من دورهن يتأزرن بمآزر بيضاء تسدل إلى وجه القدم، وكنّ يسترن وجوههن ببراقع (مناديل) ملونة لا يرى من ورائها الناظر شيئاً، تعلوهنّ الحشمة والوقار، ولا يجرؤ أحد على الدنوّ منهن ولو كان من ذوي القربى، لأن تكلم الرجل مع المرأة في الأسواق كان يعدّ من المعايب ).
ثم قال ( ص 75) مبينًا تدرج السفور في بلاده :
( ازدادت النسوة في التبرج حتى خلع بعضهن الحَبرة واستعاض عنها بالمعطف (بالطوسكاب) المختلف الألوان، ووضعن فوقه على رؤوسهن قطعة من النسيج الرقيق يسدلنها على وجوههن مقام البرقع، ووجودها وعدمه سواء، ثم أخذ البعض يتدرج حتى خلع الحبرة بالمرة، وبرزن إلى الأسواق سافرات بملابس الزينة وعلى رؤوسهن خمر رقيقة من الحرير يحاولن أن يسترن بها شعورهن -دون الغرة والجبين- وهيهات ذلك.
والباعث على هذا أولاً: دعاية سرت إلينا من مصر والروم بدعوى أن التستر غير مشروع، وأن منشأه عادة انتقلت إلينا من الأعاجم فاعتصم بها الرجال وأكرهوا النساء على استعمالها ظلماً وجوراً !!
ثانياً: انحطاط الأخلاق وتطور الآداب بصورة لم نكن نؤملها ولا من الأغيار فضلاً عن أنفسنا، نحن المأمورون بالحجاب، وإخفاء الزينة وعدم التبرج، فقد قال الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ) وقال أيضاً: (وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب) وقال أيضاً: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلا لبعولتهنَّ)، وقال أيضاً: (وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرّجنَ تبرّج الجاهلية الأولى) إلى غير ذلك من الأوامر الإلهية المتحتم على المسلم اتباعها.
وقد أصبحنا - والعياذ بالله - نرى كل قديم منبوذاً ولو كان نافعاً، وكل حديث مرغوباً ولو كان ضاراً ، بلا تروّ ولا تمييز ولا منطق ولا محاكمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الأيام الأخيرة قام بعض الرجال وأخذوا يحثون المرأة ويحرّضونها على خلع الحجاب والتمتع بنعمة السفور التي يعدّونها من لوازم التمدن، ونهض غيرهم وأبرق وأرعد، ونادى بالويل والثبور داعياً إلى إعادة الحجاب إلى ما كان عليه، وما زالت حرب الأقلام قائمة بين الفريقين.
ومن دواعي الأسف أن رؤساء حكومتنا هم من القسم الأول الذين يهيئون للمرأة أسباب السفور خلافاً لما كان يتصوره ويتأمله الناس ويتوهمونه من تمسكهم بأهداب الدين وتصلبهم فيه.
ونحن من القائلين بالحجاب، وما زال -والحمد لله - السواد الأعظم من الأمة على هذا الرأي، وأخيراً نهض الشيخ هاشم الخطيب وأخذ يعظ الناس ويحث النسوة على التستر المشروع ويحبب إليهن الإزار الأبيض الذي كنّ يستعملنه فيما سبق، ويشبههن بطيور الجنة، وقد أقبلت عليه الكثيرات، وشرعن يتأزرن بالمآزر البيضاء ويضعن على وجوههن الخمر (المناديل) ورعاً وتقوى ) . انتهى كلامه رحمه الله .
وفيه فوائد :
1- أن حال المرأة الشامية كان على لزوم ستر الوجه عن الأجانب قبل الاستعمار الفرنسي ، وهو دليل على ماحكاه العلماء رحمهم الله من إجماع المسلمين ( العملي ) على هذا الأمر .
2- أن مرضى القلوب من دعاة السفور عندما يريدون إقناع الناس بفسادهم يلجأون إلى كذبة متكررة ؛ وهي زعمهم أن ستر الوجه عادة طارئة على بلادهم ! فإن كانوا في الشام قالوا هي عادة قادمة من بعض " الأعاجم " ! كما سبق . وإن كانوا في بلاد عربية غيرها قالوا هي عادة " سعودية " ! ، وإن كانوا في السعودية قالوا : هي عادة " نجدية " ! أو " وهابية " ! وهكذا ..(1/337)
المهم أنها عادة وليست شرعًا !! وتتغير هوية هذه العادة بحسب المكان المراد تغريب نسائه !
3- أن طلائع دعاة السفور هم من الرجال - كما سبق - وليس من النساء ! بل تأتي النساء المغرر بهن تبعًا لمدعي نصرة قضايا المرأة . وهذا مما يؤكد أن القضية لاتستثير المرأة بالمقدار الذي تستثير به " بعض الرجال " ممن لهم إربة ومقاصد من هذه الدعوة ؛ لذا تجد حماسهم لها أكثر من حماس النساء أنفسهن !
4- أن لا ييأس الدعاة والداعيات من حال النسوة اللواتي قد انجرفن مع هذه البدعة ، بل يصبروا ويواصلوا دعوتهن إلى العودة للفضيلة ؛ كما فعل الشيخ هاشم الخطيب - كما سبق - . وسيرون نتائج ذلك بإذن الله ؛ لأن النساء من طبعهن التأثر والإنابة إذا ما عوملن برفق ، وموعظة حسنة .
وقد رأينا في هذه السنين - ولله الحمد - عودة كبيرة إلى الحجاب الشرعي في بلدان شتى ، بعد أن ذاق الجميع ألم البعد عن الله وعن شرعه .
ذكر نجم الدين الغزي في كتابه " الكواكب السائرة " حادثة إنكار أهل دمشق على من سمح لزوجته بالخروج كاشفة وجهها بدعوى أنها من " القواعد " ! ( انظر : المختار المصون ، للأستاذ محمد موسى شريف ، 2/812) .
ذكر الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله - في كتابه " الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب .." ( ص 625) نقلا مهمًا عن الكاتبة الأمريكية " روث فرانستس " نُشر في جريدة الأهرام ، بتاريخ ( 1938-2-27) بينت فيه أنه رغم الجهود المبذولة لتغريب المرأة السورية زمن الاستعمار الفرنسي ؛ إلا أن النتائج دون المأمول !
تقول : ( الحركة النسوية في سوريا أضعف منها في العراق ، مع أن عدد المتعلمات السوريات أكثر بكثير من المتعلمات العراقيات . والمرأة السورية تطورت في العشر سنوات الأخيرة ، ولكن تطورها كان مقصورًا على تنويع شكل النقاب لا القضاء عليه ) .
ذكر الأستاذ محب الدين الخطيب - رحمه الله - في مجلته " الفتح " ( السنة الأولى ، ع 64 ) خبر محاولة تسيير أول مظاهرة نسائية في سوريا عام 1927م زمن الاستعمار الفرنسي ! وقد نشر الأستاذ ظافر القاسمي صورًا لهذه المظاهرة في كتابه " مكتب عنبر " ( 113-117) . والمظاهرات النسائية وسيلة استعملها المستعمر الغربي في عدة دول إسلامية بتواطؤ من أذنابه لتحقيق أهداف التغريب الذي يتم من خلال " عقلية القطيع " دون أي اعتراض ! كما بينت في رسالتي " المشابهة بين قاسم أمين ودعاة تحرير المرأة " .
والمؤلم أنه لا زال يمارس هذه الوسيلة ويُخطط لها من خلال سفاراته ! وسط رضى وتعاون من رجال ونساء الطابور الخامس ، الذين لا مانع عندهم من تسليم البلاد وثرواتها للمحتل في سبيل تحقيق شهواتهم الدنيئة .
رابط متعلق بالموضوع : http://saaid.net/Wa r athah/Alkha r ashy/m/29.htm
===============(1/338)
(1/339)
بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (3) :
العراق
سليمان بن صالح الخراشي
في الحلقتين السابقتين تحدثت عن بداية سفور المرأة المسلمة في الجزائر والشام ، وبينت من خلال أقوال أهل تلك البلاد أن هذا الأمر لم يحدث إلا بعد سقوط بلادهم بيد الاحتلال النصراني الذي شجع هذا المنكر بمواطأة من المنافقين ومرضى القلوب للأسف.
الجزائر : http://saaid.net/Wa r athah/Alkha r ashy/m/32.htm
سوريا : http://saaid.net/Wa r athah/Alkha r ashy/m/42.htm
وهذه الحلقة الثالثة ستكون عن بلاد العراق التي تشهد هذه الأيام عودة الاحتلال النصراني البغيض لأراضيها . ولكن مما يطمئن المسلم أن كثيراً من أبناء المسلمين -ذكوراً وإناثاً- قد وعوا الدرس جيداً وعلموا مكر الأعداء وخبثهم ؛ ولهذا لن يُلدغوا - بإذن الله - مرة أخرى، ولن تنطلي عليهم دعاوى المحتل الزائفة من نشر الحريات أو تحقيق العدل أو غيرها من الأكاذيب التي لا زال يروج لها.
فحق للمسلمين أن يقولوا له ما قاله المثل القديم: " كيف أصدقك وهذا أثر فأسك ؟ " .
لقد كانت المرأة العراقية كغيرها من نساء العالم الإسلامي تلتزم الحجاب الشرعي الذي أمرها الله به ورسول صلى الله عليه وسلم ، فتغطي وجهها عن الرجال الأجانب، واستمرت على هذا الحال الطيب إلى أن سقطت البلاد العراقية بيد المحتل الإنجليزي (عام 1917م في قصة يطول ذكرها) حيث أخذ أعداء الإسلام كعادتهم أينما حلوا يبعثون قضية السفور ويُشجعون دعاتها من المتمسلمين، و كذلك أتباع دينهم من أهل البلد المحتل ؛ لتيقنهم أنها الخطوة الأولى لإفساد أبناء المسلمين ، وإشغالهم عن مقاومتهم .
يقول الأستاذ عباس بغدادي في كتابه " بغداد في العشرينات " ( ص 143 ) واصفًا حال المرأة العراقية ذاك الحين :
( أما العبي النسائية، فكانت من النوع الحريري الأسود، وأحسنها ماركة صائم الدهر، وماركة الشبئون المستوردات من سوريا. أما الفتيات الصغيرات والعرائس فلباسهن عباءات (أم جتف)، أي أن كتف العباءة مدروزة بالكلبدون أو البَكر، أو أن العباءة كلها منسوجة مثل إيزارات اليهوديات والمسيحيات. وينتهي لبس هذه العباءات عند انتهاء حفلة زواج البنت ؛ ذلك أن ولادة الولد الأول يجعل العروس أماً ولا يليق بالأم أن تلبس مثل هذه العباءات، بل تحتفظ بها لبناتها حين يصبحن فتيات، والمرأة المحتشمة تلبس عباءتين : داخلية تُلبس على الكتف ، وخارجية على الرأس مع (البوشية) التي تغطي الوجه ولا تمنع الرؤية، وهي سوداء عدا بوشيات اليهوديات والمسيحيات، فهي مصنوعة من الحرير والكلبدون ، ويمكن رفعها إلى الأعلى وتسمى "بيجة" ) .
بدأت الدعوة إلى السفور في العراق بواسطة شاعرين زنديقين مُلحدَين هما : جميل الزهاوي ، ومعروف الرصافي .
أما أولهما فقد جاهر بإلحاده في ديوان شعر له لم يَسمح بنشره في حياته ، سماه " النزغات " ! وهو اسم على مسمى ! فكله شكوك وحيرة ، وإنكار للغيبيات ، بل إنكار لوجود الله !
وقد قال الزهاوي في رسائله عن هذا الديوان : ( وقصائد هذا الديوان لم تُنشر بعدُ في المجلات والجرائد ، وسوف تُنشر بعد موتي ؛ لأنها تُصادم آراء المتعصبين ) !
ولو صدق الملحد لقال : تصادم دين الله عز وجل . ولكنه كغيره ممن يريد أن يستر إلحاده وكفره بمثل هذه الأعذار .
ثم قام الأستاذ هلال ناجي بنشر هذه القصائد في كتابه " الزهاوي وديوانه المفقود " . ( ص 122ومابعدها ) .
والعجب في أحوال هذا الملحد أنه كان يدور مع مصالحه الدنيوية غير آبه بدين أو خُلق . فقد ألف كتابًا يرد فيه على دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ، تقربًا للدولة العثمانية ، كما اعترف بذلك فيما بعد ، سماه "
الفجر الصادق " رد عليه الشيخ ابن سحمان - رحمه الله - بكتاب " الضياء الشارق " .
ثم لما احتل الإنجليز بلاده وانحسر نفوذ العثمانيين قلب ظهر المجنّ لهم ، وأخذ يذمهم ويمدح الإنجليز الكفار بقصائد مُخزية !! منها قوله :
تبصر أيها العربي واتركْ *** ولاء الترك من قوم لئام
ووالِ الإنجليز رجال عدلٍ *** وصدق في الفعال وفي الكلام
أحبُ الإنجليز وأصطفيهم *** لمرضيّ الإخاء من الأنام
جلوا في الملك ظلمة كل ظلم *** بعدل ضاء كالبدر التمام
هذا الزهاوي كان أول من دعا لسفور المرأة العراقية في شعره ؛ ومن ذلك قوله :
أخر المسلمين عن أمم الأرض *** حجاب تشقى به المسلمات
وقوله :
مزقي ياابنة العراق الحجابا *** واسفري فالحياة تبغي انقلابا
وكتب مقالة طويلة بعنوان "المرأة والدفاع عنها" عقد فيها فصلاً بعنوان "مضار الحجاب"! راح يعدد فيه ما يراه عقله القاصر من سخافات لعله يُقنع العراقيين بباطله ؛ كقوله مثلاً "إن الحجاب يسيء ظن الغربيين بنا؛ فإنهم يقولون لو كان المسلمون واثقين بعفة نسائهم لما ضغطوا عليهن هذا الضغط اللئيم؛ فأخفوهن عن عيون تطمع في النظر إلى وجوههن النضرة" !! ( انظر : " الزهاوي ، دراسات ونصوص ، لعبدالحميد الرشودي ، ص 112-117) .(1/340)
ثم جاء بعده قرينه وصاحبه معروف الرصافي الذي كان في بداية أمره متدينًا من طلاب العلامة محمود شكري الألوسي - رحمه الله - ! ، ثم نكص على عقبيه وانتكس إلى الضلال والإلحاد - والعياذ بالله - . ويشهد لهذا قصائده الفلسفية في ديوانه ؛ ومنها قصيدته السيئة " حقيقتي السلبية " التي يقول فيها :
ولستُ من الذين يرون خيرًا *** بإبقاء الحقيقة في الخفاء
ولاممن يرى الأديان قامت *** بوحيٍ مُنزل للأنبياء
ولكن هنّ وضعٌ وابتداعٌ *** من العقلاء أرباب الدهاء !
........ الخ ضلاله ، كما في ديوانه ( 1/112-114) .
ومما يشهد لذلك : كتابه الذي طُبع حديثًا بعنوان " الحقيقة المحمدية " ، وكان قد منع أن يُطبع في حياته ؛ لما فيه من كفريات وتنقص بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وقد حاول البعض أن يُشكك في نسبة هذا الكتاب له ، ولكن هيهات ! فقد اعترف بذلك هو بنفسه . ( ولهذه القضية مقال قادم إن شاء الله ) .
من أشعار الرصافي في الدعوة إلى سفور المرأة ؛ قصيدته " المرأة في الشرق " التي قالها زمن الاحتلال الإنجليزي ! ؛ ومنها قوله :
وقد ألزموهن الحجاب وأنكروا *** عليهن إلا خرجة بغطاء
وكذلك قصيدته الشهيرة " التربية والأمهات " التي مطلعها :
هي الأخلاق تنبت كالنبات *** إذا سُقيت بماء المكرمات
ولكنه شانها بقوله :
وما ضر العفيفة كشفُ وجه *** بدا بين الأعفاء الأباة
وقد عارض الأستاذ حسين الآزري قصيدته الأولى بقوله :
أكريمة الزوراء لا يذهب بك الـ *** نهج المخالف بيئة الزوراء
أو يخدعنك شاعرٌ بخياله *** إن الخيال مطية الشعراء
حصروا علاجك بالسفور وما دروا *** أن الذي حصروه عينُ الداء
أسفينة الوطن العزيز تبصري *** بالقعر لا يغررك سطح الماء
وحديقة الثمر الجني ترصدي *** عبث اللصوص بليلة ليلاء
لكن دعوة الزهاوي والرصافي باءت بالفشل ، وقابلها المسلمون بالإنكار ؛ إلى أن قام الإنجليز بدعم القضية .
وقد ذكر الأستاذ أنور الجندي في كتابه " الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية " ( ص 623) أن حركة السفور في العراق - بعد هذا - تأخرت (حتى عام 1921 عندما حمل الإنجليز لواءها على يد الإنجليزية "المس كلي" حيث أسست أول مدرسة للبنات 19/1/1920 احتفل بها العميد البريطاني) !
وقد عقد الأستاذ خيري العمري في كتابه " حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث " فصلا بعنوان " معركة السفور في العراق " تطرق فيه إلى تطور القضية بعد ذلك في الصحف ، ومادار حولها ، ثم ختم بقوله ( ص 140-141) :
(وقد يرد إلى الذهن سؤال وهو : من هي أول امرأة عراقية رفعت النقاب عن وجهها وخرجت سافرة ؟! والحقيقة أن الجواب عن ذلك ليس من البساطة بحيث يكفي أن نقول إن فلانة هي من أسفرت في عام كذا دون أن ندعم هذه الدعوى بما يقيم البينة عليها. لذلك فإني ألتمس من القارئ عذراً إذا قلت إنني لا أريد أن أتورط كما تورط غيري في حكم قاطع بهذه المسألة.
نعم ربما يمكن أن نقول إن بغداد لم تخلُ قبل عام 1932 من عراقيات رفعن النقاب عن وجوههن ؛ ولعل عقيلة (حكمت سليمان) من بينهن، ولكننا لا نملك أن نقول إنها أول من أسفرت من نساء العراق ؛ لاسيما وأن أكثر نساء الريف سافرات.
الأمر الثاني الذي أريد أن أذكره هو وجود قوتين كانتا تلعبان في تلك الأيام دورًا مهما في توجيه الأمور وهما : (البلاط) و(دار الاعتماد البريطاني).
وبالنسبة إلى البلاط لم يكن موقف الملك فيصل من قضية سفور المرأة واضحًا، فهو تارة يبدي ما يفهم أو يحمل على محمل التأييد والإسناد ، وطوراً آخر يتراجع عندما يجد الرأي العام ناقماً ساخطاً . والواقع أن الدعوة إلى سفور المرأة ذلك الوقت لم تجد تقبلاً في الأوساط الشعبية.
ولعل سر هذا التقدم والتراجع يرجع إلى عوامل شتى منها تأثره ببعض المقربين إليه ومدى إيمانهم بحرية المرأة، فالملك (علي) كان يدفع بالملك فيصل إلى الوقوف بوجه دعاة سفور المرأة ، و(رستم حيدر) و(ساطع الحصري) كانا يشجعانه ).
أما الدكتور عدنان الرشيد فيقول في مقاله "65 عاماً على سفور أول طالبة في بغداد" المنشور في مجلة الهلال، ربيع ثاني 1424هـ :
(تمر هذه الأيام ذكرى مرور 65 عاماً على سفور أول طالبة في كلية الحقوق في بغداد، وكان ذلك في عام 1934م عندما خلعت الطالبة "صبيحة الشيخ داود" العباءة، ودخلت الكلية، فانبهر الطلاب من هذا المشهد الذي لم يألفوه) .
ويقول - أيضًا - : ( لعلنا في هذا المقام نذكر دور الفتيات المسيحيات واليهوديات في إحياء حركة السفور في بغداد ) .
يقول الأستاذ خيري العمري في كتابه السابق كلامًا له دلالاته عند العقلاء ( ص 138-139) :(1/341)
( إن مفهوم السفور خلال تلك الفترة يختلف عن المفهوم السائد للسفور في هذه الأيام؛ فقد تطور ذلك المفهوم تطوراً كبيراً. كان مفهوماً ضيقاً يُقصد به مجرد رفع النقاب عن الوجه. في حين أنه تجاوز اليوم هذه الدائرة الضيقة، فالمرأة في تلك الأيام كانت تُعتبر سافرة إذا رفعت النقاب عن وجهها. على أنها اليوم لا يكفي أن ترفع النقاب؛ فلابد لها أن ترفع العباءة أيضاً لتكون في عداد السافرات). فكشف الوجه هو الخطوة الأولى .. فافهم !
هذه قصة السفور في بلاد الرافدين - باختصار - ؛ قادها المحتل الإنجليزي مع زمرة من المنحلين ، وتابعهم فيها بعض الأغرار من الرجال والنساء ؛ ظانين - بجهلهم - أن هذا هو طريق التقدم والتحضر ؛ كما أوهمهم بذلك الإنجليز الخبثاء الذين زينوا لهم هذا الفساد ؛ إلى أن اكتشف الكثيرين والكثيرات من أبناء وبنات فيما بعد حقيقة هذه الدعوة الزائفة ؛ فأخذوا بالعودة إلى الالتزام بأحكام دينهم ، والاعتزاز بأخلاقهم ؛ بعدما تيقنوا أن ذلك لا يمنع من علم أو تقدم كما يدعي الأعداء .
وتشهد السنون الأخيرة عودة وأوبة إلى دين الله في بلاد العراق العزيز ، مع حرص على التمسك بعقيدة السلف الصالح ، كما نشاهد ونسمع - ولله الحمد والمنة .
والسعيدُ من وُعظ بغيره ..
والله الهادي والموفق .
===============(1/342)
(1/343)
بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (4) :
المرأة اللبنانية
سليمان بن صالح الخراشي
هذه الحلقة من سلسلة " بدايات السفور" ستفاجئ كثيرين ؛ لأنها تتحدث عن نساء لبنان !
ونساءُ لبنان قد ارتبطن في أذهان كثير منا باللهو والطرب والغناء والرقص والبعد عن الأخلاق فضلا عن الدين ..
لأن هذا ما استطاع الإعلام العربي ترسيخه في عقولنا عن أولئك النسوة .
وأعلم أن في هذا ظلمًا وإجحافًا وبُعدًا عن الحقيقة التي يعلمها من زار تلك البلاد ، وتجول في مدنها وقراها وضيعاتها .. ورأى محافظة أهلها - رجالا ونساء - على دينهم وأخلاقهم الطيبة ؛ ولكن القلة الشاذة في بيروت خاصة - ومعظمهم من النصارى - قد شوهت صورتهم بين الناس .
ولهذا ينبغي على العقلاء من أهل تلك البلاد بذل الجهد لمحو الصورة الإعلامية المشوهة ، واستبدالها بصورة حقيقية حسنة ؛ ويكون ذلك بتأليف المؤلفات ، ونشر المقالات ، وتنفيذ البرامج عن الوجه الآخر للبنان المسلمة من خلال القنوات الإسلامية .. الخ
نعم : إن ضغوط الدول الغربية النصرانية على هذا البلد المسلم كبيرة وضخمة ، منذ سلخه من الدولة العثمانية ، حيث تصدير إخوانهم النصارى فيه ، وتمليكهم البلاد باشتراط أن يكون الحاكم نصرانيًا مارونيًا ، ومحاربة مظاهر الإسلام فيه ، والسعي في تغريب المسلمين .. الخ جهودهم . ومع هذا كله لابد من مواجهة هذا الكيد بنشر الدعوة الصحيحة ، وتوعية المسلمين هناك بدينهم وأخلاقهم ، والتأليف بينهم ؛ حتى يعود لبنان كما كان بلدًا إسلاميًا محافظًا .
أما عن حال المرأة في لبنان إلى وقت قريب قبل أن يغزوها التغريب في عهد الاستعمار الغربي ، فقد تعجب إذا أخبرتك بأن المسلمة هناك كانت تستر وجهها بالنقاب ! وسيزداد عجبك إذا علمت أن المرأة اللبنانية النصرانية كانت مثلها تستر وجهها بالنقاب !
يقول الدكتور النصراني فيليب حِتي في كتابه " تاريخ لبنان " ( ص 516 - 5518 ) متحدثًا عن أحوال بيروت :
( أثناء السنوات العشر التي احتل فيها المصريون سورية تغلغل النفوذ الغربي إلى داخل البلاد ، وأصبحت بيروت الميناء الرئيس ، وهو وضع احتفظت به إلى يومنا هذا .. - إلى أن يقول في وصفها - لم يكن مألوفًا أن يُرى الرجل متأبطًا ساعد امرأة خارج البيت ، وقلّ أن يرى المرء في شوارع بيروت رجالا أوربيين يرتدون ملابسهم الغربية . وإذا تجرأت امرأة غربية - زوجة قنصل أو تاجر - أن تنتقل خلسة من بيت إلى بيت فإن ذلك كان أمرًا يسترعي انتباه الناس ) .
إلى أن يقول :
( لم تكن هنالك مدينة لبنانية أخرى تستطيع أن تنافس بيروت . فطرابلس كانت بلدة صغيرة سكانها سبعة آلاف نسمة ، وكانت صيدا فقدت عظمتها ورونقها ، أما صور فقد كانت تغط في سبات العصور المتوسطة . وفي جميع هذه المدن كانت المرأة النصرانية تغطي وجهها بحجاب كما تفعل المرأة المسلمة ) . انتهى كلامه .
أما عن المرأة المسلمة هناك ؛ فيقول الشيخ محمد رشيد رضا ( اللبناني الأصل ) متحدثًا عن زيارته للبنان وأحوالها في زمنه القريب :
( كانت المسلمات في بيروت أشد محافظة على التقاليد القومية من أمثالهن في سائر المدن السورية، فلم تؤثر فيهن عوامل التفرنج الذي غلب على نساء النصارى لا النافع الصالح منها ولا الضار المفسد ولا عوامل التترك الذي سرى إلى مسلمات دمشق ، فكن أشد مسلمات سورية جمودًا وكان رجالهن راضين بذلك ، ثم رغبوا في تعليم البنات فأنشأوا لهن مدارس ابتدائية ، وأنشأت الحكومة العثمانية مدرسة للبنات في بيروت كان جميع تلميذاتها من المسلمات ؛ لأن النصارى لا يرغبون إلا في مدارس الإفرنج .
ثم وجد في بعض شبان المسلمين الذين تعلموا في المدارس الأوربية والأمريكية وأثر فيهم التفرنج ميل إلى فرنجة النساء ، كان الرأي الاسلامي العام يقاومهم فيه وما زال صديقنا الأستاذ الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت زعيم هؤلاء المقاومين على عنايته بتعليم البنات وإشرافه عليه في عدة مدارس ) .
ثم تحدث عن تجربة " عزمي بك " والي بيروت ، و " أحمد مختار بك بيهم " في إنشاء الجمعيات النسائية الإسلامية - إلى أن قال - :
( أنشأ الزعيمان ناديا للنساء في سنة 1335 (1971م ) وألفا له جمعية من كرائم المتعلمات منهن باسم " جمعية الأمور الخيرية للفتيات المسلمات " ثم أسس هؤلاء الكرائم مدرسة لتعليم البنات ، وكان النادي يعقد اجتماعات نسائية يحضرها النساء والمستحسنون لهذا العمل من الأدباء والأطباء ويلقون فيها الخطب والدروس التي اصطلح كتاب العصر على تسميتها بالمحاضرات ، ويسمعون من أعضاء النادي الكرائم ما يلقينه فيه ويتحدثون معهن في المسائل الأدبية والاقتصادية والصحية وتدبير المنزل والتربية ، وإنما يكن مع الرجال سادلات على وجوههن النقاب الإسلامبولي الأسود ، لا سافرات ) ، ثم ذكر موجز محاضرته التي ألقاها في الجمعية السابقة . ( انظر : رحلات محمد رشيد رضا ؛ للدكتور يوسف ايبش ، ص 244 - 247 ) .
متى بدأ تغريب المرأة اللبنانية ؟!(1/344)
يقول الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله - في كتابه " الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية " ( ص 621 - 622 ) :
( وفي لبنان ارتفعت صيحة الدعوة إلى تحرير المرأة المسلمة باسم الآنسة " نظيرة زين الدين " عام 1929في كتاب ضخم بلغ 420 صفحة من القطع الكبير اسمه " السفور والحجاب " اعتمد على الدعوة العاطفية واستغلال الآيات القرآنية والأحاديث فيما ذهب إليه من حرية السفور ).
( وقد هاجم الشيخ مصطفى الغلاييني هدف كتاب نظيرة زين الدين وقال : إن هذا الكتاب قد اجتمع على تأليفه عدد كبير من اللادينيين والمسيحيين والمبشرين ، وإن الآنسة وأباها ( الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في الجمهورية اللبنانية ) كانا إما مخدوعين أو شريكين لهؤلاء الدساسين ، وانه كشف النقاب عن غايات مؤلفي الكتاب وغيرهم ممن يسعون لإفساد المسلمين والقضاء على عقائدهم وأخلاقهم بالقضاء على المرأة المسلمة .
وقال : إن هذه هي الوسيلة التي وصل إليها أخيرًا المبشرون بعد أن عجزوا عن الطعن في الإسلام ؛ وهي استخدام بعض أهله ، وقال : إنه في عام 1928 كثر اللغط والحديث حول مسألة المرأة في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان والعراق في آن واحد ، ثم ظهر كتاب " السفور والحجاب " المكتوب بأقلام أذناب هؤلاء المبشرين الذين نعرف أسماءهم كلهم ونعرف أكثر أشخاصهم ، وقال : إن مؤلفوا الكتاب قصدوا إلى الطعن في الإسلام في صور من الأساليب خلابة مموهة بالباطل من القول والزخرف من الكلام .. ) . انتهى .
قلتُ : كتاب الشيخ الغلاييني الذي هاجم فيه كتاب نظيرة عنوانه " نظرات في كتاب السفور والحجاب المنسوب إلى الآنسة نظيرة زين الدين " ، ألفه في نفس العام الذي صدر فيه كتاب نظيرة ، مشككا في أن يكون الكتاب من تأليفها ؛ لأنه يعلم حقيقته !
يقول الشيخ في مقدمة كتابه ( ص 5 ) : ( أهدت إليّ الآنسة نظيرة زين الدين كتابها " السفور والحجاب " وأصحبته بكتاب ترغب إليّ فيه أن أنظر في كتابها ، وأبدي رأيي فيما تضمنه من الأفكار والآراء . وما كنتُ جاهلا أمر هذا الكتاب ، ولا من كان يكتب فصوله ، ويُصحح أمثلته في المطبعة . فقد كنتُ أعلم أنه اجتمع على تأليفه المسلم السني ، والمسلم الشيعي ، والنصراني ، واللاديني ) .
ثم أخذ يرد عليها فصلا فصلا ..
قائلا في فصل " النقاب " ( ص 53 ) : ( قد اعتاد نساؤنا النقاب الذي يدفع عنهن نظرات السوء ومقالة الفاسقين ، فأي شأنٍ لكِ فيهن وهن لا يرضين ما تدعيهن إليه ؟! ) .
قلتُ : وقد أعادت إحدى دور النشر العلمانية في لبنان طباعة كتاب " السفور والحجاب " لنظيرة ، عام 1998، بمراجعة وتقديم من الدكتورة المتحررة بثينة شعبان - هداها الله - . فحريٌ بدعاة الفضيلة إعادة طباعة كتاب الشيخ الغلاييني ، الذي لم يُطبع - حسب علمي - منذ طبعته الأولى .
ختامًا : لمعرفة تطور حركة تغريب المرأة في لبنان ؛ طالع كتاب " أضواء على الحركة النسائية المعاصرة " لروز غريب ، ( ص 346 - 353 ) .
=============(1/345)
(1/346)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 5 ) :
المغرب
سليمان بن صالح الخراشي
سبق في الحلقات الأربع الماضية الحديث عن بداية السفور في بعض بلاد العالم الإسلامي ( الجزائر ، العراق ، سوريا ، لبنان ) ، وهي موجودة في صفحتي بموقع صيد الفوائد ، وتبين لنا أن سفور المرأة المسلمة ، ( وكشفها وجهها أمام غير المحارم ) لم يبدأ إلا بعد سقوط معظم بلاد المسلمين بيد المستعمر الكافر الذي اجتهد في تسهيل هذا الأمر ، وتشجيع مرضى القلوب من أبناء المسلمين للقيام به والدعوة إليه ؛ لأنه يخدم تسلطهم واستعمارهم ؛ بما يؤدي إليه من إضعاف الأمة ، وإغراقها بالشهوات التي تستنزف طاقاتها ، وتصرفها عن مقاومة المحتل الكافر مقاومة إسلامية .
وتبين لنا - أيضًا - حقيقة مهمة حاول البعض إخفاءها ؛ وهي أن الأمة مجمعة عمليًا على تغطية المرأة لوجهها في جميع البلاد الإسلامية قبل قدوم الغازي الكافر ؛ كما نقلتُ دليل هذا من أهلها ، والمؤرخين لأحداثها . بما يكشف أكذوبة أن تغطية الوجه خاص بأهل الجزيرة !!
= = = = = = = = = = = = = =
وفي هذه الحلقة أواصل الحديث عن بلد إسلامي آخر ، وقع فيه ما وقع لغيره ؛ من انتشار هذا السفور الطارئ على نسائه بعد الاستعمار ؛ وأقدم بخطاب رفعه أهل الرباط لملك المغرب - ونقله الشيخ عبدالله كنون في كتابه " معارك " ( 275-285) - يشتكون فيه - كما يقولون - من ( انحلال الأخلاق وتدهور المجتمع بصورة لم يسبق لها مثيل ) ، وذلك بعيد رحيل المستعمر عن بلادهم . ومما جاء فيه ؛ قولهم :
( إن الاستعمار قد انتزع فكرة الحلال والحرام من نفوس أبنائنا الذين رباهم على يده ، والسياسة التعليمية التي وضعها ما تزال متبعة في أكثر خطوطها، فإذا كان هذا الذي عرضناه من نتائج المدرسة الاستعمارية لا يرضي المسؤولين عندنا -واعتقادنا أنه لا يرضيهم- فعليهم أن يأخذوا الأمر بجد ، وأن يضربوا ببرامج التعليم الاستعمارية عرض الحائط، ويضعوا سياسة تعليمية جديدة قائمة بأنوار الثقافة الحق والحضارة الإسلامية، وإلا فإن الأمر سيفضي بهم وبنا إلى ما لا تحمد عقباه، وما هذا النموذج الذي عرض نفسه علينا وأطلعناهم عليه إلا مثال مما سيصير إليه المواطنون المغاربة من الاستهتار بالقيم الخلقية ولوثة العقل والثورة على كل الأوضاع القائمة وتقويضها من أجل قيام الوضع الذي زينه لهم في صحافته ويدعوهم إليه بمختلف الوسائل ) .
لقد كانت المرأة المغربية كغيرها من نساء المسلمين ؛ تغطي وجهها عن الأجانب ؛ امتثالا لأمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الأستاذ محمد بن أحمد اشماغو في كتابه " المجتمع المغربي كما عرفته خلال خمسين سنة ، من عام 1350إلى عام 1400 هـ " ( ص 23 ) متحدثًا عن طبقات المجتمع المغربي " الغنية والمتوسطة والفقيرة " قائلا ( ص23 ) :
( وبما أن النساء كن محجبات -في الطبقات الثلاث- لا تبرز للعيان الجميلة منهن والعادية والدميمة، فإن الزوج -غالباً- ما كان يحمد الله على القسمة، ويتصور أن زوجته هي سيدة النساء، حتى ولو كان من الذين سبق أن تعرفوا على جوانب الحياة كلها الخفي والظاهر منها، ذلك لأن الزوجة تمتاز بأنها المأوى الأمين والرفيق في دروب الحياة، والمساعد على تكاليف وأعباء العيش، والصابرة عند الضائقات، فعلى هذا تكون الزوجة كريمة وغالية عند الكرام الغلاة ) .
قلتُ : من السنة أن يرى الرجل مخطوبته قبل الزواج ؛ فكما أننا لا نتساهل ؛ فكذلك لا نتشدد بمجاوزة السنة .
ويُعلق الدكتور مصطفى الحيا على التأثير الفرنسي في مجال اللباس بالمغرب فيقول: (.. ظلت المرأة المغربية لعهود طويلة تُعرف بزيها الأصيل والمحتشم الذي يشمل الجلباب والنقاب، لكن عندما خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا فبقيت الحياة التنظيمية والعصرية مطبوعة بالطابع الفرنسي، فأثر ذلك على المظهر الخارجي للمرأة المغربية الذي أصبح مطبوعاً بالطابع الأوروبي؛ فالحجاب هو من خصوصيات المرأة المسلمة، ومنها المغربية، وقد استطاعت النخبة المغتربة بالمغرب أن تؤكد أن من مظاهر تحرر المرأة المغربية هو نزعها للحجاب، بل ذهب بعض مناضلي اليسار المغربي إلى اعتبار أن نزع المرأة المغربية للحجاب هو احتجاج على الاستعمار الفرنسي، وهذا منطق مغلوط؛ لأنه لا يمكن أن تكون مواجهة ومقاومة للغرب بنفس غير النفس الديني الإسلامي، وبدون الاعتماد على مقوماتنا، وخاصة أن عنصر القوة فينا هو الإسلام، ففي الجزائر مثلاً أصيب الاستعمار الفرنسي أثناء احتفاله بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر بالخيبة والحسرة عندما وجد نفسه أمام كم هائل من النساء الجزائريات المحجبات، فتأكد له أن كل خططه لن تنجح ما دامت المرأة ظلت متمسكة بدينها...) . ( مجلة البيان ، العدد 203) .(1/347)
وعندما ألقى الشيخ محمد بن الحسن الحجوي ( ت 1376) صاحب كتاب " الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي " محاضرته عن تعليم الفتاة في المغرب عام ( 1925م) اعترض عليه كثير من الناس هناك ظانين أنه يدعو إلى السفور وكشف الوجه ؛ لما رأوه من ارتباط تعليم الفتاة بسفورها في دول المستعمرين ؛ مما دعاه إلى إلقاء محاضرة قيمة أخرى بعنوان ( تعليم الفتيات لا سفور المرأة ) قال فيها : ( إني أعلم أن الذين أنكروا علي الحث على تعليم البنات لهم قصد حسن ، وغيرة حملتهم على ذلك ) . وقال : ( ولما كان تعليم الفتيات قد تعارض عند بعض الناس بمسألة سفور المرأة ؛ لسبب سأبينه فيما بعد ، لذلك نبهت على ذلك في أول كلمة ؛ إزالة للبس وإذهابًا لظلام المخالطة ) . ثم شن حملة قوية على دعاة سفور المرأة في العالم الإسلامي ؛ من أمثال : قاسم أمين ، والطاهر الحداد .
وقد طبعت محاضرته هذا العام 1425 بتحقيق الدكتور محمد بن عزوز .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يوفق المؤمنات للعودة إلى الحجاب الشرعي ، وأن يعلمن - وغيرهن - أن الله لا يأمر بشيئ إلا وفيه مصلحة المرء والمجتمع ، وأن الحجاب لا يعيق المرأة عن ما ينفعها ؛ من علم أو عمل مناسب لطبيعتها . والله الهادي .
==================(1/348)
(1/349)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 7 ) : ..
المرأة التونسية
سليمان بن صالح الخراشي
يأتي نشر هذه الحلقة متزامنًا مع الحملة الشرسة التي تشنها الحكومة التونسية ضد الحجاب ، والواضح أنها حملة عالمية منسقة ، تناغم فيها الأذناب مع رؤوس الكفر ؛ كما رأينا في فرنسا وبريطانيا ، ثم تونس ومصر .. الخ ، ولكن الأمل أن يردهم الله على أعقابهم خاسرين خائبين .
- كانت تونس كغيرها من بلاد العالم الإسلامي يلتزم نساؤها الحجاب الشرعي ، فيسترن وجوههن عن الأجانب ، إلى أن سقطت البلاد بيد الاستعمار الأجنبي الذي شجع دعوات السفور التي قادها تلاميذهم من المنافقين ومرضى القلوب . فكانت البداية أوائل 1924م ، عندما عقد الحزب الاشتراكي ندوة في المنبر الحر بالترقي ، ويومئذ اعتلت المنصة موظفة مسلمة سافرة ، هي منوبية الورتاني وخطبت في الجمهور مطالبة في جرأة بحقوق المرأة المسلمة، ملحة على ضرورة رفع الحجاب عنها.. وأحدث خطابها رجة في صفوف الحاضرين لا سيما أن تجرؤ امرأة مسلمة على الوقوف أمام الجمهور ومخاطبته سافرة للمطالبة بما لا يخطر على بال مسلم تونسي يومئذ كان بدعة " . ومما يُذكر هنا قصيدة الأستاذ عبدالرزاق كرباكة التي وجهها للمحاضِرة بعنوان (داعية رفع الحجاب) :
أعقيلة الإسلام هل يرضيكِ *** هتكُ الحجاب ومسُ شرع نبيك؟
ماذا رأيت أفي التبرج زبرج *** يا سوأة القوم الألى ولدوك
ما أنجبوك لكي تكوني سُبة *** للغير يشناهم بها شانيك
تالله داعية التهتك لم ترا *** عي الدين لم ترعي حمى أهليك
ماذا يضرك ذا الحجاب وحرزه *** حتى انبريت تسفهين ذويك
أنا لا أرى إبقاء جهلك لا ولا *** أرضى بقانون به ساسوك
بل إن رأيي أن تنالي تعلما *** وأصول تربية وإن صدوك
لنرى مآثرك الزكية قد بدت *** في عيش بعلك واهتداء بنيك
فلك من الفكر السليم غريزة *** ولك من العزمات ما يكفيك
ولسوف ينبت فيك غرس العلم إن *** بذروه خير صيانة وسلوك
إلى أن يقول :
فتربعي في كسر بيتك واقنعي *** بالعيش ضمن صيانة تكسوك
ودعي سلوكاً شائناً كيما تكو *** ني قوة لحجابك المسموك
يا ما أجلك في مخافيه ويا *** ما أحصن الخدر الذي يؤويك
ولك إذا شئت الهداية إسوة *** ببنات يثرب أو نسا اليرموك
- ثم حلت سنة 1929 فدخلت معركة الحجاب في طور جديد اصطبغ بالسياسة: ذلك أن امرأة تونسية مثقفة تدعى حبيبة المنشاري اعتلت سافرة منبر جمعية الترقي بالعاصمة ؛ فألقت مسامرة في جمع غفير من الرجال ومن الأوانس والعقائل التونسيات، وقد بسطت فيها حالة المرأة التونسية ونددت بالحجاب، ولثاني مرة في تونس جرؤت امرأة مسلمة على الوقوف أمام الجمهور ومخاطبته سافرة ؛ مما أحدث رجة في القاعة ، فصفق لها المعجبون وعبس المستنكرون، وكان الجمهور خليطاً من الفرنسيين والتونسيين ، وقد اعتلى عديد منهم المنصة، وتكلموا إما للترحيب بالمحاضرة السيدة حبيبة المنشاري وإبداء الإعجاب بآرائها ومهاجمة الآباء الجامدين المتزمتين ؛ كما عبر عن ذلك المحامي محمد نعمان والمسيو "لافيت" رئيس تحرير جريدة "البتي ماتان" والمسيو"دوريل" رئيس الجامعة الفرنسية للعملة بتونس والأستاذ في معهد كارنو.. " . وفي هذه الأمسية أخذ الكلمة بعد محاضرة المنشاري المحامي الحبيب بورقيبة - رئيس تونس الهالك فيما بعد - وقال : " إن الوقت لم يحن بعد لرفع الحجاب " ! لعلمه أن المجتمع المسلم لازال متماسكًا أمام دعاة التغريب .
- بعدها بدأ دعاة التغريب بتواطؤ من الغرب المستعمر شن حملة ضد الحجاب وغيره من الأحكام الشرعية ، مع ترديد الزخارف التي ينخدع بها السذج ؛ كقول أحدهم - الهادي العبيدي - عام 1928م : " إن الأمة التونسية اليوم على باب تطور جديد ونهضة تؤذن بمستقبل زاهر، فواجب عليها أن تدخل البيوت من أبوابها وتأخذ بوسائل النهضة الحقيقية حتى تبلغ المراد من أقرب السبل فتقتصد الوقت ولا تتكلف من التضحيات والمشاق إلا قليلا.. " .. الخ زخارفه التي يشهد واقع تونس بعد 78سنة بكذبها !!
- ثم أصدر مُغرّب المرأة في تونس " الطاهر الحداد " - عام 1930م كتابه الشهير " امرأتنا في الشريعة والمجتمع " ، فأصبح - كما يقول بوعلي ياسين - : ( بمنزلة قاسم أمين في مصر ) ، وقد قيل إن الكتاب ليس له ، إنما ألفه أحد النصارى - الأب سلام - وجعله باسمه ؛ خداعًا للمجتمع المسلم . وقد دعا الحداد في كتابه إلى أمور كثيرة منكرة ، على رأسها مطالبته بنزع الحجاب وكشف الوجه - كخطوة أولى - . يقول في كتابه مشوهًا النقاب الذي كانت تلبسه التونسيات : ( ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعًا للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين ) ! ( الأعمال الكاملة 3/208) .(1/350)
- وقد تصدى علماء تونس والغيورون فيها للحداد وردوا عليه ، ومن تلك الردود : كتاب " سيف الحق على من لا يرى الحق " للشيخ عمر البري - رحمه الله - ، وكتاب " الحِداد على امرأة الحدّاد " للشيخ محمد الصالح بن مراد - رحمه الله - ، وغيرهم من العلماء والشعراء . ومن أقوالهم فيه : قال الشيخ ابن مراد : ( أجهدتَ قريحتك وأعملتَ فكرك في سبب وضعنا لنسائنا النقاب على وجوههن ؛ فأنتج لك ذاك ما قلتَه بصفحة 115 من أنا نضع النقاب على وجه المرأة منعاً لها من الفجور، وأن ذلك شبيه بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين!! ذكاء مفرط وفهم عجيب! أتتصور أنا نعتقد في نسائنا الفجور، وأنهن يعضضن المارين؟ إن اعتقادك لذلك غاية البلاهة، وإن جوابك عن ذلك الاستنتاج العجيب هو ما سمعنا منك قوله في حق الأوربية، فوضع النقاب ليمنع عين الفجار من أن تنالهن وأبصار الفساق من أن تنظرهن، مع اعتقادنا فيهن غاية العفة والجلال ) .
وقال أحد الشعراء فيه :
حذار من التجديد واخش المكائدا *** فمن خالط الحدّاد نال السوائدا
فتى غره الشيطان وابتز عقله *** فأصبح للدين الحنيف معاندا
يؤول آيات الكتاب بجهله *** على أنه قد جاء للحق ذائدا!
وينقض أحكام الشريعة إن أتت *** تخالف ما يهوى وأن كان فاسدا
وقال غيره في داعيات السفور :
تعالت على سَنن العرب *** وباتت تئن من الحجب
تود التبرج مسفرة *** لتخلص من ربقة النُقب
بربكِ عذراء تونس رفقا *** بأهل البطولة والحسب
فلا تستزيدي لشقوتهم *** مرارة هزء من الأجنبي
وقال آخر :
عيشي كجدتك البتول ببيتها *** وعن التبرج والهوى أنهاك
كوني "كعائشة" ولا تتقاعسي *** عن كل علم فيه نور هداك
تعليم أهل الشرق أنتج "زينبا" *** وكذاك "عائشة" إليها تحاكي
لا تكشفي منك الحجاب فإنه *** صون به ترضين من رباك
ربي البنين على الفضيلة والتقى *** واحييهم من سر لطف حياك
وقال الشاعر القصار :
هل أنهن إذا رفعن حجابا *** يبلغن من نيل العلا أسبابا
كلا فهتك الستر شر مصيبة *** يغدو بها صرح العفاف خرابا
حسبوا التمدن في السفور وما دروا *** أن السفور يُنصر الأعرابا
ويُضل عن طرق الهداية مؤمنا *** عرف الشريعة سنة وكتابا
ماذا تنال البنت إن كشفت على الـ *** وجه المصون وقصرت أثوابا
وتبرجت وجها لوجه بالبغا *** ة الجاهلين الصون والآدابا؟
هذا يغازلها وذا يرمي لها *** قولاً بذيئاً جيئة وذهابا
وبجهلها تنقاد حتما للخنا *** فتدنس الأعراض والأنسابا
وتتيه في واد الفجور كأنها *** خُلقت بغيًا لا تخاف عتابا
تلهو وتمرح في المراقص بين أبـ *** ـناء الهوى من حولها أسرابا
- ثم بدأ نشر الجمعيات النسائية الموجهة من المستعمر ؛ لتؤدي دورها في اختراق المجتمع النسائي التونسي ، وتنشر فيه التغريب ، ومن ذلك : في سنة 1932 م أقامت إحدى الجمعيات تحت إشراف عقيلة المقيم العام (مونصرون ) وأميرتين من الأسرة المالكة ، إحداهما ابنة البشير صفر ، الوطني المعروف : حفلة بدار الخلصي بالعاصمة ، ودعت إليها عدداً كبيراً من الأوانس والسيدات التونسيات المسلمات واليهوديات والغربيات لجمع ما تجود به هممهن لمواساة منكوبي الإعصار ..
- ثم جاء عهد الهالك " أبورقيبة " الذي - كما يقول الأستاذ أحمد خالد - : ( حقق في سنة 1956م بعد أن أصبح المسؤول الأول في الدولة ما كان يصبو إليه صاحب " امرأتنا في الشريعة والمجتمع " ) أي الحداد . وذلك بإصداره قانون الأحوال الشخصية ، ثم محاربته للحجاب أشد محاربة . وهو القائل : ( أثرت في نفسي مطالعة كتاب الطاهر الحداد ) ، والقائل : ( أول عمل قمت به بعد أن توليت مقاليد الحكم في البلاد هو إصدار مجلة الأحوال الشخصية ) !
( النساء في الخطاب العربي المعاصر ، ص 92 ) .
قلتُ : لم يسلمك أسيادك الحكمَ إلا لأجل هذا !
- والآن يعيش المجتمع التونسي نهاية حقبة فرض السفور والتبرج الطارئة عليه ، التي تبناها المنحرفون بدءًا من الحداد ثم بورقيبة إلى بن علي ، فيشهد عودة مباركة للحجاب الشرعي تتحدى أعداء الفضيلة ، انخلعت لها قلوب أعداء الله ، ينبغي على أهلها : الصبر والثبات على دينهم ، والاجتهاد في نشر الدعوة ، ومحاربة الفساد ، وتقديم البدائل الشرعية ، والبيئة - التعليمية والعملية - الإسلامية الصالحة التي تغني النساء المؤمنات عن ابتزاز أهل الفساد ؛ إلى أن يستريح برّ أو يُستراح من فاجر .. والله الهادي والموفق .(1/351)
مراجع المقال : " أضواء من البيئة التونسية على الطاهر الحداد .." أحمد خالد ، " حقوق المرأة في الكتابة العربية .. " بوعلي ياسين ، " قضية المرأة في فكر النهضة " فرج بن رمضان ، " تعليم الفتيات لا سفور المرأة " الشيخ الحجوي ، " النساء في الخطاب العربي المعاصر " مجموعة باحثين ، " المرأة العربية .. " حسين العودات ، " مائة عام على تحرير المرأة " مجموعة باحثين ، " حراسة الفضيلة " الشيخ بكر أبوزيد ، " أضواء على الحركة النسائية " روز غريب ، " الأعمال الكاملة للحداد " ، " الحركات الاجتماعية في العالم العربي " مجموعة باحثين ، " الطاهر الحداد " الجيلاني يحيى " ، " الحداد ومسألة الحداثة .. " أحمد خالد .
===============(1/352)
(1/353)
بدايات السفور في العالم الإسلامي ( 8 ) : ..
المرأة الألبانية
سليمان بن صالح الخراشي
- عاشت ألبانيا إسلامها في ظل الدولة العثمانية ، وكانت المرأة الألبانية كأختها المسلمة ، تلتزم الحجاب الشرعي ، وتستر وجهها عن الأجانب ؛ إلى أن تآمر الأعداء على ألبانيا بسقوط الدولة العثمانية . فوقعت ألبانيا بأيدي الاستعمار ؛ الذي ووجه بصمودٍ من أهلها وتمسكٍ بالدين ، فما كان من المستعمرين إلا أن أورثوا البلاد أحد " عملائهم " ليقوم بمهمة محاربة شرائع الإسلام - ومنها الحجاب - نيابة عنهم .
- فقد تولى "أحمد زوغو" عرش ألبانيا في سنة 1347هـ/ 1928م ، وكان رئيس جمهورية ، إلا أن الغرب حثه - كما يقول د رجب بويا - " على تحويل ألبانيا من الجمهورية إلى الملكية ؛ كي يبقى في الحكم مدى الحياة ، وقد أعجبه ذلك ، فأمر بتحويلها إلى الملكية سنة 1928م وأعلن نفسه ملكًا عليها " ( الألبانيون والإسلام ، ص 73 ) .
- كان " أحمد زوغو " كما يقول المؤرخ محمود شاكر " ملكًا سيئًا ، حاول تغيير العادات ومسايرة الدول الأوربية ؛ ففرض السفور على نساء وطنه ؛ مما اضطر عددًا من المواطنين إلى مغادرة البلاد والاتجاه نحو بقية البلاد الإسلامية " . ( المسلمون تحت السيطرة الشيوعية ، ص 118 ) .
- ففي سنة 1356هـ/1937م أصدر "أحمد زوغو" قراراً بنزع نقاب المرأة المسلمة، وإلزام موظفي الدولة، وطلاب المدرسة الثانوية بلبس البرنيطة، وقد عارضه العلماء في ذلك معارضة شديدة، وتصدوا لأفكاره، وقراراته غير الإسلامية، فعمل من جانبه على إسكات صوت الحق، وإخراس الألسن التي تصدت لأفكاره الملحدة، فاضطهد العلماء، وصب جام غضبه عليهم، مما جعل البعض منهم يفر من هذا الظلم والطغيان، تاركاً وطنه، ويذهب بنفسه وآله إلى البلاد الإسلامية الأخرى .
- لقد كانت نهاية " زوغو " عبرة للمعتبرين ؛ لأنه فر من بلاده بسبب أن الغرب انقلب عليه ! يقول صاحب كتاب " ألبانيا بلد النسور " ( ص 17-18) : " لقد خان زوغو شعبه ليخدم الاستعمار .. فخانه الاستعمار وطرده " .
- يقول الدكتور سيد محمد يونس : " بعد الحرب العالمية الثانية (1358 -1363هـ/1939-1944م ) حكم الشيوعيون البلاد الإسلامية التي وقعت تحت سيطرتهم بالحديد والنار، واستعملوا الشدة والقسوة في معاملة هذه الشعوب، وحرموهم من خيرات بلادهم، واستصفوها لأنفسهم، ومنعوهم من مباشرة شعائرهم الدينية. وفي ألبانيا حالوا بشتى الطرق وكافة الوسائل القضاء على المسلمين فيها، والتضييق عليهم في الأرزاق، ولم يكتفوا بذلك، بل ألغوا المناهج الإسلامية التي تدرس في المدارس، والمعاهد العلمية، وفرضوا عليها رقابة مشددة وصارمة على المؤسسات العلمية والمدرسين؛ وذلك بقصد القضاء على الإسلام وتخريج خريجين لا يعرفون شيئاً عن الإسلام سوى اسمه. ولم تسلم منهم البيوت، فقاموا بهدم كثير من دور ومنازل المسلمين؛ وكذلك أفسدوا الحرث والنسل، وعاثوا في الأرض فساداً، وهدموا المساجد، التي يذكر فيها اسم الله -تعالى-. كما أطاحوا بالقيادة الشرعية للمسلمين، بإلغاء منصب "المفتي الأعظم" في العاصمة "تيرانا"، وكذلك مجلس العلماء الذين كانوا يؤدون رسالتهم بجد ونشاط، في أنحاء العالم، عن طريقه .
وفي سنة 1398هـ/1977م أصدرت الحكومة الشيوعية قراراً بمنع كافة الأنشطة الدينية في جميع البلاد.
وكذلك دعت إلى سياسة الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، وفي الحفلات ، ورغّبت النساء في السفور، كما أرغم الشيوعيون المسلمين في الجيش وكتائب العمل على أكل لحم الخنزير. واعتقلت علماء الإسلام، وزجت بهم في غياهب سجون، لتقضي على صوت الإسلام في البلاد.
بعد أن سقطت الشيوعية، وذهبت إلى غير رجعة، تنفس المسلمون الألبانيون -وغيرهم من الذين كانوا تحت نير الحكم الشيوعي الفاسد- الصعداء، ونعموا بالراحة، بعد طول عناء، وكبت وإرهاق وشقاء، فعملوا على النهوض بمرافق البلاد، والأخذ بيدها نحو التحضر والرقي.
وأولى الألبانيون عنايتهم إلى إقامة بعض المساجد التي تهدمت ، ففي "أشقودرة" أعيد الآن فتح مسجدين، و(23) مسجداً في (23) قرية، وبدئ في بعضها تدريس مبادئ الإسلام لأولاد المسلمين. وعلى الرغم من انطلاق الشعب الألباني نحو التقدم والرقي بخطى سريعة إلا أنهم في حاجة إلى مساعدة إخوانهم المسلمين " . ( الإسلام والمسلمون في ألبانيا " ، ص 89-100) .
فائدة : كانت عائلة الشيخ الألباني - رحمه الله - ممن فر من ظلم أحمد زوغو ، وقد تعرض له الشيخ في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( رقم 3203) عند حديث " ستكون هجرة بعد هجرة .. " قائلا : ( في الحديث بشرى لنا آل الوالد الذي هاجر بأهله من بلده أشقودرة عاصمة ألبانيا يومئذ ، فرارًا بالدين من ثورة أحمد زوغو ، أزاغ الله قلبه ، الذي بدأ يسير في المسلمين الألبان مسيرة سلفه أتاتورك في تركيا .. ) .
============(1/354)
(1/355)
رؤية حول : العدمية وما بعد الحداثة
مبارك عامر بقنة
منذ أن انفلت العالم الغربي من عقال الدين وخاصة بعد ما سمي بعصر التنوير، أصبح يرتاد بعقله في كل شيء: المعقول وغير المعقول، فصار ينتج أفكاراً وفلسفات متناقضة متعارضة؛ فلا يكاد يرفع من قيمة فلسفة حتى يبادر بنقدها بعد قليل ويدعو إلى هدمها، إضافة إلى تعدد الرؤى الفلسفية وتناقضها بالنسبة للشيء الواحد؛ فليس عندهم شيء ثابت، ولا تكاد تعثر على رأي متفق عليه في النظر إلى هذه الفلسفات، حتى من جهة التعريف بها، وفي هذه الأجواء تُكتب هذه المقالة.
العدمية لقب ينطبق على فلسفات متطرفة متنوعة تشكل النهاية المنطقية لمعظم الفلسفات الإنسانية الغربية الحديثة. وهي ـ كما يعرفونها ـ حالة نفسية وجودية يمارسها الشخص، تقوم على رفض كل شيء من (اللاهوت إلى الفكر العلماني)، أو بعبارة أخرى: هي الاعتقاد بلا شيء؛ فالإيمان والقيم الإيجابية تنعدم وتتلاشى في العدمية؛ فلا يوجد فرق بين الوجود الإلهي وعدمه، ولا يوجد هناك مطلق أو أي أرضية موضوعية للحقيقة وخصوصاً الأخلاق الحقيقية الفاضلة؛ فكل شيء مباح ولا اعتبار للأخلاق مطلقاً. والأمر الآخر التي ترفضه العدمية هو الإيمان بالغاية النهائية؛ إذ لا يوجد لديهم دليل يثبت أن الكون ذو هدف ويعمل لغاية؛ فالعدم نهاية الوجود.
والدين عند العدميين يعتبر خطراً أساسياً على الفرد والمجتمع؛ لأنه يعطل العقل، ويلوِّث الفِطَر السليمة، ويفسد التحليل النقدي. فالدين يقول: اعمل ما أقول لك؛ لأني قلت ذلك فقط. فالأشياء التي لا يمكن إثباتها تحتاج إلى الدين.
* شيطان العولمة ماذا يقول؟
وقد لخص ـ شيطانهم ـ «نيتشه» العدمية فيما يدعيه بـ «موت الإله» و«سقوط القيم العليا». فكل القيم والأخلاق الحديثة برمتها خاطئة وغير قابلة للتطبيق والتقدير.
والإنسان هو الذي يجعل هناك اختلافاً بين الخير والشر، والحق والباطل؛ فالعدمية جبرية صرفة؛ فهي تنفي قدرة الإنسان وإرادته، وتجعله كالقشة تحركها الرياح كيف تشاء؛ ولهذا فنحن لسنا مسؤولين عما نفعل. فكل شيء نعمله أو نفكر فيه أو نشعر به هو فقط نتيجة لأسباب مسبقة ـ ولا يهم هل هذه الأسباب المسبقة هي أعمالي وأفكاري ومشاعري الماضية ـ وهذه الأسباب المسبقة ستؤثر على الأسباب التالية.
ولو أننا تتبعنا أثر السلسلة أكثر فأكثر فإننا سوف نصل إلى هذه الأسباب التي هي خارجة عنا تماماً كالبيئة والوراثة؛ فنحن لا نملك حرية الإرادة؛ فليس هناك معنى للخير والشر؛ لسببين:
أولاً: لأننا لسنا مسؤولين عن أعمالنا؛ ولذلك فأنا لا أمدح ولا أذم على الخير والشر.
ثانياً: لأننا لسنا مسؤولين عن أفكارنا، فليس لدينا أي ثقة، أن عقلنا سيقودنا إلى الحقيقة لمعرفة الخير والشر.
وهنا تظهر محاولة العدميين في إسقاط وإلغاء إرادة الإنسان وقدرته على توجيه ذاته والسيطرة على أفكاره وسلوكه كي يكون مسوغاً في أن يفعل الإنسان ما شاء دون رقيب من ضمير، أو سيطرة من سلطة عليا تحول بينه وبين شهواته.
وهذه العدمية المقيتة التي تنافي الإدراك والحس؛ جعلت العدمي يشعر بعدم الرضا والارتياح، ولذلك هو يبحث عن الأسباب التي تجعله يعتقد بعدم وجود الإله. فالذنوب التي نقترفها تشكل مشكلة مع حالة علمنا بوجود الإله؛ لذلك يتجه العدمي إلى أن يجعل نفسه في حالة جهل؛ فيتجه للشك في وجود الإله. فالعدمية شكِّية أساساً في كل شيء: في الإله، والعالم، والحياة.
وللعدمية في الغالب تصنيفان:
الأول: عدمية هامدة (العدمية الاجتماعية) وهي في الغالب ما يُصطلح عليه بالوجودية. والعدمي الهامد عادة ما يُلازَم بأمزجة يأس، وحالات تدميرية عشوائية، وهي تنكر ـ في شكلها الوجودي المتطرف ـ الحياة نفسها بسبب مظهرها اللامعنى.
والانتحار عند نيتشه هو «عمل العدمية». فالعدمية الهامدة هي قبول عالم دون معنى باستسلام يائس.
الثاني: عدمية نشطة (العدمية السياسية) وهي محاولة للقضاء على كل القيم بما في ذلك القيم المتصلة بالعالم الحق. فالعدمية النشطة تبحث في تدمير التصنيفات الموروثة المتبقية للقيم. وهي شكل العدمية الراديكالية. و (نيتشه) يمثل العدمية النشطة في هجومه على كل الأديان والأخلاق والقيم، وكذلك الإله والغيب والحقائق والعواطف والإنسانية، والتمييز بين الحق والشر والحق والباطل.
والعدمية النشطة تؤدي إلى العدمية الكاملة والتي تتحقق عندما لا يكون هناك أي قيمة تذكر. فالعدمية الكاملة هي التدمير الكلي لجميع القيم. وإذا تحققت العدمية الكلية فإنه بالإمكان التخلي عن العدمية وإيجاد تصنيفات جديدة للقيم والتقدير.
فعندهم غياب كل الموروثات والقيم الدينية يتيح الفرصة لعصر جديد بقيم جديدة، قيم بارزة تطبق على هذا العالم تستند على تأسيس متين لقدراتنا الإبداعية، والتي تشكل عصراً جديداً للتقدم الإنساني بعد انتصار العدمية. ووفقاً لـ (نيتشه) فالحداثة تتميز من قبل مجيء العدمية الراديكالية؛ فالتاريخ بعد قرنين سيكون تاريخاً للعدمية النشطة المتطرفة. والنقطة الحرجة لتفسير الحداثة عند (نيتشه) هي إمكانية انتصار العدمية أي (إعادة تقييم كل القيم).(1/356)
*العلاقة بين العدمية وما بعد الحداثة:
إن المُنظِّر الأساسي للعدمية في العصر الحديث هو (نيتشه) وهو أيضاً واحد من المتقدمين الأساسيين لنظرية (ما بعد الحداثة) في التراث الفلسفي الغربي. وهذا يعني أن تفكير (نيتشه) يضم عناصر كبيرة مما يسمى (ما بعد الحداثة).
وتوصيف نظرية العدمية وربطها بـ (ما بعد الحداثة) أمر في غاية الصعوبة، وخصوصاً أن (نيتشه) إنسان غامض ونظريته ـ كباقي النظريات ـ مفتوحة لكثير من التفسيرات والملاحظات. إلا أنه بالإمكان قراءة نظرية (نيتشه) بطريقة حديثة. وقد قام بتفسيرها وربطها بالحداثة الفيلسوف الإيطالي (فاتيمو) حيث يتصور أن الأشكال العامة لما بعد الحداثة هي في تحولات العدمية؛ فالعدمية تؤكد وتثبت ولا تنكر عن طريق ما بعد الحداثة، فيصح إطلاق القول لما بعد الحداثة بالعدمية.
كتب (نيتشه) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر: «العدمية هي علة عصر الحداثة، وخصوصاً، الحداثة الأرومية، فتأثيرها يطال المجتمع الغربي وثقافته بشكل عام بالإضافة إلى الفرد بشكل خاص». وشخَّص (نيتشه) العدمية بالنبوءة؛ فهو يقول: «ما أرويه هو تاريخ القرنين القادمين؛ فأنا أصف ما سيأتي» وما يأتي قريباً هو: مجيء العدمية. فعند (نيتشه) أن جذور العدمية تنبثق من الماضي وتمتد في المستقبل. ويكشف الفيلسوف الإيطالي (فاتيمو) استقرائياً العلاقة بين العدمية وما بعد الحداثة ليبين وثاقة الصلة بين نظرية عدمية (نيتشه) مع حالة (ما بعد الحداثة).
فما بعد الحداثة ـ وهو أسلوب من التفكير ـ يُتهم في الغالب بأنه عدمي، وينظر إلى مجتمع عدمي. وبتحليل أعمق للعلاقة بين العدمية وما بعد الحداثة والتي ـ نادراً ـ ما يهدف مشروع ما بعد الحداثة إلى تحرير الإنسانية من خلال تطبيق العقل في الممارسة الاجتماعية. فـ (ما بعد الحداثة) تعني تكاثر وتزايد العلم والتقنيات خلال التصنيع، وإدارة كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية، وتطبيق المشاريع السياسية والاقتصادية والسوق الرأسمالية. فـ (ما بعد الحداثة) تتميز بانشطار وتمزق المجتمع إلى مجتمعات متعددة، وأشكال جديدة غير قابلة للقياس. فهذه التشطرات لا يستطيع شخص وصف الواقع الاجتماعي فيها برمته. وبالرغم من الاختلافات بين النظريات المتنوعة لما بعد الحداثة، إلا أن (فاتيمو) يعتقد أنه يوجد اتفاق عام لمعنى فكرة ما بعد الحداثة. ولو كان لهذه الفكرة معنى فإنه يجب أن توصف بمصطلح (نهاية التاريخ).
وفقاً لوجهة نظر (فاتيمو)، توصف الحداثة عن طريق فكرة التقدم، والفكرة تستند إلى خط أُحادي النظرة للتاريخ؛ إذ لا نملك سوى نظرة أحادية للتاريخ. وهذه النظرة بُنيت كخط متسق مع المجتمع الذي يتقدم مع مضي الزمن. ففي ميزان الحداثة: الحديث أو الجديد هو بذاته قيمة. وستأتي الحداثة للنهاية عندما لا تنظر للتاريخ بنظرة أحادية، ومن ثَمَّ ينتج ما بعد الحداثة. لذا فإن الموضوع العام (نهاية التاريخ) تعني نهاية الخط الأحادي للتاريخ.
*ماذا تعني دعوى (نهاية التاريخ)؟
نهاية التاريخ «تعني نهاية الخط الأحادي للتاريخ»: لماذا ينتهي التاريخ؟ يذكر «فاتيمو» ثلاثة أسباب لذلك:
الأول: نظرية أُحادي النظرة للتاريخ، وهي نظرية أيديولوجية تاريخية متحيزة بانتقائية تخدم أغراضاً سياسية لمجموعة من الناس على حساب الآخرين. وفلاسفة التاريخ والمؤرخون يقولون إن النظرة التاريخية الأحادية والتي تؤدي للتقدم الحديث هي فقط تمثل تاريخ الرجل الأوروبي. هناك تواريخ متعددة تظهر رؤى متعددة. وتأكيد تاريخ واحد مسيطر أو ملخص لهذه التواريخ يعني سحق وإبادة للآخرين بطريقة جائرة. مثال ذلك: الرؤية الغربية للتاريخ «تطور العقل»، استُعملت لتبرير استعمار الشعوب الأقل عقلانية. فالأيديولوجية لهذا التاريخ أيدت الاستبداد والعبودية والإبادة الجماعية للسلالات الأقل درجة، وهي تمثل (نظرية داروين) المادية الملحدة.
الثاني: تفكيك أُحادي النظرة للتاريخ؛ وهذا أدى إلى نهاية الإمبريالية الأوروبية.
فالشعوب المُستبدة تمردت وأكدت وجودها مما جعل الآخرين يدركون أن هناك تواريخ بديلة، وأن التقدم الأيديولوجي يتسم بدرجة عالية من الظلم.
الثالث: وسائل الاتصال الضخمة في ظل وسائل الإعلام الهائلة؛ فإن الثقافة الأقل تُتاح لها الفرصة أن تعبر عن رأيها، ومن ثَم ازدياد التعددية في المجتمع؛ فالإعلام جعلنا مدركين لحقيقة التاريخ أحادي النظرة. فتقنية المعلومات والإعلام جعلت الناس يزداد لديهم الإدراك بأن هناك تواريخ متعددة، وليس تاريخاً واحداً.
باختصار: فإن (ما بعد الحداثة) عند (فاتيمو) وُصف عن طريق (نهاية التاريخ) في مجتمعات الاتصال الهائل المؤسس لعصر الانشطار والتعددية والتنوعية.
ومما يقبل الجدل أن العدمية الحديثة تتبع الحداثة في العموم في توظيف تفسير التاريخ الأحادي؛ فهي تذكر أنموذجاً واحداً وهو الرجل الأوروبي، والتي تقول إنه قدر الإنسانية جمعاء. بينما الحقيقة أن العدمية تعود فقط إلى الغرب كإشارة. لذلك فالعدمية الحديثة هي نقدية التاريخ، والتقدم هو تفكير تطرفي فيها.(1/357)
فالعدمية كفلسفة تاريخية لا يمكن أن تطبق؛ ولا يمكن وصف نصرها استجابة ملائمة لطبيعتها؛ فمنذ فكرة انتصارها ـ على الأقل في حس الحداثيين ـ فإنها أُدمجت بطريقة معقدة في فكرة التقدم. فعندما ننجز شيئاً ما، فإننا نحقق تقدماً، ومن ثَم نجد أنفسنا في مرحلة جديدة من التاريخ. فالحداثة ذاتها عُرفت بمصطلحات الغلبة والتفوق على القديم. بينما انتصار (نيتشه) للعدمية هو التعايش مع العدمية الكاملة، وليس هناك شيء آخر بعد انتصار العدمية؛ فلا نستطيع وضع قيم جديدة يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون أكثر مصداقية من التي أزلناها بدون إيمان بأن هذه القيم لديها الأخطاء نفسها كما لدى القيم التي أزلناها.لذلك لا يمكن للعدمية الكاملة أن تنتصر، وما يمكن أن تنتصر فيه العدمية يمكن أن يتشكل في انتصار الرغبة بدلاً من انتصار العدمية نفسها.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============(1/358)
(1/359)
صراع الأفكار
د. محمد محمد بدري
ليس كل ما يعلم يقال، وليس كل ما يقال يقال في كل وقت.
ففي بعض الأوقات يكون الصمت هو الواجب، فإذا استغل الأعداء هذا الصمت كان الكلام هو الواجب.
وهذا المقال محاولة للتوفيق بين واجب الصمت وواجب الكلام في طبيعة الصراع بين الإسلام وأعدائه، وبعد قراءة المقال يكفي القارئ أن يفتح عينيه على الواقع ليرى أمارات هذا الصراع، بل ربما يستخلص من الوقائع المعروضة نتائج لم تلفت انتباهنا، أو أغفلناها خلال هذا المقال احتياطاً من التطويل ورغبة في التحديد.
وكل ما نتمناه أن يقوم في الحركة الإسلامية من يتصدون لكشف سبيل أعدائها (سبيل المجرمين) حتى لا تبقى الحركة معرضة لهجماتهم دون عون أو نجدة.
إن من سنن الله الجارية التدافع أو الصراع بين الحق والباطل، قال تعالى: (ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة: 251]، فالله عز وجل يدفع بأهل الحق أهل الباطل، وهكذا يستمر الصراع بين الأنبياء وأتباعهم، وأتباع الشيطان، بين الأنبياء والجماعات الضالة الذين يرفضون حكم الله وشريعته ويتمسكون بحكم الجاهلية، ولن ينتهي هذا الصراع حتى تنتهي الدنيا.
ولاشك أن للأفكار قيمة كبيرة كأداة من أدوات الصراع بين الحق والباطل، وما سلوك الإنسان وتصرفاته إلا نتيجة لأفكاره، فإذا تغيرت أفكاره بجهده هو أو عن طريق جهد غيره فإن سلوكه يتغير، وهذا التغيير قد يصل إلى النقيض، فهناك فكرة قد تجعل إنساناً ينحني ويسجد لصنم من الحجر، وفكرة أخرى تجعل إنساناً آخر يحمل الفأس ليكسر ذلك الصنم ويحطمه! ولأن الأفكار بهذا القدر من الأهمية في الصراع بين الحق والباطل فإنه ومنذ تقرر في أوكار الصهيونية تدمير الخلافة الإسلامية وأعداء الإسلام يحرصون على تخريب الفكر الإسلامي وتشويه العقل السليم من ناحية، ومن ناحية أخرى يقومون برصد الأفكار الفعالة التى تحاول إيقاظ الأمة من سباتها، لكي يقضوا عليها في مهدها أو يحتووها قبل أن تصل إلى جماهير الأمة فتصحح وجهتها أو تعدل انحرافات أفرادها، ولتبقى الجماهير إذا اجتمعت تجتمع على أساس العاطفة وتحت سلطانها، وليس على أساس (الفكرة..والمبدأ..).
وأعداؤنا يستخدمون في ذلك مراصد دقيقة تتلقى أي إشارة خطر عن فكرة أو كتاب ربما قبل أن تصل الفكرة إلى جماهير الأمة! فماذا يفعل الأعداء عندما تعطيهم مراصدهم تلك الإشارة؟ كيف يتصرفون ليحُولوا بينها وبين المجتمع الذي يحاول صاحبها نشر الفكرة فيه؟ إنهم في البداية يتعرفون على الفكرة بدراستها دراسة دقيقة، ثم يبدأون فيما يمكن أن نسميه مرحلة (المواجهة) وفي هذه المرحلة يبذل الأعداء جهداً ضخماً ويستخدمون مواهبهم الشيطانية كلها حتى لا يكون لتلك الفكرة أي عائد أو نتيجة..
ووسائلهم في ذلك كثيرة، وهم يغيرون منها دائماً ويعدلون فيها تمشياً مع القاعدة التى تقول: (إن كل فخ عُرف مكانه يصبح دون جدوى)، فوسائلهم تتنوع حسب الظروف مع المحافظة على المبدأ الأساسي وهو (تحطيم الفكرة أو شلّها)! ! فهم تارة يصوبون ضرباتهم على اسم صاحب الفكرة وشخصه؛ لكي يصيبوا فكرته بحيث يصلون إلى أن يصبح اسم صاحب الفكرة كافياً في النفور منها بل ومن الكتاب الذي يضمها وعدم قراءته من الكثيرين الذين يحكمون على فكرة معينة أو كتاب معين وفق انعكاسات حدثت تجاه صاحبها وبمقتضى الكلام عن صاحب الفكرة والكتاب وليس من خلال جوهر الفكرة وما فيها من برهان.
وهم تارة يستخدمون طريقة (الهُتافات والشعارات) وهم في هذه الطريقة يرتكزون على ميل أفراد الحركة الإسلامية إلى السهولة فيصوغون الفكرة في مجموعة من الشعارات والهتافات فيتحول الأفراد عن (مشقة) البناء إلى (سهولة) الشعارات والهتافات! ! وفي أحيان أخرى يستخدم الأعداء طريقة (التشويش) عن طريق إضافة مجموعة من الأفكار الثانوية إلى الفكرة الأصلية بحيث تُضعف هذه الأفكار الثانوية سلطان الفكرة الأصلية على العقول، ويكفينا أن ننظر في واقعنا لنرى كم مرة طُبقت هذه الطريقة معنا وكم مرة شاركنا فيها دون وعي؟ ! وتارة أخرى يستخدم الأعداء أسلوب إثارة الشبهات..
فإذا خرجت الفكرة في صورة كتاب يقدم أيديولوجية واضحة للصراع مع الأعداء، ألقوا على هذا الكتاب ما يشوه صورته أمام أفراد الحركة الإسلامية، وخلقوا حوله شبهات كثيرة بحيث لا يسهل إزالتها فينصرف أفراد الحركة عن مجرد الاطلاع على الكتاب لكثرة ما أثير حوله..
ولا نريد أن نضرب أمثلة! فكم من كتب طيبة فرض أفراد الحركة الإسلامية حول أنفسهم ستاراً حديدياً يمنعهم من قراءتها لهذا السبب! وفي أحيان أخرى يستخدم الأعداء طريقة (الاستبدال) فيطلقون هم أنفسهم فكرة جديدة تكون أقل ضرراً على مصالحهم من الفكرة ا لأصلية.
وهكذا يبقى الصراع مع الأفكار..
ونحن إذ اكتشفنا بعض التفاصيل عن طبيعة هذا الصراع فبقية التفاصيل الكثيرة للصراع تبقى في الظلام، ويصعب وصفها كما يصعب وصف بيت العنكبوت، وخاصة إذا كانت خيوطه تأتي من بعيد ولا يحيط بها بوضوح إلا من وفقه الله عز وجل وأضاء بصيرته.(1/360)
ولكننا إذا أردنا الإجمال قلنا إن الأعداء يحاولون أن يجعلوا من الداعية للحق خائناً لأمته ومجتمعه الذي يعيش فيه، فإن لم يستطيعوا ذلك فإنهم يحاولون أن يحققوا خيانة المجتمع للداعية على يد بعض المجرمين الذين يسيرون في ركب الأعداء على مرأى العيون في صورة رجال مرفوعين على منابر الزعامة وكراسي الحكم، رجال وضعوا في أوطانهم مواضع (الأبطال) ليقوموا بدورهم المرسوم حين تفشل خطط الأعداء في تحطيم الأفكار الطيبة، فيقوم هؤلاء بأمر آخر وهو محاولة تحطيم أصحاب الأفكار عن طريق الإرهاب والتعذيب لهم ولأفراد أسرهم أطفالاً ونساءً! هذا هو مكر الأعداء فما هو السبيل لدفعه والنصر عليهم؟ بادئ ذي بدء نقول إن الأعداء يحاولون أن يصوروا لنا الصراع معهم وكأننا ذرّة تريد أن تحطم جبلاً!، وأنه من العبث محاولة دفعهم فضلاً عن التغلب عليهم.
ولكن الأمر ليس بيد الأعداء، إنه بيد مَن يقدر الأشياء فتسير الذرة ويسير الجبل حسب تقديره، وقوة الأعداء مهما بلغت وكيدهم مهما قوي فهو ضعيف لأنه كيد شيطان (إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء: 76].
ودفْعه منوط بما في أنفسنا نحن، قال تعالى: (وإِن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) [آل عمران: 120]، وسُنة الله في التغيير (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11] فسنة الله التي لا تتخلف: غيِّرْ نفسك تغير واقعك..
فلنغير في أنفسنا ما يستغله أعداؤنا لخدمة أهدافهم من حيث نشعر أو لا نشعر!.
فإذا كان الأعداء يستغلون فينا ميلنا للسهولة فيصوغوا الفكرة في مجموعة شعارات تسد منافذ إدراكنا وتضللنا عن حقيقة الصراع فلنتعلم أنه ليس المهم الصيحة التي يوجهها الضارب مادامت الضربة توجَّه إلى العدو الحقيقي وفي الاتجاه الصحيح، كما يجب أن نتخلص مما في نفوسنا من ميل للنظر إلى الأشياء على أنها (سهلة) والذي يقودنا في كثير من الأحيان إلى نشاط أعمى! وإذا كان الأعداء يحاولون تحطيم الفكرة الطيبة عن طريق تشويه صاحبها أو إثارة الشبهات حولها، فلنتعلم أن نحكم على الأفكار من خلال ما فيها من برهان بعيداً عن منطق الغوغاء! وفي مقابل محاولة الأعداء (استبدال) بفكرة أقل ضرراً على مصالحهم بالفكرة الفعالة؛ لابد من الوضوح في فكر الدعوة وأهدافها ليسهل على الأفراد التمييز بين الغث والثمين، وفي مقابل إرهاب الأعداء لابد أن نؤمن بحتمية المحنة والابتلاء ولنعلم أننا لسنا أول الممتحنين ولن نكون آخرهم وإنما هم مواكب (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
ولنعلم أنه بقدر ما نربي أنفسنا بطريقة جيدة، بقدر ما نستطيع أن نصمد لكيد الجاهلية، ونجاحنا في الصمود لذلك الكيد هو نقطة التحول في خط سير الدعوة نحو هدفها المنشود.
وأخيراً فأفكار هذا المقال وليدة النظر إلى ما يجري في الواقع..
واقع الصراع مع الأعداء حاولنا فيه النصح لجميع إخواننا لنحاول جميعا نحن وهم إزالة الجهالة بسبيل المجرمين والتي كانت في كثير من الأحيان سبباً في تخلفنا وهزيمتنا.
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
==============(1/361)
(1/362)
المدارس العالمية الأجنبية - الاستعمارية
تاريخها ومخاطرها البيان الثاني
أسماؤها:
للاسم شأن عظيم؛ لتنوع دلالته، فالاسم دليل على المسمى يُعرف به ويدلك على حقيقته، فترغب إليه أو تحذره، وتواليه أو تعاديه، إذ الأسماء قوالب للمعاني، وفي حال يحصل اللبس والتلبيس لقاء التضليل بالأسماء على خلاف ما تحويه من الحقائق، فتكون العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني؛ لهذا صار لا بد لنا من استقراء ما أمكن من أسماء هذه المدارس الوافدة؛ ليعرفها المسلمون بأسمائها المطابقة لحقيقتها، أو المُضلَّلُ بها، فيحذروها.
وبالتتبع وجد أن أسماءها على أنواع ثلاثة هي:
1- أسماؤها العامة:
باعتبار وِفَادتها من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وهي: "المدارس الأجنبية" ويقال: "الإفرنجية" و"الغربية" و"الحديثة" و"العالمية" و"مدارس دنلوب" نسبة إلى القسيس دنلوب الذي تولى كبرها في مصر. ويسميها بعض علماء المسلمين: "المدارس................. [1] بالغايات والمقاصد، فإن الكفرة لما................. طالما أعملوها في رقاب المسلمين سلَّو سيوفهم على الإسلام في صدور المسلمين عن طريق التعليم... ولهذا لقبها أنور الجندي بلقب: "الخنجر المسموم" وعنون به كتابه: "الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون"، ولقبها الأستاذ/ عبدالعزيز الثنيان بلفظ: "السيوف الخفية" في مقالته المنشورة في جريدة الجزيرة. وأرى أن اسمها بلا مواربة: "المدارس الكفرية".
2- أسماؤها العامة:
باعتبار هدفها التبشيري بالنصرانية، وهي: "الإرسالية" -البعثات النصرانية، "الإنجيلية"، "التنصيرية" "التبشيرية"، "الشيوعية"، "البروتستانتية"، "الكاثلوكية"، "الأرمنية"، ويسميها بعض المستشرقين: "دق الأسفين". يُقال: دق بينهم أسفيناً أي فرّق بينهم، كما في: "المعجم الوسيط": (1/18).
وتُسمّى مدارس المبتدئين باسم: "مدارس التلقين" وهي التي تسبق التعميد، وباسم: "مدارس الأحراش".
3 - أسماؤها الخاصة لكل مدرسة:
باعتبار تبعيتها التبشيرية ومنها ما ذكره يوسف العظم في رسالته: "أين محاضن الجيل المسلم" إذ قال: "ولو اتسع المجال هنا لسردت لكم أسماء تلك المدارس جميعاً وأسماء المؤسسات أو الطوائف أو الأفراد الذين يكمنون خلفها، ولكن لن أحرمكم من تلمس الداء والإحساس بالخطر فأنقل لكم موجزاً عن ذلك في عرض سريع:
أما المدارس فمنها: المدرسة اليسوعية. مدرسة المطران المارونية. الفرير. المعمدانية. التراسنطا. راهبات ماريوسف. الراعي الصالح. المطران. المانويت. راهبات الفرنسيسكان. الكلية الأهلية. ميتم الأرض المقدسة. هانوميان بوزباستيان البيلار. المدرسة الأميريكة. والأرمن الأرثوذكس. طاركنشاتس. الشبان المسيحية. الافنستت. المخلص. السالزيان. الصناعية. السبئيين. راهبات سيدة الرسل. الكلية البطريركية. اللاتينية. الناصري. الإنجيلي. التقارب. المسيحي. راهبات الوردية. الثقافة الأرثوذكية. السريان. راهبات صهيون. القبطية. دار الطفل. الشهيدة دميانة. سيدة البشارة. السلام. المحبة. القدسية مريم. القديس نقولا. العائلة المقدسة. المدرسة الليسية. الراهبات الفرنسيسكان.
هذا قليل من كثير.. ولكن ملحوظتين لا بد من إبدائهما هنا:
أولاً: أن معظم هذه المدارس ذات فروع متعددة للرياض والبنين والبنات.
ثانياً: أن كل هذه المدارس لا تستأجر بيوتاً، وإنما تمتلك البيوت والحدائق والعمارات في ظل الكنيسة وأفياء الدير.
وأما المؤسسات والطوائف التي تكمن خلف هذه المدارس التبشيرية فمنها:
البطريركية اللاتينية. جمعية القدس والمشرق. المجمع الكنسي. بطريركية الأرمن. إرسالية المعمدانية. جمعية المانونيت. الأسقفية الإنجليكانية لكنيسة المعمدانية. راهبات الفرنسيسكان. أخوة المدارس. المسيحية. الآباء الفرنسيسكان. الرهبنة السالية. الكنيسة اللوثرية. الاتحاد اللوثوري العالمي. مؤسسة الأمريكان. جمعية اتحاد القدس. جمعية السريان الخيرية. إرسالية الأفدنستت. بطريركية الروم الكاثوليك. وبطريركية الروم الأرثوذكس. بطريركية الأرمن الكاثوليك. مطران السريان الأرثوذكس. جمعية التقارب المسيحي. واضح من سياق ذكر المدارس التي سمعتم أسماءها لم آت عليها جميعاً كما لم أعرض أسماء كل الجمعيات والمؤسسات التي تمولها لأن ذلك يطول بنا ولكنه عَرْض لأهمها وأبرزها وأشهرها.. وهناك الكثير المنتشر الذي تعرفه كل مدينة، وقرية، وحي أردني وجد فيه النصارى أم لم يوجدوا لأن هذه المدارس لا تقام لأبنائهم وإنما لأبنائنا ولا تؤسس لِتُعلِّم إنم لِتُضِلَّ، ولذلك فحظنا منها حظ وافر وحصتنا من وجودها حصة الأسد والحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. " انتهى.
ومنها أيضاً: الكلية الفرنسية. كلية الجيزويت. كلية الفرير. كلية فكتوريا الإنجليزية. كلية سان مارك الفرنسية. كلية سانت كاترين، بجانب كنيسة سانت كاترين بالقاهرة. مدارس أم الإله؟ مدارس بنات الإحسان. مدارس العازاريين.
ورأيت في البحرين: "مدرسة القلب المقدس".(1/363)
وأما في قلب جزيرة العرب، ففتحت على نحو بعض هذه الأسماء ولما حصلت جفوة واستنكار غُيِّرت الاسم للتعمية فمثلاً: "مدارس الأفق الأمريكية" غيرت خلال شهر باسم "مدارس الأفق العالمية"، ومنها: "مدرسة نافذة المستقبل العالمية"، و"الأكاديمية الفلبينية العالمية" وهكذا بلغت ما يزيد عن مائة وخمسين مدرسة في ظرف عام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
---------------------------
[1] اعتذار: مكان النقاط غير واضح في الأصل (الناسخ).
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
=============(1/364)
(1/365)
المجلات الهابطة حقائق وأرقام 1 - 2
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
فقد دأبَ أعداُء الإسلام من كفارٍ ومنافقين على الكيد لهذا الدين، واتخاذِ كل الوسائلِ الممكنة لتمزيقِ شملِ الأمة، وإغراقهِا في بحرٍ خضم من الفتنِ والموبقات، وإشاعةِ الفاحشةِ في الذين أمنوا بكلَّ جراءةٍ وصفاقة، وقد ركز أولئك المجرمون جهودهَم في إفسادِ الشبابِ والفتيات خاصة، فهيئوا لهم كلَّ ما من شأنه العبثُ بعقائدهِم، وتدميرُ أخلاقهِم، وإذهابُ مروءتهم، بدءًا من المجلةِ الهابطة، ومروراً بالفيلمِ الداعر، وانتهاءً بالخمورِ والمخدرات.
وقد أثمرتْ تلك الجهودُ الآثمة ثمراتِها المرَّة، ونتائجِها المروُعة التي لا يخلو منها مجتمع، ولا ينكرُها إلا مكابر أو جاهل.
ألا إنَّ من تمامِ النصح لأئمةِ المسلمين وعامتهم، تحذرَهم من تلك الشرور، وإثارةَ نخوتِهم لدرءِ الفتنة وصِّد الفساد، فدعونا رحمني الله وإياكم نتحدثُ بصراحةٍ ووضوح، ونقدرُ حجمَ المشكلةِ بشجاعة، ونضعَ المحلولَ بوعيٍ وأمانة.
وحتى ندرك أخي المسلم حجم المشكلة، وفداحة المصيبة، أترك لفة الأرقام تتحدث بنفسها، ليعلم الجميع أننا لا نتكلم من فراغ، ولا نسعى للتهويل أو الإثارة.
أن لفة الأرقام تقول أن ما يدخل أسواق المسلمين من المجلات الموجهة للمرأة فقط ناهيك عن غيرها، يربوا عن أثنين وستين مجلة، ما بين أسبوعية وشهرية.
وتتراوح صفحاتها ما بين الستين والمائة صحيفة، من أولها إلى أخرها عهرٌ وفساد، علمنةٌ وإلحاد، ويصل معدل توزيع بعض تلك المجلات إلى مائة وسبع وخمسين ألف نسخة في الأسبوع.
ولو افترضنا أن متوسط التوزيع لتلك المجلات، هو ثمانون ألف نسخة، فمن ذلك أن أجمالي التوزيع يصل إلى خمسة ملايين نسخة كل أسبوع.
أما عدد أوراقها، فإنه يبلغ أرقاماً فكلية، تصعب قراءتها، وقد تفنن القائمون على ذلك الفساد المنظم، في ابتكار مجلاتٍ متخصصة في شتى المجالات. فأصبحتَ تجدُ مجلاتٍ متخصصة في الأزياء ِ الداعرة، ومجلات متخصصة التلفزيون، ومجلات متخصصة بالتسالي والفوازير، ومجلات متخصصة في الكلمات المتقاطعة، ومجلات متخصصة في الرياضية واللهو، ومجلات لا تُعدو ولا تحصى من تلك التي تفي بأخبار الفن وأهله.
18/8/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
=============(1/366)
(1/367)
حدث وموقف
أ. غادة أحمد
الأحداث الأخيرة التي صاحبت المساس بقدسية المصحف بالطبع هي ليست أحداث عرضية لا رابط بينها، فهي تعكس توجهاً ليس رسمياً، وإنما عقدياً لما يعتقده هؤلاء أن الكل في خدمة مشروع إسرائيل الكبرى، هذا من ثوابتهم، ومن الطرق التي توصلهم إلى تحقيق أهدافهم إلحاق الهزيمة النفسية بنا بشتى الوسائل والأشكال، ومن ثوابتهم أيضاً ضرورة هدم المسجد الأقصى وهي مسالة وقت وظرف مناسب حتى يُقام الهيكل.
علينا أن نعي دوماً أن لأِعدائنا ثوابت كما أن لنا ثوابت، ينطلقون منها ويعملون وفق خطط محددة لإنجاز ما خططوا له، والذي ما كان أن يلقى أي نجاح لولا الهجر الحادث منّا لكتاب الله تعالى، لا لنبل مقصدهم أو تفوقهم أو ذكائهم.
و لكن سنة الله جرت أن من يأخذ بالأسباب يصل، والاستيلاء على الأرض ومقدراتها يمكن أن يتحقق لأي أمة استوفت تلك الأسباب صالحة كانت أم طالحة.
أمريكا لا تحترم مشاعرنا لأِننا وإن كنّا نملك الحق فإننا لا نملك القوة التي ندافع بها عن هذا الحق، وهنا ينبغي أن تستدعي ثوابتنا، فالقوة لا يمكن أن تنتج حقاً شرعياً مهما طال عليها الأمد أي الزمن، وعليه فليس معنى أننا لا نملك القوة في هذه الحقبة من الزمن، أننا لسنا أصحاب الحق أو أن نشك فيه ولو طرفة عين أو أقل من هذا، أو أن المسجد الأقصى، وإن هُدِم َ أن هذا ينفي عنه صفة المسجدية.
وعليه أيضاً فلا بد أن نعي، ونستعد نفسياً ونتهيأ أننا سنعمل لهذا الدين وسنظل نعمل، لأِننا مخاطبون بالشرع لا بالأقدار، لا في أجواء مريحة مطمئنة، يتحقق فيها الهدف تلو الآخر، بل هو القلق والخوف والترقب والحذر، ولكنه أيضاً الفقه والاستعداد باستغلال أقصى المتاح.
فقه النوازل والذي على علماؤنا إشاعته في الأمة وبخاصة في هذه الفترة، لنتعلم كيف نتعامل مع هذه النوازل والحوادث، دون أن يصرفنا ذلك رغم بشاعة الألم، وشدته وعصفه بنا على ما نراه من إهانة لمقدساتنا، وأولها وأعلاها المسلم نفسه، وكتاب ربنا والإساءة لنبينا، لا يصرفنا كل ذلك عن البناء لأمتنا والاستمرار في ذلك، فبرغم الخوف وشدة الالتحام في المعارك بقيت الصلاة.
الله تعالى غني عن عبادة الخلق أجمعين، وهو ارحم بهم من أنفسهم، ولكن تبقى صلاة الخوف مفروضة رمزاً للثبات على الطاعة والعمل لهذا الدين مهما لاقى المسلمون.
فأشد هزيمة يمكن أن تلحق بنا هي أن نفقد الأمل، أو أن نشعر باليأس، لأن هذا معناه فقد الأمل فيما وعد به ربنا سبحانه وتعالى(كتب الله لأغلِبن أنا ورسلي) ويلاحظ التعبير بصيغة الماضى، فهو أمر قد فُرِغَ منه، وإنما هي مراحل تصفية وتربية تمر بها الأمة.
خطوات يمكن أن نقوم بها، آخذين في اعتبارنا التفريق بين الشعوب والحكومات، فيمكن مراسلة العقلاء المنصفين من علماء الغرب واستكتابهم في هذا الأمر، فهم أقدر على فهم اللغة التي يتخاطبون بها مع حكوماتهم.
إعداد رسالة باللغات الثلاثة، ووضع رابط لها على المتاح من المواقع والدعوة إلى التوقيع عليها وإرسالها إلى كافة الحكومات والمنظمات والهيئات الرسمية والدولية، كما تم أيام أزمة الحجاب في فرنسا.
أن تستمر حملة منظمة وفق أهداف مخطط لها جيداً ووسائل محددة لحماية القرآن بتتبع كل من يسئ إليه كتابة أو فعلاً ومقاضاته أمام المحاكم الدولية المنصفة، فليس من المفترض أن نقع دوماً في نطاق رد الفعل ولا نتحرك إلا بعد أن تحركنا الأحداث.
تجديد الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية، وإعداد حملة إعلانية مناسبة لهذا الأمر تستجيش مشاعر المسلمين انك تدفع أموالك لمن يهينون كتابك الكريم.، فأي مسلم مهما كان ضعف انتمائه لدينه، حتى ولو كان علمانياً في تفكيره، لا أظنه يقبل مطلقاً المساس بكتاب الله تعالى.}لاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}
16/ شعبان/ 1426 هـ:: 19/ سبتمبر/ 2005
http://www.lahaonline.com المصدر:
============(1/368)
(1/369)
الجهاد في عين العاصفة 1 - 2
يحيى هاشم حسن فرغل
والعاصفة المشار إليها هي " عاصفة تجفيف المنابع ": منابع ما يسمى الإرهاب " وهي التي تهب علينا من الولايات المتحدة الأمريكية، من قبل أن تهب عليهم "عاصفة تأديب الطغاة: العاصفة كاترينا "
ومن شواهد عاصفة التجفيف ما قام به السفير الأمريكي الجديد ريتشارد دوني أخيرا وفى وقاحة غير مسبوقة وفقا لما ذكرته جريدة الأسبوع بتاريخ 26\8\ 2005 من اتهام الأزهر - رمز الاعتدال ومفرز التسامح ومُصنع التساهل، (بأنه " مفرخة للإرهاب والتطرف! " وفي تدخل مستفز -إرهابي شن السفير الأمريكي هجومًا حادًا علي الأزهر الشريف..زاعمًا أنه يعدٍّ مفرخة لمنابع الإرهاب والتطرف وأنه آن الأوان لإعادة النظر في بعض المؤسسات الدينية والجامعية المصرية! !!!! و دعا السفير الأمريكي الجديد بالقاهرة الحكومة إلي ضرورة تبني مشروع الإصلاح الأمريكي وعدم تضييع الوقت في محاولات عرقلته..مشيرًا إلي أن الوقت ليس في صالح النظام المصري!!)
هكذا أصبح الأزهر وهو المؤسسة الإسلامية التي تطل على التاريخ وتوجه مساره منذ أكثر من عشرة قرون موضع فحص وتوجيه وتحريف من سفير دولة الإرهاب العالمي قاتلة ملايين المدنيين الأبرياء في أفريقيا وأمريكا السوداء، وهيروشيما ونجازاكي وفيتنام الصفراء، وأفغانستان والعراق وفلسطين السمراء: دولة الإرهاب " الإنجيلي الصهيوني المعاصر "!!
يا للعار أما الخزي فهو في استجابة الحكومة المصرية
ومن شواهد هذه الاستجابة ما جاء بقلم مني عبد السلام ومحمد فؤاد بجريدة الأسبوع بتاريخ 29\8\2005 تحت عنوان (علي طريقة شارون: جحافل الأمن المركزي تدك مدرسة الجزيرة بالإسكندرية: ……)
وهي المدرسة الإسلامية التي جاء بشأنها ما ذكرته جريدة الشعب الألكترونية بتاريخ 2\9\2005 عن ( حملة شرسة تشنها الأجهزة الحكومية في مقدمتها الجهاز الأمني ضد المدارس الإسلامية في عدد من محافظات مصر قبل بداية العام الدراسي الجديد، كان أكثرها حدة الجريمة التي وقعت في الإسكندرية بهدم مدرسة «الجزيرة الإسلامية الخاصة».
وفي المنوفية تفجرت أزمة مدارس جمعية التربية الإسلامية.. فبعد أن أصدر محافظ المنوفية السابق قراره رقم 174 لسنة 2002 بحل مجلس إدارة جمعية التربية الإسلامية صاحبة المدارس الخاصة بشبين الكوم وتعيين مجلس إدارة مؤقت برئاسة عضو مجلس الشعب وضابط الشرطة المتقاعد صبحي محمد جبر … وكذلك تعيين مدير للجمعية يدعي محمد رشاد …
من ناحيتهم لجأ أعضاء مجلس إدارة الجمعية المنتخبون برئاسة رجب محمد أبو زيد للقضاء والطعن علي قرارات المحافظ السابق، فأكد حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في 14/5/2005 بوقف قرار محافظ المنوفية السابق وجميع القرارات اللاحقة له وتأكيد بطلانها.
وأقر محافظ المنوفية الحالي الحكم، وكلّف مديرية الشئون الاجتماعية بالمنوفية بتنفيذ الحكم.. لكن حضر مساعد مدير أمن المنوفية ورئيس بندر شبين ومندوبين من مباحث أمن الدولة ومعهم قوة من الشرطة حالت بين اللجنة المشكلة لتنفيذ الحكم ومهمتها.. )
والهدف الأخير كما هو معلن: تجفيف منابع ما يسمى التطرف وفي مقدمة ذلك " الجهاد "
وفي هذا السياق كان للأستاذ فهمي هويدي مقال سابق بتاريخ 8 يناير 2002 كتبه إثر عملية نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر بعنوان (إلغاء الجهاد من المناهج لن يحذفه من العقل الإسلامي)، وفي تصويره للفكرة الأساسية التي تتمحور حولها هذه المحاولات والتي يعبر عنها اغلب المثقفين والسياسيين الغربيين، خصوصا في الولايات المتحدة و يرددها البعض عندنا - على حد تعبير الأستاذ فهمي هويدي: أن (ثمة غلط في المسلمين، وفي الثقافة الإسلامية السائدة، وربما في الإسلام ذاته) وهذا الغلط في رأيهم هو الذي افرز المجموعة الانتحارية التي قامت بالهجوم على نيويورك وواشنطن، ولكي لا تتكرر مثل هذه الكارثة ينبغي أن يصحح الغلط، وان تجفف منابعه … كيف؟
الإجابة نجدها - كما يقول الأستاذ فهمي هويدي - مثلا (فيما تسرب من أنباء عن اعتمادات أميركية خصصتها واشنطن لباكستان (مائة مليون دولار) لكي تراجع كتب الثقافة الإسلامية، وتحكم السيطرة على المدارس الدينية، بحيث يعد ملف لكل أستاذ وطالب. !! )
ونجد الضغوط الأمريكية في هذا الشأن - كما يقول الأستاذ فهمي هويدي - (في مذكرة قدمتها السفارة الأميركية في إحدى العواصم العربية إلى الحكومة المعنية، ولا نعرف إن كان قد قُدم نظير لها إلى حكومات أخرى أم لا طالبت باتخاذ إجراءات معينة لتقليص جرعة التعليم الديني، كان في مقدمتها اختصار ساعات تدريس مواد الثقافة الإسلامية من 20 ساعة إلى أربع ساعات فقط، وإعادة النظر في مضمون المناهج التي تدرس، بحيث تخضع <<للتنقيح>> جنبا إلى جنب مع الاختصار) نقلا عن موقع راديو الإسلام.(1/370)
ثم يختم الكاتب الكبير مقاله متأسفا بقوله: (يبدو الإسلام والمسلمون في هذا المشهد كما لو أنهم أصبحوا ساحة مستباحة لكل من هب ودب، وهي استباحة لا حدود لها، ولا رادع لمن يجترئ عليها، حيث لا قيمة ولا كرامة لأهلها، الأمر الذي يدعونا إلى إضافة سؤال آخر إلى ما سبق، عمن يستحق اللوم إزاء ذلك، الذين تطاولوا واجترأوا، أم الذين سكتوا واستكانوا وانبطحوا؟!)
وقد استجابت حكومة باكستان بالانبطاح - كمثال أخير إذ طردت ما يقرب من ثلاثة آلاف طالب وافد للدراسة في المدارس الدينية.
أما الخزي الأشد فهو في استجابة المشيخة: مشيخة الأزهر!!
إذ جرت هذه الأحداث و ما زالت تجري ضمن استجابات سابقة صدرت من الأزهر، حيث قلص من قبل: المواد الدينية بمعاهده بحجة التخفيف عن طلابه وجذبهم للدراسة في معاهده، !! لكن الاستجابة ذهبت لأبعد من ذلك إذ فضحت عن مكنونها بتنازل الأزهر عن مباني أربع كليات أنشئت خصيصا لطلبته في مدينة السادات، وإذ خضع لقرارات ما يسمى مجلس المحافظين بإلغاء بعض معاهده الجديدة التي أنشئت بجهود شعبية، وإذ خضعت جامعته أخيرا فأصدرت قرارا تاريخيا بقبول من يتقدم من الأقباط وإن اشترطت - ذرا للرماد في العيون - أن يكون حافظا للقرآن الكريم!!!!.
والهدف الأخير كما هو معلن: تجفيف منابع ما يسمى التطرف وفي مقدمة ذلك " الجهاد "
وفي هوامش هذه القراءة نضع تحت الضوء أمثلة لبعض من تسللوا دون أن يكتفوا بكونهم سكتوا، ودون أن يبرزوا إلى ساحة من تطاولوا
في هذا السياق وجدنا تمسح بعض القيادات السياسة رئيس السلطة الفلسطينية مثلا - وهو يعلق على إعادة انتشار الجيش الصهيوني في قطاع غزة بأنه بعد هذا " النصر " سوف يتوجه كسلطة إلى ما سماه " الجهاد الأكبر"، مما يعني صرفا للمقاومة عن الجهاد الذي هو " الجهاد الأصغر "!
وفي هذا التصريح كأن رئيس السلطة يلمح إلى ما روي ضعيفا أو موضوعا " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، وهو لم يذكر كحديث نبوي في كتب الصحاح.
وإنما ذكره الخطيب البغدادي في كتابه " تاريخ بغداد " ج 13523 [7345] في ترجمة (واصل بن حمزة بن علي بن أحمد بن نصر أبو القاسم الصوفي البخاري) ثم ذكره عن واصل بسنده (عن يحيى بن أبي العلاء قال حدثنا ليث عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال قدم صلى الله عليه وسلم من غزاة له فقال لهم رسول ا صلى الله عليه وسلم قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال مجاهدة العبد هواه)
و ذكره الإمام السيوطي ت 911 في شرحه لحديث " المؤمن من أمنه الناس في " شرح سنن ابن ماجة " بصيغة المبني للمجهول وهي صيغة تضعيف تشير إلى ضعفه على اٌلأقل حيث قال: (كما روى رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)
وذكره أبو الحجاج المزي ت 742 في كتابه "تهذيب الكمال " في ترجمة ( إبراهيم بن أبي عبلة) مسندا إليه غير مرفوع إلى الرسو صلى الله عليه وسلم ، حيث قال: (… وقال النسائي أخبرني صفوان بن عمرو قال حدثنا محمد بن زياد أبو مسعود من أهل بيت المقدس قال سمعت إبراهيم بن أبي عبلة وهو يقول لمن جاء من الغزو قد جئتم من الجهاد الأصغر فما فعلتم في الجهاد الأكبر قالوا يا أبا إسماعيل وما الجهاد الأكبر قال جهاد القلب)
وذكره في الموضوعات كل من: محمد طاهر بن علي الفتني ت 986 هـ في كتابه " تذكرة الموضوعات "،، وعلي بن محمد بن سلطان الهروي ت 1014 في كتابه " الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة "، ومحمد ناصر الدين الألباني في كتابه " ضعيف الجامع الصغير وزيادته وكتابه " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة "، وعبد المتعال محمد الجبري في كتابه " المشتهر من الحديث الموضوع والضعيف "
هذا ما ورد في حديث الجهاد الأكبر وهو لا يرقى عن كونه ضعيفا إن لم ينزل إلى رتبة الموضوع، مع توضيح أنه في جميع الأحوال لا يعني مطلقا " تعليق الجهاد " الذي هو القتال في سبيل الله
وهنا فإنه لمن الإنصاف الموضوعي أن يبادر المرء- كلما ذكر بالتنبيه على درجته تلك، وإلى وضعه بموازاة آيات الجهاد وأحاديثه: الجهاد الذي يعني القتال في سبيل الله لما له من دلالة شديدة الوضوح في كون الجهاد القتالي يظل السنام العالي، والذي هو نمط حياة المجتمع والحضارة الإسلامية: شاء من شاء ففاز ونال، وأبى من أبى فانحط وزال ومصداقا لما كتبه الأستاذ فهمي هويدي
http://alshaab.o r g المصدر:
=============(1/371)
(1/372)
الإنسان بين القرود والخنازير
وحيد حمدي
كنت أتناقش مع إبني عن حقيقة نظرية النشوء والارتقاء والتي يدرسها وهى نظرية التطور للعالم اليهودي تشارلز دارون والواردة بكتابيه المنشوران عام 1857 الأول تحت أسم (أصل الخلائق) والثاني كتاب (خلق الإنسان) وهما يقومان على محورين أساسيين، الأول محور بدء الحياة على الأرض وتطورها وتشعبها، والثاني محور الجنس البشرى كجزء من هذه الحياة وما جاء في هذين الكتابين هو ما اصطلح عليه العلماء في العالم أجمع على تسميته بنظرية (دارون) والتي تقوم على أساس أن الوجود نشئ دون خالق وتطور من كونه خليه أميبية واحدة وانقسمت إلى مخلوقات ذات خليتين ثم إلى متعددة الخلايا وهكذا حتى ظهرت الحشرات والحيوانات والطيور والزواحف والثدييات ومن ضمنها الإنسان، كما أن جزءا آخر من الخلية انقسام وتطور إلى أنواع من الخمائر والطحالب، والأعشاب، والنباتات الزهرية واللازهرية وأن الإنسان تطور من كونه قردا من الثدييات إلى الإنسان الأول ثم إلى شكله الحالي وأن هذا التطور قسم البشر الذين هم جميعا من أصل القرد إلى 16 مرتبة أو درجة على ما يشبه السلم أدناها الدرجة الأولى والتي يحتلها الزنوج وهى تتصف بأنها أقرب في الطباع إلى السلوك الحيواني البهيمي ويعتمدون في تصرفاتهم على القوى الجسدية أما المرتبة العليا فيحتلها البيض من الأوربيين وبين الطبقة الدنيا والعليا يتنوع البشر فيها فيحتل الهنود الدرجة الأعلى من سلم التطور البشري بعد الزنوج مباشرة ويليهم شعوب الماو ماو ثم العرب والذين يحتلون الدرجة الرابعة في هذه النظرية بينما يحتل اليهود مرتبة خاصة ومنفردة ومتميزة وتعلو فوق هذا السلم البشرى وهى مرتبة تتصف بالحكمة والذكاء المفرط ويتصف شعوبها بالتحضر واستخدام العقل والمنطق وبالتالي فهي أكثر إبداعا وتخطيطا وتنظيما ومدنية من الأجناس السفلي ويطلق عليهم صفة (الشعوب الخارقة) ويشتغل أهلها بالسياسية والتجارة والاقتصاد وهم القادة والفلاسفة وهم أصحاب الفن الرفيع وأهم ما يميز هذه النظرية أن الحياة تنتهي بالموت ولا يوجد بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار.
هذه النظرية لاقت ترحيبا شديدا في أوربا وأمريكا لأنها تتمشى مع مصالحهم الاستعمارية في هذا التوقيت وكونها تميزهم بل وتعطيهم إحساسا براحة الضمير إزاء سيطرتهم على الشعوب واستعباد الزنوج في أمريكا وتحقق مقولة اليهود بأنهم شعب الله المختار ولكنها تتعارض تماما مع عقيدتنا الإسلامية بل ومع كل الأديان السماوية التي كرمت الإنسان.
في فجر اليوم التالي للمناقشة التي دارت بيني وبين إبني حول هذا الموضوع كنت أقرأ سورة المائدة في المصحف الشريف وتوقفت عند الآي رقم 60 والتي جاء فيها " قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَائِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ" وتوقفت ثانيا عند قول الله تعالى " وجعل منهم القردة والخنازير " واستلفت نظري دخول حرفي (الـ) على كلمة "قردة وخنازير " وهى أداة تعريف تفيد المعرفة والتخصيص وبدأت أفكر في معناها وقد هداني الله تعالى إليه وهو أن الله قد غضب على بعض العصاة من اليهود وجعل منهم القردة والخنازير أي أنهم كانوا في الأصل من بنى البشر، إذن فلماذا لا يكون أصل القرد إنسان وليس العكس كما إدعى دارون؟ وبدأت أبحث في جدية هذ1 الاحتمال ولجأت إلى كتاب الله أبحث فيه وأنا أعلم جيدا وكلى إيمان بأن الحقيقة موجودة في كتاب الله وسنة رسوله وعلى العلم الحديث أن يثبت صحته هو ووفق لما جاء في القرآن وليس العكس ومن هذا المنطلق ومن خلال جهاز الكمبيوتر بحثت عن الآيات التي تتحدث عن خلق القردة وكانت ثلاث آيات، الأولى من سورة البقرة الآية رقم 65 " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " أما الآية الثانية فهي من سورة الأعراف الآية رقم 166 " فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " ومعنى هاتين الآيتين كما ورد في تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن من ص 476 إلى 479) والتفاسير الأخرى منها تفسير حديث وهو تفسير الشيخ سيد قطب (تفسير في ظلال القرآن) جاء فيه أن اليهود طلبوا أن يكون لهم يوم راحة مقدس، فجعل الله لهم يوم السبت راحة مقدساً لا يعملون فيه للمعاش. ثم ابتلى أهل قرية تدعى (آيله) بفلسطين في أيام النبي داود بالحيتان (السمك) تكثر يوم السبت، وتختفي في غيره! وكان ابتلاء لم تصمد له اليهود! وكيف تصمد وتدع هذا الصيد القريب يضيع؟ أتتركه وفاء بعهد واستمساكاً بميثاق؟ إن هذا ليس من طبع اليهود! ومن ثم اعتدوا في السبت على طريقتهم الملتوية. راحوا يحوطون على الحيتان في يوم السبت، ويقطعونها عن البحر بحاجز، ولا يصيدونها! حتى إذا انقضى اليوم تقدموا وانتشلوا السمك المحجوز!(1/373)
متخيلين أنهم بذلك لم يعصوا الله فكان أمر الله بأن يكونوا قردة مبعدين من رحمة الله أما السورة الثالثة وهى سورة المائدة والسابق الإشارة إليها فهى نزلت كما جاء في تفسير القرطبي أيضا (من ص 2326 إلى 2330) بأن بعض اليهود جاءوا إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل - عليهم السلام - فقال: " نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله: " ونحن له مسلمون " فلما ذكر عيسى - علية السلام - جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا أشر من دينكم فنزلت هذه الآية التي تعنى أن اليهود الذين نقموا عليكم وعلى دينكم أشر مكانا في الآخرة من الذين عصوا الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وقيل أن الله جعل شبابهم قردة وعجائزهم خنازير وأن مكانهم النار خالدين فيها، ولما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم يا أخوة القردة والخنازير فنكسوا رؤوسهم افتضاحا لأمرهم وفيهم يقول الشاعر كما جاء في تفسير القرطبي السابق الإشارة إليه ص (2329).
فلعنة الله على اليهود*** إن اليهود إخوة القرود
ولم تختلف التفاسير الأخرى من أمهات الكتب مثل تفسير الجامع والألوسي وابن كثير والطبري والاسيوطي عن المعنى السابق ذكره والكل أجمع أن هناك خلاف بين العلماء على أن القرود من نسل اليهود الممسوخين من عدمه فجمهور المفسرين يجتمعون على ذلك ولكن منهم من يقول إنهم بعد أن مسخوا لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ولم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام، وزعم آخرين أنهم عاشوا سبعة أيام وماتوا في اليوم الثامن، واختار أبو بكر بن العربي أنهم عاشوا ـ وأن القردة الموجودين اليوم من نسلهم وعلى النقيض ما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن القردة والخنازير أهي مما مسخ؟ إن الله تعالى لم يهلك قوماً أو يعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً وأن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك " وآخرين من العلماء قالوا أنه ما مسخت صورهم ولكن مسخت قلوبهم فيكون المقصود من الآية تشبيههم بالقردة.
العصاه من أمة المسلمين
ولكن جاء في البخاري حديث شريف هام جدا لأن الأمر لم يقتصر على اليهود فقط ولكن أيضا بعض العصاه من أمة المسلمين، فقد جاء في الحديث " َقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِي وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِى سَمِعَ النَّبِىَّ r يَقُولُ "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِى الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا. فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة".
يؤكد هذا الحديث على أن مستحلي الزنا وشرب الخمر والمعازف من أمة سيدنا صلى الله عليه وسلم في عصر يأتي فيه الفقير يسال الإحسان فيقال له "فوت علينا بكرة" يعاقبهم الله ويجعل منهم القردة والخنازير الى يوم القيامة وهذا يعنى استمرار عملية العقاب في كل حين وفى كل عصر ويؤكد نفس المعنى حديث أخر جاء أيضا في البخاري جاء فيه " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَني مُعَاوِيَةُ بْنِ صَالِحٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الأَشْعَرِي عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمأَنَّهُ قَالَ: « لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَتُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْمَعَازِفُ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ".
كن فيكون(1/374)
ونحن هنا لنا وقفة ونتساءل، هل يعجز الله تعالى عن مسخ هؤلاء العاصين إلى قرود أو نوع منهم؟ بالطبع لا، لقد استخدم الله تعالى في أية البقرة وأية الأعراف أمر " كن " وهو مفتاح مفاتيح قدرته أن صح التعبير حينما ذكر قوله تعالى " كونوا قردة خاسئين " وقد استخدم الله أمر " كن " كما جاء في كتابة الكريم في كل ما يخرق الطبيعة فجاء في خلق سيدنا عيسى عليه السلام والذي خلق بدون أب في سورة ال عمران الآية 47 " قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " وفى نفس السورة الآية 59 وفى خلق آدم عليه السلام بدون أم ولا أب فقال تعالى " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ".
لقد حسم الله القضية حينما قال في سورة النحل الآية 40 " إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " وقوله في سورة مريم الآية 35 " مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سبحانه إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ وفى سورة يسن الآية 82 "إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ " وفى سورة غافر الآية 68 "هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ".
أليس كل ما جاء في هذه الآيات يدل على أن الله تعالى مسخهم بالفعل الى قردة حقيقيين وليس تشبيها لأنه استخدم أمر" كن " لتنفيذ إرادته وقضائه وقدره؟
أما ما جاء في حديث رسول ا صلى الله عليه وسلم والذي رواه مسلم عن أبن مسعود والسابق الإشارة إليه - جاء في تفسير القرطبي (ص 477) حديث أخر يتناقض مع الحديث السابق ورواه مسلم أيضا عن أبى سعيد وجابر، قال جابر: أتى النبي صلى عليه وسلم بضب فأبى أن يأكل منه، وقال " لا أدرى لعله من القرون التي مسخت " وهذا يعنى أن من مسخوا من خلق الله قد تناسلوا بالفعل وأيضا هناك حديث آخر رواه أبو هريرة وأخرجه مسلم وقال فيه رسول ا صلى الله عليه وسلم " فقدت أمة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا أراها إلا الفأر ألا ترونها، إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه وإذا وضع لها ألبان الشاه شربته"، سؤال جديد أتسآءله، أليس الفئران هم الذين يجرى عليهم العلماء التجارب لاختبار دواء معين يستخدمه الإنسان فيما بعد لوجود صفات مشتركة بينهم وكونهم من الثدييات؟
وهذا دليل آخر من السنة على تناسل الممسوخين فقد أكد الله تعالى على مسخه للعاصين من اليهود وجعلهم قردة وأكد رسوله على صحة تناسلهم.
العلاقة بين الإنسان والقرود والخنازير
جاء في حديث رسول ا صلى الله عليه وسلم أيضا أن القردة والخنازير كانوا موجودين قبل نزول أمر الله بمسخ اليهود وأنا أعتقد صحة ذلك وأن القرود من أصل الإنسان هم نوع معين من أنواع القرود وكذلك نوع من الخنازير والعلم الحديث يؤكد على أن الشمبانزي هو أقرب الى صفات الإنسان فقد نشر على موقع محطة C.N.N باللغة العربية في عددها رقم 1726 بتاريخ 25/9/2002 أن العالم البيولوجي روي بريتن من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا كشف في دراسة نشرت مؤخراً أن الطرق الجديدة لمقارنة الجينات بين البشر والشمبانزي أثبتت أن التطابق وصل إلى حد95% وعلى نفس الموقع نشر في العدد رقم 1846 بتاريخ 22/10/2002 وتحت عنوان " جينات بشرية في قلوب الخنازير " جاء فيها أن الباحثين الإطاليين قد توصلوا إلى تحميل جينات بشرية في قلوب وأكباد وكلى الخنازير في تطور يمكن أن يقود إلى تخليق قطعان من الخنازير يمكنها تقديم أعضاء يمكن زرعها في جسم الإنسان " كما ذكر في نفس الموضوع أن وبحسب التقرير الذي نشرته وكالة الأسوشيتد برس فقد أظهرت الاختبارات أن الجينات البشرية توجد في أعضاء الحيوانات المركزية، مما جعل بعض العلماء يقولون إن هذه الجينات سوف تكون مصنع لأجيال من الخنازير". وجاء أيضا في سياق الموضوع أن دراسة نشرت للأكاديمية الوطنية للعلوم (الأمريكية) توصل باحثون من جامعة ميلان إلى أنهم حينما خلطوا السائل المنوي للخنازير بالحامض النووي البشري لنقل جين يسمى DAF، فإن السائل المنوي المرشح ساهم في تخصيب بويضات الخنزير لإنتاج أجنة منها تحمل جينات بشرية تستخدم كقطع غيار بديلة للأعضاء البشرية ".
كما أعلن العلماء الأمريكيون كما جاء على موقع (إسلام أون لاين) على شبكة الانترنيت بتاريخ 12/1/2001 أنهم أدخلوا تعديلات وراثية على قرد في أول محاولة لتعديل أقرب الأنواع إلى البشر جينيا، في خطوة قد تسرع بابتكار عقاقير لعلاج أمراض مثل "الزهيمر" (خرف الشيخوخة) والسرطان.(1/375)
وقال "جيرالد شاتن" بمركز أوريجون لأبحاث الرئيسيات وهي رتبة الثدييات التي تشمل الإنسان والقرد - إن الفكرة هي تعديل قردة بحيث يمكنها أن تحمل جينات من المعروف أنها تسبب أمراضا للإنسان. مشيرا إلى أنه ربما يمكن استنساخ هذه القردة بحيث تستخدم نسخها المطابقة في دراسة العقاقير وأنواع مختلفة من العلاج دون الحاجة إلى التشتت الناجم عن الاختلافات الجينية.
وأضاف "شاتن" الذي نشر إنجازه في مجلة "ساينس" العلمية في عددها الصادر الجمعة 12/1/2001 أن العالم ربما يكون مستعدا لاستقبال بعض القردة المعدلة بطريقة خاصة لسد الهوة بين الفئران والإنسان، فالقردة أقرب إلى الإنسان من الفئران والتى لا تمر بالدورة الشهرية كما لا تعاني من سرطان الثدى مثلما تعاني النساء؛ ولهذا فإن عددا محدودا من القردة المخلقة بطريقة خاصة يمكن أن يساعدنا على اقتلاع جذور السرطان.
هكذا جاء العلم الحديث متوافقا مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة ورغم أن اكتشاف خريطة الجينات البشرية منذ سنوات قليلة وبالتحديد في يوم 26/6/2000م حينما أعلن الرئيس الأمريكي "بل كلينتون" ورئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" بأن بحوث العلماء التي كانت قد بدأت منذ عام 1990م نجحت في اكتشاف 90% من الجينوم البشري (الخريطة) المؤلف من ثلاثة مليارات حرف كيميائي من "خريطة الجينات البشرية" وتثبيت مواقعها ومن المؤكد أن السنوات القليلة القادمة سيتم اكتشاف المزيد مما جاء في القرآن الكريم.
خلق الإنسان
إن عملية خلق الإنسان جاءت في القرآن بمنتهى الوضوح وعكس ما جاء في نظرية دارون تماما فقد نص القرآن الكريم في سورة غافر الآية رقم 67 " هُوَ لَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أعتقد أنه لا يوجد اوضح من ذلك منذ أن خلق الله آدم من تراب ثم أخذ الله من ظهور بنى آدم ذريتهم كما جاء في سورة الأعراف الآية 172 " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ " وجاء في سورة المؤمنون من الآية 13 " ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ "الإنسان ابن هذه الأرض، من ترابها نشأ، وفوقه عاش ومنه تغذَّى، وكلُّ عنصر في جسمه له نظيره في عناصر أمِّه (الأرض) {والله أنْبَتَكم من الأَرضِ نباتاً} (71 نوح آية 17)، اللهم إلا ذلك السرَّ اللطيف الَّذي أودعه الله ونفخه فيه وهو الروح، قال تعالى: {..وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوْحِي... } (15 الحجر آية 30).. وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان يحتوي ما تحتويه الأرض من عناصر؛ فهو يتكوَّن من الكربون، والأوكسجين، والهيدروجين، والفوسفور، والكبريت، والآزوت، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم، والكلور، والمغنيسيوم، والحديد، والمنجنيز، والنحاس، واليود، والفلورين، والكوبالت، والزنك، والسليكون، والألمنيوم، وكلُّ هذه العناصر هي العناصر نفسها المكوِّنة للتراب أيضاً، وإن اختلفت نسبها بين الإنسان والتُّراب، ومن إنسان لآخر. كذلك فإن نسبة الماء من جسم الإنسان، تعادل نسبة البحار إلى اليابسة في الكرة الأرضية، وهذا ما يؤكد خلق آدم من تراب الأرض. وهكذا فإن التُّراب هو الطَّوْر الأوَّل والإنسان هو الطَّوْر الأخير، وهذه الحقيقة نعرفها من القرآن، وقد جاء في تفسير الشيخ سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن) وقد اخترناه فقط لأنه تفسير حديث وليس فيه خلاف مع التفاسير الأخرى في هذا الشأن وجاء فيه " ذلك أصل نشأة الجنس الإنساني.. من سلالة من طين.. فأما نشأة الفرد الإنساني بعد ذلك، فتمضي في طريق آخر معروف {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين}.. لقد نشأ الجنس الإنساني من سلالة من طين. فأما تكرار أفراده بعد ذلك وتكاثرهم فقد جرت سنة الله أن يكون عن طريق نقطة مائية تخرج من صلب رجل، فتستقر في رحم امرأة. نقطة مائية واحدة. لا بل خلية واحدة من عشرات الألوف من الخلايا الكامنة في تلك النقطة. تستقر: {في قرار مكين}.. ثابتة في الرحم الغائرة بين عظام الحوض، المحمية بها من التأثر باهتزازات الجسم، ومن كثير مما يصيب الظهر والبطن من لكمات وكدمات، ورجات وتأثرات! والتعبير القرآني يجعل طوراً من أطوار النشأة الإنسانية، تالياً في وجوده لوجود الإنسان.. وهي حقيقة. ولكنها حقيقة عجيبة تدعو إلى التأمل، فهذا الإنسان الضخم يختصر ويلخص بكل عناصره وبكل خصائصه في تلك النطفة، كما يعاد من جديد في الجنين وكي يتجدد وجوده عن طريق ذلك التلخيص العجيب.(1/376)
ومن النطفة إلى العلقة. حينما تمتزج خلية الذكر ببويضة الأنثى، وتعلق هذه بجدار الرحم نقطة صغيرة في أول الأمر، تتغذى بدم الأم.. ومن العلقة إلى المضغة، حينما تكبر تلك النقطة العالقة، وتتحول إلى قطعة من دم غليظ مختلط.. وتمضي هذه الخليقة في ذلك الخط الثابت الذي لا ينحرف ولا يتحول، ولا تتوانى حركته المنظمة الرتيبة. وبتلك القوة الكامنة في الخلية المستمدة من الناموس الماضي في طريقه بين التدبير والتقدير.. حتى تجيء مرحلة العظام.. {فخلقنا المضغة عظاماً} فمرحلة كسوة العظام باللحم: {فكسونا العظام لحماً}.. وهنا يقف الإنسان مدهوشاً أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيراً بعد تقدم علم الأجنة التشريحي وذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم. وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تتكون أولاً في الجنين. ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين. وهي الحقيقة التي يسجلها النص القرآني: {فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً}.. فسبحان العليم الخبير!
{ثم أنشأناه خلقاً آخر}.. هذا هو الإنسان ذو الخصائص المتميزة. فجنين الإنسان يشبه جنين الحيوان في أطواره الجسدية. ولكن جنين الإنسان ينشأ خلقاً آخر، ويتحول إلى تلك الخليقة المتميزة، المستعدة للارتقاء. ويبقى جنين الحيوان في مرتبة الحيوان، مجرداً من خصائص الارتقاء والكمال، التي يمتاز بها جنين الإنسان.
إن الجنين الإنساني مزود بخصائص معينة هي التي تسلك به طريقه الإنساني فيما بعد. وهو ينشأ {خلقاً آخر} في آخر أطواره الجنينية؛ بينما يقف الجنين الحيواني عند التطور الحيواني لأنه غير مزود بتلك الخصائص. ومن ثم فإنه لا يمكن أن يتجاوز الحيوان مرتبته الحيوانية، فيتطور إلى مرتبة الإنسان تطوراً آلياًـ كما تقول النظريات المادية ـ فهما نوعان مختلفان. اختلفا بتلك النفخة الإلهية التي بها صارت سلالة الطين إنساناً. واختلفا بعد ذلك بتلك الخصائص المعينة الناشئة من تلك النفخة والتي ينشأ بها الجنين الإنساني {خلقاً آخر}. إنما الإنسان والحيوان يتشابهان في التكوين الحيواني، ثم يبقى الحيوان حيواناً في مكانه لا يتعداه ويتحول الإنسان خلقاً آخر قابلاً لما هو مهيأ له من الكمال بواسطة خصائص مميزة، وهبها له الله عن تدبير مقصود لا عن طريق تطور آلي من نوع الحيوان إلى نوع الإنسان.
{فتبارك الله أحسن الخالقين}.. وليس هناك من يخلق سوى الله. فأحسن هنا ليست للتفضيل، إنما هي للحسن المطلق فيخلق الله.
{فتبارك الله أحسن الخالقين}.. الذي أودع فطرة الإنسان تلك القدرة على السير في هذه الأطوار، وفق السنة التي لا تتبدل ولا تنحرف ولا تتخلف، حتى تبلغ بالإنسان ما هو مقدر له من مراتب الكمال الإنساني، على أدق ما يكون النظام. هكذا انتهى شرح الشيخ سيد قطب وجاء متوافقا مع علم التشريح الحديث فسبحان الله، هذا هو التطور الذي حدث للجنين حتى أصبح طفلا وخرج إلى الحياة في أحسن تقويم والذي كان خلقة أسهل وأقل من خلق السماوات والأرض كما جاء في سورة غافر آية 57 " لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ".
هذا هو الخلق الواضح للإنسان بمراحله وحلقاته وصفها بكل دقة ويتقبلها العقل والمنطق ولا تحتوى على حلقة مفقودة في خلقة كما جاء في نظرية دارون التي تقول أن حلقة أو مرحلة غير معلومة ما بين تطور القرد إلى إنسان ولسنا هنا في صدد الرد على مفردات نظرية دارون والتي تثير جدلا حاليا حتى في أمريكا بولاية كانسس على أهمية تدريسها في المدارس ويرى الكثيرين من أولياء الأمور تدريس نظرية الخلق كما جاءت في التوراة.
ملخص افتراضنا
لقد بحثت قي أكثر من 250 موقعاً منتشرة على شبكة الإنترنت تتحدث عن نظرية دارون باللغة العربية منها من يشرحها ويتعاطف معها ومنها من يهاجمها بشدة ومواقع أخرى باللغة الإنجليزية تتحدث على الشبه الواضح بين الإنسان وبين الشمبانزي ومنها موقع يقارن بين الرئيس بوش والشمبانزي للشبة الذي بينهما وليؤكدوا على صحة نظرية دارون ولكنني لم أجد في أي من هذه المواقع ما يتماشى مع الفكرة أو الافتراض الذي نطرحه ونلخصه في الآتي " أن كل ما جاء في القرآن الكريم هو حق وأن ما أثبته العلم الحديث بما يملك من تقنيات عالية بشأن خطوات نشأة الجنين في بطن أمه جاءت متوافقة مع ما جاء في القرآن وأيضا أثبت العلم أن مكونات جسم الإنسان من معادن هي نفسها الموجودة في التراب والذي خلق منه آدم عليه السلام وهو أصل الإنسان، وأن بعض الأنواع من القرود والخنازير من أصل إنسان وليس العكس وهذا نتيجة مسخ بعض العصاة من أهل قرية أيلة بفلسطين إلى قرود وخنازير ولذا أثبت علم الجينات بأن 90 % من جينات الشمبانزي وهو من المرتبة العليا من القرود تتطابق مع جينات الإنسان ".(1/377)
وليس كما قال دارون اليهودي إن الإنسان أصله قرد ربما لأنه عرف الحقيقة وعرف أنهم أصل القرود فروج لنظريته حتى ينفيها عنهم وأتمنى بألا أتهم بمعاداة السامية.
أنا لا أدعى بأنني رجل دين أو عالم ولكنني مجتهد أقدم هذه الافتراضية الجديدة لا أجزم بصحتها وإن كنت أميل لذلك - ولكنى أطرحها للمناقشة العامة بين المتخصصين من العلماء ورجال الدين ولكل صاحب فكر يريد أن بدلي بدلوه.
لقد اجتهدت فإن أخطأت فلي أجر.. وأن أصبت فلي أجران.
21/4/1425
09/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============(1/378)
(1/379)
الأسماء والمسميات
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
الحمد لله الذي علّم آدم الأسماء كلها، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد اعتنى الإسلام بقضية الأسماء والمسميات عنايةً فائقةً، وحرص أن يعطي للأسماء مدلولاتٍ واضحة، وللمسميات معاني صريحة. و ما ذلك إلا لأن التلاعب بالأسماء والمسميات أمرٌ ليس باليسير؛ وقد يترتب عليه الكثير من المفاهيم المغلوطة، والنتائج غير المتوقعة.
من هنا فقد عالج الإسلام ذلك الأمر بهدوءٍ وحكمةٍ ورؤيةٍ، ودونما إفراطٍ أو تفريطٍ، وما ذلك إلا لأن دين الإسلام يهدف ضمن أهدافه وغاياته العظيمة إلى إعداد وإخراج الأمة المسلمة السوية بدأً من الاسم وانتهاءً بالمسمى. فكان ذلك (ولله الفضل والمنة)، تميزاً واضحاً لأمة الإسلام في هذا الشأن.
وعلى الرغم من هذا كله؛ فإن مما يُلاحظ في وقتنا الحاضر أن هناك تهاوناً كبيراً في هذه القضية التي هي على قدرٍ كبيرٍ من الحساسية، فالمُتابع الجيد لواقع حياتنا المعاصر، يجد أن كثيراً من الأسماء قد قُلبت معانيها، وتبدلت دلالاتها؛ فالكذب والخداع والمراوغة أصبحت تُسمى دبلوماسية، والرشوة تسمى هدية أو إكرامية، والربا مجرد فوائد بنكية، والخمور والمسكرات مشروبات روحية، والسفر إلى الخارج للفساد وللبحث عن المتعة الرخيصة ليست سوى سياحة، والحب الساقط والغرام وانتهاك الأعراض حريةٌ شخصية، وتقليد الغرب في أنماط حياتهم وطرق معيشتهم موضة عصرية، والتمسك بالقيم والأخلاق والموروثات الشرعية أصوليةٌ وتزمتٌ ورجعية، والغناء يسمى ابتهالاً، والنفاق مجاملةً، والزنا خيانة زوجية، والمجون والدياثة فناً، والجريمة بطولة، والسفور ونزع الحجاب مدنية وتقدمية...إلى آخر تلك القائمة الطويلة من المصطلحات المقلوبة في دلالاتها ومعانيها والتي نسمعها ونرددها كل يوم مراتٍ ومرات، دون أن نقف معها وقفةً صادقةً نُحقق فيها في مدى صحة الاسم ومطابقته لواقع وحقيقة المُسمى.
فيا أبناء الإسلام، ويا شباب الإيمان؛ إن لقضية اختلاف الأسماء والمسميات دوراً كبيراً في حياة الناس، إذ إن انتشار هذه المسميات غير الصحيحة وغير المطابقة لواقع الحال؛ ليس إلا دلالةٌ واضحة على أن هناك من يقف خلفها من الحاقدين والمفسدين والمخرِّبين والمُتلاعبين الذين يُخططون بطرقٍ مُباشرةٍ وغير مُباشرة لهدم كيان الأمة، وسلب خصوصيتها، والقضاء على تميزها ومصداقيتها، وتمزيق وحدتها، والعبث بأصالتها، وضياع هويتها. وصدق الله القائل: {إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (سورة النجم: من الآية 23).
وفقنا الله جميعاً لصادق القول وصالح العمل، وبصّرنا بكيد الكائدين، ومكر الماكرين، وكفانا ما يُريده لنا أعداء الملة والدين، والحمد لله رب العالمين.
http://www.saaid.net المصدر:
============(1/380)
(1/381)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي
د.محمد عمارة
إرادة الصمود
ونحن أمام هذا "الكابوس" بإزاء عدد من الخيارات:
أولها: خيار الاستسلام، يأساً وقنوطاً من روح الله ونصره.. وهو خيار بائس، ينسى أصحابه أننا لسنا بإزاء شيء جديد غير مسبوق في تاريخ الإسلام والمسلمين، وإنما أمام "دورة" من دورات التدافع والصراع، واجهت أمتنا أسوأ منها، وتعاملت مع ما هو أشد قسوة منها، فكان تاريخ الشرق الإسلامي، دائماً وأبداً، مقبرة الغزاة والإمبراطوريات.. من الرومان.. وحتى الإمبراطوريات الغربية الحديثة.
وذلك فضلاً عن أن هذا اليأس الذي لا يقرأ أهله ولا يعون سنن التاريخ يخرجهم والعياذ بالله من حظيرة الإيمان بحقيقة الإسلام: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (87) (يوسف).
والخيار الثاني: هو خيار "العنف العشوائي"... وهو خيار يحرم قضايانا العادلة من أصدقاء كثيرين حتى في إطار الشعوب الغربية وتيارات الفكر الغربي... فضلاً عن أنه يسيء إلى حقيقة الجهاد الإسلامي... ناهيكم عن عدم جدواه أمام شراسة التحديات التي تواجهها أمتنا في هذا المنعطف من منعطفات المواجهة بين الفرعونية والقارونية الأمريكية وبين الإسلام... بل لربما أعطى هذا "العنف العشوائي" بعض الذرائع لهذه الفرعونية كي تستر بعضاً من مقاصدها الكالحة واستبدادها القبيح.
أما الخيار الثالث: فهو خيار المقاومة الإسلامية لهذه التحديات الغربية بالمعنى الشامل للمقاومة.
ونقطة البداية في هذه المقاومة هي "إرادة الصمود"، التي هي المعيار الحقيقي والفارق الجوهري بين النصر والهزيمة... فهناك أمم انكسرت إرادتها في الحروب والمواجهات، فلم يعوضها عن انكسار الإرادة وفرة أسباب القوة المادية كاليابان مثلاً وهناك حالات تتعاظم فيها إرادة الصمود كلما تعاظمت شراسة التحديات والحالة الإسلامية نموذج جيد لهذا النوع والحمد لله.
وبعد "إرادة الصمود" تلزمنا "الإدارة" التي ترمم وترتب "البيت العربي والإسلامي" في إطار الحد الأدنى الذي يعظِّم الإمكانات العقدية والفكرية والبشرية والمادية الهائلة التي تملكها أمتنا.
وهذا الاجتماع العربي الإسلامي على هذا الحد الأدنى من التضامن، ليس لمحاربة أمريكا والغرب.. فنحن لا نريد ذلك، ولا قِبل لإمكاناتنا بمثل ذلك.. وإنما نريد هذا الحد الأدنى من التضامن لتحسين أوراقنا ومواقع أقدامنا أمام هذه التحديات... ولتمكيننا من التدافع، الذي هو حراك يعدل الموازين، ويغير المواقف، ويحسِّن الأوضاع، ويزيل الخلل الفاحش، ويكثِّر الأصدقاء، ويقلل الأعداء، أو يحيد بعضهم، دون أن يبلغ حد الصراع والقتال: \دفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 34 (فصلت).
إننا نريد المقاومة، بمعناها العام، والجهاد بمعناه الشامل... وليس القتال أو الحرب، بمعناهما الخاص... وصدق رسول الله {، إذ يقول: "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا، وأكثروا من ذكر الله" (رواه الدارمي).
وإن تحقيق الحد الأدنى من التضامن والتكامل والتكاتف والتساند بين دول وإمكانات العالم الإسلامي بدءاً ببعض الدول المحورية هو الإعداد والاستعداد الذي يحقق الردع للأعداء فلا يطمعون في أن يبلغ الغي والتجبر الحدود القصوى... وفي ذلك بداية التغيير لاتجاه الخط البياني في معادلة العلاقة بين الإسلام وأمته وحضارته وبين التحديات الشرسة التي فرضها ويفرضها علينا مشروع الهيمنة الغربية هذه الأيام.
تلك هي جذور المواجهة التي تعيشها أمتنا الآن... وهذه هي حقيقة صورة الإسلام في الخطاب الغربي... وهذا هو المخرج من المأزق الذي يأخذ منا بالخناق... والذي تزيغ منه الأبصار. وتبلغ القلوب الحناجر.. ويزلزل الكثيرين منا زلزالاً شديداً.
وعلينا أن نتذكر دائماً وأبداً، أننا إذا قصرت بنا الهمم عن التأسي بصحابة رسول الله {، يوم الأحزاب فحرام أن تقصر بنا الهمم عن التأسي بالمماليك أمام التتار!
===========(1/382)
(1/383)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(15)
"الحداثة"والموروث الديني
د.محمد عمارة
وحتى لا يخلط الوهم بين هذه "الحداثة الغربية".. التي تقيم قطيعة معرفية كبرى مع الموروث الديني، وبين "التجديد الإسلامي"، الذي يستصحب الثوابت ويطور في المتغيرات... نسوق كلمتين لاثنين من دعاة هذه الحداثة في بلادنا.
أولاهما كلمة "هاشم صالح"، المتخصص في ترجمة وتسويق المشروع الحداثي للدكتور محمد أركون.. فلقد كتب عقب قارعة سبتمبر داعياً إلى انتهاز فرصة الهجمة الغربية على الإسلام، لتبني الحداثة الغربية التي أحلت وتحل "الدين الطبيعي" محل "الدين الإلهي"!! فقال: "إننا يجب أن نلتحق بفولتير (1734 1778م) وتصوره الطبيعي عن الدين والأخلاق، فالدين الحقيقي هو الدين الطبيعي.. وإن العبرة هي بأعمال الإنسان وليست بمعتقداته، أو حتى صلواته وعباداته.. ولابد من تأويل جديد لتراثنا يختلف عن تأويل الأصولية، بل وينقضه.. تأويل يكشف عن تاريخية النصوص التأسيسية، ويحل القراءة التاريخية محل القراءة التبجيلية لهذا التراث"!(1).
أما الكلمة الثانية فهي للدكتور على حرب، والذي قال عن حداثة مشروع أركون وهاشم صالح: "إنها القول بمرجعية العقل وحاكميته.. وإحلال سيادة الإنسان وسيطرته على الطبيعة مكان إمبريالية الذات الإلهية وهيمنتها على الكون..."(2).
فالعدو عند المشروع الأمريكي هو الإسلام المقاوم للعلمانية الغربية والحداثة الغربية والاستهلاكية الغربية. أي الإسلام المقاوم للمسخ الغربي والأمريكي.
والعدو عند الحداثيين الذين يحملون الأسماء المسلمة ليس الإمبريالية الأمريكية وهيمنتها، وإنما "إمبريالية الذات الإلهية وهيمنتها على الكون"... ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
@@@
هذه هي حقيقة الموقف الذي نحن فيه.. وحقيقة التحدي الذي نواجهه الآن...
صحيح أنه يشبه "الكابوس" خصوصاً إذا رأيناه في ضوء حال الأمة حكاماً ومحكومين وفي ضوء نجاح الغرب في استغلال مشكلة الأرثوذكسية الروسية مع المسلمين الشيشان.. ومشكلة الهندوسية الهندية مع المسلمين في كشمير ومشكلة "الكونفشيوسية الصينية مع المسلمين في تركستان الشرقية... نجاح الغرب في استغلال هذه المشكلات لإقامة تحالفات بعض أطرافها متعاون وبعضها صامت في هذه الحرب الغربية على الإسلام، حتى ليتذكر المحلل للموقف الراهن مشورة "صموئيل هنتنجتون" سنة 1993م، على صانع القرار الأمريكي، بتحييد الحضارات الأخرى، وبدء صدام الحضارات، أولاً بالإسلام!".
إننا، أمام هذا "الكابوس" في موقف شبيه بموقف المسلمين يوم غزوة الأحزاب... عندما تحالفت كل أطراف الشرك.. رغم ما بينها من تناقضات مع اليهود رغم ما بينهم وبين الشرك والوثنية من تناقضات تحالفوا جميعاً ضد الدولة الإسلامية الوليدة، والدين الإسلامي الجديد... حتى لقد زاغت من الصحابة الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزل المسلمون زلزالاً شديداً من هول هذا "التحالف الكابوس"... بل وظنوا بالله الظنون!... إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (10) هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11)(الأحزاب).
أو لكأننا أمام الحلف "الصليبي التتري"، الذي اجتاح فيه التتر ودمروا مشرق العالم الإسلامي، وهددوا بقية الوجود الإسلامي في مصر والمغرب... يوم أعلنوا بعد دمارهم لبغداد والمشرق :
"لقد فتحنا بغداد، وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنينانها، وأسرنا سكانها".. ثم وجهوا التهديد لمن بمصر، قائلين: "إنهم إن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها"!!... وأرسل "هولاكو" (1217 1265م) إنذاره إلى الملك المظفر "قطز" (658ه- 1260م) قائلاً: فيه: "لقد فتحنا البلاد، وقتلنا معظم العباد.. فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، ونحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى! فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعدونا كالرمال، فمن طلب حربنا ندم، فاتعظوا بغيركم، وسلموا إلينا أمركم، وعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب.. ولقد أعذر من أنذر"!!.. حتى لقد حسب الناس يومئذ "أن القيامة قد قامت"!!(3).
فما كان من العلماء والأمراء والخاصة والعامة إلا أن نفروا للجهاد، فكان نصر الله في "عين جالوت" (658ه-1260م)... وانهزم التتار لأول مرة في تاريخهم... ثم دخلت دولتهم وقبائلهم بعد ذلك في الإسلام.
الهوامش
(1) صحيفة "الشرق الأوسط" في 26-12-2001م.
(2) صحيفة "الحياة" في 18-11-1996م.
(3) المقريزي "كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك" ج1، ق1، ص427، 428، تحقيق: د.محمد مصطفى زيادة، طبعة القاهرة، سنة 1956م.
=============(1/384)
(1/385)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(14)
حرب لتغيير طبيعة الإسلام!
د.محمد عمارة
إن الحرب ضد الإسلام ليست حرباً على "جماعات العنف العشوائي" الإسلامية ولا على ما يسمى "بالإرهاب"، وإنما هي "حرب داخل الإسلام"، لتغيير طبيعته وخصوصيته "وحتى يقبل الحداثة بمعناها الغربي"، أي القطيعة مع خصوصيته وماضيه "فيصبح علمانياً، يقبل المبدأ المسيحي: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، فيقف عند ما لله في ملكوت السماء والدار الآخرة، وخلاص الروح، ويترك دنيا العالم الإسلامي وثرواته للهيمنة الأمريكية والغربية!
وبعبارات "فوكوياما": "فإن الحداثة التي تمثلها أمريكا وغيرها من الديمقراطيات المتطورة ستبقى القوة المسيطرة في السياسة الدولية، والمؤسسات التي تجسد مبادئ الغرب الأساسية ستستمر في الانتشار عبر العالم... وهذه القيم والمؤسسات تلقى قبولاً لدى الكثير من شعوب العالم غير الغربية، إن لم نقل جميعها... لكن السؤال الذي نحتاج إلى طرحه هو: هل هناك ثقافات أو مناطق في العالم ستقاوم، أو تثبت أنها منيعة على عملية التحديث" بهذا المعنى الأمريكي والغربي؟
ثم يجيب "فوكوياما" على هذا التساؤل الذي طرحه فيقول:
"إن الإسلام هو الحضارة الرئيسة الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشكلات الأساسية مع الحداثة.. فالعالم الإسلامي يختلف عن غيره من الحضارات في وجه واحد مهم، فهو وحده قد ولّد تكراراً خلال الأعوام الأخيرة حركات أصولية مهمة، ترفض ليس السياسات الغربية فحسب، وإنما المبدأ الأكثر أساسية للحداثة: التسامح الديني.. والعلمانية نفسها.. وإنه بينما نجد شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية، ودول المعسكر الاشتراكي السابق وإفريقيا الاستهلاكية الغربية مغربة، وتود تقليدها، لو أنها فقط استطاعت ذلك، فإن الأصوليين المسلمين يرون في هذه الاستهلاكية دليلاً على الانحلال الغربي".
فالرفض الإسلامي ليس فقط لظلم السياسات الأمريكية والغربية.. وإنما هو رفض للتبعية لمنظومة القيم الغربية.. ولذلك يعلن "فوكوياما" أن هذه الحرب التي أعلنتها أمريكا والغرب على الإسلام المقاوم، ليست حرباً على "جماعات العنف العشوائي" ولا على هذا الذي سموه "إرهاباً" وإنما هي حرب على الإسلام الرافض للحداثة الغربية والعلمانية الغربية والاستهلاكية الغربية.. يعلن ذلك في "صراحة عارية" يحمد عليها فيقول:
"إن المسألة ليست ببساطة حرباً على الإرهاب، كما تظهرها الحكومة الأمريكية بشكل مفهوم (؟!) وليست المسألة الحقيقية كما يجادل الكثير من المسلمين هي السياسة الخارجية الأمريكية في فلسطين أو نحو العراق. إن الصراع الأساسي الذي نواجهه لسوء الحظ، أوسع بكثير، وهو مهم، ليس بالنسبة إلى مجموعة صغيرة من الإرهابيين، بل لمجموعة أكبر من الراديكاليين الإسلاميين، ومن المسلمين الذين يتجاوز انتماؤهم الديني جميع القيم السياسية الأخرى... إن الصراع الحالي ليس ببساطة معركة ضد الإرهاب، ولا ضد الإسلام كدين أو حضارة، ولكنه صراع ضد العقيدة الإسلامية الأصولية التي تقف ضد الحداثة الغربية.. وإن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة، اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع مجموعة صغيرة من الإرهابيين، فبحر الغاشية الإسلامية الذي يسبح فيه الإرهابيون يشكل تحدياً أيديولوجياً هو في بعض جوانبه، أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية"!
ثم يتحدث "فوكوياما" عن "التطور الأهم" الذي يجب أن يحدث للإسلام ذاته والذي يجب أن يتم داخل الإسلام، لتعديل الإسلام حتى يصبح قابلاً للحداثة الغربية والعلمانية الغربية والاستهلاكية الغربية، فيقول: "إن التطور الأهم ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه، فعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يصل إلى وضع سلمي مع الحداثة، خاصة فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي حول الدولة العلمانية"؟.. أم لا؟!(1).
فالقضية في التحليل الأعمق ليست "إرهاب" جماعات العنف العشوائي.. ولا هي "قارعة سبتمبر سنة 2001م" ولا حتى السياسة الخارجية الأمريكية المعادية لقضايا المسلمين العادلة... فكل ذلك تجليات للصراع بين المشروع الغربي وبين النزوع الإسلامي إلى التمايز الحضاري والاستقلال القيمي والثقافي، والذي يرفض الهيمنة الغربية التي تفرض حداثتها وعلمانيتها على العالم، بما في ذلك عالم الإسلام.
الهوامش
(1) "النيوزويك" العدد السنوي ديسمبر سنة 2001م فبراير سنة 2002م.
==============(1/386)
(1/387)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(13)
قوارع الحادي عشر من سبتمبر
د.محمد عمارة
وتتوالى بعد قارعة سبتمبر سنة 2001م الهجمات الأمريكية والغربية على الإسلام..
فوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" تعلن: "إننا معشر الأمريكيين أمة ترتفع قامتها فوق جميع الشعوب، وتمتد رؤيتها أبعد من جميع الشعوب"(1)!.. فتتحدث إلى الشعوب الإسلامية بلغة النازية التي سبق وعانت منها!
الزعيم "الديني السياسي" "بات روبرتسون" مؤسس جماعة التحالف السياسي المسيحي التي تسيطر على الكونجرس الأمريكي، والحزب الجمهوري، والإدارة الأمريكية وهو مرشح أسبق للرئاسة الأمريكية، والأب الروحي للرئيس "بوش الصغير" الذي ولد بوش على يديه ولادته المسيحية الجديدة، بعد انحرافه الذي استمر من التاسعة والثلاثين... يعلن "بات روبرتسون": "أن الدين الإسلامي دعا إلى العنف... وأنه بالنظر إلى المعنى الحقيقي لآيات قرآنية، فإن أسامة بن لادن أكثر وفاءً لدينه الإسلامي من آخرين.. وأن أمريكا بحاجة إلى إنذار ضد خطر المسلمين الذين يكرهون أمريكا ويحاولون تدمير إسرائيل.. وإننا في هذه الحرب إنما نعلي كلمة الله الذي يقف معنا، مع الحق في هذا الصراع الديني الذي نخوضه، ويحيطنا بعنايته"!(2).
والمستشرق الأمريكي الصهيوني "برنارد لويس" وهو من أعمدة المشيرين على صانع القرار الأمريكي يقول، في كتابه الذي أصدره بعد "قارعة سبتمبر" بعنوان "ما هو الخطأ في العلاقة بين الإسلام والغرب؟": "إن إرهاب اليوم هو جزء من كفاح طويل بين الإسلام والغرب.. فالنظام الأخلاقي الذي يستند إليه الإسلام مختلف عما هو في الحضارة اليهودية المسيحية "الغربية" وآيات القرآن تصدق على ممارسة العنف ضد غير المسلمين... وهذه الحرب هي حرب بين الأديان"(3).
و"توني بلير" رئيس وزراء إنجلترا، يعلن في 17 سبتمبر سنة 2001م أي بعد ستة أيام من "قارعة سبتمبر" أن هذه الحرب التي أعلنها الغرب على الإسلام "هي حرب المدنية والحضارة "في الغرب" ضد البربرية "في الشرق"!!
"أما "مارجريت تاتشر" رئيسة وزراء إنجلترا الأسبق، فإنها تكتب عن "تحدي الإرهاب الإسلامي الفريد، الذي لا يقف عند أسامة بن لادن، بل يشمل حتى الذين أدانوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر على أمريكا والذين انتقدوا بشدة أسامة بن لادن وطالبان"، ولكنهم "يرفضون القيم الغربية، وتتعارض مصالحهم مع مصالح الغرب"... فالذين يرفضون القيم الغربية وتتعارض مصالحهم مع المصالح الغربية تصفهم "تاتشر" بأنهم "أعداء أمريكا وأعداؤنا"، وتشبههم بالشيوعية، وتدعو الغرب إلى معاملتهم كما عامل الشيوعية"!(4).
رئيس وزراء إيطاليا "سيلفيو بيرلسكوني" يعلن في 29 سبتمبر سنة 2001م أن الحضارة الغربية أرقى من الحضارة الإسلامية.. ولابد من انتصار الحضارة الغربية على الإسلام، الذي يجب أن يُهزم، لأنه لا يعرف الحرية والتعددية ولا حقوق الإنسان.. وأن الغرب سيواصل تعميم حضارته، وفرض نفسه على الشعوب.. وأنه قد نجح حتى الآن في تعميم حضارته وفرض نفسه على العالم الشيوعي وقسم من العالم الإسلامي"(5).
وغير أعمدة النظم والسياسة والإدارة في أمريكا وإنجلترا وإيطاليا، نجد وزير الداخلية في ألمانيا "أوتوشيلي"، يبلغ الحد الذي يصف فيه "عقيدة الإسلام بأنها هرطقة وضلال"(6).
أما وزير خارجية ألمانيا "يوشكا فيشر" فإنه يعلن في محاضرة "حول آفاق السياسة الدولية إثر اعتداءات 11 سبتمبر" أمام طلبة جامعة "فراي" ببرلين فيعلن شكوكه في "قدرة الإسلام على التطور"! ويتساءل: "هل يوجد طريق إسلامي إلى الحداثة"؟ بمعناها الغربي! ثم يصف الأصولية الإسلامية الرافضة للحداثة والقيم الغربية بأنها "التوتاليتارية الجديدة"(7) أي الديكتاتورية والشمولية الجديدة!
أما أساطين الفكر الإستراتيجي الأمريكي المشيرون على صانع القرار، والذين توضع نظرياتهم في الممارسة والتطبيق من مثل "فرانسوا فوكوياما" الذي أعلن أن "الليبرالية الرأسمالية المنتصرة على الشيوعية هي نهاية التاريخ التي يجب تعميمها وقبولها في كل الفضاءات العالمية"... ومن مثل "صموئيل هنتنجتون"، الكاشف عن الموقف الغربي في نزعة صدام الحضارات.. والذي أشار على صانع القرار الأمريكي بتحييد الحضارات العالمية حتى يفرغ من مصادمة ومصارعة الإسلام.
أما هؤلاء المفكرون فإن المشروع الغربي للهيمنة يضع نظرياتهم في الممارسة والتطبيق، ونراها رأي العين، وتلمسها حواسنا في طوفان التصريحات والقراءات التي توالت وانهالت عقب "قارعة سبتمبر"... وفي المواجهة الحادة التي قام بها الغرب ضد الإسلام، والحروب، والمحاصرات.. والتهديد والوعيد.. الذي يمثل هذا "الكابوس" القائم في عالم الإسلام.
أما أساطين الفكر الإستراتيجي هؤلاء... فلقد كانت لهم فضيلة "الصراحة العارية" في التعبير عن حقيقة هذه الحرب ومقاصدها.
الهوامش
(1) صحيفة "الأهرام" في 30-10-2001م.
(2) صحيفة "الشرق الأوسط" في 3-2-2002م، و"الحياة" لندن في 26-2-2002م، و"الأهرام" في 11-12-2002م.(1/388)
(3) "صحيفة الأهرام" 2-3-2002م، 3-3-2002م، والأهرام ينقل عن مقال "زخاري كاربيل" في "النيوزويك" الأمريكية بتاريخ 14-1-2002م.
(4) صحيفة "الشرق الأوسط" في 14-2-2002م.
(5) صحيفة "الحياة" في 3-9-2001م.
(6) صحيفة "الأهرام" في 2-3-2002م.
(7) صحيفة "الشرق الأوسط" في 26-2-2002م.
==============(1/389)
(1/390)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(12)
حرب المشروع الغربي
د.محمد عمارة
إذا كان استعراض وقائع هذا الطوفان بل البركان الذي تفجرت حممه في وجه الإسلام وأمته وحضارته وعالمه: سلاحاً يقتل.. وحصاراً يخنق.. وحملات نفسية وفكرية وثقافية ودينية وإعلامية.. وتهديداً ووعيداً إذا كان استعراض وقائع هذا الطوفان والبركان يحتاج إلى دراسة مطولة ومتخصصة (1).. فإننا نختار نماذج شاهدة على أن هذه الحرب التي أعلنها الغرب على الإسلام تحت اسم "الأصولية الإسلامية" أو "الراديكالية الإسلامية" أو "الإرهاب الإسلامي" وفي بعض الأحيان على الإسلام وقرآنه ورسول صلى الله عليه وسلم مباشرة وفي صراحة ووقاحة إنما هي حرب المشروع الغربي السياسي والحضاري والكنسي وليست مجرد تعصب كاتب هنا أو حماقة أديب هناك.. نختار نماذج شاهدة من كلمات القيادات المسؤولة، المعبرة عن أركان النظام الأمريكي والغربي، ومشروع الهيمنة الذي يعلنون عنه الآن عندما يكتبون ويقولون: إن القرن الواحد والعشرين إنما هو قرن الإمبريالية الأمريكية والإمبراطورية الأمريكية دونما منافس أو شريك!!
إنها حرب معلنة وليست مؤامرة سرية تدبر في الخفاء على "الإسلام المقاوم" لمشروع الهيمنة الأمريكي - الغربي وليست حرباً على الإسلام الذي يقف عند الشعائر والعبادات، وتقصير الثياب، وإطالة اللحى، وفقه الغناء والموسيقى والدخان والتصوير!... ولا الإسلام الذي يغرق في بحار الدروشات والشعوذات والخرافات!
وهذا الإسلام المقاوم للهيمنة هو الذي يسمونه "الأصولية الثورية".. وتعريفهم لها حتى لا يخدعنا مخادع قد حدده الرئيس الأمريكي الأسبق ورجل الاستراتيجية "ريتشارد نيكسون" عندما وصف هؤلاء الأصوليين الإسلاميين الثوار بأنهم "هم المصممون على:
استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي.
والذين يهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية..
وينادون بأن الإسلام دين ودولة..
وعلى الرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي، فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار"(2).
وإذا كانت هذه هي "الأصولية الإسلامية الثورية"، التي أعلنت أمريكا والغرب الحرب عليها ، عقب "قارعة سبتمبر"، فإنها هي بعينها الإسلام الشامل والمقاوم لمشروع الهيمنة الأمريكي - الغربي.. وهي البعث الإسلامي، على وجه الدقة والتحديد... وليست "جماعات العنف العشوائي" بحال من الأحوال.
وإذا نحن تجاوزنا مجاراةً لبعض الناس عن دلالات وصف الرئيس الأمريكي "بوش الصغير" هذه الحرب بأنها "حملة صليبية".. وقبلنا تجاوزاً ما يقوله هؤلاء من أن هذه العبارة هي "زلة لسان"! فإننا نقدم هنا نماذج "للتصريحات الحيثيات" الصادرة من أعمدة السياسة والإدارة والفكر الإستراتيجي، للمشروع الأمريكي والغربي، والتي تشهد على أن هذه الحرب إنما هي معلنة ضد الإسلام، أو داخل الإسلام... والإسلام المقاوم للهيمنة على وجه الخصوص والتحديد.
فوزير العدل نعم العدل! الأمريكي "جون أشكروفت"، لم يكتف بالحديث عن حرب الحضارة ضد البربرية، والخير ضد الشر، والمدنية ضد التخلف كما صنع آخرون وإنما ذهب ليتفوق على غلاة القساوسة المنصِّرين، فسب إله العالمين، الذي يؤمن به مليار ونصف المليار من المسلمين... فقال: "إن المسيحية دين أرسل الرب فيه ابنه ليموت من أجل الناس، أما الإسلام فهو دين يطلب الله فيه من الشخص إرسال ابنه ليموت من أجل هذا الإله"!(3).
والسيناتور الأمريكي "جوزيف ليبرمان" الذي كان مرشحاً ديمقراطياً لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الأمريكية سنة 2000م يعلن: "أنه لا حل مع الدول العربية والإسلامية إلا أن تفرض عليها أمريكا القيم والنظم والسياسات التي نراها ضرورية... فالشعارات التي أعلنتها أمريكا عند استقلالها لا تنتهي عند الحدود الأمريكية بل تتعدادها إلى الدول الأخرى"(4).
الهوامش
(1) انظر دراستنا عن "الهجمة الأمريكية على الإسلام" بكتابنا "في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام" طبعة القاهرة، سنة 2003م.
(2) "الفرصة السانحة" ص 140.
(3) صحيفة "الشرق الأوسط" في 21-2-2002م.
(4) صحيفة "الأهرام" في 16-1-2002م.
============(1/391)
(1/392)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(11)
العدو "البديل"
د.محمد عمارة
لما سقطت الشيوعية سنة 1991م.. وأعلن الغرب أن الإسلام هو العدو الذي حل محل إمبراطوريتها الشريرة.. عللت مجلة "شؤون دولية" الصادرة في "كمبردج" بإنجلترا في يناير 1991م سبب سرعة هذا الإعلان الغربي أن الإسلام هو العدو فقالت: "لقد شعر الكثيرون في الغرب بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفييتي.. وبالنسبة إلى هذا الغرض فإن الإسلام جاهز في المتناول.. فالإسلام من بين الثقافات الموجودة في الجنوب هو الهدف المباشر للحملة الغربية الجديدة، ليس لسبب سوى أنه الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحدٍّ فعلي وحقيقي للثقافة الغربية.. ذلك أن النظرية التي يعتنقها علماء الاجتماع، والتي تقول: إن المجتمع الصناعي والعلم الحديث يقوض الإيمان الديني.. مقولة العلمنة صالحة على العموم.. فالتأثير السيكولوجي للدين قد تناقص عملياً في كل المجتمعات، وبدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة.. لكن عالم الإسلام قد مثل استثناءً مدهشاً وتاماً جداً من هذا، فلم تتم أي علمنة في عالم الإسلام..
إن سيطرة الإسلام على المؤمنين به هي سيطرة قوية، وهي بطريقة ما أقوى الآن مما كانت منذ 100 سنة مضت.. إن الإسلام مقاوم للعلمنة نوعاً ما، والأمر المدهش أن هذا يظل صحيحاً في ظل مختلف النظم السياسية.. وإن وجود تقاليد محلية للإسلام قد مكن العالم الإسلامي من أن يفلت من معضلة تقليد العلمانية الغربية، وإن عملية الإصلاح الذاتي، استجابة لدواعي الحداثة، يمكن أن تتم باسم الإيمان المحلي وذلك هو التفسير الأساسي لمقاومة الإسلام المرموقة للعلمنة.. وإن أوروبيين كثيرين يتساءلون عما إذا كان يمكن جعل الإسلام يقبل بقواعد المجتمع العلماني، مثلما فعلت المسيحية بعد صراعات كثيرة وطويلة ومؤلمة؟ أم أن رسوخ الإسلام في المجال السياسي والاجتماعي يجعله يرفض القبول بالمبدأ المسيحي الغربي الذي يميز بين ما لله وما لقيصر، وبما لا يسمح لمعتنقيه أن يصبحوا مواطنين خاضعين للقانون بصورة يعول عليها في ديمقراطية علمانية"!؟
فتخيير الإسلام بين العلمنة، أي التحول إلى صورة شرقية للنصرانية الغربية، يقف عند الشعائر والعبادات فيتنازل بذلك عن خصوصياته ومميزاته، فاتحاً الطريق أمام تغريب العقل المسلم، وهيمنة العولمة الغربية على دنيا المسلمين.. إن تخيير الإسلام والمسلمين بين هذه التبعية الفكرية وبين أن يكونوا العدو الذي توجه إليه آلة الحرب وحملات الإعلام التي كانت موجهة للشيوعية وأحزابها وحكوماتها، هو أمر سابق على "قارعة سبتمبر 2001م" وسابق على الانشقاق الذي حدث بين الجماعات الإسلامية "الراديكالية" وأمريكا.. فنحن بإزاء موقف قديم وثابت.. وأصيل في المواجهة بين الغرب والإسلام.. وكما قال "جلوب باشا": "فإن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط أي مشكلة الغرب مع الشرق إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد" أي إلى ظهور الإسلام، وتحريره الشرق من هيمنة الغرب.. وبقائه القوة الشرقية المجاهدة ضد محاولات اختطاف الغرب للشرق من جديد.. وليست القضية.. هي قضية "قارعة سبتمبر" في القرن الواحد والعشرين!
بعد قارعة سبتمبر 2001م
في ضوء هذا الذي قدمناه عن تزييف "المشروع الغربي: السياسي.. والكنسي" لصورة الإسلام.. يتبين بدء هذا التزييف مع بدء ظهور الإسلام وتحريره للشرق من هيمنة الغرب الروماني البيزنطي.. ومقاصد الغرب من وراء هذا التزييف:
أ تغريب عقول مفكرينا ومثقفينا، ليتبنوا نموذجه الحضاري بدلاً من النموذج الإسلامي، فتصبح المركزية الغربية هي قبلتنا، طواعية وتطوعاً!
ب تضليل شعوبه الغربية، لتنخرط في المواجهة مع الإسلام، دعماً لمشروع الهيمنة.
ج إراحة ضميره، عندما يصدق الصورة التي زيفها للإسلام، باعتباره نمطاً من الفكر البدائي والمتخلف، تؤمن به شعوب بدائية ومتخلفة، يحول بينها وبين "التقدم" بمعناه الغربي فيقتنع "الضمير" الغربي عندئذ بمنطق الداروينية أنه صاحب رسالة تنويرية وتقدمية وتحضيرية عندما يحارب خصوصياتنا الحضارية، ويعادي مميزاتنا القيمية، ويعمل على إبادة البنى الموروثة لثقافتنا الإسلامية.. فهو الأقوى.. وبمنطق الداروينية، فهو الأصلح للبقاء في هذا الصراع الحتمي!
وذلك وصولاً إلى تحقيق الهيمنة على عالم الإسلام، ونهب ثرواته، الذي هو المقصد الأعظم لمشروع الهيمنة الغربي في ضوء هذا الذي قدمناه حول هذا الموضوع الذي هو موضوع الساعة.. كما هو موضوع التاريخ نفهم كيف أن طوفان ثقافة الكراهية السوداء للإسلام وأمته وحضارته، الذي تفجرت ينابيعه الأمريكية والغربية في وجوهنا، عقب "قارعة سبتمبر عام 2001م" لم يكن من "إنشاء" هذه القارعة، ولا كانت أسبابه "جماعات العنف العشوائي" التي ترفع رايات الإسلام.. وإنما كان هذا الطوفان.. "تصعيداً حاداً" لموقف تاريخي قديم، و"كشفاً" عن مخزون مكنون، وضع الغافلين منا واللاهين عن الحقائق في موقف الذين تحدث عنهم القرآن الكريم عندما قال:
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22)(ق).
============(1/393)
(1/394)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(10)
دعوة نيكسون لمواجهة الصحوة
د.محمد عمارة
أما خطاب المشروع السياسي والحضاري الغربي المعاصر إزاء الإسلام، فلقد بدأته أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية عندما ورثت الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة: الإنجليزية والفرنسية بمحاولة "استغلال" الإسلام في حربها الباردة ضد الشيوعية.. وبعبارات الشهيد سيد قطب (1324 1386 ه- 1906 1966م): "إن الإسلام الذي يريده الأمريكان، وحلفاؤهم في الشرق، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان، ولكنه فقط الإسلام الذي يقاوم الشيوعية، إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، ولا يطيقون من الإسلام أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلم الشعوب أن إعداد القوة فريضة، وأن طرد المستعمر فريضة، وأن الشيوعية كالاستعمار وباء، فكلاهما عدو، وكلاهما اعتداء.. الأمريكان وحلفاؤهم إذن يريدون للشرق إسلاماً أمريكانياً يجوز أن يستفتى في منع الحمل، ويجوز أن يستفتى في دخول المرأة البرلمان، ويجوز أن يستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى أبداً في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي، ولا يُستفتى أبداً في أوضاعنا السياسية والقومية، وفيما يربطنا بالاستعمار من صلات، فالحكم بالإسلام، والتشريع بالإسلام، والانتصار للإسلام لايجوز أن يمسها قلم، ولا حديث، ولا استفتاء.."(1) في الإسلام الأمريكاني!
هذا هو نوع "الإسلام الأمريكاني" الذي أرادت أمريكا "استغلاله" في حربها الباردة ضد الشيوعية كما استغلت النصرانية أيضاً. وأنشأت، لذلك، "مجلس الكنائس العالمي" في ذات التاريخ..
فلما تعاظم مد اليقظة الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين عقب سقوط نماذج التحديث على النمط الغربي.. اتخذت أمريكا ومن ورائها الغرب من الإسلام المجاهد.. إسلام اليقظة والصحوة عدواً، حتى قبل "قارعة سبتمبر عام 2001م" وحتى عندما كانت كل الحركات الإسلامية التي يسمونها "أصولية ومتطرفة" تقف مع أمريكا في خندق واحد إبان الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي والشيوعية في ثمانينيات القرن العشرين!.
وفي ذلك التاريخ، كتب الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" وهو مفكر استراتيجي عن هذه اليقظة الإسلامية، التي يقودها من أسماهم "الأصوليون الإسلاميون" الذين هم كما يقول "مصممون على استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي، ويهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وينادون بأن الإسلام دين ودولة، وعلى الرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار"!!
ودعا "نيكسون" إلى اتحاد الغرب الأمريكي والأوروبي.. والروسي لمواجهة هذا البعث الإسلامي، وإلى: "تحديد الخيار الذي تختاره الشعوب المسلمة"!! ليكون "نموذج تركيا العلمانية المنحازة نحو الغرب والساعية إلى ربط المسلمين بالغرب سياسياً واقتصادياً.. وذلك حفاظاً على مصالح الغرب في الشرق.. لأن أكثر ما يهمنا في الشرق الأوسط هو النفط وإسرائيل.. وإن التزامنا نحو إسرائيل عميق جداً، فنحن لسنا مجرد حلفاء، ولكننا مرتبطون ببعضنا بأكثر مما يعنيه الورق، نحن مرتبطون معهم ارتباطاً أخلاقياً.. ولن يستطيع أي رئيس أمريكي أو كونجرس أن يسمح بتدمير إسرائيل"!
ولقد أفصح "نيكسون" عن الموقف الأمريكي والغربي الذي اتخذ الإسلام والمسلمين عدواً، عندما قال: "إن الكثيرين من الأمريكيين قد أصبحوا ينظرون إلى كل المسلمين كأعداء.. ويتصور كثير من الأمريكيين أن المسلمين هم شعوب غير متحضرة، ودمويون، وغير منطقيين.. وليس هناك صورة أسوأ من هذه الصورة حتى بالنسبة للصين الشيوعية.. في ذهن وضمير المواطن الأمريكي عن العالم الإسلامي.. ويحذر بعض المراقبين من أن الإسلام والغرب متضامنان.. وأن الإسلام سوف يصبح قوة جيبوليتيكية متطرفة.. وأنه مع التزايد السكاني والإمكانات المادية المتاحة، سوف يؤلف المسلمون أخطاراً كبيرة.. وأنهم يوحدون صفوفهم للقيام بثورة ضد الغرب.. وسوف يضطر الغرب إلى أن يتحد مع موسكو ليواجه الخطر العدواني للعالم الإسلامي"(2)!!
تلك هي صورة الإسلام في الخطاب الاستراتيجي الأمريكي والغربي في ثمانينيات القرن العشرين.. إبان "شهر العسل" بين أمريكا والغرب من ناحية، وكل الحركات الإسلامية. والدول الإسلامية من ناحية أخرى إبان الجهاد المشترك ضد الشيوعية في أفغانستان.. وقبل "قارعة سبتمبر 2001" بنحو خمسة عشر عاماً!
الهوامش
(1) من كتاب (أمريكا من الداخل) والنقل عن: د.جابر قميحة "سيد قطب والإسلام الأمريكاني" صحيفة "آفاق عربية" القاهرة في 27-12-2001م والدكتور جابر ينقل عن مجلة "الرسالة" سنة 1951م.
(2) ريتشارد نيكسون: (الفرصة السانحة) ص28، 140، 141، 152، 153، 135، 138، 139، ترجمة: أحمد صدقي مراد. طبعة القاهرة سنة 1992م.
==============(1/395)
(1/396)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(9)
الخطاب التنصيري يكشف حقيقة حوار الأديان
د.محمد عمارة
لم تكن مقاصد الخطاب الغربي خطاب الهيمنة الموجه إلى العالم الإسلامي المعاصر، بأفضل كثيراً من خطاب الغزوة الاستعمارية في العصر الحديث... بل ربما كان الأمر أسوأ في كثير من مفردات هذا الخطاب..
فالخطاب الكنسي اللاهوتي، الذي طمح بل وطمع إلى تنصير كل المسلمين، قد تحدث عن الإسلام في وثائق "مؤتمر كولواردو سنة 1978م" فقال:
"إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية.. والنظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً... ونحن بحاجة إلى مئات المراكز، لفهم الإسلام، ولاختراقه في صدق ودهاء! ولذلك، لا يوجد لدينا أمر أكثر أهمية وأولوية من موضوع تنصير المسلمين.
لقد وطدنا العزم على العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصارى والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي... إن نصارى البروتستانت في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا منهمكون بصورة عميقة في عملية تنصير المسلمين.. وعلى المواطنين النصارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معاً، بروح تامة، من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين.. إذ يجب أن يتم كسب المسلمين عن طريق منصرين مقبولين من داخل مجتمعاتهم.. ويفضّل النصارى العرب في عملية التنصير. إن تنصير هذه البلاد سوف يتم من خلال النصارى المنتمين إلى الكنيسة المحلية، ويتم ذلك بعد تكوين جالية محلية نصرانية قوية"(1).
وبعد هذا التخطيط لاختراق الإسلام في "صدق.. ودهاء!" تحدث قساوسة وبروتوكولات التنصير هذه عن ضرورة صناعة الكوارث في بلاد الإسلام، لإحداث الخلل في توازن وضحايا هذه الكوارث، باعتبار ذلك هو الشرط الضروري لتحول هؤلاء الضحايا من الإسلام إلى النصرانية!.. معتبرين ذلك "نعمة" كبرى و"معجزة" تهيئ لهم تنصير المسلمين!! فقالوا: "لكي يكون هناك تحول إلى النصرانية، فلابد من وجود أزمات ومشكلات وعوامل تدفع الناس أفراداً وجماعات خارج حالة التوازن التي اعتادوها!.. وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية، كالتفرقة العنصرية، أو الوضع الاجتماعي المتدني.. وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية!"(2).
ولقد كشف هذا الخطاب التنصيري عن "المقاصد الحقيقية من وراء ما يسمونه "الحوار بين الأديان" فإذا بهذه المقاصد هي التمهيد للتحول القسري نعم القسري إلى النصرانية.. وبنص عباراتهم يقولون: "إن بيانات مجلس الكنائس العالمي، التي تشدد على "حرية الإقناع والاقتناع" لا تلزم المجلس!!.. فالحوار.. عند مجلس الكنائس العالمي.. ليس بديلاً عن تحويل غير النصارى إلى النصرانية.. وهذه البيانات عن "حرية الإقناع والاقتناع" لاتعني تخلي المجلس عن مواقفه المناصرة "للجهود القسرية والواعية والمتعمدة والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر.."؟!(3).
وإذا كان هذا هو الخطاب الكنسي البروتستانتي، إزاء الإسلام والمسلمين، فإن خطاب الكاثوليكية الغربية يقطر، هو الآخر، بالعداء للإسلام.
فالمونسنيور "جوزيبي برنارديني" يصرح بحضرة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني في 1999م فيقول: "إن العالم الإسلامي سبق أن بدأ يبسط سيطرته بفضل دولارات النفط.. وهو يبني المساجد والمراكز الثقافية للمسلمين المهاجرين في الدول المسيحية، بما في ذلك روما عاصمة المسيحية، فكيف يمكننا ألا نرى في ذلك برنامجاً واضحاً للتوسع، وفتحاً جديداً"؟!(4).
وفي نفس التاريخ، يتحدث الكاردينال "بول بوباز" مساعد بابا الفاتيكان.. ومسؤول المجلس الفاتيكاني للثقافة إلى صحيفة "الفيجارو" الفرنسية، فيقول: "إن الإسلام يشكل تحدياً بالنسبة لأوروبا وللغرب عموماً.. وإن المرء لا يحتاج إلى أن يكون خبيراً ضليعاً لكي يلاحظ تفاوتاً متزايداً بين معدلات النمو السكاني في أنحاء معينة من العالم، ففي البلدان ذات الثقافة المسيحية يتراجع النمو السكاني بشكل تدريجي، بينما يحدث العكس في البلدان الإسلامية النامية.
إن التحدي الذي يشكله الإسلام يكمن في أنه دين وثقافة، ومجتمع وأسلوب حياة وتفكير وتصرف، في حين أن المسيحيين في أوروبا يميلون إلى تهميش الكنيسة أمام المجتمع، ويتناسون الصيام الذي يفرضه عليهم دينهم، وفي الوقت نفسه ينبهرون بصيام المسلمين في شهر رمضان"(5).
ويمضي هذا الخطاب الكنسي الكاثوليكي ليرفض التعايش بين الإسلام والمسيحية في أوروبا.. فيقول الكاردينال "جاكومو بيفي" أسقف مدينة "بولونيا" بإيطاليا في رسالته يوم 13-9-2000م داعياً إلى استئصال المسلمين من أوروبا: "فإما أن تتحول أوروبا إلى مسيحية فوراً، وإلا ستكون إسلامية مؤكداً"(6)!
هذا هو الخطاب الكنسي الغربي إزاء الإسلام، وتلك هي صورة الإسلام في هذا الخطاب البروتستانتي منه والكاثوليكي في الواقع المعاصر الذي نعيش فيه.. والسابق على "قارعة سبتمبر لسنة 2001م" التي ألمت بأمريكا.
الهوامش(1/397)
(1) (التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي) الترجمة العربية لوثائق مؤتمر كولورادو ص452، 22، 23، 789. 79، 53، 56، 4، 5، 627، 630، 383، 845. طبعة مركز دراسات العالم الإسلامي... مالطا سنة 1991م.
(2) المصدر السابق، ص 242، 827، 287، 469، 364، 147.(3) المصدر السابق، ص 770.
(4) صحيفة "الشرق الأوسط" في 13-10-1999م.
(5) صحيفة "الشرق الأوسط" في 1-10-1999م.
(6) صحيفة "العالم الإسلامي" في 6-10-2000م
==============(1/398)
(1/399)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(4)
النفي الغربي للإسلام
د.محمد عمارة
وفي الموقف الغربي من الآخر الإسلامي تنهض هذه "النزعة المركزية" بالدور المحوري في اختراع الصور الغربية عن الإسلام، وفي إذكاء روح العداء الغربي للحضارة الإسلامية، وفي التبرير لحروب الغرب الفكرية والقتالية ضد عالم الإسلام وأمته وحضارته.
وإذا كانت المواجهة التاريخية والحديثة والمعاصرة قائمة بين "المشروع الغربي" الذي ينفي "المشروع الإسلامي"، فإن هذا النفي الغربي للإسلام وحضارته، له جذور عميقة في تصورات الثقافة الغربية عن الإسلام، وهذه الجذور الرافضة والنافية للآخر الإسلامي حية وفاعلة بل ونامية حتى هذه اللحظات.
نجد ذلك في "المشروع الكنسي" الذي أعلن بلسان البروتستانت في "مؤتمر كولورادو" سنة 1978م ضرورة اختراق الإسلام لتنصير كل المسلمين!، كما أعلن هذا "المشروع الكنسي" بلسان الكاثوليك ضرورة أن تصبح إفريقيا نصرانية سنة 2000م، فلما خاب الرجاء غير الصالح، أجلوا التاريخ إلى سنة 2025م!.. وتعبر عن هذا "المشروع الكنسي" حتى فرنسا العلمانية بلسان رئيسها الأسبق "فاليري جيسكار ديستان" عندما أعلن استحالة قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، لأنها مسلمة، والاتحاد الأوروبي "نادٍ مسيحي"!.
أما "لسان" الغرب الأرثوذكسي، فلقد مارس هذا النفي للإسلام، بالمجازر والمقابر الجماعية، على أرض البلقان والشيشان.. كما تمارسه الصهيونية وهي امتداد غربي متحالفة مع الصليبية الغربية على أرض فلسطين!.
بل إن كنائس الغرب التي خانت نصرانيتها لا تستحي عندما تعلن هذا النفي للإسلام، حتى في المؤتمرات التي "تحاور" فيها رموز الإسلام، في عقر دار الإسلام!!.. ففي "مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي"، الذي عقد بالقاهرة بدعوة من "المنتدى العالمي للحوار" بجدة و"مؤتمر العالم الإسلامي" والذي انعقدت جلساته في فندق "شيراتون هليوبولس" في 28، 29 أكتوبر سنة 2001م رفض ممثل الفاتيكان، نائب الأمين العام للمجلس البابوي للحوار بين الأديان، القس "خالد أكاش"... وممثل "مجلس الكنائس العالمي" الدكتور "طارق متري".. رفضا التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر، لأنه وضع الإسلام مع اليهودية والنصرانية، تحت وصف "الأديان السماوية الربانية"، وقالا: "إن وصف الإسلام كدين سماوي ورباني لا يزال محل خلاف لم يُحسم بعد"!!.
ولقد علق الدكتور يوسف القرضاوي وكان مشاركاً مع شيخ الأزهر في هذا المؤتمر على هذا الموقف فقال: "إنني أستغرب من توجس بعض رجال الدين المسيحي من وصف الإسلام بالربانية والسماوية، وإذا كان الفاتيكان والكنائس العالمية لاتعترف بالإسلام كدين سماوي فلماذا نجتمع إذن؟! وإذا لم يقرر رجال الدين المسيحي والفاتيكان بأن الإسلام دين رباني فلا داعي للقاء والحوار..."(1).
إنهم يعترفون بالإسلام "كأمر واقع"، ويصنفونه ضمن "الديانات الوضعية"، غير السماوية وغير الربانية، وذلك لتبرير السعي الكنسي الدائب والدائم لتنصير المسلمين، وطي صفحة الإسلام من الوجود انطلاقاً من "النزعة المركزية" التي لا تعترف بالآخرين... فتسعى إلى إلغائهم، بضمير مستريح!.
كذلك نجد هذا النفي للآخر، والرفض لمشروعية وجوده المتميز والمستقل، في "المشروع الحضاري" الغربي، الذي لا يعترف بالتعددية الحضارية العالمية.. وإن اعترف بالحضارات غير العربية "كأمر واقع" فهو يسعى بالتغريب وعولمة نموذجه الحضاري إلى إلغاء هذه التعددية الحضارية، والانفراد الغربي بالعالم كله.. وفي سبيل ذلك يستخدم "نزعة صدام الحضارات.. وصراع الثقافات" كحتمية مزعومة لتبرير سيادة هذه النزعة المركزية على النطاق العالمي.
وفيما يتعلق بالنفي الغربي للإسلام على وجه الخصوص يكفي أن نشير إلى كلمات المستشرق الفرنسي "جاك بيرك" (1910 1995م) التي يقول فيها: "إن الإسلام، الذي هو آخر الديانات السماوية الثلاث، والذي يدين به أكثر من مليار نسمة في العالم، والذي هو قريب من الغرب جغرافياً، وتاريخياً، وحتى من ناحية القيم والمفاهيم.. قد ظل، ويظل حتى هذه الساعة، بالنسبة للغرب: ابن العم المجهول، والأخ المرفوض.. والمنكور الأبدي.. والمبعد الأبدي.. والمتهم الأبدي.. والمشتبه فيه الأبدي"(2).
لقد قال "جاك بيرك" هذا الكلام، المعبر وهو الخبير في الثقافة الغربية وفي الإسلام معاً عن نفي الغرب للإسلام وحضارته وأمته، كموقف ثابت ودائم.. وقدَّم هذه الصورة للإسلام في الثقافة الغربية والحضارة الغربية والممارسات الغربية، قبل "قارعة سبتمبر سنة 2001" بسبع سنوات!... وكأنه كان يصف "طوفان" ثقافة الكراهية السوداء التي انهالت على الإسلام وأمته وحضارته عقب سبتمبر سنة 2001م!.
فنحن أمام موقف ثابت ودائم من قبل المشروع الكنسي الغربي.. والمشروع السياسي والحضاري الغربي.. وهو موقف ينفي الآخر الإسلامي، ليبرر العدوان الاستعماري والهيمنة الحضارية على عالم الإسلام.
الهوامش
(1) صحيفة "الأسبوع" القاهرة في 5-11-2001م، وصحيفة "العالم الإسلامي" مكة في 16-11-2001م، وصحيفة "عقيدتي" القاهرة في 6-11-2001م.(1/400)
(2) من حديث جال بيرك في 27-6-1995م. انظر: حسونة المصباحي "العرب والإسلام في نظر المستشرق الفرنسي جاك بيرك"، صحيفة "الشرق الأوسط" لندن في 1-11-2000م.
==============(1/401)
(1/402)
صورة الإسلام في الخطاب الغربي(8)
تجريد الإسلام من خصوصياته
د.محمد عمارة
كاتب ومفكر إسلامي مصر
سعت الغزوة الاستعمارية الأوروبية الحديثة كي تؤبد احتلالها لعالم الإسلام، ونهبها لثرواته إلى تجريد الإسلام من شموله للدنيا مع الآخرة، ومن مرجعيته للدولة والسياسة والاجتماع مع منظومة القيم والأخلاق الحاكمة لسلوك الأفراد... سعت إلى فك الارتباط بين شريعته الإلهية وحركة الواقع في المجتمعات الإسلامية التي استعمرتها هذه الغزوة، وذلك لتُلحق هذا الواقع بالقانون الوضعي الغربي العلماني، حتى لا يبقى للإسلام إلا ملكوت السماء والغيب والدار الآخرة كما هو حال النصرانية المهزومة أمام العلمانية الغربية وسعت هذه الغزوة الاستعمارية كذلك إلى فك الارتباط بين الإسلام والعربية لغة القرآن الكريم وذلك لتغريب اللسان، مع تغريب الفقه والقانون... وكان خطاب الاستعمار الفرنسي في هذا الميدان نموذجياً، فلقد أعلن فلاسفته ومنظروه:
"أن الأسلحة الفرنسية هي التي فتحت البلاد العربية، وهذا يخوِّلنا اختيار التشريع الذي يجب تطبيقه في هذه البلاد!... ويجب فصل الدين الإسلامي عن القانون المدني... وحصر الإسلام في الاعتقاد وحده "والحيلولة دون اندماج العادات والأعراف في الشرع الإسلامي، ليتيسر دمجها في القانون الفرنسي بدلاً من القانون الإسلامي"!
"كذلك يجب الفصل بين الإسلام والاستعراب.. فالعربية هي رائد الإسلام، لأنها تُعلَّم من القرآن، وإذا سادت الفرنسية بدلاً من العربية، وأصبحت لغة التفاهم، فلن يهمنا كثيراً أن تضم الديانة الإسلامية الشعب كله، أو أن آيات من القرآن يتلوها رجال بلغة لا يفهمونها، كما يقيم الكاثوليك القداديس باللغات اللاتينية والإغريقية والعبرانية"!!(1).
فالمطلوب في خطاب الغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة تجريد الإسلام من خصوصياته ومقومات تميزه عن النموذج الحضاري الغربي، وذلك بتغريب الفقه والقانون بالعلمانية بعد تغريب الواقع، لعزل الشريعة عن الحياة... وتغريب اللسان في بلاد الإسلام، لعزل القرآن عن الحياة، وإلحاق المسلمين بالثقافة الغربية، ومنظومة قيمها.
والدارس لواقع بلاد المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب حتى بعد ما يقرب من نصف قرن من الاستقلال السياسي يدرك حجم الكارثة التي أحدثها "التغريب الفرنكفوني" في ميادين اللغة والثقافة والتعليم والإعلام، بل والقيم أيضاً، حتى هذه اللحظات.
فالنخبة الفرنكفونية المتغربة تسيطر على ميادين الفكر والثقافة والإعلام.
والصحافة الفرنكفونية الناطقة بالفرنسية تمثل الحجم الأكبر والأهم في الميدان الصحفي.
وطغيان الفرنسية في ميدان التربية والتعليم ظاهر للعيان.
وحركة النشر وسوق الكتاب تغالب فيه الفرنسية العربية فتغلبها.
وحتى النزعات العنصرية التي تريد إحلال البربرية الأمازيغية محل العربية، ما هي إلا ستار لإحلال الفرنسية ومن ثمَّ الفكر الفرنكفوني محل الهوية العربية والإسلامية.
بل لقد بلغت كارثة التبعية والتغريب والاستلاب الحضاري في تلك البقعة العزيزة على أرض الإسلام وأمته إلى الحد الذي زادت فيه معدلات التغريب والفرنكفونية في عهد "الاستقلال" عنه في عهد الاحتلال والمقاومة الوطنية لهذا الاحتلال!!.
ويكفي أن نعلم أن الفرنسية هي لغة التخاطب والتعامل، ليس فقط في إدارات الشركات والمؤسسات، وإنما أيضاً في مداولات ودوائر الحكم ومجالس الوزارات! الأمر الذي يجعل من أوليات تيار الإسلام والعروبة.. الجهاد لتحرير العقل العربي والمسلم من هذا الاحتلال!
الهوامش
(1) محمد السماك (الأقليات بين العروبة والإسلام) ص57 59، طبعة بيروت سنة 1990م.
=============(1/403)
(1/404)
حرب صليبية جديدة
هل ما يجري في فرنسا هذه الأيام هو محاربة للحجاب الإسلامي فقط؟ أم هو محاكمة للإسلام نفسه وحرب صليبية جديدة؟ إن قضية الطالبة التي رفضوا تسجيلها في المدرسة بسبب الحجاب، والطالبات اللاتي أبعدن من المدرسة بسبب الحجاب، لازالت هذه القضية مثار جدل واسع في أوساط المجتمع الفرنسي والصحافة الفرنسية، وعلى مستوى الدولة كذلك.
قالت صحيفة (لوبوان): » إذا أرادت فرنسا أن تحافظ على علمانية المدرسة وعلمانية الدولة فإنها لا تستطيع أن تؤخر طويلاً حل الإشكالات الدينية التي يثيرها حضور الإسلام في الغرب «.
وعلى مستوى الدولة شهد البرلمان الفرنسي جلسة صاخبة ناقش فيها النواب موضوع الحجاب الإسلامي وانقسموا ما بين معارض وبين من يعتبره تصرفاً تابعاً للحرية الشخصية ولا مانع منه، كما انقسم الوزراء؛ فوزير التربية يرى أن إبعاد الطالبات ليس من أهداف المدرسة، بينما وزير الدفاع يرى منع الطالبات من ارتداء الحجاب، وقال المفكرون رأيهم؛ فالفيلسوف (أندري فروسار) يرى أن وضع الحجاب على الرأس قضية لا تمس إطلاقاً العلمانية، بينما يقول (آلان فانكليل) أن قرار منع ارتداء الحجاب متوافق مع مفهوم العلمانية، وأعلنت زوجة الرئيس ميتران: » إذا ما ألزم دين ما أتباعه بالامتثال لتعاليم معينة فيجب علينا أن نترك لهم حرية الامتثال «.
وإذا كان وزير التربية قد حسم الموقف وأعلن عن استعداد المدرسة الفرنسية لاستقبال الحجاب الإسلامي، وقال: » إن ارتداء الحجاب أو إبراز أي مظهر يوحي إلى انتماء ديني لا يمكنه أن يشكل دافعاً فعلياً لطرد التلاميذ من المدرسة «.
وكذلك كانت كلمة مجلس الدولة الذي هو أعلى هيئة قضائية إدارية، لكن قضية محاربة الإسلام نفسه لم تحسم، فموجة العداء للإسلام بدأت تنتعش في فرنسا (وفي أوروبا بشكل عام) وخاصة من الأحزاب التي يسمونها يمينية متطرفة، وقد اتخذوا من الحجاب بداية للهجوم على الإسلام والمسلمين في فرنسا، ويعللون هذا الهجوم بأن هؤلاء المغتربين لم يندمجوا في المجتمع الفرنسي، وهذه كلمة مهذبة، وقصدهم (لم يذوبوا) في المجتمع الفرنسي أو الغربي.
وخاضت بعض الأحزاب أو الشخصيات الانتخابات على أساس محاربة الحجاب أو الإسلام، وأصيب هؤلاء الفرنسيون بالسعار ضد المغتربين المسلمين، وتحول الأمر إلى عنصرية مكشوفة وهي أن الجنس الآري يجب أن يبقى نقياً ولذلك لابد من طرد هؤلاء المهاجرين.
وليس عجيباً أن لا يتكلم هؤلاء المتعصبون عن تميز الطلاب اليهود، وعن مدارس اليهود المستقلة لأن حقيقة هذا السكوت وهذا الولاء ذكرها القران الكريم: (بعضهم أولياء بعض) [المائدة: 51].
وقد يقول بعض الناس: أنتم تحاكمون دولة غربية نصرانية في موضوع الحجاب، مع أن هناك دولاً تحكم شعوباً إسلامية وتحارب الحجاب، ونقول: هذا صحيح، ونحن هنا نحاكم هؤلاء إلى شعاراتهم المرفوعة عن الحرية والديمقراطية وعدم التدخل في شؤون الآخرين الدينية والشخصية، أما الدول التي تحارب الحجاب في ديار الإسلام فهي تحكم بالشريعة التي سماها بعض العلماء بـ (الملك الطبيعي) وهو حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة فقط، وسمى ما عليه أهل الغرب الآن بـ (الملك السياسي) وهو حمل الناس على مقتضى النظر العقلي، وعلى هذا فهذه الدول لاهي تحكم بالإسلام، ولا تحكم بالعقل والسياسة والنظام كفعل الغربيين.
إن صمود الجالية الإسلامية في فرنسا لهو شيء مشرف، ولا شك أن هذه الجاليات الكبيرة في أوربا تستحق الاهتمام والرعاية سواء من بلادهم الأصلية أو من المسلمين بشكل عام، والتشجيع لإثبات الهوية الإسلامية حتى لا تبتلعهم حضارة أوربا.
ملف التعليم:
عندما فتحنا ملف التعليم في الأعداد السابقة كنا نشعر بخطورة الموضوع وأهميته البالغة، فالطاقات والأجيال يجب أن لا تذهب هدراً بسبب الطرق التقليدية المتبعة مع الصغار والكبار على حد سواء، وقد شارك بعض الأخوة في هذا المجال، وكانت مشاركة الدكتور عبد العزيز القارئ حفظه الله ناقداً لبعض مناهج تعليم وتربية أجيال المتفقهين، كانت محل استحسان ورضى من الجميع، ولا يزال الموضوع بحاجة إلى إثراء، ولا يزال موضوع التعليم بشكل عام بحاجة للأقلام المخلصة من أهل الاختصاص والخبرة والغيرة على أجيالنا ليوضحوا وجهة نظرهم في الطرق المتبعة الآن وخاصة في المراحل الأولى من التعليم، وإنها والله لأمانة في أعناق كل مسؤول عن تربية الأجيال، ماذا تعلم وكيف تربى؟ وما هي الوسائل الناجحة، وحرام أن تذهب سنوات العمر الأولى دون فائدة علمية أو عملية.
وأخيراً نذكّر بقول الدكتور محمد إقبال في أثر التعليم إذا كان موجهاً وجهة غير إسلامية " » إن التعليم هو (الحامض) الذي يذيب شخصية الكائن الحي ثم يكونها كيف يشاء، إن هذا (الحامض) هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيمائية، هو الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب «.
وحتى لا تتحول الأجيال إلى كومة تراب لابد من إعادة النظر في مناهج التعليم.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
============(1/405)
(1/406)
ثغرة الأدب بين دعاة الإسلام وخصومه ( 1 )
يحيى محمد رسام
لا شك أن الصحوة الإسلامية وقفت في وجه خصومها، وتصدت لكل الجبهات، فأعادت للإسلام صفاءه وبهاءه، كما أعادت للمسلمين اعتزازهم بدينهم، ولكنها ولأسباب كثيرة نسيت أو تجاهلت ثغرة لم تقدرها حق قدرها وظنت أنها سهلة هينة، مع أنها عسيرة وخطيرة تلك هي ثغرة الأدب من شعر وقصة ورواية.. ونقد...
خطورة هذه الثغرة:
يمكن إدراك خطورة هذه الثغرة إذا ألقينا نظرة على ما يقوم به الأعداء من ناحيتها حيث استغلوها أيما استغلال، وتسللوا من خلالها إلى عقول كثير من أبناء الإسلام وأذواقهم، ويكفي أن تجول ببصرك في وسائل الإعلام التي تزخر بالأسماء (اللامعة) لمن يسمونهم الأدباء والمبدعين والنقاد، بل يكفي لإدراك هذا أن تتأمل وبقليل من العمق الواقع الثقافي والإعلامي في البلاد الإسلامية، فما من بلد إسلامي إلا وتصدر فيه عدد من المجلات والصحف، من الفصلية إلى اليومية التي تخصص كثيراً من صفحاتها لنشر إنتاج أولئك (المبدعين! ! ) على أنه الغذاء للعقول والأفكار، ومن الإشادة بهؤلاء تصنع الطاقات وتشهر مع الأيام ويخدعون بها الناس.
وبعملية استقرائية بسيطة لعدد من تلك الصحف والمجلات في بلد عربي صغير المساحة قليل السكان متوسط المستوى الثقافي، ندرك مدى العناية التي يوليها أولئك لهذه الثغرة.
الأدب وسيلة فاعلة ومؤثرة:
إن الفئات الرافضة للإسلام يتوسلون لنشر أفكارهم المسمومة وإقناع الجماهير بمعتقداتهم بهذا الجانب من النشاط الفكري الإنساني وبما تعلموه من تجاربهم، وبتوجيه من أسيادهم اهتدوا إلى هذا الأسلوب، وهو أن يتدثروا برداء الأدب، وعن طريقه وتحت مظلته يستطيعون وبكل سهولة ودون معارضة أن يطرحوا أفكارهم وآراءهم، ولا شك أن الأدب وسيلة نافذة وسريعة، وقوية التأثير في النفوس، وهم لذلك لا يألون جهداً في تجنيد كل طاقاتهم في هذا السبيل، ويستخدمون الشعر والقصة والمسرحية وإن كان الذين يطلعون على هذا الإنتاج في هذه المرحلة فئة محددة، ولكن في المرحلة الثانية يأتي دور الناقد كشارح وموضح أو مروج لهذه النصوص الأدبية.
وقراء هذه المرحلة يزدادون نسبياً نتيجة الإغراء الذي يقوم به الناقد والذي يخترع في الغالب للعمل الأدبي من الخصائص والميزات ما لم يخطر في بال صاحبه أصلاً.
وهناك مرحلة ثالثة حيث يقوم الناقد بالإشارة أو ترشيح النص الأدبي لأداء دور أخطر وأعمق أثراً، فإن كان النص قصيدة شعرية رشحها لتكون في منهج الأدب والبلاغة، وإن كان النص مسرحية رشحها للتمثيل على خشبة المسرح، وإن كان رواية رشحها لتكون فيلماً سينمائياً لأنها في نظره تعالج أمراضاً اجتماعية وفيها أبعاد سياسية! ! ويفعلون ذلك لعلمهم أن غالبية الجماهير لا زالت خارجة عن نطاق التأثر في المرحلتين السابقتين.
الإشارة بالرموز:
ثم انظر إلى الإصرار على إشارتهم برموزهم في كل حين، وبمناسبة ودون مناسبة في الوقت الذي يتجاهلون فيه عن عمد كثيراً من الرواد الأصلاء، ونضرب مثالاً واحداً لهذه الظاهرة بما يلقاه أمثال طه حسين من احتفاء وتكريم وإشادة به ويهمل أمثال أحمد حسن الزيات والرافعي والمازني وسيد قطب ومحمود محمد شاكر وغيرهم [1].
أخطر ميادين الصراع:
وقبل أن ننتقل إلى الحديث عن موقف الإسلاميين من الأدب، نحب أن نؤكد على أن هذا الميدان من ميادين الثقافة أحد أخطر ميادين الصراع بين الإسلام خصومه [2] وأن معركتنا مع أدباء الحداثة وبقية المستغربين هي معركة سياسية عقائدية، وهم من خلال الأدب والثقافة يوجهون أخطر طعناتهم لأعز ما تملك الأمة: عقيدتها وشريعتها..
فالعصر الأموي عندهم لا يزيد عن كونه عصر الأخطل وجرير والفرزدق وصراع القيسيين واليمانيين، وأما العصور العباسية فهي عصور ليالي الرشيد وأبي نواس والعباس بن الأحنف، والجواري والمغنيات، وهم في نفس الوقت لا ينسون الإشادة بالحركات الباطنية وحركة الزنج والقرامطة وكل الشخصيات المنحرفة كميمون القداح وعلي بن الفضل ومنصور اليمن..
ويتفاخر بعضهم بالانتساب إليهم فهذا يكتب (بسيف علي بن الفضل) والآخر يفخر بتوقيع مقدمات كتبه (حفيد بن الفضل)، ويخرج أحد الشعراء في بلد صغير وفقير ثمانية دواوين شعرية متتالية، كلها تحريض للمرأة على الخروج على أوامر الإسلام، وسخرية بالعلماء الذين يهاجمونه، بل ينتقص من أحكام الأسرة في الإسلام، ثم يقدم أديب مشهور أحد دواوينه [3] ويدعو الشباب لقراءة دواوينه، فالشاعر في نظره عالج بشجاعة أخطر القضايا الاجتماعية.
دعاة الإسلام والإهمال المخل:(1/407)
إذا كان شأن الأدب كما ذكرنا فما هي المساحة التي يحتلها في برامج وخطط أنصار الفكر الإسلامي من الشباب، إن الجواب على ذلك ميسور ولا يحتاج لكبير عناء، فما علينا إلا أن نتصفح أدبيات الصحف والمجلات الإسلامية لندرك مدى الفقر الذي تعانيه في هذا الجانب، فليس هناك مجلة واحدة على طول العالم الإسلامي وعرضه مخصصة لهذا الجانب، وتكتفي المجلات الإسلامية بتخصيص صفحات محدودة لباب الأدب، وإذا كان ذلك أمراً مؤلماً للنفس، ويدعو للأسى، فإن الأكثر إيلاماً هو عدم اهتمام المشرفين على أبواب الأدب بالمشاركات الأدبية التي يرسلها القراء وعدم تشجيعهم الناشئة.
فأنى بعد ذلك للأدباء الإسلاميين أن يبدعوا وأنى للمواهب الشابة أن تنمو وتتطور؟ وهل ننتظر أن تنشر لهم مجلات العلمانيين الذين يخصصون المجلات الكبيرة لنشر المقالات الطويلة والبحوث المعمقة والقصائد الحديثة، وهكذا يظهر جليًّا مدى الخلل الذي أصاب هذا الجانب ومدى الإغفال الذي لقيه عند المسلمين.
من أين جاء الخلل؟:
هل جاء الخلل من جهة سوء الفهم لدى البعض لموقف الإسلام من الشعر أساساً؟ والجواب أن هذا احتمال وارد؛ بل وقوي وله ما يفسره، فرغم ما كتب عن صلة الأدب بالإسلام إلا أن غيوماً من دعايات وشبهات أعداء الإسلام حول هذه القضية تركت آثارها في النفوس، ويمكن ملاحظة أعراض ذلك القصور، من خلال ملاحظة أن كثيراً من النابهين من أصحاب التخصصات العلمية في الأصل، لم يتجهوا إلى الدراسات الأدبية عندما أرادوا خدمة الإسلام بالدراسات غير العلمية، وكثيراً من الدعاة الذين كان لهم مساهمات أدبية جيدة في بداية حياتهم انصرفوا عن الأدب والشعر، وكأن ذلك يزري بهم، فإذا كان ذلك هو حال من يفترض فيهم أنهم الموجهون لسير الدعوة فكيف غيرهم؟ وهنا لا بد أن نسأل ما مدى صحة وسلامة هذا الموقف؟ لنرى أولاً ما هو موقف الكتاب والسنة في الشعر والأدب بشكل عام.
موقف القرآن والسنة من الشعر والأدب:
قال تعالى عن الشعراء: (والشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ، وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إلاَّ الَذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وسَيَعْلَمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) وإذاً فهذا هو القرآن الكريم، قد هاجم بعنف الشعراء المناوئين للدعوة الإسلامية وشنع عليهم، وفي الوقت نفسه أشاد بالشعراء المؤمنين، وأشار إلى أوصافهم وأنهم يعملون الصالحات ويذكرون الله كثيراً وينتصرون بعد ما ظلموا، وأنهم لا بد أن يقوموا بواجب الجهاد بالكلمة.
وأما موقف الرسو صلى الله عليه وسلم فقد كان يحرض ويشجع من يرى فيهم ملكة الشعر لمواجهة الشعراء المحاربين للدعوة الإسلامية والأحاديث كثيرة في حض وتشجيع حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وغيرهم، الذين كانت ألسنتهم سيوفاً حادة في وجوه الكافرين ويدعو الرسو صلى الله عليه وسلم لبعضهم بأن يؤيده روح القدس إذا هو هجا الكفار.
وإذا كان ذلك هو موقف القرآن والسنة وموقف الصحابة من الشعر والشعراء، فقد يقال: فماذا عن بقية عناصر الأدب كالقصص والأمثال؟ واتباع الأساليب البلاغية والبيانية؟ فنقول: أما استخدام القرآن للقصة كأسلوب مؤثر وفعال في تبليغ الدعوة وغرس المفاهيم وتحليل مواقف أعداء الدعوة الظاهرة وصلتها بدخائلهم فذلك واضح لا يحتاج لبيان، بل إن أسلوب بعض القصص القرآني فيه كل عناصر القصة من عناصر التشويق وتصوير الشخوص واستخدام الحوار وحل العقدة في النهاية وانتصار الخير دائماً مثل قصة (يوسف) عليه السلام.
وكذلك استخدام القرآن للأمثال وهو من ألوان الأدب.
وقد أُمر الرسو صلى الله عليه وسلم بأن يعظ الكافرين ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً.
والدعاة في كل عصر مأمورون بما أمر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن تأثير من له صلة بالأدب لأعمق وأبلغ في نفوس الجماهير ممن لا حظ له في ذلك، بل إننا نرى أن الجفاف في أسلوب بعض الدعاة من أسباب إعراض بعض الناس عنهم، يقول الأستاذ محمد قطب: (إن الأدب لا بد أن يكون في خدمة الدعوة، فإن أعداءنا يستخدمونه ضد الإسلام وأخلاقياته، وإن الآداب من أقوى الوسائل التي إن استخدمناها نكون قد أدينا واجباً مهما).
يعتبر الأستاذ أبو الحسن الندوي أن الأدب من أقوى العوامل في (الإفساد) أو (الإصلاح) ولذلك لا يجوز أن نفصل بين الأدب والأخلاق.
-----------------------------
(1) وأخيراً حصل صبي المبشرين لويس عوض على جائزة الدولة التقديرية في مصر.
(2) انظر:محمود شاكر: أباطيل وأسمار.
(3) الشاعر هو الشرفي والأديب هو الدكتور المقالح.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
===============(1/408)
(1/409)
ثغرة الأدب بين دعاة الإسلام وخصومه ( 2 )
يحيى محمد رسام
ذكر الكاتب في الحلقة السابقة أهمية الأدب وخطورته، ومقدار ما يناله من اهتمام العلمانيين، وبالمقابل ما يلقاه من إهمال الإسلاميين، وفي هذه الحلقة يذكر المقترحات والملاحظات: مقترحات للعلاج: بعد أن تبين لنا خطورة هذه الثغرة واتساع مساحة ذلك الخلل، فإننا نطرح بعض المقترحات التي نرى أنها ضرورية وإيجابية:
أولاً: على العاملين في الدعوة الإسلامية تشجيع الطاقات الشابة ممن يؤنس فيهم ميل إلى الأدب، ودعوتهم إلى التخصص في الدراسات الأدبية والإعلامية، ليؤدوا من خلالها واجبهم الدعوي.
ثانياً: دعوة الأدباء الإسلاميين للعمل على تشجيع المواهب الناشئة واحتضانها، وتنمية الجانب الأدبي لديها ودفعها لمزيد من الصقل والتطوير، عن طريق الإشادة مرة، والنقد الأدبي مرة أخرى.
ثالثاً: العمل على إيجاد مجلة أدبية أو أكثر تختص بالأدب وفنونه ونشر الدراسات الأدبية والنقدية، وعن طريقها يتم التواصل بين الأدباء، كما يتم التعارف والتعاون.
رابعاً: السعي لإقامة ندوات أدبية وإحياء أمسيات شعرية، يدعى لها الأدباء والشعراء والنقاد، وتعالج فيها قضايا الأدب الإسلامي.
خامساً: إفساح المجال لركن الأدب والثقافة والنقد الأدبي في الصحف والمجلات الإسلامية، ودعوة كل قادر للمشاركة بالكتابة، وأن يتولى تحرير تلك الأبواب في الصحف والمجلات أصحاب نفوس مليئة بالأمل وسعة الأفق.
ملاحظات لابد منها:
1 - يلاحظ على بعض أدبائنا وخاصة الشعراء وكتاب القصة أنهم يحصرون قراءاتهم في جوانب معينة من الثقافة، مع أنه من الأهمية بمكان أن يكون الأديب المسلم على اطلاع واسع بإنتاج الشعراء والأدباء من كل مكان، وخاصة مشاهير الأدباء العالميين، ممن ترجمت بعض آثارهم إلى العربية، وأما من لديه القدرة على متابعة إنتاج أولئك في لغاتهم الأصلية، فذلك أدعى بلا شك إلى أن يرفد الأديب المسلم ثقافته ويوسع آفاقه [1]، والأدباء المسلمين من غير العرب هم أولى الناس بأن يطلع على إنتاجهم.
2- إن بعض الأدباء المسلمين لا يتعرضون بالقدر الكافي للقضايا الحيوية التي تعيشها الأمة، أو بتعبير آخر: تنقصهم الجرأة في معالجة بعض الأحداث المعاصرة أو التطرق إلى معاناة الجماهير اليومية، فمثلاً قضية الحرية لا تعطى حجمها المطلوب، كما يطرحها أعداء الإسلام، وإن كان طرحهم لها مشوهاً ناقصاً [2].
الأدباء الإسلاميون وممارسة النقد: على الكبار من الأدباء أن يلتفتوا إلى عامل مهم من عوامل نشر الأدب وتوسيع قاعدة قرائه، وهو أن يمارسوا (النقد الأدبي) على أوسع نطاق، فيتناولون إنتاج الأدباء الآخرين بالدرس والنقد الصادق والمحايد، وجوانب التميز أو الضعف، وبيان ما تحتويه تلك الأعمال من مضامين وأفكار، ولعل القصور في هذه القضية أوضح من عين الشمس كما يقال، ولعل من ملامحها تلك الشكوى المرة التي يتحدث عنها بعض الأدباء الإسلاميين، وفحواها أن العلمانيين حاصروهم إعلامياً خلال العقود الماضية ولا يزالون، ونذكرهم أن الأديب والشاعر إذا لم يجد من يعرف الجمهور بأدبه فلن يجد من يقرأ له، وبالتالي يموت إبداعه، ذلك أن مهمة الناقد هو أنه يمثل جسراً بين المبدع والقارئ، وإذا كان كبار أدبائنا يجأرون بالشكوى من تجاهل النقاد لهم، فلماذا يمارسون نفس الدور مع إخوانهم الشباب، فلا يشيدون بمن يتمتع بمواهب أدبية، ولا يدعون لقراءة إنتاجهم، وما من إنسان إلا وترتاح نفسه لكلمة تشجيع أو استحسان، وهذا شيء فطري، بشرط أن لا يخرج هذا التشجيع إلى دائرة الملق والإطراء الكاذب..
ونحن لا نريد الإشادة بالمحاسن فقط، بل نريد من يتعقب جوانب النقص والقصور، والمهم أن لا يكون هناك إهمال.
وإنها لمسؤولية تتحملونها، وما ندعوكم إليه هو جزء من حق إخوان لكم، وإذا أردتم أن تستفيد الأجيال من إنتاجكم فعليكم ممارسة النقد الأدبي، وغربلة إنتاج الأدباء، سواء الرافضين للإسلام أو الناشئين من الشباب المسلم؛ وإن ما ينشر من سموم مقلدي الغرب أو الشرق لهو بأشد الحاجة إلى نقد أدبي قوي مستوحى من ينابيعنا الصافية.
----------------
(1) نتكلم عن الأديب المسلم المحصن بطبيعة الحال أمام الشكوك والشبهات، أما من لا يزال في مرحلة البناء الفكري فنخشى عليه أن يخدع أو تنطلي علبه بعض المفاهيم.
(2) لا شك أن العلمانيين توفر لهم فرص للعمل في وسائل الإعلام ومراكز الثقافة ودور النشر الكبرى، حتى إنك تجد بعضهم يترك مهنته الأساسية ويتفرغ للأدب، ثم يدعى للمشاركة في المؤتمرات وتقام له الأمسيات، وعندما يهاجمون الاستبداد في بلد ما يخضعون له ويتملقون له في بلد آخر.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
============(1/410)
(1/411)
جراءة المنصرين على المسلمين ..!!
1- بعث أساقفة باكستان الكاثوليك إلى الرئيس الباكستاني برفيز مشرف برسالة يشكرونه فيها على إلغاء بعض القوانين الإسلامية.
وأعرب رئيس الأساقفة "لورانس جون سالدانها" عن سعادته من انتهاج حكومة إسلام أباد سياسة تهدف في مجملها إلى جعل باكستان بلداً ليبرالياً - على حد قوله - وحسب شبكة إذاعة الفاتيكان، طالب الأساقفة الكاثوليك بإلغاء المواد القانونية التي تعاقب من يتلفظ بإهانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن جهة أخرى، أثنى الكاثوليك الباكستانيون في رسالتهم إلى مشرف على إلغاء القوانين التي تفرق بين المسلمين وغيرهم في اختيار ممثلي الشعب في الانتخابات، مطالبين الحكومة بتعميم ذلك على جميع الأقاليم.
وفي السياق ذاته، طالب الأساقفة بالاستجابة لمطالب الهيئات الحقوقية النصرانية بتعديل قانون "جرائم الشرف" الخاص بمعاقبة المرأة في حالة الجرائم الخلقية، ويشار إلى أن لهجة النصارى الباكستانيين علت مؤخراً بالمطالبات بإلغاء القوانين الإسلامية منذ عودة الرئيس مشرف من زيارة يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في أكتوبر من العام الماضي.
2- تواصل قناة "المهد" التنصيرية بفلسطين محاولاتها لجذب قطاعات واسعة من المشاهدين، من خلال بث برامج تربوية واجتماعية وترفيهية بجانب برامجها الدينية التنصيرية.
فقد أفادت صحيفة "كريستيان بوست" نقلاً عن القس "ميخائيل صباح أسيانيوس" أن القناة التنصيرية تقدم خدمة جليلة إلى الكنيسة، وذلك ببرامجها الجيدة - على حد وصفه - وتبنيها وجهة نظر الكنيسة في مختلف الأمور.
ومن جهته، قال صاحب القناة الأرثوذكسي "سمير كومسيه": إنه يتلقى مكالمات من المشاهدين بشكل مستمر تعبر عن تقديرهم للدور الذي تقوم به.
وأضاف أن القناة تنقل الفعاليات الروحية من داخل الكنيسة إلى المرضى والمعوقين وكبار السن الذين يجدون صعوبات في الحضور إلى الكنيسة.
وتعد هذه القناة التي تتخذ من بيت لحم مقراً لها المحطة النصرانية الخاصة الوحيدة في فلسطين والعالم العربي. الكوثر - العدد (65).
ولكنهم أيضاً يخسرون... !؟
خسرت الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانية ما يزيد على 6 ملايين عضو من المنتسبين إليها بعد رفض ملايين الألمان استقطاع الضريبة الخاصة من رواتبهم لصالح الكنيسة وهي 1%.
وقد تقدم ملايين الأشخاص بطلبات لشطب أسمائهم من سجلات الكنيسة، وأشارت صحيفة "دير شبيجل" التي أوردت النبأ في إحدى مقالاتها مؤخراً إلى أن "الكنيسة الكاثوليكية خسرت منذ التسعينيات أكثر من مليوني عضو بينما خسرت الكنيسة البروتستانتينية أكثر من 4 ملايين عضو". ويعزو البعض ذلك لأسباب اقتصادية، إضافة لسريان روح عدم الثقة في الكنيسة التي تستغل أموال الأعضاء في الحملات التنصيرية على دول العالم الثالث ومن ذلك استغلال النساء والأطفال في أماكن الحروب والكوارث الطبيعية سواء في إفريقيا وآسيا أو طالبي اللجوء في أوروبا ذاتها، فتقدم لهم الخدمات مقابل تخليهم عن معتقداتهم وثقافاتهم.
وقد دفع انخفاض ميزانيات الكنائس في ألمانيا إلى تخلي عدد من الكهنة عن وظائفهم، وهو ما يكشف عن الخلل الكبير في بنية الكنيسة، بل إن الكنائس تحولت إلى مكاتب ومصارف وصالات لعروض الأزياء ومطاعم، وبالطبع من يقبض الثمن هم الكهنة، وفي هامبورج تحولت كنيسة القديس ستفابوس التي اشتراها أحد الطهاة المشهورين في المدينة - رغم معارضة عدد من الكنسيين - إلى مطعم، وهناك كنائس يتم تأجيرها لإقامة الحفلات الموسيقية والمعارض والإعلانات الهابطة كما حدث في برلين حيث علقت صور نساء شبه عاريات على إحدى قباب الكنائس لمدة أسبوع كامل. [المجتمع - العدد (1647)].
قمع المسلمين في الصين؟؟
استغلت الحكومة الصينية الحملة الأمريكية المزعومة "الحرب على الإرهاب" كذريعة لاضطهاد الأقلية المسلمة وشن حملات الاعتقال والتعذيب...، وفي هذا الإطار صعّدت جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية تحذيراتها بشأن معاناة المسلمين بإقليم "شينجيانج" الصيني في منطقة "اليوجور" الغنية بالنفط والمعادن.
وذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية في تقرير أن بكين استغلت ما تسميه واشنطن "الحرب على الإرهاب" كغطاء لتشديد السيطرة على مسلمي اليوجور بإقليم "شينجيانج"، وشن حملات اعتقال وتعذيب، وأحياناً الإعدام بين صفوف هؤلاء المسلمين. مشيرة إلى أن الحكومة الصينية تستخدم أوصافاً مثل: "انفصالي" و"إرهابي" لتبرير قمعها الديني لمسلمي اليوجور (تركستان الشرقية). البلادغ - العدد (1644).
يريدون أن يطفئوا نور الله.. !!
1- دخلت العلاقات التركية الأوربية منعطفاً جديداً بإصدار المجلس الأوروبي تقريراً غير مسبوق يطالب السلطات التركية بالتوقف عن تدريس الدين الإسلامي في المدارس بشكل إلزامي، والمطالبة بحذف خانة الديانة من بطاقات الهوية الشخصية للمواطنين، وقد ردت تركيا على المستوى الرسمي حكومياً وبرلمانياً بقوة وحسم على هذه المطالب التي وردت في تقرير صادر عن المجلس الأوروبي.(1/412)
فيما أبدى الرأي العام التركي حالة من الغضب الشديد إزاء التدخل الأوروبي السافر في خصوصيات تركيا وهويتها الدينية، وتساءل وزير الشؤون الدينية محمد أيدن في أول تعقيب رسمي على ما ورد في التقرير.. ألا يريدون أن ندرس الدين الإسلامي لأبنائنا في المدارس؟! وأكد أن الدين يتعين النظر إليه على أنه واقع اجتماعي في تركيا، وقال في رده على أسئلة الصحفيين بشأن تقرير المجلس الأوروبي إن مناهج الدين الإسلامي يتم تقديمها في المدارس التركية كمناهج ثقافية، وأوضح أن 99% من سكان تركيا هم من المسلمين، مشيراً إلى أن هؤلاء الأشخاص من دون تعريفهم بدينهم لن يمكنهم اتخاذ أي قرارات ذات معنى مؤكداً أن الدين واقع اجتماعي في تركيا..
2- يتجه الحزب الاشتراكي الحاكم في ألمانيا إلى تأييد حظر ارتداء الحجاب في المدارس والمصالح الحكومية وغيرها في كافة الولايات، في إطار ما وصفه بفرض القيود على الرموز الدينية في الحياة العامة، وخطا الحزب خطوة مهمة في هذا الاتجاه مطلع شهر فبراير 2005 عندما أوصى بهذا الحظر مجلس الحزب وهو أعلى هيئة بالحزب تضم 110 أعضاء، وبات من المقرر إعلان الحزب رسمياً عن قرار الحظر بحلول شهر مارس 2005 على أقصى تقدير، وفقاً لعدد من الصحف الألمانية، فقد صرح روديجر فيكنتشر رئيس مجلس الحزب الاشتراكي أن إزاحة جميع الرموز الدينية من الحياة العامة في المجتمع الألماني وجدت تأييداً واضحاً داخل مجلس الحزب، وفي حال إصدار البرلمان الفيدرالي قانوناً يؤيد توجه الحزب الحاكم، سوف تصبح ألمانيا أول دولة أوربية غربية تقدم على حظر الحجاب بعد فرنسا التي بدأت تنفيذ هذه السياسة في سبتمبر 2004، وقد بدأ الحزب الاشتراكي في طرح قضية الحجاب على مستوى ألمانيا بأسرها في نوفمبر 2003 عندما تقدمت (مجموعة عمل المرأة) التابعة للحزب باقتراح بسن قانون يحظر بمقتضاه ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية والمنشآت الشبابية في جميع الولايات الألمانية.
الإصلاح - العدد (480)
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
============(1/413)
(1/414)
تجاوزات الكتاب وتجاهل الدستور الوطني
د. سعد بن مطر العتيبي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..أما بعد:
فكثيراً ما نقرأ نقداً أو نسمعه من بعض من يوصفون بالكتَّاب، أو من يستضيفهم الإعلام الأجنبي الخادم لأيدلوجيته الوطنية ومعتقداته المنحرفة عن الفطرة الإلهية، أو حتى من يستضيفهم إعلام متأدلج ممن يفتقدون الولاء لأمتهم فضلاً عن أوطانهم، أو من المخدوعين بكثرة الإمساس الإعلامي المترجم فكرة ومظهراً وصورة، مع أمية مقيتة أو فكرة سطحية ساذجة بالثقافة الإسلامية إن وجدت مع كثرة تظاهرهم بالثقافة! مما يجعلك أمام طرح تفريطي وجفاء ديني وسلوك ممقوت شرعاً وعروبة، بل هو ممقوت حتى من الأجنبي المحافظ، وإن تناغم مع بعض طروحاته.
ظننا بهم خيراً حيناً من الدهر، فاكتشف بعضهم الضلالة وعاد إلى أمته وساهم في بناء وطنه، فهنيئاً له تأمين مستقبله الأخروي " من عمل صالحا فلنفسه"..
وأبت نفوس بعضهم إلا مزيداً من الجرأة على ديننا الخاتم للأديان ومسلماتنا الشرعية الباهرة للعقلاء المنصفين في كل مكان.. فبئس ما سولت لهم أنفسهم "ومن أساء فعليها".. ولا يشك من يتابع مجموع منتجهم الإعلامي الحقيقي أو (الكوبي) أن لديهم أزمة مع الخطاب الديني كما يصرحون! وعقدة من المصطلحات الشرعية بل الفقهية، لا بل حتى المصطلحات القرآنية تجد في طرحهم ولْوَلَة منها! مهلاً.. حتى التاريخ الهجري صار منبوذا لديهم، وهم من أُرِّخَتْ ولادتهم به! فتجد أحدهم يلوك التاريخ الإفرنجي لوك حديث العهد بالمفردة اللغوية! أفٍ للانهزامية، إنني أشعر بالتقزز ممن يتوهم الترفع يمثل هذا الصنيع!.. أفلا وطنية ونخوة وأصالة إن لم يسعف التدين! بل حتى اللباس الأجنبي صار موضةً لبعضهم على صفحات الجرائد الموجهة لنا نحن العرب بالحرف العربي حماه الله !
وقبل أن ألج إلى صلب الموضوع أحب أن ألفت انتباه القوم إلى أنه في الدساتير الغربية المعاصرة نجد النص الصريح على أهمية الدين واشتراطه ضمن شروط المرشح للرئاسة أو الملك أو حتى عضوية البرلمان؟!
أيها الناس.. الدساتير العربية تنصّ على أنَّ (الإسلام) دين الدولة؛ أما في بعض الدساتير الغربية فلا يكتفون بالنص على دينهم، بل يصرحون بالمذهب الديني أيضاً؛ وحتى لا نتهم بالتقوَّل على الآخر!! إليكم بعض ما جاء في النصوص الدستورية والمواثيق الأساسية الغربية مما يؤكد ما قلت آنفاً:
جاء في (المادة 1) من دستور اليونان: المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وفي (المادة 47) منه: كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وجاء في (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك: يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية!
وفي (المادة1/بند 3): إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك!
وجاء في (المادة 9) من الدستور الأسباني:: يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية!
وفي (المادة 6): على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها.
وفي الدستور السويدي (المادة4): يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص!
وفيه: يجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي.
وفي الأرجنتين: تنص (المادة 2) على: أن على الحكومة الفدرالية أن تحمي الكنيسة الرسولية!
وجاء في وثيقة الحقوق في انجلترا (المادة 7): يسمح لرعايا الكنيسة البروتستانتية بحمل السلاح لحماية أرواحهم
في حدود القانون!
وفي ذات الوثيقة (المادة 8): لكاثوليكي أن يرث أو يعتلي العرش البريطاني!
وفي (المادة 3) من قانون التسوية: على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستناتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات، ويعد ملك بريطانيا حامياً للكنيسة البروتستانتية في العالم!
وبين يدي نصوص كثيرة موثقة، أرجو أن ترى النور قريباً في بيان هذا الموضوع على الطريقة الأكاديمية إن شاء الله تعالى.
فما موقف القوم يا ترى من هذه النصوص التي لا تعترف للآخر - وإن كان مواطناً - ببعض الحقوق التي تمنحها لغيره من المواطنين لانتمائهم لا لدين معين، بل لمذهب ديني محدد؟! ومع هذا يرضخ المواطن أمامها احتراماً للدستور! نعم، وإن سلبه الإفادة من شعار (تكافؤ الفرص)، فهل سيوجدون لها تسويغاً كعادة بعضهم في الاستماتة في تسويغ كل ما هو غربي؟!
بغض النظر عن موقفهم من ذلك؛ فإننا نطالبهم بالعودة إلى الحق والردَّ إلى الشرع كما نصَّ الكتاب العزيز؛ فإن أبوا؛ فإننا نطالبهم بالرقي بأنفسهم إلى أخلاقيات أولئك القوم في احترامهم للدستور، وأكرر (الدستور) وليس القانون العادي!؛ فكم حدثونا عن احترام القوم إياهم للقانون، مع أنَّ بعض محدثينا منهم لم يطأ أرض القوم ولم يحلق في سمائهم.(1/415)
وأمَّا الدستور الذي نطالبكم به؛ فإنما نطالبكم باحترامه لأنه مبني بوضوح على أصول السياسة الإسلامية، ولأنه صريح في النص على مقاصد الخلافة وواجبات الولاية الإسلامية العظمى التي نص عليها فقهاء السياسة الشرعية دون لبس؛ وهما: إقامة دين الإسلام وحمايته، و سياسة الدنيا بالدين.
فبشأن المقصد الأول الذي هو: إقامة دين الإسلام وحمايته، نجد النصوص في النظام الأساسي للحكم (الدستور) التالية:
جاء في نص (المادة الأولى) من النظام الأساسي للحكم: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ؛ ففي هذه المادة تأكيد لالتزام الدولة بالدين الإسلامي، واتخاذ مصادره الأصلية (الكتاب والسنة) دستورا أعلى يحكم الدستور؛ وهذا ما تؤكده المادة السابعة وتبينه على نحو لا يحتمل التأويل، ونصها: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).
وجاء في (المادة الثالثة والعشرون): (تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وتقوم بواجب الدعوة إلى الله). وهذا نص صريح في التزام الدولة بتحقيق هذا المقصد الأول من مقاصد الولاية العظمى في الإسلام الذي يتضح في حماية الدولة للعقيدة الإسلامية بالذود عنها ونشرها، بل وتأكيد أهمية نشرها بالنص على حكمه الشرعي بوصفه بالواجب.
وجاء في نص (المادة السادسة والأربعون): (القضاء سلطة مستقلة.. ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية).
و جاء في (المادة الخامسة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم: (مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية.. كتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ).
ففي ما سبق من المواد بيان واضح في لزوم تحقيق المقصد الأول من مقاصد الدولة الإسلامية، ألا وهو: إقامة الدين الحق " الإسلام".
وبشأن المقصد الثاني: الذي سياسة الدُّنيا بالدِّين، نجد أن مواد النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية لا تكتفي بالنص على أن مصدرها الشريعة، ووجوب تطبيقها حتى في نقد مواد النظام الأساسي ذاته؛ بل تؤكد أن الكتاب والسنة هما مصدر الأحكام و الأنظمة في المملكة العربية السعودية في عدد من المواد، وتنبِّه إليه في أخرى؛ لتثبت أن المشروعية الإسلامية العليا هي المرجع في كل شيء، و أن انتهاج السياسة الشرعية في سياسة الأمة مسار لا يجوز تجاوزه؛ ويتجلى النص على هذا المقصد في عدد من المواد، منها ما يلي:
جاء في نص (المادة الأولى) من النظام الأساسي للحكم، ما يلي: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ).
وجاء في نص (المادة الخامسة) الفقرة (ب) من النظام الأساسي للحكم في بيان من يبايع للحكم من الأسرة المالكة ما يلي: (... ويبايع الأصلح منهم للحكم، على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ).
وفي (المادة السادسة): (يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره).
و جاء في نص (المادة السابعة) من النظام الأساسي للحكم، ما يلي: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).
جاء في نص (المادة الثامنة): (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية).
وجاء في نص (المادة الثالثة والعشرون): (تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).
وجاء في نص (المادة السادسة والعشرون): (تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية).
وجاء في نص (المادة الثامنة والثلاثون): (... لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي... )؛ ويطلق " النص النظامي " في المملكة على ما يصدر من أنظمة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا مما حمل المنظم السعودي على استبعاد وصفه بـ(القانوني)؛ وتؤكد ذلك المادة (الثامنة والأربعون) من النظام الأساسي ذاته.
وجاء في نص (المادة الثامنة والأربعون): (تطبق المحاكم على القضايا التي المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة).
وجاء نص (المادة الخامسة والخمسون) من هذا النظام في غاية الصراحة والوضوح؛ إذ تلزم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية؛ فقد نصت على ما يلي: (يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها).(1/416)
ومن ثم فإنَّ من واجب كل ذي ولاية إسلامية بعامة، وفي المملكة العربية بخاصة مراعاة الكتاب والسنة في كل ما يعرض عليه ضمن سلطاته، ومن ذلك الوزراء، والقضاة، والإعلاميون، والكتاب، والمعلمون، والموظفون على اختلاف مراتبهم.
ونقول للمشاغبين: هذا الدستور الوطني، فهل أنتم معه أو ضده؟ هل كتاب إعلامنا المحلي يحترم الدستور أو أنه يغرد خارج الشرعية؟ وإذا كان الدستور محترما فلم الطرح النقضي المتكرر لمقاصد الولاية التي يحميها الدستور؟ ولم يشتكي بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في الصحافة ذاتها! من رفض بعض القائمين على وسائل الإعلام المحلي نشر بعض مقالاتهم وردودهم؟ مع فتح المجال لمن لا يحملون مؤهلات علمية ليوجهوا الأمة؟! وهل لي بعد هذا أن أتساءل بكل أسف: هل الطرح الذي يحتضنه إعلامنا يمثلنا أمة ودولة؟ وهل يحظى بشرعية دستورية، ولا سيما مع ما نجده من نقد بعض كبار ولاتنا له؟
أقترح على وزارة الإعلام تكوين لجنة رقابة دستورية على مخرجاتها. يقوم عليها متخصصون من خريجي الشريعة والأنظمة؛ لنقطع الطريق على كل ذي فكر ضال أو مضل من الجفاة والغلاة.
في جواب سؤال طرحته بعض الصحف علي عبر الهاتف وأجبت عليه ولم تنشره - قلت: أتمنى أن يوجد لدينا محكمة دستورية، أو أن تولَّى المحكمة العليا ولاية محكمة دستورية؛ لتفصل في كل طرح يفتقد الشرعية وإن تظاهر بالوطنية.
هذا وأسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.
15/7/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
============(1/417)
(1/418)
مهلا أيها المجترئون ..
الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند
إنّ النصوص الشرعية ـ لمن لا يُحسن فهمها والتعامل معها ـ أشبه ما تكون بالألغام الأرضية، تكاد تنفجرُ بصاحبها وبمن حوله قبل أن تنفجر بالعدوّ المتربّص.
وكما أنّ الإسلام ليس فيه كهنوت، بحيث يُقصر فهم النصوص على أشخاص معدودين، لا يُتجاوز إلى غيرهم، كذلك ليس في الإسلام فوضى، بحيث تصبحُ النصوص الشرعية كلأً مباحاً لكلّ أحد مهما كان حظّه من العلم الشرعي، وأيّاً كان تخصّصه.
وإذا كان بعض العلماءِ والمتخصّصين في العلوم الشرعية، قد زلّوا في فهم بعض النصوص، فحادوا عن الجادّة، فما بالكم بمن هو بعيد عن العلم الشرعي من العامّة وغير المتخصّصين!!
إنّ النصوص الشرعية كلٌ لا يتجزّأ، وهي مرتبطة برباطٍ وثيق، قد يخفى على كثيرٍ من الناس إلا من أوتي حظّاً وافراً من العلم الشرعي، فعرف الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيّد، والمجمل والمبين، وكان له علم باللغة، وإحاطةً بمقاصد الشريعة وكلياتها، وفَقِهَ واقع الناس، فمن لم يكن له علم بذلك كلّه، فلا يحلّ له أن يتكلّم في النصوص الشرعية، أو يفسّرها بذوقه وهواه، أو بعقله المجرّد عمّا سبق.
وخذوا مثالاً على ذلك: نصوص الجهاد: فقد وردت آيات تدعوا إلى كفّ الأيدي، والعفو والصفح عن الكافرين: ((كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) (النساء: من الآية77). ((فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِه)ِ) (البقرة: من الآية109).
وآيات تدعوا إلى المقابلة بالمثل دون ابتداء: ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا)) (البقرة: من الآية190).
وآيات تدعوا إلى المبادرة بالقتال دون قيد أو شرط: ((فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)) (التوبة: من الآية5). فمن أخذ بطائفة من هذه الآيات دون علم بالشر ع وفقه بالواقع، ونظر في الطائفة الأخرى من الآيات، فقد ضلّ عن سواءِ السبيل، ويوشك أن يحدث في الأمّة كارثة.
وكذا من يدعو إلى ما يسمّى بتحرير المرأة، فتراه يفتّش في نصوص الشر ع بحثاً عن نصٍّ يدعم توجّهه، فإن لم يجد ذهب يفتّشُ في كتب التاريخ والأدب وغيرها، فما إن يجد نصّاً محتملاً ـ ولو ضعيفاً أو ليس له أصل ـ إلا عضّ عليه بالنواجذ، وراح يبني عليه أحكامه، وربّما حرّف بعض النصوص الصحيحة لتوافق هواه، ويدع النصوص الواضحةِ الصريحة التي تخالفُ ما يريد، أو يتعامى عنها. وقد يحدث ذلك ـ وللأسف الشديد ـ من بعض المنتسبين إلى الفتوى والعلم الشرعي، أو ما يسمّى بالفكر الإسلاميّ، فيقدّمون لأعداء الأمّة المتربّصين خدمات جليلة.
إذا فُهم هذا عُلم السرّ في تعظيم الله ـ عز وجل ـ لشأن العلماء العاملين، ورفعهم على غيرهم درجات، وجعلهم ورثة الأنبياء، فهل يفقهُ هذا من يجترئُ على النصوص الشرعية بحجّة التيسير، أو حرية الفكر، أو الثقة بالعقل المجرّد؟!. وكذلك أنصاف المتعلّمين، من ذوي الأسنان الحديثة، المجترئين على العلماء، المسفهين لآرائهم وهم السفهاء.
19/1/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
===========(1/419)
(1/420)
المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية تاريخها ومخاطرها
الأولويات في فتح المدارس الاستعمارية
برامج المدراس الاستعمارية وإدارتها وأساتذتها:
إن جرّ الشعوب كلها مسلمة كانت أم غير مسلمة إلى الانحراف بين الإلحاد والإباحية، وخاصة جرُّها إلى "الكنيسة" هي الغاية القصوى من هذه المدارس، لكن لهم أولويات في فتحها استعجالاً للأثر، واستغلالاً للغرض منها:
1 - الأولوية للبلاد التي يكثر فيها الفقر والجهل؛ لأن كلاً من عاملي الجهل والفقر، ينتج الفرصة أكثر لنشر الانحراف، وبخاصة إلى التنصير.
ولذا كثّفوا نشاطهم في مجاهل أفريقيا، وأدرك أعداء الله عباد الصليب مأربهم، ويُجسد هذا التأثير بعض الأفارقة، فيقول: "عندما جاء النصارى إلى بلادنا كان لديهم الإنجيل ولدينا الأرض واليوم لدينا نحن الإنجيل ولديهم الأرض"[1].
2 - الأولوية للبلاد التي يكثر فيها الصراع الفكري، والتعداد الملي، مثل: لبنان، ومصر، وسوريا، وفلسطين، والأردن، والهند، والباكستان...
3 - الأولوية للولايات ذات الرقع الصغيرة؛ لضعف نفوذها ومعنوياتها.
4 - الأولوية في مجال مراحل التعليم، فتح محاضن الأطفال؛ لأن سن الطفولة وما قاربها هو البيئة الخصبة؛ لتلقيح التنصير، وسهولة التحويل، وسرعة التأثير، قبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية عقيدة وشريعة.
5 - الأولوية في مجال الجنسين للبنات؛ لأن البنات سيكنّ أمهات، وهن أسرع وأقوى تأثيراً على مواليدهن من الآباء، فتؤدِّي الأم الغرض الاستعماري في قلوب أولادهن بلا مؤونة يقول أحد المبشرين: "جسب": "إن مدارس البنات في بلاد الإسلام هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل الأمر في سوريا إنما هو بمنهج تعليم بناتها ونسائها".
وقبل هذا وبعده المقايضة لقاء الاستعمار المعنوي، مثل: سابقة يد الإفضال، وعمليات الإنقاذ من الأزمات السياسية، والصحية، والاقتصادية، وغيرها، من خلال هذا الاستعمار المعنوي يُقحمون أولى وسائلهم للاستعمار الفكري: "المدارس" باسم الإمداد بالتعليم الحضاري.
برامج المدارس الاستعمارية وإدارتها وأساتذتها
لما كان هناك أهداف من وراء فتح المدارس الاستعمارية في بلاد المسلمين، فليس غريباً أن تُتَّخذ التدابير اللازمة، والضمانات الكافية، لتحقيق تلكم الأهداف والغايات؛ ولهذا وجهوا العناية إلى الآتي:
1 - برامج التعليم فيها ومناهجها هي المتبعة في بلادها، وعلى اتصال دائم بخطط التعليم القومي الديني في بلادها.
2 - الابتعاد في مناهج هذه المدارس الاستعمارية عن المناهج الرسمية للبلد المسلم التي تُفتح فيها؛ لأن التقيد بها يفقدها عنصراً أساساً في صفتها التبشيرية؛ ولهذا تشتد مطالبتها بجعل التعليم حراً.
3 - اختيار المدرسين الذين على مللهم ونحلهم علماً وتطبيقاً من القسس والرهبان وغيرهم من الكفرة والملاحدة.
4 - رصد أضخم ميزانية في العالم لمواجهة الإسلام من طرق شتى، أهمها ما يصرف على المدارس والجامعات ورياض الأطفال.
-------------------------------------------
[1] المدارس التنصيرية. ص/4 إصدار مركز البلقان.
http://www.alsunnah.o r g المصدر:
===========(1/421)
(1/422)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 1 )
د.خالد بن سعود الحليبي
وُجّهت ضربات عديدة إلى مقاتل المجتمع المسلم بقصد تغريبه عن دينه، وتجهيله بحقيقته، ومسخه إلى مجتمع مفتوح على كل الثقافات دون احتفاظ بشخصيته المتميزة، بحيث يكون بدون هُوِيّة يعتنقها، أو يدافع عنها، ولم تكن كل تلك الضربات عسكرية، بل إن بعضها نوع غريب وخبيث، بطيء التغيير، ولكنه يصل إلى العظم، استهدف به أعداؤنا فئات عدة من مجتمعات المسلمين، مثل الشباب والنساء، ولكنهم لم يتركوا ـ أيضا ـ فئة عزيزة على نفوسنا جميعاً، تمثل مستقبلنا الواعد، وأمانينا الجميلة، فئة هي أكثر استعداداً لقبول كل جديد، والتغير السريع، إنها فئة (الأطفال)، تلك الفئة العمرية التي تتعامل مع ما حولها ببراءة، مقتصرة على التلقي واكتناز المعلومات، لتحويلها إلى سلوك عملي، يحدّد كثيراً من منحنيات حياتهم بعد البلوغ.
إننا إذا كنا نظن أن الخطر الغربي عسكري محض، فذلك خطأ تاريخي جسيم، وغفلة حضارية خطيرة، فإن التأثير على القيم، وتغيير الشعوب من الداخل أكثر خطورة من التغيير بالتهديد العسكري؛ لأن التهديد العسكري سرعان ما ينهار، وتنتفض عليه الشعوب الحرة، ولكن الخطورة في التأثير الذي يبرز في أثواب التسلية والترفيه، حيث يسري السمّ مع العسل، يقول الفيلسوف الوجودي (البيركامي): (على اتساع خمس قارات خلال السنوات المقبلة سوف ينشب صراع لا نهاية له بين العنف وبين الإقناع الودي... ومن هنا سيكون السبيل المشرف الوحيد هو رهن كل شيء في مغامرة حاسمة مؤداها أن الكلمات أقوى من الطلقات).
لقد علم أعداؤنا أن غالب الأطفال في عالمنا اليوم يتلقون ثقافتهم ـ وبخاصة قبل المدرسة ـ من التلفاز، بحيث تشكل تلك الثقافة الخارجية 96% من مؤثرات الثقافة في حياتهم، وغالبها من أفلام الرسوم المتحركة، أو ما يُسمّى أفلام الكارتون، يليها برامج الأطفال الأخرى، والمسلسلات والأفلام وأمثالها. حتى أصبح لتلك الأفلام الكارتونية قنوات خاصة تبث طوال اليوم، في قالب فني جذاب متطور، وأنطقوها بلغتنا، فالتصق بها أطفال المسلمين التصاقاً مخيفاً، أثّر على تشكيل عقيدتهم وعقولهم وبناء شخصياتهم، إلى جانب التأثير السلبي على صحتهم العضوية والنفسية.
الرسوم المتحركة خطر غير مدرك.
إن أفلام الكارتون قنابل تتفجر كل يوم في شاشاتنا الصغيرة دون وعي منا أو متابعة، فهي لا تزال بريئة في أعيننا، مجرد تسلية، وأشد الأمراض فتكاً ما يغفل عنه صاحبه، وأشد الأعداء توغّلاً وإضراراً، ذاك الذي يبدو لك بعيني صديق حبيب، وهو يحفر الخندق، ويطعن الظهر. ومن عادتنا ألا نتنبه لأمر حتى يبلغ ذروته، بل بلغت الغفلة بإحدى الأمهات حين سُئلت عن علاقة أولادها بأفلام الكارتون أن تصرح بأنها لا تعلم عن أولادها شيئاً(1)، وأخرى تتمنى أن ترتاح من أولادها وضجيجهم، ولو أن تلقيهم في الشارع!! فأينها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا" رواه البخاري.
لقد أشغلت هذه الرسوم المتحركة أطفال المسلمين أيما إشغال.. فما عادوا يطيقون أن يستغنوا عنها، ولو يوماً واحداً دون أن يشاهدوها، بل فضلوها حتى على مرافقة الآباء والأمهات في النزهات والحفلات، حتى أكلت أوقاتهم، وبدّدت طاقاتهم، وشلّت تفكيرهم، وزاحمت أوقاتهم في مراجعة الدروس، وحفظ كتاب الله، فضلاً عن أن يجلسوا مع أهليهم جلسة صافية، ليتلقوا منهم الأدب والدين والخلق، وقد اشتكت من ذلك عدد من الأمهات الواعيات حتى قالت إحداهن: "إن جهاز التلفاز يرتفع صوته بشكل غير مقبول أثناء عرض مسلسل أبطال الديجتال، ويمتنع أبنائي (6 - 9) سنوات أثناء مشاهدته عن الأكل أو مجرد الرد ّعلى أي سؤال، أنا مستاءة جداً ولا حول لي ولا قوة، وأرجو أن أجد الحل للتخلص منه"، وتقول أم أخرى: "إن أبنائي يتابعون المسلسل أكثر من مرة في اليوم، وبمجرد انتهائه يبدأ الشجار والعنف بينهم تقليداً لحركات أبطال الديجتال" (2).
ويؤكد أحد الباحثين أن الأطفال يشاهدون تلك الأفلام "لمدة قد تصل إلى عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية (المتوسطة) فقط.. وهذا ما أثبتته البحوث والدراسات من خلال الواقع المعيش".
أخي المسلم.. يكفي أن تعلم أن الرسوم المتحركة ما هي إلا حكاية عن واقع رسمها من عقائد وأخلاق يعترف بها، ويتعامل بها؛ كما يثبته علماء الاجتماع، فإذا علمت بأن70% من هذه الأفلام تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية، علمت مدى خطورة نقل خزايا المجتمعات الغربية وعريها وسقوطها الأخلاقي والديني إلى أذهان أطفالنا؛ مما يدخلهم في دوامة الصراع بين ما يرون وما يعيشون من مُثُل وقيم، وأفكار وحضارات؛ مما يجعلهم في حيرة وتذبذب، كل ذلك ونحن نظن أنهم يستمتعون بما يشاهدون وحسب.(1/423)
إن هذه الرسوم ـ كما يقول المختصون ـ تشغل قلوب فلذات أكبادنا، وتصوغ خيالهم وعقولهم وتفكيرهم، وتشوّه عقائدهم وثقافاتهم بعيداً عن تقييمنا الدقيق، بل ربما يكون إدمانهم على مشاهدتها تحت رعاية منا، ومشاركة في معظم الأحيان. وننسى أنها من أبرز العوامل التي تؤدي إلى انحراف الطفل، وتبلّد ذكائه، وتمييع خلقه؛فأفلام الكارتون سريعة التأثير؛ لما لها من متعة ولذة. والطفل سريع التأثر؛ لأنه يعيش مرحلة التشكل واكتساب المعرفة مما حوله، وما تعرضه الفضائيات منها لا يعتمد على حقائق ثابتة، وإنما على خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية، وتشكيك في المعتقدات لا يجوز الاعتماد عليها ـ بحال من الأحوال ـ في تنشئة أطفالنا، وتربيتهم. والعجيب أن يتغافل الآباء والأمهات عن هذه الحقيقة، ويديرون لها ظهورهم كأنهم لا يعلمون ذلك كله؛ بحجّة تحقيق الهدوء في المنزل، بتخدير الطفل أمام الشاشة، حتى قال أحدهم: "فور صدور أية حركة تنبئ عن استمرار طفلي في اللعب والصراخ، أدير التلفاز على إحدى القنوات، لا إرادياً أجد طفلي ممدداً على الأرض وبصره إلى التلفاز، في حالة أشبه ما تكون بالتنويم المغناطيسي".
ربما كان هناك من سيقول لمن يدق أجراس الحذر من هذه الأفلام: تلك مبالغات منفوخة، وخوف متوتر لا داعي لهما؛ فالمسألة مسألة تسلية وحسب، ولكنها الحقيقة التي نضعها بين أيديكم لعدد من المختصين الذين أبدوا رأيهم بحياد شديد وموضوعية، وعدد من الآباء والكتاب الذين رأوا بأعينهم، وقالوا بألسنتهم.
إنني اليوم أبلغ ما رأيت وجوب تبليغه، وأبرئ ذمتي بأن أشارك في كشف الآثار الصارخة، التي يمكن رصدها بكل سهولة في أي مسلسلات كارتونية غير موجهة تربوياً ولا شرعياً.
وفي الحلقة القادمة - بإذن الله - سأتابع الآثار السلبية على أطفالنا من جراء تعلّقهم بأفلام الرسوم المتحركة غير الموجهة.
--------------------------
(1) كيف غزا أبطال الديجتال عقول أبنائنا؟ ولدي، العدد 45، أغسطس 2002م، ص: 23.
(2) المصدر السابق.
9/3/1426
18/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
==========(1/424)
(1/425)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 2 )
الآثار السلبية للرسوم المتحركة على أطفالنا
خالد بن سعود الحليبي
تعالوا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات نتعرف على بعض الآثار السلبية للرسوم المتحركة على أطفالنا:
وأولها: زعزعة عقيدة الطفل في الله: وإليك هذا المشهد الذي بثته قناة فضائية واسعة الانتشار، وهو مشهد ((يوجه الأطفال توجيهاً معاكساً في أساس من أسس ديننا وحياتنا؛ فعدم نزول المطر، والجدب والقحط، قضية تربط المسلم بالخالق، والسنة النبوية المطهرة، تبني في كيان الطفل المسلم من خلال صلاة الاستسقاء التوجه إلى الله - تعالى -.وفي هذا المسلسل تظهر الشخصيات الكارتونية وهي تقف في الغابة تنتظر سقوط المطر، فيتقدم كبيرهم قائلاً: لا ينزل المطر إلا بالغناء، فهيّا نغني، وتبدأ شخصيات المسلسل تغني أغنية سقوط المطر، يصاحبها الرقص والأدوات الموسيقيّة:
هيا اضربي يا عاصفة كي يسقط المطر هيا اضربي لتغمري الجميع بالمطر مطر مطر مطر يا منزل المطر مطر مطر مطر نريد شيئاً واحداً مطر مطر مطر
وعندما لم ينزل المطر يتساءل أحدهم: لماذا لم تمطر السماء؟ فيجيب آخر: لعلها مشغولة بالبحث عن أمنا الطبيعة.
نعوذ بالله من هذا الشرك الذي يُلقّن لأبنائنا ونحن غافلون عنهم، فرحون بأنهم هدؤوا بين يدي التلفاز؛ لنفرغ نحن عنهم لأمور لن تكون أهم من سلامة أولادنا من الانحراف في عقائدهم وأخلاقهم.
وكذلك ما يحصل في برنامج (ميكي ماوس) هذا الفأر الأمريكي الذي يوهم أطفالنا ـ في بعض حلقاته ـ بأنه يعيش في الفضاء.. ويكون له تأثير واضح على البراكين والأمطار فيستطيع أن يوقف البركان!! وينزل المطر ويوقف الرياح!! ويساعد الآخرين، والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن: لماذا يجعل هذا الفأر في السماء؟!! ولماذا يُصوّر على أن له قوة في أن يتحكم بالظواهر الأرضية؟!
وتشير باحثة إلى أن هذا البرنامج يحمل ظاهره مغالطة علمية وواقعية واضحة، وهو وجود فأر يطير وخلاصة هذا المسلسل عبارة عن تأكيد للقوى الخيالية الخارقة الجبارة (الخرافية) التي تقف مع المضطر وتنقذه في أحلك الظروف وأشدّها حرجاً، فهذه القوة الخرافية هي الرجاء والأمل في الخلاص، ومثل هذه الأفكار من شأنها أن تهزّ عقيدة الطفل هزاً عنيفاً فتنحي عن ذهنه الصغير قرب الله من عبده، وإجابته له حين يدعو، وعون الله - عز وجل - له (1).
وأما مسلسل السندباد وهو عربي المضمون والشخصيات، ولكنه مليء بالعقائد الفاسدة والخرافات، فمرة نرى السندباد يخر ساجداً أمام والي بغداد والسجود لغير الله لا يجوز في ديننا الإسلامي، ومرة يستعين بصاحب المصباح وهو الجني الأزرق لكي يحقق له مطالبه، فأين التوكل على الله والاستعانة به، ومرة يسجد تحت قدمي الجنيّ الكبير الذي يخرج من الماء والصحراء ويتوسل إليه ألاّ يقتله، أين الاستعانة بالله وطلب العون منه، وانظر إلى الجواري والفتيات وهن يتراقصن في القصور وسندباد ورفاقه يأكلون ويغنون، فماذا يتعلم الأطفال من هذا العرض؟ ليس إلا الفحش وسوء الأدب والاستعانة بالشعوذة والكهنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم )) رواه الإمام أحمد - رحمه الله -.
ونرى في فلم آخر رجلاً ضخماً فوق السحاب يمتلك دجاجة تبيض ذهباً، ورجلاً ضخماً آخر في فيلم آخر يصب الماء على السحاب فينزل المطر.
والله إنها لتلميحات خبيثة.. أهدافها واضحة للجميع.. لا تتطلب إجهاداً ذهنياً لمعرفتها.
وهذا كثير جداً في تلك الرسوم.. ومن الأخطاء العقدية المنتشرة في تلك البرامج: الانحناء للغير.. حتى تكون الهيئة أقرب ما تكون للسجود والركوع، والانحناء في الشرع محرم كما نص على ذلك حديث أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدُنَا يَلْقَى صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا)) الحديث رواه الإمام أحمد. وهذا نجده كثيراً جداً في هذه الأفلام، ومنه ما يكون في البرنامج الشهير (الكابتن ماجد) فعند نهاية المباراة يقوم أعضاء الفريقين بالانحناء لبعض بشكل أشبه ما يكون بالركوع للصلاة.. كتعبير للمحبة والصفاء.. وهو ما يحصل ـ على سبيل المثال في برنامج (النمر المقنع) من وضع مماثل للسجود. ومثل هذا المنظر قد يقوم الطفل بتقليده دون وعي بعد نهاية مباراة يلعبها مع أصدقائه.(1/426)
وفي مسلسل (كاسبر) الكارتوني الشهير الذي أذكره جيداً في طفولتي، لاحظت الأستاذة مها النويصر مجموعة من المخالفات العقدية، وهي تراقب أولادها وهم يشاهدونه ويتعلقون به، مثل: الاعتقاد بوجود أشباح الموتى بيننا تأكل وتشرب وتتعامل مع الأحياء في تمثيل سيئ لعالم البرزخ، وأنهم في مرح ولعب دون جزاء ولا حساب. وأن الإنسان قادر على الإحياء والإماتة، وأن روح الإنسان الطيب تصبح ملكاً. نجد ذلك في مشهد فتاة ورثت قصراً عن أبيها مليئاً بالأشباح فتحضر المختصين لطردهم، وكان مع أحدهم ابنته الصغيرة التي يظهر لها الشبح الصغير المحبوب (كاسبر)، ويصبح صديقها، ثم يريها آلة صنعها صاحب القصر تعيد الروح للشبح فيعود للحياة، ويموت والد الطفلة خلال بحثه، فيعطيها كاسبر سائل الحياة فيعود حياً، وفي حفلة تقيمها الطفلة تأتي أمها من عالم الأرواح لتقدم نفخة من روحها ليكون (كاسبر) حبيباً جميلاً لمدة ساعات؛ لأنه ساعد الطفلة، ثم يتراقصان على أنغام الموسيقى، ثم يعود شبحا (2).
كل ذلك وأطفالنا ساهمون في قبضة هؤلاء الأشباح.
ومنه أيضا ما تتبادله الشخصيات الكارتونية من عبارات مخلة بالعقيدة، مثل: (أعتمد عليك)، و(هذا بفضلك يا صديقي العزيز)، أو حتى أحياناً حين ينزل المطر: (ألم تجد وقتاً أفضل من هذا لتنزل فيه؟) وفي برنامج صفر صفر واحد يقول أبطال الفيلم: إن نظامهم يسيطر على كل المجرات في الكون ما خلا المجموعة الشمسية.
وقد يُشار إلى بعض تعاليم الديانات الأخرى: فتجد فتاة تطلب الانضمام للكنيسة، كما تجد مشاهد لتعلم العادات الدينية النصرانية، أو إظهار الراهب ومعه الصليب وإلباس المنضم ذلك الصليب، أو حتى إظهار الصليب في غير تلك المواطن كأن يظهر رجل قوي وشجاع، ثم يخرج من داخل ثيابه الصليب ويقبله، ويبدأ المعركة.
وانظر إلى لينا وهي تصلي في حال الشدة وصلاتها عبارة عن أن تضم يديها إلى بعضهما ثم تغمض عينيها وتنظر إلى أعلى، وهي صلاة النصارى فتتعلم المسلمة الصغيرة هذا في حين أنها تجهل صلاتها.
وظهور شجرة أعياد الميلاد المسيحية(الكريسماس)، والاحتفال بأعيادهم، وكذلك الدعاء قبل الأكل بضم اليدين وأصوات أجراس الكنيسة.
واشتمالها على السحر: وهذا كثير جداً.. فهم يصورون السحر على أن حكمه يختلف حسب المقصد من استعماله.. كيف ذلك؟ فمرة يصورون الساحر أو الساحرة رجلاً كان أم امرأة قد ملأهما الشر والبغضاء والحسد، يحققون بالسحر ما يصبون إليه من طموحات شخصية على حساب الآخرين.. كما في برنامج (السنافر)، الذي يتمثل في الرجل الشرير شرشبيل. وأحياناً يصورون الساحر بأنه رجل طيب محبّ للخير لجميع الناس، يساعد المظلومين كما في السنافر أيضاً، ويمثل بزعيم القرية أو كما في برنامج (سندريلا) والتي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة، تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك و الاستمتاع بالرقص!! وغير ذلك..
وبلغ تأثير مثل هذه المشاهد أن الأطفال يردّدون كثيراً من عباراتهم، بشكل نخاف فيه أن يطلب أبناؤنا تعلم السحر، أو على الأقل أن يحبّوا الساحر الذي بالغوا في تصوير طيبته لهم. حتى سألت طفلة أمها: "هل الساحرات طيبات؟ " فتساءلت الأم: ما سر هذا السؤال؟ وكيف تكون الساحرة طيبة؟ أجابت الطفلة: "لأنها أحضرت الحذاء لسندريلا" ولا نقول إلا اللهم سلم، اللهم سلم..
ويضاف إلى ذلك الاستهانة بالمحرّمات، وخلطها بالمباحات، ففي حلقة واحدة من حلقات (سنان) وهي (33)، رصدت الباحثة طيبة اليحيى سبعاً وثلاثين مخالفة شرعية، وفي حلقة واحدة من مسلسلة (السنافر) وهي الحلقة التاسعة، رصدت أكثر من أربعين مخالفة شرعية (3).
وفي حلقة جديدة أتابع معكم أيها الغيورون هذه المصائب المطلية بالترفيه، المنصب كالرصاص المذاب على رؤوس وعواطف وعقائد أولادنا حماهم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-----------------
(1) بصمات على ولدي، طيبة اليحيى، مكتبة المنار الإسلامية، ط /3، 1409هـ (1989م)، ص: 49.
(2) أطفالنا في قبضة الأشباح، مها النويصر، الأسرة، العدد: 118، محرم 1424هـ، ص: 50.
(3) بصمات على ولدي لطيبة اليحيى: 52-54.
23/3/1426
02/05/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
-===========(1/427)
(1/428)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 3 )
خالد بن سعود الحليبي
في حلقتين سابقتين تحدثت عن عدد من السلبيات التربوية التي تتركها معظم الرسوم المتحركة، التي تُبثّ في الفضائيات العربية والعالمية، وفي الحلقات القادمة بإذن الله يتواصل الحديث عنها للكشف عن أضرارها البالغة؛ نظراً لكونها من المغفول عنها، بحجة أنها مجرد تسلية للأطفال لدى كثير من الناس اليوم.
تشويه صورة المتديّنين:
فإن المتديّن في المجتمع الإسلامي هو القدوة الذي ينبغي أن يدوم أنموذجه؛ للحفاظ على أصول الإسلام وأركانه وواجباته ومستحباته مطبقة في واقع عملي، يمثله إنسان يعيش في الواقع بكل تناقضاته وعنفوان التغيير فيه، ومع ذلك فهو مصابر في خندق الإيمان بالله وعبادته كما أمر؛ بحسب طاقته واستطاعته.
والتعرض له بالتشويه يؤدي إلى سقوط القدوة، ومن ثم يتتابع الفساد بدعوى عدم وجود من يستطيع تطبيق مثل الإسلام في هذا الزمن.
ولكن بعض منتجي أفلام الرسوم المتحركة يحاولون تشويهه (سواء قصدوا أم لم يقصدوا)؛ فالرجل الملتحي هو المجرم السارق الغشّاش الذي يقتل زوجته ليغطي على إبداعاتها الفنية ورسوماتها التي كان يوقعها باسمه في مسلسل المحقق كونان، وهو مسلسل مليء بالمخالفات الشرعية.
والرجل الملتحي هو الشرير المختطف والسارق، الذي يلاحق النساء، ويسعى إلى التخريب وإزعاج الآخرين في مسلسل (بباي) الشهيرة.
وهو الساحر المفسد في عدد كبير من الأفلام، ويظهر دائماً بشكل مقزز بسبب لحيته غير الممشوطة أو المرتبة.
بينما تتجرّأ إحدى الفضائيات أكثر فتظهر صورة أحد الملتحين وهو لابس ثوبي الإحرام، على مسرح داخل الفلم الكارتوني، وشابّة تضربه ضرباً مبرحاً على وجهه ورأسه. فأي استهانة بعد ذلك برموز ديننا، وما يمس معتقداتنا؟
نشر التبرج والتفسخ وإيقاظ مبكر لأحاسيس الطفل الجنسية:
وهذا كثيرٌ وكثيرٌ جداً في تلك الرسوم، ويكاد لا يخلو برنامج كرتوني يعرض الآن دون إبراز النساء في صور السفور والعري أو الغزل، مع احتضان شديد، وقبلات حارة، بين الذكر والأنثى، أو ملاحقة فتيات وتقديم الهدايا لهن؛ لكسب مودتهن.. مغازلات سمجة تعلّم الصغار أبجديات الفتنة، وتوقظ في أعصابهم الطرية شرر الشهوة، والإحساس المضطرم بالجنس الآخر، ولا عجب فهذا ما تحتويه مجتمعاتهم المريضة الموبوءة، التي تهدّدها فوضى الجنس بالانهيار الاجتماعي التام، وينتشر فيها التفكك الأسري، والإيدز وبقية الأمراض الجنسية.. وهذا ما يريدونه من العالم.. إنها مشاهد تحتوي على: تغنّج الفتيات في ملابس مغرية، ومكياج لافت للأنظار، بصدور مكشوفة، وأفخاذ عارية للذكور والإناث كما في مسلسل الكابتن رابح، وتغزّل بين الجنسين، وتعبير عن العشق بقلوب وردية تتطاير كلما التقى الفتى الفتاة في جو رومانسي عجيب!! تجد ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر في مسلسل عدنان ولينا حيث لا تخلو حلقة منها من حركات مثيرة بين الشخصيتين، و(الكابتن ماجد) حيث حضور الفتيات للمباريات وتشجيع اللاعبين والرقص والصراخ والمعانقة بين الجنسين حال تسجيل الهدف، وتجد الفتاة تلاحق لاعبها المفضل وتقدم له الهدية تعبيراً عن المحبة، ويقبّلها اللاعب (الخلوق جداً!!). لقد بلغ أثر هذا البرنامج على أطفالنا أن أحدهم سأل ببراءة بعد مشاهدة ذلك البرنامج!! (ليش الحرمه ما تدخل للملعب؟). وهو مثيل للتأثر البالغ بالألعاب الرياضية، ولا سيما كرة القدم، التي بلغ أثرها على بعض فتياتنا البالغات أن تعلّق إحداهن صورة لاعبها المفضل في غرفتها الخاصة عشقاً وهياماً به، وتتابع أخباره ومبارياته، وربما وجدت فرصة للحديث معه على الهواء مباشرة في برنامج فضائي أو إذاعي، وهناك ترتفع الأنفاس، وتجد الفتاة المغرّر بها فرصة العمر لتذبح مروءتها عبر الأثير..
ونرى في مسلسل (طرزان) شاباً نشأ في مجموعة من الغوريلات.. يجد فتاة من جنسه، تتكون علاقة محبة بينهما، تنتهي بأن تعيش معه، وتلبس الملابس الغريبة العارية، وتجد العناق على أشده بينهما، أفلا يكون لتلك المشاهد أثر على أطفالنا؛ فيحاولوا ـ وهم في سن التقليد ـ أن يجربوا بعض ما يُعرض عليهم فيما بينهم لا قدّر الله؟
بل وصل الأمر في مسلسل (كاسبر) أن تنصح الأم الشبح الأب بقولها الصريح: (لا تتنصت على مكالمات ابنتك، ولا تطلب منها ملابس ساترة).
فتح آفاق كبيرة للطفل في عالم الجريمة:
يقول أحد علماء النفس: «إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفاز هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث».. إن هذه المقولة على قلة ما تحوي من كلمات إلا أن فيها كثيراً من المعاني التي يجب ألاّ نغضّ الطّرف عنها، وإلا بذلنا الثمن من أمننا وقوتنا وتماسك مجتمعنا.(1/429)
وإليك هذه القصة.. يُذكر أن والدي طفل أرادا الذهاب لأمر ما وترك ابنهما في البيت وحده، فغضب الطفل، وحين ركبا السيارة وجدا ضوء الإنذار مضيئاً؛ دلالة على خلل معين. فلما انكشف الوضع، وجدا أن سلكاً قد قُطع بسكين فلما بحثا في الأمر.. اعترف الابن بأنه هو من فعل هذا، وكان يريد أن يقطع سلك (فرامل) السيارة انتقاماً منهما؛ لأنهما سيتركانه وحده!! ولما سُئل: كيف عرفت هذه الطريقة؟ أخبرهما أنها من أحد أفلام الرسوم المتحركة!!
هذا عدا تلقين الطفل كيفية فتح أبواب السيارة وأبواب البيوت بدون مفتاح، وكيفية إضرام التيار الكهربائي بيد رجل بريء آخر بطريقة سهلة للغاية، كما في مسلسل المحقق كونان، كل ذلك نظراً لما يراه أمام عينيه من حروب وقتال، وجرائم متقنة التصوير والإخراج، مبسطة مسهلة ليدركها بفهمه المحدود، فإن تكرار هذه المشاهد في تلك الأفلام، وفي أفلام الرسوم المتحركة يترك أثراً بالغ الخطورة على أطفالنا، الذين يعيشون في مجتمع آمن بفضل الله تعالى، يقول أحد الكتاب المختصين: " إن الأطفال الذين يشاهدون سلوكيات عدوانية بحجم كبير في التلفاز، بمقدورهم خزن هذه السلوكيات، ومن ثم استعادتها وتنفيذها، وذلك حالما تظهر المؤثرات الملائمة لإظهار هذه الاستجابة السلوكية العدوانية، وإن تذكر السلوك العدواني الذي يقدم حلاً لمشكلة يواجهها الطفل قد يؤدي إلى إطلاق هذا (المكبوت) من السلوك العدواني، ويصبح المفهوم العدواني مقترناً مع النجاح في حل مشكلة اجتماعية، ويظل التلفاز الوسيلة الفعّالة في قوة التأثير إعلامياً".
ولعل كل أب وأم لاحظا كيف ينشدُّ الطفل أكثر عند المشاهد الأكثر عدوانية؛ مثل: الإكثار من الأصوات العالية والضجيج والصياح الغاضب، والشتائم المتكررة، والتهديد بالكلام والإشارات، والعدوان المباشر ضد الأشياء: مثل ضرب الأبواب بعنف، وبعثرة الأشياء، وإلقاء الأشياء ورميها بعنف، والكتابة العشوائية على الجدران، وتكسير الأشياء، وتهشيم النوافذ، وإشعال الحرائق، والعدوان ضد الآخرين مثل: الاندفاع نحو الآخرين بعنف، وضربهم ونتف شعورهم، ومهاجمتهم ومحاولة جرحهم بل وقتلهم والفتك بهم حرقاً وتمزيقاً. وقد أظهرت بعض الدراسات العلمية في أسبانيا أن 39 % من الشباب المنحرفين تلقوا معلوماتهم التي استمدوها في تنفيذ جرائمهم من التلفاز.
وتؤكد الكاتبة طيبة اليحيى: أن المجتمع الغربي ذاته نبذ أنواعاً كثيرة من هذه الرسوم، منها أفلام الخيال العلمي المثيرة وأفلام الفضاء والقتال الدائر فيه، بعد ما تبين للعلماء ضررها في تخريب نفسية الأطفال؛ إذ توسّع أعمال العنف في نفوسهم وتجعلهم يعتادونها، والواقع أن الرسوم المتحركة ليست وحدها المسؤولة عن مثل هذه الجرائم، بل تشترك معها كل أفلام الرعب و الأفلام البوليسية والتحقيق الأمني، للكبار والصغار، وكثير من المجرمين يعترفون حين يُقبض عليهم أنهم يقلدون جرائم الأفلام التي يشاهدونها، والحوادث الواقعية أكثر من أن تحصر في هذا الاتجاه.
إنني أؤكد وبكل قوة أن هذا المجتمع لم يكن يعرف كلمة العنف من الأصل؛ لأنه مصطلح مستورد، ومصنوع في بلاد الغرب ولا فخر، فالغرب الذي عاش على أشلاء الشعوب ولا يزال، وامتص دماءهم عقوداً من الزمن تحت أسماء عديدة، هو اليوم يمارس الفكر نفسه، ولكن بأسماء ورايات أخرى مصبوغة بكل ألوان الطيف، بينما يتباكى على السلام العالمي، وعلى الأمن، والأمان النفسي، ويرفع شعارات القضاء على الإرهاب، وهو لا يزال يشحن برامجه الإعلامية، ومنتجاته السينمائية، وعلى وجه الخصوص أفلام الكارتون الموجهة للأطفال، والألعاب الإلكترونية التي نشأت في الغرب، بما يغرس جذور العنف والبغضاء والحقد في قلوب الصغار الأبرياء، ويغرقهم في أوحال الشر باستخدام التقنيات المتطورة، واستغلال توجّهاتهم وميولهم لإقحامهم في عالم الجريمة بأساليب برّاقة ومؤثرات قوية.. !
وإلى اللقاء في حلقة أخرى من هذه النظرات الفاحصة للرسوم المتحركة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
15/8/1426
19/09/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============(1/430)
(1/431)
أفلام الكارتون .. نظرة فاحصة ( 4 )
د.خالد بن سعود الحليبي
في ثلاث حلقات سابقة تحدثت عن عدد من السلبيات التربوية التي تتركها معظم الرسوم المتحركة، التي تُبثّ في الفضائيات العربية و العالمية، وفي الحلقات القادمة -بإذن الله- يتواصل الحديث عنها للكشف عن أضرارها البالغة؛ نظراً لكونها من الأشياء المغفول عنها، بحجة أنها مجرد تسلية للأطفال لدى كثير من الناس اليوم.
زرع الرعب والخوف بين ضلوعهم الهشّة:
وذلك حين تصوّر تلك الأفلام شخصياتها وحوشاً ضارية، ووجوها شريرة، وجناً وشياطين، ومخلوقات قادمة من عالم الفضاء أشكالها مفزعة، لها نوايا مبيتة وسيئة لعالم الأرض، فيظل الطفل خائفاً متوجساً من كل شيء يشبهها من حوله، بل منها شخصياً، ولا سيما في عالم الأحلام، أو أحلام اليقظة.
وإليك هذه القصة.. يُذكر أن أباً أمر ابنه بأن يذهب بساعته لمهندس الساعات.. فرفض وأصر على الرفض.. ولما سأله لماذا؟ قال: إن المهندس أحدب.. وقد رأيت رجلاً شريراً أحدب مثله في فيلم الكارتون فأخاف منه! فانظر كيف أثّر مقطع واحد فقط على هذا الطفل حتى تملّكه الخوف من شخصية أي رجل أحدب!
وفي فلم (زورو) الشهير تصوّر الأحداث جواز السرقة من الأغنياء لإعطاء الفقراء، وأن ذلك من أسمى معاني التكافل الاجتماعي، ولو سئل الطفل المتابع لهذا المسلسل: من رمز العدالة؟ لأجاب فوراً: (زورو)؛ لكثرة تردّد هذه الكلمة خلال الفيلم في كل حلقة، وهي الصعلكة الجاهلية بعينها، وصورة خفية من صور الشيوعية الساقطة.
إشاعة معاني القعود عن العمل والبطالة والكسل:
فإننا نرى كثيراً من أفلام الكارتون خاوية من معاني الجدية، والعمل المثمر، والتوجيه الجيد، فأكثر ما يُعرض يصوّر الحياة كأنها ملعب كبير ولهو وفوضى لا حدود لهما: هذه فضائية تعرض في فيلم كرتوني شاباً كسولاً جداً يتضايق من كل من يكلفه بأي شيء، ولا يبرح متثائباً نائماً، وفجأة يحصل على (مكنسة سحرية) تعرض عليه أن تحقق له كل ما يريد دون أي جهد منه، فتصنع له العجائب: قصراً كبيراً، ملابس فاخرة، تمنحه زوجة جميلة، وأموالاً طائلة فيتفوّق على جميع أقرانه!
فأية معانٍ سيغرسها هذا الفيلم الفيروسي في نفوس أطفالنا؟ وأي همة سيكتسبونها منه لينجحوا في الحياة، وماذا سيجني المجتمع كله من أطفال يتربّون على مثل هذا؟
كسرت هذه الأفلام الحاجز النفسي الذي وضعه الإسلام بيننا وبين بعض الحيوانات:
فالخنازير المحرم أكلها، والكلاب المحرم اقتناؤها داخل المنزل، والدببة التي لا علاقة للبيئة المسلمة بها، جعلت منها هذه الأفلام أبطالاً محببين للمشاهد الصغير، حتى تسابق الأطفال إلى اقتناء دُماها، أقصد تصاويرها المجسمة، بحيث لا ينام أحدهم إلا وهو يحتضن دمية دبدوب صغير، كما يدلعونه بذلك أو كلب صغير أو نحو ذلك، بل ويعلق صور تلك الحيوانات والشخصيات الكارتونية على باب الغرفة، وعلى جدرانها، ويطرز بها أثاثها، وكأن أهله لا يعلمون أن الملائكة لا تدخل مكاناً فيه تصاوير. فيحرمون طفلهم من حفيف الملائكة وحفظها له، فقد روى البخاري بسنده عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ".
هذا غير ما يقع من تغلغل هذه الشخصيات الكارتونية في نفس الطفل إلى درجة مخيفة، يجعل منها تصل إلى حد التعلّق الروحي.
وعلى سبيل المثال: انظر في فيلم عدنان ولينا إلى الصغير (عبسي) عاري الملابس يحب صغار الخنازير ويلعب بها، ويصيد الكبار ويشويها ويأكلها ويحملها تارة ليمشي بها، ليغرس في نفوس صغار أطفال المسلمين حب الخنازير وعدم كراهيتها، مع أن الله في القرآن حرمها ووصفها بأنها رجس، وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة ضرر لحم الخنزير وقذارته.
تحطيم خيال الطفل وتشطيره، بدلاً من دعوى توسيعه وبنائه:(1/432)
فقد غزت القصص العالمية المدبلجة عالم أطفالنا بخيال لا يمكن أن يبني نفسية الطفل بل يوقعها في بلبلة وشتات، ويحطم كل مقاييسها الواقعية، ويجعل الطفل يعيش وسط صراع بين الواقع والخيال حتى يتحوّل من الانبهار إلى الشعور بأن هذه الأفلام تكذب عليه، وتهزأ بعقله كل ذلك بحجة توسعة خيال الطفل، مثلما نلاحظ في برنامج (عالم الديجيتال)، بل وينمو بداخله الخيال المريض نظراً للاستغراق في الخيال وما في ذلك من ضرر جسيم على تصوراته للحياة والمستقبل، ولك أن تتصور الطفل وهو يرى (شرهان) في مسلسل السنافر يتحول إلى خنزير ثم بقرة ثم ديناصور بما يقذف عليه من مواد من (شرشبيل)، والأمثلة على هذا تعز على الحصر.
التلقين اللغوي السلبي:
يشير الباحث الاجتماعي بدر البحري إلى الأثر اللغوي من جراء عرض لغة هذه الأفلام على الأطفال، من حيث استخدام أساليب كلامية نابية، كان من المفروض أن نبعد الأطفال عنها مثل: « يا وقح، أنت غبي، يا لك من حقير، أنت خسيس، أيها البشع، عليك اللعنة.... وغيرها».
أو ما يؤثر بشكل كبير جداً على لغة الطفل؛ إذ إن عملية التعريب لها تكون ركيكة جداً وضعيفة ومحشوة بالكثير من الألفاظ العامية، مما يجعل المرء يتيقن تمام اليقين أن هنالك محاربة حقيقية للغة العربية الفصحى، وبشكل واضح وصريح، وأبرز دليل على ذلك مسلسل «تيمون وبومبا»، الذي يشتت عقلية الطفل ما بين اللغة الفصحى والعامية.
الآثار الصحية البعيدة المدى:
تنوعت الآثار النفسية والصحية السلبية لجلوس الأولاد بين يدي التلفاز عموماً وهذه الأفلام والألعاب المشابهة لها خصوصاً، وكان للمختصين رأيهم المبني على الدراسات المستفيضة، ولكن كثيراً من الناس لا يلتفتون إليها.
تقول الباحثة النفسية زليخا عبيد: إن كثرة جلوس الطفل أمام شاشة التلفاز يجعل منه شخصاً غير مبالٍ وكسول حتى عن تأدية الصلاة، وتتسم شخصيته بالبلادة والخمول علاوة على ما نلاحظه عليه من السمنة نتيجة تناول الأطعمة أمام التلفاز وقلة الحركة اللازمة لنموه، وهو ما أشارت إليه دراسة يابانية اطّلعت عليها في مجلة القافلة، طالبت بتقليل ساعات جلوس الأطفال أمام التلفاز؛ نظراً للترهل الذي فشا بين الأطفال، والآثار الصحية والنفسية الأخرى.
ويؤكد الأستاذ عبد الله الحمادي أن التلفاز يرهق العقل والذهن ويمتص كل طاقتهما ونشاطهما؛ إذ يظل الطفل يحفظ ما يرى ويسمع، دون أن يكون للطفل أي دور في المشاركة، وهذا لا شك يحتاج إلى طاقة ذهنية عالية؛ لذا فمن غير المستغرب أن نرى الطفل بعد مشاهدة طويلة للصور المتحركة لا يستطيع المذاكرة ولا الحفظ ولا الفهم ولا الاستيعاب.
بل تؤكد دراسات أخرى على أن ألعاب البلاي ستيشن، والتي فيها معظم هذه الآثار السيئة التي ذكرت وستذكر؛ لكونها قائمة على الرسوم المتحركة، تؤكد تلك الدراسة على أن الأطفال يُصابون بتشنجات عصبية تدلّ على توغّل سمة العنف والتوتر الشديد في أوصالهم ودمائهم، حتى ربما يصل الأمر إلى أمراض الصرع الدماغي!
وإلى اللقاء في حلقة قادمة - بإذن الله - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
29/8/1426
03/10/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
-============(1/433)
(1/434)
أطفالنا .. وأفلام الكارتون
خالد عبداللطيف
يخطئ كثيرون ممن يهوِّنون من أمر أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية "الكارتون"، التي تنطلق سائبة بلا زمام ولا خطام عبر القنوات التلفزيونية، والأشرطة المتداولة..إذ إن خطر هذه الأفلام أصبح يمس العقائد والأخلاق، ويبث سموماً من التصورات الخاطئة في أذهان الناشئة الذين غفل عنهم الرقيب!!
وإلى المسرفين في التساهل.. نهدي مشهدًا واحدًا في أحد أفلام الكارتون "الهوليودية" الشهيرة "القط والفأر" يصوِّر صعود روح القط إلى السماء! وتعرضه للحساب! وأمامه أحد خزنة النار ينذره بالعذاب! (مشهد واحد يهدر الغيبيات ويحولها إلى تصورات مرئية في لقطات فكاهية!).
المسألة إذن تتجاوز مجرد تلقين العادات والسلوكيات الخاطئة وتتطاول إلى اجتراء على الغيبيات والعقائد.. الأمر الذي يؤكد أن أفلام الرسوم المتحركة وسيلة من وسائل الغزو الفكري التي تدس السم في العسل، وتستدرج عقول ناشئتنا إلى تصورات وأفكار منحرفة تحت تأثير الاستمتاع بالمشاهد المرحة الطريفة!
ومن هنا يجب الاهتمام بالتوعية المستمرة حول محاذير هذه الأفلام، ونحوها من الوسائل الوافدة بغثها وغثائها، وأهمية اليقظة لما فيها من عبث وتلاعب بعقول الناشئة.
ودعوة من لا يبادر إلى تجنبها إلى مراقبة ما يراه صغاره منها، وتربيتهم على رفض ما يتنافى مع عقائدنا وأخلاقنا.
والأوْلى من ذلك هو ملء فراغ الصغار بما يغنيهم عن هذه الأفلام الوافدة.
وقد أصبحت الأسواق تمتلئ ـ ولله الحمد ـ بأفلام هادفة تنتجها شركات إسلامية، تدعو إلى الفضائل، وتحذر من الرذائل، وتقدم صوراً من فتوحات الإسلام، ونحوها من الأفلام الممتعة الرائعة.
كما توجد قصص الأطفال الهادفة (المكتوبة)، وبرامج الحاسوب التعليمية والترفيهية، إلى غير ذلك من الوسائل الممتعة المأمونة، التي يجدها بوفرة وتنوع كل من يحرص على دينه وأمانته؛ ويتحرى لأهل بيته ما ينفعهم ولا يضرهم!
نعم.. لابد للصغار من الترفيه و اللهو والمتعة، لكن من خلال الاستغناء بالوسائل المتاحة المباحة عن الوسائل الفاسدة.. والله - عز وجل - في عون كل مريد الخير لنفسه ولأهل بيته، قال الله - تعالى -: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً.. } (الأنفال: من الآية70).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقَّّه" (صحيح الجامع 2328). وفي الأثر: "من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه".
وإنها لأمانة ومسؤولية.. و"كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".. !
http://www.asyeh.com المصدر:
============(1/435)