ولقد ظل الإسلام بهذه الصورة العظيمة المتفردة ، حتى هبت عليه رياح التغيير بعد اتساع الفتوحات الإسلامية ، وازدياد الرخاء ، وحدوث الانغماس في الترف الحضاري ، فقام نفر من المخلصين الزهاد بحمل لواء الدعوة إلى العودة إلى خشونة الحياة ، آملاً في استمرار النمط الأول للحياة ، وانطلق نفر من هؤلاء الزهاد في اتجاه آخر هو اتجاه التصوف ، ولم يكن هذا الاتجاه في بداياته الأولى يريد غير صلاح المسلمين بتربية النفوس على مقتضى العقيدة .
ولكن فشو الجهل ، واستمراء التعيم ، وظهور الفتن ، واندساس الحاقدين ، وظهور النفعيين المرتزقين باسم الدين ، بل وظهور أعداء الإسلام ، أوجد مدرسة جديدة مارقة عن العقيدة هي مدرسة الصوفية الجديدة التي اتبعت فكر المجوس ، وأولت القرآن ، وأتت بفكر باطني مدمر ، وحرفت الكلم عن مواضعه ، وبدأت تنتشر كالسم في جسد الأمة الإسلامية ، وكلما نأت عن الكتاب والسنة خطوة كلما سرى السم في جسد الأمة المسلمة خطوات وخطوات ، حتى أصبح العالم الإسلامي يموج الآن بكثير من الفرق الضالة التي تتشح بوشاح الصوفية الذي لم يكن جوهره سبباً من أسباب الانحراف . وحتى يقف الشباب المسلم على طبيعة التصوف فإننا نعرض فيما يلي للصوفية بصورة عامة .
التعريف :(/3)
التصوف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري . ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية ، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لاعن طريق اتباع الوسائل الشرعية ، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة . ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها : إن الزهد مأمور به ، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطه أهل السنة والجماعة .
أبرز الشخصيات :
مقدمة هامة :
· خلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الحسن البصري ، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها وسلوكها ، بل كانت التسمية الجامعة : المسلمين ، المؤمنين ، أو التسميات الخاصة مثل : الصحابي ، البدري ، أصحاب البيعة ، التابعي .
لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو العملي التعبدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة ، ومنها قوله للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم :(( لكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وأتزوج النساء ، وآكل اللحم ، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء بنت نويت التي طوقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها : (( عليكم من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل )) .(/4)
ـ وهكذا كان عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون ، يجمعون بين العلم والعمل ، والعبادة والسعي على النفس والعيال ، وبين العبادة والجهاد ، والتصدي للبدع والأهواء مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة الذكر الجماعي بمسجد الكوفة وقضى عليها ، وتصديه لأصحاب معضد بن يزيد العجلي لما اتخذوا دوراً خاصة للعبادة في بعض الجبال وردهم عن ذلك .
· ظهور العباد : في القرن الثاني عشر الهجري في عهد التابعين وبقايا الصحابة ظهرت طائفة من العباد آثروا العزلة وعدم الاختلاط بالناس فشددوا على أنفسهم في العبادة على نحو لم يُعهد من قبل ، ومن أسباب ذلك بزوغ بعض الفتن الداخلية ، وإراقة بعض الدماء الزكية ، فآثروا اعتزال المجتمع تصوناً عما فيه من الفتن ، وطلباً للسلامة في دينهم ، يضاف إلى ذلك أيضاً فتح الدنيا أبوابها أمام المسلمين ، وبخاصة بعد اتساع الفتوحات الاسلامية وانغماس بعض المسلمين فيها ، وشيوع الترف والمجون بين طبقة من السفهاء ، مما أوجد ردة فعل عند بعض العباد وبخاصة في البصرة والكوفة حيث كانت بداية الانحراف عن المنهج الأول في جانب السلوك .(/5)
ـ ففي الكوفة ظهرت جماعة من أهلها اعتزلوا الناس وأظهروا الندم الشديد بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وسموا أنفسهم بالتوَّابين أو البكَّائين . كما ظهرت طبقة من العباد غلب عليهم جانب التشدد في العبادة والبعد عن المشاركة في مجريات الدولة ، مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة ، واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلماً وتعليماً ، بالإضافة إلى صدعهم بالحق وتصديهم لأهل الأهواء . كما ظهر فيهم الخوف الشديد من الله تعالى ، والإغماء والصقع عند سماع القرآن الكريم مما استدعى الإنكار عليهم من بعض الصحابة وكبار التابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم رضي الله عنهم ، وبسببهم شاع لقب العبَّاد والزُهَّاد والقُرَّاء في تلك الفترة . ومن أعلامهم : عامر بن عبد الله بن الزبير ، و صفوان بن سليم ، وطلق بن حبيب العنزي ، عطاء السلمي ، الأسود بن يزيد بن قيس ، وداود الطائي ، وبعض أصحاب الحسن البصري .
· بداية الانحراف : كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً ، ثم مايلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال : إبراهيم بن ادهم ، مالك بن دينار ، وبشر الحافي ، ورابعة العدوية ، وعبد الواحد بن زيد ، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام ، وتحريم تناول اللحوم ، والسياحة في البراري والصحاري ، وترك الزواج . يقول مالك بن دينار : (( لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة ، ويأوي إلى مزابل الكلاب )) . وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة ، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية .(/6)
ـ وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيله يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإقامة الصلاة ، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة ، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة ، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق .
ـ وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه ، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى : (( يدعوننا رغباً ورهباً )) .
ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله : (( في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء : الرأي ، والكلام ، والتصوف ، فكان جمهور الرأي في الكوفة ، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة ، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200 ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري ، وكان له كلام في القدر ، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول مابني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء . وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل ، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين )) .
· ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها :
ـ البداية والظهور : ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس ، والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة ، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب ، وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول من تسمَّ به . على أقوال ثلاثة :(/7)
2) ول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه : أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام بعد أن انتقل إليها ، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ قال عنه سفيان : (( لولا أبو هاشم ماعُرِفت دقائق الرياء )) . وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة الأوائل ويسميه الشيعة مخترع الصوفية .
2) يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي ، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة . بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام ، لا يحل لأحد منها إلا القوت ، حيث ذهب أئمة الهدى ، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل ، وإلا فهي حرام ، ومعاملة أهلها حرام .
3) يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي ، والشيعة تعتبره من أكابرهم ، والفلاسفة ينسبونه إليهم .
ـ وقد تنازع العلماء أيضاً في نسبة الاشتقاق على أقوال كثيرة أرجحها :
1ـ ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصوف حيث كان شعار رهبان أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية ، وبالتالي فقد أبطلوا كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية ، محمولة نسبة الصوفية أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري وسفيان الثوري رضي الله عنهم جميعاً ، وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان .(/8)
2ـ الاشتقاق الآخر ما رجحه أبو الريحان البيروني 440هـ وفون هامر حديثاً وغيرهما من أنها مشتقة من كلمة سوف اليونانية والتي تعني الحكمة . ويدلل أصحاب هذا الرأي على صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجري بينما لم تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي . ويضاف إلى الزمان والمكان التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان حيث أفكار وحدة الوجود والحلول والإشراق والفيض . كما استدلوا على قوة هذا الرأي بما ورد عن كبار الصوفية مثل السهروردي ـ المقتول ردة ـ بقوله : (( وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين وقعت إلى أخي أخميم (( ذي النون المصري )) ومنه نزلت إلى سيار ستري وشيعته (( أي سهل التستري )) وأضافوا إلى ذلك ظهور مصطلحات أخرى مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر ، مثل الفلسفة ، الموسيقا ، الموسيقار ، السفسطة ، الهيولي .
· طلائع الصوفية :
ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي :
· الطبقة الأولى :
وتكتل التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس ، والعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ماكان عليه الصدر الأول من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بل وعن عباد القرن السابق له ، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة ، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف ، وإن كان ورد عن بعضهم ـ مثل الجنيد ـ بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات ، ومن أشهر رموز هذا التيار :(/9)
ـ الجنيد : هو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة ، ولذلك يعد من أهم الشخصيات التي يعتمد المتصوفة على أقواله وآرائه وبخاصة في التوحيد والمعرفة والمحبة . وقد تأثر بآراء ذي النون النوبي ، فهذبها ، وجمعها ونشرها من بعده تلميذه الشبلي ، ولكنه خالف طريقة ذي النون والحلاج و البسطامي في الفناء ، حيث كان يؤثر الصحو على السكر وينكر الشطحات ، ويؤثر البقاء على الفناء ، فللفناء عنده معنى آخر ، وقد أنكر على المتصوفة سقوط التكاليف . وقد تأثر الجنيد بأستاذه الحارث المحاسبي والذي يعد أول من خلط الكلام بالتصوف ، وبخاله السري السقطي ت 253هـ .
وهناك آخرون تشملهم هذه الطبقة أمثال : أبو سليمان الدارني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني ت205هـ ، وأحمد بن الحواري ، والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطوي الصوفي وقد روى عنه البخاري في صحيحه ، والسري بن المغلس السقطي أبوالحسن ت253هـ ، سهل بن عبد الله التستري ت273هـ ، معروف الكرخي أبومحفوظ 412هـ محمد بن الحسن الأزدي السلمي ، محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبويعلى البصري الصوفي 368هـ شيخ الخطيب البغدادي .
ـ ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة : بداية التمييز عن جمهور المسلمين والعلماء ، وظهور مصطلحات تدل على ذلك بشكل مهد لظهور الطرق من بعد ، مثل قول بعضهم : علمنا ، مذهبنا ، طريقنا ، قال الجنيد : (( علمنا مشتبك مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم )) وهو انتساب محرم شرعاً حيث يفضي إلى البدعة والمعصية بل وإلى الشرك أيضاً ، وقد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يخرج من ماله ، وأن يقل من غذائه وأن يترك الزواج مادام في سلوكه .(/10)
ـ كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم ، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين . ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد ، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما سبب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء ، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية . وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة في مثل : كتب أبو طالب المكي قوت القلوب وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني ، وكتب الحارث المحاسبي . وقد حذر العلماء الأوائل من هذه الكتب لاشتمالها على الأحاديث الموضوعة والمنكرة ، واشتمالها على الإسرائيليات وأقوال أهل الكتاب . سئل الإمام أبو زرعة عن هذه الكتب فقيل له : في هذه عبرة ؟ قال : من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة .
· ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب التصوف والقاسم المشترك للمنهج المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها مايسمونه (( الذوق )) والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم ، فلم يستطيعوا أن يحموا نهجهم الصوفي من الاندماج أو التأثر بعقائد وفلسفات غير إسلامية ، مما سهل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها وانحرافها .(/11)
· الطبقة الثانية : خلطت الزهد بعبارات الباطنية ، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري ، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات : الوحدة ، والفناء ، والاتحاد ، والحلول ، والسكر ، والصحو ، والكشف ، والبقاء ، والمريد ، والعارف ، والأحوال ، والمقامات ، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة ، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن ، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم مما زاد العداء بينهما ، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية ، مما زاد في انحرافها ، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن .
· ومن أهم أعلام هذه الطبقة : أبواليزيد البسطامي ت263هـ ، ذوالنون المصري ت245هـ ، الحلاج ت309هـ ، أبوسعيد الخزار 277 ـ 286هـ ، الحكيم الترمذي ت320هـ ، أبوبكر الشبلي 334هـ وسنكتفي هنا بالترجمة لمن كان له أثره البالغ فيمن جاء بعده إلى اليوم مثل :
ـ ذوالنون المصري : وهو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم ، قبطي الأصل من أهل النوبة ، من قرية أخميم بصعيد مصر ، توفي سنة 245 هـ أخذ التصوف عن شقران العابد أو إسرائيل المغربي على حسب رواية ابن خلكان وعبد الرحمن الجامي . ويؤكد الشيعة في كتبهم ويوافقهم ابن النديم في الفهرست أنه أخذ علم الكيمياء عن جابر بن حيان ، ويذكر ابن خلكان أنه كان من الملامتية الذين يخفون تقواهم عن الناس ويظهرون استهزاءهم بالشريعة ، وذلك مع اشتهاره بالحكمة والفصاحة .(/12)
ويعده كتاب الصوفية المؤسس الحقيقي لطريقتهم في المحبة والمعرفة ، وأول من تكلم عن المقامات والأحوال في مصر ، وقال بالكشف وأن للشريعة ظاهراً وباطناً . ويذكر القشيري في رسالته أنه أول من عرف التوحيد بالمعنى الصوفي ، وأول من وضع تعريفات للوجد والسماع ، وأنه أول من استعمل الرمز في التعبير عن حاله ، وقد تأثر بعقائد الإسماعلية والباطنية وإخوان الصفا بسبب صِلاته القوية بهم ، حيث تزامن مع فترة نشاطهم في الدعوة إلى مذاهبهم الباطلة ، فظهرت له أقوال في علم الباطن ، والعلم اللدني ، والاتحاد ، وإرجاع أصل الخلق إلى النور المحمدي ، وكان لعلمه باللغة القبطية أثره على حل النقوش والرموز المرسومة على الآثار القبطية في قريته مما مكنه من تعلم فنون التنجيم والسحر والطلاسم الذي اشتغل بهم . ويعد ذوالنون أول من وقف من المتصوفة على الثقافة اليونانية ، ومذهب الأفلاطونية الجديدة ، وبخاصة ثيولوجيا أرسطو في الإلهيات ، ولذلك كان له مذهبه الخاص في المعرفة والفناء متأثراً بالغنوصية .
ـ أبويزيد البسطامي : طيفور بن عيسى بن آدم بن شروسان ، ولد في بسطام من أصل مجوسي ، وقد نسبت إليه من الأقوال الشنيعة التي يشكك الكثير من الباحثين في صدق نسبتها إليه مثل قوله : (( خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح فيّ : يا من أنت أنا ، فقد تحققت بمقام الفناء في الله )) ، (( سبحاني ما أعظم شأني )) وهي أقوال لاتُغفر لصاحبها ، سواءً كان في حالة سكر أو صحو ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعده من أصحاب هذه الطبقة ويشكك في صدق نسبتها إليه حيث كانت له أقوال تدل على تمسكه بالسنة ، ومن علماء أهل السنة والجماعة من يضعه مع الحلاج والسهروردي في طبقة واحدة .(/13)
ـ الحكيم الترمذي : أبوعبد الله محمد بن علي بن الحسين الترمذي المتوفى سنة 320ه أول من تكلم في ختم الولاية وألف كتاباً في هذا أسماه ختم الولاية كان سبباً لاتهامه بالكفر وإخراجه من بلده ترمذ ، يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية : (( تكلم طائفة من الصوفية في (( خاتم الأولياء )) وعظموه كالحكيم الترمذي ، وهو من غلطاته ، فإن الغالب على كلامه الصحة بخلاف ابن عربي فإنه كثير التخليط )) . [ مجموع الفتاوى 1/363 ] . وينسب إليه انه قال : (( للأولياء خاتم كما ان للأنبياء خاتماً )) ، مما مهد الطريق أمام فلاسفة الصوفية أمثال ابن عربي وابن سبعين وابن هود والتلمساني للقول بخاتم الأولياء ، وأن مقامه يفضل مقام خاتم الأنبياء .
· الطبقة الثالثة :
وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية ، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، على أن الموجود الحق هو الله وماعداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات موافقة لقول الفلاسفة ، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي . وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية . ومن أشهر رموز هذه الطبقة : الحلاج ت309هـ ، السهروردي 587هـ ، ابن عربي ت638هـ ، ابن الفارض 632هـ ، ابن سبعين ت 667 هـ .
ـ الحلاج : أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244 ـ 309هـ ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي ، ونشأ في واسط بالعراق ، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين، رمي بالكفر وقتل مصلوباً لتهم أربع وُجهت إليه :
1ـ اتصاله بالقرامطة .
2ـ قوله (( أنا الحق )) .
3ـ اعتقاد أتباعه ألوهيته .
4ـ قوله في الحج ، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها .(/14)
كانت في شخصيته كثير من الغموض ، فضلاً عن كونه متشدداً وعنيداً ومغالياً ، له كتاب الطواسين الذي أخرجه وحققه المستشرق الفرنسي ماسنيون .
· يرى بعض الباحثين أن أفراد الطائفة في القرن الثالث الهجري كانوا على علم باطني واحد ، منهم من كتمه ويشمل أهل الطبقة الولى بالإضافة إلى الشبلي القائل : (( كنت أنا والحسين بن منصور ـ الحلاج ـ شيئاً واحداً إلا انه أظهر وكتمت )) ، ومنهم من أذاع وباح به ويشمل الحلاج وطبقته فأذاقهم الله طعم الحديد ، على ماصرحت به المرأة وقت صلبه بأمر من الجنيد حسب رواية المستشرق الفرنسي ماسنيون .
· ظهور الفرق :
وضع أبو سعيد محمد أحمد اميهمي الصوفي الإيراني 357 ـ 430 هـ تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة .
· يعتبر القرن الخامس امتداداً لأفكار القرون السابقة ، التي راجت من خلال مصنفات أبي عبد الرحمن السلمي ، المتوفى 412هـ والتي يصفها ابن تيمية بقوله : (( يوجد في كتبه من الآثار الصحيحة والكلام المنقول ماينتفع به في الدين ، ويوجد فيه من الآثار السقيمة والكلام المردود مايضر من لا خيرة له ، وبعض الناس توقف في روايته )) [ مجموع الفتاوى 1/ 578 ] ، فقد كان يضع الأحاديث لصالح الصوفية .
· ما بين النصف الثاني من القرن الخامس وبداية السادس في زمن أبي حامد الغزالي الملقب بحجة الإسلام ت505هـ أخذ التصوف مكانه عند من حسبوا على أهل السنة . وبذلك انتهت مرحلة الرواد الأوائل أصحاب الأصول غير الإسلامية ، ومن أعلام هذه المرحلة التي تمتد إلى يومنا هذا :(/15)
ـ أبوحامد الغزالي : محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الملقب بحجة الإسلام 450 ـ 505هـ ولد بطوس من إقليم خراسان ، نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب مثل علم الكلام والفلسفة ، والباطنية ، والتصوف ، مما أورثه ذلك حيرة وشكاً دفعه للتقلب بين هذه المذاهب الأربعة السابقة أثناء إقامته في بغداد ، رحل إلى جرجان ونيسابور ، ولازم نظام الملك ، درس في المدرسة النظامية ببغداد ، واعتكف في منارة مسجد دمشق ، ورحل إلى القدس ومنها إلى الحجاز ثم عاد إلى موطنه . وقد ألف عدداً من الكتب منها : تهافت الفلاسفة ، والمنقذ من الضلال ، وأهمها إحياء علوم الدين . ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة ، التي تسلمت راية التصوف من أصحاب الأصولية الفارسية إلى أصحاب الأصول السنية ، ومن جليل أعماله هدمه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية في كتابه المستظهري أو فضائح الباطنية . ويحكي تلميذه عبد الغافر الفارسي آخر مراحل حياته ، بعدما عاد إلى بلده طوس ، قائلاً : (( وكانت ثمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله ، ومطالعة الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ اللذين هما حجة الإسلام )) ا . هـ . وذلك بعد أن صحب أهل الحديث في بلده أمثال : أبي سهيل محمد بن عبد الله الحفصي الذي قرأ عليه صحيح البخاري ، والقاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي الذي سمع عليه سنن أبي داود [ طبقات السبكي 4 / 110 ] .
ـ وفي هذه المرحلة ألف كتابه إلجام العوام عن علم الكلام الذي ذم فيه علم الكلام وطريقته ، وانتصر لمذهب السلف ونهجهم فقال : (( الدليل على أن مذهب السلف هو الحق : أن نقيضه بدعة ، والبدعة مذمومة وضلالة ، والخوض من جهة العوام في التأويل والخوض بهم من جهة العلماء بدعة مذمومة ، وكان نقيضه هو الكف عن ذلك سنة محمودة )) ص[96] .(/16)
ـ وفيه أيضاً رجع عن القول بالكشف وإدراك خصائص النبوة وقواها ، والاعتماد في التأويل أو الإثبات على الكشف الذي كان يراه من قبل غاية العوام .
· يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي ، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني ، المتوفى سنة 561ه ، وقد رزق بتسعة وأربعين ولداً ، حمل أحد عشر منهم تعاليمه ونشروها في العالم الإسلامي ، ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - رغم عدم لقائه بالحسن البصري ، كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب ، وإحياء الموتى ، وتصرفه في الكون حياً أو ميتاً ، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة . ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه : (( قدمي هذه على رقبة كل ولي لله )) ، وكان يقول : (( من استغاث بي في كربة كشفت عنه ، ومن ناداني في شدة فرجت عنه ، ومن توسل بي في حاجة قضيت له )) ، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية .
- يقول السيد محمد رشيد رضا : (( يُنقل عن الشيخ الجيلاني من الكرامات وخوارق العادات مالم ينقل عن غيره ، والنقاد من أهل الرواية لا يحفلون بهذه النقول إذ لا أسانيد لها يحتج بها )) [دائرة المعارف الإسلامية11/171] .(/17)
· كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي ت 540ه ويطلق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق ، وينسج حوله كتَّاب الصوفية - كدأبهم مع من ينتسبون إليهم - الأساطير والخرافات ، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية . ومن هذه الأقوال : (( كان قطب الأقطاب في الأرض ، ثم انتقل إلى قطبية السماوات ، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال )) [طبقات الشعراني ص141 ، قلادة الجواهرص42] .
-وقد تزوج الرفاعي العديد من النساء ولكنه لم يعقب ، ولذلك خلفه على المشيخة من بعده علي بن عثمان ت584ه ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604ه ، ولأتباعه أحوال وأمور غريبة ذكرها الحافظ الذهبي ثم قال : (( لكن أصحابه فيهم الجيد والرديء )) .
-وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587ه ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604ه ، صاحب مدرسة الإشراق الفلسفية التي أساسها الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر ، ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة والتعطيل والقول بالفلسفة الاشراقية مما حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره وزندقته فأمر بقتله ردة ، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض أو الظهور المستمر . ومن كتبه : حكمة الإشراق ، هياكل النور ، التلويحات العرشية ، والمقامات .
· تحت تأثير تراكمات مدارس الصوفية في القرون السالفة أعاد ابن عربي ، وابن الفارض ، وابن سبعين ، عقيدة الحلاج ، وذي النون المصري ، والسهروردي .
· في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقب بالشيخ الأكبر .(/18)
- محيي الدين ابن عربي : الملقب بالشيخ الكبر 560-638ه رئيس مدرسة وحدة الوجود ، يعتبر نفسه خاتم الأولياء ، ولد بالأندلس ، ورحل إلى مصر ، وحج وزار بغداد ، واستقر في دمشق حيث مات ودفن ، وله فيها الآن قبر يُزار ، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله ، وله كتب كثيرة يوصلها بعضهم إلى 400كتاب ورسالة مايزال بعضها محفوظاً بمكتبة يوسف أغا بقونية ومكتبات تركيا الأخرى ، وأشهر كتبه : روح القدس ، وترجمان الأشواق وأبرزها : الفتوحات المكية وفصوص الحكم .
- أبو الحسن الشاذلي 593-656ه : صاحب ابن عربي مراحل الطلب -طلب العلم - ولكنهما افترقا حيث فضّل أبوالحسن مدرسة الغزالي في الكشف بينما فضل ابن عربي مدرسة الحلاج وذي النون المصري ، وقد أصبح لكلتا المدرستين أنصارهما إلى الآن داخل طرق الصوفية ، مع ما قد تختلط عند بعضهم المفاهيم فيهما ، ومن أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي ت656ه أبوالعباس ت686ه ، وإبراهيم الدسوقي ، وأحمد البدوي ت675ه . ويلاحظ على أصحاب هذه المدرسة إلى اليوم كثرة اعتذارها وتأويلها لكلام ابن عربي ومدرسته .(/19)
· وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت672ه . · أصبح القرن الثامن والتاسع الهجري ما هو إلا تفريع وشرح لكتب ابن عربي وابن الفارض وغيرهما ، ولم تظهر فيه نظريات جديدة في التصوف . ومن أبرز سمات القرن التاسع هو اختلاط أفكار كلتا المدرستين . وفي هذا القرن ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية ت791ه . وكذلك القرن العاشر ماكان إلا شرحاً أو دفاعاً عن كتب ابن عربي ، فزاد الاهتمام فيه بتراجم أعلام التصوف ، والتي اتسمت بالمبالغة الشديدة . ومن كتب تراجم الصوفية في هذا القرن : عبد الوهاب الشعراني ت 973ه صاحب الطبقات الصغرى والكبرى . · وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية ، وانتشرت الفوضى بينهم ، واختلطت فيهم أفكار كلتا المدرستين وبدأت مرحلة الدراويش .
- ومن أهم ماتتميز به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة ، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية ، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء ، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها . وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه ، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعزف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر .
ومن أشهر رموز هذه القرون المتأخرة :
- عبدالغني النابلسي 1050-1287ه .
- أبوالسعود البكري المتوفى 1812مأول من عرف بشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر بشكل غير رسمي .
- أبوالهدى الصيادي الرفاعي 1220-1287ه(/20)
- عمر الفوتي الطوري السنغالي الأزهري التيجاني ت 1281ه ، ومما يحسن ذكره له أنه اهتم بنشر الإسلام بين الوثنيين ، وكون لذلك جيشاً ، وخاض به حروباً مع الوثنيين ، واستولى على مملكة سيغو وعلى بلاد ماسينه . ومن مؤلفاته : سيوف السعيد ، سفينة السعادة ، رماح حزب الرحيم على نحو حزب الرجيم .
- محمد عثمان الميرغني ت1268ه .
- أبوالفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني ، فقيه متفلسف ، من أهل فاس بالمغرب ، أسس الطريقة الكتانية 1290-1327ه ، انتقد عليه علماء فاس بعض أقواله ونسبوه إلى فساد الاعتقاد .ومن كتبه : حياة الأنبياء ، لسان الحجة البرهانية في الذب عن شعائر الطريقة الأحمدية الكتانية .
- أحمد التيجاني ت1230ه .
- حسن رضوان 1239-1310ه صاحب أرجوزة روض القلوب المستطاب في التصوف .
- صالح بن محمد بن صالح الجعفري الصادقي 1328-1399ه انتسب إلى الطريقة الأحمدية الإدريسية بعد ماسافر إلى مصر والتحق بالأزهر ، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد بخيث المطيعي ، والشيخ حبيب الله الشنقيطي ، والشيخ يوسف الدجوي ، ومن كتبه : الإلهام النافع لكل قاصد ، القصيدة التائية ، الصلوات الجعفرية .
أهم العقائد :
· مصادر التلقي :
- الكشف : ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف ، بل تحقيق غاية عبادتهم ، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية منها :
1- النبي صلى الله عليه وسلم : ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً .
2- الخضر عليه الصلاة السلام : قد كثرت حكايتهم عن تقياه ، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية ، وكذلك الأوراد ، والأذكار والمناقب .
3- الإلهام : سواء كان من الله تعالى مباشرة ، وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدون أن الولي يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى حيث أخذه الملك الذي يوحي به إلى النبي أو الرسول .
4- الفراسة : والتي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها .(/21)
5- الهواتف : من سماع الخطاب من الله تعالى ، أو من الملائكة ، أو الجن الصالح ، أو من أحد الأولياء ، أو الخضر ، أو إبليس ، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن .
6- الإسراءات والمعاريج : ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي ، وجولاتها هناك ، والاتيان منها بشتى العلوم والأسرار .
7- الكشف الحسي : بالكشف عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر .
8- الرؤى والمنامات : وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها حيث يزعمون أنهم يتلقون فيها عن الله تعالى ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية .
- الذوق : وله إطلاقان :
1- الذوق العام الذي ينظم جميع الأحوال والمقامات ، ويرى الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال إمكان السالك أن يتذوق حقيقة النبوة ، وأن يدرك خاصيتها بالمنازلة .
2- أما الذوق الخاص فتتفاوت درجاته بينهم حيث يبدأ بالذوق ثم الشرب .
- الوجد : وله ثلاثة مراتب :
1- التواجد .
2- الوجد .
3- الوجود .
- التلقي عن الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأشياخ المقبورين .
- تتشابه عقائد الصوفية وأفكارهم وتتعدد بتعدد مدارسهم وطرقهم ويمكن إجمالها فيما يلي :
- يعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى ، منها الحلول كما هو مذهب الحلاج ، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق ، ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريدية في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته .(/22)
- والغلاة منهم يعتقدون في الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً عقائد شتى ، فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم ، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي : (( خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله )) . ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون ، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خُلقت من نوره ، وأنه أول موجود وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه . ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة .
- وفي الأولياء يعتقد الصوفية عقائد شتى ، فمنهم من يفضِّل الولي على النبي ، ومنهم يجعلون الولي مساوياً لله في كل صفاته ، فهو يخلق ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويتصرف في الكون . ولهم تقسيمات للولاية ، فهناك الغوث ، والأقطاب ، والأبدال والنجباء حيث يجتمعون في ديوان لهم في غار حراء كل ليلة ينظرون في المقادير . ومنهم من لا يعتقد ذلك ولكنهم أيضاً يأخذونهم وسائط بينهم وبين ربهم سواءً كان في حياتهم أو بعد مماتهم .
وكل هذا بالطبع خلاف الولاية في الإسلام التي تقوم على الدين والتقوى ، وعمل الصالحات ، والعبودية الكاملة لله والفقر إليه ، وأن الولي لا يملك من أمر نفسه شيئاً فضلاً عن أنه يملك لغيره ، قال تعالى لرسوله : (( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً )) [الجن :21] .
- يعتقدون أن الدين شريعة وحقيقة ، والشريعة هي الظاهر من الدين وأنها الباب الذي يدخل منه الجميع ، والحقيقة هي الباطن الذي لا يصل إليه إلا المصطفون الأخيار .
- التصوف في نظرهم طريقة وحقيقة معاً .
- لابد في التصوف من التأثير الروحي الذي لا يأتي إلا بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه .(/23)
- لابد من الذكر والتأمل الروحي وتركيز الذهن في الملأ الأعلى ، وأعلى الدرجات لديهم هي درجة الولي .
- يتحدث الصوفيون عن العلم اللدني الذي يكون في نظرهم لأهل النبوة والولاية ، كما كان ذلك للخضر عليه الصلاة والسلام ، حيث أخبر الله تعالى عن ذلك فقال : ((وعلمناه من لدنا علماً )) .
- الفناء : يعتبر أبويزيد البسطامي أول داعية في الإسلام إلى هذه الفكرة ، وقد نقلها عن شيخه أبي علي السندي حيث الاستهلاك في الله بالكلية ، وحيث يختفي نهائياً عن شعور العبد بذاته ويفنى المشاهد فينسى نفسه وما سوى الله ، ويقول القشيري : الاستهلاك بالكلية يكون (( لمن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الغبار لا عيناً ولا أثراً ولا رسماً )) .
( مقام جمع الجمع ) وهو : (( فناء العبد عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق )) .
إن مقام الفناء حالة تتراوح فيها تصورات السالك بين قطبين متعارضين هما التنزيه والتجريد من جهة والحلول والتشبيه من جهة أخرى .
· درجات السلوك :
- هناك فرق بين الصوفي والعابد والزاهد إذ أن لكل واحد منهم أسلوباً ومنهجاً وهدفاً . وأول درجات السلوك حب الله ورسوله ، ودليله الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأسوة الحسنة : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) .
ثم التوبة : وذلك بالإقلاع عن المعصية ، والندم على فعلها ، والعزم على أن لا يعود إليها ، وإبراء صاحبها إن كانت تتعلق بآدمي .
- المقامات : (( هي المنازل الروحية التي يمر بها السالك إلى الله فيقف فترة من الزمن مجاهداً في إطارها حتى ينتقل إلى المنزل الثاني )) ولابد للانتقال من جهاد وتزكية . وجعلوا الحاجز بين المريد وبين الحق سبحانه وتعالى أربعة أشياء هي : المال ، والجاه ، والتقليد ، والمعصية .(/24)
- الأحوال : (( إنها النسمات التي تهب على السالك فتنتعش بها نفسه لحظات خاطفة ثم تمر تاركة عطراًً تتشوق الروح للعودة إلى تنسُّم أريجه )) . قال الجنيد : (( الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم )) .
والأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب ، ويعبرون عن ذلك بقولهم : (( الأحوال تأتي من عين الجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود )) .
- الورع : أن يترك السالك كل ما فيه شبهة ، ويكون هذا في الحديث والقلب والعمل .
- الزهد : وهو يعني أن تكون الدنيا على ظاهر يده ، وقلبه معلق بما في يد الله . يقول أحدهم عن زاهد : (( صدق فلان ، قد غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده على ظاهره)) . قد يكون الإنسان غنياً وزاهداً في ذات الوقت إذ أن الزهد لا يعني الفقر ، فليس كل فقير زاهداً ، وليس كل زاهد فقيراً، والزهد على ثلاث درجات :
1- ترك الحرام ، وهو زهد العوام .
2- ترك الفضول من الحلال ، وهو زهد الخواص .
3- ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى ، وهو زهد العارفين .
- التوكل : يقولون : التوكل بداية ، والتسليم واسطة ، والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية ، ويقول سهل التستري:(( التوكل : الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد )) .
- المحبة : يقول الحسن البصري ت110ه : (( فعلامة المحبة الموافقة للمحبوب والتجاري مع طرقاته في كل الأمور ، والتقرب إليه بكل صلة ، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه )) .
- الرضا : يقول أحدهم :(( الرضا بالله الأعظم ، هو أن يكون قلب العبد ساكناً تحت حكم الله عز وجل )) ويقول آخر : (( الرضا آخر المقامات ، ثم يقتفي من بعد ذلك أحوال أرباب القلوب ، ومطالعة الغيوب ، وتهذيب الأسرار لصفاء الأذكار وحقائق الأحوال )) .
- يطلقون الخيال : لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يصل السالك إلى اليقين وهو على ثلاث مراتب :(/25)
1- علم اليقين : وهو يأتي عن طريق الدليل النقلي من آيات وأحاديث (( كلا لو تعلمون علم اليقين )) . [سورة التكاثر:5] .
2- عين اليقين : وهو يأتي عن طريق المشاهدة والكشف : (( ثم لترونَّها عين اليقين )) [سورة التكاثر:7] .
3- حق اليقين : وهو ما يتحقق عن طريق الذوق : (( إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم )) [سورة الواقعة:95،96] .
- وأما في الحكم والسلطان والسياسة فإن المنهج الصوفي هو عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين لأن الله في زعمهم أقام العباد فيما أراد .
- ولعل أخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها ، وذلك بإدخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس ، ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله ، ثم بالتلبيس على الشخص ، ثم بالرزق إلى علوم التصوف شيئاً فشيئاً ، ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج .
· مدارس الصوفية :
- مدرسة الزهد : وأصحابها : من النساك والزهاد والعباد والبكائين ، ومن أفرادها : رابعة العدوية ، وإبراهيم بن أدهم ، ومالك بن دينار .
- مدرسة الكشف والمعرفة : وهي تقوم على اعتبار أن المنطق العقلي وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات ، إذ يتطور المرء بالرياضة النفسية حتى تتكشف عن بصيرته غشاوة الجهل وتبدو له الحقائق منطبقة في نفسه تتراءى فوق مرآة القلب ، وزعيم هذه المدرسة : الإمام أبو حامد الغزالي .
- مدرسة وحدة الوجود : زعيم هذه المدرسة محيي الدين بن عربي : ( وقد ثبت عن المحققين أنه ما في الوجود إلا الله ، ونحن إن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به ، فما ظهر من الوجود بالوجود إلا الحق ، فالوجود الحق وهو واحد ، فليس ثم شيء هو له مثل ، لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متماثلان )) .(/26)
- مدرسة الاتحاد والحلول : وزعيمها : الحلاج ، ويظهر في هذه المدرسة التأثر بالتصوف الهندي والنصراني ، حيث يتصور الصوفي عندها أن الله قد حل فيه وأنه قد اتحد هو بالله ، فمن أقوالهم : (( أنا الحق )) و (( ما في الجبة إلا الله )) وما إلى ذلك من الشطحات التي تنطلق على ألسنتهم في لحظات السكر بخمرة الشهود على مايزعمون .
· طرق الصوفية :
- الجيلانية : تنسب إلى عبد القادر الجيلاني 470 - 561ه المدفون في بغداد ، حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرك به ، اطلع على كثير من علوم عصره ، وقد نسب أتباعه إليه كثيراً من الكرامات ، على نحو ما ذكرنا من قبل .
وقد ساهمت طريقته في إقامة المراكز الإسلامية التي قامت بدور كبير في نشر الإسلام في أفريقيا ووقفت حاجزاً منيعاً في وجه المد الأوروبي الزاحف إلى المغرب العربي .
- الرفاعية : تنسب إلى أحمد الرفاعي 512-580ه من بني رفاعة أحد قبائل العرب ، و جماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في إثبات الكرامات . قال عنهم الشيخ الآلوسي في غاية الأماني في الرد على النبهاني : (( وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة : مبتدعة الرفاعية ، فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها ، فذكرهم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم . وأعمالهم عبارة عن مسك الحيات )) 1/370 .
وتتفق الرفاعية مع الشيعة في أمور عدة منها : إيمانهم بكتاب الجفر ، واعتقادهم في الأئمة الإثنى عشر ، وأن احمد الرفاعي هو الإمام الثالث عشر ، بالإضافة إلى مشاركتهم الحزن يوم عاشوراء . وغير ذلك .
هذا رغم ماورد عن شيخ طريقتهم - الشيخ أحمد الرفاعي - من الحض الشديد على السنة واجتناب البدعة ومنها قوله : (( ما تهاون قوم بالسنة وأهملوا قمع البدعة إلا سلط الله عليهم العدو ، و ما انتصر قوم للسنة وقمعوا البدعة وأهلها إلا رزقهم هيبة من عنده ونصرهم وأصلح شأنهم )).(/27)
وللرفاعية انتشار ملحوظ في غرب آسيا .
- البدوية : وتنسب إلى أحمد البدوي596-634ه ولد بفاس ، حج ورحل إلى العراق ، واستقر في طنطا حتى وفاته ، وله فيها ضريح مقصود ، حيث يقام له كغيره من أولياء الصوفية احتفال بمولده سنوياً يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل مما يؤدي إلى الشرك المخرج من الملة . وأتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر ، ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية وأولاد نوح والشعبية ، وشارتهم العمامة الحمراء .
- الدسوقية : تنسب إلى إبراهيم الدسوقي 633-676ه المدفون بمدينة دسوق في مصر ، يدعي المتصوفة أنه أحد الأقطاب الأربعة الذين يرجع إليهم تدبير الأمور في هذا الكون .
- الكبرية : نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي ، وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر ، ولها ثلاث صفات : الصبر على البلاء ، والشكر على الرخاء، والرضا بالقضاء .
- الشاذلية : نسبة إلى أبي الحسين الشاذلي 593-656ه ولد بقرية عمارة قرب مرسية في بلاد المغرب ، وانتقل إلى تونس ، وحج عدة مرات ، ثم دخل العراق ومات أخيراً في صحراء عيذاب بصعيد مصر في طريقه إلى الحج ، قيل عنه : ( إنه سهل الطريقة على الخليقة )) لأن طريقته أسهل الطرق وأقربها ، فليس فيها كثير مجاهدة ، انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب ، وأهل مدينة مخا يدينون له بالتقدير والاعتقاد العميق في ولايته ، وانتشرت طريقته كذلك في مراكش وغرب الجزائر وفي شمال أفريقيا وغربها بعامة .
- البكداشية : كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة ، وهي ما تزال منتشرة في ألانيا ، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني ، وقد كان لهذه الطريقة أثر بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول ، وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم .(/28)
- المولوية : أنشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ت672ه والمدفون بقونية ، أصحابها يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر ، وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية ، ولم يبق لهم في الأيام الحاضرة إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب وفي بعض أقطار المشرق .
- النقشبندية : تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه نقشبند 618-791ه وهي طريقة سهلة كالشاذلية ، انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية .
- الملامتية : مؤسسها أبوصالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار ت271ه أباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها ، وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثاً بمظهر الإباحية والاستهتار وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية .
- وهناك طرق كثيرة غير هذه : كالقنائية ، والقيروانية ، والمرابطية ، والبشبشية ، والسنوسية ، والمختارية ، والختمية … وغيرها ، ولاشك أن كل هذه الطرق بدعية .
· شطحات الصوفية :
سلك بعضهم طريق تحضير الأرواح معتقداً بأن ذلك من التصوف ، كما سلك آخرون طريق الشعوذة والدجل ، وقد اهتموا ببناء الأضرحة وقبور الأولياء وإنارتها وزيارتها والتمسح بها ، وكل ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان .
- يقول بعضهم بارتفاع التكاليف - إسقاط التكاليف - عن الولي ، أي أن العبادة تصير لالزوم لها بالنسبة إليه ، لأنه وصل إلى مقام لا يحتاج معه إلى القيام بذلك ، ولأنه لو اشتغل بوظائف الشرع وظواهره انقطع عن حفظ الباطن وتشوش عليه بالالتفات عن أنواع الواردات الباطنية إلى مراعاة الظاهر .
- وينقل عن الغزالي انتقاده لمن غلبه الغرور ، ويعدد فرقهم :
1- فرقة اغتروا بالزي والهيئة والمنطق .
2- وفرقة ادعت علم المعرفة ، ومشاهدة الحق ، ومجاوزة المقامات والأحوال .
3- وفرقة وقعت في الإباحة ، وطووا بساط الشرع ، ورفضوا الأحوال ، وسووا بين الحلال والحرام .(/29)
4- وبعضهم يقول : الأعمال بالجوارح لاوزن لها وإنما النظر إلى القلوب ، وقلوبنا والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله ، وإنما نخوض في الدنيا بأيدينا ، وقلوبنا عاكفة في الحضرة الربوبية ، فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب .
- ومذهب الوحدة المطلقة لم يكن له وجود في الإسلام بصورته الكاملة قبل ابن عربي ، فهو الواضع لدعائمه والمؤسس لمدرسته والمفضل لمعانيه ومراميه ، وله فصوص الحكم والفتوحات المكية وغيرهما .
- أما الحلاج فيعتبر صاحب مدرسة الاتحاد والحلول وله أقوال منها :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا
وقوله :
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة في الماء الزلال
فإذا مسَّك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حال
- يستخدم الصوفيون لفظ ( الغوث والغياث ) وقد أفتى ابن تيمية كما جاء في كتاب مجموع الفتاوى ص 437 : (( فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله ، فهو غوث المستغيثين ، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل )) .
- لقد أجمعت كل طرق الصوفية على ضرورة الذكر ، وهو عند النقشبندية لفظ الله مفرداً ، وعند الشاذلية لا إله إلا الله ، وعند غيرهم مثل ذلك مع الاستغفار والصلاة على النبي ، وبعضهم يقول عند اشتداد الذكر : هو هو ، بلفظ الضمير . وفي ذلك يقول ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى ص 229 : (( وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً فلا أصل له ، فضلاً عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين ، بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات ، وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد )) .
ويقول في ص 228 أيضاً : (( من قال : ياهو ياهو ، أو هو هو ، ونحو ذلك ، لم يكن الضمير عائداً إلا إلى مايصوره القلب ، والقلب قد يهتدي وقد يضل )) .(/30)
- قد يأتي بعض المنتسبين إلى التصوف بأعمال عجيبة وخوارق ، وفي ذلك يقول ابن تيمية ص 494 : (( وأما كشف الرؤوس ، وتفتيل الشعر ، وحمل الحيات ، فليس هذا من شعار أحد من الصالحين ، ولامن الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا شيوخ المسلمين ، ولا من المتقدمين ، ولا من المتأخرين ، ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي ، وإنما ابتدع هذا بعد موت الشيخ بمدة طويلة )) .
- ويقول أيضاً في ص 504 : (( وأما النذر للموتى من الأنبياء والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى )) .
- وفي ص 506 من نفس الكتاب : (( وأما الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشايخ والملوك وغيرهم فإنه منهي عنه ))
- ويقول في ص 505 من نفس الكتاب أيضاً : (( وأما مؤاخاة الرجال والنساء الجانب وخلوتهم بهن ، ونظرهم إلى الزينة الباطنة ، فهذا حرام باتفاق المسلمين ، ومن جعل ذلك من الدين فهو من إخوان الشياطين )) .
- وفي مقام الفناء عن شهود ماسوى الرب - وهو الفناء عن الإرادة - يقول ابن تيمية ص337 من كتابه : (( وفي هذا الفناء قد يقول : انا الحق ، أو سبحاني ، أو ما في الجنة إلا الله ، إذا فنى بمشهوده عن شهوده ، وبموجوده عن وجوده ، وفي مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشق الصور . ويحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليه فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال المحرمة ، بخلاف ماإذا كان سبب زوال العقل أمراً محرماً . وكما أنه لاجناح عليهم فلا يجوز الاقتداء بهم ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة ، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون في التكاليف الظاهرة )) .(/31)
- أما في مقام الفناء عن وجود السوي فيقول ص337 من الكتاب أيضاً : (( الثالث : فناء وجود السوي ، بمعنى أنه يرى الله هو الوجود وأنه لاوجود لسواه ، لابه ولا بغيره ، وهذا القول للاتحادية الزنادقة من المتأخرين كالبلياني والتلمساني والقونوي ونحوهم ، الذين يجعلون الحقيقة أنه غير الموجودات وحقيقة الكائنات ، وأنه لاوجود لغيره ، لا بمعنى أن قيام الأشياء به ووجودها به لكنهم يريدون أنه عين الموجودات ، فهذا كفر وضلال )) .
· تجاوزات بعض المنتسبين إلى الصوفية في الوقت الحاضر :
- من أبرز المظاهر الشركية التي تؤخذ على الصوفية مايلي :
1- الغلو في الرسول .
2- الحلول والاتحاد .
3- وحدة الوجود .
4- الغلو في الأولياء .
5- الادعاءات الكثيرة الكاذبة ، كادعائهم عدم انقطاع الوحي ومالهم من المميزات في الدنيا والآخرة .
6- ادعاؤهم الانشغال بذكر الله عن التعاون لتحكيم شرع الله والجهاد في سبيله ، مع ماكان لبعضهم من مواقف طيبة ضد الاستعمار مثل الأمير عبد القادر الجزائري .
7- كثيراً ما يتساهل بعض المحسوبين على التصوف في التزام أحكام الشرع .
8- طاعة المشايخ والخضوع لهم ، والاعتراف بذنوبهم بين أيديهم، والتمسح بأضرحتهم بعد مماتهم .
9- تجاوزات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان ، في هيئة ما يسمونه الذكر ، وهو هز البدن والتمايل يميناً وشمالاً ، وذكر كلمة الله في كل مرة مجردة ، والادعاء بأن المشايخ مكشوف عن بصيرتهم ، ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم ، ودعاؤهم بمقامهم عند الله في حياتهم وبعد مماتهم .
الجذور العقائدية :
- إن المجاهدات الصوفية إنما ترجع إلى زمن سحيق في القدم من وقت أن شعر الإنسان بحاجة إلى رياضة نفسه ومغالبة أهوائه .(/32)
- لاشك أن ما يدعو إليه الصوفية من الزهد ، والورع والتوبة والرضا … إنما هي أمور من الإسلام ، وأن الإسلام يحث على التمسك بها والعمل من أجلها ، ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا إليه الإسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات لهذه المصطلحات مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته .
لكن الذي وصل إليه بعضهم من الحلول والاتحاد والفناء ، وسلوك طريق المجاهدات الصعبة ، إنما انحدرت هذه الأمور إليهم من مصادر دخيلة على الإسلام كالهندوسية والجينية والبوذية والأفلاطونية والزرادشتية والمسيحية . وقد عبر عن ذلك كثير من الدارسين للتصوف منهم :
- المستشرق ميركس ، يرى أن التصوف إنما جاء من رهبانية الشام .
- المستشرق جونس يرده إلى فيدا الهنود .
- نيكولسون ، يقول بأنه وليد لاتحاد الفكر اليوناني والديانات الشرقية ، أو بعبارة أدق : وليد لاتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة والديانات المسيحية والمذهب الغنوصي .
- إن السقوط في دائرة العدمية بإسقاط التكاليف وتجاوز الأمور الشرعية إنما هو أمر عرفته البرهمية حيث يقول البرهمي : (( حيث أكون متحداً مع برهماً لا أكون مكلفاً بعمل أو فريضة )) .
- قول الحلاج في الحلول،وقول ابن عربي في الإنسان الكامل يوافق مذهب النصارى في عيسى عليه السلام .
- لقد فتح التصوف المنحرف باباً واسعاً دخلت منه كثير من الشرور على المسلمين مثل التواكل ، والسلبية ، وإلغاء شخصية الإنسان ، وتعظيم شخصية الشيخ فضلاً عن كثير من الضلالات والبدع التي تخرج صاحبها من الإسلام .
أماكن الإنتشار :
لقد عملت الطرق الصوفية على نشر الإسلام في كثير من الأماكن التي لم تفتحها الجيوش ، وذلك بما لديهم من تأثير روحي يسمونه ( الجذب ) ، مثل إندونيسيا ومعظم أفريقيا وغيرها من الأقطار النائية .(/33)
انتشر التصوف على مدار الزمان وشمل معظم العالم الإسلامي ، وقد نشأت فرقهم وتوسعت في مصر والعراق وشمال غرب أفريقيا ، وفي غرب ووسط وشرق آسيا .
لقد تركوا أثراً مهماً في الشعر والنثر والموسيقى وفنون الغناء والانشاد وكانت لهم آثار في إنشاء الزوايا والتكايا .
لقد كان للروحانية الصوفية أثر في جذب الغربيين الماديين إلى الإسلام ، ومن أولئك مارتن لنجز الذي يقول : (( إنني أوروبي وقد وجدت خلاص روحي ونجاتها في التصوف)) .
على أن اهتمام الغربيين ومراكز الاستشراق في الجامعات الغربية والشرقية بالتصوف يدعو إلى الريبة ، فبالإضافة إلى انجذاب الغربيين إلى روحانية التصوف وإعجابهم بالمادة الغزيرة التي كتبت عن التصوف شرحاً وتنظيراً ، فإن هناك أسباباً أخرى لاهتمام المستشرقين والمؤسسات الأكاديمية والغربيين بصفة عامة بالتصوف ، من هذه الأسباب :
- إبراز الجانب السلبي الاستسلامي الموجود في التصوف وتصويره على اعتبار أنه الإسلام.
- موافقة التصوف للرهبانية المسيحية واعتباره امتداداً لهذا التوجه .
- ميل منحرفي المتصوفة إلى قبول الأديان جميعاً ، واعتبارها وسيلة للتربية الروحية ، وقد وجد في الغرب من يعتبر نفسه متصوفاً ، ويستعمل المصطلحات وبعض السلوكيات الإسلامية دون أن يكون مسلماً ، وذلك من بين أتباع اليهودية والمسيحية والبوذية وغيرها من الأديان .
- تجسيم الصراع بين فقهاء الإسلام ومنحرفي المتصوفة على أنها هي السمة الغالبة في العقيدة والفقه الإسلاميين .
- تراجعت الصوفية وذلك ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ولم يعد لها ذلك السلطان الذي كان لها فيما قبل ، وذلك بالرغم من دعم بعض الدول الإسلامية للتصوف كعامل مُثبِّط لتطلعات المسلمين في تطبيق الإسلام الشمولي .(/34)
الصوفية
دار القاسم
نشأة الصوفية
لم يعرف اسم ( الصوفية ) في زمن الرسول ولا صحابته ولا التابعين، ثم جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف، فأطلقوا هذا الإسم عليهم، وقيل مأخوذة من كلمة ( صوفيا ) ومعناها ( الحكمة ) وهي يونانية، وقيل مأخوذة من ( الصفاء ) كما يدعي بعضهم ( وهذا باطل ) لأن النسبة إلى الصفاء ( صفائي ) وليست ( صوفي )؟
طُرق الصوفية
التيجانية ( وهي أخطرها )، القادرية، النقشبندية، الشاذلية، الرفاعية وغيرها... وقد انقرض بعض هذه ( الطرق )، ويوجد الآن طرق ليست مشهورة، وعدد المنتسبين إليها ضعيف جداً بحيث لا يمكن أن تنتشر بسرعة ( وهذا لا يعني أنها ليست خطيرة؟ )
الدعاء عند الصوفية
الصوفيون يدعون غير الله - سبحانه - من الأنبياء والأولياء الأحياء والأموات، فكثيراً ما يرددون ( يا رسول الله المدد المدد... ويا رسول الله عليك المعتمد؟ ) وبعضهم ينادي الأموات "يا جيلاني..يا رفاعي... يا شاذلي" وهذه المناداة ( شرك صريح ) فهم يقولون: ( يا فلان... ارزقني... انصرني... اشفني!؟ ) والله - سبحانه - ينهى عن دعاء غيره، ويعتبره شركاً إذ يقول عز وجل: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106] والظالمين: هم المشركون. والرسول يقول: { الدعاء هو العبادة } [رواه الترمذي].(/2)
فالدعاء: عبادة كالصلاة لا يجوز لغير الله ولو كان رسولاً أو ولياً وهو من ( الشرك الأكبر ) الذي يُحبط العمل ويُخلد صاحبه في النار - والعياذ بالله - إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [النساء:48].
عبادة الله... هل تُصدق أن ( الصوفيون ) يقولون: ( نحن لا نعبد الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره؟ ) والله - عز وجل - يمدح الأنبياء الذين يدعونه طلباً لجنته وخوفاً من عذابه، فيقول سبحانه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] أي: راغبين في جنته، خائفين من عذابه.
الذكر عند أهل التصوف: يُبيح الصوفيون ( الرقص ورفع الصوت بالذكر والزمر والطرب ) والله تعالى يقول: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الأنفال:3].
ورفع الصوت في الذكر والدعاء منهي عنه، لقول الله تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] وذكرهم غريب!.. ومُضحك في كثير من الأحيان، فمثلاً يبدءون بذكر الله بلفظ ( الله... الله... الله ) حتى يصلون إلى التلفظ بكلمة ( آه.. آه.. آه ) ولقد نسوا قول الرسول الكريم : { أفضل الذكر لا إله إلا الله } [رواه الترمذي].
وكذلك يبتدعون ذكراً يصلون به على الرسول فيه من الشرك والإلحاد ما الله به عليم، مثل قولهم: ( الله صل على محمد حتى تجعل منه الأحدية والقيومية ). ونحن نعلم أن الأحدية والقيومية من صفات الله وأسمائه.
أقوال ( شيوخ ) الصوفية؟
(1) يعتقد ( ابن عربي ) وهو من كبار المتصوفة أن الله هو المخلوق وأن المخلوق هو الله؟! ويُعبر عن ذلك بقول: ( فيحمدني وأحمده ويعبدني وأعبده ).(/3)
(2) يشترط ( الجُنيد ) للمبتدئ ألا يشغل قلبه بثلاثة أمور هي: التكسب... وطلب الحديث... والتزوج؟
وكذلك لا يريده أن يقرأ أو يكتب... والسبب ( كما يزعم ): أنه أجمع لهمه؟! ولكن السبب الحقيقي. ليسهل الضحك عليك.
(3) يقول ( أبو يزيد البسطامي ) عن نفسه: ( سبحاني سبحاني ما أعظم شأني؟! ) والآخر يقول: ( ليس في الجُبة إلا الله ). مُخاطباً نفسه إذا لبس الجُبة؟
أولياء الشيطان: ما يظهر على بعض المبتدعين من ( ضرب بالسيف لأنفسهم أو أكل النار ) فهذا العمل ( من الشيطان ) وهو استدراج لهم ليسيروا في ضلالهم. قال تعالى: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] والمعلوم أن ( كُفار الهند ) من السيخ والهندوس يفعلون مثل هذا وأكثر، فهل نَقول عنهم أنهم ( أولياء لهم كرامات! ) أين أهل العقل؟
رؤية الله ورسوله: يدعي هؤلاء ( الحمقى ) أنه يُمكن رؤية الله - عز وجل - في الدنيا؟
قال الله على لسان موسى: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي [الأعراف:143].
وجاء في الحديث الصحيح عن الرسول : { إنكم لن ترون الله حتى تموتوا } فكيف يدعي هؤلاء ( الجهلة ) رؤية الله في الدنيا، ولكن..
لقد أسمعت لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تنادي
وكذلك يزعمون أنه يُمكن رؤية ( الرسول الكريم ) في اليقظة وليس في المنام!!
ولم يُنقل أن أحد الصحابة ( من خير القرون ) قد رأى الرسول ( يقظة ) بعد موته. فهل هم أفضل من الصحابة؟
كلمة عظيمة:
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يكون أحمق ).
إدعاءات...
1) يقول ( ابن عربي ) عن كتابه الفتوحات المكية بأنه توقيفي؟!.
2) يدعي ( الحلاج ) بأنه ينزل عليه رسائل كثيرة بخط.. الله عز وجل !!(/4)
3) يدعي ( محمد المرغني ) أن من رآه ومن رأى من رآه إلى... خمسة... لم تمسه النار؟!!
4) يقول ( أحمد التيجاني ) إن الله قادر على أن يوجد بعدي وليّ ولكن لا يفعل؟ قالوا: لماذا؟ قال كما أنه قادر على أن يوجد نبي بعد محمد ولكنه لا يفعل!!؟.
غير معقول:
1) يترحمون على إبليس - عليه لعنة الله؟
2) فرعون أعلم من موسى ( عليه السلام ) كما يزعمون؟
3) يُبرءون قوم نوح من الشرك؟
4) يُلقون السلام على الكلاب والخنازير؟
هل من يقوم بهذه الأعمال في رأسه ذرة من عقل؟ بالطبع... لا.
دليل خطورة الصوفية:
إن ( السرية والكتمان ) الذي تُصر عليهما هذه الجماعة أكبر دليل على ( خطورة وخطأ مسلكهم )، فلو كانوا على ( الحق ) لما أخفوا اجتماعاتهم وأسمائهم ودروسهم؟
وقفة... مع صوفي؟ إن الحقيقة التي تخفى عليك وعلى كثير من ( المُريدين ) أن هؤلاء ( المشايخ المزعومين؟ ) قد ضلوا وأضلوا من بعدهم خلقاً لا يعملهم إلا الله وحده.
فبالله عليك كيف تنتمي لجماعة يدعي أشهر رجالها... أنه يوحى إليه ( والوحي خاص بالأنبياء )، وآخر ( يُمجد نفسه ) فيقول: ( سبحاني سبحاني ما أعظم شأني؟ ) وآخر يقول: ( إن الله يكتب له رسائل بخط يده ( خاصة به )؟ ).
هل يُعقل أن شخصاً يرمي بنفسه إلى الهلاك... وإلى نار جهنم!! ويتّبع هؤلاء المجانين؟ واعلم أن هؤلاء الدجالين.. يطلبون منك من ( المُريدين ) ألا تقرءوا أو تناقشوا أو تتساءلوا؟ ومن هذا المنطلق استطاعوا أن يسيطروا عليكم ويقودوكم إلى الضياع والضلال...
سؤال: لو أني طلبت من شخص أن يُطيعني ولا يسألني ولا يُناقشني فيما أعمل، فماذا تتوقع أن تكون حاله؟
الجواب:... سيكون - بالطبع - كالدمية في يدي، وسأقلَّبه كيف أشاء، وإن كان في الأمر... هلاكه وموته!؟ ( واقع الصوفية )(/5)
الصوفية والقبور: يشُد المُتصوفة الرحال إلى القبور ( للتبرك بأهلها أو الطواف حولها أو الذبح عندها ) مخالفين بذلك قول الرسول : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى } [متفق عليه].
ولك أن تتصور ما يقع عند القبور من الشرك والإلتجاء لأهلها أو دعاء من بداخلها؟
الصوفية والاحتفالات: يُقام في كل عام احتفالات تسمى ( الموالد )، فكل جماعة تقيم ( مولد ) خاص بها وبشيخها؟ فمثلاً ( للبدوي ) مولد خاص يزوره في العام ما يقارب ( المليونين ) من... ( المسلمين!؟ ) وهذا والله أمر حقيقي ومن أراد التأكد فليسأل، وسيجد من العجب والأمور التي لا يمكن تصديقها... فقد رفع هؤلاء المتصوفة ( شيوخهم المزعومين! ) إلى درجة يشاركون بها الله.. أحياناً... في تصرفه في الكون؟ وهناك ( مولد ) يقام باسم ( مجلس الصلاة على النبي ). وفيه أشعار تُلقى فيها من الشرك والبدع ما الله به عليم، ومن هذه الأشعار:
المدد يا عريض الجاه المدد *** ويا مُفيض النور على الوجود المدد
يا رسول الله فرج كربنا *** ما رأك الكربُ إلا وشرد
ومن المُسلّم به: أن ( مُفيض النور على الوجود ومُفرج الكروب ) هو الله وحده.
عقيدتهم في إبليس؟ لقد لعن الله إبليس وطرده من رحمته وغضب عليه إلى يوم القيامة، ولكن يأتي هؤلاء المتصوفة ويمدحون إبليس ويُمجدونه؟ والسبب عندهم: ( أنه أكمل العباد وأفضل الخلق توحيداً ) لأنه لم يسجد لمخلوق مثله عندما أمره الله بالسجود لآدم، ولم يسجد إلا لله؟
ونسأل الله أن يحشرهم معه ( إن لم يتوبوا ) ويتركوا خرافاتهم ومعتقداتهم الباطلة.
كُتُبهم: للصوفية كُتب مشهورة، ألفت من قبل ( ساداتها ) قديماً وحديثاً، ومنها على سبيل المثال:
1) الفتوحات المكية ( لابن عربي ): ويحوي من الكفر والشرك والإلحاد ما الله به عليم؟
2) قوت القلوب ( للجوني ).
3) الطواسين ( للحلاج ).(/6)
وهذه الكتب كافية بأن تكون سبباً في الخلود في النار لمن قرأها وعمل بما فيها...؟
خاتمة:
وأخيراً... ما رأيك في أقوالهم واعتقاداتهم ( بعدما قرأته )، هل هذه ( الطُرُق ) جديرة بالاتباع أم بالفضح والتشهير؟
لنتخيل حال المجتمع لو تركت هذه ( الجماعات ) بدون رادع أو رقيب. فهذه ( الطُرُق ) لها أذكار وعبادات... مبتدعة تُمثل بداية الانعزال عن المجتمع، ولو فتح المجال لهم لقاموا بنشر ( أفكار وعقائد هدامة مناقضة للتوحيد ).
فخلاصة القول...
متى ستُفيقون أيها المتصوفة، ولابد أن تعلموا أن هذا الطريق هو طريق الضلال والباطل ولاتجنون من عملكم هذا إلا الخسران في الدنيا والآخرة.
فتوبوا إلا الله وارجعوا قبل أن تقول نفس رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99].
فما عليك أخي إلا الصدق مع الله وستجد العون والتوفيق من الواحد الأحد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/7)
الصوفية
إبراهيم داود الداود
مقدمة - الفرق بين الزهد والتصوف - اشتقاق اسم الصوفية - نشأة الصوفية - العقيدة الصوفية - عقيدة الصوفية في الله تعالى - عقيدة الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم - عقيدة الصوفية في الاولياء - عقيدة الصوفية في الجنة والنار- عقيدة الصوفية في العبادات - شريعة الصوفية في الحلال والحرام - شريعة الصوفية في الحكم والسياسة والحروب - الصوفية في التربية - الخضر عليه السلام في الفكر الصوفي - اذكار الصوفية - عبادة الله بالغناء بدعة يهودية - مظاهر تقديس الاموات في الفكر الصوفي - الكرامات عند الصوفية - معنى الطريقة الصوفية - أوجه اتفاق الطرق الصوفية - نشأة الطرق الصوفية - نماذج من الطرق الصوفية - أهم الشخصيات الصوفية - أقوال الأئمة والعلماء في الصوفية الذين هداهم الله للطريق القويم - بعض كبار الصوفية
--------------------------------------------------------------------------------(/2)
التصوف حركة دينية انتشرت في العالم الاسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو الى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة معروفة باسم الصوفية. ولا شك ان ما يدعو اليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا, انما هي أمور من الاسلام الذي يحث على التمسك بها والعمل من اجلها, ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا اليه الاسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته, فالمتصوفة يتوخون تربية النفس والسمو بها بغية الوصول الى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية. وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركة لأن ظاهرها لا يدل على باطنها, ومن هنا تأتي اهمية طرحنا لهذا الموضوع الذي نجزم انه يستحق اكثر من ذلك لتشعبه وصعوبة الاحاطة باطرافه. فما هي الصوفية ولماذا سميت بهذا الاسم؟ وكيف نشأت؟ ما هي عقيدتهم؟ وما موقف اهل السنة والجماعة منهم؟
ـ يخلط الكثيرون بين الزهد والتصوف ومن هنا كان تأثر الكثيرين بالتصوف, فالزهد ليس معناه هجر المال والاولاد, وتعذيب النفس والبدن بالسهر الطويل والجوع الشديد والاعتزال في البيوت المظلمة والصمت الطويل, وعدم التزوج, لان اتخاذ مثل ذلك نمطا للحياة يعد سلوكا سلبيا يؤدي الى فساد التصور, واختلال التفكير الذي يترتب عليه الانطواء والبعد عن العمل الذي لا يستغني عنه اي عضو فعال في مجتمع ما, كما يؤدي بالأمة الى الضعف والتخلي عن الدور الحضاري الذي ينتظر منها.
من أين اشتق اسم الصوفية؟
لم يتفق الكتاب من المتصوفة وغيرهم في تحديد الأصل الذي يمكن ارجاع اشتقاق لفظ التصوف اليه, ولعل من ابرز ما ذكر عن مسمى التصوف ما يلي:(/3)
[ الصُفة: حيث سموا بذلك نسبة الى اهل الصفة وكان لقبا اعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لم تكن لهم بيوت يؤون اليها فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء فناء ملحق بالمسجد من اجلهم, وهذا يوضح ادعاء المتصوفة بربط التصوف بعصر النبي صلى الله عليه وسلم وانه أقر النواة الصوفية الأولى, مع العلم ان اهل الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس لأجل الزهد الصوفي.
[ الصفاء: ومعناها ان الصوفية صافية من الشرور وشهوات الدنيا, وهذا الاشتقاق غير صحيح لغويا فالنسبة الى الصفاء: صفوي او صفاوي او صفائي وليس صوفيا.
[ الصف الأول: بعض الصوفية ينسبون انفسهم الى الصف الاول من المؤمنين في الصلاة, وهذا التعبير بعيد عن سلامة الاشتقاق اللغوي بالنسبة الى الصف: صفي لا صوفي.
[ بني صوفة: بعضهم ينسبون الصوفية الى بني صوفة وهي قبيلة بدوية كانت تخدم الكعبة في الجاهلية.
[ الصوف: وفي هذا يذهب غالب المتصوفة المتقدمين والمتأخرين الى ان الصوفي منسوب الى لبس الصوف, وحرص معظم الصوفية الى رد اسمهم الى هذا الاصل يفسر تشوفهم الى المبالغة في التقشف والرهبنة وتعذيب النفس والبدن باعتبار ذلك كله لونا من الوان التقرب الى الله. كما يرون ان لبس الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين.
نشأة الصوفية:
لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف في الاسلام ويقال بأن التصوف اول ما ظهر كان في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس, والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة, يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: "ان اول من عرف بالصوفي هو ابوهاشم الكوفي سنة 150هـ" وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث وواصلت الصوفية انتشارها في بلاد فارس ثم العراق ومصر والمغرب, وظهرت من خلالها الطرق الصوفية.
العقيدة الصوفية:(/4)
تختلف العقيدة الصوفية عن عقيدة الكتاب والسنة في امور عديدة من اهمها: مصدر المعرفة الدينية, ففي الاسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن وسنة لكن في التصوف تثبت العقيدة بالالهام والوحي المزعوم للأولياء والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين, وبعروج الروح الى السماوات, وبالفناء في الله, وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم, وبالكشف, وبربط القلب بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث يستمد العلوم منه. واما القرآن والسنة فإن للصوفية فيهما تفسيرا باطنيا حيث يسمونه احيانا تفسير الاشارة ومعاني الحروف فيزعمون ان لكل حرف في القرآن معنى لا يطلع عليه إلا الصوفي المتبحر, المكشوف عن قلبه.
عقيدة الصوفية في الله تعالى:
يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى منها "الحلول" الذي يعني ان يكون الصوفي الها وربا يعلم الغيب كله كما يعلمه الله سبحانه وتعالى حيث ان الهدف الصوفي هو الوصول الى مقام النبوة أولا ثم الترقي حتى يصل الفرد منهم في زعمهم الى مقام الألوهية والربوبية. البسطامي من اعلام القرن الثالث في التصوف ومن أئمة الصوفية يقول: "رفعني مرة فأقامني بين يديه, وقال لي: يا أبايزيد ان خلقي يحبون ان يروك, فقلت: زيني بوحدانيتك, وألبسني انانيتك, وارفعني الى احديتك..." تعالى الله عما يقول علوا كبيرا , وتأكيد الصوفية على القول بالحلول التي جعلتهم يتشبهون بصفات الله جعلهم يصلون في النهاية الى القول "بوحدة الوجود" التي تعني في العقيدة الصوفية انه ليس هناك موجود إلا الله سبحانه وتعالى فليس غيره في الكون, وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية. ويؤمن الصوفية بهذه العقيدة حتى يومنا هذا.
عقيدة الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم:(/5)
يعتقد الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم عقائد شتى فمنهم من يزعم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل الى مرتبتهم وحالهم, وانه كان جاهلا بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي: "خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله" ومنهم من يعظم الرسول صلى الله عليه وسلم الى درجة الوصول الى الألوهية حيث يعتقد البعض من الصوفية ان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون وهو الله المستوي على العرش وان السماوات والارض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره وانه اول موجود وهو المستوي على عرش الله وهذه عقيدة ابن عربي ومن جاء بعده.
عقيدة الصوفية في الاولياء:
يرى الصوفية ان الولي هو: "من يتولى الله سبحانه امره فلا يكله الى نفسه لحظة, ومن يتولى عبادة الله وطاعته, فعبارته تجري على التوالي من غير ان يتخللها عصيان" وحقيقة الولي عند الصوفية انه يسلب من جميع الصفات البشرية ويتحلى بالاخلاق الالهية ظاهرا وباطنا , ويصل الى المساواة مع الله سبحانه وتعالى حيث يعتقد الصوفية في الأولياء بأن لهم القدرة على انزال المطر وشفاء الأمراض واحياء الموتى وحفظ العالم من الدمار. ولا شك ان هناك آثارا خطيرة تترتب على هذه العقيدة من اهمها الوقوع في شرك الربوبية والعياذ بالله.
عقيدة الصوفية في الجنة والنار:(/6)
الصوفية يعتقدون ان طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفا , فالله يعبد لذاته حيث يزعم المتصوفة ان العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله وان يشهد فيها فعل الله لا فعل العبد, وان من شاهد فعله في الطاعة فقد جحد. والصوفية يعتقدون ان طلب الجنة منقصة عظيمة وانه لا يجوز للولي ان يسعى اليها ولا ان يطلبها ومن طلبها فهو ناقص, وانما الطلب عندهم والرغبة في الفناء (المزعوم) في الله, والاطلاع على الغيب والتعريف في الكون.. هذه جنة الصوفي المزعومة. واما النار فإن الصوفية يعتقدون ايضا ان الفرار منها لا يليق بالصوفي الكامل لان الخوف منها طبع العبيد وليس الاحرار.
وقد يظن المسلم في عصرنا الحاضر ان هذه العقيدة في الجنة والنار عقيدة سامية وهي ان يعبد الانسان الله لا طمعا في الجنة ولا خوفا من النار, ولكنها عقيدة غير صحيحة ومخالفة لعقيدة الكتاب والسنة.
الشريعة الصوفية في العبادات:
يعتقد الصوفية ان الصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات العوام وأما هم فيسمون انفسهم الخاصة ولذلك فعباداتهم مخصوصة وان تشابهت ظاهرا . واذا كانت العبادات في الاسلام لتزكية النفس وتطهير المجتمع فإن العبادات في التصوف هدفها ربط القلب بالله تعالى للتلقي عنه مباشرة حسب زعمهم والفناء فيه واستمداد الغيب من الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلق باخلاق الله حتى يقول الصوفي للشيء كن فيكون ويطلع على اسرار الخلق, ولا يهم في التصوف ان تخالف الشريعة الصوفية ظاهر الشريعة الاسلامية, فالحشيش والخمر واختلاط النساء بالرجال في الموالد وحلقات الذكر كل ذلك لا يهم لأن للولي شريعته تلقاها من الله مباشرة.
شريعة الصوفية في الحلال والحرام:
اهل وحدة الوجود في الصوفية لا شيء يحرم عندهم ولذلك كان منهم الزناة واللوطية ومنهم من اعتقد ان الله قد اسقط عنه التكاليف واحل له كل ما حرم على غيره.
شريعة الصوفية في الحكم والسياسة والحروب:(/7)
المنهج الصوفي يرى عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين لأن الله في زعمهم اقام العباد فيما أراد.
منهج الصوفية في التربية:
لعل اخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها وذلك بادخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله ثم بالتلبيس على الشخص ثم الدخول الى علوم التصوف شيئا فشيئا ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج.
الخضر عليه السلام في الفكر الصوفي:
قصة الخضر عليه السلام التي وردت في القرآن في سورة الكهف, حرف المتصوفة معانيها واهدافها ومراميها وجعلوها عمودا من اعمدة العقيدة (الصوفية) وجعلوا هذه القصة دليلا على ان هناك ظاهرا شرعيا, وحقيقة صوفية تخالف الظاهر وجعلوا انكار علماء الشريعة على علماء الحقيقة امرا مستغربا, وجعل الصوفية الخضر عليه السلام مصدرا للوحي والالهام والعقائد والتشريع, ونسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي ابتدعوها الى الخضر وليس منهم صغير او كبير ممن دخل في طريقهم الا وادعى لقيا الخضر والأخذ عنه.
اذكار الصوفية:(/8)
الاذكار الشرعية حظيت بالبيان والتوضيح فلم يترك الرسول مجالا من مجالات الذكر الا وبين الصيغة التي يتعين على المسلم ذكرها, ولكن الصوفية خرقوا كل الضوابط والثوابت الشرعية فشرعوا من عندهم اذكارا وصلوات لم ترد في الشريعة الاسلامية وخير مثال على ذلك افضل ذكر ورد عن النبي "لا اله الا الله" فالصوفية يذكرون اسم الله مفردا بقولهم "الله الله الله" او مضمرا بقولهم "هو, هو, هو" وبعضهم فسر ذلك بقوله اخشى ان تقبض روحي وأنا اقول "لا إله...." ومن الصلوات التي ابتدعها المتصوفة صلاة الفاتح التي تقول: "اللهم صلي على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق, والخاتم لم سبق, وناصر الحق بالحق...." الى آخره من ابتداع الصوفية, وهناك ورد اطلق عليه المتصوفة جوهرة الكمال وهي من أورادهم اللازمة التي لها حكم الفرض العيني ونصه "اللهم صلي وسلم على عين الرحمة الربانية, والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني, ونور الأكوان المتكونة...." الى آخر الخزعبلات التي ليس امام اي مسلم الا أن يحوقل ويسترجع ويتعوذ من المكر "فاللهم لا تمكر بنا".
عبادة الله بالغناء بدعة يهودية:
في المجتمع الصوفي يتفشى ما يسمى بالسماع والتغني بالاشعار مع دق الطبول وهذا يقصد به الصوفية عبادة الله تعالى, ويتضح تأثر الصوفية به الا ان كثيرا من الذين بحثوا في هذا الجانب يؤكدون على ان الصوفية يتأثرون بالسماع من خلال الالحان والاشعار والطبول أكثر من تأثرهم بالقرآن يقول الشعراني: "وكان اذا سمع القرآن لا تقطر له دمعة, واذا سمع شعرا قامت قيامته"..
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية "ولو كان هذا ـ يقصد سماع الاشعارـ وضرب الدفوف كعبادة ـ مما يؤمر به ويستحب وتصلح به القلوب للمعبود لكان ذلك مما دلت الأدلة الشرعية عليه" ويضيف "انما عبادة المسلمين الركوع والسجود اما العبادة بالرقص وسماع الاغاني بدعة يهودية تسربت الى المنتسبين الى الاسلام".(/9)
مظاهر تقديس الاموات في الفكر الصوفي:
ان من ألوان تقديس الأموات والغلو فيهم ان يعتقد ـ وهذا ما يفعله المتصوفة ـ ان الميت وليا كان ام نبيا لابد ان يرجع الى الدنيا, وانه متى ما اراد ان يعود الى بيته عاد وكلم اهله وذويه, وتفقد اتباعه ومريديه, وربما اعطاهم اورادا الى غير ذلك مما يعبر عن عقيدة موغلة في الجهل بعيدة عن عقيدة الاسلام الصافية.
ومظاهر عقيدة الرجعة عند الصوفية تتمثل في اعتقادهم بامكان مقابلة الرسول بعد موته يقظة وانه صلى الله عليه وسلم يحضر بعض اجتماعات الصوفية وانه مازال يعطي بعض المعارف والتشريعات لمن يشاء من العباد.
ويوغل المتصوفة كثيرا في تقديس الاموات وهذا يتضح من خلال تقديس المشاهد والبناء على القبور وتجصيصها واتخاذها مساجد, وقد تساهل المسلمون في ذلك كثيرا حتى نجد انها عمت كثيرا من بلاد المسلمين دون وعي بنتائج ذلك والتي من اهمها: ان تقديس المشاهد والبناء على القبور صار شائعا وكأنه معلم من معالم الدين الاسلامي, وان تقديسها ذريعة الى الشرك, حيث ادى البناء على القبور وتعليتها وتزيينها الى اتخاذها معابد وشرعت لها مناسك كمناسك الحج, كذلك فان تقديس المشاهد اساءة للاسلام عند من لاعلم به بتعاليمه, فنجد ان وسائل الاعلام الحاقدة على الاسلام تنقل وتقدم هذا التقديس على انه صورة الاسلام!! وبالتالي ما الفرق بين عبدة الأوثان والصليبيين وهؤلاء؟ كما يضاف الى نتائج اتخاذ القبور وتقديس المشاهد هو انتشار البطالة في العالم الاسلامي بسبب العكوف على القبور واتخاذها مصدرا اقتصاديا.
الكرامات عند الصوفية:(/10)
ان اول انحراف صوفي يلقاه الباحث عندما يقرأ اي كتاب من كتب التراث الصوفي هو اعتمادهم الكلي على الخوارق, واهتمامهم في مناهجهم على المبالغة في نشر خوارق الشيوخ, وتركيزهم على اختلاق قصص خيالية, واساطير كثيرة بالية ليرفعوا بها ما للشيوخ والأولياء من مكانة ومنزلة في نفوس الاتباع, ويحملوهم على الاذعان لهم وتقديسهم وتعظيمهم لدرجة العبادة فكان من نتائج هذا الاهتمام ان حملوا شيوخهم على طرق كل باب بحثا عن الخوارق لعلمهم ان الصوفي كل ما كان اكثر خوارق واشد اتصافا بالمدهشات كان اعظم عند الناس في باب الولاية والقرب.
ومن الصور الحسية لاهتمام الصوفية بموضوع الكرامات: يقول السراج الطوسي في كتابه اللمع لاثبات الآيات والكرامات: "من زهد في الدنيا اربعين يوما صادقا من قلبه مخلصا في ذلك, ظهرت له الكرامات" ويذكر القشيري في رسالته على خوارق شيوخ الصوفية عندما سرد غرائب احوالهم وقدراتهم على التعرف, والصوفية يبادرون الى نسبة كل غريب صادر من شخص معروف او مجهول بانه كرامة ولي, ويعترفون انهم يعتمدون على الجن في كثير من خوارقهم حيث نقل عن الجنيد ان الجن كانت تؤنسه وتعينه في اسفاره وغيرها.
وانصار الفكر الصوفي لا يتصورون ولاية دون خوارق فقد ركبوا كل صعب وذلول وطرقوا كل باب مسدود, وذهبوا كل مذهب في سبيل نسج القصص واختلاق الروايات, وجمع الاساطير, ظنا منهم بان ذلك جالب للاحترام وموجب للتقديس عند الخاص والعام.
وسوف نستعرض بعضا من كرامات اولياء التصوف المعروفة في كتبهم, وذلك حتى يعلم القارئ الى اي مدى وصل الخيال والدجل بهؤلاء, وكيف ان الحرص على الجاه, وكسب تقديس الآخرين يمكن ان يقضي على الحياء والمروءة وكل القيم.(/11)
يتحدث الشعراني عن أحد الاولياء اذا شاوره انسان في شيء, قال: امهلني حتى اسأل جبريل, ثم يقول له بعد ساعة: افعل او لا تفعل حسب ما يقول له جبريل بزعمه!.. وعن ولي آخر يدعي ان الله لا يحدث شيئا في العالم الا بعد ان يعلمه بذلك على سبيل الاستئذان!.. وهناك ولي آخر من المجاذيب تبعه جماعة من الصبيان يضحكون عليه فقال: ياعزرائيل ان لم تقبض ارواحهم لأعزلنك من ديوان الملائكة, فأصبحوا موتى أجمعين!.. ومن قصصهم المستغربة التي لا تروج الا على الجهلة والمهووسين أن وليا من أوليائهم كان يختم القرآن 360 ألف ختمة في اليوم والليلة! وهذا الكلام لولا أن العقول قد خدرت فكريا وان النفوس قد مسخت وان القلوب قد طبع عليها بخاتم الجهل وقلة الحياء ما كان ليصدق فيدون في كتب الكرامات, فان اليوم والليلة زمن يمتد 24 ساعة اي 1440 دقيقة فاذن 360 الف ختمة ÷ 1440 دقيقة = 250 ختمة في كل دقيقة!! فأين العقول؟!
ومن أعجب كراماتهم المدونة ما يتعلق بحياتهم الخاصة فنجدهم مثلا يتحدثون عن ولي مكث اربعين سنة لم يأكل ولم يشرب, وآخر ينام سبع عشرة سنة! وآخر يقول لعصاه التي يتوكأ عليها: كوني انسانا, فتكون انسانا فيرسلها تقضي له الحوائج ثم تعود كما كانت! وأن أحد أوليائهم امر الشمس بالوقوف فوقفت, حتى قطع المرحلة الباقية من سفره, ثم امرها بالغروب, فغربت واظلم الليل في الحال!
وبالتأكيد اننا لم نقصد حشد ما ذكره هؤلاء في هذا المجال ولكن اردنا الاستشهاد بتلك الأمثلة للتدليل على المخازي التي ابتليت بها امة الاسلام وغزاها اعداؤها في عقر دارها بهذا الفكر الذي سرعان ما حول تلك العقلية الاسلامية الايجابية المبدعة الى عقلية خرافية خامدة مقهورة, فصار المسلمون يعيشون في احلك الظلم, الا من هداه الله للتمسك بالسنة وقليل ماهم.(/12)
ان من المعروف عند المسلمين ان الكرامة لا تكون معصية لله ولا مخالفة للشريعة ولكن اصحاب الفكر الصوفي فلا تنحصر كراماتهم في مجال الطاعات ولا تتقيد بالصالحات, فلا مانع عندهم ان تكون الكرامة خارقة لقواعد الشريعة الاسلامية هاتكة لحرمتها وهناك نماذج لذلك من اهمها: كرامة السرقة والتزوير يقول الدباغ: "ان الولي صاحب التصرف يمد يده الى جيب من شاء فيأخذ منه ما شاء من الدراهم, وذو الجيب لا يشعر" وكرامة الرقص مع الأجنبيات وكرامة مباشرة الاجنبيات والاطلاع على العورات, وكرامة التعري امام الناس ويذكر الشعراني في ترجمة شيخ اسمه ابراهيم العريان لأنه كان يطلع المنبر ويخطب عريانا! وكرامة اعلان الكفر على المنابر!
ولولا انه يوجد في الأمة الاسلامية الى اليوم جماهير تدافع عن الفكر الصوفي وتدعو اليه بحماس لما عرضنا مثل هذه السخافات, ولعل الذي يقف على هذا يدرك قيمة هذا الفكر الذي حقه ان يدفن ولا ينشر!
ان التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحراف عن منهج الله, انه خليط من الفلسفات والافكار البائدة, ولعل تغليب جانب العبادة عندهم ادى في كثير من الاوقات الى عدم الاهتمام بالعلم كما وصفهم به كبار النقاد كابن الجوزي, وهذا البعد عن العلم مع الحرص على العبادة ادى بهم الى ابتداع شعائر وطقوس هي عمدة من جاء بعدهم من اهل التصوف, وقد ادرك اعداء الاسلام ذلك فحاولوا أن يشوهوا الاسلام ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد, ويجعلوا المسلمين يركنون الى السلبية حتى لا تقوم لهم قائمة.
معنى الطريقة الصوفية:(/13)
على الرغم من صعوبة تحديد المراد بالطريقة والوصول لمفهوم موحد لجميع الطرق الصوفية الا اننا سنعرض بعضا من المعاني التي وردت حول الطريقة الصوفية فمنها ان الطريقة الصوفية تعني النسبة او الانتساب الى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول الى رتبة الشيخ المربي ويدعي لنفسه رتبة صوفية من مراتب الأولياء. كما انها تعنى: ان يختار جماعة من المريدين شيخا لهم يسلك بهم رياضة خاصة بهم على دعوى وزعم تصفية القلب لغاية الوصول الى معرفة الله.
كما وصفها الشيخ الجزائري بقوله انها تعني اتصال المريد بالشيخ وارتباطه به حيا أو ميتا وذلك بواسطة ورد من الأذكار يقوم به المريد بإذن من الشيخ أول النهار وآخره, ويلتزم به بموجب عقد بينه وبين الشيخ, وهذا العقد يعرف بالعهد, وصورته ان يتعهد الشيخ بان يخلص المريد من كل شدة ويخرجه من كل محنة متى ناداه مستعينا به, كما يشفع له يوم القيامة في دخول الجنة. ويتعهد المريد بان يلتزم بالورد وآدابه فلا يتركه مدى الحياة كما يلتزم بلزوم الطريقة وعدم استبدالها بغيرها من سائر الطرق.
والتصريح بضمان الجنة للمريد امر مشهور عندهم وهو اكبر من مجرد الشفاعة يوم القيامة . احد مشايخ الصوفية وهو الشيخ التيجاني يقول: وليس لأحد من الرجال ان يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي.(/14)
وهناك تنافس محموم بين الطرق الصوفية لجذب المريدين ولذلك فان كل طريقة تحاول ان يكون لها ذكر خاص تنفرد به عن سائر الطرق, وان يكون لهذا الذكر ميزة خاصة ولكل طريقة مشاعر خاصة من حيث لون العلم والخرقة وطريقة الذكر ونظام الخلوة, والطرق يتوارثها الابناء من الآباء وذلك ان الطريقة التي تستطيع جلب عدد كبير من المريدين والتابعين تصبح بعد مدة اقطاعية دينية تفد الوفود الى رئيسها او شيخها من كل ناحية, وتأتيه الصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان واقيمت الموائد, ولذلك فإن أصحاب الطرق الصوفية اليوم يقاتلون عنها بالسيوف.
والطرق الصوفية وان اختلفت وتباينت فانها تتفق فيما يلي:
* الاحتفال بدخول المريد في الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة, وقد يتطلب بعض الطرق من المريد ان يمضي وقتا شاقا في الاستعداد للدخول.
* التقيد بزي خاص, فلابد أن يكون هناك نوع خاص من الزي يمثل رمز أصحاب الطريقة الذي يلبسونه فيميزهم عن غيرهم.
* اجتياز المريد مرحلة شاقة من الخلوة والصلاة والصيام وغير ذلك من الرياضات.
* الاكثار من الذكر مع الاستعانة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة التي تساعد على الوجد والجذب.
* الاعتقاد في القوى السرية الخارقة للعادة التي يكتسبها المريدون بالمجاهدات وهي القوى التي تمكنهم من أكل الجمر, والتأثير على الثعابين, والإخبار بالمغيبات.
* احترام شيخ الطريقة الى درجة التقديس.
نشأة الطرق الصوفية :
وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني 430هـ أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة, ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي, فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني 561هـ .(/15)
كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي 540هـ , وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية 638هـ , واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية إذ انتشرت الفوضى واختلط الأمر على الصوفية لاختلاط افكار المدارس الصوفية وبدأت مرحلة الدراويش.
نماذج من الطرق الصوفية:
[ الطريقة القادرية وتسمى الجيلانية: أسسها عبدالقادر الجيلاني المتوفى سنة 561هـ , يزعم اتباعه انه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهما, كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب, وإحياء الموتى وتصرفه في الكون حيا أو ميتا , بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال التي منها: من استغاث بي في كربة كشفت عنه, ومن نادني في شدة فرجت عنه ومن توسل بي في حاجة قضيت له.
[ الطريقة الرفاعية: تنسب إلى ابي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ويطق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق, وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في اثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الألوسي "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة مبتدعة الرفاعية, فلا تجد بدعة الا ومنهم مصدرها وعنهم موردها فذكرهم عبارة عن رقص وغناء وعبادة مشايخهم".
[ البدوية: وتنسب الى احمد البدوي 634هـ ولد بفاس, حج ورحل الى العراق, واستقر في طنطا حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, حيث يقام له كغيره من اولياء الصوفية احتفال بمولده سنويا يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل ما يؤدي الى الشرك المخرج من الملة, واتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر, ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية واولاد نوح والشعبية وشارتهم العمامة الحمراء.(/16)
[ الطريقة الدسوقية: تنسب الى ابراهيم الدسوقي 676هـ المدفون بمدينة دسوق في مصر, يدعي المتصوفة انه احد الاقطاب الاربعة الذين يرجع اليهم تدبير الامور في هذا الكون.
[ الطريقة الأكبرية: نسبة الى الشيخ محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر 638هـ, وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر, ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء, والشكر على الرخاء, والرضا بالقضاء.
[ الطريقة الشاذلية: وهي طريقة صوفية تنسب الى ابي الحسن الشاذلي يؤمن اصحابها بجملة الافكار والمعتقدات الصوفية وان كانت تختلف في اسلوب سلوك المريد او السالك وطرق تربيته, اضافة الى اشتهارهم بالذكر المفرد "الله" او مضمرا "هـ", ويفضلون اكتساب العلوم عن طريق الذوق وهو تلقي الارواح للاسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات, كذلك معرفة الله تعالى معرفة يقينية ولا يحصل ذلك الا عن طريق الذوق او الكشف. كما ان من معتقداتهم السماع وهو سماع الاناشيد والاشعار التي قد تصل الى درجة الكفر والشرك كرفع الرسول الى مرتبة ليست موجودة في الكتاب والسنة.
[ الطريقة البكداشية: كان الاتراك العثمانيون ينتمون الى هذه الطريقة, وهي لا تزال منتشرة في البانيا, كما انها اقرب الى التصوف الشيعي, وكان لهذه الطريقة اثر بارز في نشر الاسلام بين الاتراك والمغول.
[ الطريقة المولوية: انشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي 672هـ والمدفون بقونية, اصحابها يتميزون بادخال الرقص والايقاعات في حلقات الذكر, وقد انتشروا في تركيا وغرب آسيا, ولم يبق لهم في الايام الحاضرة الا بعض التكايا في تركيا وحلب وفي بعض اقطار المشرق.
[ الطريقة النقشبندية: تنسب الى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند 791هـ وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند.(/17)
[ الطريقة الملامتية: مؤسسها ابوصالح حمدون بن عمار المعروف بالقصار 271هـ اباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها, وقد اظهر الغلاة منهم في تركيا حديثا بمظهر الاباحية والاستهتار وفعل كل امر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
[ الطريقة التيجانية: طريقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية ويزيدون عليها الاعتقاد بامكانية مقابلة النبي مقابلة مادية واللقاء به لقاء حسيا في هذه الدنيا, وان الرسول قد خصهم بصلاة "الفاتح" التي تحتل لديهم مكانة عظيمة ـ وكنا قد عرضنا لهذه الصلاة أعلى الصفحة ـ هذه الطريقة اسسها ابو العباس احمد التيجاني 1230هـ , الذي ولد بالجزائر ويدعي انه التقى النبي لقاء حسيا ماديا وانه تعلم منه صلاة الفاتح وانها تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة. ويلاحظ على اصحاب هذه الطريقة شدة تهويلهم للامور الصغيرة وتصغيرهم للامور العظيمة على حسب هواهم ما أدى الى ان يفشو التكاسل بينهم لما شاع بينهم من الأجر العظيم على اقل عمل يقومون به, ويرون ان لهم خصوصيات ترفعهم عن مقام الناس الآخرين من أهمها: ان تخفف عنهم سكرات الموت وان الله يظلهم في ظل عرشه وان لهم برزخا يستظلون به وحدهم. واهل هذه الطريقة كباقي الطرق الصوفية يجيزون التوسل بذات النبي , وقد بدأت هذه الطريقة في مدينة فاس وصار لها أتباع في السنغال ونيجيريا وشمال افريقيا ومصر والسودان.(/18)
[ الطريقة الختمية: وهي طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الاخرى في كثير من المعتقدات مثل الغلو في شخص رسول الله وادعاء لقياه واخذ تعاليمهم واورادهم واذكارهم التي تميزوا بها, عنه مباشرة, هذا الى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي واخذهم من ادب الشيعة وجدالهم. وقد اسس هذه الطريقة محمد عثمان الميرغني ويلقب بالختم اشارة الى انه خاتم الاولياء, ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية, كما تسمى الطريقة الميرغنية ربطا لها بطريقة جد المؤسس عبدالله الميرغني المحجوب.. وقد بدأت هذه الطريقة من مكة والطائف, وارست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية, كما عبرت الى السودان ومصر, وتتركز قوة الطريقة من حيث الاتباع والنفوذ الآن في السودان.. وعلى هذا فان الطريقة الختمية طائفة صوفية تتمسك بمعتقدات الصوفية وأفكارهم وفلسفاتهم حيث تبنوا فكرة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي وقالوا بفكرة النور المحمدي, واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية, واسبغوا على الرسول من الاوصاف ما لا ينبغي ان يكون الا لله تعالى, ويدعي مؤسس الطريقة بانه خاتم الأولياء وان مكانته تأتي بعد الرسول , والطريقة الختمية تهتم باقامة الاحتفالات الخاصة باحياء ذكر مولد النبي واقامة ليالي الذكر أو الحولية.(/19)
[ الطريقة البريلوية: وهي فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي بالهند ايام الاستعمار البريطاني وقد اشتهرت بمحبة وتقديس الانبياء والأولياء بعامة, والنبي بخاصة. مؤسس هذه الطريقة هو احمد رضا خان 340هـ ولقد سمى نفسه عبدالمصطفى!, ويعتقد أبناء هذه الطائفة بان الرسول لديه القدرة التي يتحكم بها في الكون, ولقد غالوا في نظرتهم إلى النبي حتى اوصلوه الى قريب من مرتبة الألوهية, يقول احمد رضا خان "اي يا محمد لا استطيع ان اقول لك الله, ولا استطيع ان افرق بينكما, فامرك الى الله هو اعلم بحقيقتك" كما ان هذه الطائفة لديها عقيدة الشهود حيث ان النبي في نظرهم حاضر وناظر لافعال العباد في كل زمان ومكان, كما انهم يشيدون القبور ويعمرونها ويتبركون بها, ويؤمنون بالاسقاط وهي صدقة تدفع عن الميت بمقدار ما ترك من صلاة او صيام او سائر العبادات وهي مقدار صدقة الفطر. وأعظم اعيادهم هو ذكرى المولد النبوي. وهم يكفرون المسلمين لأدنى سبب مثل الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق وشيخ الاسلام ابن تيمية والامام محمد بن عبدالوهاب.
أهم الشخصيات الصوفية :
سنحاول عرض أبرز الشخصيات الصوفية وأكثرها تأثيرا عبر العصور ـ وخصوصا الذين دعوا الى عقيدة الحلول والاتحاد فمن ابرزهم:
* البسطامي (261هـ): هو ابو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي كان جده مجوسيا فاسلم, وهو اول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد بذات الله, يقول د. عبدالرحمن بدوي ـ صوفي معاصر ـ صاحب كتاب تاريخ التصوف الاسلامي: "لقد نصب الله الخلائق بين يدي ابي يزيد وها هي ذا تتحرق الى رؤياه في هذا المقام... لكن لكي يمكنهم ان يروه كان عليه ان يطلب الى الله ان يزين أبا يزيد بوحدانيته ويلبسه انانيته..." وعلى هذا فإن عقيدة البسطامي واضحة فهو اول من سعى في نشر عقيدة الاتحاد بين المسلمين.(/20)
* الحلاج (309هـ): هو الحسين بن منصور الحلاج, صوفي فيلسوف, تبرأ منه سائر الصوفية والعلماء لسوء سيرته ومروقه, وهو يدعي الحلول ومعناه حلول الإله فيه أي الله سبحانه وتعالى وتقدس عما يقول, واستمر الحلاج في نشر فكره الحلولي حتى استفحل امره فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة وبعد ان تيقن السلطان (المقتدر) امره امر بقتله.
* الغزالي (450 ـ 505هـ): ابو حامد محمد بن احمد الطوسي الملقب بحجة الاسلام, ولد بطوس من اقليم خرسان, نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب مثل علم الكلام والفلسفة, والباطنية, والتصوف, وأورثه ذلك حيرة وشكا , ألف عددا من الكتب أهمها تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال, واهمها على الاطلاق احياء علوم الدين, ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة.. ومن جليل اعماله هدمه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية. وفي آخر حياته اقبل على حديث الرسول , وفي هذه المرحلة ألف كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" الذي ذم فيه علم الكلام وطريقته وانتصر لمذهب السلف, ويقال انه رجع عن القول بالكشف وادراك خصائص النبوة,.
* ابن الفارض (566 ـ 632): هو ابو حفص عمر بن علي الحموي الاصل المصري المولد, لقب بشرف الدين, وهو من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود, يقول الشيخ الوكيل "ابن الفارض يزعم انه منذ القدم كان الله, ثم تلبس بصورة النفس.. الخ" ونص شيخ الاسلام ابن تيمية على ان ابن الفارض من اهل الالحاد القائلين بالحلول الاتحاد ووحدة الوجود..(/21)
* ابن عربي (560 ـ 638هـ): وهو ابو بكر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي الطائي الاندلسي, الملقب بالشيخ الاكبر عند الصوفية, رئيس مدرسة وحدة الوجود, يعتبر نفسه خاتم الأولياء, استقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها قبر يزار, طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على ان الانسان وحده من بين المخلوقات يمكن ان تتجلى فيه جميع الصفات الالهية اذ تيسر له الاستغراق في وحدانية الله, وهذا يوضح خطورة آرائه ولذلك فقد اتفق علماء الاسلام شرقا وغربا على ذم ابن عربي وآرائه والبعض منهم يحرم النظر في كتبه.
* ابن سبعين (614 ـ 669هـ): هو قطب الدين ابو محمد عبدالحق بن ابراهيم بن محمد بن سبعين الاشبيلي المرسي, احد الفلاسفة المتصوفة القائلين بوحدة الوجود التي يرى انها تعني ان وجود الحق هو الثابت بدءا , وانه مادة كل شيء, والخلق منبثق منه فائض عنه, ولذا يقول ابن تيمية: ان ابن سبعين وان قال بان الوجود واحد فهو يقول بالاتحاد والحلول من هذا الوجه, لان معنى كلامه ان الحق محل للخلق. ويرى ابن سبعين ان الله هو الوجود كله ولا شيء معه الا علمه, والكائنات هي عين علمه. يقول ابن تيمية "هذا من ابطل الباطل واعظم الكفر والضلال".(/22)
* العفيف التلسماني (610 ـ 690هـ): هو سليمان بن علي الكومي التلمساني, يلقب بعفيف الدين, يقول عنه الذهبي انه احد زنادقة الصوفية, ويقول ابن كثير "وقد نسب هذا الرجل الى عظائم في الاقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض وشهرته تغني عن الاطناب في ترجمته", ومن اقوال التلمساني الشنيعة التي توضح كفره الحوار الذي دار بينه وبين احد شيوخه قال: القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك, ومن اتبع القرآن لم يصل الى التوحيد" وكذلك فان من فكر التلمساني الفاسد ما حكاه شيخ الاسلام من ان الشيرازي قال لشيخه التلمساني ـ وقد مر بكلب اجرب ميت ـ فقال: هذا ايضا من ذات الله؟! فقال: وهل ثم خارج عنه!؟ قال ابن تيمية: هذا من اعظم الكفر. وعلى هذا فان الرجل يعد من رواد وحدة الوجود الكبار, ومن المصنفين المكثرين في تقرير هذه العقيدة الفاسدة ونشرها.
* النابلسي (1050 ـ 1143هـ): هو عبدالغني بن اسماعيل الدمشقي النابلسي الحنفي النقشبندي القادري, آمن بالطريقة النقشبندية الذين يؤمنون بعقيدة الفناء ووحدة الوجود.
أقوال بعض الأئمة والعلماء في الصوفية :
* الامام الشافعي: ادرك بدايات التصوف وكان اكثر العلماء والائمة انكارا عليهم, وقد كان مما قاله في هذا الصدد "لو أن رجلا تصوف اول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق".
* الامام احمد بن حنبل: كان للصوفية بالمرصاد فقد قال فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه وهو الوساوس والخطرات قال احمد: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون وحذر من مجالسة الحارث وقال لصاحب له: لا أرى لك ان تجالسه.
* الامام ابن الجوزي: كتب كتابا سماه "تلبيس ابليس" خص الصوفية بمعظم فصوله وبيَّن تلبيس الشيطان عليهم ما جعلهم يتخبطون في الظلمات.(/23)
* شيخ الإسلام بان تيمية: كان من أعظم الناس بيانا لحقيقة التصوف, وتتبعا لاقوال الزنادقة والملحدين وخاصة ابن عربي والتلمساني وابن سبعين, فتعقب اقوالهم وفضح باطنهم وحذر الامة من شرورهم وقد ذكرنا في هذا الجزء مقاطع مما قاله ابن تيمية.
بعض كبار الصوفية الذين هداهم الله للطريق القويم:
* الدكتور تقي الدين الهلالي: شيخ التوحيد في بلاد المغرب والذي كان صوفيا (تيجانيا) فأكرمه الله بدعوة التوحيد, يقول عن سبب خروجه من الطريقة التيجانية: "لقد كنت في غمرة عظيمة وضلال مبين وكنت أرى خروجي من الطريقة التيجانية كالخروج من الاسلام ولم يكن يخطر لي ببال ان اتزحزح عنها قيد شعرة, وجرت مناظرة حول ادعاء الشيخ التيجاني في انه رأي النبي يقظة, وقد ثبت بطلان ذلك "يمكن الرجوع للمناظرة بكاملها في كتاب (الفكر الصوفي ص 474) وكذلك يذكر انه اجتمع بالشيخ عبدالعزيز بن ادريس واوضح له بطلان الطريقة التيجانية".
* الشيخ عبدالرحمن الوكيل: وكيل جماعة انصار السنة بمصر, صاحب كتاب "هذه هي الصوفية" يقول "كانت لي بالتصوف صلة, وهي صلة العبرة بالمأساة, حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية وتستقبل النفس كل صروف الاقدار بالفرحة الطروب".
ويضيف "ألا فاسمعوها غير هيابة ولا وجلة, واصغوا الى هتاف الحق يهدر بالحق ان التصوف ادنأ وألام كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسوله, انه قناع كل عدو صوفي للدين الحق, فتش فيه تجد برهمية وبوذية, وزرادشتية, ويهودية ونصرانية ووثنية جاهلية..."
وبعد(/24)
ان ما نشاهده اليوم من الصوفية التي عمدت الى تدوين معتقداتها ومناهجها ومن ثم محاولة نشر تلك المعتقدات بشتى الوسائل وخصوصا في عصرنا الحاضر عصر المعلومات والاتصالات فما نشاهده من تكريس لتلك العقيدة والشريعة من خلال طقوسها التي تطالعنا بها الفضائيات وتعج بها الصحف والمجلات على انها من اصول العقيدة والتشريع الاسلامي ما قد يؤدي بالأمة الاسلامية الى التخلف والتقهقر وكيف لها ان تتقدم مع هذه الانحرافات العقدية.. والله من وراء القصد.
للاستزادة حول الصوفية:
(1) الموسوعة الميسرة في الاديان والمذاهب المعاصرة: الندوة العالمية للشباب الاسلامي.
(2) تقديس الاشخاص في الفكر الصوفي ـ محمد لوح ـ رسالة ماجستير منشورة ـ الجامعة الاسلامية.
(3) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ـ عبدالرحمن عبدالخالق.
(4) تاريخ التصوف الاسلامي ـ عبدالرحمن بدوي.
الموضوع أصله من مقالة كتبه ابراهيم داود الداود جريدة الرياض 13 شوال 1421 هـ
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/25)
الصوفية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
التصوُّف حركة(*) دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف(*) والمشاهدة لا عن طريق إتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات(*) الوثنية(*): الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
مقدمة هامة:
• خلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الحسن البصري، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها وسلوكها، بل كانت التسمية الجامعة: المسلمين، المؤمنين، أو التسميات الخاصة مثل: الصحابي، البدري، أصحاب البيعة (*)، التابعي.
لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو (*) العملي التعبُّدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي (*) صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة، ومنها قوله للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم: "لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني".(/2)
وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء بنت نويت التي طوَّقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وأحبُّ العمل إلى الله أدْوَمُه وإن قل).
ـ وهكذا كان عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون، يجمعون بين العلم والعمل، والعبادة والسعي على النفس والعيال، وبين العبادة والجهاد (*)، والتصدي للبدع والأهواء مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة (*) الذكر الجماعي بمسجد الكوفة وقضى عليها، وتصدِّيه لأصحاب معضّد بن يزيد العجلي لما اتخذوا دوراً خاصة للعبادة في بعض الجبال وردهم عن ذلك.
• ظهور العُبّاد: في القرن الثاني الهجري في عهد التابعين وبقايا الصحابة ظهرت طائفة من العباد آثروا العزلة وعدم الاختلاط بالناس فشددوا على أنفسهم في العبادة على نحو لم يُعهد من قبل، ومن أسباب ذلك بزوغ بعض الفتن الداخلية، وإراقة بعض الدماء الزكية، فآثروا اعتزال المجتمع تصوُّناً عما فيه من الفتن، وطلباً للسلامة في دينهم، يضاف إلى ذلك أيضاً فتح الدنيا أبوابها أمام المسلمين، وبخاصة بعد اتساع الفتوحات الإسلامية، وانغماس بعض المسلمين فيها، وشيوع الترف والمجون بين طبقة من السفهاء، مما أوجد ردة فعل عند بعض العباد وبخاصة في البصرة والكوفة حيث كانت بداية الانحراف عن المنهج (*) الأول في جانب السلوك.(/3)
ـ ففي الكوفة ظهرت جماعة من أهلها اعتزلوا الناس وأظهروا الندم الشديد بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وسموا أنفسهم بالتوَّابين أو البكَّائين. كما ظهرت طبقة من العبَّاد غلب عليهم جانب التشدد في العبادة والبعد عن المشاركة في مجريات الدولة، مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة، واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلماً وتعليماً، بالإضافة إلى صدعهم بالحق وتصديهم لأهل الأهواء. كما ظهر فيهم الخوف الشديد من الله تعالى، والإغماء والصعق عند سماع القرآن الكريم مما استدعى الإنكار عليهم من بعض الصحابة وكبار التابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم رضي الله عنهم، وبسببهم شاع لقب العُبَّاد والزُهَّاد والقُرَّاء في تلك الفترة. ومن أعلامهم: عامر بن عبد الله بن الزبير، و صفوان بن سليم، وطلق بن حبيب العنزي، عطاء السلمي، الأسود بن يزيد بن قيس، وداود الطائي، وبعض أصحاب الحسن البصري.
• بداية الانحراف: كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام، فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال: إبراهيم بن أدهم، مالك بن دينار، وبشر الحافي، ورابعة العدوية، وعبد الواحد بن زيد، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج. يقول مالك بن دينار: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب". وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.(/4)
ـ وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيلُه يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإدامة الصلاة، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق.
ـ وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى: (يَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً).
ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام (*)، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر(*)، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول ما بني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين".
• ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها:
ـ البداية والظهور: ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة (*) اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان (*) أهل الكتاب، وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّ به. على أقوال ثلاثة:(/5)
1 ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ قال عنه سفيان: "لولا أبو هاشم ما عُرِفت دقائق الرياء". وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة (*) الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية.
2 ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة (*) الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام.
3 ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم.
ـ وقد تنازع العلماء أيضاً في نسبة الاشتقاق على أقوال كثيرة أرجحها:
1ـ ما رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصُّوف حيث كان شعار رهبان (*) أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية، وبالتالي فقد أبطلوا كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية، مما يبطل محاولة نسبة الصوفية أنفسهم لأهل الصُّفَّة من أصحاب رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم، أو محاولة نسبة الصوفية أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري وسفيان الثوري رضي الله عنهم جميعاً، وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان.(/6)
2ـ الاشتقاق الآخر ما رجحه أبو الريحان البيروني 440هـ وفون هامر حديثاً وغيرهما من أنها مشتقة من كلمة سوف SOPHاليونانية والتي تعني الحكمة. ويدلِّل أصحاب هذا الرأي على صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجري بينما لم تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي. ويضاف إلى الزمان والمكان التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان حيث أفكار وحدة الوجود والحلول (*) والإشراق (*) والفيض (*). كما استدلوا على قوة هذا الرأي بما ورد عن كبار الصوفية مثل السهروردي ـ المقتول ردة ـ بقوله: (وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين وقعت إلى أخي أخميم (ذي النون المصري) ومنه نزلت إلى سيارستري وشيعته (أي سهل التستري) وأضافوا إلى ذلك ظهور مصطلحات أخرى مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة (*)، الموسيقا، الموسيقار، السفسطة (*)، الهيولي.
• طلائع الصوفية: ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي:
• الطبقة الأولى: وتمثل التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس، والبعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته بل وعن عبّاد القرن السابق له، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم ـ مثل الجنيد ـ بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات، ومن أشهر رموز هذا التيار:(/7)
ـ الجنيد: هو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة، ولذلك يعد من أهم الشخصيات التي يعتمد المتصوفة على أقواله وآرائه وبخاصة في التوحيد والمعرفة والمحبة. وقد تأثر بآراء ذي النون النوبي، فهذبها، وجمعها ونشرها من بعده تلميذه الشبلي، ولكنه خالف طريقة ذي النون والحلاّج و البسطامي في الفناء (*)، حيث كان يُؤْثر الصحو (*) على السكر (*) وينكر الشطحات، ويؤثر البقاء على الفناء، فللفَناءِ عنده معنى آخر، وقد أنكر على المتصوفة سقوط التكاليف (*). وقد تأثر الجنيد بأستاذه الحارث المحاسبي الذي يعد أول من خلط الكلام (*) بالتصوف، وبخاله السري السقطي ت 253هـ.
وهناك آخرون تشملهم هذه الطبقة أمثال: أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني ت205هـ، وأحمد بن الحواري، والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطوي الصوفي وقد روى عنه البخاري في صحيحه، والسري بن المغلس السقطي أبوالحسن ت253هـ، سهل بن عبد الله التستري ت273هـ، معروف الكرخي أبو محفوظ 200هـ، وقد أتى من بعدهم ممن سار على طريقتهم مثل: أبي عبد الرحمن السلمي 412هـ محمد بن الحسين الأزدي السلمي، محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبويعلى البصري الصوفي 368هـ شيخ الخطيب البغدادي.
ـ ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة: بداية التمييز عن جمهور المسلمين والعلماء، وظهور مصطلحات (*) تدل على ذلك بشكل مهَّد لظهور الطرق من بعد، مثل قول بعضهم: علمُنا، مذهبنا (*)، طريقنا، قال الجنيد: (علمنا مشتبك مع حديث رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم) وهو انتساب محرم شرعاً حيث يفضي إلى البدعة (*) والمعصية بل وإلى الشرك أيضاً، وقد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يَخرُجَ من ماله، وأن يُقلَّ من غذائه وأن يترك الزواج مادام في سلوكه.(/8)
ـ كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان (*) ونُسَّاك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين. ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي (*) صلى الله عليه وسلم مما سبَّب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف (*) والخوارق وبعض المقولات الكلامية. وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة في مثل: كتب أبو طالب المكي قوت القلوب وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وكتب الحارث المحاسبي. وقد حذر العلماء الأوائل من هذه الكتب لاشتمالها على الأحاديث الموضوعة والمنكرة، واشتمالها على الإسرائيليات وأقوال أهل الكتاب. سئل الإمام أبو زرعة عن هذه الكتب فقيل له: في هذه عبرة ؟ قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة.
• ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب (*) التصوف والقاسم المشترك للمنهج (*) المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها ما يسمونه (الذوق)، والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم، فلم يستطيعوا أن يحموا نهجهم الصوفي من الاندماج أو التأثر بعقائد وفلسفات (*) غير إسلامية، مما سهَّل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها (*) وانحرافها.(/9)
• الطبقة الثانية: خلطت الزهد بعبارات الباطنية (*)، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الوحدة، والفناء (*)، والاتحاد (*)، والحلول (*)، والسكر (*)، والصحو (*)، والكشف (*)، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال، والمقامات، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم مما زاد العداء بينهما، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية، مما زاد في انحرافها، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن.
• ومن أهم أعلام هذه الطبقة: أبو اليزيد البسطامي ت263هـ، ذوالنون المصري ت245هـ، الحلاج ت309هـ، أبوسعيد الخزار 277ـ 286هـ، الحكيم الترمذي ت320هـ، أبو بكر الشبلي 334 هـ وسنكتفي هنا بالترجمة لمن كان له أثره البالغ فيمن جاء بعده إلى اليوم مثل:
ـ ذو النون المصري: وهو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم، قبطي (*) الأصل من أهل النوبة، من قرية أخميم بصعيد مصر، توفي سنة 245 هـ أخذ التصوف عن شقران العابد أو إسرائيل المغربي على حسب رواية ابن خلكان وعبد الرحمن الجامي. ويؤكد الشيعة (*) في كتبهم ويوافقهم ابن النديم في الفهرست أنه أخذ علم الكيمياء عن جابر بن حيان، ويذكر ابن خلكان أنه كان من الملامتية (*) الذين يخفون تقواهم عن الناس ويظهرون استهزاءهم بالشريعة (*)، وذلك مع اشتهاره بالحكمة والفصاحة.(/10)
ويعدُّه كُتَّاب الصوفية المؤسسَ الحقيقي لطريقتهم في المحبة والمعرفة، وأول من تكلم عن المقامات والأحوال في مصر، وقال بالكشف (*) وأن للشريعة (*) ظاهراً وباطناً. ويذكر القشيري في رسالته أنه أول من عرَّف التوحيد بالمعنى الصوفي، وأول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وأنه أول من استعمل الرمز في التعبير عن حاله، وقد تأثر بعقائد الإسماعيلية الباطنية (*) وإخوان الصفا (*) بسبب صِلاته القوية بهم، حيث تزامن مع فترة نشاطهم في الدعوة إلى مذاهبهم (*) الباطلة، فظهرت له أقوال في علم الباطن، والعلم اللدني، والاتحاد (*)، وإرجاع أصل الخلق إلى النور المحمدي، وكان لعلمه باللغة القبطية (*) أثره على حل النقوش والرموز المرسومة على الآثار القبطية في قريته مما مكَّنه من تعلم فنون التنجيم (*) والسحر والطلاسم الذي اشتغل بهم. ويعد ذو النون أول من وقف من المتصوفة على الثقافة اليونانية، ومذهب (*) الأفلاطونية الجديدة، وبخاصة ثيولوجيا أرسطو في الإلهيات، ولذلك كان له مذهبه الخاص في المعرفة والفناء (*) متأثراً بالغنوصية (*).
ـ أبو يزيد البسطامي: طيفور بن عيسى بن آدم بن شروسان، ولد في بسطام من أصل مجوسي (*)، وقد نسبت إليه من الأقوال الشنيعة ؛ مثل قوله: (خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح فيّ: يا من أنت أنا، فقد تحققت بمقام الفناء في الله)، (سبحاني ما أعظم شأني) ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعده من أصحاب هذه الطبقة ويشكك في صدق نسبتها إليه حيث كانت له أقوال تدل على تمسكه بالسنة، ومن علماء أهل السنة والجماعة (*) من يضعه مع الحلاج والسهروردي في طبقة واحدة.(/11)
ـ الحكيم الترمذي: أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين الترمذي المتوفى سنة 320ه أول من تكلم في ختم الولاية وألف كتاباً في هذا أسماه ختم الولاية كان سبباً لاتهامه بالكفر وإخراجه من بلده ترمذ، يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: "تكلم طائفة من الصوفية في "خاتم الأولياء" وعظَّموا أمره كالحكيم الترمذي، وهو من غلطاته، فإن الغالب على كلامه الصحة بخلاف ابن عربي فإنه كثير التخليط). [ مجموع الفتاوى [1/363] وينسب إليه أنه قال: "للأولياء (*) خاتم كما أن للأنبياء (*) خاتماً"، مما مهد الطريق أمام فلاسفة الصوفية أمثال ابن عربي وابن سبعين وابن هود والتلمساني للقول بخاتم الأولياء (*)، وأن مقامه يفضل مقام خاتم الأنبياء (*).
• الطبقة الثالثة:
وفيها اختلط التصوف بالفلسفة (*) اليونانية، وظهرت أفكار الحلول (*) والاتحاد (*) ووحدة الوجود، على أن الموجود الحق هو الله وما عداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض (*) والإشراق (*) على يد الغزالي والسهروردي. وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت به مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية. ومن أشهر رموز هذه الطبقة: الحلاج ت309هـ، السهروردي 587هـ، ابن عربي ت638هـ، ابن الفارض 632هـ، ابن سبعين ت 667 هـ.
ـ الحلاَّج: أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244 ـ 309هـ ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي، ونشأ في واسط بالعراق، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين، رمي بالكفر (*) وقتل مصلوباً لتهم أربع وُجِّهت إليه:
1ـ اتصاله بالقرامطة.
2ـ قوله "أنا الحق".
3ـ اعتقاد أتباعه ألوهيته.
4ـ قوله في الحج، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها.(/12)
كانت في شخصيته كثير من الغموض، فضلاً عن كونه متشدداً وعنيداً ومغالياً، له كتاب الطواسين الذي أخرجه وحققه المستشرق الفرنسي ماسنيون.
• يرى بعض الباحثين أن أفراد الطائفة في القرن الثالث الهجري كانوا على علم باطني واحد، منهم من كتمه ويشمل أهل الطبقة الأولى بالإضافة إلى الشبلي القائل: (كنت أنا والحسين بن منصور ـ الحلاج ـ شيئاً واحداً إلا أنه أظهر وكتمت)، ومنهم من أذاع وباح به ويشمل الحلاج وطبقته فأذاقهم الله طعم الحديد، على ما صرَّحت به المرأة وقت صلبه بأمر من الجنيد حسب رواية المستشرق الفرنسي ماسنيون.
• ظهور الفرق:
وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهمي الصوفي الإيراني 357 ـ 430 هـ تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي أوّل هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة.
• يعتبر القرن الخامس امتداداً لأفكار القرون السابقة، التي راجت من خلال مصنفات أبي عبد الرحمن السلمي، المتوفى 412هـ والتي يصفها ابن تيمية بقوله: (يوجد في كتبه من الآثار الصحيحة والكلام المنقول ما ينتفع به في الدين (*)، ويوجد فيه من الآثار السقيمة والكلام المردود ما يضر من لا خيرة له، وبعض الناس توقف في روايته) [ مجموع الفتاوى 1/ 578 ]، فقد كان يضع الأحاديث لصالح الصوفية.
• · ما بين النصف الثاني من القرن الخامس وبداية السادس في زمن أبي حامد الغزالي الملقَّب بحجَّة الإسلام ت505هـ أخذ التصوف مكانه عند من حسبوا على أهل السنة (*). وبذلك انتهت مرحلة الرواد الأوائل أصحاب الأصول غير الإسلامية، ومن أعلام هذه المرحلة التي تمتد إلى يومنا هذا:(/13)
ـ أبو حامد الغزالي: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي 450 ـ 505هـ ولد بطوس من إقليم خراسان، نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب (*) مثل: علم الكلام (*) والفلسفة (*)، والباطنية (*)، والتصوف، مما أورثه ذلك حيرة وشكًّا دفعه للتقلُّب بين هذه المذاهب الأربعة السابقة أثناء إقامته في بغداد، رحل إلى جرجان ونيسابور، ولازم نظام الملك، درس في المدرسة النظامية ببغداد، واعتكف في منارة مسجد دمشق، ورحل إلى القدس ومنها إلى الحجاز ثم عاد إلى موطنه. وقد ألف عدداً من الكتب منها: تهافُت الفلاسفة، والمنقذ من الضلال، وأهمها إحياء علوم الدين. ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف (*) في المعرفة، التي تسلمت راية التصوف من أصحاب الأصول الفارسية إلى أصحاب الأصول السنية، ومن جليل أعماله هدمُه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية في كتابه المستظهري أو فضائح الباطنية. ويحكي تلميذه عبد الغافر الفارسي آخرَ مراحل حياته، بعدما عاد إلى بلده طوس، قائلاً: (وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ اللذين هما حجة الإسلام) ا. هـ. وذلك بعد أن صحب أهل الحديث في بلده من أمثال: أبي سهيل محمد بن عبد الله الحفصي الذي قرأ عليه صحيح البخاري، والقاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي الذي سمع عليه سنن أبي داود [طبقات السبكي 4 / 110].
ـ وفي هذه المرحلة ألف كتابه إلجام العوام عن علم الكلام الذي ذم فيه علم الكلام (*) وطريقته، وانتصر لمذهب (*) السلف ومنهجهم (*) فقال: (الدليل على أن مذهب السلف هو الحق: أن نقيضه بدعة (*)، والبدعة مذمومة وضلالة، والخوض من جهة العوام في التأويل (*) والخوض بهم من جهة العلماء بدعة مذمومة، وكان نقيضه هو الكف عن ذلك سنة محمودة) ص[96].(/14)
ـ وفيه أيضاً رجع عن القول بالكشف (*) وإدراك خصائص النبوة (*) وقواها، والاعتماد في التأويل (*) أو الإثبات على الكشف الذي كان يراه من قبل غاية العوام.
• يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني، المتوفى سنة 561ه ، وقد رزق بتسعة وأربعين ولداً، حمل أحد عشر منهم تعاليمه ونشروها في العالم الإسلامي، ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ رغم عدم لقائه بالحسن البصري، كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب، وإحياء الموتى، وتصرفه في الكون حيًّا أو ميتاً، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة. ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه: "قدمي هذه على رقبة كل ولي (*) لله"، وكان يقول: "من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي في حاجة قضيت له)، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية.
ـ يقول السيد محمد رشيد رضا: "يُنقل عن الشيخ الجيلاني من الكرامات وخوارق العادات ما لم ينقل عن غيره، والنقاد من أهل الرواية لا يحفلون بهذه النقول إذ لا أسانيد لها يحتج بها" [دائرة المعارف الإسلامية11/171].(/15)
• كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ت 540ه ويطلق عليها البطائحية نسبةً إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق، وينسج حوله كُتَّاب الصوفية ـ كدأبهم مع من ينتسبون إليهم ـ الأساطير والخرافات، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية. ومن هذه الأقوال: (كان قطب الأقطاب (*) في الأرض، ثم انتقل إلى قطبية السماوات، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال) [طبقات الشعراني ص141، قلادة الجواهرص42].
ـ وقد تزوج الرفاعي العديد من النساء ولكنه لم يعقب، ولذلك خلفه على المشيخة من بعده علي بن عثمان ت584ه ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604ه، ولأتباعه أحوال وأمور غريبة ذكرها الحافظ الذهبي ثم قال: "لكن أصحابه فيهم الجيد والرديء".
ـ وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة (*) السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587ه، صاحب مدرسة الإشراق (*) الفلسفية التي أساسها الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر، ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة (*) والتعطيل (*) والقول بالفلسفة (*) الإشراقية مما حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره (*) وزندقته فأمر بقتله ردة، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض (*) أو الظهور المستمر. ومن كتبه: حكمة الإشراق (*)، هياكل النور، التلويحات العرشية، والمقامات.
• تحت تأثير تراكمات مدارس الصوفية في القرون السالفة أعاد ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، بعثَ عقيدة الحلاج، وذي النون المصري، والسهروردي.
• في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقِّب بالشيخ الأكبر.(/16)
ـ محيي الدين ابن عربي: الملقب بالشيخ الأكبر 560-638ه رئيس مدرسة وحدة الوجود، يعتبر نفسه خاتم الأولياء (*)، ولد بالأندلس، ورحل إلى مصر، وحج، وزار بغداد، واستقر في دمشق حيث مات ودفن، وله فيها الآن قبر يُزار، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلّى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله، وله كتب كثيرة يوصلها بعضهم إلى 400 كتاب ورسالة ما يزال بعضها محفوظاً بمكتبة يوسف أغا بقونية ومكتبات تركيا الأخرى، وأشهر كتبه: روح القدس (*)، وترجمان الأشواق (*) وأبرزها: الفتوحات المكية وفصوص الحكم.
ـ أبو الحسن الشاذلي 593-656ه: صاحبَ ابن عربي مراحل الطلب ـ طلب العلم ـ ولكنهما افترقا حيث فضّل أبو الحسن مدرسة الغزالي في الكشف (*) بينما فضل ابن عربي مدرسة الحلاج وذي النون المصري، وقد أصبح لكلتا المدرستين أنصارهما إلى الآن داخل طرق الصوفية، مع ما قد تختلط عند بعضهم المفاهيم فيهما، ومن أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي ت656ه أبو العباس ت686ه، وإبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي ت675ه. ويلاحظ على أصحاب هذه المدرسة إلى اليوم كثرة اعتذارها وتأويلها (*) لكلام ابن عربي ومدرسته.
• وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت672هـ.(/17)
أصبح القرن الثامن والتاسع الهجري ما هو إلا تفريع وشرح لكتب ابن عربي وابن الفارض وغيرهما، ولم تظهر فيه نظريات جديدة في التصوف. ومن أبرز سمات القرن التاسع هو اختلاط أفكار كلتا المدرستين. وفي هذا القرن ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية ت791هـ. وكذلك القرن العاشر ما كان إلا شرحاً أو دفاعاً عن كتب ابن عربي، فزاد الاهتمام فيه بتراجم أعلام التصوف، والتي اتسمت بالمبالغة الشديدة. ومن كتّاب تراجم الصوفية في هذا القرن: عبد الوهاب الشعراني ت 973ه صاحب الطبقات الصغرى والكبرى.
• وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية، وانتشرت الفوضى بينهم، واختلطت فيهم أفكار كلتا المدرستين وبدأت مرحلة الدراويش.
ـ ومن أهم ما تتميز به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها. وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعرف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر.
من أشهر رموز القرون التأخرة:
ـ عبد الغني النابلسي 1050-1143ه.
ـ أبو السعود البكري المتوفى 1812م أول من عرف بشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر بشكل غير رسمي.
ـ أبو الهدى الصيادي الرفاعي 1220-1287هـ.(/18)
ـ عمر الفوتي الطوري السنغالي الأزهري التيجاني ت 1281ه، ومما يحسن ذكره له أنه اهتم بنشر الإسلام بين الوثنيين (*)، وكوَّن لذلك جيشاً، وخاض به حروباً مع الوثنيين، واستولى على مملكة سيغو وعلى بلاد ماسينه. ومن مؤلفاته: سيوف السعيد، سفينة السعادة، رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم.
ـ محمد عثمان الميرغني ت1268ه. ستأتي ترجمة له في مبحث الختمية.
ـ أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، فقيه متفلسف، من أهل فاس بالمغرب، أسس الطريقة الكتانية 1290-1327ه، انتقد عليه علماء فاس بعض أقواله ونسبوه إلى فساد الاعتقاد. ومن كتبه: حياة الأنبياء، لسان الحجة البرهانية في الذب عن شعائر الطريقة الأحمدية الكتانية.
ـ أحمد التيجاني ت1230ه. ستأتي ترجمة له في مبحث التيجانية.
ـ حسن رضوان 1239-1310ه صاحب أرجوزة روض القلوب المستطاب في التصوف.
ـ صالح بن محمد بن صالح الجعفري الصادقي 1328-1399ه انتسب إلى الطريقة الأحمدية الإدريسية بعد ما سافر إلى مصر والتحق بالأزهر، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ حبيب الله الشنقيطي، والشيخ يوسف الدجوي، ومن كتبه: الإلهام النافع لكل قاصد، القصيدة التائية، الصلوات الجعفرية.
الأفكار والمعتقدات:
• مصادر التلقي:
ـ الكشف (*): ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف، بل تحقيق غاية عبادتهم، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية منها:
1ـ النبي (*) صلى الله عليه وسلم: ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً.
2ـ الخضر عليه الصلاة السلام: قد كثرت حكايتهم عن لقياه، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية، وكذلك الأوراد، والأذكار والمناقب.(/19)
3ـ الإلهام: سواء كان من الله تعالى مباشرة، وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدون أن الولي (*) يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى حيث أخذه الملك الذي يوحي (*) به إلى النبي (*) أو الرسول (*).
4ـ الفراسة: التي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها.
5ـ الهواتف: من سماع الخطاب من الله تعالى، أو من الملائكة، أو الجن الصالح، أو من أحد الأولياء (*)، أو الخضر، أو إبليس، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن.
6ـ الإسراءات والمعاريج: ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي، وجولاتها هناك، والإتيان منها بشتى العلوم والأسرار.
7ـ الكشف الحسي: بالكشف (*) عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر.
8 ـ الرؤى والمنامات: وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها حيث يزعمون أنهم يتلقَّون فيها عن الله تعالى، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية.
• الذوق: وله إطلاقان:
1 ـ الذوق العام الذي ينظم جميع الأحوال والمقامات، ويرى الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال إمكان السالك أن يتذوَّق حقيقة النبوة، وأن يدرك خاصيتها بالمنازلة.
2ـ أما الذوق الخاص فتتفاوت درجاته بينهم حيث يبدأ بالذوق ثم الشرب.
ـ الوجد: وله ثلاثة مراتب:
1 ـ التواجد.
2 ـ الوجد.
3 ـ الوجود.
ـ التلقي عن الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأشياخ المقبورين.
• تتشابه عقائد الصوفية وأفكارهم وتتعدد بتعدد مدارسهم وطرقهم ويمكن إجمالها فيما يلي:
ـ يعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى، منها الحلول (*) كما هو مذهب (*) الحلاج، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق، ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريدية في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته.(/20)
ـ والغلاة (*) منهم يعتقدون في الرسول (*) صلى الله عليه وسلم أيضاً عقائد شتى، فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله". ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خُلقت من نوره، وأنه أول موجود ؛ وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه. ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة (*).
ـ وفي الأولياء (*) يعتقد الصوفية عقائد شتى، فمنهم من يفضِّل الولي على النبي (*)، ومنهم يجعلون الولي مساوياً لله في كل صفاته، فهو يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويتصرف في الكون. ولهم تقسيمات للولاية، فهناك الغوث، والأقطاب، والأبدال(*) والنجباء (*) حيث يجتمعون في ديوان لهم في غار حراء كل ليلة ينظرون في المقادير. ومنهم من لا يعتقد ذلك ولكنهم أيضاً يأخذونهم وسائط بينهم وبين ربهم سواءً كان في حياتهم أو بعد مماتهم.
وكل هذا بالطبع خلاف الولاية في الإسلام التي تقوم على الدين (*) والتقوى، وعمل الصالحات، والعبودية الكاملة لله والفقر إليه، وأن الولي لا يملك من أمر نفسه شيئاً فضلاً عن أنه يملك لغيره، قال تعالى لرسوله: (قُل إنّي لا أملِكُ لكم ضَرًّا ولا رَشَداً) [الجن:21].
ـ يعتقدون أن الدين شريعة وحقيقة، والشريعة هي الظاهر من الدين وأنها الباب الذي يدخل منه الجميع، والحقيقة هي الباطن الذي لا يصل إليه إلا المصطفون الأخيار.
ـ التصوف في نظرهم طريقة وحقيقة معاً.
ـ لابد في التصوف من التأثير الروحي الذي لا يأتي إلا بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه.(/21)
ـ لابد من الذكر والتأمل الروحي وتركيز الذهن في الملأ الأعلى، وأعلى الدرجات لديهم هي درجة الولي.
ـ يتحدث الصوفيون عن العلم الَّلدُنّي الذي يكون في نظرهم لأهل النبوة (*) والولاية (*)، كما كان ذلك للخضر عليه الصلاة والسلام، حيث أخبر الله تعالى عن ذلك فقال: (وعلَّمناهُ من لَدُنَّا عِلْماً).
ـ الفناء (*): يعتبر أبو يزيد البسطامي أول داعية في الإسلام إلى هذه الفكرة، وقد نقلها عن شيخه أبي علي السندي حيث الاستهلاك في الله بالكلية، وحيث يختفي نهائيًّا عن شعور العبد بذاته ويفنى المشاهد فينسى نفسه وما سوى الله، ويقول القشيري: الاستهلاك بالكلية يكون (لمن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الغبار لا عيناً ولا أثراً ولا رسماً) "مقام جمع الجمع" وهو: "فناء العبد عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق".
إن مقام الفناء حالة تتراوح فيها تصورات السالك بين قطبين متعارضين هما التنزيه (*) والتجريد من جهة والحلول (*) والتشبيه (*) من جهة أخرى.
• درجات السلوك:
ـ هناك فرق بين الصوفي والعابد والزاهد إذ أن لكل واحد منهم أسلوباً ومنهجاً وهدفاً.
وأول درجات السلوك حبُّ الله ورسوله، ودليله الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم الأسوة الحسنة: (لَقد كانَ لكُم في رَسُولِ الله أُسوةٌ حَسَنةٌ).
ثم التوبة: وذلك بالإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، وإبراء صاحبها إن كانت تتعلق بآدمي.
ـ المقامات: "هي المنازل الروحية التي يمر بها السالك إلى الله فيقف فترة من الزمن مجاهداً في إطارها حتى ينتقل إلى المنزل الثاني" ولابد للانتقال من جهاد (*) وتزكية. وجعلوا الحاجز بين المريد وبين الحق سبحانه وتعالى أربعة أشياء هي: المال، والجاه، والتقليد (*)، والمعصية.(/22)
ـ الأحوال: "إنها النسمات التي تهب على السالك فتنتعش بها نفسه لحظات خاطفة ثم تمر تاركة عطراًً تتشوق الروح للعودة إلى تنسُّم أريجه". قال الجنيد: "الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم".
والأحوال مواهب، والمقامات مكاسب، ويعبِّرون عن ذلك بقولهم: (الأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود).
ـ الورع: أن يترك السالك كل ما فيه شبهة، ويكون هذا في الحديث والقلب والعمل.
ـ الزهد: وهو يعني أن تكون الدنيا على ظاهر يده، وقلبه معلق بما في يد الله. يقول أحدهم عن زاهد: (صدق فلان، قد غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده على ظاهره). قد يكون الإنسان غنيًّا وزاهداً في ذات الوقت إذ أن الزهد لا يعني الفقر، فليس كل فقير زاهداً، وليس كل زاهد فقيراً، والزهد على ثلاث درجات:
1 ـ ترك الحرام، وهو زهد العوام.
2 ـ ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.
3 ـ ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى، وهو زهد العارفين.
ـ التوكل: يقولون: التوكل بداية، والتسليم واسطة، والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية، ويقول سهل التستري: "التوكل: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد".
ـ المحبة: يقول الحسن البصري ت110ه: ( فعلامة المحبة الموافقة للمحبوب والتجاري مع طرقاته في كل الأمور، والتقرب إليه بكل صلة، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه).
ـ الرضا: يقول أحدهم:(الرضا بالله الأعظم، هو أن يكون قلب العبد ساكناً تحت حكم الله عز وجل) ويقول آخر: (الرضا آخر المقامات، ثم يقتفي من بعد ذلك أحوال أرباب القلوب، ومطالعة الغيوب، وتهذيب الأسرار لصفاء الأذكار وحقائق الأحوال).
ـ يطلقون الخيال: لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يصل السالك إلى اليقين وهو على ثلاث مراتب:
1 ـ علم اليقين: وهو يأتي عن طريق الدليل النقلي من آيات وأحاديث (كلاَّ لَوْ تَعلمُونَ عِلمَ اليَقين). [ سورة التكاثر:5].(/23)
2ـ عين اليقين: وهو يأتي عن طريق المشاهدة والكشف (*): (ثمَّ لَتَرونَّها عَينَ اليقين) [سورة التكاثر:7].
3ـ حق اليقين: وهو ما يتحقق عن طريق الذوق: (إنَّ هذا لهو حقُّ اليَقين فسبِّح باسمِ ربِّك العظيم) [سورة الواقعة:95،96].
- وأما في الحكم والسلطان والسياسة فإن المنهج (*) الصوفي هو عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين لأن الله في زعمهم أقام العباد فيما أراد.
ـ ولعل أخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها، وذلك بإدخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس، ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله، ثم بالتلبيس على الشخص، ثم بالرزق إلى علوم التصوف شيئاً فشيئاً، ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج.
• مدارس الصوفية:
ـ مدرسة الزهد: وأصحابها: من النُّسَّاك والزُّهَّاد والعُبَّاد والبكَّائين، ومن أفرادها: رابعة العدوية، وإبراهيم بن أدهم، ومالك بن دينار.
ـ مدرسة الكشف (*) والمعرفة: وهي تقوم على اعتبار أن المنطق العقلي وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات، إذ يتطور المرء بالرياضة النفسية حتى تنكشف عن بصيرته غشاوة الجهل وتبدو له الحقائق منطبقة في نفسه تتراءى فوق مرآة القلب، وزعيم هذه المدرسة: أبو حامد الغزالي.
ـ مدرسة وحدة الوجود: زعيم هذه المدرسة محيي الدين بن عربي: ( وقد ثبت عن المحققين أنه ما في الوجود إلا الله، ونحن إن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به، فما ظهر من الوجود بالوجود إلا الحق، فالوجود الحق وهو واحد، فليس ثم شيء هو له مثل، لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متماثلان).(/24)
ـ مدرسة الاتحاد (*) والحلول (*): وزعيمها: الحلاج، ويظهر في هذه المدرسة التأثر بالتصوف الهندي والنصراني، حيث يتصور الصوفي عندها أن الله قد حل (*) فيه وأنه قد اتحد (*) هو بالله، فمن أقوالهم: (أنا الحق) و (ما في الجبة إلا الله) وما إلى ذلك من الشطحات التي تنطلق على ألسنتهم في لحظات السكر (*) بخمرة الشهود على ما يزعمون.
• طرق الصوفية:
ـ الجيلانية: تنسب إلى عبد القادر الجيلاني 470 ـ 561ه المدفون في بغداد، حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرُّك به، اطلع على كثير من علوم عصره، وقد نسب أتباعه إليه كثيراً من الكرامات (*)، على نحو ما ذكرنا من قبل.
ـ الرفاعية: تنسب إلى أحمد الرفاعي 512-580ه من بني رفاعة أحد قبائل العرب، و جماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في إثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الألوسي في غاية الأماني في الرد على النبهاني: (وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين (*) والدولة: مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة (*) إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها، فذكرهم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم. وأعمالهم عبارة عن مسك الحيات) 1/370.
وتتفق الرفاعية مع الشيعة (*) في أمور عدة منها: إيمانهم بكتاب الجفر (*)، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر، وأن أحمد الرفاعي هو الإمام الثالث عشر، بالإضافة إلى مشاركتهم الحزن يوم عاشوراء. وغير ذلك.
هذا رغم ما ورد عن شيخ طريقتهم ـ الشيخ أحمد الرفاعي ـ من الحض الشديد على السنة واجتناب البدعة ومنها قوله: (ما تهاون قوم بالسنة وأهملوا قمع البدعة إلا سلط الله عليهم العدو، و ما انتصر قوم للسنة وقمعوا البدعة وأهلها إلا رزقهم هيبة من عنده ونصرهم وأصلح شأنهم).
وللرفاعية انتشار ملحوظ في غرب آسيا.(/25)
ـ البدوية: وتنسب إلى أحمد البدوي596-634ه ولد بفاس، حج ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا حتى وفاته، وله فيها ضريح مقصود، حيث يقام له كغيره من أولياء الصوفية احتفال بمولده سنويًّا يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل ، وبعضه من الشرك المخرج من الملة. وأتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر، ولهم فيها فروع كالبيُّومية والشنَّاوية وأولاد نوح والشعبية، وشارتهم العمامة الحمراء.
ـ الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي 633-676ه المدفون بمدينة دسوق في مصر، يدعي المتصوفة أنه أحد الأقطاب الأربعة الذين يرجع إليهم تدبير الأمور في هذا الكون !!
ـ الأكبرية: نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي، وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر، ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرضا بالقضاء.
ـ الشاذلية: نسبة إلى أبي الحسين الشاذلي 593-656ه ولد بقرية عمارة قرب مرسية في بلاد المغرب، وانتقل إلى تونس، وحج عدة مرات، ثم دخل العراق ومات أخيراً في صحراء عيذاب بصعيد مصر في طريقه إلى الحج، قيل عنه: ( إنه سهّل الطريقة على الخليقة) لأن طريقته أسهل الطرق وأقربها، فليس فيها كثير مجاهدة، انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب، وأهل مدينة مخا يدينون له بالتقدير والاعتقاد العميق في ولايته، وانتشرت طريقته كذلك في مراكش وغرب الجزائر وفي شمال أفريقيا وغربها بعامة.
ـ البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة، وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني، وقد كان لهذه الطريقة أثر بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول، وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم.(/26)
ـ المولوية: أنشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ت672ه والمدفون بقونية، أصحابها يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية، ولم يبق لهم في الأيام الحاضرة إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب وفي بعض أقطار المشرق.
ـ النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه نقشبند 618-691ه وهي طريقة سهلة كالشاذلية، انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية.
ـ الملامتية: مؤسسها أبوصالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار ت271ه أباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها، وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثاً بمظهر الإباحية والاستهتار وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
ـ وهناك طرق كثيرة غير هذه: كالقنائية، والقيروانية، والمرابطية، والبشبشية، والسنوسية، والمختارية، والختمية … وغيرها، ولاشك أن كل هذه الطرق بدعية.
• شطحات الصوفية:
سلك بعضهم طريق تحضير الأرواح (*) معتقداً بأن ذلك من التصوف، كما سلك آخرون طريق الشعوذة والدجل، وقد اهتموا ببناء الأضرحة وقبور الأولياء (*) وإنارتها وزيارتها والتمسُّح بها، وكل ذلك من البدع (*) التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ـ يقول بعضهم بارتفاع التكاليف ـ إسقاط التكاليف (*) ـ عن الولي (*)، أي أن العبادة تصير لا لزوم لها بالنسبة إليه، لأنه وصل إلى مقام لا يحتاج معه إلى القيام بذلك، ولأنه لو اشتغل بوظائف الشرع وظواهره انقطع عن حفظ الباطن وتشوش عليه بالالتفات عن أنواع الواردات الباطنية إلى مراعاة الظاهر.
ـ ويُنقل عن الغزالي انتقاده لمن غلبه الغرور، ويعدِّد فرقهم:
1 ـ فرقة اغتروا بالزي والهيئة والمنطق (*).
2ـ وفرقة ادعت علم المعرفة، ومشاهدة الحق، ومجاوزة المقامات والأحوال .(/27)
3ـ وفرقة وقعت في الإباحة، وطووا بساط الشرع، ورفضوا الأحوال، وسووا بين الحلال والحرام.
4ـ وبعضهم يقول: الأعمال بالجوارح لا وزن لها وإنما النظر إلى القلوب، وقلوبنا والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله، وإنما نخوض في الدنيا بأيدينا، وقلوبنا عاكفة في الحضرة الربوبية، فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب.
ـ ومذهب الوحدة المطلقة لم يكن له وجود في الإسلام بصورته الكاملة قبل ابن عربي، فهو الواضع لدعائمه والمؤسس لمدرسته والمفضل لمعانيه ومراميه، وله فصوص الحكم والفتوحات المكية وغيرهما.
ـ أما الحلاج فيعتبر صاحب مدرسة الاتحاد (*) والحلول (*)، وله أقوال منها:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا بَدَنا
فإذا أبصرتني أبصرته *** وإذا أبصرته أبصرتنا
وقوله:
مزجت روحك في روحي كما *** تمزج الخمرة في الماء الزلال
فإذا مسَّك شيء مسني *** فإذا أنت أنا في كل حال
ـ يستخدم الصوفيون لفظ ( الغوث والغياث ) وقد أفتى ابن تيمية كما جاء في كتاب مجموع الفتاوى ص 437: (فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله، فهو غوث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل).
ـ لقد أجمعت كل طرق الصوفية على ضرورة الذكر، وهو عند النقشبندية لفظ الله مفرداً، وعند الشاذلية لا إله إلا الله، وعند غيرهم مثل ذلك مع الاستغفار والصلاة على النبي، وبعضهم يقول عند اشتداد الذكر: هو هو، بلفظ الضمير. وفي ذلك يقول ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى ص 229: (وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً فلا أصل له، فضلاً عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين، بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات، وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد).(/28)
ويقول في ص 228 أيضاً: (من قال: يا هو يا هو، أو هو هو، ونحو ذلك، لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوره القلب، والقلب قد يهتدي وقد يضل).
ـ قد يأتي بعض المنتسبين إلى التصوف بأعمال عجيبة وخوارق، وفي ذلك يقول ابن تيمية ص 494: (وأما كشف الرؤوس، وتفتيل الشعر، وحمل الحيات، فليس هذا من شعار أحد من الصالحين، ولا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا شيوخ المسلمين، ولا من المتقدمين، ولا من المتأخرين، ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي، وإنما ابتُدع هذا بعد موت الشيخ بمدة طويلة).
ـ ويقول أيضاً في ص 504: (وأما النذر للموتى من الأنبياء (*) والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم فهو نذرُ شركٍ ومعصية لله تعالى).
ـ وفي ص 506 من نفس الكتاب: (وأما الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشايخ والملوك وغيرهم فإنه منهي عنه).
ـ ويقول في ص 505 من نفس الكتاب أيضاً: (وأما مؤاخاة الرجال والنساء الجانب وخلوتهم بهن، ونظرهم إلى الزينة الباطنة، فهذا حرام باتفاق المسلمين ، ومن جعل ذلك من الدين فهو من إخوان الشياطين).
ـ وفي مقام الفناء (*) عن شهود ما سوى الرب ـ وهو الفناء عن الإرادة ـ يقول ابن تيمية ص337 من كتابه: (وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق، أو سبحاني، أو ما في الجنة إلا الله، إذا فنى بمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، وفي مثل هذا المقام يقع السكر (*) الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشق الصور. ويُحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليه فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال المحرمة، بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل أمراً محرماً. وكما أنه لا جناح عليهم فلا يجوز الاقتداء بهم ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون في التكاليف الظاهرة).(/29)
ـ أما في مقام الفناء (*) عن وجود السوي فيقول ص337 من الكتاب أيضاً: (الثالث: فناء وجود السوي، بمعنى أنه يرى الله هو الوجود وأنه لا وجود لسواه، لا به ولا بغيره، وهذا القول للاتحادية الزنادقة (*) من المتأخرين كالبلياني والتلمساني والقونوي ونحوهم، الذين يجعلون الحقيقة أنه غير الموجودات وحقيقة الكائنات، وأنه لا وجود لغيره، لا بمعنى أن قيام الأشياء به ووجودها به لكنهم يريدون أنه عين الموجودات، فهذا كفر (*) وضلال).
• تجاوزات بعض المنتسبين إلى الصوفية في الوقت الحاضر:
ـ من أبرز المظاهر الشركية التي تؤخذ على الصوفية ما يلي:
1 ـ الغلو (*) في الرسول.
2 ـ الحلول (*) والاتحاد (*).
3 ـ وحدة الوجود.
4ـ الغلو في الأولياء.
5ـ الادعاءات الكثيرة الكاذبة، كادعائهم عدم انقطاع الوحي (*) وما لهم من المميزات في الدنيا والآخرة.
6ـ ادعاؤهم الانشغال بذكر الله عن التعاون لتحكيم شرع الله (*) والجهاد (*) في سبيله، مع ما كان لقلة منهم من مواقف طيبة ضد الاستعمار.
7ـ كثيراً ما يتساهل بعض المحسوبين على التصوف في التزام أحكام الشرع.
8ـ طاعة المشايخ والخضوع لهم، والاعتراف بذنوبهم بين أيديهم، والتمسح بأضرحتهم بعد مماتهم.
9ـ تجاوزات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، في هيئة ما يسمونه الذكر، وهو هزّ البدن والتمايل يميناً وشمالاً، وذكر كلمة الله في كل مرة مجرَّدة، والادعاء بأن المشايخ مكشوفٌ عن بصيرتهم، ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم، ودعاؤهم بمقامهم عند الله في حياتهم وبعد مماتهم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ـ إن المجاهدات الصوفية إنما ترجع إلى زمن سحيق في القدم من وقت أن شعر الإنسان بحاجة إلى رياضة نفسه ومغالبة أهوائه.(/30)
ـ لا شك أن ما يدعو إليه الصوفية من الزهد، والورع والتوبة والرضا … إنما هي أمور من الإسلام، وأن الإسلام يحثُّ على التمسك بها والعمل من أجلها، ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا إليه الإسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات لهذه المصطلحات (*) مخالفة لما كان عليه الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته.
لكن الذي وصل إليه بعضهم من الحلول (*) والاتحاد (*) والفناء (*)، وسلوك طريق المجاهدات الصعبة، إنما انحدرت هذه الأمور إليهم من مصادر دخيلة على الإسلام كالهندوسية والجينية والبوذية والأفلاطونية والزرادشتية والمسيحية (*). وقد عبر عن ذلك كثير من الدارسين للتصوف منهم:
ـ المستشرق ميركس، يرى أن التصوف إنما جاء من رهبانية (*) الشام.
ـ المستشرق جونس يرده إلى فيدا الهنود.
ـ نيكولسون، يقول بأنه وليدٌ لاتحاد الفكر اليوناني والديانات (*) الشرقية، أو بعبارة أدق: وليد لاتحاد الفلسفة (*) الأفلاطونية الحديثة والديانات المسيحية والمذهب (*) الغنوصي (*).
ـ إن السقوط في دائرة العدمية بإسقاط التكاليف (*) وتجاوز الأمور الشرعية إنما هو أمر عرفته البرهمية حيث يقول البرهمي: (حيث أكون متحداً مع برهماً لا أكون مكلفاً بعمل أو فريضة).
ـ قول الحلاج في الحلول، وقول ابن عربي في الإنسان الكامل يوافق مذهب النصارى في عيسى عليه السلام.
ـ لقد فتح التصوفُ المنحرفُ باباً واسعاً دخلت منه كثير من الشرور على المسلمين مثل التواكل، والسلبية، وإلغاء شخصية الإنسان، وتعظيم شخصية الشيخ، فضلاً عن كثير من الضلالات والبدع (*) التي تُخرج صاحبها من الإسلام.
الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشر التصوف على مدار الزمان وشمل معظم العالم الإسلامي، وقد نشأت فرقهم وتوسعت في مصر والعراق وشمال غرب أفريقيا، وفي غرب ووسط وشرق آسيا.(/31)
لقد تركوا أثراً في الشعر والنثر وفنون الغناء والإنشاد، وكانت لهم آثار في إنشاء الزوايا والتكايا.
لقد كان للروحانية الصوفية أثر في جذب الغربيين الماديين إلى الإسلام، ومن أولئك مارتن لنجز الذي يقول: (إنني أوروبي وقد وجدت خلاص روحي ونجاتها في التصوف). على أن اهتمام الغربيين ومراكز الاستشراق في الجامعات الغربية والشرقية بالتصوف يدعو إلى الريبة، فبالإضافة إلى انجذاب الغربيين إلى روحانية التصوف وإعجابهم بالمادة الغزيرة التي كتبت عن التصوف شرحاً وتنظيراً، فإن هناك أسباباً أخرى لاهتمام المستشرقين والمؤسسات الأكاديمية والغربيين بصفة عامة بالتصوف، من هذه الأسباب:
ـ إبراز الجانب السلبي الاستسلامي الموجود في التصوف وتصويره على اعتبار أنه الإسلام.
ـ موافقة التصوف للرهبانية (*) المسيحية (*) واعتباره امتداداً لهذا التوجه.
ـ ميل منحرفي المتصوفة إلى قبول الأديان (*) جميعاً، واعتبارها وسيلة للتربية الروحية، وقد وُجِد في الغرب من يعتبر نفسه متصوفاً، ويستعمل المصطلحات (*) وبعض السلوكيات الإسلامية دون أن يكون مسلماً، وذلك من بين أتباع اليهودية والمسيحية والبوذية وغيرها من الأديان.
ـ تجسيم الصراع بين فقهاء الإسلام ومنحرفي المتصوفة على أنها هي السمة الغالبة في العقيدة والفقه الإسلاميين.
ـ تراجعت الصوفية وذلك ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ولم يعد لها ذلك السلطان الذي كان لها فيما قبل، وذلك بالرغم من دعم بعض الدول الإسلامية للتصوف كعامل مُثبِّط لتطلعات المسلمين في تطبيق الإسلام القائم على دعوة الكتاب والسنة .
ويتضح مما سبق:(/32)
أن التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحرافٌ عن منهج (*) الزهد الذي يحضّ الإسلام سلوكَ سبيله والمقترن بالعلم والعمل والجهاد (*) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفع الأمة ونشر الدين (*). ولذا رفضه الرسول (*) الكريم من بعض أصحابه، ثم زاد هذا الانحراف عندما اختلط التصوف بالفلسفات (*) الهندية واليونانية والرهبانية (*) النصرانية في العصور المتأخرة، وتفاقم الأمر عندما أصبحت الصوفية تجارة للمشعوذين والدجالين ممن قلت بضاعتهم في العلم وقصر سعيهم عن الكسب الحلال. وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك فحاولوا أن يُشوِّهوا الإسلام من الداخل من خلال التصوف، ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد التي يمتاز بها الإسلام، ويجعلوا المسلمين يركنون إلى السلبية حتى لا تقوم لهم قائمة.
---------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
- جهود علماء السلف في الرد على الصوفية - د محمد الجوير - مكتبة الرشد .
- دراسة عن عبدالقادر الجيلاني - الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني .
ـ التصوف الإسلامي، أحمد توفيق عياد، الأنجلو المصرية، 1970م.
ـ المنقذ من الضلال لحجة الإسلام الغزالي، مع أبحاث في التصوف، د. عبد الحليم محمود، مطبعة حسان، القاهرة.
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية، المجلد 11 عن التصوف، والمجلد 10 عن السلوك، طبعة 1398هـ.
ـ الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا. د. حسن عيسى عبد الظاهر، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود، 1401هـ ـ 1981م.
ـ نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، د. عرفان عبد الحميد فتاح، المكتب الإسلامي، بيروت، 1394هـ/1974م.
ـ في التصوف الإسلامي وتاريخه، أبو العلا عفيفي.
ـ الصوفية الإسلامية، نيكلسون، ترجمة شريبة.
ـ إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، دار إحياء الكتب العربية، 1957م.
ـ الفتوحات المكية، للشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن عربي، بيروت، دار صادر، بلا تاريخ.(/33)
ـ كتاب الطواسين للحلاج، نشرة لويس ماسنيون، باريس 1913م.
ـ أخبار الحلاج، نشرة لو. م سيراب، نوينسان س ش.
ـ ديوان الحلاج، نشرة لويس ماسنيون، باريس 1931م.
ـ كتاب اللمع، لأبي نصر السراج الطوسي، تحقيق د. عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة، مصر 1960م.
ـ الرسالة القشيرية، لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة 1957م.
ـ في التصوف الإسلامي وتاريخه، أرنولد رينولدز نيكلسون، مجموع مقالات ترجمها الدكتور أبو العلا عفيفي، القاهرة 1947م.
ـ المذاهب الصوفية ومدارسها، عبد الحكيم عبد الغني قاسم.
ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق.
ـ المصادر العامة للتلقي عند الصوفية، عرضاً ونقداً، صادق سليم صادق.
ـ أبو حامد الغزالي والتصوف، عبد الرحمن دمشقية.
ـ دراسات حول التصوف، إحسان إلهي ظهير.
ـ الصوفية، محمد العبدة، طارق عبد الحليم.
ـ المذاهب والأفكار في التصور الإسلامي، محمد الحسن.
ـ دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة، عبد الله الأمين.
ـ التصوف والأدب، زكي مبارك، د. عبد الرحمن بدوي.
ـ تاريخ التصوف، د. عبد الرحمن بدوي.
المراجع الأجنبية:
- Nicholson. R. A Studies in Islamic Mysticism. Combridge 1961.
- Spencer Trimingham. T. The sufi Orders of Islam. Oxford 1971.
- Arberry. A.J. An Introduction to the History of Sufism. Oxford 1942.
- Nicholson: Literary History of the Arabs.
- Macdonald: Development of Moslem Theology.
- Sufism: An Account of the Mystics of Islam, London 1956.
- Fazlur Rahman: Islam, London 1966.
- Encyclopedia of Religion and Ethics 1908. the Articles: Soul-Pantheism sufis.
- Encyclopedia of Islam the New Edition the Articles: Al-Hallja-ibn-Arabi Al-Bistami-Asceticism.(/34)
فرق ومذاهب
مذاهب وفرق
الملل والنحل
مواقع اسلامية(/35)
الصوفية [من] ركائز الاستعمار .. ؟
يقول "الشعراني" ، وهذا النقل من "كتاب التصوف الإسلامي 2/301 نقلاً عن البحر المرود ص292"
( لقد أخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيفما دار ، ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم ، ولو كان في أمور الدنيا وولايتها ، كل ذلك أدباً مع الله عز وجل الذي رفعهم، فإنه لم يرفع أحداً إلا لحكمة هو يعلمها) انتهى
أليس هذا القول من أقوال المجبرة ، فأين هم إذن ممن نعى الله عليهم. وقال: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا قالوا وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها قل أن الله لا يأمر بالفحشاءِ ، أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط} ، وأين من قول رسول الله الكريم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))
وننقل من نفس الكتاب [ للدكتور زكي مبارك] :
(هناك كثير من الطرق ثابرت على انحرافها عن الطريق السوي فكانت أروع انقياداً للمستعمرين من الزنوج الوثنين.
قال الرئيس [فيليب قونداس] من المستعمرين الفرنسيين: لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في أفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية ، وأكثر تفهماً وانتظاماً من الطرق الوثنية التي تعرف باسم [بيليدو، وهاجون] أو من بعض كبار الكهان أو السحرة السود) انتهى كلام الدكتور زكي مبارك.
وفي كتاب [تاريخ العرب الحديث والمعاصر] تحت عنوان "المتعاونون مع فرنسا في الجزائر" :
(وتتألف هذه الفئة من بعض الشباب الذين تثقفوا في المدارس الفرنسية ، وقضى الاستعمار على كل صلة لهم بالعروبة ، ويضاف إليهم بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين أشاعوا الخرافات والبدع ، وبثوا روح الانهزامية والسلبية في النضال فاستخدمهم الاستعمار كجواسيس) ص372.
يقول [الدكتور عمر فروخ] :(/1)
(يقول الصوفية:إذا سلط الله على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم أرادة الله أو أن يتأفف منها)
لا ريب أن الأوربيين قد عرفوا في الصوفية هذا المعتقد فاستغلوه في أعمالهم ، فقد ذكر الزعيم الوطني مصطفى كامل المصري في كتابه [المسألة الشرقية] قصة غريبة عن سقوط القيروان قال:
(ومن الأمور المشهورة عن الاحتلال الفرنسي للقيروان في تونس أن رجلاً فرنسياً دخل الإسلام وسمى نفسه "سيد أحمد الهادي" ، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية ، وعين إماماً لمسجد كبير بالقيروان ، فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها ، وجاءوا يسألونه أن يستشير الضريح الذي في المسجد ودخل "سيدي أحمد الهادي" الضريح ، ثم خرج يقول: أن الشيخ ينصحكم بالتسليم ، لأن وقوع البلاد صار محتماً ، فاتبع القوم كلمته. ودخل الفرنسيون آمنين في 26 أكتوبر سنة 1881 )
ثم يعقب الدكتور "عمر فروخ" بقوله:
( من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين لا يبخلون بالمال أو التأييد بالجاه للطرق الصوفية ، وكل مندوب سامي أو نائب الملك ، لابد أنه يقدم شيخ الطرق الصوفية في كل مكان ، وقد يشترك المستعمر إمعاناً في المداهنة في حلقات الذكر..!
والطريقة التيجانية التي كانت تسيطر على الجزائر أيام الاستعمار ، معروف أنها كانت تستمد وجودها من فرنسا ، وأن إحدى الفرنسيات من عميلات المخابرات تزوجت شيخاً فلما مات تزوجت بشقيقه ، وكان الاتباع يطلقون عليها "زوجة السيدين" ويحملون التراب الذي تمشي عليه لكي يتيمموا به ، وهي كاثوليكية ما زالت على شركها ، وقد أنعمت عليها فرنسا بوسام الشرق ، وجاء في أسباب منحها الوسام ، أنها كانت تعمل على تجنيد مريدين يحاربون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص.. )
ومن كتاب [في التصوف] لمحمد فهر شقفة السوري ص217 يقول:(/2)
(ونرى من واجبنا خدمة للحقيقة والتاريخ أن تذكر أن الحكومة الفرنسية في زمن الانتداب على سورية حاولت نشر هذه الطريقة ، واستأجرت بعض الشيوخ لهذه المهمة ، فقدمت لهم المال والمكان لتنشئة جيل يميل إلى فرنسا ؛ لكن مجاهدي المغرب لفتوا انتباه المخلصين من أهل البلاد إلى خطر الطريقة التيجانية ، وأنها فرنسية استعمارية تتستر بالدين ، فهبت دمشق عن بكرة أبيها في مظاهرات صاخبة)
من كتاب [الصوفية .. والوجه الآخر] للدكتور محمد جميل غازي رحمه الله
نقلها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(/3)
الصوفية وقصة العتبي
قصة العتبي التي تروى في تفسير قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً )
قصة ضعيفة ساقطة لم يثبتها أحد ممن أوردها بل صنيع بعضهم يدل على ضعفها كصاحب المغني والشرح الكبير و ابن كثير وهي مروية عن العتبي وعن محمد بن حرب الهلالي وعن أبي الحسن الزعفراني وعن علي بن أبي طالب بإسناد موضوع كما حقق ذلك ابن عبد الهادي وكلهم يرويها عن أعرابي أنه أتى إلى القبر فقرأ الآية فرأى العتبي في المنام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه وقال له الحق بذاك الأعرابي وأخبره أن الله قد غفر له بشفاعتي " وهذا منام لا يحتج به والأعرابي مجهول لا حجة في فعله لو صح الإسناد إليه كيف و إسناد القصة لا تقوم به الحجة .
وهذه الآية وردت في قوم مخصوصين وهم الذين لم يرضوا بحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس هناك لفظ عام لا من جهة الآتي ولا الذي يؤتى إليه حتى يقال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وأما من جهة الذي يؤتى إليه فإن اللفظ العام على زعم من قال بالعموم لا يتناول إلا ما كان من أفراده والمجيء إلى القبر ليس من أفراد المجيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا قيل أن المقصود المجيء إليه في حياته الدنيوية والبرزخية ولما كان المجيء إليه في حياته البرزخية يستلزم المجيء إلى القبر قلنا بذلك فيقال دون إثبات المجيء في حياته البرزخية خرط القتاد .(/2)
وكذلك لو صح حمل الآية على العموم لصح ذلك في قوله تعالى " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات " الآية . بل هو أولى لأن الاسم الموصول " الذين " من ألفاظ العموم ولا قائل أن مناداة الزائر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله السلام عليك يارسول الله يدخل في معنى الآية .
وكذلك قوله تعالى " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " الآية . فلو صح الاستدلال بالآية المذكورة على المجيء إلى قبر النبي لكان هنا من باب أولى ولا أحد يقول بهذا .
كما أن ذلك القول فيه مصادمة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا تتخذوا قبري عيدا " لأنه حينئذ سيكون عيدا للمذنبين كلما أذنبوا .
وأما من احتج على مطلق إتيان قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله " أن وسيلة القربة المتوقفة عليها قربة "
فيقال أن هذه القاعدة غير مطردة لأن هنالك من القرب ما يكون وسيلتها أمر محرم أحيانا فالسفر إلى غير المساجد الثلاثة ليس بقربة مع أن الصلاة بالمسجد قربة فلو أراد أحد أن يسافر لأجل أن يصلي بقباء لأجل أن الصلاة به قربه لكان مأزورا غير مأجورا .
ويقال لمن يحتج بالآية على شرعية المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر في الآية أن استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون بعد المجيء فهل لهم أن يثبتوا وقوع هذا الاستغفار ودون هذا خرط القتاد ولا يصلح أن يحتجوا بالنصوص العامة التي فيها استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين ولا باستغفاره عقب عرض الأعمال عليه فإنه لا يصح ولو صح فالمطلوب استغفار عقب المجيء لا قبله .(/3)
ولو صح قولهم في الاستدلال بالآية لكان هذا فيه نسب التقصير إلى سلف هذه الأمة لأنه ما ثبت عن أحد منهم أنه كان يأتي القبر بعد الذنب بل لم تثبت الزيارة عن أحد من الصحابة إلا ما ندر كما ثبت عن ابن عمر وكان ذلك فقط إذا أتى من سفر بل جاء عن بعض التابعين كالإمام مالك التزهيد فيها لما تؤدي إليه من الغلو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتخاذ قبره عيدا وقد ثبت نهيه عن ذلك .
فعن أبو إسحاق إبراهيم بن سعد قال : ما رأيت أبي يأتي قبر النبي قط وكان يكره إتيانه وهذا عبيد الله بن عمر العمري يقول : ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك غير ابن عمر . وعندما قيل للإمام مالك إن أناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يقفون على القبر فيصلون عليه ويسلمون فقال : لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع و لا يصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها .
_______________________________
(* المرجع " صيانة الإنسان " للسهسواني )
وكتبه : أبو رائد المالكي
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
الأولياء ومنهاج الكرامة بين أهل السنة وأهل الضلالة
استجابة لأحد القراء الكرام لصفحة (الصوفية في ميزان الشريعة) بالموقع الجامع [صيد الفوائد] بأن تُبيّن عقيدتنا أهل السنة والجماعة، في موضوع الكرامة، وكنت قد تصفحت سفراً جامعاً لأحد علماء الحبشة، في مجموعه الخالد [مجموع رسائل الجامي في العقيدةِ والسُّنة]، حول موضوعات شتى في العقيدة، ومنها ما يخص جوانب البلية في ديار الحبشة، وبالأخص الطرقية الصوفية، فسل قلمه لبيان الحق وإبطال الباطل في موضوع الأولياء والكرامات بكتاب ضُم إلى مجموعه بعنوان [تصحيح المفاهيم في جوانب من العقيدة] وهي ضمن الملحق، فاجتزأتُ منها الفصل الذي يَخُصُنا الحديث عنه، وإجابة لطلب الأخ الواصل المواصل معنا عبر موقعكم [صيد الفوائد]، وقد عنونت لهذا الجزء بالعنوان السابق [الأولياء ومنهاج الكرامة بين أهل السنة وأهل الضلالة]، وأذكر بأنها محاضرة ارتجالية ألقاها الشيخ وفرغت وطبعت، سائلاً المولى أن يوفق الجميع للالتزام بالهدي النبوي، ومجانبة الشطح والغلو، فديننا وسط، لا إفراط ولا تفريط، فالله الله بالسنة، وصلى الله على الهادي البشير والسراج المنير إمام المتبعين والمعتدلين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم.
أعده:
أبو عمر الدوسري (المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
--------------------------------------------------------------------------------
يقول المدرس بالحرم النبوي العلامة الدكتور محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله تعالى- تحت عنوان [الأولياء] :(/2)
الأولياء جمع ولي. والولي من تولى الله أمره وخصه بعنايته لصلاحه لأن الله يتولى الصالحين ويحب المؤمنين ويدافع عنهم {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، وفي الحديث القدسي: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب)) .
ويعتبر الصلاح والتقوى من العناصر الأساسية في الولاية ومن مستلزماتها: العلم ونعني بالعلم معرفة الله بأسمائه وصفاته وآلائه جملة وتفصيلاً ومعرفة شرعه الذي جاء به رسوله المصطفى ونبيه المرتضى عليه الصلاة والسلام وقد تولى القرآن الكريم تعريف الأولياء بما لا يترك مجالاً للتردد أو التساؤل أو التوقف: {ومن أصدق من الله حديثاً} إذ يقول الله عزَّ وجل: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون} ويقول أيضاً: {إن أولياؤه إلا المتقون} وقد حصر القرآن –كما ترى- الأولياء فيمن يتصفون بصفة التقوى. والتقوى تستلزم العلم والمعرفة –كما قلنا- لأن حقيقة التقوى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات خوفاً من عذاب الله وسخطه وتطلعاً إلى رضائه وجنته وكرامته، ولا يتم ذلك إلا بالفقه في الدين. فالخير كله في الفقه في الدين، كما أن الشر كله في الجهل بالدين والإعراض عنه. يقول الرسول الكريم في هذا المعنى: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ولا يخفى على طالب علم المفهوم المخالف للحديث. وهو أن مَنْ لم يرزق الفقه في الدين قد فاته الخير. وماذا بعد الخير إلا الشر؟.(/3)
هكذا بين الكتاب والسنة صفات أولياء الرحمن التي منها: العلم والمعرفة والإصلاح والتقوى. وذلك يعني أن الأولياء هم العلماء العاملون والفقهاء المبرزون، حملة كتاب الله المتبعون لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لنخلص إلى القول بأن الله لم يتخذ ولياً جاهلاً يجهل دينه وما جاء به نبيه عليه الصلاة والسلام لنقضي بذلك على الزعم الشائع بين كثير من الناس أن الأولياء هم أولئك الجهال المخادعون من الكهنة والمشعوذين من السحرة أحياناً الذين يسحرون أعين الناس ثم يتظاهرون بفعل أشياء مثيرة، وهم في الواقع لم يفعلوا شيئاً, وكثير من أولئكم الكهنة يستخدمون الشياطين أو على الأصح تستخدمهم الشياطين لتوحي إليهم. وقد تأتي لهم بأموال مسروقة فتطن العامة أنهم من أولياء الرحمن ما يخبرون به أو ما يأتي إليهم من الأموال من قبيل الكرامات وأنى لهم الكرام؟ بل الإهانة أولى بهم. حقاً ‘نهم مهانون إذ حرموا ولاية الله والأنس به ووقعوا في أسر عدو الله الشيطان فأصبحوا أولياءَه {ومن يهن الله فما له من مكرم}.
والذي أريد أن أصل إليه أنه لا تلازم بين الولاية وبين ظهور الأمور الخارقة للعادة. وفي هذا المعنى يحكى عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: "لو رأيتم رجلاً يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، لا تقبلوا منه دعوى الولاية حتى تعرضوا أعماله على الكتاب والسنة" أو كلام هذا معناه. يعني الإمام الشافعي رحمه الله أن ظهور الأمور الخارقة للعادة ليس من مستلزمات الولاية؛ بل قد لا تظهر تلك الأمور على أيدي كثير من أولياء الرحمن لأنها ليست من صنع الأولياء. وإنما هي من فعل الرب تعالى الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقد تظهر تلك الأمور على أيدي أُناس غير صالحين كما سبقت الإشارة إلى هذا المعنى وكما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله مفصلاً.(/4)
وبالجملة فإن من رزق الفقه في الدين يدرك تماماً أن باب الولاية أوسع مما يظنه كثير من العوام وأشباه العوام الذين ضيقوا مفهوم الولاية؛ بل غيروه فحصروا الولاية في بيوت معينة أو أشخاص معينين، يتظاهرون بالدروشة، وخفة العقل، ومبادئ الجنون أحياناً ويهذون هذيان وربما أخبروا الناس في مكان الضالة وعن بعض الحوادث التي تقع في أماكن بعيدة عن أماكن وجودهم بواسطة شياطينهم التي تنقل إليهم الأخبار من أماكن بعيدة صادقة أو كاذبة هذا هو مفهوم الولاية عندهم ولا يخفى وجه خطأ هذا المفهوم، وقد استغل القوم جهل العوام فأثبتوا لأنفسهم منصباً ورائياً يرثه الأبناء عن الآباء فينتقل إلى الأبناء بطريقة أوتوماتيكية (تلقائية)، لأن القاعدة تقول كل من كان أبوه ولياً لا بد أن يكون ولياً ولا محالة. لأن الولاية عندهم غير مقيدة بقيود مكتسبة كالعلم والصلاح والتقوى؛ بل إن واقعهم على العكس من ذلك إذ يتصفون بالجهل والجرأة على الله والخروج على شرعه والابتداع في دينه وكراهة أوليائه وأهل طاعته من العلماء العاملين والدعاة الغيورين.
أقسام الأولياء
يتضح لنا مما تقدم أن الأولياء ينقسمون إلى قسمين:
1- أولياء الرحمن الذين تقدم الحديث عنهم وتولى القرآن تعريفهم وهم الذين تولى الله أمرهم ووفقهم وتفضل عليهم بالكرامات التي من أعظم أنواعها معرفة الحق وإتباعه والاستقامة التي تنتهي بالعبد إلى دار الكرامة (الجنة) نسأل الله من فضله.
2- أولياء الشيطان الذين وثقوا صلتهم بالشيطان ونظموا معه حياتهم بعد أن قطعوا صلتهم بالله أو ضعفت على الأقل إذ لا يقع العبد في ولاية الشيطان وحزبه مع قوة صلته بربه أبداً. والله المستعان.
وكما أن أولياء الرحمن تتفاوت درجاتهم عند الله، كذلك يتفاوت أولياء الشيطان في بعدهم عن الله، وذلك أمر معروف بحيث لا يحتاج إلى دليل.
الأمور الخارقة للعادة على أيدي أولياء الشيطان(/5)
وقد أوضحنا فيما تقدم ألا ملازمة بين الولاية وبين الأمور الخارقة للعادة وأنها قد تظهر على أيدي غير الصالحين، وبقي أن نعرف حقيقة تلك الأمور، فهي تنقسم إلى قسمين من حيث الحقيقة والكنه:
1- قسم يجريه الرب سبحانه على أيديهم استدراجاً يستدرجهم بها ليزدادوا إثماً على إثمهم عقوبة لهم على جريمتهم جريمة عبادة الشيطان وطاعته واتخاذه ولياً من دون الله، يستدرجهم من حيث لا يعلمون ويملي لهم ومن يراها أنها من الكرامات فهو إما جاهل أو متجاهل مغالط لحاجة في نفسه.
2- القسم الثاني: ما يجري على أيدي بعضهم من قبيل السحر، وقد أثبتت التجربة أن كثيراً من الدجالين مهرة في السحر فكثيراً ما يسحرون أعين الناس فيقوم أحدهم بأعمال غريبة ومثيرة وخارجه على المعتاد والقانون المتبع في حياة الناس مثل أن يلقي بنفسه في النار ثم يخرج منها قبل أن تحرقه أو تصيبه بأي أذى في جسمه، ومثل أن يتناول جمرة فيأكلها كما يأكل ثمرة حلوة والناس ينظرون إليه فيندهشون، أو يمشي على خط دقيق ممدود بين عمودين مثلاً وغير ذلك من الأعمال التي يعرفها في كل من يعرف القوم، وهو في واقع الأمر لم يعمل شيئاً من تلك الأعمال؛ بل كان على حالته العادية، إلا أنه سحر أعين الحاضرين فيخيل إليهم من سحره أنه يفعل شيئاً وأنه يطير أو يذبح نفسه أو يذبح ولده وكل ذلك لم يقع ولا بعضه.(/6)
فالطائفة الأولى المستدرجة والأخرى السحرة هم المعرفون عند السذج من عامة المسلمين أنهم أصحاب كرامات، ولما أدرك القوم أنه قد انطلى على العوام باطلهم لفرط جهل العوام وبعدهم عن الثقافة الإسلامية، استغلوا فيهم هذا الجهل وتلك السذاجة فاتخذوا الولاية المزعومة باباً من أبواب الدجل فكما يطور أهل العلم معلوماتهم، وأرباب المهن والصناعات منهم صناعاتهم حتى ينتجوا أحدث المصنوعات، كذلك يطور هؤلاء الأولياء أساليب دجلهم وخداعهم ليطير صيتهم وتزداد شهرتهم فيرتفع بذلك دخلهم وهذا الدخل هو الغاية عند القوم من دعوى الولاية والكرامة ومن الخداع المتطور.(/7)
ومن أحدث أساليبهم المتطورة في هذا العصر أن زعم بعضهم أن هذه التكاليف الشرعية من امتثال المأمورات واجتناب المنهيات أمور مؤقتة ولها حد تنتهي إليه ثم تسقط، وزعم هذا الزاعم أنه قد وصل تلك المنزلة فسقطت عنه جميع الواجبات وأُبيحت له جميع المحرمات بحيث لا يقال في حقه هذا حرام أو حلال. أو هذا واجب وهذا مستحب. وهو يحاول بذلك أن يقتفي أثر رئيس الملاحدة وقطب وحدة الوجود ابن عربي الطائي وشاعر تلك الملة ابن الفارض ويحذو حذوهما. وتبدو الفكرة جديدة ومتطورة لدى كثير من الناس لغرابتها ولما أدخل عليها من بعض الزخرفة والزركشة حتى ظهرت الفكرة كأنها فكرة حديثة وهي في أصلها فكرة قديمة قدم كفر وحدة الوجود التي منشؤها تعطيل الصفات على طريقة الجهمية المعروفة وهي فكرة حديثة وهي في أصلها فكرة قديمة قدم كفر وحدة الوجود التي منشؤها تعطيل الصفات على طريقة الجهمية المعروفة وهي فكرة يؤمن بها كل صوفي –وللأسف- ويسعى لها بأنواع من المجاهدة في زعمهم وهو سر انتقادنا للصوفية وشطحاتهم. وما يؤخذ عليهم كثير جداً لو وسعنا التعداد، ولا يشك كل من له أدنى فقه في الدين أن فكرة وحدة الوجود ملة مغايرة للإسلام، وآخر التطورات التي علمناها في هذا الخصوص دعوى محمود محمد طه السوداني حيث زعم أن تلكم الفكرة الإلحادية التي يدعو إليها هي مضمون الرسالة الثانية من الرسالتين المحمديتين على حد زعمه، حيث زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث برسالتين اثنتين. أما الرسالة الأولى فقد بلغها، وأما الرسالة الثانية فلم يبلغها، ويعلل ذلك بقوله: إن القوم الذين بعث فيهم رسول الله أول ما بعث ليسوا على استعداد لفهمها والعمل بها لأن مستواهم العقلي لا يؤهلهم لفهمها، أما الآن وقد نضجت العقول وتقدم الفكر البشري قد آن الآوان للدعوة إليها والعمل بها إلى آخر تلك الجعجعة، المثيرة للضحك والبكاء في وقت واحد، نعم إنها تثير الضحك إذا نظرت إليها ككلام ساقط(/8)
ليس له أي قيمة علمية وإنما هو هذيان لا ينطلي على العقلاء ومثيرة للبكاء حيث وصلنا نحن المسلمين إلى هذا المستوى من البرودة وضعف الغيرة على شريعة الله التي يتلاعب بها أمثال محمود ولا يجد رادعاً يوقفه عند حده؛ بل لا توجد غضبة إسلامية يحسب لها حساب في المجلات الرسمية والله المستعان.
ولعل بعض الحضور يحسب أنني أتحدث عن أساطير الأولين، وليس الأمر كذلك؛ بل إن صاحب هذه الدعوة حي يرزق بمقربة منا في السودان –كما قلت آنفاً ولا يزال- يعمل جاداً لهدم الرسالة الأولى، وليقيم على أنقاضها الرسالة الثانية المزعومة –لو استطاع إلى ذلك سبيلا- وفي الواقع إن الرجل مدع للنبوة؛ ولكنه لم يستطع التصريح بها خشية أن يغضب الشعب السوداني غضبة إسلامية، فتكون نهاية له. لكنه لدهائه ولباقته استطاع أن يتظاهر بمظهر المصلح المجدد؛ علماً بأنه ليس لديه أي جديد؛ بل تنحصر فكرته في عقيدة وحدة الوجود التي يرأسها ابن عربي الطائي الملقب بمحي الدين مع عاشقهم المعروف بان الفارض ومن يدور في فلكها –كما سبق أن أشرت- مع محاولة السير مع الوادي حيث ما توجه، شرق أم غرب، كعادة المحترفين باسم الدين أو التجديد.(/9)
والمسألة في الأصل –كما قلت- نتيجة حتمية لعقيدة غلاة الجهمية الذين يعطلون صفات الرب تعالى وأسمائه حتى لا يبقى هناك إلا ذات مجردة عن جميع الصفات والأسماء التي لا يتصوره الذهن كما يتصور المحال والأمور الخيالية، وهذه العقيدة هي التي أفضت بالقوم إلى القول بالحلول والاتحاد ليتحقق وجود الله خارج الأذهان حالا في مخلوقاته ومتحداً معهم، هذا هو منشأ الحلول والاتحاد الذي هو آخر منزلة تنتهي إليها الصوفية ولها يسعون وفيها يتنافس المتنافسون منهم، وهذه الفكرة كفر باتفاق المسلمين لأنها تجعل الرب سبحانه حالا في مخلوقاته؛ بل يرى شارح الطحاوية أن فكرة الحلول والاتحاد أقبح من كفر النصارى، لأن النصارى خصوا الحلول بالمسيح وهؤلاء عمموا جميع المخلوقات، وقديماً قال زعيمهم ابن عربي:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسة
هذا ما ينتهي إليه أولياء الشيطان، وما قبل هذه المنزلة وسائل مفضية إلى هذه الغاية وما أرخصها من غاية وما أقبحها من كفر، وهو داء لا علاج له إلا آخر العلاج، وآخر العلاج الكي، فلا يردع هذا الإلحاد إلا قوة السلطان، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال عمر رضي الله عنه؛ ولكن أين قوة السلطان اليوم؟؟!! إلا ما شاء الله.
الكرامات
إذا كنا نتحدث عن الأولياء وصفاتهم وأقسامهم، واستطردنا إلى بعض تصرفات أولياء الشيطان التي يظنها بعض الناس أنها من الكرامات، وبينا أنها لا علاقة لها بالكرامة؛ إذا كنا قد تحدثنا هذا الحديث فلنتحدث الآن عن الكرامات وعن موقف الناس منها؛ بل قد استطردنا لمفهوم الكرامة لدى أتباع أولياء الشيطان وبينا تصورهم الخاطئ، فلنحصر بحثنا هنا في كرامات أولياء الرحمن وتحقيق القول في ذلك بتوفيق الله.
موقف المعتزلة من كرامات الأولياء(/10)
انقسم الناس في مسألة كرامات أولياء الرحمن إلى قسمين: ناف ومثبت، وعرفت المعتزلة من بين الطوائف المنتسبة إلى الإسلام بنفي كرامات الأولياء بدعوى أن إثباتها يوقع في لبس إذ تلتبس الكرامة بمعجزة الأنبياء، وليس لديهم أي دليل أو شبه دليل سوى هذه الدعوى وهي دعوى كما ترى لا تنهض لمقاومة النصوص الصريحة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله. وقد ناقشهم كثير من أئمة الهدى الذين عرفوا بمناضلة أهل البدع والهوى، وفي مقدمتهم الإمام ابن تيمية في كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" وكتاب (النبوات). كما ناقشهم الإمام الشوكاني في بعض رسائله مثل رسالته التي سماها "بحث في الاستدلال على ثبوت كرامات الأولياء" ومن أراد الاطلاع على شبههم ودحضها فليراجع تلك المراجع.
موقف أهل السنة من كرامات الأولياء
أما أهل السنة فقد أجمعوا على إثبات كرامات الأولياء اعتماداً على النصوص التي سنذكرها الآن إن شاء الله، وفي الإمكان سرد كلامهم والوقائع التي ذكروها ولكني أرى الاكتفاء بما جاء في كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد نضيف إلى آيات الكتاب ما صح عنه عليه الصلاة والسلام في السنة المطهرة فنكتفي بذلك لأن فيها الغنية لمستغن، وقد قص الله علينا في كتابه العزيز عن صالحي المؤمنين الذين لم يكونوا أنبياء وكراماتهم المتنوعة، فلنستمع إلى هذا النموذج من كراماتهم:
أ - قصة أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وثبتوا على إيمانهم وسط تلك البيئة الكافرة بعيدين عن المداهنة وقد قص القرآن علينا قصتهم البطولية إذ يقول الله عز وجل: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً} إلى أن قال وهو يصفهم بالإيمان والهدى والثبات: {نحن نقص عليك نبأهم إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً}.(/11)
فطبيعي أن هذا ليس موقف أناس عاديين ولكن الله كرمهم بالإيمان والثبات على الهدى فصارحوا جبابرة قومهم: بأنهم لا يدعون مع الله أحداً وهو إعلان بالكفر بآلهة قومهم مع الثبات على الإيمان بالله وحده وهذه كرامة وأي كرامة.
ب - قصة مريم التي حكاها القرآن إذ يقول الرب تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً} إلى آخر الآية يقول في موضع آخر: {وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً}.
ج- قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، وقصتهم معروفة لدى جمهور الحاضرين وهم أولئك الذين خرجوا في سفر ما ولما أدركهم الليل دخلوا غاراً في الجبل فوقعوا في حيرة من أمرهم فتشاوروا فقرروا أنه لا ينجيهم مما هم فيه إلا الالتجاء إلى الله فيدعونه بالأعمال الصالحة التي عملوها مخلصين له، فتوسل أحد هم إلى الله ببر الوالدين إذ كان له أبوان شيخان كبيران وكان يحسن إليهما ويبرهما كأحسن ولد، ومن بره بهما كان لا يتناول عشاءه قبلهما هو وأولاده، وكان عشاؤهم حليب الإبل، ومن عادته أنه يقدم لهما عشاءهما في وقت مناسب، وفي ذات ليلة نأى به طلب الشجر لإبله، وجاء بعشائهما في وقت متأخر من الليل فوجدهما قد ناما، فكره أن يوقظهما خشية أن يقطع عليهما نومهما فيعكر راحتهما، كما لم يستحسن أن يتناول عشاءه قبلهما هو وأولاده، فظل واقفاً على رأسهما رجاء أن يستيقظا في أثناء الليل ولم يستيقظا إلى أن أصبح وهو واقف والحليب في يده، فتذكر هذا العمل الجليل فدعا الله به فأكرمه الله وأجاب دعوته فنزلت الصخرة قليلاً حتى دخل لهم الهواء فطمعوا في الخروج.(/12)
وأما الآخر فتوسل إلى الله بعفته والخوف من الله، وملخص قصته أنه كانت له ابنة عم، وكان يحبها كأشد ما يحب الرجل امرأة، فراودها فامتنعت ورفضت طلبه إلى أن ألجأتها الحاجة إليه، فقدم لها مبلغاً من المال يقدر بمائة وعشرين ديناراً تقريباً مساعدة لها، وسداً لحاجتها، فأعاد المراودة بعد هذا الإحسان –فطالما استعبد الإحسان إنساناً- وألح في طلبه طبعاً، وأخيراً وافقت على تحقيق رغبته تحت إلحاحه وتأثير الإحسان ونفسها غير مطمئنة بالمعصية فمكنته من نفسها فقعد منها مقعد الرجل من المرأة، فصرخت في وجهه قائلة: اتق الله يا عبد الله، لا تفض الخاتم إلا بحقه –تعني- إلا بنكاح وبطريقة شرعية، هكذا ذكرته بالله، فتذكر لأنه مؤمن، {فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فقام من مقعده ذلكم فوراً مالكاً نفسه قاهراً شهوته وهو موقف صعب كما ترون.
هذا ملخص قصة صاحب العفة، فقال وهو في الغار اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فأجاب الله دعوته وأكرمه بكرامته فنزلت الصخرة مرة أخرى، بيد أنهم لا يقدرون على الخروج؛ ولكن أملهم صار أقوى في الخروج من ذي قبل ولا شك.
وأما الثالث: فتوسل إلى الله بحفظ الأمانة إذ عمل عند أجراء كثيرون فأخذ كل أجير أجرته فذهب إلا واحداً منهم فترك أجرته، وبعد مدة طويلة جاء فطلب أجرته، فقال له: إن كل ما تره من الإبل والبقر والغنم من أجرتك لأني نميتها لك لما طال غيابك خشية أن تضيع، ولم يصدقه؛ بل قال: لا تستهزئ بي يا عبد الله، فقال له: لست مستهزئاً بك، وإنما الواقع ما قلته فسق مالك، فأخيراً أخذ أمانته بنمائها وزيادتها.
فقال الذي حفظ الأمانة، وهو يتوسل إلى الله بعمله هذا: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأخرج عنا ما نحن فيه، فأجاب الله دعوته وأكرمه بإخلاصه وصدقه، فنزلت الصخرة فخرجوا يمشون، وهذا ملخص قصة الثلاثة.(/13)
ومما يدل على ثبوت الكرامات من السنة قوله عليه الصلاة والسلام: ((رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره))، وقصة أسيد بن حضير وعباد بن بشر الأنصاريين وملخصها: أنهما كان عند النبي عليه الصلاة والسلام: في ليلة ظلماء فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئهما فلما افترق بهما الطريق أضاءت عصا الآخر، فمشي كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله، والقصة في صحيح البخاري في كتاب مناقب الأنصار.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيمن قبلكم من الأمم أناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد منهم فإنه عمر))، وفي لفظ: ((لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر)).
واكتفي بهذا المقدار من نصوص الكتاب والسنة التي تثبت دون شك كرامات الأولياء وهناك نصوص أخرى كثيرة مرفوعة وموقوفة، وكلها تثبت لكثير من الصحابة رضوان الله عليهم من كرامات أكرمهم الله بها، ومن راجع كتب الحديث وكتب السير يرى الشيء الكثير من الوقائع في هذا المعنى، وإذا كان كذلك فلا حاجة بنا إلى سرد قصص أو روايات لإثبات كرامات الأولياء من أقوال التابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم الناس هذا ليقيني الذي لا يخالطه شك بأنكم أكثر تطلعاً إلى سماع النصوص منكم إلى سماع القصص والحكايات والروايات وهو موقف محمود تغبطون فيه ولله الحمد والمنة.
وبعد لعلي وصلت بهذه المحاولة إلى بيان التصور الصحيح في مسألة الأولياء وكراماتهم على ضوء الكتاب والسنة كي يتبين الحق من الباطل والحق أبلج والباطل لجلج وهو وسط بين التفريط والإفراط.
الموقف السليم من الأولياء(/14)
إذا كنا قد تحدثنا عن الأولياء والكرامات، وأثبتنا الولاية بشكل واضح، ودعمنا حديثنا بنصوص الكتاب والسنة، ثم أثبتنا الكرامات كذلك إثباتاً يعتمد على الكتاب والسنة، بقي أن نفهم ما هو الموقف السليم في معاملة الأولياء في نظر الإسلام؟ وقبل أن أجيب على هذا التساؤل استحسن أن أوضح السبب المثير لهذا التساؤل، وذلك هو موقف جمهور المسلمين المحزن من الأولياء وهو الغلو في الصالحين الذي يصل أحياناً إلى حد العبادة، بدعوى المحبة والتقدير، ومن يذهب إلى تلك الأضرحة المنتشرة في أكثر عواصم المسلمين ومدنهم يرى عدداً كبيراً من المسلمين معتكفين عند تلك الأضرحة ليتبركوا بها أو بأصحابها وربما وصل هذا التبرك إلى حد الطواف بالضريح؛ بل حد السجود على عتبة باب الضريح، والأدهى والأمر أن يجد هذا السادن الذي يسجد لغير الله ولا يلهج لسانه إلا بذكر صاحب الضريح من يفتي له بجواز ذلك وأنه ليس من باب الشرك، وإنما هو باب محبة الصالحين أو التوسل بهم، وهذا المفتي أو الفتان على الأصح معدود من علماء المسلمين المشار إليهم، والله المستعان وإليه المشتكى.
إنه لموقف خطير! العامي يقع في عبادة غير الله جهلاً، والعالم يفتي بجواز ذلك ويجد له تفسيراً وتأويلاً وتخريجاً، وخطورته تأتي من حيث أصبح الولي نداً لله في هذا التصور وشريكاً له في استحقاق العبادة باسم المحبة أو التبرك بفتوى ممن ينتسبون إلى العلم ويجهلون حق الله على عباد الله، أعود فأقول: هذا الموقف وهذا التصور الذي يسود صفوف العوام وأشباه العوام هو الذي أثار تساؤلي.
ما هو الموقف السليم من الأولياء؟؟!!(/15)
فأما الجواب عليه: أن الموقف السليم هو عدم الغلو فيهم مع عدم الجفاء والاستخفاف بهم وإيذائهم؛ بل الواجب محبتهم في الله وموالاتهم، ولك أن تطلب منهم الدعاء في حياتهم ويسمى الاستشفاع بهم، أو التوسل بهم. ويجب أن نفرق بين محبتهم في الله ومحبتهم مع الله، فمحبتهم في الله عمل صالح، وأما محبتهم مع الله فعمل غير صالح؛ بل هو يريد الشرك أو الشرك ذاته. ويختلف ذلك باختلاف ما يقوم بقلب العبد، وسر التخبط لدى كثير من المسلمين والخلط في عبادتهم هو عدم التفريق بين الحقوق مما جعلهم يصرفون كثيراً من حقوق الله على العباد للعباد أنفسهم.
الحقوق الثلاثة
إن الدارس لكتاب الله وسنة رسول الله، والفاهم لمعنى كلمة التوحيد حق فهمها يستطيع أن يستنتج الحقوق الثلاثة التي يأتي شرحها، ومعرفة تلكم الحقوق تحدد للعبد السير إلى الله والدعوة إليه على بصيرة قبل أن يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ويخرج عن الصراط المستقيم ويتخبط في بنيات الطريق.
1- حق الله على عباده وهو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً في عبادته، وذلك بعد تصور مفهوم العبادة بأوسع نطاقها، وقد وجه النبي عليه الصلاة والسلام سؤالاً إلى معاذ ذات مرة هكذا: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله)) ولم يسع معاذاً إلا أن يقول: الله ورسوله أعلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام –بعد أن أثار انتباهه ولعلها المقصود، من السؤال- قال: ((حق الله العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) الحديث، وهو معنى قولنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
2- حق الرسول على أتباعه الذي يؤخذ من قولهم أشهد أن محمداً رسول الله، وحقيقة ذلك محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام المحبة الصادقة التي تثمر الطاعة والإتباع وعبادة الله بما جاء به فقط، وهو المعنى الذي يشير إليه الحديث الشريف: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده والناس أجمعين)).(/16)
3- حقوق عباد الله الصالحين تلك الحقوق التي نستطيع أن نستنتجها من قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((ومن عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب))، وغير ذلك من النصوص الكثيرة.
فمعرفة هذه الحقوق، ثم إعطاء كل ذي حق حقه أمر له أهميته ولا سيما حق الله على عباده، تجب العناية به علماً وعملاًُ لأنه الغاية التي من أجلها خلق الإنسان والتقصير في هذه الغاية ذنب لا يغتفر إلا لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً.
وهذا التقصير واقع من كثير من المسلمين –مع الأسف الشديد- وهو سر اختيارنا لهذه النقطة ضمن النقاط الثلاث، رجاء أن ننبه إلى هذا الخلط الشائع بين جمهور المسلمين من إدخال بعض الحقوق في بعض؛ بل وصرف كثير من حقوق رب العالمين لعباد الله الصالحين بدعوى محبتهم كنتيجة لهذا التقصير، والله المستعان.أهـ كلامه بتمامه.
ولقد رأيتُ أن أتم هذه الدرة العقدية الغالية بنقلٍ مباركٍ عن أئمة الدعوة السلفية في هذا القرنين الماضيين، وقد استفدناه من الشيخ د- عبدالعزيز العبداللطيف من كتابه الرائع دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حيث ينقل:
(وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله) (1).
ويقول أيضاً:
(وقوله: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } (2) إلى آخره. هذا وحي إلهام، ففيه إثبات كرامات الأولياء) (3).
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الواجب في حق أولياء الله الصالحين فيقول: (.. الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين) (4).
ويؤكد أتباع الدعوة – من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – هذا الاعتقاد ويقررونه.(/17)
فنجد أن الإمام عبد العزيز الأول يشير إلى حقوق أولياء الله، مع بيان الفرق بين الولي الحق، وبين مدعي الولاية – كذباً وزوراً – فقال رحمه الله:
(وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم، ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو عز وجل، فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس.
هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين كظهور اتباع سنة وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل، وليس شكلاً مخصوصاً وجمع الطبول والبيارق، وأكل أموال عباد الله ظلماً وادعاءاً، ورغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأحكام شرعه)(1).
وبين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بعضاً من حقوق الأولياء.. لكن دون الغلو فيهم فيقول رحمه الله:
(ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم، مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات، لا حال الحياة، ولا بعد الممات بل يطلب من أحدهم الدعاء في حالة حياته، بل ومن كل مسلم) (2).
وينص الشيخ عبد العزيز الحصين على ما قرره أسلافه فيقول – بياناً لحق الأولياء -:
وحق أوليائه محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكرامتهم، لا عبادتهم ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تبارك وتعالى ويدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه أو رفعه إلا الله، لأنه عبادة مختصة بجلاله سبحانه..) (3).
وقد سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن كرامات الأولياء، فأجاب على ذلك فكان مما قاله:
(مسئلة: كرامات الأولياء حق، فهل تنتهي إلى إحياء الموتى وغيرها من المعجزات ؟.(/18)
(الجواب: كرامات الأولياء حق عند أهل السنة والجماعة، والولي أعطي الكرامة ببركة اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا تظهر حقيقة الكرامة عليه، إلا إذا كان داعياً لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم بريئاً من كل بدعة وانحراف عن شريعته صلى الله عليه وسلم، فببركة اتباعه يؤيده الله تعالى بملائكته وبروح منه..) (4).
ويشير محمود شكري الألوسي – رحمه الله – إلى وجوب الإيمان بكرامات الأولياء، فيقول:
(وأما الجواب عن مسألة الكرامات فيقال: إن كرامات الأولياء حق لا شبهة فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة، ولشيخ الإسلام قدّس الله روحه كتاب جليل في ذلك سماه الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن)(5).
ويوضح الشيخ سليمان بن سحمان معتقدهم في كرامات الأولياء، فيقول في كتابه (الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد):
(واعلم أننا لا ننكر الكرامات التي تحصل لأولياء الله، إذا صدرت على القانون المرضي والميزان الشرعي، فإن أولياء الله هم المتقون المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيفعلون ما أمر به، وينتهون عمّا نهى وزجر.. فيؤيدهم الله بملائكته وروح منه ،ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين..)(6).
ويقول ابن سحمان في قصيدته (عقود الجواهر واللئالي في معارضة بدء الأمالي)، حيث تحدث عن كرامات الأولياء، وبيّن أن خوارق العادات إما أن تكون أحوالا شيطانية، أو كرامات فقال رحمه الله:
وكل كرامة ثبتت بحق *** فحق للوليّ بلا اختلال
نوال من كريم حيث كانوا *** بطاعة ربهم أهل انفعال
وليس لهم نوال أو حباء *** لمن يدعوهمو من كل عال
وإن الخرق للعادات فاعلم *** على نوعين واضحة المثال
فنوع من شياطين غواه *** لمن والاهمو من ذي الخيال
ونوع وهو ما قد كان يجري *** لأهل الخير من أهل الكمال
من الرحمن تكرمة وفضلا *** لشخص ذي تقى سامي المعالي(/19)
ولكن ليس يوجب أن سيدعى *** ويرجى أو يخاف بكل حال
فما في العقل ما يقضي بهذا *** ولا في الشرع يا أهل الوبال (1)
ونختم هذه النقول النفيسة بما أورده الشيخ عبد الله بن بلهيد – رحمه الله – في خطابه الذي ألقاه أثناء الاجتماع بين علماء نجد وعلماء مكة المكرمة، فقال – ذاكرا حقوق أولياء الله -:
(وكذلك أولياء الله تجب محبتهم، والإقرار بفضائلهم على اختلاف مراتبهم، وما يجريه الله على أيديهم من الكرامات، وخوارق العادات، ولا ينكر كرامات الأولياء إلى أهل الله، لكن يجب أن يفرق بين أولياء الله وغيرهم فإن أولياء الله هم المتقون العاملون لله بطاعته، كما قال تعالى في وصفهم { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون..) (2)
فمن كان مؤمناً تقيا كان لله ولياً ليس إلا..) (3)
من خلال هذه النقول نلاحظ أنها متفقة على إثبات كرامات الأولياء، والإقرار بها، ومتفقة على وجوب محبتهم والاعتراف بفضائلهم ومناقبهم. كما أنها توضح أن الولي لله – حقاً – هو من كان مؤمناً متبعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فليست الولاية مجرد لبس زيّ مخصوص، وإسبال الإزار، وإطالة السبحة، ومد اليد للتقبيل، مع ترك اتباع السنة النبوية..
وهذه النقول تؤكد النهي عن الغلو في الأولياء، فلا يجوز صرف شيء مما يستحقه الله تعالى لهم، فحق الأولياء هو المحبة والتقدير وإثبات الكرامات لهم فلا جفاء في حقهم وليس من حقهم أن تصرف بعض أنواع العبادة – التي يجب أن تكون لله وحده – لهم، فلا غلو في قدرهم
فاختار أئمة الدعوة –بهذا المسلك – دين الله الذي هو وسط بين طرفي في الغلو والجفاء.
http://saaid.net/monawein/sh/10.htm
---
(*) للاطلاع على الهوامش والتعليقات حمل كتاب دعاوى المناوئين على ملف وورد من هذه الصفحة
http://saaid.net/book/open.php?cat=7&book=980
إعداد وجمع :(/20)
أبو عمر الدوسري (المنهج) – شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/21)
الصوفية يستبدلون التوحيد بوحدة الوجود !!
الدكتور محمد جميل غازي
ماذا في هذا العالم الغامض.. الصوفية ؟!
كيف يمشون على الماء ويطيرون في الهواء ؟!
هل هي بقايا مجوسية؟ وبوذية؟ ويهودية !!
الشيخ والصحيفة.. أما الشيخ فهو الدكتور محمد جميل غازي، وأما الصحيفة فهي "تعاون الفلاحين" التي تصدرها دار التعاون للطبع والنشر بالقاهرة.
وهي الجريدة التي توشك أن تكون شبه رسمية لاشتراك أربعة آلاف جمعية تعاونية من جمعيات الفلاحين فيها وهم الذين يكونون ثلاثة أرباع الشعب المصري، وهم الأوتاد التي تجتاحها الصوفية والقبورية وتعتبرهم الطرق الصوفية المحطات التي تعمل ليل نهار.. بلا توقف وبلا انقطاع.. في تضليل الناشئين، والبالغين.. أما الكبار فقد تم منذ سنين إفساد عقائدهم وانتهى الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
والتاريخ هو على وجه التحديد أواخر شهر يوليه من عام 1975م، وهبطت الفكرة على رأسي.. الزميلين كمال فرغلي المحرر بدار التعاون وعبد الحميد الخواجة.. لقد بدا لهما، وهما يعملان في مجلة للفلاحين.. تدافع عن مصالحهم، وتهتم بالأرض، والصحة الزراعية، والجسدية.. أن يهتما أيضاً بالصحة الدينية، وتصحيح عقيدة هذه الملايين.. من قراء الجريدة.. وبعد أن وافق مجلس التحرير على اقتراحهما بشأن عمل سلسلة من الأحاديث حول الصوفية مع "الدكتور محمد جميل غازي" حاولا الاتصال به لإغرائه على الكلام، وهو واحد من الذين يهربون من التحدث إلى الصحفيين.. هروب الإنسان من الوحش المفترس.(/1)
ذلك لأنه هو ذاته كان يوماً ما ممارساً للصحافة.. ويدرك أنه مهما كانت درجة أمانة المحرر فهو لابد وبحكم الصنعة أن يضيف أو يحذف من حديث المتحدث.. وهو يتكلم في مسائل شائكة، والحذف أو الزيادة فيها.. قد يؤدي إلى جهنم.. وأخيراً وبعد أن اقتنع بأن إحجامه سوف يحرم الملايين من الفلاحين، وأن إقدامه سوف يتيح له أن يتحدث إلى أخوة له في صميم الريف لن يتيسر له أن يلقاهم أو يلقونه إلا بشق الأنفس.. امتثل من أجل محاولة شرف الوصول إلى الناس في دورهم، وجمعياتهم، وجلساتهم الخاصة.
ولقد أسعده أن يكتب إليه الكثيرون منهم، وزاد في سعادته أن يجيب على بعضهم في خطابات خاصة، واضطرت إدارة الصحيفة أمام سيل البرقيات، والتليفونات، والخطابات.. أن تمتد بالحوار إلى ثلاثة أعداد متوالية، وذلك قلما يحدث في أي صحيفة.. ثم اضطرت وتحت ضغوط الفلاحين والذين أبرقوا من كل مكان في أنحاء البلاد.. أن تواصل الحديث في أعداد أخرى تضمنت الردود والاستفسارات والتأييدات.. وكان ذلك بالنسبة للزميلين الصحفيين يعتبر عملاً صحفياً ناجحاً.. لا يتكرر في حياة أي صحفي.
ونحن إذ ننقل الأحاديث الثلاثة برمتها.. نتوخى الفائدة التي نرجوها من إعادة النشر، وتركيز جهود "الدكتور" المبعثرة.. أو بعضها.. وإليك التحقيقات الصحفية في الصفحات التالية.(/2)
الطرق الصوفية.. هذا العالم الغامض الذي تحيطه الأسرار وتتناقض من حوله الأحكام. ما هي رسالتها وكيف نشأت؟ ماذا يقول فيها المؤيدون والمعارضون؟.. هل هي بدعة افتريت على الإسلام لا تجد لها سنداً في كتاب الله وسنة رسوله كما يقول المعارضون؟.. أم هي الإسلام في شفافيته ونقائه كما يقول المؤيدون؟.. هل هي منهج وأسلوب في العبادة حافظ على الدعوة الإسلامية وساهم في نشرها كما يذهب المؤيدون؟ أم هي مجموعة من الأوهام والخرافات تعطي انطباعات خاطئة عن الإسلام والمسلمين وتتحمل المسؤولية التاريخية والحضارية في تخلف المنطقة الإسلامية كما يتهمها المعارضون؟.. هل هي ضرورة دينية لتقويم السلوك وإحياء الروح وهداية القلوب؟ أم هي دعوة للتواكل وتجميد ملكات الفكر والإبداع ساعدت على انحراف الشباب وهروبه من المجتمع ومن الدين ؟
ثم لماذا تتعدد هذه الطرق الصوفية بحيث بلغ عدد الطرق ذات الطابع الرسمي 66 طريقة بالإضافة إلى عشرات أخرى غير رسمية؟ وما هي أوجه الاختلاف فيما بينها وما هي نقاط الالتقاء؟
وهؤلاء الأجلاء مشايخ الطرق الصوفية مع ما نكنه لهم من احترام.. ما حجم سلطانهم الروحي على المريدين؟ ومن أين يستمدون هذا السلطان؟ وما مدى الحقيقة فيما يقول به بعض مشايخ الصوفية من أن البركة لا تأتي إلا بواسطة شيخ ينقل البركات إلى المريدين، وأن من لا شيخ له فشيخه الشيطان؟
قضايا قديمة اختلفت حولها الاجتهادات، وتصارعت حولها الآراء، تعبر عن نفسها بالحدة تارة وباللين تارة أخرى.. يصمت الجدل حولها فترة لينبعث من جديد.
إن "التعاون" تفتح باب المناقشة في هذه القضايا وتدعو لإجراء حوار صريح مفتوح وبلا حساسيات، يشارك فيه علماء الدين، ورجال الفكر لحسم هذه القضايا وبيان مدى ما فيها من حق وصدق تدعيماً للعقيدة الإسلامية.(/3)
وحول هذه القضايا كان "للتعاون" لقاء مع فضيلة الدكتور محمد جميل غازي إمام مسجد العزيز بالله بالزيتون ورئيس جماعة التوحيد، وكان لفضيلته آراء جريئة فيما طرحناه من تساؤلات، نستأذن قبل أن نعرضها في كلمة لابد منها عن رسالة مسجد العزيز بالله.
تقوم رسالة هذا المسجد أساساً على تعميق عقيدة التوحيد وتنقيتها مما علق بها من شوائب، والحرص على إقامة الشعائر التعبدية على أساس من السنة المحمدية الشريفة.. وينهج فضيلة إمام المسجد في خطبة الجمعة ودرس ما بعد الصلاة منهجاً فريداً يرتكز على تفسير وشرح آيات القرآن الكريم بالتتابع والتسلسل طبقاً لترتيب المصحف الشريف، ويتخذ منها منطلقاً لدعوته إلى التفهم الصحيح للإسلام، وترسيخ عقيدة التوحيد.. وهو منهج يلقى – للحق والأمانة – استجابة واسعة لدى جمهور المصلين، ومعظمهم من الشباب المثقف الذي يتزاحم داخل المسجد وخارجه، حاملاً معه أجهزة التسجيل.
كما يخصص المسجد درس الثلاثاء من كل أسبوع لشرح الأحاديث والسنة النبوية، وبيان ما بها من معان وأحكام.
كما ينظم المسجد مؤتمراً إسلامياً يشارك فيه الكثير من العلماء، ورجال الفكر الديني لمناقشة قضايا الإسلام وإبراز الحضارة الإسلامية.
ولندع الآن الحديث عن رسالة المسجد التي يلخصها فضيلة الدكتور محمد جميل غازي في عبارة واحدة يرددها دائماً وهي "أن يسلم المسلمون".. ولنستمع إليه يتحدث عن قضايا الصوفية.
يقول: إن الصوفية شيء والإسلام شيء آخر! ولا يقول باجتماعهما إلا من يقول باجتماع الظلمة والنور، والأسود والأبيض، والحق والباطل، والهدى والضلال!!(/4)
ثم يتساءل: هل وردت كلمة "صوفية" في كتاب الله؟ أو هل جاءت على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، رغم أنه صلوات الله عليه وسلامه لم يترك كبيرة أو صغيرة من أمر ديننا أو دنيانا إلا وتعرض لها؟! هل عرفها الصحابة رضوان الله عليهم؟ ولماذا نرفض تسمية الله، وهو تعالى يقول: { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ } [الحج: 78] الآية، ولماذا نسلك منهجاً لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله، والله جل شأنه يأمرنا بقوله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [الحشر: 7].
الوحدة ضد التوحيد:
ونستوقف فضيلته لنسأل: وهي خرج الصوفية عن الالتزام بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؟ أليس العكس هو الصحيح؟
إن الصوفية فيما نرى، ويرى معنا الكثيرون دعوة للتفاني في محبة الرسول الكريم والاقتداء به.. صحيح أن لهم بعض الشعائر الخاصة، ولكنهم يمارسونها تحقيقاً للسعادة، وابتغاء السمو بالروح ولمزيد من التقرب إلى الله جل في علاه.
ويجيب فضيلته في حدة: ليست هناك أرستقراطية في الإسلام، وليست هناك خصوصيات في دين الله.. وإذا كان الصوفية يقتدون حقاً برسول الله، فلماذا يدخلون على الإسلام ما ليس فيه، والرسول العظيم يقول: ”تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك“ وأمامنا قول الإمام مالك رحمه الله: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله جل شأنه يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [المائدة: 3]).(/5)
ويستطرد د. جميل غازي قائلاً: إن الصوفية لم يكتفوا بالخروج على سنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، بل إن عقائدهم تتصادم أساساً مع جوهر الإسلام.. فالصوفية يقولون بوحدة الوجود، ويرون أن الوجود حقيقة واحدة لا فرق في نظرهم بين الحق والخلق، وهو قول مضاد للإسلام وعقائده.
ولعل فضيلته قد لمح في نظرتنا غير قليل من الشك والدهشة.. فيقوم إلى مكتبته الحافلة ويعود منها بمجموعة مجلدات ويقول: هذه مجموعة من كتب أئمة الصوفية وشيوخها، تعالوا بنا لنتعرف على ما احتوته من أفكار حتى لا يقال أنني أشوه الحقائق، أو أحرف الكلم عن مواضعه، وتعالوا نقرأ ما يقوله (ابن عربي) شيخ الصوفية الأكبر في كتاب "الفتوحات المكية).. هاهو يعبر عن اعتقاده بوحدة الوجود بقوله: "سبحان من خلق الأشياء وهو عينها".
وأضاف قائلاً: ولما كان الله في نظر (ابن عربي) هو المخلوقات والمخلوقات هي الله فحينئذ تكون العبادة عنده متبادلة.. ويعبر عن ذلك بقوله:
" فيحمدني وأحمده .... *** ويعبدني وأعبده " ...
ثم يذهب شيخ الصوفية الأكبر بعد هذا إلى القول بوحدة الأديان، لا فرق لديه بين سماويها، وغير سماويها فيقول في ذلك:
وقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي *** إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
فأصبح قلبي قابلاً كل حالة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن
ويعلق فضيلته على ذلك بقوله: هكذا حارب شيخ الصوفية الأكبر عقيدة التوحيد الإسلامية بنظرية الوحدة التي قال بها واعتنقها وفتن معه بها أناس كثيرون.
ثم يواصل فضيلته عرض نماذج أخرى من أفكار أئمة الصوفية فيقول: إن "الجيلي" وهو من كبار مشايخ الصوفية – يعلن في صراحة أو وقاحة – أنه إله الكون الأعظم فيقول في كتاب "الإنسان الكامل 1/22":
لي الملك في الدارين لم أر فيهما *** سواي فأرجو فضله أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال، وأنني *** جمال جلال الكل، ما أنا إلا هو
إلى أن يقول:(/6)
وإني رب للأنام وسيد *** جميع الورى اسم، وذاتي مسماه
أما "الحلاج" – وهو إمام من أئمة الصوفية – فإنه يقول في كتاب (الطواسين/34) :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته *** وإذا أبصرته أبصرتنا
طبقات الشعراني والشذوذ بأنواعه !!
ثم هذا هو "النابلسي" يقول معقباً على قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10]: أخبر تعالى أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله تعالى وتقدس، وبيعته هي بيعة الله، ويده التي مدت للبيعة هي يد الله.. كما يقول في تفسير قول الله تعالى لموسى { } [طه: 13] بأن تكون أنت أنا وأكون أنا أنت !!
وقبل أن يمضي الدكتور جميل غازي في عرض نماذج أخرى لأفكار الصوفية ومعتقداتهم في وحدة الوجود نستوقفه لنسأل: ما لنا ولهذا الهراء الذي مضى وانقضى ؟ ولماذا نضيفه على حساب الصوفية ونبني عليه اتهامنا لهم بالتناقض مع الإسلام ؟
فيجيب: لأن الصوفية ما زالوا يتعبدون بهذا الكلام في مساجدنا ومازالت هذه الأفكار هي التي تسود حلقاتهم وأذكارهم، ويستشهد بأحد الأوراد الذي ينشده دائماً المنتسبون إلى الشاذلية والذي يعبر عن وحدة الوجود.
"اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أجد ولا أحس إلا بها".(/7)
ثم يضيف فضيلته بصوت تمتزج فيه السخرية بالمرارة بأن ما كتبه هؤلاء المشايخ بما فيه من خبل وهوس مازال حتى يومنا هذا هو الدستور السائد بين الصوفية الذي تستند إليه معتقداتهم، ويصوغ مناهجهم في العبادة، ويضرب على ذلك مثلاً بكتاب الطبقات الكبرى للشعراني.. ويقول: إنه كتاب متداول بين الصوفية يأخذون منه ثقافتهم ومعرفتهم بالله فماذا يحتويه هذا الكتاب ؟ دجل وخرافة ومجون وجنون.. وماذا عرض الشعراني في كتابه هذا عن أولياء الصوفية وكراماتهم؟.. لا شيء سوى الخرافة والشذوذ الجنسي والقذارة ثم يدعونا إلى جولة في هذا الكتاب لنرى الشعراني يصف أحد أوليائه فيقول:
وكان رضي الله عنه يلبس الشاش المخطط كعمامة النصارى وكان دكانه منتناً قذراً لأن كل كلب وجده ميتاً أو خروفاً يأتي به فيضعه داخل الدكان، فكان لا يستطيع أحد أن يجلس عنده.
ثم يعقب فضيلته: بأن الشعراني لا يكتفي بهذا من كرامات سيده الشيخ فيضيف: إنه توجه إلى المسجد فوجد في الطريق مسقاة كلاب فتطهر فيها، ثم وقع في مشخة حمير.
ثم يواصل قراءة ما جاء بكتاب الطبقات عما يقوله الشعراني عن "أبي خوزة".. وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرداً (شاب بلا لحية) راوده عن نفسه وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره ولا يلتفت إلى الناس.
ويقرأ عما يتحدث به الشعراني عن سيده (علي وحيش) فيقول: "وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيره ينزله من على الحمارة ويقول له أمسك رأسها حتى أفعل فيها فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض لا يستطيع أن يمشي خطوة".
ويعقب فضيلته على ذلك بقوله.. هذه بعض كرامات الصوفية المخففة التي تسمح الآداب العامة بذكرها دون أن نتعرض لنماذج أخرى فاضحة امتلأ بها كتاب الطبقات الكبرى للشعراني، وهو كتاب أطالب بإعدامه لما اشتمل عليه من خزي وتشويه للعقيدة.
زوجات الصوفيين أرامل !!(/8)
وكان لابد لنا من لحظة صمت لنسترد فيها أنفاسنا اللاهثة ونجمع فيها شتات أفكارنا التي تبعثرت أمم هذا السيل من الخرافة والخبل لكي نعود فنسأل: إذا ما تجاوزنا عن هذه الخرافات والأفكار المشبوهة التي جاءت يقيناً نتيجة لدسائس التيارات والفلسفات المعادية للإسلام، ألم تؤد الصوفية دورها – كما يرى الكثيرون – في خدمة الإسلام وحمايته في مواجهة الفكر الوثني المادي.
ويجيب فضيلته متسائلاً: كيف يمكن للصوفية أن تخدم الإسلام وهي تتعارض معه أساساً، ثم كيف لها أن تحميه وهي دعوة صريحة للتواكل والانعزالية بينما الإسلام دعوة للعمل والجهاد؟.. ثم يضيف أن الله جل شأنه قد استخلفنا في الأرض لنعمرها بإذنه ومشيئته والقرآن العظيم حافل بالآيات الكريمة التي تدعو للجهاد والتعمير بالحق والعدل والخير، والرسول الكريم صلوات الله عليه يدعونا للجهاد ويقود رايته، ويأمرنا بالعمل ويسبقنا إليه، ويقول صلوات الله وسلامه عليه في حديث شريف:
”إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (النخلة الصغيرة) فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها“.
ويضيف.. هذا ما يأمر به الإسلام ويدعو إليه، فبماذا تدعو الصوفية!؟ وماذا تطلب من المريد ليكون من الأولياء؟ لنقرأ مما يقوله الشعراني في كتابه (الطبقات) :
"لا يبلغ الرجل إلى منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، وأولاده كأنهم أيتام، ويأوي إلى منازل الكلاب".
ثم يعقب فضيلته متسائلاً: أليست هذه دعوة خطيرة لا تخدم إلا أعداء الإسلام؟ ألا نجد في هذه الدعوة تفسيراً واضحاً لما لاقته الصوفية من ترحيب وتشجيع من جميع الأنظمة الاستعمارية التي تعاقبت على المنطقة الإسلامية ؟
ثم ما الذي يتحقق إذا حصل المريد على واحدة من منازل الصديقين التي أطلق عليها الشعراني منازل الكلاب.. يقول الصوفية: تطوى له الآفاق ويصبح البعيد قريباً، أو بعبارة أخرى يصبح من أهل الخطوة أولئك الذين يطيرون في الهواء ويمشون على الماء..(/9)
ويعلق فضيلة الدكتور غازي بقوله: هذا هو أفك الصوفية.. إن العالم حولنا قد قطع أشواطاً بعيدة المدى في طريق التقدم العلمي والحضاري، وحقق انتصارات مذهلة.. وهذه هي آثار أقدامه فوق القمر وفي أعماق المحيط وفي كل مكان في أرض الله.. ونحن.. أين نحن ؟ تائهون غارقون نقنع بأن نقبع في زوايا ضريح، نردد التوسلات، وندعو أصحاب القبور لحل مشاكلنا، ونجتر ذكرياتهم في المشي على الماء أو الطيران في الهواء.. ويضيف: إن أي صوفي تلقاه مهما علا مركزه، وعلت درجته العلمية تجده إنساناً يعادي العقل والنقل والعلم والحضارة، ويردد شعار "مجانين ولكن على أعتابنا سجد العقل".
ثم يتساءل فضيلته: أليس في هذا كله تخريب لملكات التفكير التي فضل الله بها الإنسان على كثير من مخلوقاته؟ ثم ألا يعد ذلك مسؤولاً عن تأخر الأمة الإسلامية وإفساد عقول شبابها.
في الإسلام وحده السمو النفسي !
وهنا نقاطعه.. فقد كان لنا تحفظ هام.. أن الصوفية في رأينا لا تعادي العقل أو العلم بل إن كثيراً من أئمتها يحملون أرقى المؤهلات العلمية، وهذا وحده دليل على إيمانهم بالعلم ومعاناتهم في سبيله.. إنما هم فقط يؤمنون بأن العلوم التحصيلية أمور نسبية متغيرة، بينما الحقائق المطلقة تتجاوز طاقة العقل البشري، ولا تتاح إلا لمن صفت نفسه، وأشرقت روحه، وتلقى مدداً إلهياً يعبرون عنه بأنه نور يقذفه الله في القلب، وهو أمر لا ينكره المؤمنون الذين يوقنون بالغيب.
ومن ناحية أخرى قد يكون هناك ما يبرر وجهة النظر التي تتهم الصوفية بالتواكل والسلبية، فمما لا شك فيه أن الصوفية قد علقت بها كثير من السلبيات والشوائب سواء عن جهل أو عن سوء قصد.
ومما لا شك فيه أيضاً أن بعض الفرق قد تجاوزت الحق والصواب في ممارستها للتجربة الصوفية.. ولكن يبقى السؤال الهام: إن التصوف في جوهره دعوة لإحياء الروح، ومنهج لمجاهدة النفس والسمو بها.. أفلا يعتبر ذلك عاملاً إيجابياً يستحق التزكية والإنماء.(/10)
وكان للدكتور غازي رأي آخر:
يقول: "إن إحياء الروح، ومجاهدة النفس، والارتقاء بها، هي أمور من صميم ما يستهدف الإسلام ويدعو إليه، كما أن التخلق بأخلاق القرآن الكريم وسنة الرسول هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك، فكيف نلتمسه عند الصوفية وهم يتجاوزون أصلاً ما جاء بكتاب الله وسنة رسوله، ويؤمنون بعقائد تتصادم مع ما يدعو إليه الإسلام".
ومضت أكثر من ثلاث ساعات والحوار يستمر وتتصاعد درجة حرارته والأستاذ غازي يمضي في إطلاق قذائفه الثقيلة على أفكار الصوفية ومعتقداتها.. ولكن يلح علينا سؤال هام: إذا كانت الصوفية كما يتهمها فضيلته تتناقض مع الإسلام وتتجاوز عن السنة الشريفة.. فكيف يمكن تفسير ما نسمعه وما يؤمن به الكثيرون من كرامات أولياء الصوفية وشفافيتهم؟
ويجيب: أية كرامات، وأية شفافية.. إن ما يتحدثون به من كرامات ما هي إلا أوهام يخدعون بها البسطاء لكي تمتلئ صناديق النذور بأموال الضعفاء المخدوعين، ويضيف: تعالوا بنا نستعرض كراماتهم المزعومة كما يتحدثون عنها بأنفسهم ويفتح كتاب "الطبقات الكبرى" يقرأ لنا ما يرويه الشعراني بلسان أحد أوليائه: "أشهدني الله ما في العلا وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجن والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته، وحركت ما سكن، وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى: وأنا ابن أربع عشرة سنة".
ثم يقرأ ما يقوله الشعراني عن الشويمي: "ومرض سيده مدين (رضي الله عنه) مرة أشرف فيها على الموت فوهبه من عمره عشر سنين ثم مات في غيبة الشويمي فجاء وهو على المغسل، فقال: كيف مت؟ وعزة ربي لو كنت حاضرك ما خليتك تموت، ثم شرب ماء غسله كله".
وفي كتاب "الكواكب الدرية" يقرأ لنا الدكتور جميل غازي ما يؤكده (المناوي) من أن للصوفيين أنواعاً من الكرامات:(/11)
النوع الأول منها: إحياء الموتى وهو أعلاها، فمن ذلك أن (عبيد اليسرى) غزا ومعه دابة فماتت فسأل الله أن يحييها فقامت تنفض أذنيها. وأن (مفرجا الدماميني) أحضر له فراخ مشوية فقال: طيري بإذن الله تعالى فطارت. ووضع (الكيلاني) يده على عظم دجاجة أكلها، وقال لها: قومي بإذن الله فقامت، ومات لتلميذ (أبي يوسف الدهماني) ولد فجزع عليه فقال له الشيخ: قم بإذن الله فقام وعاش طويلاً، وسقط من سطح (الفارقي) طفل فمات فدعا الله فأحياه".
ثم ينتقل الدكتور غازي إلى كتاب الأبريز ويقرأ: "وأهل الديوان إذا اجتمعوا فيه اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد، فهم يتكلمون في قضاء الله تعالى في اليوم المستقبل والليلة التي تليه، ولهم التصرف في العوالم كلها السفلية والعلوية، وحتى في الحجب السبعين فهم الذين يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهجس به ضمائرهم فلا يهجس في خاطر واحد منهم شيء إلا بإذن أهل التصرف" ويعقب فضيلته على ذلك متسائلاً: "أليس هذا هو قمة الشرك بالله جل وعلا؟".
ويعقب د. جميل غازي على ما تراه لنا من كرامات فيقول: أليست هذه خرافات وضلالاً واستخفافاً بالعقول.. بل وافتراء على الله جل شأنه ؟!
ثم يضيف: إن الصوفية يعتبرون أولياءهم أعلى درجة من الأنبياء، ويتجرءون أشنع الجرأة على رسل الله.. فيقول "البسطامي" في "الكواكب الدرية": "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت" ويقول في جواهر المعاني: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله".
وعند هذا الحد كان لابد للحوار من أن ينتهي رغم أن د. جميل غازي يقول: مازال هناك الكثير مما ينبغي أن يقال للتعرف على أهل التصوف.
ذكرهم.. موالدهم.. نذورهم.. قبورهم.. عباداتهم.. شيوخهم.. مريديهم..(/12)
وتبقى لنا كلمة.. إن البعض قد يغضبه، ما جاء في هذا الحوار من آراء.. وقد يكتفي بأن يصدر ضدنا ما يتراءى له من الأحكام.. ولكننا نرى أن الحوار الجاد المثمر هو وحده القادر على إجلاء الحقيقة وتوضيح الصورة.. إن في بلدنا مؤسسات دينية كثيرة تحتشد بقمم شامخة من أصحاب الفكر الإسلامي.. وأولئك جميعاً مطالبون بأن يقولوا رأيهم بصراحة ووضوح في هذه القضايا.
إن (التعاون) تفسح صفحاتها لكل صاحب فكر، وتدعوه لكي يسهم برأيه ويعطي ما عنده من أجل التفهم الصحيح للإسلام، وترسيخ عقيدة التوحيد حماية لشبابنا من المزالق والانحرافات.(/13)
الصوفيون القبوريون والتصفية الجسدية للمخالفين
اعتماد التصفية الجسدية للخصوم
مر بنا الأذية الكبيرة التي قام بها لإسماعيل الجبرتي وأعوانه ضد الذي كان ينكر عليهم في زبيد((صالح المصري)) ، وقد ذكر الشوكاني العجائب من ذلك مما يحاول القبورية والمنحرفون فعله بدعاة السنة كما في كتابة أدب الطلب سواء ما وقع للإمام محمد بن إسماعيل الأمير أو له شخصيا أو لغيرهما،وقد تناقل الناس ذلك في أنحاء اليمن والجبال والتهائم وحضرموت وما بين ذلك ومما تناقلوه: الضرب ومحاولة القتل بالسلاح واستخدام السم ولكني في مثل هذه القضايا لا أعول على ما كان متداولا بين الناس دون أن يكون مكتوبا وعليه فإنني اقتصر على ما ذكره صلاح البكري مما حدث ضد أصحاب الإرشاد بإندونيسيا. فقد قال تحت عنوان ((محاولة اغتيال رائد النهضة الدينية)):
(حاول جماعة من آل باعلوي اغتيال الشيخ أحمد محمد السوركتي، وذلك بدس السم داخل فاكهة تسمى(بلمنبنق) وكان الشيخ مولعا بأكلها فابتاع منها كمية واكلها وبعد لحضات شعر بمغص شديد وأخذ يئن من شدة الألم فاستدعى طبيبا، وبعد الفحص قرر الطبيب انه مسموم، ولو لم يسعفه الطبيب بالدواء لذهب الشيخ على رحمة ربة، وهكذا أراد الله تعالى للشيخ أن يعيش ليستمر في تأدية رسالة الإسلام.وفي مدينة بوقور هاجم جماعة من العلويين وأنصارهم الشيخ عبدالعزيز الكويتي ضيف إندونيسيا ومؤيد الحركة الإرشادية الحرة وضربوه بآلة حادة في رأسه ولكن عناية الله أحاطت به وأنقذته من الموت.)[تاريخ الإرشاد:ص135].
وهناك حادثة أخرى ذكرها ابن عبيد الله وهو يتحدث عن حاكم تريم،فيقول:(/2)
(وكان ينكر بطبعه غلوا القبوريين، فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعليق بوحيد عصره، وفريد دهره، مقدم الجماعة، وشيخ الصناعة،الذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم، العلامة الجليل السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان، المتوفى بتريم سنة1247هـ، وقد اتهمه العلوين بأنه هو الذي يعلم عبدالله عوض غرامة آراء الوهابية، ويحثه على الالتزام بها، ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتاله، فهرب إلى بيت جبير) [إدام القوت:ص122.الحلقة40 من مجلة العرب].(/3)
أما الإمام الشوكاني فقد طالت شكواه من الخصوم الجهلة والمتعصبة القبورية وغيرهم وذكر أنواعاً من الأذى الذي حاولوا أن يلحقوه به وبغيره من دعاة السنة والتوحيد، فقال -رحمه الله- : (ومن عجيب ما أشرحه لك أنه كان في درس الجامع بعد صلاة العشاء الآخرة في صحيح البخاري يحضره من أهل العلم الذين مقصدهم الرواية وإثبات السمع جماعة، ويحضره من عامة الناس جمع جم لقصد الاستفادة بالحضور, فسمع ذلك وزير رافضي من وزراء الدولة وكانت له صولة وقبول كلمة بحيث لا يخالفه أحد وله تعلق بأمر الأجناد، فحمله ذلك على أن استدعى رجلاً من المساعدين له في مذهبه فنصب له كرسياً في مسجد من مساجد صنعاء, بمكان يسرج له الشمع الكثير في ذلك المسجد حتى يصير عجباً من العجب فتسامع به الناس وقصدوا إليه من كل جانب لقصد الفرجة والنظر إلى ما لا عهد به, والرجل الذي على الكرسي يملي عليهم في كل وقت ما يتضمن الثلب لجماعة من الصحابة صانهم الله, ثم لم يكتف ذلك الوزير بذلك حتى أغرى جماعة من الأجناد من العبيد وغيرهم بالوصول إليَّ لقصد الفتنة, فوصلوا وصلاة العشاء الآخرة قائمة ودخلوا الجامع على هيئة منكرة وشاهدتهم عند وصولهم, فلما فرغت الصلاة قال لي جماعة من معارفي إنه يحسن ترك الإملاء تلك الليلة في البخاري فلم تطب نفسي بذلك, واستعنت بالله وتوكلت عليه، وقعدت في المكان المعتاد, وقد حضر بعض التلاميذ وبعضهم لم يحضر تلك الليلة لمَّا شاهدَ وصول أولئك الأجناد، ولما عقدت الدرس وأخذت في الإملاء رأيت أولئك يدورون حول الحلقة من جانب إلى جانب ويقعقعون بالسلاح ويضربون بعضهم في بعض, ثم ذهبوا ولم يقع شيء بمعونة الله تعالى وفضله ووقايته. ثم أن ذلك الوزير أكثر السعاية إلى المقام الأمامي هو ومن يوافقه في هواه ويطابقه في اعتقاده من أعوان الدولة واستعانوا برسائل بعضها من علماء السوء, وبعضها من جماعة من المقصرين الذين يظنهم من لا خبرة له في عداد أهل(/4)
العلم. وحاصل ما في تلك الرسائل إني قد أردت تبديل مذهب أهل البيت عليهم السلام, وأنه إذا لم يتدارك ذلك الخليفة بطل مذهب آبائه ونحو هذا من العبارات المفتراة والكلمات الخشنة والأكاذيب الملفقة. ولقد وقفت على رسالة منها لبعض أهل العلم ممن جمعني وإياه طلب العلم ونظمنا جميعاً عقد المودة وسابق الألفة فرأيته يقول فيها مخاطباً لإمام العصر: إن الذي ينبغي له ويجب عليه أن يأمر جماعة يكسبون منزلي ويهجمون مسكني, ويأخذون ما فيه من الكتب المتضمنة لما يوجب العقوبة من الاجتهادات المخالفة للمذهب, فلما وقفت على ذلك قضيت منه العجب, ولولا أن تلك الرسالة بخطه المعروف لديَّ لما صدقت, وفيها من هذا الزور والبهت الكلمات الفظيعة شيء كثير, وهي في نحو ثلاثة كراريس, وعند تحرير هذه الأحرف قد انتقم الله منه فشَّردَه أمام العصر إلى جزيرة من جزائر البحر مقروناً بالسلاسل بجماعة من السوقة وأهل الحرف الدنيئة وأهلكه الله في تلك الجزيرة, ولا يظلم ربك أحداً)[أدب الطلب:ص32-33 للإمام محمد بن علي الشوكاني, تحقيق مركز الدراسات والأبحاث اليمنية].
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/5)
الطريقة البرهانية
الشيخ / محمد مصطفى عبد القادر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ،،، وبعد ,
اعلم أخي المسلم بأن من أعظم الفتن التي أبتلي بها المجتمع المسلم ما يسمى بالتصوف أو الفكر الصوفي ذلك الفكر الذي يعمل على هدم الإسلام باسم الإسلام وقد انخدع به كثير من المسلمين منهم ممن ينتسب للعلم وكثير منهم لا يعلمون .
وهذه سلسلة رسائل تحت شعار "أحذروا التصوف " نكشف فيها عن مخالفات الطرق الصوفية للشريعة الإسلامية من خلال كتبهم ، ونبين الأدلة من الكتاب والسنة على بطلانها استنادا على قوله تعالى " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " وكل ذلك بإيجاز شديد غير مخل بالهدف المنشود والله نسأل القبول والهدى والسداد وهذه مخالفات الطريقة البرهانية للشريعة الإسلامية .
الشيخ / محمد مصطفى عبد القادر - السودان
المخالفة الأولى:-
يزعم محمد عثمان عبده البرهاني شيخ الطريقة أن ملك الموت عزرائيل قال له أنه لا يقبض روح من قرأ ورد البرهانية المسمى بالحزب السيفى !! وذلك في كتابه قبس من نور لمؤلفه الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني ص 74 –75 حيث يقول : " ذهب أحد المريدين إلى المستشفى للعلاج وذهبت له ومعه أحد أبناء الطريقة فقلت إن هذا الفتى من أقاربي اعتنى به فلن أستطيع أن أعوده كل يوم فجاء عزرائيل ملك الموت لقبض روحه فقال له الى اين قال اريد ان اقبض روح هذا المريد فقال لا تقبض روحه لأن الشيخ أوصاني بالمحافظة عليه فقال له ملك الموت عزرائيل إذا لم ترد موته إقرأ له الحزب السيفى من أوراد الطريقة سبع مرات كل يوم فقرأ له الحزب السيفي فرأى المريض الجنة ورتبته فيها فقال لأخيه الذي يقرأ له الحزب السيفي حفاظاً عليه من الموت أستحلفك بالله ورسوله أن تكف عن قراءتك لي الحزب السيفى لأنني أريد أن أموت فأدخل الجنة "
أما الرد على ذلك الإفك والدجل والسخف من وجوه متعددة :-(/1)
أولاً:-
هذا كذب وافتراء في أعلى مقاماته لا يقبله عاقل ناهيك ان يكون مسلماً ويكفي في إبطاله قوله تعالى: ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ) سورة الصف (7) .
ثانياً :-
هل يمكن لغير الميت أن يرى ملك الموت ؟ ويكفي في إبطال ذلك الكفر قوله تعالى (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولاكن لا تبصرون ) سورة الواقعة( 83 – 85) .
ثالثاً :-
هل يمكن إذا جاء أجل الإنسان أن يؤخر؟ يقول الله تعالى في إبطال ذلك الإفك ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ) سورة نوح (4) ويقول أيضاً (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) سورة النحل (61) .
رابعاً :-
هل يجوز لملك الموت أن يسمع كلام المريد البرهاني لأمر الشيخ وأن يترك قبض روحه ؟ يقول تعالى عن ملائكته في تكذيب ذلك الدجل والإلحاد : (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) سورة التحريم6 .
خامساً :-
إن هذا الحزب السيفي من أوراد الطريقة البرهانية بدعة وضلاله ولا يوجد في أوراد وأذكار النبي صلى الله عليه ما يسمى بالحزب السيفى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :” إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " رواه أبو داؤود والبيهقي .
سادساً :-
هل يرى الإنسان الجنة قبل أن يموت والمريد البرهاني يزعم أنه رأى الجنة ورتبته فيها . ومعلوم أن الجنة لا يراها من كان من أهلها إلا بعد الموت وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث أبي هريرة رضى الله عنه حيث قال من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ) رواه النسائي .
سابعاً :-(/2)
كيف يزعم هؤلاء المفترون أنهم من أصحاب الجنة وقد انعقد الإجماع أنه لا يشهد لأحد بنار أو جنة إلا من شهد له القرآن والسنة بذلك ، وشيوخ البرهانية وأتباعها لا يوجد دليل يفيد بذلك خاصة وأن أصل طريقتهم تختلف مع الكتاب والسنة . وقد قال الله تعالى في نفي ذلك (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) سورة النجم (32) .
المخالفة الثانية :-
" يزعم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني أن السيد على الميرغني قبض روح أحد مريديه وقد أعادها له هو وأحياه مرة أخرى وكان النبي صلى الله عليه وسلم شاهداً وحاضراً للمشهد وذلك في كتابه "قبس من نور" ص56 ، حيث يقول "قمت بتعليم أحد المريدين في الطريقة الأوراد والإرشاد وبعثت به إلى بلدة ما يرشد وكان في هذه البلدة أبناء الطريقة الختمية فلم يعجب ذلك السيد على الميرغني فقبض روحه فجاءني أحد الأخوان وقال لي أدركنا يا عم الشيخ فإن الرجل قبض روح أخينا فثرت ثورة شديدة وطرت أنا وعبده سبيكه بروحينا فوجدته ميتاً ومكفناً ينتظر الدفن ووجدت السيد على واقفاً وممسكاً بروح المرشد فقلت له لماذا قبضت روح المرشد فقال أنا حر وهذا الملك ملكي أفعل فيه ما أشاء فقلت له لست حراً وأنا شريك لك في الملك قال لست شريكاً لي ، قلت أيفعل كل واحد منا ما يريد فعله ، قال نعم قلت له أتعي ما تقوله جيداً ، قال نعم أعيه جيداً فناديت سيدي إبراهيم ورفعت يدي لأضربه وأسلب ما عنده من ولاية وفي هذه اللحظة حضر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتجفنا ارتجافا شديداً وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أعاد الروح للمريد فاخذ يسير هنا وهناك ثم حدثت مشكلة وهي ان الروح ترتبط بالرزق وكان السيد علي قد شطب رزقه قبل قبض روحه وهو الآن فقير يعيش على أرزاق غيره وكثيراً ما يأتي الي فاقول له اصبر الرجل قد شطب رزقك ) الى هنا انتهى هذا السخف والاستخفاف بعقول الأمة وهذا الكذب والافتراء الذي لم يقل به حتى إبليس واما(/3)
الرد على هذا فمن وجوه متعددة .
اولاً :
ان منهج التصوف يمثل طرقا للضلالة والغي ففي هذا يقول تعالى : ( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) سورة الأنعام( 153) وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود "إن على كل سبيل شيطان يدعو اليه " رواه مسلم وقد امر الله تعالى بالاعتصام وان يكون الطريق واحد يقول تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) سورة ال عمران ( 103 ) وفي قوله تعالى : ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) سورة الأنعام ( 153 ) ولكن يابى المتصوفة إلا أن يصدق فيهم قوله تعالى : ( منيبين إليه واتقوه أقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) سورة الروم ( 31-32 ) والمتصوفة في منهجهم كل طائفة ترى إن طريقتها هي الصواب والأخرى على باطل والدليل على ذلك ما جاء في هذه القصة الباطلة وذلك كما يقول " لما ذهب المرشد البرهاني يبشر بطريقته في منطقة الختمية لم يعجب ذلك السيد علي ؟ فقبض روحه إلى آخر الحكاية وإلا لو كانت الطريقة البرهانية حقا فلماذا لم يعجب ذلك السيد علي .
ثانياً :-
يزعم البرهاني أنه لما أخبر بقبض روح مريده طار بروحه هو وعبده سبيكة ولم يبين لنا كيف كان هذا الطيران وهو يزعم أنه طار بروحه ولا يوجد دليل لهذا النوع من الطيران في الدنيا إلا في المنام وذلك لقوله تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) وهو لم يقل أنه كان في المنام حتى يقول بأن هذا أضغاث أحلام ليرفع عنه الملام وبهذا يتضح بطلان ما يقوله في ادعائه للطيران .
ثالثاً :-
من الذي يتولى قبض الأرواح في مفهوم الشرع ؟ أهو السيد على أم ملك الموت والجواب معلوم بالفطرة لكل مسلم بأنه ملك الموت وذلك لقوله تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ) سورة السجد (11) فياله من افتراء عظيم .(/4)
رابعاً :-
يدعي السيد على أن الملك ملكه يفعل ما يشاء ويدعي البرهاني أنه شريك له في الملك وهذا يكذبه صريح قوله تعالى : ( وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ) سورة التكوير (29) وقوله تعالى: ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئٍ وإليه ترجعون ) سورة يس (83) .
خامساً :-
يزعم أن السيد علي لما رفض أن يعيد له روح مريده رفع يده ليضربه ويسلب منه الولاية وذلك بحكم أنه ولي أيضاً وبهذا يفهم أن الولاية عند أهل التصوف تمثل مجتمعاً إجرامياً يضرب فيهم بعضهم بعضاً ويسلب بعضهم بعضاً وقد قال تعالى في صفات أولياءه (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) سورة آل عمران( 134) .
سادساً :-
يزعم أنه في تلك اللحظة حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وردّ للمريد روحه وهذا كذب وافتراء واضح قال تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) سورة (الصف(7) والسؤال هنا كيف ومتى إلتقى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيد علي ومحمد عثمان عبده البرهاني وهذا معلوم من حيث البعد التاريخي لوفاته صلى الله عليه وسلم وبين السيد علي والبرهاني ثم إنه معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يقوم من قبره إلا في يوم القيامة ، وهذا لما ورد في حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أول من تنشق الأرض عن جمجمته يوم القيامة ولا فخر " رواه أحمد
سابعا:-
ً يزعم البرهاني أنه أعاد لمريده روحه وهذا أيضاً من جنس الكذب والافتراء إذ أن الميت إذا مات فلا سبيل لرجوعه لدنيا وهذا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى وذلك في قوله : (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون ) سورة يس (31) ولقوله تعالى أيضاً : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) سورة مريم (98) .
ثامناً :-(/5)
يزعم البرهاني أن السيد علي شطب رزق مريده فهل السيد هو مقسم الأرزاق يقول تعالى في إبطال ذلك الكفر ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) سورة الذاريات (58) ويقول : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) طه 132 ويقول تعالى ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتابٍ مبين) سورة هود(6) .
تاسعاً :-
يزعم البرهاني أن مريد بعد أن اعيدت له روحه مرة أخرى بعد موته وشطب رزقه يعيش على أرزاق غيره ، والسؤال هنا لمحمد عثمان عبده البرهاني هل تلك الأرزاق من الناس خارجة عن دائرة الرزق أم أنها تندرج تحت مسمى الرزق ، فإن كان لايدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم .
المخالفة الثالثة :-
يزعم محمد عثمان عبده البرهاني أن الشيخ إبراهيم الدسوقي تكلم مع الله في عالم الأرواح وطلب منه أن يزيد له في جسمه حتى يملاً النار وحده ولا يدخلها أحد وذلك في كتابه تبرئة الذمة في نصح الأمة لمحمد عثمان البرهاني ص 314 " حيث يقول وطلب سيدي إبراهيم الدسوقي في عالم الأرواح أن يزداد له في جسمه فزيد ثم طلب أن يزداد أكثر فأكثر فزيد وهكذا حتى سأله الجبار جل وعلا عما يريد من كبر جسمه فقال يارب أنت قلت وقولك الحق في كتابك العزيز ( لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) وأنا أريد أن أملأ جهنم لوحدي حتى لا يصلاها أحد فقال جل وعلا أتتكرم على كريم يا إبراهيم إنا شفعناك في سبعين ألف مع كل فرد منهم سبعون ألفاً وكل هذا غير من أخذ طريقتك وغير من دخل مقامك وزارك "
أولاً :-(/6)
إدعاءه أن الله تكلم مع إبراهيم الدسوقي في عالم الأرواح وهذا بعد انتقاله من الدنيا فإذا اتفقنا جدلاً على أن هذا قد حدث فمن الذي أخبر محمد عثمان عبده البرهاني بما كان في ذلك العالم بين الدسوقي وبين الله كما يزعم . إن هذا يمثل منتهى الوضوح في الكذب وقد قال تعالى ( ومن أظلم ممن إفترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لايهدي القوم الظالمين) سورة الصف (7) .
ثانياً :-
ماذا يمثل إبراهيم الدسوقي أهو ملك أم رسول حتى يكلمه الله ؟ يقول الله تعالى في إبطال ذلك : ( وما كان لبشرً أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌ حكيم) سورة الشورى 51
ثالثًاً :-
ما طلبه إبراهيم الدسوق من الله أن يزد له في جسمه أكبر فأكبر حتى يسأله الله عن سبب طلبه يمثل إتهاماً لله عز وجل بالجهل تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا قال تعالى : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) سورة الملك 14 وقال تعالى : ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ) سورة طه 7 .
رابعاً :-
سؤال إبراهيم الدسوقي لله كي يملأ النار وحده وهو يعلم أن الله قال وقوله الحق : (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) يمثل سوء ادب مع الله في آداب السؤال ويمثل أيضاً جهل الدسوقي . هذا لأن الله إذا وعد وعداً فإنه لا يخلفه وذلك لقوله تعالى : ( إن الله لا يخلف الميعاد) وإذا قال قولاً فإنه لا يبدله وذلك لقوله تعالى : ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) سورة ق 29
خامساً:-(/7)
يزعم البرهاني أن الله شفع إبراهيم الدسوقي في سبعين الفاً وهذا كذب وإفتراء يلعب به شيوخ المتصوفة على كثير من البسطاء وضعاف العقول فإن الشفاعة من أحكام القيامة وقبل قيام الساعة لا يعلم الشافع من المشفوع فيه إلا من شهد له القرآن والسنة بذلك من النبيين وغيرهم في مقام العموم والدليل على أنها يوم القيامة ما جاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول شافع ومشفع يوم القيامة ولافخر " رواه مسلم ولن تكون إلا بعد تحديد الله للشافع والإذن له والرضى عن المشفوع فيه وذلك لقوله تعالى ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) سورة البقرة 255 ولقوله تعالى ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) سورة النجم 26 .
المخالفة الرابعة :-(/8)
أباطيل التمائم والأحجبة عند المتصوفة وعند أهل الطريقة البرهانية يقول محمد عثمان عبده البرهاني شيخ الطريقة في كتابه قبس من نور ص 89 ، وحدث أن جماعة من الرجال زاروا الكباشي وكان ولياً من أولياء الله وطلبوا منه حجاباً فقال لأحدهم أحضر لي ورقة فأحضر له ورقة فكتب فيها الكباشي الروب الروب (اللبن) وملأ الورقة بكتابه هذه الكلمة ولم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بهولاء الجماعة يسيرون فوق الماء بأقدامهم . ويقول في ص 83 – 84 في نفس المصدر : فمثلاُ أنا محمد عثمان البرهاني قرأت الإسم ورددته مرات كثيرة فتنزلت ملائكة هذا الإسم بعد ستين سنة ثم أبرمت اتفاقاً فعندما أعطى هذا الإسم لمريد من المريدين فبدلاً أن تنزل عليه الملائكة بعد ستين سنة كما فعلت أنا فإنها ستنزل عليه بعد خمس عشرة سنة وعندما تقرأ الاسم الإلهي واحداً وأربعين يوماً تنزل عليك ملائكة الإسم وتستطيع أن تسخر ملائكته وتتعامل معها إلى أن يقول وقد جاءني أحد الجيران يشكو من كثرة عدد السارقين فرسمت له حجاباً وقد سرقت بقرته وقلت له ما عليك إلا أن تقرأ هذا القسم وسيأتي إليك الملك طارش وهو :" يا معشر الجن يا معاشر العمار فلان بن فلان من سيدي إبراهيم أخذ القسم بإذن من شيخه من سيدي إبراهيم من النبي صلى الله عليه وسلم لخدمة الطريقة أو لخدمة نفسه فبايعوه بالخدمة والطاعة فأخذ الرجل الحجاب وعلقه داخل الحجرة فعادت البقرة المسروقة إلى حجرته " هذا في ص 86 -87 من لكتابه قبس من نور لمحمد عثمان عبده البرهاني .
وأما الرد على ذلك الإفك المبين وتلك الشعوذة والضلال فمن وجوه :
أولا:(/9)
أن شريعة الإسلام قد جعلت تلك التمائم والأحجبة من أنواع الشرك لأنها تتنافى مع عبادة التوكل والإيمان بالقدر حيث يقول تعالى: ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) سورة التوبة 51 ويقول تعالى أيضاً ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير ) الأنعام 17 ومن هنا كان قوله صلى الله عليه وسلم من حديث بن مسعود ( إنما الرقى والتمائم والتولة شرك ) رواه أبو داؤود وفي رواية أخرى عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ) رواه أحمد .
ثانياً :-
إن جميع هؤلاء المتصوفة من أتباع الشيوخ يعلقون التمائم المغلفة بجلود سميكة ولا يعلمون ما كتب فيها وهي تحتوي على مثل هذا الدجل كما في الحجاب الذي كتب فيه الشيخ الروب الروب وقد يخلطون بعض الآيات القرآنية مع بعض الكلمات الشيطانية وقد أوضح محمد عثمان البرهاني أنواعاً من الاحجبة والتمائم في كتابه تبرئة الذمة ص 290 ورسم صورة لحجاب أي التميمة مكتوب فيها (الحمد لله رب العالمين جبروت بحق صرف است غير المغضوب عليهم ولا الضالين ملك أهل جسم دوذخ اهل شقاوات واخترامات) وهذا كله من تلبيس الحق بالباطل ومن أنواع السحر التي توحي به الشياطين لهؤلاء المضلين .
ثالثاً :-
يزعم هذا المفتري البرهاني انه تنزلت عليه ملائكة وعقدت معه إتفاقاً للتعامل مع الأحجية والتمائم وأن هناك ملكاً يقسم عليه بعد تعليق الحجاب بالقسم المذكور وان اسمه طارش يأتي لمساعدة صاحب الحجاب.(/10)
ويكفي أن يرد على ذلك الضلال بقوله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ) سورة الصف 7 ، وأن الملائكة عالم غيبي نؤمن بوجوده ولانراه وذلك في حديث أركان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته.. الى آخر الحديث ) رواه مسلم وإنهم لا يمارسون ذلك الدجل والباطل لقوله تعالى : (ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) سورة التحريم 6 ، وليعلم الشيخ البرهاني وجميع من يصدق ذلك أن من يزعم محمد عثمان البرهاني عقد معهم إتفاقاً للأحجبة بما فيهم من زعم أنه من الملائكة وأن إسمه طارش ما هو إلا شيطان رجيم كما قال تعالى ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) (الأنعام 112)
وكما قال تعالى ايضاً ( وإن الشياطين ليوحون الى أولياءهم ليجادلوكم ولئن أطعتموهم إنكم إذا لمن المشركون) سورة الأنعام 121.
المخالفة الخامسة :-(/11)
أوراد وأذكار شيطانية في منهج الطرية البرهانية . إنه من المعلوم أن الله تعالى قد أمر بعباده الذكر فقال ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا ) سورة الأحزاب(41-42) وقال تعالى . والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ) سورة الأحزاب 35 ولكن الذكر يتأسى فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) سورة الأحزاب 21وذكر النبي صلى الله عليه وسلم معروف كان عبارة عن تلاوة القرآن والتسبيح والإستغفار والصلاة عليه ولكن الصوفية يختلفون معه ويخترعون أوراداً ما أنزل الله بها من سلطان ليس لها معنى وهي وحي شياطينهم قد كشفنا عنها من خلال هذه الرسائل ومن أذكار الطريقة البرهانية الباطلة والتي هي من تلبيس إبليس ما جاء في كتاب مجموعة أوراد الطريقة البرهانية تأليف الشيخ إبراهيم محمد عثمان عبده البرهاني ص 210 في الحزب الكبير يقول الذكر " الم نووا فلووا عما نووا ثم لووا عما نووا فغمط فوقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فهم لا .)
وفي صفحة 28 يقول الذاكر ( وكان الله قوياً عزيزاً بها بها بها بهيا بهيا بهيا بهيات بهيات بهيات القديم الأزلي . وفي صفحة 26 يقول الذاكر البرهاني (وكرب كدٍ كدٍ كردد كردد كرده كرده ده ده ده الله ) والناظر لهذه الأباطيل يجد فيها آيات من سور مختلفة غير مرتبة كما رتبت في كتاب الله العزيز حيث توجد كل آية في سورتها وهذه مخالفة لهدى النبي صلى الله عليه وسلم في ترتيب القرآن وما أجمعت عليه الأمة أما تلك الطلاسم الأخرى فما هي إلا من وحي الشياطين ونعوذ بالله من شر الشياطين فهذه بعض مخالفات الطريقة البرهانية والله نسأل السداد والقبول .وأن يثبتنا على دينه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
...........
وهذه الوقفات(/12)
هي وقفات للشيخ السوداني محمد مصطفى عبدالقادر
نفع الله به(/13)
الطريقة التيجانية
كتاب " التجانية " - علي بن محمد الدخيل الله
إنها واحدة من الطرق الصوفية الكثيرة ، وتنسب إلى أحمد التجاني ، فمن هو أحمد التجاني ؟
شيخ الطريقة
إنه أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم التِّجاني المضاوي .
ولد التجاني سنة ( 1150هـ - 1737 م ) ، بقرية " عين ماضي " ، التي تقع الآن بالجزائر . حفظ القرآن في صغره على يد الشيخ محمد التجاني ، ثم اشتغل بطلب العلوم الشرعية ؛ فقرأ مختصر خليل ومقدمه ابن رشد والأخضري . ثم مال إلى طريق التصوف ، وكان لرحلاته الكثيرة أثر في سلوكه هذا الطريق .
وفاته :
توفي في شوال سنة ( 1230هـ - 1815 م ) . ( التجانية ص 48 لـ علي بن محمد الدخيل الله )
كيف نشأت التجانية ؟ .
ذكرنا فيما سبق أن رحلات التجاني كان لها أثر كبير في سلوكه طريق التصوف ؛ حيث التقى في رحلاته تلك بكثير من أرباب هذا الشأن ، وأخذ عنهم طرقهم في السلوك والتصوف .
وفي سنة ( 1196 هـ ) بدا له أن ينشئ طريقة خاصة يستقل بها عمن سبقه ، قال صاحب الجواهر : " .... ثم رجع إلى قرية أبي سمغون وأقام بها واستوطن ، وفيها وقع له الفتح ، وأذن له صلى الله عليه وسلم في تلقين الخلق ، وعين له الورد الذي يلقنه في سنة 1196 هـ " ( جوهر المعاني 1: 51 ) .
هذه أول نشأتها ، ثم انتشرت بعد ذلك على يد الأتباع ، وتتركز هذه الطريقة الآن في غرب إفريقيا ، في المغرب ، والسنغال و نيجيريا وموريتانيا ، كما توجد في مصر والسودان وبعض الدول العربية .
عقائد التجانية :
أولاً : عقيدتهم في الله :(/1)
يوجد في كتب التجانية الكثير من النصوص التي تدل على إيمانهم بوحدة الوجود ، ومنها ما ذكره صاحب جواهر المعاني : " .... اعلم أن أذواق العارفين في ذوات الوجود أنهم يرون أعيان الموجودات ( كسراب بقيعة ) ( النور : 39 ) ، فما في ذوات الوجود كله إلا الله سبحانه وتعالى تجلى بصورها وأسمائها وما ثم إلا أسماؤه وصفاته ... " ( الجواهر : 259 ) .
وقال في ميدان الفضل : " والقائلون بوحدة الوجود أولو الذوق الصحيح ، والكشف الصريح وأهل هذا التصديق الجامع ؛ فإنهم قائلون بأن الله تعالى هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي .. . " ( ميدان الفضل والأفضال 66 ) .
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المبثوثة في كتبهم .
ويجب أن نشير هنا إلى تناقض هذه العقيدة الفاسدة مع عقيدة أهل السنة الذين يعتقدون أن الله تعالى بائن من خلقه ، لا يشبهه شيء من مخلوقاته، متصف بصفات الكمال ، ونعوت الجلال ، فله الأسماء الحسنى والصفات العلا ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) . ( الشورى :11 ) .
فمن اعتقد أن الله متحد بمخلوقاته ، وأن الرب عين العبد ، والعبد عين الرب فقد كفر بما أنزل على محمد .
وقد حكى القاضي عياض الإجماع على كفر من أدعى مجالسة الله ، والعروج إليه ومكالمته ، أو حلوله في أحد من الأشخاص ، كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصاري والقرامطة . ( انظر الشفا ، 2 : 245 ) .
ثانياً : عقيدتهم في القرآن :
يعتقد كثير من التجانيين بأن " صلاة الفاتح لما أغلق " أفضل من القرآن الكريم ، وقبل أن نذكر النصوص التي وردت في كتبهم في ذلك نذكر نص صلاة الفاتح لما أغلق التي يزعم التجانيون أنها أفضل من القرآن الكريم .
صلاة الفاتح لما أغلق :
" اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، ناصر الحق بالحق ، الهادي إلى صراطك المستقيم ، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم " .
أما النصوص التي تبين ذلك فنحن نقتصر على بعض منها فيما يلي :(/2)
1- قال مؤلف جواهر المعاني : "... ثم أمرني بالرجوع صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفاتح لما أغلق ، فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها ، فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات ، ثم أخبرني ثانياً : أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ، ومن كل ذكر ، ومن كل دعاء كبير أو صغير ، ومن القرآن ست آلاف مرة " . ( 1 : 136 ) .
2- ثم هم أيضاً يعتقدون أنها من كلام الله ، وفي ذلك يقول مؤلف الرماح أن من شروطها : " أن يعتقد أنها من كلام الله " ( الرماح : 139 ) .
3- وقال مؤلف بغية المستفيد : " ... مع اعتقاد المصلى بها أنها في صحيفة من نور أنزلت بأقلام قدرة إلهية وليست من تأليف زيد ولا عمرو بل هي من كلامه سبحانه ، وأنها لم تكن من تأليف بشري ،والفضل الذي فيها لا يحصل إلا بشرطين : الأول : الإذن ، الثاني : أن يعتقد الذاكر أن هذه الصلاة من كلام الله تعالى كالأحاديث القدسية وليست من تأليف مؤلف " ( الدرة الخريدة 4 : 128 ، 129 ) .
وهكذا يفترون على الله الكذب ، ويزعمون أن صلاتهم وحي من الله ، والله تعالى يقول : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أُوحي إليَّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) ( الأنعام : 93 ) .
وهم يفضلونها على القرآن ، بينما يعتقد أهل السنة أن فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه .
ثالثاً : عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم :
تتلخص أهم الانحرافات العقدية عند التجانية في رسول الله صلى الله عليه وسلم في النقاط التالية :
1- إيمانهم برؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة .
ومن نصوصهم في ذلك
- قال في جواهر المعاني : " قال رضي الله عنه : أخبرني سيد الوجود يقظة لا مناماً ، قال لي : أنت من الآمنين .... ) ( 1: 129 ) .(/3)
- قال في الرماح : ( ولا يكمل العبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة .. " ( رماح حزب الرحيم ، 1 : 199 ) .
- وقال في الدرة الخريدة : " وأما الذي هو أفضل وأعز من دخول الجنة فهو رؤية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم في اليقظة ، فيراه الولي اليوم كما يراه الصحابة رضي الله عنهم فهي أفضل من الجنة ( 1 : 47 )
وبناءً على ذلك ، فإنهم يزعمون أنهم يستفتونه ويتلقون منه الأوراد ويسألونه عن صحة الأحاديث . ( أنظر جواهر المعاني : 2: 228 ، بغية المستفيد ص 79 ) .
وهذا اعتقاد فاسد ، فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته مستحيلة شرعاً وعقلاً . كما إن الوحي قد انقطع بوفاته صلى الله عليه وسلم . ( راجع : التجانية ص 127 وما بعدها ) .
* الاستمداد من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الشيخ التجاني :
إن عقيدة الاستمداد من النبي صلى الله عليه وسلم والمشايخ موجودة لدى كثير من المبتدعة والصوفية . والتجانية من الذين يؤمنون بعقيدة الاستمداد من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الشيخ التجاني ، وأنه يعطي ويمنع ، ويشفي ويمرض ، ويجيب دعاء المضطر وغير ذلك ، وسنذكر فيما يلي بعض النصوص التي تبين ذلك :
- قال مؤلف جواهر المعاني : "... لا شك أنه صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان تام في نفسه ، لا يطرأ عليه النقص بوجه من الوجوه ، كامل صلى الله عليه وسلم، يفيض الكمالات على جميع الوجود من العلوم والمعارف ، والأسرار والأنوار ، والأحوال والفيوضات ، والتجليات والمواهب والمنح وجميع وجوه العطايا . فكل ما يفيضه الحق سبحانه وتعالى على الوجود مطلقاً ومقيداً أو كثيراً أو قليلاً مما اشتهر أو شذ إنما يفيضه بواسطة الرسول صلى الله عليه سلم . فمن ظن أن يصل شيء إلى الوجود بغير واسطة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد جهل أمر الله ، وإن لم يتب خسر الدنيا والآخرة بهذا الاعتقاد .... " .(/4)
- ونقل مؤلف كتاب رماح حزب الرحيم عن التجاني قوله :
" إن روح النبي صلى الله عليه وسلم وروحي هكذا ( وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها ) فروحة تمد الأنبياء ، وروحى تمد الأقطاب والعارفين والأولياء " . ( الرماح ، 2 : 142 ) .
- وقال مؤلف بغية المستفيد : " قال رضي لله عنه إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء ، وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي ، ومنى يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور ..... وقال : لا يتلقى ولي فيضاً من الله تعالى إلا بواسطته رضي الله عنه من حيث لا يشعر به ، ومدده الخاص به إنما يتلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم " 0( ص 225 ) .
وهم يثبتون هذا المدد للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته .
- قال مؤلف الدرة الخريدة : " ... ومن توهم أنه صلى الله عليه وسلم انقطع جميع مدده على أمته بموته صلى الله عليه وسلم كسائر الأموات ، فقد جهل رتبة النبي صلى الله عليه وسلم وأساء الأدب معه ويخشى عليه أن يموت كافراً ، إن لم يتب من هذا الاعتقاد .. " ( 4 : 203) .
وهذا أيضاً اعتقاد فاسد كالذي قبله ، فإن الله وحده هو الذي يملك الضر والنفع ، والهداية والضلال ، وهو وحده الخالق الرازق ، المحي المميت ، لا يملك أحد من ذلك شيئاً ، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ، فضلاً عن غيرهما .
وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) . ( الأعراف : 188 ) .
ونستطيع القول : إن كل ما يوجد عند الصوفية من انحراف في عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم فإنه موجود عند التجانية .
رابعاً عقيدتهم في التجاني :
يعتقد التجانيون أن التجاني خاتم الأولياء ، كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء :(/5)
فقد ذكر مؤلف رماح حزب الرحيم من أسباب تسميتهم الطريقة التجانية بالمحمدية :
"...أن الله تعالى لما ختم بمقامه مقامات الأولياء ، ولم يجعل فوق مقامه إلا مقامات الأنبياء ، وجعله القطب المكتوم ، والبرزخ المختوم ، والخاتم المحمدي المعلوم .... " ( 2 : 145 ) .
- وقال مؤلف بغية المستفيد : " فقد ثبت عنه من طريق الثقات الأثبات من ملازميه وخاصته ، أنه أخبر تصريحاً على الوجه الذي لا يحتمل التأويل أن سيد الوجود أخبره يقظة بأنه هو الخاتم المحمدي المعروف عند جميع الأقطاب والصديقين ، وبأن مقامه لا مقام فوقه في بساط المعرفة بالله . . " ( ص : 193- 194 ) .
ثم قال بعد ذلك : " .... وبالجملة فقد اجتمع على إثبات هذا المقام لشيخنا رضي الله عنه جميع من لازمه إلى وفاته رضي الله عنه ، ولم يختلف منهم اثنان فيه ، حتى استفاض ذلك على ألسنة الخاص والعام من الأصحاب والإخوان في سائر البلدان ، فلا يلتفت لنفي من نفاه كائناً من كان " ( ص 194 ) .
معنى خاتم الأولياء عندهم :
التجاني خاتم الأولياء عندهم بمعنى أفضلهم ، وليس معناه أنه لا يأتي بعده ولي بعده بل قد يأتي بعده أولياء ولكنهم لا يصلون مرتبته ، وفي ذلك يقول مؤلف البغية : " .... ومعنى كونه خاتماً لمنصب الولاية المحمدية ألا يظهر أحد في ذلك المنصب بمثل الظهور الذي ظهر به فيه ، فهو خاتم لكمال الظهور في ذلك المنصب لا لنفس الظهور " . ( بغية المستفيد : 107 ) .
وهكذا نجد أن التجانية يزعمون أن مؤسس الطريقة التجانية هو خاتم الأولياء ، وهم في ذلك كغيرهم من أصحاب الطرق الأخرى ؛ وذلك نظراً لما يزعمونه من فضائل خاتم الأولياء .
خامساً : زعم التجاني أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن له ولأتباعه الجنة :(/6)
قال في الجيش الكفيل بأخذ الثأر : " وسألته صلى الله عليه وسلم لكل من أخذ عنى ورداً أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ، ما تقدم منها وما تأخر ، وأن تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله ، لا من حسناتهم ، وأن يدفع الله عنهم محاسبته على كل ، وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى ، وأن يكونوا معي في عليين في جوار النبي صلى الله عليه وسلم . فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ضمنت لك هذا ضماناً لا تنقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين " ( ص 214 ، 215 ) .
- وقال مؤلف بغية المستفيد : " إن من جملة ما ذكره سيدنا - رضي الله عنه - من فضل هذا الورد العظيم عن نبينا المصطفي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ، أن كل من أخذه عن الشيخ أو عمن عنده الإذن الصحيح في التلقين ، يكون مقامه ومستقره من فضل الله تعالى في أعلى عليين ، بجوار سيد المرسلين ،وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ، ويغفر الله له تعالى بفضله من ذنوبه الكبائر والصغائر ، وتؤدي عنه التبعات من خزائن الرب المجيد القادر ، ولذلك كان آمناً من أن يروعه هول المحشر أو يؤلمه ضنك القبر ، وأزواجه وأولاده المنفصلون عنه دنية ، وكذا أبواه داخلون معه في الخير الجزيل ، بشرط ألا يصدر بغض عن الجميع في هذا الشيخ الجليل وجانبه الأعز المنيع" . ( ص 273 ) .
وهكذا نجد أن التجاني وأتباعه قد ضمنوا الجنة وإن ارتكبوا الكبائر ، بل وإن وقعوا في الشرك والكفر الصريح .
بينما نجد أن أهل السنة لا يقطعون لمعين بالجنة إلا بدليل خاص ، كما لا يشهدون على معين بالنار إلا بدليل خاص .
ولا يخفى ما في قول التجانية من جرأة على الله ، وادعاء بمعرفة الغيب ؛ إذ الخواتيم بيد الله لا يعلمها غيره سبحانه وتعالى .
سادساً : بدعهم في الأدعية والأذكار :(/7)
للتجانيين مجموعة كبيرة من الأوراد والأذكار المبتدعة ، منها ما هو لا زم لمن دخل الطريق ، ومنها ماهو اختياري . ونحن نجملها فيما يلي :
أولا : الأوراد الإجبارية
أ/ الورد :
ويقرأ صباحاً ومساء وهو :
1- أستغفر الله . ( مائة مرة ) .
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة . ( مائة مرة ) .
3 - الكلمة المشرفة لا إله إلا الله . ( مائة مرة ) .
ولا بد من الترتيب في الأوراد . ( أحزاب وأوراد التجاني : 8 ) .
ب / الوظيفة :
وتقرأ في اليوم مرة إما صباحاً وإما مساء ، فإن قرئت في الوقتين كان أفضل ، وهي :
1- أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم . ( ثلاثين مرة ) .
2- ثم صلاة الفاتح لما أغلق . ( خمسين مرة ) .
3- ثم لا إله إلا الله . ( ما ئة مرة ) .
4- ثم جوهرة الكمال . ( اثنتي عشرة مرة ) .
ومن شروط قراءة جوهرة الكمال عندهم :
1- أنها لا تقرأ إلا بالطهارة المائية دون الترابية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - على زعمهم - يحضرون عند قراءة السابعة منها .
وينوب عن جوهرة الكمال عشرون من صلاة الفاتح لما أغلق لغير المتوضيء .
2- وجود الفراش الطاهر الذي يسع ستة أشخاص ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر والخلفاء الأربعة . ( السابق : 10 ) .
ج/ ذكر الجمعة :
من الأوراد اللازمة في الطريقة ذكر " لا إله إلا الله " ساعة أو أكثر متصلة بغروب الشمس بعد صلاة العصر يوم الجمعة ، ولا يشترط التقييد بعدد .
فإن لم يتمكن من الذكر ساعة ذكرها من ألف إلى ألف وستمائة ، ولا بد من اتصال الذكر بالغروب سواء بعدد أو بغير عدد ، فقد ورد أن الصحف تعرض على الحق سبحانه في كل أسبوع فيكون آخر صحيفته لا إله إلا الله ، وأولها لا إله إلا الله . ( السابق : 10 ، 11 ) .(/8)
كما يشترط فيها أيضاً ما يشترط في جوهرة الكمال من أنها لا تصح إلا بالطهارة المائية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحضرها في زعمهم . ( الدرة الخريدة ، 3 : 200 ) .
نموذج من هذه الأوراد :
1- صلاة الفاتح لما أغلق . ( وقد سبقت الإشارة إليها ) .
2- جوهرة الكمال ، وهي :
" اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية ، والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ، ونور الأكوان المتكونة الآدمي ، صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المائلة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني ، اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق ، عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم ، اللهم صل على طلعة الحق بالحق ، الكنز الأعظم ، إفاضتك منك إليك ، إحاطة النور المطلسم صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه " ( أحزاب وأوراد التجاني ، 13 ، 14 ) .
ثانياً : الأوراد الاختيارية :
وهي كثيرة جداً نذكر منها :
1- ياقوتة الحقائق .
2- الصلاة الغيبية .
3- الحزب السيفي .
4- حزب البحر .
5- الأسماء الإدريسية .
6- استغفار الخضر .
7- دعاء لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته .
8- صلاة رفع الأعمال .
9- المسبعات العشر .
10- دعاء في قوت القلوب .
ويشترط فيها الإذن الخاص من الشيخ أو من يقوم مقامه . ( السابق : 22 ) .
نماذج من هذه الأوراد :
1- من أوراده استغفار الخضر وهو :
" الهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه ، وأستغفرك من كل ما وعدتك به نفسي ثم لم أوف لك به، وأستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطني فيه غيرك ، وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها على فاستعنت بها على معصيتك ، وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة ، ومن كل ذنب أذنبته في ضياء النهار أو سواد الليل في ملاء أو خلاء أو سر أو علانية يا حليم " ( السابق : 104 ، 105 ) .(/9)
2- دعاء يقرأ عدة مرات لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته :
" اللهم اجمع جميع أذكار الذاكرين وجميع صلوات المصلين ، واجعل جميع الأذكار ذكرى ، وجميع الصلوات صلاتي في سيدنا محمد شفيع المذنبين ، وعلى آله الأبحر الكاملين عدد ما في علمك يارب " ( السابق : 106 ) .
3- ومن أوراده صلاة رفع الأعمال وهي :
" اللهم صل على سيدنا محمد النبي عدد من صلى عليه من خلقك ، وصل على سيدنا محمد النبي كما ينبغي لنا أن نصلي عليه ، وصل على سيدنا محمد النبي كما أمرتنا أن نصلي عليه " .
ب/ الأصل في هذه الأوراد :
قال مؤلف الدرة الخريدة : " ..... ثم إن العبد إذا دخل طريق القوم وتبحر فيه أعطاه الله عز وجل هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الإلهية الظاهرة على حد سواء ، فيستنبط في الطريق واجبات ومندوبات وآداباً ومحرمات ومكروهات وخلاف الأولى نظر ما فعله المجتهدون .. ومن دقق النظر علم أنه لا يخرج شيء من علوم الله تعالى عن الشريعة .. إلخ " ( 3 : 216 ) .
وبمثل هذه المبتدعات صرفوا الناس عن الصلوات والطيبات والزاكيات التي نطق بها فم الرسول الطاهر صلى الله عليه وسلم ، وحرموا المسلمين الأجر الحقيقي ، واتباع الرسول ، إلى اتباع هؤلاء المبتدعين .
أشهر التجانيين : ( انظر التجانية ( علي الخيل الله ) :
1/ علي حرازم : أبو الحسن الحاج علي بن العربي برادة المغربي الفاسي ويعتبر أكبر خلفاء الشيخ التجاني ، وقد توفي في المدينة سنة 1217 هـ .
2- محمد بن المشرى : وكان أول اجتماعه بالتجاني 1188 هـ ، اتخذه التجاني إماماً في الصلاة حتى سنة 1208هـ . ولما نبع محمد بن المشرى ، خشى التجاني أن ينافسه مشيخة الطريقة ، فأمره بالخروج إلى الصحراء . وقد توفي بعين ماضي ناحية الصحراء في سنة 1224 هـ .
ومن أهم مؤلفاته :
- كتاب الجامع لما افترق من العلوم .
- كتاب نصرة الشرفاء في الرد على أهل الجفاء .(/10)
3- عمر الفوتي : عمر بن سعيد بن عثمان الفوتي السنغالي الأزهري التجاني ولد سنة 1797 م ، حفظ القرآن على والده ، تلقى تعليمه في الأزهر .
بعد رجوعه إلى بلدة " بورنو " في سنة 1249 هـ - 1833 م بدأ حملة لنشر الإسلام بين الوثنيين هناك وكان له جهاده ضد الوثنين والمتعاونين مع فرنسا .
وفاته :
قيل إنه توفي سنة 1281 هـ ، وقيل 1282 هـ ، وقيل إن وفاته كانت سنة 1283 هـ . ( التجانية ص 70، 71 ) .
من مؤلفاته :
أ/ كتاب : رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم " .
ب/ "سيوف السعيد " .
ج/ كتاب " سفينة السعادة " .
4- أحمد سكيرج العياش : ولد بفاس 1259 هـ ، وقرأ القرآن على الفقيه محمد بن الهاشمي الكتامي .
ثم التحق بدروس العلم بمسجد القرويين بفاس .
أخذ الإذن بالأوراد عن محمد قنون بمحراب زاوية التجاني . وقرأ الفتوحات المكية ، والإنسان الكامل ، كانت وفاته في مدينة مراكش في 23 شعبان سنة 1363 هـ .
مؤلفاته :
يعتبر أحمد سكريج من أكثر أتباع التجاني كتابة وتأليفاً ، إذ بلغت مؤلفاته حوالي 140 مؤلفاً .
ومنها :
أ - الكوكب الوهاج .
ب - قدم الرسوخ فيما لمؤلفه من الشيوخ .
ج - قرة القين في الجواب عن الأسئلة المودعة خبيئة الكون وغيرها كثير .
5- محمد الحافظ التجاني : وهو محمد عبد اللطيف التجاني بن سالم الشريف الحسني المصري .
ولد في ربيع الثاني عام 1315 هـ بإحدى قرى المنوفية بمصر . كانت له عناية بالحديث وعلومه ، وكانت وفاته عام 1398 هـ ، وقد دفن بالزاوية التجانية بالقاهرة .
مؤلفاته :
تترك كثيراً من المؤلفات ومنها :
- الحق في الحق والخلق .
- رسول الإسلام ورسالته الجامعة .
- أصفى مناهل الصفا في مشرب خاتم الأولياء .
- رسول الإسلام ورسالته الجامعة .
- شروط الطريقة التجانية .
وغيرها من المؤلفات .(/11)
هذه خلاصة وعجالة لهذه الطريقة التي انتشرت انتشاراً ذريعاً في شمال إفريقية وفي وسطها وغربها ، وضمت تحت لوائها ملايين كثيرة من أبناء المسلمين . وهذا جانب يسير من واقعها الفعلي وإلا فقد جاء من بني على هذا الواقع الفاسد ، وزعم أنه صاحب الفيضة التجانية الذي بشر به التجاني ، وأن أتباعه يدخلون جميعاً الجنة بغير حساب ولو كانوا كفاراً ولو أنهم لم يفعلوا شيئاً قد من الدين ، أو استحلوا كل المحرمات لأن الله اختارهم لذواتهم فقط وهذا الشخص هو ( الحاج إبراهيم السنغالي ) والذي كان له شأن عظيم ، وبسط دعوته تلك في أصقاع كبيرة من القارة الأفريقية .
والحق أنها ليست إلا أنموذجاً للطرق الصوفية الكثيرة التي أصبحت داءً ينخر في جسد الأمة الإسلامية ، ويمنعها من تبوؤ مكانتها اللائقة بها في هذه الحياة .
الشبكة الإسلامية(/12)
الطريقة التيجانية حقائق وأسرار
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه .. وبعد:
فبناء على ما اقترحه سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من كتابة بحث مختصر عن الطريقة التيجانية وإدراجه في جدول أعمال الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء – أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثاً في ذلك ضمنته ما يلي:
1- كلمة عن أحمد التجاني منشئ هذه الطريقة وعن مصدرها.
2- نبذ من عقيدته وعقيدة أتباعه.
3- حكم الشريعة فيمن يعتقد هذه العقيدة.
الموضوع الأول
كلمة عن أحمد بن محمد التجاني
وعن مصادر الطريقة التيجانية
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد التجاني، ولد عام 1150 من الهجرة بقرية عين ماضي التي وفد إليها جده محمد، فاستوطن بها وتزوج من قبيلة فيها تدعى تجاني أو تجانا فكانت أخوالاً لأولاده وإليها نسبوا.
نشأ أبو العباس بهذه القرية وحفظ بها القرآن ورحل في طلب العلم إلى بلاد عدة، وتأثر في أسفاره بمن التقى به من مشايخ الطرق الصوفية وأخذ الطريق عن عدة منهم ثم انتهت به رحلاته إلى أبي صيفون، وهناك زعم أنه قد جاءه الفتح، وأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً وأنه أذن له في تربية الخلق على العموم والإطلاق وأخذ عنه الطريقة الصوفية مشافهة وأمره أن يترك كل طريق أخذه عن مشايخ الطرق الصوفية اكتفاء بما أخذه عنه صلى الله عليه وسلم مشافهة وعين له النبي صلى الله عليه وسلم الورد الذي يلقنه مريديه، وهو: الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك سنة (1196) من الهجرة، وكمل له الورد بسورة الإخلاص على رأس المائة؛ ولذا سميت الطريقة الأحمدية والمحمدية، كما سميت التيجانية نسبة إلى القبيلة التي صاهرها جده محمد فنسبوا إليها.(/1)
وزعم أحمد التجاني بعد شهرته أنه شريف ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، ولم يشأ أن يعول في إثبات ذلك على وثائق مكتوبة ولا على أخبار الأعيان والآحاد، بل زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وسأله عن نسبه، فأجابه بقوله: أنت ولدي حقاً، وكررها (ثلاث مرات) ثم قال: نسبك إلى الحسن صحيح. أ.هـ ملخصاً من الباب الأول من [جواهر المعاني] لعلي حرازم، ومن الفصل الثامن والعشرين من كتاب [الرماح] لعمر بن سعيد الفوتي.
وهذا وإنه لم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته صلى الله عليه وسلم ، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، قال تعالى: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ? [المائدة:3]، فلا شك أن ما زعمه أحمد التجاني لنفسه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عين له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لاشك أن هذا من البهتان والضلال المبين.
الموضوع الثاني
نبذ من عقيدته وعقيدة أتباعه
نظراً إلى أن الدواعي التي دعت إلى إعداد بحث عن الطريقة التيجانية ليعرض على هيئة كبار العلماء في الدورة العاشرة لا تعني مناقشة رؤساء هذه الطريقة ولا الرد عليهم وبيان الصواب لهم إنما تعني ذكر نقول من كتبهم تتجلى فيها عقائدهم ويمكن بعد الإطلاع عليها الحكم من خلالها عليهم بما تقتضيه هذه النقول.(/2)
لهذا اقتصرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على مجموعة من النقول من بعض كتبهم دون استقصاء تتبين منها عقائدهم ويسهل الحكم بمقتضياتها عليهم، ولم تضف إليها من عندها إلا إشارات خفيفة، وفيما يلي ذكر نقول من [كتاب جواهر المعاني وبلوغ الأماني] لعلي حرازم، وكتاب [رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم] لعمر بن سعيد الفوتي:
قال علي حرازم: (أعلم أن سيدنا رضي الله عنه سئل عن حقيقة الشيخ الواصل وما هو، فأجاب: أما ما هو حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظرة الإلهية نظراً عينياً وتحقيقاً يقينياً، فإن الأمر أوله محاضرة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف ثم مكاشفة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة وهو تجلي الحقائق بلا حجاب ولكن مع خصوصية ثم معاينة وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية ولا بقاء للغير والغيرية عيناً وأثراً وهو مقام السحق والمحق والدك وفناء الفناء فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق.
فلم يبق إلا الله لا شيء غيره فما ثم موصول وما ثم واصل
ثم حياة وهي تميز المراتب بمعرفة جميع خصوصياتها ومقتضياتها ولوازمها وما تستحقه من كل شيء ومن أي حضرة كل مرتبة منها ولماذا وجدت وماذا يراد منها وما يؤول إليه أمرها وهو مقام إحاطة العبد بعينه ومعرفته بجميع خصوصياته وأسراره ومعرفة ما هي الحضرة الإلهية وما هي عليه من العظمة والجلال والنعوت العلية، والكمال معرفة ذوقية ومعاينة يقينية، وصاحب هذه المرتبة هو الذي تشق إليه المهامة في طلبه لكن مع هذه الصفة فيه كمال أذن الحق له إذناً خاصاً في هداية عبيده وتوليته عليهم بإرشادهم إلى الحضرة إلالهية، فهذا هو الذي يستحق أن يطلب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي جحيفة: سل العلماء وخالط الحكماء واصحب الكبراء.(/3)
وصاحب هذه المرتبة هو المعبر عنه بالكبير، ومتى عثر المريد على من هذه صفته فلازم في حقه أن يلقي نفسه بين يديه كالميت بين يدي غاسله لا اختيار له ولا إرادة ولا عطاء له ولا إفادة وليجعل همته منه تخليصه من البلية التي أغرق فيها إلى كمال الصفاء بمطالعة الحضرة إلالهية بالإعراض عن كل ما سواها ولينزه نفسه عن جميع الاختيارات والمرادات مما سوى هذا، ومتى أشار عليه بفعل أوامر فليحذر من سؤاله بلم وكيف وعلام ولأي شيء؟ فإنه باب المقت والطرد، وليعتقد أن الشيخ أعرف بمصالحه منه وأي مدرجة أدرجه فيها فإنه يجري به في ذلك كله على ما هو لله بالله بما في إخراجه عن ظلمة نفسه وهواها..) الخ.
ومن أمثلة غلو أتباع أحمد بن محمد التجاني فيه ما قاله علي حرازم ونصه:
( واعلم رحمك الله أني لا أستوفي ما لسيدنا وشيخنا ومولانا أحمد التجاني رضي الله عنه من المآثر والآيات والمناقب والكرامات أبد الآبدين ودهر الداهرين لأني كلما تذكرت فضيلة وجدت فضيلة أخرى وكلما تذكرت آية رأيت أكبر من أختها إلى هلم جرا .. ) إلى أن قال: ( لأن مآثر هذا الشيخ لا تحصى ومناقبه لا تستقصى فقد شاعت بها الأخبار حيث سار الليل والنهار وليس يوجد لها حد ولا مقدار، وإنما نور صبابة منها وشظية من عدها فقد يكل عنها القرطاس والعلم ويعيا في طلبها اليد والقدم ...) الخ.(/4)
وبعد أن أثنى على من نقل عنهم في كتابه جواهر المعاني قال: (جعلنا الله وإياكم من المنخرطين في سلكه ومن المحسوبين في حزبه وممن عرف قدره وقدر محبه بجاه محمد وآله وصحبه، فإنه من تشبث بأذيالهم بلغ المأمول وكان فيما يرومه قريب الوصول فابسط أيها المحب يد الضراعة عند ذكرهم وقف متذللاً عند بابهم وقل بلسان الافتقار إليهم: ارحم عبدك الضعيف وإن كان بها على الجور والتطفيف، فقد قال تعالى على لسان رسوله: "أنا عند المنكسرة قلوبهم ...") إلى أن قال: ( وحاشا لمن تعلق بأذيالهم أن يهملوه أو تحيز لجنابهم أن يتركوه فإن طفيلي ساحتهم لا يرد، وعن بابهم لا يصد، ولله در قائلهم:
هم سادتي هم راحتي هم منيتي أهل الصفا حازوا المعالي الفاخرة
حاشا لمن قد حبهم أو زارهم أن يهملوه سادتي في الآخرة)
وقال أيضاً: ( والفرق بين من يغلبه الحال لضعفه ومن يغلبه لقوة الوارد عليه أن الذي يغلبه لضعفه علامته ألا يمد غيره، وقصاراه على نفسه، والذي يغلبه الحال لقوته علامته أن يمد غيره، وأقوى من ذلك أن يسلبه ما أعطاه وذلك هو الكامل الذي يعطي ويسترد وكل شيء بقضاء وقدر، وقد شاهدناه غير ما مرة فعل ذلك مع بعض الإخوان لسوء أدبهم ولموجب آخر ...) الخ.
وهذا وإن ما اشتملت عليه هذه الكلمات من الغلو الفاحش والشرك الفاضح لغني عن البيان وقد تجاوز به قائله حداً لا يقبل معه تأويل، ولا ينفع معه اعتذار، اللهم إلا إذا قيل إنه صدر من قائله في حال سلب فيها عقله، وصار إلى حال لا يحمد عليها، ولكن معظموه لا يرون ذلك ولا يقبلونه بل يرونه محمدة له وكرامة.
ثم ذكر عن أحمد التجاني أن كلامه يحول حول الفناء ووحدة الوجود وأن شعور الولي بوجود نفسه يعتبر شركاً.(/5)
وقال في وصفه أحمد التجاني وحديثه عنه: ( وكثير ما يقرر هذا المعنى ويدل عليه، ويرشد بحاله ومقاله إليه، وينشد بحاله على سبيل التمثيل – أنا معي بدر الكمال حيث يميل قلبي يميل، وذلك بأنه قد محا السوى، فلا يشاهد مع الله غيراً، ولا يرى لسواه نفعاً ولا ضراً، بل يشاهد الفعل من الله وأنه هو المتصرف، والدال بفعله عليه والمتعرف، وأن أفعاله كلها مصحوبة بالحكمة، محفوفة بالرحمة، ويرى الخلق كالأواني المسخرة في يد غيره ويعد شهود الإنسان نفسه أثنينية ويتمثل بلسان حاله ويقول: إذا قلت ما أذنبت قالت مجيبة: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب).
وعلى هذا المعنى صارت حالته فلا ترى أفعاله وأقواله وتصريحاته وتلويحاته تحوم إلا على الفناء في الله والغيبة فيه عما سواه .. إلى أن قال في وصفه (ص63): (يحيي القلوب، ويبرئ من العيوب، ويغني بنظرة، ويوصل إلى الحضرة، إذا توجه أغنى وأقنى، وبلغ المنى، يتصرف في أطوار بالقلوب بإذن علام الغيوب .. الخ). أ.هـ
وهذا لون آخر من شدة غلو الشيخ في نفسه وغلو أصحابه فيه انتهى به وبهم إلى دعوى الفناء الممقوت، والقول بوحدة الوجود، إن ذلك لإلحاد في الدين وبهتان وكفر مبين.
ثم زعم أن شيخه يعلم الغيب فقال: (ومن كماله رضي الله عنه نفوذ بصيرته الربانية وفراسته النورانية التي ظهر مقتضاها في معرفة أحوال الأصحاب وفي غيرها من إظهار مضمرات وأخبار بمغيبات وعلم بعواقب الحاجات، وما يترتب عليها من المصالح والآفات، وغير ذلك من الأمور الواقعات، فيعرف أحوال قلوب الأصحاب وتحول حالهم، وإبدال أعراضهم وانتقال أغراضهم، وحالة إقبالهم وإعراضهم، وسائر عللهم وأمراضهم، ويعرف ما هم عليه ظاهراً وباطناً وما زاد وما نقص ويبين ذلك في بعض الأحيان وتارة يستره رفقاً بهم من الاختبار والامتحان واتفقت لغير واحد معه في ذلك قضايا غير ما مرة).(/6)
وقال في حصول شيخه على اسم الله الأعظم وفي تقدير ثوابه: ( وأما ثواب الاسم الأعظم فقد قال سيدنا رضي الله عن أعطيت من اسم الله العظيم الأعظم صيغاً عديدة وعلمني كيفية أستخرج بها ما أصيبت تراكيبه وأخبره صلى الله عليه وسلم بما فيه من الفضل العظيم الذي لا حد له ولا حصر وأخبره صلى الله عليه وسلم بخواصه العظام وكيفية الدعاء به وكيفية سلوكه وهذا الأمر لم يبلغ لنا أحد أنه بلغه غير سيدنا رضي الله عنه؛ لأنه قال رضي الله عنه أعطاني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم الاسم الأعظم الخاص بسيدنا علي كرم الله وجهه بعد أن أعطاني الاسم الأعظم الخاص بمقامه هو صلى الله عليه وسلم ، وقال الشيخ رضي الله عنه قال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الخاص بسيدنا علي لا يعطى إلا لمن سبق عند الله في الأزل أنه يصير قطباً، ثم قال رضي الله عنه: ثم قلت لسيد الوجود صلى الله عليه وسلم : ائذن لي في جمع أسراره وجمع ما احتوى عليه، ففعل صلى الله عليه وسلم ، وأما ما أخبره به صلى الله عليه وسلم عن ثواب الاسم الأعظم الكبير الذي هو مقام قطب الأقطاب فقال الشيخ رضي الله عنه حاكياً ما أخبره به سيد الوجود صلى الله عليه وسلم : فإنه يحصل لتاليه في كل مرة سبعون ألف مقام في الجنة في كل مقام سبعون ألفاً من كل شيء في الجنة كائن من الحور والقصور والأنهار إلى غاية ما هو مخلوق في الجنة ما عدا الحور وأنهار العسل فله في كل مقام سبعون حوارء. وسبعون نهراً من العسل، وكل ما خرج من فيه هبطت عليه أربعة من الملائكة المقربين فكتبوه من فيه وصعدوا به إلى الله تعالى وأروه له فيقول الجليل جل جلاله: اكتبوه من أهل السعادة واكتبوا مقامه في عليين في جوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا في كل لفظة من ذكره، وله في كل مرة ثواب جميع ما ذكر الله به على ألسنة جميع خلقه في سائر عوالمه وله في كل مرة ثواب ما سبح به ربنا على لسان كل مخلوق من أول خلق آدم(/7)
إلى آخره...).
إلى كثير من هذا الخرص والتخمين والرجم بالغيب في تقدير الثواب بالآلاف المؤلفة... إلى أن قال علي حرازم: ( ومما أملاه علينا رضي الله عنه قال: ولو اجتمع جميع ما تلته الأمة من القرآن من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى النفخ في الصور لفظاً لفظاً فرداً فرداً في القرآن ما بلغ لفظة واحدة من الاسم الأعظم وهذا كله بالنسبة للاسم الأعظم كنقطة في البحر المحيط، وهذا مما لا علم لأحد به، واستأثر الله به عن خلقه، وكشفه لمن شاء من عباد، وقال رضي الله عنه: إن الاسم الأعظم هو الخاص بالذات لا غيره وهو اسم الإحاطة ولا يتحقق بجميع ما فيه إلا واحد في الدهر وهو الفرد الجامع، هذا هو الاسم الباطن، أما الاسم الأعظم الظاهر فهو اسم الرتبة الجامع لمرتبة الألوهية من أوصاف الإله ومألوهيته وتحته مرتبة أسماء التشتيت، ومن هذه الأسماء فيوض الأولياء فمن تحقق بوصف كان فيضه بحسب ذلك الاسم، ومن هذا كانت مقاماتهم مختلفة وأحوالهم كذلك وجميع فيوض المرتبة بعض من فيوض اسم الذات الأكبر، وقال رضي الله عنه: إذا ذكر الذاكر الاسم الكبير يخلق الله من ذكره ملائكة كثيرة لا يحصي عددهم إلا الله ولكل واحد من الألسنة بعدد جميع الملائكة المخلوقين من ذكر الاسم ويستغفرون في كل طرفة عين للذاكر أي كل واحد يستغفر في كل طرفة عين بعدد جميع ألسنته، وهكذا إلى يوم القيامة، ثم قال رضي الله عنه: سألت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم عن فضل المسبعات العشر وإن من ذكرها مرة لم تكتب عليه ذنوب سنة، فقال لي صلى الله عليه وسلم : فضل جميع الأذكار وسر جميع الأذكار في الاسم الكبير، فقال الشيخ رضي الله عنه: علمت أنه أراد صلى الله عليه وسلم جميع خواص الأذكار وفضائلها منطوية في الاسم الكبير، ثم قال رضي الله عنه: يكتب لذاكر الاسم بكل ملك خلق الله في العالم فضل عشرين من ليلة القدر ويكتب له بكل دعاء كبير وصغير ستة وثلاثون ألف ألف مرة بكل مرة من ذكر(/8)
هذا الاسم الشريف، وقال رضي الله عنه: فمن قدر أن ذاكراً ذكر جميع أسماء الله في جميع اللغات تساوي نصف مرة من ذكر الاسم من ذكر كل عارف ) أ.هـ
وذكر عمر بن سعيد الفوتي في [كتاب الرماح]: (إن الأولياء يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة وإنه يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه وأنه يتصرف في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل عن شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله أن يراه عبد رفع عنه الحجاب فيراه على هيئته التي كان هو عليها )، ثم ذكر في هذا الفصل كثيراً من النقول عن جماعة من الصوفية فيها حكايات عن رؤية الأولياء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة وذكر في هذا الفصل كثيراً من الغرائب والمنكرات حول مجالس الأنبياء والأقطاب في المسجد الحرام عند الكعبة بأجسادهم وتصرفهم بأنفسهم ووكلائهم في الخلق وذكر فيه أيضاً أن الأنبياء والأولياء لا يبقون في قبورهم بعد الوفاة إلا زماناً محدوداً يتفاوت حسب تفاوت درجاتهم ومراتبهم ثم ختم الفصل بقوله: ( إذا نظرت وتحققت بجميع ما تقدم من أول الفصل إلى هنا ظهر لك ظهوراً لا غبار عليه أن اجتماع القطب المكتوم والبرزخ المختوم شيخنا أحمد بن محمد التجاني سقانا الله تعالى من بحره بأعظم الأواني، ورزقنا جواره في دار التهاني رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً وأخذه رضي الله عنه وأرضاه وعنا به عن سيدنا جده رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة منه إليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به وأعاد علينا من بركاته دنيا وبرزخا وأخرى وحضور النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم بأجسادهم وأرواحهم قراءة جوهر الكمال وعند أي مجلس خير أو أي مكان شاءوا ولا ينكره إلا الطلبة الجهلة الأغبياء والحسدة المردة الأشيقاء لا مهدي إلا من هداه(/9)
الله تعالى).
وقد غلا عمر بن سعيد الفوتي في تعظيم شيخه أحمد بن محمد التجاني فزعم أنه خاتم الأولياء وسيد العارفين وأنه لا يتلقن واحد من الأولياء فيضاً من نبي الله إلا عن طريقه من حيث لا يشعر به ذلك الولي قال:
(الفصل السادس والثلاثون في ذكر فضل شيخنا رضي الله عنه وأرضاه وعنا به وبيان أنه هو خاتم الأولياء وسيد العارفين وإمام الصديقين وممد الأقطاب والأغواث وأنه هو القطب المكتوم والبرزخ المختوم الذي هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء بحيث لا يتلقن واحد من الأولياء من كبر شأنه ومن صغر فيضاً من حضرة نبي إلا بواسطته رضي الله تعالى عنه من حيث لا يشعر به ذلك الولي).
إن هذه الكلمات ناطقة بالشرك الصريح، والكذب المكشوف، والغلو الممقوت، فقد جعل شيخه أعلى مرتبة من الصحابة وسائر القرون الثلاثة من شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون بل من سواهم من الصالحين ثم ذكر ما نصه: أن بعض من لم يكن له في العلم ولا في نفحات أهل الله من خلاق قد يورد علينا إيرادين:
أولهما: أنه يقول: إن الشيخ رضي الله عنه وأرضاه مدح نفسه وزكاها وذلك مذموم.(/10)
ثانيهما: أنه يقول إن قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: أن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود تتلقاها ذوات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي، ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور ويدخل فيه جميع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فيكون أفضل من جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وذلك باطل، وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: ولا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وكذلك قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: إذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي منادٍ بأعلى صوته يسمعه كل من بالموقف: يا أهل المحشر، هذا إمامكم الذي كان ممدكم منه، وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: روحه صلى الله عليه وسلم وروحي هكذا مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسول والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد، وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور، وكذا قوله رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به: إن مقامنا عند الله في الآخرة لا يصله أحد من الأولياء ولا يقاربه من كبر شأنه ولا من صغر، وإن جميع الأولياء من الصحابة إلى النفخ في الصور ليس فيهم من يصل مقامنا، وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: أعمار الناس كلها ذهبت مجاناً إلا أعمار أصحاب الفاتح لما أغلق فقد فازوا بالربح دنيا وأخرى ولا يشغل بها عمره إلا السعيد.(/11)
وذكر علي حرازم عن أحمد بن محمد التجاني في سياق الكلام على المفاضلة بين تلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن تلاوة القرآن أفضل من حيث إنه كلام الله ومن حيث ما دل عليه من العلوم والمعارف والآداب.. ) ثم قال ما نصه: إن هاتين الحيثيتين لا يبلغ فضل القرآن فيهما إلا عارف بالله قد انكشفت له بحار الحقائق فهو أبداً يسبح في لججها، فصاحب هذه المرتبة هو الذي يكون القرآن في حقه أفضل من جميع الأذكار والكلام لحوز الفضيلتين؛ لكونه يسمعه من الذات المقدسة سماعاً صريحاً لا في كل وقت وإنما ذلك في استغراقه وفنائه في الله تعالى.
والمرتبة الثانية في القرآن دون هذه: وهي من عرف معاني القرآن ظاهراً وألقى سمعه عند تلاوته كأنه يسمعه من الله يقصه عليه، ويتلوه عليه مع وفائه بالحدود فهذا أيضاً لاحق بالمرتبة الأولى إلا أنه دونها.
والمرتبة الثالثة: رجل لا يعلم شيئاً من معانية ليس إلا سرد حروفه ولا يعلم ما تدل عليه من العلوم والمعارف، فهذا إن كان مهتدياً كسائر الأعاجم الذين لا يعلمون معاني العربية إلا أنه يعتقد أنه كلام الله ويلقي سمعه عند تلاوته معتقداً أنه الله يتلو عليه تلاوة لا يعلم معناها، فهذا لاحق في الفضل بالمرتبتين إلا أنه منحط عنهما بكثير كثير.(/12)
والمرتبة الرابعة: رجل يتلو القرآن سواء علم معانيه أولم يعلم إلا أنه متجرئ على معصية الله غير متوقف عن شيء منها فهذا لا يكون القرآن في حقه أفضل بل كلما ازداد تلاوة ازداد ذنباً وتعاظم عليه الهلاك، يشهد له قوله تعالى: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ?... إلى قوله: ? فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ? [الكهف:57]، وقوله: ? وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ? ...إلى قوله: ? لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ? [الجاثية:7-9] ... ثم قال ما نصه: ( فمثل هذا لا يكون القرآن في حقه أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب المرتبة الرابعة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في حقه أفضل من القرآن )، وبعد أن بين ذلك قال ما نصه: ( فإذا عرف ذلك بأن للعارف به أن ما في طريق العامة غطاء غطى الله به أسرار القرآن وتركت أسرار القرآن ومذاقات أهل الخصوص من وراء أطوار الحس والعقل المدركان في أمر العامة فيجب كتمه على كل من علمه إذ لم يرد سبحانه وتعالى إظهاره إلا للخاصة العليا من خلقه. يا عبد السوء، لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة، فقال له: وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحد، فقال له: لا تفعل. فسكت، انتهى ما أملاه علينا شيخنا أبو العباس التيجاني ). ثم ذكر علي حرازم ما زعمه أحمد التجاني من مباسطة الرب لأبي يزيد مرة أخرى في [الجواهر] (ص183).(/13)
وقال علي حرازم: وسألته رضي الله عنه عن قوله تعالى: ? مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ? الآية، فأجاب رضي الله عنه بقول: معنى البحرين: بحر الألوهية وبحر الوجود المطلق وبحر الخليقة وهو الذي وقع عليه كن وهو البرزخ بينهما صلى الله عليه وسلم لولا برزخيته صلى الله عليه وسلم لاحترق بحر الخليقة كله من هيبة جلال الذات، قال سيدنا رضي الله عنه بحر الخليقة بحر الأسماء والصفات فما ترى ذرة في الكون إلا وعليها اسم أو صفة من صفات الله وبحر الألوهية هو بحر الذات المطلقة التي لا تكيف ولا تقع العبارة عنها، يلتقيان لشدة القرب الواقع بينهما، قال سبحانه وتعالى : ?وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ ? [الواقعة:85]، ولا يختلطان ولا تختلط الألوهية بالخليقة ولا الخليقة بالألوهية فكل منهما لا يبغي على الآخر للحاجز الذي بينهما وهي البرزخية العظمى التي هي مقامه صلى الله عليه وسلم فالوجود كله عائش بدوام بقائه تحت حجابيته صلى الله عليه وسلم استتاراً به عن سبحات الجلال التي لو تبدت بلا حجاب لاحترق الوجود كله وصار محض العد في أسرع من طرفة عين، فالألوهية قائمة في حدودها والخليقة قائمة في حدودها كل منهما يلتقيان ولا يختلطان للبرزخية التي بينهما لا يبغيان أعني لا يختلط أحدهما على الآخر. انتهى ما أملاه علينا رضي الله عنه من حفظه ولفظه.
وسألته رضي الله عنه عن دائرته صلى الله عليه وسلم ، فأجاب رضي الله عنه بقوله: هي دائرة السعادة التي وقع عليها قوله تعالى: ? أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ?، قال البوصيري رضي الله عنه:
ولن ترى من ولي غير منتصر ... البيت، كل من لم ينتصر بالنبي صلى الله عليه وسلم لا حظ له في ولاية الله، وهو معنى قول الشيخ رضي الله عنه: لن ترى من ولي .. الخ. أ.هـ(/14)
هذه طامة أخرى طامة التلاعب بآيات القرآن وتحريفها عن مواضعها وتأويل لها بما لا تدل عليه في لغة العرب، بل بما تمجه العقول السليمة ويسخر منه أولوا الألباب.
ذكر عمر بن سعيد الفوتي أن الشيخ أحمد التجاني قال ذات ليلة في مجلسه: أين السيد محمد الغالي؟
فجعل أصحابه ينادون أين السيد محمد الغالي؟ على عادة الناس مع الكبير إذا نادى أحداً، فلما حضر بين يدي الشيخ قال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى، وقال سيدي محمد الغالي – وكان لا يخافه لأنه من أكابر أحبابه وأمرائهم – يا سيدي: أنت في الصحو والبقاء أو في السكر والفناء؟
فقال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: أنا في الصحو والبقاء وكمال العقل ولله الحمد، وقال: قلت: ما تقول بقول سيدي عبد القادر رضي الله عنه: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله تعالى؟
فقال: صدق رضي الله عنه، يعني: أهل عصره، وأما أنا فأقول: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور، قال: فقلت له: يا سيدي، فكيف تقول إذا قال أحد بعدك مثل ما قلت؟
فقال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: لا يقوله أحد بعدي، قال: فقلت: يا سيدي، قد حجرت على الله تعالى واسعاً ألم يكن الله تعالى قادراً على أن يفتح على ولي فيعطيه من الفيوضات والتجليات والمنح والمقامات والمعارف والعلوم والأسرار والترقيات والأحوال أكثر مما أعطاك!(/15)
فقال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: بلى قادر على ذلك وأكثر منه لكن لا يفعله؛ لأنه لم يرده، ألم يكن قادراً على أن ينبئ أحداً ويرسله إلى الخلق ويعطيه أكثر مما أعطى محمد صلى الله عليه وسلم ، قال: قلت: بلى، ولكنه تعالى لا يفعله؛ لأنه ما أراده في الأزل، فقال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: هذا مثل ذلك ما أراده في الأزل، ولم يسبق به علمه تعالى، فإن قلت ما صورة برزخية القطب المكتوب المعبر عنه عند العارفين والصديقين وأفراد الأحباب وجواهر الأقطاب، بجواهر الجواهر، وبرزخ البرازخ والأكابر؟
فالجواب والله تعالى الموفق بمنه للصواب: اعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن الحضرات المستفيضة سبع:
الأولى: حضرة الحقيقة الأحمدية وهي في [جواهر المعاني] غيب من غيوب الله تعالى فلم يطلع أحد على ما فيها من المعارف والعلوم والأسرار والفيوضات والتجليات والأحوال العلية والأخلاق الزكية فما ذاق منها أحد شيئاً ولا جميع الرسل والنبيين اختص صلى الله عليه وسلم وحده بمقامه ... إلى أن قال: فما نال أحد منها شيئاً اختص بها صلى الله عليه وسلم لكمال عزها وغاية علوها.
والثانية: حضرة الحقيقة المحمدية فمنها كما في جواهر المعاني كل مدارك النبيين والمرسلين وجميع الملائكة والمقربين وجميع الأقطاب والصديقين وجميع الأولياء والعارفين إلى أن قال وكل ما أدركه جميع الموجودات من العلوم والمعارف والفيوضات والتجليات والترقيات والأحوال والمقامات والأخلاق إنما هو كل من فيض حقيقته المحمدية.(/16)
والثالثة: الحضرة التي فيها حضرات سادتنا الأنبياء على اختلاف أذواقهم ومراتبهم وأهل هذه الحضرة هم الذين يتلقون كل ما فاض وبرز من حضرة الحقيقة المحمدية كما قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه وعنا به مشيراً إلى أهل هذه الحضرة بقوله: إن الفيوض التي تفيض من ذات الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء إلا أن لخاتم الأولياء مشرباً من النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا اطلاع له عليه كما سيأتي الآن قريباً إن شاء الله تعالى.(/17)
والرابعة: حضرة خاتم الأولياء الذي يتلقى جميع ما فاض به من ذوات الأنبياء لأنه رضي الله عنه وأرضاه وعنا به هو برزخ البرازخ كما قال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به مشيراً إلى هذه الحضرة بقوله: إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي، ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة، وبقوله: أنا سيد الأولياء كما كان صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: لا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا من نشأة العالم إلى نفخ في الصور، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: إذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي منادٍ بأعلى صوته حتى يسمع كل من في الموقف: يا أهل المحشر، هذا إمامكم الذي كان ممدكم منه، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى روحي وروحه صلى الله عليه وسلم هكذا، روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به إن القطب المكتوم هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء فكل ولي لله تعالى من كبر شأنه ومن صغر لا يتلقى فيضاً من حضرة نبي إلا بواسطته رضي الله عنه وأرضاه وعنا به من حيث لا يشعر به. وممده الخاص به إنما يتلقاه منه صلى الله عليه وسلم ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشرباً معهم منه صلى الله عليه وسلم .(/18)
والخامسة: حضرة أهل طريقته الخاصة بهم إلى هذه الحضرة، أشار الشيخ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به بقوله: لو اطلع أكابر الأقطاب على ما أعد الله لأهل هذه الطريقة لبكوا وقالوا: يا ربنا، ما أعطيتنا شيئاً، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: لا مطمع لأحد من الأولياء في مراتب أصحابنا حتى الأقطاب الكبار ما عدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: كل الطرائق تدخل عليها طريقتنا فتبطلها، وطابعنا يركب على كل طابع لا يحمل طابعنا غيره، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: من ترك ورداً من أوراد الشيخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله تعالى على جميع الطرق آمنه الله تعالى في الدنيا والآخرة، فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله ولا من رسوله ولا من شيخه أياً كان من الأحياء أو الأموات، وأما من دخل زمرتنا وتأخر عنها ودخل غيرها تحل به المصائب دنيا وأخرى ولا يفلح أبداً، قلت: وهذه لأنه قد ثبت في أول هذا الفصل أن صاحبها رضي الله عنه وأرضاه وعنا به هو الختم الممد الذي يستمد منه من سواه من الأولياء والعارفين .. والصديقين والأغواث، ومن ترك المستمد ورجع إلى الممد فلا لوم عليه ولا خوف، بخلاف من ترك الممد ورجع إلى المستمد، وبقوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي ووراء ذلك مما ذكر لي فيهم وضمنه صلى الله عليه وسلم أمر لا يحل لي ذكره ولا يرى ولا يعرف إلا في الآخرة.(/19)
قلت: ووجه تقديم حضرة أهل طريقته على الحضرة التي فيها حضرات الشيوخ الذين هم أهل الطرق من سادتنا الأولياء رضي الله عنهم ظاهر؛ لأن أهل طريقته هم أول من يفيض عليهم ما يستمده من الحضرة المحمدية ومن حضرات سادتنا الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة وأتم السلام ومن هنا صار جميع أهل طريقته أعلى مرتبة عند الله تعالى في الآخرة من أكابر الأقطاب وإن كان بعضهم في الظاهر من جملة العوام المحجوبين.
والسادسة: الحضرة التي فيها حضرات سادتنا الأولياء رضي الله تعالى عن جميعهم وهي مستمدة من حضرة خاتمهم الأكبر جميع ما نالوا وإليها يشير قول شيخنا أحمد رضي الله عنه وأرضاه وعنا به كما في جواهر المعاني بقوله: فلكل شيخ من أهل الله تعالى حضرة لا يشاركه فيه أحد.
والسابعة: الحضرة التي فيها حضرات تلاميذهم. أ.هـ
الموضوع الثالث
حكم الشريعة فيمن يعتقد هذه العقيدة
إن ما تقدم في الإعداد من بدع التيجانية قليل من كثير مما ذكره علي حرازم في كتابه [جواهر المعاني وغاية الأماني] وما ذكره عمر بن سعيد الفوتي في كتابه [رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم] وهما من أوسع كتب التيجانية وأوثقها في نظر أهل هذه الطريقة.
إن ما ذكر في الإعداد إنما هو نماذج لأنواع من بدع التيجانية تتجلى فيها عقائدهم وتكفي لمن عرضها على أصول الشريعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحكم على كل من يعتقد هذه العقائد المبتدعة المنكرة:
ونلخص فيما يلي جملة من عقائدهم التي تضمنها البحث:
1- غلو أحمد بن محمد التجاني مؤسس الطريقة وغلو أتباعه فيه غلواً جاوز الحد حتى أضفى على نفسه خصائص الرسالة بل صفات الربوبية والإلهية وتبعه في ذلك مريدوه.
2- إيمانه بالفناء ووحدة الوجود وزعمه ذلك لنفسه بل زعم أنه في الذروة العليا من ذلك وصدقه فيه مريدوه فآمنوا به واعتقدوه.(/20)
3- زعمه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وتلقين النبي صلى الله عليه وسلم إياه الطريقة التيجانية وتلقيه وردها والإذن له يقظة في تربية الخلق وتلقينهم هذا الورد واعتقاد مريديه وأتباعه ذلك.
4- تصريحه بأن المدد يفيض من الله على النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم يفيض منه على الأنبياء، ثم يفيض من الأنبياء عليه، ثم منه يتفرق على جميع الخلق من آدم إلى النفخ في الصور، ويزعم أن يفيض أحياناً من النبي صلى الله عليه وسلم عليه مباشرة ثم يفيض منه على سائر الخليقة ويؤمن مريدون بذلك ويعتقدونه.
5- تهجمه على الله وعلى كل ولي لله وسوء أدبه معهم إذ يقول: قدماي على رقبة كل ولي، فلما قيل له: إن عبد القادر الجيلاني: قال: فيما زعموا قدمي على رقبة كل ولي، قال: صدق ولكن في عصره أما أنا فقدماي على رقبة كل ولي من آدم إلى النفخ في الصور، فلما قيل له: أليس الله قادراً على أن يوجد بعدك ولياً فوق ذلك؟، قال: بلى، ولكن لا يفعل، كما أنه قادر على أن يوجد نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لا يفعل، ومريدوه يؤمنون بذلك ويدافعون عنه.
6- دعواه كذباً أنه يعلم الغيب وما تخفي الصدور وأنه يصرف القلوب وتصديق مريديه ذلك وعده من محامده وكراماته.
7- إلحاده في آيات الله وتحريفها عن مواضعها بما يزعمه تفسيراً إشارياً كما سبق في الإعداد من تفسيره قوله تعالى: ? مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ? [الرحمن:19-20] ويعتقد مريدوه أن ذلك من الفيض الإلهي.
8- تفضيله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة القرآن بالنسبة لمن يزعم أنهم أهل المرتبة الرابعة وهي المرتبة الدنيا في نظره.
9- زعمه هو وأتباعه أن منادياً ينادي يوم القيامة والناس في الموقف بأعلى صوته يا أهل الموقف هذا إمامكم الذي كان منه ممدكم في الدنيا .. الخ.(/21)
10- زعمه أن كل من كان تجانياً يدخل الجنة دون حساب ولا عذاب مهما فعل من الذنوب.
11- زعمه أن من كان على طريقته وتركها إلى غيرها من الطرق الصوفية تسوء حاله ويخشى عليه سوء العاقبة والموت على الكفر.
12- زعمه أنه يجب على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي المغسل لا اختيار له بل يستسلم لشيخه فلا يقول: لم ولا كيف ولا علام ولا لأي شيء .. الخ.
13- زعمه أنه أوتي اسم الله الأعظم، علمه إياه النبي صلى الله عليه وسلم ثم هول أمره وقدر ثوابه بالآلاف المؤلفة من الحسنات، خرصاً وتخميناً ورجماً بالغيب واقتحاماً لأمر لا يعلم إلا بالتوقيف.
14- زعمه أن الأنبياء والمرسلين والأولياء لا يمكثون في قبورهم بعد الموت إلا زمناً محدوداً يتفاوت بتفاوت مراتبهم ودرجاتهم ثم يخرجون من قبورهم بأجسادهم كما كانوا من قبل إلا أن الناس لا يرونهم كما أنهم لا يرون الملائكة مع أنهم أحياء.
15- زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بجسده مجالس أذكارهم وأورادهم وكذا الخلفاء الراشدون .. الخ. إلى غير ذلك مما لو عرض على أصول الإسلام اعتبر شركاً وإلحاداً في الدين وتطاولاً على الله ورسوله وتشريعه وتضليلاً للناس وتبجحاً منهم بعلمه الغيب .. الخ . هذا ما تيسر والله الموفق.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن باز
الفرقة التيجانية
من أشد الفرق كفراً وضلالاً
السؤال السابع من الفتوى رقم (5553):
س7: ما هي عقيدتكم في طريقة التيجانية ورؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة ؟(/22)
ج7: الفرقة التيجانية من أشد الفرق كفراً وضلالاً وابتداعاً في الدين لما لم يشرع الله. وسبق أن سئلت اللجنة الدائمة عنهم وكتبت بحثاً في كثير من بدعهم وضلالاتهم الدالة على ذلك، وأما دعوى بعض الصوفية أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فشيء لا أصل له، بل هو باطل وإنما يرى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حين يخرج الناس من قبورهم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا أول من تنشق عن الأرض يوم القيامة " .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيزبن باز(/23)
الطريقة الرفاعية
إحسان إلهي ظهير
من السلاسل المنتشرة في العراق وبلاد الشام وغيرها الرفاعية ، نسبة إلى أبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي ، منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب ، كما صرح بذلك الشعراني في طبقاته(1).
ولو أن الرفاعية يدعون نسبته إلى بني فاطمة كعادة الصوفية الآخرين بأن كل جماعة وحزب منهم يريد نسبة شيخهم إلى الإشراف والسادات ، فقالوا كما قاله الآخرون: "أنه سيد حسيني"(2).
وعد مقدم كتابه (المجالس الرفاعية) السيد خاشع الراوي الرفاعي أنه: " الإمام الثالث عشر من أئمة آل البيت سلام الله عليه وعليهم أجمعين(3).
ولكن المحققين أنكروا عليهم نسبته هذه ، ونسبه ذاك.
ولأهل الطريقة القادرية من الصوفية رسائل وكتب ، كتبت لبيان أن نسبه إلى الأشراف ليس بصحيح ، ولقد ذكر ظهير الدين القادري الحسني الحسيني فصلاً مستقلاً وباباً خاصاً في كتابه (الفتح المبين في ما يتعلق بترياق المحبين) لبيان هذا(4).
كما أن الرفاعيين ألّفوا عديداً من الرسائل والكتب لإثبات نسبته إلى السادات ولكنهم اختلفوا فيما بينهم في أسماء آبائه ، وعددهم إلى موسى بن جعفر بن محمد الباقر ، وهذا أحد الأدلّة لعدم ثبوت النسب ، وقد صرح ابن عنبة نسابة الأشراف المشهور في عمدته أن الذي ينسبون إليه الرفاعي ليس بثابت ، وإن الرفاعي نفسه لم يدّع ذلك ، وهذا نصه:
" وقد نسب بعضهم الشيخ الجليل سيدي أحمد الرفاعي إلى حسين بن أحمد الأكبر فقال:(/2)
هو أحمد بن يحيى بن ثابت بن حازم بن علي بن الحسين بن المهدي بن القاسم بن محمد بن الحسين المذكور ، ولم يذكر أحد من علماء النسب للحسين ولداً اسمه محمد ، وحكى لي الشيخ النقيب تاج الدين أن سيدي أحمد بن الرفاعي لم يدّع هذا النسب ، وإنما أدعاه أولاد أولاده"(5).
وقد ذكر ظهير الدين القادري نقلاً عن العلامة شمس الدين ناصر الدمشقي أنه قال: " إن الرفاعي لم يبلغنا أنه أعقب كما جزم غير واحد من الأئمة المرضية ، ولم أعلم له نسباً صحيحاً إلى علي بن أبي طالب ولا إلى أحد ذريته الأطياب ، وإنما الذي وصل إلينا وساقه الحافظ وصح لدينا أن أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة المغربي الأصل البطائحي الرفاعي نسبة إلى جده الأعلى رفاعة ، قدم والده أبو الحسن رحمة الله عليه من بلاد المغرب ، فسكن بطائح"(6).
فلم يكن عند الرفاعيين شيء لحل هذه المعضلة ، ورفع هذه المشكلة إلى أن يلتجؤا إلى ما التجأ إليه الآخرون من بني جلدتهم وأهل مشربهم ، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبره بصحة نسبه إليه كما يذكر ذلك صاحب القلادة " كيف لا ، وقد شهد له نبينا سيد العرب والعجم بصحة الوصلة والنسب ، وذلك عام حجه رضي الله عنه حين وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية قال: السلام عليك يا جدي ، فقال له عليه أفضل صلوات الله: وعليك السلام يا ولدي"(7).
وإنني لأرى بأن هذا دليل آخر على عدم ثبوت النسب وإلا لما احتيج لإثباته إلى مثل هذه الحكايات الباردة والروايات المختلفة المخترعة التي هي في احتياج إلى ثبوتها وإثباتها وإقامة البرهان على تحققها ووقوعها ، فالمتشابهات والمظنونات لا يحصل بها اليقين والله أعلم.
وأما عندنا فإن النسب لا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع ، فقد قال جل وعلا: { يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(8).(/3)
وقال عز من قائل: { يا أيها الناس اتقوا الله ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}(9).
وقال عليه الصلاة والسلام: (( الناس بنو آدم وآدم من تراب))(10).
وقال في خطبته- أيام التشريق- : (( يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا أعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث))(11).
ومن المعلوم أن ولد نوح ووالد إبراهيم وزوجي نوح ولوط وعمّ رسول الله الكريم لم ينفعهم حسبهم ونسبهم من عذاب الله وبطشه ، وقد نفع بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي إيمانهم وعملهم ، ما لم ينفع أبا لهب وزوجته وهو عم رسول الله أخو والده ، وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام مخاطباً عمته صفية وابنته الزهراء زوج علي بن أبي طالب وأمّ الحسنين:
(( يا صفية ، عمة رسول الله ، لا أغني عنك من الله شيئاً وفي رواية: يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ، لا أغنى من الله شيئاً ))(12).
فإن الأحساب والأنساب المجردة ، لا قيمة لها عند الله ، فمدار النجاة ليس إلا على الإيمان والعمل الصالح ولكننا ذكرنا هذا كله عند ذكر الرفاعي والآخرين لما له أهمية عند القوم ، وعلى ذلك يحاولون أن يثبتوا لكل كبير لهم نسبه إلى السادة والأشراف ، مع تصريح أبي العباس المرسي وهو من كبار المتصوفة والحائز عندهم على مقام القطبية: " لا يلزم أن يكون القطب شريفاً حسينياً ؛ بل قد يكون من غير هذا القبيل"(13).
وآخر ما يزيد أن نثبته في مسألة نسب الرفاعي لطرافته ما ذكره محمد أبو الهدى الرفاعي ، فيقول:(/4)
" وقال رجل موصلي لشيخنا الشيخ عبدالرحمن جمال الدين الحدادي يا سيدي إن رأيت بعضاً من كتب التاريخ ذكر نسبة الشيخ عبدالقادر الجيلاني وسكت عن نسبة السيد أحمد الرفاعي مع أنه عربي الأصل وأشهر منه بالسيادة وقد قال بعض علماء فارس أن الشيخ عبدالقادر بشتبري النسب وهكذا يقول بعض أهل بيته فقال شيخنا قدس الله سره أكفف يا ولدي عن الخوض وأعلم أن من كتب التاريخ سكت عن نسبة الاثنين إلا أن بعض لصوفية ذكر نسبه الشيخ عبدالقادر حرصاً عليه حتى لا يطعن في نسبه من لا علم له لما أشتهر أنه من العجم ، ولما قيل أنه بشتبري النسب والأصل الصحيح أنما هو رجل فاطمي لا ريب في نسبته إلى الجد الأعظم صلى الله عليه وسلم سكن أجداده فارس إلى زمانه قدس سره ورضي الله عنه. وهكذا ما يجب علينا اعتقاده فإن الأولياء أعلم منا بالأدب الديني والوجه الشرعي ولو لم تكن نسبته ثابتة الوصول إلى الرسول لما أدعاه قط. وأما ما ذكرته من شهرة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه بالسيادة وكونه غربي الأصل والمنشأ فهو السبب الذي اعتمد عليه الصوفية وسكت عن ذكر سلسلته نسبه"(14).
فولد أحمد الرفاعي هذا في " قرية من قرى البطائح ، يقال لها أم عبيدة بفتح العين"(15).
والبطائح قرى متجمعة في الماء بين واسطة والبصرة مشهورة بالعراق(16).
وعليه الأكثر.
وقيل: كانت ولادته في قرية من أعمال البصرة وولد سنة 500 من الهجرة على قول الأكثر(18).
وقيل: كانت ولادته سنة 512 في شهر رجب(19).
وكان أبوه علي بن أحمد قد نزل البطائح من المغرب ، وتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد وعلى ذلك كان يقال له المغربي أيضاً(20).
وقيل: إن الرفاعي هذا ولد بعد وفاة أبيه بأشهر(21).
وقيل: بل ولد في حياته في بغداد سنة 519هـ وكان عمر أحمد الرفاعي آنذاك سبع سنين ، وبعدئذ نقله خاله الشيخ المنصور البطائحي هو وإخوته وأمه فاطمة إلى قريته(22).(/5)
فنشأ هناك وتربى في بيت خاله الذي كان يعد من كبار المتصوفة وصاحب المشيخة هناك ، فبعد وفاته سنة 540هـ أخذ مشيخته وقام بمقامه.
ولقد حكى الرفاعيون حكايات عديدة ، وأحاطوه بأساطير طريفة منذ ولادته ؛ بل وما قبل الولادة وبعدها كعادتهم والآخرين منهم ، وحكايات تنبأ وتخبر بأصالة الاختلاق والاختراع والزور والكذب حيث أنها واحدة في معناها ومغزاها لكل واحد من كبارهم مع تعدد الأشخاص وتنوع البيئات واختلاف الزمان والمكان.
فمثلاً يقول محمد أبو الهدى الرفاعي في قلادته:
" ولد [أحمد الرفاعي] في شهر رجب ... وكان يشرب اللبن إلى أن قدم رمضان فتقيد عن شرب اللبن نهاراً إلى أن جاء العيد فشرب اللبن"(23).
وهذا عين ما يحكيه القادريون عن الشيخ عبدالقادر الجيلاني ، وغيرهم عن غيره(24).
وأيضاً ما يروون عنه أنه كان يتكلم وهو في المهد صبياً ، وقد تكلم يوم ولدته(25).
وكذلك ما يروون عن البشائر التي سبقت ولادته منها ما اختلقه منصور البطائحي حيث قال:
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول: يا منصور أبشرك أن الله تعالى يعطي إلى أختك بعد أربعين يوماً يكون اسمه أحمد الرفاعي ، مثل ما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء"(26).
وأيضاً " هو ذا يظهر في أم عبيدة وتشد إليه الرحال ، وتتحير فيه أهل الأحوال ، وتذل له رقاب الرجال ، يتعجب من طريقته وإنه صاحب شأن عظيم ومحل جسيم ، وهو آخر القوم مشرباً وأولهم قدماً ... وهو رجل عظيم المنزلة عند الله ، فإذا هو ظهر غلق أبواب جميع المشايخ والصالحين ، يظهر عن قريب ، وله سر عجيب ، وسير غريب ، ويصير الوقت له ولأهله وتهكمه وتصرفه ، يصل إلى مرتبة عظيمة ، يضرب دأبه إلى الذراري في ظهور الرجال ، يسلك طريقاً لم يسلكها أحد قبله ولا بعده"(27).(/6)
ولما ولد هذا واطلع على مقامه وشأنه الشيخ منصور البطائحي أخذته الغيرة ، فأنب أنّب من قبل الله تبارك وتعالى- " عياذاً بالله من نقل مثل هذه الخرافات ولا يؤاخذنا الله عليها- كما ذكر قاسم بن الحاج في كتابه (أم البراهين) :
إن الشيخ منصور البطايحي الرباني رضي الله عنه لما أخذته الغيرة حالة اطلاعه على مقام سيدنا السيد أحمد الكبير رضي الله عنه نودي من العلى أي منصور تأدب هذا السيد أحمد حبيبنا نظهره على غوامض غيوبنا أي منصور هذا السيد أحمد نائب الدولة المحمدية وعروس المملكة المصطفوية وهو شيخ جميع الأمة الأحمدية وشيخك فقل نعم قلت نعم فقال نحن نتصرف في ملكنا كما نشاء فقلت نعم نعم ثم أتى حملة الغاشبة يديه وأخذت العهد على يديه فأنا شيخه بالخرقة وهو شيخي بالخلق والخلقة كان سيدي منصور قدس الله روحه ذات يوم جالساً والفقراء حوله وهو يحدثهم ويرغبهم بمواهب الله وإذا به قد نهض قائماً وإذا به قد نهض قائماً على قدميه وصاح بأعلى صوته وأشار بيده إلى جهة الأرض ووقع مغشياً عليه فيقع ما شاء الله فلما أفاق لزمه الفقراء وأقسموا عليه بالعزيز وسألوه أن يخبرهم ما سبب صراخه وقيامه ونداه فقال لهم: سألتموني عن أمر عظيم.
اعلموا أن الله تعالى قد ألحق بالشيخ الكبير السيد أحمد بن ابن خالي مشارق الأرض ومغاربها من أربع جهاتها ، وإن الأمر يصير إليه ، وحكم الخلق كلهم بيديه ، ويكون هو الشيخ المعول عليه(28).
فهذه هي حكايات القوم عن طفولته وصغره قبل ولادته ، تشبه حكايات الآخرين تماماً ولو حذفت الأسماء فإنما هي بعينها بدون أدنى فارق.
فهذه هي حكايات القوم عن طفولته وصغره قبل ولادته ، تشبه حكايات الآخرين تماماً ولو حذفت الأسماء فإنما هي بعينها بدون أدنى فارق.
ولما كبر كان ما كان:
" كان قطب الأقطاب في الأرض ، ثم أنتقل إلى قطبية السماوات ، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال(29).(/7)
و"ختم الله به الولاية كما ختم بمحمد النبوة"(30).
ويروون عنه أنه كان يعض " وكان يسمع صوته البعيد من مجلسه كالقريب ويحظر مجلسه الأصم الذي لا يسمع فيفتح الله سمعه بكلامه"(31).
وحتى أن أهل القرى التي حول أم عبيدة كانوا يجلسون على سطوحهم فيسمعون صوته ، ويعرفون جميع ما يتحدث به(32).
"وكان أشياخ الطريقة يحضرونه ويسمعون كلامه ، وكأن أحدهم يبسط حجره ، فإذا فرغ سيدي أحمد رضي الله عنه ضموا حجورهم إلى صدورهم وقصوا الحديث إذا رجعوا إلى أصحابهم على جليته"(33)
و"كان إذا طلب منه أحد أن يكتب له عوذه ولم يكن عنده مداد يأخذ الورقة ويكتب عليها بغير مداد"(34).
ومن أكاذيب الرفاعية في الرفاعي ما نقلوه عن أحد أصحاب الرفاعي أنه قال:
" كنت في بيتي ليلة من الليالي إذ ناداني السيد أحمد الرفاعي ، فقمت مبادراً إليه وقبلت يديه وسألته عن حاجته فأخذ بيدي وخرجنا من الرواق حتى وصلنا إلى بستان يعرف بالقثوري وهو مكان خالي فوق أم عبيدة ما فيه شيء يستظل به قال: أي سعيد قف هنا حتى أرجع فوقفت مكاني حتى مضى من الليل شطره وهو لم يرجع فمشيت على أثره لأعرف خبره فإذا أنا بثيابه ملقاة على الأرض وعلى جانبه ماء يبرق كالنجم فجعلت أطوف يميناً وشمالاً فلم أجده فرجعت إلى موضعي وأنا مرعوب من ذلك إذ هو أقبل عليّ وأنواره تشرق. فقلت له ما رأيت وأقسمت عليه بالعزيز سبحانه وبالمصطفى صلى الله عليه وسلم فاستخبرته عن ذلك فقال: أي ولدي أنا كنت ذلك الماء الذي رأيته نظري سبحانه بعين القدر فذبت كما يذوب الرصاص فصرت كما رأيت ماء ، ثم نظرني بعين اللطف فصيرني كما ترى بشراً سوياً"(35).(/8)
وكان يقول: " صحبت ثلاثمائة ألف أمة ممن يأكل ويشرب ويروث وينكح ولا يكمل الرجل عندنا حتى يصحب هذا العدد ويعرف كلامهم وصفاتهم وأسمائهم وأرزاقهم وآجالهم ، قال يعقوب الخادم ، فقلت له: يا سيدي إن المفسرين ذكروا إن عدد الأمم ثمانون ألف أمة فقط ، فقال ذلك مبلغهم من العلم ، فقلت له: هذا عجب. فقال: واز يدك أنه ى نستقر فطفة في فرج أنثى إلا ينظر ذلك الرجل إليها ويعلم بها. قال يعقوب الخادم فقلت له: يا سيدي هذه صفات الرب جل وعلا ، فقال: يا يعقوب أستغفر الله تعالى فإن الله تعالى إذا أحب عبداً صرفه في جميع مملكته وأطلعه على ما شاء من علوم الغيب"(36).
وكان يعقوب الخادم على حق حيث عدّ هذه الأوصاف من صفات الرب وهو الذي قال جلّ سبحانه وتعالى في كتابه المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، قال فيه:
{ إن الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت}(37).
وكان يملك الموت والحياة كما ذكر ذلك عنه ابن الملقن:
" ورآه ابن أخته عبدالرحيم أبو الفرج ، ورجل قد نزل عليه ، فقال له: مرحباً بوتد المشرق ، فقال له: إن لي عشرين يوماً لم آكل ولم أشرب ، وأريد أن آمر هذا الأوز الذي في السماء ، فتنزل واحدة مشوية ، ففعل ، فنزلت كذلك ، ثم أخذ حجرين من جانبه فصارا رغيفين ، ثم مدّ يده إلى الهواء فأخذ كوز ماء ، فأكل ذلك وشرب ثم طار ، فقال الشيخ لتلك العظام: اذهبي باسم الله ، فذهبت سوية وطارت"(38).
ورواية أخرى رواها محمد أبو الهدى في قلادته نقلاً عن أمّ البراهين:(/9)
" ذكر الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان أنه خرج مع الشيخ الكبير السيد أحمد ذات يوم إلى الصحراء فبينما هما سائران في الصحراء إذ رأوا أسداً كاسراً مفترساً لشاب ، وقد خلع كتفه من جسده ومكث يأكله فزجره الشيخ الكبير السيد أحمد زجراً شديداً وقال له: أي خلق الله ما نهيتكم عن أذية الخلق الذين يمرون ببلادنا فنطق السبع وأتى إلى حضرة الشيخ مسلماً عليه بلسان عربي فصيح فقال له: أي سيد السادات وصاحب الجود والكرامات لي سبع أيام ما أكلت شيئاً وأنا دائر على ولدي فما وجدته ، وهذا الشاب قد أرسله الله إليّ رزقاً مقسوماً بسبب غضب والدته عليه ، فأنتم تريدون قطع نصيبي من ذلك الأمر إلى الله ثم إليكم. فلما سمع كلامه لم يعبأ به ؛ بل التفت إليه بنظر الغضب والجلال فوقع السبع ميتاً ومسح عليه بيده المباركة فعاد كما كان أولاً ؛ بل أسدّ وأقوى . وقال الشيخ للشاب ما اسمك؟ قال: اسمي داود بن إبراهيم. فقال به الشيخ: أي داود أسلخ غريمك فسلخه وأخذ الجلد ومضى إلى والدته وخبرها بالقصة"(39).
وابن الملقن كذلك ذكر عن أبي عبدالله محمد البطائحي: " انحدرت في أيام سيدي عبدالقادر إلى أم عبيدة ، فقال لي الشيخ أحمد: أذكر لي شيئاً من مناقب الشيخ عبدالقادر وصفاته ، فذكرت منها شيئاً ، فجاء رجل في أثناء حديثي فقال: مه ، لا يذكر عندنا مناقب مناقب غير هذا ، فنظر الشيخ إليه مغضباً ، فرفع الرجل من بين يديه ميتاً"(40).
هذا وكان يملك الجنة والنار أيضاً كما يذكرون عنه أن شخصاً من أصحابه تمنّى عتق من النار ينزل من السماء "فسقط منها ورقة بيضاء ، فلم ير فيها كتابه فأتى إلى الرفاعي فلم يخبره بالقصة ، فنظر إليها ثم خرّ ساجداً وقال:
الحمد لله الذي أراني عتق أصحابي من النار في الدنيا قبل الآخرة ، فقيل له: هذه بيضاء ، فقال: أي أولادي ، يد القدرة لا تكتب بسواد ، وهذه مكتوبة بالنور"(41).(/10)
هذا ولقد باع على واحد من مريديه ، واسمه: إسماعيل بن عبدالمنعم ، قصراً في الجنة تجمعه حدود أربعة: الأولى إلى جنة عدن ، والثاني إلى جنة المأوى ، والثالث إلى جنة الخلد ، والرابع إلى جنة الفردوس بجميع صوره وولدانه وفرشه وستره وأنهاره وأحجاره عوض بستانه"(42).
ولقد ذكرنا هذه الحكاية مفصلاً في باب (أولياء أم آلهة) فليراجع إليه للتفصيل.
وكان يقول كما ينقلون عنه:
"وأحمى مريديّ على كل حالة *** وأدخلهم دار النعيم أمامي
فمن كان منّا أو يلوذ ببابنا *** غداً يوم القرب تحت خيامي
وأحميهم مما يختشى يوم خوفه *** وفي معظم الحالات عنه أحامي"(43)
وقال أحد أصحابه:
" ولا يكون الرجل ممكناً في سائر أحواله حتى يعرض عليه عند غروب الشمس جميع أعمال أحابه وأتباعه وتلامذته بالقرب والبعد ، فيمحو منها ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ... لا يكون الشيخ كاملاً في سائر أموره وأحواله وأقواله وأفعاله ، ولا يصلح له الجلوس في المخدة حتى يحضر عند تلميذه في أربع مواضع:
عند خروج روحه من جسده.
وعند مسألة منكر ونكير له.
وعند جوازه على الصراط.
وعند الميزان"(44).
وكان يقول:
" خذ من مجلسي حصة من الفضل الإلهي ، والمنح النبوي ، كلّ من أظلّته الخضراء ، وأقلته الغبراء ، اليوم محتاج لأخذ هذه الحصة من هذا المجلس ، سل أهل الذوق ، سل أهل الشوق ، سل الأقطاب ، سل الأفراد ، سل الأوتاد ، ختمت بي هذه التوبة الجامعة المحمدية"(45).
ونقلوا عنه هذه الأبيات:
" وطاولت أعلام الرجال ولم أزل *** أطول إلى أن جزت من حضرة الرب
وفقت كبار القوم في كل مذهب **** وسرت بلاثان إلى مذهب الحبّ
وصرت فريداً في بني الحب كلهم **** وجاؤا الحاني يطلبوا السكر من شربي
وهاموا بكأسي قبل شرب الذي به *** ونالوا الشفاء من صرعه الهجر في طبي(/11)
أنا القطب والغوث الكبير الذي على ** قباب زوياتي بدا النور من ربي
أشاهد معنى الكل في كلّ مشهد **** وانظر من معنى حقيقتها سلبي
فمن عينها عيني ومن سرّ رمزها *** عرفت بأن الكلّ من سرها وهبي"(46).
وأيضاً:
"رفعت رايتي على الأعلام *** وصفا الوقت بل وراق مدامي
وخيولي تدور في كل أرض *** ثم في كل بلدة ومقام
وطبولي دقت وموكب عزّي *** في سرور على مدى الأيام
أنا قطب في مركز الفصل قدري ** وعلى هامة الهلال خيامي
فجميع الرجال في باب عزّي *** يطلبون العطاء من إكرامي
شهرتي في السماء والأرض دارت ** وافتخاري يزيد في كل عام"(47).
وكان يقول:
" كل شيخ لم يحضر تلميذه عند الموت فليس هو عندنا برجل، وكل شيخ ينكشف تلميذه خلف القاف في ظلمة الليل ولا يمدّ يده يغطيه فما هو عندنا برجل ، وكل شيخ لا يغيّر صفات تلميذه ويكتب الشقي سعيداً فما هو عندنا برجل ، وكل شيخ لا يراعي تلميذه في القرب والبعد في حال حياته وبعد مماته فليس هو عندنا برجل"(48).
وكان يقول:
" وحق العزيز سبحانه وتعالى ، قبض العزيز جل وجلاله من نولا وجهه قبضة ، فخلق منها سيدنا المصطفى صلى الله عله وسلم فرسحت ، فخلقني منها ... وإني لما دعيت إلى هذا الأمر حملت إلى قبلة هذا البلد ، وشق صدري ملك من الملائكة المقربين فأخرج منه شيئاً مظلماً وغسّله بماء الحيوان من الرياء وسوء الخلق وكل ما كان للشيطان فيه نصيب ، كل ذلك وأنا أنظر بعيني كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم"(49).
انظر الجرأة وسوء الأدب في حضرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه كيف يشبّهون متصوفهم مع الذي يصدق فيه قول الشاعر:
مضت الدهور وما أتن بمثله *** ولقد أتى فعجزن عن نظرائه
لكن هو الذي ينقلون عنه أنه قال:
" الشيخ في قومه كالنبي في أمته"(50).
ولذلك كانوا يجتزون على هذه المقولة:(/12)
" وكان حاله طبق حال رسول الله . وأوصافه موافقة في كل الشؤونات لأوصاف حبيب الله . وقد جرت عليه أحكام المطابقة الاضطرارية كموت أبيه قبل أمه وهو حمل . وبعضهم قال: وهو في المهد . وكتسميته بلا سعي منه أحمد وكشأنه في البطاح العربية وكولادته في قرية حسن وإقامته بأم عبيدة بلده جده وموته فيها وبينهما كما بين مكة والمدينة وكظهوره بين عرب جفاة وكبروزه في حالة مظهريته فقيراً وكموت أولاده الذكور قبله وكحصول الذرية له من بنتيه الكريمتين ومن صلبي ولدي بان عمه سيف الدين وعثمان كما سيأتي ذكره مفصلاً وغير ذلك . وكإقبال العامة الفقراء عليه وكتحمله وحلمه وسعة صدرته وسخاوته وكقوة عزمه في الله وكعلوية همته على الملوك والخلفاء وعدم التردد إليهم وكتواضعه للفقراء واشتغاله بخدمة الأرامل والأيتام وضعاف الناس وفقراء النصارى واليهود ومحتاجيهم وبذاك أسلم على يديه منهم خلق لا يحصى عددهم وككثرة وقوع الإرشاد على يديه وكتمكنه في مرتبة عبادته وعبوديته من غير ملل ولا كسل ولا استفزه حال ظهوره قط وكعدم جلوسه على سجادة وجلوسه مع إخوانه كأحدهم وكثرة صبره على أذية قومه وعشيرته حتى أرشدهم الله على يديه وكحسن معاشرته ولطف طبعه وصفاء سريرته وعذوبة لفظه"(51).
وعلى ذلك يقولون بأنه لما ذهب إلى الحج عام 555هـ ووصل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم:
" وقف تجاه حجرة النبي عليه الصلاة والسلام وقال على رؤوس الأشهاد السلام عليك يا جدي. فقال له عليه الصلاة والسلام: عليك السلام يا ولدي. سمع ذلك كل من في المسجد النبوي . فتواجد سيدنا السيد أحمد وأرعد واصفر لونه , وجثا على ركبتيه ثم قام وبكى وأنّ طويلاً وقال يا جداه:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها *** تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت *** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي(/13)
فمد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة العطرة من قبره الأزهر المكرم فقلبها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل . والناس ينظرون اليد الشريفة . وكان في المسجد مع الحجاج الشيخ حياة بن قيس الحرابي والشيخ عبدالقادر الجيلي المقيم ببغداد والشيخ خميس والشيخ علي بن مسافر الشامي وغيرهم"(52).
ثم قالوا:
" وإنكار هذه الكرامة كفر"(53).
فانظر جرأة هؤلاء القوم على الكذب ، ثم الإصرار عليه ونسج هذه العبارة وذكر العدد الخم أي تسعين ألفاً من الناس:
مع العلم بالبداهة بأن هذا العدد الضخم لا يمكن وقوفهم أمام الحجرة الشريفة ، ولا يسعهم المكان في وقت واحد ، ورؤيتهم وسماعهم لو وقع في تلك الجهة وفي ذلك المكان ، ثم سردهم هذه الأسماء بكل وقاحة مع أنه لو وقع هذا كله أمامهم لملؤا الدنيا بذكره ، وكتبهم بحكايته.
وأيضاً ذلكم الجمع الحاشد لو رأوا هذا الأمر وسمعوه لساروا بذكره ومشوا بروايته ، وكل هذا لم يحدث ولم يذكر في كتاب من كتب ذلك المكان في التاريخ والسير والطبقات اللهم إلا كتب المتصوفة ، والمتصوفة الرفاعيين بالذات ، حتى كتب الطبقات الصوفية أيضاً خالية بذكرها أيضاً ، وكذلك الكتب التي تذكر الرفاعية بالخير والثناء والمدح فيهم ، كما لا يوجد في كتب الجيلاني إشارة إلى هذا ولا اسم ولا رسم ، وقد قيل قديماً:
" إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"(54).
ولم يكتفوا بهذه الأكذوبة إلا وأضافوا إليها أخرى حيث قالوا:
"أنه حجّ مرة ثانية وذلك في العام الذي توفّي فيه وزار قبره صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل من الجنة ؛ بل العرش والكرسي.
ولما وقف تجاه القبر الشريف يريد الوداع أنشد قائلاً:
إن قيل زرتم بما رجعتم *** يا أشرف الرسل ما نقول
فخرج صوت من القبر الشريف ، سمعه كل من حضر في ذلك الروض المعطر وهو يقول:
قولوا رجعنا بكل خير *** واجتمع الفرع والأصول"(55).
هذا من ناحية.(/14)
ومن ناحية أخرى يذكرون عنه بأنه دخل المطبخ في ليلة من الليالي ، فرأى كلاباً يأكلون من القوصرة وهم يتخاشرون ، فوقف رضي الله عنه على الباب يحفظهم لئلا يدخل عليهم أحد يؤذيهم وهو يقول لهم: أي مباركين ، كلوا واسكتوا ولا تتخاشروا لئلا يعلم بكم أحد فتمنعون ... وكان يدور وراء الكلاب المدودين ليداويهم ، فربما هرب منه الكلب يمشي ورائه ويتعطف بخاطره ويقول:
"أي مبارك ، إنما أريد مداواتك"(56).
هذا وقد ذكرنا فيما سبق أنه كان يسلّم على الكلاب وغيرها من الحيوانات وإذا رأى خنزيراً يقول له: أنعم صباحاً"(57).
وذكروا عنه أشياء أخرى في تلك التفاهة ، منها " كان إذا نام على كمّه هرة وجاء وقت الصلاة كمّه من تحتها ولا يوقظها ، فإذا جاء من الصلاة أخذ كمّه وخاطه ببعضه"(58).
ومنها أن زوجته أعدت له يوماً هريسة وقدّمته إليه ، فقام يصلي ركعتين شكراً لله تعالى ، فبينما هو قائم يصلي إذا جاءت فأرة تدور حول الهريسة وتشتهي ، فنهضت عليها هرة وقطعت رأسها ، فلما فرغ من صلاته بكى ، ثم نحى الهريسة عنه ، فقالت له زوجته: أي سيدي لم نحيته عنك؟
فقال: أي بنت الصالح ، ما تقطع فيه الرؤوس لا تشتهيه النفوس"(59).
إلى مثل ذلك من القصص التافهة الكثيرة ، نعرض عن ذكرها تجنباً عن الإطالة.
وينقلون عنه أن بعض أصحابه رآه في المنام في مقعد صدق مراراً ولم يخبره ، وكان للشيخ امرأة بذيّة اللسان تسفّه عليه وتؤذيه ، فدخل عليه الذي رآه في مقعد صدق يوماً ، فوجد بيد امرأته محراك التنور وهي تضربه على أكتافه ، فاسودّ ثوبه وهو ساكت ، فانزعج الرجل وخرج من عنده ، فاجتمع مع أصحاب الشيخ وقال لهم: يا قوم ، يجري على الشيخ من هذه المرأة وأنتم سكوت؟
فقال بعضهم: مهرها خمسمائة دينار وهو فقير ، فمضى الرجل وجمع الخمسمائة دينار وجاء بها إلى الشيخ في صينية فوضعها بين يديه ، فقال له: ما هذا؟(/15)
فقال: مهر الشقيقة التي فعلت بك كذا وكذا ، فتبسم وقال: لولا صبري على ضربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق(60).
ومات بمرض بالبطن فكان يخرج منه كل يوم ما شاء الله ، فمات سنة 570هـ على قول الشعراني في طبقاته(61).
وسنة 578هـ على قول الأكثر(62).
وكان يردد قبل وفاته هذه الأبيات:
إذا جنّ ليل هام قلبي بذكركم *** أنوح كما ناح الحمام المطوّق
وقوفي سحاب يمطر الهمّ والأسى ** وتحتي بحار بالأسى تتدفّق
سلوا أمّ عمر وكيف بات أسيرها ** تفُكُّ الأسارى دونه وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة *** ولا هو ممنون عليه فيطلق(63).
تزوج الرفاعي بعديد من النساء ولم يعقب.
فخلفه على المشيخة الرفاعية علي بن عثمان الذي كان يقول:
" من كان له منكم حاجة فليزمني بها، ومن شكى من سلطانه أو من شيطانه أو زوجته أو دابته أو أرضه إن كانت لا تنبت أو نخلة لا تثمر فليزمني بها فإني مجيب له، ودركه عليّ"(64).
ونقل منه تفسير باطني مثل تفسيره قوله عزّ وجلّ: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} فقال: الملك هو الله عز وجل، والقرية قلبك، فسد المنزل على المتوطن وأزعجهم، والمراد بالمتوطن الريا والنفاق وسوء الخلق والتزوير والبهتان والفساد والطغيان وكل ما هو خلاف رضا الرحمن، والمراد بأعزّة تلك الشياطين فيذلّهم ويهينهم"(65).
ومات سنة 584هـ.
فخلف من بعده عبدالرحيم بن عثمان ومات سنة 604هـ.
ثم خلفهم إبراهيم الأعظم، والذي يقولون فيه:(/16)
" هو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود، وصرفه في الكون، وخرق له العادات، وأظهر على يديه الخارقات، وأنطقه بالمغيبات، وأجرى على لسانه الحكم، ومكنه من أحوال النهاية وملكه أسرار الولاية، ونصبه قدوة وحجة، وهو أحد أركان هذا الشأن، وإمام أئمة ساداته، وأعلم العلماء بأحكامه وأولى الأيدي والأبصار بمناهجه علماً وعملاً وزهداً وتحقيقاً ورياسه وجلالة"(66)
ثم الآخرون، وقد ذكر معظمهم محمد أبو الهدي الرفاعي(67).
وبعدئذ تعلموا السحر كما قال الإمام الذهبي:
"ولكن أصحابه فيهم الجيد والرديء، وقد كثر الزغل فيهم وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات"(68).
وقال ابن خلكان:
"ولأتباعه أحوال عجيبة من أكل الحيات وهي حية، والنزول إلى التنانير وهي تضطرم من النار فيطفؤونها ويقال: إن في بلادهم يركبون الأسود"(69).
ولقد أقرّ بذلك محمد أبو الهدى من الرفاعية، والنبهاني من الصوفية وغيرهم.
كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه، واستنكر عليهم أعمالهم هذه، ونسبها إلى الشيطان، لا إلى الرحمن، كما ذكر مناظرته معهم، وتحدّيه بدخوله النار معهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى على بينه(70).(/17)
وقد حدث لنا شخصياً سنة 1965هـ في مدينة سامراء المليئة بالرفاعيين في بيت أحد السادة الأشراف مثل ما حدث لشيخ الإسلام بعد ما كان سؤالي على أحد زعمائهم في تلك المدينة "إن كان السلاح والرماح والسكاكين لا تؤثر فيكم فلماذا لا تذهبون إلى جبهة القتال، والعراق في أشد الحاجة وأمسها إلى أمثال هؤلاء الذين لا يؤثر فيهم الرصاص وغيرها من الأشياء"، كما نازلته وتحدّيته بأنه لو أعطى المسدّس في يدي وأطلق الرصاص بنفس فآنذاك أرى بأنه يؤثر أو لا يؤثر، فلم يسعه إلا الفرار والإنكار، وذلك القول الذي قالوه أمام شيح الإسلام بأن هذه الكرامات لا تظهر أمام المنكرين، وعبارة صحيحة وصريحة منقولة بالأمانة العلمية التي اقلها آنذاك "إمام الوهابيين".
ونريد أن نذكر أخيراً أن الإتيان بمثل هذه الأمور ليست خاصة بالرفاعية؛ بل رأينا مثلها وشاهدناها بأنفسنا في بلادنا من الآخرين، وساء من الذين ينتمون إلى الإسلام انتماء محضاً، ومن الهنادكة والمشركين أيضاً.
وأما ما ذكر محمد فريد وجدي في دائرته تحت ذكر الرفاعي فهو عدل وصدق، فنريد أن نثبته هنا، فيقول:
" أما ما يروى عن أتباعه من أكل النار والجلوس عليها وغير ذلك فيظهر أنه صحيح وهو أثر سلطة الروح على الجسم وإشراقها عليه بسلطانها حين يدخل الإنسان في حالة غير اعتيادية سواء أكانت بالذكر أم بالتنويم المغناطيسي. وقد روت مجلة المجلات الفرنسية عن الأستاذ الإنجليزي الكيماوي كروكس رئيس الجمعية الملكية العلمية الإنجليزية سابقاً أنه وضع جذوة نار في يد فتاة نومها مغناطيسياً فلم تتأثر به مطلقاً فأعلن الأستاذ الموما إليه عن هذه الحادثة وأعقب إعلانه بقوله أنه باعتباره كيماوياً ولا يعرف أي مادة كيماوية تحمي الجلد من الاحتراق مطلقاً.(/18)
وقد كتبت مجلة المجلات الفرنسية سنة (1986م) فصلاً تحت عنوان [الكهان الذين لا يحترقون] أثبتت فيه أن لدى الوثنيين من سكان جزائر فيجي وغيرها حوادث من هذا القبيل فيدخل كهانهم إلى النيران المستعرة بدون أن يمسهم ضرر وقد حصل ذلك بمرأى من بعض علماء أوربا. وقد جاء في المجلة الروحية في عدد يونيو من سنة (1900م) أن الكاتب أندرولنج قام في جمعية العلوم النفسية بلوندرة وتلا فصلاً أثبت فيه هذه المسألة بكل وضوح وأبان أنها حصلت في كل زمان ومكان. وقد كتبت مجلة (جورنال الجمعية البولينزية) تحت إمضاء أحد الضباط الإنجليز حادثة رآها بنفسه قال ما ملخصه: أشعلوا التنور في الصباح وفي الساعة الثانية بعد الظهر سرنا إليه وانتظمنا حوله فجاء الكاهن وتلامذته فتلا ألفاظاً طسمية ثم مشوا بأرجلهم حفاة على أحجار قد سخنوها لدرجة البياض ثم جاء الكاهن إلى المستر (جودين) وقال له: قد وهبتك المقدرة على اقتحام النار فاقتحمناها جميعاً وكنا أربعة أوربيين. أنا والدكتور (وجريج) والدكتور (جورج جريج) والمستر (جودين) فلم تؤثر النار على أقدامنا أصلاً لكن عصى أحدنا أمر الكاهن فنظر خلفه فاحترقت قدماه احتراقاً مراً.
ونقل المستر اندرولنج المتقدم ذكره في الجلسة ذاتها أن الدكتور (هوكن) العضو في جمعية النباتات قد رأى مثل ذلك في جزيرة فيجي، قال ما ملخصه: (أنه رأى أنهم قد أوقدوا تنوراً لدرجة 282) من مقياس فرانهيت فجاء سبعة كهان بين لغط شديد وهموا بدخول النار فاستأذن الدكتور من رئيسهم أن يفحصوا فحصاً علمياً فأذن لهم فعلاً في تدقيق حتى أنه لحس أجسامهم ليتحقق من عدم وجود شيء. قال ثم دخلوا النار فلم تصبهم بأدنى أذى. ثم خرجوا ففحصتهم ثانياً فلم أجد أثر للحرق"(71).
وبقيت هناك قضية علاقة الرفاعي مع معاصره الشيخ عبدالقادر الجيلاني سنذكرها عند ذكر القادرية.
وللرفاعية أوراد مخصوصة كثيرة نذكر نبذة منها، فيقولون:(/19)
"ومن أحزابه الشريفة هذا الحزب واسمه الحزب الصغير، وهو:
(بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إني أسألك بعظيم قديم كريم مكنون مخزون أسمائك وبأنواع أجناس أنفاس رقوم نقوش أنوارك وبعزيز أعزاز أعزّ عزتك ويحول طول حول شديد قوتك وبقدر مقدار اقتدار قدرتك وبتأييد تحميد تمجيد عظمتك وبسمو نموّ علوّ رفعتك وبحيوم قيوم بنوم دوام أبديتك رضوان غفران أمان رفعتك وبرفيع بديع منيع سلطانك وبصلاة سعاة بساط رحمتك وبلوامع بوارق صواعق صحيح وهيج بهيج وهيج نور ذاتك وببهر قهر جهر ميمون ارتباط وحدانيتك وبهدير تيار أمواج بحرك المحيط بملكوتك وباتساع انفساخ ميادن بواذخ كرسيك وبهيكليات علويات روحانيات أملاك عرشك وبالأملاك الروحانيين المديرين الكواكب أفلاكك وبحنين أنين تسكين المريدين لقربك وبحرقات زفرات جمعات الخائفين من سطوتك وبأمال نوال أقوال المجتهدين في مرضاتك وبتحمد تمسجد تجلد العابدين على طاعتك وتخضع تخشع تقطع مرائر الصابرين على بلوائك يا أوّل يا آخر يا ظاهر يا باطن يا قديم يا مقيم اطمس بطلسم)(72).
ومن أحزابه الغريبة العجيبة " المص الرالر الر المر المر المر كهيعص ط طسم طس طسم طسم الم الم الم الم يس ص حم حم حمعسق حم حم حمعسق حم حم ق ن ... محمد رسول الله حصني مكملاً وأبو بكر يميني حرزاً ووكيلاً وعمر بن الخطاب يساري عزاً وتجملاً وعثمان بن عفان من خلفي قوة وحولا وعلي بن أبي طالب أمامي مهابة... لا إله إلا أنت أحون قاف آدم حم هاء آمين ...
شتوش هموش أطوش شرح خمدت النار من مخافته"(73).
فهذه هي الأوراد وأمثالها التي قال فيها بعض الرفاعية:
"عليك بأوراد الرفاعي إنها *** إلى شيخ أشياخ الطريقة تنسب
وداوم عليها فهي حصن وجنة ** ودرع لدفع النائبات مجرّب
وباب بوصل العبد بالله عامر *** ونهج به للمصطفى يتقرّب"(74).(/20)
وأحياناً كانوا يرددون مثل هذه الأوراد لنيل المآرب وحصول المطالب، فيذكر أحد الرفاعيين "كنت أمشي تحت جبل قاف، فجاء وقت الصلاة فتوضأت وصليت وقرأت الورد الشريف ثم ذكرت اسم سيدي أحمد (الرفاعي) فلما أتممت جاءت حية عظيمة وفي فمها درة فألقتها أمامي، ثم أنطقها الله فقالت: خذ هذه الهدية مني لحضرة سيدي أحمد، فتعجبت وقلت: أتعريفين سيدي أحمد؟
فقالت: عجيب هذا، هل على بساط الأرض من رطب ويابس من يجهل سيدي أحمد الرفاعي، بلغّه سلامي، فأنا من مردائه"(75).
وعلى كل فهذا هو الرفاعي الذي يعرفه كل رطب ويابس على بساط الأرض، وكانت الحيوانات أيضاً من مريديه.
وهؤلاء هم الرفاعيون.
..............................
(1) أنظر الطبقات الكبرى للشعراني ج 1 ص 139.
(2) أنظر قلادة الجواهر في ذكر الغوّث الرفاعي وأتباعه الأكابر لمحمد أبي الهدى الرفاعي الخالدي الصيادي ص 12 وما بعد ط دار الكتب العلمية بيروت 1980م.
(3) أنظر مقدمة المجالس الرفاعية ص 6 مطبعة الإرشاد بغداد.
(4) الفتح المبين لظهير الدين القادري ص 102وما بعد ط الطبعة الخيرية القاهرة 1306هـ.
(5) عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لجمال الدين بن عنبة الحسيني المتوفى 828هـ ص 213 ، 214 ط قم والنجف 1961م.
(6) الفتح المبين لظهير الدين القادري ص 105 ط.
(7) أنظر قلادة الجواهر ص 20.
(8) سورة الحجرات الآية 13.
(9) سورة النساء آية 1.
(10) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
(11) رواه أحمد.
(12) رواه البخاري ومسلم.
(13) لطائف المنن لابن عطاء الله الأسكندري ص 179 ط.
(14) جمهرة الأولياء لأبي الفيض المنوفي الحسيني ج 2 ص 206 ط القاهرة ، أيضاً قلادة الجواهر لأبي الهدى الرفاعي ص 20.
(15) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 94 ، 95 ط.(/21)
(16) قلادة الجواهر ص 32 ، أيضاً دائرة المعارف الإسلامية مقال مارجليوت ج 10 ص 316 ط جامعة بنجاب لاهور باكستان.
(18) انظر طبقات الأولياء لابن الملقن ص 93 ، شذرات الذهب ج 4 ص 259 ، العبر في خبر من غبر للحافظ الذهبي ج 3 ص 75.
(19) قلادة الجواهر ص 32 ، دائرة المعارف الإسلامية ج 10 ص 316.
(20) العبر ج 3 ص 69.
(21) قلادة الجواهر ص 32.
(22) انظر ترجمة الرفاعي في المجالس الرفاعية مقدمة الكتاب ص 20 ، أيضاً قلادة الجواهر ، كذلك دائرة المعارف ص 16.
(23) قلادة الجواهر ص 32.
(24) الفتح المبين ص 5.
(25) قلادة الجواهر ص 30.
(26) أيضاً ص 29.
(27) انظر قلادة الجواهر ص 131.
(28) البراهين لابن الحاج نقلاً عن القلادة ص 33 ، 34.
(29) طبقات الشعراني ج 1 ص 141 ، قلادة الجواهر ص 42.
(30) أيضاً ص 46.
(31) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 69.
(32) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 297.
(33) الطبقات الكبرى للشعراني ج 1 ص 141.
(34) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 297 ط دار صادر بيروت.
(35) قلادة الجواهر ص 81.
(36) أيضاً ص 68.
(37) سورة لقمان الآية 34.
(38) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 99 ط مكتبة الخانجي القاهرة 1393هـ.
(39) قلادة الجواهر ص 91.
(40) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 100.
(41) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298.
(42) انظر قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص 71.
(43) أيضاً ص 235.
(44) قلادة الجواهر ص 193.
(45) المجالس الرفاعية لأحمد الرفاعي ص 101 الطبعة الأولى مطبعة الإرشاد بغداد 1971م,
(46) قلادة الجواهر ص 235.
(47) أيضاً ص 234 ، 235.
(48) أيضاً ص 94.
(49) القلادة لأبي الهدى الرفاعي ص 141.
(50) قلادة الجواهر لأبي الهدى الرفاعي ص 165.
(51) أيضاً 123.(/22)
(52) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298 ، القلادة ص 108 ، 109 ، واللفظ له ، المجالس الرفاعية مقدمة ص 26 ، 27 وغيرها من الكتب.
(53) قلادة ص 104 ، المجالس الرفاعية مقدمة ص 27.
(54) رواه البخاري ومالك في المؤطأ.
(55) قلادة الجواهر ص 104.
(56) أيضاً ص 63.
(57) انظر طبقات الشعراني ج 1 ص 142.
(58) طبقات الشعراني ج 1 ص 142 ، قلادة الجواهر ص 62.
(59) قلادة الجواهر ص 62.
(60) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298.
(61) انظر الطبقات الكبرى ج 1 ص 144.
(62) انظر جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298 ، مقدمة المجالس الرفاعية ص 225 ، شذرات الذهب ج 4 ص 259 ، العبر ج 3 ص 75.
(63) وفيات الأعيان لابن خلكان ج 1 ص 172.
(64) قلادة الجواهر ص 323.
(65) أيضاً ص 325 ، 326.
(66) أيضاً ص 331.
(67) من أراد التفصيل فليرجع إلى ذلك.
(68) انظر العبر للذهبي ج 3 ص 75.
(69) وفيات الأعيان لابن خلكان ج 1 ص 172.
(70) انظر لذلك فتاوي شيخ الإسلام ج 11 ص 455 أيضاً الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام ج 1 ص 141 ط دار الكتب العلمية بيروت.
(71) انظر دائرة معارف القرن العشرين ج 4 ص 266 ، 267.
(72) قلادة الجواهر ص 258.
(73) قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص 362 ، 363.
(74) أيضاً ص 269.
(75) أيضاً ص 429.
قام بنقله المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/23)
الطريقة الشاذلية
إحسان إلهي ظهير
سلسلة صوفية مشهورة وطريقة صوفية منتشرة في مصر وتونس والجزائر وغيرها من البلدان، والشاذلية نسبة إلى أبي الحسن علي بن عبدالله المولود بغمارة من قرى سبته سنة 593هـ(76).
وقال الكمشخانوي:
"بل ولد بقرية عمان من قرى أفريقية قرب مرسية، وهي من المغرب الأقصى أيضاً"(77).
ولكن عطاء الله الاسكندراني وهو تلميذ أبي العباس المرسي يذكر أن مبدأ ظهوره بشاذلة ولكن منشأه بالمغرب الأقصى فلم يعرف بالمنشأ والمولد، بل نسب إلى مبدأ ظهوره(78).
واختلفوا في نسبه أيضاً، فمريدوه والمتعلّقون به ينسبونه إلى الأشراف ويصلون بنسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، كعادة أهل كل طريقة صوفية ولو أنهم يختلفون فيما بينهم في أسماء آبائه، فالبعض ينسبونه إلى إدريس بن عبدالله المبايع له ببلاد المغرب(79).
وبعضهم إلى غيره(80).
وأما الجامي فينسبه في نفحاته إلى الحسين، لا إلى الحسن(81).
وكان ضريراً كما سماه ابن الملقن والشعراني بالضرير الزاهد(82).
ولكن لم يتضرر عيناه إلا بعد مدة من تحصيل العلم كما يظهر من ترجمته في مختلف الكتب(83).
وانتقل في صغره إلى مدينة تونس، فبدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة وبلدة إلى بلدة حتى حجّ ثم دخل العراق وبدأ يفتش عن القطب الصوفي –حسب زعمه- وقال له أحد الأولياء هناك:
"إنك تبحث عن القطب بالعراق، مع أن القطب ببلادك، ارجع إلى بلادك تجده"(84).
فرجع إلى بلاده باحثاً ومفتشاً عن القطب، يسأل عن المقبل والمدبر والراحل والمقيم إلى أن اجتمع به، وهو أبو محمد عبدالسلام بن مشيش، فيقول الشاذلي: أتيت إليه "وهو ساكن مغارة برباط رأس جبل، فاغتسلت في عين أسفل الجبل وخرجت عن علمي وعملي، وطلعت إليه فقيراً، وإذا به هابط إليّ، فقال:
مرحباً يا علي، وذكر نسبي إلى رسول الله"(85).(/1)
"ثم قال لي: يا علي، طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك، وأخذت منا غنى الدنيا والآخرة، فأخذني من الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله عليّ بصيرتي"(86).
وعبدالسلام هذا ينقل فيه الشيخ الأكبر للأزهر سابقاً عبدالحليم محمود عن صاحب "الدرة البهية":
"هو القطب الأكبر، والعلم الأشهر، والطود الأظهر العالي السنام.
هو البدر الطالع الواضح البرهان، الغنيّ عن التعريف والبيان، المشتهر في الدنيا قدره، والذي لا يختلف في غوثيته اثنان.
وطريه ترياق شاف لأدواء العباد، وذكره رحمة نازلة في كل ناد.
سرى سرّه في الأفاق، وسارت بمناقبه الركبان والرفاق.
قضى عمره في العبادة، وقصده للانتفاع أهل السعادة.
وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية، وفي الزهد في النهاية، جمع الله له الشرفين: الطيني والديني، وأحرز الفضل المحقق اليقيني"(87).
ويذكره الشاذلي بنفسه هو ومكانته السامية ودرجته الرفيعة، ومعرفته وعلمه بما يختلج في صدور الناس، وفيضه وفيضانه بقوله:
"كنت في سياحتي في مبدأ أمري حصل لي تردد: هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أو ارجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار؟ فوصف لي وليّ هنالك، وكان برأس جبل فصعدت إليه، فما وصلت إليه إلى ليلاً، فقلت في نفسي لا أدخل عليه في هذا الوقت، فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، قال فالتفت إلى نفسي وقلت: يا نفس انظري من أي بحر يغترق هذا الشيخ، فلما أصبحت دخلت إليه فأعربت من هيبته.
فقلت له:
يا سيدي كيف حالك؟
فقال: أشكوا إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار.
فقلت: يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟
فقال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله.(/2)
قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، فتبسم ثم قال:
يا بني، ما تقول: سخر لي خلقك قل: يا رب كن لي، أترى إذا كان لك أيفوتك شيء؟ فما هذه الجناية"(88).
وحتى ابنه الصغير يعلم ما في قلوب الناس كما يذكر الشاذلي أيضاً:
"كنت يوماً بين يدي الأستاذ فقلت في نفسي: ليت شعري هل يعلم الشيخ اسم الله الأعظم؟ فقال ولد الشيخ وهو في آخر المكان الذي أنا فيه: يا أبا الحسن ليس الشأن من يعلم الاسم الأعظم، إنما الشأن من يكون هو عين الاسم، فقال الشيخ من صدر المكان: أصاب وتفرس فيك ولدي"(89).
ويقول ابن عطاء الله الاسكندري: إن طريقة الشاذلي تنتسب إلى الشيخ عبدالسلام بن مشيش، والشيخ عبدالسلام ينتسب إلى الشيخ عبدالرحمن المدني، ثم واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب(90).
وبعد مدة من الزمن وبقائه عند ابن مشيش قال له شيخه ابن مشيش: يا علي، ارتحل إلى أفريقية واسكن بلداً بها تسمى شاذلة، فإن الله يسميك شاذلياً، وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد المشرق، وترث فيها القطبانية(91).
ولما ورث القطبانية "وظهر بالخلافة الكبرى والولاية الكثرى والقطبية العظمى والغوثية الفردى، وخصّه الله بعلوم الأسماء ومن عليه بأعلى مقامات الأولياء، وخصوصيات الأصفياء، وانفرد في زمانه بالمقام الأكبر والمدد الأكثر والعطاء الأنفع والنوال الأوسع(92).
بدأ يقول كما ذكروا عنه أنه قيل للشيخ أبي الحسن: من هو شيخك؟
فقال: كنت انتسب إلى الشيخ عبدالسلام بن مشيش، وأنا الآن لا انتسب لأحد، بل أعوم في عشرة أبحر: خمسة من الآدميين، النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخمسة من الروحانيين، وجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح الأكبر(93).(/3)
و"تصرّف في أحكام الأولياء ومددها بالأذن والتمكين، وانفراد بسوددها حق اليقين، وأمدّ الأولياء أجمعين، وكذا الصديقين، ونال مقام الفردانية الذي لا يجوز المشاركة فيه بين اثنين، وأجمع على ذلك من عاصره من العلماء العارفين والأولياء لمقربين وخواص الصديقين، وشهد بقطبانيته وفردانيته الجمّ الكثير"(94).
وبدأ يقول:
"والله لقد جئت في هذا الطريق ما لم يأت به أحد"(95).
حتى تعالى وتفاخر:
"قدمي على جبهة كل ولي لله"(96).
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور عبدالحليم محمود الذي تولّى مشيخة الأزهر، وتخرّج من جامعة فرنساوية كتب كتاباً في تمجيد الشاذلي ومدح الشاذلية، ففي ذلك الكتاب يذكر أن الله كلّمه على جبل زغوان، الجبل الذي اعتكف الشاذلي فيه في قمته، وتعبّد وتحنّث، والذي يذكره نقلاً عن صاحب كتاب "درة الأسرار":
" قرأ الشيخ على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله تعالى: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} أصابه حال عظيم، وجعل يكررها ويتحرك، فكلما مال إلى جهة مال الجبل نحوها ... وما كانت حياته على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها"(97).
وعلى هذا الجبل ارتقى منازل، وتخطّى مراتب حيث "نبع له عين تجري بماء عذب.
ثم بدأت الملائكة تحفّ بأبي الحسن، بعضها يسأله فيجيبه.
وبعضها يسير معه.
ثم تأتيه أرواح الأولياء زرافات ووحداناً تحفّ بأبي الحسن وتتبرك به(98).
وبعد تجاوز هذه المراتب كلها التي أهّلته لأن يخاطب الرب بدون واسطة ولا ملك، كلّمه الرب تبارك وتعالى حسب قول ذلك الدكتور، فقال له:
"يا علي، اهبط إلى الناس ينتفعوا بك.
فقلت:
يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخاطبتهم.
فقيل لي:
انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة.
فقلت:
تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم.
فقيل لي:
انفق علي، وأنا الملي، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب.(/4)
ونزل الشاذلي رضي الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة، ويستقبل مرحلة جديدة، فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه.
وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه رضي الله عنه فيما يتعلق بنسبه إلى شاذلة، قال:
قلت يا رب لم سميتني بالشاذلي، ولست بشاذلي.
فقيل لي:
يا علي، ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشَّاذُّلِي بتشديد الذال المعجمة، يعني: المفرد لخدمتي ومحبتي"(99).
وقبله قد تكلّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من داخل حجرته الشريفة كما ذكر ذلك الدكتور عبدالحليم محمود نقلاً عن "درة الأسرار" عن أبي الحسن:
"ولما قدم المدينة زادها الله تشريفاً وتعظيماً، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه عريان الرأس حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً.
فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول:
{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلاّ أن يؤذن لكم}
فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: "يا علي ادخل"(100).
فمن يكن هذا شأنه ومقامه ومكانته لا يستبعد عنه أن يقول:
"لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة"(101).
وأيضاً: "أعطيت سجلاً مدّ البصر، فيه أصحابي وأصحاب أصحابي إلى يوم القيامة عتقاء من النار"(102).
وعلى ذلك ينقل عنه الإسكندري عن شيخه أبي العباس المرسي خليفة أبي الحسن الشاذلي وتلميذه الخاص به أنه قال:
" قال لي عبدالقادر النقاد، وكان من أولياء الله: اطلعت البارحة على مقام الشيخ أبي الحسن.
فقلت له: وأين مقام الشيخ؟
فقال: عند العرش.
فقلت له: ذاك مقام تنزل لك الشيخ فيه حتى رأيته.
وإلا مقامه فهو فوق ذلك، وقد صرّح بذلك حيث يواصل كلامه فيقول:
"ثم دخلت أنا وهو على الشيخ، فلما استقربنا المجلس قال الشيخ رضي الله عنه:
رأيت البارحة عبدالقادر النقاد بالمنام فقال لي:
أعرش أنت أم كرسيّ؟(/5)
فقلت له:
دع عنك ذا.
الطينة أرضية.
والنفس سماوية.
والقلب عرشي.
والروح كرسي.
والسر مع الله بلا أين.
والأمر نزل فيما بين ذلك ويتلوه الشاهد منه(103).
وذكروا من جملة كراماته أنه أثناء سفره إلى الإسكندرية مكث بتونس مدة، واشتهر أمره وذاع صيته، والتف حوله خلق كثير فحسده فقيه تونس وقاضي قضاتها ابن البراء فوشاه إلى السلطان، ودسّ له عنده، وتكلّم في نسبه ولكن السلطان لم يمسه بسوء، ووقره في قلبه واحترمه ولكن منعه من الخروج، وما أن منعه إلاّ وماتت جاريته في ذاك الحين، التي أحبها فملكت عليه جميع أقطاره، ثم التهبت النار في البيت فلم يشعروا حتى احترق كل ما في البيت من الفرش والثياب وغير ذلك من الذخائر، فعلم السلطان أنه أصيب من قبل هذا الوليّ(104).
ولكن من الغرائب أنه لم يصب ابن البراء شيئاً مع تصريح عبدالحليم محمود وغيره أنه بقى على عدائه للشاذلي ومخالفته له إلى أن الشاذلي كان يسلّم عليه فلم يكن ابن البراء يردّ عليه السلام، وكان يطعن في نسبه(105).
ولكن أنّى للمختلقين العقل، ومن أين للقصاصين العقل، والمسامرين الوضاعين الفكر.
فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً.
وهل يستعبد هذا من أولئك الناس الذين يفضلن هؤلاء المتصوفة على أنبياء الله ورسله ويزعمون فيهم من القدرة والاختيارات، ومعرفة علم الغيب، والتصرف في أمور الكون، وتدبير أمور الدنيا والآخرة، ومددهم الأحياء منهم والأموات، وإعطائهم الثواب والعقاب، وتقسيمهم الجنة والنار لمن يريدون ويزعمون إعطاءه، ويفونهم بأوصاف لا تليق إلا بالواحد القهار الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، وأمر سيد الخلائق وأفضل المخلوقات وأشرف المرسلين بأن يقول:
{قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلاّ ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}(106).(/6)
{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}(107).
{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}(108).
وغيرها من الآيات الكثيرة والأحاديث المستفيضة التي ذكرناها فيما سبق في مختلف المباحث والمواضيع ولكن المتصوفة يعتقدون في أوليائهم أوصافاً إلهية ونعوتاً ربانية فيقول الإسكندري:
"لو كشف عن حقيقة الولي لعبد، لأن أوصافه من أوصافه، ونعوته من نعوته"(109).
ولقد مرّ بيان عقيدة القوم في متصوفتهم سابقاً ولكن نريد أن نثبت ههنا بمناسبة ذكر الشاذلة والشاذلي ما ذكره قطبهم بعد الشاذلي –وهو المرسي- في شيخه نقلاً عن بعض مريديه أنه قال:
"صليت خلف شيخي صلاة فشهدت ما أبهر العقل وذلك أني شهدت بدن الشيخ والأنوار قد ملأته، وانبثت الأنوار من وجوده حتى أنني لم أستطيع النظر إليه، وقد كشف الحق عن مشرقات أنوار قلوب أوليائه لانطوى نور الشمس والقمر في مشرقات أنوار قلبوهم، وأين نور الشمس والقمر من أنوارهم"(110).
هذا ولقد استقر الشاذلي بعدئذ في الإسكندرية بمصر، وتزوج هنالك وولد له أولاد، وحبس عليه السلطان برجاً من أبراج السور في أسفله ما جل كبير ومرابط للبهائم، وفي الوسط مساكن للفقراء وجامع كبير، وفي أعلاه أعلية لسكانه وعياله"(111).
وكان من عادته " إذا ركب تمشى أكابر الفقراء وأكابر الأغنياء حوله، وتنشر الأعلام على رأسه، وتضرب الكاسات بين يديه، ويأمر النقيب أن ينادي أمامه "من أراد القطب فعليه بالشاذلي"(112).
وسنة 656هـ سافر للحج، وفي صحراء عيذاب وافته المنية فدفن هناك(113).
ويقول الجامي: "وكان ماء هذا الصحراء ملحاً لا يشرب ولكنهم بعد ما غسلوه بمائه صار ببركته حلواً عذباً"(114).(/7)
وفي هذا الصحراء ادّعى بأنه التقى بالخضر وكلّمه، كما نقلوا عنه أنه كان يقول:
"لقيت الخضر في صحراء عيذب، فقال لي:
"يا أبا الحسن أصحبك الله اللطف الجميل، وكان لك صاحباً في المقام والرحيل"(115).
وقد نقل عن الشاذلي تفسير بع الآيات القرآنية تفسيراً باطنياً ينهج فيه منهج الباطنية وأهل التأويل البعيد، وقد ذكرنا نماذج منها في كتابنا [التصوف:المنشأ والمصادر].
ثم خلف بعده على الشاذلية أبو العباس المرسي، والذي صار قطباً بعد موته حسب زعمهم كما ينقلون عن زكي الدين الأسواني أنه قال:
"قال لي الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: يا زكي، عليك بأبي العباس، فو الله أنه ليأتيه البدوي يبول على ساقيه فلا يمسي عليه المساء إلا قد أوصله إلى الله، يا زكي، عليك بأبي العباس، فو الله ما من ولي لله كان أو هو كائن إلا وقد أطلعه الله عليه، يا زكي، أبو العباس هو الرجل الكامل"(116).
ويقول أبو العباس هذا عن نفسه:
"والله ما سار الأولياء والأبدال من قاف حتى يلقوا واحداً مثلنا، فإذا لقوه كان بغيتهم، ثم قال: وبالله لا إله إلا هو، ما من ولي لله كان أو كائن إلا وقد أطلعني الله عليه وعلى اسمه ونسبه وكم حظه من الله"(117).
وهو الذي قال:
"والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين"(118).
وكان يقول:
"لا أعلم أحداً اليوم يتكلّم في هذا العلم غيري على وجه الأرض" وقدم إليه بعضهم طعاماً فيه شبهة يمتحنه فامتنع الشيخ من أكله، وقال: "إنه كان للشيخ المحاسبي عرق في أصبعه يضرب إذا مدّ يده إلى شبهة فأنا في يدي ستون عرقاً تضرب، فاستغرب الرجل وتاب على يديه"(119).
وتكلم يوماً في القطب وأوصافه ثم قال:
"وما القطبانية بعيدة من بعض الأولياء وأشار إلى نفسه"(120).
قال: "لقد علمت العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو سعياً على وجوههم"(121).
وكان المرسي هذا أيضاً يدّعي صحبة الخضر واللقاء معه(122).(/8)
وكان له تأويل باطني مثلما كان لأستاذه وشيخه، ومثال ما ذكره تلميذه عطاء الله الإسكندري:
"سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول في قوله عز وجل:
{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} أي: ما نذهب من وليّ لله إلا ونأت بخير منه أو مثله"(123).
وكان كأستاذه يعتني بكتاب الإحياء لأبي حامد الغزالي، وكتاب "قوت القلوب" لأبي طالب المكي، وكتاب "ختم الأولياء" للحكيم الترمذي، وكتاب "المواقف والمخاطبات" لمحمد عبدالجبار النفري(124).
مات سنة 686هـ(125).
ثم خلفه على مشيخة الشاذلية ياقوت العرش وكان حبشياً.
"وهو الذي شفع في الشيخ شمس الدين بن اللبان لما أنكر على سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه وسلب عمله وحاله بعد أن توسل بجميع الأولياء، ولم يقبل سيدي أحمد شفاعتهمفيه، فسار من الإسكندرية إلي سيدي أحمد، وسأله أن يطيب خاطره عليه وأن يردّ عليه حاله فأجابه.
ثم إن سيدي ياقوت زوّج ابن اللبان ابنته، ولما مات أوصى أن يدفن تحت رجليها أعظاماً لوالدها الشيخ ياقوت.
وإنما سمّى العرش لأن قلبه لم يزل تحت العرش، وما في الأرض إلاّ جسده.
وقيل: لأنه كان يسمع لأذان حملة العرش.
وكان رضي الله عنه يشفع في الحيوانات.
وجاءته مرة يمامه فجلست على كتفه وهو جالس ف حلقة الفقراء وأسرّت إليه شيئاً في أذنه، فقال: بسم الله ونرسل معك أحد من الفقراء، فقالت: ما يكفيني إلا أنت، فركب بغلته من الإسكندرية وسافر إلى مصر العتيقة حتى دخل إلى جامع عمرو فقال: أجمعوني على فلان المؤذن، فأرسلوا وراءه، فجاء، فقال له:
هذه اليمامة أخبرتني بالإسكندرية أنك تذبح فراخها كلما تفرخ في المنارة، فقال: صدقت، قد ذبحتهم ماراً، فقال: لا تعد، فقال: تبت إلى الله تعالى ورجع الشيخ إلى الإسكندرية رضي الله عنه.
ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة بين الطائفة الشاذلية بمصر وغيرها.(126)(/9)
ثم خلفه ناس آخرون، فاشتهر من بينهم محمد المغربي الذي يقولون عنه بأنه تنبأ بظهوره الشاذلي، فقال:
"يظهر بمصر رجل يعرف بمحمد يكون فاتحاً لهذا البيت، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن"(127).
وهو الذي قال:
"أعطيت الشاذلية ثلاثاً لم تحصل لمن قبلهم ولا لمن بعدهم:
الأول: إنهم مختارون في اللوح المحفوظ.
الثاني: إن المجذوب منهم يرجع إلى الصحو.
الثالث: إن القطب منهم إلى يوم القيامة(128).
وآخر هذه الثلاث أن يركز عليه، فإن كل طائفة من الطوائف الصوفية تدعي أن القطب منهم، ولا يرضى بهذه المقولة أحد من غير الشاذلية.
وآخرون مثل علي بن عمر القرشي وناصر الدين بن محمد عبدالدائم وابن عبدالرحمن بن إبراهيم ومعصوم بن أحمد وغيرهم العديدون(129).
فهذا هو الشاذلي وأولئك الشاذلية ومشائخهم وقد اشتهر عن الشاذلية أوراد عديدة منها حزب البر وحزب البحر والحزب الكبير وغيرها من الأحزاب والأوراد، اختلقوا لها فضائل ومناقب لم ينزل الله بها من برهان، ذكرها كل من عطاء الله الإسكندري في كتابه "لطائف المنن" والدكتور عبدالحلم محمود في كتابه "المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي" والآخر في "النفحة العلية في الأوراد الشالية".
وبهذا نختم هذا الفصل.
........................
(76) النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 226 ط مكتبة المتنبي القاهرة،أيضاً أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبدالحليم محمود ص 20.
(77) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 115.
(78) لطائف المنن لابن عطاء الأسكندراني ص 135 بتحقيق عبدالحليم محمود ط مطبعة حسان القاهرة 1974.
(79) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 115.
(80) انظر لطائف المنن للأسكندراني ص 135، طبقات الأولياء لابن الملقن ص 459.
(81) انظر نفحات الأنس للجامي ص 567 (فارسي) ط إيران.
(82) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 458، الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 4.(/10)
(83) انظر دائرة المعارف الإسلامية ص 562 وغيرها من الكتب.
(84) درة الأسرار ص 23 نقلاً عن "أبي الحسن الشاذلي" للدكتور عبدالحليم محمود ص 23.
(85) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 116.
(86) "المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي" للدكتور عبدالحليم محمود ص 23 ط دار الكتاب الحديث القاهرة.
(87) أيضاً ص 24.
(88) لطائف المنن لابن عطاء الإسكندري ص 159 ، 160ط مطبعة حسان القاهرة 1974م.
(89) أيضاً ص 160.
(90) الوصية الكبرى لعبدالسلام الأسمر الفيتوري ، أيضاً لطائف المنن للإسكندراني ص 65.
(91) جامع الأصول في الأولياء لمكشخانوي ص 117،كذلك أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبدالحليم محمود ص 29،أيضاً النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 228.
(92) جامع الأصول في الأولياء لأحمد الكمشخانوي ص 117 ط المطبعة الوهيبة طرابلس 1298هـ.
(93) لطائف المنن للإسكندري ص 146،الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 7،جامع كرامات الولياء للنبهاني ج 2 ص 176،النفحة العلية ص 229.
(94) جامع الأصول ص 117.
(95) لطائف المنن ص 146.
(96) جامع الأصول في الأولياء ص 117.
(97) انظر المدرسة الشاذلية الحديثة وأمامها أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبالحليم محمود ص 32.
(98) بألفاظ عبدالحليم محمود وحروفه انظر ص 33 من كتابه "أبو الحسن الشاذلي" ط دار الكتب الحديثة القاهرة.
(99) أيضاً ص 35.
(100) أبو الحسن الشاذلي ص 83.
(101) الكمشخانوي ص 116، النفحة العلية ص 228.
(102) جامع الأصول في الأولياء ص 116،النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 228 ط مكتبة المتنبي القاهرة.
(103) لطائف المنن الاسكندري ص 143 ، 144 ط مطبعة حسان القاهرة.
(104) درة الأسرار ص 30.
(105) انظر أبو الحسن الشاذلي ص 42.
(106) سورة الأعراف الآية 188.
(107) سورة الأنعام الآية 50.
(108) سورة الكهف الآية 110.(/11)
(109) لطائف المنن للإسكندري ص 95 مقولة أبي العباس تلميذ أبي الحسن الشاذلي وخليفته في شيخه.
(110) لطائف المنن للإسكندري ص 95.
(111) درة الأسرار نقلاً عن "أبي الحسن الشاذلي" ص 45.
(112) الكمشخانوي ص 117،النفحة العلية ص 228،الكواكب الدرية للمناوي نقلاً عن "أبو الحسن الشاذلي" ص 54.
(113) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 459،أيضاً الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 4.
(114) نفحات الأنس للجامي (فارسي) ص 570 ط طهران.
(115) لطائف المنن ص 151،طبقات الشعراني ج 2 ص 5،جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 2 ص183،أبو الحسن الشاذلي ص 39.
(116) انظر لطائف المنن ص 168.
(117) لطائف المنن ص 168.
(118) الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 14،جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 314،أيضاً لطائف المنن للإسكندري ص 169.
(119) نفحات الأنس للجامي ص 572،أيضاً جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 2 ص 14،أيضاً جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 314.
(120) لطائف المنن 179.
(121) أيضاً.
(122) انظر جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 314.
(123) لطائف المنن ص 63.
(124) انظر لطائف المنن ص 179 ، 180 ، كذلك أبو الحسن الشاذلي ص 55 وما بعد.
(125) طبقات الشعراني ج 2 ص 13.
قام بنقله المنهج - شبكة الدفاع عن السنة(/12)
الطريقة القادرية
الشيخ / محمد مصطفى عبد القادر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أعلم أخي المسلم بأن من اعظم الفتن التي ابتلي بها المجتمع المسلم ما يسمى بالتصوف أو الفكر الصوفي ،ذلك الفكر الذي يعمل على هدم الإسلام باسم الإسلام وقد انخدع به كثير من المسلمين فهم ممن ينتسب إلى العلم وكثير منهم لا يعلمون وهذه سلسلة رسائل تحت شعار احذروا التصوف نكشف فيها عن مخالفات الطرق الصوفية للشريعة الإسلامية من خلال كتبهم ونبين الأدلة من الكتاب والسنة على بطلانها استنادا على قوله تعالى ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) (الإسراء 81) وكل ذلك بإيجاز شديد غير مخل بالهدف المنشود والله نسأل القبول والهدى والسداد.
وهذه مخالفات الطريقة القادرية للشريعة الإسلامية
المخالفة الأولى:-
الشيخ الجيلانى يصرح بأنه هو الواحد والصمد وهما من اسماء الله تعالى وأصحاب الطريقة القادرية يؤيدون ذلك ، جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والأوراد القادرية ص 47 "قال الشيخ فى الشطح والتوقير (أنا الذاكر المذكور ذكرًا لذاكر ،أنا الشاكر المشكور شكرا بنعمه ، أنا السامع المسموع فى كل نعمه ،أنا الواحد الفرد الكبير بذاته ،أنا الواصف الموصوف شيخ الطريقة)" والرد على هذا الكفر والإلحاد واضح من كتاب الله تعالى.وتكذيبه من أوجب الواجبات على كل مسلم لقوله تعالى (قل هو الله أحد، الله الصمد ،لم يلد ، ولم يكن له كفواً أحد) ولقوله تعالى : (إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون)النحل
المخالفة الثانية:-(/1)
الشيخ الجيلانى يزعم أنه كان مع النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء وكان مع نوح زمان الطوفان وكان مع ابراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار ،وأنه أطفأ النار بدعوته !! وأصحاب الطريقة القادرية يؤيدون ذلك ،جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والأوراد القادرية ص 47 (قال الشيخ"أنا كنت فى العليا بنور محمد وفى قاب قوسين عند اجتماع الاحبة ،أنا كنت مع نوح أشاهد فى الورى بحاراً وطوفاناً على كف قدرى. وكنت مع ابراهيم ملقى بناره وما برّد النيران إلا بدعوتى") والرد على ذلك الإفتراء واضح وجلى من حيث البعد التاريخى بين الجيلانى وأولئك الأنبياء وهذه حقيقة لا تقبل الجدل ثم إدعائه أنه كان مع النبى صلى الله عليه وسلم فى قاب قوسين فهذا يكذبه صريح النص القرآنى فالآية تقول (فكان قاب قوسين أو ادنى ) وذلك بصيقة المفرد فلو كان الجيلانى معه لتغيّر اللفظ إلى صيقة المثنى وصار(فكانا قاب قوسين أو أدنى)مما يتضح الكذب. أما عن إدعائه أنه كان مع إبراهيم عليه السلام فى النار فأيضاً يكذبه صريح النص القآنى فالآية جاءت بصيغة المفرد قال تعالى {قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) فلو كان الجيلانى معه كما يزعم لتغير اللفظ إلى صيغة المثنى فكان (حرقوهما وأنصروا آلهتكم..)فبينت بطلان إدعائه . أما عن إدعائه أن النار أطفأت بدعوته فيكذبه صريح قوله تعالى (قلنا يا نار كونى برداً وسلاماً على ابراهيم ) ولذا يتضح ذلك الزيف والضلال .
المخالفة الثالثة:-(/2)
يزعم الجيلانى أن ضريحه بيت الله لمن جاء زائراً وأصحاب الطريقة القادرية يؤيدون ذلك ، جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والأوراد القادرية ص33 فى الوسيلة "ضريحى بيت الله من جاء زاره، يهرول له يحظى بعز ورفعة" والرد على ذلك الكفر أنه يدعو لعبادته حياً وميتاً وذلك لأن الطواف عبادة وتصرف لله ولا تكون إلا ببيت الله الحرام قال تعالى(وليطوفوا بالبيت العتيق) قال ابن القيم رحمه الله تعالى فى معنى قوله تعالى (والذين كفروا أوليائهم الطاغوت) الطواغيت كثيرون وعلى رؤوسهم خمس : إبليس ،ومن عُبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن إدعى شيئاً من علم الغيب ، ومن لم يحكم بما أنزل الله.
المخالفة الرابعة:-
الجيلانى يزعم أن أمره أمر الله وأنه يعلم عدد نبات الأرض وعدد أمواج البحر ويعلم عدد رمل الأرض، ويعلم علم الله ويحصى حروفه!!! وأصحاب الطريقة الطريقة القادرية يؤيدون ذلك ، جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والأوراد القادرية ص33-36 (قال الشيخ فى الوسيلة : "وأمرى أمر الله إن قلت كن يكن وكل بأمر الله أحكم بقدرتى. وأعلمنبات الارض كم هو نابت . وأعلم رمل الارض كم هو رملة ، وأعلم علم الله أحصى حروفه ، وأعلم موج البحر كم هو موجة" ) والرد على ذلك الكفر اوضح من الشمس فى رابعة النهار ، أما عن إدعائه أن امره أمر الله فذلك يكذبه قوله تعالى (إنما أمره إذا اراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)يس ، وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيَرة من أمره ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً )الأحزاب .
أما عن إدعائه أنه يعلم عدد نبات الأرض وعددرمل الأرض وعدد موج البحر فيكذبه قوله تعالى (وعنذه مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات البر ولا رطب ولا يابس ألا فى كتاب مبين) الأنعام59 .(/3)
أما عن إدعائه أنه يعلم علم الله ويحصى حوفه فيكذبه قوله تعالى (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا)الكهف ، ويكذبه صريح قوله تعالى: (قل لا يعلم من فى السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون)النمل.
المخالفة الخامسة:-
الجيلانى يزعم أنه يحمى أتباعه فى الدنيا ويوم القيامة من كل شر ويدعوهم للإستغاثة به !، وأصحاب الطريقة القادرية يؤيدون ذلك، جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والأوراد القادرية ص47 (قال الشيخ فى الوسيلة "مريدى لك البشرى تكون على الوفاء ، إذا كنت فى هم أغثك بهمتى ، مريدى تمسك بى وكن واثقاً لأحميك فى الدنيا ويوم القيامة أنا لمريدى حافظ مما يخافه وأنجيه من شر الأمور وبلوه، وكن يا مريدى حافظاً لعهد وما أكن حاضر الميزان يوم الوقيعة" ) والرد على ذلك الكفر والإفتراء من وجوه :
الأولى:
كيف يدعو الجيلانى أتباعه أن يستغيثوا به وقد قال تعالى (وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون)البقرة ، وقال تعالى : (وقال ربكم أدعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين )غاف، وقال النبى صلى الله عليه وسلم "إذا سألت فسأل الله وإذا إستعنت فاستعن بالله "رواه الترمزى ، فدعاء أى مخلوق من دون الله كفر وضلال والدليل على هذا قوله تعالى(ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وغذا حُشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين)الأحقاف5-6 .
الثانى:(/4)
كيف يزعم الجيلانى أنه يحمى أتباعه من كل شر وبلوى فى الدنيا ويوم القيامة وقد قال تعالى فى الرد على ذلك الإفك(قل ادعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)الإسراء ، وقال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو إن يمسسك بخير فهو على كل شيئ قدير)الأنعام17 ، وقال تعالى : (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين)يونس ، وقال النبى صلى الله عليه وسلم : "واعلم لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك لا ينفعوك إلا بشيئ قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفّت الصحف "رواه الترمذى. ثم إن أفضل الخلق هو النبى صلى الله عليه وسلم لا يملك لنسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً قال تعالى (قل إنى لا أملك لكم ضراً ولا رشدا، قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولم أجد من دونه ملتحداً)الجن، وقال تعالى: (قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنورأم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيئ وهو الواحد القهار)الرعد16 . أما فى إدعائه بأنه يحمى أتباعه ومن تمسك به يوم القيامة يكذب قوله تعالى : (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ةالأمر يومئذ لله)الإنفطار. وقال تعالى (ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور)لقمان33 . وقال تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيئ عظيم ، يوم ترونها تزهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)الحج. وقال تعالى (قل إنى أخاف أن عصيت ربى عذاب يوم عظيم)الأنعام . أما عن إدعائه بأنه يكون حاضراً عند الميزان كى ينجو مريده فيكذبه حديث عائشة رضى الله عنها(/5)
أنها قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يذكر أحدٌ احداً يوم القيامة فقال:"أما فى ثلاثة مواضع فلا يذكر أحد أحدا ، عند تطاير الصحف وعند الصراط وعند الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف"رواه أحمد.
المخالفة السادسة:-
إنّ أصحاب الطريقة القادرية يتعبدون بالكفر والضلال والاباطيل جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والأوراد القادرية ص32 "إذا وقع لك هم اخطو أحد عشر خطوة إلى جهة العراق وتقول فى الاول يا شيخ محى الدين وفى الثانية يا سيدى محى الدين وفى الثالثة يا مولانا محى الدين وفى الرابعة يا مخدوم محى الدين وفى الخامسة يا درويش محى الدين وفى السادسة يا خواجة محى الدين وفى السابعة يا سلطان محى الدين وفى الثامنة يا شاه محى الدين وفى التاسعة يا غوث محى الدين وفى العاشرة يا قطب محى الدين وفى الحادية عشر يا سيد السادات عبد القادر محى الدين ويا شيخ الثقلين أغثنى " وهذا كفر واضح بدعائه غير الله وقد سبق بيانه ، ثم إنه بدعة وتبديل لشرع الله ويكفى العمل بموجب صلاة الإستخارة التى علمناها من النبى صلى الله عليه وسلم فى صحيح الإمام مسلم.
المخالفة السابعة:-(/6)
أباطيل وبدع وضلالات فى أوراد وأذكار الطريقة القادرية ، جاء فى كتاب الفيوضات الربانية فى المآثر والاوراد القادرية ص135 ،ورْد دعوة الجلالة تقرأ(دعوة الجلالة ) 166 و17 ، وبعد القراءة تقسم عليها بهذا القسم وهو محضرة الغوث الأعظم والقطب المعظم الشيخ محى الدين عبد القادر الجيلانى (الهم اسألك بسر سر هو أنت وعدت به أهل الذكر فهو من مريه ذاهل اتيوتغ املولخ بّ أى آمن أى امى مهياش طهفليوش انقطع الرجاء واغوثاه العمل)، وفى صفحة 144 فى أوراد تقرأ عند المهمات وذكرها الشيخ فى كتابه الغيثة (قلبى قطبى وقالبى لبنانى فى سرى خضرى وعليه عرفانى ماروت عقلى وكليمى روحى فرعونى نفسى والهوى مائى تسع مرات أو ست مرات) وفى ص84 فىالفيوضات الربانية والاوراد القادرية 25 ورد الظهر نقول(يا الله بصعع بصعع والباء بهبوب هبوب أو النور السام بسهسهوب سهسهوب ذى الفر الشامخ مطهطهوب هطوب يا الله يا الله كهوب كهوب كهوب بى .)(/7)
والرد علىذلك الكفر والضلال أن ذلك من جنس تلبيس الحق بالباطل وقد قال تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون)البقرة ، فالذكر عبادة ولكن يتعبد بها على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس على طريقة الجلانى ولا غيره حتى تلك الأذكار يجمع فيها بين إسم الله وأسماء الشياطين ويسمى بها الله وقد قال تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)الاعراف ، وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من البدع والمبتدعين وذلك فى قوله "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار"ابو داؤود والبيهقى وعن ابن عباس رضى الله عنه "من احدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"الطبرانى ، ونعوذ بالله من الخذلان والكفر بعد الإيمان ، ونسأل الله السداد والهدى وأن يثبت قلوبنا على دينه وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
........
شكر الله للشيخ محمد مصطفى عبدالقادر من مشايخ السودان على هذه الوقفات ... ومما لا شك فيه أنهم يكذبون على عبدالقادر الجيلاني الشيخ الحنبلي الزاهد رحمه الله ..(/8)
العباسي من مشايخ الأشاعرة والصوفية إلى رحاب السلفية
إن من علامات التوفيق لمريد الهُدى أن يوفق لعالم من علماء السنة، وأن يجافي أهل البدعة والمذمة، ولئن زلت به القدم فسرعان ما يعاود إلى الحق، فهو طالب حق، لا طالب شهرة ومال، حتى وإن طاله من ذاك الأذى، أو سفه وتزايد عليه البلاء، فما هو إلا تمحيص، وهذا الطريق الذي لا يسلكه إلا الرجال.
هكذا كانت بداية سليل آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، الشيخ العالم العامل محمد عيد بن جاد الله العباسي -أطال الله بقاءه على خير- من مواليد عام 1357 هـ بسورية من ديار الشام، بدأ حياته بحفظ القرآن، ثم ذهب إلى بعض من اشتهر أنهم من الأعلام فمكث يدرس على يدي ملا رمضان البوطي (والد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي) ومفتي سوريا الذي هلك العام المنصرم أحمد كفتارد وتخرج من مدرسة حسن حبنكة، وهؤلاء غفر الله لنا ولهم من رؤوس أهل الأهواء في ديار الشام، وممن تصدرهم وتعلي قدرهم الحكومة النصيرية الطاغوتية، في حين تقمع أصوات الهُداة، فملا رمضان هو الذي رأى بأن لا تقرأ سورة المسد لأنها تؤذي النبي عليه الصلاة والسلام ففيها دعاءٌ وسبٌ لعمه!! فقه ما علم به السلف السابقون من الصحابة والتابعين!! وولده الدكتور نصير الطاغوت البعثي النصيري، والمكافح لأي داعية سني، والشيخ أحمد كفتارو الأشعري النقشبندي مفتي النصيرية وشيخهم الأكبر ..
هكذا أبصر هذا الطالب في وحل العقائد الكلامية المخالفة لهدي السنة النبوية، والطرق الصوفية المجافية للطريقة المحمدية، والعداء لأهل السنة بدعاوى أنهم وهابية!!(/2)
لكن الله إذا شاء لأحدهم الهُدى وفقه لسبله، ويسر طرقه، وأعانه ووفقه لصاحب سنة، وهكذا وفق الله الشيخ العباسي من طريق صديقه الأستاذ خير الدين وانلي –رحمه الله- أن يعرفه على مُحدث الشام وحبرها محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- وعن هذه العلاقة يقول الشيخ العباسي:
(وفي عام 1374 عرفني صديقي الأستاذ خير الدين وانلي على العالم المحدث السلفي الجليل محمد ناصر الدين الألباني، فأخذت أحضر دروسه ومحاضراته، فأعجبت به وبعلمه وتحقيقه ومنهجه السلفي أيما إعجاب، وتعرفت من خلاله على شيوخ الدعوة السلفية وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والحافظ ابن كثير وغيرهم، ولزمت مجالسه وأخذت منه الدعوة السلفية بشمولها وكمالها، كما أخذت منه علم الحديث الشريف، وما كان يزيدني مرور الأيام إلا تعلقا بهذه الدعوة وإيمانا بها وإعجابا بالشيخ الألباني،بخلاف مناهج غيره الذين سبق تعرفي عليهم، ولازمت الشيخ حتى صرت من خواصه القليلين المقربين).
يقول عن دعوة شيخه الألباني رحمه الله:
(كانت الدعوة السلفية في بلاد الشام قبله ينقصها الفهم الواضح الشامل السديد، كما كانت تفتقد إلى الحيوية والنشاط والاندفاع اللائق بها، فقد كان هناك بعض المشايخ والدعاة المؤمنين بعقيدة السلف ومنهجهم في الجملة، ولكن كان ينقصهم الوضوح والصراحة والجرأة؛ فكانوا يبثون الدعوة بين محبيهم وتلامذتهم في نطاق ضيق ومحدود وعلى تخوف واستحياء، كما كانوا غير متمكنين في علم الحديث، فكانت الدعوة محصورة بين القليل من طلاب العلم، وفيها بعض الغبش.(/3)
ولما كان أستاذنا الألباني جهر بها بين ظهراني الناس جميعاً، وأعلن بكل قوة وجرأة، ولم يخش في الله لومة لائم، وتحمل في سبيل ذلك أنواعاً من الإيذاء والاستنكار والإشاعات الباطلة والحملات الظالمة، والسعي للوشاية به إلى الحكام، وكثيراً ما منع من الفتوى والتدريس، والاجتماعات، واستدعي للجهات الأمنية، كما أنه قد سجن مدة طويلة أكثر من مرة، وأخرج من أكثر من بلد، ومع ذلك فقد ظل ثابتاً كالطود، لا يضعف، ولا تلين له قناة، ولا تنثني له عزيمة حتى لقي ربه تبارك وتعالى.
كان يجول في المدن والبلدان داعياً إلى منهج السلف واتباع الدليل، يجادل ويناظر، ويكتب ويدرس، دون خور أو ضعف، ودون كلل أو ملل.
وبمثل ذلك تنتصر الدعوات وتنتشر؛ وهكذا فقد انتشر ما كان يحمله من الدعوة إلى التوحيد واتباع السنة وإيثار الدليل، ومحاربة البدع والمحدثات، ونشر الأحاديث الصحيحة، ومحاربة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقريب السنة إلى الأمة، كما انتشر تلاميذه ومحبوه في كل مكان، وصارت الدعوة إلى منهج السلف حديث الناس، وموضع اهتمامهم ودراستهم).
عندها أنطلق طالباً، ثم داعياً، ثم واصل البحث فكان عالماً، ألف بعد هدايته عشرات الرسائل، منها [سلسلة الدعوة السلفية]، ونشر في سبيلها كتب السلفيين، وشارك في بعض المجلات العلمية، مُشرفاً وكاتباً وداعماً، حتى وهو يناهض السبعين ترى الروح الشبابية في الدعوة تتجلى في حركته، فبارك الله فيه وزاده الله فضلاً.
ومن مؤلفاته:
.
1- كتاب بدعة التعصب المذهبي وآثارها الخطيرة في جمود الفكر وانحطاط المسلمين وذلك عام 1390هـ الموافق 1970 بدمشق
2- ملحق كتاب بدعة التعصب المذهبي بتاريخ 1390هـ الموافق 1970 بدمشق(/4)
وكانت مناسبة هذين الكتابين أن الدكتور البوطي نشر عام 1389 هـ رسالة سماها " اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية "هاجم فيها السلفيين وافترى عليهم من خلال رده على رسالة الشيخ سلطان العصومي التي كنا نشرناها بعنوان " هل المسلم ملزم باتباع مذهب من المذاهب الأربعة " مع الإبقاء على عنوانها الأصلي " هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان " فكلفني شيخنا الألباني بالرد عليه، فكان ذلكما الكتابان
3- التقديم لرسالة " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام " لأستاذي الألباني. نشر دمشق
4- رسالة " قضية الإنسان الكبرى: الخطر الرهيب" نشر دار ابن الجوزي في الدمام.
5- رسالة حكم دخول الجنب والحائض والنفساء المسجد. نشر دار المسلم في الرياض
6- بحث بعنوان " نصيحتي للجماعات والأحزاب الإسلامية " نشر المكتبة الإسلامية في عمان
7- كتاب حقيقة التوسل وأحكامه في ضوء الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة. (مخطوط ) تعاقدت عليه مع مكتبة المعارف في الرياض
8- بحث عن كتاب " جامع البيان في تأويل القرآن " للطبري نشر ي الأعداد 2،3،4 من مجلة البصائر التي تصدر في هولندا.
9- بحث عن " الدعوة السلفية في بلاد الشام ينشر قريبا في الموسوعة الوسيطة في الديانات والمذاهب والحركات المعاصرة " بإشراف الدكتور ناصر العقل وستنشره دار إشبيلية في الرياض قريبا.
10- التقديم والتعليق على رسالة " مآخذ اجتماعية على حياة المرأة العربية " للأديبة نازك الملائكة. نشر دار الفضيلة في الرياض
11- التخريج والتعليق على كتاب " التفسير الواضح على منهج السلف الصالح " للشيخ محمد نسيب الرفاعي. وهو في طريق النشر بواسطة مكتبة المعارف بالرياض
12- التأليف والتنسيق لكتاب " التوسل أحكامه وأنواعه " لأستاذي الألباني
13- تخريج أحاديث " الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام ابن تيمية.نشر مكتبة المعرفة بدمشق(/5)
14- التخريج والتعليق على كتاب " الفكر الصوفي " للأخ عبد الرحمن عبد الخالق
15- التعليق والتخريج لأحاديث كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل " للإمام ابن القيم
16- السيرة النبوية الصحيحة وفقهها (تحقيق السيرة على طريقة المحدثين مع بيان الأحكام المأخوذة منها) "مخطوط"
هذا فيض عن الشيخ ودعوته، وقصة هدايته، ولنا في الأيام القادمة وقفات مع كتاب النفيس [بدعة التعصب المذهبي] والذي رد به على أحد المتعصبين، فبارك الله بالشيخ وزاده علماً وفضلاً وعطاءً.
كتبه
أبو عمر الدوسري – شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/6)
العهد الرباني عند الصوفية؟
(*) بسم الله والحمد لله والصلاه والسلام على الحبيب المصطفى عليه افضل صلاه وسلام:
اما بعد,ارجو من فضيلتكم التفضل بالرد:ما هى الاوراد اليوميه وما معناها وما الفرق بين الورد و الاذكار, هل هناك اوراد للخاصه من الاتقياء؟هل لتلك الوراد عدد معين؟
ما معنى تلك العباره (اخذ العهد على يد شيخه)ما معنى العهد؟من هو العبد الربانى ؟وكيف الوصول لتلك الدرجه؟
وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمه الله و بركاته
جواب الشيخ :
بتاريخ : 1-1-2002
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وبعد
ذكر الله تعالى هو افضل الاعمال بعد الفرائض ، وهو روح الايمان ، وهو سعادة القلب ، واطمئنان الروح ، وفيه انشراح الصدر ، وقوة اليقين ، ورفع الدرجات ، وكفاه فضلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سبق المفردون ) قيل من هم قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ، والفرق بين الذكر والاوراد ، هو أن الاوراد هي أذكار مخصوصة يقولها الذاكر في أوقات يعاودها في اليوم والليلة ، فهو مثل الذي يرد الماء ليشرب كلما عطش ، وكذلك الذاكر كلما أشغلته الدنيا ، عطشت روحه إلى ذكر الله تعالى فأتى مورده ونهل من معين الذكر ، ليملأ قلبه إيمانا وصدره انشراحا وأفضل الاوقات لتلاوة الاوراد هو وقت السحر أو بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس .
ويجب أن يعلم المسلم أن أعظم أصلين قام عليهما الدين هما :
أن لايعبد إلا الله تعالى وهو معنى شهادة أن لاإله إلا الله(/2)
والثاني أن لايعبد إلا بما شرعه في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو معنى الشهادة الثانية شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا يعني أن كل مايتعبد به المسلم ويتقرب به إلى الله تعالى يجب أن يكون وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس لاحد أن يأتي بشرع من عنده يتقرب به إلى الله تعالى فيجعل نفسه في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يحدث حدثا بغير دليل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو الناس إلى ذلك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها ، ولهذا السبب فكل ورد لم يرد في سنن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ورد مبتدع يدخل فاعله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحدثات الامور فإن كل بدعة ضلالة ) رواه الترمذي وأبو داود من حديث العرباض بن سارية(/3)
والواجب أن يختار الذاكر الاوراد التي كان صلى الله عليه وسلم قد أرشد إليها أصحابه ، مثل قول سبحان الله مئة مرة ويكررها إذا أحب مئات المرات ، وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتكريرها وكلما أكثر منها فهو أفضل ، والاستغفار وكلما أكثر منه بلا عدد ولاحصر فهوأفضل ، وقول لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وكلما كرر ذلك فهو أفضل ، وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما أكثر منها فهو افضل ، ويجوز له أن يختار وقتا من اليوم والليلة ، يختلي فيه لذكر الله تعالى وتلاوة الاوراد التي وردت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستحب أن يكون له ورد من القرآن الكريم يقرأ منه بعضه كل يوم وليلة حتى يختمه في شهر على الاكثر ، وهكذا يقرأ في كتب الحديث وينظر ما فعله صلى الله عليه وسلم فيفعل مثل فعله ، ولايقبل أي ورد أو ذكر لم يقم عليه دليل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، لانه يكون حينئذ بدعة وكل بدعة ضلالة ، وخير الهدى هديه صلى الله عليه وسلم
هذه هي طريقة الصحابة في ذكر الله تعالى ، وهي طريقة كل الاولياء والمتقين وكل المسلمين المتبعين ليس ثمة طريقة خاصة للاولياء ، وأخرى لغيرهم من المسلمين ، فكل المسلمين مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو قدوة وإمام الاولياء كلهم ، وأما ما أحدثته الطرق الصوفية من اختراع أوراد وأذكار لم تروها كتب الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ابتدعها شيوخ الطرق الصوفية ، فهذه كلها بدع وضلالات لايجوز فعلها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الامور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) رواه الترمذي وأبو داود وغيرها(/4)
وكذلك أخذ العهد الرباني على شيخ الطريقة ، يقصد به أن يتعهد المريد على يد شيخه أن يحافظ على ولائه للطريقة الصوفية التي ينتمي إليها الشيخ ، وأن يداوم على أورادها دون أن يسأل هل هذه الاوراد من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أم هي بدع محدثة ما أنزل الله بها من سلطان ، وعادة الواحد منهم أن يطيع شيخه طاعة عمياء ، ويتعصب لطريقته كما يتعصب أهل الجاهلية لسادتهم وكبراءهم ، فهذه كلها بدع وضلالات لاخير فيها ، بل الخير كله في اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الهدى والخير والنور المبين ، وكل طريقة خلاف طريقتهم فهي ضلال وكل سبيل غير سبيلهم فهو سبيل الشيطان والله أعلم
حامد العلي -الكويت
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/5)
الغماري الصوفي الأشعري المغربي يتهم المغاربة بنقص في التفكير!!
هل نقول وشهد شاهد من أهلها؟!!
أم نقول (يشاهد بعين طبعه)؟!!
أم نقول عن أتباعه (وافق شن طبقه) ؟!!
الذي سنقوله .. بأن من أهل المغرب أئمة هدى ، ومنارات علم .. على عقيدة أهل السنة والجماعة ..
ومنهم من يتبع أمثال الغماري وغيره من الأشاعرة والماتريدية والصوفية فأولئك فيهم نقص في التفكير.!! إذ لو كان يفكر لما جلس عند هؤلاء؟! لذا بين بأن من جالسه من المغاربة فيهم نقص في التفكير ..!!
إن إتباعكم لهؤلاء .. هو سبب تهجمهم عليكم بأن فيكم نقص في التفكير؟!!
يا صوفية المغرب عودوا إلى الله ، وتمسكوا بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وإياكم وقلة التفكير وتأجير العقول للغير .. فكروا وإلا صدق فيكم قول القبوري الأشعري الماتريدي المغربي عبدالله الغماري -هداه الله حين قال: "المغاربة عندهم نقص في التفكير" كما في سبيل التوفيق ص101
فأقول: كلا ؛ بل أنت ومن صاحبك من القبوريين والصوفية فيهم نقص في التفكير ، لذا إذا فكر أحدهم نجا ، وهذا هو الهدى ..
وكما لقينا من أهل العلم والفضل من الأذكياء الأتقياء والأنقياء الأخفياء ومنهم الشيخ الفاضل محمد المغراوي والتطواني وأبو خبيزة وغيرهم ..
فالله الله يا أهل المغرب بالسنة .. وبغض من يبغضونكم من أهل البدعة.
أما من الغماري:(/2)
فهو عبدالله الغماري القبوري [لأنه يستحب بناء المساجد على القبور وبناء القبب] والصوفي[ لأنه يصف نفسه بشيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية الصديقية] وأشعري وفيه رافضية [فهو وطلابه يكفرون معاوية رضي الله عنه ولعن من لعنه وبعض الصحابة]
فهل هذا شيخٌ يتبع؟!!
وقد تبرأ منه أخوه محمد الزمزمي بن محمد الصديق الغماري في رسالة بعنوان "إعلام المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والظالمين" طبعت بتطوان بلا تاريخ ، ورد بها على أخيه عبدالله ؛ لما لديه من الدعوة إلى القبوريات ، وإلى بناء المساجد على القبور ، وخدمة زاوية أبيه ، في سلسلة يطول ذكرها من البدع المضلة ..
وعبدالله الغماري قدحه الشديد بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وذكر الشيخ المالي حماد الأنصاري –رحمه الله- بأن الغماري قد خرج مع عددٍ من المشايخ منهم الجزائري أبو بكر وبكر أبو زيد وعبدالرحمن السيف في رحلةٍ داخل السعودية ، وفي طريق مدينة تبوك نصحه المشايخ وناقشوه في تكفيره ، حتى قامت عليه الحجة فاستتابوه حول كلامه في شيخ الإسلام! فخنس وما بنس! ووعد وعداً قاطعاً أن يتراجع عن أقواله فور عودته .. فنكص على عقبيه ..!! نسأل الله العفو والعافية.
نقله وعلق عليه
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
القرطبي والتَّصَوُّف
-1-
إن الحمد لله،نحمده ونستعين ونستغفره ونستهديه،ونعو بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدهُ ورسوله.
أما بعد:
فلم يتخذ الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- موافقاً معادياً من التصوف (1) الملتزم بالكتاب والسنة؛ولكن كان الجهلُ والاعتقادُ بالخرافاتِ والمغيباتِ منتشراً انتشاراً واسعاً،وظهرت في المجتمع المصري -على وجهِ الخصوص- فئةٌ،نسبت نفسها للصوفية،وظهرَ فيها كثيرٌ من الخزعبلات والشعوذات،وأّثَّرَتْ على العوام أيّما تأثير،فقام الإمام القرطبي في "تفسيرهِ" المسمى: "الجامع لأحكام القرآن" ببث أنّاتهِ وغضبهِ،تجاه هذه الفئة،فاستخرتُ الله تعالى في جمع (شتات) كلامه في هذا الموضوع.
وقد كتبتُ هذه السطور،لثلاثة أمور:
الأول:
معرفة موقف الفقهاء العام -من خلال نظر القرطبي ونقلهُ- تجاه الصوفية والتصوف.
الثاني:
معرفة الأدوار التي مرّ فيها التصوف منذ نشوئهِ وتطوره،حتى تبلورهُ في مذاهب صوفية فلسفية،إذ بمعرفتها تتوضح أمامنا أبعادُ الصراعِ الذي تولّد ونشأ بنشوء التصوّف. (2)
الثالث:
معرفة وجه الحقّ والباطل في المسائلِ التي عدّل الإمام القرطبي متصوفة زمانه.(/2)
هذا ونستطيع القول،من خلال سبر كلام الإمام القرطبي في التصوف والصوفية بأن موقفهُ لم يكن حكماً منفرداً خاطئاً،ذلك:أنهُ نشأَ في بلادِ الإندلس –البعيدة عن التصوف- وأخذ فيها مبادئ العلم وأصولهُ،وهاجر في فترة شبابهِ إلى مصر فوقف هناك على كثير من البدع والخرافات،فاستظهر فيهم ما سمعه وقرأه عن العلماء المزّكين المعروفين ...
وهذا الأمر –أعني وقوف الإمام القرطبي بنفسهِ على مخالفاتِ الصوفية للكتاب والسنة- يزيد من قيمة جمع هذه الرسالة لأمرين أثنين:
الأول:
النَّقْلُ الأَمينُ من قِبَل عَالِمٍ لهُ اعتناءٌ واهتمامٌ بمباحث تزكية الروح والرقائق وأحول القلوب من جهة،ولهُ حب واحترام ومنزلة عند متصوفة زماننا من جهةٍ أُخرى.
الثاني:
أن التصويبات والردود جاءت على إدراكٍ تامٍّ للصواب،وذلك من خلال الوقوف على منشأ الخطأ وأبعادهِ.
وأخيراً،فإنني قمتُ بهذا الجهد،طمعاً في رضوانِ الله تعالى أولاً،وفي تجنب الأخطاء وإصلاحها،من وجهة نظر الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- الموافقة للكتاب والسنة،والله من وراء القصد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
الأردن – عمان
.........
1- التعبير الشرعي لما ينادي به المتصوفة هو (التزكية) وقد بُعِث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مزكّياً) و (معلماً)،ولا يبرئ المسلم من النفاق إلا بوجودِ (حسن السمت) و(فقه في الدين) والأول مأخوذ من (التزكية) والثاني من (العلم)،ولا يدرء المسلم عنه (الظلم) إلا بالأول
،ولا (الجهل) إلا بالثاني.وكذا (الشهوة) و(الشبهة)،وهما أصلا الشّرّ في الوجود داخل الإنسان.(/3)
وفي المقابل:أعلا وأغلى ما يمكن تحصيلُهُ من (العلم) هو (اليقين) ومن (التزكية) هو (الصبر) وبهما تكون (الإمامة في الدين) وتأمل بعد هذا،قولهُ تعالى: {إنه كان ظلوماً جهولاً} وقوله: {وجعلنا منهم أئمة يهدون } وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((خصلتان لا تجتمعان في منافق:حسن السمت،وفقه في الدين)) .وإذا تقرر هذا وتأكَّد،فقِف طويلاً –إن بغيت الإصلاح- عند مقولة الفضيل بن عياض: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح به أولها:الزهدُ واليقين"،وتيقَّن أنَّ الخير في ذات هذه الأمة إنما هو يتحقق مهمَّتّي النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها،وبمقدار ما حصَّلْت منها،فإنها تفيض به على سائرِ الأمم.
وبعد،فإن الانحراف في (البدايات) و(الأسماء والمباني) من أسبابِ البُعدِ عن الجادَة،و(الصراط المستقيم) في (النهايات) و(الحقائق والمعاني)،والله الهادي.وانظر تعريف ابن عبدالبر للصوفي في "جامع بيان العلم" 1/176-ط القديمة.
2-انظر رسالة: "مواقف الخلاف بين الفقهاء والصوفية" لنظلة الجبوري،نشر مكتبة ابن تيمية-البحرين.
-3-
فتوى الطُّرْطوشي في الصوفية
سئل الإمام أبو بكر الطُّرْطوشي رحمه الله:
ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟
وأعلم-حرس الله مدته-أنه اجتمع جماعة من رجال،فيكثرون من ذكر الله تعالى،وذكر محمد صلى الله عليه
وعلى آله وسلم،ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيءٍ من الأَديم،ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد،حتى يقع مغشيّاً عليه،ويحضرون شيئاً يأكلونه.
هل الحضور معهم جائز أم لا؟
أفتونا مأجورين،يرحمكم الله.
وهذا القول الذي يذكرونه:
يا شيخُ كفَّ عن الذُّنوبْ ..... قبلَ التَّفرُّق والزَّللْ
واعْمَلْ لنفْسِكَ صالحاً ....... ما دام ينفعك العْملْ
أما الشبابُ فقد مَضَى ...... ومَشيْب رأسكَ قد نَزَلْ
وفي مثل هذا ونحوه.
الجواب:(/4)
يرحمك الله،مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة،وما الإسلام إلا الكتاب الله،وسنة رسوله،وأما الرقص والتواجد،فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ،لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار,قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون,فهو دين الكفار,وعبّاد العجل.
وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة،ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه،كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار،فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها،ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم،ولا يعينهم على باطلهم،هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين،وبالله التوفيق.
المرجع:
كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: (11/237-238) ...
-4-
ضلالهم في سجودهم لمشايخهم
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل:
نحن أّوْلى بالسّجودِ لكَ من الشجرةِ والجملِ الشاردِ،فقال لهم:
(( لا ينبغي أن يُسْجدَ لأَحدٍ إلا لله ربِّ العالمين)) .
وروى ابن ماجه في (سننه) والبُسْتيّ في (صحيحه) عن أبي واقد قال:
لمّا قدم معاذ بن جبل من الشام،سَجَدَ لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:ما هذا؟
فقال:
يا رسول الله،قدمتُ الشام،فرأيتُهم يسجدون لبطارقتهم،وأساقفتهم،فأردتُ أن أفعل ذلك بك.
قال:
((لا تفعل،فإني لو أَمَرْتُ شيئاً أن يسجد لشيءٍ؛لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها،لا تؤدّي المرأةُ حقَّ ربِّها،حتى تؤدي حقَّ زوجها،حتى لو سألها عن نفسها على قَتَبٍ لم تمنعه)) .
لفظ البُسْتي.
وفي بعض طرق معاذ:
ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة.
قلتُ –أي الإمام القرطبي- :(/5)
وهذا السجود المنهيّ عنه،قد اتخذه جُهَّالُ المتصوّفة،عادةً في سماعهم،وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم،فيرى الواحد منهم إذا أَخذه الحال بزعمه،يسجد للأقدام لجهله،سواء أكان للقبلة أم غيرها،جهالة منه،ضَلَّ سَعْيُهم،وخاب عملهم.
من كلام الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (1/293-294)
-12-
الصوفية والتفكر
قال ابن العربي:
اختلف النّاس،أي العملين أّفضل:
التفكر أم الصَّلاة؟
فذهب الصوفية إلى أن التفكّر أّفضل،لما ورد في الحديث من الحثّ عليها،والدعاء إليها،والترغيب فيها.
وفي "الصحيحين" عن ابن عباس: أنه باتَ عند خالته مَيْمُونة،وفيه:
فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران،وقام إلى شّنٍّ * معلّق،فتوضّأ وضوءاً خفيفاً،ثم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاث عشر ركعة،الحديث.
فانظروا –رحمكم الله- إلى جمعه بين التفكر في المخلوقات،ثم إقبالِهِ على صلاتهِ بعده،وهذه السنّة هي التي يعتمد عليها.
فأما طريقة الصوفيّة:
أن يكون الشيخ منهم يوماً وليلة،وشهراً،مفكّراً،لا يفتر،فطريقةٌ بعيدة عن الصواب،غير لائقة بالبشر،ولا مستمرة على السنن.
من كلام الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (4/315) .
ولعل الله أن يُيسر أن نزيد في هذا الموضوع في محاوره المتبقية
وجزى الله الشيخ مشهور خير الجزاء
نقلها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/6)
الكشف الجلي عن شركيات الجفري علي!
إعداد: أبي معاذ السلفي
قبل البدء في الموضوع أقول : لكي تتمكن من سماع المقاطع الصوتية قم بحفظها إلى جهازك عن طريق وضع مؤشر الفارة على اسم المقطع ثم حفظ باسم.
ــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين: أما بعد: (الحبيب زين العابدين علي الجفري) من الأسماء التي بدأت تظهر بشكل كبير في الساحة الدعوية في هذا الوقت،وذلك من خلال الظهور عبر القنوات الفضائية والصحف والمجلات، فبعض القنوات الفضائية كما بلغني أصبحت تستضيفه على شاشاتها من خلال البرامج والمقابلات، وكذلك بعض الصحف والمجلات قامت بإجراء مقابلات معه، وله موقع على شبكة الانترنيت تحت الإنشاء، هذا فضلاً عن أشرطته السمعية التي ينشرها اتباعه في عدة أماكن.
وقد سأل عنه الكثير من الإخوة خصوصاً بعد لقاءه مع قناة الجزيرة الذي بث قبل عدة أيام. وأنا بحمد لله أملك شريط صرح فيه (علي الجفري) ببعض معتقداته التي لا أظنه يستطيع أن يتجرأ وينشرها علانية عبر الوسائل السابق ذكرها على الأقل حالياً !، لهذا رأيت من واجبي أن أقوم بنشر بعض المقاطع من ذلك الشريط، علماً أن الشريط سجل في مجلس خاص وليس عام !! ولم ينتشر إلا في الحدود الضيقة جداً عن طريق بعض اتباعه رغم أنه طلب من صاحب المجلس ألا ينشر الشريط !!
والغرض من نشر هذه المقاطع هو تحذير المسلمين من شر هذا الرجل، فقد اغتر به الكثير من الناس بسبب أسلوبه في الحديث والله المستعان، وبعض الإخوة كنت اخبرهم بمعتقدات الرجل فلم يكن يصدق هذا الأمر، بل أن بعضهم يدافع عنه ويكذبني في ذلك ولكن عندما اسمعه الشريط يتعجب من هذا الأمور التي لم يكن يتصور صدورها من شخص في هذا العصر! الذي انتشر فيه العلم والدين والحمد لله.(/1)
وقد كنت قبل فترة طويلة عازماً على أن أقوم بنشر تلك المقاطع مع الرد عليها، ولكن شغلت ببعض الأمور الأخرى، ولكن عندما بلغني أنه ظهر في قناة الجزيرة - وأنا لم أشاهد اللقاء وفي انتظار نشره عبر موقع القناة على الشبكة – قررت نشر المقال بأسرع ما يمكن، لهذا أرجو أن يعذرني الاخوة على ما يجدوه من قصور في المقال، علماً أن هناك مقاطع أخرى أصرح في العبارة من بعض المقاطع التي سوف تسمعونها - بإذن الله - ولكن نشرها يحتاج إلى كتابة رد عليها، ولكن الوقت ضيق حالياً، وأسأل الله أن ييسر ذلك لي ولغيري من المشايخ وطلبة العلم في القريب العاجل.
وفي الختام أسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.
وأطلب من الاخوة بارك الله فيهم أن يقوموا بنشر هذا المقال في المنتديات الحوارية حتى يحذر منه الناس، كما أطلب منهم - بارك الله فيهم - التعليق على كلامه بما يرونه مناسب إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم/ أبو معاذ السلفي .
---
1- استمع إليه وهو يقول أن القاعدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، ويمكن أن يغيث أيضاً بجسده، كما أن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g1.ra
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g2.ra
2- استمع له وهو يقول أنه لا يستغرب خروج روح الولي الميت لكي تنفع بإذن الله من يستغيث بها.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3.ra
3- استمع له وهو يقول أن الأساس أن الأولياء الأموات يغيثون بارواحهم من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4.ra
4- استمع له وهو يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون!! وأن عندهم إذن مسبق في التصرف في الكون!! وأنه بإمكانهم بإذن الله الرزق والإحياء والإماتة !!(/2)
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5.ra
5- استمع له وهو يصرح بأنه يمكن للولي الميت أن يدعو للحي ، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله.
أن يوجد – أي يخلق – الولي طفل من غير أب.
وأن مسألة خلق الطفل من غير أب مسألة خلافية بين العلماء – أي الصوفية - .
وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة التي يتنعم فيها ليغيث من استغاث به.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6.ra
6- استمع له وهو يصرح أن العلماء عنده اختلفوا في مسألة إمكانية أن يخلق الولي لطفل من غير أب، وأن السبب الذي جعل من يقول بإمتناع ذلك هو التحرز على الأنساب !! حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنى فتدعي أن أحد الأولياء خلق هذا الطفل في بطنها، وإلا في الأصل هم متفقون على ذلك – أي على إمكانية أن يخلق الولي طفل من غير أب - !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7.ra
7- استمع له وهو يصرح بإمكانية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بعين البصيرة وأن هناك من الأولياء من يجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم يقظة !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9.ra
8- استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية" حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية ، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10.ra
وبعد عرض هذه المقاطع الصوتية لعلي الجفري أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على معتقداته، فأقول وبالله التوفيق:(/3)
أولاً: ذكر بعض الأدلة التي فيها رد على من اثبت أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون: (إن في سيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق ويهتك رداء الشك في هذا الأمر:فلما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم وتطاولهم حتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع صوته ثم دعا عليهم:" اللهم عليك بقريش ... اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة ابن أبي معيط " رواه البخاري ومسلم.
فترى أنه بعد أن ضاقت السبل، واستغلقت الأبواب، وانقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم، ولما لم يكن هناك سبل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين وتحديداً يوم بدر، إذ يقول ابن مسعود راوي الحديث: (فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر).
ولا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم:موتوا فيموتون. وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطب مدلهم وخطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه:" اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " . فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال:يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال:9). رواه مسلم.(/4)
هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل، ولم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال.
بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام.
عن سعد بن أبي وقاص قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " رواه مسلم) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله (1/137-139).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم ... لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً ". رواه البخاري ومسلم.
قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله في "موسوعة أهل السنة" (1/38): (فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه لا يغني عن أحد من الله شيئاً، ولا حتى لابنته فاطمة رضي الله عنها. وإذا كان لا يملك شيئاً لفلذة كبه فاطمة رضي الله عنها وهو حي، أفيملكه لغيرها وهو ميت؟!) انتهى باختصار.
وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها: قوله تعالى: (قل لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) (الجن:21). وقوله: (وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) (الإسراء:90-93).(/5)
وقال تعالى عن نوح عليه السلام: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) (هود:31).
رد بعض الشبه حول هذا الموضوع:
قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام.
وقد رد الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله على هذه الشبهة في كتابه"تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (1/157) حيث قال:
(هذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى – بإذن الله – من خصوصيات المسيح، وليس لغيره من البشر لا من الأنبياء ولا غيرهم، ومما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى) (البقرة:260).
فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، وإذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء والصالحين) اهـ.
وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون:14) والجواب:
(أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم. وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى . ومن ذلك ما جاء في "الصحيحين" أنه يقال للمصورين يوم القيامة:"أحيوا ما خلقتم". ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير – بدون روح -، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى) انتهى نقلاً من موقع الشبكة الإسلامية على شبكة المعلومات العالمية.
**
ذكر بعض الأدلة التي تثبت بقاء الأجساد في القبور:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال:هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم.(/6)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أفضل ايامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا:يا رسول الله ! وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتً، قال:" إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء" رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه الألباني في "التوسل" (ص64). فهذا الحديث يدل بأن أجساد الأنبياء - عليهم السلام - لا تفارق قبورهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر".
(ومن الأدلة على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن موسى عليه السلام نقل عظام يوسف عليه السلام لما خرج من مصر". رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم الحديث 313 .
وقد أشار الألباني رحمه الله أن معنى قوله في الحديث "عظام يوسف" لا يعارض حديث :"إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" لأنه قد ثبت في حديث بسند جيد على شرط مسلم:أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن، قال له تميم الداري رضي الله عنه ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله، يجمع أو يحمل عظامك؟ قال:"بلى" فاتخذ له منبراً مرقاتين. رواه أبو داود . فدل هذا أنهم كانوا يطلقون العظام، ويريدون به البدن كله) انتهى نقلاً من "مصادر التلقي عند الصوفية" (419-420) بتصرف.
* *
ذكر بعض الأدلة التي تثبت أن أرواح الشهداء والصالحين تتنعم في الجنة وتتمنى الرجوع إلى الدنيا لفعل الخيرات ولكن تمنع من ذلك:(/7)
(عن طلحة بن خراش قال:سمعت جابراً يقول:لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:"يا جابر مالي أراك منكسراً"؟ فقلت:يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً. فقال:"أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟" قال:قلت:بلى يا رسول الله. قال:"ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكلمه كفاحاً، فقال:يا عبدي تمن علي أعطك. قال:يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل:إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) " رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال:صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي . وحسنه أيضاً الألباني في "ظلال الجنة".
وهو حديث صريح في منع القول بوقوع الرجعة فضلاً عن أن تكون عقيدة إسلامية يجب اعتقادها) نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/38-39).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران:169). فقال صلى الله عليه وسلم:" أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال:هل تشتهون شيئاً؟ قالوا:أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا:يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " أخرجه مسلم.
قال الشيخ سمير المالكي في " كشف شبهات المخالفين/ القسم الثاني من الرد على كتابي "شفاء الفؤاد" و"الذخائر" " (94-95) بتصرف:
(يستفاد من هذا الحديث:
1 – أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" أرواحهم في جوف طير " يدل على أنها ليست في الأجساد المدفونة في الأرض.
2 – أنهم سألوا ربهم أن ترد أرواحهم في أجسادهم، وهذا صريح في أنها قد فارقتها بالموت.(/8)
3 – أنهم تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليقاتلوا في سبيل الله لما رأوا من عظيم ثواب الشهادة، فمنعوا من ذلك، فقد انقطع التكليف وانقطع العمل وما بقي إلا الجزاء، فإذا لم يملكوا هم لأنفسهم نفعاً ولا حياة ولا تصرفاً، مع كرامتهم عند ربهم ووجاهتهم عنده، فكيف يملكون لغيرهم من الخلق جلب منفعة أو دفع مضرة؟!) اهـ.
عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " رواه مالك وأحمد والنسائي.
والنسمة هنا أي الروح، يدل عليه قوله:" حتى يرجعه الله إلى جسده ". فهذا يدل على أن الروح تعاد إلى الجسد يوم القيامة، فكيف يقال أن الأنبياء والصالحين يخرجون من قبورهم بأجسادهم لإنقاذ من يستغيث بهم؟!
* *
ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم شعور الأحياء بحياة الشهداء البرزخية:
قال تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) (البقرة:154). فهذا يدل على أننا لا نشعر بحياة الشهداء البرزخية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتآكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا:من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد؟ قال:فقال الله عز وجل:أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عن ربهم يرزقون) " رواه أحمد وأبو داود. فهذا يدل على أن الصحابة لم يكونوا يشعروا بحياة الشهداء وأن الشهداء تمنوا من يبلغ إخوانهم ما هم فيه من نعيم.(/9)
(عن طلحة بن خراش قال:سمعت جابراً يقول:لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:" يا جابر مالي أراك منكسراً "؟ فقلت:يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً. فقال:" أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال:قلت:بلى يا رسول الله. قال:"ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكله كفاحاً، فقال:يا عبدي تمن علي أعطك. قال:يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل:إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) " رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال:صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي . وحسنه أيضاً الألباني في "ظلال الجنة".
وهو حديث صريح في منع القول بوقوع الرجعة فضلاً عن أن تكون عقيدة إسلامية يجب اعتقادها) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/38-39).
ويستفاد منه أيضاً أن جابر رضي الله عنه لم يكن يعلم عن النعيم الذي كان يتنعم به والده رضي الله عنه.
* *
ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة:
(من الأدلة على ذلك أن أموراً عظيمة وقعت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أفضل الأمة بعد نبيها كانوا في حاجة ماسة إلى وجوده بين أظهرهم ولم يظهر لهم، نذكر منها:
- انه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الخلافة، فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم.
- اختلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة رضي الله عنهما على ميراث أبيها فاحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة" رواه البخاري وغيره.(/10)
- الخلاف الشديد الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم اجمعين من جهة أخرى، والذي أدى إلى وقوع معركة الجمل، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين، فلماذا لم يظهر لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يحقن هذه الدماء؟
- الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقن تلك الدماء.
- النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جداً منهم عمار بن ياسر. فلماذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم .
- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جلالة قدره وعظمة شأنه كان يظهر الحزن على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول: (ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه:الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا) متفق عليه.
فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له:لا تحزن حكمها كذا وكذا). انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/47-49) باختصار.
أما بالنسبة لاستدل الصوفية بالحديث الذي رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة، فقد أجاب عنه الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله في "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/39 –52) فقال:
(أما رواية:" من رآني في المنام فسيراني في اليقظة " لابد من إلقاء ضوء كاشف على الحديث رواية ودراية حتى نعرف قدر هذا اللفظ الذي استدل به أولئك على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة:
1- أما الحديث فقد رواه اثنا عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يزيد، مما يدل على شيوعه واستفاضته.(/11)
2- أن ثمانية من أئمة الحديث المصنفين اهتموا بهذا الحديث فأخرجوه في كتبهم مما يؤكد اهتمامهم به وفهمهم لمدلوله. ومع ذلك لم يبوب له أحد منهم بقوله مثلاً:باب في إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، ولو فهموا منه ذلك لبوبوا به أو بعضهم على الأقل؛ لأنه أعظم من كل ما ترجموا به تلك الأبواب.
3- أن المواضع التي أخرجوا فيها هذا الحديث بلغ (44) موضعاً، ومع كثرة هذه المواضع لم يرد في أي موضع لفظ " فسيراني في اليقظة " بالجزم إلا في إحدى روايات البخاري عن أبي هريرة.
أما بقية الروايات فألفاظها:"فقد رآني" أو "فقد رأى الحق" أو "فكأنما رآني في اليقظة" أو "فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة" بالشك.
وبالنظر في ألفاظ الحديث ورواياته نجد ملاحظات على لفظ "فسيراني في اليقظة" لا ريب أنها تقلل من قيمة الاستدلال بها وهذه الملاحظات هي:
أولاً: أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه:ثلاثة منها من حديث أبي هريرة، وليس فيها لفظ:"فسيراني في اليقظة" إلا في موضع واحد.
ثانياً: أن كلا من مسلم (حديث رقم 2266)، وأبي داود (حديث رقم 5023)، و أحمد (5/306)، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ "فسيراني في اليقظة. أو لكأنما رآني في اليقظة" وهذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ "فكأنما رآني" أو "فقد رآني" لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم وليس فيها شيء شك فيه الراوي.
وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك.(/12)
ثالثاً: إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك أدركنا مدى تدليس السيوطي حين قال في "تنوير الحلك": (وتمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك:أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي") فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم، وأغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ. رابعاً:ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/400) أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة "فقد رآني في اليقظة" بدل قوله:"فسيراني".
وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ، ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال: (وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة).
ونقل عن المازري قوله: (إن كان المحفوظ "فكأنما رآني في اليقظة" فمعناه ظاهر).
هذا ما يتعلق بالحديث رواية، وإن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ على تقرير إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على:أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة.
أما ما يتعلق به دراية فنقول:لو فرضنا أن هذا اللفظ " فسيراني" هو المحفوظ فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية.
قال النووي في شرحه (15/26): (فيه أقوال:أحدها:أن يراد به أهل عصره، ومعناه:أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً.
وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة ؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته.
وثالثها:أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك).
ونقل الحافظ ابن حجر هذه الأقوال بعدما ذكر القول بحمله على الرؤية بالعين المجردة وحكم على القائلين به بالشذوذ) انتهى كلام الشيخ محمد أحمد لوح باختصار.(/13)
وإليك أقوال بعض أهل العلم في هذا الموضوع نقلاً من كتاب "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله:
1- القاضي أبو بكر بن العربي قال: (شذ بعض الصالحين فزعم أنها - أي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته - تقع بعيني الرأس حقيقة) نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري"(12/384).
2- الإمام أبو العباس احمد بن عمر القرطبي في "المفهم لشرح صحيح مسلم" ذكر هذا القول وتعقبه بقوله: (وهذا يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.
وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل) وإلى كلام القرطبي هذا أشار الحافظ ابن حجر في "الفتح" بذكره اشتداد إنكار القرطبي على من قال: (من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة) .
3 – ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (12/385) أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: (وهذا مشكل جداً ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف).(/14)
4- قال السخاوي في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته: (لم يصل إلينا ذلك - أي ادعاء وقوعها - عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه صلى الله عليه وسلم حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه).
5- وقال ملا علي قاري في "جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي" (2/238): (إنه أي ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل بما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام وقد صرح المازري وغيره بأن من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية) انتهى كلام الملا علي قاري وفيه فائدة أخرى هي حكايته الإجماع على عدم جواز العمل بما يدعى من يزعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة أنه سمع منه أمر أو نهي أو إثبات أو نفي، وفي حكايته الإجماع على ذلك الرد على قول الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (7/29) ما نصه: (لو رآه يقظة - أي بعد موته صلى الله عليه وسلم - وأمره بشيء وجب عليه العمل به لنفسه ولا يعد صحابياً وينبغي أن يجب على من صدقه العمل به قاله شيخنا).
6- قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي رحمه الله في "الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص46): (ومنها - أي من القصص المختلقة الموضوعة - ما يذكرونه من أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده وبنوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيماً وإكراماً.
وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان).(/15)
وقد تكلم عن هذه المسألة بكلام جيد الشيخ صادق بن محمد بن إبراهيم حفظه الله في كتابه "خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء" (207-218) وهناك رسالة خاصة في هذا الموضوع بعنوان " رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة ومناماً ضوابطها وشروطها" للشيخ الأمين الحاج محمد أحمد.
وقد وفقني الله عز وجل وله الحمد والمنة بكتابة موضوع عن هذا المسألة ونشرته عبر شبكة الإنترنت بعنوان " الفوائد الملتقطة في الرد على من زعم رؤية الله يقظة" وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=1244
* *
واكتفي حالياً بهذه الردود المختصرة على بعض ما جاء في كلام الجفري، أما ما يتعلق بمسألة الاستغاثة فأحيل القارئ الكريم إلى كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتحقيق الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله،وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=733
وكذلك أحيل القارىء إلى رسالة "التوسل أنواعه وأحكامه" للإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بنسخها ونشرها على الشبكة وتجدوها على الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=143
وأحيل أيضا إلى بعض الكتب الأخرى التي سيأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله.
ثم إن قول الجفري بجواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالأولياء الموتى يدل على أنه يعتقد بأن الأموات يسمعون ! والراجح في هذه المسألة هو أن الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون إلا ما ورد الدليل بخصوصه مثل سماعهم لقرع النعال بعد وضع الميت في قبره، وكذلك سماع قتلى بدر من المشركين قول الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أن الله أسمعهم صوت نبيه عليه الصلاة والسلام.(/16)
ومن أوضح الأدلة على عدم سماع الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات كلام الأحياء قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن لله ملائكة سياحِين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام".
قال الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمته لكتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات" للعلامة الألوسي رحمه الله: (ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه، اذ لو كان يسمعه بنفسه، لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه، كما هو ظاهر إن شاء الله. وإذا كان الأمر كذلك، فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى) .
ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب الألوسي رحمه الله المشار إليه سابقاً.
وقد وفقني الله لنشره عبر الشبكة بعد أن قمت بنسخه من برنامج مكتبة الألباني وأعدت تنسيقه، وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=1258
* *
وفي الختام أقول قد يتعجب البعض من كلام الجفري السابق ولكن لو علم من هم مشايخ الجفري الذين تتلمذ عليهم لزال عنه العجب!
فالجفري قد صرح في بعض اللقاءات الصحفية معه أنه تتلمذ على يد عبد القادر السقاف وهو رجل من كبار الصوفية في هذا العصر، وهو يعيش في جدة !
وكي تعلم مدى ضلال هذا الرجل فاستمع له وهو يستغيث ببعض الأموات الذين قام بزيارتهم في اليمن قبل عدة سنوات:
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g12.ra(/17)
ومن مشايخ الجفري الذين صرح بالأخذ عنهم داعية الشرك والخرافة محمد بن علوي المالكي. والمالكي لا يخفى حاله على الكثير من الاخوة إن شاء الله فقد صرح في كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" بأن النبي صلى الله عليه وسلم: (حي الدارين، دائم العناية بأمته، متصرف بإذن الله في شؤونها، خبيرٌ بأحوالها...). وقال أيضاً في نفس الكتاب: (ولا شك أن الأرواح لها من الانطلاق والحرية ما يمكنها من أن تجيب من يناديها، وتغيث من يستغيث بها، كالأحياء سواء بسواء، بل أشد وأعظم) اهـ.
وقد رد عليه فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه "هذه مفاهيمنا" والذي نشر بعض الإخوة قسم منه على شبكة المعلومات قبل فترة وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بإكمال نسخ بقية الكتاب وتنسيقه وتجدونه على الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=144
كما رد عليه الشيخ سمير المالكي وهو أحد أقاربه في كتابه "جلاء البصائر في الرد على كتابي "شفاء الفؤاد" و"الذخائر"" وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بنشره قبل فترة على شبكة المعلومات وتجده على الرابط التالي على هيئة ملف وورد:
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=222
كما وفقني الله وله الحمد والمنة بكتابة موضوع عنه ونشرته عبر شبكة الإنترنت وهو بعنوان " الجواب الكافي لمن سأل عن محمد بن علوي المالكي" وتجده في الرابط التالي:
الرابط : http://saaid.net/feraq/sufyah/sh/1.htm
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(/18)
المخدرات العقدية مع إبن شيخ الطريقة الخزنوية
المخدرات العقائدية
الدكتور محمد معشوق الخزنوي*
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحابه ومن والاه وبعد:
المخدرات بمفهومها العام، وأفقها العريض، وإسقاطاتها الشاملة تضم وتتضمن في مفهومها وحكمها كل ما من شأنه تعطيل فكر الإنسان، وستر عقله، وطمر بصيرته.
وبمناسبة الحديث عنها لابد من ألفت الأنظار إلى المخدرات المعنوية التي يدفن الإنسان نفسه بين جوانحها، ويدمن الإنسان عليها؛ من عادات وأعراف، وتقاليد وأفكار، وعقائد وطقوس، وشعائر ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تعتمد على أي استدلال عقلي أو نقلي، وليس لها من أثار إلا الضرر والإضرار، ولا تسخر إلا لحجب المعلومات عن الفكر بغية تجفيف منابع المعرفة لديه ليسهل اصطياده؛ عبر تنومه مغناطيسياً، أو غسله دماغياً؛ تماماً كما يفعلوه الصيادون مع الكروان، حيث تقول الأسطورة: أنهم إذا قالوا للكروان: "أطرق كرى، أطرق كرى، إن النعام في القرى، أغاثكم في أرضنا ما استنثرى، ما استنفرى" حينئذ ألتصق الطائر بالأرض مصدقاً حتى يتناوله الصيادون بأيدهم.(/2)
هذه هي الغاية من المخدرات المعنوية لتنام ويسهل اصطيادك، إنها السموم المتوارثة التي يرثها الجيل اللاحق عن الجيل السابق دون تبصر أو تفحص، ودون تحليل علمي، أو محاكمة عقلية، أو استدلال شرعي، حيث تعطل هذه السموم المتوارثة قوى الإنسان، وتشل تفكيره، وتمنعه من الانتفاع بعقله، وتجعله دمية يتلاعب بها ذوي المصالح، وتحوله إلى كرة يركلها اللاعبون الكبار بأقدامهم في الملاعب الدينية أو الدنيوية على حد سواء، فلا فرق أيها الأخوة بين أن تعطى جرعة من مخدر محسوس من المخدرات أو المسكرات، وبين أن تعطى جرعة من مخدر معنوي من توجه مسموم، أو إرشاد مغلوط، أو تربية مقلوبة، فالنوعان ينومانك، ويمنعانك من أداء واجبك، ويعطلان فكرك، ويستولى بهما على إرادتك، ويفتح بهما المجال لعدوك أياً كان هذا العدو، سواء كان عدو دينك، أو عدو عقيدتك، وسواء كان عدو شعبك أو عدو أرضك وعرضك، عدو وحدتك أو عدو قوتك واقتصادك، عدو ماضيك أو عدو حاضرك ومستقبلك، عدو علمك أو عدو علمك وتبصرك، عدو ثقافتك أو عدو أخلاقك وسلوكك، هذا العدو الذي لا يهمه ألا أن تنام لتخلي له الساحة، وتفرغ له الميدان، العدو الذي يضرب بيده على ظهرك مربتاً ولسان حاله يقول:
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز ألا النُّوَمُ(/3)
نعم إن المخدرات المعنوية، والسموم الفكرية؛ هي كالسموم المادية والمخدرات المحسوسة في كونهما يعطلان العقل، ويمنعان من التحليل الصحيح وإدراك الأمور، وترجيح الحق والصواب على الخطأ والباطل، بل هذه المعنوية أشد من تلك المحسوسة، لأن من يتعاطى المخدرات المحسوسة يشعر بأنه مريض، وأن عليه أن يتعافى يوماً، ويؤنبه ضميره، ويشعر بين الحين والآخر أنه مجرم مذنب عاص، وأن عليه يوماً أن يتوب ويقلع، وهذا يعني أن أية فرصة في حياته هي مرشحة للإقلاع عن هذه المخدرات المادية والمحسوسة، وهي وإن أثرت فربما تؤثر على شخص أو جيل من المجتمع أو أكثر ولكن في النهاية ستزول أسباب الإدمان، وتخرق صفوف التجار الذين لا يعملون إلا في الظلام، إضافة إلى أن تجار المخدرات المعنوية لا يعملون كتجار المخدرات المادية في الظلام، إنه يعملون جهراً، تجار المخدرات المعنوية يعملون جهراً وعلى مرأى ومسمع من المجتمع والناس، يبيعون بضاعتهم جهاراً، وربما سلطت عليهم الأضواء ليكون هم سادةً في مجتمعاتهم، وقادة في أحيائهم، وليكونوا أسوة لغيرهم، وكذلك فإن المخدرات المعنوية تؤثر على عشرات الأجيال والأمم لأن قوتها في ذاتها، واستمراريتها في داخلها، ودوامها في تركيبتها، حيث لا يرى المدمن عليها نفسه إلا معافى، وفي قمة الاستقامة والشرف والطاعة، وهو على استعداد أن يضحي بكل غال ورخيص من أجل استمرار هذه المخدرات المعنوية لأنه يراها إرث الآباء والأجداد الذي ينبغي له أن يحافظ عليه، ويوصل نفعه إلى أحفاده كما انتفع به أجداده، وانتفع هو بها فيما بعد، ولذلك لو شعر هذا الرجل في يوم ما بضرر هذه المخدرات المعنوية فهو لا يستطيع أن يترفع عن تعاطيها، أو أن يترك الإدمان عليها لأنها تراث الأجداد، لذا تراه كالنعامة يدفن رأسه في الرمال خشية من الحقيقة، لأنه يرى أية محاكمة لهذه المخدرات المعنوية هي محاكمة لآبائه وأجداده الذين ورث عنهم هذا المخدر أو ذاك، وكم من(/4)
جيل - أيها الأخوة -؛ وكم من مجتمعات، كم من أمم لا زالت مخدرة بفعل السموم التي زرعت بذرتها الأولى جدهم الأول، ولازالت الأجيال من بعد تسقيها وتتعهدها حتى صار إخطبوط يخنق أنفاس هذا الجيل، أو كابوساً يقبع على صدر ذلك الجيل أو هذا.
وإذا كان البحث في المخدرات المعنوية يحتاج إلى حلقات كثيرة ومتعددة فهذا لا يعفينا من مسؤوليتنا، ولا يمنعنا من البحث في الأهم منها، والأقرب منها إلى واقعنا، فتعالوا لنقف أيها الأخوة مع المخدرات في مجال العقيدة:(/5)
أيها الأخوة: نحن نرى أن الله - عز وجل - أعطى الإنسان العقل والإدراك والتميز، ومكنه عبر حواسه الخمسة من المقارنة بين الأشياء، وتلقي المعلومات؛ ليتمكن من الخروج بنتيجة صحيحة في علاقته مع الله والآخرة، عبر محاكمة عقلية صحيحة سليمة صافية بعيدة كل البعد عن كل مؤثر أو تراث للأباء والأجداد، ولا شك أن هذه الفرصة الذهبية لو منحت وهيأت لأي إنسان فإنه سيهتدي إلى العقيدة الصحيحة التي تنجيه في الدنيا والآخرة، لأنه سيعلم بالتأكيد وفطرته السليمة ستملي عليه أن الله - سبحانه وتعالى - هو خالق كل شيء، وعلى كل شيء قدير، وأن الله هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وسيعلم أيضاً أن الله وحده هو وحده الذي يرفع إليه الحوائج، وهو وحده الذي يدعى ويستغاث به ويستعان، وهو الذي يعبد وينسك له، وأن الذين من دون الله لا يملكون من قطمير، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا حياة ولا نشوراً، وأن مقاليد الأمور بيد الله لم يوكلها إلى غيره، لا إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، ولا إلى ولي صالح، وليس بالإمكان إلا ما قدر الله له أن يكون، ولو أن الإنس والجن على رجل واحد لينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وعلى العكس فلو اجتمعوا على رجل واحد ليضروه لم ضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام، وجفت الصحف، ولكن مع هذا آلا ترون أن ثمة عباداً لله مخدرين - وسبحان الله عما يشركون - لازالوا يرون ويعتقدون أن الله ثالث ثلاثة، أو أن لله زوجة، أو أن لله ولداً، أو أن الله حل في أحد، أو تجسد في أحد، أو اتحد بأحد، آلا تجدون ثمة عباداً لله مخدرين حتى من بين الذين يدعون الإسلام، وحتى في مجتمعاتكم، آلا تجدون أن هناك مخدرين لازالوا يرون ويعتقدون أن غير الله يعطي ويمنع، أو يوصل ويقطع، أو يفرق ويجمع، أو يضر وينفع - سبحان ربي عما يشركون وتعالى،(/6)
وعما يقوله المخدرون -.
وأكثر من هذا نحن نجد في هذا العصر عصر العلم والتكنولوجيا والوعي العلمي لازلنا نجد أناساً يعكفون على أصنام من حجر، أو شجر، أو بشر، ولازلنا نرى آخرين يعبدون ويقدسون النار أو البقر، أو يسجدون للشمس أو القمر؛ مع أن الكثير منهم علماء في مجالات محددة من مجالات الحياة وعلوم العصر، ومع ذلك تجدون أن أذان قلوبهم مغلقة، وأعين بصائرهم مطموسة، وساحة أفقهم مقفلة، صم بكم عمي فهم لا يبصرون، ولا يعقلون، ولا يرجعون، بل ربما تجدوا أن كل واحد من هؤلاء المخدرين يستغل العلم - وأقصد بالعلم معلوماته هو لا العلم المجرد الذي لا يؤدي إلا للحق - من أجل إقرار عقيدته الباطلة التي ورثها عن أبويه، ذلك لأنه مازال متأثراً بالتربية الأولى التي تلقاها على يد أبويه، ولازال مخدراً بالجرعة الأولى التي حقن بها من قبل مربيه أو مجتمعه أو كهان دينه الذين على أعتابهم تتكسر أمواج كل الحقائق مرتدة من حيث أتت، وصدق رسول الله - صلوات الله عليه وسلامه -: (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )، ولهذا فإن الشريحة المخدرة من البشر حين لا تتمكن من التلاعب بالمفاهيم العلمية، ولا تسعفها حيلها لتتلاعب بأذهان الناس؛ لا ترى بداً من الالتجاء إلى الآباء والأجداد، لتنام مخدرة في أحضانهم، باحثة عن السلامة في ظلهم، معتصمة بعظام أجدادهم التي رمت، قائلين: (( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإن على آثارهم مهتدون ))، (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا آو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون))، ((وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون))، الله أكبر إنه السكر والخدر، يأتيهم الحق فيدعونه لا لشيء سوى أنه مخالف لما(/7)
كان عليه آباءهم وأجدادهم (( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ( لا كل شيء إلا الاستغناء عن تراث الآباء والأجداد ولذلك قالوا ) إنا بما أرسلتم به كافرون ))، ألم أقل لكم أنه السكر والخدر يأتيهم الحق فيدعونه ويرفضونه لا لشيء سوى أنه مخالف لما كان عليه آباءهم وأجدادهم، أولو كان آباؤهم لا يعقلون، فبالله عليك أليس هؤلاء مخدرين، معطلة عقولهم، على قلوبهم أقفالها، بلى والله، ولذلك تعال معي لتتأكد أن هؤلاء ذوي قلوب مخدرة، فهم يوم جاءهم الحق وجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعوة التوحيد، ونهاهم عن عبادة الأصنام الذين كانوا عليها عاكفين تقليداً لآبائهم وأجدادهم قالوا: ((اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم))، أليس هؤلاء أقواماً مخدرين، يقولون: إن كانت دعوة محمد حقاً فأمطر علينا حجارة, لمَ لمْ يقولوا: إن كانت دعوة محمد حقاً فاهدنا إليها، اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، لكن يوم تكون مخدراً ترفض كل ما لم يكن عليه أبوك أو جدك، ستقول أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، وهكذا لما جاء الإسلام ووجد القوم نائمين في ظلال قبور أجدادهم، يفعلون ما يفعلون؛ دون تبصر أو روية، أو استعمال عقل أو إشغال فكر؛ اعتبرهم الإسلام مرضى، فلم يعنفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعاملهم بالكره والقسوة، بل حاول إيقاظهم من سباتهم برفق، وتنبيههم من غفلتهم بلين، وتخليص عقولهم من جرعات المخدر التي حقنها الأجداد في رؤوسهم، وغسلوا بها أدمغتهم، فدعاهم الإسلام ليتفكروا ويتأملوا، ويتدبروا ويسألوا أنفسهم، ويراجعوا حساباتهم؛ هل ما اعتبروه عقيدة لهم هل تصلح حقاً أن تكون عقيدة، وهل ما اعتبروه عادات أو تقاليد أو خطوط حمراء لا يمكن(/8)
مجاوزتها هي حقاً كذلك، وهل عبادتهم للحجر، وتقديسهم للشجر، وتألههم للبشر؛ يرضى عنه العقل السليم، والفكر السديد، لقد حث الإسلام على أن يجيب المشركون المخدرون على هذه الأسئلة بروية، ومن خلال إعمال الفكر والحجة، والمنطق والتأمل، والتدبر والإدراك الحسي؛ بعيداً عن تجربة الآباء ومؤثراتهم، وتراث الأجداد وعاداتهم، وتعال أخي المؤمن لتسمع معي وترى هذا المشهد الذي اعتبره الإسلام نموذجاً حث المسلمين على أن يقتدوا به، إنها صورة إبراهيم: ((قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه )) الآيات التي تصور المشهد تقول: (( واتلُ عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ))، وقد دعانا ربنا لأن نجعله أسوة لنا إلا استغفاره لأبيه يوم بيّن عذره فقال: ((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم)) ماذا فعل إبراهيم - عليه السلام - قال لأبيه وقومه وخاطبهم بالحكمة، ووضعهم أمام محاكمات عقلية، قال وهو يعلم لكنه يريد الجواب منهم، يريد أن يلزمهم الحجة: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين!! حينئذ سألهم وهو يتضمن مبرر(/9)
عبادتهم: هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون؟ ما هي مبررات عبادتكم لهذه الأصنام وهي حجارة أو أخشاب لا تسمعكم يوم تدعونها، ولا تضركم أو تنفعكم، بل هي لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، ويوم لم يملكوا جواباً لإبراهيم على وفق هذه المحاكمة العقلية التي جعلتهم في موقف حرج لم يجدوا لهم مجالاً إلا أن يعتصموا ويتمسكوا - كما يفعله اليوم بعض من المسلمين - لم يجدوا لهم مجالاً إلا أن يتمسكوا بعظام أجدادهم التي رمت فقالوا: بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون!! فهل تظن أن آباءنا مخطئين، أليس هم أعلم منا، وكأن الآباء والأجداد معصومين، قالوا: بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، وبعد أن ناقشهم وجادلهم إبراهيم بالتي هي أحسن وهم لا يزدادون إلا تمسكاً بأصنامهم وعظام أجدادهم حينئذ لم يجد سيدنا إبراهيم مجالاً إلا أن يظهر موقفه فقال: (( أفرأيتم ما تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ))، ثم بين لهم لما استثنى رب العالمين من معبوداتهم لأنه هو الذي خلقني فهو يهدين، والذي يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، ثم بدأ يدعو: رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لأبي إنه كان من الضالين، ولم يقف سيدنا إبراهيم موقفهم فقال: أنا أيضاً سأتبع أبي، إنما دعا لأبيه حتى يهديه الله (( واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )).(/10)
أدعوك أخي المسلم يا من طالبك الله بأن تتخذ من إبراهيم أسوة، هل تستطيع أن تقول لأمتك أو لمجتمعك أو لحيك أو لأسرتك أو لقومك أو لأبويك هل بإمكانك أن تقول مثل ما قال إبراهيم بعد أن جادلهم، وبعدما ألزمهم الحجة فاستمروا على عنادهم، وتمسكوا بعظمائهم وآبائهم وأجدادهم وساداتهم وكبرائهم، هل تستطيع أن تقول: (( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ))، إن كنت تستطيع أن تمارس هذا الدور فأنت عاقل صاح مدرك، واشكر الله على أنك على قدم الموحدين من الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، وأرجو الله أن تكون معهم يوم الدين، وإن لم تستطع أن تقول كما قال إبراهيم فأنت مخدر كقومك، وأنت مأخوذ، والعرب يقولون: [المأخوذ ما يسمع صياح ]، إنه مثل عربي يوم كانت القبائل تغزو بعضها بعضاً، ويأتي النذير ليخبر القوم بأن العدو مصبحهم فمن صدق النذير رحل في الليل، ومن يقول: أن النذير يكذب يمكث في مكانه، فلا تشرق الشمس إلا والقوم فوقهم غازين، ولذلك تقول العرب: إن من كتب الله له أن يأخذ، ويتلف ماله، وتنهب ثروته؛ لا يسمع الصياح، إنه يسمع لكنه لا يدرك، مخدر لا يستوعب، ولذلك لا يستجيب النداء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
________________________
* مدير مركز إحياء السنة بسوريا.
صوفي سابق
http://www.islamselect.com/index.ph...9be5d1d14d8dc8d
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/11)
بسم الله الرحمن الرحيم
المسلمون في أوربا ومسئوليتنا عنهم (7)
تأثر المسلمين الأوربيين بالطرق الصوفية وأسباب ذلك.
وأكثر المسلمين الأوربيين متأثرون بالطرق الصوفية، والسبب في ذلك يعود إلى الأمور الآتية:
الأمر الأول: قوة نشاط الطرق الصوفية في أوروبا، عن طريق أصحاب تلك الطرق مباشرة، أو عن طريق الكتب المترجمة إلى اللغات الأوربية.
الأمر الثاني: أن عند الأوربيين قلقا نفسيا وخواء روحيا وقسوة قلبية، بسبب الضغوط المادية التي تحيط بهم في كل مكان، ولم يجدوا ما يملأ فراغ قلوبهم ويلينها في الطقوس المسيحية، قبل إسلامهم ولا في الأديان الوثنية، وعندما يلتقون مشايخ الصوفية أو مر يديهم الذين غالبا ما يفدون من مصر والسودان والمغرب وتركيا، بعد أن تعمل لهم دعاية في المناطق التي سيزورونها، فيجتمعون حول الشيخ أو المريد، فيما يسمى بالحضرة، ويأخذ في تلقينهم بعض الإذكار والأوراد المعدة عنده، ويمكثون فترات طويلة وهم يرددونها، ويحضر مع المسلمين غير المسلمين، فيتأثرون بالذكر والمنظر، ويشاركون في ذلك دون أن يطلب منهم الدخول في الإسلام، ثم بعد عدد من الجلسات يزداد تأثرهم، ويدخل بعضهم في الإسلام، لأنهم يشعرون بالراحة والطمأنينة بكثرة الذكر والعبادة، ويتناقلون ذلك فيما بينهم، ويحسون بسهولته مع ترقيقه لقلوبهم، فيبقى كثير منهم على ذلك، ويتخلل تعليمهم بعض البدع والخرافات، وهم يظنون أن ذلك كله من الإسلام، ويتعلقون بالشيخ تعلقا شديدا، ويطرونه إطراء مبالغا فيه، في حياته وبعد موته، وينقلبون من ملحدين أو مثقفين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، إلى مؤمنين بالخرافات وما ينسب إلى الشيخ من كرا مات، ويلقنون أسماء بعض علماء السنة كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ويسمونهم لهم بالوهابية، ويحذرون من قراءة كتبهم وأفكارهم.
وقد زرت بعضهم في منازلهم ودكاكينهم ووجدت عند بعضهم استعدادا للحوار والمناقشة والاقتناع.(/1)
الأمر الثالث: أنهم قد قرؤوا في كتب المستشرقين الثناء على الطرق الصوفية والإشادة بها، قبل أن يدخلوا في الإسلام، كما يجدون كثيرا من كتب غلاة الصوفية مترجمة إلى لغاتهم، مطبوعة منشورة، في المكتبات التجارية، لأن المستشرقين يرغبون أن يفهم الناس الإسلام فهما صوفيا سلبيا، يعمقون في نفوسهم المعنى الروحاني الخرافي فقط، وليس فهما سليما إيجابيا، كما هو الحال في الكنيسة: صلة بين الفرد وربه، لا علاقة له بتنظيم حياة البشر، لأنهم يخشون أن يفهم الداخلون في الإسلام من الأوربيين الإسلام فهما شاملا، فيقضي ذلك على أفكارهم التي درجوا عليها من زمن بعيد في تشويه حقائق الإسلام،ويكثر الداخلون في الإسلام، وذلك يغيظهم، أما إذا فهموه فهما صوفيا مشابها لما هو معروف في الكنيسة، فلا عليهم أن يدخلوا في الإسلام إن كان ولا بد من الدخول فيه، وهذا ما يرغب فيه رجال السياسة أيضا، لأن فهم الإسلام على حقيقته يصطدم مع الفكر العلماني في أوروبا والغرب كله.
الأمر الرابع: أن القائمين بالدعوة الإسلامية، لا يوجد عندهم متفرغون يحاولون كسب هؤلاء المسلمين ويعلمونهم مبادئ الإسلام من مصادره، كما أنه لا يوجد علماء كبار يملئون عيونهم كمشايخ الصوفية الذين ينالون من الإطراء والتفخيم والدعاية المبالغ فيها، ما لا يناله غيرهم.(/2)
الأمر الخامس: التقصير الذي يقع فيه كثير من الدعاة، وهو أن الرجل- وكذا المرأة-إذا دخل في الإسلام، أخذوا يشرحون له مبادئ الإسلام العامة، كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وقد يدخلونه في أفكار سياسية واقتصادية، وبعض المسلمين يبدءون في تحذيره من الحزب الفلاني أو الجماعة العلانية، والمتعصبون للمذاهب يحثونه على التمسك بمذهب الإمام فلان دون مذهب الإمام علان، كل ذلك وهو لم يذق حلاوة الإيمان والعبادة بعد، ثم يتركونه ولا يتابعونه بتقوية إيمانه بالمحافظة على الفرائض، والقيام ببعض النوافل، وتعليمه بعض الإذكار الواردة الصحيحة، مطلقة كانت أو مقيدة، ولهذا يصطاد هم الصوفية ويوقعونهم في شباكهم، ويجعلونهم ينصبون العداء لمن يخالفهم.
بل إن بعضهم يتأثرون بالقاديانية، إما بحسن نية وظن أن ذلك من الإسلام كما يقولون لهم، وإما لمشايعتهم وإعانتهم-مع علمهم بضلالهم-من أجل نشر أفكارهم، لمحاربة الدعوة الإسلامية الحقة، وليس بخاف دعم الدول الأوربية للقاديانية وغيرها من مذاهب الكفر والضلال ماديا ومعنويا.
وبعضهم يتأثرون بالفكر الشيعي، بسبب اختلاطهم بالشيعة وأخذهم الإسلام عن طريقهم.(/3)
وبعضهم قد يكون من كبار المفكرين الأوربيين ويقرأ بنفسه عن الإسلام، وبخاصة كتب الصوفية التي تكثر فيها الشطحات والأخطاء التي يمكن تأويلها وتخريجها على معان سليمة إذا قرئت باللغة العربية، كما يفعل ابن القيم رحمه الله مع الإمام الهروي، رحمه الله، ولكنها إذا ترجمت إلى لغة أخرى تأكد ذلك الخطأ، وأصبح عند قارئه هو المعنى المتعين، وبخاصة إذا كان القارئ قد سبق له اعتقاد ذلك المعنى قبل إعلانه إسلامه، فيؤيد اعتقاده السابق بما فهم من الخطأ اللاحق الذي ظنه من الإسلام، كما وقع لرجاء جارودي في قضية الإيمان باليوم الآخر، حيث نفاه نفيا قاطعا كما كان ينفيه يوم كان ملحدا قبل أن يعلن إسلامه، حيث قرأ في كتاب إحياء علوم الدين-وهو مترجم-للإمام الغزالي رحمه الله قول رابعة العدوية: ما عبدت الله طمعا في جنته ولا خوفا من عذابه.. فهذه الجملة مع مخالفتها لنصوص الكتاب والسنة ولمنهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهمها علماء الإسلام على معنى المبالغة في الإخلاص لله تعالى، فهي لشدة إخلاصها-في زعمها-تعبد الله حبا لذاته، بصرف النظر عن الثواب والعقاب، ولكن جارودي أصر أن مرادها نفي الإيمان باليوم الآخر وما فيه من جزاء وحساب وجنة ونار، وغير ذلك وقد ناقشته في ذلك مناقشة طويلة في باريس، فأصر على نفي الإيمان باليوم الآخر، كما اتضح أنه قد ناقشه بعض كبار العلماء، منهم الشيخ محمد الغزالي، وشيخ الجامع الأزهر وغيرهم في ملتقى الفكر الإسلامي بالجزائر، ولكنه استمر على إنكاره ويرى أنه على حق، وأن علماء الإسلام على باطل، مع أن الموضوع الذي أنكره هو ركن من أركان الإيمان المعلومة من الدين بالضرورة، وقد حشدت أدلته في القرآن والسنة حشدا لا يدع مجالا للشك فيه، وأجمعت عليه الأمة.(/4)
والسبب في ذلك أنه عندما دخل في الإسلام مع شهرته في العالم، أطر ته أجهزة الإعلام واستدعته بعض المؤسسات الإعلامية والإسلامية في أوروبا وفي بعض بلاد المسلمين، ليلقي محاضرات عن الإسلام، فشعر بأنه شيخ الإسلام عند المسلمين، وأنه لا حاجة له إلى أحد يعلمه الإسلام، ويصحح له مفاهيمه الخاطئة، وكان ينبغي أن يهتم به علماء الإسلام والمؤسسات الإسلامية، فيستضيفوه ليصحبهم في ديار الإسلام ويستفيد منهم العلم والعمل، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرشد من دخل في الإسلام من أعيان القبائل، أن يبقوا عنده فترة يتعلمون منه مبادئ الإسلام ثم يعودون إلى قومهم يعلمونهم ما تعلموه منه، صلى الله عليه وسلم، دون إطراء ولا مبالغة في الثناء عليه وإشعاره بأنه أصبح من علماء الإسلام ( راجع قصة الحوار مع جارودي: حوارات مع مسلمين أوربيين: ص 195وقد بسطت القول في الرد على هذه الشبهة في كتابي (الإيمان هو الأساس) وهو الجزء الأول من كتاب: سلسلة (أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في صلاح الأمة)، عند الكلام على الإيمان باليوم الآخر، وقد أعد هذا الجزء للطبع (قد طبع والحمد لله).
وعلى النقيض من ذلك وجدت المسلم الصالح-ولا أزكي على الله أحدا-يوسف إسلام الذي كان من كبار الموسيقيين المشهورين في الغرب، فقد قيض الله له أن اطلع على ترجمة معاني القرآن الكريم-ولذلك سبب مسجل عندي عندما قابلته-فهداه الله للإسلام، فقام بإنشاء مدرسة لأبناء المسلمين، وأحاط نفسه بفئة من العلماء المسلمين الذين يستفيد منهم
والخلاصة أن المسلمين الأوربيين يكون إسلامهم بحسب ما يسر الله لهم من الوسائل التي دخلوا في الإسلام عن طريقها، فإن تيسر لهم من يفهمهم الإسلام على حقيقته تمسكوا بما فهموا، وإن اتفق لهم من يفهمهم إياه على عوج أخذوا به.
تابع
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل(/5)
المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية
الشيخ المصلح الكبير محمد رشيد رضا ، ومن لا يعرف الشمس في منتصف النهار؟!
سيرة هذا المصلح من السير التي أثارت وجداني ، وتعلق قلبي ، لمعرفة المزيد عن هذ المصلح .. شخصية لا كالشخصيات .. تجارب الدنيا قد عصفت برشيد حتى بان له الطريق .. بحث عن الحق بدليله .. وجاهد من أجل التبليغ وقمع البدع ونشر ما يعتقد أنه الحق .. درس ورحل ليعكف عند من ينير له أفاق المعرفة بالدليل .. وبعد مدرسة خاضت تجارب عديدة استقر الحال بأن وفقه الله لسلوك طريق الصالحين .. فحمل لواء السلفية ناشراً ومعلماً ومنافحاً ومناظراً .. فولد على يديه جيل من المثقفين الذين نهجوا طريق شيخه .. ولزموا منهاج السلف ..
محمد رشيد رضا .. حين أتكلم عن الأعلام .. فليسكت الأقزام .. ولترفع الأقلام .. ولتَعْزِفْ الأنغام .. أنشودة السلام .. فقصتنا مع مصلح هُمام ..
في الحقيقة .. لا أدري هل أترجم له؟!
أم أذكر قصة هدايته؟!
أم أرسل القلم ليكتب ما خطر في البال؟!
فجاءني الجواب في الحال .. لك ما تشاء ..
فهو محمد رشيد بن علي رضا بن شمس الدين بن بهاء الدين القلموني الحسيني .. يرجع نسبه لآل البيت .. ولد في 27/5/1282هـ في قرية قلمون جنوب طرابلس الشام .. بدأ طلب العلم بحفظ القرآن والخط والحساب .. ثم درس في مدرسة "الرشدية" وكان التعليم بها بالتركية ، ولكن ما لبث أن تركها بعد سنة ليلتحق بالمدرسة الوطنية الإسلامية التي أسسها ويدرس بها شيخه حسين الجسر ، ودرس بها سبعة سنوات أثرت وغيرت في مجرى حياته .. وبدأت مرحلة تصوفه ..
بداية شاذلية:(/2)
لقد بدأ تصوف رشيد حين كان يقرأه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفية ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية ، وفصول من الفارياق ...
وقد كان يقرأ ورد السحر ؛ وعندما يبلغ البيت التالي:
ودموع العين تسابقني *** من خوفك تجري
كان يمتنع عن قراءته،لأن دموعه لم تكن تجري،فكان امتناعه عن قراءة البيت حياءً من الله أن يكذب عليه .. وبعد أن تضلع بالعلم وأصول الدين أدرك أن قراءة هذا الورد من البدع .. فتركه وانصرف إلى تلاوة القرآن.
ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات .. ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي صلى الله عليه وسلم فتركه .. وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة.
سلوكه الطريقة النقشبندية:
يذكر رشيد في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب "إحياء علوم الدين للغزالي" ..
ثم طلب من شيخه الشاذلي محمد القاوقجي أن يسلكه الطريقة الشاذلية الصورية فأعتذر الشيخ وقال: يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله
ثم يذكر رشيد أن صديقه محمد الحسيني قد ظفر بصوفي خفي من النقشبندية يرى أنه وصل إلى مرتبة المرشد الكامل .. فسلك رشيد طريقة النقشبندية على يديه وقطع أشواطاً كبيرة فيها ، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحية الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها عجزت عن تأويل بعضها" ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة كما حققت ذلك بعد"(/3)
ويصف رشيد الورد اليومي في طريقة النقشبندية بأنه ذكر اسم الجلالة (الله) بالقلب دون اللسان خمسة آلاف مرة مع تغميض العينين وحبس النفس بقدر الطاقة وربط القلب بقلب الشيخ. ثم يذكر أن هذا الورد بدعة كما تبين له بعد ذلك ؛ بل يصل إلى الشرك الخفي حين يربط الشخص قلبه بقلب شيخه فإنه مقتضى التوحيد أن يتوجه العبد في كل عبادته إلى الله وحده حنيفاً مسلماً له الدين.
وذكر أمور كثيرة ..
يقول عن هذه التجربة الصوفية:
"وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه ، وأنه نافع يرجى به معرفة الله ما لا يوصل إليه بدونه"
هدايته من الصوفية إلى السلفية:
يعبر عن هذه التجربة الصوفية بعد سنوات طويلة جداً في التصوف:
" إنني قد سلكت الطريقة النقشبندية ، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها ، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر ، وما تقذف أمواجه من الجيف ، ثم انتهيت إلى مذهب السلف الصالحين ، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين"
وقد تأثر بمجلة العروى الوثقى ومقالات العلماء والأدباء .. فتأثر بالأفغاني ومحمد عبده .. وتأثر بشدة وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع والجمع بين العلوم الدينية والعصرية والسعي لتمكين الأمة .. ثم تأثر بشدة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب –رحمهم الله تعالى- .. لقد أحدثت له حركة ونشاط بدل الخمول وغيبة الوعي والانغماس في البدع والضلال كما في الصوفية ..
إنكاره على أهل الطرق الصوفية:(/4)
أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفية .. ذات يوم وبعد صلاة الجمعة أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد "مقابلة المولوية" ويقول رشيد في ذلك: "حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أما دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه ايوان بالنظارة ، وفي صدره شيخهم الرسمي ، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس ، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية ، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة ، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض ، ويمدون سواعدهم ، ويميلون أعناقهم ، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون"
أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم. وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بالأعيبهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى ؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته دراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها .. فقام حيث قال: "قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف ، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عليه لأنه إقرار له وإن يصدق عليه مقترفيه قوله تعالى: {اتخذوا دينهم هزواً ولعباً} وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمك الله" ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينة .. وكانت لصيحته السلفية هذه أن أتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض ..(/5)
ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع. ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد وقال لرشيد: إن أنصحك لك أن تكف عن أهل الطريق. فرد عليه رشيد منكراً: "هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟
فقال: لا ؛ ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفساد. فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.
ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!!
وبقي الخلاف بينهما ، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار ، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد ، وقد رد الجسر على رشيد ، ورد رشيد على الجسر في مجلته.
وقد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر(الزواجر عن اقتراف الكبائر) .. وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية ، ونقاء دعوة شيخ الإسلام .. وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأتي إلا من هوى وهوس الصوفية!!
فرحم الله الشيخ المصلح الكبير محمد رشيد رضا على ما قدم وبذل في نصح وفضح الصوفية .. وتقبل الله توبته وأوبته من الطرق المضلة .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(/6)
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/7)
الفهرس العام
مقدمة ........................................................................2
تاريخ المولد ...................................................................2
بيان حال الدولة العبيدية الفاطمية................................................4
بيان حكم المولد وفساد قول من قال بمشروعيته من أوجه عديد....................6
الوجه الأول ...................................................................6
الوجه الثاني ...................................................................6
الوجه الثالث ...................................................................7
الرابع ..........................................................................7
الخامس ........................................................................7
السادس .......................................................................7
السابع ........................................................................7
الثامن ........................................................................8
التاسع ........................................................................8
العاشر........................................................................8
الحادي عشر..................................................................8.
الثاني عشر...................................................................8
الثالث عشر ................................................................ 10
الرابع عشر..................................................................10
الخامس عشر ...............................................................10(/1)
السادس عشر...............................................................10
نابليون المستعمر الفرنسي يحي المولد ويدعمه ................................. 11
كلام نفيس لرشيد رضا حول مايحدث في الموالد وأثر ذلك على الأمة...........11
أهل العلم الذين أفتوا بعدم مشروعية المولد وأنه بدعة محدثة.............11-12
كتبه وأملاه
الفقير إلى عفو مولاه
ناصر بن يحيى الحنيني
10/3/ 1422هـ - الرياض
Honini48@hotmail.com بسم الله الرحمن الرحيم
المولد النبوي
تاريخه، حكمه ، آثاره ،
أقوال العلماء فيه على اختلاف البلدان والمذاهب
مقدمة: (نداء إلى كل مسلم يريد الوصول إلى الحق وأن يعبد الله على بصيرة).
أخي المسلم، أختي المسلمة : لاشك أننا جميعا نُكِنُ في صدورنا محبة لرسولنا الكريم وحبيبنا العظيم وقدوتنا وإمامنا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن عمل بسنته واهتدى بهديه إلي يوم الدين ، وإن هذه المحبة تعتبر من أصول الدين ومن لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كافر وممن نتقرب إلى الله ببغضه وهي من صفات المنافقين الذي قال الله فيهم أنهم في : ( الدرك الأسفل من النار)
وإنني أضع بين يديك هذا البحث المتواضع لتقرأه بعين البصيرة تقرأه بغية الوصول للحق وتقرأه بعيدا عن التعصب لعلماء بلدك أو مذهبك أو ما تعوّدت عليه فإن كان ما فيه حقاً قبلته وعملت فيه طاعة لله ورسوله الذي أمرنا باتباع الحق وما كان فيه من باطل أو خطأ فأعيذك بالله أن تتبعه لأننا لسنا متعبدون إلا بالحق الذي دل عليه الدليل الشرعي.
وفقنا الله وإياك لسلوك الطريق المستقيم الذي ارتضاه لنا نبينا الكريم والله الموفق وعليه المعتمد والاتكال وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،،.
تاريخه:(/2)
إن الناظر في السيرة النبوية وتاريخ الصحابة والتابعين وتابعيهم وتابع تابعيهم بل إلى ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين سنة هجرية لم نجد أحدا لا من العلماء ولا من الحكام ولا حتى من عامة الناس قال بهذه العمل أو أمر به أو حث عليه أو تكلم به .
قال الحافظ السخاوي في فتاويه :"عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد".أهـ(1)
إذن السؤال المهم : " متى حدث هذا الأمر –أعني المولد النبوي-وهل الذي أحدثه علماء أو حكام وملوك وخلفاء أهل السنة ومن يوثق بهم أم غيرهم ؟"
والجواب على هذا السؤال عند المؤرخ السني ( الإمام المقريزي ) رحمه الله :
يقول في كتابه الخطط ( 1/ ص 490وما بعدها):" ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم"
قال:" وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي مواسم( رأس السنة)،ومواسم ( أول العام )،( ويوم عاشوراء) ،( ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ( ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) ، ( ومولد الحسن والحسين عليهما السلام )، ( ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام )،(ومولد الخليفة الحاضر )، ( وليلة أول رجب ) ، ( ليلة نصفه ) ، ( وموسم ليلة رمضان ) ، ( وغرة رمضان )،(وسماط رمضان)،( وليلة الختم )،( وموسم عيد الفطر )،( وموسم عيد النحر )،( وعيد الغدير)،( وكسوة الشتاء)،( وكسوة الصيف )،( وموسم فتح الخليج )،( ويوم النوروز)،(ويوم الغطاس) ، ( ويوم الميلاد ) ،( وخميس العدس) ، ( وأيام الركوبات )"أ.هـ.
وقال المقريزي في إتعاظ الحنفاء(2/48)سنة (394):
"وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر".
وقال في موضع آخر (3/99)سنة (517):
__________
(1) نقلا عن سبل الهدى والرشاد للصالحي (1/439) ط. وزارة الاوقاف المصرية .(/3)
"وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة".وانظر (3/105).
ووصف المقريزي هيئة هذه الاحتفالات التي تقام للمولد النبوي خاصة وما يحدث فيها من الولائم ونحوها ( أنظر الخطط1/432-433 ، صبج الأعشى للقلقشندي3/498-499).
ومن النقل السابق تدبر معي كيف حُشِر المولد النبوي مع البدع العظيمة مثل:
-بدعة الرفض والغلو في آل البيت المتمثل في إقامة مولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
وسيأتي مزيد بسط لبيان أن الدولة العبيدية التي تدعي أنها فاطمية: بأنها دولة باطنية رافضية محاربة لله ولرسوله ولسنته ولحملة السنة المطهرة .
بدعة الاحتفال بعيد النيروز وعيد الغطاس وميلاد المسيح وهي أعياد نصرانية .
يقول ابن التركماني في كتابه" اللمع في الحوادث والبدع" (1/293-316 ) عن هذه الأعياد النصرانية :"فصل ومن البدعة أيضا والخزي والبعاد ما يفعله المسلمون في نيروز النصارى و مواسمهم و الأعياد من توسع النفقة " قال :" وهذه نفقة غير مخلوفة وسيعود شرها على المنفق في العاجل والآجل " وقال : " ومن قلة التوفيق والسعادة ما يفعله المسلم الخبيث في يعرف بالميلادة ( أي ميلاد المسيح) ".، ونقل عن علماء الحنفية أن من فعل ما تقدم ذكره ولم يتب منه فهو كافر مثلهم .وذكر عدد من الأعياد التي يشارك فيها جهلة المسلين النصارى وبين تحريمها بالكتاب والسنة ومن خلال قواعد الشرع الكلية .
ذكر من أبطلها من خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية:
قال المقريزي في خططه (1/432):"وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الموالد الأربعة : النبوي ، والعلوي ، والفاطمي ، والإمام الحاضر وما يهتم به وقدم العهد به حتى نسي ذكرها فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها ويحسنون له معارضة الوزير بسببها وإعادتها وإقامة الجواري والرسوم فيها فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر.."أ.هـ(/4)
فعلى هذا أول من أحدث ما يسمى بالمولد النبوي هم بنو عبيد الذين اشتهروا بالفاطميين (1).
ماذا قال أهل العلم عن الدولة الفاطمية العبيدية التي أحدثت هذا الأمر ( المولد النبوي)؟:
قال الإمام أي شامة المؤرخ المحدث صاحب كتاب الروضتين في أخبار الدولتين ص 200-202عن الفاطميين العبيديين:
" أظهروا للناس أنهم شرفاء فاطميون فملكوا البلاد وقهروا العباد وقد ذكر جماعة من أكابر العلماء أنهم لم يكونوا لذلك أهلا ولا نسبهم صحيحا بل المعروف أنهم (بنو عبيد ) ؛ وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي وقيل كان والد عبيد هذا يهوديا من أهل سلمية من بلاد الشام وكان حدادا .
وعبيد هذا كان اسمه ( سعيدا) فلما دخل المغرب تسمى ب( عبيد الله ) وزعم أنه علوي فاطمي وادعى نسبا ليس بصحيح -لم يذكره أحد من مصنفي الأنساب العلوية بل ذكر جماعة من العلماء بالنسب خلافه -
ثم ترقت به الحال إلى أن ملك وتسمى ب(المهدي) وبنى المهدية بالمغرب ونسبت إليه وكان زنديقا خبيثا عدوا للإسلام متظاهرا بالتشيع متسترا به حريصا على إزالة الملة الإسلامية قتل من الفقهاء والمحدثين جماعة كثيرة وكان قصده إعدامهم من الوجود لتبقى العالم كالبهائم فيتمكن من إفساد عقائدهم وضلالتهم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
__________
(1) وقد قرر هذا جماعة من المتأخرين منهم :
العلامة الحنفي مفتي الديار المصرية سابقا الشيخ ( محمد بخيت المطيعي في كتابه " أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام".
الأستاذ الشيخ على محفوظ في كتابه" الإبداع في مضار الإبتداع ".
الشيخ إسماعيل الأنصاري في كتابه :" القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ".
والشيخ بن منيع في رده على المالكي .
وانظر بقية من قال به من أهل العلم لما نقله مشهور حسن سلمان في تعليقه أثناء تحقيقه لكتاب " الباعث على إنكار البدع والحوادث " ص 96 في الحاشية .(/5)
ونشأت ذريته على ذلك منطوين يجهرون به إذا أمكنتهم الفرصة وإلا أسروه ، والدعاة لهم منبثون في البلاد يضلون من أمكنهم إضلاله من العباد وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها وذلك من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين (299) إلى سنة سبع وستين وخمسمائة ( 567)،.
وفي أيامهم كثرة الرافضة واستحكم أمرهم ووضعت المكوس على الناس واقتدى بهم غيرهم وأفسدت عقائد طوائف من أهل الجبال الساكنين بثغور الشام كالنصيرية والدرزية والحشيشية نوع منهم وتمكن رعاتهم منهم لضعف عقولهم وجهلهم مالم يتمكنوا من غيرهم وأخذت الفرنج أكثر البلاد بالشام والجزيرة إلى أن من الله على المسلمين بظهور البيت الأتابكي وتقدمه مثل ( صلاح الدين ) فاستردوا البلاد وأزالوا هذه الدولة عن أرقاب العباد .
وكانوا أربعة عشر مستخلفا ... يدّعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي حتى اشتهر لهم ذلك بين العوام فصاروا يقولون الدولة الفاطمية والدولة العلوية وإنما هي ( الدولة المجوسية أو اليهودية الباطنية الملحدة ).
ومن قباحتهم انهم كانوا يأمرون الخطباء بذلك (أي أنهم علويون فاطميون ) على المنابر ويكتبونه على جدران المساجد وغيرها وخطب عبدهم جوهر الذي أخذ لهم الديار المصرية وبنى لهم القاهرة ( المعزية) بنفسه خطبة قال فيها:( اللهم صلي على عبدك ووليك ثمرة النبوة وسليل العترة الهادية المهدية معد أبي تميم الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين كما صليت على آبائه الطاهرين وسلفه المنتخبين الأئمة الراشدين ) كذب عدوّ الله اللعين فلا خير فيه ولا في سلفه أجمعين ولا في ذريته الباقين والعترة النبوية الطاهرة منهم بمعزل رحمة الله عليهم وعلى أمثالهم من الصدر الأول .(/6)
والملقب بالمهدي لعنه الله كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم وأرسل إلى الروم وسلطهم على المسلمين وأكثر من الجور واستصفاء الأموال وقتل الرجال وكان له دعاة يضلون الناس على قدر طبقاتهم فيقولون لبعضهم (هو المهدي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجة الله على خلقه ) ويقولون لآخرين (هو رسول الله وحجة الله ) ويقولون لاخرى (هو الله الخالق الرازق) لا اله إلا الله وحده لا شريك له تبارك سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولما هلك قام ابنه المسمى بالقائم مقامه وزاد شره على شر أبيه أضعافا مضاعفة وجاهر بشتم الأنبياء فكان ينادى في أسواق المهدية وغيرها (العنوا عائشة وبعلها العنوا الغار وما حوى ) اللهم صلي على نبيك وأصحابه وأزواجه الطاهرين وألعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين وارحم من ازالهم وكان سبب قلعهم ومن جرى على يديه تفريق جمعهم وأصلهم سعيرا ولقهم ثبورا وأسكنهم النار جمعا واجعلهم ممن قلت فيهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
ولو وفق ملوك الإسلام لصرفوا أعنة الخيل إلى مصر لغزو الباطنية الملاعين فإنهم من شر أعداء دين الإسلام وقد خرجت من حدّ المنافقين إلى حد المجاهرين لما ظهر في ممالك الإسلام من كفرها وفسادها وتعين على الكافه فرض جهادها وضرر هؤلاء أشدّ على الإسلام وأهله من ضرر الكفار إذا لم يقم بجهادها أحد إلى هذه الغاية مع العلم بعظيم ضررها وفسادها في الأرض ".أ.هـ بتصرف يسير.(/7)
وانظر رحمك الله إلى ما قرره هذا العالم المؤرخ وهو قريب عهد منهم حيث عاش ما بين سنة (599-665)للهجرة النبوية ، وكيف تألم لما حل بالمسلمين من كرب وضيق من جرّاء حكم هؤلاء الباطنيين وعلى هذا فالمولد النبوي أصله ومنشئه من الباطنيين ذي الأصول المجوسية اليهودية المحيين شعائر الصليبية ، ونحن هنا نقول لكل منصف هل يصح أن نجعل أمثال هؤلاء مصدر عباداتنا وشعائرنا ونحن نقول مرة أخرى إن القرون المفضلة التي عاش فيها سلفنا الصالح لم يكن فيها أثر لمثل هذه العبادة منهم أو من أعدائهم أو حتى من جهلتهم وعامتهم أفلا يسعنا ماوسعهم .
بيان حكم المولد النبوي وبيان فساد قول من قال بمشروعيته من أوجه عديدة:
إعلم رحمني الله وإياك أن ما يسمى بالمولد النبوي ليس مشروعا ولم يدل عليه دليل من كتاب ولاسنة لاإجماع ولاقياس صحيح ولا حتى دليل عقلي ولا فطري وما كان بهذه الصيغة فهو بدعة مذمومة.
قال الحافظ ابن رجب (1) :" والمراد بالبدعة ما أحدث مما لاأصل له في الشريعة يدل عليه ".
ويقول أيضاً (2) : " فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقاد أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة".
والبدعة كذلك " مالم يشرعه الله من الدين فكل من دان الله بشيء لم يشرعه الله فذاك بدعة وإن كان متاولاً".(3)
ويظهر فساد القول بجوازه ومشرعية من خلال الأوجه التاليه:
الوجه الأول :
أن هذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولاأمر به ولافعله صحابته ولاأحد من التابعين ولا تابعيهم ولا فعله أحد من أهل الإسلام خلال القرون المفضلة الأولى وإنما ظهر- كما تقدم- على ايدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان وهم الباطنيون.
__________
(1) جامع العلوم والحكم (2/127).ت: الارناؤوط.
(2) المصدر السابق ( 2/128).
(3) أنظر مجموع الفتاوى (18/346).(/8)
إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله عزو جل صاحبه وفاعله بقوله ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) والذي يفعل ما يسمى بالمولد لاشك انه متبع لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم .
الوجه الثاني:
أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وجاء في رواية أخرى ( وكل ضلالة في النار ).
فقوله (كل بدعة ضلالة ) عموم لا مخصص له يدخل فيه كل أمر مخترع محدث لا أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على انه أمر محدث فصار الأمر إلى ما قلنا أنه بدعة ضلالة تودي بصاحبها إلى النار أعاذنا الله وإياك منها.
الوجه الثالث :
أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ولايكفي حسن النية بل لابد من متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع:
قال الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ).
والذي يقول إن المولد عبادة نتعبد لله تعالى بها فهو مكذب بهذه الآية وهو كفر بالله عزوجل فان قال انه مصدق بها لزمه ان يقول ان المولد ليس بعبادة ويكون اقرب الى العبث واللعب منه الى ما يقرب الى الله عزوجل.
وقلنا له أيضاً كأنك مستدرك على الله وعلى رسوله بأنهم لم يدلونا على هذه العبادة العظيمة التي تقرب إلى الله والرسول .
فان قال أنا لا أقول أنها عبادة ولا استدرك على الله ورسوله ومومن بهذه الآية لزمه الرجوع إلى القول الحق وأنها بدعة محدثة هدانا الله وكل مسلم لما يحبه ربنا ويرضى.
الوجه الخامس :(/9)
أن الممارس لهذا الأمر- اعني بدعة المولد- كأنه يتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة وعدم الأمانة -و العياذ بالله- لأنه كتم على الأمة ولم يدلها على هذه العبادة العظيمة التي تقربها إلى الله
قال الإمام مالك – رحمه الله (1)-: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا".
الوجه السادس (2) :
أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر الخلق عليها بالأوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في مجاوزتها وتركها لأن الله اعلم بما يصلح عباده وما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه والذي يبتدع هذه البدعة راد لهذا كله زاعم أن هناك طرقا أخرى للعبادة وان ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلازم له فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضا يعلم بل ربما يفهم أن يعلم أمرا لم يعلمه الشارع سبحانك هذا بهتان عظيم وجرم خطير وإثم مبين وضلال كبير.
الوجه السابع :
أن في إقامة هذه البدعة تحريف لأصل من أصول الشريعة وهي محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه ظاهرا وباطنا واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي لايتفق مع مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهز للرؤوس لان الذي يمارسون هذه البدعة يقولون ان هذا من الدلائل الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله عليه وسلم
وهذا لاشك تحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسول لان محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرا وباطنا كما قال جل وعلا( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
__________
(1) الاعتصام (1/49).
(2) اقتبست هذا الوجه من الإما م الشاطبي في الاعتصام (1/49).(/10)
فالذي يجعل المحبة باقامة هذه الموالد محرف لشريعة الله التي تقول ان المحبة الصحيحة تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم ، بل محو لحقيقة المحبة التي تقرب من الله وجعلها في مثل هذه الطقوس التي تشابه ما عند النصارى في أعيادهم وبهذا يعلم أنه ( ما أحييت بدعة إلا وأميتت سنة ).
الوجه الثامن :
أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال صلى الله عليه وسلم ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ).(1)
الوجه التاسع:
أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام لان فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم انهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدوه بأرواحهم وبآبآءهم وأمهاتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
الوجه العاشر :
ان فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته صراحة فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ) فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه وذكر أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم .
وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء وإذا لم يكن في الموالد-( التي تنفق فيها الاموال الطائلة وتنشد فيها المدائح النبوية التي تشتمل على أعظم أنواع الغلو فيه صلى الله عليه وسلم من إعطائه خصائص الربوبية كما سوف يمر معنا)- إطراء ففي ماذا يكون الإطراء؟
الوجه الحادي عشر :
وبدعة المولد النبوي مجاوزة في الحد المشروع، ومجاوزة في حد ما امرنا به من محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومجاوزة للحد المشروع في إقامة الأعياد فليس في شرعنا للمسلمين إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع .
الوجه الثاني عشر:
__________
(1) أنظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/581).(/11)
أن فعل المولد غلو مذموم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم و من أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عزوجل.
وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) (1) وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال وإن كان سبب وروده في في لقط الجمار ونهيه عن لقط الكبار من الجمار لأنه نوع من الغلو في العبادة ومجاوزة للحد المشروع .
ومعلو ان سبب الشرك الذي وقع في بني آدم هو مجاوز الحد والغلو في تعظيم الصالحين فقد جاء في البخاري برقم ( 4920) عن ابن عباس" في قول الله تعالى ( وقالوا لاتذرن ألهتكم ولا تذرن ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسراً ) قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك اولئك ونسي العلم عبدت ".
وقارن بما حصل عند قوم نوح مع أنهم لم يصرفوا شيئا من العبادة في أول الأمر حتى وقعوا في الشرك والسبب هذه التماثيل وهي مظهر من مظاهر الغلو وانظر ما حصل ويحصل في الموالد فهو ليس من ذرائع الشرك فحسب؛ بل يحصل الشرك بعينه من دعاء لغير الله عزوجل وإعطائه صلى الله عليه وسلم بعض خصائص الرب جل وعلا كالتصرف في الكون وعلم الغيب ففي هذه الموالد يترنمون بالمدائح النبويةوعلى رأسها بردة البوصيري الذي يقول:
ياأكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول أحمد بن محمد ابن الحاج السلمي:
نور الهدى قد بدا في العرب والعجم سعد السعود علا في الحل والحرم
__________
(1) الحديث صحيح : أخرجه أحمد(215،347) .(/12)
بمولد المصطفى أصل الوجود ومن لولاه لم تخرج الأكوان من عدم
فماذا بقي لرب العباد إن هذا ليس شركا في الألوهية بل هو شرك في الربوبية وهو أعظم من شرك كفار قريش والعياذ بالله لأن كفار قريش كانوا يعتقدون أن المتصرف في الكون هو الله عزو جل لا أصنامهم وهؤلاء يزعمون أن المتصرف في الكون الذي بيده الدنيا والآخرة هو النبي صلى الله عليه وسلم .
وانظر الى قوله ( يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ) فهو يعتبر رسول الله هو الملاذ وهو الذي يستغاث به ويدعوه عند الملمات وهذا هو عين شرك كفار قريش الذي يعبدون الاوثان بل هم احسن حالا منه فهم عند الشدائد يخلصون الدعاء والعبادة والبوصيري عند الشدائد والملمات يدعوا غيرالله .
والموالد لايمكن ان تقوم بغير أبيات البردة والله المستعان فهي الشعيرة والركيزة الأساسية في هذه الموالد البدعية.
ولولم يكن فيها إلا هذه المفسدة لكفى بها مبرراً لتحريمها والتحذير منها .
وإن زعم شخص انه سوف يخليه مما تقدم قلنا له المولد بحد ذاته هو مظهر من مظاهر الغلو المذموم فضلا عما يحتويه من طوام عظيمة وبدعة في الدين محدثة لم يشرعهاولم يأذن بها الله .
الوجه الثالث عشر:
أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يفرح فيه والله المستعان.
وأما يوم مولده فمختلف فيه ،فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به .(/13)
يقول الحافظ في فتح الباري ( شرح حديث برقم 3641 ):" . وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة فَقَالَ : كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اُتُّفِقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَة : مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته , فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع فِي تَعْيِين السَّنَة , وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَف عَلَيْهِ , فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة "أ.هـ
ويقول ابن الحاج في المدخل (2/15):" ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده عليه الصلاة والسلام كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلاة والسلام فيه انتقل إلى كرامة ربه عزو جل وفجعة الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لايعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وأنفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به ......". أهـ
الوجه الرابع عشر:(/14)
اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور والتي يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل: الطرب والغناء واختلاط الرجال بالنساء ويصل الأمر في بعض البلدان التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر وكذلك إظهار ألوان من الشعوذة والسحرومن يحضر هذه الأماكن بغير نية القربة فهو آثم مأزور غير مأجور فكيف إذا انضم إليه فعل هذه المنكرات على أنها قربة إلى الله عزوجل فأي تحريف لشعائر الدين أعظم من هذا التحريف.(1)
الوجه الخامس عشر:
اشتماله على أنواع عظيمة من البذخ والتببذير وإضاعة الأموال وإنفاقها على غير اهلها.
الوجه السادس عشر:
أن في هذه الموالد والتي كثرت وانتشرت حتى وصلت في بعض الأشهر أن يحتفلوا بثمان وعشرين مولدا أن فيها من استنفاد الطاقات والجهود والأموال واشغال الأوقات وصرف للناس عن ما يكاد لهم من قبل أعدائهم فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد فمتى يتفرغون لتعلم دينهم ومعرفة ما يخطط لهم من قبل أعدائهم ولهذا لما جاء المستعمرون للبلاد الإسلامية حاولوا القضاء على كل معالم الإسلام وصرف الناس عن دينهم ومحاولة إشاعة الرذيلة بينهم وما كان من تصرفات المسلمين فيه مصلحة لهم وفت في عضد المسلمين وإضعاف لشانهم فإنهم باركوه وشجعوه مثل الملاهي والمحرمات ونحوها ومن ذلك البدع المحدثة التي تصرف الناس عن معالم الإسلام الحقيقية مثل بدعة المولد وغيرها من الموالد ، بل مثل هذه البدع من أسباب تخلف المسلمين وعدم تقدمهم على غيرهم .
__________
(1) أنظر مبحثا نفيسا لابن الحاج في كتابه المدخل (2/ من بداية الجزء ) فقدد ذكر ما يحدث من عظائم الأمور والمنكرات ما يندى له الجبين ، وانظر مانقله الشيخ اسماعيل الانصاري في رسالته القيمة (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ص648) ط. دار العاصمة والتي جمعت عددا من الرسائل في حكم المولد. مجلدين .(/15)
يقول السيد رشيد رضا في المنار (2/74-76):" فالموالد أسواق الفسوق فيها خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس ....(إلى أن قال ): فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير ونتيجة لذلك كله ؛ أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلاعجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ماوعد الله المؤمنين من النصر لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين ولم يكن في القرن الأول شيئ من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني ولايشهد لهذه البدع كتاب ولاسنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الامم الأخرى ، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه ".أ.هـ
نابليون المستعمر الفرنسي يحي المولد ويدعمه:
واسمع إلى ما يحدثنا به المؤرخ المصري الجبرتي في كتابيه عجائب الآثار(2/249،201) ومظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ص47
تحدث وذكر ان المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا مصر بقيادة نابليون بونابرت انكمش الصوفيه واصحاب الموالد فقام نابليون وامرهم بإحياءها ودعمها(/16)
قال في مظهر التقديس :" وفيها (أي سنة 1213هـ في ربيع الأول ):سأل صاري العسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف فلم يقبل وقال (لابد من ذلك ) واعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرانسة يستعين بها فعلقوا حبالا وقناديل واجتمع الفرنسيس يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم واحرقوا حراقة في الليل وسواريخ تصعد في الهواء ونفوطاً".
ولعل سائلا يسأل ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟
ندع الجواب للمؤرخ الجبرتي المعاصر لهم حيث يقول في تاريخ عجائب الآثار(2/306):
" ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات ".
أقوال أهل العلم في المولد :
لقد أفتى علماء العالم الإسلامي على اختلاف أماكنهم وأزمانهم ومذاهبهم الفقهية بحرمة عمل المولد وأنه من البدع المحدثة التي لاأصل لها وإليك بعضهم:
شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من علماء الشام ومن المجتهدين.(انظر اقتضاء الصراط المستقيم ( 2 /619 )، ومجموع الفتاوى( 1/312 ) .
العلامة الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني له رسالة بعنوان (المورد في الكلام على عمل المولد). وهو عالم مالكي المذهب ت بالاسكندرية سنة 734هـ.
الاستاذ ابو عبد الله محمد الحفار له فتاوى ذكرها الونشريسي في المعيار المعرب.وهو من علماء المغرب.
العلامة ابن الحاج ابو عبد ال محمدبن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي ت بالقاهرة (732هـ)له كلام نفيس في المدخل بداية الجزالثاني
الشيخ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية.
الشيخ على محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع .
الإمام الشاطبي وله كلام نفيس في فتوى له في كتاب طبع باسم فتاوى الإمام الشاطبي وهو عالم مالكي أندلسي.(/17)
الشيخ رشيد رضا في أكثر من موضع من مصنفاته كما في المنار (9/96)، (2/74-76) (17/111) (29/ 664-668).وفتاواه (الجزء الخامس في الصفحة 2112-2115) و(الجزء الرابع في الصفحة 1242-1243).
الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وهو من علماء الهند ( أنظر رسالة الشيخ حمود التويجري ص235 ط. العاصمة ضمن المجموع في الرسائل الخاصة ببدعة المولد ).
الشيخ بشير الدين القنوجي وهو من علماء الهند وهو شيخ أبي الطيب ( المصدر السابق ).
الشيخ فوزان السابق كما في كتابه البيان والإشهارص 299.
الشيخ محمد بن عبد السلام خضر الشقيري في كتابه السنن والمبتدعات .
شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في الدرر السنية.
العلامة الشيخ محمد بن ابراهيم له رسالة في إنكار عمل المولد وانظر مجموع فتاواه (3/48-95)فقد اشتملت على عدد من الفتاوى المتنوعة حول المولد .
العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في رسالته هداية الناسك إلى أهم المناسك .
العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز له رسالة في حكم الاحتفال بالمولد النبوي .
العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في رسالة بعنوان ( الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي).
الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري له رسالة وهي من أجود مارأيت بعنوان القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل.
العلامة الشيخ محمد الصالح العثيمين.
الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين .
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .
هناك فتاوى متناثرة في مجلة التوحيد التي تصدر في مصر عن جماعة أنصار السنة المحمدية .
في الختام أسأل الله العلي القدير ان يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(/18)
النقض بالعلم على أن الصوفية جهال ليسوا من أهل العلم
أبو عمر الدوسري (المنهج)
بسمه جل في عليائه،هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم،وأصلي على من بُعث بالهدى محمد عليه الصلاة والسلام،أما بعد:
قلتُ:
ووالله لما سبق في بيان كافي!!
تأمل رصد شيخ الإسلام وابن الجوزي رحمهما الله،رصد دقيق للإنحراف!!وتفريق للقوم وأنهم دركات(والدركة هي من السفل والبعد) فالبعض ضل،والبعض وقع في القدر والبعض كان في الغالب يعبد على المشروع(هؤلاء الأوائل!!فكيف بمن تلاهم؟؟!!فكيف بزماننا هذا؟؟!!الأغلب وفيهم هنات!!تأمل قوله "وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به"
وتأمل كلام ابن الجوزي رحمه الله حين قال: "،ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها،هكذا كان أوائل القوم ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن"
أقول لعل في هذا البيان كفاية -لمن تجرد طالباً الحق- لخط إنحراف الصوفية ونقول كما قال ابن الجوزي ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن
أما مسألة العلم فهي والله مضحكة!!فأي علمٍ تعني!!تفريقكم للشريعة والحقيقة،وهذا بلا شك مبثوث في كتب أهل العلم كشيخ الإسلام والشاطبي وغيرهم..
ثم ما العلم الذي تتبجح به!!!
أهو قول [الزنادقة من المتصوفة] حدثني قلبي عن ربي] أم هي [الكشوفات]!! لا أدري هل يسمى هذا علماً!!!!(/2)
أقول تأمل -يا منصف- كلام القرطبي التالي لتفسير الصوفية للعلم،يقول القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن (4/21) :
"لعل جُهّال المتصوفة وزنادقة الباطنية،يتشبثون بقوله تعالى:
{وهب لنا من لدنك رحمة} وأمثالها،فيقولون:
العلم ما وهبه الله ابتداءً من غير كسب،والنّظرُ في الكتب والأوراق حجاب.
وهذا مردود.
ومعنى الآية:
هب لنا نعيماً صادراً عن الرحمة،لأن الرحمة راجعة إلى صفة الذات،فلا يتصور فيها الهبة."
وكذلك قال الإمام القرطبي مثل هذا في كتابه -سابق الذكر- (11/40-41) :
"أن من قال: يأخذ عن قلبه،وأن ما يقع فيه هو حكم الله تعالى،وأنه يعمل بمقتضاه،وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة،فقد أثبت لنفسه خاصّة النبوة،فإن هذا نحو مما قاله عليه الصلاة والسلام: ((إن روح القدس نفثَ في روعي ..)) الحديث"
ولا أريد أن أطيل فأقول عد إلى كلام ابن الجوزي في صيد الخاطر وفي تلبيس إبليس فستجد أمراً عجباً..
يقول ابن الجوزي في الصيد ص231 وعد إليه ففيه خوف الشيطان من أهل العلم من الفقهاء وفرحه بالجهال!!وتلاعبه بالصوفية:
( وكان من أعجب تلاعبه أن حسن لأقوام ترك العلم ثم لم يقنعوا بهذا حتى قدحوا في المتشاغلين به.
وهذا لو فهموه قدحٌ في الشريعة (أنظر ابن الجوزي يتعذر لهم بالجهل الذي أوردهم المهالك!!) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بلغوا عني)) وقد قال له ربه عز وجل {بلغ} .
فإذا لم يتشاغل بالعلم فكيف يبلغ الشريعة إلى الخلق.
ولقد نقل مثل هذا عن كبار الزهاد كبشر الحافي،فإنه ال لعباس عبدالعظيم: لا تجالس أصحاب الحديث،وقال لإسحاق بن الضيف إنك صاحب حديث فأحب أن لا تعود إليّ.
ثم اعتذر فقال:إنما الحديث فتنة إلاّ لمن أراد الله به،وإذا لم يعمل به فتركهُ أفضل (!!!) .
وهذا عَجَب منه!!!
من أين له أن طلابه لا يردون الله به،وأنهم لا يعملون به؟(/3)
أوليس العمل به على ضربين:عمل بما يجب،وذلك لا يسع أحداً تركهُ،والثاني نافلة ولا يلزم.
والتشاغل بالحديث أفضل من التنفل بالصوم والصلاة (لأن نفع العلم متعدي) .
وما أظنه أراد إلا طريقه في دوام الجوع والتهجد،وذلك شيء لا يلام تاركه.
فإن كان يُريدُ أن لا يوغل في علوم الحديث فهذا خطأ لأن جميع أقسامهِ محمودة.
أفترى لو ترك الناس طلب الحديث كان بشرٌ يفتي.
فالله الله في الالتفات إلى قول من ليس بفقيه،ولا يهولنك اسمه فالله يعفو عنه)
قلتُ:
عفا الله عن بشر الحافي فقد أخطأ وبرر خطأه بخطأ أفحش منه!!
وهذه مصيبة التعبد والتعمق وترك العلم حتى قد يُعبد الله على جهل وعلى غير هُدى!!
وتأمل نصيحة ابن الجوزي في مجانبة قول من ليس بفقيه ولا يهولنك اسمه!!!!
بشر أو غير بشر القياس على الكتاب والسنة!!
طلب الحديث أصبح فتنة!!والرسول يأمر بطلبه!!
لذلك كان شيخ الإسلام يتعقبهم كثيراً الذين يسمون (بالعارفين) أنظر مثلاً الفتاوى 11/384.يقول نقلاً عن الصوفية للعبدة وعبدالحليم:
(قال بعض العارفين:أول المعرفة حيرة وآخرها حيرة وذكروا حديثاً باطلاً "زدني فيك تحيراً" قال ابن تيمية:هذا حديث كذب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ربي زدني علماً".
أقول ولذلك دائماً ينتشر عند الصوفية الكذب على نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم نبي الهدى الذي حذر من الكذب عليه فقال: ((من كذب عليّ متعمداً فليتأبوا مقعده من النار)) وأنظر لأحاديث الكذب "لو أحسن أحدكم ظنهُ بحجر لنفعه" وهو كلام أهل الشرك يقول السوري محمد العبدة:"وقد سمعنا بعض مشايخ الصوفية في هذا العصر يحدث به ويعتقده" قلتُ: هذا واضحٌ جداً،وواقعٌ ملموس،وفي القصة السابقة للشيخ محمد جميل زينو مع الشاذلية -يوم أن كان شاذلياً- بينه في اعتقاد جواز وضع الأنداد لغير الله!!
والنماذج عديدة ولكن يكفي أن ذكرنا بعضها!(/4)
ولذا كان بعض أئمة بلاد المغرب يأمورن بإحراق كُتب للصوفية كالإحياء للغزالي ونقل هذا كثيراً..
لذلك قال أبو بكر الطرطوشي: "شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وما على بسيط الأرض أكثر كذباً منه شبكه بمذهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا" الرسائل3/137.
وقد حرقه علي بن يوسف بن تاشفين وكان ذلك بإجماع الفقهاء الذين كانو عنده أنظر المعيار المعرب 12/185.
نموذج آخر صاحب (قوت القلوب) أبو طالب المكي:
يقول ابن كثير: (كان رجلاً صالحاً لهُ كتاب قوت القلوب،ذكر فيه أحاديث لا أصل لها،بدّعهُ الناس وهجروه) البداية والنهاية 11/319.
تفسير أبو عبدالرحمن السلمي ،وقبل هذا فأنظر تفسيرات القوم عند محمد حسين الذهبي رحمه الله وتقبله الله شهيداً أحد أعلام مِصر فله كتاب نفيس اسمه [الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم دوافعها ودفعها] وهو صاحب المصنفات الرائعة كالتفسير والمفسرون وغيرها.
قال محمد الذهبي: "لهُ كتاب يُقال لهُ (حقائق التفسير) وليته لم يصنفه!! فإنه تحريف وقرمطه،ودونك الكتاب فسترى العجب" التفسير والمفسرون 2/386.
قال الواحدي: "فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر" المصدر السابق.
وقد نقل الذهبي في الاتجاهات المنحرفة كلاماً من تفسيراتهم الباطلة نقلها من السيوطي راجع 82:
"فمن ذلك الهراء ما نقله السيوطي في الإتقان ج2 ص184 عن بعض جهلة المتصوفة أنه فسر قوله تعالى في الآية255 من سورة البقرة {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} فقال:معناه: (من ذل) من الذل (ذي) إشارة النفس، (يشف) من الشفاء(ع) من الوعي)."(/5)
وغيرها من الترهات والتفسير الإشاري ولهذا أشار إلى سوء صنيعهم عدد من أهل العلم،ومن ذلك الموضوع الذي وضعناهُ ومازلنا في إتمامه -اسأل اله أن يعيننا على ذلك، القرطبي والتصوف،فقد أشار إشارات إلى هذا الخلل الذي حرف القرآن ويحرفون الكلم عن مواضعه في أماكن عدة انتقى لنا الشيخ مشهور حسن آل سلمان من أبناء فلسطين مقاطع لكتاب القرطبي والتصوف،فليرجع إليه.
وهل تريد العلم الذي هو أذكارهم!!
هل تريد ورد التيجانية الذي يعدل القرآن!!
أم تريد خلوات الرفاعية!!
أم تريد غيرهم!!!
فهذا علم القوم وهذه كتهم،أنظر إلى أبي يزيد عبدالرحمن بن محمد المعروف بان خلدون المالكي،يقول:
"وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلّة،وما يوجد من نسخها بأيدي الناس،مثل (الفصوص) و(الفتوحات) لابن عربي،و(البُدّ) لابن سبعين،و(خلع النعلين) لابن قيسي،و(عقد اليقين) لابن بَرَّجان،وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض،والعفيف التلمساني،وأمثالهما،أن تُلحق بهذه الكتب،وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض،فالحكم في هذه الكتب كلها وأمثالها،إذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق النار والغسل بالماء،حتى ينمحي أثر الكتابة،لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين،بمحو عقائد المضلة." أنظر العقد الثمين للفاسي2/180-181.
وكذلك شرف الدين عيسى الزواوي المالكي المتوفى عام 743هـ قال:
"ويجب على ولي الأمر إذا سمع بمثل هذا التصنيف (أي مؤلفات ابن عربي كالفصوص والفتوحات المكية) البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها،وأدب من اتهم بهذا المذهب (يعني مذهب ابن عربي) "العقد الثمين2/176-177(/6)
وقد ألف الشيخ برهان الدين البقاعي (تنبيه الغبي لتكفير ابن عربي) وهو كتاب أنبأ عن ضلال الرجل وبيان مخالفاتهِ للإسلام!!والصوفية ما زالوا معظمين للرجل!!أنظر هذه هي الصوفية لمن اهتديى إلى السنة الشيخ عبدالرحمن الوكيل وكلامه عن الصوفية وأخص عن ابن عربي والصوفية..
وأخيراً نختم بأحد أعلام الصوفية (الحارث المحاسبي) رحمه الله -وكما بين ابن الجوزي رحمه الله في بشر نقول في الحارث "ولا يهولنك اسمه فالله يعفو عنه"
قال الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو البردعي:
"شهدتُ أبا زرعة -وقد سُئل عن الحارث المحاسبي وكتبه- فقال للسائل:
إياك وهذه الكتب،هذه كتب بدع وضلالات،عليك بالأثر،فإنك تجد فيه ما يغنك عن هذه الكتب.قيل لهُ:في هذه الكتب عبرة.
فقال:من لم يكن لهُ في كتاب الله عبرة فليس لهُ في هذه الكتب عبرة،بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟! هؤلاء خالفوا أهل العلم .. ثم قال:ما أسرع الناسِ إلى البدع" كتاب الضعفاء لأبي زرعة نقلاً عن أبي زرعة الرازي وجهود في السنة 2/561-562.
قال الذهبي مُعلقاً على كلام أبي زرعة في ميزان الاعتدال 1/431:
"وأين مثل الحارث؟فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب،وأين مثل القوت!كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم،وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!! (يعني كتاب أبو حامد الغزالي الطوسي الإحياء)
كيف لو رأى الغنية للشيخ عبدالقادر!كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!(/7)
بلى لما كان لسان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث،فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه،ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس،وابن حانه كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان.نسأل الله العفو والمسامحة آمين."
قال الشيخ ربيع في منهج أهل السنة 135-136:
"رحم الله الإمام الذهبي كيف لو رأى مثل (الطبقات) للشعراني،وجواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض ابن عباس التيجاني لعلي ابن حزام الفاسي؟!
كيف لو رأى خزينة الأسرار لمحمد حقي النازلي؟!!
كيف لو رأى نور الأبصار للشنجلي؟!
كيف لو رأى شواهد الحق في جواز الاستغاثة بسيد الخلق وجامع الكرامات للنبهاني؟!
كيف لو رأى تبليغي نصاب وأمثاله من مؤلفات أصحاب الطرق الصوفية؟!
.... "
قلتُ:
رحم الله الأئمة كيف لو رأى حال صوفية اليوم الذي انجرفت بهم الطرق لأشد ما كان عليه سابقيهم..
وهكذا البدعة يحبها الشيطان وينفخ فيها فتزل الأقدام عن الهدي،فتهوي في مستنقعٍ تغوص أقدامهم فلا يخرج منهم إلا من يعود للقرآن والسنة ويحكمهما!!وأنظر حديث السبل وتأمله!
قال ابن القيم في النونية،بعد ذكره لبعض أقوال أهل البدع:
"يا من يظن بأننا حفنا عليـ ..... ـهم كتبهم تنبيك عن ذا الشان
فانظر ترى لكن نرى لك تركها ... حذراً عليك مصائد الشيطان
فشباكها والله لم يَعْلَق بها .. من ذي جناح قاصر الطيرانِ
ألا رأيت الطير في قفص الرّدى .. يبكي له نوحٌ على الأغصان
ويظلّ يخبط طالباً لخلاصه .... فيضيق عنه فرجة العيدان
والنب ذنب الطير خلّى أطيب الثمـ ... ـرات في عالٍ من الأفنان
وأتى إلى تلك المزابل يبتغي الـ ... ـفضلات كالحشرات والديدان
يا قوم والله العظيم نصيحة ... من مشفق وأخٍ لكم معوان"
أنظر مثال في صيد الخاطر يقول ابن الجوزي واصفاً حال الصوفية مع العلم ص97 وهو كلام يصف واقع القوم:(/8)
"ليس في الوجود شيء أشرف من العلم،كيف لا وهو الدليل.فإذا عدم وقع الضلال.
وإن من خفيِّ مكائد الشيطان أن يُزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد وهو العلم.
حتى أنه زين لجماعة من القدماء أنهم دفنوا كتبهم ورموها في البحر.وهذا قد ورد عن جماعة!!وأحسن ظني بهم أن أقول:كان فيها شيء من رأيهم وكلامهم فما أحوا انتشاره.
وإلا فمتى كان فيها علم مفيد صحيح لا يخاف عواقبه،كان رميها إضافة للمال لا يحل.
وقد دنت حيلة إبليس إلى جماعة من المتصوفة حتى منعوا من حملِ المحابر تلاميذهم.
وحتى قال جعفر الخالدي: لو تركني الصوفية جئتكم بإسناد الدنيا،كتبت مجلساً عن أبي العباس الدوري فلقيني بعض الصوفية فقال:دع علم الورق،وعليك بعلم الخرق.
ورأيت محبرة مع بعض الصوفية،فقال لهُ صوفي آخر: استر عورتك،وقد أنشدوا للشبلي:
إذا طالبوني بعلمِ الورق .. برزت عليهم بعلم الخرقوهذا من خفي حيل إبليس {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} وإنما فعل وزينه عندهم لسببين:
أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة.
والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم،ويكشف له ما كان خفي عنه ويقوي إيمانهُ ومعرفته،ويريه عيب كثير من مسالكه خصوصاً،إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.
فأراد إبليس سد تلك الطرق بأخفى حيلة، فأظهر أن المقصود العمل،لا العلم نفسه،وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل.
فاحذر من هذه الخديعة الخفية،فإن العلم هو الأصل الأعظم،والنور الأكبر.(/9)
وربما كان تقليب الأوراق أفضل من الصوم والصلاة والحج والغزو (يعين الشيخ التطوع منها وهذا ثابت أعني فضل العلم على صلاة النوافل عن عدد من الأئمة منهم مالك رحمه الله لأن العلم متعدي وتلك النافلة لازم!!ومن عرف معنى المتعدي واللازم عرف!!وأخص أن البعض قد يعمل الفروض-فضلاً عن النوافل- بغير هدى ولا سنة نظراً لأنه ما تعلم العلم اللازم المفروض عليه إذ لا يتعبد حتى يتعلم،فالصلاة يتعلمها ثم يصلي قل كذلك في الحج وغيره،ولا تطرأ شبهة كشبهة الذي نرد عليه بأن يأخذ العلم جملة ثم يعمل فهذه طامة في الفهم وقد كبرنا على عقله أربعاً،خاصة وأن العلم لا يُحاط بهُ ولكن الأصل أن تعلم المفروض عليك لتعمل به!!) .
وكم من معرضٍ عن العلم يخوض في عذاب الهوى في تعبده ، ويضيع كثيراً من الفرض بالنفل،ويشتغلُ بما يزعمهُ الأفضل عن الواجب.
ولو كانت عندهُ شُعلة من نور العلم لاهتدى، فتأمل ما ذكرت لك ترشد إن شاء الله تعالى".
أقول صدق ابن الجوزي في وصفهم..
وصدق ابن الجوزي في نصحهم..
وصدق ابن الجوزي في تعليقه..
وأختم بكلمة ذهبية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لكن المقصود أن يعرف أن الصحابة خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء.
فما ظهر فيمن بعدهم مما يُظَنَّ أنّها فضيلة للمتأخرين ولم تكن فيهم فإنها من الشيطان وهي نقيصة لا فضيلة ، سواءً كانت من جنس العلوم أو من جنس العبادات، أو من جنس الخوارق والآيات أو من جنس السياسة والملك؛بل خير الناس بعدهم أتبعهم لهم" الفتاوى 10/117.
ونكمل بإذن الله في وقتٍ آخر..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر(/10)
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/11)
انحرافات القبوريين ... الداء الدواء
(1/2)
د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا يخفى أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه قد عمّ وطم في غالب البلاد، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها الكثير من الناس، وصارت هذه القبور مزارات و (مشاعر) يقصدها الناس، ويشدون إليها الرحال من سائر الأمصار؛ وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزيّنون الشرك للعامة بشتى أنواع الدعاوى والشبهات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله ـ تعالى ـ.
إن على المنتسبين للعلم والدعوة واجباً كبيراً تجاه هذا التيار الوثني، وفي هذا المقالة نورد بعض المسالك الرئيسة التي تسهم في حل وعلاج انحرافات القبوريين وشبهاتهم.
أ- المسلك الدعوي: ويتمثل هذا المسلك من خلال0 عدة أمور:(/1)
1- أن يُعنى العلماء والدعاة بتقرير التوحيد في تلك المجتمعات المولعة بتعظيم القبور والغلو فيها، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد ـ من خلال القصص القرآني وضرب الأمثال ـ وضرورة تعلق القلب بالله ـ سبحانه وتعالى ـ، وأن الله ـ عز وجل ـ هو المتفرد بالنفع والضر والخلق والتدبير، ومن ثَمّ فهو المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وخشية ورجاءاً.
وأن يضمّن هذا التقرير بيان عجز المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم ـ فضلاً عن غيرهم ـ نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
وأن يسعى إلى تحبيب هذا التوحيد إلى الناس من خلال الحديث عن فضائل التوحيد وبيان ثمراته وآثاره، وأخبار الأنبياء ـ عليهم السلام ـ والصالحين الذين حققوا التوحيد، كما ينبغي الاهتمام بإظهار أثر التوحيد على الحياة العامة.
2- أن تربى الأمة عموماً ـ وهذه المجتمعات المعظمة للقبور خصوصاً ـ على أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة والتحاكم إليها وانشراح الصدر لها.
يقول سبحانه: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء: 65].
وإذا كان طواغيت هذا العصر يفرضون على الناس احترام الشرعية الدولية والإذعان والتسليم لقرارات الأمم المتحدة؛ فإن علينا ـ معشرَ الدعاة إلى الله ـ أن ندعو المسلمين إلى ما أوجبه الله عليهم من التسليم والانقياد لنصوص الوحيين وعدم معارضتها بأي نوع من المعارضات سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو سياسة أو غيره؛ فالإيمان مبني على التسليم لله ـ تعالى ـ والإذعان لشرعه(1).(/2)
يقول أبو الزناد ـ رحمه الله ـ: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه)(2).
3- أن يدعى الناس إلى الالتزام بالشرع والعمل بالسنة؛ فإن إظهار السنن والتمسك بها يستلزم زوال البدع واندثارها، وكذا العكس فإنه ما ظهرت بدعة إلا رفع مثلها من السنة، والنفوس إن لم تشتغل بسنة وتوحيد؛ فإنها ستشتغل ببدعة وشرك؛ فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك(3).
وقد تتثاقل النفوس تجاه الالتزام بالأحكام الشرعية، وتنشط تجاه ما أحدثته من بدع ومحدثات، ومن ثم يتعين على دعاة الإصلاح أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويذكّروهم بفضل التمسك بالشرائع، وأن هذه الشرائع غذاء وروح، وقرة عين وسرور قلب(4). يقول أبو الوفاء ابن عقيل ـ متحدثاً عن تلك النفوس المتثاقلة تجاه الشرائع:
(لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم كفار عندي بهذه الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه، ومن: إيقاد النيران، وتقبيلها، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا...)(5).
4- دعوة المخاطبين إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، وحثهم على التأمل والتفكر في معاني القرآن، كما قال ـ سبحانه ـ: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)) [ص: 29].
وقال ـ عز وجل ـ: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)). [النساء: 82].
وإن من أعظم أسباب الضلال واستفحال الشرك: الإعراض عن تدبر آيات القرآن، والاقتصار على مجرد قراءته دون فهم أو فقه.(/3)
فإذا نظرنا ـ مثلاً ـ إلى مسألة إفراد الله ـ عز وجل ـ بالدعاء والاستغاثة، فإنها من أوضح الواضحات في كتاب الله، فقد تحدث عنها القرآن في ثلاثمائة موضع(6)، ومع ذلك فما أكثر الذين يتلون هذه الآيات بألسنتهم وينقضونها بأفعالهم وأحوالهم.
يقول العلاّمة حسين بن مهدي النعمي ـ رحمه الله ـ (ت/1187هـ) متحدثاً عن ضلال القبوريين:
(لا جرم لما كان ملاك أمر الجميع وحاصل مبلغهم وغايتهم هو التلاوة دون الفقه والتدبر والاتباع، خفي عليهم ذلك، وعموا وصموا عنه، وأنّى لهم ذلك؟ وقد منعهم سادتهم وكبراؤهم من أهليهم، وممن يقوم عليهم ويسوسهم، وقالوا: كتاب الله حجر محجور، لا يستفاد منه، ولا يقتبس من أنواره، ولا ينال ما فيه من العلم والدين..
فلعمر الله للخير أضاعوا، وللشر أذاعوا، وإلا فلولا ذلك لكانت هذه المسألة [ إفراد الله بالدعاء] من أظهر الظواهر، لما أن العناية في كتاب الله بشأنها أتم وأكمل، والقصد إليها بالتكرير والتقرير والبيان في كتاب الله أكثر وأشمل)(7).
ويقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله في هذا المقام ـ:
(فمن تدبر عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه، والوعيد على فعله، والثواب على تركه، وقد هلك من هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه)(8).
وعلينا أن نتواصى بتطهير القلوب وتزكيتها لكي يحصل الانتفاع بمواعظ القرآن وأحكامه.
يقول ابن القيم عند قوله: ((لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ)) [الواقعة: 79]. (دلّت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي)(9).(/4)
5- مخاطبة عقولهم، ودعوتهم إلى التفكير والتأمل؛ فإن الولوع في تقديس الأضرحة والغلو فيها لا يظهر إلا عند أقوام ألغوا عقولهم، وعطلوا تفكيرهم، وأشربوا حبّ التقليد ومحاكاة الآباء دون حجة أو برهان.
وقد عني القرآن بمخاطبة ذوي الألباب وأثنى عليهم، وحضّ على التفكر والنظر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، كما تضمن القرآن أدلة عقلية وحججاً برهانية في تقرير التوحيد والنبوة والمعاد.
ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ: ((قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ))[سبأ:22،23]
يقول ابن القيم عند هذه الآية الكريمة: (فتأمل كيف أخذتْ هذه الآية على المشركين بمجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسدتها عليهم أحكم سد وأبلغه؛ فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود ـ لما يرجو من نفعه ـ وإلا فلو لم يرجُ منه منفعة لم يتعلق قلبه به، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكاً للأسباب التي ينفع بها عابده أو شريكاً لمالكها، أو ظهيراً أو وزيراً ومعاوناً له، أو وجيهاً ذا حرمة، وقد يشفع عنده؛ فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه وبطلت، انتفت أسباب الشرك وانقطعت مواده، فنفى ـ سبحانه ـ عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات والأرض، فقد يقول المشرك: هي شريكة لمالك الحق فنفى شركتها له، فيقول المشرك: قد تكون ظهيراً ووزيراً ومعاوناً، فقال: (وما له منهم من ظهير)، فلم يبق إلا الشفاعة فنفاها عن آلهتهم، وأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه)(10).(/5)
ومن الأجوبة العقلية في الرد على دعوى القبوريين في أنهم ينتفعون بهذه الأضرحة ما ذكره شيخ الإسلام بقوله: (عامة المذكور من المنافع كذب؛ فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم إنما يستجاب لهم في النادر، ويدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوات، فيستجاب له في واحدة، ويدعو خلق كثير فيستجاب للواحد بعد الواحد، وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء أوقات الأسحار، ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلاتهم وفي بيوت الله؟ فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابريين لم تكن تسقط لهم دعوة إلا لمانع، بل الواقع أن الابتهال الذي يفعله المقابريون إذا فعله المخلصون، لم يُرَد المخلصون إلا نادراً، ولم يُستجب للمقابريين إلا نادراً، والمخلصون كما قال النبي: (ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل الله دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها. قالوا: يا رسول الله! إذن نكثر. قال: الله أكثر)(11) فهم في دعائهم لا يزالون بخير.
وأما المقبريون فإنهم إذا استجيب لهم نادراً، فإن أحدهم يضعف توحيده، ويقل نصيبه من ربه، ولا يجد في قلبه من ذوق الإيمان وحلاوته ما كان يجده السابقون الأولون)(12).
6- من الجوانب الدعوية المهمة أن نميّز بين مراتب الشر والانحراف؛ فالغلو في القبور والافتتان بها له مراتب متعددة ومتفاوتة، فمنها ما يكون شركاً بالله ـ تعالى ـ في توحيد العبادة كالاستغاثة بأرباب القبور، ومنها ما يكون أشنع من ذلك كأن يستغيث بالأموات معتقداً فيهم الضر والنفع والتصرف في الكون، ومن الغلو في القبور ما يكون محرماً ووسيلة إلى الشرك كالصلاة عند القبور وتحري الدعاء عندها.(/6)
ويخطئ بعض الدعاة فلا يفرقون بين هذه المراتب من جهة الحكم عليها، كما قد يخطئون فلا يميّزون من جهة ترتيبها وأولويتها في الإنكار، والمتعيّن أن تميّز هذه الانحرافات وفق ما جاءت به الأدلة الشرعية، وكما نهتم بآكد الأمور تقريراً ونقدمها، فكذا علينا أن نُعنى بأشنعها تحذيراً... فيحذّر ابتداء من الشرك في الربوبية؛ فالشرك في الإلهية، ثم ينظر إلى وسائل الشرك وذرائعه فما كان أشدها حرمة وأعظمها وسيلة للشرك فيشتغل بمنعها، ثم ينتقل إلى ما دونها.
يقول شيخ الإسلام في هذه المسألة: (والمؤمن ينبغي له أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدم ما هو أكثر خيراً وأقل شراً على ما هو دونه، ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإن من لم يعرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين، لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح)(13).(/7)
7- من الوسائل الوقائية النافعة تجاه هذا الانحراف: العمل بقاعدة سدّ الذرائع؛ فكل ما كان وسيلة أو ذريعة تؤول إلى الشرك فينبغي التحذير منها ومنعها حماية لجناب التوحيد؛ فالتهاون في هذه الوسائل يفضي إلى الوقوع في الشرك بالله ـ عز وجل ـ والخروج عن الملة، فمثلاً الصلاة عند القبور والبناء عليها أمور حرمها الشارع؛ لأنها طريق ووسيلة تفضي إلى الشرك بالله ـ تعالى ـ، وقد أشار العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ إلى أن البناء على القبور سبب رئيس في عبادة القبور فقال: (فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسن؛ فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعتْ حوله مجامر الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين، وأشدّ وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله ـ سبحانه ـ، فيصير في عداد المشركين)(14).
ب- المسلك العلمي:
وهذا المسلك يقوم به أهل العلم وطلابه تجاه دعاوى القبوريين وشبهاتهم، وسنعرض لجملة من الأجوبة العلمية على النحو الآتي:
1- إذا كان أهل السنة ينطلقون من منهج متين أصيل في التلقي والاستدلال، فإن القبوريين يعوّلون في تلقيهم واستدلالهم على المنامات والأحاديث المكذوبة والحكايات المزعومة.(/8)
فيحتجون بأحلام شيطانية على تجويز شركهم وكفرهم بالله ـ تعالى ـ، ومن ذلك أن أبا المواهب الشاذلي يقول: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لي: إذا كانت لك حاجة وأردت قضاءها فأنذر لنفيسة الطاهرة ولو فلساً؛ فإن حاجتك تقضى)(15).
فهذا حلم شيطاني، ودعوة صريحة للشرك بالله ـ عز وجل ـ، ونقض التوحيد، وتنقّص لمقام سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- الذي مكث ثلاثاً وعشرين عاماً يدعو إلى إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة، ويسد كل طريق يفضي إلى الشرك.
وعلى كلّ؛ فالمنامات لا يمكن ضبطها، وصاحبها ليس نبياً معصوماً، ومن ثم فلا يعتمد عليها؛ فكيف إذا كانت حلماً شيطانياً وخالف الأحكام الشرعية، بل وخالفت الأصل الأصيل وهو إفراد الله ـ تعالى ـ بجميع أنواع العبادة؟
يقول شيخ الإسلام: (وكذلك مشاهد تضاف إلى بعض الأنبياء أو الصالحين بناء على أنه رُئِيَ في المنام هناك؛ ورؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة تقصد البقعة لأجلها، وتتخذ مصلى بإجماع المسلمين، وإنما يفعل هذا وأمثاله أهل الكتاب)(16).
ويحتجون بأحاديث مكذوبة مثل: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور).
(فهذا الحديث كذب مفترى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة)(17).
وأشار ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى أن هذا الحديث من الأحاديث المختلَقة التي وضعها أشباه عبّاد الأصنام من المقابرية على رسول الله (18).
كما يعتمدون على حكايات في تجويز الغلو في القبور والاستغاثة بها، وأن الدعاء عندها هو الترياق المجرّب..
وغالب هذه الحكايات من اختلاق الدجّالين الأفاكين الذين لا يهمهم إلا أكل أموال الناس بالباطل والصدّ عن دين الله ـ تعالى ـ (19).(/9)
وقد أشار ابن تيمية إلى أن هذه الحكايات (إما كذب، أو غلط، أو ليس حجة)(20)، كما ذكر أن إجابة الدعاء، قد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمراً قضاه الله لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى(21).
وقد تكون تلك الحكايات صحيحة، ولكنها من الشيطان، فإنه قد يتراءى لبعضهم في صورة من يعتقد فيه، ويتسمى باسمه، وقد تقضي الشياطين بعض حوائج من استغاث بالأموات..
يقول ابن تيمية: (وهكذا كثير من أهل البدع والضلال والشرك المنتسبين إلى هذه الأمة؛ فإن أحدهم يدعو ويستغيث بشيخه الذي يعظمه وهو ميت.. ويرى ذلك الشخص قد أتاه في الهواء ودفع عنه بعض ما يكره، أو كلّمه ببعض ما سأله عنه.. وهو لا يعرف أن تلك شياطين تصوّرت على صورته لتضله، وتضل أتباعه، فتحسّن لهم الإشراك بالله ودعاء غير الله)(22).
فيتعين على أهل العلم كشف عوار مسلك القبوريين وبيان تهافته، وفساد التعويل على المنامات والأحلام، والأحاديث الموضوعة، والحكايات المزعومة، مع تقرير المنهج الصحيح في التلقي والاستدلال كالاعتماد على الكتاب والسنة الصحيحة، واعتبار فهم السلف الصالح ونحو ذلك.
2- ومن الأجوبة المجملة المحكمة ما ذكره إمام الدعوة ـ رحمه الله ـ في الرد على شبهات القبوريين بقوله: (جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل.(/10)
أما المجمل: فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله ـ تعالى ـ: ((هُوَ الَذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاًوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ)) [آل عمران: 7]. وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) أخرجه البخاري ومسلم.
مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- يُستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى هذا الكلام الذي ذكره فجاوِبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ـ تعالى ـ ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء، مع قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وهذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغير معناه.
وما ذكرته لي أيها المشرك من القرآن، أو كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخالف كلام الله ـ عز وجل ـ، وهذا جواب سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله فلا تستهن به)(23).(/11)
فهذا جواب سديد وحجة ظاهرة تجاه كل شبهة. وقد ساق المؤلف جواباً في توضيح هذا الجواب، فإقرار مشركي العرب بتوحيد الربوبية وأن كفرهم بسبب اتخاذهم وسائط بينهم وبين الله ـ تعالى ـ، يسألونهم ويدعونهم يُعَدّ أمراً محكماً ظاهراً لا اشتباه فيه ولا التباس، وأما احتجاج المبتدع لباطله ببعض النصوص الشرعية فهو أمر مشتبه ومشكل لا يُعلم معناه ـ بالنسبة لذلك الموحد ـ ولا يترك المحكم الواضح ويتبع المتشابه إلا أهل الزيغ؛ مع يقيننا أن أدلة الحق لا تتناقض سمعية كانت أو عقلية؛ فالنصوص الشرعية يصدّق بعضها بعضاً، فما كان متشابهاً فيردّ إلى ما كان محكماً، بل نجزم أن أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم(24).
وهؤلاء القبوريون من أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة، ليس نظرهم في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه، بل نظر مَنْ حكم بالهوى، ثم أتى بالدليل كالشاهد له(25).
وشبهاتهم التي احتجوا بها ـ إن صحت ـ من المتشابهات التي يتعين ردّها إلى المحكمات من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب إفراد الله ـ تعالى ـ بالدعاء والاستغاثة وسائر أنواع العبادة والنهي عن الشرك وذرائعه.
3- وإذا انتقلنا إلى الجواب عن شبهاتهم، فنقول ابتداءً: لا يوجد لدى القبوريين دليل صحيح صريح في تجويز استغاثتهم بالقبور، وما قد يصح من شبهاتهم إنما قد يُستدل بها ـ عند البعض ـ على جواز التوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالذوات، فلا تدل على جواز الاستغاثة بالقبور. والتوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالذوات بدعة محدثة، بينما الاستغاثة بالقبور كفر وردة، فالفرق بينهما ظاهر.(/12)
يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب موضحاً الفرق بين التوسل والاستغاثة: (وبينهما فرق عظيم أبعد مما بين المشرق والمغرب.. فالعامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بالأنبياء والصالحين كقول أحدهم: أتوسل إليك بنبيك، أو بملائكتك، أو بالصالحين، أو بحق فلان وغير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، ولا يسألونها وينادونها؛ فإن المستغيث بالشيء طالب منه وسائل له، والمتوسل به لا يدعو ولا يطلب منه، ولا يسأل وإنما يطلب به، وكل أحد يفرّق بين المدعو به وبين المدعو والمستغاث، ولا يعرف في لغة أحد من بني آدم أن من قال: أتوسل إليك برسولك أو أتوجه إليك برسولك؛ فقد استغاث به حقيقة، فإنهم يعلمون أن المستغاث به مسؤول مدعو، فيفرّقون بين المسؤول وبين المسؤول به)(26).
ومع ذلك فالتوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالذوات أو الجاه قد صار ذريعة إلى دعاء القبور والتعلق بها، وما قد يُستدل به على التوسل إلى الله بالذوات أو الجاه، فإما أن يكون صريحاً لكنه لا يصح ولا يثبت، وما قد يكون صحيحاً فلا يدل على مرادهم، وإنما يدل على التوسل المشروع كالتوسل بأسماء الله وصفاته والعمل الصالح كما بسط في موضعه (27).
وأمر آخر وهو أن القبوريين قد لبّسوا على العوام وأشباههم بهذه الألفاظ المجملة المشتركة، فصاروا يطلقون لفظ (التوسل) ـ مثلاً ـ على الاستغاثة بالقبور ودعائها، فيظن البعض أن مرادهم التوسل إلى الله بالذات أو الجاه.. فيقع اللبس والإشكال.
والتحقيق أن هذه الألفاظ المجملة يتعين تفصليها وبيانها، وقد بيّن أهل العلم ما يحمله لفظ (التوسل) من الإجمال والاشتراك، ومن ذلك ما قاله الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (إن لفظ التوسل صار مشتركاً، فعبّاد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله ودعائه رغباً ورهباً، والذبح والنذر والتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق.(/13)
وأهل العلم يطلقونه على المتابعة والأخذ بالسنة، فيتوسلون إلى الله بما شرعه لهم من العبادات، وبما جاء به عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو التوسل في عرف القرآن والسنة.. ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحق عبده الصالح، وهذا هو الغالب عند الإطلاق في كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر (الهيثمي))(28).
ومن شبهات القبوريين قولهم: إن مشركي العرب لم يكونوا يعترفون بالربوبية لله ـ تعالى ـ ونحن نعترف بأن الله ـ تعالى ـ هو الرب المدبّر الخالق.
فالجواب عن هذه الشبهة: أن مشركي العرب مقرون بتوحيد الربوبية، فلم ينازعوا فيه، بل إن هذا التوحيد لم ينازع في أصله أحد من بني آدم(29)، والدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستحل دماءهم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق المدبّر لقوله ـ سبحانه ـ: ((قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)) [يونس: 31].
قال قتادة ـ رحمه الله ـ: (إنك لست تلقى أحداً منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خلقه ورزقه وهو مشرك في عبادته)(30).
وقال ابن جرير ـ رحمه الله ـ عند قوله ـ تعالى ـ: ((فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)) [يونس: 31]: (أفلا تخافون عقاب الله على شرككم وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئاً ولا يملك لكم ضراً ولا نفعاً)(31).
فالإقرار بربوبية الله ـ تعالى ـ لا يتحقق به التوحيد المطلوب، فمشركو العرب مقرون بتوحيد الربوبية، ومن ذلك قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستحل دماءهم حتى يفردوا الله ـ عز وجل ـ بجميع أنواع العبادة.(/14)
ومن شبهاتهم: دعواهم أن الآيات القرآنية نزلت فيمن يعبد الأصنام والأحجار.. فلا تشملهم.
وجوابها: أن الشرك بالله أن يجعل لله نداً في العبادة سواءً كان صنماً أو حجراً أو نبياً أو ولياً.
ومما قاله العلامة محمد بن علي الشوكاني ـ رحمه الله ـ جواباً عن هذه الشبهة: (الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئاً يختص به ـ سبحانه ـ سواءً أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية ـ كالصنم والوثن ـ أو أطلق عليه اسماً آخر ـ كالولي والقبر والمشهد ـ)(32).
وإن أراد القبوريون بمقولتهم: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، بأنه لا يجوز تنزيل هذه الآيات على من عمل عملهم؛ فهذا من أعظم الضلال.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ عن هذه المقولة: (فهذا ترس قد أعدّه الجهال الضلاّل لردّ كلام، إذا قال لهم أحد: قال الله كذا، قالوا: نزلت في اليهود، نزلت في النصارى، نزلت في فلان...
وجواب هذه الشبهة (الفاسدة) أن يقال: معلوم أن القرآن نزل بأسباب، فإن كان لا يُستدل به إلا في تلك الأسباب بطل استدلاله، وهذا خروج من الدين، وما زال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نزلت في اليهود وغيرهم على من يعمل بها)(33).
ومن شبهاتهم: أن سؤالهم أرباب القبور من أجل طلب الشفاعة، فهؤلاء الموتى شفعاء بينهم وبين الله ـ تعالى ـ.
والجواب: أن الله قد سمى اتخاذ الشفعاء شركاً، فقال ـ سبحانه ـ: ((وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [يونس: 18].(/15)
وأمر آخر أن الشفاعة كلها لله ـ تعالى ـ كما قال ـ سبحانه ـ: ((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)) [الزمر: 44]، وقال ـ عز وجل ـ: ((وَلا يَمْلِكُ الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ)) [الزخرف: 86].
يقول ابن تيمية: (فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال، ولا يتصور أن يكون نبي فمن دونه مالكاً لها، بل هذا ممتنع، كما يمتنع أن يكون خالقاً ورباً.
قال ـ سبحانه ـ: ((وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)) [سبأ: 23] فنفى نفع الشفاعة إلا لمن استثناه، لم يثبت أن مخلوقاً يملك الشفاعة، بل هو ـ سبحانه ـ له الملك وله الحمد، لا شريك له في الملك)(34).
وجواب ثالث: أن الله ـ تعالى ـ أعطى الأنبياء والأولياء الشفاعة، لكن نهانا عن سؤالهم ودعائهم، فقال ـ سبحانه ـ: ((وَلا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإن فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ)) [يونس: 106]، والشفاعة نوع من الدعاء(35)، ولا يكون الدعاء إلا لله ـ تعالى ـ وحده.
كما أن إعطاء الله الأنبياء والأولياء الشفاعة ليس تمليكاً مطلقاً، بل هو تمليك معلّق على الإذن والرضا، وسيد الشفعاء -صلى الله عليه وسلم- لا يشفع حتى يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع)(36).(/16)
والحديث عن شبهات القبوريين والرد عليها طويل جداً، وإنما ذكرنا بعضاً منها، وقد صُنفت مصنفات نافعة تتضمن الرد على شبهات القبوريين، مثل قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، والرد على البكري والرد على الأخنائي كلها لشيخ الإسلام ابن تيمية، وإغاثة اللهفان في مصايد الشيطان، لابن القيم، والصارم المنكي في الرد على السبكي، لابن عبد الهادي، وكشف الشبهات، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد للصنعاني، والنبذة الشرعية النفيسة في الرد على القبوريين لحمد بن معمر، والدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، لمحمد ابن علي الشوكاني، وصيانة الإنسان عن وسوسة دحلان لمحمد بشير السهسواني، وتطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران، لأحمد بن حجر آل بوطامي، وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، لمحمد ناصر الدين الألباني، والدعاء ومنزلته في العقيدة الإسلامية لجيلاني بن خضر العروسي، وغيرها كثير.
يتبع في العدد القادم إن شاء الله،،،
الهوامش :
(1) انظر: الصواعق المرسلة، لابن القيم، 4/1560.
(2) الحجة لقوام السنة، الأصفهاني، 1/281.
(3) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/617.
(4) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 1/25، 26.
(5) تلبيس إبليس، لابن الجوزي، ص455، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/611، وإغاثة اللهفان، 1/133.
(6) انظر: الدرر السنية، 9/418، واقتضاء الصراط المستقيم، 2/705.
(7) معارج الألباب، ص216، باختصار.
(8) قرة عيون الموحدين، ص33.
(9) التبيان في أقسام القرآن، ص143.
(10) الصواعق المرسلة، 2/461، 462.
(11) أخرجه أحمد، 3/18، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
(12) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/689.
(13) جامع الرسائل، 2/305، وانظر الرد على البكري، ص55.
(14) انظر شرح الصدور بتحريم رفع القبور، ص 17.
(15) طبقات الشعراني، 2/74.
(16) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/650.
(17) مجموع الفتاوى، /356.(/17)
(18) انظر: إغاثة اللهفان، 1/332.
(19) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/652، وإغاثة اللهفان، 1/333.
(20) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/688.
(21) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/653، وانظر: إغاثة اللهفان، 333، 334.
(22) مجموع الفتاوى، 71/456، باختصار، وانظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، لجيلاني خضر العروسي، 1/447، 2/812
(23) كشف الشبهات، ص43، 44.
(24) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 6/354، 514، وحادي الأرواح، لابن القيم، ص208.
(25) انظر: الاعتصام، للشاطبي، 1/221.
(26) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، 1/70.
(27) انظر: قاعدة جليلة في التوسل الوسيلة، لابن تيمية، والتوسل، للألباني، والتوصل إلى حقيقة التوسل، لمحمد نسيب الرفاعي ـ رحمه الله ـ.
(28) منهاج التأسيس، ص267، وانظر: مصباح الظلام ص178.
(29) انظر: التدمرية، لابن تيمية، ص181، ومجموع الفتاوى، 2/38.
(30) تفسير ابن جرير، 13/78.
(31) تفسير ابن جرير، 11/114.
(32) الدر النضيد، ص18، بتصرف يسير.
(33) تاريخ ابن غنام، 2/285، بتصرف يسير.
(34) مجموع الفتاوى، 51/604، باختصار.
(35) انظر: مجموع الفتاوى، 1/200.
(36) انظر: تأسيس التقديس، لأبي بطين، ص82.
ملفات
(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)
انحرافات القبوريين الداء والدواء
(2/2)
د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف(/18)
في عرضه لسبل معالجة انحرافات القبوريين تطرق الكاتب في الحلقة السابقة إلى المسلك الدعوي، وأوضح فيه ضرورة أن يُعنى العلماء بتقرير التوحيد وتربية الأمة على الانقياد للشرع انقياداً والتزاماً، ومخاطبة عقول الناس لبيان تهافت اعتقادات القبورية، ثم شرع في إيضاح المسلك الثاني، وهو: المسلك العلمي الذي بين فيه ضرورة إيضاح قواعد الاستدالال عند أهل السنة وأهل البدع، والتنبيه على أن أدلة اعتقاد أهل السنة هي غالباً من المحكمات بخلاف أهل البدع، ثم بين تهافت استدلالات القبوريين على انحرافاتهم، ويواصل في هذه الحلقة مقارعة ما تبقى من دعاويهم، وبيان جوانب أخرى في الموضوع .
- البيان -
4- ومن دعاويهم العريضة: احتجاجهم بأن الكثير من المسلمين في القديم والحديث يبنون على القبور، ويتخذون المشاهد والقباب، ويتحرون الدعاء عندها.
والجواب عن هذه الدعوى من وجوه:
أحدها: أن أكثر هذه المشاهد مكذوبة لا تصح نسبتها إلى أصحابها، وكما يقول شيخ الإسلام: (وكم من مشهد يعظمه الناس وهو كذب، بل يقال إنه قبر كافر، كالمشهد الذي بسفح جبل لبنان الذي يقال إنه قبر نوح؛ فإن أهل المعرفة يقولون إنه قبر بعض العمالقة، وكذلك مشهد الحسين الذي بالقاهرة، وقبر أبيّ بن كعب الذي في دمشق، اتفق العلماء على أنه كذب)(1).
ويقول في موضع آخر: (عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق، لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في القليل منها بعد بحث شديد؛ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام.. بل قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يفعله المبتدعون عندها..)(2).
ثانياً: إن البناء على القبور وتحري الدعاء عندها ونحو ذلك من البدع المنكرة التي حذّر منها الشارع أيما تحذير، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ـ يحذّر ما صنعوا) متفق عليه.(/19)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(قد كان من قبور أصحاب رسول بالأمصار عدد كثير، وعندهم التابعون، ومن بعدهم من الأئمة، وما استغاثوا عند قبر صاحب قط، ولا استسقوا عند قبره ولا به، ولا استنصروا عنده ولا به. ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، بل على نقل ما هو دونه، ومن تأمل كتب الآثار، وعرف حال السلف، تيقن قطعاً أن القوم ما كانوا يستغيثون عند القبور، ولا يتحرون الدعاء عندها أصلاً، بل كانوا ينهون عن ذلك من كان يفعله من جُهّالهم)(3).
ويقول ابن القيم مبيّناً أن صنيع القبوريين مفارق لما كان عليه سلف الأمة:
(هل يمكن لبشر على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم [ أي: السلف الصالح ] بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أو منقطع أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها، وتمسحوا بها، فضلاً أن يصلّوا عندها، أو يسألوا الله بأصحابها، أو يسألوهم حوائجهم، فليوقفونا على أثر واحد، أو حرف واحد في ذلك...)(4).
يقول العلامة الصنعاني جواباً عن هذه الشبهة: (إن أردت الإنصاف وتركت متابعة الأسلاف وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل، لا ما اتفق عليه العوالم جيلاً بعد جيل وقبيلاً بعد قبيل؛ فاعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها، ونسعى في هدم منارها صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل، ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل بلدته يلقنونه: أن يهتف باسم من يعتقدون فيه، ويراهم ينذرون له، ويرحلون إلى محل قبره... فنشأ على هذا الصغير، وشاخ عليه الكبير، ولا يسمعون من أحد عليهم من نكير... ولا يخفى على أحد يعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر أن سكوت العالم على وقوع المنكر ليس دليلاً على جواز ذلك المنكر)(5).(/20)
ويقول العلامة الشوكاني: (اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد رسول -صلى الله عليه وسلم- لفاعلها، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين)(6).
ثالثاً: أن سكوت العلماء عن هذه المظاهر الشركية والبدعية عند المشاهد والقبور لا يعني الرضا والإقرار، فقد يتعذر عليهم الإنكار باليد وباللسان، ولم يبق لهم إلا الإنكار بالقلب، لا سيما وهذه المشاهد والقباب قد بناها حكام وسلاطين؛ كما يقول الصنعاني: (فما كل سكوت رضى؛ فإن هذه منكرات أسسها من بيده السيف والسنان، ودماء العباد وأموالهم تحت لسانه وقلمه، وأعراضهم تحت قوله وكلامه، فكيف يقوى فرد من الأفراد على دفعه عما أراد. فإن هذه القباب والمشاهد أعظم ذريعة إلى الشرك والإلحاد، وأكبر وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنيانه، وغالب ـ بل كل ـ من يعمرها هم الملوك والسلاطين والرؤساء والولاة إما على قريب لهم، أو على من يحسنون الظن فيه...)(7).
ومن هذا القبيل ما يحتج به القبوريون بأن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ضُمّن المسجد النبوي دون نكير، ولو كان ذلك حراماً لم يدفن فيه، كما يحتجون بوجود القبة على قبره صلى الله عليه وآله وسلم.
والجواب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرة عائشة ـ رضي الله عنها ـ شرقي المسجد، فلم يدفن في المسجد، والأنبياء يدفنون حيث يموتون ـ كما جاءت بذلك الأحاديث ـ.
كما أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ دفنوه في حجرة عائشة كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً؛ كما في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذلك أُبرِزَ قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) أخرجه البخاري ومسلم.(/21)
وأمر آخر وهو أن الحجرة النبوية إنما أُدخلت في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة(8)؛ حيث أمر الوليد بن عبد الملك سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه على سبيل التوسعة، فأدخل فيه الحجرةَ النبويةَ حجرةَ عائشة، فصار القبر بذلك في المسجد(9).
فلا يصح الاحتجاج بما وقع بعد الصحابة؛ لأنه مخالف للأحاديث الثابتة وما فهمه سلف الأمة، وقد أخطأ الوليد في إدخاله الحجرة النبوية ضمن المسجد، وكان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة النبوية(10).
وأما دعوى عدم الإنكار فهذه دعوى بلا دليل، وعدم العلم ليس علماً بالعدم، وسكوت العلماء لا يعني الرضا والإقرار؛ كما سبق الإشارة إليه آنفاً؛ لا سيما وأن الذي أدخل القبر النبوي ضمن المسجد خليفة ذو شوكة وسلطان ـ وهو الوليد بن عبد الملك ـ وكذا الذي اتخذ القبة ـ هو السلطان قلاوون.
ومع ذلك فإن المعوّل عليه هو الدليل والبرهان وليس واقع الناس وحالهم. والله المستعان.
ومما يبين تهافت هذه الدعوى: ما نقل عن علماء أنكروا هذا الصنيع وحذّروا منه.
فيحكى عن سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ: أنه أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ مسجداً(11).
وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى إنكار هذه القبة؛ حيث قال: (ثم بعد ذلك بسنين متعددة بنيت القبة على السقف، وأنكره من كرهه)(12).
يقول العلاّمة حسين بن مهدي النعمي في الرد على هذه الدعوى: (قوله [اي المخالف]: ومن المعلوم أنه -صلى الله عليه وسلم- له قبة، وأولياء المدينة وأولياء سائر البلدان.(/22)
أقول: الأمر كذلك؛ فكان ماذا؟ بعد أن حذر -صلى الله عليه وسلم- وأنذر وبرأ جانبه المقدس الأطهر -صلى الله عليه وسلم-، فصنعتم له ما نهى عنه، أفلا كان هذا كافياً لكم عن أن تجعلوا أيضاً مخالفتكم عن أمره حجة عليه وتقدماً بين يديه! فهل أشار بشيء من هذا أو رضيه أو لم ينه عنه؟)(13).
وقال العلاّمة الصنعاني في الجواب عن هذه الشبهة: (فإن قلت: هذا قبر رسول الله قد عمرت عليه قبة عظيمة، أنفقت فيها الأموال. قلت: هذا جهل عظيم بحقيقة الحال: فإن هذه القبة ليس بناؤها منه، ولا من الصحابة، ولا من تابعيهم، ولا تابعي التابعين، ولا من علماء أمته وأئمة ملته، بل هذه القبة المعمولة على قبره -صلى الله عليه وسلم-، من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملك المنصور في سنة 678هـ، ذكره في تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة، فهذه أمور دولية لا دليلية، يتبع فيها الآخر الأول)(14).
ويُذكر أن الإخوان ـ رحمهم الله ـ قد هموا في زمن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ عند دخولهم المدينة المنورة أن يزيلوا هذه القبة، ولكنهم خشوا من قيام فتنة أعظم من إزالة القبة(15).
ج - المسلك الاحتسابي: وهذا مسلك يقوم به أصحاب الحسبة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، لاسيما أصحاب النفوذ والسلطة والشوكة.
ويتمثل هذا المسلك في أمرين:
أحدهما: أن يسعى إلى هدم هذه القباب ونقضها وإزالتها، امتثالاً للوصية النبوية واتباعاً لسلف الأمة.
فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته). أخرجه مسلم.(/23)
ولما ذكر ابن القيم هدم مسجد الضرار وتحريقه، قال: ففي هذا دليل على هدم ما هو أعظم فساداً منه، كالمساجد المبنية على القبور، فإن حكم الإسلام فيها أن تهدّم كلها حتى تسوّى بالأرض، وهي أوْلى بالهدم من مسجد الضرار، وكذلك القباب التي على القبور، يجب أن تهدم كلها؛ لأنها أسست على معصية الرسول؛ لأنه قد نهى عن البناء على القبور.. فبناءٌ أسس على معصيته ومخالفته بناء غير محترم)(16).
ومن الأمثلة على هذا المسلك الاحتسابي ما فعله الحارث بن مسكين ـ رحمه الله ـ (ت 250هـ) عندما هدم مسجداً كان قد بني بين القبور(17).
قال ابن كثير في حوادث سنة 236هـ: (فيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، وما حوله من المنازل والدور، ونودي في الناس: من وجد هنا بعد ثلاثة أيام ذهبنا به إلى المطبق (السجن))(18).
وقال أبو شامة (ت 665هـ): (ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبينأني أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة، حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المؤدّب أنه كان إلى جانبه عين تسمى عين العافية كانت العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق، من تعذّر عليها نكاح أو ولد قالت: امضوا بي إلى العافية، فتعرف بها الفتنة، قال أبو عبد الله: فإنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت فوجدته قد هدمها، وأذّن الصبح عليها، ثم قال: اللهم إني هدمتُها لك فلا ترفع لها رأساً، قال: (فما رُفِعَ لها رأس إلى الآن)(19).(/24)
وذكر ابن غنام في تاريخه ما فعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ مع عثمان بن معمر من هدم القباب وأبنية القبور فقال: (فخرج الشيخ محمد بن الوهاب ومعه عثمان بن معمر وكثير من جماعتهم إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ هو الذي هدم قبة زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع بعض أصحابه)(20).
ومما يجدر التنبيه عليه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد سلك هذا المسلك الاحتسابي العملي لما كان عنده من شوكة وقوة، ولكنه كان في أول أمره قد سلك مسلك الدعوة برفق ولين كما قال تلميذه وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله ـ: (كما جرى لشيخنا محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في ابتداء دعوته، فإذا سمعهم يدعون زيد ابن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (الله خير من زيد) تمريناً لهم على نفي الشرك بلين الكلام، نظراً إلى المصلحة وعدم النفرة)(21).
ويذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ما فعلوه أثناء دخولهم مكة ـ شرّفها الله ـ سنة 1218هـ فكان مما قاله: (فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يُعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفع الضر بسببه مع جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يُعبد؛ فالحمد لله على ذلك)(22).
ومما سطره المؤرخ ابن بشر عن بعض الأعمال التي قام بها الأمير سعود بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ما يلي:
ففي حوادث سنة 1216هـ حين توجه سعود بالجيوش إلى كربلاء، فهدم القبة الموضوعة على قبر الحسين)(23).
ويقول أيضاً: (وفي حوادث سنة 1217هـ حين دخل سعود مكة وطاف وسعى، فرّق جيوشه يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد الشركية، وكان في مكة من هذا النوع شيء كثير في أسفلها، وأعلاها، ووسطها، وبيوتها).(/25)
فأقام فيها أكثر من عشرين يوماً، ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر يوماً يهدمون، يباكرون إلى هدمها كل يوم، وللواحد الأحد يتقربون، حتى لم يبق في مكة شيء من تلك المشاهد والقباب إلا أعدموها، وجعلوها تراباً)(24).
وفي سنة 1343هـ قام أتباع الدعوة السلفية بهدم القباب والأبنية على القبور بمكة، مثل القبة المبنية على قبر أم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ.
وقام الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي ـ في جنوب الجزيرة العربية ـ بهدم قبة في الساحل بمشاركة بعض زملائه، وبقايا قبة على قبر الشريف حمود المكرمي في سامطة(25).
ويقول الشيخ الألباني: (ومن تلك الأشجار شجرة كنت رأيتها من عشر سنين شرقي مقبرة شهداء أحد، خارج سورها، وعليها خرق كثيرة، ثم رأيتها سنة 1371هـ قد استأصلت من أصلها، والحمد لله، وحمى المسلمين من شر غيرها من الشجر وغيره من الطواغيت التي تعبد من دون الله ـ تعالى ـ)(26).
الأمر الثاني: أن يسعى إلى فضح وكشف مكائد أرباب القبور وسدنتها، وبيان حقيقة هؤلاء الدجالين الملبسين، وما هم عليه من الفجور والولوغ في الفواحش، وأكل أموال الناس بالباطل، وأنهم خونة وعملاء للاستعمار وأذنابه.
وقد كشف أهل العلم حقائق مخزية وأحوالاً فاضحة لأولئك السدنة المضلين وأتباعهم، وما يرتكبونه من انخلاع عن شرائع الله ـ تعالى ـ، وولع بالفجور والقاذورات.
يقول العلاّمة النعمي حاكياً بعض أوضاعهم: (ومن ذلك أن رجلاً سأل من فيه مسكة عقل، فقال: كيف رأيتَ الجمع لزيارة الشيخ؟ فأجابه: لم أرَ أكثر منه إلا في جبال عرفات، إلا أني لم أرهم سجدوا لله سجدة قط، ولا صلوا مدة الأيام فريضة.
فقال السائل: قد تحمّلها عنهم الشيخ.
قلت [النعمي]: وباب (قد تحمّل عنهم الشيخ) مصراعاه ما بين بصرى وعدن، قد اتسع خرقه، وتتابع فتقه، ونال رشاش زقومه الزائر والمعتقد، وساكن البلد والمشهد)(27).(/26)
ومما سوّده المؤرخ الجبرتي في شأن مشهد عبد الوهاب العفيفي (ت 1172هـ) وما يحصل عنده من أنواع الفسوق والفجور ما يلي: (ثم إنهم ابتدعوا له موسماً وعيداً في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد، فينصبون خياماً كثيرة ومطابخ وقهاوي، ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الأرياف وأرباب الملاهي والبغايا، فيملؤون الصحراء، فيطؤون القبور ويوقدون عليها النيران، ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلاً ونهاراً، ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر)(28).
وتحدث الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عن مفاسد عُبّاد القبور، فكان مما قاله: (ومنها: ما يقع ويجري في هذه الاجتماعات من الفجور والفواحش، وترك الصلوات وفعل الخلاعات التي هي في الحقيقة خلع لربقة الدين والتكليف، ومشابهة لما يقع في أعياد النصارى والصابئة والإفرنج ببلاد فرنسا وغيرها من الفجور والطبول والزمور والخمور)(29).
ويصف الشيخ عبد الرحمن الوكيل أحوال عبّاد القبور ـ من الصوفية وغيرهم ـ ويشير إلى جملة من صور الكفر والفجور في تلك المشاهد والموالد، فيقول: (وسلِ الآمّين تلك الموالد عن عربدة الشيطان في باحاتها، وعن الإثم المهتوك في حاناتها، وعن حمم الشهوات التي تتفجر تحت سود ليلاتها.. فما ينقضي في مصر أسبوع إلا وتحشد الصوفية أساطير شركها، وعبّاد أوثانها عند مقبرة يسبّحون بحمد جيفتها، ويسجدون أذلاء لرمتها، ويقترفون خطايا المجوسية في حمأتها، ويحتسون آثام الخمر و (الحشيش)، والأجساد التي طرحها الإثم على الإثم فجوراً ومعصية، ويسمونها موالد، أو مواسم عبر وذكريات خوالد...)(30).(/27)
وسرد الكاتب أحمد منصور أقوال المؤرخين في الانحلال الخلقي عند مشهد الإنبابي.. وأن فيه من الفساد ما لا يوصف، حتى إن الناس وجدوا حول هذا المشهد أكثر من ألف جرة خمر فارغة، وأما ما حكي من الزنا واللواط فكثير لا يحصى.. حتى أرسل الله ـ تعالى ـ عليهم ريحاً في تلك الليلة كادت تقتلع الأرض بمن عليها...(31).
وأمعن عبّاد القبور في أكل أموال الناس بالباطل، وارتكبوا أنواع الأكاذيب والدجل في سبيل نهب أموال العامة وممتلكاتهم.
وقد حكى العلامة الشوكاني هذه الحالة فقال: (وربما يقف جماعة من المحتالين على قبر ويجلبون الناس بأكاذيب يحكونها عن ذلك الميت ليستجلبوا منهم النذور، ويستدروا منهم الأرزاق ويقنصوا النحائر، ويستخرجوا من عوام الناس ما يعود عليهم وعلى من يعولون ويجعلون ذلك مكسباً ومعاشاً...)(32).
وصندوق النذور عند ضريح البدوي في مصر يستقطع من الدهماء ملايين الجنيهات، وللحكومة 39% من هذه الأموال!! وسائر الأموال لسدنة الضريح والعاملين عليه!! وحسبك أن تعلم أن ما يناله خادم الضريح من هذه الأموال أكثر مما يناله كبار الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات... ومع ذلك لم يقف طمع أولئك السدنة وشرههم عند هذا الحد، بل ويعمدون إلى التلاعب والتزوير في هذا الصندوق من أجل مزيد من الأموال(33).
وأما الحديث عن خيانتهم وعمالتهم للاستعمار، فنكتفي بهذا المثال وهو أن فرنسياً أسلم وتنسّك وصار إماماً لمسجد كبير في القيروان بتونس، فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها، وجاؤوا يسألونه أن يستشير لهم ضريح شيخ في المسجد يعتقدون فيه، فدخل الضريح ثم خرج مهولاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم بأن الشيخ ينصحكم بالتسليم، فاتبع أولئك البسطاء قوله واستسلموا لعدوهم(34).
الهوامش:
(1) الرد على البكري، ص 310، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/646 649، ومجموع الفتاوى، 27/459.(/28)
(2) مجموع الفتاوى، 27/449، 450، باختصار.
(3) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/681.
(4) إغاثة اللهفان، 1/318.
(5) تطهير الاعتقاد، ص 36، باختصار.
(6) شرح الصدور، ص 8.
(7) تطهير الاعتقاد، ص 41.
(8) انظر: الرد على الأخنائي، ص 184، ومجموع الفتاوى، 27 ـ 323.
(9) انظر: تاريخ ابن كثير، 9/74.
(10) انظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للألباني، ص 93، وصراع بين الحق والباطل، لسعد صادق محمد، ص 106.
(11) انظر بحثاً: حول القبة المبنية على قبر الرسول، لمقبل الوادعي، ص 357.
(12) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/279.
(13) معارج الألباب، ص 147، بتصرف يسير.
(14) تطهير الاعتقاد، ص 43.
(15) انظر بحثاً حول القبة المبنية على قبر الرسول، لمقبل الوادعي ص 275.
(16) إغاثة اللهفان، 1/327.
(17) انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض، 1/332، والديباج المذهب، لابن فرحون، 1/339.
(18) تاريخ ابن كثير، 1/315.
(19) الباعث على إنكار البدع والحوادث، ص 103، 104.
(20) تاريخ ابن غنام، 1/78، بتصرف يسير. (21) مجموع التوحيد، ص 339.
(22) الهدية السنية، ص 37. (23) عنوان المجد، 1/257.
(24) المرجع السابق، 1/263.
(25) انظر: الشيخ حافظ الحكمي، حياته ومنهجه في العقيدة، لأحمد علوش، ص 357.
(26) تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، ص 139.
(27) معارج الألباب، ص 177.
(28) تاريخ الجبرتي، 1/304، باختصار.
(29) منهاج التأسيس، ص 55.
(30) هذه هي الصوفية، ص160، 161، باختصار.
(31) انظر: السيد البدوي، ص 323 236، وانظر: الصراع بين الحق والباطل، لسعد صادق، ص 49، 50، والألوهية في العقائد الشعبية، لعبد السلام البسيوني، ص 9698.
(32) الدر النضيد، ص 27.
(33) انظر تفصيل ذلك في كتاب: (الله توحيد وليس وحدة) لمحمد البلتاجي، ص 302، 308، وكتاب: البدوي، لأحمد منصور، ص 298، 299.
(34) انظر: التصوف بين الحق والخلق، لمحمد الشقفة، ص 211، 212.
ملفات(/29)
(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)
الأضرحة في العالم الإسلامي
مشاهد متفرقة
الخرطوم: عثمان محمد سليمان
دكا: عبد الله الشهيد
القاهرة: أحمد محمد
أسمرة: إدريس محمد إدريس
هذه بعض المشاهدات التي أرسلها للبيان بعض الكتاب نضعها بين يدي القارئ ليزداد بصيرة بحجم هذا المرض الفتاك (تقديس القبور والأضرحة) وللمارسات غير الشرعية التي تقوم بها العامة تحت سمع وبصر بعض العلماء، ومما يندى له الجبين أن بعض العلماء يشارك في هذه الطقوس المبتدعة تحت اسم مولد الولي فلان أو الرجل الصالح علان.
ومن هذا القبيل شد الرحال لما يسمى بالعتبات المقدسة وما يحصل فيها من استغاثات للأموات وتمسح بها. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ـ البيان ـ
القبور والأضرحة ـ مزيد من البيان:
منذ عصر دولة بني عبيد بن القداح ـ الذين ادعوا زوراً وبهتاناً أنهم فاطميون ـ عرفت البدع الشركية طريقها إلى السودان، وأخذت تنتشر وتستفحل، ثم زاد الطين بلة وجود التوجهات الصوفية البدعية في عصر الدولة العثمانية، فأعطت زخماً جديداً لهذه البدع التي أضحت أحد العناصر الأساس في الحياة الاجتماعية لأكثر السودانيين، قبل أن تأتي الدعوة السلفية وتحاول الوقوف أمام هذا الطوفان..
ويقف على رأس هذه البدع: ما يتعلق بالقبور؛ فقد أصبح اتخاذ القباب والأضرحة على قبور من يُعتقد صلاحهم أحد ذرائع البدع القولية والعملية، والكبيرة والصغيرة في حياة الناس.
والقبة عبارة عن بناء شاهق يُتخذ على شكل مخروطي أو نصف كروي، يقام على قبر من يُعتقد فيه الصلاح والولاية.. ولكن كيف يعرف احتواء هذا القبر على من يعتقد في صاحبه الصلاح أو الولاية؟..(/30)
يتم ذلك عن طريق ما يسمونه بـ (البيان)!، فحسب الاعتقاد السائد في السودان: يمكن أن يرى شخص ما رؤية منامية، يرى فيها شيخاً من الشيوخ ممن ماتوا ودفنوا في مكان ما، فيرى الرائي أن هذا الشيخ دله على مكان معين و(بيّن)، أي: ظهر فيه، فيبادر هذا الرائي عند استيقاظه بالتوجه إلى ذلك المكان فيرفعه عن سطح الأرض، وينصب عليه الخرق والرايات، معلناً أن الشيخ الفلاني بيّن في هذا المكان، فيعرف المكان بأنه (بيان) الشيخ الفلاني، ثم يزار كغيره من الأضرحة والقباب، وتُعقد له وحوله الطقوس المعروفة بهذه الأضرحة.
ومن حيث أماكن اتخاذها تنقسم القباب والأضرحة إلى قسمين:
أ - قباب تبنى في مقابر المسلمين العامة، حيث تبدو القبة شاهقة وسط القبور.
ب - قباب تبنى في المساجد، أو تبنى عليها المساجد، وقد تكون في قبلة المسجد، أو في الخلف، أو في أحد جوانبه.
ومن أشهر القباب والأضرحة في السودان:
* قبة الشيخ/ محمد عثمان عبده البرهاني (شيخ الطريقة البرهانية) بالخرطوم ـ السوق الشعبي.
* قبة الشيخ/ قريب الله، بأم درمان، ودنوباوي.
* قبة الشيخ/ دفع الله الصائم ديمة، بأم درمان ـ أميدة.
* قبة الشيخ/ حسن ود حسّونة، بالخرطوم بحري.
* قبة الشيخ/ دفع الله الفرقان، بأم درمان، جنوب السوق.
* قبة الشيخ/ أبو زيد، بأم درمان، سوق ليبيا.
* قبة الشيخ/ حمد النيل، بأم درمان.
* قبة الشيخ/ محمد بن عبد الله كريم الدين (شيخ الطريقة المحمدية الأحمدية الإدريسية).
* قبة الشيخ/ إبراهيم ود بَلاّل، بالقطينة.
* قبة الشيخ/ الطيب ود السايح، بأبي شنيب، قرب الحداحيد.
* قبة الشيخ/ حمد ود أم مريوم، بالخرطوم بحري، حي حِلّة حمد.
* قبة الشيخ/ خوجلي أبو الجاز، بالخرطوم بحري، حلة خوجلي.
* قبة الشيخ/ صديق ود بُساطي، غرب النيل الأبيض.
* قبة الشيخ/ طه الأبيض البطحاني، بشمال الجزيرة.
* قبة الشيخ/ الطريفي ود الشيخ يوسف، بأبي حراز.(/31)
* قبة الشيخ/ عبد الرحيم ود الشيخ محمد يونس، بأبي حراز.
وجدير بالذكر أن منطقة أبي حراز بها ما يقارب (36) قبة، من أشهرها ـ إضافة إلى ما سبق ـ:
* قبة الشيخ أحمد الريح، وقبة الشيخ دفع الله المصوبن (أبو النعلين).
وقد لوحظ على بعض القباب أنها حظيت برعاية بعض القادة السياسيين، مثل قبة الشيخ يوسف أبو سترة، التي شيدت برعاية الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، وكذلك قبة الشيخ مدني السني، بمدينة ود مدني، كما لوحظ أيضاً عدم اقتصار اتخاذ القباب على قبور المعظمين في المسلمين، بل من شدة الجهل والغفلة اتخذت قبة على مقبرة (الرفيق) الصيني الشيوعي يانغ تشي تشنغ، في ود مدني، ولوحظ كذلك: أن بعض هذه القباب يتوسط المساكن.
أما في إريتريا: فمن أشهر الأضرحة التي يرتادها الناس:
* ضريح الشيخ بن علي بقرية (أم بيرم) القريبة من مدينة مصوع الميناء الرئيس لإريتريا.
* ضريح سيدي هاشم الميرغني وبنته الست علوية بمدينة مصوع، وعلى كل من هذين القبرين مبنى مستقل على شكل مكعب ومغطى بالقماش مثل الكعبة، وفي كل زاوية منه خشبة مستديرة الشكل يتبرك بها بعد الانتهاء من الطواف بالقبر!
* ضريح الشيخ جمال الأنصاري، وله وقت مخصص لزيارته، وإن كانت أهميته لدى الناس أقل من سابقيه.
* ضريح جعفر، وقد بني عليه مسجد، ويقوم المصلون في المسجد بزيارته بعد كل صلاة مفروضة.
* ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهو ضريح وهمي في قرية (حوطيت) بالقرب من مدينة جندع على ساحل البحر الأحمر.
* ضريح الشيخ الأمين المقام في أحد مساجد مدينة (أسمرا) العاصمة.
* ضريح سيدي هاشم في مدينة (كرن) التي تقع على الساحل الجنوبي من إريتريا، وهو يعتبر من أكبر المشاهد التي يقصدها الناس من أنحاء عديدة في البلاد، بل ومن الدول المجاورة كالسودان.(/32)
* ضريح أحمد النجاشي في (عدي قرات) التي تقع على الحدود الإريترية الإثيوبية، وله يوم محدد (مولد) يقصده الناس فيه من أنحاء إريتريا وإثيوبيا.
بنجلاديش:
ولا تختلف الصورة كثيراً في شرق العالم الإسلامي حيث تنتشر الأضرحة و(المزارات) ففي بنغلاديش، خاصة في مدن داكا (العاصمة) وشيتاغونج وسلهت وخولنا، ولكن من الغريب ارتياد الناس لمزارات يوجد بها سلاحف وتماسيح يعتقد فيها بعض الجهلاء النفع والضر، فيقدمون الأكل لها أملاً في الحصول على وظيفة أو لتفريج كربة، وتحرص بعض النساء على مس هذه الحيوانات أملاً في حدوث الحمل والرزق بالذرية، وقد نتجت هذه الاعتقادات والممارسات عن الزعم بأن هذه الحيوانات تحولت إلى هذه الصورة بعد أن كانت من الأولياء الصالحين! وهناك أيضاً مزارات تحتوي على أشجار يعتقد فيها وتعلق على أغصانها الخيوط والخرق.
ويولي المعتقدون في هذه الأضرحة والمزارات اهتماماً كبيراً بعمارتها ومظهرها حيث تكون المباني مزخرفة ومزينة، ولكل قبر قبة مبنية بأحجار قيمة، وتقوم على أمر هذه المزارات لجنة تضم أصحاب السلطة والمنتفعين من ورائها؛ حتى أصبح حالنا وحال هذه الأضرحة كما قال الشاعر المصري حافظ إبراهيم:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألف يرزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أحجارها الصلوات
تعددت المظاهر والانحراف واحد:
يعتبر الغلو والبدع والانحراف عن التوحيد الخالص عوامل مشتركة بين مرتادي الأضرحة والمعتقدين فيها وإن تنوعت المظاهر حسب بيئة كل بلد وعادات أهله.(/33)
ففي إريتريا يقصد كثير من القبوريين الأضرحة حاملين معهم الأغنام والأبقار والسكر والقهوة والشاي وغيرها من أنواع الأطعمة إضافة إلى الأموال؛ ليقدموها قرباناً إلى صاحب الضريح، وقد يذبحون الأنعام تقرباً أيضا للولي أو الشيخ، ويطوفون بالقبر وبتمرغون بترابه، ويطلبون قضاء الحوائج وتفريج الكربات منه، كما يحصل من الفساد الأخلاقي حول الأضرحة ما يستحيي الإنسان من ذكر تفاصيله وخاصة الاختلاط وانتهاك الأعراض، وتكثر هذه الممارسات حول الأضرحة الشهيرة، كضريح الشيخ (بن علي) وضريح سيدي هاشم الميرغني وبنته الست علوية، وضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني، وضريح سيدي هاشم وضريح أحمد النجاشي.
ويزداد الأمر سوءاً في السودان؛ حيث يحرص أتباع هذه الأضرحة والمنتفعون منها على التأصيل لهذه الانحرافات، فتلقى المحاضرات وتؤلف الكتب في الحث على ذلك، ومن أشهرها:
رسالة عبد الله المحجوب الميرغني، المتوفى سنة (1207هـ)، واسمها: (تحريض الأغبياء على الاستعانة بالأنبياء والأولياء)، يقول فيها:
(ولهذا يتبين لك (وجوب) التعلق بالوسائل والأسباب، وتأكد لزوم التزام الوسائط والأبواب، فتعلق بالوسائل والأسباب، والجأ واستغث، وانده [من النداء] لخواص الله والأحباب، واطرق لدى الخطوب ما شئت من الأبواب، تنل بذلك من فيض الوهاب ما لا يدخل في حساب).
ونتج عن إشاعة هذا الاعتقاد والدعوة إليه أن تأثيره لم يقتصر على الطرقيين فقط، بل امتد ليشمل جماهير عريضة في الشعب السوداني، وهذا ما شاهدته بنفسي أثناء مطالعتي لتلك المزارات، فهناك عادات ارتبطت بتلك القباب، يقوم بها روادها، منها:
1- ينبغي أن يخلع الزوار نعالهم خارج القبة، وبعضهم يخلعها خارج ساحة المسجد، احتراماً لصاحب الضريح. وعلى أية حال: فمن المسلّم به عندهم أنه لا يجوز دخول القبة بالنعلين.
2- يتم دخول القبة بإذن من حارسها، كما يتولى خادم الضريح (تطويف) الزوار.(/34)
3- يتبرك الزوار بالضريح والقبة بطرق شتى: فمنهم من يأخذ من ترابها، ومنهم من يضع يديه على السياج المعدني الذي حول القبر ويتمسح بها، ثم يمسح على جسده وملابسه.
4- الطواف داخل القبة حول القبر من الممارسات الشائعة والمألوفة عند هؤلاء الزائرين.
5- وكذلك دعاء المقبور والاستعانة به والإلحاح عليه في الدعاء، فقد رأيت بعض الزائرين يجلس عند القبر ممسكاً بسياجه، ويلح في طلب حاجته، وأحياناً يصرخ، وبعضهم الآخر يدعو المقبور أثناء الطواف حول القبر، ومما يندى له الجبين أن امرأة شوهدت عند قبة الشيخ عبد الباقي تحمل طفلاً، ترفعه بيديها وتهزه وهي تخاطب الشيخ المقبور راجية منه البركة في صغيرها، ثم تقول: (يا شيخ.. سمعت؟) لتتيقن سماعه وقضاء حاجتها!
6- ومنهم من يلتزم القبر بداخل القبة، ويصيح عنده ويجأر به.
7- ورأيت من يسجد وهو مستقبل القبة ـ نسأل الله السلامة ـ.
8- ومن المعتاد: تقديم النذور عند هذه القباب.
9- ومن الناس من يعكف عندها أياماً وشهوراً، التماساً للشفاء أو لقضاء حاجة من حوائجه، وقد أُلحقت ببعض القباب غرف انتظار الزائرين لهذا الغرض.
10- وقد لوحظ أن زيارة القباب تتم في جميع أيام الأسبوع، وتزداد في أيام الجمع والأعياد؛ حيث يكتظ كثير من القباب بالزوار في هذه المناسبات، كما لوحظ اختلاط الرجال والنساء في هذه الزيارات، وأن معظم الزائرين من النساء.
وفي بنجلاديش يأتي الناس إلى المزارات ويظنون أنها أقدس مكان على وجه الأرض، لذا: فهم يسجدون أمام الأضرحة إجلالاً لها واحتراماً، ويطلبون من أصحابها الذرية ودفع المصائب وتفريج الكروب، كما يقدمون لهم النذور من الأموال والحيوانات كالغنم والبقر التي تذبح باسم صاحب القبر، وأخيراً ينصرفون وهم يظنون أنهم فعلوا خيراً كثيراً؛ لأنهم يعتقدون أن لأصحاب هذه الأضرحة يداً في تصريف الأمور، بل وفي إدخالهم الجنة، ويكون عدد المترددين أكثر بعد العصر وخاصة ليلة الجمعة.(/35)
وينتشر حول هذه الأضرحة بعض القبوريين الذين يعيشون في ساحاتها ويلازمونها، وهم صنفان من حيث مظهرهم:
الأول: أناس أصحاب هيئة رثة لا يلبسون إلا القليل من الملابس، التي تكاد ألا تستر غير عوراتهم، ويطلقون شعورهم ولحاهم وشواربهم التي بدا عليها التلبد والقذارة، فهم لا يغتسلون من أوساخهم ولا ينظفون ملابسهم.. ومع ذلك يختلط الناس بهم طلباً للبركة منهم، وتبيت معهم النساء، ولا يتحرزن عن معاشرتهم.
الثاني: يهتمون بمظهرهم وينظفون ملابسهم إلى حد ما، يجلس الواحد منهم في ساحة الضريح وحوله الناس ينادونه بكل شوق ورغبة باسم (بابا)، وهم دائماً يحققون ما يأمر به، وتبيت النساء أيضاً عنده من غير تحرز عن ارتكاب الفواحش معه، حيث يتناولون المخدرات والمسكرات ويغنون بإيقاع خاص أشعار الشرك والفجور، ولا يتورعون عن ارتكاب الزنا.
وفي مصر تلقى الأضرحة احتراماً وتبجيلاً لدى كثير من الناس، حيث يندفع أكثرهم لا شعورياً للقيام ببعض الممارسات المتنوعة والمتعلقة بهذه الأضرحة، وتبدأ هذه الممارسات بالحرص على الصلاة في المسجد الذي به الضريح، ثم الحرص على زيارته وترديد بعض الكلمات والصلوات والدعوات. وبالطبع فإن هذا الحرص يتفاوت حسب شهرة الضريح ومكانته في نفوس الناس وحسب دوافع الزائر له، ويلي ذلك: التمسح بالضريح وتقبيله طلباً للبركة، ويليه: التوسل بجاه صاحب الضريح اعتقاداً أن ذلك أقرب إلى إجابة الدعاء، ثم ينتهي المطاف ببلوغ غاية الضلال والخرافة عندما يتوجه إلى صاحب الضريح بالدعاء والرجاء وطلب قضاء الحاجات منه، وغالباً ما يصحب الدعاء استقبال للضريح حتى ولو كانت القبلة خلف ظهره، كما يظهر على الزائر الخشوع والسكينة والتأثر الذي قد يصل إلى حد البكاء، وقد يصل الولع والوجد ببعضهم إلى الإغراق في حالة من انعدام الوعي، فيصبح (مجذوباً).
وعادة ما يضع الزائر بعض ما تجود به نفسه في صندوق النذور صدقة أو قربة لصاحب الضريح.(/36)
ومن الملاحظ أن طبيعة النذور المقدمة تطورت من الماضي إلى الحاضر، كما أنها تختلف بحسب وجود الضريح في وسط قرى ريفية أو وسط تجمعات عمرانية حضرية.
ومن الملاحظ أيضاً: أن حركة الناس في الدخول إلى الضريح والخروج منه تختلف حسب مكانة صاحب الضريح، ولكنها عموماً تزداد في أوقات الصلوات، وهذا بالطبع بخلاف أوقات الموالد التي تعج بالزائرين.
وماذا عن الموالد؟
تكثر الموالد في مصر، ويشتهر منها: المولد النبوي، ومولد البدوي ـ الذي حضره عام 1996م حوالي 3 ملايين زائر، حسب تقرير الحالة الدينية في مصر الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية ـ، ومولد إبراهيم الدسوقي، ومولد أبي الحسن الشاذلي، ومولد المرسي أبي العباس، ومولد أبي الحجاج الأقصري، ومولد إبراهيم القنائي.
والاحتفال بالمولد النبوي ـ كغيره من الموالد ـ يغلب عليه مظاهر الاحتفال الشعبي الفولكلوري المصطبغ بالصبغة الدينية، ويشترك مع غيره من الموالد في سمة حضور جمهور كبير من أنحاء متفرقة، وإقامة بعضهم حول أحد الأضرحة، وإنشاد المدائح الخاصة بصاحب المولد، مع نشاط اقتصادي واجتماعي حول أحد الضريح، إضافة إلى ما سبق أن ذكرناه من ممارسات وطقوس يقوم بها الزائر تجاه صاحب الضريح. وتعجب أشد العجب أن تجد بعضاً ممن ينتسب إلى العلم والدعوة يحضر بعض هذه الموالد، بل ويروج لها عند العامة، ولا يتورع عن ممارسة بعض البدعيات المحدثة، فيكون قدوة سيئة للجهلة، نعوذ بالله من الخذلان.(/37)
ويوم الاحتفال بالمولد النبوي يكون إجازة رسمية في البلاد، ويقام بصفة رسمية في كل محافظة بمصر حيث تشرف عليه السلطات لضمان سيره بانتظام وأمان، وهو يقام في ساحة عامة بجوار أحد المساجد الكبيرة غالباً، وعادة يكون المسجد ضريحاً لأحد الأولياء المشهورين، وقبل المولد تهيأ الساحة والشوارع بالزينات والأضواء، ويستعد أصحاب كل نشاط بما يلزم من جلب البضائع ونصب الملاهي، ويزدهر نشاط الباعة والمحلات وبخاصة أنشطة بيع الحلوى والألعاب وأنشطة المقاهي والمطاعم وبيع الأدوات المنزلية، وتزدحم الفنادق، وهي غالباً ذات مستوى متدنٍ.. ويشيع جو من المرح والضجيج في مكان المولد.
وقد شاهد مندوب البيان احتفال (الليلة الكبيرة) للمولد النبوي في القاهرة، حيث سار موكب ممثلي الطرق الصوفية لمدة (45) دقيقة تقريباً مشياً على الأقدام حاملين الأعلام والرايات في جو من البهجة والاحتفال بدءاً من ضريح الشيخ صالح الجعفري بمنطقة الدرّاسة إلى مسجد الحسين، وهناك وجدوا في انتظارهم بعض المستقبلين، على رأسهم شيخ مشايخ الطرق الصوفية، فقاموا بالسلام عليه وقراءة الفاتحة والدعاء جماعيّاً. ويشهد هذا الاحتفال أيضاً كبار رجال الدولة أو ممثلون عنهم، وعلى رأسهم شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية ورئيس جامعة الأزهر ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة؛ حيث يلقي معظمهم كلمات في الاحتفال، كما يشهد حضوراً إعلاميّاً واضحاً من صحافة وإذاعة وتلفاز.
وبعد نهاية الاحتفال الرسمي ينصرف أتباع الطرق الصوفية لإلقاء أناشيدهم ومدائحهم وأذكارهم في أماكن معدة لذلك سلفاً، ويستمرون في ذلك حتى منتصف الليل تقريباً.
ولا تختلف نوعية زوار المولد النبوي عما ذكره (تقرير الحالة الدينية بمصر) عن زوار مولد البدوي، فهم يشملون:
* فريقاً هدفه إحياء ذكرى المحتفل به.(/38)
* وآخرين يحرصون على التبرك، ومنهم البسطاء والفقراء والأغنياء، الأميون والمثقفون، ويرى هؤلاء أنه إذا لم يتمكنوا من الحضور لأي سبب، سواء أكان بإرادتهم أو رغماً عنهم، فسيصيبهم أذى أو ضرر، ويعتقدون أن الزيارة ستفتح أبواب الرزق أمامهم، بل وتغمرهم بسعادة بالغة.
* ومنهم من كان مريضاً جاء لطلب الشفاء، أو من كانت عاقراً وعقيماً تأمل في تحقيق أملها بإنجاب طفل.
* وفريقاً آخر يبحث عن الترفيه والسياحة وقضاء وقت ممتع، وهم الفئة الشبابية.
* وهناك نمط آخر من الزوار يهدف للتسويق والتجارة سواء بالبيع أو الشراء.
وبالإضافة إلى ذلك: هناك الجمع الغفير من أتباع الطرق الصوفية، هدفهم إحياء الذكرى ونوال البركة ونشر طريقتهم الصوفية. أما عن المشاركة بين المسلمين والأقباط فهي قديمة جدّاً؛ إذ إن التاريخ يذكر أن ابن طولون كان يقيم الولائم وكان المسلمون يحتفلون بالأعياد القبطية مشاركة للأقباط، وسار على نهج الطولونيين الإخشيديون في الاحتفال بأعياد النصارى.. ولا تزال هذه المشاركة موجودة حتى عصرنا الراهن! ومن أغرب الأمور بهذا الصدد؛ أن مولداً يقام سنوياً باسم (مولد سيدي أبو حصيرة) وهو يقام عند ضريح لرجل يهودي بهذا الاسم، وتأتيه كل عام وفود كبيرة من السياح اليهود من إسرائيل، وتقام حراسة مشددة لحماية الاحتفال حتى ينفض!!
وفي السودان يتم الاحتفال بالمولد النبوي في صورتين:
الصورة الأولى: الاحتفال في الميادين والساحات:
وقد تأصل هذا النوع من الاحتفالات حتى خصصت لها ميادين معينة، عرفت بميادين المولد؛ ففي كل مدينة ميدان يسمى ميدان المولد الكبير، وهو ساحة متسعة مخصصة لهذا الغرض، وتلتقي فيه كل الطرق الصوفية المشتركة في الاحتفال بالمولد، وتتم المشاركة فيه بعد الحصول على تصديق رسمي من الدولة يتم بموجبه السماح للطريقة المعينة بنصب سرادقها في المكان المخصص لها في ساحة المولد، وعمل تجهيزاتها اللازمة لها..(/39)
وتقوم كل طريقة بعمل الأذكار التي تخصها والمدائح المتعلقة بالمولد، كما تتم قراءة الكتب المؤلفة في المولد النبوي في شكل حلقات تشبه حلقات تلاوة القرآن، وعند مرورهم بمواطن معينة في هذه الموالد المؤلفة يقف الحاضرون اعتقاداً منهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحضر عند ذكر ولادته، ويرددون في صوت واحد عبارة (مرحبا بالمصطفى يا مرحبا...) وفي بعض المواضع من القراءة يضعون الأيدي على الرؤوس، وفي مواضع أخرى يضربونها أو يوجهونها نحو الأرض عند الاستعاذة من بعض الأمراض أثناء قراءة المولد.
وفي المولد يضربون أيضاً على الطبول الكبيرة (النوبة) التي تصدر أصواتاً قوية، ويرددون معها القصائد الملحنة كنوع من الذكر الذي يُتقرب به إلى الله.. وكل هذا مع الحركة والاضطراب الشديد، وربما دار أحد الدراويش على رجل واحدة وهو (يترجم)، أي: يصدر أصواتاً لا تفهم، فيوصف بأنه غرق في الذكر.
ويزداد الزحام في الليلة الأخيرة، ويكون الناس في هذه الساحات خليطاً من الرجال والنساء، وقد شاهدت في أحد الموالد نساءً يصفقن ويتحركن مع رجال يضربون هذه الدفوف (النوبة) حتى انتهين إلى أحد السرادقات المقامة وهن يصفقن على أصوات المديح، ويتحركن على صوت ضربات الطبول، إلى أن يستقبلهن شيخ ممسك بمسبحته وهو يهز رأسه استحساناً لهذا الصنيع.
أما الصورة الثانية للمولد: فهي الاحتفال به في المساجد والزوايا الخاصة:
وفيها يتم قراءة كتاب المولد المؤلف لكل طريقة، وإطعام الطعام لا سيما في الليلة الختامية، ويكون صبيحة هذه الليلة عطلة رسمية في البلاد بمناسبة ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-.(/40)
وفي بنجلاديش تكون الاحتفالات حول الأضرحة أسبوعية وسنوية، حيث تعتبر ليلة الجمعة عيداً أسبوعيّاً حول الضريح يأتي إليه الزوار من جميع الأصناف: أغنياء، وفقراء، ومسؤولين في الحكومة، وغيرهم، ويشاركون في المعاصي من شرك واختلاط وغناء وتكون الفرصة مهيأة للفاحشة والزنا، ويستمر هذا الاحتفال حتى الصباح، ويكون لكل (بابا) مجلس خاص ويتحلق حوله مريدوه.
وبمثل هذا ـ ولكن بشكل موسع ـ يتم الاحتفال السنوي الذي يسمى (عرساً) تحت إشراف لجنة نظامية حكومية ويستمر مدة أطول قد تصل إلى أسبوع، فيجتمع الناس من أماكن مختلفة بعيدة حاملين معهم نذورهم من ماشية وأموال، وتنتشر كل مجموعة حول صاحب بدعة (البابا) الذي يرتدي ملابس غير ساترة مدعين أنهم وصلوا إلى مرتبة تؤهلهم لعدم التمثل بشريعة الله، ويصدقهم الجهلاء في ذلك، ويشيع في هذه الاحتفالات شرب الخمر والمخدرات ولعب الميسر والخرافات إضافة إلى ترك الصلاة، وأيضاً السجود لغير الله، وغير ذلك من الشرك الصريح.
كما يحضرها كذلك كبار المسؤولين والأغنياء والفقراء على حد سواء، وبعض هؤلاء من يشاركون (البابات) الإثراء والمنافع المادية الكبيرة من وراء رواج سوق الخرافة حول الأضرحة.
ونلاحظ أن أهل البدع ينقسمون أقساماً عدة في ممارساتهم البدعية:
فمنهم: أناس لا يؤدون الشعائر ويلبسون الملابس القصيرة، ولا يهتمون بنظافتهم، ويقيمون في بيوت أتباعهم حفلات أسبوعية كل ليلة جمعة، يبدؤون الحفلة بما يسمونه (ذكر الله) بصوت مرتفع، ثم ذكر بعض من سيرة السيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم ـ ثم يوردون بعضاً من أخبار عبد القادر الجيلاني، ثم بعد ذلك يدخلون في ذكر جماعي مختلط، تنزع فيه النساء الحجاب؛ لأنهمن يزعمن أن الحجاب الأصلي هو الحجاب الداخلي في القلب، فلا حاجة للحجاب الخارجي، ويرقص الجميع مع الموسيقى، ثم تُطفأ الأنوار، ويحدث ما يحدث. (والله المستعان)(/41)
ومنهم: من يدعي أنه يؤمن بالله ورسوله وأنه محب للرسول ويطيل شعره ولحيته ويلبس الملابس البيضاء، وهو مع ذلك لا يصلي ويستحل الغناء والموسيقى، ولكنه لا يصل إلى أفعال القسم الأول، ويظن أنه بهذه الأفعال يدخل الجنة.
ومنهم: من يصلي ويصوم ويدعي أنه أقرب الناس إلى الله، ولكن مرشده لا يشدد عليه لاتباع الشريعة كلها، ويكتفي ببعض النصائح فقط، وأتباع هذا الشيخ يظنون أنه أقرب الناس إلى الله، وأن له قدرة على تفريج كروب الدنيا والآخرة، ويقبل الناس قدمه ويسجدون عليها من غير إنكار منه؛ لأنه مستفيد من وراء استمرار هذه الأوضاع في الأعراس وغيرها.
نسأل الله ـ عز وجل ـ أن يجنبنا الفتن ويهدينا وإياهم سواء السبيل.
ملفات
( القبور والأضرحة دراسة وتقويم )
دوافع تقديس القبور والأضرحة وآثارها
(1/2)
قبس من الظلمات
(ما وراء الطقوس)
خالد أبو الفتوح
ليس من الطبيعي أن يتوجه إنسان إلى حجر أو شجر أو قبر أو أي مخلوق آخر بأشكال التقديس والتقرب، ولذا: فإن الصورة الساذجة المباشرة لهذه الأعمال لا يتصور أنها تنطلي من أول وهلة وبصورتها الساذجة على المخلوق المكرم بعقله، المميز بفطرته؛ إذ لا بد من وجود حجج وحيثيات تزين هذا الانحراف وتسوغه له، أي: لا بد من وجود (فلسفة) لهذا الأمر حتى ولو لم تظهر مصاحبة له، فهي في كثير من الأحيان تظهر في صورة أشبه ما تكون بالاتجاه النفسي(1) لدى المبتلين بهذا الداء، وهنا تكمن الصعوبة في هذا الجانب من البحث؛ لأننا نريد دخول منطقة (اللاوعي) عند القبوريين للخروج بالوعي الكامن الذي يحركهم ويدفعهم إلى هذه الأفعال التي من المفترض ألا يقبلها عقل راشد، ولا تستسيغها فطرة سليمة، ولا تسمح بها شريعة منزلة.. فكيف فعلها هؤلاء؟ بل كيف تمسكوا بها ودافعوا عنها؟
عودة إلى الوراء:
الأمر يستدعي منا أن نعود إلى الوراء لننظر: كيف كان يُدعى الناس من خلال (الحكمة والفلسفة) إلى الانحراف العقدي؟(/42)
في البدء كان التوحيد، ولم يكن شرك على وجه الأرض، وكان في الناس بعض المميزين بصلاحهم المبرزين بعبادتهم، ثم طالت فترة الناس عن نور الوحي فقلّ فيهم عدد هؤلاء المميزين، ولكن يبقى الناس مجلين هؤلاء الصالحين، متمسكين بشعاع التقوى والعبادة يريدون عدم الانسلاخ منه، وهنا يبرز الشيطان مزيناً بداية خط الانحراف: (لو صوّرتم صورهم، فكنتم تنظرون إليهم)، و (أرى جزعكم على هذا، فهل لكم أن أصور لكم مثله، فيكون في ناديكم فتذكرونه به)، فقط اتخاذ (الرمز)؛ للتذكرة بالعبادة والصلاح..!، فصوروا، ثم ماتوا.. فنشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: (إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها) فعبدوها.. إنه (التقليد)..
فباتخاذ (الرمز) واحترامه وتعظيمه، ثم بـ (التقليد) الذي قاد إلى التقديس حدث أول شرك، وهذا ما حدث في قوم نوح ـ عليه السلام ـ(2). فكيف كانت (فلسفة) الشرك في قوم إبراهيم ـ عليه السلام ـ؟!
نشأت عبادة الكواكب عندهم من التعلق بالملائكة، واعتقاد أنهم (وسطاء) بين الله وخلقه، وأنهم موكول إليهم تصريف هذا العالم، ثم اعتقدوا أن الأفلاك والكواكب أقرب الأجسام المرئية إلى الله ـ تعالى ـ، وزعموا أنها أحياء ناطقة مدبرة للعالم، وأنها بالنسبة للملائكة كالجسد للروح، فهي الهياكل، والملائكة الأرواح، وأنها متصفة بصفات مخصوصة، ولوجود هذه الصفات استحقت أن تكون آلهة تعبد.. فكانوا يتقربون إلى الهياكل تقرباً إلى الروحانيات، ويتقربون إلى الروحانيات تقرباً إلى الباري ـ تعالى ـ، وهؤلاء يسمون (أصحاب الهياكل).(/43)
ولما كانت هذه الكواكب يختفي أكثرها في النهار وفي بعض الليل لما يعرض في الجو من الغيوم والضباب ونحو ذلك رأوا أن ينصبوا لهذه الكواكب أصناماً وتماثيل على هيئة الكواكب السبعة (الشمس، والقمر، والزهرة، والمشتري، وعطارد، والمريخ، وزحل) حينما تصدر أفعالها عنها ـ كما يزعمون ـ، كل تمثال يقابل هيكلاً... واعتقدوا أن التقرب إلى هذه الأصنام هو (الوسيلة) إلى الهياكل التي هي وسيلة إلى الروحانيات، التي هي وسيلة إلى الله ـ تعالى ـ.. وهؤلاء يسمون (أصحاب الأشخاص)(3).
مرة أخرى: إنه (الرمز)، ولكن يظهر هنا جليّاً دور قدسية (الأرواح) التي نسبوها إلى الملائكة، وعقيدة (الواسطة) و(الوسيلة).(/44)
ويعيد إبراهيم ـ عليه السلام ـ إرساء عقيدة التوحيد صافية نقية، وينشر إسماعيل ـ عليه السلام ـ ملة أبيه إبراهيم بين العرب، ويظل أبناؤه على ذلك التوحيد، معظّمين أول بيت وضع للناس الذي جدده خليل الله مع ابنه إسماعيل.. إلى أن بعدت الفترة بين العرب ونور النبوة، ثم اندرس كثير من آثار العلم، فقلّت حصانتهم ضد الانحراف، وأصبحت الفرصة مواتية للتحريف، وهنا برز عمرو بن لحيّ الخزاعي آتياً بالأصنام إلى مكة، فنصبها وأمر الناس بعبادتها وتعظيمها(4)، فعبدوها، ولكنهم لم يعبدوها لمجرد كونها حجارة أو أخشاباً، بل عبدوها (معتقدين أنها منازل الأرواح ـ كما بيّن الإخباريون ـ)(5).. مرة أخرى: إنه (الرمز) و (الأرواح).. ثم: بسبب (التقليد) وبسبب ضعف تمثل تعاليم الملة الحنيفية في نفوس الناس ـ بل ربما كانت تفاصيل هذه التعاليم قد ضاعت ـ استمرت فيهم هذه الوثنية مع شعائرها وعاداتها واعتقاداتها عقوداً متتابعة(6)، ووصل الولع بـ (تقديس الرمز) إلى هاوية سحيقة، حيث روى أبو الرجاء العطاردي: (كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو أخير (!) ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً جمعنا جُثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به..)(7).. ومع ذلك قالوا: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر: 3]، وقالوا أيضاً: ((هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّه)) [يونس: 18]... إنها: (الواسطة) و (الوسيلة).
ونفترض هنا سؤالاً مهماً: لو كان عمرو بن لحي خرج في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى عبادة الأوثان تقرباً إلى الرحمن، أكان يجد من يتبعه منهم؟ بداهة: لا، وإذا كان الأمر كذلك: فلماذا لم يرفض العرب ما جاء به عمرو من تحريف دين إبراهيم وعبادة الأصنام من أول وهلة؟..(/45)
يوضح الإجابة على مثل ذلك كلام لابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث يقول: (قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع... وسر ذلك: أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميل إلى محبته...)(8).
لم يكن عمرو بن لحيّ أول من ألقى إلى العرب مفهوم تقديس الرمز وإن كان هو أول من جسده في صورة أوثان وأصنام، لقد كان العرب ـ بسبب ضعف آثار علم النبوة الذي أشرنا إليه، وبذريعة (تقديس الرمز) ـ وصلوا إلى ما يمكن أن نطلق عليه: (حالة القابلية للشرك)، فلقد ذكر ابن الكلبي في كتابه (الأصنام) وابن إسحاق في سيرته (أنهم كانوا لا يظعن من مكة ظاعن إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم؛ تعظيماً للحرم وصبابة به، فحيثما حل وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة؛ تيمناً منهم بها، وصبابة بالحرم، وحباّ له)(9).
فتقديس (الرمز) ذريعة إلى الشرك، (وهذه العلة ـ التي لأجلها نهى الشارع ـ هي التي أوقعت كثيراً من الأمم: إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك؛ فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب، ونحو ذلك، فلأن يُشْرَك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه.. أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله؛ ولهذا تجد أقواماً كثيرين يتضرعون عندها، ويتخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يعبدونها في المسجد، بل ولا في السّحَر..)(10).
حقيقة القبورية:(/46)
وهنا نأتي إلى القبوريين: كيف تبدأ علاقتهم بالقبر أو الضريح؟ وكيف تنتهي بهم إلى الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك ـ حسب تعبير ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؟.. تبدأ العلاقة بتقديس (الرمز).. رمز الصلاح والتقوى والمنزلة الرفيعة عند الله، ومن ثم: تستحب زيارة تلك البقاع، ليس لتذكر الموت والآخرة، بل لتذكر (الرمز) والاعتبار به، ولأن هذه الأماكن (مباركة)، ولأن الملائكة و (الأرواح) تنتشر حولها ـ كما يزعمون ـ، فإن دعاء الله يحسن عندها، فهو أرجح منه في البيت والمسجد وأوقات السّحَر، كما أن البركة (تفيض) على كل شيء حول القبر، فمن أراد التزود منها فليلمس، ويقبّل، ويتمسح، فإذا تقرر ذلك هبط إلى دركة تالية: من دعاء الله عنده إلى الدعاء به والإقسام على الله به، أي: اتخاذه (واسطة) و (وسيلة) للاستشفاع به عند الله؛ فصاحب الضريح طاهر مكرم مقرب له جاه عند الله، بينما صاحب الذنب ـ أو الحاجة ـ يتلطخ في أوحال خطيئته، غير مؤهل لدعاء الله، فإذا تقرر ذلك هبط إلى دركة أخرى: فما دام هذا المقبور مكرماً فليس بممتنع أن يعطيه الله القدرة على التصرف في بعض الأمور التي لا يقدر عليها طالب الحاجة، فيُدعى صاحب القبر، يُرجى ويُخشى، يستغاث به، ويطلب المدد منه، ولِمَ لا؟!؛ فهو صاحب (السر) الذي توجل منه النفوس، وترتجف له القلوب، وتتحير فيه العقول!، فإذا تقرر ذلك هبط دركة ـ ليست أخيرة ـ، حيث (يتخذ قبره وثناً، يعكف عليه، ويوقد عليه القنديل، ويعلق عليه الستور، ويبني عليه المسجد، ويعبده بالسجود له، والطواف به، وتقبيله، واستلامه، والحج إليه، والذبح عنده، ثم ينقله [الشيطان] درجة أخرى: إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه عيداً ومنسكاً، وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم...)(11).(/47)
هذا هو الواقع: ليست المسألة مظاهر وطقوساً مجردة، بل هي أعمال جوارح، نتجت عن أعمال قلوب، تحركها تصورات واعتقادات رسخت في النفوس وتخللتها وذابت فيها إلى الحد الذي لم تعد فيه بارزة منفصلة عن تلك المظاهر والطقوس.. هذا هو التصور المقنع لما يعمله أي إنسان عاقل؛ فـ (مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العادة. فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها)(12).
فالحقيقة أن: (من يدعو الأموات ويهتف بهم عند الشدائد ويطوف بقبورهم ويطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ـ سبحانه ـ، لا يصدر منه ذلك إلا عن اعتقاد كاعتقاد أهل الجاهلية في أصنامهم، هذا إن أراد من الميت الذي يعتقده ما كان تطلبه الجاهلية من أصنامها من تقربهم إلى الله، فلا فرق بين الأمرين. وإن أراد استقلال من يدعوه من الأموات بأن يطلبه ما لا يقدر عليه إلا الله ـ عز وجل ـ، فهذا أمر لم تبلغ إليه الجاهلية...)(13).
فالمسألة في حقيقتها: تقديس (الرمز) واتخاذه (واسطة) أو (وسيلة) لقضاء الحاجات وللشفاعة عند الله..(/48)
هكذا هي في أدبيات القبوريين: (جاء في الرسالة (42) من رسائل إخوان الصفا(14) (4/21) قولهم: من الناس من يتقرب إلى الله بأنبيائه ورسله وبأئمتهم وأوصيائهم أو بأولياء الله وعباده الصالحين، أو بملائكة الله المقربين والتعظيم لهم ومساجدهم... فإن قصر فهمه ومعرفته بهم فليس له طريق إلا اتباع آثارهم والعمل بوصاياهم والتعلق بسننهم والذهاب إلى مساجدهم ومشاهدهم والدعاء والصلاة والصيام والاستغفار، وطلب الغفران والرحمة عند قبورهم وعند تماثيلهم المصورة على أشكالهم، لتذكار آياتهم وتعرف أحوالهم من الأصنام والأوثان وما يشاكل ذلك، طلباً للقربة إلى الله والزلفى لديه...)(15)..، ومما نقله الشيخ محمد رشيد رضا عن كتاب لأحد دعاة القبور: (وكل ما في الأمر أنه [اي: المتوسّل بغير الله] يرى نفسه ملطخاً بقاذورات المعاصي، أبعدته الغفلات عنه [اي: عن الله] أيما إبعاد، فيفهم من هذا أنه جدير بالحرمان من تحقيق مطالبه وقضاء حاجاته، وله الحق في هذا الفهم...)(16).
وهكذا هي في مكنون تراثهم الشعبي؛ فإذا استطلعنا الأمثال الشعبية المصرية ـ كنموذج لهذا التراث في العالم الإسلامي ـ نجد منه قولهم: (من زار الاعتاب ما خاب) أي: من زار الأضرحة والأعتاب (المقدسة) قضيت حاجته ونال مراده، (فالاعتقاد الشعبي في الأولياء يتلخص في أن الله قد منح بعض عباده المقربين (امتيازات) لا حدود لها.. يكوّنون حول الرسول ديواناً سماوياً ينشر قدرته)(17).
ونجد في هذا التراث أيضاً: (يوضع سره في أضعف خلقه)، والمفهوم من كلمة (سره) أنها القدرة المستندة إلى أسباب غيبية ومحيرة، وأضعف خلقه مقصود بهم: المجانين والمجاذيب والأطفال...(/49)
ولعل من دقيق فقه الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في دين الله، وإحاطة فقهه بواقع الناس وحالهم.. ما جاء في معرض تعريفه للألوهية والإله؛ حيث قال: (فاعلم أن هذه الألوهية هي التي تسميها العامة في زماننا: السر، والولاية. والإله معناه: الولي الذي فيه السر، وهو الذي يسمونه: الفقير، والشيخ، وتسميه العامة: السيد، وأشباه هذا، وذلك أنهم يظنون أن الله جعل لخواص الخلق منزلة يرضى أن الإنسان يلجأ إليهم، ويرجوهم، ويستغيث بهم، ويجعلهم واسطة بينه وبين الله)(18)، ويقول أيضاً: (... هذا الذي يسميه المشركون في زماننا: الاعتقاد، هو الشرك الذي نزل فيه القرآن..)(19).
وكذلك هي في واقعهم؛ يقول أحدهم: (إن الوهابيين يقولون: إن أولياء الله لا يستطيعون دفع الذباب عن قبورهم، ولكنهم لا يعلمون أن لهم قدرة أن يقلبوا العالم كله، ولكنهم لا يتوجهون إلى ذلك)، ونقلوا عن محمد الحنفي أنه قال في مرض موته: (من كانت له حاجة فليأت إلى قبري، ويطلب حاجته أقضها له)(20)، (فالاعتقاد السائد: أن البركة إنما تسري من الولي إلى الضريح إلى المناديل والملابس التي مسحت بها، والأغرب من ذلك: ما يحدث عند تغيير كسوة الضريح وعمامة الولي الخاصة، هنا يسعى الجميع للحصول على قطع من هذه الكسوة أو العمامة مع استعدادهم لسداد أي مبلغ يطلب منهم...)(21).
وذكر المؤرخ الحضرمي صلاح البكري: أن بعض المرضى يأكلون من تراب بعض تلك القبور طلباً للشفاء(22)، وتقول إحدى الفرق في قبر شيخها: (إن قبره ومزاره دار الشفاء للمرضى، وأنه حلاّل المشاكل، ومسهّل الأمور، وقاضي الحاجات) و (إن المرضى كانوا يستشفون من عيسى، ولكن أحمد رضا يحيي الأموات!)(23).(/50)
والمسألة في حقيقتها: اعتقاد في تأثير (الأرواح)؛ (فإنهم قالوا: الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله ـ تعالى ـ لا يزال تأتيه الألطاف من الله ـ تعالى ـ وتفيض على روحه الخيرات؛ فإذا علق الزائر روحه به وأدناه منه: فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوهما على الجسم المقابل له)(24).
ويقول الشيخ أخلاق حسين القاسمي، أحد أبناء طائفة الديوبندية الصوفية: (إن أرواح المؤمنين ـ وخاصة أرواح الأولياء والصالحين ـ قادرة على التصرف في هذا الكون بعد مفارقة الأجساد...)(25).
وهذا ما يشهد به واقعهم: فأعراب شرق الأردن يسمّون المقام ولياً؛ لأن أرواح الصالحين تقطن في ذلك البناء، بل يزعمون (أن أرواح الأولياء تسكن في القبور حيث يرقد جثمانها، وهي كالبشر في جميع احتياجاتهم من أكل وشرب، فيدّعون أن الرياح والثلوج تؤثر بهم، والجوع يفنيهم)(26).
وينقل الشيخ محمد رشيد رضا عن أحد دعاة القبورية قوله: (إن الدعاء والاستغاثة بالموتى وبالأحياء من هؤلاء الأحباب سواء؛ لأن الموتى منهم أحياء في قبورهم يفعلون أفعال الأحياء فيها وفي خارجها)(27)، ويقول آخر: (إن تصرف الأولياء يزداد بعد وفاتهم)(28).
فالقبوريون (أمام قبر الولي يركعون ويبكون ويتوسلون إليه، معتقدين أن الولي ينظر إليهم ويراهم، وأن روحه الطاهرة تحوم حولهم)(29).
ومما يؤكد اعتقاد القبوريين في تأثير أرواح (الأولياء) بالتصرف أن كثيراً من هؤلاء المقبورين كانوا في معظم حياتهم (غير فعالين) في الخوارق، ووجد القبوريون فيهم ذلك بعد مماتهم؛ فالشيخ عبد الله في معان بالأردن عاش بالصلاح والتقوى وكان خطيباً ينذر القوم بالوعد والوعيد، فلم يجد في عشيرته من يعي كلامه ويحفظه، فلما استوفى أيامه أظهر الله كراماته بشفاء كثير على ما زعموا(30)...(/51)
بل وصل الأمر إلى حد (أن الأكراد عظموا شريفاً صالحاً مر عليهم في سفره، ولحبهم فيه أرادوا قتله ليبنوا عليه قبة يتوسلون بها)(31).
وهكذا هي في التراث الشعبي، فمن الأمثال الشعبية المصرية: (بعد ما راح المقبرة بقى سكّره) أي: أصبح مرغوباً فيه مثل السكر.. فما الفرق بين الحياة والممات إلا في انفصال (الروح) عن الجسد؟!.
والمسألة في حقيقتها: تعلق القلوب بالضريح وصاحبه والتوجه إليه بمشاعر الإجلال والمهابة..
هكذا يشهد حالهم: (فإن عباد القبور يعطونها من التعظيم والاحترام والخشوع ورقّة القلب والعكوف بالهمة على الموتى ما لا يفعلونه في المساجد، ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريب منه)(32).
ولعل السبب في ذلك أن (غرّهم الشيطان، فقال: بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين، وكلما كنتم أشد لها تعظيماً، وأشد فيهم غلوّاً، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد)(33).
وهذا ما يقرره أحد مشائخ القبوريين، الذي يقول: (إن صاحب هذا القبر شيخنا محمد إلياس يوزع النور الذي ينزل من السماء في قبره بين مريديه حسب قوة الارتباط والتعلق به)(34).
فكلما توغل القبوري في غيّه كلما حرص على إبراز قوة الارتباط والتعلق بالضريح وشدة تعظيمه وغلوه فيه، وفي ذلك قال ابن الرومي في (شرح المختار): (قد قرر الشيطان في عقول الجهال أن الإقسام على الله بالولي والدعاء به أبلغ في تعظيمه، وأنجح لقضاء حوائجه، فأوقعهم بذلك في الشرك)(35)، وعلى ذلك (فقد يقسم الأعرابي بالله دفعات متوالية على أنه يخشى أن يذكر اسم (شعيب) بالكذب مرة واحدة؛ لأنه (مظهر الأسرار وموضح الخفيّات))(36)، وعندما سئل أحد التجار: لماذا يقسم بصندوق ضريح القرية، ولا يقسم بالله عندما يحاسب زبائنه؟ أجاب: (إنهم هنا لا يرضون بقسم الله، ولا يرضون إلا بقسم صندوق نذور الضريح أو سور الضريح لسيدنا فلان)(37).. فهل هذا إلا للتعظيم والإجلال والرهبة وتعلق القلب بالضريح وصاحبه؟(/52)
وأحوالهم في ذلك عديدة: فمقام (النبي هارون) بالأردن: (يهجع الزائر (المؤمن) تحت ظله فيشعر بما لا يوصف من المسرة والحبور)، وتزور المرأة العاقر مقام (النبي يوشع) (حافية خاشعة، وتجثو أمام الضريح وتقبله بدموع وتضرع.. ومنهن من يرقدن الليالي الطويلة بين أسواره بالصوم والصلاة ثم يغادرنه وفي أنفسهنّ الآمال والمسرات)(38).. ويلخص هذا التعلق أبو الثناء الآلوسي عندما يصف موقفاً مر به في إحدى زياراته للأضرحة والمزارات، فيقول: (حتى أتينا قرية يقال لها (قارحين) وهناك قبر عليه قبة ثلجية قد زرناه فلم نحس منه (بروحانية))(39).. ويقول البريلوي أحمد رضا المسمي نفسه بعبد المصطفى: (إنني لم أستعن في حياتي بأحد ولم أستغث بغير الشيخ عبد القادر، وكلما أستغيث أستغيث به، ومرة حاولت أن أستغيث وأستعين بولي آخر، وعندما أردت النطق باسمه للاستغاثة والاستعانة ما نطقت إلا بـ (يا غَوْثاه)، فإن لساني يأبى أن ينطق الاستعانة بغيره)(40).. وهذا الموقف النفسي يرصده شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عندما يتحدث عن تفرق القبوريين حسب تمسك كل منهم بالضريح الذي تتوق نفسه إليه، فيقول: (ولهذا كان المتخذون القبور مساجد لما كان فيهم من الشرك ما فيهم قد فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، فتجد كل قوم يعظمون متبوعهم أو نبيهم، ويقولون: الدعاء عند قبره يستجاب، وقلوبهم معلقة به دون غيره من قبور الأنبياء والصالحين وإن كان أفضل منه، كما أن عباد الكواكب والأصنام كل منهم قد اتخذ إلهه هواه، فهو يعبد ما يألهه وإن كان غيره أفضل منه)(41).(/53)
وهكذا هي في تراثهم الشعبي، فيقول المثل الشعبي: (الشيخ البعيد سره باتع)، أي: صاحب الضريح البعيد سره مؤكد مقطوع به، والبعد: مسألة نسبية، فالبعيد بالنسبة إلى هؤلاء قريب لغيرهم، والقريب إليهم الذي لا يرغبونه بعيد عن غيرهم، فما الذي يجعل الضريح البعيد مرغوباً أكثر من غيره؟.. إنه شوق القلب وحنينه الذي يساعد البعد في تولده، وهذا ما يعبرون عنه في مثل آخر يقول: (ابعد حبة (بعض الشيء) تزيد محبة).. فتعلق القلب رغبة ورهبة ومحبة تجعل (آمال وآلام الزائرين لا تمضي إلى أي ضريح بالمصادفة، ولكن شهرة الولي واختصاصه بالشفاعة، والبعد المكاني، لهم تأثير كبير في قصد الزيارة؛ فالضريح الذي نتكبد إليه مشاق السفر يصبح أكثر جذباً ورهبة من ذلك الضريح القريب المتاح زيارته في أي وقت)(42).
وتبقى التساؤلات:
- ما الذي يدفعهم للاعتقاد في الأضرحة أنها قوة قاهرة وسلطة نافذة ـ وإن اعتبروها (واسطة) و(وسيلة)؟
- وما الذي يدفعهم لإسناد ذلك إلى الأرواح، أو ـ بتعبير أدق ـ إلى سرّ غيبي محيّر؟
- وما الذي يدفعهم إلى التوجه بمشاعر قلوبهم نحوها لجلب رضاها أو دفع مضرتها، أو للتمتع بالمسرة والحبور في أنفسهم؟
- لماذا تحولت العلاقة بالرمز من ذكرى واحترام إلى تقديس واعتقاد إلى تعلق وانجذاب؟
إن الذي حملهم على كل ذلك وحمل غيرهم على نظيره هو إشباع (التأله) لدى قلوبهم المحرومة من التأله للإله الحق؛ وهذا ما يقرره الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حين يقول: (ومن لم يكن محبّاً مخلصاً لله، عبداً له، قد صار قلبه معبّداً لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، ويكون ذليلاً له خاضعاً، وإلا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين... وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه؛ فالقلب إن لم يكن حنيفاً مقبلاً على الله معرضاً عما سواه، كان مشركاً)(43).(/54)
ويقرر ذلك أيضاً تلميذه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ، حين يقول: (العبد لا يترك ما يحبه ويهواه إلا لما يحبه ويهواه، ولكن يترك أضعفهما محبة لأقواهما محبة)(44).
وهذا ما تقرره أيضاً الدراسات الإنسانية الحديثة، فقد (أيدت دراسات الأنثربولوجيا [علم الإنسان] وعلم الأديان أن الحاجة إلى الدين موجودة عند جميع الناس في كل العصور وفي جميع المجتمعات، فالإنسان منذ القدم وهو يبحث عن إله يعبده، ويتوسل إليه، يعتقد أنه قوي مسيطر على الكون، خالق كل شيء، حي لا يموت)(45)، (هذه الفطرة حقيقة أجمع عليها الباحثون في تاريخ الأمم والأديان والحضارات، فقد وجدوا الإنسان منذ أقدم العصور يتدين ويتعبد ويؤمن بإله، حتى قال أحد كبار المؤرخين: لقد وُجدت في التاريخ مدن بلا قصور، ولا مصانع، ولا حصون، ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد)(46).
وهذه الغريزة هي التي أضفت على (الرمز) ـ حتى عند أهل الإلحاد ـ أشكال المهابة و(القداسة)، فـ (في ظل نظام كالنظام الشيوعي الذي لا مكان للدين في فكره العلمي، اصطبغ الإيمان بالمادية الديالكتيكية بصبغة الحماس الديني، واتخذت الاجتماعات والاستعراضات سمة الاحتفالات والمواكب الدينية، وأحيط واضعو النظرية ومؤسسو الدولة بهالة دونها هالة القديسين والرسل؛ فهم يوصفون بالخالدين، أو بالشمس التي لا تغرب، وها هي تماثيلهم الضخمة وصورهم ـ وقد حلت مكان التماثيل الدينية والأيقونات ـ تطل على الجماهير في الساحات وكافة المباني العامة، وعلى الأفراد في مساكنهم الخاصة، وها هي قبورهم وقد تحولت إلى مزارات مقدسة تحج إليها الملايين، وتصطف الصفوف خارجها لساعات من أجل إلقاء نظرة، أما كتبهم فهي بمثابة الكتب المقدسة، من قبيل التجديف أن ينسب إلى فكرة فيها الخطأ، بل ويبيت البعض ليلهم (كالحرس الأحمر في الصين) وهي إلى جوارهم أو تحت وسائدهم حتى تصرف الشرور عنهم!)(47).(/55)
ويؤيد القول بأن دافع إشباع التأله هو الذي يحرك القبوريين عدة أمور، منها:
أولاً: إن بعض طقوس القبوريين تعتبر امتداداً لعادات وثنية كانت سائدة في أجدادهم قبل الإسلام، (وأول هذه العادات: تقديس الأولياء، تلك العادة التي لقيت رواجاً سريعاً وعميقاً في نفوس المصريين لارتباطها بطبيعتهم منذ فجر التاريخ، ففكرة تشييد المساجد الجميلة فوق أجساد الموتى وتقديسهم تتصل بجذور الفكر الديني المصري منذ العصر الفرعوني، ولا سند لها في القرآن والسنة..)(48).
وعلى ذلك نرى أن الطقوس التي كانت تقام داخل معبد الأقصر للإله (آمون) في عصر الفراعنة هي الطقوس ذاتها التي تتبع في مولد (أبي الحجاج الأقصري) والذي يقع ضريحه داخل معبد الأقصر نفسه، وأهم ظاهرة في هذا المولد: تلك المراكب التي يجرها جموع المريدين وسط صيحات التكبير والتهليل، مما يلقي بظلاله على ما كان يحدث في المهرجانات الدينية في عصور الفراعنة؛ حيث كان لمعظم الآلهة عدد من القوارب التي تلعب دوراً رئيساً في طقوس الاحتفالات الدينية، وإلى الآن يستمر هذا التقليد في مولد (أبي الحجاج الأقصري)، على الرغم من تأكيد أهالي الأقصر على أن هذه القوارب مرتبطة بمجيء أبي الحجاج من مكة، أو بحجه إليها، كما يتماثل أيضاً في مولد (عبد الرحيم القنائي) الذي أقيم قبره على طلل معبد إله من آلهة قدماء المصريين(49)..
ولعل منشأ كل ذلك عائد إلى التقديس الخاطئ للرموز الإسلامية إضافة إلى القياس الفاسد على من كانوا يعظمونهم في جاهليتهم، فقد يبدأ الأمر بالرغبة في تعظيم الرمز الإسلامي والزعم بأن الأولياء ليسوا بأقل من الذين كانوا يعظمونهم في جاهليتهم، فيعظمونهم بمثل ما كانوا يمارسونه مع معبوداتهم الوثنية.(/56)
ومن أمثلة ذلك أيضاً: ضريح الشيخ (هلال) المقام على قبر مزعوم قرب دمشق، حيث كان القدماء يعبدون (القمر).. وكذلك: فإن عبادة الأشجار معروفة في الوثنيات القديمة و(الحديثة)، وقد ظهر التأثر بهذا الانحراف الوثني عند القبوريين إما في صورة شجرة قائمة إلى جوار الضريح، وإما بزعم أن روح الولي المقبور تسكن فيها، وكثيراً ما يحظر قطع الأشجار المحيطة بقبر الولي(50).
ثانياً: إن بعض هذه الطقوس تعتبر طقوساً مشتركة بين القبوريين وأصحاب الديانات الأخرى، يقول الشيخ محمد رشيد رضا معقباً على ما ادعاه أحد مشايخ القبورية في تسويغ اتخاذ القبور والأضرحة واسطة للشفاعة: (هذا عين ما كان يحتج به المشركون الأولون وحكاه الله ـ تعالى ـ عنهم... وهو ما يفعله بعض النصارى عند قبور القديسين)، ويقول أيضاً: (ولا تظنوا أن الهندوس ليس عندهم كهنة يتأولون لهم بدعهم الوثنية كما تأول هذا العالم الأزهري... واحتج لهم بأنهم كأنجاس الهند المنبوذين، ليس لأحدهم أن يتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بنفسه، بل لا بد له من أحد هؤلاء المعتقدين ليقربه إليه زلفى)(51)، ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي: (وكل ما كان يدور حول قبور الأولياء والمشايخ كان تقليداً ناجحاً للأعمال والتقاليد التي كانت تنجز في معابد غير المسلمين وقبور المقدسين عندهم؛ فالاستغاثة منهم والاستعانة بهم، ومدّ يد الطلب والضراعة إليهم، كل ذلك كان عاماً شائعاً بينهم...)(52)، ويذكر الشيخ محمد رشيد رضا صورة من هذا التشابه، فيقول: (في بنارس [في الهند] قبر أبي البشر آدم ـ عليه السلام ـ وقبر زوجه وقبر أمه! (ويقال: إنهم يعبرون بأمه عن الطبيعة) وقبور قضاته، وهي تحت قباب مصفحة بالذهب كقبة أمير المؤمنين علي في النجف وقباب غيره... وجميع هذه القبور تعبد بالطواف حولها والتمسح بها وتلاوة الأدعية والأوراد عندها كغيرها من تماثيل معبوداتهم، مع الخشوع وبذل الأموال والنذور لها ولسدنتها وكهنتها، فلا(/57)
يحسبن الجاهل بالتاريخ وبعقائد الملل والنحل أو التعبدات فيها أن علماء وثنيي الهند يعتقدون أن هذه الأشياء تنفع وتضر بنفسها، وأنهم ليس لهم فلسفة في عبادتها)(53).
ومن الطرائف ذات المغزى في هذا المعنى أن شريف مكة (الشريف عون) عندما استجاب للشيخ أحمد بن عيسى في هدم جميع القباب بالحجاز، اعترض القناصل الأجانب في جدة على هدم قبر حواء، بحجة أن حواء أم لجميع الناس وليست أمّاً للمسلمين فقط(54).
فحقيقة الأمر: أن ما يفعله القبوريون عند القبر والضريح هو بعينه الذي تفعله الجاهلية الوثنية (وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماً، وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً، والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني)(55).
ثالثاً: إن الاهتمام بالقبور والتوجه إليها تجاوز حواجز الملل والمذهبيات والفرق ليشكل طقساً مشتركاً من طقوس التدين (الباطل) يجتمع عليه القبوريون مع إخوانهم في التأله للمقبورين؛ ففي كثير من الأحيان يمارس القبوريون هذه الطقوس بالاشتراك مع غيرهم ممن أشرنا إليهم.
ولأن النصارى يعيشون بين المسلمين أكثر من غيرهم من أهل الديانات الأخرى فقد ظهر هذا الاشتراك جليّاً منذ القِدَم، فقد ثبت أن منشأ الأضرحة الموهومة والمكذوبة كان واحداً عند النصارى والقبوريين، وهو (أضرحة الرؤيا)، إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أخذ شكل الاشتراك العملي في ممارسة الطقوس والعبادات؛ فشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يذكر أن كثيراً (من جهال المسلمين ينذرون للمواضع التي يعظمها النصارى، كما قد صار كثير من جهالهم يزورون كنائس النصارى ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهابينهم ونحوهم)(56).(/58)
وكثير من (موالد) النصارى ليست مقصورة عليهم، بل يشارك فيها كثير من جهلة المسلمين (وهذا أمر ليس بمستغرب، فهم يذهبون أيضاً لبعض القساوسة ليخلصوهم من الأرواح الشريرة!.. وكما تتردد بعض القبطيات على أضرحة الأولياء؛ لتحقيق أمنية بالحمل، وتنذر نذراً إن تحققت أمنيتها..)(57)، وأيضاً فإن بعض النصارى يشارك جهلة المسلمين في الاعتقاد في ضريح الشيخ أبي الحجاج الأقصري(58).
ومثل ما توضع الرسائل في أضرحة الأولياء ـ وخاصة ضريح الإمام الشافعي ـ توجد أوراق وأقلام على قبر البابا كيرلس السادس وغيره، لمن يرغب في تحقيق أمنية أو رجاء منه، ويوضع في مدخل الكنيسة أو الدير صندوق للنذور، كذلك توهب الأضاحي التي تذبح هناك(59).
والأهالي على اختلاف مللهم ومذاهبهم وطبقاتهم يزورون مقام (النبي يوشع) في أكبر الأعياد الإسلامية وأيام المصائب والنكبات(60).
ويحكي الأستاذ عبد المنعم الجداوي عن تجربة شخصية له كيف أن إحدى قريباته عندما مرضت أصر أهلها على الطواف بها على بعض الأضرحة والكنائس أيضاً(61).
فما الذي جعل هؤلاء يشاركون أولئك إلا أنهم جميعاً وجدوا في القيام بتلك المظاهر إشباعاً لدافع واحد يجمعهم هو: التدين، أو (التأله)؟(/59)
رابعاً: من أوضح الأمور التي تدل على أن الدافع لدى القبوريين هو إشباع التأله في قلوبهم: تعلقهم بمشخصات لا علاقة لها بالأولياء مطلقاً، بل هي أنصاب وأوثان صريحة، يصرفون إليها مشاعر المحبة والخوف والرهبة والرجاء.. فإضافة إلى ما زعمه القبوريون من القبور المكذوبة على أصحابها، والقبور المنسوبة إلى صحابة وأولياء مزعومين ليس لهم وجود في السيرة والتاريخ.. هناك القبور الموهومة التي ليس بها أي دفين، فلقد (وُجِدت بعض الأضرحة الوهمية التي لا يوجد بها جثمان لأحد المشايخ، بل عبارة عن هيكل أو كوم من الطوب تحت قبة توارث الناس الاعتقاد فيها، وتفيد محافظ المجلس الصوفي عن حالة كهذه... واتضح أنه ليس هناك شيخ، بل هناك كوم تراب يدعونه الناس سيدي فرج)(62).
ولأن أمر هذه القبور المكذوبة والموهومة أصبح شائعاً، ولأن الأمر ليس في حقيقته إلا إشباع التأله في القلوب، فقد قرروا ذلك في صراحة، فقال أحدهم: (ولا يحتاج أن يطلب دليل وسند لصحة نسبة هذه الآثار إلى أصحابها، ويكفي أن تكون نسبتها مشهورة بين الناس)(63)، وقال الآخر: (وعلى كل حال: فلا بأس من زيارته [اي: القبر] على من توهم من وجوده)(64)، فالمهم أنه (يجب علينا التسليم في ذلك كله، واعتقاد تعظيم القبور المذكورة بما يعد تعظيماً، وبكل ما يليق من الاحترام، ولو على تقدير توهم الصحبة...)(10)، ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلى أَضْرَحة (دواب الأولياء)، ففي اللاذقية بسورية حضرة يقال إنها مدفن الفرس التي كان يركبها الولي المغربي، لا تزال حتى اليوم تزار وتبخر(65)، فالقبوريون عباد كل ضريح حتى لو ثبت عدم صحة نسبة الضريح إلى صاحبه أو كان الضريح لدابة أو ثبت عدم وجود قبر أصلاً.
وما دام الأمر كذلك، فما الفرق بين كوم تراب وحجارة أو أخشاب أو نحاس... أو أي شيء من المخلوقات؟.. لا فرق.. المهم وجود (السر) والتوجه إلى صاحبه!..(/60)
وهذا ما أوقع القبوريين في وثنية صريحة لا خفاء فيها ولا مواربة.
ففي الهند (يأخذون قليلاً من التراب من مكان ما، ويعطونه حكم نعش الإمام الحسين ، ويضعونه على مكان مرتفع كصُفّة وغيرها، ثم يقدمون له كل يوم أنواعاً من الشراب والحلاوة، والزهور والعطور وغيرها، ولا يسمحون لأحد أن يمر بتلك الصفة متنعلاً، ويسجدون لذلك التراب الذي أعطوه حكم قداسة جنازة الحسين ، ويطلبون منه المال والأولاد...) (66).
ولقد شاهد الشيخ محمد رشيد رضا بعض الرجال والنساء من العامة في مسجد (الحسين) بالقاهرة (يطوفون بعمود من الرخام، ويتمسحون به التماساً للبركة وتقرباً إلى (السيد البدوي)! معتقدين بأنه يجلس بجانب هذا العمود عند زيارة جده الحسين، ومنهم من يزعم أن روح السيد ترفرف دائماً هناك..)(67)، وفي نابلس بفلسطين عمود حجري كان مقدساً قبل الإسلام فوجد من يطلق عليه بعد انحراف الناس عن دينهم الحق: قبر الشيخ العمود(68).
وفي أوزبكستان أوقع الفراغ الروحي الذي خلفته الشيوعية الناس هناك في التعلق بأي شيء (مقدس)، وهذا ما دعاهم إلى ترتيب عملية سطو منظمة للظفر بقطعة من كسوة الكعبة، ومن ثم: جلبوها إلى بلادهم ووضعوها في إطار زجاجي علق في فناء المسجد؛ ليأتي الناس للتمسح والتبرك بها، كما يتبركون ويتمسحون هناك أيضاً بصورة الكعبة!(69).
بل ويتزاحم الناس في مولد البدوي بمصر (حول حمار يأتي به دراويش الطريقة الشناوية إلى قبر السيد، فيتسابقون لنزع شعرات من جسمه يصنعون منها الأحجبة، وهذا بالضبط ما كان قدماء المصريين يفعلونه بهذا الحيوان!)(70).. إلى غير ذلك من مظاهر لا يقبلها عقل رشيد ولا دين صحيح.
هذا ما تيسر ذكره حسب المصادر المتاحة لي، وهي تعتبر عينة عشوائية لما يحدثه القبوريون في معظم أنحاء العالم الإسلامي..(/61)
فما الذي دعاهم إلى هذا الاعتقاد وتقديم هذه القرابين والطقوس غير إغواء الشيطان لهم بالتأله لغير الله؟.. وإلى أي مدى تأخذ الخرافة والوهم والدجل من يريدون أن يضيئوا حياتهم بقبس من الظلمات؟
الهوامش :
(1) الاتجاه النفسي: (ميل عام مكتسب، نسبي في ثبوته، عاطفي في أعماقه، يؤثر في الدوافع النوعية، ويوجه سلوك الفرد)، انظر: أسس علم النفس الاجتماعي، للدكتور مختار حمزة، ص244.
(2) انظر: ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة نوح، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، في تفسير قوله ـ تعالى ـ: ((... ولا تذرن ودَاً ولا سواعاً ولا يغوث و يعوق ونّسراً)) [نوح: 23 ]، وانظر: تفسير الطبري، جـ 29، ص62، وإغاثة اللهفان، لابن القيم، جـ1، ص184.
(3) بتصرف عن: التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام، لعبد المجيد بن سالم بن عبد الله المشعبي، ص43، ص45. وانظر: تفسير ابن كثير، جـ2، ص140 ـ 141.
(4) روى القصة بتفاصيلها ابن إسحاق (1/76) عن أبي هريرة مرفوعاً، وصححها محمد بن رزق بن طرهوني في (السيرة الذهبية)، 1/65، وانظر: فتح الباري، جـ6 ص 634، وصحيح مسلم، ك/كسوف الشمس، باب رقم 9، 60، والمسند: 3/353، 5/137.
(5) د.أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة، جـ1، ص84.
(6) انظر: السابق، ص83، 84.
(7) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة.
(8) الفوائد، ص44، 45.
(9) د. محمد محمد أبو شهبة، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، جـ1، ص71.
(10) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص 334، وانظر: حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد، لمحمد بن سلطان المعصومي.
(11) ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، جـ1، ص217.
(12) ابن القيم، الفوائد، ص236.
(13) الإمام محمد بن علي الشوكاني، رسالة وجوب توحيد الله ـ عز وجل ـ، ت: د. محمد بن ربيع هادي المدخلي، ص80.(/62)
(14) تعتبر (رسائل إخوان الصفا) مرجعاً مهماً في تسويغ عقائد الباطنية الشركية، وقد ألفها مجموعة من الفلاسفة أشياع الفاطميين (العبيديين) في القرن الرابع الهجري.
(15) عن: هذه مفاهيمنا، للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ص32، ص102.
(16) مجلة المنار، جـ3، م33، ص216.
(17) موالد مصر المحروسة، عرفة عبده علي، ص85.
(18) رسالة (هدية طيبة)، ضمن مجموعة التوحيد، ص152.
(19) رسالة (كشف الشبهات)، ضمن مجموعة التوحيد، ص102، ص113.
(20) عن: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، د. شمس الدين السلفي الأفغاني، ص1083، وانظر: البريلوية، عقائد وتاريخ، إحسان إلهي ظهير، ص74، ص59.
(21) هيام فتحي دربك، مقال بعنوان: موالد الأولياء في مصر، المجلة العربية، ع/131، ذو الحجة 1408هـ، ص43.
(22) انظر: الانحرافات العقدية، ص335.
(23) البريلوية، ص75.
(24) محيي الدين البركوي الحنفي، زيارة القبور الشرعية والشركية، ص48.
(25) الديوبندية ـ تعريفها، عقائدها..، سيد طالب الرحمن، ص78.
(26) الخوري بولس سلمان، المزارات في شرقي الأردن، مجلة المشرق، 11/11/1920م، ص901.
(27) المنار، جـ3، م33، ص216.
(28) البريلوية، عقائد وتاريخ، ص74.
(29) هيام فتحي دربك، مصدر سابق، ص43.
(30) المزارات في شرقي الأردن، مجلة المشرق، ص908.
(31) د. زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص23، هامش1.
(32) ابن القيم، إغاثة اللهفان، جـ1، ص198.
(33) السابق، ص189.
(34) الديوبندية، ص132.
(35) حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد، لمحمد بن سلطان المعصومي الحنفي، ص25.
(36) مجلة المشرق، المزارات في شرقي الأردن، ص905.
(37) د. عبد الكريم دهينة: الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص117.
(38) مجلة المشرق، ص906، ص903، ص 913.
(39) الانحرافات العقدية، ص347.
(40) عن: البريلوية ـ عقائد وتاريخ، إحسان إلهي ظهير، ص58.
(10) مجموع الفتاوى، جـ27 ـ ص164.(/63)
(41) موالد مصر المحروسة، ص81، 82.
(42) رسالة العبودية، ت: محمد بشير عيون، ص65، 66، وانظر: مجموع الفتاوى، جـ10، ص216.
(43) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، تحقيق أبي حذيفة عبيد الله بن عالية، ص277.
(44) د. محمد محمد عودة، ود. كمال إبراهيم مرسي، الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام، ص103.
(45) د. يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص99.
(46) حسين أحمد أمين، تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين، مجلة العربي، ع/226، رمضان 1397هـ، ص131.
(47) د. زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص128.
(48) انظر: موالد مصر المحروسة، ص69، والصوفية والسياسة في مصر، ص50، ومقال: تأملات في حقيقة أولياء الله، ص137، ص136.
(49) انظر: مقال (تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين)، ص135.
(50) مجلة المنار، جـ3، م33، ص216 ـ 218.
(51) عن: الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ، لمحمد عبد الرؤوف القاسم، ص780.
(52) مجلة المنار، جـ3، م33، ص220.
(53) انظر: الانحرافات العقدية، ص304.
(54) تطهير الاعتقاد، للإمام الصنعاني، ص18 ـ 19.
(55) مجموع الفتاوى، جـ27، ص461.
(56) موالد مصر المحروسة، ص73.
(57) الصوفية والسياسة، ص50.
(58) انظر: موالد مصر المحروسة، ص72، 75.
(59) انظر: مجلة المشرق، مقال: المزارات في شرقي الأردن، ص902ـ 904.
(60) اعترافات.. كنت قبورياً، ص30.
(61) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص159.
(62) البريلوية، ص138.
(63) الانحرافات العقدية، ص285.
(64) نفسه، ص293.
(65) انظر: السابق، ص300.
(66) رسالة في تحريم اتخاذ الضرائح...، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، ص21.
(67) عن: السيد محمد رشيد رضا، إصلاحاته الاجتماعة والدينية، لمحمد أحمد درنيقة، ص222.
(68) انظر: مقال (تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين)، ص 315.(/64)
(69) انظر: مقال (مسلمو أوزبكستان)، د. عبد الرحمن محمد عسيري، مجلة: دراسات إسلامية، ع/1، ص218.
(70) حسين أحمد أمين، مقال (تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين)، ص136.
ملفات
(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)
دوافع تقديس القبور والأضرحة وآثارها
(2/2)
أفيون الشعوب الإسلامية
(النتائج والآثار)
خالد أبو الفتوح
عندما أطلق "ماركس" عبارته الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" لاقت رواجاً بين كثير من الشعوب الأوروبية؛ حيث كانت تتلطخ في أوحال النصرانية المحرفة المشبعة بالوثنية الرومانية والفلسفة الإغريقية التي آلت إلى طغيان كنسي شامل سيطر على عقول الناس وأرواحهم وأموالهم ونظم حياتهم، صاحبه فساد خلقي واسع لرجال الكنيسة واستعباد لأتباعهم وصل إلى حد توزيع قسائم حجوزات في الجنة (صكوك غفران) مقابل أموال يدفعها الراغبون، مستغلين في ذلك شيوع الخرافة والدجل بين هذه الشعوب.
وجدت مقولة "ماركس" رواجاً بين هذه الشعوب التي أرادت أن تنعتق من طاغوت الكنيسة، فكفرت بما ينبغي الكفر به، ولكنها - بدلاً من الإيمان الصحيح بالله - انتقلت إلى عبادة طاغوت جديد قديم شعاره : تقديس المادة والعقل.(/65)
وما كان للإسلام أن تطوله هذه الشطحات أو تلك الخزعبلات، فهو من جهة يعلي قيمة التفكر والتدبر ويراعي الحاجات الطبيعية التي غرزها الله في بني الإنسان والتي تمثل عوامل الدفع للاستخلاف في الأرض وعمارتها، ومن جهة أخرى : فإن العروة الوثقى في دين الله تعني بكل وضوح : الإيمان بالله والدخول في عبوديته وحده لا شريك له، وذلك لا يتم إلا بالخروج من عبادة كل مخلوق أو الخضوع له، حياً كان أو ميتاً، تقياً كان أو فاجراً، عظيماً أو حقيراً، غنياً أو فقيراً.. ((فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ويُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))[البقرة : 256] : (جئنا لنخرج من شاء الله من العباد من عبادة العباد (كل العباد) إلى عبادة رب العباد).
وعلى الرغم من وضوح هذه القيم في النصوص الشرعية وممارسات الرعيل الأول وأتباعهم، إلا أنه في غفلة من أهل الإسلام تسلل رويداً رويداً انحراف عقدي وشذوذ فكري أخذ ينخر في جسد الأمة، فعشش في عقول كثير من أبنائها وتربع على قلوبهم حتى أفرخ وثنية سافرة حيناً ومستترة أحياناً.. أعني بذلك : داء تقديس القبور والأضرحة والمزارات!، ذلك الداء الذي فعل في أمة الإسلام - أو كاد - ما فعلته خرافات الكنيسة وطغيانها بأمة النصارى.. أفيون اجتماعي مدمر للشعوب تماثل آثاره أفيون المخدرات المدمر للأفراد مع تغييبهم وتخديرهم - إن لم تزد عليها -..
فما هو حصاد السنين من نتائج وآثار تقديس القبور والأضرحة؟
أصل الانحرافات وأخطرها:(/66)
من الصعب على الباحث أن يحصر آثار تقديس القبور والأضرحة، ولكن هناك آثاراً يمكن إبرازها، لخطورتها، ولكونها تعتبر أمهات لانحرافات أخرى نتجت عن هذا الداء، ويقف على رأس هذه الآثار : أظلم الظلم : الشرك بالله - تعالى -، فالراصد لأحوال القبوريين يلحظ بوضوح انتشار الشرك بينهم بجميع أنواعه وصوره ودرجاته.. شرك في الربوبية، وشرك في الألوهية، وشرك في الأسماء والصفات.. شرك أكبر، وشرك أصغر... وما أدراك ما يحدثه الشرك من آثار نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع!
فمن شرك الربوبية ظهر واضحاً اعتقاد القبوريين في الأضرحة وأصحابها : أنهم يسمعون ويبصرون ويجيبون من يتوجه إليهم، وأنهم يعلمون الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وأن لهم قدرة في التصرف والتأثير في الكون بما ليس في طاقة البشر : كالخلق والإفناء، والإحياء والإماتة، وشفاء الأمراض، والنفع والضر، والعطاء والمنع، والإغناء والإفقار، وتحويل الأشياء عن حقيقتها...
كما زعم القبوريون أن في الأضرحة وأصحابها القدرة على الرفع والوضع في الدنيا والآخرة، وتفريج الكربات، وقضاء الحاجات، ومحو الذنوب وغفرانها...
وبناءً على هذا التصور المنحرف في الربوبية نشأ شرك الألوهية، حيث توجه القبوريون إلى الأضرحة وأصحابها بالعبادات والتقربات التي لا يصح صرفها إلا لله - عز وجل -، ففضلاً عن تبركهم بها على وجه غير مشروع وجعلهم إياها عيداً ومنسكاً حتى إنهم ليحجون إليها... فإنهم عظموها كما لو كانوا يعظمون الله - سبحانه -، فاقسموا بها، واستشفوا، واستنصروا، ولاذوا.. وأيضا: فإنهم دعوها، واستغاثوا بها، وذبحوا لها، ونذروا، وطافوا حولها، وسيّبوا لها السوائب، وساقوا إليها الهدي...(/67)
فإذا بدأنا بأقل الصور الشركية، وهو ما يحتمل أن يكون ذريعة إلى الشرك أو يكون شركاً أكبر نجد أن التبرك بالقبور والأضرحة من أبرز هذه الصور؛ فلقد اعتاد القبوريون على "أنهم بزيارتهم لهذه الأضرحة ستأتيهم البركة ويشفون من مرضهم أو يفكون عقم نسلهم... وكانوا يَمَسُّون عمامة صاحب الضريح - بعد الولائم - أملاً في شفاء أوجاع الرأس، ويَمَسّون قفطانه للعلاج من الحمى، ولحس الحجر لفك عسر اللسان، وتقديم العرائض طلباً لرفع الظلم، وتمسح النساء في الضريح أملاً في إنجاب الذكور.. "(1)، ولم يستحي القبوريون في طلبهم المنهوم للبركة المزعومة أن يستسيغوا المعاشرة الزوجية في هذه الأضرحة، فهذا الشعراني صاحب أكبر سجل لخرافات القبوريين يذكر من (كرامات) البدوي أنه دعاه إلى فض بكارة زوجته فوق قبة قبره " فكان الأمر! "(2)، وفي السودان "وصل الأمر - في العصر الحاضر- عند بعض الرجال المخرفين إلى مجامعة زوجاتهم عند أضرحة الأولياء، بدعوى نيل البركة"(3).
وبالطبع فإن هذا التبرك يفتح باب الرقى والتمائم الشركية على مصراعيه.
من الأصغر إلى الاكبر :
فإذا ما تركنا التبرك وقصدنا بيان الشرك الصريح في أقوال المعتقدين في الأضرحة وأفعالهم، فإننا نكاد ألا نستطيع الفصل بين أنواع الشرك في هذه الممارسات؛ فالشرك في الربوبية مصاحب للشرك في الأسماء والصفات، وينبني عليه باعتباره نتيجة حتمية : الشرك في الألوهية.. وإليك بعض نماذج لهذا الشرك أو ذاك:
من النماذج الصارخة التي تحوي أنواع الشرك كله (ربوبية - وألوهية - وأسماء وصفات) ما أورده أبوبكر العراقي عن أحد القبوريين "وهو إمام وخطيب في أحد مساجد ديالى المهمة، يقول : دعوت الله ست سنوات أن يرزقني الولد فلم أرزق، وذهبت إلى شيخي مصطفى النقشبندي في أربيل فما أن استغثت به وطلبت منه الولد حتى رزقت بطفلين توأمين!"(4) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.(/68)
فهذا (الإمام) أشرك في الربوبية لاعتقاده أن لشيخه النقشبندي القدرة على التصرف والتأثير في الكون بالنفع والعطاء من دون الله، ومن ثم فإنه : أشرك في أسماء الله الحسنى : النافع الضار، والوهاب، والرزاق.. وأشرك في الألوهية لصرفه عبادة لغير الله؛ وذلك بدعائه لشيخه النقشبندي أن يرزقه الذرية. فالانحراف في توحيد الربوبية عند القبوريين يتبعه دوماً انحراف في توحيد الألوهية، وإليك إيضاحاً آخر :
يقول عرفة عبده علي : "وقد احتشدت مؤلفات مناقب السيد البدوي بكرامات أسطورية غريبة لا تحصى، منها - على سبيل المثال -: إحياء الموتى، وانقاذ الأسرى في بلاد الفرنجة، وقوله للشيء كن فيكون بإذن الله!"..
فماذا ترتب على هذا الاعتقاد في البدوي؟.. يقول الكاتب نفسه : "وكثير من أتباعه يجعلونه في منزلة أسمى من مرتبة الأنبياء!(5).. فما هذه المنزلة؟
استمع إلى شهادة أحد العلماء : فقد رأى الشيخ رشيد رضا جماعة من هؤلاء القبوريين "تطوف حول قبر السيد البدوي، الذي تحول إلى كعبة ثانية، وكانت هذه الجماعة تطلب من السيد، لما شاع بينها من القصص والحكايات حول مقدرته العجيبة في قضاء الحوائج "(6)، فإذا كان ذلك في أحد القبور، فهل يختلف الحال في الأضرحة الأخرى؟
تفشى الداء :
إذا شملنا واقع الأضرحة بنظرة عامة وجدنا أن الطقوس التي يمارسها المعتقدون في القبور تعدت إلى كثير
من الصور التي تجسد أنواع الشرك بدرجاته المختلفة، وهذا هو واقع القبوريين :
* فبالأضرحة والقبور أقسموا: يقول الإمام الصنعاني : "... ويقسمون بأسمائهم، بل إذا حلف من عليه حق باسم الله - تعالى - لم يقبلوا منه، فإذا حلف باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه "(7) "... ولن يصدق أحد من الحالف إلا إذا حلف بواحد منهم، وهذا كان شيئاً طبيعياً كنا نراه في القرى ونحن صغار، ولا زال يجري للآن "(8).(/69)
وهذا الانحراف العقدي أثر من آثار الإلحاد في أسماء الله - تعالى - : العظيم (*)، والرقيب، والشهيد، والعليم...
* وبها لاذوا واحتموا : فكما جعل الله - سبحانه - البيت الحرام ملاذاً من دخله كان آمناً، جعل سدنة الأضرحة " تلك الأضرحة الوثنية حرماً آمناً يهرع إليها المجرمون والفارون، ويلجأ إليها الخائفون، ليأمنوا في رحابها، ويستريحوا في ظلالها، ... وكثيراً ما عفي عن اللائذين بالأضرحة من المجرمين إكراماً للمدفونين أو خشية ورهبة من انتقامهم وبأسهم "(9).
وقد يدخل ذلك في الإلحاد في أسمائه - تعالى - : الكافي، والولي، والنصير، والعزيز...
* واليها توجهوا بالطلب والدعاء : وهذه بدأت بأن "بث بعض المتصوفة فكرة أن الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين مستجاب "، وانتهت بأن " أخذ العوام يطوفون بقبور الصالحين، يستعينون بهم، ويخاطبونهم، ويستنهضون هممهم بالصياح والصراخ "(10)، حتى أصبح الواقع " أن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله - تعالى - من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل : يا سيدي فلان، أغثني.. "(11).
ولا شك أن من الدعاء : الاستغاثة والاستعانة : ومن المفارقات أن تلك العبادة تتجلى واضحة عند القبوريين في المواطن التي كان المشركون يخلصون فيها الدعاء لله وحده؛ لأنهم يعلمون أن آلهتهم لا تجيبهم ولا تنفعهم في تلك المواطن، ويحكي محمد السنوسي أنه "حين كان راكباً في البحر، وهاجت الرياح، وتلاطمت الأمواج حتى كادت السفينة أن تغرق، أخذ يستجير-كما يقول- بكل ما يستحضره من الأولياء كي يكشفوا كربته!"(12)، وليس هذا حالة خاصة، بل إن "من المشاهد اليوم أن كثيراً من الناس يستغيثون بالمشائخ والأنبياء والأئمة والشهداء..(13)..
فأمثال تلك المشاهدات المستقاة من الواقع الشركي للقبوريين دعت كثيراً من العلماء إلى التصريح بأن شرك الأولين من عباد الأصنام أخف وطأة من شرك القبوريين، وذلك من عدة وجوه بينوها في كتبهم (14).(/70)
ومن الدعاء أيضا: الاستشفاء، ولعلنا نوضح هذا الجانب لاحقاً عند الحديث عن الآثار الاجتماعية للاعتقاد في القبور والأضرحة.
ولا شك أن هذا الانحراف في الدعاء أثر من آثار الإلحاد في أسماء الله - تعالى - الحسنى، ومنها :
السميع، المجيب، المعطي، الرزاق، القادر، النافع , الضار، النصير، العليم، الشافي...
* ولها ذبحوا ونذروا : وهذه أيضاً من الشعائر اللازمة للاعتقاد في القبور والأضرحة، فالرعاة في شرقي الأردن يطوفون بالأغنام حول مقام النبي يوشع " في أزمان الأوبئة ويختارون خير النعاج، ويصعدونها إلى سطح المقام وينحرونها فيسيل دمها على عتبته "(15)، فـ"غاية الزيارات لمقامات الأولياء هي تقديم الذبائح "(16).
وكثيراً ما يقترن الذبح بالنذر، ولا شك أن الذبح والنذر (سواء أكان ذبحاً، أو إهداء زيت، أو إعطاء نقود..) من العبادات التي لا تجوز إلا لله - تعالى -، لذلك يقول الإمام الصنعاني - رحمه الله - : "والنذر بالمال على الميت ونحوه، والنحر على القبر، والتوسل به، وطلب الحاجات منه، هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماً، وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً.
والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية، فإن من شرب الخمر وسماها ماءً , ما شرب إلا خمراً..."(17).
ابحث عن الضريح!:(/71)
وكل ذلك لا يخص ضريحاً دون آخر، بل هو عام في جميع الأضرحة المقصودة بالتوجه والاعتقادت فحيثما كان ضريح يعتقد فيه؛ كان الشرك بجميع صوره وأنواعه ودرجاته؛ فهذا قبر ابن عربي بدمشق، يحكي عبد الله بن محمد بن خميس مشاهداته عنده، فيقول : "لقد ذهبت إلى قبر ابن عربي في دمشق فوجدت فئاماً من الناس يغدون إليه ويروحون.. وجدتهم يطوفون حوله، ويتوسلون به، ويعلنون دعاءهم له من دون الله. وجدت المرأة تضع خدها على شباك الضريح وتمرغه وتنادي : اغثني يا محيي الدين. وجدت الصبايا البريئات يجئن إليه، ويمددن أمامه الأكف، ويمسحن الوجوه، ويخشعن، ويتضرعن "(18).. باختصار : عند قبر ابى عربي في دمشق يمارس القبوريون شتى ألوان الشرك الأكبر"(19).
وفي الهند : أصبح قبر الشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني " مرجع الخلائق في العصر الأخير، ويطوفون حوله، ويعملون ويصنعون على قبره جميع الأعمال اللائقة بالمعبود، كالسجود، والنذور، وما أشبه ذلك.. وضريح الشيخ علي الهجوري في لاهور في باكستان، وهو من القبور العظيمة، والناس يزورونه كل سنة، بل كل يوم، ويطوفون حوله، ويسجدون له، ويقدمون النذور، ويستغيثون به، ويطلبون العون والمدد "(20)، و" عند القبر المنسوب إلى هود في حضرموت يحدث من الشرك الأكبر ما يعجز القلم عن وصفه، شأنه في ذلك شأن كل الأضرحة في البلاد الأخرى. وقد بولغ في تقديس هذا الضريح، فتراهم يشدون الرحال لزيارته وعندهم شيء من بقايا الشعور الوثني الذي كان يشعر به العرب للات والعرى، يستعينون به ويتوجهون إليه، ويولون وجوههم شطره لقضاء الحاجات، واستنزال البركات، ودفع الكربات "(21).(/72)
بل لقد اعترف أحد كبار منظِّري القبورية وهو الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية، فقال : "إن كثيراً من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية، ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله - تعالى - وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش : إنه الذي خلق الابن والدنيا، ومنهم من قال - والمطر نازل بشدة - : يا مولانا عبد السلام، الطف بعبادك!. فهذا كفر"(22).
بين الفرد والمجتمع:
كان هذا عرضاً لأهم صور الشرك، الذي هو أخطر مساوئ الاعتقاد في القبور والأضرحة على دين الإنسان ودنياه، فهو يناقض أساس الاسلام ويهدم الركن الأول منه، كما أنه يحمل في طياته مما يحمل : "التمزق النفسي والتفكير الخرافي , فإذا أمعنا النظر إلى أثر هذا الشرك في المجتمعات وجدنا آثاراً لا يستهان بسوئها، اقترنت بهذه المظاهر الشركية، ومنها:
شرك في التوحيد وشرك فى التشريع :(/73)
لا شك أن التشريع مرتبط بالتأله والتعبد، فهو أحد أقسام التوحيد، لذا : رأينا دائماً أن الانحراف في توحيد العبادة والنسك يصاحبه انحراف في توحيد التشريع والتحاكم، " فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه : ((ولايشرك في حكمه أحدا))[الكهف:26]... وقال في الإشراك به في عبادته : ((من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً))[الكهف:110] فالأمران سواء كما ترى إيضاحه "(23)، وعلى هذا "يرتبط التحليل والتحريم (التشريع) بالمعبود ارتباطاً وثيقاً، حتى لقد توافقت وتزامنت دعوة العرب للشرك بالله في عبادته وتغيير دين إبراهيم - عليه السلام -، مع إدخال تشريعات لم يأذن بها الله، بل أمر بها الطواغيت، فعمرو بن لحي الذي كان أول من غير دين إبراهيم - عليه السلام - وأدخل عبادة الأصنام في العرب، كان هو نفسه أول من سيَّب السوائب وشرع لهم الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها "(24).
وفي هذا يقول الشيخ محمد رشيد رضا : ((وأكثرهم لا يعقلون)) [المائدة:103]، أنهم يفترون على الله الكذب بتحريم ما حرموا على أنفسهم، وأن ذلك من أعمال الكفر به، بل يظنون أنهم يتقربون إليه ولو بالواسطة، لأن آلهتهم التي يسيبون باسمها السوائب.. ليست بزعمهم إلا وسائط بينهم وبين الله - تعالى -.. وهكذا شأن كل مبتدع في الدين بتحريم طعام أو غيره، وتسييب عجل للسيد البدوي أو سواه "(25).(/74)
وتعدى أمر التشريع عند القبوريين تسييب عجل للضريح، إلى التلاعب في بعض العبادات المفروضة، ويمثل الحج أبرز مثال لهذا التلاعب، الذي بدأ بسن آداب وطقوس معينة لزيارة تلك الأضرحة، "فالزيارة ليست مجرد مرور عابر، ويجب أن تؤخذ بمعناها الدقيق، فعملية الاستقبال داخل الضريح هي لقاء بين الولي (الداعي) والزائر (الضيف) "(26)، لذلك لم يقتصر القبوريون ".. على إقامة المباني والأضرحة عليها فحسب، بل صنعوا في آداب زيارتها وترتيبها المصنفات الطوال، منها : كتاب شمس الدين محمد بن الزيات المعروف (الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة)"(27).
ومن (آداب للزيارة) إلى (مناسك للحج)، فقد "آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً، ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه : (مناسك حج المشاهد) مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عُبَّاد الأصنام "(28).
ولم يكتفوا بتصنيف الكتب في ذلك، بل أشاعوا ذلك التشريع في جمهورهم، فالدكتور عبد الكريم دهينة يذكر عن قريته التي بها أكثر من ثلاثين ضريحاً تقام لها موالد ونذور ونسك، أنه "قد أفتى بعضُ الفسقة بأن الحج ينفع إليهم "(29)، كما " أن شطراً من العامة في صعيد مصر يرى أن الطواف سبع مرات بقبر الشيخ القناوي بقنا.. فيه غناء عن أداء الحج إلى بيت الله الحرام.."(30).
وعلى ذلك فليس بمستغرب أن يقول السخاوي : "جاء الحُجاج هذه السنة لسيدي أحمد البدوي من الشام وحلب ومكة، أكثر من حجاج الحرمين!"(31).
فهذا باب من التشريع، وهو أثر من آثار الإلحاد في أسماء الله الحسنى : الحكيم، والحكم، والعليم، والعزيز، والملك، والعظيم...(/75)
وكل ذلك أدى إلى الاستهانة بأوامر الله - عز وجل -، واستبدالها بتعظيم شعائر الأضرحة وأوامر سدنتها، وبذا كانت القبورية أحد الأسباب التي هيأت شعوب العالم الإسلامي لقبول العلمانية الوافدة وتشريع ما لم يأذن به الله.
شرك في التوحيد، ونكوص عن مجاهدة الأعداء :
ولست هنا بصدد تقييم علاقة أهل التصوف بمقاومة الأعداء - سلباً وايجاباً -، ولكننا نريد بيان أثر الأضرحة في جهاد أعداء الأمة، ضمن تأثيرها على حياة الشعوب الإسلامية في شتى المناحي. والمتتبع لأثر الأضرحة في هذا المجال يجد أن الأضرحة والقبور هيمنت على هذا الجانب ضمن هيمنتها على الحياة كلها، فأصبحت الأضرحة والمزارات تمثل بحق (أفيون الشعوب الإسلامية)!..
فقد اتخذتها الشعوب مثير قتال الأعداء ودافع مجاهدتهم، باعتبار أنها (الرموز المقدسة) التي لا ينبغي أن تمس، " ففي ريف المغرب الذي كان يحتله الإسبان قامت القبائل هناك بثورة عارمة ضدهم، حين بنى الإسبانيون مركزاً للحراسة بقرب ضريح تقدسه القبائل "(32)، وقد فطن الأعداء لهذا الأمر، فحرصوا على عدم المساس بهذه القبور والأضرحة لعدم إثارة الذين يقدسونها، بل ساهموا في الترويج لها ولطقوسها، بينما كانوا يبدلون منهج حياة المسلمين تبديلاً كاملاً، وينهبون ثروات البلاد نهباً منظماً، (ويرحل بنا المؤرخ العظيم عبدالرحمن الجبرتي إلى زمن الحملة الفرنسية، يوم تقلد الشيخ خليل البكري نقابة الأشراف... (وفيه سأل صاري عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم؟!، فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الأمور وتوقُّف الأحوال، فلم يقبل، وقال : لابد من ذلك، وأعطى له ثلاثمئة ريال فرنساوية معاونة، وأمر بتعليق تعاليق وأحبال وقناديل، واجتمع الفرنساوية يوم المولد، ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم...) "(33).(/76)
وكما مثلت القبور والأضرحة لدى المعتقدين فيها مثير قتال الأعداء ودافع مجاهدتهم، فإنها شكلت عندهم بديلاً لأي جيش يناهض هؤلاء الأعداء.
فهي عندهم (هيئة المستشارين) التي تقرر قتال الأعداء أو لا تقرره، يقول الدكتور عمر فروخ : "لا ريب في أن الأوروبيين قد عرفوا ذلك واستغلوه في أعمالهم الاستعمارية، ذكر مصطفى كامل بطل الوطنية المصرية في كتابه (المسألة الشرقية) قصة غريبة في أذن القارئ العادي، قال :
ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسا للقيروان في تونس : أن رجلاً فرنسياً دخل في الاسلام وسمى نفسه سيد أحمد الهادي، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية، وعين إماماً لمسجد كبير في القيروان، فلما اقترب الجنود الفرنساويون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها، وجاؤوا يسألونه أن يستشير لهم ضريح شيخ في المسجد يعتقدون فيه، فدخل (سيد أحمد) الضريح، ثم خرج مهولاً بما سينالهم من المصائب، وقال لهم : إن الشيخ ينصحكم بالتسليم؛ لأن وقوع البلاد صار محتماً، فاتبع القوم البسطاء قوله ولم يدافعوا عن مدينة القيروان أقل دفاع، بل دخلها الفرنساويون آمنين في (26) أكتوبر سنة 1881 م.."(34).
وهي عندهم (حرس الحدود) الذي يقوم على صد الأعداء، بل ومنع الفتن والأوبئة!، فـ"(كل مدينة كبيرة أو صغيرة محروسة بولي من الأولياء، فهو الذي يحميها من العين ومن الغارات ومن نكبات الطبيعة، ومن طمع الطامعين "(35)، وبناء على ذلك الاعتقاد يذكر الكوثري " أن أرض الشام يحرسها من الآفات والبلايا أربعة من الأولياء الذين يتصرفون في قبورهم!"(36).(/77)
وبخلاف الأضرحة الكبرى التي (تحرس) المدن المهمة والمراكز الحيوية، يشيع هذا الاعتقاد أيضاً عند القبوريين في القرى والنجوع، ففي "مركز مغاغة بالمنيا، وعلى وجه التحديد بقرية (بني واللمس) على البحر اليوسفي، يشتهر مقام سيدي (حسن أبو رايتين)... ويعتقدون أنه يحرس القرية ويحفظها من السرقة وعداوات الدم، ويلجؤون إليه لرفع المظالم... "(37).
وهي عندهم (وسائل دفاع جوي!)، فضريح (علي الروبي) بالفيوم بمصر " أنقذ المدينة من الدمار خلال الحرب العالمية الثانية، ببركته التي حولت مسار القنابل إلى بحر يوسف!"(38).
وهي عندهم (معين المدد والذخيرة)، فأثناء الثورة العرابية روَّج القبوريون إشاعة قوية مفادها " أن كبار الأولياء (الدسوقي - البدوي - عبد العال) أهدوا أحمد عرابي ثلاثة مدافع ليستعين بها على منازلة الإنجليز"(39).
وعندما يستدعي الموقف الإمداد بـ (قوات خاصة) لمنازلة عدو شديد البأس يطلب القبوريون المدد من الأضرحة وأصحابها أيضاً، فعندما أغار التتار على بلاد الشام " كان القبوريون يخرجون يستغيثون بالموتى عند القبور، ولذا قال بعض شعراء القبورية :
ياخائفين من التتر…لوذوا بقبر أبي عمر"(40)
وحين أغار جنود الفرنسيين والإفرنج على مصر "صاح المحاربون في المسلمين وصرخوا مستغيثين بغير الله مع الله : (يا رب يا لطيف، ويا رجال الله، ونحو ذلك)"(41).
وذكر الشيخ رشيد رضا " أنه عندما زحفت روسيا على مدينة بخارى فزع الناس إلى الاستغاثة بحامي بخارى! - كما يسميه أهلها - شاه نقشبند، فلم يغن عنهم شيئاً"(42).
وذكر أيضاً أنه " انتشر بين أهل مراكش، عند حلول النوائب بهم، وتعدي الأجانب عليهم، الاجتماع حول قبر الشيخ إدريس في فاس، طالبين أن يكشف ما نزل بهم من الشدة، تاركين ما تقتضيه حال العصر من التربية والتعليم والإعداد العسكري للأعداء "(43).(/78)
- وهي عندهم (جيوش متكاملة)، فلماذا الإعداد، والقبور والأضرحة عند المعتقدين فيها بمثابة جيوش متكاملة تفعل ما لا يستطيعه المحاربون؟!، فقد قال أحد كبار الصوفية في زمن احتلال الإنجليز لمصر، ما معناه : "لو أراد إبراهيم الدسوقي خروج الإنجليز من مصر ما بقي إنجليزي واحد، وقال بعضهم في نكسة سنة 1967 م ما يدور حول هذه الفكرة"(44).
وذكر الدكتور سيد عويس في كتابه المهم (رسائل إلى الإمام الشافعي) أن إحدى الرسائل الموجهة إلى ضريح الإمام الشافعي، والمؤرخة في أكتوبر سنة 1955م، يطلب صاحبها فيها "عقد جلسة شريفة يحضر فيها معه سيدنا الحسين وسيدنا الحسن، والست زينب أم هاشم، وجميع أهل بيت النبي! ويطلبون من الله مسح إسرائيل اليهود، وإزالتها من على وجه الأرض المقدسة في الأسبوع، ويكون - إن شاء الله - آخر ميعاد يوم الثلاثاء القادم!!(45).
ولها تعقد احتفالات النصر، فمما يذكره الجبرتي أنه عند " مغادرة الفرنسيين للقاهرة سنة 1216هـ هرع قائد الجيش العثماني (حسين باشا القبطان) إلى زيارة المشهد الحسيني، وذبح فيه خمس جواميس وسبعة أكباش، واقتسمتها خدمة الضريح "(46). فهل أضر مؤثر بقوة الأمة أعظم من هذا (التخدير) الذي سرى في جسدها بفعل أفيون تقديس القبور والأضرحة؟
شرك فى التوحيد وتخلف في المجتمع :
وترتفع الخرافة إلى ذروتها حينما يعمد القبوريون إلى إضافة التخصصات للأضرحة بعد تقسيم درجاتها إلى كبرى وصغرى، فمثلما كان للإغريق - ومن بعدهم للرومان واليونان - إله لكل شيء. إله للحرب، والهة للحب، وإلهة للخصب، إله للخمر.. وجدنا عند القبوريين أضرحة ومزارات تشتهر بتخصصها في حاجات مختلفة، يخصونها بالتوجه إليها لطلب هذه الحاجة منها.(/79)
ولعل من هذا القبيل : الأضرحة والمزارات النسائية، كمقام " الشيخة مريم التي يحتفل بمولدها مرتين: مرة في شم النسيم (*)، والأخرى في ذكرى مولد النبي، وقد اشتهرت ببركتها في الشفاء من العقم "(47)، وكذلك يطلب القبوريون "من ضريح الشيخة صباح في طنطا إبراء النساء من العقم "(48)، ومزار (بنات عين) في معان بالأردن : "انتشر ذكره بين العواقر، يفدن إليه بالقرابين والمصابيح لنيل البرء والشفاء، وهو مختص بالنساء فقط ويدعونه بالمستشفى النسائي!"(49)..
وإضافة إلى تلك الأضرحة والمزارات التي اشتهرت بتخصصها النسائي، هناك ضريح (النبي شعيب) في وادي السلط الجنوبي بالأردن "وهو ولي! مرهوب مختص بالأقسام الكبرى، إذا أشكلت الدعاوى واستعجمت مذاهبها.. ويطلب القاضي البدوي القسم الرهيب في بركة شعيب.. "(50)، وفي حلب بسورية "اعتاد بعض الناس هناك أن يسافروا إلى ضريح الشيخ ريح زاعمين أنهم يشفون من ريحهم... وللناس في قبر أبي العلاء المعري [بمعرة النعمان بسورية أيضاً] اعتقاد عظيم، يبيِّتون على قبره شربة ماء ويستعملونها للبرء من الحمى.
وفي مدينة طنطا [بمصر] يطلب الناس هناك من ضريح عز الرجال - وهو أحد تلاميذ البدوي - شفاء الأطفال ..ومن ضريح محمد الحدري المعروف بالعمري شفاء أمراض الروماتيزم!"(51).
فإذا كان هذا الاعتقاد الناشئ عن الانحرافات في اسم الله - تعالى - : الشافي، دعا المعتقدين في الأضرحة إلى التوجه إليها بالقربات والعبادات لنيل مرادهم، فإنه أثمر أيضاً تخلفاً اجتماعياً مريعاً؛ حيث استغنى الناس بالأضرحة عن الطب وعلومه، فما حاجتهم إلى طب (الكفار!) وعندهم أضرحة المسلمين التي تشفيهم - وبأيسر السبل - مما يعجز عنه الأطباء؟!، وذلك صرف الناس عن تعلم الطب، فأثر ذلك بدوره في تدني مستوى الطب في المجتمع، مما كان يدفع الناس نحو الأضرحة مرة أخرى لطلب الشفاء منها.(/80)
وإضافة إلى إهمال تعلم الطب فقد أهملت العلوم الأخرى، بل أهملت الخدمات الاجتماعية للأحياء لانشغال الناس بإعمار مراقد الأموات!.
شرك فى التوحيد، وفساد في الأخلاق :
إضافة إلى المفاسد الأخلاقية التي تحدث حول الأضرحة(52)، هناك أشكال من هذه المفاسد ارتبطت بها أيضاً، وفي ذلك تضرب (الموالد) بنصيب وافر، حيث يشيع فيها الفساد الأخلاقي مقترناً بالشرك الأكبر والأصغر.
ويجدر بالذكر هنا الإشارة إلى الأثر النصراني واليهودي في هذه الموالد، حيث تكاد تتطابق أشكال طقوس احتفالات أعياد الميلاد والموالد للقديسين و(الأولياء) النصارى واليهود مع ما يحدث في موالد الأولياء المسلمين(53)، حتى إن مولد (أبي حصيرة) اليهودي في قرية (ميتوه) بدمنهور في مصر - والذي كان يُحتفل به قبل التطبيع مع اليهود على أنه ولي مسلم، ويعقد مولده كل عام على هذا الأساس - يأتي إليه اليهود من أنحاء شتى ليقيموا مولده، وفيه : "تقاد الشموع وتسكب زجاجات الخمر على القبر، ويرقص النساء والرجال عرايا أو شبه عرايا على أنغام شرائط الكاسيت، وفي نهاية الليل يتمددون وهم سكارى فرادى ومتزاوجين في ظل حراسة جنود الشرطة والأمن المركزي!"(54).
هذه صورة من موالد (اليهود)، فماذا عن موالد (المسلمين)؟
في صدر مقالها عن موالد الأولياء في مصر، تعرف هيام فتحي دربك (المولد) بأنه : "الاحتفال بيوم ميلاد ولي من أولياء الله، والاحتفالات بالموالد تمارس في المنطقة التي فيها قبر الولي، وهي حفلات فولكلورية شعبية من غناء ورقص وتسلية، والاستماع إلى الموسيقى الصاخبة وألعاب الأطفال والمراجيح وحلقات الذكر الذي يتخذ مظهر الرقص أحياناً ومظهر الشعوذة أحياناً أخرى، ففيها يقوم الرجال بعمل حركات من قيام وقعود والى الشمال وإلى اليسار وهم يذكرون لفظ الجلالة.. الله، الله، حي، حي.. وقد يندمج بعضهم في حلقات الذكر فيشد شعره ويتمرغ على الأرض!"(55).(/81)
ولكن ماذا عن حالة المولد فيما مضى؟ يصف المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي أحد الموالد على عهده منذ حوالي مئتي عام، فيقول : " ينصبون خياماً كثيرة، وصواوين، ومطابخ، وقهاوي، ويجتمع العالَم الأكبر من أخلاط الناس، وخواصهم وعوامهم، وفلاحي الأرياف، وأرباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقرادين والحواة، فيملؤون الصحراء والبستان، فيطؤون القبور، ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلاً ونهاراً.. "(56).
فالموالد ما هي إلا فرصة للتحلل من كل الضوابط والتفلت من كل القيود سواء أكانت أخلاقية أو شرعية أو حتى تنظيمية، حتى أصبحت كلمة (مولد) تطلق على المواقف التي تشيع فيها الفوضى وعدم الانضباط.
فالمولد فرصة لأن "تنتهك فيه حرمات النساء، وتشرب الخمور"، حتى إنه " أصبح مجال حياة الناس في الترويح عن أنفسهم ومكاناً للهو والرقص والغناء الساقط "(57).
وفي أيام الربيع في الأردن يفد الزائرون إلى مزار (جعفر الطيار) " فترى الفتيات يرقصنَ حول المزار بأغاني مطربة ونغمات رقيقة.. "(58)..
فليس هذا خاصاً ببلد دون آخر، بل هو موجود حيثما كانت قبورية وأينما كانت موالد أو (احتفالات) أو (أعراس) للأضرحة.
وبعد :
فقد كانت هذه صورة لبعض نتائج تفشي داء تقديس القبور والأضرحة في العالم الإسلامي، والملاحظ أن هذه الصورة ما كانت إلا تعبيراً عن الهيمنة السلبية على حياة الناس كلها، وليس هذا الحال خاصاً بمحلة دون أخرى، بل وصل الحال إلى أن أصبح " أكثر المسلمين في العالم قد عبدوا القبور بأنواع من العبادات، بل عبدوا الأشجار والغارات، وقد ارتكبوا أنواعاً من الشرك بالله - تعالى -! "(59)..(/82)
ولم يقتصر ذلك على الجهال والطغام، بل شمل جمهرة من المنتسبين إلى العلم الشرعي أو من يسمون أنفسهم بالمثقفين والمتحضرين!، لا ينجو من ذلك إلا المتحصن بعقيدته، المستحضر توحيد ربه، الذي امتلأ قلبه بمحبة الله - عز وجل - وخشيته ورجائه.
إن تقديس القبور والأضرحة داء يعمل في أعز مشخصات هذه الأمة وأبرز ما يميزها، وهو التوحيد، وإن من علامات صحة الجسد إحساسه بالألم؛ فالجسد الميت أو الواقع تحت تأثير مخدر لا يحس بالألم رغم وجود مقتضاه، وهذه الأمة لا تموت ولا تنتهي إلا عند الإيذان بانتهاء الحياة في هذه الدنيا، ولكنها قد تدخل في غيبوبة عن أمر دينها أو أمر دنياها، إما بسبب غفلة من أبنائها أو بسبب كيد من أعدائها، أو بكليهما، وعند ذاك فإن كل من يساهم في إزالة أثر المخدر عنها، وكل من يساعد في (إيلامها) أو إظهار ألمها، فإنه يضرب بسهم في معافاتها، لأنها عندما تحس بالألم تعرف أنه أصابها داء، وعندما تدرك أنها مريضة تبحث عن الداء الذي أصابها لتقضي عليه وتفيق من رقادها.
فهل يبذل الدعاة -بل كل مسلم موحد -جهودهم ويجردون سيوف دعوتهم لإنقاذ الغارقين في غيبوبة الخرافات والأوهام الشركية، الذين أوشكوا على الهلاك؟
هذا ما نرجوه ونأمله، وندعو الله العلي القدير أن يوفقنا وإياهم لما يحب ويرضى.
الهوامش :
(1) د. زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر، ص 129.
(2) عن : جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، د. شمس الدين السلفي الأفغاني، ص 744، نقلاً عن الطبقات الكبرى للشعراني.
(3) د. ناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع، التبرك - أنواعه وأحكامه، ص 473 - 474.
(4) حوار مع الصوفية، ص 56.
(5) موالد مصر المحروسة، ص 80.
(6) محمد أحمد درنيقة، السيد محمد رشيد رضا، إصلاحاته الاجتماعية والدينية، ص 207.
(7) تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، ص 26.
(8) د. عبد الكريم دهينة، الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص 89.(/83)
(*) نلاحظ أن الإلحاد في اسمه - تعالى - : العظيم، يدخل فيه معظم الشركيات، لأنها ناتجة عن تعظيم القبوريين لهذه الأضرحة واصحابها.
(9) الانحرافات العقدية، ص 339 .
(10) محمد أحمد درنيقة، السيد محمد رشيد رضا، إصلاحاته الاجتماعية والدينية، ص217.
(11) روح المعاني، م 3، جـ6، ص 128.
(12) الانحرافات العقدية، ص 321.
(13) جهور علماء الحنفية، ص 416، نقلاً عن أبي الحسن الندوي في رسالته (تقوية الإيمان).
(14) انظر على سبيل المثال : رسالة (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورسالة (أربع قواعد) له أيضاً، وصيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، لمحمد بشير السهسواني الحنفي، ص 166، وغاية الأماني في الرد على النبهاني، لمحمود شكري الألوسي، 1 /295.
(15) مقال (المزارات في شرقي الأردن)، ص 903.
(16) ا لسابق، ص 914.
(17) تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، ص 18 - 19.
(18) شهر في دمشق، ص 64.
(19) علي بن بخيت الزهراني، الانحرافات العقدية، ص 327.
(20) السابق.
(21) السابق، ص 326.
(22) عن : جهود علماء الحنفية...، ص 479 - 480، نقلاً عن : إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد على القبور، للغماري.
(23) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان، جـ7، ص 162.
(24) بتصرف عن : أضواء على ركن من التوحيد، لعبد العزيز بن حامد، ص 16، وحديث أن عمراً بن لحي "أول من سيَّب السوائب" في البخاري، ك / التفسير، ب /13.
(25) تفسير المنار، جـ7، ص 204.
(26) موالد مصر المحروسة، ص 83.
(27) د. سعاد ماهر فهمي، مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، جـ 1، ص 47.
(28) إغاثة اللهفان، لابن القيم، جـ 1، ص 197.
(29) الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص 128.
(30) حسين أحمد أمين، مقال (تأملات في حقيقة أمر أولياء الله الصالحين)، ص 137.
(31) نقلاً عن : بدع الاعتقاد، لمحمد حامد الناصر، ص 268.
(32) الانحرافات العقدية، ص 305 .(/84)
(33) عرفة عبده علي، موالد مصر المحروسة، ص 14.
(34) نقلاً عن : التصوف بين الحق والخلق، لمحمد فهر شقفة، ص 211، وانظر : هذه هي الصوفية، لعبد الرحمن الوكيل، ص 171.
(35) ا لانحرافات العقدية، ص 324.
(36) عن : جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، د. شمس الدين السلفي الأفغاني، ص 461.
(37) موالد مصر المحروسة، ص 53 - 54.
(38) السابق، ص 53.
(39) الصوفية والسياسة، ص 120.
(40) جهود علماء الحنفية...، ص 458.
(41) السابق، ص 460.
(42) عن : الانحرافات العقدية، ص 320.
(43) محمد أحمد درنيقة، مصدر سابق، ص 218.
(44) د. عبد الكريم دهينة، الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص 120.
(45) نقلاً عن : مقال (الأضرحة - مدخل تاريخي واجتماعي)، للأستاذ/ وليد فكري فارس، مجلة التوحيد المصرية، السنة (24)، العدد (4)، وانظر : الصوفية والسياسة، ص 51.
(46) عن : بدع الاعتقاد، لمحمد حامد الناصر، ص 269.
(*) أصله عيد فرعوني، ويراد له الانتشار الآن مزاحمة لأعياد المسلمين.
(47) موالد مصر المحروسة، ص 53.
(48) الانحرافات العقدية، ص 336.
(49) مجلة المشرق، 11 / 11 / 1920 م، مقال : المزارات في شرقي الأردن، ص 907.
(50) السابق، ص 903.
(51) الانحرافات العقدية، ص 336.
(52) انظر على سبيل المثال : الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، للدكتور زكريا سليمان بيومي، ص133 - 137.
(53) انظر : موالد مصر المحروسة، ص 17.
(54) جريدة (الوفد) القاهرية، 4/8 /1416 هـ، ص 6.
(55) هيام فتحي دربك، مصدر سابق، ص 41.
(56) نقلاً عن : هذه هي الصوفية، لعبد الرحمن الوكيل، ص 161.
(57) د. زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص 131.
(58) المزارات في شرقي الأردن، ص 906.
(59) الشيخ مسعود الندوي، نقلاً عن : جهود علماء الحنفية، للدكتور شمس الدين السلفي، ص 472.
ملفات
(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)
انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها
(1/2)(/85)
فسطاط الخرافة.. الجذور والواقع
خالد محمد حامد
تقديس القبور والأضرحة) مفهوم لم يعرفه الإسلام ولو في إشارة يسيرة، بل جاءت نصوصه الثابتة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تفضي إلى ذلك المفهوم الذي يمثل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك؛ فمن الأقوال القاطعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يدع مجالاً لتوهم نسخ أو تخصيص أو تقييد ما جاء عنه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)(1)، وعنه: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (2).. هذا في قبره الشريف وفي كل قبر، وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته)(3)، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن (يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) وفي زيادة صحيحة لأبي داود: (أو أن يكتب عليه)(4).. ولعن (المتخذين عليها [اي القبور] المساجد والسُرج)(5).
من النور إلى الظلمات:
وعلى ذلك سار سلفنا الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان (ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام، لا في الحجاز، ولا اليمن، ولا الشام، ولا العراق، ولا مصر، ولا خراسان، ولا المغرب، ولم يكن قد أحدث مشهد، لا على قبر نبي، ولا صاحب، ولا أحد من أهل البيت، ولا صالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدَثة بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس، وتفرقت الأمة، وكثر فيهم الزنادقة الملبّسون على المسلمين، وفشت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك من دولة المقتدر في أواخر المئة الثالثة؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القدّاحية في أرض المغرب، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر)(6).(/86)
(ولم يكن في العصور المفضلة (مشاهد) على القبور، وإنما كثر بعد ذلك في دولة بني بويه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، وكان بها زنادقة كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في بني بويه من الموافقة لهم على بعض ذلك. ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم، فبنوا المشاهد المكذوبة كمشهد علي -رضي الله عنه- وأمثاله...)(7).
(... وفي دولتهم أُظهر المشهد المنسوب إلى علي -رضي الله عنه- بناحية النجف، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي -رضي الله عنه- بقصر الإمارة بالكوفة)(8).
فعندما بدأت المحدَثات تدب في حياة المسلمين، كان منها ذلك الأمر الجلل (فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد وتعطيل المساجد... ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى صنف كبيرهم (ابن النعمان) كتاباً في (مناسك حج المشاهد) وكذبوا فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه، وغيروا ملته، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب)(9).
الرواد الأوائل:
وعلى ذلك يتضح أن الذين بذروا بذورَ شرك القبور كانوا رافضة، وهذا ما تؤكده لنا عالمة الآثار الدكتورة سعاد ماهر فهمي عندما تسرد أوائل الأضرحة ذات القباب، فتقول: (.. ويليها من حيث التاريخ: ضريح إسماعيل الساماني(10) المبني سنة 296 هـ في مدينة بخارى، ثم ضريح الإمام علي - رضي الله عنه - في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ، ثم ضريح محمد بن موسى في مدينة قم بإيران سنة 366 هـ، ثم ضريح (السبع بنات) في الفسطاط سنة 400 هـ، وقد احتفظت لنا جبّانة أسوان بمجموعة كبيرة من الأضرحة ذات القباب التي يرجع تاريخ معظمها إلى العصر الفاطمي في القرن الخامس الهجري)(11).(/87)
فبدايات تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة ارتبطت تاريخياً بأسماء: القرامطة، وبني بويه، والفاطميين (العبيديين)، والسامانيين، والحمدانيين... وجميعهم روافض وإن تفاوتوا في درجة الغلو(12).
على أن الدكتورة سعاد ماهر تذكر لنا (أن أقدم ضريح في الإسلام أقيمت عليه قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري، وقد عُرف هذا الضريح باسم (قبة الصليبية)، ويوجد في مدينة سامرّا بالعراق على الضفة الغربية لنهر دجلة إلى الجنوب من قصر العاشق...، ويقول الطبري: إن أم الخليفة العباسي استأذنت في بناء ضريح منفصل لولدها فأذن لها؛ إذ كانت العادة قبل ذلك أن يدفن الخليفة في قصره، فأقامت قبة الصليبية في شهر ربيع الثاني سنة 284هـ، وقد ضم الضريح إلى جانب المنتصر الخليفة المعتز والمهتدي، وتعتبر قبة الصليبية(13) أول قبة في الإسلام)(14).
ولكن الدكتورة سعاد تذكر لنا الأضرحة (ذات القباب) فقط، ولا ندري هل كانت قبل قبة الصليبية أضرحة أخرى ليست ذات قباب أم لا؟
تعانق الجبت مع الطاغوت:
على أن الذي يعنينا في هذا المقام هو أن (تقديس القبور والأضرحة) أمر حادث في الإسلام، وإحداثه لم يرتبط بأهل التقوى والعلم، بل ارتبط بأصحاب الدعوات الهدامة وأهل السلطان، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل ذلك في قوله ـ تعالى ـ عن أصحاب الكهف: ((قَالَ الَذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً)) [الكهف: 21] فالذين أرادوا اتخاذ مسجد على قبور الفتية هم أهل الغلبة.(/88)
ولعلنا نلمح أن في ذلك جنساً من اتباع سَنَن من كانوا قبلنا في تعانق الجبت مع الطاغوت عند حدوث الانحراف العقدي، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ: ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ..)) [النساء: 51]؛ حيث يتآزر دعاة الأوهام والخرافة مع أصحاب الطاعة والتشريع من دون الله، ويتبادلون الأدوار أحياناً، فتجد الكهان والمنجمين والسحرة يطلبون الطاعة ممن يؤمن بخرافاتهم ويحلون له الحرام، ويُحرمون عليه الحلال، كما أنهم يمدون أصحاب السلطان والطاعة بالشرعية التي هم في حاجة إليها، وتجد أصحاب السلطان ممن يُطاعون في معصية الله يستشيرون الخرافيين ويقربونهم ويفسحون المجال للترويج لبدعهم بين الناس.. ولا شك أن لكل ذلك أثراً في الواقع.
دينهم وديدنهم:
كما أن مكانة القبور والأضرحة (المقدسة)! غير قابلة للمساومة في دين الرافضة؛ فطائفة البهرة الإسماعيلية (من غلاة الرافضة) ذات نشاط واسع في عمارة وتجديد المساجد ذات الأضرحة بحجة الاهتمام بالعمارة الإسلامية، وبخاصة في مصر... والقبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير في دمشق ـ وهو القبر المنسوب إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ ما زال مكتوباً عليه إلى الآن: قام بعمارة البناية الضخمة عليه والمسجد حولها والقبة المزخرفة: محمد بن حسين نظام وأولاده من طائفة الشيعة(15).(/89)
وأيضاً فإن أصحاب الأضرحة الكبرى ممن ينسب إلى التصوف هم في الحقيقة من غلاة الشيعة الباطنية؛ حيث (من العراق انطلق أحد أتباع الرفاعي إلى مصر، وهو (أبو الفتح الواسطي) (جد إبراهيم الدسوقي) لنشر دعوتهم الباطنية بها، وقد كان ذلك في العهد الأيوبي، وبعد موت الواسطي جاء (البدوي) ليخلفه في دعوته تلك، وقد توزع هؤلاء الدعاة في مصر، فكان (الدسوقي) بدسوق و (أبو الحسن الشاذلي) بالإسكندرية، و (أبو الفتح الواسطي) ما بين القاهرة وطنطا والإسكندرية، ولما مات الواسطي حل محله البدوي بطنطا، وجميعهم من فلول العبيديين الذين طردهم صلاح الدين الأيوبي من مصر، ثم حاولوا العودة تحت ستار التصوف والزهد... كما أن كلاّ من ابن بشيش وابن عربي قد تتلمذا على يد (أبي مدين) بالمغرب)(16).
(وفي أواخر عهدهم أنشأ الفاطميون المشهد الحسيني عام 550هـ عندما شعروا بأن سلطتهم قد ضعفت ليجذبوا إليهم المصريين، وعهدوا إلى ابن مرزوق القرشي (564هـ (تربية مريدي الصوفية، فانتظم أتباعه في طوائف وطرق لنشر الدعوة الشيعية؛ إلا أن هذه التنظيمات انهارت بانهيار الدولة الفاطمية وتحول المشهد الحسيني إلى ضريح صوفي)(17).
والحاصل: أن تقديس القبور وزيارة المشاهد تقليد شيعي في نشأته، فالشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور؛ حيث تتبعوا ـ أو زعموا ـ قبور من مات قديماً ممن يعظمونهم من آل البيت، وراحوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد ومزارات، ثم جاء الصوفية فنسجوا على هذا المنوال، فجعلوا أهم مشاعرهم هو زيارة القبور وبناء الأضرحة والطواف بها والتبرك بأحجارها، والاستغاثة بالأموات(18).
الحاجة أمّ الاختراع:(/90)
وأصبح تقديس القبور والأضرحة لازماً من لوازم الطرق الصوفية؛ بحيث لا يتصور أحد وجود طريقة صوفية من غير ضريح ـ أو أكثر ـ تقدسه.. ومع تمكن الداء من جسد الأمة ظهرت (الحاجة) إلى تعدد الأضرحة والمزارات لتلبي رغبات من صرعتهم الأوهام، وضاق بالقبوريين أن يتحروا ثبوت قبور الأولياء المشهورين لدى جمهورهم، ولأن الحاجة أُمّ الاختراع ـ كما يقال ـ فقد وجدوا لهذه الأزمة بعض المخارج والحيل:
- فظهر ما يسمى بأضرحة الرؤيا، تقول الدكتورة سعاد ماهر: (ظهر في العصور الوسطى ـ وخاصة في أوقات المحن والحروب التي لا تجد فيها الشعوب من تلوذ به غير الواحد القهار ـ أن يتلمسوا أضرحة آل البيت والأولياء للزيارة والبركة والدعاء ليكشف الله عنهم السوء ويرفع البلاء، ومن ثم: ظهر ما يعرف بأضرحة الرؤيا، فإذا رأى ولي من أولياء الله الصالحين في منامه رؤيا مؤداها أن يقيم مسجداً أو ضريحاً لأحد من أهل البيت أو الولي المسمى في الرؤيا فكان عليه أن يقيم الضريح أو المسجد باسمه)(19).
وتلك كانت الدعوى نفسها التي أقيمت عليها (مزارات الشهداء) عند النصارى (وكان ذلك إبان القرن الخامس الميلادي؛ حيث أصبح لكل قرية مزار لشهيد يحوي عظاماً لبعض الموتى المجهولين، أخرجت من القبور، ومنحت كل التبجيل والاحترام، دون أدنى دليل يثبت أنها ـ على الأقل ـ بقايا مسيحيين، ويُخلع على هذه الرفات أسماء وألقاب لائقة، وفي حالات كثيرة كان المرجع الوحيد في هذا الشأن (حلم) أو (رؤيا) لكاهن أو راهب)(20).(/91)
وعلى ذلك لا يلزم أن يكون الولي المقام الضريح باسمه ثبت وجوده في ذلك المكان، بل لا يلزم أن يكون وطئت قدمه أرض تلك البلاد أصلاً، ومن هنا ظهرت أضرحة مزعومة ومكذوبة في طول البلاد وعرضها، وتعددت الأضرحة للولي الواحد في أكثر من قُطْر، ولتسويغ ذلك الخطل نسجوا خرافة واضحة الزور والبهتان، فقالوا: إن الأرض لأجسام الأولياء كالماء للسمك، فيظهرون بأماكن متعددة ويزار كل مكان قيل عنه إنه فيه نبي كريم أو ولي عظيم(21).
- ومن الحيل الرائجة لإقامة ضريح أو مشهد: نسج الكرامات حول الشخص المزعوم بأنه ولي، أو حول المكان المزعوم بأنه مكان قبر ولي.
فمما ينسج حول الأشخاص: ما حدث مع (الشيخ) صالح أبي حديد الذي كان وبعض صحبه من قطاع الطريق، وحين كشف أمره هرب ولجأ إلى بيت مغنية مشهورة، فأخفته وادعت أنه مجنون ووضعت في رجليه قيداً من حديد، وقد اعتقل لسانه من شدة الخوف، ثم أشاعت هي والمجتمعون من حوله أن له كرامات وإخباراً بالمغيبات، فأقبل عليه الناس بالهدايا والنذور حتى ذاع صيته، وزاره الخديوي إسماعيل واستبشر به وبنى له قبراً بقبة عالية بعد وفاته ووقف عليه الأرض وغيرها(22).
ومن ذلك: مسجد في حلب يعرف بمسجد العريان، يعتقده أهل المحلة الموجود بها، ويقولون: إنه عرف بالعريان؛ لأنه في أكثر أوقاته يتجرد من ثيابه، ويدّعون أن ذلك لغلبة الحال عليه(23).
الواقع الأليم.. شبكة أضرحة:(/92)
ولغفلة جموع كثيرة من الأمة عن حقيقة دينها فقد أنبتت هذه الجذور شبكة واسعة من القبور والأضرحة (المقدسة) عمت معظم أنحاء العالم الإسلامي، بل إن بعض الباحثين يقدر عدد الأضرحة في القطر الذي يعيش فيه بما لا يقل عن عدد المدن والقرى في هذا القطر، حيث يقول: (وأضرحة الأولياء التي تنتشر في مدن مصر ونحو ستة آلاف قرية: هي مراكز لإقامة الموالد للمريدين والمحبين، ويمكننا القول: إنه من الصعب أن نجد يوماً ـ على مدار السنة ـ ليس فيه احتفال بمولد ولي في مكان ما بمصر)(24)، بل أصبحت القرى التي تخلو من الأضرحة مثار تندر وتهكم سدنة الأضرحة، فقد ذكر الدكتور زكريا سليمان بيومي أن من القرى التي تخلو من أضرحة الأولياء: (بِيّ العرب) و (أبو سنيطة) و (ميت عفيف) وهي جميعاً مركز الباجور منوفية، وأطلق المشايخ أمثلة شعبية على بخل هذه القرى وخلوها من البركة ما زالت سارية بين الناس حتى الآن!(25).
ولكي ندرك حجم المأساة أكثر سنورد بعض ما تيسر من نماذج توضح حجم انتشار هذه الأضرحة في بعض بقاع العالم الإسلامي، وبالطبع، فليس من بلد به ضريح إلا وله مريدون ممن يعتقدون فيه..
فمن بين ألوف الأضرحة المنسوبة إلى الأنبياء والصحابة والأولياء في العالم الإسلامي يشتهر في مصر من بين أكثر من ستة آلاف ضريح (على تقدير من أشرنا إليهم (أكثر من ألف ضريح(26)، (ويذكر صاحب الخطط التوفيقية علي باشا مبارك أن الموجود في زمنه في القاهرة وحدها مئتان وأربعة وتسعون ضريحاً)(27)، أما خارج القاهرة فيوجد (على سبيل المثال في مركز فوّة.. (81) ضريحاً، وفي مركز طلخا (54)، وفي مركز دسوق (84)، وفي مركز تلا (133)، وهي الأضرحة التابعة للمجلس الصوفي الأعلى، بخلاف الأضرحة التابعة للأوقاف أو غير المقيدة بالمجلس الصوفي)(28) كما يوجد في أسوان أحد المشاهد يسمى مشهد (السبعة وسبعين ولياّ)(29).(/93)
وتنقسم الأضرحة إلى كبرى وصغرى، وكلما فخم البناء واتسع وذاع صيت صاحبه زاد اعتباره وكثر زواره.
فمن الأضرحة الكبرى في القاهرة: ضريح الحسين، وضريح السيدة زينب، وضريح السيدة عائشة، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح الإمام الشافعي، وضريح الليث ابن سعد... وخارج القاهرة تشتهر أضرحة: البدوي بطنطا، وإبراهيم الدسوقي بدسوق، وأبي العباس المرسي بالإسكندرية، وأبي الدرداء بها أيضاً، وأبي الحسن الشاذلي بقرية حميثرة بمحافظة البحر الأحمر، وأحمد رضوان بقرية البغدادي بالقرب من الأقصر، وأبي الحجاج الأقصري بالأقصر أيضاً، وعبد الرحيم القنائي بقنا...
أما في الشام فقد أحصى عبد الرحمن بك سامي سنة (1890م) في دمشق وحدها 194ضريحاً ومزاراً، بينما عد نعمان قسطالي المشهور منها 44 ضريحاً، وذكر أنه منسوب للصحابة أكثر من سبعة وعشرين قبراً، لكل واحد منها قبة ويزار ويتبرك به.
وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية كان يوجد 481 جامعاً يكاد لا يخلو جامع فيها من ضريح، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب إلى أبي أيوب الأنصاري في الآستانة (القسطنطينية).
وفي الهند يوجد أكثر من مئة وخمسين ضريحاً مشهوراً يؤمها الآلاف من الناس.
وفي بغداد كان يوجد أكثر من مئة وخمسين جامعاً في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وقلّ أن يخلو جامع منها من ضريح، وفي الموصل يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة(30).
وفي معظم مناطق أوزبكستان كثير من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة والمشائخ ورجال العلم والأولياء، وأصبحت هذه القبور مزارات يفد إليها مريدوها جماعات وأفراداً، يدعون ويبكون، ومن أهم تلك المزارات ضريح قثم بن العباس ابن عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سمرقند، وضريح الإمام البخاري في قرية خرتنك(31).
بين الحقيقة والوهم:(/94)
وإذا كان ذكر أسماء الأضرحة المشهورة في العالم الإسلامي قد يشق على المتابع فسنذكر هنا طرفاً من الأضرحة المكذوبة والمشكوك في نسبتها:
فضريح الحسين بالقاهرة (كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم)(32)، (فإنه معلوم باتفاق الناس: أن هذا المشهد بني عام بضع وأربعين وخمسمئة، وأنه نقل من مشهد بعسقلان، وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمئة... فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين -رضي الله عنه- قول بلا حجة أصلاً..)(33).
وقد ورد عن المشائخ: ابن دقيق العيد وابن خلف الدمياطي وابن القسطلاني والقرطبي صاحب التفسير وعبدالعزيز الديريني إنكارهم أمر هذا المشهد، بل ذكر عن ابن القسطلاني أن هذا المشهد مبني على قبر نصراني(34).
وإضافة إلى مشهدي عسقلان والقاهرة هناك ضريح آخر في سفح جبل الجوشن غربي حلب ينسب إلى رأس الحسين -رضي الله عنه- أيضاً، وهو من أضرحة الرؤيا، وكذلك توجد أربعة مواضع أخرى يقال إن بها رأس الحسين: في دمشق، والحنانة بين النجف والكوفة، وبالمدينة عند قبر أمه فاطمة ـ رضي الله عنها ـ، وفي النجف بجوار القبر المنسوب إلى أبيه -رضي الله عنه-، وفي كربلاء حيث يقال: إنه أعيد إلى جسده(35).
ورغم أن المحققين يقولون إن السيدة زينب بنت علي ـ رضي الله عنهما ـ ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع، إلا أن القبر المنسوب إليها والذي أقامه الشيعة في دمشق هو (القبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير إليه...)(36).(/95)
ولا يقل عنه جماهيرية ذلك الضريح المنسوب إليها في القاهرة، والذي لم يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل محمد علي باشا بسنوات معدودة ـ كما يذكر أحمد زكي باشا ـ(37)، ويقول علي مبارك في الخطط التوفيقية: (لم أرَ في كتب التاريخ أن السيدة زينب بنت علي ـ رضي الله عنهما ـ جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات)(38).
وأهل الإسكندرية بمصر يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن أبا الدرداء مدفون في الضريح المنسوب إليه في مدينتهم، ومن المقطوع به عند أهل العلم أنه لم يدفن في تلك المدينة(39).
ومن أضرحة الرؤيا: مشهد السيدة رقية بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالقاهرة، أقامته زوجة الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، وذلك بلا خلاف(40)، ومنها كذلك: ضريح السيدة سكينة بنت الحسين ابن علي ـ رضي الله عنهم ـ(41)، ويذكر المقريزي في خططه (2/45) جملة من الأضرحة المزعومة، منها: (قبر في زقاق المزار تزعم العامة ومن لا علم عنده أنه قبر يحيى بن عقب، وأنه كان مؤدباً للحسين بن علي بن أبي طالب، وهو كذب مختلق وإفك مفترى، كقولهم في القبر الذي بحارة برجوان إنه قبر جعفر الصادق، وفي القبر الآخر إنه قبر أبي تراب النخشبي... إلى غير ذلك من أكاذيبهم)(42).
ومن أشهر الأضرحة أيضاً: ضريح الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنجف بالعراق، وقد مرّ بنا سابقاً كلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ من أنه قبر مكذوب، وأن علياً -رضي الله عنه- دفن بقصر الإمارة بالكوفة(43).
وفي البصرة عدد من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة منها: قبر عبد الرحمن بن عوف رغم أنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع(44).
وفي بلدة الرها من أعمال حلب ضريح يقال إنه لجابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ مع أن جابراً توفي في المدينة(45).
وفي مدينة نصيبين بالشام (حالياً بجنوب تركيا) قبة يزعمون أنها لسلمان الفارسي، مع أنه -رضي الله عنه- مدفون في المدائن(46).(/96)
ويضيف ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال: إنه قبر أُبَيّ بن كعب، وقد اتفق أهل العلم على أن أبيّاً لم يقدم دمشق، وإنما مات بالمدينة، فكان بعض الناس يقول: إنه قبر نصراني، وهذا غير مستبعد... فلا يستبعد أنهم [اي: النصارى] ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر من يعظمه المسلمون ليوافقوهم على تعظيمه)(47).. وما لم يستبعده ـ رحمه الله ـ حدث مثله في العصر الحاضر (ففي الجزائر كان الشعب هناك يؤم ضريحاً في بعض المناطق الشرقية ويتبرك بأعتابه، ثم اكتُشف أن هذا القبر كان لراهب مسيحي، ولم يصدق الناس ذلك حتى عثروا على الصليب في القبر)(48).
وفي دمشق أيضاً: قبور منسوبة إلى أمهات المؤمنين: عائشة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة ـ رضوان الله عليهن ـ مع أنهن مدفونات بالمدينة المنورة، وفيها كذلك قبر لأسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ مع أنها ماتت في مكة بعد مقتل ولدها عبد الله بن الزبير بأيام قليلة(49).
وينسب الناس في الشام قبراً إلى (أم كلثوم) و (رقية) بنتي رسول الله (وقد اتفق الناس على أنهما ماتتا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة تحت عثمان، وهذا إنما هو بسبب اشتراك الأسماء؛ لعل شخصاً يسمى باسم من ذكر توفي ودفن في موضع من المواضع المذكورة، فظن الجهال أنه أحد من الصحابة)(50)، (ومنها (قبر خالد) بحمص، يقال: إنه قبر خالد بن يزيد بن معاوية...، ولكن لما اشتهر أنه خالد، والمشهور عند العامة خالد بن الوليد: ظنوا أنه خالد بن الوليد، وقد اختلف في ذلك: هل هو قبره أو قبر خالد بن يزيد)(51).
ولعل لهذا السبب أيضاً وجد ضريح (سيدي خالد بن الوليد) بكفر الحما مركز أشمون منوفية بمصر، وضريح (الشيخ عمار بن ياسر) بناحية بني صالح تبع مركز الفشن(52).
انفراط العقد:(/97)
وفي دمشق كذلك ضريح يدعي الناس أنه لرأس يحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ يقع في قلب المسجد الأموي، وله قبة وشباك، وله نصيبه من التمسح والدعاء، وبجانب المسجد الأموي قبر القائد صلاح الدين الأيوبي، وإلى جانبه في القبة قبر عماد الدين زنكي، وقبور أخرى تزار ويتوسل بها... وفيها قبور أخرى كثيرة كقبر زيد بن ثابت، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، والراجح أنه قبر معاوية بن يزيد بن معاوية، أما قبر معاوية الصحابي فقيل إنه بحائط دمشق الذي يقال إنه قبر هود ـ عليه السلام ـ، وفي دمشق أيضاً قبور كثير من التابعين والقواد العظماء، ومعظم ما يقال عن هذه القبور تخرصات و تكهنات معظمها من وضع الشيعة والصوفية، وإلا فليس هناك دليل مادي يثبت قبر كل فرد بعينه(53).
وإضافة إلى ضريح دمشق المنسوب ليحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ فإن له مزاراً آخر في صيدا جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر، وله أيضاً مقام ثالث في الجامع الأموي بحلب؛ حيث توجد حجرة تعرف بـ (الحضرة النبوية) يقال إن بها رأس يحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ في صندوق جرن، وقيل إن بها عضواً من أعضاء نبي الله زكريا ـ عليه السلام ـ في صندوق مرمر(54).
وفي حلب أيضاً: (مسجد يعرف بمسجد النبي، منسوب إلى نبي يدعى كالب بن يوفنا من سبط يهوذا)(55).
ونحو الجنوب إلى معان بشرقي الأردن يوجد مزار النبي هارون، ولا يوجد عند أهل هذه الناحية مقام أشد إكراماً ولا أوفر آياتٍ منه!، كما يوجد في شرقي الأردن أيضاً مقام النبي هوشع (يوشع) على قمة جبل بالقرب من السلط، وهو مبني بحجارة قديمة يرتئي الباحثون أن أكثرها يرتقي إلى عهد الصليبيين!، كما يوجد في غربي الكرك مزار النبي نوح، وفي بادية البلقاء وموآب يوجد مقام (الخضر الأخضر)(56).(/98)
كما يوجد ضريح آخر للخضر ـ عليه السلام ـ في مغارة بمعرة النعمان بشمال سورية بالشام، ويوجد بها كذلك ضريح آخر ليوشع ـ عليه السلام ـ، وفي معرة النعمان أيضاً يوجد ضريح شيث ـ عليه السلام ـ، مع أن هناك جامعاً كبيراً في الموصل يسمى بجامع النبي شيث داخله ضريح يعتقد الناس أنه مدفون فيه، ولم يكن هذا القبر معروفاً قبل القرن الحادي عشر للهجرة، حيث رأى أحد ولاة الموصل في ذلك القرن مناماً يدل على موضع القبر، فبنى الضريح(57).
ومن المقابر المكذوبة باتفاق أهل العلم القبر المنسوب إلى هود ـ عليه السلام ـ بجامع دمشق، فإن هوداً لم يجئ إلى الشام(58). وهناك قبر منسوب إليه في حضرموت، وفي حضرموت أيضاً قبر يزعم الناس أنه لصالح ـ عليه السلام ـ، رغم أنه مات بالحجاز، وله أيضاً ـ عليه السلام ـ قبر في يافا بفلسطين، التي بها كذلك مزار لأيوب ـ عليه السلام ـ(59).
ويونس ـ عليه السلام ـ له ضريح في بلدة حلحول بفلسطين، وضريح آخر بقرية نينوى قرب الموصل بالعراق، وثالث في غار بضيعة قرب نابلس بفلسطين، وكلها يُدّعى أن فيها قبره ـ عليه السلام(60)، وفي نابلس أيضاً ضريح الأسباط إخوة يوسف ـ عليه السلام ـ، وله ـ عليه السلام ـ قبر في مسجد الخليل بمدينة الخليل بفلسطين، وفي المسجد نفسه ضريح إبراهيم -عليه السلام -، وكذا: أضرحة تنسب إلى إسحاق ويعقوب - عليهما السلام -(61).
ورغم وجود مزار لداود ـ عليه السلام ـ في قضاء كلّز من أعمال حلب بسورية، إلا أن له مزاراً آخر في جنوب غرب صيدا بلبنان، التي في جانبها الشرقي مزار ـ شمعون ـ يزعم الناس أنه من أنبياء بني إسرائيل، وله نفسه مزار آخر في قضاء كلّز أيضاً، وفي صيدا أيضاً مزار (صيدون) يزعم الناس أيضاً أنه من أنبياء بني إسرائيل(62).
وذكر الفيروزآبادي في تعريفه لبلدة قرب نابلس تسمى (عَوْرَتا): (قيل بها قبر سبعين نبياً، منهم: عزير، ويوشع)(63).(/99)
وبعد هذا السرد إليك ما قاله شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في نسبة قبور الأنبياء، فقد حكى عن طائفة من العلماء (منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء، لا يصح شيء منها إلا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أثبت غيره أيضاً قبر الخليل ـ عليه السلام ـ(64))، ويقول أيضاً: (وأما قبور الأنبياء: فالذي اتفق عليه العلماء هو قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن قبره منقول بالتواتر، وكذلك قبر صاحبيه، وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان المعروف هو قبره... ولكن ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية، وليس حفظ ذلك من الدين)(65).
وماذا بعد؟
ولم يقف الأمر عند حد نسبة القبور زوراً إلى شخصيات لها نصيبها من الحب والاحترام لدى الناس، بل وصل الادعاء إلى اختلاق بعض هذه الشخصيات من الوهم والعدم ونسبة الأضرحة إليها، فمن ذلك: قبر في طريق بلدة (طورخال) بتركيا لصحابي أسموه (كيسك باش! (، وفي معرة النعمان ضريح لرجل يدعى (عطا الله) يزعمون أنه صحابي أيضاً(66).
وذكر المقريزي أن في القاهرة قبراً على يسرة من خرج من باب الحديد ظاهر زويلة،يزعمون أنه لصحابي يدعى: زارع النوى!(67).
وفي مدينة الشهداء بمصر ضريح داخل مسجد منسوب إلى (شبل) بن الفضل بن العباس عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، رغم أن المصادر العلمية تتفق على أن الفضل بن العباس -رضي الله عنه- لم ينجب إلا بنتاً واحدة اسمها (أم كلثوم)(68).
وأخيراً:
فإننا ربما لا ننتهي إذا حاولنا استقصاء حقيقة القبور والأضرحة المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي، والتي على فرض ثبوت صحة نسبتها فإن إقامة المساجد عليها وممارسة الأفعال التي اعتاد الناس على القيام بها حولها.. ليس من دين الله في شيء، بل يقع معظمه في دائرة المحرمات بدرجاته المختلفة، ومنها ما قد يصل إلى حد الشرك المخرج من الملة.(/100)
ولكن إذا ثبت أن ديننا ينهى عن تلك الأفعال، وثبت أن سوس الجهل والأوهام يرتع ناخراً في فسطاط الخرافة، فما الذي يدفع مرتادي الأضرحة والمعتقدين فيها إلى ولوج هذا الكيان والتمسك به؟!
الهوامش :
(1) أخرجه الإمام أحمد، 2/367، وأبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود، ح/1769.
(2) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل 2/246، وصححه الألباني في تحذير الساجد، ص25.
(3) أخرجه مسلم في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبور، وأبو داود والترمذي والنسائي.
(4) أخرجه مسلم في الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر، وأبو داود، ح/3226، وانظر: صحيح سنن أبي داود للألباني، ح/ 2763.
(5) أخرجه الترمذي وأبو داود والإمام أحمد، وقال أحمد محمد شاكر في تعليقه على (سنن الترمذي) 2/137: (الشواهد التي ذكرناها ترفعه إلى درجة الصحة لغيره، إن لم يكن صحيحاً بصحة إسناده هذا)، وضعف الألباني لفظ (السرج)، انظر: الضعيفة، ح/225.
(6) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج/ 27، ص466.
(7) السابق، ص 167.
(8) السابق، ص 466.
(9) السابق: ص161 ـ 162.
(10) ينتسب السامانيون إلى رجل فارسي يسمى (سامان)، كان مجوسياً واعتنق الإسلام أواخر عهد الدولة الأموية، وإسماعيل المذكور هو: إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان، آلت زعامة السامانيين إليه عام 279هـ، وتوفي سنة 295هـ. انظر: التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، ج/6، ص91، 107،....
(11) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، جـ1، ص46.
(12) انظر: التاريخ الإسلامي، جـ 6، ص149.
(13) نسبة إلى موقع الضريح عند تقاطع طريقين.
(14) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون جـ1، ص46.
(15) انظر: شهر في دمشق، لعبد الله بن محمد بن خميس، ص 67.
(16) بدع الاعتقاد، لمحمد حامد الناصر، ص: 247، نقلاً عن (السيد البدوي ـ دراسة نقدية) للدكتور عبد الله صابر.
(17) عمار علي حسن، الصوفية والسياسة في مصر، ص88.(/101)
(18) انظر: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، لعبد الرحمن عبد الخالق، ص: 427.
(19) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، جـ1، ص102 ـ 103.
(20) موالد مصر المحروسة، لعرفة عبده علي، ص71.
(21) الانحرافات العقدية...، ص285.
(22) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، د. زكريا سليمان بيومي ص125، والانحرافات العقدية، ص299 ـ 300، وبدع الاعتقاد ص267.
(23) انظر: الانحرافات العقدية، ص300.
(24) عرفة عبده علي، موالد مصر المحروسة، ص7.
(25) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص126.
(26) د. سعاد ماهر فهمي، مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، جـ1 ص44.
(27) الانحرافات العقدية، ص293.
(28) د. زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص127، 153.
(29) انظر: الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي، مصطفى عبد الله شيحة، ص152.
(30) انظر: الانحرافات العقدية، ص289، 294، 295.
(31) انظر: مجلة (دراسات إسلامية) العدد الأول سنة 1418هـ، مقال (مسلمو أوزبكستان)، لعبد الرحمن محمد العسيري، ص217، 218.
(32) مجموع الفتاوى، جـ27، ص451، وانظر: ص465.
(33) السابق، ص456.
(34) السابق، ص485، ص493.
(35) انظر: الانحرافات العقدية، ص288، ومجلة (لغة العرب)، جـ7 السنة السابعة (1929م)، ص557 ـ 561، ومعالم حلب الأثرية، عبد الله حجار.
(36) عبد الله بن محمد بن خميس، شهر في دمشق، ص 67.
(37) سمير شاهين، الوثنية في ثوبها الجديد، ص81.
(38) السابق.
(39) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، جـ2، ص33.
(40) مصطفى عبد الله شيحة، مرجع سابق، ص143.
(41) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، جـ1، ص102.
(42) عن مقال: تأملات في حقيقة أمر أولياء الله الصالحين، لحسين أحمد أمين، مجلة العربي، ع/226، رمضان 1397هـ، ص135.
(43) انظر أيضاً: مجموع الفتاوى جـ27، ص493.(/102)
(44) الانحرافات العقدية، ص291.
(45) السابق، وانظر: مجموع الفتاوى، جـ27، ص494.
(46) السابق، ص290.
(47) مجموع الفتاوى، جـ27، ص460.
(48) الانحرافات العقدية، ص288.
(49) انظر: السابق، ص290، ومجموع الفتاوى، جـ27، ص170.
(50) مجموع الفتاوى، جـ27، ص494.
(51) السابق، ص492.
(52) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص159، هامش 4، ص138.
(53) انظر: عبد الله بن محمد بن خميس، شهر في دمشق، ص 66، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جـ27، ص447، ص491.
(54) الانحرافات العقدية، ص278، 279.
(55) السابق، ص 284.
(56) انظر: المزارات في شرقي الأردن، بقلم الخوري بولس سلمان، مجلة المشرق، 11/11/ 1920م، ص902 ـ 910.
(57) انظر: الانحرافات العقدية، ص282 ـ 283.
(58) انظر: مجموع الفتاوى جـ27، ص491، ص484.
(59) الانحرافات العقدية، ص283، ص281.
(60) انظر: السابق، ص281، ص282.
(61) السابق، ص282، ص281.
(62) نفسه، ص281، ص280.
(63) القاموس المحيط، مادة (ع و ر).
(64) مجموع الفتاوى، جـ27، ص446.
(65) السابق، ص444.
(66) انظر: الانحرافات العقدية، ص290، ص291.
(67) حسين أحمد أمين، مرجع سابق.
(68) انظر: الوثنية في ثوبها الجديد، سمير شاهين، ص82.
(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)
انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها
(2/2)
عاصفة الأوهام (عوامل الاستمرار)
خالد محمد حامد
لا تحمل الخرافة في ذاتها قوة الدفع اللازمة لاستمرار ترويجها لدى المصابين بها ؛ فهي لا تصمد أمام الحقائق العقلية والشرعية في حلبة صراع الأفكار ، ومع ذلك فقد استمر داء تقديس القبور والأضرحة ، بل انتشر واستفحل حتى إنه يذكر عن عدد الذين يحضرون مولد البدوي أو الدسوقي في مصر مثلاً أنهم : يقدرون بالملايين من البشر [1] ، فما هي العوامل التي ساعدت على هذا الانتشار والاستمرار ؟(/103)
إن المتأمل في شأن القبورية يستطيع القول : إنه لم يكن السبب في هذا الانتشار عاملاً واحداً ، بل هناك عدة عوامل متشابكة عملت جميعها على ذلك الانتشار والاستمرار ، نذكر منها : العوامل الدينية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية .. وإليك بيان بعض هذه العوامل :
العوامل الدينية :
فـ (فلسفة القبورية) تعد من أهم عوامل استفحال داء تقديس القبور والأضرحة ، وأعني بذلك : مع تقديم مسوّغات لهذه الممارسات ، ووجود الفراغ (التوحيدي) لدى القبوريين مع بقاء الدافع الفطري في (التأله) لدى البشر عموماً ، كما أن القبوريين توهموا سهولة الدخول تحت طقوس القبور والأضرحة مقابل تخليهم عما عدوه صعوبة تكاليف التوحيد الخالص ، فكانوا كما قال فيهم ابن قيم الجوزية نقلاً عن أبي الوفاء بن عقيل رحمهما الله : (لما صعبت التكاليف على
الجهال والطغام ، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم ، فسهلت عليهم ؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ... ) [2] ، فإذا أضفنا إلى ذلك :
ترويج مشايخ القبورية لشبهات ساقطة على أنها أدلة شرعية وحقائق دينية تسمح بهذه الطقوس لازداد تأثير هذا العامل في ترسيخ فتنة القبورية ، لذلك فإننا نلمح أن انتشار هذا الداء يتناسب عكسيّاً مع تصاعد أمرين :
الأمر الأول : محاولة القضاء على الدين عموماً والعمل على قتل فطرة الإيمان بالغيبيات في القلوب ، الأمر الذي يصرف هذه الفطرة إلى نوع آخر من الإيمان بنوع تأليه للمادة والعقل بدلاً من الغيب والخرافة ، وهذا ما ظهر واضحاً عقب الانقلاب العلماني على الخلافة العثمانية ، (ويذكر رشيد رضا لعباد القبور ما فعله ملاحدة الأتراك عندما استلموا الحكم ، فقد حارب هؤلاء البدع والخرافات وعبادة القبور ، وقاموا بنبش قبور بعض الأولياء ، وعرضوا أمام الناس رميم عظامهم وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم وعن مراقدهم ، بله أن يجلبوا النفع أو يدفعوا الضر عن الناس) [3] .(/104)
الأمر الثاني : ملء الفراغ التوحيدي الذي شغلته الخرافة عندما تألهت القلوب للأضرحة والقبور وساكنيها ، كما يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله : (من غَمَرَ قلبه بمحبة الله تعالى وذكره ، وخشيته ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، أغناه ذلك عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه) [4] ، لذا : رأينا أن انتشار هذا الداء تناقص نسبياً في الأماكن والأوقات التي نمت فيها الصحوة الإسلامية المباركة ، التي أخذت على عاتقها الدعوة إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك كبيره وصغيره ، والرد على شبهات أهل الزيغ ، وهنا يبرز الدور الخطير سلباً وإيجاباً الذي يمكن أن يقوم به العلماء والدعاة ، فعلى الرغم من جهود مشكورة لكثير من العلماء والدعاة الذين بينوا للناس حقيقة التوحيد وحذروهم من الوقوع في الشرك إلا أن القبوريين خادعوا أنفسهم ووجدوا ملاذاً لهم في بعض من ينسب إلى العلم والدين فأبوا إلا أن يُصغوا آذانهم ويفتحوا مغاليق قلوبهم لكل من ساهم بقول أو فعل في التلبيس على الناس وفتنتهم عن دينهم الحق .
وإليك إيضاحاً لبعض مواقف هؤلاء الداعين بأقوالهم أو أفعالهم إلى القبورية :
فحضور هؤلاء المشائخ لهذه الأماكن وعدم إنكارهم لما يحدث فيها ، بل مشاركتهم في طقوسها في أحيان كثيرة .. فتنَ كثيراً من الدهماء . فمما يذكره الجبرتي بعد وصف المنكرات التي تحدث في أحد الموالد (مولد العفيفي) :
( .. ويجتمع لذلك أيضاً الفقهاء والعلماء ... ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار ، بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة ، ولو لم يكن كذلك لأنكره العلماء ... فضلاً عن كونهم يفعلونه .. ) [5] .
ويقول محمد أحمد درنيقة : (وهذه الأمور كانت تجري في بيت الله ويراها ويسمعها العلماء الذين لا يفعلون شيئاً للتخلص من هذه الانحرافات ، لا ، بل ...(/105)
ذهب بعض العلماء إلى تهنئة هذه الفئة بهذا الموسم الشريف والدعاء لهم بأن يطول بهم العمر لإحياء مثله أعواماً عديدة . يرى رشيد رضا أن هذا السكوت من قِبَل العلماء قد أوقع في ذهن العامة أن هذه الأعمال وأضرابها من مهمات الدين) [6] .
ومن المواقف المعاصرة العديدة في ذلك : أنه (قد زعم الخليفة الحالي للسيد البدوي في مولد عام 1991م : (أن السيد البدوي موجود معك أينما كنت ، ولو استعنت به في شدتك وقلت : يا بدوي مدد ، لأعانك وأغاثك) ! قال ذلك أمام الجموع المحتشدة بسرادق وزارة الأوقاف في القاهرة أمام العلماء والوزراء ، وقد تناقلته الإذاعات وشاشات التلفاز) [7] .
ليس هذا فحسب ، بل تؤلف الكتب في الدعوة إلى ذلك ، ويتواطأ (العلماء) في إقرارها ، فقد ذكر رشيد رضا أن أحد (المنسوبين للعلم) ألّف كتاباً يدعو فيه إلى ذلك التوجه (المنافي للحنيفية) ، (وواطأه على ضلاله وإضلاله (63) عالماً أزهرياً كما ادعى ، وذكر أسماءهم وإمضاءات أكثرهم بخطوطهم ، وبنى على هذا أنه انعقد الإجماع ؛ لأن سائر علماء الأزهر يوافقونهم فيه ، وأنه يجب على جميع المسلمين اعتقاده والعمل به .. ) [8] ..
والأمر تجاوز التنظير والتسويغ ليصل إلى الممارسة الفعلية كما يقوم بها أي خرافي ، فهذا (أحد المشايخ الكبار في عهد إسماعيل باشا كتب شكوى ضده وأرسلها بالبريد إلى طنطا ، ومنها إلى قبر السيد البدوي ، حيث تقوم محكمته داخل قبره ! ) [9] ، (ولما وقع صراع بين الأحناف والشوافع حول مشيخة الأزهر بسبب تعيين أحد مشايخ الأحناف شيخاً للأزهر ، هرع الشوافع بقيادة الشيخ محمد بن الجوهري الشافعي إلى ضريح الإمام الشافعي ، ولم يزالوا فيه حتى نقضوا ما أبرمه العلماء والأمراء وردوا المشيخة إلى الشافعية ! ) [10] .(/106)
وانظر إلى إنكارهم .. لأي شيء وقع ؟ ! : (فعندما صودر أولاد سعد الخادم وهم سدنة ضريح السيد البدوي هاج العلماء في الأزهر وامتنعوا عن التدريس إنكاراً لمن قام بمصادرته ، ولم يعودوا إلا بعد أن طيبت خواطرهم ووعدوا بتلبية رغبتهم) [11] .
ثم انظر إلى إقرارهم .. على أي شيء وقع ؟ : (ذكر الشيخ رشيد رضا أنه كان مرة في قبة الإمام الشافعي ، وكان ثَمّ جماعة من أكابر علماء الأزهر وأشهرهم ، فأذن المؤذن العصر مستدبراً القبلة ، فقال لهم : لِمَ لم يستقبل هذا المؤذن القبلة كما هي السنة ؟ فقال أحدهم : إنه يستقبل ضريح الإمام ! .. وذكر أيضاً أنهم لا ينكرون على من يستقبل قبر الإمام في صلاته)[12] .
ثم هم لا يسكتون على من يقوم بواجب إنكار المنكر حقيقة ، بل ينكرون على من ينكر المنكر الشركي ، (كما حدث حين اعترض الواعظ الرومي (التركي) في سنة 1711م ... وأبدى رأيه في اعتباره زيارة الأضرحة وإيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل أعتابهم من قبيل الكفر ، بل وطالب بهدم الأضرحة والتكايا ، فثار عليه مشايخ الأزهر الصوفية وأصدروا فتوى بكرامات الأولياء وتوسطوا لدى الحاكم السياسي حتى نفاه) [13] .
فما الذي يحمل هؤلاء (العلماء) على تلك الممارسات ؟
يحملهم على ذلك ما يحمل غيرهم من دهماء القبوريين :
فهم يرون أن ذلك من شعائر الدين ، حتى إن أحد علماء الأزهر كتب مقالاً يقول فيه لمنكر وجود السيدة زينب في هذا القبر ووجود رأس الحسين في القبر المنسوب إليه : (إنك (جئت تفجأ المسلمين في اعتقاداتهم المقدسة النبوية ، فإنك تريد أن تطيّر البقية من دينهم ( [14] .(/107)
وهم يعتقدون في القبور والأضرحة وأصحابها الضر والنفع ، تماماً مثلما يعتقد الدهماء والعامة من القبوريين ، (ويبين رشيد رضا أن الذي دفع العلماء إلى السكوت عن هذه الأمور خوفهم من الوقوع في قضية إنكار الكرامات أو الاعتراض على الأولياء الذي يخشى معه أن يلحقوا بهم الأذى والضرر) [15] ، وليس أدل على ذلك من أنه (في أيام حكم السلطان المملوكي جقمق قيل لأحد العلماء أن يفتي بإبطال مولد البدوي لما يحدث فيه من زنا وفسق ولواط وتجارة مخدرات ، وما يشيعه الصوفية من أن البدوي سيشفع لزوار مولده ، فأبى هذا العالم أن يفتي ، قائلاً ما معناه : إن البدوي ذو بطش شديد) [16] ..
فإذا كان هذا هو حال شريحة من العلماء المقتدى بهم ، فماذا يُنتظر من العامة والدهماء ؟ .. إن الذي يعرض منهم عن السماع للعلماء الربانيين ويتخذ مثل هؤلاء قدوة وأسوة فلا بد أن يتخبط من مس الخرافة والأوهام .
العوامل النفسية :
يرتبط بما سبق بعض الأسباب النفسية التي تعمل على انتشار تقديس القبور والأضرحة واستمراره ، حيث يمثل (الخوف) منها الذي نتج عن الاعتقاد فيها حاجزاً لمنع هدم الأسطورة التي قامت عليها ، وكذلك تمثل (المسرة والحبور) الناتجين عن الاعتقاد فيها أيضاً أحد المرغبات في استمرار هذا الكيان .
وهذا ما يذكره الأستاذ عبد المنعم الجداوي عن تجربته القبورية .. (شيء آخر أشعل في فؤادي لهباً يأكل طمأنينتي في بطء .. أن الدكتور [الذي يدعوه إلى الكفر بهذه الطقوس الوثنية] يضعني في مواجهة صريحة ضد أصحاب الأضرحة الأولياء ، والخطباء على المنابر صباح مساء يعلنونها صريحة : إن الذي يؤذي ولياً فهو في حرب مع الله سبحانه وتعالى .. وأنا لا أريد أن أدخل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة ؛ لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب معه جل جلاله ) [17] .(/108)
وعن أحد أسباب عشقهم يقول : ( ... لأني أحب أشعارهم ، وأحب موسيقاهم وألحانهم التي هي مزيج من التراث الشعبي ، وخليط من ألحان قديمة متنوعة ... أو ناي مصري حزين ينفرد بالأنين مع بعض أشعارهم التي تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبه ... وكل حجتي التي أبسطها في معارضة (الدكتور) أنه وأمثاله من الذين يدعون إلى (التوحيد) لا يريدون للدين روحاً ، وإنما يجردونه من الخيال ! ) [18] .. ولعل ذلك الخيال الذي كان يريد للدين أن يسبح فيه هو ما عبّر عنه بقوله :
(أحياناً أخترع لهم كرامات ، أو أتصورها ، أو أتخيلها .. ) [19] .
وهنا تلعب الإشاعات ونسج الأكاذيب دوراً مهماً في بناء العامل النفسي ؛ فالصوفية دأبوا على تحذير الناس من غضب (الأولياء) ، (وقد صاغوا هذه الأفكار المخيفة في صورة حكايات مرعبة حول رجال لهم سمعتهم العلمية ومكانتهم الفقهية اعترضوا على الصوفية فأذاقهم طواغيتهم من العذاب الأليم ألواناً) [20] .. وليس هذا الإرهاب النفسي مع العلماء والفقهاء فقط ، (فمع أن الحكام من المماليك كانوا يسيرون في ترهات أباطيل الصوفية ويقيمون لهم الخوانق والرباطات والزوايا ، فلم تخل قصص التخويف من تخويفهم ، وأطلقوا على البدوي لقب : العطاب) [21] ..
فإذا كان هذا الحال هو ما يشاع بين العلماء والحكام فما بالنا بما يروج بين دهماء الناس ويؤثر على نفسيتهم المستسلمة لهذا الداء ؟ .. لننظر إلى بعض الصور :
فأهالي الإسكندرية بمصر يتحدثون بكثرة عن الكرامات التي تحدث لضريح أبي الدرداء ، (ويذكرون على سبيل المثال ما حدث عندما أرادت بلدية الإسكندرية سنة 1947م نقل الضريح إلى مكان آخر ... وبدأت فعلاً في تنفيذ المشروع ، ولكن واحداً من العمال الذين يعملون في نقل الضريح توقفت يداه وأصيب بالشلل ! ، فامتنع باقي العمال عن العمل ... واضطرت البلدية أن ترضخ لاعتقاد العامة وأبقت الضريح كما هو[22]) .(/109)
ومما رصده الشيخ رشيد رضا بخصوص هذه الظاهرة أنه (شاع لدى العامة أن من تعوّد على حضور هذه الموالد أو على إنفاق شيء فيها ، ثم امتنع عن قيامه بعادته تلك : لا بد أن يصاب بنكبة أو مصيبة .. ) [23] .
فماذا لو تم بالفعل إبطال أحد الموالد ؟ ! .. (حدث أن السلطان جقمق أبطل مولد البدوي لما فيه من الوثنيات الموبقات والفواحش بين الرجال والنساء ، وحدث لبعض المقيمين بإبطال هذا المولد ابتلاء لهم ... فمنهم من عزل من منصبه ، ومنهم من أمر السلطان بنفيه ، ومنهم من وضع في السجن ، فأشاع الصوفية أن كل ذلك من عمل البدوي ؛ لأنه غضبان عليهم) [24] فآلة الحرب النفسية الصوفية تعمل على كل حال .
وهناك بعد آخر في العامل النفسي ، وهو أن أضرحة الأولياء تمثل للعامة تعويضاً وهميّاً لانتصارها أوقات الاستبداد والتسلط السياسي ؛ (فالإنسان المقهور يكون بحاجة إلى قوة تحميه تجسدت في الأولياء ، فهم المحامون والملاذ ؛ ويتضح هذا جليّاً في كرامات الأولياء ؛ فهي تشكل النقيض تماماً لوضعية الإنسان المقهور ، وحيث ترسم صورة الإنسان المتفوق ضد الإنسان المهان واقعيّاً ، وتجسد أماني المغلوبين في الخلاص من خلال وجود نموذج الولي صاحب الخوارق الذي يفلت من قيود الزمان والمكان ، ولذا : نرى أن الجماهير المقهورة تتجمع حول أضرحة الأولياء كما يتجمع أعضاء حزب معين حول شخص زعيمهم) [25] .
النساء والعامل النفسي في استفحال داء القبور والأضرحة :
لوحظ من خلال متابعة الواقع وتتبع الوقائع أن للنساء دوراً ملحوظاً في ترويج تقديس القبور والأضرحة والمزارات ، نشأةً وارتياداً :(/110)
فأم الخليفة العباسي المنتصر هي أول من أنشأ قبة في الإسلام كما مر ذكره في حلقة سابقة ، ويذكر أن الخيزرانة أم هارون الرشيد هي أول من كسا الحجرة النبوية الشريفة ، وصارت من بعدها سنة الملوك والسلاطين [26] ، ويذكر أيضاً أنها أول من حوّل البيت الذي ولد فيه الرسول إلى مسجد [27] ، كما قامت والدة السلطان العثماني عبد العزيز بترميم قبب مسجد الزبير بن العوام بالبصرة وتكبيره [28] .
ويسجل الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الملقب عند الحنفية بالإمام الرباني ومجدد الألف الثاني ظاهرة كثرة ارتياد النساء للقبور والأضرحة في الهند فيقول : (وأكثر النساء مبتليات بهذا الاستمداد الممنوع عنه بواسطة كمال الجهل فيهن ، يطلبن دفع البلية من هذه الأسماء الخالية عن المسميات ، ومفتونات بأداء مراسم الشرك وأهل الشرك ، خصوصاً وقت عروض مرض الجدري ... بحيث لا تكاد توجد امرأة خالية من دقائق هذا الشرك .. إلا من عصمها الله تعالى .. ) [29] .
كما لوحظ أيضاً تخصيص بعض الأضرحة والمزارات بالنساء ، كمزار (بنات العين) بالأردن الذي يعرف بـ (المستشفى النسائي) ، وضريح الشيخة مريم التي (اشتهرت ببركتها في الشفاء من العقم) ، وضريح الشيخة صباح بطنطا التي اشتهرت بالبركة ذاتها ! [30] ... إلى غير ذلك من الأضرحة والمزارات الخاصة بالنساء ، بينما لم يبلغ علمنا اهتمام الرجال بتخصيص أضرحة تقتصر عليهم وحدهم أو يزعمون أن لها ميزات تخصهم دون غيرهم .(/111)
ولعل ذلك راجع إلى طبيعة نفسية النساء التي تغلب عليها العاطفة والانبهار بالمظاهر ، كما يتعاظم فيهن الإحساس الفطري بالضعف البشري وحاجتهن إلى قوة خفية تجبر هذا الضعف ، ولعل لهذا السبب أيضاً جاء في السنة النبوية تخصيص النساء بالزجر الشديد عن أن يكن زوارات للقبور ، فعن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (لعن زوارات القبور) [31] ، وورد فيهن كذلك أنهن أكثر أتباع الدجال ( ... فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه) [32] .
العوامل الاجتماعية :
حيث تمثل المسايرة الاجتماعية والمجاملات دوراً مهماً في انتشار هذا الداء وعدم الانخلاع عنه ، وهذا ما يسجله الأستاذ عبد المنعم الجداوي في تجربته أثناء خروجه من الاعتقادات القبورية ، وذلك عندما وجد نفسه في صراع بين ما اعتقده من خطأ هذه الاعتقادات الباطلة وما يمليه عليه الواجب الاجتماعي من ضرورة مجاملة ابنة خالته وأسرتها ، بمشاركته لهم في الوفاء بنذر تقديم (القربان) إلى السيد البدوي ؛ حتى يعيش ابنهم الوحيد كما يعتقدون [33] .
ويدخل في هذه العوامل أيضاً : صفة الهيبة والوجاهة الاجتماعية التي يخلعها تقديس القبور والأضرحة على سدنتها وخدمها والقائمين عليها ، مما يصعب معه إلا على من رحم الله الاعتراف بخطأ الاعتقادات والممارسات التي تقام وتنسج حول هذه الأضرحة ؛ الأمر الذي يعني تخليهم عن هذه المكانة التي أكسبتها لهم الأضرحة والقبور ، فلقد (كان سادن الضريح سيداً مطاعاً وشخصاً مهاباً ، يستمد طاعته وهيبته من الضريح الذي يقوم على سدانته ... وكانت سدانة الأضرحة وظيفة متوارثة يرثها الأبناء عن الآباء ، وتنتقل في عقبهم وذراريهم ، ولا ينزعها منهم إلا ظالم كما يزعمون ، ولم تكن لتنزع من أسرة إلا ليعهد بها إلى أسرة أخرى) [34] .(/112)
ويدخل في هذه العوامل كذلك : التفاخر بين أهل القرى والمدن والمحلات بهذه القبور والأضرحة ؛ حيث يعتبر المعتقدون فيها أن وجود ضريح وخاصة إذا كان من ذوي الشهرة والمكانة من دواعي فخرهم بين أهل البلاد الأخرى ، يقول الغزي بعد أن ذكر الخلاف في دفين الجامع الأموي بحلب : (وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده) [35] .. ومن هذا الوجه أيضاً : الاهتمام بالأضرحة باعتبارها آثاراً وتراثاً تاريخياً ينبغي عدم تضييعه ، فالدكتورة سعاد ماهر ترثي وتأسف لحال ضريح (ذي النون المصري) ، حيث تقول : (والضريح في مكان مهجور خرب وبحالة سيئة للغاية ، ومكانه بجوار مسجد سيدي عقبة بن عامر بجبانة الإمام الليث ، وإني أناشد وزارة الأوقاف أن تعيد بناء ضريح أول صوفي في مصر الإسلامية ، بل ومن أبرز متصوفي الرعيل الأول في العالم الإسلامي كله) [36] .
فكيف بعد هذا كله يستمعون لمن يقول لهم : إن بقاء هذا الكيان عار على عقيدتهم ودينهم وعقولهم ؟
العوامل الاقتصادية :(/113)
ونستطيع أن نطلق عليها : المنافع المادية ، وهذه المنافع ظهرت مصاحبة لهذا الداء ، فمنذ القدم استعمل الشيعة القبور والأضرحة والعتبات المقدسة وسيلة للتكسب والعيش ، مثل الفاتحة والقصاص ، وجعلوا شعارهم لزوم المشاهد والقبور [37] ، وعندما راجت هذه التجارة وازدهرت ظهر من يبتكر للناس أصنافاً من هذه الأضرحة لزيادة دخله ، وهذا ما يذكره ابن تيمية رحمه الله ، حيث يقول : ( .. حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان ، وكان أحدهما قد اتخذ قبراً تجبى إليه أموال ممن يزوره وينذر له من الضلال ، فعمد الآخر إلى قبر ، وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف ، وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة) [38] ، واستمرت هذه البضاعة رائجة عند أهل الوهم والدجل حتى أضحى استمرار تقديس القبور والأضرحة ضماناً لاستمرار تدفق مورد رزق مهم لكثير من فئات المنتفعين بترويج هذا الداء .
ويقف على رأس هؤلاء المنتفعين : سدنة الأضرحة وخدمها والقائمون عليها ، فقد مثّلت هذه الأضرحة مراكز حضرية جذابة ، مما دعا الأهالي إلى (بناء مساكن حول الأضرحة ، وأصبحت الأضرحة بذلك وسط المدن والقرى توحي للسكان باستمرار هذه العادات .
ومن أهم العادات التي تبعت هذه العادة : تقديم النذور والصدقات ، وهو أمر أثّر في مزيد من الإقبال على العمل في هذه الأضرحة .. [39] ، فصناديق النذور شكّلت وعاءً استثمارياً مهماً لمروجي الخرافة ، و (مما يوضح أهمية هذا المورد بالنسبة للمجلس الصوفي وكافة الطرق التابعة له أيضا : الموقف الشديد الذي وقفوه ضد المفتي حين أصدر فتوى شرعية ببطلان النذور شرعاً ، واعتبار الباب الثالث من لائحة الطرق الصوفية الذي يقر ويبيح هذه النذور مخالفاً للشرع والدين ...(/114)
وهذا الأمر يدعو البعض لتفسيره بأنه دفاع عن مصالح طبقية أكثر من كونه دفاعاً عن مبادئ شرعية . ومن الموارد المهمة أيضاً : الصدقات التي كان يمنحها أصحاب الجاه والقادرون سواء أكان عطاؤها سراً أم جهراً ، وسواء أكانت عينية أم نقدية .. ) [40] .
ليس ذلك فحسب ، بل يضاف إلى ذلك : الموارد الرسمية كالأوقاف التي كانت توقف على هذه الأضرحة وخدامها وسدنتها ، والإعانات المالية والعينية التي تصرف لهم من وزارتي الأوقاف والشؤون الاجتماعية [41] ، وهكذا صار لهذه الأضرحة (ألوف من السدنة يعيشون في رغد وثراء من ورائها ، وكانوا يتوارثون هذه الوظائف ... ويكفي أن تعلم أن ما كان يصل إلى ضريح الجيلاني في السنة من أموال الزائرين ، يفوق ما كانت تنفقه الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين في السنة الواحدة أضعافاً مضاعفة) [42] .
والأمر لا يقتصر فقط على الأوقاف والصدقات والنذور التي يدفعها المعتقدون في الأضرحة لدفع الضرر عن أنفسهم أو لشكر نعمة ، والتي تمثل المصدر الرئيس لهذا الدخل ، بل يتعداه إلى كل الطرق الموصلة إلى المال بما فيها الاحتيال على السذج المعتقدين في هذه الأضرحة ، فعند تغيير كسوة الضريح وعمامة الولي يمزقون الكسوة والعمامة القديمتين إلى قصاصات صغيرة ، وهنا (تظهر العملية التجارية غير الرسمية التي يقوم بها خدم المسجد ، فيبيعون هذه القصاصات نظير
مبالغ كبيرة) [43] ، وبالطبع يتم ذلك وسط تهافت هؤلاء المعتقدين في الأضرحة للحصول على أي بركة من (ريحة) الولي .. وربما لأجل مثل هذه النشاطات وغيرها ذكر الجبرتي عن سدنة الأضرحة أنهم أغنى الناس ! [44] .(/115)
ويتحدث الدكتور زكريا سليمان بيومي عن أهمية فئة خدام الأضرحة باعتبارها مركز ثقل دعائي واقتصادي للطرق الصوفية فيقول : ( ... فئة خدام الأضرحة ، التي تشكل أكبر فئة من حيث العدد والأهمية الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للطرق الصوفية ، فهم بمثابة مراكز متناثرة في كل مصر لنثر أساليب هذه الطرق والدعوة لها ، ويروجون للاعتقاد في الأولياء بكل مراتبهم ، ويكثرون من ذكر كراماتهم وخوارقهم ، مدفوعين إلى ذلك بدافع الانتماء للطرق من خلال عملهم ، وبدافع أساسي وهو أن هذه الأضرحة تمثل مصدر معيشتهم... وكانت هذه
الأضرحة تستوعب عدداً كبيراً من الخدم ، فمن الممكن أن نجد أسرة كاملة تخدم في ضريح واحد ، ولم تكن هذه الوظيفة مقصورة على الفقراء والمحتاجين ، بل كانت لما تدره من دخل كبير مغرية لفئات متعددة ؛ فنجد مشايخ طرق كبيرة يسعون لهذه الوظيفة ، بل ويفضلونها أحياناً على مشيخة الطرق .. ) [45] .
فكيف يهدمون بأيديهم الكيان الذي يغلون من وراء إقامته مصدر دخلهم ورغد عيشهم ؟ لا بد أنهم سينافحون بكل ما يملكون لاستمرار هذا الكيان ، إلا من رحمه الله ولفظ من قلبه حب الدنيا وشهواتها .
ومن المنتفعين باستمرار وجود كيان الأضرحة والقبور : (آلاف من الفقراء الذين يتعيشون بجوار الأضرحة ويستفيدون من الموالد ، وهذا أمر واضح عياناً بياناً ، لاحظه الباحث في كل الأضرحة التي زارها ، وخاصة الحسين والسيدة زينب .. ) [46] ، ولقد كان الفلاحون يحرصون على المشاركة في الولائم التي تقام حول الضريح ، حيث (يقصدون بها استجلاب البركة) [47] .. كما أن هناك مئات الأسر التي تتعيش على استمرار الأضرحة من خلال المقاهي والمطاعم
والفنادق وغيرها من الخدمات المنتشرة حول كل ضريح ، إضافة إلى السيارات ووسائل المواصلات التي تغدو وتروح على حساب الزوار [48] .(/116)
ومن الموارد المهمة التي ارتبطت بتقديس القبور والأضرحة : ما يجري في الاحتفالات والموالد التي تقام لهذه الأضرحة التي (اعتبرها رجال الصوفية مواسم للإرشاد وتعليم الآداب الاجتماعية والدينية ، وكمدارس شعبية للوعظ والإرشاد الديني .. ) [49] ، ولكنها تحولت إلى بؤر متحركة لنشر المفاسد والانحرافات ، وقد تعددت هذه الموالد وكثرت حتى إنها لم تكن تقام أحياناً (بمناسبة تاريخ وفاة صاحب الضريح أو مولده ، وكان يصادف أحياناً أن تقام في مواسم الحصاد ...
ونادراً ما كان يحدث مولد لشيخين في ليلة واحدة إلا إذا كانت المسافة بينهما بعيدة حيث كان مشايخ الطرق يحرصون على ترتيب هذه الموالد بحيث يتمكنون من الانتقال بينها .. ) [50] ، وقد كانت ليالي الموالد تصل في بعض الأحيان إلى شهرين ونصف [51] ، يصاحبها نشاط وافر لفئام من المنشدين والمداحين والمشببين الذين يحيون هذه الموالد بشتى أنواع الاحتفالات ، ومنها ما يطلقون عليه : (الذكر) ، (وقد اعتاد من يحضر (الذكر) أو يمارسه أو يشاهده خصوصاً في
السرادقات المقامة أمام المسجد من أن يقوم بدفع (النقوط) ، وهي المبالغ التي تدفع للمنشد لتشجيعه على حسن الأداء ، وهي في هذه المناسبة تعتبر تحية لولي الله نفسه ، حيث يعتقد بأن هذه النقوط هدية ترد إلى مقدمها من جانب الولي صاحب المولد ، سوف يردها في شكل آخر ، فينعم عليه بكثير من الهبات التي تتمثل في زيادة الدخل ووفرة المحصول وسداد الديون ... ) [52] ، أما النشاطات الأخرى : فـ (يبدو الجامع كتلة من الأنوار المبهرة ، وتنتشر السرادقات حوله في ساحته وفي المنطقة المحيطة به ، وتظل المطاعم والمقاهي تستقبل روادها طوال (24) ساعة ،(/117)
ومع غروب الشمس ليس هناك موطئ لقدم ، ضجيج الميكروفونات يتصاعد من جميع السرادقات ... روائح البخور والعطارة والشواء تتضوع في الأجواء ، شوادر الحمص والحلوى بأنواعهتا تشارك بالإعلان عن بضاعتها في الضجيج العام ، باعة الشاي على الأرصفة ، وباعة المسابح والطراطير الملونة ولعب الأطفال..) [53] .. فهي أنشطة حياتية متكاملة ، وهذا ما أكده علي مبارك باشا ، فيقول :
(وفي هذه الموالد ما لا يخفى على أحد من المزايا والمنافع ، كمنفعة من يكترى منهم الدواب أو المراكب أو سكة الحديد للمضي إليه والانصراف عنه ، ومنفعة من يكون فيه من الفراشين والطباخين وغيرهم من أرباب الحرف والصناع وأصحاب الدور التي تكترى والأشياء التي تشترى ، ثم ما يكون فيه من سعة التجارة ، فإنا نرى كثيراً من التجار في طنطا وغيرها من سائر مدن مصر يعلقون أداء ديونهم وقضاء بعض شؤونهم على هذا المولد .. ) [54] .
وبالطبع : فخلف كل نشاط جمهور من المنتفعين الذين يحرصون على استمرار هذه الموالد التي تقام حول الأضرحة ضماناً لتدفق مورد رزقهم .
وأخيراً : فإن من العوامل الاقتصادية لاستمرار تقديس القبور والأضرحة :
اهتمام بعض الدول بهذه الأضرحة باعتبار ما تدره الأنشطة المرتبطة بها وحصيلة صناديق نذورها والأوقاف التي توقف عليها ... أحد الموارد الاقتصادية للدولة التي بها مثل هذه الأضرحة .
________________________
الهوامش :
(1) انظر : موالد مصر المحروسة ، ص40 ، والأضرحة وشرك الاعتقاد ، ص64 ، وعقيدة المسلم ، لمحمد الغزالي ، ص76 .
(2) إغاثة اللهفان ، ج 1 ، ص195 .
(3) عن : السيد محمد رشيد رضا ، إصلاحاته الاجتماعية والدينية ، لمحمد أحمد درنيقة ،
ص223- 224 .
(4) إغاثة اللهفان ، ج 1 ، ص214 .
(5) عن : هذه هي الصوفية ، لعبد الرحمن الوكيل ، ص161 ، وجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ، د شمس الدين السلفي ، ص1004 .(/118)
(6) السيد محمد رشيد رضا ، إصلاحاته الاجتماعية والدينية ، ص208 .
(7) محمد حامد الناصر ، بدع الاعتقاد ، ص256 ، عن : السيد البدوي ، دراسة نقدية ، وانظر : الأضرحة وشرك الاعتقاد ، ص121 .
(8) مجلة المنار ، ج3 ، م33 ، ص216 .
(9) الأضرحة وشرك الاعتقاد ، ص116 .
(10) الانحرافات العقدية ، ص352 .
(11) السابق ، ص306 .
(12) السابق ، ص350 .
(13) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة ، ص83 84 .
(14) مجلة المنار ، ج3 ، م33 ، ص 222 .
(15) محمد أحمد درنيقة ، مرجع سابق ، ص 207 .
(16) د عبد الكريم دهينة ، الأضرحة وشرك الاعتقاد ، ص 120 .
(17) اعترافات كنت قبورياً ، ص 9 10 .
(18) السابق ، ص12 .
(19) السابق ، ص 8 .
(20) د عبد الكريم دهينة ، الأضرحة وشرك الاعتقاد ، ص125 .
(21) السابق ، 127 .
(22) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ، د سعاد ماهر فهمي ، ج2 ، ص 33 .
(23) محمد أحمد درنيقة ، مصدر سابق ، ص211 .
(24) الأضرحة وشرك الاعتقاد ، ص127 .
(25) د مصطفى حجازي ، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكيولوجية الإنسان المقهور ،
ص149- 150 ، انظر : الصوفية والسياسة ، ص180 .
(26) انظر : الانحرافات العقدية ، ص275 .
(27) انظر : مقال (تأملات في حقيقة أمر أولياء الله الصالحين) ، ص134 135 .
(28) انظر : الانحرافات العقدية ، 292 .
(29) عن : جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ، د شمس الدين السلفي الأفغاني ،
ص452 ، ولزيادة توضيح مثل هذه الأحوال ، انظر : الانحرافات العقدية ، ص311 ، ومقال (مسلمو أوزبكستان) ، مجلة (دراسات إسلامية) ، ع/1 ، ص 218 ، ومقال (تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين) ، مجلة العربي ، ع/226 ، ص135 .
(30) انظر : المزارات في شرقي الأردن ، ص907 ، وموالد مصر المحروسة ، ص53 ، والانحرافات العقدية ، ص336 .(/119)
(31) أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وهكذا حكم الألباني على الحديث ، انظر : مشكاة المصابيح ، ح/ 1770 ، وصحيح سنن ابن ماجه ، ح/1281 .
(32) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ، 2/67 ، وابن ماجه ، وهو صحيح لغيره ، انظر : الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة ، لمصطفى العدوي ، ص497 .
(33) انظر : اعترافات كنت قبورياً ، ص 20 .
(34) الانحرافات العقدية ، ص 306 .
(35) السابق ، ص 280 .
(36) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ، ج 1 ، ص 134 .
(37) انظر : الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ، لعبد الرحمن عبد الخالق ، ص 427 .
(38) مجموع الفتاوى ، ج 27 ، ص 459 .
(39) د زكريا سليمان بيومي ، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة ، ص 129 .
(40) السابق ، ص 104 105 .
(41) انظر : السابق ، ص 99 102 .
(42) محمد حامد الناصر ، بدع الاعتقاد ، ص 267 .
(43) هيام فتحي دربك ، مقال (موالد الأولياء في مصر) ، المجلة العربية ، ع/131 ، ص 43 ، 44.
(44) انظر : الانحرافات العقدية ، ص 309 .
(45) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة ، ص 126 ، 127 .
(46) عمار علي حسن ، الصوفية والسياسة في مصر ، ص 110 .
(47) السابق ، ص 129 .
(48) انظر : شهر في دمشق ، لعبد الله بن محمد الخميس ، ص 67 .
(49) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة ، ص 130 .
(50) السابق ، ص 106 .
(51) انظر : السابق .
(52) هيام فتحي دربك ، مصدر سابق ، ص 44 .
(53) موالد مصر المحروسة ، ص50 ، وانظر : ص 51 55 .
(54) عن : (السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر) ، لمحمد فهمي عبد اللطيف ، ص 127 .(/120)
اهتمام مشايخ الصوفية بالقباب والأضرحة
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
س 129 يقول السائل: عندنا من مشايخ الصوفية من يهتم بصنع القباب والأضرحة، والناس يعتقدون فيهم الصلاح والبركة، فإن كان هنا الأمر غير مشروع فما هي نصيحتكم لهم، وهم قدوة في نظر السواد الأعظم من الناس، أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب: النصيحة لعلماء الصوفية ولغيرهم من أهل العلم أن يأخذوا بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يعلموا الناس ذلك، وأن يحذروا اتباع من قبلهم فيما يخالف ذلك، فليس الدين بتقليد المشايخ ولا غيرهم، وإنما الدين ما يؤخذ عن كتاب الله وعن سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وعما أجمع عليه أهل العلم، من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، الدين هكذا يؤخذ لا عن تقليد زيد وعمرو.
وقد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا يجوز البناء على القبور، ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا اتخاذ القباب، ولا أي بناء، كل ذلك محرم بنص الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا.(/2)
وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال عليه الصلاة والسلام: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الذين يتخذون المساجد على القبور هم شرار الخلق، وهكذا من يتخذ عليها الصور لأنها دعاية للشرك، لأن العامة إذا رأوا عليها المساجد والقباب عظموا المدفونين، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، ودعوهم من دون الله، وطلبوا منهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر.
وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، الذي خرجه مسلم في الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك هكذا رواه مسلم في الصحيح.
فدل ذلك على فضل الصديق رضي الله عنه، وأنه أفضل الصحابة وخيرهم، وأنه لو ساغ للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ خليلا لاتخذه خليلا رضي الله عنه، ولكن الله جل وعلا منعه من ذلك حتى تتمحض محبته لربه سبحانه وتعالى، فإن الخلة أعلى المحبة.
وفي الحديث دلالة على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وعلى ذم من فعل ذلك من جهات ثلاث:
الأولى: ذمه من فعل ذلك.
الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تتخذوا القبور مساجد
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: فإني أنهاكم عن ذلك(/3)
فحذر من البناء على القبور من هذه الجهات الثلاث، بقوله صلى الله عليه وسلم: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ثم قال: ألا فلا تتخذوا القبور مساجد يعني لا تتأسوا بهم، فإني أنهاكم عن ذلك- وهذا تحذير صريح من البناء على القبور واتخاذها مساجد-، والعلة والحكمة في ذلك ما قاله أهل العلم أنه وسيلة وذريعة إلى الشرك الأكبر، وإلى عبادة أهل القبور، وصرف الدعاء، والنذور، والاستغاثة، والذبائح لهم، وطلب المدد منهم والعون، كما هو الواقع الآن في بلدان كثيرة عند السائل في السودان، وفي مصر، وفي الشام، والعراق.
http://www.binbaz.org.sa/last_resault.asp?hID=4571
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابٌ هَلْ يُقَالُ : " إِنَّنِي أَعْشَقُ اللهَ أَو أَعْشَقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ؟
الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ ؛
هذا بحثٌ عن حُكمِ إطلاقِ لفظِ العشقِ أو العاشقِ في حقِ اللهِ والنبي صلى اللهُ عليه وسلم ، فيقولُ أحدهم : " إِنَّنِي أَعْشَقُ اللهَ أَو أَعْشَقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَو يقولُ : " إِنِّيْ عَاشقٌ للهِ أَو عَاشقٌ لِلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
ومدارُ البحثِ سيكونُ في ثلاثِ نقاطٍ :
النقطة الأولى :
الحرصُ على استخدامِ الألفاظِ الشرعيةِ الواردةِ في الكتابِ والسنةِ ، وذلك أن اللفظَ الشرعي أقوى وأعمقُ وأدلُ على مقصودهِ مما سواهُ ، ولو نظرنا إلى نصوصِ الكتابِ والسنةِ لم نجد لفظَ العشقِ فيهما ، ولم يرد هذا اللفظُ في شيءٍ من نصوصِ الوحي ، ولا على لسانِ أحدٍ من الصحابةٍ رضوان اللهِ عليهم ، وإنما جاء بلفظ المحبة ، قالَ تعالى : " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه " [ البقرة : 165 ] ، وقال تعالى : " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه " [ المائدة : 54 ]
وَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " .
أخرجهُ البخاري (21) ، ومسلم (43) .
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " .(/1)
أخرجهُ البخاريُّ (15) ، ومسلمٌ (44) .
والنصوصُ في هذا البابِ كثيرةٌ جداً ، ذكرنا بعضاً منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر .
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ – رحمهُ اللهُ – في " مجموعِ الفتاوى " (19/235 – 236) : " الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّقَ اللَّهُ بِهَا الْأَحْكَامَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : مِنْهَا مَا يُعْرَفُ حَدُّهُ وَمُسَمَّاهُ بِالشَّرْعِ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ : كَاسْمِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ ؛ وَالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ؛ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ .
وَمِنْهُ مَا يُعْرَفُ حَدُّهُ بِاللُّغَةِ ؛ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ؛ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؛ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
وَمِنْهُ مَا يَرْجِعُ حَدُّهُ إلَى عَادَةِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ فَيَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ ؛ كَاسْمِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْقَبْضِ وَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ يَحُدَّهَا الشَّارِعُ بِحَدِّ ؛ وَلَا لَهَا حَدٌّ وَاحِدٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَصِفَتُهُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ .
فَمَا كَانَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا كَانَ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ عَرَفُوا الْمُرَادَ بِهِ ؛ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمُسَمَّاهُ الْمَحْدُودِ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْمُطْلَقِ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ شَرْعِيٍّ وَلَا لُغَوِيٍّ وَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّفَقُّهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .(/2)
وَالِاسْمُ إذَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ مُسَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَلَهُ عَنْ اللُّغَةِ أَوْ زَادَ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَرَفَ مُرَادَهُ بِتَعْرِيفِهِ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَمَا كَانَ الْأَمْرُ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ " .ا.هـ.
النقطةُ الثانيةُ :
بعد التقرير الذي جاء في النقطةِ الأولى ، نأتي على نقطةٍ أرى أنها من الأهميةِ بمكانٍ ، ولها صلةٌ بإطلاقِ لفظِ " العاشقِ " على النبي صلى اللهُ عليه وسلم وهي : قولُ القائلِ : " إني أعشقُ اللهَ " أو " قلبي عاشقٌ للهِ " ، بمعنى إطلاقُ لفظِ العشقِ في حقِ اللهِ .
لقد تكلم علماءُ الأمةِ على هذهِ المسألةِ ، وبينوا حكمها ، وسأكتفي بنقلِ نصوصهم فيها .
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ – رحمهُ اللهُ – في " مجموعِ الفتاوى " (10/130 – 131) : " وَالنَّاسُ فِي الْعِشْقِ عَلَى قَوْلَيْنِ : قِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقِيلَ : مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ ، وَأَنَّهُ فَسَادٌ فِي التَّخْيِيلِ ، حَيْثُ يَتَصَوَّرُ الْمَعْشُوقُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِالْعِشْقِ وَلَا أَنَّهُ يَعْشَقُ ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُحْمَدُ مَنْ يَتَخَيَّلُ فِيهِ خَيَالًا فَاسِدًا .
وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُوصَفُ بِالْعِشْقِ فَإِنَّهُ الْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ ؛ وَاَللَّهُ يُحَبُّ وَيُحِبُّ ، وَرُوِيَ فِي أَثَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ : " لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ يَعْشَقُنِي وَأَعْشَقُهُ " ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ .(/3)
وَالْجُمْهُورُ لَا يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ هُوَ الْمَحَبَّةُ الْمُفْرِطَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتُهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَيْسَتْ تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ لَا تَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهُ " .ا.هـ.
والأثرُ الذي أوردهُ شيخُ الإسلامِ سيذكر ابنُ القيمِ الحكمَ عليه عند النقلِ من " روضةِ المحبين " .
ونقلَ في " الفتوى الحمويةِ الكبرى " – وهي ضمن مجموع الفتاوى (5/80) – عن أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ خفيفٍ في كتابهِ الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثباتِ الأسماءِ والصفاتِ " ما نصه : " وَإِنَّ مِمَّا نَعْتَقِدُهُ تَرْكُ إطْلَاقِ تَسْمِيَةِ " الْعِشْقِ " عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِاشْتِقَاقِهِ وَلِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ . وَقَالَ : أَدْنَى مَا فِيهِ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ وَفِيمَا نَصَّ اللَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَبَّةِ كِفَايَةٌ " .ا.هـ.
وقالَ الإمامُ ابنُ القيم – رحمهُ اللهُ – في " إغاثةِ اللهفان " (2/133) : " ولما كانتِ المحبةُ جنساً تحتهُ أنواعٌ متفاوتةٌ في القدرِ والوصفِ ، كان أغلبُ ما يُذكرُ فيها في حقِ اللهِ تعالى : ما يختصُ بهِ ويليقُ بهِ ، كالعبادةِ والإنابةِ والإخباتِ ، ولهذا لا يذكرُ فيها لفظُ العشقِ والغرامِ والصبابةِ والشغفِ والهوى ، وقد يذكر لها لفظُ المحبةِ كقوله : " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ المائدة : 54 ] ، وقولهِ : " قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " [ آل عمران : 31 ] ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه " [ البقرة : 165 ] " .ا.هـ.(/4)
وقالَ ابنُ القيمِ أيضاً في " طريقِ الهجرتين " ( ص 537 ) في فصلٍ لهُ عن جوازِ إطلاقِ الشوقِ على اللهِ : " والصوابُ أنهُ يقالُ : إطلاقهُ – أي الشوق – متوقفٌ على السمعِ ، و لم يرد به ؛ فلا ينبغي إطلاقهُ ، وهذا كلفظِ العشقِ أيضاً ، فإنهُ لم يرد به سمعٌ ، فإنهُ يمتنعُ إطلاقهُ عليهِ سبحانهُ ، واللفظُ الذي أطلقهُ سبحانهُ على نفسهِ وأخبر بهِ عنها أتمُ من هذا و أجلُ شأناً ، هو لفظُ المحبةِ ... وهكذا المحبةُ وصف نفسهُ منها بأعلاها وأشرفها فقال : " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ المائدة : 54 ] ، " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222 ] ، " يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [ البقرة : 195 ] ، و " يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " [ آل عمران : 146 ] ، ولم يصف نفسهُ بغيرها من العلاقةِ والميلِ والصبابةِ والعشقِ والغرامِ ونحوها ، فإن مسمى المحبةِ أشرفُ وأكملُ من هذه المسمياتِ ، فجاء في حقهِ إطلاقه دونها " .ا.هـ.(/5)
وقالَ في " روضةِ المحبين " ( ص 28 – 29 ) بعد تعريفهِ " للعشقِ " : " وقد اختلف الناسُ هل يطلقُ هذا الاسم في حقِ اللهِ تعالى ؟ فقالت طائفةٌ من الصوفيةِ : لا بأس بإطلاقهِ ، وذكروا فيه أثراً لا يثبتُ وفيه : " فإذا فعل ذلك عشقني وعشقته ، " وقال جمهورُ الناسِ : لا يطلقُ ذلك في حقهِ سبحانهُ وتعالى ، فلا يقالُ : " إنهُ يعشقُ " ، ولا يقالُ : " عشقهُ عبدهُ " ، ثم اختلفوا في سببِ المنعِ على ثلاثةِ أقوالٍ ، أحدها : عدم التوقيف – أي : عدمُ ورودِ النصِ - بخلافِ المحبةِ ، الثاني : أن العشقَ إفراطُ المحبةِ ، ولا يمكنُ ذلك في حقِ الربِ تعالى ، فإن اللهَ تعالى لا يوصفُ بالإفراطِ في الشيءِ ، ولا يبلغُ عبدهُ ما يستحقهُ من حبهِ فضلاً أن يقالَ : " أفرطَ في حبهِ " ، الثالث : أنه مأخوذٌ من التغيرِ كما يقالُ للشجرةِ المذكورةِ : " عَشَقةٌ " ، ولا يطلقُ ذلك على اللهِ سبحانه وتعالى " .اهـ.
وقالَ أبو الفرجِ ابنُ الجوزي في " تلبيسِ إبليس " (3/1011 – 1013) عند سياق ما يروى عن الصوفيةِ من سوء الاعتقادِ : " قال السراجُ : " وبلغني أن أبا الحسين النوري شهد عليه غلامُ الخليلِ أنه سمعهُ يقولُ : " أنا أعشقُ اللهَ وهو يعشقني " ، فقال النوري : " سمعتُ اللهَ يقولُ : " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ المائدة : 54 ] ، وليس العشقُ بأكثر من المحبةِ .
قال القاضي أبو يعلى : " وقد ذهبت الحلوليةُ إلى أن اللهَ تعالى يُعشقُ " . [ قال محققُ الكتابِ في الحاشيةِ : " كتابُ المعتمدِ في أصولِ الدينِ ( ص 76 ) وعبارتهُ : " وذاتُ الباري لا يجوزُ أن تُعشَقَ ، خلافاً للحلوليةِ في قولهم : " إنها تُعشقُ " ] .(/6)
قالَ المصنفُ ( أي : ابن الجوزي ) : قلتُ : وهذا جهلٌ من ثلاثةِ أوجهٍ : أحدها : من حيث الاسم ، فإن العشق عند أهلِ اللغة لا يكونُ إلا لما ينكحُ ، والثاني : أن صفاتِ اللهِ منقولةٌ ، وهو يُحِبُّ ولا يقالُ : " يَعْشَقُ " ، ويُحَبُّ ولا يقالُ : " يُعشقُ ... والثالث : من أين لهُ أن اللهَ يحبهُ ؟ وهذه دعوى بلا دليل ... " .ا.هـ.
وقالَ ابنُ أبي العزِ شارحُ الطحاوية (1/166) عند ذكرهِ لمراتبِ المحبةِ : " السابعةُ : العشق : وهو الحبُّ المُفرطُ الذي يُخافُ على صاحبهِ منه ، ولكن لا يُوصفُ به الربُّ تعالى ، ولا العبدُ في محبةِ ربهِ ، وإن قد أطلقهُ بعضهم . واختُلِفَ في سببِ المنعِ ، فقيل : عدمُ التوقيفِ ، وقيل غيرُ ذلك ، ولعل امتناعَ إطلاقهِ أن العشقَ محبةٌ مع شهوةٍ " .ا.هـ.
وقال الشيخُ الدكتورُ بكرٌ أبو زيد في " معجمِ المناهي اللفظيةِ " ( ص 368 ) : " عاشقُ اللهِ : هذا مما يتسمى به الأعاجم من الهنودِ ، وغيرهم ، وهي تسميةٌ لا تجوزُ ، لما فيها من سوءِ الأدبِ مع اللهِ تعالى ، فلفظُ : " العشق " لا يطلقُ على المخلوقِ للخالقِ بمعنى : محبة اللهِ ، ولا يوصفُ به اللهُ – سبحانهُ – " .ا.هـ.
وقال أيضاً ( ص 392 ) : " العشقُ : فيه أمران : 1 – منعُ إطلاقهِ على اللهِ تعالى : ذكر ابنُ القيمِ – رحمه اللهُ – خلافَ طائفةِ من الصوفيةِ في جوازِ إطلاقِ هذا الاسمِ في حقِ اللهِ تعالى ، وذكروا فيه أثراً لا يثبتُ ، وأن جمهورَ الناسِ على المنعِ ، فلا يقالُ : " إن اللهَ يعشقُ ، ولا عشقهُ عبدهُ ، وذكر الخلافَ في علةِ المنعِ ... " .ا.هـ.
وبعد عرض هذه النصوصِ من علماءِ الأمةِ ، يظهرُ جلياً حكمُ إطلاقِ العشقِ على اللهِ .
النقطةُ الثالثةُ :
بعد النقولِ السابقةِ في إطلاقِ العشقِ على اللهِ ، نأتي على إطلاقهِ على النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، وهل يقالُُ عنه : " عاشقٌ " ؟(/7)
إن المتتبعَ لنصوصِ السنةِ ، وأقوالِ الصحابةِ الذين نزل القرآنُ بلغتهم ، وهم أهلُ اللغةِ الأقحاحِ ، لن يجد هذا اللفظ في حق النبي صلى اللهُ عليه ، فلم يقولوا : " نحن نعشقُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم " ، بل كانوا يطلقون لفظ : " المحبة " ، وقد نقلتُ من النصوصِ ما يثبتُ ذلك في النقطةِ الأولى ، فيمنعُ من إطلاقِ العشق في حقِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم .
وأكتفي بما ذكرهُ العلامةُ الشيخُ بكر أبو زيد في " معجمِ المناهي اللفظية " ( ص 392 ) فقال : " 2 – امتناعُ إطلاقهِ في حق النبي صلى اللهُ عليه وسلم كما في اعتراضاتِ ابنِ أبي العزِ الحنفي على قصيدةِ ابم أيبك ، لأن العشقَ هو الميلُ مع الشهوةِ ، وواجبٌ تنزيهُ النبي صلى اللهُ عليه وسلم إذ الأصلُ عصمتهُ صلى اللهُ عليه وسلم " .ا.هـ.
واللهُ أعلم .
---
السؤال :
ماحكم التسمى بهذه الأسماء المستعارة عبر المنتديات :
عاشق الشهادة/عاشق الجنة/ عاشق الرسول / عاشق النبي / عاشق القرآن/ عاشق المدينة / عاشق مكة/ عاشق قطر/ عاشق الكويت / عاشق المجد / عاشق الرياضيات / عاشق العلم/ عاشق الإسلام/عاشق الشهادة
أي كل مايتعلق بكلمة عاشق وعشق ؟
أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعشق هو إلافراط في الحب، ويكون في عفاف الحب ودعارته، والأصل فيه الرجل يعشق المرأة.
قال ابن القيم: العشق والشرك متلازمان وإنما حكاه الله عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز ، وذكر الشيخ بكر أبو زيد عن أكثر أهل العلم المنع من إطلاقه على الله أو على رسوله خلا فا للصوفية ( راجع معجم المناهي اللفظية ) ، أما حب البلدان وغيرها فالأولى التعبير عنه بالحب لا العشق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق مكة: ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ) رواه الترمذي وصححه الألباني . وقوله: أحد جبل يحبنا ونحبه. رواه البخاري.
والله أعلم.(/8)
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
http://www.islamweb.net/ver2/Istisharat/ShowFatwa.php?lang=A&Id=52194&Option=FatwaId
السؤال
هل يجوز إطلاق العشق في حق الله ؟ كقول بعضهم "إني أعشق الله" أو "قلبي عاشق لله"
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي إطلاق لفظ العشق في حق الله تعالى، لأن الألفاظ الشرعية ينبغي أن يقتصر فيها على ما جاء في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد هذا اللفظ في شيء من نصوص الوحي ولا على لسان أحد من الصحابة رضوان الله عليهم .
وإنما جاء بلفظ المحبة، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه [البقرة: ة165] .
وقوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة: 54] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما... الحديث رواه البخاري ومسلم .
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان : ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف، كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى ما يختص به ويليق به، كالعبادة والإنابة والإخبات، ولهذا لا يذكر فيها العشق والغرام والصبابة والشغف والهوى.. وقد يذكر لفظ المحبة كقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة: 54] .
والحاصل، أن المسلم ينبغي له أن يتقيد بالألفاظ الشرعية ولا يجوز له أن يطلق ألفاظا في حق الله تعالى لم ترد في الكتاب ولا في السنة.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 22296.
والله أعلم.
المفتي : مركز الفتوى بإشراف د . عبدالله الفقيه
http://www.islamweb.net/ver2/Istisharat/ShowFatwa.php?lang=A&Id=38249&Option=FatwaId
فتوى(/9)
س 1 : إن كثيراً من الناس يسمون : عاشق الله ، ومحمد الله ، ومحب الله ، فهل يجوز التسمية بهذه الأسماء أم لا ؟
ج 1 : في التسمية بعاشق الله سوء أدب .
ولا بأس بالتسمية بمحمد الله ، ومحب الله ، والأولى ترك ذلك ، والتسمية بالتعبيد لله أو نحو محمد وصالح وأحمد ونحو ذلك ، من غير إضافة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب رئيس اللجنة : عبدالرزاق عفيفي
عضو : عبدالله بن قعود
عضو : عبدالله بن غديان
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
الصفحة الرئيسة | صفحة الشيخ(/10)
بحث حمد الجاسر الذي زلزل بقايا الصوفية في الحجاز !!
سليمان بن صالح الخراشي
ألقى الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - " علامة الجزيرة في التاريخ " محاضرة في (جامعة أم القرى) بمكة بعد مغرب ليلة الأربعاء 13 جمادى الآخرة سنة 1402هـ ، ثم نشرها كبحث في مجلة العرب ( س 17 ج 3-4) ؛ أحدث هزة وربكة بين أساطين التصوف في الحجاز بسبب نسفه - تاريخيًا - لكثير من خرافاتهم التي يوردونها كحقائق ليُضلوا بها البسطاء ؛ ولذا فقد حاولوا الرد عليه والتهويش ، متناسين شهادة الجميع له بالتفرد والتفوق على أبناء عصره في هذا المجال التاريخي .
وقبل أن أنشر أهم ماجاء في بحثه ؛ لابد من ذكر 3 تنبيهات :
الأول : أن الصوفية في الحجاز شرذمة قليلة حاولت خداع الناس بأنها تمثل أبناء تلك المنطقة ! مستغلة الأحداث السياسية المعروفة في بداية تشكيل المملكة . وهذا أمر مجانب للحقيقة ؛ إذ أن أهل الحجاز - وفقهم الله - هم من أهل السنة - ولله الحمد - ؛ كما يشهد بذلك تاريخهم وعلماؤهم الذين حاول دهاة التصوف إخفاء صوتهم . ومن أراد معرفة هذه الحقيقة المغيبة فليرجع إلى رسالة ( جهود بعض علماء البلد الحرام في تقرير العقيدة السلفية في القرن الرابع عشر الهجري ) للأستاذ عبدالمحسن الحربي . وأبشر الإخوة بطلائع حجازية قادمة تعيد الحق إلى نصابه ، وتسهم في كشف الحقيقة ؛ كما رأينا في رد الشريف حاتم العوني على مي يماني وغيرها من الصوفية ، وكما في ردود الشيخ الموفق سمير مالكي على قريبه محمد علوي مالكي .. وآخرين غيرهم ؛ زادهم الله توفيقًا .(/2)
الثاني : قد لايعرف كثيرون أن زناد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله قد انقدح من الحجاز ، وأن شيوخه الحجازيين ( كابن سيف ومحمد حياة السندي المدني ومحمد البرهاني وغيرهم ) هم أول من لفت نظره إلى أهمية التوحيد ، وأيدوه على دعوته إليه . ( انظر : عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية .. للشيخ صالح العبود، 1/150-169) . وأن أبرز وأكثر من عارضه هم شيوخ نجد ! . فمايسمى بالدعوة ( الوهابية ) حجازية المنشأ ؛ لا كما يحاول الصوفية ترويجه ؛ بغية صد الناس عن الحق .
الثالث : قد يقال : ألا نكتفي بالنصوص وأقوال العلماء الشرعيين في الرد على هؤلاء الصوفية ؟ فأقول : يكفي هذا مع طلاب الحق ، أما الممارون المجادلون كالمتصوفة ؛ فلا يكفيهم أن تورد عليهم الأدلة الشرعية وأقوال العلماء ؛ لأنهم سيتخلصون منها بحيل كثيرة ؛ إما بصرف المعنى ، أو بتعدد الأفهام ، أو .. الخ . أما الرد التاريخي الذي ينسف خرافاتهم من أساسها فلن يستطيعوا له دفعًا ولا تحويلا . والله الموفق .
الآثار الإسلامية في مكة المشرفة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الآثار –أيها الإخوة- في هذه البلدة المشرفة نوعان:
1 - مشاعر العبادة المقدسة، في مكة ومِنَى ومزدلفة وعرفات، ومواقيت الحج المكانية، وقد تكفل الله بصيانتها وحفظها، لارتباطها بما تعبّد عباده بالقيام به من أنواع العبادة.
2 - ونوع آخر من الآثار، له ارتباط بحياة من عاش على تراب هذه البلدة الطاهر، كالمساجد والموالد والقبور والأمكنة، وهذا ما سأحاول حصر الحديث حوله، متوخياً الإيجاز ، مشيراً إلى أمرٍ هام وثيق الصلة به، بل هو أساس يقوم عليه هذا الحديث عن هذا النوع من الآثار :(/3)
هو أن سلفنا الصالح في القرون الثلاثة المفضلة الأولى ما كانوا يهتمون بالمحافظة على آثارهم، ولا يعتنون بتحديد مواقعها أو أزمانها، بل كانوا في كثير من الأحيان عندما يخشون المبالغة في تعظيمها يسعون لإزالتها، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى الناس ينتابون بالزيارة شجرة الرضوان، التي بايع المسلمون المصطفى –عليه الصلاة والسلام- تحتها، وأنزل الله في تلك البيعة قوله عز وجل: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) فأمر الفاروق رضي الله عنه بقطعها.
وقد أوفى المحققون من العلماء هذا الأمر إيضاحاً وتحقيقاً، وتحسن الإشارة أيضاً إلى أن لتساهل العلماء في رواية ما يتعلق بفضائل المواضع أثراً كبيراً في حدوث كثير من الآثار، كما أن التنافس بين أهل المدن في بعض الأحيان زاد تلك الفضائل كثرة وشهرة، بوسائل مختلفة.
ولا أريد التوسع في الحديث عن هذا، وحسب القارئ أن يستعرض جوانب منه في تشابه كثير من الآثار في المدينتين الكريمتين، ككثرة المساجد المنسوبة إلى بعض المتقدمين، ونسبة كثير من القبور لبعض المشاهير في مقبرتي المعلاة والبقيع، بل حتى في الآبار، كبئر زمزم –مثلاً-.
الموالد في مكة المكرمة :
لعل أشهر هذه المواضع وأقدمها المكان الذي يرى كثير من متقدمي العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد فيه، الواقع في شعب بني هاشم بقرب سوق الليل، وهو مكان لا يزال معروفاً، مع كثرة ما طرأ عليه من التغيير، غير أن نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم محل شك لدى كثير من العلماء.(/4)
ولعل القائلين بصحة تلك النسبة اعتمدوا على القرائن في ذلك، فالرسول عليه الصلاة والسلام من أهل مكة –لا شك في ذلك- وبنوهاشم عشيرته الأقربون كان ربعهم معروفاً في الشِّعب الذي عُرف بهم، ثم بأبي طالب أحدهم، والدار التي يقع فيها المولد كانت في ذاك الشعب، وكانت للرسول صلى الله عليه وسلم، فلما هاجر استولى عليها ابن عمه عقيل بن أبي طالب كما في الحديث الشريف: "وهل ترك لنا عقيل من دار"؟ من هنا قال بعض العلماء ومنهم ابن القيم في كتاب: "زاد المعاد": (لا خلاف في أنه صلى الله عليه وسلم وُلد بجوف مكة).
غير أن ممن تقدم ابن القيم من العلماء من ذكر الخلاف في ذلك، فقد نقل مؤرخ مكة تقي الدين الحسني الفاسي في "شفاء الغرام" وفي مقدمة "العقد الثمين" أن مُغُلطاي العالم الحنفي المصري (689/762) وهو من حفَّاظ الحديث ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد بعُسفان.
ولمغلطاي مؤلف في السيرة في مكتبة الحرم المكي هو كتاب "الإشارة إلى سيرة المصطفى، وتاريخ من بعده من الخلفاء"(1)ورد فيه: (وُلد صلى الله عليه وسلم بمكة، في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، ويقال: بالشِّعب، ويقال بالرَّدم، ويقال: بعُسفان).
وعلى القول بأنه –عليه الصلاة والسلام- وُلد في مكة، فهناك اختلاف بين العلماء في تحديد الموضع الذي وُلد فيه، فقد ذكر محمد بن محمد بن سيد الناس (734-671هـ) في كتاب "عيون الأثر في سيرة سيد البشر" ما نصه: (وولد في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل: إنه ولد في شعب بني هاشم) كذا أورد الخبر بصيغة: (قيل) . وقال الإمام السهيلي (581-508) في كتاب "الروض الأنف": (وولد بالشِّعب، وقيل: بالدار التي عند الصفا، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، ثم بنتها زبيدة مسجدًا، حين حجَّت).(/5)
وأورد تقي الدين الفاسي هذا القول واستغربه فقال: (مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بسوق الليل وهو مشهور، وذكر السهيلي في خبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ما يُستغرب) ثم أورده وأضاف: (وأغرب منه ما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم، ولد في الردم، ردم بني جمح).
ويقصد الردم الذي ردم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17 لصيانة المسجد الشريف من دخول السيل، موقعه في أعلى المُدَّعا الموضع الذي ذكر بعض العلماء أن المحرم يقف فيه للدعاء، إذ منه كانت تشاهد الكعبة المطهرة.
وهذا الاختلاف في الموضع الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد لا يقوم على أساس تاريخي صحيح، وهذا أمر أوضحه الشيخ عبدالله العياشي (1090-1037هـ) في رحلته فقال ما نصه: ( وقد عُلم من كتب السير ما وقع من الاختلاف في مولده صلى الله عليه وسلم هل هو بمكة أو بالأبواء، وعلى أنه بمكة فقيل بالشِّعب وقيل المحصَّب إلى غير ذلك من الأقوال .
ولا أدري من أين أخذ الناس تعيين هذا المحل بالخصوص، اللهم إلا أن يثبت أن تلك دار والده أو جده صلى الله عليه وسلم فيترجح القول بأنه في مكة في قضية عادية، وهي أن ولادة الإنسان في الغالب في منزل والده، وإن أُريد بالشِّعب شِعب أبي طالب الذي انحاز إليه مع بني هاشم وبني المطلب في قضية الصحيفة، فلا يبعد ذلك؛ لأن هذه الدار قريبة من الشعب من أسفله.
والعجب أنهم عيّنوا محلاً من الدار مقدار مضجع، وقالوا له: موضع ولادته صلى الله عليه وسلم !! ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف، لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرها، وعلى القول بأنه فيها ففي أي شعابها ؟! وعلى القول بتعيين هذا الشعب ففي أي الدور؟! وعلى القول بتعيين الدار يبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار، بعد مرور الأزمان والأعصار، وانقطاع الآثار.(/6)
والولادة وقعت في زمن الجاهلية، وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة، سيما مع عدم تعلق غرض لهم بذلك، وبعد مجيء الإسلام فقد عُلم من حال الصحابة وتابعيهم ضَعفُ اعتنائهم بالتقييد، بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي، لصرفهم اعتناءهم رضي الله عنهم لما هو أهم : من حفظ الشريعة، والذب عنها بالسنان واللسان، وكان ذلك هو السبب في خفاء كثير من الآثار الواقعة في الإسلام، من مساجده عليه السلام، ومواضع غزواته، ومدافن كثير من أصحابه، مع وقوع ذلك في المشاهد الجليلة، فما بالك بما وقع في الجاهلية؟! لا سيما مالا يكاد يحضره أحد إلا من وقع له، كمولد علي ، ومولد عمر، ومولد فاطمة –رضي الله عنهم جميعهم- فهذه أماكن مشهورة عند أهل مكة، فيقولون: هذا مولد فلان، هذا مولد فلان، وفي ذلك من البعد أبعد من تعيين مولده صلى الله عليه وسلم، لوقوع كثير من الآيات ليلة مولده صلى الله عليه وسلم ، فقد يتنّبه بعض الناس لذلك بسبب ما ظهر من الآيات، وإن كانوا أهل جاهلية، وأما مولد غيره ممن ولد في ذلك العصر فتكاد العادة أن تقطع بعدم معرفته، إلا أن يرد خير عن صاحب الواقعة بتنبهه أو أحد من أهل بيته ) . انتهى كلام العياشي ، وهو شامل لجميع الموالد المنسوبة لمن عاش في عهد المصطفى –عليه الصلاة والسلام- فلا داعي للحديث عنها.
المساجد:
وفي مكة مساجد، كانت تُقصد للزيارة، منها: مسجد بأعلى مكة عند الردم - المدَّعا - يدعى مسجد الراية، يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وركز رايته حين فتح مكة بقربه.
ومسجد عند المُدَّعا –أيضاً- على يمين الهابط إلى مكة ويسار الصاعد منها، ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى فيه المغرب.
ومسجد المختبا في سوق الليل بقرب ما يُزعم بأنه المولد ، يقال بأن النبيصلى الله عليه وسلمكان يختبئ فيه من الكفار.(/7)
ومسجد بأسفل مكة بقرب بركة الماجن، ينسب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ،ومسجد الجن، ويسمى مسجد البيعة، ومسجد الحرس، ومسجد الإجابة في شعب بقرب ثنية أذاخر.
وهناك مساجد أخرى، وكلها وردت منسوبة له صلى الله عليه وسلم أو لأحد من أصحابه في أخبار لا تثبت أمام النقد، من حيث صحة نسبتها إلى من نسبت إليه.
وكذا المساجد المذكورة في منى، باستثناء مسجد الخيف، وهذا لا ينافي قدم تاريخ إنشاء تلك المساجد، واعتبارها من الأماكن القديمة ، فيدرس تاريخها على هذا الأساس، ويهتم بها بصفتها أماكن للعبادة.
أماكن أثرية :
ومن أشهر المواضع الأثرية جبلا حِراء وثور –من جبال أم القرى- ففي غار الأول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد، وفيه نزل عليه الوحي.
وفي غار الثاني اختبأ هو وأبو بكر حين هاجرا من مكة، وفيه نزل قوله تعالى: ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) .
ومن أشهر المواضع الأثرية قرب مكة وادي حُنين (يدعان) أعلى وادي الشرائع ، الذي حدثت فيه الوقعة المذكورة في القرآن الكريم: ( ويوم حنين إذ أجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً ) الآية. وتحسن الإشارة إلى التفريق بين موضعي حُنينٍ وأوطاس، حيث وقع من بعض المؤرخين ما يُفهم منه اعتبارهما موضعاً واحداً، مع تغايرهما ، فأوطاس يقع شرق سلسلة جبال الحجاز، أقرب المواضع المأهولة منه عُشيرة، يقع غرب وادي العقيق، على مقربة من البركة شمالها بميل نحو الغرب .
القبور:
لا شك أن مقبرة المعلاة في مكة المشرفة حوت من رفات الأجسام الطاهرة من المؤمنين ما لم تحوه مقبرة من حيث الفضل، باستثناء مقبرة البقيع.(/8)
وقد ألف الفيروز آبادي صاحب "القاموس المحيط" رسالة دعاها: "إثارة الحَجون، لزيارة الحَجون" ذكر الصحابة المدفونين في تلك المقبرة، ونظم هذه الرسالة علي بن أبي بكر الصايغ، أحد علماء مكة في صفر سنة 1287 بأرجوزة سماها: "اللؤلؤ المكنون، في ذكر أسماء أهل الحجون" وذكر أن عدد الصحابة المدفونين في مقبرة الحجون ثمانية وثلاثون رجلاً وسبع نسوة، سرد جميع أسمائهم نقلاً عن رسالة الفيروز آبادي، التي تضمنت تراجم أولئك.
ولكن مما تجب ملاحظته:
1- الاختلاف في موقع الحجون الوارد في كتب المتقدمين، فقد ذكر الفاسي أن الحجون جبل على يسار الداخل إلى مكة، ويمين الخارج منها إلى منى على ما ذكر الأزرقي والفاكهي، وهما أقدم مؤرخي مكة ممن وصلت إلينا مؤلفاتهم(2).
وإذن فهو مخالف لما عليه الناس من أن الحجون الثنية التي يهبط منها إلى مقبرة المعلاة.
وأضاف الفاسي: ولعل الحجون على مقتضى كلام الأزرقي والفاكهي والخزاعي هو الجبل الذي يقال: فيه قبر ابن عمر رضي الله عنهما أو الجبل المقابل له، الذي بينهما الشعب المعروف بشعب العفاريت انتهى.
ويرى مؤرخ مكة في عصرنا الأستاذ الشيخ أحمد السباعي أن ثنية الحجون تقع في الجبل المتصل بشعب عامر، وأن إطلاق اسم الحجون على ما هو معروف عند الناس الآن حدث بعد الإسلام(3).
2- ليس كل من مات في مكة قبر في مقبرة الحجون كما يُفهم من رسالة صاحب "القاموس" إذ لمكة عند ظهور الإسلام مقابر غير مقبرة الحجون التي هي مقبرة المعلاة ؛ منها: المقبرة العليا بين المعابدة وثنية الحرمانية –ثنية أذاخر- وكان يدفن فيها في الجاهلية وصدر الإسلام.
ومنها: مقبرة المهاجرين، بالحصحاص، بين فخّ والزاهر (الشهداء).
ومنها: مقبرة الشبيكة، وكانت تعرف بمقبرة الأحلاف، بينما تعرف مقبرة المعلاة بمقبرة المطيبين.
لهذا لا يمكن الجزم بأن من توفي في مكة مقبور بمقبرة المعلاة (الحجون)(/9)
3- نص المتقدمون من مؤرخي مكة على عدم معرفة قبر أحدٍ من الصحابة إلا قبر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في سرف.
قال الفاسي: ولا أعلم في مكة، ولا فيما قرب منها قبر أحد ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم سوى قبر ميمونة، لأن الخلف يأثره عن السلف، وقال ابن ظهيرة في "الجامع اللطيف": عن مقبرة المعلاة: لما حوته من سادات الصحابة والتابعين، وكبار العلماء والصالحين، وإن لم يعرف قبر أحد من الصحابة تحقيقاً الآن. انتهى
وفي عصرنا –بل قبله بنحو ستة قرون- عُرف قبر أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها ، معرفة قائمة على أساس من الجهل، إن صحَّ أن للجهل أساساً، فشُيِّدت قبة عظيمة تحمل ذلك الاسم الطاهر، ثم أقيم بجوار تلك القبة في أول القرن الحادي عشر قُبَّتان تحمل إحداهما اسم (عبد المطلب) وتعرف الأخرى باسم قبة (أبي طالب) !!
وارتباط هذه الأسماء الثلاثة بحياة المصطفى عليه الصلاة والسلام أضفى عليها هالة من الإجلال، حتى اعتقد كثير من الجهال صحة وجود قبر خديجة وقبر عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي طالب عمه، وهو اعتقاد خاطيء كما أشرت إلى ذلك في كلمة لي بعنوان: (خرافة قبة اليهودية) (4) قلت فيها: ( من الأمور التي لا حقيقة لها ما يصبح بمرور الزمان ذا تاريخ تتناقله الأجيال، حتى يُعد بطول الزمن وبتناقل ذكره بين الناس من الأمور الثابتة التي لا يسوغ إنكارها.(/10)
فقبر أم المؤمنين خديجة –رضي الله عنها- كان مجهولاً لدى مؤرخي مكة حتى القرن الثامن الهجري ، أي طيلة سبعة قرون بل تزيد، ثم أصبح معروفاً محدد المكان، في القرون الخمسة الماضية حتى يومنا هذا، بعد أن رأى أحد العارفين في المنام(5) كأن نوراً ينبعث من شُعبة النور، في مقبرة المعلاة، ولما علم أمير مكة في ذلك العهد بخبر تلك الرؤيا أمر ببناء قبة فوق المكان الذي رأى ذلك العارف أن النور ينبعث منه، جازماً ذلك الأمير أن ذلك المكان ما هو سوى قبر خديجة رضي الله عنها(6) !!!
ويورد المرجاني في كتاب "بهجة النفوس والأسرار" الخبر باختصار ويعقب عليه: (ولا كان ينبغي تعيينه على الأمر المجهول).
ويدور الزمان فيصبح المكان وما حوله مقبرة للعظماء من أهل مكة ! ؛ فيقبر فيه في القرن الحادي عشر في سنة 1010هـ عبد المطلب بن حسن بن أبي نُمي، ثم في سنة 1012هـ يموت أحد أمراء مكة ممن عرف بالظلم والجبروت، وهو أبو طالب بن حسن بن أبي نمي، وتُبنى فوقه قبة تعرف بقبة أبي طالب، بجوار قبة خديجة الخرافية وقبة عبدالمطلب، ويدور الزمان فيُجهل أمر صاحبي القبة، فتنشأ خرافة قبة عبدالمطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي مات في زمن الفترة، وقبة أبي طالب بن عبد المطلب عم النبي عليه الصلاة والسلام، الذي مات مشركاً بنص القرآن الكريم.(/11)
ويُدون التاريخ تلك الخرافات الثلاث باعتبارها حقائق تاريخية، وتتناقلها الأجيال إلى يومنا هذا، بل تزداد رسوخاً وقوة حين تصدى عالم جليل من علماء العصر(7) بكتابة سفر نفيس دعاه "في منزل الوحي" إذ تطغى عاطفة التدين على ذلك العالم حين يشاهد مقبرة مكة (المعلاة) فتنتابه الذكريات عمن ضمَّت من أجساد عظماء الأمة خلال الثلاثة عشر قرناً وما فوقها من السنين، وتنطلي عليه خرافة قبر عبدالمطلب جد النبي عليه الصلاة والسلام، وقبر أبي طالب عمه، وقبر أم المؤمنين خديجة زوجه، فيتقبل القول على عِلاَّته، ويريح نفسه من عناء البحث والتحقيق، فيجري يراعه السيال بكتابة الصفحات التي يعدد فيها أمجاد السادة الذين ضم تراب تلك المقبرة رفاتهم !!
ويخص بالذكر منهم أولئك الثلاثة، وينحي باللائمة على من أزال تلك القباب الخرافية !!
وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إن الباحثين ممن جاؤوا بعد ذلك العالم اتخذوا كتابه مصدراً يُعتمد عليه في آثار مكة وأخبارها، بحيث أن إحدى المجلات(8) الدينية تقوم بنشر كُتيب عن الحج في كل عام منذ بضع سنوات، وتعدد فيه آثار قبور المعلاة الثلاثة القبور الخرافية !
وقل أن كتب عن هذه البلدة الكريمة أحدٌ من غير العارفين من أهلها فلم ينظر إلى هذه الآثار ونحوها نظرة الواثق بصحة ما يقال عنها، لِمُلامستها للعواطف.
أما مثقفو هذه البلاد، وأولوا الرأي فيها ؛ فهم يدركون أنها لا سند لها من التاريخ ، وأن ما يروى عنها غير صحيح(9).
حمد الجاسر
------------------------
الهوامش :
1- رقمها (87) سيرة) في 67 ورقة. مخطوطة سنة 810 مصححة ومقابلة على الأصل المقرؤ على المؤلف تنتهي بخبر قتل المستعصم سنة 656 من قبل التتار.
ولمغلطاي كتاب آخر مطول في السيرة هو "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم" منه مخطوطة في مكتبة (ليدن) في (هولندا) رقمها في فهرس المخطوطات الشرقية (370).
2- انظر مجلة "العرب" س 16 ص 237.(/12)
3- محاضرة ألقاها سنة 1388هـ في نادي الوحدة الرياضي بمكة بعنوان: (عبدالله بن الزبير صاحب فكرة في تاريخ مكة) "العرب" س 2 ص 865.
4- " العرب" س 10 ص 278.
5- انظر كتاب "البحر العميق في العمرة والحج إلى بيت الله العتيق" لمحمد بن أحمد بن الضياء القرشي المكي الحنفي ج 1 الورقة (20) مخطوطة مكتبة الحرم المكي. رقم (40) فقه حنفي فقد أشار إلى هذا الخبر، وأورده مفصلاً أحد مؤرخي مكة المتأخرين.
6- ذكر كثير من المؤرخين المتأخرين أن خديجة –رضي الله عنها- قبرت بمقبرة المعلاة، وذكر التجيبي في رحلته أنه شاهد (سنة 696هـ) في طرف مقبرة المعلاة شعباً ذكر أن فيه قبر خديجة وقال: (وليس لها بالشعب المذكور قبر ظاهر، ولكنهم يقولون إنها به والله أعلم) انتهى. ولهذا فإن المحققين من المؤرخين نصوا على أنه لا يعرف في مكة من قبور الصحابة سوى قبر أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، في سرف خارج مكة بقرب التنعيم، وقبر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في ثنية أذاخر مما يلي باب المعلى (رحلة التجبي ص339) والله أعلم.
7- هو الدكتور محمد حسين هيكل باشا –رحمه الله-.
8- هي مجلة "الوعي الإسلامي" التي تصدر في الكويت.
9- "منزل الوحي" ص 204 و 205.
سليمان الخراشي
كتب ورسائل
رسائل وردود
مطويات دعوية
مقالات
اعترافات
حوارات
مختارات
ثقافة التلبيس
نسائيات
نظرات شرعية
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/13)
برعي اليمن يسلط الضوء على الصوفية
أثناء قراءتي لأحد كتب أهل العلم من أبناء الديار اليمنية لفت انتباهي موضوع يخص الصوفية، فرغبت بنشره لتعم الفائدة به، ويطرح بعض الأفكار لعلاج أحد الأمراض التي تفتك بشريحة من الأمة، وهو يطرح نقاط تهم الباحث والمهتم وطلبة العلم، وكأنه بمثابة تعقيب لمقال سبق وأن نشرناه لأحد أهل العلم والفكر من أرض الكنانة من جمهورية مصر العربية الدكتور محمد صالح في مقاله (الصوفية بعد الشيعة) من سفره [مفاهيم] ..
الموضوع الذي سننشره للشيخ أبو ذرّ عبدالعزيز بن يحيى البرعي اليمني من كتاب القيم [قراع الأسنة في نَفْي التَّطَرُّف والشُّذُوذِ عن أهْلِ السُّنَّة] .. فإلى الموضوع:
الصوفية
الفرقة الثانية من فرق الضلال الصوفية وهي قرينة التشيع والشيعة، والصوفية وصمة عار في تاريخ المسلمين، ولسنا هنا نريد نقد مذهبهم وإنما سنضرب أمثلة على سوء عقيدتهم، ومن ضلالهم أيضاً تعظيمهم للبشر من أنبياء وصالحين؛ بل وكفرة فإن بعض الصوفية يكون فيهم الرجل يدعي الألوهية لنفسه أو لغيره ومع ذلك يلقبونه بالغوث الأعظم والقطب والوتد وغير ذلك من الألقاب التي لم يلقب بها أفاضل الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وغيرهم رضي الله عنهم.
وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع(/2)
وإنا نرى الصوفية في ضلال عظيم؛ ولكن لا نرى من يرد عليهم كما رد على الشيعة، ولعل السبب في ذلك راجع لقلة عدد الصوفية ورداءة مذهبهم من استذلال شيخ الطريقة للمريدين وغير ذلك، ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل فسوف يقيض لهم طالب علم يقتلع مذهبهم من جذوره سهل الله بذلك، وإنا نرى لهم زوابع في بلادنا يتطلعون ويشرئبون بأعناقهم كي ينظروا، فنقول لهم: انظروا فإن النور قادم، والزحف إليكم مستمر، فإنا قد عزمنا على أن نشمر عن سواعدنا، ونطلق ألسنتنا، وأقلامنا العنان لكل من حاول أن يطل برأسه من أعداء السنة يريد تحطيمها، ومن أولئك النفر شيخ الطريقة محمد الهدار الذي هو مقيم في (رباطة) بالبيضاء، وأنا لا أعرفه وقد عرفت رجلاً من أصحابه في المخا كانوا قد شدوا الرحال لزيارة قبر الشاذلي وهو الحبيب عمر على حد زعمهم وكان من كلامه (ليس في الكون إلا الله) وهذه عقيدة ابن عربي الملحد، وتسمى هذه بعقيدة وحدة الوجود، ومعنى وحدة الوجود أي أن كل شيء في الكون هو الله نعوذ بالله من الضلال.
ويقول قائلهم:
العبد رب والرب عبد *** يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك حق *** أو قلت رب أنى يكلف
ويقول آخر:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسة
ويقول عبدالرحيم البرعي في ديوانه:
وأين يحل الابن منه ولم يكن *** مع الله غير الله عين وآثار
ويقول آخر:
يا من أنا أنت وأنت أنا *** أنا من أهوى وأنا أهوى أنا
نحن روحانا حللنا بدنا
فإذا أبصرتنا أبصرته *** وإذا أبصرته أبصرتنا
أنا الله والله أنا
ومن خبثهم أنهم قد أصبحوا آلة الشيوعية، فإنهم يتجسسون على الرجال الصالحين في عدن نصرة للشيوعية، وليس ذلك بغريب عنهم، فالصوفية والشيعة آلة لكل طاعن على الإسلام.(/3)
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه الفصل في الملل والنحل (ج4 ص226): ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، قالوا: من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام وغير ذلك، وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بهذا نساء غيرهم، وقالوا إننا نرى الله ونكلمه وكلما قذف في نفوسنا فهو حق، ورأيت لرجلٍ منهم يعرف بابن شمعون، كلاماً نصه: أن لله تعالى مائة اسم، وأن الموفي مائة هو ستة وثلاثون حرفاً ليس منها في حروف الهجاء شيء إلا واحد فقط، وبذلك الواحد يصل أهل المقامات إلى الحق، وقال أيضاً: أخبرني بعض من رُسِمَ لمجالسة الحق أنه مد رجله يوماً فنودي ما هكذا مجالسة الملوك، فلم يمد رجله بعدها، يعني أنه كان قديماً لمجالسة الله سبحانه، وقال أبو حاضر النصيبي من أهل نصيبين وأبو صالح السمرقندي وأصحابهما أن الخلق لم يزالوا مع الله تعالى وقال أبو صالح لا تحل ذبائح أهل الكتاب وخطأ فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتال أهل الردة، وصوب قول الصحابة الذين رجعوا عنهم في حربهم. إلى أن قال رحمه الله: واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلال لم يجر الله على أيديهم خيراً، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين ويسعون في الأرض مفسدين، وأما الخوارج والشيعة فأمرهم في هذا أشهر من أن يتكلف ذكره، وما توصلت إليه الباطنية إلى كيد الإسلام وإخراج الضعفاء منه إلى الكفر إلا على ألسنة الشيعة، وأما المرجئة فكذلك إلا الحارث بن سريح خرج بزعمه منكراً للجور، ثم لحق بالترك فقادهم إلى أرض الإسلام فنهب الديار وهتك الأستار والمعتزلة في سبيل ذلك إلا أنه ابتلي بتقليد بعضهم المعتصم والواثق جهلاً وظناً أنهم على شيء، وكانت للمعتصم فتوحات محمودة(/4)
كبابل والمازيار وغيرهم، فالله الله أيها المسلمون تحفظوا بدينكم، ونحن نجمع لكم بعون الله الكلام في ذلك، ألزموا القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما مضى عليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأصحاب الحديث عصراً عصراً الذين طلبوا الأثر، فألزموا الأثر، ودعوا كل محدثة، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبالله التوفيق. أ.÷ـ. كلامه رحمه الله.
كتبه:
أبو عمر الدوسري (المنهج) – شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/5)
بعض كبار الصوفية الذين هداهم الله للعقيدة السنية
1* الدكتور تقي الدين الهلالي:
شيخ التوحيد في بلاد المغرب والذي كان صوفيا (تيجانيا) فأكرمه الله بدعوة التوحيد, يقول عن سبب خروجه من الطريقة التيجانية: "لقد كنت في غمرة عظيمة وضلال مبين وكنت أرى خروجي من الطريقة التيجانية كالخروج من الاسلام ولم يكن يخطر لي ببال ان اتزحزح عنها قيد شعرة, وجرت مناظرة حول ادعاء الشيخ التيجاني في انه رأي النبي يقظة, وقد ثبت بطلان ذلك "يمكن الرجوع للمناظرة بكاملها في كتاب (الفكر الصوفي ص 474) وكذلك يذكر انه اجتمع بالشيخ عبدالعزيز بن ادريس واوضح له بطلان الطريقة التيجانية".
2* الشيخ عبدالرحمن الوكيل:
وكيل جماعة انصار السنة بمصر, صاحب كتاب "هذه هي الصوفية"
يقول "كانت لي بالتصوف صلة, وهي صلة العبرة بالمأساة, حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية وتستقبل النفس كل صروف الاقدار بالفرحة الطروب".
ويضيف "ألا فاسمعوها غير هيابة ولا وجلة, واصغوا الى هتاف الحق يهدر بالحق ان التصوف ادنأ وألام كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسوله, انه قناع كل عدو صوفي للدين الحق, فتش فيه تجد برهمية وبوذية, وزرادشتية, ويهودية ونصرانية ووثنية جاهلية..."
3* هداية الشيخ جعفر إدريس من الطريقة الصوفية إلى الطريقة السنية
هداية الشيخ جعفر إدريس من الطريقة الصوفية إلى الطريقة السنية
أولاً من هو جعفر إدريس؟!
جعفر شيخ إدريس محمد صالح بابكر عبدالرحمن بلل من قبيلة الشايقية بشمال السودان
ولد عام 1932 ميلادية بمدينة بورسودان(/2)
والده شيخ إدريس من حفظة القرآن الكريم. انتقل لمدينة بورسودان بشرق السودان ليعمل شرطياً
مراحل الدراسة
في سن السادسة حدث للشيخ حادث بقدمه عوقه عن المشي لمدة ثلاث سنوات تقريباً. لذلك بدأ تعليمه الرسمي متأخرا جدا، لكنه يرى أن هذا ربما كان من أكبر نعم الله عليه، إذ حفزه للجد في الدراسة في المدرسة وخارجها. فكان في المرحلة الأولية يدرس في المدرسة والخلوة (مدرسة تحفيظ القرآن الكريم) معاً. وفي المرحلة المتوسطة في المدرسة وعلى بعض الشيوخ فدرس عليهم الأربعين النووية وبعض كتب المذهب المالكي، وبعض كتب النحو، وكان يحضر مع والده دروس الشيخ أبو طاهر بالمسجد الكبير ببورسودان فسمع عليه قدرا كبيرا من الصحاح ولا سيما صحيح البخاري، كما درس عليه بعض مختصرات أخرى في الحديث والبلاغة والآداب. درس أيضا على بعض العلماء الشناقيط الذين كانوا يمرون على مدينة بورسودان في طريقهم إلى الحج. ولما انضم إلى جماعة أنصار السنة عرف شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وصاحبهما منذ ذلك الحين وحتى الآن.
مرحلة الدراسة الثانوية
قبل بمدرسة حنتوب في سنة 1950 وهي حينئذاك إحدى ثلاث مدارس ثانوية بالسودان وكان لا يُقبل فيها إلا المتفوقون في الدراسة. وفي المدرسة انضم إلى حركة إسلامية ناشئة هي حركة التحرير الإسلامي التي صارت فيما بعد جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن لها ارتباط تنظيمي بجماعة الإخوان في مصر. ثم صارت جبهة الميثاق الإسلامي واجهة لها إبان الحكم الديمقراطي الذي أعقب نظام عبود العسكري.
مرحلة الدراسة الجامعية والتعليم العالي
التحق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ثم تركها ليذهب للدراسة بمصر، ثم ترك هذه وعاد إلى جامعة الخرطوم ليدرس الفلسفة (قسم الشرف) والاقتصاد، فلم يتخرج فيها إلا عام 1961 فقبل بها معيدا وسجل لدراسة الماجستير، لكن الجامعة ابتعثته في العام التالي للدراسة بجامعة لندن.(/3)
بعد سنتين سقط نظام عبود فترك الدراسة واستقال من الجامعة ليشارك في العمل السياسي الإسلامي. وكان مرشح جيهة الميثاق بمدينة بورتسودان.
عاد للجامعة مرة أخرى عام 67 فحول المشرف رسالة الماجستير إلى دكتوراة فأكملها في عام 69 لكنه لم يحصل على الشهادة إلا عام 70 بعد أن ابتعثته الجامعة إلى بريطانيا مرة أخرى.
العمل والتدريس
قسم الفلسفة, جامعة الخرطوم. 1967 - 1973
قسم الثقافة الإسلامية, جامعة الرياض (الملك سعود حالياً )
مركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
وكان يدرس طلاب الدراسات العليا بالجامعة مواد العقيدة والمذاهب المعاصرة كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه
مدير قسم البحث بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا
مدير الهيئة التأسيسية للجامعة الأمريكية المفتوحة
مستشار لعدد من المؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم
شارك في عدة لجان إسلامية عربية وعالمية
النشاط العام والمؤتمرات
ألقى أحاديث ودروس ومحاضرات في كثير من الجامعات والمراكز الإسلامية والمساجد في كثير من بلدان العالم في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية ودول الكاريبي وأمريكا اللاتينية.
شارك في كثير من البرامج التلفازية والإذاعية في عدد من الدول.
اشرف على رسائل علمية لدرجة الدكتوراة والماجستير.
شارك ببحوث قيمة في عدد كبير من المؤتمرات الإسلامية والعالمية
كتب مقالات كثيرة في الصحف السودانية كان من بينها باب أسبوعي في جريدة الميثاق الإسلامي بعنوان جنة الشوك ومقالات في مجلات إسلامية وأكاديمية باللغتين العربية والإنجليزية.
وهو يكتب الآن زاوية شهرية بمجلة البيان التي تصدر في لندن بعنوان: الإسلام لعصرنا.
الكتب والبحوث(/4)
للشيخ عدد كبير من البحوث أكثرها مشاركة منه في مؤتمرات. بعض المؤتمرات ينشرون هذه البحوث وبعضهم لا ينشرونها. كما له عدد من الكتيبات المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية.
ولمعرفة المزيد من بحوث وكتب الشيخ تصفح موقع الكتب والمقالات في هذا الموقع.
أفضل من يُعرفكم بالشيخ جعفر هو الشيخ جعفر في نص مقابلة أجرتها معه مجلة العصر الإلكترونية عام 1421 هجرية.
نص المقابلة
http://216.39.197.143/alasr/Interview/article_132.shtml
قصة الهداية يحكيها الشيخ له ولوالديه:
الشيخ جعفر:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
أنا من عائلة سودانية كانت تنتمي كمعظم السودانيين آنذاك إلى طريقة صوفية، وكانت الطريقة التي ينتمي إليها الوالدان هي الختمية، وكما هو معلوم أن الطرق الصوفية ولا سيما المنتشرة في بلادنا الآن، مبتلاة بكثير من المسائل الشركية لكن ربنا سبحانه أنعم عليّ بوالدين أثرا في حياتي الدينية والخلقية، فالوالدة لم تكن امرأة عالمة ولكنها كانت شديدة التدين وحازمة جداً، وقد أثرت علي تأثيرا كبيراً في موضوع الصلاة أكثر من الوالد، فقد كانت حازمة جداً في هذا الموضوع، وأذكر أنها كانت توقظنا أحياناً لتسألنا هل صلينا العشاء؟(/5)
وانعم الله سبحانه علينا بالوالد وكان رجلا متسامحاً معنا ، فكان يعاملنا معاملة الكبار آنذاك، ويستشيرنا في بعض أموره، وهذا لم يكن شائعاً في السودان , ولكنهما كانا ينتميا إلى هذه الطائفة، فأول شيء أثر في حياتي تأثيرا كبيرا مازلت أحمد الله عليه وأن أحد أقاربناكان من أول من نشر الدعوة السلفية في السودان، وكان من جماعة أنصار السنة المحمدية في بلدنا ببورسودان، وكنت آنذاك في الثانية عشر حيث تركت انتمائي إلى طائفة والديّ تحت تأثير هذا القريب، مما أحدث مشكلة بيني وبين الوالدين لاسيما أمي، حيث كانت تظن أن هذا نوع من الانحراف فقاطعتني وصارت لا تتكلم معي.
لكن ساعدني أن هؤلاء الذين تأثرت بهم كانوا من الأقارب وكان منهم رجلاً تحترمه الوالدة احتراماً كبيراً، وهو رجل بسيط يعمل خياطاً لكنه كان رجلاً عالماً، فجاء إلى أمي عند حصول هذه المقاطعة وأصلح بيننا، وبعد مدة تغير الوالد -وكان رجلاً يحفظ القرآن –حيث كنت آتي إليه وأقرا عليه بعض الكتب....
العصر: هل تتذكر بعض عناوينها؟
الشيخ جعفر: ……… كانت كتباً صغيرة مؤلفة في مصر، وكان ضمنها كتاب غاب عني اسمه الآن كان له أثراً عظيماً آنذاك، ومازالت أقرأ على الوالد حتى اقتنع وتغيرت بعده الوالدة أيضا وأعد ذلك من نعم الله علي أن كنت السبب في إنقاذهما من الخرافات والشركيّات ولله الحمد سبحانه.حادث في الصغر:(/6)
وكان الحادث تعرضت له في الصغر اثر في تأثيراً ليس بالضرورة فكرياً، ولكنّي لمست نتائجه فيما بعد، إذ أصبت آنذاك، وكنت ألعب على صناديق كبيرة كانت لبعض السيارات، فقفزت من فوق إحداها على مسمار يبدو أنّه أحدث كسراً في العظم بالداخل، وتألمت لذلك ألماً شديداً وتعقّدت الأمور –وكنت حينئذ في السادسة من عمري- واستمر المرض إلى السنة التاسعة تقريباً، وكان ذلك في زمن الإنجليز، وعند أن عرضت على الطبيب قرر هذا أن تُقطع رجلي، فوافق الوالد لكن الوالدة رفضت وبحزم شديد، ثم ذهبت تستشير السيد علي الميرغني –وكانت ما تزال في الطائفة حينئذ- فأجابها قائلاً: نعم.. اسمعوا كلام الطبيب.
وما كان يظن أحد أن أمي ستخالف رئيس الطائفة لكنها فعلت ورفضت قوله ذاك فقال لها الطبيب: إما أن تقطع رجله أو يموت فقالت: خلّيه يموت!!!.. يموت برجلين ولا يعيش بواحدة.
فكان من نتائج ذلك أن تأخرت في الالتحاق بالدراسة، لكن هذا التأخير أفادني جداً، إذ جئت إلى الدراسة بعد ذلك بنهم شديد، فأنا ما كنت بدأت أصلاً، وعندما بدأت الدراسة كان زملائي في السنة الرابعة، وأنا في السنة الأولى، وكان لي أخ ضمنهم، وكنا قد ذهبنا سويّة إلى المدرسة فقُبل هو ولم أُقبل لصغر سني، فكان أخي هذا يمازحني بعد ذلك فيقول: احمد الله على هذا الحادث فلولاه ما دخلت الجامعة.
وقد كانت المنافسة في الدخول إلى الثانوية كبيرة جدّاً آنذاك. إذ لم يكن في السودان وقتئذ غير ثلاث مدارس ثانوية فقط، فكان الدخول إلى أحدها في غاية الصعوبة .لكني أتيت إلى المدرسة في مرحلة نضج واجتهاد شديد، فكنت أذهب إلى الكتّاب باختياري إذ يوقظني الوالد لصلاة الفجر وأبقى في الكتّاب إلى السادسة، ثم أعود فأستعد للذهاب إلى المدرسة وعند رجوعي منها أذهب إلى الكتّاب مرة أخرى وبعد ذلك أنال شيئاً من الراحة، أعود بعدها إلى الكتّاب عند المغرب.
حلقات المساجد:(/7)
بدأت بعد ذلك دروس كان يلقيها رجل سنّي، فكنت أذهب إليها، ومن الرسائل التي بدأت أقرأها مبكراً وأمارس حفظ بعض الأحاديث منها رسالة الأربعين النووية، ثم لما ذهبنا المدرسة المتوسطة كنت أحضر مع الوالد دروساً في السنة كان يلقيها رجل عالم بالسنة,تخرج بالأزهر وكان مشهوراً في بلدنا، يدرّس كتب السنة فقط، وفي هذه الفترة بدأت أقرأ بعض الرسائل الصغيرة لشيخ الإسلام ابن تيميه....
الشيخ جعفر إدريس: عندما انضممت إلى "الإخوان" كنت لا أقبل ما اعتقد أنه خطأ، وأسارع إلى نقده، ولم يكن هذا شيئاً محبباً عند البعض، وأذكر أن الأخوان كانوا يقرأون "المأثورات" وكان في بدايتها أن الذكر الجماعي لا بأس به، فرفضت ذلك، وأقنعت بعض إخواني الذين كانوا معي آنذاك وكنت أنتقد أشياء في ما كانوا يسمّونه "ورد الرابطة" وكان يُقرأ بعد المغرب، لذا فقد نفعني انتمائي إلى الاتجاه السني عند الانضمام إلى الحركة، وصار النقد عندي طابعاً، ومما كتبت في نقد بعض الظواهر في العمل الإسلامي، رسالة موجودة في كتابي "نظرات في منهج العمل الإسلامي" حيث شاع عند الأخوان، والظن عند بعض الجماعات أيضاً اعتقاد أن جماعتهم هي جماعة المسلمين، وأن الذي يخرج خارج على الجماعة، فانتقدت ذلك، وقلت أننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين وأنه ليس في الإسلام شيئاً اسمه الالتزام الفكري بقرارات التنظيم، وقد ناقشت الشيخ المودودي في ذلك وكنت التقيت به في لندن، كما التقيت بغيره من الدعاة من الباكستان وتونس والمغرب والجزائر خاصة بعد ذهابي إلى السعودية، لذلك أظن أن المعيار النقدي هذا هو الذي جعلني أكشف الترابي في وقت مبكر.
العصر: هل تتذكرون ما دار بينكم وبين الشيخ المودودي؟(/8)
الشيخ جعفر إدريس: نعم لا أزال أذكر بعض ما دار بيننا، مثلاً كان ينتقد حركة "الأخوان" قائلاً: أنتم في العالم الإسلامي جماعات مستقلة لكنكم كلكم تطلقون على أنفسكم "الأخوان المسلمون" بينما ينبغي أن يكون عكس ذلك، أن تكونوا جماعة واحدة لكن بأسماء مختلفة حتى لا يؤخذ بعضكم بجريرة البعض الآخر.
وتناقشنا في مسألة الالتزام بالتنظيم فقلت له: أنا لا أعلم في الدين أن الإنسان يلتزم برأي الجماعة، لكن يلتزم بالعمل، فالحاكم مثلاً إذا أمرني بشيء أخالفه الرأي فيه أعمله ما دام لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ليس من حق الحاكم أ ن يقول أذهب إلى الناس وأخبرهم أن هذا هو الرأي الصحيح. فأجابني: أننا إذا لم نلتزم تصير الأمور فوضى، فقلت له: لا يحدث ذلك إذا نحن ربينا الناس على العمل سوية وإن اختلفت الآراء، لكن ما حدث هو أننا أدخلنا إلى أذهان الناس أن من خالف رأي الجماعة منشق عنها فكان ما نراه اليوم من أوضاع مؤسفة.
ولقد كنت أقول لبعض الأخوان هذه صحيفتنا لماذا لا ننتقد أنفسنا بأنفسنا، فالصحابة كانوا ينتقدون بعضهم البعض وكانوا أخواناً متحابين. ثم في الأخير شرح لي الشيخ نظامهم ووجدته أقرب شيء إلى الصورة المثالية فقد قال لي: نحن لا نصدر كثيراً من القرارات، إلا في مسائل مهمة جداً، وما عدى ذلك فالناس أحرار، وإذا اجتمعنا لا أكاد أذكر أننا مرَّرنا شيئاً بالأغلبية، ولكن حتى إذا خالف البعض أرجأنا الاجتماع حتى نقنعهم فقلت له نفرض أنكم كلكم أتفقتم وأنا في باكستان الغربية، وكانت باكستان آنذاك شرقية وغربية قبل الانفصال.(/9)
فقال لي: تكون فوضى فأجبته بالنفي فأنا ألتزم بالعمل، فمثلاً قلتم أن المرأة تدخل البرلمان أو لا تدخل وأنا رأيي مخالف، فإذا كنت أرى أنها مسألة اجتهادية أوافق من الناحية العملية لكن إذا سألت أجيب بما أراه، وما زالت أرى أن هذه واحدة من آفات التنظيمات الإسلامية المعاصرة، وهذا شيء أخذناه –للأسف- من أسوأ الحركات الغربية وهي الشيوعية فالحركة الشيوعية تنظر إلى قرار الحزب أنه قرار باسم الشيوعية فمن يخالفه يخالف الفكر الشيوعي ونحن ليس لدينا شيئاً من هذا، عندنا الكتاب والسنة والإجماع، إذاً فالذي يخالف في التنظيم لا يخالف هذه الأصول بل يخالف رأي التنظيم لا غير.
وقد ألقيت محاضرة ضمنتها ما ذكرته سابقا، ونشرت وهي نفس الرسالة التي أشرت إليها سابقاً، وبعد انتهائي من المحاضرة أتاني شاب في اليوم التالي وقال لي أنه من حركة أخرى، لكنه وجد كل العيوب التي ذكرتها في المحاضرة موجودة في حركته، فكان هذا شيئاً مخيفاً لا يطمئن بالنسبة لي. لذلك نحن مازلنا بحاجة إلى أسلمة الفكر التنظيمي، مثلاً كيف يختار القائد وما مدى مسؤولياته وصلاحياته، وما مقدار التزاماته وحريته في التنظيم.
العصر: بما أن الشيء بالشيء يذكر نسألكم عن رجل عرفتموه، وعلمتم عيوبه في وقت مبكر، وانتقدتموه مبينين أخطاءه هذا هو الدكتور حسن الترابي ماذا لدى الشيخ جعفر عن هذا الرجل؟(/10)
الشيخ جعفر إدريس: ذهبت والترابي إلى نفس المدرسة وكنا نسكن في نفس الداخلية (سكن الطلاب)، وكان الترابي أمامي في الدراسة سنتين، ولم يكن معنا في الجماعة آنذاك، وعندما كنت في السنة الأولى بالجامعة سمعنا أنه انضم إلى الجماعة وفرحنا بذلك، ثم عرفته عن قرب وصحبته في الجامعة، لكني بدأت ألمس فيه عيوباً في الفكر والسلوك، والبعض يظن أن دافع نقدي له هوا لتنافس، ولكني لاحظت عليه ذلك وأنا مسؤول عن التنظيم ولم يكن هو آنذاك شيئاً يذكر، وانتقدته وقتها ولم تكن بيننا أي منافسة. ورغم تحفظاتي التي في قلبي عليه فقد تعاونت معه بعد أن صار مسؤولاً وكنت اسمع منه فلتات فمثلاً في وقت مبكر جداً كان يكره أهل السنة ويشمئز من ذكر البخاري وابن كثير وغيرهما، وليس عنده توقير للصحابة وقد قلت لبعض إخواننا الذين إذا انتقد أحداً رماه بالاعتزال، قلت لهم لا تظلموا المعتزلة فهؤلاء كانوا عبّاداً ومخلصين، وكان ما يدعون إليه فكراً بالنسبة لهم وكان دافعهم إليه حسناً وهو اعتقاد تنزيه الله سبحانه فكثير ممن يسمّى اليوم معتزلة لو رآهم المعتزلة لتبرّأوا منهم، أو يقول لك أشعري حتى الأشاعرة لم يكونوا كذلك، لذا أقول أن هؤلاء أقرب إلى ما يسمّى بالزنادقة أو الفلاسفة الذين لم يكونوا متدينين ولا أقول عقلانيين فقد تتبعت آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر العقل فما وجدت الله سبحانه يذم فيها العقل بل يجعل الله العقل مع الإيمان وعدم العقل مع الكفر، وأهل الأهواء يختلفون فمنهم صاحب هوى في الاعتقاد ومنهم في السلوك، ومنهم من جمع بين الأمرين.
العصر: بعد هذا العمر المديد –بارك الله في عمر شيخنا- هلاَّ استعرض لنا الشيخ جعفر خلاصة التجربة الطويلة يفيد بها أجيالاً تنشد إرشاد أصحاب التجارب والخبرات أمثالكم؟
الشيخ جعفر إدريس: أولاً كما قلت لك أنّنا بحاجة إلى أسلمة الفكر التنظيمي.(/11)
ثانيا: أنّني وجدت أنّ من أكبر مشكلات الحركة الإسلامية غياب قيادة العلماء لها، لذلك أقول دائماً ويستغرب البعض من قولي ذلك: أنني استفدت من الشيخ ابن باز الكثير حتى في الجانب السياسي وموقفي من الحكومات ما لم استفده من كتب الحركة الإسلامية، وأقول لك كيف؟
فقد تأتي الفائدة أثناء شرح لحديث ما، وصرت أكثر مرونة، فمثلا أذكر أنه مرة أثناء حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: أن من أكبر وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاتصال بالحكومات ولو كانت كافرة، فاستغرب الناس من ذلك، فضرب لهم مثلا أنك إذا أردت إدخال مادة الدين الإسلامي في المدارس في بريطانيا، كيف سيتم لك ذلك إلا بالاتصال بالحكومة هناك، واستفدت منه أن الإنسان لا يكون معارضاً طوال الوقت، بل يقف مع الشيء الحسن ولو كانت الحكومة منحرفة وهذا يلين قلب الحكام ويشعرهم أن المعارضة ليست همك دائماً.
ثالثا: وهذا شيء يحزن النفس ويحز في القلب، أنني وجدت الجماعات الإسلامية كلها تقريباً ابتلت بالتدهور في الأخلاق، فحسن الخلق شيء تتوقعه من العامي فضلاً عمّن يمثل الإسلام، وسوء الخلق داء انتشر وللأسف في أوساط الجماعات الإسلامية فتجد منهم من يكذب ويغش بكل سهولة، وغياب الإنصاف عند بعضهم فهذا شيء لا بد من معالجته وتذكير الناس بأنّ العمل الإسلامي عبادة أساسها الخلق، وأن الهدف منه إنقاذ النفس والمجتمع، وليس تغيير المجتمع فحسب، وأن مبدأ الشيوعية في أن المعتبر في الأخلاق هو ما ساعد على تقدم الحزب بغض النظر عن سوءه شيء مرفوض في الإسلام.
رابعا: ضرورة الطاعة مع النقد، فالجماعات تهتم بالطاعة وتغفل النقد، والطاعة ضرورة فيما وافق الدين لأجل التنظيم ,لكنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي أمر بالطاعة بايعه الصحابة أيضاً على قول الحق لا يخشون في ذلك لومة لائم.(/12)
إذاً ففي غياب النقد تحضر الديكتاتورية والتسلّط . وأن يكون هناك تسامح بين الحركات اٌلإٌسلامية وإلا لكانت هذه الحركات كالشيوعية فالشيوعية تضيق بالمفكرين، وقد قارن أحد الغربيين بينها وبين الكاثوليكية إذ خرج منها كثير من المفكرين لغياب التسامح، وقد ابتلت بعض الحركات الإسلامية بهذا كما حصل عندنا في السودان في عهد الترابي حيث اعتبرت الحركة هي الترابي مما جعل الكثيرين يخرجون وإن لم يحدثوا ضجة كما فعلت أنا.
وأحب أن يكون لنا معرفة أكثر بالغرب، لأنه مؤثر في السياسة العالمية اليوم، وصورتنا عند الغرب مشوّهة، والعالم اليوم صار كما يقولون قرية صغيرة لذلك كله لا بدّ من زيادة معرفتنا بالغرب والمشاركة في القضايا العالمية حتى تُعرف مشاركة المسلمين في ذلك وجزء من هذا العبء يتحمله الذين في الغرب من المسلمين.
لذلك أقول دائماً أن الكثير من الكتب الإسلامية المؤلفة للغربيين بلغتهم هي للمبتدئين، ويمكن أن أكبر كتاب ظهر لأحد الإسلاميين بشكل أكاديمي مؤخراً هو كتاب زرابوزو في شرح الأربعين النووية، لذلك يلزمنا كمسلمين أن نشارك في القضايا التي يواجهها الشعب الأمريكي إذ أن هذا شكل من أشكال الدعوة إلى الإسلام، كالكلام على مشاكل المخدرات والإجهاض والعولمة والمشاكل الاقتصادية وغيرها من قضايا المجتمع الغربي حتى يظهر لدينا مفكرون معروفون للمجتمع الغربي
4* توبة الشيخ محمد جميل زينو من ضلالات الصوفية إلى نور العقيدة السلفية
الشيخ محمد جميل زينو-حفظه الله- عرفناهُ من خلالِ مؤلفاتهِ النافعة التي تُعنى بنشرِ العقيدة السلفيّة النقية،وبيانها بأسلوبٍ واضحٍ بسيط،وقد نفع الله بهذه المؤلفات،وهدى بها من الضلالةِ بإذنهِ ... وللشيخ قصّتهُ مع الهدايةِ إلى هذه العقيدةِ الصحيحةِ،وقد رواها بنفسهِ،[في كتابهِ كيف اهتديت] وقد أطال في ذكرِ قصتهِ والتعليقِ على أحداثها،وقد ذكرتها باختصار وصرّف يسير.
قال:(/13)
ولدتُ في مدينةِ حلب بسورية،ولما بلغت العاشرة من عمري التحقتُ بمدرسة خاصة تعلمت فيها القراءة والكتابة،ثم التحقت بمدرسة دار الحفّاظ لمدّة خمس سنين حفظتُ خلالها القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد،ثم التحقت بما يسمى آنذاك بالكلية الشرعية التجهيزية –وهي الآن الثانوية الشرعية- وهي تابعة للأوقافِ الإسلامية،وهذه المدرسة تجمع بين تدريس العلوم الشرعية والعصرية.
وأذكر أنّني درست فيها علم التوحيد في كتاب اسمه: "الحصون الحميدية" ،والذي يقرّر فيه مؤلفهُ توحيد الربوبية،وأن لهذا العالم رباً وخالاً! وتبين لي في ما بعد خطأ هذا المنهج في تقرير العقيدة،فإن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ..}،بل إن الشيطان الذي لعنه الله كان مقراً بذلك، {قال رب بما أغويتني ..}،أما توحيد الإله الذي هو الأساس والذي به ينجو المسلم،فلم أدرسه ولا كنت أعلم عنهُ شيئاً.
كنت نقشبندياً:(/14)
لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكرِ في المساجد،وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد،وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية؛ولكن لصغر سني لم أستطع أن أقوم بها،لكني كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا،وأستمع إلى ما يردّدونهُ من أناشيد وقصائد،وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوتٍ مرتفعٍ،فيزعجني هذا الصوت المفاجئ،ويسبب لي الرعب والهلع،وعندما تقدمت بي السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجدِ الحيّ لأحضر معه ما يسمى بالختمِ،فكنا نجلسُ على شكلِ حلقةٍ فيقوم أحد الشيوخ ويوزع علينا الحصى،ويقول: "الفاتحة الشريفة،الإخلاص الشريف" ،فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة والإخلاص،والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصيغةِ التي يحفظونها،ويجعلون ذلك آخر ذكرهم.ثم يقول الشيخ ذكرهم،لأن الشيخ –بزعمهم- هو الذي يربطهم بالله؛فيهمهمون،ويصيحون،ويعتريهم الخشوع،حتى إن أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد ... إلى آخر ما كانوا يفعلونهُ من البدعِ المحدثةِ التي ما أنزل الله بها من سلطان.
كيف اهتديت إلى التوحيد؟
كُنتُ أقرأ على شيخي الصوفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما،وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا سألتَ فاسألِ الله،وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله)) .
فأعجبني شرح النووي حين قال:
"ثم إن كانت الحاجة التي يسألها،لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه،كطلبِ الهداية والعلم .. وشفاء المرض وحصول العافية سأل ربه ذلك.وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم".
فقلت للشيخ:
هذا الحديث وشرحه يُفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليهِ إلا الله.
فقال لي:
بل تجوز!!
قلت:
وما الدليل؟
فغضب الشيخ وصاح قائلاً:(/15)
إن عَمتي تقول يا شيخ سعد (وهو من الأولياء المزعومين الأموات) ،فأقول لها: يا عمتي وهل ينفعك الشيخ سعد؟ فتقول:أدعوه فيتدخل على الله فيشفيني!!
فقلت لهُ:
إنك رجل عالم قضيت عمرك في قراءة الكتب،ثُم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة!!
فقال لي:
عندك أفكار وهابية! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله)
وكُنتُ لا أعرف شيئاً عن الوهابية إلا ما أسمعه من المشايخ:فيقولون عنهم:إنهم مخالفون للناس،لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم المزعومة،ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. إلى غير ذلك من التهم الكثيرة الكاذبة التي لا حقيقة لها.
فقلت في نفسي:
إذا كانت الوهابية تؤمن بالاستعانة بالله وحده،وأن الشافي هو الله وحده،فيجب أن أتعرّف عليها.
وبحثت عن هذه الجماعة،فاهتديت إليها.كان لهم لقاء مساء كل خميس يتدارسون فيه التفسير والفقه والحديث ،فذهبت إليهم بصحبةِ أولادي وبعض الشباب المثقّف .. فدخلنا غرفة كبيرة .. وجلسنا ننتظر الدرس .. وبعد برهة من الزمن دخل الشيخ،فسلَّم علينا،ثم جلس على مقعده،ولم يقم لهُ أحد؛فقلتُ في نفسي:هذا الشيخ مُتواضعٌ،لا يُحِب القيام.
بدأ الشيخ درسه بقوله:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .. إلى آخرِ الخطبة التي كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ،ثم بدأ يتكلم باللغة العربية الفصحى،ويورد الأحاديث،ويبين صحتها وراويها،ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلما ذكر اسمه.وفي ختامِ الدرسِ وجهت لهُ الأسئلة؛فكان يُجيبُ عليها بالدليل من القرآن والسنة،ويناقش بعض الحاضرين فلا يرد سائلاً أو متكلماً،ثم قال في آخر درسه:الحمد لله على أننا مسلمون وسلفيون،وبعض الناس يقولون: إننا وهابيون،فهذا تنابز بالألقاب،وقد نهانا الله عن هذا بقوله: {ولا تنابزوا بالألقابِ} .(/16)
ولما انتهى الشيخ من درسهِ، خرجنا ونحن مُعجبين بعلمهِ وتواضعهِ،وسمعت أحد الشبابِ يقول:
هذا هو الشيخ الحقيقي.
ومن هنا بدأت رحلتي إلى التوحيدِ الخالصِ،والدعوةِ إليهِ،ونشرهِ بين الناس اقتداء بسيدِ البشرِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.وإني لأحمد الله –عز وجل- الذي هداني لهذا،وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله،والحمد لله أولاً وآخراً.
نقل هذا الأستاذ محمد المسند في كتابهِ العائدون إلى الله 6 .
5* هذه هي الصوفية بقلم أحد المتصوفة الذين رأوا الحق فاتبعوا السنة
إن هذه الطرق الصوفية المنتشرة في الناس اليوم تروج الكفر والوثنية والدجل وتعمل جاهدة لتأليه الدجالين واعتصار دماء الجماهير لتتضخم جيوب شيوخها أولياء الشيطان وتنشر في الناس ظلمات الجاهلية الأولى وتحارب الله ورسوله وتهيء الأمة الإسلامية بهذه الجاهلية العمياء وهذه التقاليد الخرافية وهذه الغباوة البهيمية لتكون لقمة سهلة الهضم للأعداء،هذه الطرق الصوفية هي المعول الذي هدم به اليهود والفرس صرح الإسلام،هذه الطرق الصوفية هي اليد الأثيمة التي مزقت رقعة الدولة الإسلامية،وشيوخ الطرق الصوفية هم الذين يمكنون المستعمرين في مراكش وتونس والجزائر والهند وفي السودان وفي مصر وفي كل مكان من البلاد الإسلامية وهم سماسرة المستعمر وخدمه المخلصون في خدمته إذلال المسلمين واستغلالهم.(/17)
ولقد كُنتُ واحداً منهم وعرفت دخائل أمورهم وخبايا زواياهم وسيء مكرهم وخبث قصدهم،فالحمد لله الذي أنقذني وهداني إلى الإسلام الحق الذي بعث الله به رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور،وإني بكيدهم وكفرهم ووثنيتهم أعرف،ولذلك أنا أشد حرباً عليهم ولا أزال حرباً عليهم ما بقي فيَّ عرق ينبض بالحياة مُستعيناً بربي وحده،متأسياً بالرسولِ الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم صابراً على كل ما يكيد به أعداء أنفسهم من حزبِ الشيطان،أعداء الرحمن مؤمناً بأن العاقبة للمتقين وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
مُقتطف من جُملة أحاديث للمُهتدي إلى مُعتقدِ أهل السنة والجماعة بعد تركه لضلالات المبتدعة أصحاب الطُرق الصوفية..
الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله.
مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
وأحد العُلماء المحققين الأثبات.
من كتاب:
جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
6* عبدالمنعم الجداوي
اعترافات ..
كنت قبوريًا
للأستاذ : عبد المنعم الجداوي
((الخرافة )) عجوز متصابية تتعلق بصاحبها ... !
(( التوحيد )) يهدم أولاً .. ثم يبني من جديد ..!
ليس سهلاً أن يتراجع (( القبوري)) ..!
(( التوحيد )) يحتاج إلى إرادة واعية ... !
تردّدت كثيراً في كتابة هذه الاعترافات لأكثر من سبب .. ثم أقدمت على كتابتها لأكثر من سبب ، وأسباب الإحجام والإقدام واحدة .. فقد خشيت أن يقرأ العنوان بعض القراء ثم يقولون : ما لنا ولتخريف أحد معظِّمي القبور .. ولكن قد يكون بعض القراء في المنطقة النفسية التي كنت أعيشها قبل تصحيح عقيدتي .. فيقرأون اعترافاتي فيفهمون ، ويعبرون من ظلمة الخرافات إلى نور العقيدة - وفي ذلك وحده ما يقويني على الكشف عن ذاتي أمام الناس - ما دام ذلك سوف يكون سبباً في هداية بعضهم إلى حقيقة التوحيد .. ؟(/18)
ولقد كنت من كبار معظّمي القبور ، فلا أكاد أزور مدينة بها أي قبر أو ضريح لشيخ عظيم إلا وأهرع فوراً للطواف به ... سواء كنت أعرف كراماته أو لا أعرفها .. أحياناً أخترع لهم كرامات ... أو أتصورها .. أو أتخيلها.. فإذا نجح ابني هذا العام .. كان ذلك للمبلغ الكبير الذي دفعته في صندوق النذور ..وإذا شُفيت زوجتي ، كان ذلك للسمنة التي كان عليها الخروف الذي ذبحته للشيخ العظيم فلان ولي الله !..
وحينما التقيت بالدكتور جميل غازي ، وكان اللقاء لعمل مجلة إسلامية تقوم بالإعلان والنشر عن جمعية العزيز بالله القاهرية ، والتي تضم مساجد أخرى ، ورسالتها الأولى ((التوحيد ))، وتصحيح العقيدة ، وبحكم اللقاءات المتكررة .. كان لابد من صلاة الجمعة في مسجد العزيز بالله .. وهاجم (( الدكتور جميل )) في بساطة ، وبعقلانية شديدة هذا المنحنى المخيف في العقيدة ، وسماه : شركاً بالله ؛ وذلك لأن العبد في غفلة من عقله يطلب المدد والعون من مخلوق ميت!!..
أفزعني الهجوم ، وأفزعتني الحقيقة .. وما أفزع الحقيقة للغافلين ... ولو أن (( الدكتور جميل )) اكتفى بذلك لهان الأمر .. لكنه في كل مرة يخطب لا بدّ أن يمس الموضوع بإصرار .. فالضّريح لا يضم سوى عبد ميت فقط .. بل قد يكون أحياناً خالياً حتى من العظام التي لا تنفع ولا تضرّ ..!
* في أول الأمر اهتززت .. فقدت توازني .. كنت أعود إلى بيتي بعد صلاة كل جمعة حزيناً .. شيء ما يجثم فوق صدري .. يقيد أحاسيسي ومشاعري .. أحاول في مشقة أن أخرج عن هذا الخاطر ... هل كنت في ضلالة طوال هذه الأعوام ؟ ..أم أن صديقي (( الدكتور )) قد بالغ في الأمر .. فأنا أعتقد أن كل من نطق بالشهادة لا يمكن أن يكون كافراً لهفوة من الهفوات أو زلةٍ من الزلات .. !(/19)
شيءآخر أشعل في فؤادي لهباً يأكل طمأنينتي في بطء ... إن الدكتور يضعني في مواجهة صريحة ضد أصحاب الأضرحة الأولياء ، والخطباء على المنابر صباح مساء .. يعلنونها صريحة : إن الذي يؤذي ولياً .. فهو في حرب مع الله سبحانه وتعالى ، وهناك حديث صحيح في هذا المعنى .. وأنا لا أريد أن أدخل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة ؛ لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب معه - جل جلاله- ...!
وقلت : إن أسلم وسيلة للدفاع هي الهجوم .. واستعدت قراءة بعض الصفحات من كتاب ((الغزالي)) (( إحياء علوم الدين )) ، وصفحات أخرى من كتاب (( لطائف المنن ))(لابن عطاء الاسكندري )،وحفظت عن ظهر قلب الكرامات ، وأسماء أصحابها ، ومناسبات وقوعها ، وذهبت الجمعة الثانية ، وكظمت غيطي وأنا أستمع إلى الدكتور ، فلما انتهى من الدرس وأصرَّ على أن يدعوني لتناول طعام الغداء، وبعدالغداء .. تسلمته هجوماً بلا هوادة ، معتمداً على عاملين :
الأول : هو أنني حفظت كمية لا بأس بها من الكرامات .
والثاني : أنني على ثقة من أنه لن يتهور فيداعبني بكفيه الغليظتين ؛ لأنني في بيته ! وتناولت طعامه فأمنت غضبه ، وقلت له : والآتي هو المعنى ، وليس نص الحوار : (( إن الأولياء لا يدرك درجاتهم إلا من كان على درجتهم من الصفاء ، والشفافية ، وأنهم رجال أخلصوا لله .. فجعل لهم دون الناس ما خصهم به من آيات وأن .... وأن ... وأن .. وانتظر الدكتور حتى انتهيت من هجومي .. وأحسست أنه لن يجد ما يقوله .. وإذا به يقول :
• هل تعتقد أن أي شيخ منهم كان أكرم على الله من رسوله ..؟ • قلت مذهولاً : لا ..
-إذاً كيف يمشي بعضهم على الماء ... أو يطير في الهواء .. أو يقطف ثمار الجنة وهو على الأرض .. ورسول الله لم يفعل ذلك .. ؟(/20)
كان يمكن أن يكون ذلك كافياً لإقناعي أو لتراجعي .. لكنه التعصب - قاتله الله - !! كَبُرَ عليّ أن أسلّم بهذه البساطة ، كيف ألقي ثقافة إسلامية عمرها في حياتي أكثر من ثلاثين عاماً .. قد تكون مغلوطة .. غير أني فهمتها على أنها الحقيقة ، ولا حقيقة سواها !!
*وعدت أقرأ من جديد في الكتب التي تملأ مكتبتي .. وأعود إلى (( الدكتور )) ، ويستمر الحوار بيننا إلى ساعة متأخرة من الليل - فقد كنتُ من كبار عشاق الصوفية .. لماذا ؟ لأني أحب أشعارهم وأحبّ موسيقاهم ، وألحانهم التي هي مزيج من التراث الشعبي ، وخليط من ألحان قديمة متنوعة ... شرقية ، وفارسية ، ومملوكية ، وطبلة إفريقية أحياناً تدقّ وحدها .. أو ناي مصري حزين ينفرد بالأنين ، مع بعض أشعارهم التي تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبه وقت السَّحر ..!
لهذا وللأسباب الأخرى .. أحببت الصوفية .. وكنت أعشقها ، وأحفظ عن ظهر قلب الكثير من شعر أقطابها ..لاسيما (( ابن الفارض ))، وكل حجتي التي أبسطها في معارضة (( الدكتور )) ، أنه وأمثاله من الذين يدعون إلى (( التوحيد )) لا يريدون للدين روحاً ، وإنما يجردونه من الخيال ، وأنهم لا بد أن يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب الكرامات ؛ لكي يدركوا ما هي الكرامات .. ! فلن يعرف الموج إلا من شاهد البحر ، ولا يعرف العشق إلا من كابد الحب - وهذا أسلوب صوفي - أيضاً - في الاستدلال ، ولهم بيت شهير في هذا المعنى!.
وحتى لا يضطرب وجداني ، وتتمزق مشاعري ... حاولت أن أنقطع عن لقاء (( الدكتور )) .. ولكنه لم يتركني .. فوجئت به يدق جرس الباب ، ولم أصدق عيني .. كان هو .. قد جاء يسأل عني .. وتكلمنا كالعادة كثيراً وطويلاً .. فلما سألني عن سبب عدم حضوري لصلاة الجمعة معه ... قلت له بصراحة :
- لقد يئست منك !..
قال : ولكني لم أيأس منك .. أنت فيك خير كثير للعقيدة .(/21)
قلتُ : إنه يستدرجني على طريقته ، ولمحت معه كتاباً من وضعه عن سيرة الإمام (( محمد بن عبد الوهاب ))
فقلت له : أعطني هذه النسخة .. هل يمكن ذلك ... ؟
قال : هذه النسخة بالذات ليست لك ، وسوف أعدك بواحدة .
وهذه هي طريقته للإثارة دائماً .. لا يعطيني ما أطلب من أول مرة .. فخطفتُ النسخة ، ورفضت إعادتها له !..
* وبعد منتصف الليل بدأت القراءة .. وشدني الكتاب موضوعاً وأسلوباً .. فلم أنم حتى الصباح !..
كان الكتاب - على حجمه المتواضع - كالإعصار ، كالزلزال .. أخذني من نفسي ليضعني على حافة آفاق جديدة .. حكاية الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب )) نفسه .. ثم قصة دعوته ، وما كابده من معاناة طويلة .. حينما كانت في صدره حنيناً ، وكلما
قرأت صفحة وجدت قلبي مع السطور . فإذا أغلقت الكتاب لأمر من الأمور يتطلب التفكير أو البحث في كتب أخرى .. استشعرت الذنب؛ لأنني تركت الشيخ في (( البصرة )) ولم أصبر حتى يعود .. أو تركته في بغداد يستعد للسفر إلى ( كردستان ) .. ولا بد أن أصبر معه حتى يعود من غربته إلى بلده !..
يقول الدكتور في كتابه (( مجدد القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب )) .
وبعد هذا التطواف والتجوال هل وجد ضالته المنشودة ..؟ لا ، فإن العالم الإسلامي كله كان يعاني نوبات قاسية من الجهل والانحطاط والتأخر .. عاد الرجل إلى بلده يحمل بين جوانحه ألماً ممضّاً ، لما أصاب المسلمين من انتكاس وتقهقر في كل مناحي حياتهم .
عاد إلى بلده وفي ذهنه فكرة تساوره بالليل والنهار .
لماذا لا يدعو الناس إلى الله ؟
لماذا لا يذكرهم بهدي رسول الله .. ؟
لماذا ... لماذا ...(/22)
إذًا ، فهذه العقيدة التي يريدها (( الدكتور)) لم تأت من فراغ ... فمنذ القرن الثاني عشر الهجري ... والإمام محمد بن عبد الوهاب ... يُفكّر ، ويقدّم ؛ لكي يهدم صروح الأضرحة ، ويحطّم شبح الخرافات ، ويُطارد المشعوذين الذين لطخوا وجه الشريعة السمحاء...بخزعبلاتهم التي اكتسبت مع الأيام قداسة ، تخلع قلوب المؤمنين ... إذا فكروا في إزالتهاوفي ذلك يقول الكاتب : (( ماذا كان وقْع هذه الأعمال على نفوس القوم ..)) .
ويجيب المؤرخون على ما يرويه الأستاذ أحمد حسين في كتابه (( مشاهداتي في جزيرة العرب )) (( إن القوم لم يقبلوا مشاركة الرجل فيما قام به من قطع الأشجار ، وهدم القباب ، بل تركوا له وحده أن يقوم بهذا العمل ، حتى إذا ما كان هناك شر أصابه وحده ..!)) .
هل يكون ما يزلزل كياني الآن هو الخوف الذي ورثته .. ؟ وهو نفس الذي جعل الناس في بلدة ( العُيَيْنة ) : موطن الشيخ ، يتركونه يزيل الأشجار ، وقبة قبر ( زيد بن الخطاب ) بنفسه .. خوفاً من أن تصيبهم اللعنات المختلفة من كرامات هذه الأماكن وأصحابها .
ومضيت أقرأ ومع كل صفحة أشعر أنني أخلع من جدار الوهم في أعماقي حجراً ضخماً .. وحينما بلغت منتصف الكتاب كانت فجوةً كبيرةً داخلي قد انفتحت ، وتسلل منها ومعها نور اليقين .. ولكن في زحمة الظلمة التي كانت تعشعش في داخلي .. كان الشعاع يُومض لحظة ويختفي لحظات ..!(/23)
* لقد استطاع (( الدكتور )) أن ينتصر ... تركني أحارب نفسي بنفسي ، بل جعلني أتابع مسيرة التوحيد مع شيخها محمد بن عبد الوهاب ، وأشفق عليه من المؤامرات التي تحاك ضده ، وحوله، وكيف أنه حينما أقام الحد على المرأة التي زنت في ( العيينه )..غضب حاكم (( الإحساء )) ( سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحميدي ) ، واستشعر الخطر من الدعوة الجديدة وصاحبها ... فكتب إلى حاكم العيينه (( ابن معمر )) يأمره بكتم أنفاسها ، وقتل المنادي بها ، والعودة فوراً إلى حظيرة الخرافات والخزعبلات .
ولما كان (( ابن معمر )) قد ارتبط مع الشيخ في مصاهرة ... فقد زوجه ابنته ... فإنه تردد في قتله ، ولكنه دعاه إلى اجتماع مغلق ، وقرأ عليه رسالة حاكم (( الإحساء )) ثم رسم اليأس كله على ملامحه ، وقال له : إنه لا يستطيع أن يعصي أمراً لحاكم (( الإحساء )) ، لأنه لا قِبَل له به .... ولعلها لحظة يأس كشفت للشيخ عن عدم إيمان (( ابن معمر )) ... ولم تزد الشيخ إلا إصرارًا على عقيدته ، وقوة توحيده .. فالحكام الطغاة لا يحاربون دائماً إلا داعية الحق .. وقبل الشيخ في غير عتاب أن يغادر ( العيينة )..مهاجراً في سبيل الله بتوحيده .. باحثاً عن أرض جديدة يزرعه فيها !..
في الصباح استيقظتُ على ضجة في البيت غير عادية .. واعتدلت في فراشي ،
ووصَلَتْ إلى أذني أصوات ليست آدمية خالصة ، ولا حيوانية خالصة .. ثغاء ، وصياح ، وكلام ..غير مفهوم العبارات .. وقلت : لا بد أنني أعاني من بقية حلم ثقيل .. فتأكدت من يقظتي ، ولكن (( الثغاء )) هذه المرة اخترق طبلة أذني .. ودخلت عليّ زوجتي تحمل إليَّ أنباء سارةً جدًا ... وهي تتلخص في أن ابنة خالتي ـ التي تعيش في أقصى الصعيد ، ومعها زوجها ، وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ـ قد وصلوا في قطار الصعيد فجراً، ومعهم (( الخروف )) ...!(/24)
وظننت أن زوجتي تداعبني .. أو أن ابنة خالتي - وكنت أعرف أن أولادها يموتون في السنوات الأولى -، قد أطلقت على طفل لها اسم ( خروف ) لكي يعيش مثلاً . وهي عادات معروفة في الصعيد . وقبل أن أتبين المسألة .. أحسست بمظاهرة من أولادي تقترب من باب حجرة نومي .. وفجأة وبدون استئذان اقتحم الباب (( خروف )) له فروة ، وقرون ، وأربعة أقدام ... واندفع في جنون من مطاردة الأولاد له .. فحطّم ما اعترض طريقه .. ثم اتجه إلى المرآة ، وفي قفزة (( عنترية )) اعتدى على المرآة بنطحة قوية ، تداعت بعدها ، واحدثت أصواتاً عجيبة ، وهي تتحطم !..
تَمَّ كل ذلك في لحظة سريعة .. وقبل أن استرد أنفاسي ، وخيل إليّ أن بيتنا انفتح على حديقة الحيوانات .. رغم أنني أسكن في العباسية ، والحديقة في الجيزة .. ولكن وجدت نفسي أقفز من على السرير ، وخشيت زوجتي ثورة (( الخروف )) ، وتضاءلت فانزوت في ركن .. ترمقني بعينيها ، وتشجعني لكي أتصدى لهذا الحيوان المجنون .. الذي اقتحم علينا خلوتنا .. ولكن الصوت والزجاج المتناثر زاد من صياج الحيوان .. ولمحت في عينيه ، وفي قرنيه الموت الزؤام .. واستعدت في ذهني كل حركات مصارعي الثيران ، وأمسكت بملاءة السرير ، وقبل أن أجرب رشاقتي في الصراع مع (( الخروف )) دخلت ابنة خالتي وهي في حالة انزعاج كامل .. فقد خيل لها أنني سوف أقتله ... وصاحت - وهي على يقين من أنني سأصرع :
- حاسب ، هذا خروف (( السيد البدوي)) .
ونادته فتقدّم إليها في دلال ، وكأنه الطفل المدلّل .. فأمسكت به تُربتُ على رأسه ، وروت لي أنها قدمتْ من الصعيد ، ومعها هذا الخروف البكر الرشيق الذي انفقت في تربيته ثلاثة أعوام هي عمر ابنها؛ لأنها نذرت للسيد البدوي إذا عاش ابنها .. أن تذبح على أعتابه (( خروفاً )) ، وبعد غد يبدأ العام الثالث موعد النذر !..(/25)
* كانت تقول كل هذه العبارات وهي سعيدة .. وخرجت إلى الصالة لأجد زوجها ، وهو في ابتهاج عظيم .. يطلب مني أن أرافقهم إلى (( طنطا )) .. لكي أرى هذا المهرجان العظيم ؛ لأنهم نظراً لبعد المسافة اكتفوا بالخروف .. فأما الذي على مقربة من (( السيد البدوي )) فإنهم يبعثون بِجِمال .. وأصبح عليّ أن أجامل ابنة خالتي لكي يعيش ابنها ، وإلا اعتُبرت قاطعاً للرحم ... لا يهمني أن يعيش ابن خالتي أو يموت، ولا بد أن أذهب معهم إلى مهرجان الشرك ، وفي نفس الوقت كنت أسأل نفسي .. كيف أقنعها بأنها في طريقها إلى الكفر .. ؟ وماذا سيحدث حينما أحطم لها الحلم الجميل الذي تعيش فيه منذ ثلاث سنوات ... ؟
وقلت : أبدأ بزوجها أولاً ؛ لأن الرجال قوامون على النساء .. وأخذت الزوج إلى زاوية في البيت ، وتعمدت أن يرى في يدي كتاب : (( الإمام محمد بن عبد الوهاب )) .. ومدّ يده فجعل الغلاف في ناحيته ، وما كاد يقرأ العنوان حتى قفز كأنه أمسك بجمرة نار!..
قرأ زوج ابنة خالتي عنوان الكتاب - الذي يقول : إن في الصفحات قصة(/26)
(( الشيخ محمد بن عبد الوهاب )) ودعوته - وهتف صارخاً : ما هذا الذي أقرؤه ...؟ وكيف وصلني هذا الكتاب ..؟ لا بد أن أحدهم دسه عليَّ !!.. فهو يعرف أنني رجل متزن ... أحرص على ديني ، وعلى زيارة الأضرحة ، وتقديم الشموع ، والنذور ، وأحياناً القرابين المذبوحة والحية ، كما يفعل هو تماماً .. ورأيت في عينيه نظرة رثاء... إلى ما رماني به القدر في تلك النسخة ... وكان عليَّ أن أقف منه موقف الدكتور جميل غازي مني سابقاً .. وشاء الله أن يكون ذلك بمثابة الامتحان لي .. وهل في استطاعتي أن أطبق ما قرأت أم لا .. ؟ وهل استوعبت عن يقين ما قرأت أم لا .. ؟ والأهم من ذلك هو مدى إصراري على عقيدتي وإقناع الآخرين بها - أيضاً - ، فالذي لا يؤثر في المحيط الذي يعيش فيه .. هو صاحب عقيدة سلبية ... غير إيجابية .. فليس من المعقول في شيء .. أن أطوي (( توحيدي )) على نفسي ، وأترك الآخرين يعيشون في ضلالة ؛ لأنهم بعد فترة سوف يغرقونني في خرافاتهم .. وعليه فلا بد أن أجادلهم بالتي هي أحسن .. لا أتركهم يشعرون أن الأمر هينّ .. لا بد أن أنفرهم من شركهم .. وهم لا بد أن يتراجعوا ؛ لأن (( الخرافة )) - نظراً لأنها تقوم على ضلالات هشة - لا يكاد الشك يدخلها حتى يهدمها .. والحق في تعقبها إذا كان لحوحاً .. قضى عليها ... أو على أقل تقدير أوقف نموها حتى لا تصيب الآخرين .. ومن أجل ذلك كله قررت أن أتوكل على الله ، وأبدأ الشرح للرجل ... ولم تكن المهمة سهلة .. فلا بد أولاً أن أطمئنه ، وأزيل ما بينه وبين سيرة الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب )) .. ثم ما ترسّب في ذهنه من زمن عن ( الوهابية والوهابيين ) .. ففي أول الحديث.. اتهم (( الوهاب (( بعدد من الاتهامات يعلم الله أن دعوة (( التوحيد )) بريئة منها .... براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام !..(/27)
ورحت أحاول في حماس شديد .. أشرح له سر حملات الكراهية ، والبغضاء التي يشنها البعض على دعوة (( التوحيد )) .. وكيف أنها أحيت شعائر الشريعة ، وأصول العبادات ، وفي ذلك القضاء على محترفي الدّجل ، وحراس المقابر ، وسدنة الأضرحة ، والذين يُكدّسون الأموال عاماً بعد عام .. من بيع البركات ، وتوزيع الحسنات على طلاب المقاعد في الجنة .. فالمقاعد محدودة والوقت قد أزف ..! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..!
ولمحت على ملامحه بعض سمات الخير .. نظر في دهشة .. كأنه يفيق من غيبوبة ... ورغم ذلك فقد راح يتشنج ، ويدافع عن أهل الله الذين ينامون في قبورهم لكن يتحكمون بأرواحهم في بقية الكون ، وأنهم يدعون كل ليلة جمعة للاجتماع عند قطب من الأقطاب ... وحتى النساء من الشهيرات يلتقين - أيضاً - مع الرجال الأقطاب ، وينظرون في شؤون الكون ...!
* ولم أكن أطمع في زحزحته عن معتقدات في ضميره عمرها أكثر من ثلاثين سنة ... فاكتفيت بأن طلبت منه أن ينظر في الأمر .. هل هؤلاء الموتى من أصحاب الأضرحة... أكرم عند الله أم رسول الله ؟!! ثم يفكر طويلاً ، ويجيء إلىَّ بالنتيجة ... دون ما تحيّز أوتعصّب .. ووعدني بأن يُفكّر ، ولكنه فقط يطلب مني أن أرافقهم في رحلتهم الميمونة إلى (( طنطا )) ... فقلت له : إن هذا هو المستحيل لن يحدث .. وإذا كان مصمماً على الذهاب هو وزوجته إلى (( السيد البدوي (( حتى يعيش ابنهما .. فالمعنى الوحيد لذلك هو أن الأعمار بيد (( السيد البدوي).(.. وحملق فيَّ وصاح :
لا تكفر يا رجل ..؟
فقلت له :
- أينا يكفر الآن .. ؟ أنا الذي أطلب منك أن تتوجه إلى الله .. ؟ أم أنت الذي تُصرّ على أن تتوجه إلى (( السيد البدوي )) ..؟(/28)
وسكت واعتبر هذا مني إهانة لضيافته ، وأخذت زوجته والخروف وابنها ، وانصرفوا من العباسية في القاهرة إلى (( طنطا )) ، وحيثما وقفت أودعهم .. همست في أذن الزوج : أنه إذا تفضل بعدم المرور علينا بعد العودة من مهرجان الشرك .. فإنني أكون شاكراً له ما يفعل ... و إلا لقي مني ما يضايقه .. وازداد ذهول الرجل ، ومضى الركب الغريب .. يسوق الخروف نحو (( طنطا(( ..!
وانثنت زوجتي تلومني ؛ لأنني كنت قاسياً معهم ، وهم الذين يخافون على طفلهم .... الذي عاش لهم بعد أن تقدم بهما العمر ، ومات لهما من الأطفال الكثير .. وصحت في زوجتي ، إن الطفل سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش ، وإن كان سيموت فذلك لأن الله يُريد له ذلك.. ولا شريك لله في أوامره ولا شريك له في إرادته.
وذهبت إلى إدارة الجريدة التي أعمل بها .. وإذا بالدكتور يتصل بي تليفونياً ؛ ليتحدث معي في شأن له، ولم يخطر بباله أن يسألني : ماذا فعل بي الكتاب ؟ أو ماذا فعلت به ؟ واضطررت أن أقول له : إنني في حاجة إلى مناقشة بعض ما جاء في الكتاب معه ... والتقينا في الليل وحدثته عن الكارثة التي جاءتني من الصعيد ، ولم يعلق على محاولتي إقناعهم بالعدول عن شركهم .. مع أنني منذ أيام فقط .. كنت لا أقل شركًا عنهم ، وقلت له : ألا يلفت نظرك أنني أقول لهم ما كنت تقوله لي ..؟
قال في هدوء يغيظ : إنه كان على يقين من أنني سوف أكون شيئاً مفيداً للدعوة .. وأردت الاحتجاج على أنني من ( الأشياء ) ولست من الآدميين ، لكن الدكتور لم يتوقف ، وقال : لقد صدر منك كل هذا بعد قراءة نصف الكتاب ، فكيف بك إذا قرأت الكتب الأخرى ؟! وأغرق في الضحك!! .(/29)
وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من (( طنطا )) إلى الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة ، وأنها غاضبة مني ، وشكتني لكل شيوخ الأسرة ، وفي الأسبوع الثاني فوجئت بجرس الباب يدقّ .. وذهب ابني الصغير ؛ ليستطلع الأمر .. ثم عاد يقول لي :
- إبراهيم الحران ...
(( الحران )) .. إنه زوج ابنة خالتي .. ماذا حدث ..؟
هل جاءوا بخروف جديد ، ونذر جديد لضريح جديد ... أم ماذا .. ؟ وقررت أن يخرج غضبي من الصمت إلى العدوان هذه المرة ، ولو بالضرب .. ومشيت في ثورة إلى الباب .. وإذا بهذا (( الحران )) يمد يده ليصافحني ، ودَعَوْته إلى الدخول فرفض .. إذًا لماذا جاء ..؟ وفيم جاء ؟ ، وابتسم ابتسامة مغتصبة وهو يقول : إنه يطلب كتاب (( الشيخ محمد بن عبد الوهاب )) الذي عندي ، وحملقت فيه طويلاً ، وجلست على أقرب مقعد ..!
سقطت قلعة من قلا ع الجاهلية .. لكن لماذا ؟ وكيف كان السقوط ؟ جاء صاحبي إبراهيم يسعى بقدميه .. يطلب ويلحّ في أن يبدأ مسيرة التوحيد .. لا بد أن وراء عودته أمراً ، ليس من المعقول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية جعلت أعماقه تتفتح ، وتفيق .. على حقائق غفل عنها طويلاً .. !
ورحمة بي من الذُّهول ، والإغماء الذي أوشك أن يصيبني .. بدأ يتكلم ، وكانت الجملة التي سقطت من فمه ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. صكت سمعي .. ثم ألقت بنفسها تتفجر على الأرض .. تصيب وتدمي شظاياها ، وقال :(/30)
- لقد مات ابني عقب عودتنا ... ! إنا لله وإنا إليه راجعون .. هذا هو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعاً ، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه .. وبدلاً من أن يذهب إلى الأطباء ليعالج مع زوجته ، بعد التحليلات اللازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مرض في دم الأب أو الأم .. اقتنع ، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا ، ومرة للضريح ذاك ، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله ، ولكن ذلك كله لم ينفعه .. ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته .. جلست أستمع إلى التفاصيل ..!
لقد عاد من طنطا مع زوجته إلى بلدهما ، وحملا معهما بعض أجزاء من (( الخروف )) الذي كان قد ذبح على أعتاب ضريح (( السيد البدوي )) .. فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه .. التماساً لتوزيع البركة على بقية المحبين - وأيضاً - لكي يأكلوا من هذه الأجزاء .. التي لم تتوافر لها إجراءات الحفظ الصالحة ففسدت .. وأصابت كل من أكل منها بنزلة معوية .. وقد تصدَّى لها الكبار وصمدوا .. أما الطفل .. فمرض ،وانتظرت الأم - بجهلها - أن يتدخل (( السيد البدوي )) .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر .. ذهبت به للطبيب الذي أذهله أن تترك الأم ابنها يتعذب طوال هذه الأيام ... فقد استغرق مرضه أربعة أيام ... وهزَّ الطبيب رأسه ، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. (( أدوية )) وحقن ، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض ، ولم يقو جسمه على المقاومة .. فمات !(/31)
من موت الطفل بدأت المشاكل .. كانت الصدمة على الأم.. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة .. جعلتها تمسك بأي شيء تلقاه ، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية ، بعد أن جعلته الصدمة يبصر أن الأمر كله لله .. لا شريك له .. وأن ذهابه عاماً بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسارة .. واعترف لي : بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطنّ في أذنيه .. عقب الكارثة ، ثم صمت .. ! فقلت له: بعض الكلام الذي يُخفّف عنه ، والذي يجب أن يُقال في مثل هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه . فهو لم يكمل .. ماذا حدث للسيدة المنكوبة ، وهل شفيت من لوثتها أم لا ؟
فقلت له : لعل الله قد شفي الأم من لوثتها .؟ !
فأجاب - وهو مطأطئ الرأس - : إن أهلها يصرون على الطواف بها على بعض الأضرحة والكنائس - أيضاً - ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية .. ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى (( سيدة )) لها صحبة مع الجن فكتبت لها على طبق أبيض .. وهكذا تزداد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم .. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء..!
وحينما أراد أن يحسم الأمر .. وأصرّ على أن تُعْرض على طبيب .. أو يطلقها لهم ؛ لأنهم سبب إفسادها .. برزت أمها تتحداه ، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره ...!
* * * * *(/32)
* أثارتني قصته ، رغم حرصي على النسخة التي حصلت عليها من))الدكتور جميل )) إلا أنني أتيته بها وناولتها له .. فأمسك بها وقلبها بين يديه .. وعلى غلافها الأخير كان مكتوباً كلام راح يقرؤه بصوت عال .. كأنه يسمع نفسه قبل أن يسمعني (( نواقض الإسلام )) من كلمات شيخ الإسلام (( محمد بن عبد الوهاب )): { من يُشْرك بالله فقد حرَّم اللهُ عليه الجنّة ومأْواهُ النَّارُ وَما للظَّالمين مِنْ أنصار } [المائدة:72 ] ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب ، وانصرف واشترط أن يعيده لي بعد أيام ، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق (( التوحيد))
انصرف إبراهيم ، والمأساة التي وقعت له تتسرب إلى كياني قطرة بعد قطرة .. فهي ليست مأساة فرد ، ولا جماعة ، وإنما هي مأساة بعض المسلمين في كثير من الأمصار .. الخرافة أحب إليهم من الحقيقة ، والضلالة أقرب إلى أفئدتهم من الهداية ، والابتداع يجتذبهم بعيداً عن السنة ..!
حاولت الاتصال تليفونياً (( الدكتور جميل )) .. فقد كنت أريد أن أنهي إليه أخبار ( إبراهيم ) ولكني لم أجده فبدأت العمل في كتابات لمجلة شهرية تصدر في قطر .. اعتادت أن تنشر لي أبحاثاً عن الجريمة في الأدب العربي ، وصففت أمامي المراجع ، وبدأت مستعيناً بالله على الكتابة ، وإذا بالتليفون يدق .. كان المتكلم مصدراً رسمياً في وزارة الداخلية ـ يدعوني بحكم مهنتي كصحفي متخصص في الجريمة ـ لحضور تحقيق في قضية مصرع أحد عمال البلاط ، وكان قد عثر على جثته في جُوال منذ يومين ..!!(/33)
تركت كل ما كان يشغلني إلى مكان التحقيق .. والغريب في الأمر .. أن يكون الأساس الذي قامت عليه هذه الجريمة هو السقوط أيضاً .. في هاوية الشرك والدّجل والشعوذة .. بشكل يدعو إلى الإشفاق .. فالقتيل كان يدّعي صحبة الجن ، والقدرة على التوفيق بين الزوجين المتنافرين ، وشفاء بعض الأمراض وقضاء الحاجات المستعصية ... إلى جانب عمله في مهنة البلاط..!
أمّا المتهم القاتل .. فكان من أبناء الصعيد .. تجاوز الخمسين من عمره ،وكان متزوجاً من امرأة لم تنجب .. فطلقها وتزوج بأخرى في السابعة عشرة من عمرها لكنها هي الأخرى لم تنجب ... وبلغه من تحرياته أن مطلقته قامت بعمل سحر له - نكاية فيه - يمنعه من الإنجاب مع زوجته الجديدة . فاتصل بذلك الرجل الذي كان شاباً لم يتجاوز الأربعين .. واتفق معه على أن يقوم له بعمل مضاد .. وتلقف الدجّال فرصة مواتية ... وذهب معه إلى البيت .. وكتب له الدجال بعد أن تناول العشاء الدّسم .. بعض مستلزمات حضور الجن من بخور وشموع وعطور ، وذهب الرجل ليشتريها .. وترك ( الدجّال ) وزوجته الحسناء في البيت ..!
خرج الرجل مسرعاً يشتري البخور الذي سيحرق تمهيدًا لاستحضار الجن .. وترك الدجّال الشاب مع الزوجة الحسناء ..وكان لا بد أن يحدث ما يقع في مثل هذه المواقف .. فقد حاول المشعوذ أن يعتدي على الزوجة . إذ راودها في عنف ليفتك بشرفها ، وهي العفيفة الشريفة .. فقامت لتغادر البيت إلى جارة لها .. حتى يصل زوجها .. وإذا بها تجد زوجها على الباب .. فقد نسى أن يأخذ حافظة نقوده وروت له في غضب ما وقع من الدجّال ، وانفعل الزوج الصعيدي ، وحمل عصاة غليظة ودخل على الدجال في الغرفة ، وانهال عليه بالعصا .. حتى حطم رأسه .. بعدها وجد نفسه أمام جثة لا بد أن يتخلص منها .. فجلس يفكر !(/34)
خرج ليلاً فاشترى جُوالاً ، وعاد فوضع الجثَّة فيه ، وانتظر حتى انتصف الليل .. ثم حمل الجثة على كتفه ، وألقى بها في خلاء على مقربة من الحي الذي يسكنون فيه .. وعاد إلى غرفته يحاول طمس الآثار ومحوها .. وظن أنه تخلص من الدجال الشاب إلى الأبد !
ولكن رجال الشرطة .. بعد عثورهم على الجثة .. بدأوا أبحاثهم عن الجُوال الذي يحتوي على الجثة .. وما كادوا يعرضونه على البقالين في المنطقة ، حتى قال لهم أحدهم : إن الذي اشتراه منه هو فلان ، وكان ذلك بالأمس فقط ، وألقت الشرطة القبض على الرجل ، وفتشت غرفته فوجدت الآثار الدالة على ارتكاب الجريمة .. وضُيِّقَ عليه الخناق فاعترف بتفاصيل الجريمة!
**********
* لم يكن حضوري هذا التحقيق صدفة، فكل شيء يجري في ملكوت الله بقدر ..إذ يسوق لي هذه الجريمة المتعلقة - أيضاً - بفساد العقيدة .. لتجعلني أناقش مع الآخرين.. قضية العقيدة والخرافة من بذورها الأولى .. ولماذا تروج الخرافة ، وتتغلغل في كيانات البشر دون وازع ؟ هل لأن الذين يتاجرون بها أوسع ذكاء من الضحايا ؟
وماذا يجعل الضحايا ـ وهم ملايين ـ يندفعون إلى ممارستها ، والإيمان بها، والتعصب لها... ؟ أم أن (( الوثنية )) التي هي الإيمان بالمحسوس والملموس .. التي ترسبت في أذهان العالمين سنين طويلة تفرض نفسها على الناس من جديد . تساندها الظروف النفسية لبعض البشر . الذين يعجزون عن الوصول إلى تفسير لها!!؟(/35)
* فالقاتل والقتيل في هذه الجريمة... كلاهما فاسد العقيدة .. لا يعرفان من الإسلام سوى اسمه .. فالقتيل مشعوذ يمشي بين عباد الله بالسوء ، ويكذب عليهم ، ويدّعي أنه على صلة بالجن ، وأنه يُشْفي ويُسْعد ، ويشفي ويمرض بمعاونة الجن ، وفي ذلك شرك مضاعف مع الإضرار بالناس .. أما القاتل فهو من فرط جهالته يعتقد أن إنساناً مثله في وسعه أن يجعله ينجب ولدًا أو بنتاً ! وقد يكون عذره أنه في لهفته على الإنجاب ألغى عقله ... غير أنه لو أن له عقيدة سليمة .. تُرسِّخُ في ذهنه أنَّ الله بلا شركاء ، وأن النفع والضر بيد الله فقط ، وتُؤصِّل هذه المفاهيم في أعماقه .. ما كان يمكنه أن يستسلم لدجال .. ولا استطاعت عقيدته أن تحميه من السقوط في أيدي مثل هذا المشعوذ!!
* وفي كثير من الأحيان يصل الأمر... ببعض المتعصبين إلى أن يجعل من نفسه داعية للخرافة .. يروج لها ، ويدافع عنها ، وعلى استعداد للقتال في سبيلها .. فقد نجد من ينبري في المجالس .. فيروي كيف أن الشيخ الفلاني أنقذه هذه الأيام من ورطة كانت تحيق به ، وأنه كان لن يحصل على الترقية هذا العام لولا أن الشيخ الفلاني صنع له تحويطة ، وأنه كان على خلاف مع زوجته وضَعَهُما على حافة الطلاق لولا أن الشيخ الفلاني كتب له ورقة وضعها تحت إبطه .. إلخ .. وتحضرني في هذا المجال قصة سيدة تخرجت من جامعة القاهرة ، ودرست حتى حصلت على الدكتوراه في علوم الزراعة ، وتشغل الآن وظيفة مديرة مكتب وزير زراعة إحدى الدول العربية ، هذه السيدة حاملة الدكتوراه ... عثر زوجها ذات يوم على حجاب تحت وسادته ، فسأل زوجته .. فقالت : إنها دفعت فيه ما لا يقل عن خمسين جنيهاً ؛ لكي تستميل قلبه ؛ لأنها تشعر بجفوته في الأيام الأخيرة .. وكانت النتيجة أن زوجها طلقها طبعاً .. وراوي قصتها هو محاميها نفسه الذي تولى دعواها التي أقامتها ضد زوجها ...!(/36)
* وترتفع الخرافة إلى الذروة ... حينما يعمد المتخصصون فيها إلى تقسيم تخصصات المشايخ والأضرحة... فضريح السيدة فلانة يزار لزواج العوانس ، والشيخ فلان يزار ضريحه في مسائل الرزق ، والقادرة الشاطرة صاحبة الضريح الفلاني يحج إليها في مشاكل الحب ،والهجر ، والفراق ، والطلاق ، وأخرى في أمراض الأطفال ، والعيون ، وعسر الهضم .. وهكذا... مؤامرة محكمة الحلقات .. تلف خيوطها حول السذَّج والمساكين ، وكأنهم لم يقرأوا في القرآن : { وإن يَمْسسك اللهُ بِضُرٍ فلا كاشف له إلاّ هُو وإن يمسسك بخيرٍ فهُو على كُلِ شيءٍ قدير } [ الأنعام : 17]، وكأنهم لم يسمعوا بالحديث الشريف : (( من تَعَلَّق تميمةً فقد أشرك)) .
إن الانصياع إلى الخرافات ليس وقفاً على عامة الناس أو جهلتهم ، بل من المؤسف أنها تتمتع بسلطان كبير بين المتعلمين ، والذين درسوا في أرقى الجامعات . وإذاً فالأصل فيها هو أنها تتسلل إلى ضمائر الناس، الذين لا يحميهم عقيدة سليمة .. تصد عنهم هذه ( الشركيات ) الشرسة الضارية .. فالذي لا شك فيه ، هو أن الرجل الذي وثّق إيمانه بالله واقتنع بأن الله هو مالك كل شيء ، ورب كل شيء لا شريك ولا وسيط له .. هذا الرجل سوف يعيش في مناعة إيمانه .. متحصناً بعقيدته .. لا تصل إليه المفاسد ، بل وتنكسر على صخرة إيمانه كل هذه الخزعبلات .. لماذا ؟ لأنه أنهى أمره إلى الله ، ولم تعد المسألة في حسابه قابلة للمناقشة !
فالإيمان بالله ، واعتناق العقيدة السليمة شيء ليس بالضرورة في الكتب أو في الجامعات .. إنه أبسط من ذلك .. فالله سبحانه وتعالى جعله في متناول الجميع حتى لا يحرم منه فقير لفقره ... أو يستأثر به غني لغناه..!(/37)
وبينما أنا منهمك أكتب هذه الحلقة إذ بضجيج تصحبه دقات عنيفة لطبل يمزق سكون الليل ويبدده . وراح هذا الضجيج يعلو ، ويعربد في ليل الحي .. دون أن يتوقف إلا لحظات .. يتغير فيها الإيقاع ثم يعود ضاربًا .. متوحشاً .. يهز الجدران .. وعرفت بخبرتي من الألحان ، والأصوات المنفردة التي تصاحبها أن إحدى المترفات من الجيران تقيم حفلة (( زار )) .. وأنها لا بد أن تكون قد دعت كل صديقاتها المصابات مثلها بمس من الجنّ ... لكي يشهدن حفلها ؛ إذ لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقيم فيها مثل هذه الحفلة ، فهي تقوم بعملها هذا مرة كل ستة شهور .. حرصاً على إرضاء الجن الذي يسكن جسدها...!
وعبثاً حاولت الوصول إلى وسيلة للهرب من تلك الكارثة التي تقتحم علي أذني .. فتركت الكتابة ، وحاولت أن أقرأ .. وفي خضم المعاناة .. جاء لي صديق لي من كبار علماء الأزهر ، ومن الذين يعملون في وزارة الأوقاف وشئون الأزهر ، ليزورني واستقبلته فرحاً ؛ لأنني أحب النِّقاش معه ، ولأنه سوف يخلصني من عذاب الاستماع إلى الدقات الهمجية.
وشكوت إليه جارتي ، ودخلنا في المناقشة عن )) الجن )) وشكوى الناس منه ، وادّعاء السيدات أنه يركبهن ، والجيش الجرار من النساء ، والرجال الذين يحترفون عمل حفلات (( الزار )) . وإذا بالرجل الذي يحمل شهادة أزهرية عليا .. يؤكد لي أنه كانت له شقيقة مسَّها الجن عقب معركة نشبت بينها وبين زوجها فعطّل (( الجن )) ذراعها الأيمن عن العمل بضعة أيام .. ولم يتركها الجن إلا بعد أن أقاموا لها حفلة (( الزار )) ، عقدت الشيخة بينها وبين ( الجن ) معاهدة تعايش سلمي .. وترك ذراعها على أن تقيم هذا الحفل مرة كل عام.(/38)
* كان هذا كلام الرجل العالم ... طال صمتي .. فقط كنت أفكر في المسكين إبراهيم الحران ، وزوجته الأمية ... فلا عتاب عليهما ولا لوم .. ما دام هذا هو رأي مثل هذا الرجل في (( الزار )) .. وكانت الدقات العنيفة لا تزال تصل إلى آذاننا ، والصمت المسكين يتلاشى أمام الأصوات المسعورة التي تصرخ في جنون تستجدي رضا الجن ، وتستعطف قلوب العفاريت.. !
انتهت سهرتي مع صديقي العالم الأزهري الخالص .. الذي فجعني فيه إخلاصي فيه .. إذ وجدته من المؤمنين بالخرافة ، المؤيدين لحكايات الجن . .. وأحسست بأن وقتي ضاع بين هذا المغلوط العقيدة ، ودقات (( الزار )) التي كانت تقتحم عليَّ نوافذ مكتبي .. دون مجير شهم ينقذني من الاثنين..!
* وفي الصباح استيقظت على جرس التليفون .. يصيح صيحات طويلة ومعناها أنّ مكالمة قادمة من خارج القاهرة ... ورفعت السماعة .. لأجد أن المكالمة من الصعيد ، والمتكلم هو زوج خالتي ، ووالد زوجة (( إبراهيم الحران )) ..يعلنني أنهم سوف يصلون غداً . وقد اتصل ليتأكد أنني في القاهرة .. خوفاً من أن أكون على سفر .. فهو يريدني لأمر هام .. ورحبت به ، وقلت : إنني في انتظارهم .. ولم يكن أمامي سوى أن أفعل هذا لألف سبب وسبب !
أولها : أن الرجل الذي اتصل بي أكنّ له كل الاحترام والحب ، وأنني لمست في صوته رقة الرجاء ، وأنا ضعيف أمام اليائس الذي يلجأ إليَّ في حاجة وفي وسعي أن أقضيها له .. أخشى أن أرده - ولو بالحسنى - وأحاول جاهداً أن أكون من الذين يجري الله الخير على أيديهم للناس .. رغم أن هذا يسبب لي الكثير من المتاعب ، وضياع الوقت إلا أنني أحتسب كل ذلك عند الله ..!(/39)
وفي الغد ومع الركب الحزين ، وكان مؤلفاً من زوج خالتي ، وخالتي أم زوجة (( إبراهيم الحران )) وابنتها التي أصابتها اللوثة بعد وفاة طفلها .. وكانت في حالة يرثى لها . تفاقمت الحالة العقلية عندها ، ودخلت في مرحلة الكآبة العميقة .. رفضت معها الكلام ، وفقدت فيها الشعور بما يدور حولها .. لا تستطيع أن تفرق بين النوم واليقظة ، ولا تجيب عمَّن يحدثها ... انتقلت من دنيا الناس .. إلى دنيا الوهم والكآبة .. حتى زوت ، وصارت هيكلاً عظمياً ليس فيها من علامات الحياة سوى عينين كآلة زجاج يرسلان نظرات بلا معنى .. وقال لي الأب وهو حزين : إنه يريد مني أن أتصل بابني وهو طبيب أمراض عصبية ، ونفسية ، ويعمل في (( دار الاستشفاء للأمراض النفسية والعصبية بالعباسية )) لكي يجد لها مكاناً في الدرجة الأولى ..!
كانت الأم تبكي وهي نادمة تعترف بآثامها .. وكيف أنها بإصرارها على علاج ابنتها عند المشايخ ، وبالجري والطواف حول الأضرحة ، وضياع الوقت - جعلت المرض يستفحل ، ويهدم كل قدرة لابنتها على مقاومته ..واعترفت بأنها أخطأت في حق زوج ابنتها (( إبراهيم الحران )) واستفزته بإصرارها على الخطأ ، ولكن عذرها أنها كانت ضحيةً لجهلها ، ولعشرات السيدات اللاتي كنَّ يؤكدن لها : أن تجاربهن مع المشايخ ، والأضرحة والدجالين .. تجارب ناجحة ، والمثل يقول : (( اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً))..!(/40)
واستطعنا بفضل الله أن نجد لها مكاناً ، وأن نلحقها في نفس اليوم بالدرجة الأولى ، وقال لي ابني : إنها حالة مطمئنة ولا تدعو إلى اليأس .. كل ما في الأمر أن الإهمال جعلها تتفاقم .. وبعد مضي أسبوع واحد من العلاج تحسنت السيدة ، وقد عُولجت بالصدمات الكهربائية .. إلى جانب وسائل علاجية أخرى يعرفها المتخصصون ، وخلال ذلك اتصل بي (( إبراهيم الحران )) فقلت له : إنني أريده في أمر هام ، ولابد أنه يزورني في البيت ... وحينما جاء شرحت له الأمر ، وقلت له : إن الأطباء يرون في استرداده لزوجته جزءاً من العلاج - أيضاً - .. ولكن لفت نظري فيه .. أنه بعد قراءته للكتب التي حصلت له عليها من ( الدكتور جميل غازي ) في التوحيد أن أصبح إنساناً جديداً ... فالعبارات التي كانت تجري على لسانه .. من الإقسام تارة بالمصحف ، وتارة بالأنبياء ، وتارة ببعض المشايخ قد اختفت نهائياً .. وعاد يمارس حياته بأسلوبه الرجل الذي لا يعبد غير الله ، ولا يخشى إلا الله ، ولا يرجو سوى الله .. وحتى بعد أن حدثته في أن يعيد زوجته .. أصر على أن يجعل هذه العودة مشروطة بأن تقلع أم زوجته عن معتقداتها القديمة ، وكذلك والد زوجته .. أما زوجته .. فقال : إنه كفيل بها ، وعقدت بينهم جميعاً مجلساً لم ينقصه إلا الزوجة ؛ لأنها كانت في المستشفى ، وقبلوا شروطه بعد هذا الدرس القاسي!!
كان لزيارته لزوجته في المستشفى... أكبر الأثر في شفائها ، وزادت بهجتها حينما عرفت أنه أعادها إلى عصمته . قال لي ابني الذي كان يشرف على علاجها : إن عودتها إلى زوجها ، وزيارته لها كانت العلاج الحقيقي الذي عجَّل بشفائها ، لأنها وهي وحيدة أبويها .. حطمتها صدمة وفاة ابنها .. ثم قضت على البقية الباقية من عقلها صدمة طلاقها .. بعد شهر وعشرة أيام تقريباً تقرر خروجها ، وكان يتنظرها زوجها ووالدها ووالدتها في سيارة على الباب رحلت بهم إلى الصعيد فوراً!(/41)
* لم أستطع أن أنزع من نفسي بقايا هذه المأساة ، ولم يكن من السهل أن أتغافل عن الخرافة التي تخرب أو تهدم كل يوم بل وكل لحظة عشرات النفوس والبيوت في عشيرتي ، و أبناء ديني .. وعلى امتداد الوطن الإسلامي كله .. ووجدتني أسأل نفسي لما ذا نحن الذين نعيش في الشرق الأوسط .. تمزقنا الخرافة وتجثم على صدر مجتمعنا الخزعبلات، فتمسك بنا وتوقفنا عن ممارسة الحضارة.. ؟
* ومع أن الغرب ، والمجتمع الأوروبي ليس خالياً من الخرافات ، وليس خالياً من الخزعبلات ،ومع ذلك فهم يعيشون في حضارة ويمارسونها . تدفع بهم ويدفعون بها دائماً إلى الأمام!
الواقع أن خزعبلاتهم وخرافاتهم في مجموعها معادية للروح ..تدفع بهم إلى الانزلاق أكثر من الماديات ، وهذا هو ما يتفق وحضارتهم !!
أما هنا في الشرق .. فإن خرافاتنا معادية للعقل ، وللمادة معاً .. ! ولهذا كانت خرافاتنا هي المسئولة عن تدمير حياتنا في الحاضر والمستقبل.
وليس هناك من سبيل لخروجنا من هذا المأزق الاجتماعي ، والحضاري سوى تنقية العقيدة مما ألصق بها وعلق بها من الشوائب التي ليست من الدين في شيء ..!
فحينما يصبح (( التوحيد )) أسلوب حياة ، وثقافة ، وعقيدة ... سوف تختفي من أفقنا وإلى الأبد .. هذه الغيوم .. غيوم الخرافات ، والدجل ، والشعوذة ، والكهانة التي لا تقوى .
* وتلك مسئولية ينبغي أن تقوم بها أجهزة التربية المباشرة ، وغير المباشرة فإن ما نعيشه الآن هو صورة أسوأ مما قرأت في هذه الاعترافات ، ولو أنك اخترت مائة أسرة كعينة عشوائية وبحثت فيها لوجدت أن كل ما رويته لك في هذه الاعترافات لا يمثل إلا أقل القليل .!
{ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } .
7* د . محمد محمود أبو رحيم
لقد ذكرني المشهد الأخير من جنازة الشيخ أبى عبد الرحمن بأول لقاء معه رحمه الله قبل ثلاثين عاما ؛ حيث كنت يومها متدثرا بلباس التصوف ، أمرغ الخد(/42)
على أعتاب أشياخه .
يومها كان الجهل قد غرر كانون2 بكسب كان للأشياخ نصيبا مفروضا في
صناعته ، لم يكن جهلا بالحلق والذكر والخلوات البدعية ؛ فقد أتقنها حتى غاليت
في بعضها ، فوجدتني قد نذرت للرحمن صوما إلا عن شيخي في الطريقة الذي ولد
في نفسي قدرته المزعومة على فتح المغاليق إلى ملك لا يبلى .
يومها كنت جاهلا بما يدور حولي ، وحول من تدور عليهم دعاوى التجهيل
والتضليل ؛ فكان ما كان مني نحو الشيخ أبي عبد الرحمن ومنهجه من كوامن ضدية
دفعتني لسؤاله وأنا تحت تأثير خلفيات التحدي : لماذا تحارب الأئمة الأربعة ؟ هكذا
كان يشيع من لم يرقهم طريقته السلفية .
لم يكد يخرج السؤال من بين شفتي وأنا شاب في السنة الأولى في كلية
الشريعة حتى وجدت برد كفه الناهم يأخذ بكفي نحو مقعد جانبي يحاورني بكل هدوء .
خرجت من عنده وقد علتني دهشة دفعني فضولها إلى مواصلة لفائه والتعرف
على ما عنده رحمه الله فإذا كانون2 أقف على عالم متخصص ، ومحاور عنيد ،
يحيي السنة ويميت البدع ، داعية إلى التوحيد الخالص ، حرب على الشرك بأنواعه ، تعلوه نضرة الحديث .
8-9* العائدون إلى عقيدة أهل السنة من العقيدة الأشعرية الشيخان عبدالقادر التلمساني ومحمد نصيف رحمهما الله
كان الشيخ إبراهيم بن عيسى تاجراً في بيع الأقمشة يتحرى الصدق والأمانة والوفاء بالعهد ، وينتهز الفرص لدعوة وإرشاد من يتعاطى معه التجارة .
قال الشيخ الفاضل محمد نصيف:
وكان –أحمد بن إبراهيم بن عيسى الحنبلي النجدي- يتردد بين جدة ومكة لشراء الأقمشة من الشيخ عبد القادر بن مصطفى التلسماني. كان يدفع له أربعمائة جنيه ويشتري بألف، ويسدد الباقي على أقساط بضمانة مبارك المساعد.
وقد دام التعامل بينه وبين الشيخ التلسماني زمنا طويلا. وكان لصدقه وأمانته ووفائه بوعده اثر طيب في نفس التلسماني.حتى إنه لم ير ضرورة للضامن..
وقال له:(/43)
(إني عاملت الناس من أربعين عاما فما أحسن من التعامل معك يا وهابي،فيظهر أن ما يشاع عنكم يا أهل نجد مبالغ فيه من قبل خصومكم السياسيين.... )
فسأله الشيخ أحمد أن يبينها له.
فقال التلسماني:
يقولون إنكم لا تصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحبونه.
فأجابه الشيخ أحمد:
سبحانك هذا بهتان عظيم.كيف ومن لم يصل عليه في التشهد في الصلاة فصلاته باطلة،ومن لا يحبه فكافر.
وإنما نحن أهل نجد ننكر الاستعانة والاستغاثة بالأموات,ولا نستغيث إلا بالله وحده,ولا نستعين إلا به سبحانه,كما كان على ذلك سلف الأمة.
وقد استمر النقاش بينه وبين التلسماني ثلاثة أيام.وأخيرا هدى الله الشيخ التلسماني للحق, وصار موحدا ظاهرا وباطنا.
ثم سأله الشيخ التلسماني أن يوضح بعض أوجه الخلاف بينهم وبين خصومهم يعني في توحيد الأسماء والصفات_
فقال الشيخ أحمد:
إننا نعتقد أن الله فوق سماواته،مستو على عرشه استواء يليق بجلاله, من غير تشبيه ولاتجسيم ولاتأويل,وهكذا في جميع آيات الصفات والأحاديث,كما هي عقيدة السلف الصالح,وكما جاء عن الإمام أبي الحسن الأشعري في كتابيه: الإبانة في أصول الديانة,ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين.
وقدا دامت المناظرة بينهما خمسة عشر يوماً.
لأن الشيخ التلمساني كان أشعرياً,درس في الجامع الأزهر كتب العقائد:السنوسية,وأم البراهين,وشرح الجوهرة,وغيرها.
وقد انتهت هذه المناقشة الطويلة باقتناع الشيخ التلمساني بأن عقيدة السلف هي الأسلم والأحكم والأعلم.
ثم صار الشيخ التلمساني داعياً من دعاة العقيدة السلفية ، وطبع كتباً كثيرة ووزعها بالمجان..
ثم قال الشيخ المحسن المفضال محمد نصيف:
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد هدى الشيخ التلمساني على يد الشيخ أحمد بن عيسى فقد هداني –أنا أيضاً- على يده.أهـ.
جمعها وأعدها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(/44)
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/45)
بين البرعي والشيخ إسماعيل الولي
فأما البرعي فمعروف ، ولنا سابقاً وبإذن الله لاحقاً معه صولات وجولات أسأل الله أن
ينفع بها .....
وأما إسماعيل الولي فهو : إسماعيل بن عبد الله المشهور باسماعيل الولي ،
وهو صاحب الضريح المشهور الذي - للأسف _ يزار بقصد التبرك وسؤال تفريج الكربات وكشف الضر وإعطاء المدد ، بمدينة الأبيض عاصمة ولاية كردفان بغرب السودان ، حتى إن الحي بأكمله مشتهر بحي (القبة ) نسبة لقبة هذا الااسماعيل ..
وقد ألف البرعي قصيدة في ديوانه المسمى (رياض الجنة!!!) ص 119 وسماها:
الشيخ..إسماعيل بن عبد الله الولي ، جاء في أولها :
إن ناب خطب في البلاد نزيل******قل يا ولي الله إسماعيل
قطب الوصال الكردفاني *******قد خصه من ربه التبجيل
فمن هو إسماعيل الولي الذي يأمر البرعي الناس جميعاً ، بأن يلجأوا إليه في حال
الشدة بل الخطب النزيل بالبلاد؟؟؟؟
ولمعرفة شيء عن ترجمة الصوفي إسماعيل الولي فإني أدعو
الإخوة إلى أن يتصفحوا معي ديوانه ، وهل تدرون بماذا سمى
اسماعيل بن عبد الله ديوانه؟؟؟؟؟
سماه :
((ديوان جامع الشطحات))
وقد طبع على نفقة الخليفة!!مكي الحنفي شيخ الطريقة(الاسماعيلية) بالخرطوم
وأما كيفية حصولي على هذا الديوان .. فقد أعطاني إياه بعض الإخوة أثناء إلقائي
محاضرة بحلقة سوق بورتسودان... وقالوا لي : كنا نعتقد ما في هذا الديوان ، إلا أن الله
تعالى هدانا لنور التوحيد ونرجو منكم الرد عليه .
فتعالوا معي لتقرأوا أبياتاً مما وصف به إسماعيل الولي نفسه في هذا الديوان.
قال إسماعيل الولي ص 3
أيا من تروم العز من كل وجهة*****هلم إلى نحوي وقم بساحتي
أنا قطب أهل الله شيخ زمانه ******أنا غوث أهل هذا الوقت نور الطريقة
أنا كعبة الأسرار من قد تطوف بي****جميع أولي العرفان أهل الولاية
أنا صاحب الحضرات باب لكل من ***يروم دخولاً في حما كل حضرة
أنا العلم المحبوب عند الإله بل ******وعند رسول الله كنزي ونصرتي(/1)
أنا من تولاني إلهي وقال لي ********عليك أماني أنت سر هداية
فلا أحد من أوليائي له يد***********عليك يسلب أنت صاحب قوة
إلى أن قال :
أنا القطب من قد جاءني أعظم الندا*****بأنك فرد الوقت نور الدجنة
وإن أفلت شمس الولاية كلها ********فإني لم تأفل شموس ولايتي
شربت بحار السر والعلم كلها******** سكرت بها من شربة بعد شربة
وأعطيت من أسرار مولاي جملة ******تقاصر أهل الوقت عنها بهمة
ولو أن من سري على جبل بدا********لذاب ودك اليوم أعظم دكة
ولو قطرة منه على النار قد بدت *******لقد أخمدتها شعلة بعد شعلة
أنا من رحيق السر أسقيت شربة *******بها صار أهل العصر كلاً رعيتي
ونواصل مع وصف إسماعيل بن عبد الله الصوفي لنفسه الذي قال عنه البرعي
إن ناب خطب في البلاد نزيل *******قل يا ولي الله إسماعيل
حيث يقول :
وإني حكمي في العوالم دائر ***** وصار جميع الكون في طي قبضتي
ولو أنني خاطبت بالسر ميتاً******** لخاطبني حالاً بأحلى مقالة
وكل خشاش الأرض يعرفني بلا ******توسط شخص بل وهم تحت طاعتي
أنا صاحب الحضرات طود جلالها *****وناموسها المعلوم فيها برفعة
إلى أن يقول :
لكل ولي في المقامات نكتة ******* ولكن علتهم في المقامات نكتتي
وللكل عند العالمين مكانة ********ولكن أعلاهم وأسمى مكانتي
أنا طلسم لم يدرك الناس قطرة ******بمعرفة من سر سري وحالتي
وألبسني مولاي حلة قهره ******* وأيدني دنيا وأخرى لصولتي
وخيرني في الكون مهما أشأ يكن ***** فلا أحد غيري يفوز بخلعتي
إلى أن يقول هذا الصوفي عن نفسه :
أنا من أراني الله ربي بفضله****** مقامات أصحابي جميعاً بجنة
وقد قال لي انظر هل لك الآن صاحب*** له منزل في النار يا ذا الهداية
وشاهدتها حالاً ولم ألف منزلاً****** لأصحابنا فيها وبؤت بفرحتي
فمن جاءني بالصدق أقبله وإن *****به كل وزر لا يبؤ بخيبة
أيا صاحب ابشر بي فإني حاضر***** إليك إذا ناديت في كل شدة(/2)
ومهما ترمني في النوائب كلها ***** فنادي بيا إسماعيل كشف المهمة
أنا الشيخ اسماعيل مصباح عصره **** أنا ابن عبد الله دخري الملمة
أكتفي بهذه الأبيات التي ساقها اسماعيل الولي عن نفسه وطبعت في ديوانه
(جامع الشطحات) وفعلاً هي شطحات ، والديوان فيه مجموعة قصائد لا تقل
كثيراً عما نقلته لكم ، والذي نقلته من أول قصيدة فيه.
س / لماذا قال البرعي : إن ناب خطب في البلاد نزيل**قل يا ولي الله اسماعيل؟
ج / لأنه يعتقد ذلك في أولياء الصوفية عموماً ويعتقد ذلك في اسماعيل الولي الذي وصف نفسه بقوله :
أيا صاحب ابشر بي فإني حاضر *** إليك إذا ناديت في كل شدة
ومهما ترمني في النوائب كلها *****فنادي بيا اسماعيل دخري الملمة
س/ هل للبرعي أبيات أخرى يأمر فيها بالالتجاء لأولياء الصوفية؟
ج/ نعم ، وذلك كثير لا يعد ولا يحصى إلا بكلفة وعلى سبيل المثال قوله:
لذ بالرجال العارفين بربهم ****كالجيلي والبدوي والدقلاشي
والمقتفين على هدى من ربهم ****آثارهم كالتوم والكباشي
س/ ما حكم قول البرعي إن ناب خطب ....الخ؟
ج/ هذه دعوة للشرك الأكبر المخرج من الملة والمحبط للأعمال والعياذ بالله
فدعاء غير الله والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من الشرك الأكبر
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس :(إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت
فاستعن بالله ) وهذا الحكم بإجماع علماء الأمة .
فالله تعالى يقول (أمن يجيب المضطر إذا دعاه )
والبرعي يقول : قل يا ولي الله إسماعيل
والله سبحانه يقول (وقال ربكم ادعوني استجب لكم )
واسماعيل الولي يقول : ومهما ترمني في النوائب كلها ..
والله تعالى يقول :( بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء )
وإسماعيل الولي يقول :فنادي بيا اسماعيل كشف الملمة
س/ إذا كان هذا شركاً أكبر ، فهل هو الذي كان يفعله المشركون في الجاهلية ؟
ج/ إن من المؤسف أن الشرك الذي كان في الجاهلية أهون وأخف من هذا الشرك(/3)
وهذه حقيقة ، وليست افتراء ... فالمشركون في الجاهلية كانوا يدعون آلهتهم من دون الله
تعالى في حال السراء واليسر أما في حال الضراء والشدة والبؤس فإنهم لا يدعون أحداً
غير الله تعالى ، ومن يقرأ القرآن الكريم يتضح له ذلك بجلاء ، ومن ذلك قول الله تعالى:(وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون )
وقال تعالى :( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ...) وغيرها من الآيات ..
فالبرعي وقبله اسماعيل مؤسس الطريق الاسماعيلية وقبلهما وبعدهما شيوخ المتصوفة
يريدون للمسلمين أن يكونوا أسوأ حالاً من المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .
س/ قال اسماعيل الولي : أنا قطب أهل الله شيخ زمانه ... ماذا يقصد بأنه قطب
أهل الله؟
ج/ أولاً : إنه لا يخفى أن هذه هي طريقة زعامات وشيوخ وطواغيت المتصوفة أنهم
يمدحون أنفسهم ويزكونها ، بل ويفترون على الله الكذب . وقد قال إمامنا مالك بن أنس
إمام دار الهجرة (إذا مدح الرجل نفسه ذهبت هيبته ) فكيف بمن يمدح نفسه بما ليس فيها
أو يمدح نفسه بالكذب المبين وقد قال الله تعالى :(فمن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو كذب بآياته ...) وقال تعالى :(انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً)
والحديث في هذا يطول وهذه مجرد إشارات وأما السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سار على هداهم من أئمة هذا الدين فإنهم كانوا يلومون أنفسهم على التقصير -وهم من هم؟!!!- ويكثرون البكاء ويتواضعون لله تعالى ويخشون من الرياء والسمعة وغير ذلك وسيرتهم محفوظة ومدونة في ذلك.
وأما شيوخ الصوفية فإنهم يدعون لأنفسهم القطبية وختم الولاية وقد تنازعوا في ذلك نزاعاً كثيراً إذ ادعى الميرغنيي الختم أنه خاتم الأولياء كما ادعى أحمد التجاني ذلك لنفسه وادعاها كثير منهم لعبد القادر الجيلاني ونزاعاتهم في ذلك كثيرة .(/4)
ثانياً: القطب عند الصوفية ويسمى الغوث في حال التجاء الملهوف إليه واستغاثته به من دون الله تعالى والعياذ بالله .
وجاء في معجم مصطلحات الصوفية أن القطب عند الصوفية عبارة عن رجل واحد هو موضع نظر الله تعالى من العالم أعطاه (الطلسم الأعظم )من لدنه وهو يسري في الكون وأعيانه الظاهرة والباطنة سريان الروح في الجسد بيده قسطاس الفيض الأعم ، وهو يفيض بروح الحياة على الكون الأعلى والأسفل . ولا يصل إلى الخلق شيء من الخالق إلا عن طريقه .
هذه هي حقيقة القطبية وعقيدة الصوفية في القطب ... فشيخ الطريقة الاسماعيلية يرى أنه قطب أهل الله ... وأما حكم اعتقاد ذلك فإنه الكفر الأكبر والعياذ بالله ...
س/هل أيد البرعي اسماعيل بن عبد الله في دعواه أنه قطب أهل الله ؟
ج/ نعم ، فقد قال في البيت الثاني من قصيدته فيه :
قطب الوصال الكردفاني الذي ****قد خصه من ربه التبجيل
وقال أيضاً:
فشل بإسماعيل قطب الأولياء ****ما دبرته اليوم إسرائيل
س/هل نسب البرعي في ديوانه القطبية لغير هذا الاسماعيل ؟
ج/ لقد أكثر البرعي من استخدام مصطلح القطب لكثير من شيوخ الصوفية فمن ذلك
1/شيخ الطريقة السمانية محمد عبد الكريم السماني فقد قال في قصيدة في مدحه ص109:
هو قطب أهل الله في حضراتهم***ومدير كأس شراب أهل الحان
2/شيخ الطريقة التجانية أحمد التجاني فقد قال عنه في قصيدته في مدحه ص121:
هو قطب كل الأولياء بعصره**** وممدهم بالسر والإعلان
3/ شيخ الطريقة الشاذلية الشاذلي وذلك في قصيدة طريق القوم ص 131:
والشاذلي القطب ثم ما حوت****منظومة الشيخ بن عبد الرافع
4/ في قصيدة مصر المؤمنة ص292 قال :
والشيخ الحفني والدرديري قطب الله
وهذه نماذج وما ذكره البرعي في ذلك كثير جداً....والمقصود ذكر نماذج(/5)
وإن من المؤسف جداً أن يردد كثير من الناس هذه المصطلحات ولا يدرون ماذا تعني عند من صاغوها ، فإنه أمر في غاية الخطورة ، خاصة ونحن نعلم شهرة قصيدة مصر المؤمنة وانتشارها في وسائل الإعلام والأشرطة المسموعة وغير ذلك .فاللهم بصر المؤمنين بدينهم واهدهم وردهم إلى الحق رداً جميلاً.
قال شيخ الطريقة الإسماعيلية ، اسماعيل بن عبد الله
أنا من تولاني إلهي وقال لي*** عليك أماني أنت سر هداية
س/ماذا يقصد بقوله : تولاني إلهي وقال لي ؟
ج/ يقصد بذلك أن الله سبحانه خاطبه وقال له !!!!وهذا واضح في عبارته ، فهو بالتالي
ممن يوحى إليه ، والعياذ بالله ، وقد يستغرب القارئ من هذا الكلام ، فأقول لا تستغرب أخي فالقوم هذا شأنهم وهذه كتبهم تنطق بذلك ،،،،
فعلماء الإسلام كفروا غلام أحمد القادياني زعيم القاديانية بسبب دعواه أن الله تعالى يوحي إليه ويكلمه وتأولياته لقضية ختم النبوة ،،، فما الفرق بين قول الاسماعيل هذا وقول القادياني؟؟
فمرة تقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا وأخبرنا ،،، وقد ملأ التجاني شيخ الطريقة التجانية كتبه بذلك حيث يكثر قوله : أخبرني سيد الوجود وقال لي وقال وقال
ولماذا لم يدعي ذلك أحد من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان ذلك ممكناً ؟؟؟؟
خاصة وقد مرت بهم مواقف كثيرة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيها في بادئ الأمر ثم اتفقوا بعد ذلك عليها؟؟؟
وقد أكثر هذا الاسماعيل من هذه الدعوى الخبيثة وكرر ذلك كثيراً في قصيدته، ورتب عليها أموراً وأموراً سيأتي بمشيئة الله تعالى بيانها.
س/ هل أيد البرعي اسماعيل الولي في دعواه هذه؟
ج/ نعم لقد أيده ، وما يكون له أن يخالفه ،،، فالبرعي يعتقد في مشايخ الصوفية أنهم(/6)
يحيون الميت ويهبون الأولاد بل ويقلبون البنت ولداً وغير ذلك ، فلا غرو في أن يصدقه ويؤيده بل وينظم الأبيات وينشرها ويطبعها في تأييد هذا الكفر ، ولا نفتري عليهم فلنقرأ ما قاله البرعي في قصيدة الشيخ إسماعيل الولي ص119 حيث قال:
حبر يقول بلا نزاع (قيل لي )****قل لا تبالي فما عليك سبيل
فانظر إلى قول البرعي قيل لي وقبلها قال : (بلا نزاع )،،،،،،،أي أن هذا يعتبر شيئاً
مسلماً، فأقول : مسلم عند من لم يسترشدوا بالكتاب والسنة ولم يعرفوا حقيقة الإسلام وأما أهل الحق وأتباع الكتاب والسنة فليس بمسلم عندهم إلا ما شهدت به الأدلة التي هي نصوص الكتاب والسنة والتي منه انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
قال اسماعيل المشهور بالولي :
شربت بحار السر والعلم كلها******** سكرت بها من شربة بعد شربة
وأعطيت من أسرار مولاي جملة ******تقاصر أهل الوقت عنها بهمة
ولو أن من سري على جبل بدا********لذاب ودك اليوم أعظم دكة
ولو قطرة منه على النار قد بدت *******لقد أخمدتها شعلة بعد شعلة
أنا من رحيق السر أسقيت شربة *******بها صار أهل العصر كلاً رعيتي
لنتأمل إخوتي دعاوى هذا الصوفي الفاسدة ومجازفاته الخطيرة جداً والتي منها:
1/أنه (شرب بحار السر )
وهذا من المصطلحات التي استخدمها الصوفية كثيراً(السر ) و(سر السر) و(سر الجمع) و (سر التكليم ) و (سر البقاء) .... وغير ذلك ،
ومن معانيه عندهم:(أنه يطلق على ما يكون مصوناً مكتوباً ما بين العبد والحق سبحانه في الأحوال)
إذا هو مطية أراد القوم ركوبها ليخدعوا الناس بأن لهم أحوالاً بها يستطيعون معرفة المغيبات وتكون لهم أنواع من التصرفات ولذلك قال البرعي عن الصوفية وهو يصف حالهم في الذكر وعند (النوبات ) في قصيدة اذكر إلهك رب العرش ص67:
غابوا ففاهوا بشيء في سرائرهم*****يدق عن فهم ذي علم بكراس
قال الحسين على معبودكم قدمي *****وضعته يا له من عارف كاس(/7)
والحسين هو ( الحلاج) إمام الحلولية والذي قتل بإجماع علماء عصره لزندقته وسؤ سيرته ، والعياذ بالله.
2/ وقوله(سكرت بها) ، فعلاً هم سكارى ويتكلمون بما لم يتكلم به المخمورون ، ولكن من يفقه ذلك ؟؟ ومن يوصل لنا هذه الحقيقة إلى المسمون بالمثقفين من بعض أساتذة الجامعات وبعض أصحاب الوزارات وغيرهم ؟؟
3/قوله (وأعطيت من أسرار مولاي جملة ) هذا تأكيد لما سبق بيانه من دعواه أنه يوحى إليه، وقد قارناه بدعوى القادياني وغيره ممن ادعوا الوحي والنبوة، وهذه زندقة وخروج عن الدين وكفر بالله العظيم ....
4/ قوله ( ولو أن من سري على جبل بدا لذاب ودك اليوم أعظم دكة)
هذه دعوى فلماذا لم تنفذها يا مؤسس الطريقة الاسماعيلية؟ فكأنك ((إذا أردت شيئاً أن تقول له كن فيكون)) وهذا ما ادعيته فعلاً لنفسك ..إذا أنت تدعي الربوبية ..وتتصرف في الكون .. فأنتم فراعنة الأمة ..وأنتم الذين تريدون أن يجعلكم الناس شركاء مع الله سبحانه وتعالى...
وتدعي أن لو (قطرة ) من سرك سقطت على النار لأخمدتها ...بل وإن كل أهل العصر رعيتك ...فقد كذبت أيها الدجال ... وجئت بما لم تأت به الأوائل فرعيتك هم أتباع طريقتك المنحرفة والذين قد كذبت عليهم وخدعتهم بما ادعيت لنفسك من البهتان المبين والكذب القبيح ...
الرد على قوله :
وألبسني مولاي حلة قهره ******* وأيدني دنيا وأخرى لصولتي
وخيرني في الكون مهما أشأ يكن ***** فلا أحد غيري يفوز بخلعتي
س/هل لهذا الصوفي دليل على دعواه : أن الله تعالى أيده وألبسه حلة قهره ؟؟
ج/ كلا ، ليس له دليل ولن يجد دليلاً على ذلك (حتى يلج الجمل في سم الخياط) فهو (قد افترى على الله كذبا) (وكفى به إثماً مبيناً) فما هو إلا دجال كذاب أشر ..
س/ وهل يصدق الصوفية هذا الهراء ويعتقدونه ؟ أم يكذبونه ؟(/8)
ج/ للأسف إن أكثر الصوفية بل ربما كلهم يصدقون مشايخهم في كل ما يدعونه لأنفسهم ، فقد ألغوا عقولهم وأغمضوا أعينهم وقالوا لشيوخهم (سمعنا وأطعنا ) (وصدقنا ) وهم يخافون منهم لأن (من اعترض انطرد)، وقد كنا نسمع عنهم (كن بين يد ي شيخك كالميت بين يدي المغسل ) وقد كنا نسمع به سماعاً حتى ظفرنا بديوان البرعي الذي سطر فيه وصاياه للمريدين عندهم فقد قال في قصيدة أهل الوصال ص 312:
أستاذك يا فقير ****كون عندو ذليل حقير
له اتبع كالصغير***لا تميل أبداً لغير
إلى أن يقول :
كن ثابت عندهو*****لا تضحك عندهو
في كربك أندهو ******بتغيثك جندهو
سيب غيرو ليه روح***قبال تفنى وتروح
سلم لو وكن طروح***كالجسد المافي روح
س/ماذا يعني بقوله (وخيرني في الكون مهما أشأ يكن ....)؟
ج/ يعني أنه (إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون) فهو يدعي خاصية من خصائص الربوبية التي انفرد بها الله رب العالمين .. فهو يدعي التصرف في الكون وانفراده بالمشيئة ، ومدعي هذا كافر بالله العظيم والعياذ بالله تعالى .. لأن من نازع الله تعالى في شيء اختص به جل وعلا فقد كفر ...
فالصوفية قد ادعوا : إعطاء الأولاد والتصرف في الكون وطي الأرض وإنزال الأمطار ودخول القبور لتثبيت مريديهم عند السؤال وأنهم أوتاد الأرض ... وغير ذلك
س/ هذا الاعتقاد أعني قوله (مهما أشأ يكن ) خطير وكفر وضلال ، فهل وجد في ديوان البرعي ما يشبه ذلك؟
ج/ بلى ، بلى ...بل وجد أعظم من ذلك حيث جعل البرعي مشيئة الله تعالى تابعة لمشيئة شيوخ الصوفية (وحسبنا الله ونعم الوكيل ) . لقد قال في قصيدة العارفون بالله ص126:
ألا يا رجال الغيب أنتم حصوننا ****فما زال مسبولاً على الناس ستركم
أيلحقني ضيم وأنتم حمايتي ******وألهث عطشاناً وقد فاض بحركم
فحاشى وحاشى أن تضيع عيالكم ****وأنتم عيال الله والأمر أمركم
إذا شئتم شاء الإله وإنكم ********تشاءون ما قد شاء لله دركم(/9)
فمشيئة الله تعالى تابعة لمشيئة رجال الغيب شيوخ الصوفية!!!! تعالى الله الكريم العظيم رب العرش عما يصفون ، فالله تعالى قد قال (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )
فحسبنا الله عليهم ... وعليهم من الله ما يستحقون ...
فلتفق من رقدتها جماهير الصوفية في الزريبة وحمد النيل وضرائح الختمية بحلة حمد وقبة المهدي بأم درمان ومن حول حسن ودحسونة وجماعات أبوحراز في الجزيرة والشكينيبة ومن حول ضريح الحسن في كسلا ، وفي ضريح مريم بسنكات .... وغيرهم مما _ للأسف_ لا يحصون إلا بكلفة وبشق الأنفس...
وليفق من نومه وضلاله من أغرم بمدائح البرعي ومن يستمع إليها ومن يقدمها في الأشرطة والإذاعات ومن يستشهد بها في الحلقات التلفزيونية كالمدعو عصام البشير!!!! الذي (أضله الله على علم ) ومن يجتمع في حلقة تلفزيونية فيها مداحون لقصائد البرعي مثل عبد الحي يوسف ...!!!
وغيرهم وغيرهم
ليفيقوا من رقدتهم وليردوا ما يناقض كتاب الله وسنة نبيه ، هداهم الله وردهم إلى الحق رداً جميلاً ... وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الرد على قول المفتري اسماعيل المشهور بالولي ، حيث قال :
أيا صاحب ابشر بي فإني حاضر****إليك إذا ناديت في كل شدة
ومهما ترمني في النوائب كلها ****فنادي بيا اسماعيل كشف المهمة
أنا الشيخ اسماعيل مصباح عصره***أنا ابن عبد الله دخري الملمة
س/ ماذا يقصد بقوله (فإني حاضر)
ج/ فسرها بقوله في عجز البيت (إذا ناديت في كل شدة ) فهو يريد أن يستغاث به من دون الله تعالى ، ويرجع إليه الناس في تخليصهم من الشدائد .. ويعمم بقوله (في كل شدة ) ولذلك تأثر البرعي واستجاب لهذه الدعوة ونظم وصدر قصيدته بقوله :
إن ناب خطب في البلاد نزيل ****قل يا ولي الله إسماعيل(/10)
وزاد البيان في البيت التالي بقوله (ومهما ترمني في النوائب كلها فنادي بيا اسماعيل ...) فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول لابن عباس : (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ..) الحديث ... وهذا الاسماعيل يدعو الناس لدعائه من دون الله تعالى واتخاذه شريكاً وإلهاً مع الله ... وبهذا نعلم أنه طاغوت من الطواغيت .. لأن من يدعو الناس لعبادته من دون الله تعالى فهو الطاغوت الذي أمر الله تعالى اجتنباه..
فأين هؤلاء ومن يتبعونهم من الغوغاء والدهماء من قول النبي المصطفى الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عندما قال له رجل :( ما شاء الله وشئت ) فقال عليه الصلاة والسلام :(أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده )
وهذه الدعوة إلى الشرك الأكبر هي دعوة المتصوفة وهو ما يريدونه ،، فيعلقون قلوب العباد بهم ويأمرونهم بصرف العبادات والتي منها الدعاء لهم ...
س/ هل بالإمكان ذكر نماذج من شعر البرعي في الدعوة إلى هذا الشرك وتزيينه للناس؟
ج/ لقد ملأ البرعي ديوانه بذلك وعل سبيل المثال:
لقد أمر الناس بالالتجاء إلى والده (محمد وقيع الله ) وإتيان ضريحه وطلب الفيوضات وذلك في قوله في قصيدة الشيخ المعلم ص199:
يرى بالغيب ما يخفى علينا *****ويسمع صيحة القاصي المكلم
له بانت كرامات نراها ******وأحيا قاحل البلد المدلم
ألا يا من تريد الوصل شمر ****وقف بالباب صامت لا تكلم
وادخل بالخضوع بغير كبر****وعند مقامه أبرك وسلم
لتحظى بالفيوضات العوالي ****عياناً بعضها في النوم يحلم
والأمثلة على ذلك كثيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وبهذا أصل إلى ختام هذه الحلقات في موضوع (بين البرعي واسماعيل الولي ) وقد ملت إلى الاختصار وذلك حرصاً على عدم التطويل حيث إن المخالفات واضحة وبينة وأردت وضعها بين يدي إخوتي القراء ،،، وللربط بين دعوة البرعي واسماعيل الولي(/11)
تصريح الشهرستاني بأن علم الكلام يورث الحيرة وإعلان رجوعه عنه
هو أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبدالكريم الشهرستاني، ولد سنة 467هـ، وتوفي سنة 548هـ، وهو فقيه شافعي متكلم لوه مؤلفات كثيرة في الفقه. وهو صاحب الملل والنحل.
وكتاب في علم الكلام، لعله آخر مؤلفاته [نهاية الإقدام في علم الكلام] وهو الذي ذم فيه علم الكلام وحذر منه وأوضح أن علم الكلام إنما يورث الحيرة وليس لدى أربابه يقين في عقيدتهم.
وقد أثبت في أول كتابه المذكور بيتين في وصف حال أهل الكلام قائلاً:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر *** على ذقن أو قارعا سن نادم
ولم يذكر أن البيتين لمن؟ وسواء كان هذا كلامه أو كلام غيره فإنه ينص بهذين البيتين على سوء حال أهل الكلام وما ينتهي إليه أمرهم من الحيرة والضلال واضطراب العقيدة. فنسأل الله تعالى العافية والسلامة.
الاستفادة: كتاب (الصفات الإلهية) للجامي ص167-168.
أعده
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/2)
تنبيه ذو الخلط (صبري) المضطرب بدفع شبهة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
أبو عمر الدوسري (المنهج)
علق الضال الجهول مصطفى صبري على آية نزلت في المنافقين ، وأنها خاصة بحياة النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وحيث أنه يجهل الأصل الذي يجب أن يتلقى منه ، فهو يضرب بالآيات والأحاديث الصحيحة بحكايات ومنامات وقصص موضوعة ، وإن ارتفعت فإنها ليست حجة ، وأن اعتبروها حجة فإنها كحكاية العتبي فإنها لا تدل على مرادهم بل هي عليهم كما بينا وسنثبته في الروابط في أسفل الصفحة.
وكما بينت من قبل وحيث أن (مصطفى صبري) صوفي جاهل يلغو كثيراً ، ويسب العلماء والمحدّثين الذين عرفوا بعلم الحديث ويتهم نواياهم ويعارض بهم من لم يعرفوا إلا بالتعصب وقلة البضاعة الحديثية ، أو احتراف التحريف ، وقد فضحهم علماء الحديث ، ويبين له الحق فيسب ويهرب لمواضيع أخرى ، وقبل هذا كان يذم القص واللصق وتجده الآن جُل مواضيعه قص ولصق؟!!وكان يذم أن يقال لقد جهلت كذا ؛ فأصبح يجهل الإخوة في الملتقى ويرمي بعضهم بالجهل ، بل ينزل عليه آيا الكافرين {كمثل الحمار ..} -قول من آيات الكافرين من باب معارضته بنفس أقواله- ويسب البعض ويقول له أنت أجهل من حمار أهلك وهكذا!!(/2)
يدعي محبة الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام ويتشدق في نقل كلام من يصحح حكاوي ومنامات وقصص أعرابي موضوعة مكذوبة ، ويتهم من يضعفها في نواياهم!!-والمتهم أصبح يتهم!- ويتشدق في نقل من يضعف أحاديث صحيحة صريحة أجمع أهل العلم من علماء الحديث بصحتها!!ولكنه الهوى!!!!وشر إله عبد في الأرض الهوى .. فإن إبليس ما جحد الله بل يوحده ويعرف بأن الله لا إله إلا هو ولكنه الهوى والاستكبار عرف الحق فأبى!!وأخشى أن يعرف الحق أهل الأهواء فيأبون لأنهم وجدوا آبائهم على ملة !! فقبحاً قبحاً لمن لا يرفع رأسه بالآيات وصحيح الأحاديث!!
فهذا الشخص لا يحاور ولذلك سأجعل الحوار عاماً مع العقلاء .. ومع من تحكم بعقله من الصوفية والقبورية وأخذ يفكر!! وتذكر قوله تعالى {ولا تدعوا مع الله أحداً}
إخواني:
من باب إقامة الحجة ، ودمغه بالبينة ، سأناقشه عقلياً ، بعد أن هزم في البيانات النقلية والتعليقات العقلية ، وفهمهم المعكوس للقواعد. فبعد البيان في موضوع:
إتحاف أهل السنة والجماعة بالرد على من استدل على هذه الآية بجواز الاستغاثة
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/3.htm
الوجوه العشرة في بطلان الاستدلال بآية {ولو أنهم إذ ظلموا ..} على شد الرحال للقبر
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/10.htm
الصواعق السنية الدمشقية في رد شبهة من شبه شد الرحال للقبر عند القبورية
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/9.htm
وكما ترى فقد أوفينا البيان ، والمسلم مستسلم للحق ، والصوفي مستسلم لشيخه فالمريد كالميت عند المغسل لذا قال الإمام الشافعي رحمه الله:
لو أن رجلاً تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق،وما لزم الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله" تلبيس إبليس لابن الجوزي 371.
والآن حان الشروع في ذكر شبهة القوم على هذه الآية:
يدعي القوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..(/3)
فأخبرونا:
ألم يكن الصحابة من هذا العموم؟!!
وإذا كان الجواب:نعم.
فمن عمل بمقتضى هذا المفهوم الذي تزعمونه؟
لقد تركوا التوسل به كما عند البخاري ولم يأتوا قبره ولم يثبت عن واحد منهم أنه جاء إلى قبره صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار هناك بعد موته.
وهذا يؤكد أن هذا العموم قد انقطع بموته ولو كانت العبرة لفعلوه بعد موته صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت الآية عامة لزم منه أن خير القرون قد عطلوا هذا الواجب وتجاهلوه حتى جاء المتأخرون وعملوا به أو أنهم جهلوه وضلوا عنه وفقهه الخلف!!!
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
تهافت الصوفية
أبو ريان الطائفي
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فنحمد الله سبحانه وتعالى على وضوح حججه ، وجلاء آياته ، وصدق وعده ، وعظيم منته بالهداية إلى السنة والتوحيد .
أخي القارئ الكريم : إن الناظر إلى سائر السبل المتهافتة على مرّ التاريخ يجد أنها من الحجج عقيمة ، وقواها هزيلة سقيمة ، حجتهم : الحجة الملعونة في القرآن بالاحتجاج بدين الآباء والمشايخ ! ، ينازلهم الموحد السنّي بآيات القران ، وصحاح السنة ، وهم ينازلونه بخطرات أشياخهم ، وزلات من لا عصمة له ، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ؟ .
ذهب الرجال وحال دون مجالهم ******* زمرٌ من الأوباشِ والأنذالِ
زعموا بأنهمُ على آثارهم ******* ساروا ولكن سيرة البطالِ
لبسوا الدلوق مرقعاً وتقشفوا ******* كتقشفِ الأقطاب والأبدالِ
قطعوا طريق السالكين وغوّروا ****** سبل الهدى بجهالة وضلالِ
عمروا ظواهرهم بأثواب التقى ******* وحشوا بواطنهم من الأدغالِ
إن قلت : قال الله قال رسوله ****** همزوك همز المنكرِ المتغالي
أو قلت : قد قال الصحابة والأُولى ******* تبعوهم في القول والأعمال
أو قلت : قال الشافعي وأحمدٌ ******* وأبو حنيفة والإمام العالي
أو قلت : قال صحابهم من بعدهم ****** فالكلّ عندهمُ كشبهِ خيالِ
ويقول : قلبي قال لي عن سرّهِ ****** عن سرِّ سرّي عن صفا أحوالي !
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي ******* عن شاهدي عن واردي عن حالي
عن صفوِ وقتي عن حقيقة مشهدي ******* عن سرّ ذاتي عن صفاتِ فعالي !(/2)
دعوى إذا حققتها ألفيتها ***** ألقاب زورٍ لفّقت بمحالِ
تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا ******* بظواهر الجهالِ والضلاّلِ
جعلوا المرا فتحاً وألفاظ الخنا ***** شطَحاً وصالوا صولة الإدلالِ
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم ***** نبذ المسافر فضلة الآكالِ !
نعم ، هذا هو وثن التصوف ، وآلهة الزندقة ، ودين الأوباش ، تنكبوا عن كتاب الله تعالى ، وعن فهم معانيه ، وعن إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ! ، وعمدوا إلى توحيد ( ابن عربي ) و قصائد ( التلمساني ) وخزعبلات ( إخوان الصفا ) .
هذا هو وثن التصوف الذي أباد من قلوب البشر عدداً لا يحصيهم إلاّ الله : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف:179) .
هذا هو وثن التصوف الذي أعمى بصائرهم ، وجعل في آذانهم وقرا ، وصدهم عن دين الله تعالى ، حتى رقت قلوبهم بذكر البدوي والجيلاني والعيدروس ، وتفرق عند ذكر توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة : ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً) (الإسراء:46) .
وقال سبحانه : ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45) .(/3)
فتكبروا على الله ورسوله ، وبطروا الحق ، وأعرضوا عن سبيل الهدى ، فأعقبهم الله نفاقاً في قلوبهم ، قال تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف:146) .
فأقسمت بالذي لا يحلف بغيره ، ولا يملك مخلوق التصرف في ملكه و شرّه وخيره ، أن أبذل قوتي ، وطاقتي ، وحجتي ، ومهجتي ، ولذة نومي ، وأنسي بأهلي : في قتالي لأهل البدعة والغواية ، وألحق بهم أشد النكاية ، ولن أبقي لهم وارده ، ولن أدع منهم شارده ، ولو علمت أن عضوا من جسدي لان لهم ، أو أحبهم : بترته ، وتخليت عنه ! .
كيف لا ؟! ، وهم يشركون بالله العظيم ، و تلطخوا بأقوال وعقائد الذنب الوخيم ، وألحقوا بالله المذمة ، وجعلوا معه آلهة أخرى : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف:39) . وقال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .
فتالله لأكيدن أصنامكم وأوثانكم وأربابكم وأئمتكم حتى تولوا مدبرين .(/4)
إن ( وثن التصوف ) قد حطمه قبلنا أئمة التوحيد من النبيين والمرسلين ، فقد خرجوا على أقوام يتعبدون لله تعالى بصنوف العبادات ، وتتقطع أوصالهم رهبة وخشية !! ، ولكنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ! : ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )(الحديد: من الآية27) ، وقال سبحانه : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً) (الغاشية:1-4) .
فقامت كتائب التوحيد بالجهاد بالسيف والسنان ، والحجة والبيان ، بين إبراهيم ونوح وعيسى وموسى ومحمد وسائر المرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ، وبين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ! .
وهاهي كتائب التوحيد على مرّ التاريخ ، تستن بسنة الموحدين ، وتسير على طريقة المرسلين ، وتهدم أوثانهم ، ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )(الأنعام: من الآية90) .(/5)
ففرق بين من أحيا سنة الأنبياء والمرسلين ، وعظّم الله ، و وحده ، وكفر بجميع ما يعبد من دون الله ، وبين من أحيوا سنة أبي جهل وأبي لهب ، وجددوا ملة عمرو بن لحي الخزاعي ! ورفعوا معالم ( اللات ) و ( العزى ) و ( ذي الخلصة ! ) و زادوا ( قبة البدوي ) و ( مشهد العيدروس ) و ( كعبة هود ! ) و ( مشاهد تريم ! ) وبنوا فوقها المشاهد ، والمساجد ! ، ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف:103- 104) ، ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8) .
وإني في ( السرية الثانية ) سوف أذكر بعض ( شركيات الملحدِ المفتَرِي عَلِيٍّ الجَفَرِي ) ، وأبين خطأ المغرورين ، وغاية تهافت الهمج الرعاع خلف من سحرهم ( بابتسامته ! ) و جذبهم ( برقة أسلوبه ) وأسر قلوبهم بدعوى ( محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ! ) ، قال تعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:4) .(/6)
فقد جمعت من مقالاته المقروءة والمسموعة ما يوجب ضلاله ، ويثبت ردته إن صح له إسلام أصلا ! ، فعامة ( جيل التصوف ) ينشأ في تصوفه وليدا ، ويهرم فيه ، ويظن أن على الهدى وهو من الهالكين ! ، حتى إن عالم صنعاء محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني حكم أن مشركي زمانه كفاراً أصليين !! ، وهم كذلك ، ومجرد نطقهم بالشهادتين لا يغني عنهم شيئاً ، فقد كان كفار قريش يلبّون بالتوحيد ، وينطقون بالشهادة ثم يفسدونها بإشراك آلهتهم ! ، ويقولون : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك ! ) ، ويطوفون حول البيت الحرام ، ويقصدونه بالحج والعمرة ، ويطوفون بين الصفا والمروة ! ، بل ويدعون الله وحده وقت الشدة والكربات ، ومع ذلك ما صح لهم دين ، ولا ثبت لهم إسلام ، ولا تم لهم توحيد ، وهم كفار من جثى جهنم ! ، فكيف يصح لمن نشأ وترعرع وأدركه الهرم أو الموت وهو يعكف على قبور الأولياء ، ويتقدم لها بالنذور والقرابين ، ويتمسح بها ، ويطوف حولها ، ويعتقد أنهم يتصرفون في ملكوت الله تعالى ، ويعلمون ما استأثر الله بعلمه ، ويُحيون ويُميتون ، وبهم تكشف الكربات ، ومنهم تطلب الحاجات ، وتخبت قلوبهم عند آلهتهم أكثر من إخباتهم بين يدي الله ، وتشرق ألسنتهم بذكرهم أكثر من ذكرهم لله ! ، فأي إسلام يصح لهؤلاء ، وأي دين لهم ؟! .
وموعدنا جميعاً في ( السرية الثانية ) .
والله الموفق
كتبه
أبو ريان الطائفي
عصر الجمعة المبارك 19 ذو القعدة 1425هـ
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/7)
حول طريقة ذكر الله عند الصوفية
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
س1 : لماذا يهتم الصوفيون بذكر الله فقط دون ذكر صفات الله؟
س2 : لماذا لا يقوم المسلمون بذكر الله فقط ويقومون بذكر الله من خلال كلمة التوحيد وصفات الله؟
س3 : الصوفيون يقولون : إن اسم الله يحمل قيمة أكبر ولكن المسلمون يقولون : بل لا إله إلا الله تحمل القيمة الكبرى .
ج : قد دلت الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة عن النبي أن أفضل الكلام كلمة التوحيد : وهي لا إله إلا الله ، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وقال عليه الصلاة والسلام : أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
وقد ذكر الله في كتابه العظيم هذه الكلمة في مواضع كثيرة ؛ منها : قوله سبحانه : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وقوله عز وجل : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ والمشروع للمسلمين جميعا أن يذكروا الله بهذا اللفظ : لا إله إلا الله ، ويضاف إلى ذلك : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله - كل هذا من الكلام الطيب المشروع .
أما قول الصوفية : ( الله الله ) ، أو ( هو هو ) ، فهذا من البدع ، ولا يجوز التقيد بذلك . لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فصار بدعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقوله عليه الصلاة والسلام : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق عليه .(/2)
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فهو رد أي فهو مردود ، ولا يجوز العمل به ولا يقبل . فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتعبدوا بشيء لم يشرعه الله ؛ للأحاديث المذكورة . وما جاء في معناها ؛ لقول الله سبحانه منكرا على المشركين : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وفق الله الجميع لما يرضيه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
http://www.binbaz.org.sa/display.asp?f=Bz01635.htm
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
جماعة متأثرة بالصوفية: المهدية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
المهدية واحدة من الحركات الثورية التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، وهي ذات مضمون ديني سياسي شابته بعض الانحرافات العقائدية والفكرية، وما يزال أحفاد المهدي وأنصاره يسعون لأن يكون لهم دور في الحياة الدينية والسياسية في السودان.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
المؤسس:
• محمد أحمد المهدي بن عبد الله 1260 ـ 1302هـ (1845 ـ 1885م)، وُلد في جزيرة لبب جنوب مدينة دنقلة، يقال بأن نسبه ينتهي إلى الأشراف. حفظ القرآن وهو صغير ونشأ نشأة دينية متتلمذًا على الشيخ محمود الشنقيطي، سالكًا الطريقة السمَّانية القادرية الصوفية، متلقياً عن شيخها محمد شريف نور الدائم.
ـ فارق محمدٌ شيخه لِما لاحظه عليه من تهاون في بعض الأمور وانتقل إلى الشيخ القرشيِّ وَدْ الزين في الجزيرة وجدد البيعة (*) على يديه. ويلاحظ أن شيخيه الأول والثاني من أشهر مشايخ الطرق الصُّوفية آنذاك.
ـ في عام 1870م استقر في جزيرة أبا حيث يقيم أهله والتزم أحد الكهوف مستغرقاً في التأمل والتفكير.
ـ وفي عام 1297هـ/1880م توفي شيخه القرشي حيث قام المهدي بتشييد ضريحه وتجصيصه وبناء القبة عليه، وصار خليفته من بعده حيث توافد عليه المبايعون مجددين الولاء (*) للطريقة في شخصه.
ـ في عام 1881م أصدر فتواه بإعلان الجهاد (*) ضد الكفار والمستعمرين الإنجليز، وأخذ يعمل على بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب السودان.(/2)
ـ اعتكف أربعين يوماً في غاره بجزيرة أبا وفي غرة شعبان 1298هـ/29 يونيو 1881م أعلن للفقهاء والمشايخ والأعيان أنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ـ قابل قوة الحكومة التي أرسلت لإخماد حركته في 16رمضان 1298هـ/أغسطس 1881م وأحرز عليها انتصاراً دعم موقفه ودعواه.
ـ هاجر إلى جبل ماسة ورفع رايته هناك،وعين له أربعة من الخلفاء هم:
1 ـ عبد الله التعايشي. صاحب الراية الزرقاء ولقبه بأبي بكر.
2 ـ علي وَدْ حلو: صاحب الراية الخضراء ولقبه بعمر بن الخطاب.
3 ـ محمد المهدي السنوسي، رئيس الطريقة السنوسية ذات النفوذ الكبير في ليبيا، فقد عرض عليه المهدي منصب الخليفة عثمان بن عفان، لكن السنوسيَّ تجاهله ولم يرد عليه.
4 ـ محمد شريف: وهو ابن عم المهدي الذي جعل له الراية الحمراء ولقبه بعلي بن أبي طالب.
ـ في عام 1882م قابل الشلالي الذي أراد أن ينفذ إرادة جيجلر نائب الحكمدار عبد القادر حلمي، وقد لاقى الشلالي حتفه في هذه المعركة.
ـ في نوفمبر 1883م التقى مع هكس الذي لاقى حتفه أيضاً بعد يومين من بداية المعركة.
ـ التقى جيش المهدي بجيش غوردون في الخرطوم، وفي 26 يناير 1885م اشتدت المعركة وقُتِل غوردون الذي جُزَّ رأسُه وبُعِثَ به إلى المهدي الذي كان يأمل إلقاء القبض عليه حيًّا ليبادل به أحمد عرابي الذي أُجبر على مغادرة مصر إلى المنفى. وكان سقوط الخرطوم بين يدي المهدي آنذاك إيذانًا بانتهاء العهد العثماني على السودان.
ـ من يومها لم يبق للمهدي منافس حيث قام بتأسيس دولته مبتدئًا ببناء مسجده الخاص الذي تم إنهاءُ بنائه في 17جمادى الأولى 1305هـ.
ـ قلَّد القضاءَ للشيخ محمد أحمد جبارة ولقبه بقاضي الإسلام.(/3)
ـ وفي يوم 9 رمضان 1302هـ/22 يونيو 1885م توفي المهدي بعد أن أسس أركان دولته الوليدة، ودفن في المكان الذي قبض فيه. وجدير بالذكر أن هذه الدولة لم تدم طويلاً ففي عام 1896م قضى اللورد كتشنر الذي كان سرداراً لمصر على هذه الدولة ونسف قبة المهدي ونبش قبره وبعث هيكله وبعث بجمجمته إلى المتحف البريطاني انتقاماً لمقتل غوردون.
شخصيات أخرى:
عبد الله التعايشي: ولد في دار التعايشة في دارفور، وجاء المهدي في الحلاويين بالجزيرة وهو يشيد قبة على شيخه القرشي وبايعه، وهو الذي قوَّى في نفس المهدي ادعاءه المهدية، وقد احتل عبد الله المكانة الأولى في حياة المهدي إذ كان رجل التطبيق والإدارة والتنفيذ.
ـ بعد موت المهدي صار عبد الله الخليفة الأول وذلك بناء على وصية من المهدي ذاته إذ كان يقول عنه: "هو مني وأنا منه".
ـ عندما استلم منصب الخلافة (*) تفرَّغ لبث الدعوة وجعل أخاه الأمير يعقوب مكانه الذي كان قد بوَّأه إيَّاه المهدي.
ـ كتب إلى السلطان عبد الحميد وتطلع إلى بسط نفوذ المهدية إلى نجد والحجاز وغربي السودان.
ـ عبد الرحمن النجومي: من القادة العسكريين، وقد سار على رأس جيش كبير في 3 رمضان 1306هـ/3 مايو 1889م متقدماً نحو الشمال لملاقاة الجيش المصري لكنه رجع دون أن يحقق تقدماً أو نصراً.
• الشاعر الصوفي الحسين الزهراء 1833 ـ 1895م: من رجال المهدية، حاول أن يربط بين فلسفة ابن سينا الإشراقية وبين العقيدة المهدية.
• حمدان أبو عنجة: كان قائد جيش المهدي أمام هكس الذي التقى به خارج الأبيض.
ثالثاً: أبناء المهدي وأحفاده:(/4)
عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي 1885 ـ 1956م وُلد في أم درمان وتلقى تعليماً دينيًّا، وعندما شبَّ سعى لتنظيم المهدية بعد أن انفرط عقدها، وصار في عام 1914م زعيماً روحيًّا للأنصار. وفي عام 1919م بعثت به الحكومة لتهنئة ملك بريطانيا بانتصار الحلفاء، حيث قام بتقديم سيف والده هدية للملك الذي قبله ثم أعاده إلى عبد الرحمن طالباً منه أن يحتفظ به لديه نيابة عن الملك وليدافع به عن الإمبراطورية. وقد شكَّل هذا اعترافاً ضمنيًّا بالطائفة واعترافاً بزعامته لها. وقد أنشأ عبد الرحمن أيام الاستعمار (*) الإنجليزي على السودان (حزب الأمة) وهو حزب المهدية السياسي.
• الصديق بن عبد الرحمن: توفي عام 1961م.
• الهادي بن عبد الرحمن: قتل في عام 1971م.
• وقد انقسم حزب الأمة إلى ثلاثة أقسام:
ـ قسم برئاسة الصادق بن الصديق بن عبد الرحمن وهو أقوى الأقسام حاليًّا في السودان.
ـ قسم برئاسة أحمد بن عبد الرحمن.
ـ قسم برئاسة ولي الدين عبد الهادي.
• المؤتمر العالمي لتاريخ المهدية أقيم في بيت المهدي بالخرطوم في الفترة من 29 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 1981م، وقد ألقى أحمد بن عبد الرحمن المهدي كلمة في هذا الحقل.
الأفكار والمعتقدات:
• إن شخصية المهدي القوية، والمعتقد الديني الذي يدعو إليه، والسخط العام الذي كان سائداً ضد الولاة الذين كانوا يفرضون الضرائب الباهظة على الناس، وتفشي الرشوة والمظالم، وسيطرة الأتراك والإنجليز، كان ذلك كله دور مهم في تجمع الناس حول هذه الدعوة بهدف التخلص من الوضع المزري الذي هم فيه إذ وجدوا في المهدي المنفذَ والمخلِّصَ.
• دعا المهدي إلى ضرورة العودةِ مباشرة إلى الكتاب والسُّنة دون غيرهما من الكتب التي يرى أنها تبعد بخلافاتها وشرورها عن فهم المسلم البسيط العادي.(/5)
• أوقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وحرم الاشتغال بعلم الكلام (*)، وفتح باب الاجتهاد (*) في الدين، وأقر كذلك كتاب كشف الغمة للشعراني، والسيرة الحلبية، وتفسير روح البيان للبيضاوي، وتفسير الجلالين!!
• ألغى جميع الطرق الصوفية وأبطل جميع الأوراد داعيًّا الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول طريقته المهدية مؤلفاً لهم ورداً يقرءونه يوميًّا، ومن هذا الباب دخلت مرة أخرى في بوتقة الصوفية وانصهرت فيها، وداخلتها الأخطاء العقدية كقول المهدي بأنه معصوم وأنه المهدي المنتظر.
• لما تحركت الحكومة لضرب المهدية في جزيرة أبا كتب المهدي خمس رايات رفع عليها شعار (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وعلى أربعة منها كتب على كل واحدة منها اسم واحد من الأقطاب الأربعة المتصوفة وهم: الجيلاني، والرفاعي، والدسوقي، والبدوي. أما الخامسة فقد كتب عليها "محمد المهدي خليفة رسول الله" وعلى ذلك فهو يزعم أنه الإمام، والمهدي، وخليفة رسول الله.
• أبرز ما في دعوته إلحاحه الشديد على موضوع الجهاد (*) والقوة والفتوة.
• يزعم المهدي بأن مهديته قد جاءته بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وقد جاءني في اليقظة ومعه الخلفاء الراشدون والأقطاب (*) والخضر ـ عليه السلام ـ وأمسك بيدي صلى الله عليه وسلم وأجلسني على كرسيه وقال لي: أنت المهدي المنتظر ومن شك في مهديتك فقد كفر (*)" !!
• نسب إلى نفسه العصمة وذكر بأنه معصوم نظراً لامتداد النور الأعظم فيه من قبل خالق الكون إلى يوم القيامة!!.
• كان يلح على ضرورة التواضع وعدم البطر وتشديد النكير على الانغماس في الملاذ والبذخ والنعمة، ويعمل على التقريب بين طبقات المجتمع، وقد عاش حياته يلبس الجبة المرقعة هو وأتباعه، لكن أحفاده من بعده عاشوا في ترف ونعيم.
• حرَّم الاحتفال بالأعراس والختان احتفالاً يدعو إلى النفقة والإسراف.(/6)
• يَسَّرَ الزواج بتخفيف المهور وبساطة الولائم وتحريم الرقص والغناء وضرب الدفوف.
• منع البكاء على الأموات، وحرَّم الاشتغال بالرُّقى (*) والتمائم (*)، وحارب شرب الدخان وزراعته والاتجار به، وشدد في تحريمه.
• أقام حدود الشريعة في أتباعه كالقصاص وحيازة خمس الغنائم ومصادرته أموال السارقين والخمارين، وصك العملة باسمه ابتداء من فبراير 1885م جمادى الأولى 1302هـ.
ـ أقام في المنطقة التي امتد إليها نفوذه نظاماً إسلاميًّا، ونظم الشؤون المالية وعين الجباة لجمع الزكاة، وكانت مالية الدولة التي أقامها مكونة مما يجبى من زكاة وجبايات .
• في العاشر من ربيع الأول عام 1300هـ تطلع المهدي إلى عالمية الدعوة حيث أعلن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشَّره بأنه سيصلي في الأبيض ثم في بربر ثم في المسجد الحرام بمكة المكرمة فمسجد المدينة فمسجد القاهرة وبيت المقدس وبغداد والكوفة (*).
بعض انحرافات المهدي :
ـ لقد كفَّر المهدي من خالفه أو شك في مهديته ولم يؤمن به.
ـ سمّى الزمان الذي قبله زمان الجاهلية (*) أو الفترة.
ـ جعل المتهاون في الصلاة كالتارك لها جزاؤه أن يقتل حدًّا.
ـ أفتى بأن من يشرب التنباك يؤدب حتى يتوب أو يموت.
ـ جعل المذاهب الفقهية والطرق الصوفية مجرد قنوات تصب في بحره العظيم!!.
ـ منع حيازة الأرض لأنها لا تملك إذ أنها محجوزة لبيت المال.
ـ نهى عن زواج البالغة بلا ولي ولا مهر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• تأثر المهدي بالشيعة (*) في ادعائه المهدية المعصومة التي ستملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وفي التأكيد على أهمية نسبه الممتد إلى الحسن بن علي، وفي فكرة العصمة والإمام المعصوم([1]).(/7)
ـ قيل بأنه أخذ عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قوله بضرورة الأخذ عن الكتاب والسُّنَّة مباشرة، وفتح باب الاجتهاد (*)، ومحاربته لبناء القبور، مع أنه بنى قبة لشيخه !! ( انظر للرد على هذا الوهم رسالة " الانحرافات العقدية والعلمية في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري " للشيخ علي بخيت الزهراني ، ص 1001-997).
• كان للفكر الصوفي دور مهم في رسم شخصية المهدي وطريقته.
• أخذ عن جمال الدين الأفغاني، وعن محمد عبده ـ الذي كان على صلة بأفكارهما ـ أفكاره الثورية .
• كان المهدي قريباً من الأحداث الجارية في مصر وبالذات حركة أحمد عرابي الداعي إلى الثورة .
الانتشار ومواقع النفوذ:
• ابتدأ المهدي دعوته من جزيرة أبا التي ما تزال مركزاً قويًّا للمهدية إلى الآن، وقد وثق صلته بالقبائل في مختلف أنحاء السودان.
• تطلع المهدي وخليفته التعايشي لنقل المهدية إلى خارج السودان لكن هذا الأمل تلاشى بسقوط طوكر عام 1891م.
• ما يزال للمهدية أنصار كثيرون يجمعهم حزب (*) الأمة الذي يسهم في الأحداث السياسية الحالية في السودان. كما أن لهم تجمعاً وأنصاراً في أمريكا وبريطانيا يعملون على نشر أفكارهم ومعتقداتهم بين أبناء الجاليات الإسلامية بعامة والسودانيين بخاصة.
ويتضح مما سبق:(/8)
أن الثورة (*) المهدية استطاعت أن تصهر السودانيين في بوتقة واحدة، وجعلت منهم شعباً واحداً جاهد مع قائده وزعيمه الروحي وحقق انتصارات باهرة على أعدائه، وقد أسقطت المهدية المذهبية وألغت الطرق الصوفية إلا طريقتها ! وادعت أنها سلفية (*) تدعو إلى عقيدة السلف في التوحيد والاجتهاد (*) وفق المصالح المتجددة، وقد اعتبرت الجهاد (*) ضد الكفار مقدم على الفرائض الأخرى. وهي تعتبر - على انحرافها - من حركات اليقظة في العالم الإسلامي. وقد شابتها بعض الانحرافات العقدية، وكساها المهديُّ بمسحة من الصُّوفية بهدف تحريك ضمائر أتباعه وربط ولاء شعبه بألوان من الرياضات لا سيما وقد كان للطرق الصوفية في عهده جذور ضاربة في نفوس شعبه لا يمكن إغفالها.
--------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ، عبدالرحمن عبدالخالق .
ـ محمد أحمد المهدي: توفيق أحمد البكري ـ لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية ـ دار إحياء الكتب العربية ـ 1944م.
ـ المهدي والمهدية، د. أحمد أمين بك ـ إصدار دار المعارف بمصر.
ـ دراسات في تاريخ المهدية، مطبوعات قسم التاريخ ـ جامعة الخرطوم ـ أعده للنشر الدكتور عمر عبد الرازق النقر ـ 1982م.
ـ سعادة المستهدي بسير الإمام المهدي، إسماعيل عبد القادر الكردفاني ـ تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم ـ ط 2 ـ دار الجبل، بيروت، 1402هـ/1982م.
ـ الموسوعة الحركة "جزءان"، فتحي يكن ـ ط 2 ـ دار البشير ـ الأردن 1403هـ/1983م.
ـ الفكر الصوفي، د. عبد القادر محمود ـ ط 1 ـ مطبعة المعرفة ـ القاهرة ـ 1968م.
ـ الإسلام في القرن العشرين ـ عباس محمود العقاد.
ـ السودان عبر القرون ـ د. مكي شبيكة ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ لبنان بدون تاريخ.
ـ تاريخ السودان وجغرافيته، تأليف نعوم شقير.
ـ دائر معارف القرن العشرين، د. محمد فريد وجدي.(/9)
ـ منشورات المهدي، موجودة في الإدارة المركزية في وزارة الداخلية بالخرطوم بأصولها. وقد نشرتها الداخلية السودانية مصوّرة عن أصل مطبوع بمطبعة الحجر في أم درمان سنة 1382هـ/1963م في جزأين كبيرين بعنوان منشورات الإمام المهدي عليه السلام.
ـ يسألونك عن المهدية، الصادق المهدي.
ـ حركة المهدي السوداني ـ شريط كاسيت الدكتور محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم.
-------------------------------------------
(1) تنبيه: لا صلة البتة بين عقيدة المهدي المنتظر عند أهل السنة والجماعة كما دلت عليها الأحاديث المستفيضة، بل والمتواترة تواتراًً معنويًّا، وبينها عند الشيعة، حيث يعتقد أهل السنة والجماعة كما يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ بحق ـ :
"أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهداية وتوفيقاً وإرشاداً للناس". (لمزيد من التفصيل راجع كتاب: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر. للعلاّمة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، وكتاب: المهدي حقيقة لا خرافة للدكتور محمد بن أحمد إسماعيل المقدم).
فرق ومذاهب
مذاهب وفرق
الملل والنحل
مواقع اسلامية(/10)
جماعة متأثرة بالصوفية: النورسية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
النورسية: جماعة دينية إسلامية هي أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات (*) المنظمة، ركز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان والعمل على تهذيب النفوس مُحْدِثاً تياراً إسلامياً في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني الماسوني الكمالي الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة (*) العثمانية واستيلاء كمال أتاتورك على دفة الحكم فيها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• المؤسس هو الشيخ سعيد النورسي 1873ـ 1960م ولد من أبوين كرديين في قرية نورس القريبة من بحيرة وان في مقاطعة هزان بإقليم بتلس شرقي الأناضول، تلقى تعليمه الأولي في بلدته، ولما شبّ ظهرت عليه علامات الذكاء والنجابة حتى لقب بـ(بديع الزمان) و(سعيدي مشهور).
ـ في الثامنة عشر من عمره ألَمَّ بالعلوم الدينية وبجانب كبير من العلوم العقلية، وعرف الرماية والمصارعة وركوب الخيل، فضلاً عن حفظه القرآن الكريم، آخذاً نفسه بالزهد والتقشف.
ـ عمل مدرساً لمدة خمسة عشر عاماً في مدينة وان وهناك بدأ دعوته الإرشادية التربوية.
ـ انتقل إلى استانبول لتأسيس الجامعة الزهراء لتكون على شاكلة الجامع الأزهر بمصر، وصادف أن كان هناك الشيخ بخيت شيخ الجامع الأزهر الذي أبدى إعجابه الشديد ببديع الزمان.
ـ عين عضواً في أعلى مجلس علمي في الدولة العثمانية وهو دار الحكمة الإسلامية.
ـ عندما دخل الحلفاء استانبول محتلين كان في مقدمة المجاهدين ضدهم.(/2)
ـ في عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من جمعية الاتحاد والترقي التي رفعت شعار (الوحدة ـ الحرية ـ الإصلاحية) لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين، ألّف بديع الزمان جمعية (الاتحاد المحمدي) واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين ولكن بالمفهوم الإسلامي كشفاً لخدعهم التي يتسترون خلفها وتجلية لحقيقتهم الماسونية.
ـ أرسل الماسونيون (قرّه صو) اليهودي لمقابلته، لكنه ما لبث أن خرج من عنده وهو يقول: "لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجني في الإسلام بحديثه".
ـ في الحرب العالمية الأولى التحق بالجيش التركي ضابطاً فيه، وفي الأمسيات كان يلقي على تلاميذه وعساكره علوماً في القرآن.
ـ قبض عليه الروس ونفوه إلى سيبيريا، لكنه استطاع أن يهرب ويعود إلى استانبول عن طريق ألمانيا فبلغاريا فتركيا.
ـ حينما أعلن مصطفى كمال أتاتورك (1880ـ1938م) العصيان بالأناضول حاول استدراج بديع الزمان إلى جانبه إذ عرض عليه قصراً فخماً ومناصب عليا، لكنه رفض كل ذلك منصرفاً عن السياسة كليًّا جاعلاً شعاره "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة" عاكفاً على العبادة والتربية وصقل النفوس.
ـ لقد كان العلمانيون الذين حكموا تركيا بعد زوال الخلافة يخشون من دعوته ويعارضونها أشد المعارضة فما كان منهم إلا أن استغرقوا حياته بالسجن والتعذيب والانتقال من سجن إلى منفى، ومن منفى إلى محاكمة.
ـ أصدرت المحاكم ضده أحكاماً بالإعدام عدة مرات لكنهم كانوا يعدلون عن تنفيذ هذا الحكم خوفاً من ثورة أتباعه وأنصاره.
ـ في عام 1327هـ انتقل إلى سوريا وأقام في دمشق وألقى في المسجد الأموي خطبته التي عرفت بالخطبة الشامية وضح فيها أسباب تقدم أوروبا وتخلف المسلمين بما يلي:
1 ـ اليأس الذي بلغ بالمسلمين مبلغه.
2 ـ فساد الأخلاق وفقدان الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية.
3 ـ انتشار العداوة والبغضاء بين صفوف المسلمين.(/3)
4 ـ فقدان روابط الحبة والتعاون والتكافل بين المسلمين.
5 ـ الاستبداد المنتشر انتشار الأمراض السارية.
6 ـ تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة.
ـ عاش آخر عمره في إسبارطة منعزلاً عن الناس، وقبل ثلاثة أيام من وفاته اتجه إلى أورفه دون إذن رسمي حيث عاش يومين فقط فكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1379هـ.
الأفكار والمعتقدات:
• فكر هذه الجماعة هو ما كتبه المؤسس ذاته حتى إنك لا تكاد تجد ذِكراً لآخرين تركوا إضافات مهمة على أفكارها.
• قامت هذه الدعوة لإيقاظ العقيدة الإسلامية في نفوس أتباعها فكان عليها أن تواجه الظروف القاسية بتكتيك يناسب هذه الظروف التي كان مجرد الانتماء إلى الإسلام فيها يعد جريمة يعاقب عليها القانون.
• كان بديع الزمان متواضعاً زاهداً يتحرز عن مواطن الشبهة، وكان شعاره الدائم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
• التخلي عن السياسة واعتبرها من وساوس الشيطان وذلك إثر عدة مواجهات ومصادمات بين بديع الزمان ومصطفى كمال الذي كان يحاول استدراج الشيخ إلى صفه حيث غادر سعيد النورسي أنقره عام 1921م إلى (وان) تاركاً السياسة خلف ظهره ووُصِفَ هذا التاريخ بأنه فاصل بين مرحلتين: سعيد القديم وسعيد الجديد.
• قال بديع الزمان للمحكمة عندما كان مسجوناً في سجن اسكشير: (لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية وإنني أقول لكم: إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان).
• وقال: "أقسم بالله أنني سأكرس نفسي للقرآن باذلاً حياتي مهما كانت مكائد الوزير البريطاني القذرة". ويقصد به وزير المستعمرات البريطاني غلادستون الذي قال آنذاك: "طالما أن القرآن مع المسلمين فسيبقون في طريقنا ولذلك يجب علينا أن نبعده عن حياتهم".(/4)
• من أقواله: "لو أن لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام.. إنني لا أعترف إلا على ملة الإسلام.. إنني أقول لكم وأنا أقف أمام البرزخ الذي تسمونه السجن إنني في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة...".
ـ وله كذلك: "كما أنه لا يناسب الشيخ الوقور أن يلبس لباس الراقصين فكذلك لا يناسب استانبول أن تلبس أخلاق أوروبا".
• إن التهم الرئيسية التي كانت توجه إلى بديع الزمان في المحاكمات يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ العمل على هدم الدولة العلمانية والثورة(*) الكمالية.
ـ إثارة روح التدين في تركيا.
ـ تأليف جمعية (*) سرية.
ـ التهجم على مصطفى كمال أتاتورك.
لكنه كان يتصدى لهذه التهم بمنطق بليغ من الحجة والبرهان حتى أصبحت هذه المحاكمات مجال دعاية له تزيد في عدد أتباعه.
• لقد كرس المؤسس نشاطه ودعوته على مقاومة المد العلماني الذي تمثل في:
ـ إلغاء الخلافة(*) العثمانية.
ـ استبدال القوانين الوضعية (*) ـ والقانون السويسري المدني تحديداً ـ بالشريعة الإسلامية (*).
ـ إلغاء التعليم الديني.
ـ منع الكتابة بالحروف العربية وفرضها بالحروف اللاتينية.
ـ تغيير الأذان من الكلمات العربية إلى الكلمات التركية.
ـ فرض النظرية الطورانية (*) "وأن الترك أصل الحضارات".
ـ إلزام الناس بوضع القبعة غطاء للرأس.
ـ جعل يوم الأحد يوم العطلة الرسمية بدلاً من يوم الجمعة.
ـ ارتداء الجبة السوداء والعمامة البيضاء مقصور على رجال الدين.
ـ ترجمة القرآن إلى اللغة التركية وذلك عام 1350هـ/1931م وتوزيعه في المساجد.
ـ تحريم الاحتفال بعيدي الأضحى والفطر وإلغاء التقويم الهجري وإحداث تغييرات في نظام المواريث.
ـ الاتجاه نحو الغرب ومحاكاته في عاداته وتقاليده واهتماماته.
ـ طمس العقيدة الإسلامية في نفوس الناس بعامة والناشئة بخاصة.(/5)
• يمتاز شباب هذه الجماعة بالعفة والنظافة، شباب قابض على دينه في عصر شاعت فيه الفتن والإغراءات والانحلال.
• هذا وثمة بعض المآخذ على هذه الجماعة:
ـ أن هذه الجماعة لم تُعن بنشر عقيدة السلف والتوحيد الخالص بين أتباعها وبين عوام المسلمين ممن يحتاجون إلى تصحيح عقائدهم قبل شغلهم بأمور أخرى .
بل تبنت عقيدة الماتريدية التي كانت تُدعم من قبل الدولة العثمانية ؛ فلم تحاول التخلص من هذه العقيدة البدعية .
ـ أنهم لم يستطيعوا تأسيس عمل إسلامي منظم يستطيع التصدي للمكر اليهودي الذي كان متغلغلاً في معظم نواحي الحياة السياسية المعادية للإسلام والمسلمين إذ ذاك. لكن الإنصاف يقتضينا أن نقر بأن الظروف المحيطة بنشأة هذه الجماعة لم تكن لتسمح لها بالظهور في غير الشكل الذي ظهرت فيه.
ـ أن اشتراك بديع الزمان مع آخرين في تأليف جمعية الاتحاد المحمدي ليس أكثر من رد فعل سرعان ما انفرطت فضلاً عن استعداء الاتحاديين (*) عليه وتركيزهم الكيد والتآمر للقضاء عليه وعلى دعوته.
ـ إن تخلي هذه الجماعة عن السياسة واتخاذ سعيد النورسي شعار أعوذ بالله من الشيطان والسياسة وذلك منذ عام 1921م قد ترك أثراً سلبياً على أتباعها إذ وقع بعضهم فريسة لأحزاب (*) علمانية.
ـ يؤخذ على الشيخ تخليه عن مساندة الشيخ سعيد الكردي الذي قام بثورة ضد مصطفى كمال أتاتورك سنة1925م واقفاً إلى جانب الخلافة (*)، وقد حدثت معارك رهيبة بينه وبين الكماليين في منطقة ديار بكر سقط فيها آلاف من المسلمين.
ـ ويأتي هذا الموقف انطلاقًا من فكره في وجوب جهاد (*) النفس أولاً ثم الدعوة إلى تنوير الأفكار، وقد نادت الجماعة بإصلاح القلوب وعدم الدخول في معارك داخلية مع المخالفين المسلمين سواء كانوا حكامًا أو محكومين والتزام طريق الدعوة السلمية، والتطور التدريجي، ولا يلجأ إلى الجهاد المسلح إلا ضد العدو الخارجي من الكفار والزنادقة.(/6)
ـ لدى بعض أفراد جماعة النور ـ مؤخراً ـ شعور بالانعزالية والاستعلاء وهذا أفقدهم القدرة على التغلغل بين طبقات الشعب المسلم لدعوته وتوعيته.
• تفرقت هذه الجماعة بعد موت المؤسس وانقسمت إلى ثلاثة أقسام رئيسية متنافرة:
• قسم التحق بحزب (*) السلامة.
• قسم التزم الحياد.
• وقسم ثالث عادى حزب السلامة (حزب الرفاه) متحالفاً مع حزب العدالة الذي يرأسه (ديميريل) ويملك هذا القسم كل وسائل الدعم والتأييد. وهناك محاولة واسعة لتخريب أفكار شبابه. ومن ذلك مجموعة يني آسيا جي لر مصدرو صحيفة يني آسيا التي اشتركت مع صحيفة أخرى اسمها يني نسل في التشهير بحزب السلامة (حزب الرفاه) وبزعيمه نجم الدين أربكان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ـ ليست جماعة النور إلا واحدة من الجماعات الإسلامية ؛ لكنها على العقيدة الماتريدية عقيدة تركيا والخلافة العثمانية.
ـ سلكت الجماعة طريق التربية وعملت على حفظ الإيمان في النفوس وعليه فإنها تُشَبه بالطرق الصوفية من بعض الوجوه.
ـ يطلق بعضهم على هذه الجماعة اسم المدرسة اليوسفية أي التي يتحمل أصحابها في سبيل عقيدتهم السجن والتعذيب دون أن يتصدوا للطغيان إلا بالحجة والمنطق والصبر والمصابرة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ـ بدأت جماعة النور في المنطقة الكردية شرقي الأناضول وامتدت إلى أرض روم واسبارطة وما حولها ثم انتقلت إلى استانبول.
ـ وصلت هذه الدعوة إلى كل الأراضي التركية واكتسحت كل التنظيمات القائمة على أرضها آنذاك.
ـ بلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص، يقضي أحدهم عمره في استنساخ رسائل النور وتوزيعها، وكانت الفتيات نشيطات في ذلك كثيراً.
ـ لهذه الجماعة أتباع وأنصار في كل من الباكستان والهند. وكذلك لها نشاط في أمريكا يتمثل في الطلاب الأتراك من أتباع هذه المدرسة.
--------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:(/7)
ـ بديع الزمان (نظرة عامة عن حياته وآثاره) مصطفى ذكي عاشور.
ـ النورسي (حياته وبعض آثاره )، د. محمد سعيد رمضان البوطي.
ـ جوانب غير معروفة من حياة سعيد النورسي، الأستاذ نجم الدين شاهين.
ـ الموسوعة الحركية "جزءان" فتحي يكن، دار البشير، عمان، الأردن، 1403هـ/1983م
ـ العلمانية وآثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا، عبد الكريم مشهداني ـ منشورات المكتبة الدولية بالرياض ـ مكتبة الخافين بدمشق ـ ط1 ـ 1403 هـ /1983م.
ـ الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا، مصطفى محمد، طبع في ألمانيا الغربية، ط1 ،1404هـ/1984م.
ـ المثنوي العربي النوري، للنورسي، ترجمة د. محمد عبد السلام كفافي مع الشرح والدراسة، المكتبة العصرية، بيروت، 1966م.
ـ مقال عن بديع الزمان النورسي، مجلة الأمة، بقلم د. عماد الدين خليل، عدد ذي الحجة 1405هـ .
ـ الرجل الصنم كمال أتاتورك، تأليف ضابط تركي سابق، ترجمة عبد الله عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، الشركة المتحدة، ط2، 1398هـ/1978م.
ـ قام الشيخ سعيد بتأليف أكثر من (130) رسالة يعالج فيها مختلف المشكلات الدينية والروحية والنفسية والعقلية انطلاقاً من القرآن وتفسيره، وقد قام الأستاذ إحسان قاسم إصلاحي بترجمة عدد من هذه الرسائل إلى اللغة العربية منها:
1ـ قطوف أزاهير النور، مطبعة العاني، بغداد، 1983م.
2 ـ الحشر، دار الكتاب، بغداد، 1983م.
3 ـ الآية الكبرى، مطبعة العاني، بغداد، 1983م.
4 ـ الإنسان والإيمان، دار الاعتصام، القاهرة، 1983م.
5 ـ حقائق الإيمان، مطبعة العاني، بغداد، 1984م.
6 ـ زهرة النور، مطبعة العاني، بغداد، 1984م.
7 ـ الملائكة، مطبعة الزهراء، الموصل، 1984م.
8 ـ الشكر، مكتبة القدس، بغداد، 1984م.
9 ـ الشيوخ، مكتبة الزهراء، الموصل، 1984م.
10 ـ الإيمان وتكامل الإنسان، مكتبة القدس، بغداد، 1984م.
11 ـ وللشيخ سعيد النورسي كذلك:(/8)
1 ـ إشارات الإعجاز في مظان المجاز ( وهو أول مؤلف له باللغة العربية ).
2 ـ الصيقل الإسلامي.
3 ـ التفكير الإيماني.
4 ـ ذو الفقار.
5 ـ رائد الشباب.
6 ـ الخطبة الشامية.
7ـ الخطوات الست (يتحدث فيه عن مؤامرات الإنجليز ودسائسهم، وقد أسهم هذا الكتاب في إشعال الثورة ضد الإنجليز مما عجل بطردهم).
فرق ومذاهب
مذاهب وفرق
الملل والنحل
مواقع اسلامية(/9)
حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه
** تأليف/ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله **
المقدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
أما بعد:
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك؛ حيث برر البدعة في مقالته المنشورة في جريدة (الندوة) (عدد:1112) الصادر في (7/4/1383هـ) بأمور:
أحدها: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين.
الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة.
الثالث: قول عمر بن الخطاب في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه).
الرابع: قول عمر بن عبد العزيز: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور).
الخامس: دعوى الكاتب: أن في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة العربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتى بها هذا الشخص أولاً، وبيان حكم المولد ثانياً.
فنقول وبالله التوفيق:
أما دعوى الشنقيطي: أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي- وإن كان بدعة- فقد تلقته الأمة بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته؛ لأمور:
أحدها: أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة، فمقتضى كلام الشنقيطي: أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على ضلالة.(/1)
الثاني: أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم، كما بينه الشاطبي في (الاعتصام) نقلاً عن بعض مشايخه، ثم قال: "ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول: لو كان هذا منكراً لما فعله الناس"، ثم قال: "وما أشبه هذه المسألة بما حُكي عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله ابن إسحاق الجعفري قال: كان عبد الله بن الحسن- يعني: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم- يكثر الجلوس إلى ربيعة، فتذاكروا يوماً، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا، فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أفهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم): "من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها، بناءً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها، فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة". قال: "ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم!) قال: (وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك، بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم، مع ما أتوه من العلم والإيمان، فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة، أو من قيدته العامة، أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم، ولا يعدون من أولي الأمر، ولا يصلحون للشورى، ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة، أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين".(/2)
ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة -وهي دعوى الإجماع على العادات المخالفة للسنة- ليس طريقة أهل العلم؛ لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين، وذكر أن الاستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم والإيمان، ثم قال: "والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاقتضاء): "ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها".
وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع ممن لم يحكم أصول العلم؛ فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً، وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك ويستنكر تركه.
وذكر الشاطبي في (الاعتصام): أن منشأ الاحتجاج بعمل الناس في تحسين البدع الظن بأعمال المتأخرين وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك، والوقوف مع الرجال دون التحري للحق.
الأمر الثالث: ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال بالمولد على المحرمات، وبيان أن ما لم يحتو على المحرمات منه بدعة.
وأما تقسيم الشنقيطي البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة، وتمثيله للبدعة الواجبة بنقط حروف القرآن وتشكيلها، وبناء مدارس العلم.(/3)
فالجواب عنه: أن هذا التقسيم في غاية المناقضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: {أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة}، وفي رواية النسائي: {وكل ضلالة في النار}، وروى أصحاب السنن عن العرباض بن سارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة}.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاقتضاء): "لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية، وهي قوله: {كل بدعة ضلالة} بسلب عمومها، وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل"، وقال: "إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة، فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم"، وذكر شيخ الإسلام: أن تخصيص عموم النهي عن البدع بغير دليل من كتاب أو سنة أو إجماع لا يقبل، فالواجب التمسك بالعموم.
وقال الشاطبي في (الاعتصام) في رد تقسيم البدعة إلى أحكام الشرع الخمسة: "أن هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي"، قال:(هو- أي: هذا التقسيم- في نفسه متدافع؛ فإن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك من الشرع ما يدل على وجوب أو ندب أو إباحة؛ لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها.
فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها، جمع بين متناقضين.(/4)
أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلم من جهة كونها بدعاً لا من جهةٍ أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم إلا الكراهية والتحريم".
وممن تعقب تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة العلامة زروق في (شرح رسالة القيرواني)، قال بعد ذكر هذا التقسيم: "قال المحققون: إنما تدور- أي البدعة- بين محرم ومكروه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وكلام العلماء في رد هذا التقسيم كثير".
وأما التمثيل بنقط المصحف وتشكيله وبناء المدارس للبدعة الواجبة، فليس بمسلم؛ لأن ما ذكر ليس من البدعة في الدين، فإن نقط المصحف وتشكيله إنما هما لصيانة القرآن من اللحن والتحريف، وهذا واجب شرعاً.
وأما بناء المدارس للعلم فيقول الشاطبي في (الاعتصام) رداً على التمثيل به للبدعة ما نصه:
"أما المدارس فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله: بدعة؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا في المساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان؛ من مسجد، أو منزل، أو سفر، أو حضر، أو غير ذلك، حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة؛ فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلاً من منازله، أو حائطاً من حوائطه، أو غير ذلك، فأين مدخل البدعة ههنا؟!
وإن قيل: إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره، فالتخصيص هنا ليس بتخصيص تعبدي، وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة".
وأما استدلال الشنقيطي على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه) فاستدلال ليس في محله، فإن عمر لم يقصد بذلك تحسين البدعة في الدين.(/5)
قال الشاطبي في (الاعتصام): "إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أن هذه بدعة من حيث المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي"، قال: "وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم):
أما قول عمر: (نعمت البدعة هذه)، فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه؛ لقالوا: قول الصاحب ليس بحجةٍ، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ومن اعتقد قول الصاحب حجة؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث. فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب".
ثم قال: "ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية؛ فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي".
ثم قال: "فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعلٍ، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقاً، ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه، فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ".
قال: "وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل بدعةٍ ضلالة} لم يرد به كل عمل مبتدأ؛ فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل؛ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم".(/6)
قال: "وإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا: {إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}، فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحدٍ، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة -وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمامٍ واحدٍ مع الإسراج- عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعةً؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعةً شرعيةً؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وسلم، فانتفى المعارض).
وقال شيخ الإسلام أيضاً في (الاقتضاء): "أما صلاة التراويح فليست بدعةً في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فإنه قال: (إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه)، ولا صلاتها جماعةً بدعة؛ بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثاً. وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات، وقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح. رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد.
وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقاً، وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم و يقرهم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم).(/7)
وأما استدلال الشنقيطي على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" يقصد الشنقيطي بذلك: القياس، أي: فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور.
فقد أجاب الإمام الشاطبي في (الاعتصام) عن هذا الاستدلال بأمور:
أولها: أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع، وهو من باب فساد الاعتبار.
الثاني: أن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي.
الثالث: أن هذا الكلام على فرض ثبوته عن عمر بن عبد العزيز، لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه؛ لأن كلام عمر إنما هو في معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم؛ كتضمين الصناع، أو الظنة في توجيه الأيمان دون مجرد الدعاوى، فيقول: إن الأولين توجهت عليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة والفضيلة، فلما حدثت أضدادها اختلف المناط، فوجب اختلاف الحكم، وهو حكم رادع أهل الباطل عن باطلهم، فأثر هذا المعنى ظاهر مناسب، بخلاف ما نحن فيه فإنه على الضد من ذلك، ألا ترى أن الناس إذا وقع فيهم الفتور عن الفرائض فضلاً عن النوافل- وهي ما هي من القلة والسهولة- فما ظنك بهم إذا زيد عليهم أشياء أخرى يرغبون فيها ويحضون على استعمالها، فلا شك أن الوظائف تتكاثر حتى تؤدي إلى أعظم من الكسل الأول، وإلى ترك الجميع، فإن حدث للعامل بالبدعة هو في بدعته أو لمن شايعه فيها، فلا بد من كسله عما هو أولى.. قال: فصارت هذه الزيادة عائدة على ما هو أولى منها بالإبطال أو الإخلال، وقد مر أنه ما من بدعة تحدث إلا ويموت من السنة ما هو خير منها.(/8)
الرابع: أن هذا القياس مخالف لأصل شرعي، وهو طلب النبي صلى الله عليه وسلم السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد، فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن، هي تشديد بلا شك، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام -على فرض ثبوته عنه- فتح السبيل إلى إحداث البدع".
وقال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي المالكي في (شرح رسالة القيرواني) في معنى: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور"، قال: "معناه: ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص"، وقال: "قال التقي السبكي في الكتاب الذي ألفه في شأن رافضي جاهر بلعنة أبي بكر الصديق، وقال فيه: عدو الله، فقتله القاضي المالكي، قال في هذه الكلمة بعدما عزاها إلى مالك بن أنس بلفظ: "يحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من الفجور":
"لا نقول: إن الأحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصورة الحادثة، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً، على هذا حمل التقي السبكي هذه الكلمة، وذكر أنها منطبقة على قضية الرافضي؛ لكون صورتها مجموعة من إظهار سب الصديق في ملأ من الناس، ومجاهرته وإصراره عليه، وإعلاء البدعة وغمض السنة، ونقل السيوطي هذا التأويل عن السبكي في (الحاوي).
ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين، وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعدما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: "يا أيها الناس! إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع".(/9)
وأما دعوى الشنقيطي: أن عدم احتفال المملكة السعودية بالمولد النبوي يعرضها إلى أن تُنسب من قبل الدول الأخرى إلى تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وازدرائه، حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل لمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه؛ فهذا من عندياته، وذلك لأمور:
أحدها: أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، مع علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة، فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقوله: "سبحانك هذا بهتان عظيم".
وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب (دلائل الخيرات) بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن، ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة.(/10)
الثاني: أن القائل بأن تارك الاحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله عليه وسلم، إن أراد بقوله هذا أن ذلك اعتقاد التارك، فقد كذب وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي صلى الله عليه وسلم عما يستحقه شرعاً، فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة، وما عليه القرون المشهود لها بالخير، فنحاكم كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح، وإلا فنحن مستمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل بدعة ضلالة}، وبما روى أبو داود في سننه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: {كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً}، ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.(/11)
الثالث: أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه: ((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ))]الانشراح:4[، فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات، وفي التشهد والصلاة عليه، وفي قراءة الحديث، واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه (ذكرى المولد النبوي) قال: "إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم- أي البشر- في أمر الدين أو الدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية؛ حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع؛ لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ" اهـ.(/12)
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء، صار أي: النبي صلى الله عليه وسلم ملحقاً بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل.
حكم المولد:
قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول ويسمى باسم: المولد إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى): "أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار- فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها".
وقال في (الاقتضاء): (إن هذا -أي اتخاذ المولد عيداً- لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه"، وقال: "ولو كان هذا خيراً محضاً، أو راجحاً؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص".(/13)
وقال ابن الحاج في (المدخل): "فإن خلا -أي المولد- منه- أي من السماع وتوابعه - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره؛ فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى؛ بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم، وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد، كما قال الشيخ أبو طالب المكي- رحمه الله- في كتابه. وقد جاء في الخبر: (لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً)، وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام بسبب ما تقدم ذكره وما يأتي بعد؛ لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة، ومن لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون!) اهـ.
وقال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ(الفاكهاني) في رسالته في المولد المسماة بـ(المورد في عمل المولد): "لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.
وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون -فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت.
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً".(/14)
ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه: هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام، قال: "فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة" اهـ.
ويرى ابن الحاج أن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بصحيح البخاري، وعبارته: "وبعضهم- أي: المشتغلين بعمل المولد- يتورع عن هذا- أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات، وفيها البركة العظيمة والخير الكثير؛ لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها؟!"
هذا ما بينه المحققون في هذا النوع من المولد.
وقد حاول السيوطي في رسالته (حسن المقصد في عمل المولد) الرد على ما نقلناه عن الفاكهاني، لكنه لم يأت بشيء يقوى على معارضة ما ذكره الفاكهاني؛ فإنه عارضه بأن الاحتفال بالمولد النبوي إنما أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً، وهذا ليس بحجة؛ فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان بنصوص الأحاديث، فلا يمكننا أن نعارض الأحاديث المحذرة من الابتداع في الدين بعمل أبي سعيد كوكبري بن أبي الحسن علي بن بكتكين، الذي أحدث الاحتفال بالمولد في القرن السادس، وعدالته لا توجب عصمته.
وقد ذكر ابن خلكان أنه يحب السماع، وأما ابن دحية فلا يخفى كلام العلماء فيه، وقد اتهموه بوضع حديث في قصر صلاة المغرب كما في تاريخ ابن كثير.(/15)
وأما القسم الثاني من عمل المولد: وهو المحتوي على المحرمات، فهذا قد منعه العلماء وبسطوا القول فيه، وإليك بعض عباراتهم في ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له: "فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق".
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد: "الثاني –أي: من نوعي عمل المولد- أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه؛ لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل، من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذا النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: ((إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)) ]الفجر:14[.
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يَحِلُّ ذلك بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون! بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ. ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:
قد عرف المنكر واستنكر الـ ـمعروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدةٍ وصار أهل الجهل في رتبة
حادوا عن الحق فما للذي ساروا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى والدين لما اشتدتِ الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت نوبتكم في زمن الغربة(/16)
قال الفاكهاني: "ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب. هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ربيع الأول- هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول".
وقال الشيخ أبو الحسن ابن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي في كتابه (المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا) في ترجمة القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد السلام المنستيري: "إن الأمير أبا يحيى استحضره مع الجملة من صدور الفقهاء للمبيت بدار الخلافة والمثول بين يديه ليلة الميلاد الشريف النبوي، إذ كان قد أراد إقامة رسمه على العادة الغريبة من الاحتفال في الأطعمة وتزيين المحل بحضور الأشراف، وتخير القوالين للأشعار المقرونة بالأصوات المطربة، فحين كمل المقصود من المطلوب، وقعد السلطان على أريكة ملكه ينظر في ترتيبه، والناس على منازلهم بين قاعد وقائم، هز المسمع طاره، وأخذ يهنؤهم بألحانه، وتبعه صاحب يراعه كعادته من مساعدته، تزحزح القاضي أبو عبد الله عن مكانه، وأشار بالسلام على الأمير، وخرج من المجلس، وتبعه الفقهاء بجملتهم إلى مسجد القصر فناموا به، فظن السلطان أنهم خرجوا لقضاء حاجتهم، فأمر أحد وزرائه بتفقدهم والقيام بخدمتهم إلى عودتهم، وأعلم الوزير- الموجه لما ذكر- القاضي بالغرض المأمور به، فقال له: أصلحك الله! هذه الليلة المباركة التي وجب شكر الله عليها، وجمعنا السلطان-أبقاه الله- من أجلها، لو شهدها نبينا المولد فيها صلوات الله وسلامه عليه لم يأذن لنا في الاجتماع على ما نحن فيه من مسامحة بعضنا لبعض في اللهو، ورفع قناع الحياء بمحضر القاضي والفقهاء، وقد وقع الاتفاق من العلماء على أن المجاهرة بالذنب محظورة، إلا أن تمس إليها حاجة؛ كالإقرار بما يوجب الحد أو الكفارة، فليسلم لنا الأمير- أصلحه الله- في القعود بمسجده(/17)
هذا إلى الصباح، وإن كنا في مطالب أُخر من تبعات رياء ودسائس أنفس وضروب غرور، لكنا كما شاء الله في مقام الاقتداء، لطف الله بنا أجمعين بفضله. فعاد عند ذلك الوزير المرسل للخدمة الموصوفة إلى الأمير أبي يحيى وأعلمه بالقصة، فأقام يسيراً وقام من مجلسه، وأرسل إلى القاضي من ناب عنه في شكره وشكر أصحابه، ولم يعد إلى مثل ذلك العمل بعد، وصار في كل ليلة يأمر في صبيحة الليلة المباركة بتفريق طعام على الضعفاء، وإرفاق الفقراء؛ شكراً لله". انتهى كلام النباهي.
وقد ذكر ابن الحاج في (المدخل) مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد في زمانه- فكيف بزماننا هذا! ما يلي:
1- استعمال الأغاني وآلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك.
قال ابن الحاج: "مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات"، وذكر ابن الحاج قول القائل:
يا عصبةً ما ضر أمة أحمد وسعى إلى إفسادها إلا هي
طار ومزمار ونغمة شادنٍ أرأيت قط عبادة بملاهي
2- قلة احترام كتاب الله عز وجل، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به قصدهم الأغاني.(/18)
قال ابن الحاج: "ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه؛ لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو"، وقال: "وهذا غير مقتضى ما وصف الله تعالى به أهل الخشية من أهل الإيمان؛ لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم؛ لقوله تعالى في مدحهم: ((وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)) ]المائدة:83[، فوصف الله تعالى من سمع كلامه بما ذكر، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك، فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب! يعملون أعمال الشيطان، ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تعبد وخير".
قال: "ويا ليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس، ولكن قد عمت البلوى، فتجد بعض من ينسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله، وكذلك بعض من ينتسب إلى المشيخة -أعني في تربية المريدين- وكل هؤلاء داخلون فيما ذكر، ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين؟!).
3- الافتتان بالمردان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً نظيف الصورة، حسن الكسوة الهيئة، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم، بل يخطبونهم للحضور، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه، وحضوره فتنة، سيما وهم يأتون إلى ذلك شبه العروس، لكن العروس أقل فتنة؛ لأنها ساكنة حيية، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب يتخذون ذلك بين أثوابهم، ويتكسرون مع ذلك في مشيهم إذ ذاك، وكلامهم ورقصهم، ويتعانقون، فتأخذهم إذ ذاك أحوال النفوس الرديئة، من العشق والاشتياق إلى التمتع بما يرونه من الشبان، ويتمكن منهم الشيطان، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء، وينسد عليهم باب الخير سداً.(/19)
قال ابن الحاج: "وبعض النسوة يعاين ذلك على ما قد علم من نظرهن من السطوح والطاقات وغير ذلك؛ فيرينه وسمعنه وهن أرق قلوباً وأقل عقولاً فتقع الفتنة في الفريقين".
هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل في احتفال الرجال بالمولد.
ثم ذكر من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي:
1- افتتان الرجال بالنساء؛ لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات والسطوح، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن، وتصفيقهن بالأكف، وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى.
2- افتتانهن في الاعتقاد؛ وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد إلا ومعهن شيخه تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر؛ لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم، والحق من الكذب، فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات، ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.
3- خروج النساء إلى المقابر، وارتكاب أنواع المحرمات هناك من الاختلاط وغيره، ويذكر ابن الحاج: أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر قال: "إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها وكفي الناس أمرها"، قال: "فبسبب ما هناك من البنيان والمساكن؛ وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع".
4- فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية؛ فإنهم- أي: أهل زمانه- ضموا لأيام المولد النبوي الثلاثة يوم الإثنين لزيارة الحسين، وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة، فالتزمن الزيارة في تلك الأيام لما يقصدن من أغراض الله أعلم بها. قال ابن الحاج: "ولو حكي هذا عن الرجال لكان فيه شناعة وقبح، فكيف به في النساء؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!"
هذا ما ذكره ابن الحاج في (المدخل) من مفاسد الاحتفالات بالمولد في زمانه بالنسبة لمن يقصدون المولد، ثم قسم الذين يعملون المولد في ذلك الزمن لا لقصد المولد إلى خمسة أقسام:(/20)
أحدها: من له فضة عند الناس متفرقة قد أعطاها لهم في بعض الأفراح والمواسم، فيعمل المولد ليستردها، قال ابن الحاج: "فهذا قد اتصف بصفة النفاق، وهو أنه يظهر خلاف ما يبطن، إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة، وباطنه أنه يجمع به فضته".
الثاني: من يتظاهر من ذوي الأموال بأنه من الفقراء المساكين، فيعمل المولد لتزيد دنياه بمساعدة الناس له، فيزداد هذا فساداً على المفاسد المتقدم ذكرها، ويطلب مع ذلك ثناء الناس عليه بما ليس فيه.
الثالث: من يخاف الناس من لسانه وشره وهو من ذوي الأموال، فيعمل المولد ليأخذ من الناس الذين يعطونه تقية على أنفسهم وأعراضهم، قال ابن الحاج: "فيزداد من الحطام بسبب ما فيه من الخصال المذمومة شرعاً، وهذا أمر خطر؛ لأنه زاد على الأول أنه ممن يخاف من شره، فهو معدود بفعله من الظلمة".
الرابع: من يعمل المولد وهو ضعيف الحال ليتسع حاله.
الخامس: من له من الفقراء لسان يخاف منه ويتقى لأجله، فيعمل المولد حتى يحصل له من الدنيا ممن يخشاه ويتقيه، حتى إنه لو تعذر عن حضور المولد الذي يفعله أحد معارفه لحل به من الضرر ما يتشوش به، وقد يؤول ذلك إلى العداوة أو الوقوع في حقه في محافل بعض ولاة الأمور؛ قاصداً بذلك حط رتبته بالوقيعة فيه أو نقص ماله.. إلى غير ذلك مما يقصده من لا يتوقف على مراعاة الشرع الشريف.
قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد:
"هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنه".(/21)
وذكر ابن الحاج: أن سكوت من سكت من العلماء على إنكار ما ذكر ليس بدليل؛ لأن الناس كانوا يقتدون أولاً بالعلماء، فصار الأمر بعد ذلك بالعكس، وهو: أن من لا علم عنده يرتكب ما لا ينبغي، فيأتي العالم فيقتدي به في ذلك، قال: "فعمت الفتنة، واستحكمت هذه البلية، فلا تجد في الغالب من يتكلم في ذلك، ولا من يعين على زواله أو يشير إلى أن ذلك مكروه أو محرم" اهـ.
وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الحديثية): أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور لو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر أن ما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك؛ للقاعدة المشهورة المقررة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. قال: "فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر، وفطم جميع أنواع الشر، حيث قال: {إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}، فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قلَّ لا يرخص في شيء منه، والخير يكتفى منه بما تيسر.
هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي، ولم يخل عصر من العصور المتقدمة منذ أُحدث من عالم يبين الحق فيه، ولم يزل المتبصرون من أهل العلم في وقتنا هذا ينكرون ما يقع في تلك الأيام من البدع والمحرمات.
* * * * *
الرد على من يقول: إن شيخ الإسلام ابن تيمية
يرى جواز الاحتفال بالمولد النبوي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:(/22)
فقد نشرت جريدة (الندوة) في العدد الصادر يوم السبت (16/4/1382هـ) للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنوان:(هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي)، مضمون ذلك المقال: أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي، واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1- قول شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط) في بحث المولد: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد".
يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام -يقصد هذه العبارة- صريح في جواز عمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم الخالي من منكرات تخالطه.
2- قول شيخ الإسلام في (الاقتضاء) أيضاً: "إذا رأيت من يفعل هذا -أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه".
يقول الشنقيطي: "من الجدير بالذكر ما أشار إليه شيخ الإسلام أن مرتكب البدعة لا ينهى عنها إذا كان نهيه عنها يحمله إلى ما هو شر منها، ومن المعلوم عند العموم: أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصاً ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى على مسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة".
3- دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه كتاب (الصارم المسلول).
هذا ما ذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.(/23)
والحق أنه إنما أُتي من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته، وفي نوع ما وقع فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الاستغاثة): "الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم، لم يكن على المتكلم بذلك باس، ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم"، وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية.
وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:
أما قول شيخ الإسلام: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم"، فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل -أي: الاحتفال بالمولد- يستقبح من المؤمن المسدد، ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها، وفي أول بحث المولد في (اقتضاء الصراط المستقيم) قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم (ص:294، 295): "والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان".(/24)
فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية قصده، لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا.
ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً، فقال في (ص:295، 296): "أكثر هؤلاء تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكبير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها".
وقال شيخ الإسلام في (الاقتضاء ص:317): "من كانت له نية صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع".
وصرح في (ص:290) بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً أو مجتهداً على حسن قصده، لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها.
كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلي به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: "وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه، والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب".(/25)
أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلام: (فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده..." إلخ، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه، يعني أن حسن نية هذا الشخص- ولو كان عمله غير مشروع- خير من إعراضه عن الدين بالكلية.
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد: تصريحاته في كتبه الأُخر بمنعه، يقول في (الفتاوى الكبرى): "أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها".
وقال في بعض فتاواه: "فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك، واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق".
وأما قول شيخ الإسلام: "إذا رأيت من يعمل هذا -أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه".(/26)
فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد ما دام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر ما يترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً عن تلك المحاولة، من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد، وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ومن ضمن بحثه في ذلك قوله: "ومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور؛ لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عابدة- مع حسن إيمانه وصدقه- وتعصب لكل منهما قبيلته حتى كادت أن تكون فتنة".
ومن هذا يُعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي. وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه، لا تصلح جواباً لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.(/27)
كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل، قال تعالى: ((وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)) [الإسراء:81]، وليس النهي عن الاحتفال بالمولد من ناحية قراءة السيرة، بل من ناحية اعتقاد ما ليس مشروعاً مشروعاً، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يقم دليل على التقرب به إليه، ومن أكبر دليل على عدم اعتبار ما ذكره الشنقيطي: أن المواضع التي تقام فيها الاحتفالات بالموالد ما حالت بينها وبين الاستماع لأغاني أم كلثوم، وما عطف عليها، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من أن لا تقرأ في السنة إلا في أيام الموالد.
وأما دعوى الشنقيطي فتح شيخ الإسلام ابن تيمية باب الابتداع فيما يتعلق بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، فكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تدل أوضح دلالة على بطلانها، فقد قرر فيها أن كيفية التعظيم لا بد من التقيد فيها بالشرع، وأنه ليس كل تعظيم مشروعاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن السجود تعظيم، ومع ذلك لا يجوز لغير الله، وكذلك جميع التعظيمات التي هي من خصائص الألوهية لا يجوز تعظيم الرسول بها، كما قرر في غير موضع من كتبه أن الأعمال المضادة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن قصد فاعلها التعظيم، فهي غير مشروعة؛ لقوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران:31]، ويستدل كثيراً بما جاء في النصوص من النهي عن الإطراء، وكلامه في ذلك كثير لا يحتاج إلى الإطالة بذكره ما دامت المراجع بحمد لله موجودة، هذا على سبيل العموم.(/28)
أما ما يخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيداً بدعوى التعظيم، فقد تقدم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، قال: "ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان" اهـ.
وتمثيل الشنقيطي بـ(الصارم المسلول) لدعواه فتح شيخ الإسلام ابن تيمية لباب الابتداع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، إنما نشأ من عدم تدبر كلام شيخ الإسلام في مقدمته، فإنه قد بين فيها أن مضمون الكتاب (الصارم المسلول) بيان الحكم الشرعي الموجب لعقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر بياناً مقروناً بالأدلة، ومن نظر إلى الأدلة التي سردها شيخ الإسلام في هذا الكتاب من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ تبين له أنه دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحماية لجنابه من التعرض له بما لا يليق به، وهذا لا صلة له بالابتداع.
هذا وليت الشنقيطي فكر في تعذر الجمع بين الأمور التي استدل بها على تبرير الاحتفال بالمولد، فإن كون الشيء الواحد مشروعاً ومنكراً بدعة في آن واحد لا يتصور، لكن من تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب!
هذا ما لزم بيانه وبالله التوفيق(/29)
حول طريقة ذكر الله عند الصوفية
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
س1 : لماذا يهتم الصوفيون بذكر الله فقط دون ذكر صفات الله؟
س2 : لماذا لا يقوم المسلمون بذكر الله فقط ويقومون بذكر الله من خلال كلمة التوحيد وصفات الله؟
س3 : الصوفيون يقولون : إن اسم الله يحمل قيمة أكبر ولكن المسلمون يقولون : بل لا إله إلا الله تحمل القيمة الكبرى .
ج : قد دلت الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة عن النبي أن أفضل الكلام كلمة التوحيد : وهي لا إله إلا الله ، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وقال عليه الصلاة والسلام : أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
وقد ذكر الله في كتابه العظيم هذه الكلمة في مواضع كثيرة ؛ منها : قوله سبحانه : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وقوله عز وجل : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ والمشروع للمسلمين جميعا أن يذكروا الله بهذا اللفظ : لا إله إلا الله ، ويضاف إلى ذلك : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله - كل هذا من الكلام الطيب المشروع .
أما قول الصوفية : ( الله الله ) ، أو ( هو هو ) ، فهذا من البدع ، ولا يجوز التقيد بذلك . لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فصار بدعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقوله عليه الصلاة والسلام : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق عليه .(/2)
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فهو رد أي فهو مردود ، ولا يجوز العمل به ولا يقبل . فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتعبدوا بشيء لم يشرعه الله ؛ للأحاديث المذكورة . وما جاء في معناها ؛ لقول الله سبحانه منكرا على المشركين : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وفق الله الجميع لما يرضيه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
http://www.binbaz.org.sa/display.asp?f=Bz01635.htm
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
هل يجب على الإنسان أن يسلك طريقة معينة من طرق الصوفية
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
المقدم
الرسالة التالية من الجمهورية العراقية، الموصل، وباعثها أحد الأخوة من هناك يقول : فؤاد محمد علي الرملة، أخونا يسأل ويقول : سؤالي عن بعض الطرق الصوفية التي تنتشر في بلادنا، ويقول العلماء يجب على كل مسلم أن يسلك طريقة صوفية معينة، وإلا فهو على ضلالة من أمره ويقولون من ذاق عرف ومن لم يذق انحرف، أي من ذاق الإيمان عن طريق الصوفية، وكما يوجد رجل يقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسميه الشيخ عبد العزيز لا أدري هل من المصلحة تسميته، نعم، فلان النقشبندي، وطريقته تسمى النقشبندية، ومنتشرة بشكل واسع في بلادنا، ويقول العلماء من لم يسلك هذه الطريقة فهو خاسر، وكما ينكرون أكثر أقوال علماء السلف الصالح وخاصة في العقيدة، أفيدونا مأجورين، جزاكم الله خير الجزاء، وآسف لطول السؤال هذا من كلامه هو؟
الشيخ
الواجب على كل مسلم أن يسلك طريق نبينا محمد( صلى الله عليه وسلم) الذي درج عليه أصحابه رضي الله عنهم، ثم سلف الأمة من التابعين وأتباعهم من الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، هذا هو الواجب.(/2)
أما الطرق التي أحدثها الناس ويسمونها الطرق الصوفية، هذه لا يجب سلوكها، ولا يجوز سلوكها، ولا يلزم أحداً سلوكها، لا نقشبندية ولا قادرية ولا تيجانية، ولا خلوتية، ولا شالية ولا غير ذلك، جميع الطرق لا يجب سلوك شيء منها، لأنها محدثة. ما أشار الصحابة قبلها على ما عليه رسول الله( صلى الله عليه وسلم) قبل أن تحدث هذه الطرق، وهكذا من بعدهم من أئمة السلف إذا كانوا خاسرين لأنهم ما سلكوها تركوها، كانوا ناجحين وكانوا سعداء، وكانوا هم على الحق والطريق القويم وعلى صراط الله المستقيم. فأنت يا عبد الله قدم نفسك معهم، وأنت كأنك موجود قبل هذه الطريقة فهل يضرك عدم وجود هذه الطريقة هذه مما أحدثها الناس، والنبي( صلى الله عليه وسلم) قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود وقال عليه السلام من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد .(/3)
فلا يلزمك أن تسلك الطريقة النقشبندية أو التيجانية أو القادرية أو الشاذلية أو البراهنية أو نحو ذلك، عليك أن تسلك طريق محمد عليه الصلاة والسلام، طريقة هذه الأمة بأن تعبد الله وحده، وتستقيم على دينه، وتحافظ على الصلوات الخمس، وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام مع الاستطاعة تبر والديك، تصل أرحامك، تحفظ وجهك عما حرم الله، تحفظ جوارحكم عما حرم الله ، تجتهد في ذكر الله وطاعته، والتقرب إليه بجميع أنواع الطاعات من صلاة النافلة، وصوم النافلة، والصدقات، والإكثار من ذكر الله والاستغفار ولا تلتفت إلى هذه الطرق التي أحدثها الناس، وتنصح إخوانك أن يتجنبوها، ما كان فيها من خير وافق شرع الله يؤخذ، وما كان فيها من شيء جديد يترك، يقول مالك رحمه الله - ابن أنس إمام دار الهجرة في زمانه يقول "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" وهكذا قال العلماء جميعهم مثل قوله، لا صلاح هذه الأمة إلا بما صلح به الصحابة ومن بعدهم إلا بالسير على طريق محمد( صلى الله عليه وسلم)، والتمسك بصراط الله المستقيم الذي قال فيه جلا وعلا وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيل ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون وقال عز وجل في سورة الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم هذا هو الصراط المستقيم، هو دين الله هو الإسلام، هو ما جاء به الرسول( صلى الله عليه وسلم) من الأعمال والأقوال، هو الصراط المستقيم ، وهو صراط من أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهم أهل العلم والعمل ، لمن عرفوا دين الله وعملوا به هذا هو الصراط المستقيم أن تعرف دين الله، وأن تفقه في دين الله من القرآن والسنة، وأن تعمل بذلك، على النهج والطريق الذي سلكه رسول الله( صلى الله عليه وسلم) وسلكه أصحابه رضي الله عنهم وأتباعه، وإياك أن تترك ذلك من أجل قول الشيخ فلان أو الشيخ فلان أو الشيخ فلان، ويقول من لا شيخ(/4)
له فالشيطان إمامه أو شيخه، كل هذا باطل ، لكن أهل العلم يستعان بكلامهم ويستفاد من كلامهم في تفسير القرآن في السنة بيان الأحكام، لكن لا تقدم آرائهم المخالفة لشرع الله على ما قاله الله ورسوله. لكن قول العلماء المعروفين بالسنة والاستقامة هؤلاء يستفاد بكلامهم، وينظر في كتبهم سواء كانت من كتب الشافعية، أو الحنفية أو المالكية، أو الحنابلية أو الظاهرية، أو كتب أهل الحديث الموثقة المتقدمين، كل هؤلاء يستفاد من كتبهم وينظر فيها، ويستعان بها على فهم كلام الله، وعلى فهم كلام رسوله( صلى الله عليه وسلم)، ويدعا لهم، ويترحم عليهم لفضلهم وعلمهم، لكن لا يجوز لأحد أن يقول الطريقة التي أحدثها فلان أو فلان هي الطريقة المنجية وما عداها فهو خطاء، لا. الواجب عليك أن تتبع طريقة رسول الله( صلى الله عليه وسلم) ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ستختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة وهي الجماعة التي صارت على نهج النبي( صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية الترمذي: يا رسول الله : من؟ قال : من كان على ما أنا عليه وأصحابي الذين ينجون عند الصراط وعند التغير هم الذين سلكوا مسلك النبي( صلى الله عليه وسلم)، وصاروا على نهجه واتبعوا صحابته بما كانوا عليه، هؤلاء هم الناجون، فعليك بلزوم هذا الطريق، لزوم طريق أصحاب النبي( صلى الله عليه وسلم)، وأتباعهم من أئمة الإسلام كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الإسلام، وأن تكون على طريقهم الطيب، وأما ما اختلف فيه الناس أو تنازع فيه الناس من بعض المسائل، فإنه يرد إلى كتاب الله، وإلى سُنة رسوله محمد( صلى الله عليه وسلم)، فما وافق كتاب ربنا أو سنة نبينا وجب الأخذ به والسير عليه، وفي كلام أهل العلم ما يعينك على ذلك إذا نظرت فيه وتأملته، دلك الله عليه. نعم.
http://www.binbaz.org.sa/RecDisplay.asp?f=n-03-1408-0200003.htm
أرباب الطريقة(/5)
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/6)
د- أحمد حجازي السقا يُعلن توبته من تأويل الأشاعرة وهدايته لمعتقد أهل السنة والجماعة
هداية التوفيق من الله ، يهدي من يشاء ..
وممن هداه الله ووفقه أحد الأزهريين الدكتور أحمد حجازي السقا المصري حيث كان على معتقد الأشاعرة ، فهداه الله عن التأويل إلى التسليم .. وإثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تجسيم .. وهذا هو القول السليم ..
لقد كان الدكتور قبل هدايته عدواُ لدوداً لأهل السنة والجماعة .. ومتعصباً لمعتقد الأشاعرة .. ساخراً بأئمة السنة كابن تيمية .. ولكن الله يهدي من يشاء ..
يقول الدكتور:
( كنت ... ضد المذهب السلفي في العقيدة لدرجة أنني سخرت من الشيخ ابن تيمية في تعصبه له في كتابي (الله وصفاته في اليهودية والنصرانية والإسلام) .. وكنت ضد المذهب السلفي لأن جمهور المسلمين ضده ، الشيعة والمعتزلة والخوارج وطائفة من أهل السنة تلقب "بالخلف" تميزاً لها عن "السلف" كل هؤلاء ضد المذهب السلفي.
وذات ليلة كنت جالساً أتأمل في السماء وما فيها من عجائب فأدى ذلك التأمل إلى البحث في ذات الله وصفاته ، وهداني الله -عز وجل- إلى أن المذهب السلفي في ذات الله وصفاته هو الحق المبين ، وسوف إن شاء الله أُفرد بحثاً خاصاً في كتاب)
[ الخوارج الحروريون ومقارنة مبادئهم بمبادئ الفرق الإسلامية ص77]
قصة مؤثرة .. التأمل في الكون يدل على صفات الخالق .. وإن ما أخبرنا به من طريق الوحي حق .. يجب الإيمان به من غير تحريف ولا تأويل ولا تمثيل ولا تشبيه ..(/2)
ونحن نرجو الله أن يتقبل توبة الدكتور .. وإني اسأل الاخوة للدكتور ربع قرن قد وعد بكتابة كتابٍ لتبيان اعتقاده الصحيح على وفق معتقد أهل السنة والجماعة ولا أعلم هل طبع .. ولعل من يعرف الدكتور أو كتاب له جديد يخبرني بذلك ..
وبعد عودة الدكتور للحق فقد أثبت شهادته الحقيقية لعلماء المملكة العربية السعودية فيقول:
( وأنا أشهد أن علماء الدين في المملكة العربية السعودية على تقوى من الله وروضوان .. أنهم يخشون الله ويخشونه ويعملون على إرضائه دائماً ويراقبون في السر والعلانية)
ثم يبكي ويرثي حال العلماء في أقطار العالم فيقول:
( وليت علماء الدين في العالم كعلماء الدين في السعودية ، إذاً تصلح الحياة الدنيا )
[ الخوارج الحروريون ومقارنة مبادئهم بمبادئ الفرق الإسلامية ص81]
أعدها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
دَاعِيَةُ ضَلَالَةٍ فَي قَنَاةٍ فَضَائِيَةٍ
الحمد لله وبعد ؛
قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [ البقرة : 204] .
قال القرطبي : وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : نَزَلَتْ فِي كُلّ مُبْطِن كُفْرًا أَوْ نِفَاقًا أَوْ كَذِبًا أَوْ إِضْرَارًا , وَهُوَ يُظْهِر بِلِسَانِهِ خِلَاف ذَلِكَ , فَهِيَ عَامَّة .ا.هـ.
و عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : جَاءَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا . رواه البخاري (5146) ، ومسلم (869) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في : فتح المجيد " ( ص 406) : هذا من التشبيه البليغ ، لكون ذلك يعمل عمل السحر ، فيجعل الحق في قالب الباطل ، والبطل في قالب الحق . فيستميل به قلوب الجهال ، حتى يقبلوا البطل وينكروا الحق ، ونسأل الله الثبات والاستقامة على الهدى .ا.هـ.
قال الشاعر :
تقول : هذا مُجاج النحل ، تمدحه **** وإن تشأ قلت : ذا قيء الزنابير
مدحا وذما وما جاوزت وصفهما **** والحق قد يعتريه سوء تعبير
بعد هذه المقدمة ، كنت في حوار مع زميل في العمل ، وهو رجل عامي ، وقد سألني عن رجل يدعى على الجفري ، يظهر في إحدى القنوات الفضائية ذكر لي اسمها ونسيتُ ، وأنا ولله الحمد والمنة لا يوجد في بيتي تلفزيون ، وهذا من باب التحدث بنعمة الله علي ، ثم بدأ يصف لي هذا الضال بأوصاف عجيبة ، وأن أسلوبه جميل ومقنع ومؤثر ، وقال أنه من شدة إعجابه به ذهب إلى التسجيلات الإسلامية يسأل عن أشرطته فلم يجد له أي أشرطة ... ولكم التعليق .(/1)
وبما أن هذا الضال بدأ يؤثر في عقول الناس بهذه الطريقة ، وجب علينا أهل السنة والجماعة التحذير منه ، وبيان ما عند الرجل من عقيدة فاسدة من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم .
فماذا فعلنا لبيان خطره ؟
وبما أن الرجل يُلبسُ على العامة من متابعي القنوات الفضائية ، ويزين الباطل ويجعله حقا ، كان لا بد من بيان ما لدى الرجل من غلو في النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال تسجيل صوتي له لكي تكون الأمة على حذر منه .
وداعية الضلالة علي الجفري له موقع في الإنترنت ينشر من خلاله أفكاره الضالة ، وانحرافاته المشينة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولولا خشية عمل الداعية لموقعه لوضعت الرابط .
فمن عنده علم بضلالات الرجل فليطرح ما عنده هنا وجزاه الله خيرا ، ولنحذر الأمة من خطر دعاةٍ على أبواب جهنم ، نسأل الله السلامة والعافية .
المقاطع الصوتية والكلام الذي معها منقولة بتصرف من كلام أبي معاذ السلفي sasb@ayna.com
1 – استمع إليه وهو يقول أن القاعدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، ويمكن أن يغيث أيضاً بجسده، كما أن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g1.ra
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g2.ra
2 – استمع له وهو يقول أنه لا يستغرب خروج روح الولي الميت لكي تنفع بإذن الله من يستغيث بها.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3.ra
3 – استمع له وهو يقول أن الأساس أن الأولياء الأموات يغيثون بارواحهم من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4.ra
4 – استمع له وهو يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون!! وأن عندهم إذن مسبق في التصرف في الكون!! وأنه بإمكانهم بإذن الله الرزق والإحياء والإماتة !!(/2)
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5.ra
5 – استمع له وهو يصرح بأنه يمكن للولي الميت أن يدعو للحي ، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله. أن يوجد – أي يخلق – الولي طفل من غير أب . وأن مسألة خلق الطفل من غير أب مسألة خلافية بين العلماء – أي الصوفية - . وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة التي يتنعم فيها ليغيث من استغاث به.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6.ra
6 – استمع له وهو يصرح أن العلماء عنده اختلفوا في مسألة إمكانية أن يخلق الولي لطفل من غير أب ، وأن السبب الذي جعل من يقول بإمتناع ذلك هو التحرز على الأنساب !! حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنى فتدعي أن أحد الأولياء خلق هذا الطفل في بطنها ، وإلا في الأصل هم متفقون على ذلك – أي على إمكانية أن يخلق الولي طفل من غير أب - !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7.ra
7 – استمع له وهو يصرح بإمكانية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بعين البصيرة وأن هناك من الأولياء من يجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم يقظة !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9.ra
8 – استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية" حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية ، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10.ra
وفي الختام أقول قد يتعجب البعض من كلام الجفري السابق ولكن لو علم من هم مشايخ الجفري الذين تتلمذ عليهم لزال عنه العجب!(/3)
فالجفري قد صرح في بعض اللقاءات الصحفية معه أنه تتلمذ على يد عبد القادر السقاف وهو رجل من كبار الصوفية في هذا العصر، وهو يعيش في جدة ! وكي تعلم مدى ضلال هذا الرجل فاستمع له وهو يستغيث ببعض الأموات الذين قام بزيارتهم في اليمن قبل عدة سنوات :
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g12.ra
ومن مشايخ الجفري الذين صرح بالأخذ عنهم داعية الشرك والخرافة محمد بن علوي المالكي .
وفي الختام لا تنسونا من دعوة صالحة في ظهر الغيب .
للفائدة : http://www.saaid.net/mktarat/Maoled/29.htm
رابط الموضوع
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
zugailam@islamway.net
الصفحة الرئيسة(/4)
دور الصوفية في إفسادِ عقائدِ كثير من المسلمين
إن خطورة (الفكر الصوفي) لا تكمن في كونهِ انحرافاً عقدياً –فحسب- وإنما خطورتهُ تكمنُ في تغلغلهِ المخيف،وانتشارهِ الواسع،في كثير من مجتمعاتِ المسلمين،وبدخولهِ حصلَ اختلال عظيم واضطراب جسيم،في معظم عقائد المسلمين وأفكارهم وتصوراتهم،حتى أصبح الدين في نظر السوادِ الأعظمِ من المسلمين هو ما عليه المتصوفة اليوم.
وبالمثالِ يتضح المقال،فإليكَ شيئاً من ذلك على سبيل الإجمال:
· لا يخفى أن العقيدة الإسلامية تؤكد: أن الله –جلت قدرتهُ- هو خالق المخلوقات من العدم،لا من ذاتهِ سبحانه،وأن المخلوقات غير الخالق.وبهذا نزل القرآن الكريم،وبينته السنة النبوية.
وجاءت الصوفية ...
· وتؤكد العقيدة الإسلامية: على أن الله –سبحانهُ وتعالى- فوق السماوات مستو على العرش،وذلك بنصوص –لا تخفى- من القرآن والسنة.
وجاءت الصوفية ...
فحولت أتباعها إلى عقيدة وثنية تؤمن أن كلَّ ما نراه وما نحسبه هو الله،أو هو جزء منه –سبحانه وتعالى عما يشركون-،ومن تأويلهم لهذه العقيدة قولهم المنتشر على ألسنتهم: (إن الله في كل مكان) ،وقولهم بتكفير من يقول بالجهة،ويعنون بالجهة (العلو) !!
· وتقرر العقيدة الإسلامية: أن النبوة فل من الله يؤتيه من يشاء من عباده.
وجاءت الصوفية ...
فحولت أتباعها عن هذه العقيدة إلى عقيدة وثنية:أن النبوة نتيجة لممارسة الرياضة الإشراقية،حتى قال ابن سبعين:لقد ضيَّق ابن آمنة واسعاً عندما قال:لا نبي بعدي!!
· وتقرر العقيدة الإسلامية: أن محمداً،ومثلهُ جميع الأنبياء –صلوات الله عليهم أجمعين- هم بشر مثل سائر البشر،ولكن الله اصطفاهم،وفضلهم عندما اختارهم،فالله أعلم بحيث يجعل رسالته.
وجاءت الصوفية ...(/1)
فحولت أتباعها عن هذه العقيدة إلى عقيدة وثنية.تجعل محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم المُجلي الأعظم للذاتِ الإلهية،منه تنبثق المخلوقات،وتعود إليه في حركة مستمرة (النور المحمدي)،وأطلقت عليه أسماء وصفات،هي من أسماء الله سبحانه وصفاته.
· وللعقيدة الإسلامية في الإسلام: مصدران فقط،لا ثالث لهما:القرآن والسنة.
وجاءت الصوفية ...
فجعلت للعقائد مصدرا ثالثاً،هو الكشف والفيض،وجعلوهما –عملياً- المصدر الأساس للعقائد،وأنكروا ذلك نظرياً.أما القرآن والسنة،فما وافق الكشف قرروه،وما خالفهُ أولوه،ليتفق مع الكشف!!وقد صرحَ بذلك حجتهم الغزالي في كتابهِ: (أحياء علوم الدين) [انظر مثلاً:1/31،3/21،3/25] وكلهم بدون استثناء يقدسون الغزالي و(وإحياءه)،وهذا الكتاب وغيره كثير من كتب الصوفية المنحرفة،تدرّس في معظم مساجدِ المسلمين وينشأ عليها كثير من شباب المسلمين،حتى صاروا يعتقدون أنها قمة الإسلام،وقمة العلم،وقمة التقوى،وسبيل النجاة،بينما هي –في الحقيقة- فيها الكثير من الخرافة التي جاء الإسلام ليحاربها ويهدمها.
· والعقيدة الإسلامية جاءت: لتحارب الشرك والأوثان،كعبادة الشيوخ والأولياء،والاستغاثة بالقبور والأموات،وتقديس الأضرحة،والعتبات،والقبب،وسائر أنواع الشرك.
وجاءت الصوفية …
فجعلت هذه الأضرحة وما شابهها،عبادات يتقربون بها إلى الله!! [انظر:الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ،محمود القاسم،ص818-822]
· والعقيدة الإسلامية قررت: أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى: {قل لا يعلم الغيب من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}
وجاءت الصوفية …
فأوحت لأتباعها،أن مشايخ الطرق يلمون الغيب،عن طريق (الكشف)،وأنهم ورثوا مفاتيح الغيب عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وهذه العقيدة مبثوثة في كتبهم،وهي أشهر من أن تذكر.
وغير ذلك مما لا أستطيع جمعهُ في مثل هذا البحث الوجيز.(/2)
ولنا عودة مع بحث التوحيد للشيخ عبدالعزيز الحسيني وفق الله وسدد خطاه.
نقله أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
دور الصوفية في الجهاد!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فقد رأيت بعض كتاب هذه الساحة قد ادعى أن للصوفية دوراً في الجهاد في تاريخ الأمة ، وأيدهم بعض من جمع الشر كله ولم يترك بدعة إلا تبناها ودافع عنها.
وادعاء أن للصوفية دوراً في جهاد الكفار مما يوزن بالكذب ويكال بالدجل، والصوفية فما نشروا إلا بدعاً وخرافات، ولنستمع إلى شهادات الأئمة والعلماء، ومنهم مَن قطع معهم شوطاً كبيراً ثم منَّ الله عليه بالهداية.
أ. قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل(1) رحمه الله: ويزعمون أنَّ الصوفيَّةَ جاهدتْ حتى نشرتْ الإسلام في بقاع كثيرة ولقد علمتَ ما دين الصوفية؟ ! فما نشروا إلا أساطير حمقاء، وخرافات بلهاء، وبدعاً بلقاء شوهاء، ما نشروا إلا وثنيَّةً تؤلِّه الحجر، وتعبد الرمم، ما نشروا دينهم إلا في حماية الغاصب المستعمر، وطوع هوى الغاصب المستعمر. فعدوُّ الإسلام يوقن تماماً أنَّ البدع هي الوسيلة التي تصل إلى الهدف دائماً، لكي يقضوا على الإسلام وأهله، فَعَلَها قديما ويفعلها حديثا. اقرأوا تاريخكم إن كنتم تمترون، أروني صوفيّاً واحداً قاتل في سبيل الله؟ أروني صوفيّاً واحداً جالد الاستعمار أو كافحه أو دعا إلى ذلك؟ إنَّ كل من نُسب إليهم مكافحة المستعمر - وهم قلة - لم يكافحوه إلا حين تخلى عنهم، فلم يطعمهم السحت من يديه ولم يُبح لهم جمع الفتات من تحت قدميه، وإلا حين قهرت فيهم عزة الوطنية ذلَّ الصوفية فقاتلوه حميَّةً لا لِدينٍ.
وقال أيضاً:
سقط بيت المقدس في يد الصليبيين عام (492ه). و"الغزالي "الزعيم الصوفي الكبير على قيد الحياة، فلم يحرك منه هذا الحادث الجلل شعوراً واحداً، ولم يجر قلمه بشيء عنه في كتبه. لقد عاش "الغزالي" بعد ذلك 13 عاماً - إذ مات (سنة 505ه) - فما ذرف دمعةً واحدةً ولا استنهض همة مسلم ليذود عن الكعبة الأولى. بينما سواه من الشعراء يقول:(/1)
أحلّ الكفرُ بالإسلام ضيْماً يطول عليه للدين نحيبُ
وكم من مسجدٍ جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليبُ
دم الخنزير فيه لهم خلوفٌ وتحريق المصاحف فيه طيبُ
أهزَّ هذا الصراخ الموجع زعامة الغزالي؟ كلا. إذ كان عاكفاً على كتبه يقرر فيها أنَّ الجمادات تخاطب الأولياء، ويتحدث عن "الصحو" و"المحو"، ودون أن يقاتل أو يدعو غيره إلى قتالٍ.
و"ابن عربي "و "ابن الفارض" الزعيمان الصوفيان الكبيران عاشا في عهد الحروب الصليبية، فلم نسمع عن واحدٍ منهما أنَّه شارك في قتال، أو دعا إلى قتالٍ، أو سجّل في شعره أو نثره آهة حسرى على الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كانا يقرران للنَّاس أنَّ الله هو عين كلِّ شيءٍ. فلْيدع المسلمون الصليبيين، فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور. هذا حال أكبر زعماء الصوفية، وموقفهم من أعداء الله، فهل كافحوا غاصباً أو طاغيا؟.
وقال أيضا:
ثم اقرؤوا ما كتب الزعيم "مصطفى كامل" في كتابه "المسألة الشرقية" [ ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسة " للقيروان: أنَّ رجلاً فرنساويًّا دخل في الإسلام، وسمّى نفسه "سيد أحمد الهادي" واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجةٍ عاليةٍ، وعُيِّن إماماً لمسجد كبيرٍ في "القيروان" فلما اقترب الجنود الفرنساوية من المدينة: استعدَّ أهلها للدفاع عنها، وجاءوا يسألونه أنْ يستشير لهم ضريح شيخٍ في المسجد! يعتقدون فيه. فدخل "سيدأحمد" الضريح، ثم خرج مهوِّلاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم بأنَّ الشيخ ينصحكم بالتسليم(2) لأنَّ وقوع البلاد صار بحتاً، فاتبع القوم البسطاء قوله، ولم يدافعوا عن "القيروان" أقل دفاع بل دخلها الفرنساويون آمنين] أ. ه.(/2)
وحين أغار الفرنجة على "المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري، اجتمع زعماء الصوفية، أتدري لماذا؟ لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء. [ من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين يغدقون على الصوفية الجاه والمال. فربَّ مفوَّض سامٍ لم يكن يرضى أن يستقبل ذوي القيمة الحقيقية من وجوه البلاد، ثم تراه يسعى إلى زيارة "حلقة" من حلقات الذكر، ويقضي هنالك زيارة سياسية تستغرق الساعات. أليس التصوف الذي على هذا الشكل يقتل عناصر المقاومة في الأمم](3) أ. ه.
ثم إنَّ كل من نَسبت إليهم الصوفية أنهم جاهدوا في سبيل الله وعملوا على نشر الإسلام ليسوا صوفيين، وإنما حشرتهم الصوفية في زمرتها زوراً وبهتاناً وأستاذها في ذلك: "الشيعة" أ. ه. "هذه هي الصوفية" (ص170-172).
ب. وقال الشيخ "محمد أحمد لوح "حفظه الله: أما عقيدة وحدة الوجود التي نادى بها هؤلاء المتصوفة: فتهدف إلى إلغاء الأحكام -(أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين)- تحت مظلة وحدة الأديان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - عند بيان المراتب الصوفية - " وأما المرتبة الثالثة: أنْ لا يشهد طاعةً ولا معصيةً، فإنَّه يرى أنَّ الوجودَ واحدٌ، وعندهم أنَّ هذا غاية التحقيق والولاية لله، فإنَّ صاحب هذا المشهد يتخذ اليهود النصارى وسائر الكفار أولياء... أ. ه. (4)
وهذا هو الواقع، فإنَّ الصوفي كلما تقدم به تصوفه وازداد غلوا فيه:، قلَّت غيرته الدينية. فالشيخ "عبدالرحمن الصباغ" الذي ضاق ذرعاً بالعيش في صعيد مصر لكثرة مَن به مِن اليهود والنصارى قال في أخريات حياته "إنه ليودُّ معانقة اليهود والنصارى كما يعانق أحد أبناء الإسلام"(5) .(/3)
وبالغلو في الفكر الصوفي يصل المرء إلى حدٍّ لا يغضب لله بلْه الغيرة لدينه، كما يقرر "ابن عربي" في قوله " ومَن اتسع في علم التوحيد ولم يلزم الأدب الشرعي فلم يغضب لله ولا لنفسه... فإن التوحيد يمنعه من الغضب، لأنه في نظره ما ثمَّ من يغضب عليه لأحدية العين عنده في جميع الأفعال المنسوبة إلى العالم، إذ لو كان عنده مغضوبٌ عليه لم يكن توحيدٌ، فإنَّ موجب الغضب إنما هو الفعل، ولا فاعل إلا الله". (6)
ويبدو أن الصوفية قَضَوْا على مجاهدة الكفار بالسيف بواسطة بثِّ هذا الفكر، كما أماتوا الغيرة الدينية والانتصار للحق. فيقرر "التيجاني" أنَّ "الأصل في كل ذرة في الكون أنَّها مرتبة للحق سبحانه وتعالى، ويتجلى فيها بما شاء من أفعاله وأحكامه، والخلق كلهم مظاهر أحكامه وكمالات ألوهيته... ويستوى في هذا الميدان: الحيوان والجمادات والآدمي وغيره، ولا فرق بين الآدمي وبين المؤمن والكافر فإنهما مستويان في هذا البساط. ويكون على هذا، الأصل في الكافر التعظيم لأنه مرتبة من مراتب الحق... ولا يكون هذا إلا لمن عرف وحدة الوجود"(7).
فأنت ترى أنه أقرَّ أن من عرف وحدة الوجود: اعتقد أن تعظيم الكفار لا بد منه لكونهم مرتبة من مراتب الحق. أما إهانتهم وإذلالهم فلا تعدو أن تكون أحكاماً طارئة، والتعويل إنما هو على الأصل لا على ما طرأ.
وقال - (أي: التيجاني) - في رسالة إلى أهل فارس " وسلِّموا للعامة وولاة الأمر ما أقامهم الله فيه من غير تعرض لمنافرة أو تبعيض أو تنكير، فإن الله هو الذي أقام خلقه فيما أراد، ولا قدرة لأحدٍ أن يخرج الخلق عمَّا أقامهم الله فيه"(8) .(/4)
ولا ريب أنَّ هذا الفكر يهدف إلى القضاء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة لكل أحد، ومحو الجهاد باللسان قبل الجهاد بالسنان. وإلى مثل هؤلاء الناس أشار ابن تيمية حين قال "وهذا يقوله كثير من شيوخ هؤلاء الحلولية، حتى إن أحدهم إذا أمر بقتال العدو يقول: "أُقاتلُ الله؟ ما أقدر أن أقاتل الله"، ونحو هذا الكلام الذي سمعناه من شيوخهم وبينا فساده لهم وضلالهم"(9) .
ومِن هنا انتقد كثيرٌ مِن الباحثين "أبا حامد الغزالي" لسكوته عن غزو الصليبيين للمسلمين رغم معايشته إياه، فلم يذكرهم بشيء في كتاباته الكثيرة، فضلاً عن أنْ يشارك في انتفاضة(10) المسلمين وجهادهم ضدهم. فيقول الدكتور الأعسم " وهو يعني: سكوته عنهم - أمر يدعونا إلى نظر عميق في أنَّ الغزالي لا بد كان قد استبطن عقيدة حطّمت أمامه كل الفروق الدينية أو العنصرية، أو أنه فشل في أن يظل مكافحاً من أجل الدين، وإلا فما هو سببُ إهماله لذكر الصليبيين وأنَّهم أخطر على الإسلام من الباطنية والفلاسفة؟ فكل مؤلفات الغزالي التي ثبتت له خالية من الإشارة إلى الصليبيين"(11). أ. ه "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (1/568-570) للشيخ "محمد أحمد لوح".
ج. ولما تحدى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله طائفة "الرفاعية" "الأحمدية" أمام نائب السلطنة (سنة 705ه) قال شيخ المنيبع "الشيخ صالح " منهم: نحن أحوالنا إنما تنفق عند التتر ليست تنفق عند الشرع! .
قال ابن كثير رحمه الله: فضبط الحاضرون عليه تلك الكلمة، وكثر الإنكار عليهم من كل أحد ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الأطواق الحديد من رقابهم، وأن مَن خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه. أ. ه "البداية والنهاية" (14/38).
تنبيه : هذا الفصل مستل - وإن كره ذلك بعضهم- من كتابي "كتاب تربية الأولاد في الإسلام لـ"عبدالله علوان" في ميزان النقد العلمي".
------------------------(/5)
(1) وقد كان من كبار أهل التصوف ثم هداه الله، فصار من أئمة السلفيين في مصر، وكان وكيلاً لجماعة أنصار السنة هناك، فرحمه الله.
(2) والتاريخ يعيد نفسه، فلما جاء "السادات " من "صلح الخزي" مع يهود استقبله شيوخ الطرق الصوفية في "مصر" في المطار، وكان عدد مندوبي "الطرق" 72 مندوبا! ، فوقف الشيخ "محمد جميل غازي" رحمه الله على المنبر، وقال "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال "وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" فاثنتان وسبعون في "المطار" وواحدة في "القاهرة "! .
(3) "عمر فرُّوخ" في كتابه "التصوف في الإسلام".
(4) " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص93-94).
(5) "الصوفية في الإسلام" (ص87).
(6) "الفتوحات المكية " (5/270).
(7) "جواهر المعاني" (2/91-92).
(8)"جواهر المعاني" (2/165-166).
(9)"مجموعة الرسائل والمسائل" (1/110/111).
(10) وقد عدَّ الشيخ "بكر أبو زيد" هذا اللفظ من الألفاظ المولّدة الدخيلة وقال " لا ينتفض إلا العليل كالمهموم والرعديد" أ. هـ "معجم المناهي اللفظية " (ص 86).
(11) "الفيلسوف الغزالي" (ص26-27).
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أبو طارق(/6)
رأي أ.د. عُمر الأشقر في المنهج الصوفي
ومن المناهج المخالفة للمنهج الإسلامي المنهج الصوفي الذي يُغْرِقُ في التَّعبد، ويَسْتَحدِثُ أنماطاً من العبادات لم يشرعها الله تبارك وتعالى.
وقد نهى رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم عن هذا المنهج في سنن أبي داود عن أنس بن مالك أنَّ رسول اله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تُشَدِّوُا على أنفسكم فُيشدَّدَ عليكم، فإنَّ قوما شَدَّدُوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم" (1) .
وقد قوَّم الرسول صلى الله عليه وسلم توجه كثير من أصحابه الذين أرادوا قيام الليل كله، وصيام الدهر أبدا، أو أرادوا الانقطاع إلى العبادة واعتزال النساء أو تحريم اللحم، وبين لهم أنَّ ذلك كلَّه مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم، وأن مَنْ رَغَب عن سنته فليس منه (2) .
المصدر: نحو ثقافة إسلامية أصيلة ص 94-95 - أ.د. عُمرسليمان الأشقر
______________________________
(1) سنن أبي دواد: 4/ 380، ورقمه : 4904/ طبعة المكتبة التجارية الكبرى.
(2) أنظر هذه الأحاديث في مشكاة المصابيح:1/51 .
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/2)
رابعة العدوية و التصوف
شيخنا الفاضل ، يقول البعض أن رابعة العدوية كانت صوفية ...
ومن أدعيتها .....
إلهي .. أنا فقيرة إليك .. سوف أتحمل كل ألم و لكن عذابا أشد من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكك أوصال الصبر في نفسي .. منشورة ريب في خلدي ...هل أنت راض عني............تلك هي غايتي
اللهم اجعل الجنة لأحبائك.....والنار لأعدائك ......أما أنا فحسبي أنت
اللهم إن كنت أعبدك خوفا من نارك فاحرقني بنار جهنم وإذا كنت أعبدك طمعا في جنته فاصرمنيها ....أما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك فلا تحرمني من رؤية وجهك الكريم
إلهي ...أنارت النجوم ونامت العيون و غفل الغافلون وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه ،،و هذا مقامي بين يديك..
إلهي..ما أصغيت إلى صوت حيوان ولا حفبف شجر ولا خرير ماء ولا ترنيم طير و لا تنعم ظل و لا دوي ريح ولا قعقعة رعد إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك على أنه ليس كمثلك شيء
إلهي ....بك تقرب المتقربون في الخلوات ، ولعظمتك سبحت الحيتان في البحار الزاخرات و لجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات .. أنت الذي سجد لك سواد الليل و ضوء النهار والفلك الدوار والبحر الزهار ، وكل شيء عندك بمقدار.....لأنك الله......العلي القهار
إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي
إلهي ..إن رزقي عندك وما ينقصني أحد شيئا ولا يسلبه مني إلا بقضائك ....والرزق منك....فاللهم أسألك الرضا بعد القضاء
إلهي ... هذا الليل قد أدبر .. والنهار قد أسفر ..فليت شعري .. هل قبلت مني ليلتي فأهنأ أم رددتها على فأعزى ، فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني...(/2)
اللهم إني أعوذ بك من كل ما يشغلني عنك .. ومن كل حائل يحول بيني وبينك....إلهي إن لم يكن بك غضب علي بلا أبالي
__________
وهناك الكثير من الدعاء حذفته و لا أستطيع أن أنشر مثله من تشبيه الله عز وجل بالملوك الآخرين ولكنه .... - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - أو مخاطبته سبحانه بـ - يا سيدي - !!!!
______
أفيدونا أفادكم الله .
أجاب فضيلة الشيخ عبدالرحمن السحيم
بارك الله فيك أختي الداعية
بالنسبة لـ " رابعة العدوية "
قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وأما ما ذُكر عن رابعة العدوية من قولها عن البيت : إنه الصنم المعبود في الأرض ، فهو كذب على رابعة ، ولو قال هذا من قاله لكان كافراً يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل ، وهو كذب فإن البيت لا يعبده المسلمون ، ولكن يعبدون رب البيت بالطواف به والصلاة إليه ، وكذلك ما نقل من قولها : و الله ما ولجه الله ولا خلا منه ، كلام باطل عليها . انتهى كلامه – رحمه الله – .
وقال الإمام الذهبي في السير :
قال أبو سعيد بن الأعرابي : أما رابعة فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة ، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها .
وهذا يؤكد على حقيقة كبرى طالما غفل عنها الشانئون
وهي أنه ليس بين أهل السنة وبين خصومهم عداوة حتى يتقوّلوا على هذا أو على ذاك .
بل ما قاله الخصم وثبت عنه رُد عليه وانتُقِد بسببه كما ردوا على ابن عربي الطائي الصوفي الحلولي الهالك .
و لكنهم التمسوا العذر لمثل رابعة التي لم يثبت هذا عنها .
كما أثنوا على الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وإن كانت الصوفية ألصقت فيه ما ليس له .
كما ألصقت الروافض بجعفر الصادق – رحمه الله – وقبله بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ألصقوا فيهم ما ليس لهم وما هم منه براء .(/3)
وعلى كُلٍّ : كل يؤخذ من قوله ويُردّ إلا محمد صلى الله عليه وسلم . كما قال الإمام مالك – رحمه الله – .
انتهى
------------------
قال أبو عمر المنهجي :
ومن أقطاب المرحلة الإنتقالية "ربما يكون عبدالواحد بن زيد ورابعة العدوية من أقطاب هذه المرحلة الإنتقالية،واستحدثت كلمة العشق للتعبير عن المحبة بين العبد والرب ويرددون أحاديث باطلة في ذلك مثل: (إذا كان الغالب على عبدي الإشتغال بي جعلت نعيمه وذكره ولذته في ذكري عشقني وعشقته!!!) .
وبدأ الكلام حول العبادة لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار،وإنما قصد الحب الإلهي،وهذا مخالف للآية الكريمة: {يدعوننا رغباً ورهباً} .
ومثل قول رابعة لرجلٍ رأته يضم صبياً من أهله ويقبله: "ما كنت أحسب أن في قلبك موضعاً فارغٌ لمحبة غيره تبارك اسمه!) [أنظر سير أعلام النبلاء 8/156] وهذا تعمقٌ وتكلف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقبل أولا ابنته ويحبهم". الصوفية 21-22.
قلتُ:
هل تأملت هذا الضلال!!! هو مرحلة من مراحل التخبط والإنحراف..
وعلقت على الأخير،فهل هي متفوقة على روسل الله عليه السلام بموقفها هذا؟؟!!!أعوذ بالله من ذلك!وللمعلومية فإن رابعة العدوية "تكلم فيها أبو داود السجستاني [صاحب السنن أحد الكتب الستة] واتهمها بالزندقة!! ،فلعله بلغه عنها أمر،توفيت بالقدس سنة 185هـ.انظر ابن كثير/البداية والنهاية 10/186.قال ابن تيمية:قال بعضهم مَنْ عَبَدَ الله بالحب وحده فهو زنديق،ومَنْ عَبَدَ الله بالخوف وحده فهو حروري،ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ،ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن.انظر الفتاوى 10/81" المصدر السابق.
قلتُ:
وهذا كلام من أبي داود يجب أن يتأمل!!!
وكلام شيخ الإسلام نفيس!!!وهو مطرقة في رأسِ أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم!!(/4)
وعد إلى كتاب د-محمد جميل غازي رحمه الله الصوفية والوجه الآخر الجولة الرابعة [يعني بالجولة الصحفية] رابعة العدوية الشخصية والأسطورة من ص46 إلى ص55 يقول الشيخ "لقد رووا عن رابعة نفسها: أن سفيان الثوري -على حد ما زعموا- سألها: (يا رابعة هل تكرهين الشيطان؟!! فقالت: ان حبي لله لم يترك في قلبي كراهية لأحد!!"
أعوذ بالله ولا الشيطان الذي أمرنا ببغضه هو وأوليائه؟!!
جمعها وأعدها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/5)
رجوع الباقلاني عن التأويل إلى مذهب السلف
أبو بكر الباقلاني .. هو محمد بن الطيب بن محمد البصري ثم البغدادي القاضي المشهور بالباقلاني. كان إماماً كبير القدر، غاية في النباهة والذكاء، حاضر الحجة، سريع البديهة.
ناظر النصارى والروافض والمعتزلة والخوارج فألجمهم .. وكان في ذلك آية ..
يَعُده عدد من أهل العلم بالمؤسس الثاني لمذهب الأشاعرة، وهو من متقدميهم.
قال الذهبي: (الإمام العلامة، أوحد المتكلمين ومقدم الأصوليين .. انتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه، كان سيفاً على المعتزلة والرافضة والمشبهة، وغالب قواعده على السنة)
ونظراً للبيئة التي عاش بها هذا الإمام فقد تأثره بأهل التأويل وعلم الكلام، وغرق معهم في بحر التأويل والتحريف، ولم يتمكن من التجديف، حتى وفقه الله لهداه.
فقد انتهى الباقلاني-بعد صراع مرير- إلى الرجوع عن التأويل إلى مذهب السلف، وأثبت صفة الوجه واليدين على الحقيقة وذلك في كتابه (التمهيد) الذي أحتج به ابن تيمية وابن القيم وأبطل أصناف التأويلات التي يستعملها المؤولة.
وقسم صفات الله إلى ذاتية وفعلية وذكر أن من الصفات الذاتية لله: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى.
وكذلك في كتابه (الإبانة) صرح بهذا ونقل جملة من كلامه شيخ الإسلام في (الفتوى الحموية الكبرى) ص508 ت-حمد التويجري حيث يقول:(/2)
( وقال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني المتكلم، وهو من أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده، قال في كتاب "الإبانة" تصنيفه:
" فإن قال: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟
قيل له: قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، وقله تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدي} فأثبت لنفسه وجهاً ويداً.
فإن قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذ كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟
قلنا: لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم نعقل حياً عالماً قادراً إلا جسماً أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه، وكما لا يجب في كل شيء، كان قائماً بذاته أن يكون جوهراً، لأنا لا نجد قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك، وكذلك الجواب لهم.
إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته عرضاً واعتلوا بالوجود.
قال: فإن قال: تقولون: إنه في كل مكان؟
قيل له: معاذ الله؛ بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال: {الرحمن على العرش استوى}، وقال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وقال: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور}.
قال: ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش، والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا، وقد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.
وقال أيضاً في هذا الكتاب: صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان والغضب والرضا"
وقال في كتاب "التمهيد" كلاماً أكثر من هذا .. )(/3)
هذا هو الباقلاني .. فأين من يعظمه ويقدمه .. أفلا أتبعت تجرده؟! وأتبعته في توبته؟!!
رحم الله أبا بكر .. ورفع منزلته في عليين.
فائدة:
ذكر ابن تيمية كلام الباقلاني في الحموية، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.
لكتاب الباقلاني (التمهيد) مخطوطتين:
مخطوطتين في اسطنبول وقامت إدراة الثقافة بجامعة الدول العربية بتصويرهما من مكتبة عاطف في اسطنبول تحت رقم (2223) .
وقد قام بتحقيقها الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة فجزاه الله خيراً.
أما كتاب (الإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة) فهو من كتب الباقلاني المشهورة، ولا يزل مفقوداً، وقد ذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك) 2/601، وشيخ الإسلام في (درء تعارض العقل والنقل) 3/382، 3/206، وفي (نقض التأسيس) 2/34، وابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية) ص303، وابن كثير في (البداية والنهاية) 11/350 باسم شرح الإبانة، والذهبي في العلو ص173، وأشار سزكين إلى هذا الكتاب ضمن مؤلفات الباقلاني 4/51.
نقلاً بتصرف عن موسوعة أهل السنة 1/445.
الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام تحقيق حمد التويجري
كتبه
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
رجوع الرازي عن التأويل
هو أبو عبدالله محمد بن عمر الطبرستاني الرازي المولد، الملقب فخر الدين المعروف بان الخطيب الفقيه الشافعي ..
والرازي من أشهر متكلمي الأشاعرة، وهو صاحب القاعدة الكلية التي انتصر فيها للعقل وقدَّمه على الأدلة الشرعية التي صرح بأنها لا تفيد اليقين ولا يجوز التمسك بها [راجع المطالب العالية 9/113-118] وهذا طعن بالله الذي أنزل هذه الأدلة وسماها برهاناً كما قال: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم} ويلزم منه عدم التيقن بالبعث والنشور الذي قرر الأشاعرة أنه يقتصر في التدليل عليها بالأدلة النقلية. فيلزم منه أن يصير الدين كله ظنياً لأن أسا الدين "قال الله وقال الرسول" والله نهى عن إتباع الظن.
شرط إعتزالي لقبول النصوص الشرعية:
وكان الرازي قد قرر أنه لا يصح الاعتماد على الأدلة اللفظية -أي الكتاب والسنة- وعدم إفادتها اليقين إلا بعشرة شروط: عصمة رواة مفردات تلك الألفاظ وإعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة، وعدم الإضمار، والتأخير، والتقديم، والنسخ، (وعدم المعارض العقلي) الذي لو كان لرجح عليه" [راجع محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين 71]
وهذا من أصول الإلحاد في الدين والتشكيك فيه، ومدخل للإلحاد وانعدام الثقة بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا شهد الحافظ ابن حجر على الرازي فقال: (له تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة، وكان يورد شبه الخصم بدقة ثم يورد مذهب أهل السنة على غاية من الوهاء) [لسان الميزان 4/426-429](/2)
وشروطه من باب تكثير المقدمات من غير حاجة، وهو كذب ظاهر فإن الصحابة والتابعين وأئمة الفقه والنحو والتفسير لم يطرحوا مثل هذه الشروط التعجيزية لقبول النصوص السمعية.
والذين {بالآخرة هم يوقنون} إنما استفادوا اليقين من الأدلة اللفظية فإن عقولهم لا تعرف شيئاً عن تفاصيل الآخرة ولا تهتدي إليه وهو ما اعترف المتكلمون به وصرحوا بأن أمور الآخرة والمعاد لا مدخل للعقل فيها.
لقد كان الرازي متفلسفاً يأخذ من قواعد الفلاسفة ويصبها في قالب المذهب الأشعري وكانت له شروح كتب الفلاسفة أهمها (شرح ابن سينا) و(المباحث الشرقية) وفي هذا الأخير 1/382-383 يوجه اللوم على من يشوه صورة الفلاسفة ولا يؤول كلامهم على أحسن المحامل! ولذا وصفه السنوسي في الكبرى بأنه مولعاً بآراء الفلاسفة [راجع شرح السنوسية الكبرى ص41].
غير أن الرازي قلَّتْ ثقته بالعقل الإنساني وأدرك عجزه فأوصى وصية تدل على أنه حسن اعتقاده فقال قبل موته: "لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروي غليلاً .. " [راجع فتح الباري 13/350 وإتحاف السادة المتقين للزبيدي 1/174]
ونجد عن السبكي تفاصيل هذه الوصية [راجع طبقات الشافعية 5/33] وفيها يظهر الندم على تعاطي علم الكلام عندما كان أشعرياً، ولم تكن توبته من الاعتزال .. فهل يجوز أن يظل بعض الناس مُصِرَّين على الاقتداء به في أصل الدين؟! متجاهلين وصيته؟!
وقد أبدى قلة ثقته بالعقل أثناء استعراض أقوال المعتزلة والأشاعرة حول مسألة التحسين والتقبيح العقليين قائلاً: "وأعلم أن هذه المذاهب ظهر في كل واحد منها من المدائح والقبائح، فعند هذا قال أصحاب الحيرة والدهشة:إن هذه الدلائل ما بلغت في الوضوح والقوة إلى حيث تزيل الشك وتملأ بقوتها ونورها: العقل. بل كل واحد منها يتوجه فيه نوع غموض" [راجع المطالب العالية 4/426]
وقد نظم بعض الأبيات في وصف حال أهل الكلام بعد أن تاب:(/3)
نهاية إقدام العقول عقال *** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
يقول الذهبي: (وفد بدت من تواليفه بلايا وعظائم، وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر)
وهكذا لما اعتمدوا العقل زادت شكوكهم، فنسأل الله أن يقبل توبته ويغفر لنا وله.
فائدة:
قد اعترف السبكي بتراجع الرازي عن منهج المتكلمين وذكر الحافظ أنه كتب وصية تدل على أنه حسن اعتقاده. ولكن النص كما عن السبكي مخالف لما ذكره الذهبي وابن كثير(قارن بين طبقات الشافعية 5/37 وبين البداية والنهاية 13/56 وسير أعلام النبلاء 21/501 فإن توبة الرازي وتراجعه عن أهل الكلام والمبتدعين إلى منهاج السلف لا يروق للسبكي وكيف لا والسبكي يعتبر الرازي والغزالي من مجددي الإسلام كما في طبقاته 1/202.
المرجع: موسوعة أهل السنة للشيخ دمشقية 1/446-447.
أعده
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
رسالة: عرض ونقد لما كتبه الدكتور محمد علوي المالكي حول الكوثري والدحلان
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الجامعة الإسلامية بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. اسم هز عروش أهل البدع .. فقد أنجبت هذه الجامعة عدداً كبيراً من العلماء الربانيين، والدعاة البارزين .. الذين رفعوا لواء السنة، وقمع البدعة ..
ولقد كنت أقلب الطرف كلما سنح لي الوقت بين دفتي أعداد مجلة الجامعة الإسلامية .. فأجد فيها منهلاً للعلم .. وشفاءً للسقم ..
ومن هذه الجولات حظيت بعددٍ من الرسائل والردود والمناقشات العلمية، التي دونت منذ ما يزيد على الربع قرن وحتى يومنا هذا .. فرأيت أن استخرج الدرر .. وأجمعها عقدها لأحبتي الأفاضل في هذا الموقع المبارك .. ومن ثم نشرها في غيره ..
ومن هذه الدرر .. رسالة العلامة محدث المدينة النبوية عبد القادر بن حبيب الله السندي .. علماً بأنه قد كتبها قبل أكثر من ثلاثين سنة، أي قبل أن تعرف شركيات هذا المالكي، وقبل أن ينشر شركياته على الأمة .. فليتأمل!
عرض ونقد لما كتبه الدكتور محمد علوي المالكي
حول الكوثري والدحلان
بقلم: الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي
خريج كلية الشريعة بالجامعة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد؛ فقد وقعت في يدي رسالة صغيرة بعنوان "إتحاف ذوي الهمم العلية برفع أسانيد والدي السنية" (للأستاذ الدكتور محمد حسن بن السيد علوي المالكي الحسني) المدرس بالمسجد الحرام، وبكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، وقد طبعت في عام 1387هـ 1967م بدمشق الشام، وهي عبارة عن تراجم الرجال الذين تتلمذ عليهم والده السيد علوي بن عباس رحمه الله تعالى، أو كانت له بهم صلة علمية، وقد بلغ عددهم أربعة وستين رجلا، ولم أعرف منهم إلا الاثنين وهما:(/1)
الشيخ محمد زاهد الكوثري.
الشيخ أحمد زيني دحلان.
وقد أثنى عليهما الدكتور محمد ثناء جميلا، ووصفهما بالأمانة في العلم والبصيرة، والنقد والتحرير والسعي المشكور في نشر العلم وغير ذلك من الأمور الطيبة، والواقع هو بالعكس كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فحررت هذه الملاحظات حول كتابته بيانا للحق، وأداء للأمانة العلمية، وتبرئة للذمة أمام الله جل وعلا مع احترامي للأخ الأستاذ محمد المالكي.
قال الأستاذ الدكتور محمد في حق الأستاذ الكوثري: "العلامة السيد محمد بن زاهد بن العلامة حسن الحلمي بن علي الكوثري المتوفى بمصر سنة 1371هـ المولود سنة1296هـ. المحدث الشهير، الإمام، الناقد، البصير، حجة لا يبارى في علم الرجال، بارع في الحديث ورجاله، ماهر في علم الكلام، أديب في النقاش والجدال، مجاهد بقلمه ولسانه في بلاده تركيا وفي مصر. مؤلفاته التي سار بها الركبان، وتحدث عنها الأعيان دليل عظيم واضح على علو كتب هذا الإمام، ورسوخ قدميه، وطول باعه في العلوم مع تحقيق وتدقيق وتحبير وتحرير، وله المقالات الكبرى، والمؤلفات العديدة رحمه الله رحمة واسعة" انتهى.
قلت: قال الله في كتابه الكريم في سورة البقرة مخاطبا اليهود عليهم لعائن الله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال أيضا جل وعلا في سورة آل عمران: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} والآيتان الأخريان أشار إليها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه في حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن فقال: "إن الناس يقولون: أكثر أبوهريرة، والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم تلا هاتين الآيتين" .(/2)
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} (البقرة:159) .
فأقول أنا أيضا: والله لولا هذه الآيات الكريمات والأخرى في معناها، وكذا الأحاديث النبوية في هذا المعنى لما تعرضت لما كتبه الدكتور محمد العلوي في رسالته آنفة الذكر. وهذه الآيات نص صريح في وجوب بيان العلم، وعدم كتمانه عن الناس، خصوصا في هذه الأمور التي يلتبس فيها الحق بالباطل. ولقد ترك الرجلان - أعني الكوثري والدحلان - من المؤلفات التي أشرتم إليها بقولكم "سار بها الركبان وتحدث عنها الأعيان" وفيها من الكفر والإلحاد والشر والطعن في أئمة السنة النبوية ما لا يعلم ضررها إلا الله جل وعلا على الأمة الإسلامية وعلى جميع الناس. أردت أن أقول كلمة الحق التي أعلمها في حق هذين الرجلين اللذين أطلقت عليهما من الأوصاف البراقة، وهما في بعد بمكان وأنت على كل حال مأجور إن شاء الله تعالى إن كنت لا تعلم عن حالهما وحقيقتهما، وأنا سوف أضع أمامك وأمام من لا يعلم حالهما هذه الحقائق العلمية الثابتة ناقلا عن كتبهما ومؤلفاتهما التي مجدتموها ثم الرد عليها بما يناسب. ثم أنت حري أخي الفاضل الكريم بما أنعم الله تعالى عليك من مكانة علمية في حرمة المقدس في الظاهر بالرجوع إلى الحق، أو تثبت لنا أنهما رجعا عن تلك العقيدة الفاسدة التي كانا عليها، ودعيا لها.(/3)
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في المقالات الكبرى التي أشرتم إليها في ترجمته قال: تحت عنوان "بدعة الصوتية حول القرآن" ثم قال: "والواقع أن القرآن في اللوح، وفي لسان جبريل عليه الصلاة والسلام، وفي لسان النبي صلى الله عليه وسلم وألسنة سائر التالين، وقلوبهم، وألواحهم، مخلوق حادث محدث ضرورة، ومن ينكر ذلك يكون مسفسطا ساقطا من مرتبة الخطاب" ثم قال بعد كلام طويل: "وبهذا نتبين شهادة ابن تيمية في حق العلماء، وليس عنده سوى ألفاظ مرصوصة، لا إفادة تحتها في بحوثه الشاذة كلها. وغير المفيد لا يعد كلاما ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث" .
قلت: حاصل كلام الكوثري أن هذا القرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين مهما كانت صفته فهو مخلوق عنده، وأنه لا يثق ببحوث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
فإذا كانت بحوث شيخ الإسلام عليه رحمة الله شاذة في نظره ولذا لا أحب أن أنقل له من كلامه شيئا من كتبه ومؤلفاته التي سوف يأتي الوصف الدقيق عنها فيما بعد إن شاء الله تعالى، وإنما سأنقل له شفاء لمرضه ومرض أتباعه عن مؤلفات الأئمة من السلف الذين مضت بينهم وبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله تعالى جميعا مئات السنين.(/4)
فمثلا هذا الإمام العلامة أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي المتوفى 280هـ والذي لا تخفى منزلته العلمية على أحد ممن ينتسب إلى العلم قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ، الإمام الحجة محدث هراة أو تلك البلاد، أخذ الحديث عن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية، وأكثر الترحال في طلب الحديث" يقول في كتابه البارع الفذ الرد على الجهمية باب الاحتجاج للقرآن أنه غير مخلوق ثم قال رحمه الله تعالى: "فمن ذلك ما أخبر الله تعالى في كتابه عن زعيم هؤلاء الأكبر وإمامهم الأكفر الذي ادعى أولا أنه مخلوق وهو الوحيد، واسمه الوليد بن المغيرة، فأخبر الله تعالى عن الكافر ودعواه، وردها ووعده بالنار أن ادعى أن قول الله قول البشر وقوله {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} (المدثر:25) وقول الجهمية هو مخلوق واحد لا فرق بينهما فبئس التابع وبئس المتبوع، وقال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (المدثر:11) إلى قوله: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (المدثر:22-26)"
يعني أنه ليس بقول البشر كما ادعى الوليد، ولكنه قول الله تعالى، ثم ساق الأحاديث بأسانيدها، وهي نص صريح على أن القرآن هو كلام الله تعالى تكلم به جل وعلا حقا وحقيقة، ثم قال رحمه الله تعالى: "فهذا ينبئك أنه نفس كلام الله تعالى، وأنه غير مخلوق، لأن الله لم يخلق كلاما إلا على لسان مخلوق، فلو كان القرآن مخلوقا كما يزعم هؤلاء المعطلون لكان إذا من كلام المخلوقين" .(/5)
وقال الحافظ الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في كتابه البارع العظيم شرح السنن المتوفى في بدينور سنة 418هـ تحت عنوان سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية لحفظها قرنا بعد قرن، ثم قال: "اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري رضي الله تعالى عنه"، ثم قال رحمه الله تعالى: "أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال حدثنا أبو الفضل شعيب بن محمد بن الراجيان . قال حدثنا علي بن حرب الموصلي بسر من رأى سنة سبع وخمسين ومائتين، قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: "قلت لأبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل، فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى، وسألني عنه فقال لي من أين أخذت هذا؟ قلت: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري وأخذته عنه، فأنجو أنا وتؤخذ أنت. فقال لي: يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد؟ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، من قال غير هذا فهو كافر، والإيمان قول وعمل ونية، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"؛ ثم ذكر بقية العقيد بتمامها . نقل الإمام العلامة الذهبي في تذكرة الحفاظ هذا الكلام بنصه في ترجمة سفيان بن سعيد الثوري ثم قال: "وهذا ثابت عن سفيان كما قال الحافظ اللالكائي في كتاب السنة" . وقال الإمام العلامة بقية السلف الصالح، إمام المحدثين في عصره الحافظ الجليل أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في كتابه الأسماء والصفات،: "باب ما روي عن الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين رضي الله تعالى عنهم أن القرآن كلام لله غير مخلوق، ثم ساق إسناده إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الله قال: "إن أبابكر رضي الله تعالى عنه قادل قوما من أهل مكة على أن الروم تغلب فارس، فغلبت الروم فارس فقرأها عليهم، فقالوا: كلامك(/6)
هذا! أم كلام صاحبك، فقال:ليس بكلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله عز وجل"، ثم قال الإمام البيهقي: "تابعه محمد بن يحيى الذهلي عن شريح ابن النعمان، إلا أنه قال: فقال رؤساء مشركي مكة: يا ابن أبي قحافة: هذا مما أتى به صاحبك؟ قال لا: ولكنه كلام الله وقوله"، ثم قال: "وهذا إسناد صحيح". وهكذا نقل الإمام البيهقي هذا المعنى بأسانيده عن جملة كبيرة من الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى، ثم قال: "وعن عامر بن شهر قال: كنت عند النجاشي فقرأ ابن له آية من الإنجيل فضحكت، فقال النجاشي: أتضحك من كلام الله عز وجل؟" وهكذا نقل بمثل هذه القصة عن خباب الأرث رضي الله تعالى عنه. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "إن القرآن كلام الله تعالى، فمن كذب على القرآن فإنما كذب على الله عز وجل". وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "قرآنا عربيا غير ذي عوج: قال: غير مخلوق" وقد أطال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى الكلام، وانتقل في هذا الباب عن أئمة السلف من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم رحمهم الله تعالى جميعا. وقال الإمام العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المصري الحنفي المتوفى سنة320هـ في عقيدته "إن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله تعالى وعابه، وواعده بالسقر، حيث قال جل وعلا: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}(المدثر:26) فلما أوعد بسقر لمن قال {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}(المدثر:25) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبهه قول البشر" وعقد الإمام أبو داوود السجستاني في كتابه السنن بابا مهما عظيما فقال: "باب في القرآن"، ثم ساق بأسانيده ستة أحاديث وهي نص صريح على أن القرآن غير مخلوق ثم قال الإمام أبو داوود في نهاية هذه(/7)
الأحاديث: "وهذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق" .
ولقد جاد وأفاد العلامة الشيخ شرف الحق شارح السنن في الكلام على هذه الأحاديث، وفند دعوى الجهمية وأبطلها. وهكذا صنع الإمام العلامة ناصر السنة، وقامع البدعة الشيخ أبو محمد حسين بن مسعود البغوي في كتابه العظيم النافع شرح السنة، فوضع بابا مهما بعنوان باب الرد على من قال بخلق القرآن، ثم ساق تحته الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والآثار الموقوفة والمقطوعة، ثم قال رحمه الله تعالى: "وقد مضى سلف هذه الأمة وعلماء السنة على أن القرآن كلام الله ووحيه ليس بخالق ولا مخلوق، والقول بخلق القرآن ضلالة، وبدعة لم يتكلم بها أحد في عهد الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى، وخالف الجماعة الجعد بن درهم فقتله خالد بن عبد الله القسري، قال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: "سمعت مشائخنا منذ سبعين سنة يقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق". وعن جعفر بن محمد الصادق أنه سئل عن القرآن فقال: "أقول فيه ما يقول أبي وجدي: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله". قال يحيى بن خلف المقرئ: "كنت جالسا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال: عندي كافر فاقتلوه". وعن ابن المبارك وليث بن سعد وسفيان بن عيينة، وهشيم بن بشير، وعلي بن عاصم، وحفص بن غياث ووكيع بن الجراح مثله. قيل لعبد الرحمن بن مهدي: "إن الجهمية يقولون إن القرآن مخلوق فقال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الرحمن على العرش استوى، وأرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى. وأرادوا أن ينفوا أن يكون القرآن كلام الله، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم" . وقال الإمام العلامة الشيخ أبوبكر محمد بن حسين الآجري التلميذ الرشيد للإمام أبي داوود السجستاني في كتابه العظيم "الشريعة": "القرآن كلام الله عز وجل، وأن كلامه جل وعلا ليس بمخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر"، ثم قال(/8)
رحمه الله تعالى: "اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم أن قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحق، ووفقوا للرشاد قديما وحديثا، أن القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، لأن القرآن من علم الله تعالى عز وجل، وعلمه لا يكون مخلوقا تعالى عز وجل عن ذلك، دل على ذلك الكتاب والسنة، وقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقول أئمة المسلمين رحمة الله عليهم، ولا ينكر هذا إلا جهمي خبيث، والجهمية عند العلماء كفرة".
ثم بدأ بإيراد الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة فأجاد وأفاد رحمه الله رحمة واسعة . وقال الإمام أبو داوود السجستاني صاحب السنن في كتابه الفذ المبارك "مسائل الإمام أحمد" تحت باب في الجهمية: "أخبرنا أبوبكر قال أبو داوود: سمعت أحمد قال: "سمعت عبد الرحمن بن مهدي أيام صنع بشر المريس ما صنع يقول: من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه" . وقال الإمام الحافظ الكبير محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح في كتابه العظيم كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب… باب ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الفرق بين كلام الله عز وجل الذي به يكون خلقه، وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله، والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله مخلوق، جل ربنا وعز عن ذلك؛ ثم ساق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك، ثم قال رحمه الله تعالى: "فاسمع الآن الأخبار الثابتة الصحيحة بنقل العدل عن العدل موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على أن كلمات ربنا ليست بمخلوقة على ما زعمت المعطلة الجهمية، عليهم لعائن الله". وبعد سياقه الروايات الكثيرة قال: "أفليس العلم محيطا - يا ذوي الحجا - أنه غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه، هل سمعت عالما يجيز أن يقول: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله، أو يجيز أن يقول:(/9)
أعوذ بالصفا والمروة، أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله، هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه" ثم قال: "ولذكر القرآن أنه غير مخلوق مسألة طويلة تأتي في موضعها من هذا الكتاب إن وفق الله ذلك لإملائها" . قلت: وقد ألف الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل كتابا عظيما جليلا وسماه السنة، وقد طبع لأول مرة على نفقة جلالة الإمام المغفور له - إن شاء الله - عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود المعظم، وهو جدير بهذا الشأن الخطير. فهذه بعض النقول عن أئمة السلف رحمهم الله تعالى نصت على أن القرآن كلام الله تعالى حقيقة وليس بمخلوق، ومن يذهب خلاف هذا المذهب فهو كافر عندهم كما جاء عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، وعن غيره من أئمة الإسلام السابقين، ولا أزيد على هذه النقول إلا كلمة واحدة وهي: أشهد الله تعالى على أنها حق وصدق ودين أدين الله بها فأقول- وإن كنت لست ممن يعتمد على كلامه -: إن القائل بخلق القرآن كافر مرتد حلال الدم والمال، يفرق بينه وبين زوجته المسلمة.
وأما قول الشيخ الكوثري في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وفي بحوثه كما مر بكم آنفا من كلامه فأقول: ليس هذا أول سهام مسمومة توجه إلى حامل لواء السنة النبوية، وقد سبق الكوثري في هذا الشيخ الهيتمي المكي في كتبه ورسائله التي وصفها العلامة الإمام أبي المعالي محمود شكري الألوسي في كتابه غاية الأماني في الرد على النبهاني بقوله: "وأما كتب ابن حجر "المكي" التي فرح بها الزائغ، فإنها لا تصلح عند من له بصيرة ونظر لغير العطار والإسكاف، فهي إما مزاود للعقاقير، وإما بطائن للخفاف، حيث إنها قشور لا لب فيها، وهكذا كتب السبكي وابنه" . قلت: وهكذا بعض كتب أحمد زيني دحلان ومحمد زاهد الكوثري.(/10)
وقال عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن كتب الشيخ بحمد الله محفوظة عند أهلها من أهل الحديث، وناصري السنة، وأتباع الإمام أحمد نضر الله وجهه في الهند وبلاد نجد ومصر والشام والعراق، وهذه هي الكتب التي لا نظير لها، وإنها مما يتنافس بها المتنافسون، فليت شعري أي كتاب فقد منها ولم يوجد منه نسخ كثيرة، وليت هذا الزائغ راجع دفاتر خزائن دار السلطنة المحروسة، ودفاتر خزائن كتب مصر الخديوية وغيرها، وخزائن كتب الشام والعراق والهند وغير ذلك . قلت: إن كلام الشيخ الكوثري في حق شيخ الإسلام ابن تيمية وفي حق بحوثه لا وجه له، بل هو دليل على جهله ويعقبه للباطل، واتباعه لهواه، وإن قوله هذا لا يصدر عن طفل مبتدئ في العلم، ولكن الله تعالى فضحه بسبب تطاوله على خير عالم في الزمان الأخير، ولم يلتفت إلى ما هو فيه من المسلك والحال الذي ينبغي أن يرثى له، وقد سبقه رجل آخر وهو زنديق واسمه محمد بن محمد العلاء البخاري، فقد ألف كتابا خبيثا وسماه "من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كان كافرا" فرد عليه الإمام الحافظ محمد بن أبي بكر ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي ردا جليلا علميا سماه "الرد الوافر" وقد حققه الأستاذ الشيخ محمد زهير الشاويش، صاحب المكتب الإسلامي ببيروت ودمشق، وطبعه في عام 1393هـ وهو كتاب فريد في بابه، سلك فيه مؤلفه العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى مسلكا فريدا دافع فيه عن شيخ الإسلام "ابن تيمية" بطريقة بلغت الغاية في بيان فضل شيخ الإسلام، إذ جمع أسماء جمهرة كبيرة من العلماء الذين عاصروا "ابن تيمية" أو جاءوا بعده ولقبوه بـ "شيخ الإسلام" وترجم لكل واحد منهم ترجمة وافية جمع فيها فضائله، ومؤلفاته، وشيئا من سيرته، بحيث أصبحت تراجم هؤلاء الأعلام في هذا الكتاب من أفضل ما ترجم لهم به، ولقد شاهدت عرضا لهذا الكتاب المبارك في بعض أعداد جريدة الدعوة الإسلامية التي تصدر بمدينة الرياض، ويقول(/11)
العلامة ابن ناصر الدين في كتابه هذا تحت عنوان وسبب تأليف الكتاب: "وجمهور النقاد، وأئمة السنة أهل الإسناد، كلامهم منقسم في الجرح والتعديل إلى قوي ومتوسط، وكلام فيه تسهيل وفي عصرنا هذا الذي قل فيه من يدري هذا الفن، أو يرويه، أو يحقق تراجم من رأى من أهل مصره، فضلا عمن لم يره، أو مات قبل عصره، قد نطق فيه من لا خبرة له بتراجم الرجال، ولا عبرة له فيما تقلده من سوء المقال، ولا فكرة له فيما تطرق به إلى تكفير خلق من الأعلام بأن قال: من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كان كافرا لا تصح الصلاة وراءه" وهذا القول الشنيع الذي نرجو من الله العظيم أن يعجل لقائله جزاءه، قد أبان قدر قائله في الفهم، وأفصح عن مبلغه من العلم، وكشف عن حمله من الهوى، ووصف كيف اتباعه لسبيل الهدى ولا يرد بأكثر من روايته عنه ونسبته إليه، فكلام الإنسان عنوان عقله، يدل عليه، أما علم هذا القائل أن لفظة "شيخ الإسلام" تحتمل وجوها من معاني الكلام" وقال الإمام العلامة الذهبي في حق شيخ الإسلام ابن تيمية: "الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد، المفسر البارع شيخ الإسلام، علم الزهاد، نادرة العصر، تقي الدين أبو العباس أحمد ابن مفتي شهاب الدين عبد الحليم ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن القاسم الحراني، أحد الأعلام، ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، ثم ذكر عمن أخذ ثم قال: "وعني بالحديث، ونسخ الأجزاء، ودار على الشيوخ وخرج، وانتقى وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه، وفي علوم الإسلام وعلم الكلام وغير ذلك. وكان من بحور العلم من الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد، والشجعان الكبار، والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف، وسارت بتصانيفه الركبان، لعلها ثلاث مائة مجلد" . قلت: اللهم إلا الكوثري والسبكي وابنه، والدحلان تكلموا فيه حسدا وعدوانا، وبغضا فأنت حسيبهم.(/12)
وأما الحديث الذي زعم الكوثري عدم صحته، وهو حديث نسبة الصوت إلى الله تعالى، فإذا كان الرجل ينكر أن يكون هذا القرآن هو كلام الله تعالى ووحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه مخلوق، فكيف بهذا الحديث المبارك الذي صح عند جماهير أهل الحديث؛ منهم الحافظ الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى وإن كان ليس على شرطه في الجامع الصحيح، فقد أورده رحمه الله في جامعه معلقا في موضعين في كتاب العلم، وفي كتاب التوحيد، وأخرجه بإسناده في كتاب الأدب المفرد، وأخرجه أيضا الإمامان الجليلان أحمد بن حنبل، وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما، وأخرجه أيضا الحافظ تمام الرازي في فوائده، وأخرجه أيضا الإمام ابن أبي عاصم النبيل "أحمد بن عمرو" في كتاب العلم، والحافظ الإمام الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وأخرجه أيضا الإمام نصر المقدس في كتابه الحجة، والخطيب البغدادي في رسالته الرحلة في طلب الحديث؛ كلهم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل بن جابر رضي الله تعالى عنه، وهذا نصه: عن جابر عن عبد الله بن أنس رضي الله تعالى عنهما قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر العباد يوم القيامة عراة، غرلا، بُهْمًا" قال قلنا: وما بهما؟ قال: "ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من قرب ومن بعد، أنا الملك، أنا الديان." ثم ذكر الحديث بطوله، وتكلم عليه الحافظ في الفتح في الموضعين ، وعبد الله بن محمد بن عقيل وإن كان اختلف في الاحتجاج بأحاديثه كما حكى ذلك الحافظ في الفتح، إلا أنه توبع بمتابعة تامة، تابعه محمد بن المنكدر، عن جابر وهو في مسند الشاميين للإمام أبي القاسم الطبراني .(/13)
وله طريق ثالث أخرجها الخطيب البغدادي في طلب الحديث من طريق أبي الجارود العبسي، وصحح الحافظ ابن حجر هذا الحديث بقوله في الفتح بعد أن قال: "وأصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها التي عهد أنها ذات مخارج، ولا يخفى ما فيه، إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق، ولكن تمنع القياس المذكور، صفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوقين، وإذا ثبت الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به". قلت: ومن هنا كانت دعوى الشيخ الكوثري كاذبة المائة في المائة، أو مجازفة قبيحة، وقد جمع العلامة أبو الحسن بن الفضل جزءا مهما في أحاديث الصوت، أشار إليها الحافظ في الفتح، فلو وجدت لكانت قاصمة الظهر للمنكر؛ وأما قول الحافظ: "إذ الصوت قد يكون من غير مخارج" فنعم فهو صحيح. قال الله تعالى في محكم كتابه في حق السماء والأرض: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فهذا خطابه جل وعلا للسماء والأرض، وأمره لهما وهما مخلوقان جامدان لا مخارج لها في الحس، مع أنهما أجابا ربهما بقولهما { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فإذا كان المخلوق الجامد يسمع منه الصوت بدون مخارج معهودة، فكيف الخالق جل جلاله، وبهذا المعنى ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه سمع صوت الجذع، أي جذع النخلة عندما فارقها إلى المنبر الخشبي الذي صنع له صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر، وتحول إليه حن عليه، فأتاه فاحتضنه فسكن. قال: "ولو لم أحتضنه لحن إلي يوم القيامة." والحديث أخرجه البخاري والترمذي، والنسائي، وابن ماجة بألفاظ متغايرة . وقال الحافظ في الفتح: "وقد نقل ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي، عن أبيه،(/14)
عن عمرو ابن سواد، عن الشافعي قال: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا، فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك" . قلت: وبهذا عرف أن المخلوق الجامد قد يصدر منه الصوت بدون مخارج معهودة، فكيف الإنكار في حق الخالق! وللشيخ محمد العربي التباني المالكي رسالة قيمة سماها تبنية الباحث السري عما في مقالات الكوثري، فعليك أن تطالع هذه الرسالة حتى تقف على حقيقة ناصعة من أمر هذا الرجل الذي وصفته بالبراعة في فن الحديث ورجاله.(/15)
وأما ما قام به الشيخ الكوثري كتابه في "التأنيب" من مغالطات فاحشة قبيحة، وخيانة علمية كبرى لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلم، فانظر بدقة فائقة، ونظرة فاحصة فيما رد عليه العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في كتابه الفذ البارع "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" وأنا سوف أنقل لك من الكتاب المذكور مثالا واحدا حتى تكون على بصيرة تامة مما أطلقت في حقه من عبارات طويلة عريضة من إمامة في العلم، وبصارة في النقد والتحرير، وبراعة في الحديث ورجاله وهو لا يستحق شيئا من ذلك إلا إذا قلنا: "إنه كان مع سعة اطلاعه وعلمه كذوبا خائنا متعصبا لما يذهب إليه من إنكار صفات الباري جل وعلا، وطاعنا في أئمة السنة وحماتها وحفاظها - كما سوف يأت - فقد أضله الله على علم" فهذا لا بأس به. وقد كشفه العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في "التنكيل" إذ قال رحمه الله تعالى في مقدمة التنكيل: "فرأيت الأستاذ قد تعدى ما لا يوافقه أهل العلم من توقير أبي حنيفة، وحسن الذب عنه إلى ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية، ومن التخليط في القواعد، والطعن في أئمة السنة ونقلتها، حتى تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين، والأئمة الثلاثة ,مالكا والشافعي وأحمد وأضرابهم، وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته، ورد الأحاديث الصحيحة الثابتة، والعيب للعقيدة السلفية، فأساء في ذلك جدا حتى إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى" . ثم قال العلامة المعلمي: "وطعن الكوثري في الأئمة الرواة وهم نحو ثلاثمائة، وفيهم أنس بن مالك رضي الله عنه، فمن أوابده تبديل الرواة، يتكلم في الأسانيد التي يسوقها الخطيب طاعنا في رجالها واحدا واحدا، فيمر به الرجل الثقة الذي لا يجد فيه طعنا مقبولا، فيفتش الأستاذ عن رجل آخر يوافق ذلك الثقة في الاسم واسم الأب ويكون مقدوحا فيه، فإذا ظفر به زعم أنه هو الذي في السند". ثم أورد العلامة المعلمي على ذلك(/16)
أمثلة كثيرة جدا، وبذلك ظهرت براعة الكوثري في الحديث ورجاله بالمعنى الذي ذكره العلامة المعلمي، وإليك المثال المذكور آنفا. قال في طليعة التنكيل(1-2): "صالح بن أحمد ومحمد بن أيوب. قال الخطيب في تاريخ بغداد: "أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان، حدثنا صالح بن أحمد التميمي الحافظ، حدثنا القاسم بن أبي صالح، حدثنا محمد بن أيوب، أخبرنا إبراهيم بن بشار، قال: سمعت سفيان بن عيينة …" قال العلامة المعلمي: "تكلم الأستاذ في هذه الرواية في ص97 من التأنيب فقال: "في سنده صالح بن أحمد التميمي، وهو ابن أبي مقاتل القيراطي هروي الأصل، ذكر الخطيب عن ابن حبان أنه كان يسرق الحديث… والقاسم بن أبي صالح الحذاء ذهبت كتبه بعد الفتنة، فكان يقرأ عن كتب الناس، وكف بصره كما قاله العراقي، ونقله ابن حجر في لسان الميزان، ومحمد بن أيوب ابن هشام الرازي كذبه أبو حاتم، ولا أدري كيف يسوق الخطيب مثل ذلك الخبر بمثل السند المذكور، لعل الله سبحانه وتعالى طمس بصيرته ليفضحه فيما يدعي أنه المحفوظ عند النقلة بخذلانه المكشوف في كل خطوة" قلت: فقد ظهر أدبه في النقاش والجدال، وننظر الآن من الذي خذله الله تعالى وهتك ستره، وفضحه، وطمس بصيرته ووسمه بعار الخيانة العظمى؟ قال العلامة عبد الرحمن المعلمي ذاكرا عدة أمور إسنادية لا تخفى على أحد من طلبة العلم، وهي قوية اعتمد عليها، واطلع بها على خيانة كبيرة ارتكبها الأستاذ الكوثري في ترجمة صالح بن أحمد المذكور الذي بدله الكوثري برجل آخر وهو: صالح بن أحمد التميمي الحافظ الهمذاني الثقة الثبت"، ثم قال أخيرا رحمه الله تعالى: "المقصود هنا إثبات أن الكوثري قد عرف يقينا أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس هو بالقيراطي، بل هو ذاك الحافظ الفهم الثقة الثبت، ولكن الكوثري كان مضطرا إلى الطعن في تلك الرواية ولم يجد في ذاك الحافظ مغمزا، ووقعت بيده ترجمة القيراطي المطعون فيه، وعرف أن هذا(/17)
الفن أصبح في غاية الغربة، فغلب على ظنه أنه إذا زعم أن الواقع في السند هو القيراطي لا يرد عليه أحد، والله تعالى له معه حساب آخر والله المستعان". قلت: وهكذا صنع الأستاذ الكوثري في محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الإمام. ولا أريد أن أطول عليك في مثل هذا المقام، فقد تعدى الكوثري عن الوصف الدقيق فيه تعصبه وبغضه لأهل السنة، فإن كنت ذا فهم وبصر في فن الرجال، فعليك أن تدرس كتاب التنكيل كله من أوله إلى آخره حتى تطلع على الخبايا من الزوايا، والله ما أريد التشنيع بهذه الكتابة، وإنما القصد إن شاء الله تعالى بيان الحق من أمر الأستاذ الكوثري، وما آل إليه أمره، ومساعيه في رد السنة النبوية الصحيحة، وطعنه في أئمتها الأخيار الأبرار الذين حفظ الله بهم هذا الكيان المبارك.
وإليك أيها الأخ الفاضل هذا الكلام نقلا عن العلامة الشيخ المعلمي فيما يتعلق بجرأة الكوثري في غير الحق، قال رحمه الله تعالى في التنكيل: "ومن ذلك أن الخطيب ساق عدة روايات عن الثوري، والأوزاعي" قال:… فقال الأستاذ الكوثري في التأنيب ص72 : "لو كان هذا الخبر ثبت عن الثوري والأوزاعي، لسقطا بتلك الكلمة وحدها في هوة الهوى والمجازفة، كما سقط مذهباهما لبعدهما سقوطا لا نهوض لها أمام الفقه الناضج، وقد ورد لا شئوم في الإسلام، وعلى مزمن أن الشئوم يوجد في غير الثلاث الوارد في السنة، وأن صاحبنا مشئوم فمن أين لها معرفة أنه في أعلى درجات المشئومين"؟.
__________________
---(/18)
أجاب العلامة المعلمي بكلام طويل أنقل منه ما يأتي: "شاهد الثوري والأوزاعي طرفا من ذلك، ودلتهما الحال على ما سيصير إليه الأمر، فكان كما ظنا، هل كانت المحنة في زمان المأمون، والمعتصم، والواثق إلا على يدي أصحابكم؟ ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم؟ وفي كتاب قضاة مصر طرف من ذلك. وهل جر إلى استفحال تلك المقالات إلا تلك المحنة؟ وأي ضرر نزل بالأمة أشد من هذه المقالات؟ وأما سقوط مذهبيهما فخيرة اختارها الله تعالى لهما، فإن المجتهد قد يخطئ خطأ لا يخلو من تقصير، وقد يقصر في زجر أتباعه عن تقليده هذا التقليد الذي نرى عليه كثيرا من الناس منذ زمن طويل الذي يتعسر، أو يتعذر الفرق بينه وبين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله، فقد يلحق المجتهد كفل تلك التبعات، فسلم الله تعالى الثوري والأوزاعي من ذلك، فأما ما يرجى من الأجر على الأتباع في الحق، فلهما من ذلك النصيب الأوفر مما نشراه من السنة علما وعملا، وهذه الأحاديث الواردة في الأمهات الست المتداولة بين الناس حافلة بالأحاديث المروية عن طريقهما، وليس فيها لصاحبكم ومشاهير أصحابه حديث واحد. وقال الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة الثوري: "قال لنا عبدان عن ابن المبارك، كنت إذا شئت رأيت سفيان مصليا، وإذا شئت رأيته محدثا في غامض الفقه" . قلت: والأوزاعي لا تقل درجته العلمية عن أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري، فهو إمام أهل الشام وشيخ الإسلام. قال الإمام الذهبي: "ربي يتيما فقيرا في حجر أمه تعجز الملوك أن تؤدب أولادها أدبه في نفسه، ما سمعت منه كلمة فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباته عنه. قال الوليد بن مزيد: "ولا رأيته ضاحكا يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول ما ترى في المجلس قلب إلا وهو يبكي". قال إسماعيل بن عياش: "سمعتهم يقولون سنة أربعين ومائة: الأوزاعي اليوم عالم الأمة". وقال الخريبي: "كان الأوزاعي أفضل أهل(/19)
زمانه، وكان يصلح للخلافة". فقال أبو إسحاق الفزاري: "لو خيرت هذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي". قال بشر بن المنذر: "رأيت الأوزاعي كأنه عمي من الخشوع". وكان الوليد يقول: "ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة منه". وقال أبو مهر: "كان الأوزاعي يحيي الليل صلاة وقرآنا وبكاء". وقال محمد بن كثير المصيصي: "سمعت الأوزاعي يقول: كنا والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته". قال الحاكم: "الأوزاعي إمام عصره عموما، وإمام أهل الشام خصوصا". قال الوليد: "سمعت الأوزاعي يقول: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأس الرجال وإن زخرفوه بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم". قال عامر بن يساف: "سمعت الأوزاعي يقول: إذا بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فإياك أن تقول بغيره، فإنه كان مبلغا عن الله". قال أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي كان يقول: "خمسة كان عليها الصحابة والتابعون: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، والتلاوة، والجهاد" .(/20)
قلت: ومن هنا كان تطاول الكوثري على الأوزاعي لدفاعه عن السنة النبوية والاستماتة في سبيلها. نقل الحافظ في التهذيب عن بقية بن الوليد قال: "إنا لنمتحن الناس بالأوزاعي، فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة" . وقد أطلت عليك أيها الأخ الفاضل فيما يتعلق بالشيخ الكوثري، وبقي معك حديث طويل فيما يتعلق بالأستاذ أحمد زيني دحلان الذي أفردت له ذكرا في رسالتك فقلت في حقه: "الفصل الثالث- المبحث الأول", ثم قلت: "وذكر السيد أحمد دحلان، وعمن أخذ، واتصال الوالد به، وقد أفردته بالذكر دون غيره، لأنه مدار الرواية في الحجاز وغيره لهذا العصر، مع ترجمة موجزة جدا له: "فهو شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، وأحد مجددي هذا الدين الحنيف، وأساطينه، وباعث النهضة العلمية المتينة في الحجاز، العابد الزاهد الناسك، الإمام، الحجة، المشارك، السيد أحمد بن زيني دحلان المولود بمكة سنة 1231هـ، المتوفى بالمدينة سنة 1304هـ. تولى الافتاء بمكة واشتغل بالعلوم والتدريس، وقامت بجهوده في عصره نهضات علمية، فأنشئت أول مطبعة بمكة في أيامه واكن متوليا نظارتها، وقد تخرج على يده علماء أماثل، فهو أستاذ أمة، ومربي جيل، وله في كل العلوم باع طويل، وقدم راسخة، ومؤلف أو رسالة، ومن أهم مؤلفاته الفتوحات، وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام" .
قلت: هكذا وصفت الرجل يا أخي فمجدته، ورفعت شأنه، ولعلك قد اطلعت على جميع مؤلفاته، أو على الأقل على أكثرها، ومنها: خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، وهي من أهمها في نظركم كما أشرتم إليها، وتوجد منه نسخة في مكتبة الحرم المكي العامرة، يقول فيها الشيخ أحمد زيني دحلان بعد كلام طويل لا فائدة في نقله: "ثم أمر محمد بن سعود علماء مكة أن يدرسوا عقيدته التي ألفها محمد بن عبد الوهاب، وسماها كشف الشبهات، ووقع فيها شيء من الكفريات، فقرءوها ورأوا ما فيها من التلبيس الذي هو من وساوس إبليس، ولم يقدروا على الإنكار" .(/21)
قلت: أهكذا الرجل الذي وصفته بشيخ الإسلام، ومفتي الأنام، وأحد مجددي هذا الدين الحنيف، وأساطينه في نظرك في غير ذلك من الألقاب الفارغة يعبر عما في كتاب كشف الشبهات مع وجازته، واختصاره من علم نافع عظيم جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، إن هذه العبارة القبيحة الصادرة من أحمد زيني دحلان في حق شيخ الإسلام، وناصر السنة الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله تعالى لدليل واضح على خباثة نفسية الرجل، وما تحمل من حقد وبغض وحسد نحو دعاة الحق والهدى، والله إنها رزية كل الرزية أن تطلع على كلامه هذا الخبيث القبيح ثم تصفه بما وصفته من ألقاب كاذبة فارغة لا تفيده بشيء إلا الاشتهار بدعوته النكرة الخبيثة إلى الإلحاد والكفر والزندقة والعياذ بالله، أهكذا الإسلام الصحيح الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ أهذه دعوته صلى الله عليه وسلم من دعاء الأموات والاستغاثة بهم، والتي دعا إليها أحمد زيني دحلان! ستقف بين يدي الجبار غدا، فاتق الله في نفسك إن كنت يا أخي فيما زين لك من أمور هذه الدنيا الفانية، والرجوع إلى الحق أفضل من التمادي في الباطل، وقد تكون المناقشة هنا معك حادة بالنسبة لما مضى من الكلام، لأنك فيما يبدو لي أنك اطلعت على كتب الدحلان كلها أو جلها، وقد تكون أكثرها عندكم في البيت حتى أحطت بها علما، ثم حكمت على الدحلان عليه من الله ما يستحق بما حكمت بتلك الأوصاف الضخمة، أو قلدت أحدا ولا يخلو شأنك من أحد الأمرين، ولا أظن بك الأول، وإن كان الثاني فالمشكلة لا تزال قائمة، فهذا التقليد قد أعمى البصيرة وسد الطريق، وأغلق الباب، أي باب العلم، وما كان المسلمون الأوائل يطلقون العبارات الفارغة البراقة دون أن يكون هناك حقائق علمية ثابتة في الرجل، فيعتبر عملك هذا عملا شاذا مرتجلا مبنيا على الأوهام الخطيرة التي أحاطت بك من كل جانب، أطلعني في كتاب كشف الشبهات لشيخ الإسلام، ومجدد الملة المحمدية، وناصر السنة وقامع(/22)
البدعة، الإمام العلامة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى تلك الكفريات التي زعمها - ولعلك اطلعت على كلامه - أحمد زيني دحلان. وإليك فهرست كتاب كشف الشبهات:
1- بيان إفراد الله بالعبادة. 2- الفرح بفضل الله. 3- بيان أن الطريق إلى الله لابد من أعداء. 4- الجواب المجمل. 5- الجواب المفصل. 6- الشبه الثلاث هي أكبر ما عند المشركين. 7- النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بإذن الله. 8- بيان عبادة الأصنام. 9- حكم من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وجحد ركنا من أركان الإسلام. 10- شبهة أخرى للمشركين. 11- حكم الاستغاثة. 12- المسألة المهمة. انتهى الفهرست.(/23)
قال الله تعالى في سورة النساء: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} فارجع إلى تفسير هذه الآية الكريمة، وإلى سبب نزولها فسوف تجد إن شاء الله تعالى أن صاحبك أحمد زيني دحلان داخل في هذه الآية الكريمة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مذهب أهل الأصول، فعليك أيها الأخ الفاضل أن تدرس دراسة وافية حرة نزيهة لهذه الرسالة القيمة التي ألفها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ثم الخروج منها بفوائد علمية إذا كنت ذا بصر وفهم، وطابق بما فيها من المعاني بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وستجد إن شاء الله تعالى أمام كل مسألة دليلها من الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، ثم انظر مرة أخرى ما تفوه به الشيخ أحمد زيني دحلان في رسائله، وكتبه ضد الدعوة المحمدية وهي دعوة التوحيد الخالص التي دعا إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والأحرى أن تحلل عبارات الرسالة "كشف الشبهات" تحليلا علميا، فقد حملت بحمد الله أعظم شهادة من جامعة الأزهر وهي العالمية - الدكتوراه - وسوف تجد إن شاء الله تعالى إن جردت نفسك بتوفيق المولى جل وعلا عن التعصب والتقليد، أن مضمون الرسالة المذكورة الأخذ عن معان الكتاب والسنة، وإجماع الأمة جميعا إلا الشاذ منهم، ولم يخرج شيخ الإسلام عن هذه الثلاث، وهذا كتاب التوحيد إذا نظرت فيه بنظرة علمية دقيقة، ستجد إن شاء الله تعالى أن الرجل العظيم عليه رحمة الله تعالى لسار فيه وسائر تواليفه المباركة سيرا مباركا كسائر المحدثين القدماء في الإسلام، يعقد بابا ثم يأتي بالآية القرآنية، ثم بالأحاديث النبوية تقوية للباب الذي عقده، وهكذا صنع رحمه الله تعالى رحمة واسعة، ونور مرقده، وجعل الجنة مثواه في جميع تواليفه المباركة كما ذكرت آنفا.(/24)
وإني لعلى علم أنك قد اطلعت على كتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ الدحلان" لمؤلفه المحدث الشيخ العلامة بشير السهواني الهندي رحمه الله تعالى. يقول الأستاذ الكبير صاحب المنار، الشيخ رشيد رضا معرفا هذا التأليف المبارك في مقدمته التي وضعها على كتاب "صيانة الإنسان" قال: "وكان أشهر هؤلاء الطاعنين - يعني في دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - مفتي مكة المكرمة، الشيخ أحمد زيني دحلان المتوفى سنة 1304هـ، ألف رسالة في ذلك تدور جميع مسائلها على قطبين اثنين، قطب الكذب والافتراء على الشيخ، وقطب الجهل بتخطئته فيما هو مصيب فيه" ثم ذكر أشياء وبعده قال: "ومما أجملناه أن قواعد الجهل التي بنى عليها الشيخ أحمد دحلان رده على الوهابية إباحة دعاء لغير الله تعالى من الأنبياء، والصالحين الميتين، والاستغاثة بهم، وشد الرحال إلى قبورهم لدعائهم عندها، وطلب قضاء الحوائج منهم ثلاث قواعد:
1- الروايات الباطلة وما في معناها من الحكايات والمنامات والأشعار، وهي لا قيمة لها عند أحد من علماء الملة، وإنما تروج بضاعتها في سوق العوام.
2- الاستدلال بالنصوص على ما لا تدل عليه شرعا؛ كاستدلاله بالسلام على أهل القبور، وبخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين ببدر، واحتال ذلك قياسا على حياة الموتى، وجواز دعائهم، ومطالبتهم بقضاء الحوائج، ودفع المصائب، ووجه الجهل في هذا أنه يقيس حياة البرزخ على حياة الدنيا، وعالم الغيب على عالم الشهادة، وهو قياس باطل عند علماء أصول الشرع، وعند جميع العقلاء، ويترتب عليه عقائد وأحكام تعبدية لا تثبت إلا بنص الشارع الحكيم عليه الصلاة والسلام، مع كون الذي يثبتها مقلدا للغير ليس من أهل الاجتهاد، وباعترافه واعتراف متبعيه في جهله هذا.(/25)
3- قلب الحقائق، وتعكيس القضية فيما ورد من الترغيب في اتباع جماعة المسلمين، والترهيب عن مفارقة الجماعة بزعمه، ومقتضى جهله هم الأكثرون في العدد في كل عصر". وهذه الدعوى مخالفة لنصوص القرآن، والأحاديث الصحيحة، وآثار السلف، والواقع ونفس الأمر في كثير من البلاد والأزمنة، وقد فند المؤلف – أي مؤلف صيانة الإنسان - هذه الدعوى بما أوتي من سعة الاطلاع على كتب الحديث والآثار، فبين ما ورد من الآيات والروايات فيها، وما قاله الأئمة العلماء في تفسيرها وما في معناها من فشو البدع، ثم يقول العلامة الشيخ رشيد رضا: "وجملة ما يقال عن هذا الكتاب أنه ليس ردا على الشيخ دحلان وحده، ولا على من احتج بما نقله عنهم من الفقهاء مما لا حجة فيه، كالشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ ابن حجر الهيتمي المكي، بل هو رد على جميع القبوريين، والمبتدعة، حتى الذين جاءوا بعده إلى زماننا هذا" . قلت: هكذا وصف العلامة الشيخ رشيد رضا هذا الرد المحكم، فوجب عليك أن تطالعه، وكتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني، للعلامة الإمام أبي المعالي محمود شكري الألوسي، وأن تجرد نفسك عن التعصب لأحد كائنا من كان إلا للحق وحده، والله جل وعلا سوف يفتح عليك، ويشرح صدرك للحق، ولا أريد أن أنقل لك الأمثلة الكثيرة التي استدل بها الشيخ دحلان على دعواه الباطلة من مخالفته طريق الحق والصواب في كتابه" الدرر السنية في الرد على الوهابية" وقد رد عليه العلامة بشير في كتابه هذا المبارك "صيانة الإنسان" وعلى كل دليل باطل استدل به على زعمه الباطل، فأورد لك مثالا واحدا، فانظر ثم انظر كيف استدل به على دعواه الباطلة من جواز نداء الأموات.(/26)
قال العلامة بشير في صيانة الإنسان: "قوله "أي قول الدحلان" وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن فاطمة رضي الله تعالى عنها قالت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أبتاه" إلى قوله: ففي هذا الحديث أيضا نداؤه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته…".
أجابه العلامة بشير رحمه الله تعالى بقوله: "هذا ليس من النداء في شيء، بل هو ندبة، يرشدك إلى هذا كون هذا الكلام صادرا وقت الوفاة، ووقوع لفظ النعي فيه، وزيادة الألف في آخره لمد الصوت المطلوب في الندبة، فالقول بكونه نداء أدل دليل على جهل قائله" . قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري، والإمام أحمد في المسند، والنسائي وابن ماجة، والدارمي في سننهم , وتكلم عليه الحافظ في الفتح بقوله: "(يا أبتاه) كأنها قالت: يا أبي، والمثناة بدل من التحتانية، والألف للندبة، ولمد الصوت، والهاء للسكت" . قلت: هكذا مبلغ علم دحلان في السنة النبوية وعلمه في اللغة العربية ومع ذلك فهو شيخ الإسلام وحجة الأنام، ومفتي الأنام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، ولقد صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي أخرجه البخاري من الجامع الصحيح وكذا مسلم، والإمام أحمد في مسنده، والترمذي في الجامع وكذا ابن ماجة، والدارمي في سننه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه عن الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". هكذا كانت الأحوال في مكة المكرمة وغيرها من المدن الإسلامية بسيطرة هؤلاء الجهلة على مناصب هامة من الدولة، وعن طريقهم فشت البدعة، وظهرت الفتن والشرك، وخفي على الناس أمر دينهم الصحيح الذي أنزل الله تعالى به الكتب، وأرسل الرسل.(/27)
استدل هذا شيخ الإسلام، ومفتي الأنام المزعوم على جواز نداء الميت بعد الموت بحديث ضعيف أخرجه الإمام أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه بسياقة طويلة، وفيه التلقين للميت بعد الموت. قال الشيخ دحلان: "وفي التلقين الخطاب والنداء، وقد ذكره كثير من الفقهاء، واستندوا في ذلك على هذا الحديث، فكيف يمنعون النداء مطلقا؟".
أجابه العلامة بشير بجواب مفصل ومقنع، واستند رحمه الله تعالى على عدم صحة هذا الخبر، ونقل عن أئمة الجرح والتعديل ما يكفي ويشفي في هذا الباب، ثم نقل عن الإمام ابن القيم من كتابه "الروح" أنه قال: "وحاصل كلام الأئمة أنه حديث ضعيف، والعمل به بدعة، ولا يغتر بكثرة من يفعله, وفي نزل الأبرار: "وقد أنكر هذا التلقين جماعة من أهل العلم وبدعوه"؛ انظر ذلك في الهدي النبوي وغيره، كثمار التنكيت للمؤلف . قلت: والحديث أورده صاحب مجمع الزوائد وقال في نهاية الحديث: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم أعرفه جماعة" . قلت: لأن في سنده عاصم بن عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أيضا. قال الذهبي: "ضعفه مالك". وقال يحيى: "ضعيف لا يحتج به". وقال ابن حبان: "كثير الوهم، فاحش الخطأ فترك". وقال أحمد: "قال ابن عيينة: كان الأشياخ يتقون حديثه". وقال النسائي: "ضعيف". وقال أبو زرعة وأبو حاتم: "منكر الحديث". وقال الدار قطني: "يترك، وهو مغفل" . وفي الختام أدعو الله جل وعلا، وأتضرع إليه سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ويجعلنا من دعاة الحق وأنصاره، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: من الآية10) وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه(/28)
أجمعين.
توثيق النص
الموضوع: عرض ونقد لما كتبه الدكتور محمد علوي المالكي حول الكوثري والدحلان
المؤلف: الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي
رقم العدد: 27
رقم الصفحة: 46-69
سنة النشر: محرم 1395هـ
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(/29)
سبب توبة كمال الدين عمر المراغي من الصوفية
يقول أبو العباس: حدثني الثقة (يعني المراغي) الذي رجع عنهم لما انكشف له أسرارهم أنه قرأ عليه فصوص الحكم لابن عربي، قال:
فقلت له: هذا الكلام يخالف القرآن.
فقال: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا.
قال فقلت له: فإذا كان الكل واحداً فلماذا تُحرَّم عليَّ ابنتي وتحل لي زوجتي؟
فقال: لا فرق عندنا بين الزوجة والبنت، الجميع حلال، لكن المحجوبون قالوا: حرام، فقلنا: حرام عليكم.
المرجع: كتاب الصفدية 1/244 لابن تيمية، أما الثقة الذي حدَّث ابن تيمية بذلك، فهو كمال الدين المراغي (ت732هـ) انظر الردّ الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي (ت842) ص215. نقلاً عن (أخبار جلال الدين الرومي) لأبي الفضل القونوي ص67-68.
قلتُ -أي المنهج-:
وهذا هو غاية المنتهى ونهاية الصفاء!!
وهذه الأسرار .. وكلامٌ لا يفهمه إلا خواص الخواص .. من بلغ به اليقين!! فأنظر بعين البصيرة يا ذا العقل السليم ..
يقول أبو الفضل القونوي:
"ومن هذه النظرة إلى الأشياء انطلقت الإباحية الوجودية في التراث الصوفي كله شعره ونثره، وأصبح مُجُوْنُ أئمة الزندقة هؤلاء أسراراً إلهية، وأحوالاً رحمانية، وحكمة مستورة عن أهل الظاهر. هذا صوفي معاصر للعفيفِ التلمساني والجلال الرومي اسمه الحاج بكداش (ت تقريباً 670هـ) هذا الذي تنسب إليه البكداشيه، يُروى عنه هذا الإسفاف في كتاب عن مناقبه:
مرَّ الحاج بكداشمارين يتسافدان، فقال لرفيقه الملا سعيد الدين: أتحب أن تكون العالي منها أم السافل؟(/2)
فلما قال سعد الدين: بل العالي. قال الحاج بكذاش: مازال عرق التَّعصُّب فيك سالماً لم يَجفَّ، هلاَّ قلت: السافل حتى تذوق لذة المعطي!
[أوزن فردوسي، مناقب الحاج بكذاش الولي ص63-64، نشر عبدالباقي ، مكتبة الانقلاب اصطمبول 1958م]
وكذلك كتاب المناقب بالعربية مثل: الشعراني (ت973هـ) والمناوي (ت1031هـ) والنبهاني (1350هـ)، لا تخلو كتب مناقب أوليائهم عن هذا وشبهه، انظطلاقاً من هذه النظرة التلمسانية الوجودية.
هذا واصلٌ صوفيٌ اسمه الشيخ علي وحيش عاش في مصر ومات سنة (917)، روى الشعراني والنبهاني له ما يلي:
( ... وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيره يُنزله عن حمارته ويقول: أمسك لي رأسها حتى أفعل بها، فإاذ امتنع سمَّره في الأرض فلا يستطيع أن ينقل خطوة واحدة، وإن أطاع حصل له خجل عظيم من المارة الناظرين إليه).
وهذه كرامة أخرى تلمسانية صوفية، ذكرها النبهاني أيضاً في أوسع كتب مناقب أولياء الصوفية، ولو كان يعرف الفارسية لضمَّ مناقب الأفلاكي إلى كتابه لأنها على شرطه!
حكى قصة وليٍّ يقال له علي العمري فذكر –والصراحة في التعبير منقولة عنه- أنه غضب على خادمه وهما في الحمام، فعزم (عزمة كُمَّل الصوفية!) على تأديبه، فأخذ بإحليل نفسه بيديه الاثنتين وأخرجه من تحت إزاره، فطال طولاً عجيباً حتى بلغ كتفه بل جاوزها، ثم جعل يوقع بإحليله على خادمه جلداً جلداً، أما الخادم فيتلوَّى من الألم وشدته فلما رأى الولي (المطاطي) بلوغه الكفاية في التأديب، جعل إحليله يرجع إلى خلقته الأولى.
وإني لجدُّ معتذر أيها القارئ، مما نقلته إليك .. مما يخدش الحياء، لا أقول بأظافير الخنا بل بمخالبه!. "
من كتاب [أخبار جلال الدين الرومي] ص68-69
أعده
أبو عمر الدوسري (المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل(/3)
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
سخافة عقول الصوفية ،اسأل الله العافية
الصوفية من أكثر الطوافة سخافة للعقول ، فقد استحكمت فيهم خسارة الدين والعقل ، فلا دين يوعظون به ، ولا عقل يعتبرون به ، وسوف أذكر إشارة بعض سخافاتهم مع ذكر مصدره ، وراجعه إن شئت وإلاّ فاكتفِ بالإشارة واسأل الله العافية ، واحمده على نعمة الهداية التوحيد والسنة .
منهم ولي مكث أربعين سنة لم يأكل ولم يشرب !!
[ جامع الكرامات للنبهاني : 1/299 ] .
منهم ولي ينام سبع عشرة سنة ثم يقوم ليصلي بدون وضوء !!
[ جامع الكرامات للنبهاني : 2/428-429 ] .
ومنهم من يقول لعصاه : كوني إنساناً فتكون إنساناً ، فتذهب وتقضي حوائجه ثم تعود كما كانت !! .
[ جامع الكرامات : 1/296-297 ]
ومنهم من زعموا أنه لم يدخل الحمام قط !!! .
[ طبقات الشعراني : 1/46 ] .
ومنهم من بوله كالحليب !!!!!
[ طبقات الشعراني : 2/140 ] .
ومنهم : من يجرّ سفينة أخذها الوحل بخصيتيه !!!!!!!!!!!
[ جامع الكرامات : 2/46 ] .
ومنهم من لا يدخل الحمام إلاّ كل ثلاثة أشهر !!!!(/2)
[ جامع الكرامات : 2/366 ] .
ومنهم من يجلد خادمه بإحليل نفسه !!!!!! ، بعد أن مدّه فطال طولاً عجيباً و وضعه على كتفه فلما فرغ عاد إلى طوله الأول !!!!!
[ جامع الكرامات : 2/396 ]
ومنهم : من زعم أن الجيلاني أمر الملائكة أن تسجد لأحد الأولياء !!!!!!!
[ الفتح الرباني : 370 ] .
ومنهم : من زعم أن الكعبة تطوف حول أوليائهم خارج مكة !!!!
[ نشر المحاسن : 33 ] .
فهذه بعض سخافات الصوفية الملاحدة وما بقي أطم وأعظم .
وللفائدة : هذا النبهاني صاحب : ( كرمات الأولياء !!!! ) ، له كتاب : ( شواهد الحق ) من أقذر الكتب وأقبحها ، فانتهض إليه أسود التوحيد والسنة فأبطلوا بنيانه وأخرسوا لسانه ، وهو حي يرزق ذلك الحين !!! ، فردّ عليه شيخ مشايخنا سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى ، وله فيه قصيدة [ ديوانه : 89 ] مطلعها :
وقفت على نظمٍ حوى الكفر والشرّا ****** وصاحبه خبُّ لئيمٌ وقد أجرى
ينابيع كفرٍ في تقاسيم غيّه ****** فحرّر في تقسيمه الإفك والشعرا
إلى آخر قصيدته ، كما ردّ عليه شيخ مشايخ الأشياخ : أبو المعالي الألوسي رحمه الله تعالى في كتابه منقطع النظير : ( غاية الأماني في الرد على النبهاني ) مطبوع في مجلدين من وقف عليه ظهر له مبلغ ضلال الرجل وغيّه .
ويوجد غير ذلك من الردود التي يتأكد علينا جميعاً قراءتها والنظر فيها : ففيها كل ما يكشف شبه القوم ، فلم يأتِ أتنباعهم بجديد ، لأنهم على دين آبائهم ومشايخهم ، يتكلون بلسانهم وحجتهم ، والحمد لله .
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جزاكم الله خيرا ، يرفع ذكرى وموعظة وكشفاً لحال زنادقة التصوف
وهنا : تسكب العبرات على التوحيد ، وتتقطع علائق القلوب خوفاً من الشرك ومن حبائل إبليس ، وتنفجر براكين الغيرة لنصرة التوحيد ، ورفع منار السنة على أيدي أفراد الرجال قبل جماعاتهم .(/3)
وهنا : يعلم المسلم الذي وفقه الله تعالى إلى الخير ، وسلك الصراط المستقيم أنه إذا تقاصر عن تعلم التوحيد ، والدعوة إليه ، وتكراره في كل مقام ، وفي سائر الأحوال ، وفوق ذلك كله فزعه إلى الله تعالى واللجوء إليه سائلاً منه الثبات ، فإذا لم يحصل هذا ، وفرّطنا فيه ، وتقاعسنا عنه ، وإلاّ فلا تستغرب أن يكون في الأمة أئمة ضلالة مثل هؤلاء ، وتلوك ألسنتهم بأمثال هذه العبارات الشيطانية الكفرية ، كما حصل لقوم نوح لما نسي العلم وفشا الجهل عبدوا الأوثان من دون الله تعالى .
فحق على كل من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى أن يجدد التوحيد في قلبه ، ويشعل حماس الدعوة إليه ، ويعيد النظر في كتب التوحيد ، وتدريسها ، وشرحها ، واختصارها ، ونظمها ، والعمل بها دوما ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .
***
الحمد لله .
ذكر الزبيدي !! في كتابه ( طبقات الخواص : 65 ) في ترجمة أبي العباس أحمد بن أبي الخير المعروف بالصياد : أنه نام ساجدا سنة كاملة في البراري !! .
وأنه كان يطرأ عليه حال الفناء حتى كان يقيم أياماً مطروحاً تسفي عليه الرياح وينبت عليه العشب !!!
بالله عليكم أي سخافة هذه السخافة ؟!
****
قال الزبيدي في طبقات الخواص : 71 ، في ترجمة : أحمد بن علوان الصوفي :
( وقبره ظاهر معروف مقصود للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة !! لا سيما آخر جمعة من شهر رجب !!!! فإن أهل تلك النواحي يقصدونه من كل موضع أهل تعز أو غيرهم ويخرجون بالنساء والأولاد وقرية الشيخ المذكور محترمة !!!! ومن استجار !!! بها لا يقدر أحد أن يناله بمكروه نفع الله به وبسائر عباده الصالحين آمين .. ) .
****
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :(/4)
قال الزبيدي في " طبقات الخواص " (ص: 98 ) في ترجمة إسماعيل بن محمد ابن ميمون الحضرمي : ( ومن ذلك – أي كراماته !! – أنه قد اشتهر بين الناس أن من قبّل قدم الفقيه إسماعيل دخل الجنة !! ) ، ثم ذكر رؤيا رآها أحد الأشخاص في النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك !! ، قال اليافعي : وكان الجلة من العلماء يقبلون قدمه !! .
قلت : تباً لهؤلاء العلماء ما أذلّهم وما أضلّهم !!! .
وذكر الزبيدي (ص:97 ) أن من ألقابه : موقف الشمس !!! ، حيث تأخر عن دخول مدينة زبيد وخشي أن تقفل الأبواب من دونه !! فأشار إلى الشمس أن تقف !! فوقفت حتى قدم المدينة والباب مفتوح !!! .
قلت : وهذه كذبة تخترق الآفاق ، وكرامة حمل الريح له ، أو فتح الباب له !! أقرب لقبول العقول من هذه الفرية !!! .
ونقل الزبيدي ( ص : 100 ) أنه قال : وُضع الكون بين يديّ وقيل لي : يا إسماعيل اختر ، فاخترت الآخرة على الدنيا ، واخترت الله عوضاً عنها وعن نفسي !! .
قلت : صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم زويت له ( الأرض ) ، وهذا ( جمع ) له ( الكون كلّه !!! ) ، وأي رغبة له عن الدنيا وهو يقول عن نفسه : زهدت في كل شي إلاّ المرأة الحسناء ( ولم يقل الصالحة !! ) والدابة النفيسة !! ، وكثر تزوحه بالنساء حتى صار يأمر أولاده بأن لا يتزوجوا إلاّ بكراً خشية أن يتزوجوا من قد تزوجها من قبل !!! [ طبقات الخواص : 101 ] .
فائدة : الزبيدي مؤلف "طبقات الخواص " هو صاحب المختصر لصحيح البخاري المسمى بـ ( التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح ) ، وكتابه " طبقات الخواص " كشف عن سوء عقيدته ! .
فائدة أخرى : سألني – مختبراً – شيخ الحنابلة وخاتمة المسندين شيخنا الشيخ المعمّر العلامة الأثري عبدالله بن عقيل – بارك الله في عمره - : أيهما أفضل " مختصر الزبيدي " أم " مختصر الألباني " ؟! .
فأجبت : " مختصر الزبيدي " أشهر ! .(/5)
فقال : ما عن الشهرة سألتك ! ، وإنما أيهما أفضل ؟! .
فقلت : " مختصر الألباني " .
فقال : نعم ، لأنه أبقى أحاديث الصحيح وإنما هذب أسانيدها وحذف المكرر وأبقى الأبواب على ما هي عليه بعكس " مختصر الزبيدي " .
أبو ريان الطائفي
كان الله في عونه ونصرته
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/6)
بسم الله الرحمن الرحيم
سوبر مان صوفي
هناك ظاهرة عند الصوفية يسمونها التطور فمنهم من يرى في عدة صور
تارة تراه رجلا وتارة تراه سبعا وتارة فيلا وتارة صبيا وتارة بعينين وأخرى بسبعة أعين
ومن الممكن أن يقطع بالسيوف قطعا ويظل حيا
فتعال لترى دنيا العجائب مع الصوفية أو بالأحرى تعال لتقرأ عن دين الخرافة الذي جسم على قلب الأمة دهرا طويلا من الزمان …
والله المستعان.
أولا: الشيخ حسين أبو علي رضي الله عنه
قال عنه الشعراني الصوفي في الطبقات 2/ 87
"كان هذا الشيخ رضي الله عنه من كمل العارفين وأصحاب الدوائر الكبرى
وكان كثير التطورات تدخل عليه بعض الأوقات تجده جنديا
ثم تدخل فتجده سبعا
ثم تدخل فتجده فيلا
ثم تدخل فتجده صبيا وهكذا
ومكث أربعين سنة في خلوة مسدودة بابها ليس لها غير طاقة يدخل منها الهواء وكان يقبض من الأرض ويناول الناس الذهب والفضة وكان من لا يعرف أحوال الفقراء يقول هذا كيماوي سيماوي ".
وهذا من كمل العارفين !! حتى لا يحتال أحد ويقول انه مجنون
وقد قلت حتى لو كان مجنونا فأي دين هذا الذي يعتني بقصص المجانين ويودعها كتابا يتحدث فيه عن الأولياء
وانتبه إلى قول الشعراني : من أصحاب الدوائر الكبيرة فضع تحتها ألف خط إلى أن أحدثك عن تصرفهم في الكون.
ثانيا: نفس هذا الشيخ
قال الشعراني: " فدخلوا على الشيخ فقطعوه بالسيوف وأخذوه في تليس ورموه على الكوم واخذوا على قتله ألف دينار ثم أصبحوا فوجدوا الشيخ حسينا رضي الله عنه جالسا فقال لهم : غركم القمر
وكانت النموس تتبعه حيث مشى في شوارع وغيرها فسموا أصحابه بالنموسية
وكان رضي الله عنه بريئا من جميع ما فعله أصحابه من الشطح الذي ضربت به رقابهم في الشريعة ".
وتأمل قوله: في الشريعة أما في الحقيقة فهيهات!!
وهذا يبين أن الأمة رغم سيطرة الصوفية كان فيها من يحاكم هؤلاء الزنادقة المتسترين بالإسلام ، واقرأ كيف قتل الحلاج وغيره .(/1)
ثالثا: شيخنا أبو علي هذا كان من جماعته: الشيخ عبيد
وهذا سوبر مان لأبعد الحدود!
قال عنه الشعراني: " واخبرني بعض الثقات انه كان مع الشيخ عبيد في مركب فوحلت ، فلم يستطع أحد أن يزحزحها
فقال الشيخ عبيد : اربطوها في بيضي (الخصيتين) بحبل وأنا انزل اسحبها
ففعلوا ( طبعا مع ستر العورة !! ) فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل إلى البحر ، مات رضي الله عنه في سنة نيف وتسعين وثمانمائه".
( بدون تعليق )
رابعا: سيدي الشيخ محمد الغمري
قال عنه الشعراني في الطبقات 2/ 87
( أحد أعيان أصحاب سيدي احمد الزاهد رضي الله عنه
كان من العلماء العاملين والفقراء الزاهدين المحققين سار في الطريق يسيرة صالحة وكانت جماعته في المحلة الكبرى وغيرها يضرب بهم المثل في الأدب والاجتهاد
قال: ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب الخيسي يوما الخلوة فرآه جالسا في الهواء وله سبع عيون
فقال له: الكامل من الرجال يسمى أبا العيون ".
طبعا كل الناس ناقصون إلا حضرة الشيخ !!!
فهل تشك أن هذا الشيخ كان ملبوسا بالجن أو جنا متلبسا بالإنس؟
أنا لا اشك
خامسا: ومنهم سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي
الطبقات 2/88
"كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين صاحب الكرامات الظاهرة والأفعال الفاخرة والأحوال الخارقة والمقامات السنية"
إلى أن قال: " وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود ، وصرفه في الكون ".
إلى أن قال: " قال الشيخ أبو العباس : وكنت إذا جئته وهو في الخلوة اقف على بابها فإن قال لي ادخل دخلت ، وإن سكت رجعت
فدخلت عليه يوما بلا استئذان فوقع بصري على أسد عظيم
فغشي علي فلما أفقت خرجت واستغفرت الله تعالى من الدخول عليه بلا إذن ".
" وقد مكث في خلوته سبع سنين تحت الأرض ابتدأها وعمره أربع عشرة سنة".
"قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: ولم يخرج الشيخ من تلك الخلوة حتى سمع هاتفا يقول: يا محمد اخرج انفع الناس ثلاث مرات(/2)
وقال له في الثالثة إن لم تخرج وإلا هيه
فقال الشيخ: فما بعد هيه إلا القطيعة ، قال الشيخ فقمت وخرجت إلى الزاوية فرأيت على الفسقية جماعة يتوضؤون فمنهم من على رأسه عمامة صفراء ومنهم زرقاء ، ومنهم من وجهه وجه قرد ، ومنهم من وجهه وجه خنزير ، ومنهم من وجهه كالقمر ، فعلمت أن الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء الناس ، فرجعت إلى خلفي وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كشف لي من أحوال الناس وصرت كآحاد الناس ".
وصدق شيخ الإسلام : إن هؤلاء لما عاشوا في البدعة مع أورادهم المبتدعة والرهبانية المحرمة مع ترك الجمع والجماعات تنزلت عليهم الشياطين فجرت على أيديهم بعض الخوارق لإضلال الناس
لكن انظر إلى تزكية النفس والتظاهر بالمساواة مع الناس
وللحديث تتمة إن شاء الله .
[ كتب هذا المقال بتاريخ ... ونشر بالساحة الإسلامية ].
كتبه ... الموحد(/3)
عالم من المغرب يتحدث عن الصوفية
من لقاء موقع الشبكة الإسلامية
مع فضيلة الشيخ مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة
من علماء المغرب
-----------------------------------
5- لكم جهاد كبير ـ شيخناـ في محاربة التصوف الغالي والبدعة بكل أنواعها ؛ فهل تعتقدون أن المحيط الإسلامي يستجيب لدعاة الإصلاح والالتزام بنهج النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل ترون الدعاة قد قاموا بواجبهم تجاه نصرة السنة ؟
الجواب :
التصوف ، هذا الأخطبُوط والسرطان الفتَّاك، هو المسؤول الأول ـ بعد فشل كلّ محاولة في محاربته والقضاء عليه - عن تأخُّر المسلمين وقعودهم عن اللَّحاق بركب الحضارة السليمة الصالحة، والتقدم العلمي الذي لا حياةَ كريمة بدونه، بما بثَّه ويبثُّه في النفوس والعقول من الخنوع والخضوع والخمولِ والذل، وإلغاءِ وظيفةِ العقل، والغُلو في البشر وتألِيهِهم وما إلى ذلك مما تطفح به مصادرُه القديمة والحديثة من مصائبَ وتعاليمَ وثنية على رأسها: عقيدة الاتحاد والحلول، ووحدة الوجود، التي لا تصوفّ بدونها، والتي يُدَندِنُ حولها جميعُ مشايخ الصوفية المشهورين، وزاد الطينَ بَلَّةً سكوتُ العلماء عن هذا البَلاء الماحق، بل وتأييدُ عدد كبير منهم لهم ـ شفقةً من الإرهاب الفكري الذي يمارسه عليهم الصوفية ويتواصون به ـ ومن الكلمات الشائعة بين العامة في هذا المجال قولُهم:" سلَّم للخَاوي تنْج من العَامِر ".(/2)
واستجابةُ الناس ـ ولا سيما الشباب ـ للدُّعاة الصالحين محدودةٌ لأسباب كثيرة على رأسها تأييدُ بعض ذوي الشأن للصوفية لحاجة في نفس يعقوبَ، وفيما يتعلق بالشباب: غِِرَّتُه والبطالةُ واستيلاءُ اليأْس عليه، فهو بين أمرين: إما الثورة على الكُل والإلحادُ والتحررُ من الدين والقيمِ، أو الارتماء في أحضان الزوايا والشيوخ الذين يبشرونَه بنعيم الولاية والعرفان، ولكن بعد الخلوة وفقدان العقل والإيمان، ولله عاقبة الأمور.. وأنا أقول هذا بعد تجربة شخصية، ودراسة ميدانية، ومعرفة كافية بالتصوف، ومخالطة لطرق شتَّى منه ولأهلها، ولا يغرنَّك ما يردده المغفلون من التحلية والتخلية، والأحوال الربانية، فإن الصالح من ذلك هو مقام الإحسان الذي جاء في حديث جبريل، وهو من الدين الإسلامي الخالص، وقد كان هذا مضمن البعثة المحمدية قبل أن يُخلق التصوف اللَّقيط.
نقلها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
عبدالقادر الجيلاني بين أهل السنة والصوفية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد:
فاطلالة على سيرة الشيخ عبدالقادر من مظانها السنية ، كطبقات الحنابلة وكتب شيخ الإسلام .. لا من يفتري عليه كأصحاب الجبات الصوفية والقائمين على المزارات الشركية قاتلهم الله ..
من هو الشيخ عبدالقادر الجيلاني؟!
الشيخ الزاهد عبدالقادر الجيلاني .. أحد علماء الحنابلة .. لهُ كتاب "الغنية" في مذهب أحمد ..
هذا الشيخ المظلوم .. وقد ظلمه أصحاب التصوف والقبوريون فكذبوا عليه .. حتى وصل ببعضهم أن يستغيثون به من دون الله .. وسنرى .. أن هؤلاء المشركون هم أنفسهم يخالفون الشيخ عبدالقادر من الكتب التي عندهم وينسبونها للشيخ ..
تنبيه: أن التصوف عند السلف بمعنى الزهد، أما اليوم فهي الابتداع بالدين واختراع طرق واتباع بدع وتشريع ما لم يشرع الله .. أنظر -بعد قليل - كيف يقرر الشيخ عبدالقادر عقيدة السلف وأنظر للقادرية ومن ينتسبون لعبدالقادر كيف يشركون بالله ويخالفون أمر الله الذي قرره وأكد عليه الشيخ في كتبه؟!!
أنظر كيف يطوفون بقبره ويصيرونه نداً لله.. قاتل الله أصحاب الجبايات الذين يضلون الناس ليكسبوا من هذه المزارات الدراهم الكثيرة..
سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي :
هل كان عبد القادر الجيلاني على عقيدة أهل السنة والجماعة وأن تلاميذه عظموه بعد وفاته؛ لأنني قرأت هذا في بعض الكتب؟
فأجاب :(/2)
نعم عبد القادر الجيلاني من الصالحين، ومن الحنابلة ولكن الناس عكفوا على قبره، وغلوا فيه ودعوه من دون الله، وهو لا يرضى بذلك، وهو من العلماء الأفاضل - من علماء الحنابلة وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وله كتاب الغنية، ومن ذلك ما ذكر شيخ الإسلام عنه قصة:
وهو أن الشياطين تستولي على بعض الناس، وتغريهم بالشرك، وتتسلط على المشركين، ومن ذلك أن بعض الشياطين تدخل في القبور، وتخاطب من يدعوها من دون الله، ويسمع منها الصوت مثل العزى، كان يسمع منها الصوت، فيظن المشرك إذا دعاه، وقد يقضي له حاجته، فيظن أن الميت هو الذي دعاه، وقد ينشق القبر، ثم يخرج الشيطان في صورة الميت، ويسلم عليه، ويقول: أنا أقضي لك حوائجك حتى يغريه بالشرك، ويشجعه على الشرك، هكذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يأتي ويقول: ذكر عني أنه رآني شخص بصورتي في البلد الفلاني، وأنا في البلد الفلاني، هذا شيطان تشبه به.
ومن ذلك ما يحصل من الشياطين ما حصل لعبد القادر الجيلاني قال: رأيت عرشًا بين السماء والأرض، فناداني صوت قال: يا عبد القادر أنا ربك قد أسقطت عنك الفرائض، وأبحت لك المحارم كلها، أسقطت عنك جميع الواجبات، قال: فقلت له: اخسأ يا عدو الله، فتمزق ذلك العرش، وذلك النور، وقال: نجوت مني بحلمك وعلمك يا عبد القادر وقد فتنت بهذه الفعلة سبعين صديقا أو كما قال. قيل له: كيف عرفت يا عبد القادر أنه شيطان. قال: عرفت بقوله: أسقطت عنك الواجبات، وأبحت لك المحرمات، وعرفت أن الواجبات لا تسقط عن أحد إلا من فقد عقله، وقال: إنه لم يستطع أن يقول: أنا الله، بل قال: أنا ربك.(/3)
فهذه من القصص التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن عبد القادر الجيلاني - رأى عرشًا بين السماء والأرض ويخاطبه. فالشياطين لهم شيطنة يتسلطون على بعض الناس، وعباد القبور وغيرهم، يشجعونهم على الشرك، ويؤذونهم، حتى إذا ترك الشرك يؤذيه الشيطان حتى يفعل الشرك إذا تأخر عن الشرك آذاه ولو ما يذبح لغير الله آذاه، وتسلط عليه، قال الله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ حتى إن بعضهم - بعض عباد القبور - يزحف أو يأتي كأنه ساجد حتى يصل إلى القبر، يقول، ولا يستطيع يمشي وهو مستقيم، لو يمشي وهو مستقيم سقط خبطه الشيطان، حتى يمشي وهو راكع، أو يزحف على ركبتيه، وإذا غير هذه الحالة ما استطاع.
وهذا مشاهد وواقع في قصص كثيرة من هذا، وأنا ذكر لي بعض المصريين الحجاج يقول: إنه يذبح للسيد البدوي وبعضهم يقول: يذبح في العام مرة، ويقول: علي ذبيحة لأهل الله، هذا ولي لأهل الله، علي ذبيحة لأهل الله، ويقول: إني أردت مرة أن أترك الذبح، أو تأخرت عن الذبح، فجاءني في الليل جمل فتح فاه، يريد أن يأكلني فما تخلصت حتى ذبحت - حتى ذبح للبدوي - فهذا من تلاعب الشياطين، والشياطين تتسلط عليهم كما قال الله: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
((قُلْت : وَلِهَذَا يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -(/4)
كَثِيرٌ مِنْ الرِّجَالِ إذَا وَصَلُوا إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَمْسَكُوا وَأَنَا انْفَتَحَتْ لِي فِيهِ رَوْزَنَةٌ فَنَازَعْتُ أَقْدَارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ وَالرَّجُلُ مَنْ يَكُونُ مُنَازِعًا لِقَدَرِ لَا مُوَافِقًا لَهُ وَهُوَ - رضي الله عنه - كَانَ يُعَظِّمُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَيُوصِي بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَيَنْهَى عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ )) ( 8/303)
وقال:
(( وَأَمَّا أَئِمَّةُ الصُّوفِيَّةِ وَالْمَشَايِخُ الْمَشْهُورُونَ مِنْ الْقُدَمَاءِ :
مِثْلُ الجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَتْبَاعِهِ وَمِثْلُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَأَمْثَالِهِ فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ لُزُومًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَتَوْصِيَةً بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَتَحْذِيرًا مِنْ الْمَشْيِ مَعَ الْقَدَرِ كَمَا مَشَى أَصْحَابُهُمْ أُولَئِكَ وَهَذَا هُوَ " الْفَرْقُ الثَّانِي " الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الجنيد مَعَ أَصْحَابِهِ . وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ كَلَامُهُ كُلُّهُ يَدُورُ عَلَى اتِّبَاعِ الْمَأْمُورِ , وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورِ وَلَا يُثْبِتُ طَرِيقًا تُخَالِفُ ذَلِكَ أَصْلًا لَا هُوَ وَلَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَيُحَذِّرُ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْقَدَرِ الْمَحْضِ بِدُونِ اتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ )) ( 8/366)
وهنا أنظر الصوفيين مع هذا الشيخ الجليل وكيف يصيرونه وثناً يعبدونهُ من دون الله بالطواف على قبره والصلاة إليه والذبح وتقديم القرابين والاستغاثة به وغير ذلك .. ثم نتبع بكلامه الذي يفضح ادعاءات الصوفية ويبين كذب اتباعهم لهُ.
يقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن في كشفه (كشف ما ألقاهُ إبليس من البهرج والتلبيس) ص261-264:(/5)
"وكذلك ما كان يفعلهُ أهل العراق ، والمغرب، والسواحل، من البناء على قبر عبدالقادر الجيلاني ، وبناء المشاهد لعبادة عبدالقادر ، كالمشهد الذي في أقصى المغرب ، وينادونه من مسافة أشهر ؛ بل سنة لتفريج كرباتهم ، وإغاثة لهفاتهم ، ويعتقدون أنهُ من تلك المسافة يسمع داعية ، ويجيب مناديه.
يقول قائلهم:إنه يسمع ومع سماعه ينفع .
وهو لما كان حياً يسمع ويبصر ، لم يعتقد أحد فيه أنه يسمع من ناداهُ من وراء جدار ، ثم بعد موته صار منهم ما صار ، وهل هذا إلا لاعتقادهم أنهُ يعلم الغيب ، ويقدر على ما لا يقدر عليه إلا الله؟
فلو جاز في حق عبدالقادر لجاز في حق من هو أفضل منهُ بأضعاف ، من الخلفاء الراشدين ، والسابقين الأولين ، والأئمة المهتدين ، أن يدعى من تلك المسافة ، ويستجيب ، لكن الله تعالى صان أولياءهُ ، وخيار أهل الإيمان أن يفعل معه مثل هذا ، فأين اعتقاد من اعتقد في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الإلهية ، فخدَّ لهم الأخاديد ، وألقى فيها من الحطب ، وأضرم فيها النار فقذفهم فيها.
قال ابن عباس: "إنهم يقتلون بالسيف" ، وفِعْلُهُ أمير المؤمنين لشدةِ غيرته على التوحيد ، وشدةِ إنكاره للشرك والتنديد.
وهذا الذي يفعلهُ هؤلاء مع من ذكرنا إنما هو من تألهِ القلوب بهم ، وشدة اعتقادهم فيهم ، وصرف خصائص الربوبية والإلهية لهم.
وعبدالقادر –رحمه الله- لاشك أنه لهُ فضل ودين ، وهو حنبلي المذهب ، وأكثر أصحاب الإمام أحمد أفضل منه في العلم ، وكذلك الإمام أحمد ، ومن في طبقته من أئمة المحدثين والفقهاء أفضل من عبدالقادر بالاتفاق ، فلو جازت هذه الأمور في حق عبدالقادر لجاز أن تفعل في حق أحد من هؤلاء ، بل وفي حق من هو أفضل من الكل كأعيان التابعين ومن قبلهم من الصحابة كالخلفاء الراشدين.(/6)
وعبدالقادر من سائر أهل مذهبه ، وله كتاب "الغنية" في مذهب أحمد ، ولهُ زهد وعبادة ، وليس أفضل من الفضيل بن عياض ، وبشر بن الحافي والجنيد ، بل أهل العلم يعلمون أن هؤلاء أفضل منه ، فهو فاضل بالنسبة لمن دونه ، مفضول بالنسبة إلى من ذكرنا من الأئمة قبله ، وإن كان يُذْكَرُ لَهُ كرامات الله أعلم بصحة ذلك ، وما آفة الأخبار إلا رواتها ، فإن صح منها شيء فكرامات الصحابة أعظم ، كما وقع لعمر وعلي وغيرهما ، فلم يعبدوا لأجل ما وقع لهم من كرامات.
والكرامة فعل الله تعالى ، وليست فعلاً لمن وقعت لهُ ، ومن أحسنِ مناقبِ عبدالقادر أن إبليس تراءى لهُ في غمامة فقال: أنا ربك وقد أبحت لك المحارم،فقال لهُ: اخسأ أنت إبليس ، إن الله لا يأمر بالفحشاء ، أو قال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} فرحم الله عبدالقادر ، فلقد كان لا يرضى بما قد كانوا يفعلونهُ معه ، ولا بمثل قطرة منه.
وأعظم المحارم التي ينكرها ما كان يُفعلُ اليوم وقبلهُ عند ضريح من الشرك الذي لا يغفره الله ، فإنه أعظم ذنب عصى الله به ، لا يرتاب في هذا مؤمن.
وهذا الذي ذكرناهُ على سبيل التمثيل ، وإلا فبناء المساجد ، والمشاهد على القبور وعبادتها ، قد عمت به البلوى في كثير ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا)) ، وقال لأمِ سلمةَ لما ذكرت لهُ كنيسة بأرضِ الحبشة ، وما فيها من الصور قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) .(/7)
فما أعظم ما وقع من الشرك في كثير من هذه الأمة ، فقد ربا على شرك أهل الجاهلية ، فإن أولئك أقروا بتوحيد الربوبية وجحدوا توحيد الإلهية ، وهؤلاء صرفوا خصائص الربوبية والإلهية لغير الله ، فالله المستعان. "اهـ
قال الشيخ عبدالقادر الجيلاني في كتابه الفتح الرباني:
" يا من يشكو الخلق مصائبه ، ايش ينفعك شكواك إلى الخلق؟!!
لا ينفعونك ولا يضرونك وإذا اعتمدت عليهم اشركت في باب الحق عزّ وجلّ يبعدونك ، وفي سخطهِ يوقعونك! ..
ويلك أما تستحيي أن تطلب من غير الله وهو أقرب إليك من غيره".
ويقول:
"لا تدعو مع الله أحداً كما قال {فلا تدعو مع الله أحداً} "
وقال لولده عند مرضِ موته:
" لا تخف أحداً ولا ترجه ، وأوكل الحوائج كلها إلى الله ، واطلبها منه ، ولا تثق بأحدٍ سوى الله عز وجل ، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه ، التوحيد ، وجماع الكل التوحيد"
من كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني ص117-118،159،373 نقلاً عن موسوعة أهل السنة للشيخ أبو عبيدة عبدالرحمن محمد سعيد
قول الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه(/8)
قال في كتابه تحفة المتقين وسبيل العارفين في باب اختلاف المذاهب في صفات الله عز وجل وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله {وما يعلم تأويله إلا الله} قال إسحاق في العلم إلى أن قال: والله تعالى بذاته على العرش علمه محيط بكل مكان والوقف عند أهل الحق على قوله إلا الله وقد روى ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش ويعلم ما في السموات والأرض إلى أن قال ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله: {الرحمن على العرش استوى} وابتدأوا بقوله استوى له ما في السموات وما في الأرض يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه وهذا خطأ منهم لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته وقال في كتابه الغنية أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد إلى أن قال وهو بجهة العلو مستو على العرش محتو على الملك محيط علمه بالأشياء إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان بل يقال أنه في السماء على العرش استوى قال الله تعالى الرحمن على العرش استوى وساق آيات وأحاديث ثم قال وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش ثم قال وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف . هذا نص كلامه في الغنية
من كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم 1/175
قال الناظم رحمه الله تعالى
فصل:
هذا وخامس عشرها الإجماع من ** رسل الإله الواحد المنان
فالمرسلون جميعهم مع كتبهم ** قد صرحوا بالفوق للرحمن
وحكى لنا إجماعهم شيخ الورى ** والدين عبد القادر الجيلاني
شرح قصيدة ابن القيم 1/432-433
وأبو الوليد المالكي أيضا حكى ** إجماعهم واني ابن رشد الثاني(/9)
وكذا أبو العباس أيضا قد حكى ** إجماعهم علم الهدى الحراني
وله إ طلاع لم يكن من قبله ** لسواه من متكلم بلسان
قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام سيد الوعاظ أبو محمد عبد القادر ابن الجيلي في كتاب الغنية له :
أما معرفة الصانع بالآيات والإختصار فهو أن يعرف ويتيقن أن الله واحد أحد إلى أن قال وهو بجهة العلو مستو على العرش يحنو على الملك محيط علمه بالأشياء إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال {الرحمن على العرش استوى } وذكر آيات وأحاديث إلى أن قال وينبغي إطلاق صفة الإستواء من غير تأويل وإنه إستواء الذات على العرش قال وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف وذكر كلاما طويلا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( فأمر الشيخ عبد القادر ( الجيلاني ) وشيخه حماد الدباسي وغيرهما من المشايخ أهل الاستقامة رضي الله عنهم : بأنه لا يريد السالك مراداً قط ، وأنه لا يريد مع إرادة الله عز وجل سواها ، بل يجري فعله فيه ، فيكون هو مراد الحق )) .
ثم قال : (( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف : مثل الفضيل بن عياض ، وإبراهيم بن أدهم ، وأبي سليمان الداراني ، ومعروف الكرخي ، والسري السقطي ، والجنيد بن محمد ، وغيرهم من المتقدمين ومثل الشيخ عبد القادر ، والشيخ حماد ، والشيخ أبي البيان وغيرهم من المتأخرين ، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهوى أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين بل عليه أن يفعل المأمور ، ويدع المحظور إلى أن يموت ، وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف ، وهذا كثير في كلامهم .(/10)
وقال شيخ الإسلام أيضاً : (( والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ يوافق ما كان عليه السلف ، وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر .
فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشايخ مثل بن عياض ، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط ، وحذيفة المرعشى ، ومعروف الكرخي ، إلى الجنيد بن محمد ، وسهل بن عبد الله التستري ، وأمثال هؤلاء ما يبين حقيقة مقالات المشايخ .
وقال ابن تيمية عن الجيلاني : (( والشيخ عبد القادر ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع ، والأمر والنهي ، وتقديمه على الذوق والقدر ، ومن أعظم المشائخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية .
من مقال للدكتور يحيى اليحيى حفظه الله ..
فالشيخ يقر بكرامات الأولياء والصالحين ، وما لهم من المكاشفات ، وهم على صلاحهم رضي الله عنهم ، وهو كما قال الله فيهم: {ألا إنَّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} .
إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئاً ، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ، وهم بريئون ممَّن أشرك بالله كبراءة عيسى من النصارى ، وموسى من اليهود ، وعلي من الرافضة ، وكذلك عبدالقادر الجيلاني رحمه الله بريء من أتباع الشيطان الذين ينتسبون إليه ويتسمون بالفقراء الجيلانية.
ثم يبين الشيخ أن هؤلاء الذين يزعمون حب الصالحين ، وهم يخالفونهم ، ويشركون مع الله في الدعاء والنذر والذبح وغير ذلك من العبادة التي لا تصلح إلا لله ، إن هؤلاء في الحقيقة أعداء الصالحين ، أما من هداهُ الله ، فلم يدع إلا الله ؛ فهو والله الذي يحبهم ؛ لأن من أحبَ قوماً أطاعهم ، فمن أحب الصالحين حقيقة يطيعهم ، فلا يعتقد إلا في الله كما في طريقتهم.
----------------------------------
[وبإمكانك مراجعة المصادر التالية للاطلاع على أقوال الشيخ رحمه والتي ملخصها ما سبق ذكره،ومن أراد التفصيل يرجع إلى المراجع المدونة بالأسفل:(/11)
"مؤلفات الشيخ" القسم الأول/الشخصية:رقم21 ص147.
== = = == = :رقم8 ص54-55.
= = = = = :رقم15 ص101.
"مؤلفات الشيخ" القسم الثالث/مختصر السيرة:ص296.
"مؤلفات الشيخ" القسم الرابع/التفسير: ص282-183.
"مؤلفات الشيخ" القسم الأول/العقيدة –كشف الشبهات-:ص169.
= = = -ستة الأصول العظيمة-:ص395-396]
------------------------------------
وهذا غيض من فيض .. ولو أردنا التفصيل لطال بنا الحديث
ولم أُرد أن أقف كثيراً مع الصوفيين في كلامهم عن ما يتعقدونه بالجيلاني وادعاء الكرامات منها أنه قاسم الأرزاق ومغيث الملهوف ومجيب الدعاء ومن كراماته أنه يحتلم في ليلة أربعين ليلة ... إلى غير ذلك من الضلال ..
رحم الله الشيخ عبدالقادر فوالله أنه لا يرضى بما يفعله أدعياء ااتباع الطريقة القادرية!!
رحم الله الشيخ فقد أهان سيرته وكال الكذب عليه بني صوفان لا كثرهم الله!!
أعدها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/12)
عبدالقادر بن بدران الدمشقي نبذ الصوفية ولزوم منهج السلف
هو الإمام العلامة المحقق المفسر المحدِّث الأصولي الشيخ عبدالقادر بن أحمد بن مصطفى ببن بدران الدمشقي -رحمه الله تعالى- ، ولد عام (1280-1346هـ) في بلدة "دوما"
عاش ابن بدران في بيئة كانت فيها الصوفية منتشرة ، والجهل فيها متفشٍ ، وقد قرأ على بعض الشيوخ الذين كان مسلكهم صوفياً ، وصرح بفضل الله عليه ، وأنه اتبع منهج السلف ، الذي هو أحكم والقرون المفضلة ، ومنهج الأئمة المصلحين.
يقول في هذا الصدد: ( إنني لما مَنَّ عليَّ بطلب العلم ، هجرت له الوطن والوسَن ، وكنت أطوف المعاهد لتحصيله وأذهب كل مذهب ... فتارة أطوح بنفسي فيما سلكه ابن سينا ... وتارة أتلقف ما سكبه أبو نصر الفارابي من صناعة المنطق ... ثم أجول في ميادين العلوم مدة - فارتدَّ إليَّ الطرف خاسئاً وهو حسير ... فلما هِمْتُ في تلك البيداء ، ناداني منادي الهدي الحقيقي: "هلمّ الشرف والكمال ، ودع نجاة ابن سينا الموهمة إلى النجاة الحقيقية ، وما ذلك إلا بأن تكون على ما كان عليه السلف الكرام من الصحابة والتابعين ، والتابعين لهم بإحسان ... ) فهنالك هَدأَ روعي ، وجعلت عقيدتي كتاب الله ، أكِلُ علم صفاته إليه بلا تجسيم ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل ، وانجلى على ما كان على قلبي من رَيْن أورثَته قواعدُ أرسطوطاليس ، وقلت ما كان إلا من النظر في تلك الوساوس والبدع والدسائس ... إن مَن اتبع هواه هام في كل وادٍ ، ولم يبالِ بأي شِعب سلك ولا بأي طريق هلك ... ) [المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران ص42-43](/2)
هذا جانب من عقيدته ، وهناك جانب آخر لا يقلّ عنه أهمية ، ألا وهو نبذ الخرافة والبدع المنكرة من الصوفية ، التي تختلق الكرامات وتنقلها عن أقطابها.
من ذلك قوله –رحمه الله-: "أقول إن نقل الكرامات أصبح أمراً عسيراً ، لأن أصحاب الرجل (الولي والشيخ) يستعملون الغلو دائماً ، والأخبار تحتمل الصدق والكذب ... " ثم ينقل عن المتصوفة قصصاً وأخبراً عجيبة في هذا المجال [منادمة الأطلال ومسامرة الخيال]
يقول الشيخ محمد بن ناصر العجمي متحدثاً عن عقيدة ابن بدران:
وحدثني الأديب الكبير علي الطنطاوي ، حينما سألته عن العلامة ابن بدران فقال: "كانت الوهابية تُعَدُّ تهمة خطيرة مخيفة ، وكانوا يحذروننا من الاجتماع بهم ، فوقفت مرة في حلقة ابن بدران ، العالم الحنبلي المعروف ، وكان هناك طلاب يمرّون في الأسواق ، فرأوني في حلقة ابن بدران وقدّموا فيّ تقريراً إلى المشايخ ، فضُربت (فلقة) في رجلي" [علامة الشام:عبدالقادر بن بدران ص22]
وسبب ذلك أن ابن بدران كان على منهج السلف ، ودمشق آنذاك ، وكذلك أكثر المدن السورية ، كانت على جمود المتصوفة ، والبعد عن مرونة العلماء المجتهدين في أيام الدولة العثمانية.
فقد كان ابن بدران يظهر تعلقه بأئمة السلف: ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، فيقول: "كان ابن تيمية على منهاج ما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان ، ويناهض حصون العادات السيئة والبدع ، فيدُكّها ولا يخشى في الله لومة لائم .. فهبّ قوم قصروا عن مداه ، فعاندوه حسداً وبغياً .. ولاشك أنه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، فعليه رحمة الله تعالى" [الفتاوى القازانية ص207]
أما مذهبه فقال محمد بن سعيد الحنبلي: "... وكان شافعياً ثم تحنبل ، وسبب ذلك – كما قاله بعض الخواص عنه:(/3)
" كنت في أول عمري ملازماً لمذهب الإمام الشافعي –رحمه الله- سالكاً فيه سبيل التقليد ، ثم منَّ الله عليّ فحبب إليّ الاطلاع على كتب التفسير والحديث وشروحها ، وأمهات كتب المذاهب الأربعة ، وعلى مصنفات شيخ الإسلام وتلميذه الحافظ ابن القيم ، وعلى كتب الحنابلة ، فما هو إلا أن فتح الله بصيرتي وهداني من غير تحزب لمذهب دون مذهب ، فرأيت أنَّ مذهب الحنابلة ، أشد تمسكاً بمنطوق الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة ومفهومها ، فكنت حنبلياً من ذلك الوقت" [نبذة في ترجمة ابن بدران في آخر كتاب المدخل]
لقد تميز ابن بدران بالعفة والأدب والعلم والتقوى ، مع الزهد في حطام الدنيا ..
وقد أثنى عليه كل عالم منصف يعرف قدره وفضله:
قال عنه الزركلي:
" فقيه أصولي ، عارف بالأدب والتاريخ كاره للمظاهر ، يقنع بالكفاف ، لا يُعنى بملبس أو بمأكل ، ضعف بصره قبل الكهولة ، وفلج في أعوامه الأخيرة" [الأعلام 1/37]
وقال الأستاذ أدهم الجندي:
"وبرع ابن بدران في سائر العلوم العقلية والأدبية والرياضية ، وتبحر في الفقه والنحو ، فكان –رحمه الله- علماً من الأعلام"
وقال: "كان شيخاً جليلاً زاهداً في حطام الدنيا ، متقشفاً في ملبسه ومسكنه ومعيشته .. " [أعلام الأدب والفن: 1/224-225]
وقال عنه محمد تقي الدين الحصني:
" .. كان سلفيَّ العقيدة ، يبح التقشف ويميل بطبعه إلى الانفراد عن الناس ، والبعد عن الأمراء ، وله اختصاص في علم الآثار
والكتب القديمة ، ومعرفة أسماء الرجال ومؤلفاتهم من صدر الإسلام إلى اليوم" [منتخبات التواريخ لدمشق:2/762-763]
وقال الشيخ محمد بن السعيد العثماني:
" كان –رحمه الله- شيخاً جليلاً مقتفياً لطريقة السلف الصالح مدافعاً عنها ، صابراً على أذى الأعداء فيها ، تاركاً للتعصب ، مع الدين والتقوى والعفة والصلاح .. " [نبذة من ترجمة ابن بدران في آخر المدخل](/4)
وقال العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار في كلامه عن شيخيه جمال الدين القاسمي وابن بدران:
"وكانت صلة ابن بدران بالقاسمي حسنة ، وكان للشيخين أمل كبير وسعي عظيم ، وفي تجديد النهضة الدينية العلمية في ديار الشام ، فقد أشبها –رحمهما الله- أئمة السلف تعليماً للخواص ، وإرشاداً للعوام ، وتأليفاً للكتب النافعة ، وزهداً في حطام الدنيا الزائلة" [مقدمة منادمة الأطلال]
وقال محب الدين الخطيب حين ذكر وفاته في مجلة الفتح:
" هو –أي ابن بدران- من أفاضل العلماء .. تلقى العلم عن المشايخ مدة خمس سنوات ، ثم انصرف إلى تعليم نفسه بنفسه ، فكان من أهل الصبر على التوسع في اكتساب المعارف ، من العلوم الشرعية والأدبية والعقلية ، وهو حنبلي المذهب .. " [الفتح،العدد 67]
وقد عُينَّ مُفتياً للحنابلة ، ومُدرساً بالجامع الأموي .. وغير ذلك ..
وقد ابتلي كثيراً ، من الحكام ومشايخ الدولة ، والصوفية ، والجهلة الأغمار ، وكان يشتكي من التعدي والحسد ، وتألبهم عليه ، يقول البارودي: " الشيخ ابن بدران أحد فقهاء قصبة دوماء ، وهو من العلماء المجددين . كان جريئاً لا يهاب أحداً ... " ثم ذكر أن من جرئته أعترض على بعض مخالفات رئيس بلدية دوما صالح طه ، فأصدر صالح طه أمراً من الوالي بإبعاد الشيخ ابن بدران عن دوما ، فانتقل إلى دمشق مدة سنيتن حتى انتهت مدة نفيه ، وقد أفاد أهل دمشق وانتشرت دعوته الإصلاحية السلفية ، وخدم تاريخ دمشق بتهذيب تاريخ دمشق ، وألف [الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام]
ولقد ألف ابن بدران المؤلفات الكثيرة ، التي تشهد له بالفضل وسعة الاطلاع ، غير أن بعضها لم يكتمل ، بسبب ما أصيب به من داء الفالج في آخر عمره .. وقد بلغت مصنفاته (46 مصنفاً) . وفيما يلي ذكر أهم تلك المصنفات:
1 – المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل
2 – منادمة الاطلال ومسامرة الخيال(/5)
3 – الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام
4 – العقود الدرية في الأجوبة القازانية
5 – العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية
6 – حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع "الجزء الأول"
7 – تعليق على لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة
8 – تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر "يقع في ثلاثة عشر مجلداً"
9 – تاريخ دوما منذ فجر الدولة العباسية حتى القرن الرابع عشر الهجري
10 – الآثار الدمشقية والمعاهد العلمية
11 – شرح روضة الناظر لابن قدامة
12 – ديوان تسلية اللبيب عن ذكر حبيب
وقد تتلمذ على يديه خلقٌ كثير ، من أبرزهم:
1 – المؤرخ خير الدين الزركلي ، صاحب كتاب الأعلام.
2 – العلامة محمد صالح العقاد الشافعي ، الذي كان يقال عنه: "الشافعي الصغير"
3 – العلامة المؤرخ محمد أحمد دهمان ، وهو من أخص طلابه ، وقد أسس في حياة شيخه المطبعة والمكتبة السلفية بدمشق ، حيث طبع مؤلفات شيخه ابن بدران.
4 – الأديب الشاعر محمد سليم الجندي ، من أعضاء المجمع العلمي في دمشق ، قال علي الطنطاوي عنه: " ما أعرف تحت أديم السماء أعلم منه بالعربية وعلومها" [دمشق للطنطاوي 114]
5 – الشاعر الأديب محمد بن محمود البزم ، ترجم له الزركلي في الأعلام.
6 – فخري بن محمود البارودي ، من رجال السياسة والأدب.
وعلماء آخرون ، إذ أنجب تلامذة أصبحوا أعلاماً خالدين ، كما يقول أدهم الجندي في كتابه "أعلام الأدب والفن" 1/225
وقد أصيب آخر حياته بمرض الفالج ، فنقل للمستشفى وظل فيه ستة أشهر ، ثم خرج ، وتوفي – رحمه الله- في ربيع الثاني 1346. ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.
* غالب هذه الترجمة استفادتها من كتاب [عُلماء الشام في القرن العشرين]
نقلها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون(/6)
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/7)
علامة الشام محمد بهجة البيطار من بيت غلاة الصوفية إلى إتباع السلفية
محمد بهجة بن محمد بهاء الدين البيطار ، العالم الفقيه ، والمصلح الأديب ، والمؤرخ الخطيب ، ولد بدمشق في أسرة دمشقية عريقة ، جدها الأعلى من الجزائر.
كان والده من شيوخ دمشق ، ومن مشايخ الصوفية الغلاة ، يقول الطنطاوي:
" ومن أعجب العجب ، أن والد الشيخ بهجة كان صوفياً من غلاة الصوفية ، القائلين بوحدة الوجود ، على مذهب ابن عربي ، وابن سبعين والحلاج ... " [رجال من التاريخ ص416-417]
نشأ في حجره ، وتلقى عليه مبادئ علوم الدين واللغة .. ثم درس على يد أعلام عصره ، مثل: جمال الدين القاسمي ، محمد الخضر حسين ، محمد بن بدران الحسني ، محمد رشيد رضا ..
وكان تأثره بالشيخ جمال الدين القاسمي كبيراً ، قال عاصم البيطار ولد الشيخ بهجة:
" وكان والدي ملازماً للشيخ جمال الدين ، شديد التعلق به ، وكان للشيخ - رحمه الله- أثر كبير ، غرس في نفسه حب السلفية ونقاء العقيدة ، والبعد عن الزيف والقشور ، وحسن الانتفاع بالوقت والثبات على العقيدة ، والصبر على المكاره في سبيلها ، وكم كنت أراه يبكي وهو يذكر أستاذه القاسمي"
فسبحان من يخرج الحي من الميت .. وقد أسهم في نشر العقيدة الصحيحة .. وتولى عدد من المناصب العلمية ..
وقد اختير الشيخ "بهجة البيطار" في جمعية العلماء ، ثم في رابطة العلماء في دمشق.
وتولى الخطابة والإمامة والتدريس في جامع "القاعة" في الميدان خلفاً لوالده ، ثم في جامع "الدقاق" في الميدان أيضاً ، استمر فيه حتى وفاته.(/2)
تنقل في وظائف التدريس في سوريا والحجاز ولبنان ، كما أنه درّس في الكلية الشرعية بدمشق: التفسير والأخلاق ، ودرّس كذلك في دار المعلمين العليا وفي كلية الآداب في دمشق .. وبعد التقاعد قصر نشاطه على المحاضرات الجامعية والتدريس الديني.
وكان الشيخ عضواً في المجمع العلمي العربي ، ومشرفاً على مجلته.
سافر للحجاز وحضر مؤتمر العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1345هـ ، وأبقاه الملك عبدالعزيز فجعله مديراً للمعهد العلمي السعودي في مكة ، ثم ولاه القضاء ، فاشتغل به مدة ثم استعفاه ، قولاه وظائف تعليمية ، وجعله مدرساً في الحرم ،وعضواً في مجلس المعارف .. ثم دعي الشيخ لإنشاء دار التوحيد في الطائف ..
وكان خطيباً بارعاً يخطب ارتجالاً ..
وقد كان سبباً في هداية عدد كبير من طلبة العلم والمثقفين والأدباء إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة ..
ومنهم الشيخ الأديب علي الطنطاوي حيث يقول عن تلكم الحوارات :
" " لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414
ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:(/3)
" وكان اتصالي بالشيخ بهجة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابية ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابية ، وكان عندنا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
المرجع السابق: ص416
ولقد ترك عدة مؤلفات قيمة منها:
1 – مسائل الإمام أحمد:أبو داود "تعليق"
2 – أسرار العربية: لابن الأنباري "تحقيق"
3 – قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: محمد جمال الدين القاسمي "تحقيق وتعليق"
4 – الإسلام والصحابة الكرام بين السنَّنة والشيعة
5 – تفسير سورة يوسف
6 – حياة شيخ الإسلام ابن تيمية: محاضرات ومقالات ودراسات
7 – الرحلة النجدية الحجازية: صور من حياة البادية
8 – حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر/ لجده عبدالرزاق البيطار "تحقيق وتقديم"
9 – الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين ، وهو شرح الأربعين العجلونية: تأليف جمال الدين القاسمي "تقديم وتحقيق"
10 – كلمات وأحاديث ، كان بعنوان: الثقافتان الصفراء والبيضاء
توفي غرة جمادى الآخرة 1369هـ في دمشق ..
رحم الله الشيخ محمد بهجة البيطار ، فقد كان يحمل لواء الدعوة السلفية في الشام حينما كانت الصوفية سائدة ، والتعصب للمذاهب الفقهية غالباً.
* غالب هذه الترجمة استفادتها من كتاب [عُلماء الشام في القرن العشرين]
نقلها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
علامة المغرب محمد الزمزمي الغماري من الشرك والصوفية إلى التوحيد والسنة
العلامة الشريف محمد الزمزمي بن محمد بن الصديق الغماري .. ولد في أسرة أشعرية حتى النخاع، وبيت لطريقة صوفية (الطريقة الصديقية)، يكثر فيهم التجهم!! ويظهر فيهم التعصب ..
ولد هذا الشيخ ببور سعيد بمصر في طريق والديه إلى الحج عام 1330هـ.
حفظ القرآن الكريم على شيخه الفقيه محمد الأندلسي، وفي عام 1349 شرع في قراءة العلم على أخيه الأكبر أحمد، ثم شدَّ الرحلة إلى القاهرة صحبه أخيه عبدالله الذي قرأ معه الآجرومية، وطرفاً من ألفية بن مالك، وورقات إمام الحرمين، وأوائل جمع الجوامع على الباخرة.
ولما وصل إلى القاهرة التحق بالأزهر، فقرأ على جماعة من شيوخه، كالشيخ عبدالسلام غنيم، وأبي طالب حسنين، ومحمود الإمام، وعبدالمجيد الشرقاوي، والشيخ محمد بخيت المطيعي وغيرهم، واختار في الفقه قراءة مذهب أحمد رحمه الله تعالى.
ثم رجع إلى طنجة عند وفاة والده عام 1354، وجعل يلقي دروساً تطوعيَّة بالجامع الكبير، وبزاوية والده في التفسير والحديث، والتفَّ حوله جماعة من الطلبة، فقرأ معهم الأصول والمنطق والعربة والبلاغة...
نشأ -كما ذكرنا- كأسرته وباقي أهل بيته على التصوُّف وكان جَلْداً فيه، وألف في نصرته كتاباً أسماه: "الانتصار لطريق الصوفية الأخيار"، ذكر فيه أدلة ما يختصُّ به الصوفية.(/2)
ثم لما بلغ سن الأشد –أي الأربعين- ، ونضج تفكيره، وثاب إلى رشده، أشهر على هذه الطرق البدعية حرباً عنيفة لا هوادة فيها، وضلَّلهم وبدعهم، وكفر عدداً منهم، وتبرأ من والده كتابةً وكتب: [ الزاوية وما فيها من البدع والأعمال المنكرة ] ، قال في ديباجته: "ألا فليشهد عليَّ المؤمنون، والعلماء الصالحون أنِّي أتبرأ من المتصوِّفة الجاهلين، وأتقرَّب إلى الله تعالى ببغضهم، وأدعو إلى محاربتهم ... ".
وقد كان من محاربته للصوفية تركيزه على من خبر سرهم، وعرف شناعتهم، وتلاعبهم على الناس، وهم إخوته وتلامذة والده، فعاداهم وهجرهم، ..
ووقعت بينه وبين إخوته ردود عديدة، أدت إلى فضحهم وكشف حقيقتهم، وهجر الناس لهم، وتبينهم أن الحق بالدليل، لا بأبناء الصديق الغماري وطريقتهم!!
وقد قام بعض إخوته (المشايخ الجهمية) بمرافعة ضد في محاكم الطاغوت، يقاضونه على أن فضحهم وبيَّن عوارهم .. نسأل الله السلامة والعافية.
ومن كتبه القاصمة لأرباب التصوف بالعموم؛ وأهله بالخصوص ما دونه باسم (الطوائف الموجودة في هذا الوقت) وفيه براءته من أحوال إخوانه الصوفية الدِّرْقاوية البِدْعية!!
ومنها كتابه في الهجر، جليل القدر، عظيم الأمر، الذي أسماه بـ(إعلام المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والظالمين)، وهو رد على أخيه عبدالله، لما لديه من الدعوة إلى القبوريات، وإلى بناء المساجد على القبور، وخدمة زاوية أبيه الصوفية الصديقية، وفي سلسلة يطول ذِكْرُها من البدع المُضلَّة ...(/3)
ومن رسائله التي هزت أصحاب الزاوية الضالة، كتابه (كشف الحجاب عن المتهور الكذاب) .. حتى أن أخيه القبوري عبدالله قال في سبيل التوفيق بأنه "يقصدني" وأخذ في ذكر ما بينه وبين أخيه .. والذي بينهم هو توحيد أو شرك .. فأحد يرفع راية الإسلام بنقائه وصفائه مخلصاً لله الدين .. والآخر يرفع راية عبادة القبور، واستحسان البدع وهم من السنة نفور .. هذه خلاصة الخلاف ..
لقد كان –رحمه الله- أثرياً عاملاً بالدليل، شديداً على متعصبة المذاهب، قوَّالاً بالحق، بعيداً عن الظلمة وذوي السلطة، شديداً عليهم وعلى المتفرنجين، زاهداً في الدنيا ..
له تآليف كثيرة، منها: (دلائل الإسلام) و(التفرنج) و(المحجة البيضاء) و(إعلام الفضلاء بأن الفقهاء ليسوا من العلماء) و(تحذير المسلمين من مذهب العصريين) و(الحجة البيضاء .. ) و(كشف الحجاب عن المتهور الكذاب) و(إعلام المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والظالمين) ...
ولقد ألمَّ بالشيخ مرض ألزمه الفراش مده حتى استوفاه الله في يوم الجمعة 28 من ذي الحجة عام 1408هـ، غفر الله ورحمة ورفع منزلته في عليين.
كتبه
أبو عمر الدوسري (المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
علي الطنطاوي من العقيدة الأشعرية والماتريدية والصوفية إلى السلفية
من لا يعرف الشيخ الأديب الأريب الخطيب محمد علي الطنطاوي -رحمه الله تعالى- .. الذي جاهد بنفسه وماله وأهله لخدمة هذا الدين .. إنه نبراس في الاقتداء في جانب الجهاد والتعبئة للمشاعر الدينية .. وهو أسوة في الأدب المحتشم الملتزم .. وهو قدوة في الاستكبار على الهوى واستصغار النفس لتقبل الحق شاءت أم أبت إذا بان له الحق بدليله ..
فمن لا يعرف هذا الشيخ؟!!
إن المنابر لتذكر خطبه المجلجلة .. والمساجد تذكر ركعاته الخاشعة المتأنية .. والصحف تذكر سيفه إذا سله .. والإذاعة لتذكر صوته الأخاذ بتلابيب القلوب ..
علي الطنطاوي .. هذا الشيخ .. ولد في بيت صالح .. لكنه تربى على غير اعتقاد أهل السنة .. وسلك طريقة يخالف الجماعة ..
كيف؟!!
هل تريد أن تعرف الخبر؟!!
الخبر يخبرك به الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله تعالى- حيث يقول:(/2)
" إنه نشأ أول أمره في وسط صوفي ، إذ كان والده نقشبندياً مثل أكبر المشايخ ، فتعلم منه كره ابن تيمية وكره الوهابية ، حتى إذا شخص إلى مصر ، وصحب خاله المرحوم الأستاذ محب الدين الخطيب ، بدأ ينظر إلى ذلك الموضوع بروح جديدة دفعته إلى إعادة النظر في أمر القوم .. بيد أنه لم ينته إلى الاستقرار إلا بعد اتصاله بالشيخ بهجة البيطار ، فمن هناك بدأت استقامتهُ على الطريقة والتزام الجادة ، وكان من أثر ذلك كتاباه اللذان أخرجهما عن حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب .. إلا أن هذا الاستقرار لم يأت بالمجان ؛ بل كلفه وأخاه عبدالغني –كما يقول- طويلاً من النقاش مع الشيخ بهجة ، غفر الله لنا وله ، فقد دخلا معه في معركة جدال حادة ، بلغت بهما حدَّ إغضابه ، وهو المعروف بوقار العلم وسعة الصدر ، والبعد عن التعصب ، حتى لم يعد لهما حجة يصح الاعتداد بها بعد أن اتضحت معالم الحق في أجلى بيان "
علماء ومفكرين عرفتهم 3/192
ويتحدث الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- عن كيفية انتقاله من عقيدة الأشاعرة والماتريدية إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، يقول عن شيخه الذي اهتدي على يديه محمد بهجة البيطار –رحمه الله تعالى-:(/3)
" لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414
ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:
" وكان اتصالي بالشيخ بهجة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابية ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابية ، وكان عندنا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
المرجع السابق: ص416
الكلام الذي سبق في الحوار مع الطنطاوي .. جعل المقابل –وهو الشيخ محمد المجذوب رحمه الله- يقف مع هذه المسألة وقفات في [علماء ومفكرين عرفتهم للمجذوب 3/206-209 ] .. أدعك مع الحوار .. ومع تعقبات الشيخ [خالد أهل السنة] لبعض ما لم يوفق فيه الشيخ الطنطاوي –رحمه الله- :
" بين الصوفية والسلفية:
م-:يا فضيلة الشيخ اسمحوا لي أن أقول لكم إنني والقراء الذين سيطلعون على ما سأكتبه عنكم نريد أن نعرف موقفكم النهائي من الدعوة السلفية والمسالك الصوفية؟(/4)
الطنطاوي: لقد أسلفت الكلام عن موقفي عن السلفية عند حديثي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وترون ذلك واضحاً في ما كتبته عنه في مدخل الجزء الأول من الكتابين .. حيث بينت أنت انتقلت إلى أقصى الطرفين.
م: وقد حدثتنا عن ترددك بينهما ..
ط: أجل .. قد ترددت ثم استقررت على مذهب السلف ؛ ولكن هناك مشكلة واحدة .. أحب أن أقف عليها قليلاً ، شيخ الإسلام من أعاظم مفكري الإسلام ، وكذلك ابن حزم إمام عظيم ، ولكل منهما رأي عليه بعض الاعتراض.
فابن تيمية ينكر التأويل إطلاقا ، وابن حزم ينكر القياس .. وقد عالجت هذه الناحية في كتابي (تعريف عام بدين الإسلام) "
تعقب الشيخ خالد أهل السنة:
1 – قوله: "فابن تيمية ينكر التأويل مطلقاً"
الاستدراك:
إن كان يقصد أنه ينكر التأويل الذي بمعنى التفسير والتأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام فقد غلط.
وإن كان يقصد بالتأويل المعنى الثالث الحادث وهو (المجاز) الذي هو صرف اللفظ عن المعنى الظاهر الراجح إلى المعنى الخفي المرجوح .. فإنه لم ينكره إذا كانت له قرينة صارفة وتعذر إرادة حقيقة الكلام.
وهذا التأويل بمعناه الثالث لا وجود له في آيات الأسماء والصفات لأنها على الحقيقة ولا يدخلها (المجاز) إطلاقاً.
ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" من ذلك مثلاً استواء الرحمن سبحانه وتعالى على العرش .. فمن أنكر الاستواء كفر دون شك ، ومن فسر بمثل قعود الناس فقد كفر أيضاً .. ولابد أن يكون الحق بين هذين الجانبين .. فأنا شهد الله سلفي العقيدة ؛ لكن هناك أمور من آيات الصفات لا أرها تفهم إلا مؤولة."
تعقب الشيخ خالد أهل السنة:
2 – قوله: " .. لكن هناك أمور من آيات الصفات لا أراها إلا مؤولة"
الاستدراك:(/5)
ظاهر أنه يريد بقوله "مؤولة" يعني على (المجاز) وأنه لا يُراد حقيقة الكلام ، وقد نسب كلامه هذا لرأيه بقوله: "لا أراها" والعقيدة والتوحيد لا مجال فيها للرأي أو الاجتهاد أو القياس ؛ بل نفيهم نصوصها على ظاهرها والكلام فيها على الحقيقة.
ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" فربنا الذي يخبر أنه استوى على العرش ، يقول في آية أخرى من كتابه الحكيم: {وهو معكم أينما كنتم} فلابد من تأويل هذه المَعيَّة بأنها معية علم وسمع وبصر ، وهو النحو الذي جرى عليه ابن تيمية في تأويلها .."
تعقب الشيخ خالد أهل السنة:
3 – قوله: "فربنا الذي يخبر بأنه استوى .. " إلى قوله: " وهوالنحو الذي جرى عليه ابن تيمية في تأويلها"
الاستدراك:
هذا غلط منه ومجانبة للصواب.
فإن الله تعالى مستوٍ على عرشه بائن من خلقه وهو مع الخلق بعلمه وليس بذاته وقولنا هو معهم بعلِمه دلت عليه النصوص المحكمة مثل قوله تعالى: { ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيءٍ عليم } فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآية بعلمه واختتمها بعلمه
والله سبحانه مع خلقه بعلمه أين ما كانوا
ومعيته سبحانه لها قسمان:
معية عامة للخلق يعلم سرهم ونجواهم ويحصي عليهم أعمالهم ويحيط بكل أمورهم
ومعية خاصة بالمؤمنين ينصرهم ويعينهم ويسددهم ويوفقهم.
ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" كنت أسمع إلى أحد القراء فلما انتهى إلى قوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} تساءلت: هل يمكن فهم هذه الآية إلا مؤولة!.."
يعقب الشيخ خالد أهل السنة:
4 – قوله عن آية سورة الرحمن: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} "هل يمكن فهم هذه الآية إلا مؤولة"
الاستدراك:(/6)
أن الآية فسرها السلف على ظاهرها والكلام على حقيقته ومعناها [سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم على أعمالكم أيها الأنس والجن]
وليس هو الفراغ الذي يقابله الشغل ؛ بل الله فارغ وليس بالله شغل وهو وعيد من الله تعالى للعباد.
وهذا هو تفسير ابن عباس والضحاك وقتادة
وقال البخاري –رحمه الله- سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء
وهو معروف في كلام العرب يقال: ( لأتفرغن لك ) وما به شغل بمعنى: (لآخذنك على غرتك) فهو وعيد وتهديد.
ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" وكذلك الأمر في {نسوا الله فنسيهم} أجل والله إني سلفي العقيدة، وأسأله تعالى أن ألقاه ثابتاً عليها .."
يعقب الشيخ خالد أهل السنة:
5 – وقوله: "وكذا الأمر في قوله تعالى {نسوا الله فنسيهم} "
الاستدراك:
إن النسيان الوارد في الكتاب والسنة له معنيان:
نسيان بمعنى الذهول عن شيء معلوم فهذا لا يوصف الله تعالى به إطلاقاً لقوله تعالى: {لا يضل ربي ولا ينسى} وقوله تعالى: {وما كان ربك نسيّا}
وهناك نسيان بمعنى (الترك) عن علمٍ وقصدٍ وهذا المعنى ثابت لله تعالى لقوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} وقوله: {فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا}
فالكلام على حقيقته
والراسخون في العلم يجمعون بين نصوص الباب كلها وينزلونها منازلها ويردون متشابهها إلى محكمها.
المجذوب: فيما يتعلق بموضوع الصفات .. أترون إطلاق التأويل على سائر الصفات أم على بعضها مما لا يمكن فهمه إلا مؤولاً كشأن المعية والنسيان؟..
ط: أنا أقول: إن القرآن أنزل بلسان عربي مبين ، فما لا يفهمه العربي الفصيح لأول مرة إلا مؤولاً فنحن نؤوله ..
م: لكن من أساليب العرب استعمالهم الكناية في التعبير عن مرادهم .. فقوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} لا يفهمه العربي الفصيح إلا من خلال الكناية التي تعني سيأتي دورهم.
ط: هذا تأويل ..(/7)
م: بل هو كناية التي تعدل عن التصريح إلى التصوير ، فتؤدى من البلاغ مالا يؤديه الكلام المباشر.
ط: وما الفرق بين التفسير والتأويل .. التفسير من فسر ، ومنه السفور ، أي الوضوح. والتأويل من قولهم: آل إلى كذا أي صار إليه ، ونقلوه إلى التعدية بالتشديد فأَوَّله إليه: يعني صيره إلى المعنى الأول. وما دام هذا التأويل لا يخالف كلام الله ولا ينافي الوحدانية أولاً ، ويوافق ما يفهمه العربي السليم الطبع السليقي الفصيح ثانياً: فهو صحيح ولابد منه في مثل الأمور التي ذكرتها مما لا يفهم إلا التأويل.
م: طيب عندما أسمع ربي يذكر لنفسه عيناً ويداً ، ويذكر له رسوله قدماً .. فلماذا أتعب نفسي وأُدخلها في متاهات التأويل ، ولا أكتفي بتصديق ما أخبر به دون تأويل ولا تعطيل؟.. أليس هذا هو الأفضل والأسلم!..
أوليس هذا هو الفهم السليم لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فهو ذو سمع وذو بصر ؛ ولكن لا يمكن تشخيصهما ، إذ ليس كمثله شيء فصار من الخطأ ؛ بل الخطر أن يحاول متعسف إجراء التأويل على هذه الصفات ، إن من المستحيل في عالم الحسّ أن تعرف سمعاً أو بصراً أو قدماً عن غير طريق الجوارح التي ألفناها ، فلا يبقى أمام العقلاء سوى التسلم بوجودها كالتسليم بوجوده تبارك اسمه ، دون تفسير ولا تأويل ولا تعطيل.
ط: يا سيدي لقد أجبت على ما سألتموني ولم أقل إلا الحق الذي أدين به الله وأرجوا أن ألقاه عليه ؛ لكن الإشكال من أين جاء؟.. هذه الكلمات وضعت في اللسان العربي قبل نزول القرآن . وقد وضعت لمعان بشرية أرضية مادية ، فهذه المعاني لا تراد قطعاً..(/8)
م: ألفت نظركم إلى نقطة أنتم أدرى بها ، تلك هي أن اللغة تبدأ في التعبير عن الأشياء المادية ، فكلما ترقى الإنسان في مجال التطور ارتقى تعبيره إلى الأشياء المجردة البعيدة .. فإذا بهذه الألفاظ التي كان يستعملها العربي للأشياء المادية هي نفسها تتجه نحو الأشياء الأخرى ؛ ولكن يظل هناك ارتباط بين المعنى الجديد والمدلول القديم ، ولا حاجة إلى ضرب الأمثال ..
والآن نرجو أن تزيدونا إيضاحاً لموقفكم من الصوفية؟
ط: الصوفية ، كذلك مررت بها في مراحل ، قبل أيام كنت أقول لأحد إخواني: والله إن الصوفية هي الباب الكبير الذي تدفق منه علينا الفساد ، والباب الآخر هو التشيع والشيوعية وكلها من أصل واحد.
في مقدمة كتابي الأول عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحدثت عن الوهابية وكيف نشأنا على كراهتها ، ثم أردت أن امتحن نفسي فتساءلت: هل أنا وهابي؟!.
لما أخرجت كتابي هذا بالشام رد عليّ الشيخ الجويجاتي وغيره بكتاب أكبر ، لأني بنظرهم أصبحت وهابياً ،وفي الرياض ردوا عليّ كذلك بأنت كنت في كتابي على مذهب الشاميين!
قلت قل تلك المقدمة: إذا كانت الصوفية هي إصلاح الباطن ومداواة أمراض القلوب ، ودفع الرياء ، والإخلاص ، إلى آخر ما ذكر في الرسالة القشيرية فهذا هو لب الإسلام، الذي إذا خلت منه العبادة صارت مجرد حركات لا مردود لها في علاج النفوس.
أما التصوف الذي فيه وحدة الوجود ، وفيه الادّعاء بأن للقرآن ظاهراً هو غير الباطن ، وفيه ما يدعونه بالحقيقة المحمدية ، وما إلى ذلك من المفسدات فهو مرفوض تماماً .. وقد سبق لي أن كتبت في مجلة الرسالة قبل أربعين سنة أن كفر أبي جهل وأبي لهب إذا قيس بكفر محيي الدين بن عربي لكان في مستوى الإيمان .. ومن يومها شرع عمّي الشيخ عبدالقادر وحسني بك العظمة ومجموعة من المشايخ يناقشونني ويشددون عليّ النكير.(/9)
م: نحن على علم بهذا كله ؛ ولكن الذي نسجله الآن سيقرؤه كثيرون فمن الضروري أن يطلعوا من خلاله على الحقيقة بشيء من التفصيل.
ط: إن التصوف الذي يتحدث عنه ابن القيّم في (مدارج السالكين) وفي (اصطلاح الصوفية) والذي كتب عنه آخرون من أصحاب العقيدة الصحيحة لا اعتراض عليه.
م: نحن متفقون على أن كل سلوك يؤدي إلى تزكية النفس وما يستتبعها من التوهج الروحي مادام منسجما مع خط الكتاب والسنة فهو مقبول ومنشود ، أما أن يتحول هذا كله تخرصات هندية ويونانية تنتهي إلى القول بالاتحاد والحلول ووحدة الوجود فذلك هو الضلال البعيد"
أعدها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/10)
عمر الأشقر يحذر من: [ دعوة جديدة وخطرة ]
ينبه أحد كبار علماء الأردن الدكتور عمر الأشقر في ختام رسالته القيمة [نظرة في تاريخ العقيدة] مُحذراً من بعض الدعوات الخطيرة والتي يحاول أعداء الله أحيائها ، ودعم من يقوم بها ، ولفت نظر مستشرقيهم لإحيائها حيث يقول:
" وإنني ألفت نظر رجال الفكر إلى خطورة ما يقوم به المستشرقون وبعض الذين غرر بهم من أبناء المسلمين من أحياء الفكر المعتزلي الكلامي هنا وهناك ، وتحبيب الناشئة من أبناء المسلمين به ، وهناك فريق آخر يحاول أن يحيي الفكر الفلسفس الاستشراقي الذي ينادي بوحدة الوجود والمتمثل في كتب ابن عربي والحلاج وابن الفارض وابن سبعين وغيرهم.
إن المنهج الفلسفي الكلامي والمنهج الفلسفي الصوفي كلاهما لم يستطيعا أن يقيما الأمة من عثارها في الماضي ؛ بل كانا من أسباب البلاء الذي أصاب الفكر الإسلامي ، وقد أحدثا شرخاً هائلاً في هذا الفكر ، وقد أحدث علماء الكلام في الماضي من الخلاف والفرقة والانقسام ما يكفي بعضه لهجر هذا المنهج ، وقد أقعد المنهج الصوفي المسلمين عن الجهاد ومحاربة الشر وكان من أسباب الضياع الذي أصاب المسلمين.
لم يفلح المنهجان في إصلاح حال الأمة ، ولم يستطيعا أن يصدا هجمات الخصوم الفكرية والعقائدية ، فأحرى بهما أن لا يستطيعا إصلاح حال الأمة في الحاضر ، وأن لا يستطيعا مواجهة العقائد التي يموج بها القرن العشرين في شرق العالم وغربه.
إن الذين يحاربون المنهج الإيماني القرآني النبوي الذي يتمثل في المنهج السلفي أحد رجلين:(/2)
إما جاهل بهذا المنهج لا يعلم حقيقته ، وإما عدو حاقد لا يريد بالأمة خيراً.
وبعض هذين الصنفين لجأ إلى تحريف المنهج الخير إذ بدأ يكتب في المنهج ليحرفه ويفسده ، ولكن باطل هؤلاء لا يروج على من عرف المنهج والسبيل.
وفي الختام أقول كما قال إمام دار الهجرة أنس بن مالك "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" وأقول كما قال الله تعالى: { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }
{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين } "
قلتُ:
جزى الله الشيخ الدكتور عمر على ما تفضل به ، ووالله لهُ الواقع الماثل ، دون أن نذكر بأسماء من يحاولون إحياء هذين التيارين .. ولكن وما دخن المعتزلة إلا من أدعياء العقلنة! والفكر الغوغائي .. والتيار الآخر هم الصوفية بتياراتها ، وخاصة التيار المدعوم من قبل الأعداء والذي روج لبعض دُعاته بشكل يدعو للاستغراب! وأراد أن يجددها وثنية على ملة عمرو بن لحي .. أولئك أهل الأهواء الذين أتخذوا أهوائهم ديناً والعياذ بالله بصدرون منه ويرجعون إليه .. قاتل الله الهوى ..
انتقائها ونقلها وعلق عليها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
عند الصوفية
بقلم - شوقي عبد الصادق عبد الحميد
الحمد لله الموصوف بكل كمال، والمنزّه عن كل نقص، مستوٍ على عرشه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله عَبَدَهُ حق العبادة، وخافه حق الخوف، ورجاه حق الرجاء، وبعد:
فقد تكلمنا عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، كبشر اصطفاه ربه وأكرمه بالوحي والرسالة، وكان فضل الله عليه عظيمًا، وعند المؤمنين؛ اتبعوه وبلَّغوا عنه وأحسنوا صحبته وعظموه دون أن يعبدوه، ثم تعرضنا لتفريط المنافقين، وإخوانهم الكافرين في حقه بعدما بان لهم أنه الحق من ربهم، حيث همَّوا بقتله وسمّه والانتقاص من دعوته وأتباعه، وها نحن نعرض إفراط المتصوفين في حقه، وإنزاله في غير ما أنزله ربه، متشبهين في ذلك بالنصارى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله".(/2)
فنجد طائفة من الصوفية تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وأنه المستوي على العرش، وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره، وأنه أول موجود، وهذه عقيدة ابن عربي- الذي يعتقد عقيدة وحدة الوجود وأنه ليس في الكون شيء إلا الله- ومن جاء بعده، فيقول القاشاني شارح "فصوص الحكم" لابن عربي: "إن محمدًا أول التعينات التي تعينت به الذات الأحدية قبل كل تعين فظهر به ما لا نهاية من التعينات، فهو واحد فرد في الوجود لا نظير له، وليس فوقه إلا الذات الأحدية المطلقة المنزهة عن كل تعين وصفة واسم ورسم وحد ونعت فله الفردية المطلقة، ومن هذا يعلم أن الاسم الأعظم لا يكون إلا له دون غيره من الأنبياء..". {شرح الفصوص للقاشاني (ص266)}. إلى آخر ما قال.
ويقول ابن عربي أيضًا في الفتوحات المكية (2-97): "الحقيقة المحمدية أو الروح المحمدي هو المظهر الكامل للذات الإلهية والأسماء والصفات".
ويقول أيضًا: "الحقيقة المحمدية أو الإنسان الكامل، فالإنسان على صورة الحق من التنزيه والتقديس عن الشوب في حقيقته، فهو المألوه المطلق، والحق سبحانه هو الإله المطلق، وأعني بهذا كله الإنسان الكامل". {الفتوحات (2-603)}.
ويقول الجيلي في كتابه "الكهف والرقيم" وسبقه في ذلك الحلاج يقول- مستدلاً بحديث موضوع ومكذوب لا أصل له، ولا يصح عقلاً ولا نقلاً- ونص كلامه: "وكل ما في القرآن فهو في الفاتحة، وكل ما في الفاتحة فهو في بسم الله الرحمن الرحيم، وكل ما في بسم الله الرحمن الرحيم فهو في الباء، وكل ما في الباء فهو في النقطة التي تحت الباء". وفي كتاب آخر له سماه "حقيقة الحقائق" يقول عن حقيقة النقطة: "ولقد درجت في بعض معارج الغيب فأشهَدني الحق تعالى صورة النقطة في عالم القدس عنه، فإذا هي على صورة الحقيقة المحمدية".(/3)
فانظر أيها القارئ الموحِّد كيف بُنيت مثلُ هذه العقيدة على الباطل من الأحاديث؛ لأنه من المعلوم أن القرآن لما كتب في عهد الرسول وأصحابه لم يكن مُنقطًا ولا مشكلا ولا محزبًا ولا مجزءًا، وأن واضع النقط على الحروف العربية هو أبو الأسود الدؤلي في نهاية القرن الأول الهجري، وكيف غاب ذلك عن الرسول وفحول الصحابة كابن عباس ترجمان القرآن، فإذا بان لك أيها الموحد بطلان الحديث، فما بُني على باطل فهو باطل.
ويقول الجيلي أيضًا في كتابه "الإنسان الكامل" (2-38): "اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته- وذات الحق جامعة للضدين- خلق الملائكة العالمين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد صلى الله عليه وسلم ، وخلق إبليس وأعوانه من حيث صفات الجلال والظلمة والضلال من نفس محمد صلى الله عليه وسلم ..
ويقول فيه أيضًا (2-26): "ولما خلق الله تعالى العالم من نور محمد صلى الله عليه وسلم كان المحل المخلوق منه إسرافيل قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما سيجيء بيان خلق جميع الملائكة وغيرهم كل من محل منه".
فانظر هداك الله لا يجد الجيلي أي غضاضة في أن يثبت أن إبليس خلق أيضًا من محمد صلى الله عليه وسلم ، وهناك ما يسمى بالطريقة المحمدية، ولها كتاب أوراد يسمى "نفحات في الصلاة على الرسول الأعظم"، وفي وردها يقول شيخ الطريقة: "اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي خلقت نوره من نور ذاتك بلا واسطة، وخلقت من نوره جميع مكوناتك فكل به قائم، الذي فتقت به رتق الوجود، وأحييت به الكائنات، وعين عنايتك الأزلية الأبدية ومبدأ الأشياء ظاهرًا وباطنًا، ونهايتها سرًا وعلانية الذي لاح جماله في القدم وأشرق نوره في الوجود بلا عدم، نور الله الذي لا يطفأ". {انظر عقائد الصوفية للشيخ المراكبي (ص99)}.(/4)
وبهذه العقيدة يضرب الصوفية بنصوص القرآن والسنة عرض الحائط ولا يقيمون وزنًا لما صح وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالله تعالى يقول: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا {الكهف: 51}.
وروى البخاري وغيره عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء". وفي رواية أخرى: "كان الله ولم يكن قبله شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض".
فالعرش والماء خلقا قبل السماوات والأرض.
وعند مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". فترتيب الخلق هو خلق الماء والعرش ثم القلم، ثم اللوح، وكل هؤلاء خلقن قبل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وإذا كانت نظرية قِدَم نور النبي صلى الله عليه وسلم تفترض خلق كل شيء من نور محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو من نور الله فحديث أبي هريرة يقول: قلت: يا رسول الله، إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني، فأنبئي عن كل شيء، فقال: "كل شيء خلق من ماء". ولو كان كلام الصوفية صحيحًا لقال الرسول صلى الله عليه وسلم : كل شيء خُلق من نوري. {انظر عقائد الصوفية للمراكبي}.(/5)
وهذا صريح القرآن: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون {الأنبياء: 30}. وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: "أنا دعوة إبراهيم، وبشر بي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام". فقد دعا الخليل بقوله: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم {البقرة: 129}، وبشر عيسى ببعثه فقال: ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد... {الصف: 6}، فكيف يكون خلق الأنبياء من نوره وهو دعوة إبراهيم المستجابة!!
ويقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: "المعتدلون منهم يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب كله ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، ففي كتاب "دلائل الخيرات" (ص49) وهو مصحف الصوفية: "محمد بحر أنوارك، ومعدن أسرارك، ولسان حجتك، وعروس مملكتك، وإمام حضرتك".
وفيه أيضًا (ص147) وصف للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه "شجرة الأصل النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية، صاحب القبضة الأصلية، ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية".
وإليك تصريحًا آخر للبوصيري يقول فيه:
وإن من جودك الدنيا وضُرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول أيضًا:
وكل آي أتى الرسْلُ الكرامُ بها *** فإنما اتصلت من نوره بهم(/6)
فالبيت الأول يجعل الدنيا والآخرة منّة ونفحة، ومن نفحات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن ما سُطِرَ وكتب في اللوح المحفوظ هو بعض من علم الرسول وليس كل علمه، والبيت الثاني يجعل الصوفية علم الرسل الكرام كلهم مأخوذًا من ذات الرسول النورانية قبل أن توجد ذاته الترابية- كما تزعم الصوفية- يعارضون بهذا المعتقد صريح القرآن وصحيح السنة، ففي القرآن: قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون {النمل: 65}، وقوله: ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون {ص: 69}، وقوله: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون {يونس: 16}، وقوله: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون {الأعراف: 188}، فالقرآن يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري شيئًا عن القرآن قبل الوحي، والبوصيري يقول إنه يعلم أكثر مما في اللوح المحفوظ، فأي القولين نصدّق؟! وبأي القولين نؤمن؟!
وإذا كان الرسول يعلم الغيب كله- كزعم الصوفية- ويعلم ما في اللوح، فلماذا لم ينطق ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي الذي مكث شهرًا؟ ولماذا لم يعرف الحكم في أسرى بدر إلا بعد نزول القرآن؟ ولماذا لم يقبل توبة الثلاثة الذين خُلِّفوا إلا بعد نزول القرآن والذي مكث خمسين يومًا؟(/7)
وهذا أيها القارئ إفراط في منزلة الرسول #؛ بناه الصوفية على أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره كحياته في الدنيا، وليست حياة برزخية لها أحكامها، وعلمها عند الله تعالى، فها هو ابن عربي القطب الأكبر في هذا الضلال يقول في مطلع كتابه "فصوص الحكم" {ص47}: "أما بعد، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به". فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا.
والكتاب مكتظٌّ بالضلالات، ونقدم لك أيها الأخ الموحد تقرير ابن عربي عن النار بأنها دار السعادة والهناء، فيقول:
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم *** على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنات الخلد فالأمر واحد *** وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابًا من عذوبة طعمه *** وذاك له كالقشر والقشر صاين
{انظر الفصوص: ص99}.
فانظر حفظك الله بالتوحيد- يُسوّي ابن عربي بين نعيم الجنة فيجعله كعذاب النار؛ لأن الأمر واحد في زعمه، وأن العذاب من العذوبة، والنار قشرة تخفي وراءها النعيم المقيم لأهل النار، فهل مثل هذا يعطيه الرسول له ويترك للأمة القرآن والسنة بما فيها من وصف للنار وأهلها؟
ويقول الشعراني عن محمد معصوم أحد أئمة الطريقة النقشبندية أنه يقول عن نفسه: غلب عليَّ وقت الوداع والسفر من المدينة المنورة الحزنُ والبكاءُ، فرأيت سيد المرسلين، قد خرج من حجرته المطهرة وخلع عليَّ خلعة فاخرة وتاجًا مثل تاج الملوك مكلّلا بأحسن الجواهر وظهر لي أن هذه خلعه خاصة من خلع ذاته.(/8)
فانظر أيها الموحد إلى هذا الغلو الفاضح، فدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم يُرى يقظة ليست صحيحة لعدم قيام الدليل عليها، بل الدليل على غير ذلك، يقول تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون {الزمر: 3}، ويقول أيضًا: ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون {المؤمنون: 15، 16}، فدل ذلك على أنه ليس هناك خروج من القبور قبل يوم القيامة: يوم يقوم الناس لرب العالمين {المطففين: 6}، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولنا وأول الناس؛ لما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مُشفع".
وإليك أخي الموحد طائفة من الأحاديث الموضوعة والباطلة حول هذا الغلو والإفراط في الرسول صلى الله عليه وسلم ، منها:
"لولاك ما خلقت الأفلاك".
"أنا من الله، والمؤمنون مني، والخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة".
"أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله".
"كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث".
حديث "إحياء أبويه عليه السلام وإيمانهما به".
"أنا مدينة العلم وعلي بابها".
"إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم أو عرق البُراق".
"سمعت الله من فوق العرش يقول للشيء كن فلا تبلغ الكافُ النون إلا يكون الذي يكون".
"لما أسري بي إلى السماء سقط من عرقي فنبت منه الورد".
"لما عُرج بي رأيت مكتوبًا على ساق العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي".
"أنا عرب بلا عين- أي ربّ- أنا أحمد بلا ميم أي أحد". لا أساس له من الصحة. {انظر فتاوى اللجنة الدائمة (1-311)}.(/9)
فظهر لك أيها القارئ الموحد أن أعدل المناهج هو منهج سلفنا الصالح المحبين للرسول غير مُفَرِّطين ولا مُفْرِطين، أحبوه من غير أن يعبدوه، ونصروه دون أن يخذلوه، ورووا عنه دون أن يَكْذِبوه، فرضي الله عنهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
مجلة التوحيد [متابعات]
1/8/2003
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/10)
عودة أبو حامد الغزالي إلى السنة
الغزالي محطة من محطات الفكر الصوفي، قد أرسى قواعد التصوف وعلومه في كتبه، لا سيما كتابه "إحياء علوم الدين" ... وبما أن الغزالي حجة الإسلام كما يقال؛ فقد أصبح للتصوف حجة عند المتصوفة، وهذا مشعر باعتقاد الصوفية العصمة في الغزالي، وكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هما حجة الإسلام؛ إذ الغزالي من البشر، وقد عوّدنا أن نستغفر الله عند خواتم العديد من كتبه من كل زلل أو خطأ ظنه صواباً.
إن حياة الغزالي العلمية مرّت على مراحل متعددة.
فقد خاض الفلسفة، ثم رجع عنها، وردّ عليها.
وخاض بعد ذلك الكلام، وأتقن أصوله ومقدماته، ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده.
وبعد إعراضه عن الكلام وذمه إياه سلك مسلك الباطنية، وأخذ بعلومهم، ثم رجع عن ذلك، وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص.
ومثل هذا في التصوف، ذاك الصنف الرابع والأخير الذي رامه منقذاً من الضلال.
بهذه السطور بدأ أبو عبيدة عبدالرحمن دمشقية كتابه القيم [أبو حامد الغزالي عقيدته وتصوفه] .. ثم بدأ يغوص ويسبر عقيدة وتصوف أبو حامد - رحمه الله- .. ولعدم التكرار أُحيلك عليه ..
لقد عاصر الغزالي زمناً كثرت فيه الآراء والمذاهب والفرق، وكان من أبرز ما عاصره آنذاك:
علم الكلام والفلسفة والباطنية والتصوف، هذا الرباعي الذي يشطح بصاحبه بعيداً عن الهدي النبوي .. وقد عكف الغزالي - كما أسلفنا- على دراسة كل واحدة منها.
وهذه العلوم على اختلافها وتداخلها في عقله أحدثت عنده شكّاً في كل العلوم.(/2)
وهذا الخليط جعله مضطرباً في باب الاعتقاد .. ومازال حائراً .. حتى وفقه الله للرجوع إلى الحق في كثير من المسائل ..
فهو من أبرز الراجعين عن منهج التأويل: ويمتاز بأنه يكثر من نقد علم الكلام وأهله حتى وهو في أعمق مراحل التصوف، غير أنه قبيل موته – وفقه الله- ليعلن استنكاره الشديد لطريق التأويل وعلم الكلام وأنه بدعة مذمومة ومخالفة للسلف. ووصف التأويل بصفته اللائقة به (التعطيل) وأفتى بحرمة خوض العلماء والوعاظ في التأويل، حكاه عنه المرتضى الزبيدي. وأوضح أن (علاج وهم التشبيه) أسهل من علاج التعطيل، إذ لا يكفي أن يقال مع هذه الظواهر {ليس كمثله شيء}.
أنظر إلجام العوام عن علم الكلام 96، 107، 108 ط الجندي، وأنظر إتحاف السادة المتقين 2/83.
يقول الجامي – رحمه الله- : (وللإمام الغزالي مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم، ومما يتصل ببحثنا هذا من مؤلفاته كتاب اللطيف (إلجام العوام عن علم الكلام) الذي أشاد فيه [كما سبق] بمذهب السلف وتحدث عن حقيقته مبيناً أنه هو الحق وأن من خالف السلف فهو مبتدع لأنه مذهب الصحابة والتابعين، وقد أُخِذَ من الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة، فكل خير في إتباعهم وكل شر في الابتداع بعدهم، وقد تحدث فيه بإسهاب عن مذهب السلف وحقيقة مذهب السلف هو الإتباع دون الابتداع.
وللغزالي رسالة سماها (بغية المريد في رسائل التوحيد) وهي جملة رسائل مفيدة وجليلة ومشتملة على الكثير من المعاني اللطيفة وما يجب على المخلوق للخالق جل شأنه وعلى ما يجب معرفته على كل إنسان من علم التوحيد.
وقد تحدث فيها عن تنزيه الخالق وأنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئاً وكل ما خطر بالبال والوهم والخيال من التكييف والتمثيل فإنه سبحانه منزه عن ذلك.(/3)
وقد نص في هذه الرسالة على نفي شبه خطرة وهي: ما قد يتوهمه بعض الناس من أن إثبات الاستواء على العرش يلزم منه أن العرش يحمل الرب سبحانه وتعالى الله عما زعموا علواً كبيراً، وهو من جملة الأخطاء التي يتورط فيها أولئك الذين لا يكادون يفهمون صفات الله سبحانه وتعالى إلا كما يفهمون صفات خلقه من التحديد والإحاطة بالحقائق.
وفي نفي هذا الوهم يقول الإمام الغزالي: "وليس العرش بحامل له سبحانه؛ بل العرش وحملته يحملون لطفه وقدرته، وأنه تقدس عن الحاجة إلى مكان قبل خلق العرش وبعده، وأنه يتصف بالصفات التي كان عليها في الأزل"
وقال في موضع آخر من الرسالة نفسها: "وهو سبحانه مقدس من صفات المخلوقين، منزه وهو في الدنيا معلوم وفي الآخرة مرئي، كما نعلمه في الدنيا بلا مثل ولا شبه، لأن تلك الرؤية لا تشابه رؤية الدنيا {ليس كمثله شيء} [بغية المريد في رسائل التوحيد] ) انتهى كلامه رحمه الله كما في [الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه] ص166-167.
والإمام الغزالي – في الحقيقة- لم يسلم من الاضطراب نظراً لتأثره لخوضه الفلسفة .. ولكن كلامه في الإلجام وبغية المريد جيد بالجملة في زاوية نقد التأويل وتسميته له بالتعطيل.
وكذلك التصوف فلم تكن آرائه في آخر مراحل حياته مطابقة تماماً لما كان عليه في المراحل الأولى والمتوسطة، والدليل قوله "الحق مذهب السلف، وأن من خالفهم في ذلك هو مبتدع" إلجام العوام ص62.
لكنها مراحل يبدو فيها عدم الثبات وكثرة التقلب وعم الوضوح حتى في آخر مراحل حياته .. لكنه روي أنه أقبل في أواخر عمره على الأحاديث الصحاح، فاتخذ لنفسه معلمين يحفظ عليهما الصحيحين، وكان يسمع في آخر حياته صحيح البخاري من أبي سهل محمد عبدالله الحفصي، وسنن أبي داود من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي. انظر طبقات السبكي 4/110.(/4)
ويحكي تلميذه – عبدالغافر الفارسي- آخر مراحل حياته قائلاً: (وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين اللذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام)
قال ابن كثير: (ثم عاد إلى بلده طوس فأقام بها، وابتنى رباطاً، واتخذ داراً حسناً، وغرس فيها بستاناً أنيقاً، وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الأحاديث الصحيحة ... ويقال إنه مال في آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفيظ للصحيحين) البداية والنهاية 12/174.
فعسى أن يكون كذلك .. شتان بين مذهب الهذيان .. من فلسفة اليونان .. وخوض علم الكلام .. وباطنية يحبها الشيطان .. وصوفية تبعد عن الهدى والقرآن .. وبين مذهب أهل الحديث .. والبعد عن التأويل والتحريف .. والعيش بين الكتاب والسنة.
فرحمه الله رحمة واسعة .. هذا هو الحجة .. على من يصمه بالحجة .. فالإتباع سيد المقام .. وقاطع الكلام .. وجامع الشمل على سنة نبي الأنام .. عليه الصلاة والسلام.
أعده
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/5)
غلو في فهم التوحيد !!!
أ.د. جعفر شيخ إدريس
عبادة الله وحده لا شريك له هي لب لباب رسالة الإسلام من لدن نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نجاة لأحد لا يحقق هذا التوحيد فيأتي اللهَ بقلب سليم من أمراض الشرك. (إن َّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفرُ ما دُونَ ذلك لمن يشاء). هذه حقيقة لا شك فيها. والحقيقة الثانية -وهي حقيقة محزنة- هي أن جماهير كبيرة من المنتسبين إلى الإسلام لم تعد تحقق هذا التوحيد، فلا بل من دعوتهم إلى هذا الأصل الأصيل قبل دعوتهم إلى فروع العبادات ومكارم الأخلاق واجتناب المحرمات. لكن بعض إخواننا –عفا الله عنهم- غلو في تعظيم التوحيد غلواً يكاد يجعلهم يهونون من شأن شرائع الإسلام الأخرى، ويكاد يغري المستمع إليهم بالأمن والنجاة ما دام قد حقق كلمة التوحيد مهما ارتكب بعد ذلك من ذنوب. وهذا خطأ عظيم. نعم إن أمور الحلال والحرام العملية أقل شأناً من التوحيد، لكنها هي في نفسها عظيمة، وهي كلها مرتبطة بالعقيدة أوثق رباط.
فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. والانغماس في شهوات الخمر والميسر والزنا وأكل الربا، واتباع النفس هواها في ظلم العباد وأكل أموال الناس بالباطل وبخسهم أشياءهم، كل هذا ذو تأثير عظيم على التوحيد مهما كان في بداية الأمر قوياً وخالصاً.
وإذا كان الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فكيف يأمن من يظل إيمانه في نقص مستمر؟ والذنوب من شأنها أن تحدث في النفس غفلة يقسو بها القلب قسوة قد تزيل عنه حقيقة الإيمان. (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبُهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد: 16] والمعروف أن الشهوات تفتح باب الشبهات فينتقل صاحبها من ارتكاب المحرمات إلى حبها ثم الضيق بالتشريع الذي حرمها، والميل إلى شبهات الذين يكرهون تحريمها من شياطين الإنس والجن:(/1)
(إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطانُ سوَّل لهم وأملى لهم. ذلك بأنَّهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنُطِيعُكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم. فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم. ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) [محمد: 25-27]
وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره:
لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الْجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين. أخرجه مسلم
إن التوحيد ليس مجرد قناعة فكرية، وما هو بمجرد استقامة لغوية، وإنما هو حال وعمل قلبي يحتاج إلى رعاية دائمة وغذاء مستمر وهو إنما يتغذى بالاجتهاد في الطاعات واجتناب المحرمات.
اللهم أدم علينا نعمة الإيمان بك ووفقنا لطاعتك واجتناب مساخطك والغفلة عن ذكرك.
--------------
المصدر : مجلة منار السبيل
السنة الرابعة، العدد الثاني، جمادى الآخرة 1416هـ، الموافق نوفمبر 1995م
نقله أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(/2)
فتوى ابن قدامة في الصوفية
ذم ما عليه مدعو التصوف من الغناء ، والرقص ، وضرب الدف ، وسماع المزامير ، ورفع الأصوات المنكرة بما يسمونه ذكراً وتهليلاً بدعوى أنها من أنوع القرب إلى الله تعالى
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم ..
ما تقول السادة الفقهاء - أحسن الله توفيقهم - فيمن يسمع الدف والشبابة والغناء ويتواجد (1) ، حتى إنه يرقص . هل يحل ذلك أم لا ؟ مع اعتقاده أنه محب لله ، وأن سماعه وتواجده ورقصه في الله ؟.
وفي أي حال يحل الضرب بالدف ؟ هل هو مطلق ؟ أو في حالة مخصوصة ؟.
وهل يحل سماع الشعر بالألحان في الأماكن الشريفة ، مثل المساجد وغيرها ؟
أفتونا مأجورين ، رحمكم الله .(/2)
قال الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام ، موفق الدين ، أبو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه : الجواب وبالله التوفيق : أن فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة ، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع ، غير مقبول القول : ومقتضى هذا : أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شهادته برؤية هلال رمضان ، ولا أخباره الدينية . وأما اعتقاده محبة الله عز وجل ، فإنه يمكن أن يكون محباً لله سبحانه ، مطيعا له في غير هذا ، ويجوز أن يكون له معاملة مع الله سبحانه ، وأعمال صالحة في غير هذا المقام . وأما هذا فمعصية ولعب ، ذمه الله تعالى ورسوله ، وكرهه أهل العلم ، وسموه : بدعة ، ونهوا عن فعله ، ولا يُتقرب إلى الله سبحانه بمعاصيه ، ولا يُطاع بارتكاب مناهيه ، ومن جعل وسيلته الى الله سبحانه معصيته ، كان حظه الطرد والإبعاد ، ومن اتخذ اللهو واللعب دينا ، كان كمن سعى في الأرض الفساد ، ومن طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد من الوصول إلى المراد .(/3)
وقد روى أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : " التغبير محدث " (2) وقال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت : إنه ترق عليه القلوب . فقال : " هو بدعة " وروى غيره أنه كرهه ، ونهى عن إسماعه . وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي : سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول : " تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير ، أحدثته الزنادقة ، يصدون الناس به عن القرآن " . وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبير ؟ " . وقال عبد الله بن داود : " أرى أن يضرب صاحب التغبير " . والتغبير : اسم لهذا السماع ، وقد كرهه الأئمة كما ترى . ولم ينضم إليه هذه المكروهات من الدفوف والشبابات ، فكيف به إذا انضمت إليه واتخذوه ديناً؟ فما أشبههم بالذين عابهم الله تعالى بقوله : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قيل المكاء التصفير ، والتصدية : التصفيق . وقال الله سبحانه لنبيه : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا } .(/4)
ومن المعلوم أن الطريق الى الله سبحانه إنما تعلم من جهة الله تعالى بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى رضيه هادياً ومبيناً ، وبشيراً ونذيراً ، وأمر باتباعه ، وقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، وجعل اتباعه دليلاً على محبته ، فقال سبحانه : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً } وقال سبحانه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } . ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شفيقاً على أمته ، حريصاً على هداهم ، رحيماً بهم ، فما ترك طريقة تهدي إلى الصواب إلا وشرعها لأمته ، ودلهم عليها بفعله وقوله ، وكان أصحابه عليهم السلام من الحرص على الخير والطاعة ، والمسارعة إلى رضوان الله بحيث لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا سابقوا اليها ، فما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته انه سلك هذه الطريقة الرديئة ، ولا سهر ليلة في سماع يتقرب به إلى الله سبحانه ، ولا قال : من رقص فله من الأجر كذا ، ولا قال : الغناء ينبت الإيمان في القلب ، ولا استمع الشبابة فأصغى إليها وحسنها ؛ أو جعل في استماعها وفعلها أجراً . وهذا أمر لا يمكن مكابرته ، وإذا صح هذا لزم أن لا يكون قربة إلى الله سبحانه ، ولا طريقاً موصلا إليه ، ووجب أن يكون من شر الأمور ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " وهذا منها .
وقال عليه الصلاة والسلام : " كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . وقد سمى الأئمة هذا بدعة بما ذكرناه .(/5)
فأما تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً : فإن هذه جميعها من اللعب ، فمن جعلها دأبه ، أو اشتهر بفعلها أو استماعها ، أو قصدها في مواضعها ، أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة ، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة ، وكذلك الرقاص . وأغلظها الشبابة ، فإنه قد روي فيها الحديث الذي يرويه سليمان بن موسى عن نافع قال : كنت مع ابن عمر في طريق فسمع صوت زامر يرعى ، فعدل عن الطريق وأدخل إصبعيه فى أذنيه ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ هل تسمع ؟ قلت : نعم ، فمضى ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ قلت : لا ، فأخرج يديه من أذنيه ، قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل . رواه الخلال في " جامعه " عن عوف بن محمد المصري عن مروان الطاطري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى . ورواه أيضاً عن عثمان بن صالح الأنطاكي عن محمود بن خالد عن أبيه عن المطعم بن المقدام عن نافع .(/6)
وسئل أحمد عن هذا الحديث ، فقال : يرويه سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر . وهذا مبالغة من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ، لسد أذنيه وعدوله عن الطريق ولم يكتف بأحدهما عن الآخر . ولأنها من المزامير ، وما بلغنا عن أحد من العلماء الرخصة في المزمار ، فهي كالطنبور ، بل هي أغلظ ؛ فإنه ورد فيها ما لم يرد فيه . وأما الغناء فقد اختلف العلماء فيه . وكان أهل المدينة يرخصون فيه ، وخالفهم كثير من أهل العلم ، وعابوا قولهم . قال عبد الله بن مسعود : " الغناء ينبت النفاق في القلب " . وقال مكحول : " من مات وعنده مغنية لم يصل عليه " . وقال معمر : " لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغنا - ، وإتيان النساء في أدبارهن - وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في المسكر ، كان شر عباد الله " . وسئل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وكذلك قال إبراهيم بن المنذر الخزامي . وعلى كل حال فهو مكروه وليس من شأن أهل الدين . فأما فعله في المساجد فلا يجوز ، فإن المساجد لم تبن لهذا . ويجب صونها عما هو أدنى منه ، فكيف بهذا الذي هو شعار الفساق ومنبت النفاق؟! وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال . وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح أيضاً . ولا يتبين لي تحريمه إلا أن يكون الضارب به رجلا يتشبه بالنساء ، فيحرم لما فيه من تشبه الرجال بالنساء . أو يضرب به عند الميت ، فيكون ذلك إظهاراً للسخط بقضاء الله والمحاربة له ، فأما إن خلا من ذلك فلست أراه حراماً بحال .(/7)
وقد كان أصحاب عبد الله بن مسعود يخرقون الدفوف ويشددون فيها ، وذكره أحمد عنهم ولم يذهب إليه ؛ لأن السنة وردت بالرخصة فيه ، وهي أحق ما اتبع . فقد روي عن عياض بن غنم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد شهد عيداً بالأنبار - فقال : ما أراكم تقلسون؟ كانوا يقلسون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلونه . قال يزيد بن هارون : التقليس : ضرب الدف .
وقال أنس بن مالك : مر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار من بني نجار وهن يضربن بدف لهن وهن يقلن : نحن جوار من بني النجار وحبذا محمد من جار . فقال : " الله يعلم أني أحبكم " . وروي أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن سلمك الله ان أضرب على رأسك بالدف ، فقال : " إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا " أو كما جاء . وفي الجملة فإنه وإن رخص فيه للاعب ، فإنا نعتقده لعباً ولهواً . فأما من يجعله دينا ، ويجعل استماعه واستماع الغناء قربة وطريقاً إلى الله سبحانه ، فلا يكاد يوصله ذلك إلا إلى سخط الله ومقته وربما انضم إلى ذلك النظر إلى النساء المحرمات أو غلام جميل يسلبه دينه ، ويفتن قلبه ، ويخالف ربه في قوله سبحانه { وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } فكان دليلاً على تسامحه في المخالفة لقوله { ويحفظوا فروجهم } ولم يكن ذلك أزكى لهم . ومن ابتلي بمخالفة أول الآية فليبادر إلى العمل بآخرها { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .(/8)
وقد قال بعض التابعين : " ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار أكثر من الغلام الأمرد يقعد إليه . وقال أبو سهل : " سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم : اللائطون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل " . وعن الحسن بن ذكوان أنه قال : " لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى " . ولا ينبغي لأحد ان يغتر بنفسه . أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة إيمانه ، فإن من خالف حدود الله تعالى ونظر إلى ما منعه الشرع من النظر إليه ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ، وكيف يغتر عاقل بذلك ، وقد علم ما ابتلي به داود نبي الله عليه السلام ، وهو أعبد البشر ، ونبي من أنبياء الله تعالى ، يأتيه خير السماء ، وتختلف إليه الملائكة بالوحي ، ومع ذلك وقع فيما وقع فيه من الذنب بسبب نظرة نظرها . وبعض عباد بني إسرائيل عبد الله سبعين عاما ثم نظر الى امرأة فافتتن بها . وبرصيصا العابد ، كان هلاكه بسبب النظر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي عليه السلام : " لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى " . وهو من سادات هذه الأمة ، ومحله من الدين والعلم والمعرفة بالله تعالى وبحقه وحدوده وحرماته محله ، فمن أنت ايها المغرور الجاهل بنفسه؟ انظر أين أنت من هؤلاء المذكورين ، وقد روى أسامة بن زيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء " وجاء في الأثر : " إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر " وقال الفضيل بن عياض : " الغناء رقية الزنى " ، فإذا اجتمعت رقية الزنى وداعيته ورائده فقد استكملت أسبابه . وقد روي عن عمر بن عبد العزيز انه قال : " إنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت(/9)
النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء " .
ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على الإيمان مما ينبت النفاق في قلبه ، وهو حين يفارقها لا يعتقد احتواء أذنيه على شيء مما ينتفع به . فمن أحب النجاة غدا ، والمصاحبة لأئمة الهدى ، والسلامة من طريق الردى ، فعليه بكتاب الله فليعمل بما فيه ، وليتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فلينظر ما كانوا عليه ، فلا يعدوه بقول ولا فعل ، وليجعل عبادته واجتهاده على سننهم ، وسلوكه في طريقهم ، وهمته في اللحاق بهم ، فإن طريقهم هو الصراط المستقيم ، الذي علمنا الله سبحانه سؤاله ، وجعل صحة صلاتنا موقوفة على الدعاء به فقال سبحانه معلما لنا : { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } آمين . فمن شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم فقد مرق من الدين ، وخرج من جملة المسلمين ، ومن علم ذلك ، وصدق ورضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبيا ، وعلم أن الله تعالى قد أمرنا باتباع نبيه بقوله سبحانه : { واتبعوه لعلكم تهتدون } وغير ذلك من الآيات .(/10)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " وقوله عليه الصلاة والسلام : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " . فما باله يلتفت عن طريقه يميناً وشمالاً . ينصرف عنها حالاً فحالاً ويطلب الوصول إلى الله سبحانه من سواها ، ويبتغي رضاه فيما عداها . أتراه يجد أهدى منها سبيلاً ، ويتبع خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً؟ كلا ، لن يجد سوى سبيل الله سبحانه إلا سبيل الشيطان ، ولن يصل من غيرها إلا إلى سخط الرحمن ، قال الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا مستقيما فقال : " هذا سبيل الله " وخط من ورائه خطوطا فقال : " هذه سبل الشيطان ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، من أجابهم اليها قذفوه في النار " أو كما جاء الخبر .
فأخبر أن ما سوى سبيل الله هي سبل الشيطان ، من سلكها قذف في النار ، وسبيل الله التي مضى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه والسابقون الأولون ، واتبعهم فيها التابعون بإحسان الى يوم الدين { رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } ، فمن سلكها سعد ، ومن تركها بعد . وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه وسيرته وما كان عليه في عبادته وأحواله مشهور بين أهل العلم ، ظاهر لمن أحب الاقتداء به واتباعه ، وسلوك منهجه ، والحق واضح لمن أراد الله هدايته وسلامته و { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً }(/11)
ثبتنا الله وإياكم على صراطه المستقيم ، وجعلنا وإياكم ممن يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم .
فيا أيها الآدمي المسكين المخلوق لأمر عظيم ، الذي خُلقت من أجله الجحيم وجنات النعيم ، إذا أنت أصغيت إلى الملاهي بسمعك ، ونظرت إلى محارم الله ببصرك ، وأكلت الشبهات بفيك ، وأدخلتها إلى بطنك ، ورضيت لنفسك برقصك ونقصك ، وأذهبت أوقاتك العزيزة في هذه الأحوال الخسيسة ، وضيعت عمرك الذي ليست له قيمة ، في كسب هذه الخصال الذميمة ، وشغلت بدنك المخلوق للعبادة ، بما نهى الله عنه عباده ، وجلست مجالس البطالين ، وعملت أعمال الفاسقين والجاهلين ، فسوف تعلم إذا انكشف الغطاء ، ونزل القضاء ، ماذا يحل بك من الندم يوم ترى منازل السابقين ، وأجور العاملين ، وأنت مع المخلفين المفرطين ، معدود في جملة المبطلين الغافلين ، قد زلت بك القدم ، ونزل بك الالم ، واشتد بك الندم ، فيومئذ لا يُرحم من بكى ، ولا يُسمع من شكى ، ولا يقال من ندم ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم . . أيقظنا الله وإياكم من سنة الغفلة ، واستعملنا وإياكم لما خلقنا له برحمته
والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
تمت الفتيا
(الشبكة الإسلامية)
----------------
هوامش :
(1) الدف : اطار خشبي ، مشدود عليه من وجه واحد جلد رقيق . فإذا شد عليه من الوجهين ، فهو الطبل . الشبانة المزمار من قصب ، وكإنها سميت بذلك لأنها تشب شهوة النفس ، أي تثيرها . والتواجد : التمايل من الطرب . واستماعه بمعنى الوجود في المكان من الاغلاط الشائعة - هذه الأيام - ولا وجه لها ويغني عنها لفظ الموجود .(/12)
(2) المغبرة : قوم يغبرون بذكر الله ، أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها ، سموا بذلك لأنهم يرغبون الناس في الغابرة أي الباقية - في زعمهم - والحق أن الترغيب بالآخرة بما جاء عن الله ورسوله من الوعظ والإرشاد والرقائق المباحة .
نقله أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/13)
فتوى ابن قدامة في الصوفية
ذم ما عليه مدعو التصوف من الغناء ، والرقص ، وضرب الدف ، وسماع المزامير ، ورفع الأصوات المنكرة بما يسمونه ذكراً وتهليلاً بدعوى أنها من أنوع القرب إلى الله تعالى
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم ..
ما تقول السادة الفقهاء - أحسن الله توفيقهم - فيمن يسمع الدف والشبابة والغناء ويتواجد (1) ، حتى إنه يرقص . هل يحل ذلك أم لا ؟ مع اعتقاده أنه محب لله ، وأن سماعه وتواجده ورقصه في الله ؟.
وفي أي حال يحل الضرب بالدف ؟ هل هو مطلق ؟ أو في حالة مخصوصة ؟.
وهل يحل سماع الشعر بالألحان في الأماكن الشريفة ، مثل المساجد وغيرها ؟
أفتونا مأجورين ، رحمكم الله .(/2)
قال الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام ، موفق الدين ، أبو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه : الجواب وبالله التوفيق : أن فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة ، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع ، غير مقبول القول : ومقتضى هذا : أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شهادته برؤية هلال رمضان ، ولا أخباره الدينية . وأما اعتقاده محبة الله عز وجل ، فإنه يمكن أن يكون محباً لله سبحانه ، مطيعا له في غير هذا ، ويجوز أن يكون له معاملة مع الله سبحانه ، وأعمال صالحة في غير هذا المقام . وأما هذا فمعصية ولعب ، ذمه الله تعالى ورسوله ، وكرهه أهل العلم ، وسموه : بدعة ، ونهوا عن فعله ، ولا يُتقرب إلى الله سبحانه بمعاصيه ، ولا يُطاع بارتكاب مناهيه ، ومن جعل وسيلته الى الله سبحانه معصيته ، كان حظه الطرد والإبعاد ، ومن اتخذ اللهو واللعب دينا ، كان كمن سعى في الأرض الفساد ، ومن طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد من الوصول إلى المراد .(/3)
وقد روى أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : " التغبير محدث " (2) وقال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت : إنه ترق عليه القلوب . فقال : " هو بدعة " وروى غيره أنه كرهه ، ونهى عن إسماعه . وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي : سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول : " تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير ، أحدثته الزنادقة ، يصدون الناس به عن القرآن " . وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبير ؟ " . وقال عبد الله بن داود : " أرى أن يضرب صاحب التغبير " . والتغبير : اسم لهذا السماع ، وقد كرهه الأئمة كما ترى . ولم ينضم إليه هذه المكروهات من الدفوف والشبابات ، فكيف به إذا انضمت إليه واتخذوه ديناً؟ فما أشبههم بالذين عابهم الله تعالى بقوله : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قيل المكاء التصفير ، والتصدية : التصفيق . وقال الله سبحانه لنبيه : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا } .(/4)
ومن المعلوم أن الطريق الى الله سبحانه إنما تعلم من جهة الله تعالى بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى رضيه هادياً ومبيناً ، وبشيراً ونذيراً ، وأمر باتباعه ، وقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، وجعل اتباعه دليلاً على محبته ، فقال سبحانه : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً } وقال سبحانه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } . ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شفيقاً على أمته ، حريصاً على هداهم ، رحيماً بهم ، فما ترك طريقة تهدي إلى الصواب إلا وشرعها لأمته ، ودلهم عليها بفعله وقوله ، وكان أصحابه عليهم السلام من الحرص على الخير والطاعة ، والمسارعة إلى رضوان الله بحيث لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا سابقوا اليها ، فما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته انه سلك هذه الطريقة الرديئة ، ولا سهر ليلة في سماع يتقرب به إلى الله سبحانه ، ولا قال : من رقص فله من الأجر كذا ، ولا قال : الغناء ينبت الإيمان في القلب ، ولا استمع الشبابة فأصغى إليها وحسنها ؛ أو جعل في استماعها وفعلها أجراً . وهذا أمر لا يمكن مكابرته ، وإذا صح هذا لزم أن لا يكون قربة إلى الله سبحانه ، ولا طريقاً موصلا إليه ، ووجب أن يكون من شر الأمور ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " وهذا منها .
وقال عليه الصلاة والسلام : " كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . وقد سمى الأئمة هذا بدعة بما ذكرناه .(/5)
فأما تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً : فإن هذه جميعها من اللعب ، فمن جعلها دأبه ، أو اشتهر بفعلها أو استماعها ، أو قصدها في مواضعها ، أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة ، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة ، وكذلك الرقاص . وأغلظها الشبابة ، فإنه قد روي فيها الحديث الذي يرويه سليمان بن موسى عن نافع قال : كنت مع ابن عمر في طريق فسمع صوت زامر يرعى ، فعدل عن الطريق وأدخل إصبعيه فى أذنيه ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ هل تسمع ؟ قلت : نعم ، فمضى ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ قلت : لا ، فأخرج يديه من أذنيه ، قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل . رواه الخلال في " جامعه " عن عوف بن محمد المصري عن مروان الطاطري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى . ورواه أيضاً عن عثمان بن صالح الأنطاكي عن محمود بن خالد عن أبيه عن المطعم بن المقدام عن نافع .(/6)
وسئل أحمد عن هذا الحديث ، فقال : يرويه سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر . وهذا مبالغة من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ، لسد أذنيه وعدوله عن الطريق ولم يكتف بأحدهما عن الآخر . ولأنها من المزامير ، وما بلغنا عن أحد من العلماء الرخصة في المزمار ، فهي كالطنبور ، بل هي أغلظ ؛ فإنه ورد فيها ما لم يرد فيه . وأما الغناء فقد اختلف العلماء فيه . وكان أهل المدينة يرخصون فيه ، وخالفهم كثير من أهل العلم ، وعابوا قولهم . قال عبد الله بن مسعود : " الغناء ينبت النفاق في القلب " . وقال مكحول : " من مات وعنده مغنية لم يصل عليه " . وقال معمر : " لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغنا - ، وإتيان النساء في أدبارهن - وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في المسكر ، كان شر عباد الله " . وسئل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وكذلك قال إبراهيم بن المنذر الخزامي . وعلى كل حال فهو مكروه وليس من شأن أهل الدين . فأما فعله في المساجد فلا يجوز ، فإن المساجد لم تبن لهذا . ويجب صونها عما هو أدنى منه ، فكيف بهذا الذي هو شعار الفساق ومنبت النفاق؟! وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال . وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح أيضاً . ولا يتبين لي تحريمه إلا أن يكون الضارب به رجلا يتشبه بالنساء ، فيحرم لما فيه من تشبه الرجال بالنساء . أو يضرب به عند الميت ، فيكون ذلك إظهاراً للسخط بقضاء الله والمحاربة له ، فأما إن خلا من ذلك فلست أراه حراماً بحال .(/7)
وقد كان أصحاب عبد الله بن مسعود يخرقون الدفوف ويشددون فيها ، وذكره أحمد عنهم ولم يذهب إليه ؛ لأن السنة وردت بالرخصة فيه ، وهي أحق ما اتبع . فقد روي عن عياض بن غنم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد شهد عيداً بالأنبار - فقال : ما أراكم تقلسون؟ كانوا يقلسون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلونه . قال يزيد بن هارون : التقليس : ضرب الدف .
وقال أنس بن مالك : مر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار من بني نجار وهن يضربن بدف لهن وهن يقلن : نحن جوار من بني النجار وحبذا محمد من جار . فقال : " الله يعلم أني أحبكم " . وروي أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن سلمك الله ان أضرب على رأسك بالدف ، فقال : " إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا " أو كما جاء . وفي الجملة فإنه وإن رخص فيه للاعب ، فإنا نعتقده لعباً ولهواً . فأما من يجعله دينا ، ويجعل استماعه واستماع الغناء قربة وطريقاً إلى الله سبحانه ، فلا يكاد يوصله ذلك إلا إلى سخط الله ومقته وربما انضم إلى ذلك النظر إلى النساء المحرمات أو غلام جميل يسلبه دينه ، ويفتن قلبه ، ويخالف ربه في قوله سبحانه { وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } فكان دليلاً على تسامحه في المخالفة لقوله { ويحفظوا فروجهم } ولم يكن ذلك أزكى لهم . ومن ابتلي بمخالفة أول الآية فليبادر إلى العمل بآخرها { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .(/8)
وقد قال بعض التابعين : " ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار أكثر من الغلام الأمرد يقعد إليه . وقال أبو سهل : " سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم : اللائطون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل " . وعن الحسن بن ذكوان أنه قال : " لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى " . ولا ينبغي لأحد ان يغتر بنفسه . أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة إيمانه ، فإن من خالف حدود الله تعالى ونظر إلى ما منعه الشرع من النظر إليه ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ، وكيف يغتر عاقل بذلك ، وقد علم ما ابتلي به داود نبي الله عليه السلام ، وهو أعبد البشر ، ونبي من أنبياء الله تعالى ، يأتيه خير السماء ، وتختلف إليه الملائكة بالوحي ، ومع ذلك وقع فيما وقع فيه من الذنب بسبب نظرة نظرها . وبعض عباد بني إسرائيل عبد الله سبعين عاما ثم نظر الى امرأة فافتتن بها . وبرصيصا العابد ، كان هلاكه بسبب النظر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي عليه السلام : " لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى " . وهو من سادات هذه الأمة ، ومحله من الدين والعلم والمعرفة بالله تعالى وبحقه وحدوده وحرماته محله ، فمن أنت ايها المغرور الجاهل بنفسه؟ انظر أين أنت من هؤلاء المذكورين ، وقد روى أسامة بن زيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء " وجاء في الأثر : " إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر " وقال الفضيل بن عياض : " الغناء رقية الزنى " ، فإذا اجتمعت رقية الزنى وداعيته ورائده فقد استكملت أسبابه . وقد روي عن عمر بن عبد العزيز انه قال : " إنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت(/9)
النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء " .
ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على الإيمان مما ينبت النفاق في قلبه ، وهو حين يفارقها لا يعتقد احتواء أذنيه على شيء مما ينتفع به . فمن أحب النجاة غدا ، والمصاحبة لأئمة الهدى ، والسلامة من طريق الردى ، فعليه بكتاب الله فليعمل بما فيه ، وليتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فلينظر ما كانوا عليه ، فلا يعدوه بقول ولا فعل ، وليجعل عبادته واجتهاده على سننهم ، وسلوكه في طريقهم ، وهمته في اللحاق بهم ، فإن طريقهم هو الصراط المستقيم ، الذي علمنا الله سبحانه سؤاله ، وجعل صحة صلاتنا موقوفة على الدعاء به فقال سبحانه معلما لنا : { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } آمين . فمن شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم فقد مرق من الدين ، وخرج من جملة المسلمين ، ومن علم ذلك ، وصدق ورضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبيا ، وعلم أن الله تعالى قد أمرنا باتباع نبيه بقوله سبحانه : { واتبعوه لعلكم تهتدون } وغير ذلك من الآيات .(/10)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " وقوله عليه الصلاة والسلام : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " . فما باله يلتفت عن طريقه يميناً وشمالاً . ينصرف عنها حالاً فحالاً ويطلب الوصول إلى الله سبحانه من سواها ، ويبتغي رضاه فيما عداها . أتراه يجد أهدى منها سبيلاً ، ويتبع خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً؟ كلا ، لن يجد سوى سبيل الله سبحانه إلا سبيل الشيطان ، ولن يصل من غيرها إلا إلى سخط الرحمن ، قال الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا مستقيما فقال : " هذا سبيل الله " وخط من ورائه خطوطا فقال : " هذه سبل الشيطان ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، من أجابهم اليها قذفوه في النار " أو كما جاء الخبر .
فأخبر أن ما سوى سبيل الله هي سبل الشيطان ، من سلكها قذف في النار ، وسبيل الله التي مضى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه والسابقون الأولون ، واتبعهم فيها التابعون بإحسان الى يوم الدين { رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } ، فمن سلكها سعد ، ومن تركها بعد . وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه وسيرته وما كان عليه في عبادته وأحواله مشهور بين أهل العلم ، ظاهر لمن أحب الاقتداء به واتباعه ، وسلوك منهجه ، والحق واضح لمن أراد الله هدايته وسلامته و { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً }(/11)
ثبتنا الله وإياكم على صراطه المستقيم ، وجعلنا وإياكم ممن يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم .
فيا أيها الآدمي المسكين المخلوق لأمر عظيم ، الذي خُلقت من أجله الجحيم وجنات النعيم ، إذا أنت أصغيت إلى الملاهي بسمعك ، ونظرت إلى محارم الله ببصرك ، وأكلت الشبهات بفيك ، وأدخلتها إلى بطنك ، ورضيت لنفسك برقصك ونقصك ، وأذهبت أوقاتك العزيزة في هذه الأحوال الخسيسة ، وضيعت عمرك الذي ليست له قيمة ، في كسب هذه الخصال الذميمة ، وشغلت بدنك المخلوق للعبادة ، بما نهى الله عنه عباده ، وجلست مجالس البطالين ، وعملت أعمال الفاسقين والجاهلين ، فسوف تعلم إذا انكشف الغطاء ، ونزل القضاء ، ماذا يحل بك من الندم يوم ترى منازل السابقين ، وأجور العاملين ، وأنت مع المخلفين المفرطين ، معدود في جملة المبطلين الغافلين ، قد زلت بك القدم ، ونزل بك الالم ، واشتد بك الندم ، فيومئذ لا يُرحم من بكى ، ولا يُسمع من شكى ، ولا يقال من ندم ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم . . أيقظنا الله وإياكم من سنة الغفلة ، واستعملنا وإياكم لما خلقنا له برحمته
والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
تمت الفتيا
(الشبكة الإسلامية)
----------------
هوامش :
(1) الدف : اطار خشبي ، مشدود عليه من وجه واحد جلد رقيق . فإذا شد عليه من الوجهين ، فهو الطبل . الشبانة المزمار من قصب ، وكإنها سميت بذلك لأنها تشب شهوة النفس ، أي تثيرها . والتواجد : التمايل من الطرب . واستماعه بمعنى الوجود في المكان من الاغلاط الشائعة - هذه الأيام - ولا وجه لها ويغني عنها لفظ الموجود .(/12)