وَقَالَ النسائي: لَيْسَ بِثِقَةِ . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَنْفَرِدُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَقْلُوبَاتِ .
وقال ابن خراش: حدثنا ابن حميد ، وكان والله يكذب !
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: فرأيت بعد ذلك أبي إذا ذكر ابن حميد: نفض يده !
وَآخِرُ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأَ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَبُو مُصْعَبٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ .
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَفِي الْإِسْنَادِ أَيْضًا مَنْ لَا تُعْرَفُ حَالُهُ.ا.هـ
وقال أيضا في " الفتاوى " (1/225):
وَكَذَلِكَ مَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَوَّزَ سُؤَالَ الرَّسُولِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ أَوْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ - غَيْرِ مَالِكٍ - كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنْ بَعْضُ الْجُهَّالِ يَنْقُلُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ، وَيَسْتَنِدُ إلَى حِكَايَةٍ مَكْذُوبَةٍ عَنْ مَالِكٍ ... وَأَصْلُهَا ضَعِيفٌ .ا.هـ.
وقال أيضا في " الفتاوى " (1/353): وَالْحِكَايَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَنْصُورِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ، وقال: " هُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ " كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ ، لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ .
من جهةِ نقلها عن أصحابِ مالك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1/228):(/3)
وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِينَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حميد ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إذَا أَسْنَدَ ، فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَ حِكَايَةً لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ؟ هَذَا إنْ ثَبَتَ عَنْهُ ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِمِثْلِ هَذَا النَّقْلِ لَا يَثْبُتُ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ ؛ بَلْ إذَا رَوَى عَنْهُ الشَّامِيُّونَ كَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، وَمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطاطري ضَعَّفُوا رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَكَيْفَ بِحِكَايَةِ تُنَاقِضُ مَذْهَبَهُ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ رَوَاهَا وَاحِدٌ مِنْ الْخُراسانِيِّينَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ؟ .ا.هـ.
سببُ إيرادِ القاضي عياضٍ لها:
قال في " الفتاوى " (1/225 – 226): وَالْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ ؛ بَلْ ذَكَرَ هُنَاكَ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سِيَاقِ أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوْقِيرَهُ وَتَعْظِيمَهُ لَازِمٌ ؛ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَذِكْرِ حَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ وَسَمَاعِ اسْمِهِ.ا.هـ.
الثابتَ عن مالكٍ خلافُ القصةِ:(/4)
قال في " الفتاوى " (1/353): وَهُوَ خِلَافُ الثَّابِتِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِأَسَانِيدِ الثِّقَاتِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِثْلَ مَا ذَكَرُوا عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَقْوَامٍ يُطِيلُونَ الْقِيَامَ مُسْتَقْبِلِي الْحُجْرَةِ يَدْعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَأَنْكَرَ مَالِكٌ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَقَالَ: لَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ ، فَإِنَّ الْآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِهِمْ وَعَادَتِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ اسْتِقْبَالُ الْحُجْرَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ مَشْرُوعًا لَكَانُوا هُمْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ ، وَكَانُوا أَسْبَقَ إلَيْهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَالدَّاعِي يَدْعُو اللَّهَ وَحْدَهُ .ا.هـ.
نقدُ بعضِ عباراتها:(/5)
وقف شيخ الإسلام مع بعض عباراتها بشيء من التفصيل والإيضاح ، فمن ذلك أنه قال (1/229 – 230): مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ " وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَوَسُّلِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا هُوَ التَّوَسُّلُ بِشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا حَقٌّ ؛ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ حِينَ تَأْتِي النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمَ لِيَشْفَعَ لَهُمْ فَيَرُدَّهُمْ آدَمَ إلَى نُوحٍ ثُمَّ يَرُدَّهُمْ نُوحٌ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ إلَى مُوسَى وَمُوسَى إلَى عِيسَى وَيَرُدَّهُمْ عِيسَى إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ: " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ " ، وَلَكِنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ " أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَدْعُو ؟ " فَقَالَ " وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ " فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَسَائِر السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الدَّاعِيَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ، وَيَدْعُو فِي مَسْجِدِهِ ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ ؛ بَلْ إنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ عِنْدَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ لَهُ .ا.هـ.(/6)
وقال أيضا (1/233) بعد تقرير طويل لمذهب مالك في المسألة:
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْحِكَايَةِ الْمُنْقَطِعَةِ مِنْ قَوْلِهِ: " اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ " كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَفْعَالِهِمْ الَّتِي يَفْعَلُهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَنَقَلَهَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ إذْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْقَبْرَ لِلدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ وَيَسْتَشْفِعَ بِهِ يَقُولُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ اشْفَعْ لِي أَوْ اُدْعُ لِي ، أَوْ يَشْتَكِي إلَيْهِ مَصَائِبَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، أَوْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَرَاهُمْ أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ ، أَوْ يَشْتَكِيَ إلَيْهِمْ الْمَصَائِبَ ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ مُبْتَدِعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؛ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ ، وَلَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ إذْ كَانَ يَسْمَعُ السَّلَامَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَرِيبِ وَيُبَلَّغُ سَلَامَ الْبَعِيدِ .ا.هـ.
وقال أيضا (1/239):(/7)
وَمِمَّا يُوهِنُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا " وَلَمْ تَصْرِفْ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَوَسَّلُ النَّاسُ بِشَفَاعَتِهِ ، وَهَذَا حَقٌّ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ ، لَكِنْ إذَا كَانَ النَّاسُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَ أَصْحَابُهُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّمَا ذَاكَ طَلَبٌ لِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فَنَظِيرُ هَذَا - لَوْ كَانَتْ الْحِكَايَةُ صَحِيحَةً - أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ قَبْرِهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ ، وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا مَالِكٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَالِكٍ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ إلَّا جَاهِلٌ لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ ، وَلَا الْأَحْكَامَ الْمَعْلُومَةَ أَدِلَّتُهَا الشَّرْعِيَّةُ مَعَ عُلُوِّ قَدْرِ مَالِكٍ وَعِظَمِ فَضِيلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ ، وَتَمَامِ رَغْبَتِهِ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا ؟ وَهَلْ يَأْمُرُ بِهَذَا أَوْ يَشْرَعُهُ إلَّا مُبْتَدِعٌ ؟ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ يُنَاقِضُ هَذَا لَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا .(/8)
ثُمَّ قَالَ فِي الْحِكَايَةِ: " اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعْك اللَّهُ " وَالِاسْتِشْفَاعُ بِهِ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ كَمَا يَسْتَشْفِعُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَمَا كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِ .ا.هـ.
فهذا هو نقد شيخ الإسلام ابن تيمية للقصة ، رحمه الله رحمة واسعة .
وممن نقد القصة أيضا الإمام ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي في الرد على السبكي " (ص 259 – 267) .
قال عن سندها (ص 260): ذكرها القاضي عياض ورواها بإسناده عن مالك ليست بصحيحة عنه ، وقد ذكر المعترض – يعني ابن عبد الهادي بالمعترض السبكي – في موضع من كتابه أن إسنادها إسناد جيد ، وهو مخطىء في هذا القول خطأ فاحشاً ، بل إسنادها إسناد ليس بجيد ، بل هو إسناد مظلم منقطع ، وهو مشتمل على من يتهم بالكذب وعلى من يجهل حاله ، وابن حميد هو محمد بن حميد الرازي ، وهو ضعيف كثير المناكير غير محتج بروايته ، ولم يسمع من مالك شيئاً ولم يلقه ، بل روايته عنه منقطعة غير متصلة ، وقد ظن المعترض أنه أبو سفيان محمد بن حميد المعمري أحد الثقات المخرج لهم في صحيح مسلم قال: فإن الخطيب ذكره في الرواة عن مالك ، وقد أخطأ فيما ظنه خطأ فاحشاً ووهم وهما قبيحا .ا.هـ.
كتبه عبد الله زقيل(/9)
قصة عتق ثويبة
يستدل بعض الصوفية لعمل المولد برواية انتفاع أبي لهب في جهنم وتخفيف العذاب عنه بسبب فرحه بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإعتاقه ثويبة عندما بشرته به.
والرواية كما في صحيح البخاري: (4813) [جزء 5- صفحة 1961]
حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان فقال: (أوتحبين ذلك). فقلت نعم لست لك بمخلية وأَحَب من شاركني في الخير أختي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ذلك لا يحل لي). قلت: فإنا نُحَدث أنك تريد أن تَنْكح بنت أبي سلمة ؟ قال: (بنت أم سلمة) !!. قلت: نعم. فقال: (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبةٌ فلا تَعْرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن)
قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أُريه بعض أهله بشر حيبة ، فقال له: ماذا لقيت ؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة.
قال الحافظ ابن حجر "رحمه الله": قوله: قال عروة. هو بالإسناد المذكور.اهـ يقصد أنه متصل وليس بمعلق من البخاري أو ممن فوقه ، وأن كلمة ((قال عروة)) هي من قول الزهري الراوي عن عروة.(/1)
ومما يؤكد ما ذهب إليه الحافظ من أن قول عروة ليس بمعلق وإنما هو بالإسناد المذكور للحديث ، أن عبد الرزاق روى الحديث في مصنفه بإسناد غير إسناد البخاري (7 ـ 478) عن معمر عن الزهري قال أخبرني عروة ابن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله انكح أختي ابنة أبي سفيان. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبين ذلك.؟ فقالت: نعم وما أنا لك بمخلية وخير من شاركني في خير أختي. قال: فإن ذلك لا يحل. قالت: فوالله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة. قال: ابنة أم سلمة.؟ قالت: فقلت نعم. قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي ، إنها لابنة أخي من الرضاعة ، لقد أرضعتني وأباها ثويبة ، فلا تعرضن عليّ بناتكن وأخواتكن.
قال عروة وكانت ثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم فقال له ماذا لقيت أو قال وجدت قال أبو لهب لم ألق أو أجد بعدكم رخاء أو قال أني سقيت في هذه مني لعتقي ثويبة وأشار إلى النقرة التي تلي الإبهام والتي تليها.
كذلك أورد البخاري قول عروة مختصراً في (5057) [جزء 5 - صفحة 2054] قال حدثنا يحيى بن كثير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته: ..... فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.
وقال شعيب عن الزهري قال عروة: ثويبة أعتقها أبو لهب. اهـ هكذا مختصراً.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: رواه الإسماعيلي من طريق الذهلي عن أبي اليمان ورواه عبد الرزاق عن معمر.
مما تقدم يظهر لنا خطأ من قال: إن قول عروة السابق معلق من غير إسناد.
وبعد أن بينا وجود إسناد إلى عروة نقول: إن الرواية مردودة من وجوه:
أولاً ـ الخبر الذي عند البخاري مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به.(/2)
ثانياً ـ أن الذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ، كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9ـ 48).
وفي كتابه "المجموع شرح المهذب" (6ـ 292) قال النووي "رحمه الله": فرع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ، ولم ير الناس الهلال ، فرأى إنسانٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلةُ أول رمضان ، لم يصح الصوم بهذا المنام لا لصاحب المنام ولا لغيره ، ذكره القاضي حسين وآخرون ونقل القاضي عياض الإجماع عليه ، وقد قررته بدلائله في أول شرح صحيح مسلم ...... اهـ
قلت: وهو في مقدمة شرحه للصحيح باب: الكشف عن معايب رواة الحديث ونقلة الأخبار.
وكذلك أورد الحافظ ابن حجر هذه الفتوى في كتابه "المنتخب" الذي جمع فيه فوائد وردت في شرح الإمام النووي لصحيح مسلم ( الفائدة الثالثة ، الصفحة الرابعة عشرة ).
وكذلك أوردها أبو زرعة العراقي وأقرها في تكملته لكتاب "طرح التثريب" (8 ـ 215).
قلت: هذا فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فكيف بمن رأى أبا لهب !!! حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقارنة .
ثالثاً ـ مخالفة هذه القصة لصريح القرآن ، كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9ـ48)، وقد أجمع العقلاء من أهل الإسلام فضلاً عن علماء الأصول على عدم رد ظاهر النص القرآني في مثل هذا المنام.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}. [فاطر 35].
ويقول تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[الزخرف: 75].
ويقول الله تعالى: {لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً}. [عم: 24].(/3)
وقال القاضي عياض: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض. كما في " الفتح" (9ـ48).
قلت: وبيان هذا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه.؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)).
قال الإمام النووي "رحمه الله تعالى" معنوناً على هذا الحديث في صحيح مسلم: باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل.
وكذلك روى الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)).
قال الإمام النووي "رحمه الله تعالى" معنوناً على هذا الحديث في صحيح مسلم: باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا.
رابعاً ـ إن الرواية التي في البخاري ليس فيها أن أبا لهب أعتق ثويبة يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بشرته بمولده.
وليس فيها أن الذي رأى أبا لهب في المنام هو العباس رضي الله عنه.
وليس فيها أن يوم الولادة كان يوم الاثنين ، بل هذا كله جاء في رواية السهيلي من غير إسناد نهائياً لا مقطوع ولا معلق ولا مرسل ، قال: إن الرائي له هو أخوه العباس وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر وفيه أن أبا لهب قال للعباس: إنه ليخفف عليّ في مثل يوم الاثنين ، قالوا: لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك. كما عند السهيلي في الروض الأنف (5ـ192).
وبهذا يظهر خطأ أو تدليس من أورد هذه التفاصيل مجتمعة وعزاها للبخاري.(/4)
خامساً ـ إن القول بأن اعتاق أبي لهب لثويبة كان عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك بدهر طويل ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9ـ48) وأوضحه في كتابه " الإصابة في تمييز الصحابة" (4ـ250) وكذلك الحافظ ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب في أسماء الأصحاب" (1ـ12) والحافظ ابن الجوزي في كتابه "الوفا بأحوال المصطفى" (1ـ106).
سادساً ـ وعلى فرض ثبوت جواز جزاء الكافر على أعماله الحسنة في مثل هذه الحالة ، فإنها تنصرف إلى الإعتاق الذي هو عبادة أصيلة في الشرع ، وليس إلى الفرح بالمولود والذي لم يقل أحد من أهل العلم بأنه عبادة أو من القرب.
وعلى فرض أننا أخذنا بظاهر الرواية وتغاضينا عما يردها ، فإن ظاهر القصة يؤكد أن أبا لهب خفف عنه للإعتاق وليس للفرح بالمولود ، خاصة وأن فرح أبي لهب لم يكن بولادة النبي المرسل ، بل بولادة ابن أخيه ، بل إن أبا لهب من أشد من كذبه وكفر بنبوته.
وأخيراً ألفت عناية إخواني القُراء إلى مخالفة صريحة يقع بها من يثبت قصة يدين أبي لهب وأنها تنبع ماءاً في جهنم والله في محكم كتابه ينص على أن الكافرين لا يسقون فيها إلا الحميم ، كذلك فإن الله تعالى في علاه أنزل قرآناً يتلى إلى قيامة الساعة {تبت يدا أبي لهب} والمسلمون في كل يوم يقولون في صلاتهم وقيامهم {تبت يدا أبي لهب} وهذه القصة تقول إن يدا أبي لهب التي كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفجر منها ماء ، وأين في جهنم التي لا يسقى فيها إلا الحميم بنص رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار، غفر الله له ولوالديه.(/5)
قول بعض الصوفية اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
أما ما ذكرته في السؤال من قول بعض الصوفية في المساجد وغيرها: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية إلخ.
الجواب:- أن يقال: إن هذا الكلام وأشباهه من جملة التكلف والتنطع الذي حذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون قالها ثلاثا ، قال الإمام الخطابي رحمه الله: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.
وقال أبو السعادات ابن الأثير: هم المتعمقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل في كل متعمق قولا وفعلا.(/2)
وبما ذكره هذان الإمامان من أئمة اللغة يتضح لك ولكل من له أدنى بصيرة أن هذه الكيفية في الصلاة والسلام على نبينا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة التكلف والتنطع المنهي عنه ، والمشروع للمسلم في هذا الباب أن يتحرى الكيفية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة والسلام عليه وفي ذلك غنية من غيره ، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين واللفظ للبخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله: أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله: كيف نصلي عليك ؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله: أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ فسكت ثم قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم فهذه الألفاظ وأشباهها وغيرها مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي ينبغي للمسلم أن يستعملها في صلاته وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بما يليق أن يستعمل في حقه كما أنه أعلم الناس بما ينبغي أن يستعمل في حق ربه من الألفاظ .(/3)
أما الألفاظ المتكلفة والمحدثة والألفاظ المحتملة لمعنى غير صحيح كالألفاظ التي ذكرت في السؤال فإنه لا ينبغي استعمالها لما فيها من التكلف ولكونها قد تفسر بمعان باطلة مع كونها مخالفة للألفاظ التي اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها أمته وهو أعلم الخلق وأنصحهم وأبعدهم عن التكلف ، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام ، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة في بيان حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك والفرق بين ما كان عليه المشركون الأولون والمشركون المتأخرون في هذا الباب.
وفي بيان كيفية الصلاة المشروعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاية ومقنع لطالب الحق ، أما من لا رغبة له في معرفة الحق فهذا تابع لهواه وقد قال الله عز وجل: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فبين سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الناس بالنسبة إلى ما بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق قسمان: أحدهما: مستجيب لله ولرسوله. والثاني: تابع لهواه ، وأخبر سبحانه أنه لا أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله فنسأل الله عز وجل العافية من اتباع الهوى كما نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمعظمين لشرعه والمحذرين من كل ما يخالف شرعه من البدع والأهواء إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
http://www.binbaz.org.sa/display.asp?f=Br00011.htm
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة(/4)
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/5)
قولهم أن في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا
فصل
في اسْتِدْلال ِ بَعْض ِ القبوْرِيِّيْنَ عَلى صِحَّةِ صَلاتِهمْ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، بحدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا مَرْفوْعًا «في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نَبيًّا» ، وَقدْ صَلى فِيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَأَئِمَّة ُ الإسْلام ! وَبيَان ِ بُطلانِهِ وَأَنهُ مُنْكرٌ ، وَرَدِّهِ عَليْهمْ
قدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ القبوْرِيِّيْنَ عَلى جَوَازِ صَلاتِهمْ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، بَلْ وَجَوَازِ اتخاذِهَا مَسَاجِدَ ، وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ ذلِك َ مُسْتَحَبًّا : بمَا رَوَاهُ أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ عَنْ إبْرَاهِيْمِ بْن ِ طهْمَانَ عَنْ مَنْصُوْرِ بْن ِ المعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ : قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا».
قالوْا : (وَمَسْجِدُ الخيْفِ ، هُوَ مَسْجِدُ مِنَى ، وَصَلاة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهِ ، وَصَلاة ُ أَصْحَابهِ : ثابتة ٌ مَعْرُوْفة ٌ صَحِيْحَة ٌ لا رَيْبَ فِيْهَا وَلا مِرْية ٌ: فدَلتْ صَلاة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلِك َ المسْجِدِ مَعَ مَا فِيْهِ مِنْ قبوْرِ أَنبيَاءٍ ، عَلى جَوَازِ الصَّلاةِ في المسَاجِدِ المبْنِيَّةِ عَلى القبوْرِ، وَفي المقابرِ مِنْ بَابِ أَوْلىَ ! وَقدْ تتابعَ أَئِمَّة ُ الإسْلامِ مِنْ صَدْرِ الإسْلامِ حَتَّى اليوْم ، عَلى الصَّلاةِ فِيْهِ دُوْنَ إنكار)!
وَقدْ رَوَى هَذَا الحدِيْثَ :
- أَبوْ يَعْلى الموْصِلِيُّ(22) قالَ: أَخْبَرَنا الرَّمَادِيُّ أَبوْ بَكرٍ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به .(/1)
- وَالفاكِهيُّ في «أَخْبَارِ مَكة» (4/266)(2594) قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به .
- وَالطبَرَانِيُّ في«مُعْجَمِهِ الكبيْرِ» (12/414)(13525) قالَ: حَدَّثنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثنَا عِيْسَى بْنُ شاذانَ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به .
وَالجوَابُ :
أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ الذِي اسْتَدَلوْا بهِ ، عَلى وُجُوْدِ سَبْعِيْنَ قبْرِ نبيٍّ في مَسْجِدِ الخيْفِ : حَدِيْثٌ باطِلٌ مُنْكرٌ، وَإنْ كانَ ظاهِرُ إسْنَادِهِ الصِّحَّة !
وَهُوَ حَدِيْثٌ لمْ يُصَحِّحْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ ، بَلْ وَلمْ يَسْتَدِلَّ بهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ المعْتبرِيْنَ المتقدِّمِيْنَ عَلى شَيْءٍ مِنْ مَسَائِل ِ الصَّلاةِ في المقابرِ ، لاطرَاحِهِ وَظهُوْرِ نكارَتِهِ . وَبيانُ ذلِك َ مِنْ وُجُوْهٍ :
أَحَدُهَا : أَنهُ مُخالِفٌ لِلأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ بَلْ وَالمتوَاتِرَةِ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لعْنِهِ لِليهُوْدِ وَالنَّصَارَى ، المتخِذِيْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ ، بَلْ لعْنهُ المتخِذِيْنَ القبوْرَ مَسَاجِدَ مُطلقا .
بَلْ مُخالِفٌ لأَحَادِيْثَ صَحِيْحَةٍ كثِيْرَةٍ أُخْرَى ، فِيْهَا تَحْرِيْمُ الصَّلاةِ إلىَ القبوْرِ ، وَتَحْرِيْمُ وَطئِهَا وَالمشْيُ عَليْهَا ، وَإيْقادُ السُّرُجِ فِيْهَا .
فكيْفَ يتخِذُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الخيْفِ مَسْجِدًا؟! وَيُصَلي فِيْهِ؟! وَيَدَعُ المسْلِمِيْنَ يُصَلوْنَ فِيْهِ؟! ثمَّ يحْذَرُ عَليْهمْ مِنَ اتخاذِ قبْرِهِ مَسْجِدًا وَعِيْدًا ، وَلا يَحْذَرُ عَليْهمُ اتخاذَ قبْرِ سَبْعِيْنَ نبيًّا مَسْجِدًا وَعِيْدًا ؟! { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }.(/2)
فلا شَك َّ أَنَّ حَدِيْثَ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا هَذَا : حَدِيْثٌ بَاطِلٌ مُنْكر.
الثانِي: أَنهُ مُخالِفٌ لِلإجْمَاعِ ، وَقدْ قدَّمْنَاهُ في «فصْل ِ تَحْرِيْرِ مَحَلِّ النزَاعِ» أَوَّلَ الكِتَابِ (ص13-19) ، وَذكرْنا هُنَاك َ إجْمَاعَ أَهْل ِ العِلمِ كافة ً ، عَلى حُرْمَةِ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، وَالمسَاجِدِ عَلى القبوْر .
الثالِثُ : أَنهُ مُخالِفٌ لإجْمَاعٍ آخَرَ أَيضا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ إجْمَاعُ العُلمَاءِ عَلى جَهَالةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ ، وَعَدَمِ قطعِهمْ بقبْرِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، سِوَى قبْرِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُوْنَ غيْرِه .
أَمّا بَقِيَّة ُ قبوْرِهِمْ ففِيْهَا خِلافٌ كبيْرٌ ، وَالرّاجِحُ المقطوْعُ بهِ : بُطلانُ نِسْبتِهَا إليْهمْ ، سِوَى قبْرِ إبْرَاهِيْمَ عَليْهِ السَّلامُ ، ففِي قبْرِهِ نِزَاعٌ ، وَالجمْهُوْرُ عَلى ثبوْته .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ- كمَا في«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى» (27/141) - : (وَلِهَذَا كانَ العُلمَاءُ الصّالِحُوْنَ مِنَ المسْلِمِيْنَ لا يُصَلوْنَ في ذلِك َ المكان . هَذَا إذا كانَ القبْرُ صَحِيْحًا فكيْفَ وَعَامَّة ُ القبوْرِ المنْسُوْبةِ إلىَ الأَنبيَاءِ كذِبٌ ، مِثْلُ القبْرِ الذِي يُقالُ : إنهُ «قبْرُ نوْحٍ» فإنهُ كذِبٌ لا رَيْبَ فِيْهِ ، وَإنمَا أَظهَرَهُ الجهّالُ مِنْ مُدَّةٍ قرِيْبَةٍ وَكذَلِك َ قبْرُ غيْرِه).
الرّابعُ : أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ لوْ كانَ صَحِيْحًا : لحَرُمَ وَطئُ قبوْرِهِمْ ، وَالجلوْسُ عَليْهَا ، وَالصَّلاة ُ فِيْهَا وَإليْهَا ، وَلوَجَبَ عَلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَانُ ذلِك َ لأُمَّتِهِ ، فلمَّا لمْ يَكنْ ذلِك َ: ظهَرَ بُطلانهُ ، وَخُلوُّ المسْجِدِ مِنَ القبوْر .(/3)
الخامِسُ : أَنهُ مُخالِفٌ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيْحَةِ في بابهِ ، التي فِيْهَا : أَنَّ مَسْجِدَ الخيْفِ صَلى فِيْهِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، وَقدْ رَوَاهُ جَمَاعَة ٌ مِنَ الأَئِمَّةِ مَوْقوْفا وَمَرْفوْعًا ، لا قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا ! فصَوَابهُ «صَلى» لا «قبْر».
فالرِّوَاية ُ المرْفوْعَة ُ: رَوَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ عَنْ عَطاءِ بْن ِ السّائِبِ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ جُبيْرٍ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ : قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، مِنْهُمْ مُوْسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كأَني أَنظرُ إليْهِ وَعَليْهِ عَبَاءَتان ِ قِطرَانِيَّتَان ِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلى بَعِيْرٍ مِنْ إبْل ِ شَنُوْءَةٍ ، مَخْطوْمٍ بخِطامٍ مِنْ لِيْفٍ لهُ ضَفِيْرَتان».
أَخْرَجَهُ :
- الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(4/266)(2593) قالَ: حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ المنذِرِ الكوْفيُّ ، وَعَبْدَة ُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ قالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ به .
- وَالطبَرَانِيُّ في مُعْجَمَيْهِ:«الكبيْرِ»(11/452-453)(12283) وَ«الأَوْسَطِ» (6/193-194)(5403) قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدِ بْن ِ أَبي خَيْثمَة َحَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الطوْسِيُّ حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ به .
ثمَّ قالَ الطبَرَانِيُّ بَعْدَهُ في«الأَوْسَطِ»(6/194):
(لمْ يَرْوِ هَذَا الحدِيْثَ عَنْ عَطاءِ بْن ِ السّائِبِ إلا َّ مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل . تفرَّدَ بهِ : عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الطوْسِيّ).
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ حُفاظ ٌ ثِقاتٌ ، احْتَجَّ بهمْ أَصْحَابُ الصَّحِيْح .(/4)
وَتفرُّدُ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ بهِ عَنْ عَطاءٍ - الذِي ذكرَهُ الطبَرَانِيُّ - لا يَضُرُّهُ ، فإنَّ مُحَمَّدًا ثِقة ٌ حُجَّة ٌ، احْتَجَّ بهِ الشَّيْخان .
أَمّا زَعْمُ الطبَرَانِيِّ رَحِمَهُ الله ُ: تفرُّدَ عَبْدِ اللهِ بْن ِ هَاشِمٍ الطوْسِيِّ بهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ: فغيْرُ مُسَلمٍ وَلا صَحِيْحٍ ، بَلْ قدْ شَارَكهُ في رِوَايتِهِ لهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِفضَيْل ٍ: رَاوِيان ِ ثِقتان ِ، هُمَا عَلِيُّ بْنُ المنذِرِ ، وَعَبْدَة ُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ ، كمَا تقدَّم .
------------------------------
(22) كمَا في«المطالِبِ العَالِيَةِ» لِلحَافِظِ ابْن ِ حَجَرٍ(3/370)(1425) «كِتَابُ الحجّ»،«بَابُ فضْل ِ مَسْجِدِ الخيْف».
أَمّا الرِّوَاية ُ الموْقوْفة ُ: فجَاءَتْ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ أَيْضًا مِنْ طرِيْقيْن ِ، وَعَنْ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا .
فإحْدَى طرِيقيْ ابْن ِ عَبّاس ٍ: رَوَاهَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَة َ عَنْ أَشْعَثِ بْن ِ سَوّارٍ عَنْ عِكرِمَة َ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ:«صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، كلهُمْ مُخَطمِيْنَ باِلليْف» قالَ مَرْوَانُ : (يَعْنِي رَوَاحِلهُمْ).
أَخْرَجَهُ مِنْ هَذِهِ الطرِيْق ِ :
- الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة َ»(4/269)(2603) قالَ: حَدَّثنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ حَدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِية َ به .
- وَالأَزْرَقِيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(2/174) أَيْضًا قالَ: حَدَّثنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبي عُمَرَ العَدَنِيُّ قالا: حَدَّثنَا مَرْوَانُ به .
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ رِجَالُ الصَّحِيْح .(/5)
وَأَشْعَثُ بْنُ سَوّارٍ : رَوَى لهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»في المتابعَاتِ ، وَتكلمَ فِيْهِ جَمَاعَة ٌ مِنَ الأَئِمَّةِ وَضَعَّفوْهُ ، وَلعَلَّ الطرِيْقَ الأُخْرَى عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ تَعْضُدُهُ ، وَقدْ :
رَوَاهَا الحاكِمُ في«مُسْتَدْرَكِهِ»(2/598) : عَنْ أَبي العَبّاس ِ مُحَمَّدِ بْن ِ يَعْقوْبَ عَنْ أَحْمَدِ بْن ِ عَبْدِ الجبّارِ عَنْ يُوْنس ِ بْن ِ بُكيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ إسْحَاقَ عَن ِ الحسَن ِ بْن ِ مُسْلِمٍ عَنْ مِقسَمٍ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ:«لقدْ سَلك َ فجَّ الرَّوْحَاءِ سَبْعُوْنَ نبيًّا حُجّاجًا ، عَليْهمْ ثِيَابُ الصُّوْفِ ، وَلقدْ صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا».
وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في«سُنَنِهِ الكبْرَى»(5/177) مِنْ طرِيْق ِ أَبي عَبْدِ اللهِ الحاكِمِ عَنْه.
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ مُحْتَجٌّ بهمْ في الصَّحِيْحِ ، غيْرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ : مُدَلسٌ وَقدْ عَنْعَن .
أَمّا حَدِيْثُ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ :
فرَوَاهُ مُسَدَّدٌ (23) عَنْ يَحْيَى بْن ِ سَعِيْدٍ القطان ِ عَنْ عَبْدِ الملِكِ بْن ِ أَبي سُليْمَانَ عَنْ عَطاءٍ عَنْ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ:«صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، وَبَيْنَ حِرَاءَ وَثبيْرٍ سَبْعُوْنَ نبيًّا».
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيْحٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِم .
وَرِوَايتا ابْن ِ عَبّاس ٍ وَأَبي هُرَيْرَة َ الموْقوْفتان ِ عَليْهمَا : لهمَا حُكمُ الرَّفعِ ، لأَنَّ مِثلهُمَا لا يُقالُ باِلرَّأْيِّ ، وَيَشْهَدُ لِرَفعِهَا - ضِمْنًا - حَدِيْثُ ابْن ِ عَبّاس ٍ المرْفوْعُ وَقدْ تقدَّم .(/6)
وَفي هَذَا البابِ أَيْضًا : مُرْسَلٌ لِسَعِيْدِ بْن ِ المسَيِّبِ قالَ: (مَرَّ مُوْسَى عَليْهِ السَّلامُ بفجِّ الرَّوْحَاءِ ، وَعَليْهِ عَبَاءََتان ِ قطوَانِيَّتَان ِ، تجَاوِبهُ صِفاحُ الرَّوْحَاءِ ، وَهُوَ يقوْلُ:«لبَّيْك َ عَبْدُك َ، وَابْنُ عَبْدَيْك».
وَمَرَّ عِيْسَى بْنُ مَرْيَمَ عَليْهمَا السَّلامُ يلبِّي ، وَهُوَ يقوْلُ: «لبَّيْك َ عَبْدُك َ، وَابْنُ أَمَتِك َ بنْتِ عَبْدَيْك».
وَمِنْ قبْلُ أَوْ مِنْ بَعْدُ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، خَاطِمِي رَوَاحِلهُمْ بحِبَال ِ الليْفِ ، حَتَّى صَلوْا في مَسْجِدِ الخيْف).
رَوَاهُ :
- الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(4/268-269)(2601) قالَ: حَدَّثنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ حَدَّثنَا سُفيَانُ – هُوَ ابنُ عُيَيْنَة َ- عَن ِ ابْن ِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ المسَيِّبِ به .
وَرَوَاهُ :
- الإمَامُ أَحْمَدُ في«الزُّهْدِ» قالَ: حَدَّثنَا سُفيَانُ عَن ِ ابن ِ جُدْعَانَ وَأَسْنَدَهُ ، فذَكرَهُ دُوْنَ أَوَّلهِ الذِي فِيْهِ ذِكرُ مُوْسَى عَليْهِ السَّلام .
الوَجْهُ السّادِسُ : أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ – أَعْني حَدِيْثَ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا المنتقدَ - : قدْ رَوَاهُ عَنْهُ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ التّابعِيُّ الثقة ُ رَحِمَهُ الله .
وَقدْ ثبتَ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا يخالِفهُ ، وَيوَافِقُ الرِّوَاياتِ الصَّحِيْحَة َ المتقدِّمة َ فِيْه .(/7)
فرَوَى البَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبْرَى»(2/420) : عَنْ أَبي عَبْدِ اللهِ الحاكِمِ وَأَبي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بن ِ مُوْسَى ابن ِ أَبي عَمْرٍو الصَّيرَفيِّ كِلاهُمَا عَنْ أَبي العَبّاس ِ الأَصَمِّ عَنْ يَحْيَى بْن ِ أَبي طالِبٍ عَنْ عَبْدِ الوَهّابِ بن ِ عَطاءٍ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ أَبي عَرُوْبة َ: أَنهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقوْلُ:«صَلى في هَذَا المسْجِدِ - مَسْجِدِ الخيْفِ ، يَعْني مَسْجِدَ مِنَى- سَبْعوْنَ نبيًّا ، لِبَاسُهُمُ الصُّوْفُ ، وَنعَالهمُ الخوْص».
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيْح .
وَرَوَى الفاكِهيُّ أَيْضًا في«أَخْبَارِ مَكة»(4/18)(2313) :
عَنْ عَلِيِّ بْن ِ المنذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ عَنْ يَزِيْدِ بْن ِ أَبي زِيادٍ قالَ: (خَرَجْنَا مَعَ مُجَاهِدٍ نسِيْرُ حَتَّى خَرَجْنَا مِنَ الحرَمِ نَحْوَ عَرَفاتٍ ، فقالَ مُجَاهِدٌ:«هَلْ لكمْ في مَسْجِدٍ كانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا يَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَليَ فِيْه».
قالَ : قلنا : نعَم ، فصَليْنَا فِيْه .
ثمَّ قالَ:«لقدْ صَلى فِيْهِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، كلهُمْ يَؤُمُّ الخيْف».
وَرَوَى الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة» أَيْضًا (4/268)(2599) قالَ: حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عِمْرَانَ المخْزُوْمِيُّ حَدَّثنَا سَعِيْدُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثنَا عُثْمَانُ بْنُ سَاجٍ أَخْبَرَنِي خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن ِعَنْ مُجَاهِدٍ قالَ: (حَجَّ خَمْسَة ٌوَسَبْعُوْنَ نَبيًّا ، كلهُمْ قدْ طافَ بهذَا البيْتِ ، وَصَلى في مَسْجِدِ مِنَى ، فإن ِ اسْتَطعْتَ لا تَفوْتك َ صَلاة ٌ في مَسْجِدِ مِنَى فافعَلْ).
وَرَوَاهُ الأَزْرَقِيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(2/174) : حَدَّثنِي جَدِّي عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ سَالِمٍ به .(/8)
الوَجْهُ السّابعُ: أَنَّ في إسْنَادِهِ إبْرَاهِيْمَ بْنَ طهْمَانَ ، وَهُوَ مَرَدُّ وَسَبَبُ مُخالفةِ هَذَا الحدِيْثِ لِلأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ وَنكارَتِهِ ، كمَا تقدَّم .
وَهُوَ وَإنْ كانَ ثِقة ً احْتَجَّ بهِ أَصْحَابُ الصَّحِيْحِ ، إلا َّ أَنهُ قدْ تفرَّدَ بأَشْيَاءَ خَالفَ فِيْهَا ، فلمْ يُوَافقْ عَليْهَا وَلمْ يُتَابعْ ، حَتَّى قالَ فِيْهِ – لأَجْلِهَا – الحافِظ ُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عَمّارٍ: (إبْرَاهِيْمُ بْنُ طهْمَانَ : ضَعِيْفٌ مُضْطرِبُ الحدِيْث).
وَقالَ ابْنُ حِبّانَ فِيْهِ في «الثقاتِ»(6/27) : (أَمْرُهُ مُشْتَبهٌ ، لهُ مَدْخَلٌ في الثقاتِ ، وَمَدْخَلٌ في الضُّعَفاءِ ، قدْ رَوَى أَحَادِيْثَ مُسْتَقِيْمَة ً تُشْبهُ أَحَادِيْثَ الأَثباتِ . وَقدْ تفرَّدَ عَن ِ الثقاتِ بأَشْيَاءَ مُعْضِلات)اه.
قلتُ : إنْ لمْ يَكنْ هَذَا الحدِيْثُ مِنْ مُعْضِلاتِهِ : فليْسَ لهُ مُعْضِلاتٌ ، وَإنْ لمْ يَكنْ هَذَا مِنْ غرَائِبهِ ، فمَا غرَائبُه؟!
وَلا رَيْبَ أَنَّ مُخالفتهُ وتفرُّدَهُ بتِلك َ اللفظةِ المنكرَةِ «قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا» مَكانَ «صَلى سَبْعُوْنَ نبيًّا»: رَأْسُ مُعْضِلاته .
قالَ الذَّهَبيُّ في تَرْجَمَتِهِ في«سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ»(7/383) : (لهُ مَا يَنْفرِدُ بهِ ، وَلا يَنْحَط ُّ حَدِيثهُ عَنْ دَرَجَةِ الحسَن).
وَقالَ الحافِظ ُ ابْنُ حَجَرٍ فِيْهِ في«تقرِيْبِ التَّهْذِيْبِ»(1/36) : (ثِقة ٌ يُغرِب).
----------------------------------
(23) كمَا في «المطالِبِ العَالِيَةِ» لِلحَافِظِ ابْن ِ حَجَرٍ(3/370)(1425)«كِتَابُ الحجّ»،«بَابُ فضْل ِ مَسْجِدِ الخيْف».
الوَجْهُ الثامِنُ : أَنَّ سِيَاقَ هَذَا الحدِيْثِ - حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ«في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا»: سِيَاقُ مَدْحٍ وَتفضِيْل .(/9)
وَهَذَا لا يَسْتقِيْمُ وَلا يَصِحُّ ، أَنْ يَكوْنَ مَرَدُّ فضْل ِ مَسْجِدِ الخيْفِ : وُجُوْدَ تِلك َ القبوْرِ السَّبْعِيْن !
بَلْ إنَّ وُجُوْدَهَا فِيْهِ ، تَجْعَلُ الصَّلاة َ فِيْهِ مُحَرَّمَة ً مُنْكرَة ً لا تَصِحُّ – لوْ قِيْلَ بصِحَّةِ حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ ، وَلا يَصِحُّ - لِمَا قدَّمْنَا ، وَمُخالفتِهِ الأَحَادِيْثَ الصَّحِيْحَة .
وَإنمَا مَرَدُّ الفضْل ِ في ذلِك َ وَسَبَبُهُ : مَا جَاءَ في الرِّوَايَاتِ الأُخْرَى الصَّحِيْحَةِ ، وَهُوَ : صَلاة ُ الأَنبيَاءِ فِيْهِ ، حَتَّى كانتِ الصَّلاة ُ فِيْهِ سُنَّة َ أَنبيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهمْ وَسَلامُهُ ، وَسَنَّة َ نبيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقدْ دَلتْ عَلى هَذَا : الأَحَادِيْثُ وَالآثارُ الأُخْرَى التي قدَّمْنَاهَا في الوَجْهَيْن ِ الخامِس ِ وَالسّادِس .
الوَجْهُ التّاسِعُ : أَنهُ لا يَسْتقِيْمُ تتابعُ دَفن ِ هَؤُلاءِ الأَنبيَاءِ السَّبْعِيْنَ - مَعَ كثرَتِهمْ – وَاتفاقهُ في مَسْجِدِ الخيْفِ ، إلا َّ أَنْ يَكوْنَ أَصْلُ أَرْضِهِ مَقبَرَة ً، يُقبرُ فِيْهَا الصّالحوْنَ وَالمشْرِكوْن .
فإنْ كانَ هَذَا : فلا مَزِية َ لها ، فكمَا أَنَّ فِيْهَا قبوْرَ أَنبيَاءٍ ، ففِيْهَا قبوْرُ مُشْرِكِيْنَ وَكفار !
وَهَذَا مُخَالِفٌ أَيْضًا ، لِمَا صَحَّ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نبشِهِ قبوْرَ المشْرِكِيْنَ في مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ في المدِيْنةِ ، وَنقل ِ رُفاتِهمْ : فلوْ كانَ ذلِك َ صَحِيْحًا : لوَجَبَ نبْشُ قبوْرِ المشْرِكِيْنَ ، وَنقلُ رُفاتِهمْ كمَا فعَلهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وََأَمَرَ بهِ في مَسْجِدِه .(/10)
الوَجْهُ العَاشِرُ : أَنهُ يَلزَمُ مِنْ دَفن ِ هَؤُلاءِ الأَنبيَاءِ السَّبْعِيْنَ في مَسْجِدِ الخيْفِ : أَنهُمْ بقوْا في مَكة َ بَعْدَ حَجهمْ مُدَّة ً ، حَتَّى وَافتْهُمْ مَنَاياهُمْ !
وَالعَادَة ُ تُحِيْلُ ذلِك َ، وَأَنْ تكوْنَ مَنَايَاهُمْ وَافتْهُمْ جَمِيْعًا بمَكة َ قبْلَ إمْكانِهمْ مِنَ القفوْل ِ إلىَ أَهْلِهمْ .
وَيَلزَمُ مِنْ هَذَا أَمْرَان ِ:
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكوْنَ بَقِيَ في مَكة َ أَنبيَاءٌ قبْلَ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيْرَ إبْرَاهِيْمَ وَابنِهِ عَليْهمَا السَّلام .
وَهَذَا أَمْرٌ غيْرُ صَحِيْحٍ وَلا مَعْرُوْفٍ ، وَقدْ رَوَى البخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ»(7) مِنْ حَدِيْثِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا في قِصَّةِ سُؤَال ِ هِرَقلَ لِرَهْطِ قرَيْش ٍ، وَفِيْهمْ أَبوْ سُفيَانَ ، وَهُوَ حَدِيْثٌ طوِيْلٌ كانَ فِيْهِ قوْلُ هِرَقلَ لأَبي سُفيَانَ:«وَسَأَلتُك َ: هَلْ قالَ هَذَا القوْلَ - أَي النُّبُوَّة َ- أَحَدٌ قط قبْله؟ فأَجَبْتَ أَنْ لا ، فقلتُ : لوْ كانَ أَحَدٌ مِنْكمْ قالَ هَذَا القوْلَ قبْلهُ ، قلتُ : رَجُلٌ يأْتمُّ بقوْل ٍ قِيْلَ قبْله».
الأَمْرُ الثانِي : أَنهُمْ - صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ- بقوْا في مَكة َ عِنْدَ قوْمٍ لمْ يُؤْمَرُوْا بإبلاغِهمْ شَيْئًا ! وَترَكوْا أَقوَامَهُمْ وَقدْ كلفوْا بإبْلاغِهمْ رِسَالاتِ رَبِّهمْ !(/11)
وَقدْ كانتِ الأَنبيَاءُ تبْعَثُ في أَقوَامِهَا خَاصَّة ً دُوْنَ غيْرِهِمْ ، عَدَا نبيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فبعِثَ لِلنّاس ِ عَامَّة ً، كمَا عِنْدَ أَحْمَدَ في«مُسْنَدِهِ»(3/304) وَالبخارِيِّ في«صَحِيْحِهِ»(335)، وَمُسْلِمٍ(521) كلهُمْ مِنْ حَدِيْثِ جَابرِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«أُعْطِيْتُ خَمْسًا لمْ يُعْطهُنَّ أَحَدٌ قبْلِي: نصِرْتُ باِلرُّعْبِ مَسِيْرَة َ شَهْرٍ، وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا ، فأَيمَا رَجُل ٍ مِنْ أُمَّتي أَدْرَكتْهُ الصَّلاة ُ فليصَلِّ ، وَأُحِلتْ لِيَ الغنائِمُ ، وَلمْ تحِلَّ لأَحَدٍ قبْلِي ، وَأُعْطِيْتُ الشَّفاعَة َ، وَكانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلىَ قوْمِهِ خَاصَّة ً، وَبُعِثْتُ إلىَ النّاس ِ عَامَّة».
الوَجْهُ الحادِي عَشَرَ: أَنَّ صُوَرَ هَذِهِ القبوْرِ- لوْ سَلمْنَا بوُجُوْدِهَا وَلا نسَلمُ – غيرُ ظاهِرَةٍ وَلا بَارِزَةٍ ، وَالشِّرْك ُ إنما يَحْصُلُ إذا ظهَرَتْ صُوَرُهَا .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تيْميَّة َرَحِمَه ُ الله ُ– كمَا في«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»(17/463) - : (كذَلِك َ قالَ العُلمَاءُ :«يَحْرُمُ بناءُ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ، وَيَجِبُ هَدْمُ كلِّ مَسْجِدٍ بُنيَ عَلى قبْر».
وَإنْ كانَ الميِّتُ قدْ قبرَ في مَسْجِدٍ وَقدْ طالَ مُكثهُ : سُوِّيَ القبْرُ حَتَّى لا تَظهَرَ صُوْرَتهُ ، فإنَّ الشِّرْك َ إنما يَحْصُلُ إذا ظهَرَتْ صُوْرَته)اه.
هَذِهِ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا ، كلُّ وَجْهٍ مِنْهَا حُجَّة ٌ يُبْطِلُ ذلِك َ الحدِيْثَ وَيسْقِطهُ ، فكيْفَ بهَا مُجْتَمِعَة ؟!(/12)
وَلمْ أَسُقهَا كلهَا لأَجْل ِ قوَّةِ ذلِك َ الحدِيْثِ ، أَوْ ظهُوْرِ صِحَّتِهِ ! وَقدْ عَلِمْتَ إعْرَاضَ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ عَنْهُ ، وَعَدَمَ تَصْحِيْحِهمْ لهُ ، مَعَ تَسَاهُل ِ بَعْضِهمْ .
وَإنمَا سُقتهَا مُتتابعَة ً، زِيَادَة ً في إرْغامِ المعارِض ِ، وَإظهَارًا لِضَعْفِ حُجتِهِ ، وَسُقوْطِ أَدِلتِهِ ، وَبُعْدِ مَنَالهِ عَنْ يَدَيه
[ مجانبة اهل الثبور ص 133 - 146 ، تأليف الشيخ عبد العزيز بن فصيل الراجحي ] .(/13)
كشف التلبيس والكذب
في قول الصوفية لا يوجد شرك في جزيرة العرب
تأليف فضيلة الشيخ:
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
الخطبة الأولى
نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ?[آل عمران:102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?[النساء:1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار.
أيها الناس: يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ?وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً?[النساء:36].
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً?[الأنعام:151].(/1)
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ?[البقرة: 21-22].
في هذه الآيات، بيان حق لله سبحانه وتعالى وهو توحيده، فهو أعظم حق لله على عبيده، وخلقهم من أجله، قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ?[الذريات: 56-58].
و هذا أمر عام شامل لسائر المخلوقين، من الجن والإنس، يجب أن يعبدوه لا يشركون به شيئاً.
قال سبحانه ?وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً?[النور:55].
فهذا موعود كل من عبد الله لا يشرك به شيئاً، وقال سبحانه وتعالى: ?وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ? [البقرة:186].
وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ? [الأعراف:55]
?وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ? [الأعراف:56] .(/2)
والقرآن كله، من أوله إلى آخره، توحيد، ومدح أهل التوحيد، وبيان ما أعد الله لأهل التوحيد، وذم الشرك، وأفعال المشركين، وأقوالهم البائرة، وبيان ما أعد الله للكافرين والمشركين، فمن قال في هذه الأزمنة أو غيرها: إنه لا يوجد شرك في الأرض، فإن مؤدى كلامه هذا أن القرآن ليس بحق، أو أن القرآن كله منسوخ، أو أن القرآن يصلح لزمن دون آخر، أو أن القرآن ليس لهذه الأمة ولسائر الأمم والله عزوجل يقول: ?لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ?[الأنعام:19].
فهذه كلمة خطيرة، تنسف الإسلام نسفاً، ترد على رب العالمين، وعلى رسوله الأمين، ويا لها من كلمة يددن بها أناس يدعون الإسلام، أنه لا يوجد شرك في هذه الأزمنة بعد موت رسول الله ?، انتهى الشرك من جزيرة العرب.
هكذا يقولون: واسمع إلى أدلة من كتاب الله، وسنة رسول الله ?، وكتاب الله، وسنة رسول الله ?، رد على كل من ضل من أهل الهواء والباطل، وكل من زاغ، والملل والنحل، قال تعالى: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً?[آل عمران:64]، فالكفار مشركون لهذه الآية، كل اليهود والنصارى مشركون بالله، سواء وجدوا في جزيرة العرب، أو في غير جزيرة العرب، وقال تعالى: ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ?[التوبة: 30-31].(/3)
فأبان الله أنهم مشركون، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: ?إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً?[النساء:48]، وفي الآية الأخرى: ?وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً?[النساء:116].
وإن أعظم الذنوب وأكبرها هو الشرك بالله، فمن زعم أنه لا يوجد شرك في الأرض فقد رد هذه الأدلة، في أي زمن من الأزمنة، فإنه ما من نبي بعثه الله ولا رسول أرسله الله إلا ويدعو إلى قومه إلى توحيد الله عز وجل، ويحذرهم من الشرك به، من الخلل في حق من حقوق الله سبحانه وتعالى، ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ?[النحل:36].
أهذا الأمر فقط في زمن الأنبياء؟، أو في حياة الأنبياء؟، أم ما دامت السموات والأرض!، إن الله لا يرضى أن يشرك به في الأرض ولا في السماء، دين الله سبحانه وتعالى واحد، يقول الله سبحانه وتعالى: ?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ?[المائدة:72].
هذا كلام خطيرن ومعتقد صاحبه كاذب ومبير، ففي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »اجتنوا السبع الموبقات«، هذا الأمر لأمته في حياته وبعد موته، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبدأ بالشرك الله، قال: »الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المؤمنات الغافلات«.(/4)
فأول ما ذكر رسول الله ? الشرك بالله، وحذرهم منه، قال تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ? [الأنعام:82] ، فسائر المفسرين، يفسرون الظلم هنا بالشرك بالله، كما ثبت الحديث بذلك، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنهم قالوا لرسول الله ?: أينا لا يظلم نفسه يا رسول الله، قال: »ألم تقرءوا ما قال الله عز وجل عن لقمان: إن الشرك لظلم عظيم«.
ففسر رسول الله ? الظلم هنا بالشرك، وكل من آمن ولم يشرك بالله عز وجل، فهو آمن، فمعنى ذلك أن من آمن وألبس إيمانه بشركٍ فليس بآمن من عذاب الله، وأنه إن آمن ولم يلبس إيمانه بشرك فهو آمن.
بل نبي الله إبراهيم عليه السلام خاف على نفسه، وعلى بنيه من الشرك، وهؤلاء الضلال، ضلال الصوفية، يقولون: إن الشرك قد انتهى، ولا يخافون على أنفسهم منه!.
نبي الله إبراهيم يقول: ?رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ?[إبراهيم:36].
وهكذا نبي الله محمد ? دعا رجل فقال: يا رسول الله، ما الموجباتان؟ يسأل رسول الله ? عن ذلك، عما تجب به الجنة، وما تجب به النار، فقال رسول الله ?: »من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار«.
كما روى الإمام مسلم في «صحيحه» عن جابر رضي الله عنه.
وفي »الصحيحين« من حديث معاذ ، وجاء عن أنس رضي الله عنهما: أن النبي ? قال لمعاذ: »يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ».(/5)
وعلى قول الصوفية: بعد موت النبي ? انتهى هذا الحق لله عزوجل من جزيرة العرب!.
إن هذه الأقوال من الصوفية: أنه انتهى الشرك من جزيرة العرب، معناها: أن الشفاعة حاصلة لكل من أشرك بالله سبحانه وتعالى، والنبي ? سئل: أي الناس أسعد بشفاعتك يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: »من مات لا يشرك بالله شيئاً« والله تعالى يقول: ?مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ?[غافر:18]، ومعنى الظلم هنا: الشرك.
فالصوفية بين قولين أحلاهما مر: إما أن ينفوا أدلة الشفاعة، وإما أن يقولوا: بان الشفاعة حاصلة للمشركين ويعارضون القرآن والسنة.
الشرك محبط للأعمال، وقد قال الله لنبيه ?: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ?[الزمر: 65-66]، يوجه الله الخطاب، لأجلّ خلقه، وأفضل خلقه، فهل هؤلاء يسلمون من هذا الخطاب ولا يشملهم؟، ويقولون: انتهى الشرك من الأرض!، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة الأنعام بعد أن ذكر عدداً من الأنبياء قال: ?وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?[الأنعام:88].
هذا حق خالص لله، حق لله سبحانه وتعالى، خلق البرية من أجله، ?وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ?[صّ:27]، ?وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ?[الأنبياء:16]، ?مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ?[الدخان:39].(/6)
هذا الحق العظيم لله سبحانه وتعالى، يعتدى عليه، ويغرر بالجهال، ويغرر بالأغبياء من عباد الله المسلمين، أن هذا الحق قد انتهى، وأنه ما بقي شرك، وترد هذه الأدلة، والنبي ? يقول، كما ثبت عنه في حديث ابن عمر: »بعثت والسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم«.
جاهد رسول الله ? المشركين جهاداً كبيراً، وهؤلاء يعيدون الوثنية، والنبي ? يقول: »اغزوا باسم الله، جاهدوا من كفر بالله«.
إن هذه المقولة فيها تعطيل لجهاد المرتدين، وقد جاهدهم أبو بكر الصديق، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ?، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ? «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وأجمع الصحابة على ذلك، وقاتل الصحابة مسيلمة الكذاب ومن معهن وأجمع الصحابة على جهاهم(/7)
وتعطيل لتعلم توحيد الله سبحانه وتعالى، فإذا كان لا يوجد شرك، فتلك الكتب التي في التوحيد والعقدة الصحيحة وجودها عبث! لا يحتاج لها؛ لأن الشرك غير موجود في جزيرة العرب حتى يحذره الناس، أعظم حق لله إذا عطل عندهم في هذه الأزمنة، فما دون ذلك من باب أولى.
روى الإمام مسلم في «صحيحه»، من حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي ? قال: فيما يروي عن ربه عز وجل: »من جاء بالحسنة فله عشر أو أزيّد- في رواية: أزِيد- ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها، أو أغفر، ومن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولاً، ومن أتاني بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئاً، أتيته بقرابها مغفرة«.
هذا الخطاب خاص فقط بمن في زمن رسول الله ?!! أم هو إلى قيام الساعة، »لا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة«.
وجاء بنحوه من حديث أنس بن مالك، عند الإمام الترمذي وغيره: »يا ابن آدم أنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً إلا أتيتك بقرابها مغفرة«.
وفي »الصحيحين« من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل«.
هذا دليل على من آمن بالحقوق لله سبحانه وتعالى التي آبانها في كتابه، ومن أعظم تلك الحقوق توحيد الله، دخل الجنة، أما من أنكر ذلك فالويل له إن لم يتب إلى الله عز وجل.(/8)
إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسله، وأنزل كتبه، لبيان حقوق الله سبحانه وتعالىن قال عزوجل: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?[المؤمنون:117]، وهذا لفظ يقتضي العموم، في كل زمان، وفي كل ملة، وفي كل عصر، وفي كل موطن، وفي كل حين، فمن الذي خصص هذه الأدلة بزمن دون زمن؟!
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ?[الحج:73].
وفي حديث الحارث الأشعري عند الإمام أحمد وغيره، أن النبي ? قال: »إن لله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات: أن يعمل بهن، ويأمر قومه يعملوا بهن، وأنه أبطأ عليهم، فقال له عيسى عليه الصلاة والسلام: إن الله أمرك بخمس كلمات، تعمل بهن، وتأمر قومك يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن وإما أبلغهن، قال: إني أخشى إن بلغتهن أنت، أن يخسف بي أو أعذب، ثم جمع بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد وجلسوا على الشرف، ثم أمرهم بتلك الخمس الكلمات، أولهن: أن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئاً، فإن مثل من يشرك بالله شيئاً، كمثل رجل اشترى عبدٍ من خالص ماله، بذهب أو ورق، ثم قال: هذا مالي، وهذا داري، اعمل في مالي، وأدي إلى داري، فذهب يعمل في ماله، ويؤدي إلى غير داره، أيكم يرضى أن يكون عبده كذلك، انظر إلى هذا المثل العظيم في هذا الحديث العظيم.
الله سبحانه لا يرضى أن يشرك به شيئاً، في أي زمان، فهو القائل كما في حديث أبي هريرةن عن النبي ? فيما يرويه عن ربه عزوجل، : «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي به غيري تركته وشركه».(/9)
وقال ? »يا رويقع لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس: أن من تقلد وتراً»، -كان الجاهلية يتقلدون الأوتار لدفع العين، وهذا نوع من الشرك- «أو استنجى برجيع أو عظم، أو عقد لحيته فإن محمداً بريئاً منه«، والحديث صحيح عن النبي ? في «مسند الإمام أحمد» وغيره.
وابن مسعود رأى على يد امرأة خيطاً وحلقة، فنزع ذلك الخيط نزعاً شديداً، وقال: إن آل عبد الله أغنياء عن الشرك، سمعت النبي ? يقول: »إن الرقى والتمائم، والتولة من الشرك»، وهو حديث صحيح، عند أبي داود والحاكم وغيرهما، فأبان أن ذلك من الشرك، وهذا في زمن النبي ?، وبعد موت النبي ?، وفي سائر الأزمان.
ورسول الله ? رأى رجلاً معلقاً تميمةً فأمسك عن مبايعته حتى نزع تلك التميمة، ثم بايعه رسول الله ?.
وفي «صحيح مسلم» من حديث ثوبان، ابن جندب خادم رسول الله ?: أن النبي ? قال: »لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالأوثان«، يعبدون الأوثان، ويلحقون بالمشركين.
وفي »صحيح البخاري« من حديث أنس: أن النبي ? قال: »لا يأتي عام إلا والذي بعده شراً منه، حتى تلقوا ربكم«، وثبت عن النبي ? أنه قال: »لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق«.
وهل هناك أشر ممن أشرك بالله تعالى، دل على أن الساعة تقوم على مشركين، على عبدة أوثان، على شرار الخلق.
وثبت من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة، وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد».
والنبي ? يقول: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة»، فدل هذا على أن الشرك يزداد من حين إلى آخر، حتى لا تقوم الساعة إلا على هذه الأصناف من المشركين، وقال عليه الصلاة والسلام لابن عباس: »أحفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله« الحديث، وهذه الوصية لابن عباس ولغيره في حياة النبي ? وبعد موته.(/10)
وفي »الصحيحين«، من حديث أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه: لما سأله هرقل ما يأمركم؟ قال: يقول: »اعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آبائكم، يأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة«.
هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه، ولسائر الأنبياء أن يأمروا قومهم بذلك، ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ?[الأنبياء:25] ، ?وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ? [الأحقاف:21].
فإن من أشرك ومات على شركه، هو للنار وبئس القرار، وحديث »أنتِ النار عذابي أعذب بك من أشاء، وأنت الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملئها»، هذا الحديث مبين بالأدلة التي فيها مستحق النار، والأدلة التي فيها مستحق الجنة.
أما شبهتهم في حديث جابر: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم«، أخرجه مسلم، فهذا الحديث يا بلداء الصوفية، اسمعوا كلام أهل العلم، على هذا الحديث العظيم، يقول أهل العلم: إن الشيطان قد يئس من رحمة الله، فليس بيأس الشيطان مبالاة، ولا يأبه به، ولا يبنى عليه حكمٌ، هذا قول.(/11)
القول الثاني: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب«، لا يمكن أن يجتمع المصلون في جزيرة العرب على عبادة غير الله، فإن هناك طائفة من أهل العلم، ومن أهل الحق، »لا تزال طائفة على الحق ظاهرين«، فلا يجتمع أبداً في جزيرة العرب على الشرك، بعد بعثة رسول الله ?، ولا تكون جاهلية مطلقة في جزيرة العرب بعد بعثة رسول الله ?، وأنه يوجد المشرك، ويوجد المرتد، ويوجد الكافر، ويوجد الزنديق، ويوجد المنافق، ولكن لا يجتمع الأمة على ذلك البتة، فإن الله حافظ دينه، برجال صالحين، ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?[الحجر:9].
المعنى الثالث: أن المصلين الذين تصح صلاتهم، وتقبل صلاتهم، تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، إن الصلاة ?إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ?[العنكبوت:45]، فدل على أن المشرك محبوط العمل، وصلاته لا تنهاه، وليس بمصلٍ، ولا يدخل تحت هذا الحديث، الذي فيه: أن النبي ? يقول: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون«، أي: المصلون الذين صلاتهم مقبولة صحيحة، أما المشرك فمحبوط العمل، ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ? [الزمر:65] ، ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً? [الفرقان:23].
ونظير حديث جابر، حديث عقبة في »صحيح مسلم«، أن النبي قال:«وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» وتوجيهه نفس توجيه هذا الحديث، ولهذا أوتي هؤلاء القوم مع ما في قلوبهم من الزيغ، أتوا من سوء الفهم، قال تعالى: ?فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?[الصف:5].
الخطبة الثانية(/12)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ?.
أما بعد:
فسبق أن قيل: إن هذه المقولة ترد القرآن والسنة، وأيضًا ترد فهم السلف جميعاً، فأبو بكر وسائر الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، قاتلوا الذين تبعوا الأوثان، هل قاتل مسلمين؟، أبداً، ولكن قاتل المرتدين والمشركين.
قول هؤلاء الضلال يرد القرآن ويرد السنة، ويرد قول الصحابة وإجماعهم، الذي أجمعوا عليه، ومعناه: أنه ما يوجد شرك، وأن أبا بكر وأصحاب رسول الله ? جميعاً قاتلوا مسلمين، ما قاتلوا مشركين، ما قاتلوا مرتدين، ما قاتلوا كفاراً!
والنبي ? يقول: »إنكم تشركون إنكم تنددون، تقولون: والكعبة، وتقولون: ومحمد«، وهؤلاء ينددون، وأحدهم يقول:
إذا كنت في هم وغم وكربة ... فادعني يا مرغمي أجيبك بسرعة
ومعنى ذلك: أنه يجيب المضطر إذا دعاه، وعندهم أيضاً الأقطاب والأوتاد والغوث، أقطاب خمسة يمسكون الكون، والأوتداد أربعة يمسكون الكون، فيدعو مباشرة الأقطاب، إذا أصيب بغم أو بهم، أو بكربة، أو بشدة، دعا غير الله عز وجل، هذا تنديد وشرك أكبر، فكيف هذا الكذب أن يقال: ما في شرك في الأرض، وهم أنفسهم يزاولون الشرك بالله، هم والرافضة عليهم من الله ما يستحقون، فنعم وإذا عجز عن ذلك قال: يا غوث، أتظن أنه يعبد الغوث، هو الله عز وجل
فالدراسة عندهم لا يجوز؛ لأن معناه إلقاء الناس إلى الهلكة، الشرك بالله هلكة، الشرك بالله ظلم عظيم، الشرك بالله تنديد لله سبحانه وتعالى.
فكيف يلقى بالناس إلى جامعة الأحقاف؟، وكيف يلقى بالناس إلى جامعة الحديدة، كلية مرعي؟، وكيف يلقى بالناس إلى هذه الأماكن التي تدرس التنديد بالله، وتقول: ما في شرك في الأرض؟!.(/13)
هذا لا يجوز، هذا مقرر عليهم في معتقداتهم، فلا يخرج أحدٌ من تلك الأماكن على توحيد الله، وإنما يخرج على هذا الفهم البطال، الفهم السيء لدين الله الحق، ويخرج وهو يدعو غير الله، ويخرج وهو ينذر لغير الله، والنذر لغير الله شرك، ويخرج وهو يذبح لغير الله، وقد روى الإمام مسلم في »صحيحه« من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي ? قال:»لعن الله من ذبح لغير الله«.
هذا اللعن فقط خاص بزمن دون زمن، وإلا هو على ممر التاريخ، على مر الأزمان؟ مدة ما يكون الإنسان حياً لا يجوز له أن يذبح، ولا أن ينذر لغير الله عز وجل، لعن الله من ذبح لغير الله، يخرجون يرهبون من الأولياء، ويخافون من دون الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول: ?فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ?[آل عمران:175].
وإذا ذهب إلى الولي ينحني على ظهره، ويقول: جاءك فلان، راغبًا راهبًا خاشعًا ، فلا يرجع من عندك خائبًا، والله كأنه في زمن شرك قريش وأشد، في ذلك الزمن، وهو يقرأ القرآن، ولا يفهمه ولا يتدبره، ولا يعمل به، :كأن الله قد طبع على قلوبهم، القرآن إنما يستفيد منه من كان من أهله، من كان من العاملين به، قال تعالى: ?أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا?[محمد:24]، وقال: ?أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً?[النساء:82].
ويقول الله سبحانه: ?إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ?[الإسراء:9].
فما لهؤلاء القوم لا يهتدون به، لا بالقرآن، ولا بالسنة، ونسأل السلامة والعافية مما يفعلون، ويقولون، وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين.
أسئلة وأجوبة ملحقة بما مضى كانت بين مغرب وعشاء بعنوان:
الأجوبة السنية وكشف بعض أباطيل الصوفية(/14)
السؤال (1): رجل طلق امرأته ثلاث طلقات متواليات، ثم أرجع ثم طلق الطلقة الثانية، ثم أرجع، ثم طلق الطلاق الثالث، ثم حددت النفقة، وتزوج امرأة أخرى ثم أرجع امرأته الإولى التي طلقها، فما حكم هذا النكاح، وما هو الواجب على أهل البلاد وأولياء المرأة علماً بأنه قد أزعج بعض الشباب المستقيمين وقد رفعوا به إلى الحاكم، وما نصيحتكم لمن يدافع على هذا الرجل، ويقوم معه؟
الجواب: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
يقول الله في كتابه بعد أن ذكر الطلقة الأولى والثانية: ?فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ?[البقرة:230]، وإذا كان الأمر على ما في السؤال، أنه يحصل طلاق ورجعة، هذه تعتبر بائنةً، ولا يحل له أن يراجعها، وإنما إذا تزوجت آخر وفارقها، أو مات عنها، لا بالتحليل، فإن التحليل لا يجوز، فيجوز له أن يتزوجها، بمهر جديد وعقد جديد.
وهذا الفعل يعتبر من المنكرات، أن يطلق امرأته ثلاث تطليقات بين كل تطليقة والأخرى رجعة، ثم بعد ذلك يراجعها ويتعاون معه بعض السفهاء على الإثم والعدوان، والله عز وجل يقول: ?وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ?[المائدة:2]، هذا منكر يجب تغييره، »من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان«.(/15)
ولا يجوز لأحد أن يدافع عن المنكر ولو صدر من أقرب قريب، ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا? [النساء:135].
السؤال (2): هل يجوز للرجل أن يصافح خالة زوجته، وهل يجوز له أن يتزوج بابنة أخ زوجته؟
الجواب: هذان سؤالان: الأول هل يجوز له أن يصافح خالة زوجته؟ لا يجوز؛ لأنها أجنبية، والحديث: نهى النبي ? أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، هذا لا يدل على المحرمية، يدل على أنه لا يجوز الجمع بينهما، أما إن ماتت زوجته، أو إن طلق زوجته وانتهت العدة يجوز له أن يتزوج بخالتها، فهي أجنبية لا يجوز له أن يصافحها، ولا يخلو بها.
وأما أن يتزوج بابنة أخ زوجته؟، فنعم يجوز؛ لأنها أجنبية، وأيضًا: لأن زوجنه عمتها، وتقدم ذكر الدليل على الجمع بينهما.
السؤال (3): رجل تزوج بامرأة، ثم بعد سنوات أخبرته زوجته بأنه رضع من أمها، فذهب وسأل عمته فقالت: لا تدري كم رضع منها، لكثرة الرضعات، فقال لزوجته: إنها قالت رضعتين، فما هي نصيحتكم له؟ وما هو الواجب عليه؟.
الجواب: ننصحه إن كان مرتاباً في الرضعات لكونها كثيرة، أن يفارق؛ لقول النبي ? لعقبة بن الحارث: »فارقها، كيف وقد قيل؟«، والحديث في «صحيح البخاري»، فالنبي ? يقول: »دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة«، ويقول ?: »فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه«.
ولا يجب عليه أن يفارق، إلا بعد اليقين؛ أنه رضع خمسًا، لحديث عائشة: »كانت عشر رضعات يحرمن، فنسخت بخمس رضعات يحرمن«.
السؤال (4): معلوم أن الرجل يسجى إذا مات، ويجوز الكشف عن وجهه، فهل إذا غسل وكفن يكشف عن وجهه للزيارة؟(/16)
الجواب: ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه، كشف عن رأس رسول الله ? ووجهه، وقبله، وقال: »بأبي أنت وأمي أما الموتة الأولى فقد ذقتها، ولن تذوق بعدها موتة أبداً«.
وثبت أيضاً أن النبي ? كشف عن عثمان بن مضعون وهو مسجى وقبّله.
وإن كان محرماً يكشف عن رأسه، حتى في القبر لا يغطى رأسه بالكفن، لقول النبي ?: »ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً«، متفق عليه، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
السؤال (5): معلوم أن الأحاديث الواردة في الأذان الأول في الفجر، تدل على أنه في رمضان، مثل حديث: »إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم«، فهل يوجد دليل على أن الأذان في غير رمضان؟.
الجواب: العبرة بعموم الدليل، الذي ذكرته حديث ابن عمر، وبنحوه من حديث جابر بن سمرة في «صحيح مسلم»، أن النبي ? قال في الفجر الكاذب: »أنه لا يمنع الصائم الطعام، ولا تصح فيه الصلاة«، الحديث، وكان رسول الله ? يصوم في غير رمضان كثيرًا، وقد كان الصائمون على عهد رسول الله ? في رمضان وغيره، بل رسول الله ? وهو الذي أفتى عبد الله بن عمرو بأن يصوم يوماً ويفطر يومًا، وحمزة بن عمرو كان يكثر الصيام، فليس معناه أن ما هناك صيام إلا في رمضان.
وربنا سبحانه وتعالى يقول: ?وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ?[البقرة:187].
السؤال (6): ما حكم الأذان الأول في يوم الجمعة، فإذا كان بدعة فما حكم فعل شريط قرآن ليعلم الناس أن اليوم، يوم جمعة، فنرجو الإجابة؟.(/17)
الجواب: الأذان الأول محدث، نقل ابن رجب في «فتح الباري» عند حديث السائب بن يزيد، من كتاب الجمعة، من «صحيح البخاري» إجماع أهل العلم على أنه محدث، ونص ابن عمر على أنه بدعة، وقال جماعة غير ابن عمر، ذكرناهم في »أحكام الجمعة وبدعها«، أنه بدعة، فالأذان الأول محدث، »ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«، وفي حديث العرباض بن سارية قال: »وعظنا رسول الله ? موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: »أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور«.
وبما أنه محدث بالإجماع، فقد نهانا رسول الله ? عن محدثات الأمور في آخر هذا الحديث، وسنة الخلفاء الراشدين: أي فهم للدليل، وسلوكهم لطريق النبي ?، فليس لأحد سنة بعد رسول الله ?، قال بنحو ذلك ابن حزم في كتابه »إحكام الأحكام«، (باب التقليد) الفصل السادس والثلاثين.
واتخاذ شريط قرآن بدل الأذان أيضاً هو محدث، وما جاء إلا من عصور قريبة، من عند بعض المصريين، »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«، «إن الله لا يقبل توبة صاحب بدعة حتى يدع بدعته»، وفيه إزعاج للمصلين في ذلك الوقت، وفيه تضيع، والنبي ? يقول كما في حديث أبي سعيد: »لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن، فكلكم يناجي ربه«.
فيه كذلك إسراف وتبذير من حيث صرف بعض البطاريات للمسجل، والإسراف والتبذير محرمان.
السؤال (7): رجل تاجر إذا جاءه المشتري، وعرف أن الرجل يشتري بنقد ذكر له السعر المحدد في السلعة، وإذا كان دينًا زاد فوق السعر، فما حكم البيع، وحكم الزيادة؟.(/18)
الجواب: جمهور أهل العلم على جواز هذا البيع، ويسمونه بيع الأجل، يستفيد البائع والمشتري، فمثلاً يقول: هذا القلم لك بمائتين نقداً، أو بمائتين وخمسين نسيئة، إلى وقت كذا وكذا، هذا جمهور أهل العلم على جوازه، وما هناك دليل على تحريمه، إنما جاء حديث: »من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما« أي: أنقصهما، »أو الربا«، وقد شذ بهذا اللفظ: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة.
السؤال (8): ما هو حكم المذهبية، وهل يلزم الأخذ بمذهب الشافعي مع الدليل؟.
الجواب: قد تعبدنا الله سبحانه وتعالى بكتابه، وبإتباع سنة نبيه ? فقال: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً?[المائدة:3].
وقال: ?اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ? [لأعراف:3]
وقال: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً? [الأحزاب:36].
وقال: ?فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً? [النساء:65]
وقال: ?وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ?[الشورى:10].
وقال سبحانه: ?فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?[النساء:59].
وقال: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ?[الأحزاب:21].(/19)
وقال تعالى: ?قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ? [آل عمران:31] فكتاب وسنة على فهم السلف رضوان الله عليهم، ولا يلتزم أحدٌ بتقليد أحدٍ من الناس، كائناً من كان، فإن الله تعبدنا بكتابه وسنة رسوله ?، وهم أنفسهم أئمة المذاهب: لا يرضون لأحد أن يقلدهم.
فالشافعي رحمة الله عليه يقول: (إذا قلت قولاً يخالف حديث رسول الله ?، فاعلموا أن عقلي قد ذهب).
ويقول: (إذا قلت قولاً خالف حديث رسول الله ? فاعلموا أني راجع عنه في حياتي وبعد موتي).
وقال له رجل: أصح هذا الحديث؟ قال: نعم، قال: أتقول به؟ فتغير وجه الشافعي رحمة الله عليه، ثم قال: أترى على وسطي زناراً، أم تراني أعبد كنيسة، أقول: صح الحديث وتقول: تعمل به، كيف لا أعمل به بعد أن ثبت عن رسول الله ?، فهذه بعض أقوال الإمام الشافعي.
والإمام مالك أيضاً قال: (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله ?)، في رواية: (إلا صاحب هذا القبر)، وأشار إلى قبر رسول الله ?.
وأبو حنيفة يقول: (لا يحل لأحدٍ أن يأخذ أو يقول عنا ما لم يعلم من أين أخذنا).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، وخذوا من حيث أخذنا.
وقد ألف أهل العلم كُتباً مستقلة في التحذير من تقليد الأئمة، فإن ذلك قد أدى بهم إلى الفرقة، والتنافر، وأدى فيهم إلى البغضاء والشحناء، وأدى في الناس إلى التعصب الشديد، حتى إن منهم من يرى أن يكذب على المذهب الآخر، وممكن أن يؤوّل بعض الأدلة، من أجل نصرة مذهبه.
الشوكاني قد ألف »القول المفيد في أدلة الاجتهاد وتحريم التقليد«.(/20)
والمعصومي قد ألف رسالة، أبان فيها أن بعض مسلمي اليونان، كان السبب الذي أبعدهم عن الإسلام هو التقليد، وكل يأتي ويقول لهم قولاً، يوافق مذهبه، فلا يفتيهم بالدليل، والفلاني كذلك كما في »إيقاظ همم أولي الأبصار«، ذكر كلاماً طيباً في تلك الرسالة المفيدة، وقد حققها الشيخ سليم الهلالي.
وحسين بن مهدي النعمي، وكذا ابن القيم في »إعلام الموقعين«، وابن حزم في »إحكام الأحكام«، وشيخنا العلامة: الوادعي، والعلامة الألباني، ومن جرى مجراهم، كلهم ينكرون على من قلد في دينه، وعلى ذلك قوله الله سبحانه وتعالى: ?إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ?[البقرة: 166-167].
وقال سبحانه: ?يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً?[الأحزاب: 63-68].(/21)
ويقول سبحانه وتعالى: ?وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً?[الفرقان: 27-30].
وفي حديث البراء بن عازب في شأن المقلد، أنه في القبر يسأل من ربك؟ ما دينك؟ من الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله، عند قول الله سبحانه وتعالى: ?وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ?[الزخرف:23]، ما معناه: أن التقليد أصل من أصول الكفر، فالكفار ساروا على التقليد، وعاشوا على التقليد، فلم يتخلصوا من الكفر بسببه.
وفي حديث المسيب بن حزم في قصة أبي طالب، أن النبي ? أتى إلى عمه أبي طالب، وهو يحتضر قال: «يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، فكان يقول ذلك: وبعض المشركين يقول له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟، فكان آخر كلامه أن مات على التقليد الأعمى، وآخر كلامه أن قال: هو على ملة عبد المطلب.
فالتقليد: طريق الضلال، وصارف شديد عن الهدى، ولا تركن على قول من يقول: (قلد عالم تحشر سالم)، هذا كلام باطل، بل لو قيل: (قلد عالم تحشر ظالم)، لما أبعد، فهو ظالم لنفسه؛ الله أمره أن يبحث عن الحق، ?وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ?[الكهف:29].(/22)
وقال تعالى: ?اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ?[لأعراف:3]، فتقليد الأئمة في غير الدليل، قال ابن حزم في »الإحكام«، عند أن ذكر قول الله عز وجل: ?فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ?[النحل:43]، مبيناً أدلة من قال بالتقليد، ودعا إليه، قال: صدق الله، وكذب محرفو قوله، إن الله أمرنا أن نسألهم عن الذكر، ولم يأمرنا أن نسألهم عن آرائهم، فإذا أفادك بالذكر فأنت أخذت بالقرآن، أو بالسنة، أو أخذت بالدليل.
أما أنك تقلدهم في كل ما يقول، فقد قال ابن القيم: أجمع أهل العلم أن المقلد ليس بعالم، ويقول ابن الجوزي في »صيد الخاطر«، يقول: مثل المقلد كمثل إنسان له سراج فيطفؤه، ويمشي في الظلام.
الله قد أنزل الكتاب، والسنة نوراً، قال تعالى: ?وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً?[النساء:174]، وقال: ?وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ?[الشورى:52].
السؤال (9): سبق أنهم يحتجون على بدعهم برأي الإمام الشافعي، فالسؤال: ما هو موقف أهل الحق، لا سيما الإمام الشافعي رحمه الله من الصوفية والأشاعرة، مع ذكر نبذة عن هاتين الفقرتين؟
الجواب: أما موقف الشافعي من الصوفية، فقد ذكر ابن الجوزي في »صفة الصفوة« بسند حسن أو صحيح إلى الشافعي أنه قال: (ما تصوف أحد في أول النار إلا جاء آخرا لنهار وهو أبله).(/23)
فهو يرى هذا الصنف بلهاء، وهو إمام في السنة، لقب بإمام أهل السنة، فالشافعي بريء من التصوف، الذي يحلق لحيته ويقول: شافعي كذاب، ما هو شافعي؛ الشافعي ما حلق لحيته، الذي يتبنطل ويقول: هو شافعي كذاب في ذلك؛ الشافعي ما تبنطل، الذي يأكل تراب القبر أو يذهب إلى النحبة تلك، أو الأذكار والأوراد المحدثة، ويقول: شافعي، كذاب، فما هو متبع لكتاب الله، وسنة رسوله ?، ولا هو متبع للشافعي، وكم ترى في كتاب »الأم« من الكلمات الجزيلة، التي يقول الشافعي: (وأحب إلي أن لا يفعل ذلك).
حتى في مسألة الأذان الأول، قال: ومهما كان –سواء أحدثه معاوية أو عثمان- ومهما كان فأحب إليّ فعل رسول الله ?.
فهؤلاء ليسوا بشافعية ولا بمتبعين لكتاب الله وسنة رسوله ?، إنما هم متبعون للجهل، ومتبعون للبدع و الخرافات.
أما الصوفية فواضح ما هم فيه من الشر، من الشركيات، وأكل أتربة القبور، وبدع باطلة، بعضهم يظن أن مجرد أكل الحلوى في ليلة المولد، أو مجرد أن يقال له السيد، هذا التصوف، لا؛ التصوف عقيدة فاسدة، مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله ?، ومنهج السلف الصالح.
هم ثلاثة أصناف: صنف صاحب أوراد وأذكار، وهذا عنده بدع ومحدثات، »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«، كإبراهيم بن إدهم، والحارث المحاسبي، ومن كان من هذا الباب.
وصنف آخر عنده شركيات وبدع وخرافات، وهذا مشرك بالله، يدعو غير الله، ويأكل تراب القبر، ويعتقد أن هذا ينفع مع الله، وهذا مشرك بالله كافر.
أو من دونه صنف حلولي، أو اتحادي؛ يعتقد أن الله حالٌ أو متحد في الموجودات، من أشجار وأحجار، وحيوانات، وجن، وإنس، ونساء، ورجال، إلى آخره، هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى، قاله ذلك شيخ الإسلام في كتاب »بغية المرتاب في الرد على أهل الإلحاد«.(/24)
ويذكرون عنهم: أن بعض الصوفية سأله بعض الناس عن أخيه، قال: أخي غاب أربع سنين، فأين هو الآن ما وجدناه فدلنا يا حبيب؟ فنكص رأسه وقال: نظرت إلى الجنة فلم أرى أخاك، ونظرت إلى النار فلم أرى أخاك، فهو حي، نظر إلى الجنة والنار الدجال، بعض الصوفية يترك الصلاة، ما يصلي، يقولون: ما لك ما تصلي؟ يقول: أنا أقفز وأصلي في مكة، وأرجع وما قد أكملتم، حتى قال الشعراني الضال:
مريدي تمسك بي وكن بي واثقاً ... أحميك في الدنيا ويوم القيامة
فقالوا أيا هذا تركت صلاتك ... وما علموا أني أصلي بمكة
وهكذا أيضاً يعتقدون أن النبي ? يرجع، أي يخرج من قبره ويحضر معهم في المولد أو الحضرة، والله يقول: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ? [يّس:50]، ويقول النبي ?: »إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك«، ويقول الله سبحانه وتعالى: ?إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ? [النمل:80].
حتى أنهم يدلسون على العامة، ويجعلون فيهم معتقدات فاسدة، ذكر بعض الكتاب عنهم: أن بعضهم اشتهى حلوى، فقال: يا حبيب نريد حلوى، فتغوط الحبيب في صحن، وقال له: كل، فأكل ذلك العامي، يأكل البراز، قال: أكلت البراز، قال: نعم أكلته، وأنا أعتقد أنه حلوى، ما اعتقد أنه براز، هذه العجائب عند هؤلاء القوم.
أما الأشاعرة فمؤولة، ما يثبون لله إلا سبع صفات، مجموعة في قول القائل:
حي مريد قادر علام ... له السماع والبصر والكلام
وهو من جوهرة التوحيد للابن اللقان، هو نفسه أشعري، تلك الجوهرة على عقيدة أشعرية، ومع ذلك يقول في تلك الجوهرة:
وكل خير في إتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
أين هذا البيت من تلك الجوهرة، التي فيها الأقوال الفاسدة، والمعتقدات الفاسدة، هم مؤولة للأسماء والصفات، وما يثبتون إلا سبع صفات.(/25)
ويعتقد الصوفية أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، أيقول هذا عاقل، يعرف الأدلة؟، النبهاني ذكر أبيات هناك:
صف ليلة المولد وصفاً حسناً ... ما ليلة سواها عندنا
قد أشرقت فابتهجت منها الدنا ... واعتدلت فلم يكن فيها عنى
بين حر وصفها وبرد ... من ليلة القدر نراها أحسن
قد هيجت أفراحنا وأنسنا ... وأوسعت نعماً ومننا
وبلغتنا كل قصد ومنى ... وكل مطلوب بغير عد
فانظر على كذاب، والله يقول: ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ?[القدر: 1-3].
السؤال (10): ما حكم الاستغاثة بغير الله بحجة أن لا نعتقد أنهم ينفعون أو يضرون من غير الله؟.
الجواب: الاستغاثة بغير الله لا تجوز، فهي من الشرك بالله عز وجل، ?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ?[الأنفال:9]، والاستغاثة نوع من الدعاء، بل هي دعاء بلهفة، فأدلة الدعاء يستدل بها على الاستغاثة، فإذا استغاث بحي قادر على أن يغيثه من ذلك المكروب له ذلك، ?فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ?[القصص:15].
أما أن يستغيث بميت: فالميت لا يقدر أن يغيثه، أو يستغيث بحي لا يقدر على دفع ذلك الشيء، فهو من الشرك بالله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ? [النمل:62].
وقال تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ? [الزخرف:87].(/26)
وقال: ?قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ?[الزمر:38].
وقال سبحانه وتعالى: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ? [المؤمنون:117].
وقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ?[الحج: 73-74].
ويقول سبحانه وتعالى: ?لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ?[الرعد:14] ، يبسط كفيه للماء من أجل أن يصعد، والماء ليس بصاعد وليس ببالغ من بئر، ولا ركوة، وليس ببالغ كفيه بغير حبل ولا دلوٍ، فمثل من يدعو غير الله، كمن يبسط كفيه لماء في أسفل ويريده أن يصعد، قال الله تعالى: ?وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ?[الرعد:14]، وقال تعالى: ?وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ?[الأحقاف:21].(/27)
فكل الرسل جاءوا محذرين ومنذرين، لمن دعا غير الله، محذرين من الشرك بالله سبحانه وتعالى، كبيره وصغيره، قال تعالى: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ?[النحل:36].
ويقول سبحانه: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ? [المؤمنون:117]، لقد أخبر الله أنه كافر، ويقول: ?إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ?[لأعراف: 194-196]، وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ?[فاطر: 15-17].
فرسول الله ? لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فضلاً عن غيره من الناس الذين يستغاث بهم، قال عز وجل: ?قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ?[لأعراف:188].
وهكذا الجن لا يستطيعون أن يملكوا لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، قال الله تعالى: ?لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ?[سبأ:14].(/28)
ولا يجوز دعاء غير الله، سواء كان هذا الدعاء عن استغاثة، أو عن غير استغاثة، لقصد دفع الضر، أو جلب النفع مما لا يقدر على ذلك، ومن الذي يستطيع ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، »احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وأن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف«، رواه الترمذي وغيره من حديث ابن عباس، وهو حديث صحيح، عن النبي ?.
هذا حاصل ما نريد أن نقوله في هذه المسألة المهمة.
السؤال (11): نوقش بعض دعاتهم في أن الله في السماء، فقال: لا نقول إن الله في السماء، ولا نقول إنه في كل مكان، بل نقول: إنه موجود لا في مكان؟.
الجواب: انظر على خلط!، فقوله: موجود لا في مكان، يختلف مع الأدلة تماماً، الله على مستوٍ على عرشه، قال الله عز وجل: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]،
وقال تعالى: ?وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ?[الأنعام:18]، وقال: ?أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ?[الملك: 16-17].
وقال سبحانه: ?تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ?[المعارج:4]، ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ? [القدر:1]،
هذه الأدلة أين يذهبون بها؟، نحو ألف دليل، كما يقول ابن القيم في كتاب »اجتماع الجيوش الإسلامية على المعطلة والجهمية«، مثل حديث أبي بكرة، أن النبي ? خطب في الناس يوم عرفة، وقال: »ألا هل بلغت«، فقالوا: نعم، فكان يشير بأصبعه إلى السماء وينكتها إلى الأرض، ويقول: »اللهم فاشهد«، والساجد إذا سجد أمره رسول الله ? كما في حديث حذيفة عند مسلم، يقول: »سبحان ربي الأعلى«.(/29)
وفي سورة الأعلى، ?سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى? [الأعلى:1]، ويذهبون يؤولونه بعلو القدر، علو منزلة، علو شأن، تأويل فاسد، وقد أثبت الله سبحانه لنفسه علو الذات، وعلو القهر، وعلو الصفات، قال تعالى: ?وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى?[الروم:27]، أي الوصف الأعلى، ?وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ?[البقرة:255]، ففي «الصحيحين» أن النبي ? قال: »أيما امرأة باتت وزوجها عليها غضبان إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها«، وفيهما: أنه قال: »كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبي«، قال بعض أبو حنيفة: من قال أن العرش في الأرض فقد كفر بالله.
وأدلة الإسراء والمعراج، إلى أين عرج بالنبي ?؟، قال الطحاوي: إلى السماء، ثم إلى حيث شاء من العلي، وأكرمه بما شاء وأوحى إليه ما أوحى.
ويعارضون ذلك بمثل قول الله: ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ?[الحديد:4]، وبقوله: ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا?[المجادلة:7]، هذا المتحذلق منهم، يأتي بمثل هذين الدليلين، يعتقد أن الله في كل مكان، في المزابل، وفي المزارع، وفي البيوت في الأسواق، نعوذ بالله من هذا الضلال.
فإن الأدلة تدل على أن الله فوق عرشه، سبحانه وتعالى، وأنه معنا بعلمه، كما هو قول جميع أئمة السلف رضوان الله عليهم، والذي ذكرناه غيظ من فيض، وقليل من كثير، وقد ألفت نحو خمسة كتب أو أكثر من ذلك في العلو، »العلو« للذهبي، »مختصر العلو« للألباني، »اجتماع الجيوش«، وكتب أهل العلم مليئة بذلك، فهؤلاء جهال ما عرفوا المعتقد الصحيح، نسأل الله أن يهديهم، والله المستعان.(/30)
السؤال (12): من باب تعظيم السيد أو الولي أنهم إذا وصلوا إلى باب ديوانه أو مجلسه، يجثون على ركبهم ثم يحبون إليه حبواً، فإذا وصلوا إليه سرعان ما ينهالوا عليه بالتقبيل، من تحت ركبته وحتى يبلغ رأسه، محتجين أنه يجوز تقبيل ركبة الوالدين، وهذا أفضل من الوالدين؟.
الجواب: هذه بدعة، أنه يحبو، سواء يحبو أو يمشي عند الخروج على القهقرى، من أجل لا يوليه الدبر، كل هذا من تعظيم غير الله سبحانه وتعالى، فهي بدعة، وإذا بلغ التعظيم بذلك الإنسان، كتعظيم الله أو أشد، فهو كفر بالله، قال تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ?[البقرة:165].
ويجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله من هذه البدعة، ويجب على ذلك الذي يُقَبّل أن يزجر عن هذا الفعل، الذي يتبرك به، والذي يُقَبِل ركبته، أو يُقبل جسمه، يجب أن يزجرهم، لكن هذا ما يأتي منه خير، هذا الذي يفعل ذلك ما يأتي منه خير، فهو يحب أن يدندن على ظهورهم حتى من كبرياء الصوفية والشيعة، وأصلهم واحد، ذكر ذلك السندي في بحث له، أنهم يلتقون في كثير من المسائل.
هو يحب أنه تقبل ركبته، وأن يقدّس، والله لتلك الركب، تستحق الدق بالحجارة، وما تستحق أن تُقَبَل ركبة واحد صوفي متهوك، صوفي دجال من الدجاجلة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا يدل على الجهل الراسخ عند كثير من الناس، الله أثنى على الراسخين في العلم، وهؤلاء راسخون في الجهل.
السؤال (13): ما حكم من يذهب إلى قبور الأولياء، كالعيدروس مثلاً، فيأخذ من ترابها، أو يذهب إلى السحرة، وما حكم الصلاة خلفه؟.(/31)
الجواب: هذا الرجل ماذا يريد بالتراب، لا شك أنه يريد البركة به، أو يعتقد فيه النفع والضر، لا يجوز أن يصلى خلف هذا، ففعله يدل على أنه يذهب للتراب؛ لقصد النفع والضر، وإذا كان الأمر كذلك مع إتيانه السحرة، ويصدق السحرة لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن كان يأتي السحرة ويتعاون معهم فهو ضال، وإن كان ساحراً، يأتي السحرة ويتعلم منهم، فسيؤدي به ذلك إلى الكفر كما في سورة البقرة، ?وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ?[البقرة:102].
فلا يجوز أن يُصلى خلف هذا إن كان مشركاً يعتقد أن التراب ينفع، أو يضر، فهو كافر، والصلاة خلف الكافر لا تصح بإجماع المسلمين، قال الله عزوجل: ?وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً?[النساء:141]، وقال تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ?[التوبة:71]، «المؤمن للمؤمن كالبنيان«، هذا ما هو من المؤمنين، هذا كافر.
وإن كان يتبرك به، فهو أيضاً شرك، واعتقاد بركة في مثل هذا العمود، أو بركة في تلك التربة التي يأخذونها، تراب ذلك القبر، أو في شيء لا دليل عليه أنه مبروك، نوع من أنواع الشرك بالله سبحانه وتعالى، فلا يُصلى خلفه.
السؤال (14): هذا الأفكار وأشد منها وأشر يأتي بها بعض طلبة أبي بكر المشهور، وهو رجل في عدن، فماذا تعرفون عن هذا الرجل، وماذا تنصحون الناس أن يكون موقفهم أمام طلابه؟(/32)
الجواب: أما بالنسبة لهذا الدجال التي تأتي من قبله هذه الأشياء يجب التحذير منه، وأن ينهى وينأى عنه كل ناصح، التي تأتي من قبله هذه الشركيات، والبدع والخرافات، هذا من شياطين الإنس، هو والهدار، والزنديق مرعي، صاحب الحديدة، وابن حفيظ، والجفري، مثل هؤلاء الصوفية الزائغين وطلابهم، يجب على المسلمين أن يحذروا منهم، »الدين النصيحة«، قلنا: لمن؟ قال: »لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم«.
ودعوتهم دعوة إلى شركيات، والآن بدأ مرعي فيما يخبرونا يعلمهم السحر، من أجل أن ينتصروا على الناس، وفي أوساطهم كتب السحر، والتنجيم؛ مثل: «شمس المعارف»، وكتاب أبي معشر الفلكي، ونحوهما، والأوراد يعلمهم في كتاب »دلائل الخيرات«، ودلائل الخيرات قد حرقه الإمام محمد بن عبد الوهاب كما في قصيدة الصنعاني رحمه الله، وهؤلاء يذهبون يدرسونه تلك الخرافات؛ ففيه من الأدعية (اللهم ارحمني حتى لا يبقى من الرحمة شيء).
السؤال (15): قريتنا على قبور ممراتها، وطرقها، حتى المسجد، فماذا نعمل؟.
الجواب: أنا أرى وجوب الانتقال من تلك القرية، ما دامت القرية بكاملها على قبور، ولو أن يسكونوا تحت أشجار؛ لأن النبي ? قال: »لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يطأ على قبر مسلم«، أخرجه مسلم، من حديث أبي هريرة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عقبة: »لأن أخسف نعلي برجلي، أو أطأ على سيف أو على جمرة، أحب إلي من أن أطأ على قبر«.
فلا يجوز أن يطأ على قبر، وصلاته على القبور باطلة، وقال النبي ?: »لا تتخذوا بيوتكم قبوراً«، نهاهم أن يتخذوا البيوت قبوراً، فيجب عليهم أن ينتقلوا، إن كانوا ناصحين لأنفسهم، وكانوا مريدين للحق، ومريدين للبعد عن الذنوب.(/33)
والدنيا متاع، كما يقول ربنا: ?قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى?[النساء:77]، لأن تترك عمارتك تلك، أو بيتك الواسع، وتذهب وتخرج من الإثم، وتترك ذلك لله خير لك وأتقى لك عند الله عز وجل، من أن تبقى في عمارة شاهقة، أو بيت واسع، وأنت صلاتك باطلة، وأنت في الصباح والمساء على المعاصي، وأنت عايش بين القبور، تتغوط عليها، وتأكل وتشرب، وتجلس عليها.
وإذا كان البيوت على غير قبور، وكانت الطرق فقط، فلهم أن يأخذوا بعض القبور إلى المقبرة، بحيث يمشوا على غير القبور، دليلنا على ذلك حديث جابر أنه أخرج أباه بعد ستة أشهر، والحديث في صحيح البخاري، وأن النبي ? أمر بإخراج ابن سلول من قبره، وصلى عليه بعد أن أنزل قبره، وبوب البخاري على ذلك في صحيحه.
فإذا احتاج أن ينبش بعض القبور من أجل يمر إلى المسجد، والمسجد يكون على غير قبور، فلا بأس في مثل هذا الحال.
السؤال (16): بني مسجد عندنا بعضه على قبور، فجعل فاصل بين القبور وأرضية المسجد، وذلك بأن رفعت أعمدة عن الأرض قدر شبرين، ثم صبت أرضية المسجد، فما حكم الصلاة في هذا المسجد؟
الجواب: أنا أنصح بالبعد عنه، وليس كالذي يطأ على القبر ويصلي، ولكن ما دام والقبور أسفل، والقبور من تحت، والأدلة عامة، ننصح بالبعد عن الصلاة عن ذلك، ويتخذون لهم مسجداً غير ذلك الذي تحته قبور؛ ولأن ذلك: فيه مفسدة البناء على القبور، وقد نهى رسول الله ? عن البناء عليها.
السؤال (17): إذا كان العمل مشروعاً، وعُمل معه شيئاً من البدع كالتهليل بصوت جماعي عند تشيع الجنازة، فهل الذي يرد هو التشيع كاملاً مع بدعته، أم التهليل مبتدع فقط مع الدليل؟.
الجواب: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«، وهذا الفعل إذا أحدث فيه شيء فهو رد، وصاحبه آثم، مردود لا يقبل الله توبة مبتدع حتى يدع بدعته، ما يجوز لهم أنهم يهللون خلف الجنازة، ولا يحمدون، ولا يقرءون.(/34)
وقد أنكره ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في كتاب »الباعث على إنكار البدع والحوادث«، سمع من يقول: استغفروا له، فقال: اسكت لا غفر الله لك.
السؤال (18): ما حكم القنوت في صلاة الفجر، وما حكم الجهر بالبسملة، والتلفظ بالنية عند العبادة، وهل كان الشافعي يرى ذلك؟.
الجواب: أما القنوت في صلاة الفجر، ففيه حديث ضعيف عن أنس من طريق أبي جعفر الرازي أن النبي ? قنت حتى فارق الدنيا، هذا الحديث ضعيف، لم يثبت عن النبي ? كما قال ابن القيم في المجلد الأول من »زاد المعاد«، ولو كان ثابتًا عن النبي ? لتناقله عنه أصحابه، لكن لم يفعلوا ذلك، فتحري القنوت في صلاة الفجر محدث.
وأما الجهر بالبسملة، فقد بينا ذلك في غير هذا الموضع.
وأما التلفظ بالنية فلم يرى ذلك الشافعي، حتى قال ابن رسلان في متن الزبد:
يكفي بأن يكون قلب الفاعل ... مستحضر النية غير غافل
وهو من الشافعية، فالشافعي ما ثبت عنه أنه كان يرى التلفظ بالنية في الصلاة، ويعجبني ما ذكره بعض الناس أن بعضهم وهو ذاهب إلى مكة، فنزل في المسجد، فقال: نويت أصلي خلف هذا الإمام أربع ركعات مقتدياً، صلاة الظهر، قال له واحد: قل في يوم كذا، وكذا، في مسجد القنفدة.
ولا بن القيم رحمه الله مبحث في زاد المعاد عن التلفظ بالنية، حاصلة أن النبي ? لم يفعل ذلك، فالتلفظ بها بدعة، عند جماهير العلم، وأنها محل النية القلب.
والحمد لله رب العالمين.(/35)
كشف الستار بأكذوبة تبرك الشافعي بأبي حنيفة التي نقلها بشار
الحمد لله المعين ، والصلاة على إمام الصادقين عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، أما بعد:
فقد كتب أحد الصوفية المدعو ( بشار ) موضوعاً ينقل فيه أدلة المجوزين .. ولم يأتي بدليل .. إلا إن كانت عند الصوفية الأدلة حكايات وقصص مكذوبة ورؤى ومنامات ... فلننظر للأقصوصة التي نقلها .. فلنا عليها وقفات:
أولاً:
من هم الذين نقلت عنهم؟!!
الكردي!!!!هل تستطيع أن تذكر سيرته!!!
هل تستطيع أن تنقل بأنه عُرف بنقل الأكاذيب التي تثني على الصوفية؟!!
ومن الخوارزمي؟!!!
نكرات في رياض العلم
ثانياً:
أين سند القصة .. على الأقل أنقل عن ثقة .. أما كتب الأخبار فالروايات فيها ليست بالمرضية .. ففي الأخبار يتجاوز عن الإسناد ..
وأنا أتحدى كل الصوفية عن بكرة أبيهم أن يأتون بإسناد لهذه الأقصوصة
ثالثاً:
من هو علي بن ميمون؟!!
ممكن تعرفنا به وتتحفنا بسيرته ومتى ولد!!ومن وثقه من المحدثين؟!!
رابعاً:
بيان كذب الأقصوصة يقول الإمام محي الدين البركوي -رحمه الله- (ت- 981هـ ) في كتابه القيم [ زيارة القبور ]:(/2)
( وكذلك الحكاية المنقولة عن الشافعي رحمه الله كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة رحمه الله ـ فإنها من الكذب الظاهر بل قالوا : إنه يستقبل القبلة وقت الدعاء ولا يستقبل القبر حتى يكون الدعاء عند القبر ، فإن الدعاء عبادة كما ثبت في الترمذي مرفوعاً " الدعاء هو العبادة " فالسلف من الصحابة والتابعين جردوا العبادة لله تعالى ، ولم يفعلوا عند القبر منها شيئاً إلا ما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم من السلام على أصحابها والاستغفار لهم والترحم عليهم )
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=558
وأخيراً:
سبحان من أعماهم عن حقيقة المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام ، حيث لم يرفعوا به رأساً ، ولم يتبعوا له قولاً ، ونقلوا ما يضاده وما يُعلم بأنه كذباً ، فقبحاً قبحاً .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وخذ هذه الحقيقة ... وهي صفعة أخرى في وجه أصحاب العقائد الباطلة وأصحاب الأكاذيب ..
--------------------------------------------------------------------------------
&% الإشهار بأكذوبة تبرك الشافعي بأبي حنيفة التي نقلها الصوفي بشار(2) %&
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد:
فقد بينا في [ & كشف الستار بأكذوبة تبرك الشافعي التي نقلها بشار & ] بأن تلك الأقصوصة هي أكذوبة من أكذوبات القبوريين ، وليس لها أي سند صحيح يُعتضد به .. والحمد لله الذي كشف أساليبهم الرديئة في اعتقادهم لبعض عقائدهم الخبيثة ، نسأل الله السلامة في العقيدة .
ونحن اليوم نُسدي للقبورية صفعة جديدة ، في تبيان الحقيقة ، وكشف اعتقاداتهم الخبيثة ، فإليك أخي الفاضل ردودٌ قوية ، تُبين عن هوى هذه الطائفة القبورية .
هذه الأقصوصة لنا معها وقفات أخرى:
من موسوعة أهل السنة (1/259-260) :(/3)
هذه الرواية سندها إلى الشافعي فيه مجاهيل كما حكى العلامة المعلمي.
قال الشيخ الألباني في [سلسلة الضعيفة 1/31] :
"هذه رواية ضعيفة بل باطلة ، فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال ، ويحتمل أن يكون هو (عمرو) بن إسحاق بن إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسي. وقد ترجمه الخطيب (12/226) وذكر أنه بخاري قدم حاجاً سنة (341) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو مجهول الحال ، ويبعد أن يكون هو هذا ، إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة (247) على أكثر الأقوال ، فبين وفاتهما نحو مائة سنة ، فيبعد أن يكون قد أدركه".
أنتم مطالبون بتبيين صحة سند هذه الرواية. وإلا فأنتم محجوجون بقول الشافعي:
" مثل الذي يطلب الحديث بلا اسناد كمثل حطاب ليل حزمة حطب وفيه أفعى وهو لا يدري" [فيض القدير 1/433] . فأنتم حُطّاب ليل إن لم تأتوا بالسند صحيحاً. هذا من مذهب الشافعي.
* أما نحن فنأتيكم بسندٍ قوي عن الشافعي من كتبه ، فقد قال:
"وأكره أن يعظم مخلوق حتى يُجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس" [أنظر الأم 1/278، المهذب 1/139-140 ، روضة الطالبين 1/652 ، المجموع 5/266 و8/257]
وهذا تناقض بين القول والفعل ينزه عنه الشافعي. ولو كان هذا التبرك صحيحاً لقال له الناس كيف تخشى على الناس فتنة لا تخشها على نفسك!
ولو كان الشافعي محبذا للتبرك بالقبور لما نهى عن البناء عليها وأنتم لا توافقون على ذلك وتعتبرون ما فعله أهل اليمن من هدم للبناء على القبور هدماً للقبر نفسه فاسمعوا فتوى الشافعي الموافقة لما فعله أهل اليمن:
* ففي عصره الشافعي لم يكن ببغداد قبر لأبي حنيفة ينتاب الناس للدعاء عنده ألبته. وكان المعروف عند أهل العلم هدم ما يبنى على القبور وذلك باعتراف الشافعي نفسه. فقد روى عنه النووي قوله فيما يبنى على القبر:(/4)
"رأيت من الولاة من يهدم ما بُنىَ فيها ولم أر الفقهاء يعيبون ذلك" [المجموع 5/298 ، شرح مسلم للنووي 7/24 ، الجنائز باب 33، وأنظر مواهب الجليل 3/65]
والله لو جاءكم الشافعي لرفضتموه ولقلتم له: "أصابك عدوى الوهابية"
وصرح البيضاوي بأن اليهود والنصارى كانوا يتوجهون إلى قبور صلحائهم بالصلاة والدعاء [حاشية سنن النسائي 2/42]
وجاء في (مجمع الأنوار في شرح ملتقى الأبحر 1/313) النهي عن الدعاء عند القبور [وانظر حاشية ابن عابدين على رد المحتار 2/439 البحر الرائق 2/298 روح المعاني للآلوسي الحنفي 17/313 مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 1/313] فالشافعي لا يمكن أن يشابه اليهود والنصارى.
روى عبدالرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة أن علي بن الحُسين رضي الله عنه رأى رجلاً يأتي فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو ، فنهاه وقال: ((ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي-يعني علي بن أبي طال رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وسلموا على فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم)) قال السخاوي (وهو حديث حسن) [قاله في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص228 ط:مكتبة المؤيد.وذكره البخاري في التاريخ الكبير 2/3-286 وانظر مصنف عبدالرزاق رقم 6694 ومصنف ابن أبي شيبة 2/375]
نختم بكلام الشيخ عبدالرحمن دمشقية-حفظه الله- من موسوعة أهل السنة على هذه الأكذوبة
يقول الشيخ عبدالرحمن دمشقية في موسعته (موسوعة أهل السنة 1/263) مخاطباً الأحباش :
" أين كان الشافعي ليأتي قبر أبي حنيفة (كل يوم) وقد كان في أول أمره بالحجاز ثم انتقل إلى مصر.(/5)
وقد كان الشافعي بالحجاز بمكة بمكة أو المدينة وفيها قبر من هو خير من أبي حنيفة: وهو قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه ، فلم يعرف عنه أنه كان يأتيه ليدعو عنده ويتبرك به .. فما له يفضل قبر أبي حنيفة على قبر سيد ولد آدم وصحابته؟!
أننتم أعلم بمذهب الشافعي أم النووي الذي حكى إجماع الأمة على النهي عن الاقتراب من القبر ولمسه باليد وتقبيله ، ونقل مثله عن الحليمي والزعفراني وأبي موسى الأصبهاني؟ فمن المخالف لإجماع الأمة!
قد نهى أبو حنيفة عن التوسل إلى الله بأنبيائه -ولا يمكن أن يكون ذلك خافياً على الشافعي- فهل يرضى أبو حنيفة أن يتخذ أحد قبره للصلاة والعبادة؟ نعم الصلاة معناها الدعاء قال تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم } والدعاء هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( الدعاء هو العبادة )) فمن اتخذ قبراً للدعاء عنده فقد اتخذه للصلاة والعبادة. فأبو حنيفة والشافعي يكرهان ما يكرهه الله.
ولم يكن أحد من أصحاب أبي حنيفة وطبقته كمحمد وأبي يوسف يتحرون الدعاء عند قبره بعد موته. ولا يزالون ينكرون على من يمس القبر ويقولون كما في الفتاوى البزازية والتتارخانية ورد المحتار أن مس الرجل القبر للتبرك من عادة النصارى.
والحمد لله الذي عصمنا من التقليد الأعمى ، فلقد علمنا الشافعي أن ندور مع الكتاب والسنة مهما عظم الرجال قائلاً: (إذا رأيتم قولي يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط) . وقال ابن عباس: ( ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويُترَك إلا صاحب هذا القبر) . وبناءً على تعاليم الشافعي نضرب بفعله المزعوم (إن صح) عرض الحائط ونتمسك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( ألا لا تتخذوا قبور أنبيائكم وصلحائكم مساجد فإني أنهاكم عن هذا )) .
وهذا أصل يعلم الله كم خالفتم فيه الشافعي وسائر الأئمة الأفاضل.(/6)
فالحق والشافعي حبيبان إلى قلوبنا: فإن افترقا فالحق أحب إلى قلوبنا من الشافعي.
وعلى افتراض صحة سندها فإنكم لا تزالون مخالفين للشافعي ، فالرواية تُفيد بأن الشافعي كان يدعو الله عند القبر وأما أنتم فتدعون القبر نفسه فتقولون المدد يا رفاعي مدد يا أولياء وتمسحون وجوهكم وأيديكم بالقبر ، وتتوجهون إلى قبر الرفاعي من أي مكان في العالم وتخطون نحوه ثلاث خطوات. وهيهاتأن يفعل الشافعي ذلك )
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/7)
كشف النقاب عن أباطيل الجفري .. !!
إعداد: أبي معاذ السلفي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أما بعد: لقد قمت قبل عدة أشهر بكتابة موضوع حول داعية الضلالة علي الجفري وأسميته بـ "الكشف الجلي عن شركيات الجفري علي ".
وقد نشرته في عدة مواقع على شبكة الإنترنت وتجده في الرابط التالي:
http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?p=270840#post270840
وقد قام بعض الاخوة بنشره في عدة مواقع عبر الشبكة ، كما قام الأخ عبدالله زقيل باختصاره بعنوان "داعية ضلالة في قناة فضائية"ونشره في الساحة العربية،كما نشر في موقع "صيد الفوائد":
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/180.htm
فجزى الله الإخوة خير الجزاء.
وقد أطلعت قبل عدة أسابيع على موضوع يحتوي على رابط صوتي ومرئي لعلي الجفري سئل فيه من خلال برنامج أذيع عبر قناة الإمارات الفضائية عن هذا الموضوع فأجاب بإجابة تحتوي على الكذب! وعلى بعض الشبهة، وتجد كلامه في الرابط التالي:
www.gisgcc.com/mu7eb/answer_s.rm
فعزمت على كتابة رد على ما جاء في ذلك الجواب، سائلاً الله أن ينفع به، كما أسأله أن يجعل أعمالي خالصة لوجهه الكريم موافقة لهدي نبينا عليه الصلاة والسلام. والآن مع الرد، وأسأل الله التوفيق والسداد:
1- بالنسبة لاعترافه بأن المقاطع له، أقول: الحمد لله أن الجفري أعترف بذلك، وأنا أسأل كل من شكك في تلك الروابط من أتباعه ما هو قولكم الآن ؟! ومن المضحكات أنه بعد أن أعترف الجفري بأن المقاطع له كتبت امرأة صوفية من أتباع الجفري مقالاً في الساحة العربية بعنوان "رد الشيخ الجفري المحقق في موضوع الشريط الملفق"!! فكيف يكون الشريط ملفق والجفري يقول أن المقاطع له؟!!
2- بالنسبة لزعمه بأن هذه المسائل لا علاقة لها بالشرك.
فالجواب:(/1)
أنقل فيما يلي بعض كلام من يجلهم الجفري في إثبات أن بعض من يعظمون الأولياء قد يصلون إلى حد الوقوع في الشرك الأكبر بسبب غلوهم في تعظيم الأولياء!- قال الرازي في "تفسيره"(17/59-60) نقلاً من كتاب "هذه مفاهيمنا "للشيخ صالح آل الشيخ:
(اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام إنهم شفعاؤنا عن الله!..) فذكر صوراً منها قوله: (ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى. ونظيره في هذا الزمان: اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله) اهـ. فالرازي جعل اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله نظير ما كان يفعله المشركون مع أصنامهم!!
- وقال الشيخ شمس الدين السلفي الأفغاني رحمه الله في "جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية "(1/479) : (لقد أعترف الشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري أحد مشاهير القبورية بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية مبيناً حالة القبورية المغربية، فقال في "إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور "(21 – 22) : (إن كثيراً من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني (561 هـ)، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى. وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش (662 هـ): أنه الذي خلق الابن والدنيا. ومنهم من قال - والمطر نازل بشدة - يا مولانا عبد السلام! الطف بعبادك. فهذا كفر)!! انتهى كلام الغماري.(/2)
- وأنقل فيما يلي مقطع صوتي لحسن السقاف حول من يستغيث بالأولياء أو يعتقد في بعض الأولياء أنهم يتصرفون في الكون حيث وصف هذه العقيدة بأنها عقيدة مضادة لعقيدة الإسلام غير صحيحة!!! علما انني لا أوافقه في كلامه حول الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والتي اجازها!!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g13.rm
- وأخيراً أضع الرابط التالي والذي يحتوي على قصيدة سجلت في أحد مجالس الصوفية وهي قصيدة كفرية وأريد أن أعرف رأي علي الجفري وأتباعه فيها بكل وضوح وهل معتقد ما في هذه القصيدة يعتبر مسلماً أو مشركاً ؟!
http://muslm.org/showthread.php?s=&threadid=77312
وقد وقفني الله عز وجل لكتاب مقال عن هذه القصدية ونشرته عبر الشبكة بعنوان " استمع لأحد الصوفية وهو يدعي الربوبية" وتجده على الرابط التالي:
http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=32469
أما بالنسبة لزعمه بأن الجلسة سجلت دون علمه! أقول أن هذا كذب واتهام بالباطل!! وإليك بعض المقاطع من نفس الشريط يظهر من خلالها أن علي الجفري كان على علم بالتسجيل:
1- http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g15.rm
2- http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g16.rm
3 - http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g17.rm
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر "فهذه أدلتي على كذب الجفري في هذا الأمر فهل يستطيع أن ينكر وأن يقسم على ذلك ؟!
وقد يقول قائل لعل الجفري نسي هذا الأمر فلماذا لا تحسن الظن بدلا من أن تتهمه بالكذب!
والجواب: لماذا لم يحسن الجفري الظن فيمن سجل الشريط ويتهم نفسه بأنه لعله نسي بدلاً من أن يتهمه بأنه سجل الشريط دون علمه ؟!
ثم هذه ليست أول كذبة يكذبها الجفري!!
فقد ذكرت كذبة من كذبات الجفري في مقالي "الكشف الجلي "حيث قلت:(/3)
(8- استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية"حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء"للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10.ra ) .
كما أنه كذب على الصحابة رضي الله عنهم وعلى الإمام مسلم رحمه الله!
فقد سئل كما في مجلة الاهرام العربي- السبت 25/4/1423 هـ- 6/يونيو/2002 م – العدد 276 السؤال التي:
البعض يرفض الصلاة في المساجد التي بها أضرحة .. ما رأيك؟
فأجاب الجفري بما يلي:
(هذا من الخطأ , الحبيب صلي الله عليه وسلم لما توفي اختلف الصحابة كما جاء في صحيح مسلم أندفنه في البقيع أم عند منبره ؟
حتى قال لهم من سمعهم إن رسول الله صلي الله عليه وسلم , قال : إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون فدفن في بيته , فهل الصحابة كانوا جاهلين أم أن عقيدتهم كانت مهزوزة ؟ ففي صحيح مسلم أن عددا من الصحابcة رأوا أن يدفن عند منبره في مسجده..الخ) .
وتجد كلامه في الرابط التالي:
http://arabi.ahram.org.eg/Scripts/A...Ntilde;í
وقد رد عليه في هذه الكذبة الأخ أبو عمر الأزدي في مقال مستقل بعنوان "كشف تلبيس الجفري كما في مجلة الأهرام العربي"جاء فيه:
(ما ذكره الجفري من أن هذا الحديث في صحيح مسلم افتراء.
بل هو حديث منكر رواه ابن ماجة رقم الحديث: 1628. و الإمام أحمد و أبو يعلى و غيرهم من طريق حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن العباس وهو متروك عن عكرمة عن ابن عباس.(/4)
ثم كرر الجفري افتراءه فقال: في صحيح مسلم أن عددا من الصحابة رأوا أن يدفن عند منبره في مسجده . وهذا غير صحيح فانظر كيف ينسب مثل هذه الروايات إلى صحيح مسلم حتى يضلل الناس و يهون عليهم التحذير من دفن الموتى في المساجد.
و قد جاء في صحيح مسلم حديث رقم: 532 عن جندب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا و لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا و إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم و صالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك)) . فهذا نص من النبي صلى الله عليه وسلم في النهي من اتخاذ القبور مساجد.
وجاء في صحيح مسلم ج: 2 ص: 668 972 و حدثني علي بن حجر السعدي حدثنا الوليد بن مسلم عن بن جابر عن بسر بن عبيد الله عن واثلة عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) .
وص 972 حدثنا حسن بن الربيع البجلي حدثنا بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) .
فهذا نهي صريح عن الصلاة إلى القبور أو عليها فانظر إلى افتراء الجفري على النبي صلى الله عليه وسلم فحسيبه الله) .
وتجد الرد على الرابط التالي:
http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=35048
فهذه ثلاث كذبات لعلي الجفري فما هو جوابه ؟!
أما بالنسبة لاستنكاره طريقة أن يقوم شخص بإنزال مقاطع معينة من شريط والرد عليه وقوله أن هذه الطريقة ليست أسلوبنا ويشير في كلامه أن هذه الطريقة هي طريقة اليهود الذين يظهرون بعض الكتاب ويخفون بعض!!
فالجواب:(/5)
ما هو المستنكر في هذه الطريقة ؟!
وما هو الفرق بين أخذ مقاطع من شريط ما والرد على ما تحتويه تلك المقاطع وبين نقل كلام لأحد الأشخاص من أحد كتبه والرد عليه ؟!
وما هو موقف الجفري من الشريط الذي سجله أحد الصوفية في مدينة البيضاء اليمنية والذي رد فيه على شريط أحمد القطان حول المولد ؟
وكذلك ما هو موقفه من الشريط الذي قام أحد أتباع محمد بن علوي المالكي بتسجيله في الرد على شريط سفر الحوالي الذي كان بعنوان "الرد على شركيات المالكي "ونقل بعض كلام سفر الحوالي ورد عليه. وهل كانا على طريقة اليهود أيضا ؟!
وهل يلزم من أراد أن يرد على بعض أخطاء كتاب معين أن ينشر الكتاب كاملاً ثم يكتب رده عليه ؟! إن قال: نعم، فنسأله ما هو موقفه من كتب الردود التي كتبها أهل العلم منذ القديم إلى وقتنا هذا ؟!! وإن قال: لا، سألناه: ما هو الفرق بين الرد على الخطأ الموجود في الكتاب أو في الشريط ؟!
أما بالنسبة لمطالبته بأن ينشر الشريط كاملاً حتى يزول الإشكال!
فالجواب:
ماذا يقصد الجفري بقوله (حتى يزول الإشكال) ؟!
هل نسبت إليه شيء لم يقله ؟!
أو هل يفهم من مقالي شيء حول الجفري لا يقول به ؟
أنا وضعت بعض المقاطع التي تبين عقيدة الرجل وهو قد أعترف بهذه العقيدة في جوابه على السؤال الذي طرح عليه عبر قناة الإمارات حول الموضوع.
فما هو الإشكال الذي يريده الجفري أن يزول ؟!
بالنسبة لكلامه حول تصرف الأولياء في الكون واستدلاله على إمكانية ذلك بأن الله قد أعطى الدجال التصرف في بعض الأمور وهو كافر فكيف بالولي الصالح ؟!
الجواب:
أولاً: الجفري لا يثبت العقيدة إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة ولهذا لا يحتج بحديث الآحاد في العقيدة وإن جاء في صحيح البخاري أو صحيح مسلم!
ومسألة إذن الله للأنبياء وللأولياء بالتصرف في الكون من مسائل الغيب فهي من مسائل العقيدة فما هو الدليل القطعي الثبوت والقطعي الدلالة عند الجفري على هذه المسألة ؟!(/6)
لقد استدل الجفري بالقياس!!
فكيف يرفض الاحتجاج في مسائل العقيدة بحديث الآحاد وإن جاء في صحيح البخاري أو صحيح مسلم ثم يقيس هنا ؟!
والقياس مرتبه تأتي بعد مرتبة الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع في الاحتجاج!
ثم إن المسلم مهما كان فاجراً ظالماً أو كان صاحب بدع يعتبر خير من الدجال لأن الدجال كافر فهل يقول الجفري بأن الفاجر الظالم أو المبتدع ممكن أن يتصرف في الكون أيضاً ؟!
ثانياً: لقد ذكرت في مقالي "الكشف الجلي "بعض الأدلة التي فيها رد على من يقول بأن هناك أنبياء أو أولياء يتصرفون في الكون وأعيد ذكرها هنا من باب الفائدة:
(إن في سيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق ويهتك رداء الشك في هذا الأمر: فلما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم وتطاولهم حتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع صوته ثم دعا عليهم: "اللهم عليك بقريش... اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة ابن أبي معيط "رواه البخاري ومسلم. فترى أنه بعد أن ضاقت السبل، واستغلقت الأبواب، وانقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم، ولما لم يكن هناك سبيل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين وتحديداً يوم بدر، إذ يقول ابن مسعود راوي الحديث: (فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر) .
ولا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم: موتوا فيموتون.(/7)
وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطب مدلهم وخطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ". فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال: 9) . رواه مسلم.
هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل، ولم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال. بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام.
عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها "رواه مسلم) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي "للشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله (1/137-139) .
وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها:
قوله تعالى: (وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً)(الإسراء:90- 93) .(/8)
وقال تعالى عن نوح عليه السلام: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) (هود:31) .
وعن طلحة بن خراش قال: سمعت جابراً يقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا جابر مالي أراك منكسراً "؟ فقلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً. فقال: "أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ؟ "قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: "ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكلمه كفاحاً، فقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) "رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وحسنه أيضاً الألباني في "ظلال الجنة ". فهذا صحابي جليل رضي الله عنه تمن على الله أن يحييه فيقاتل في سبيله فيقتل فيه ثانية فقال له الرب عز وجل: إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) فهذا يدل على أن هذا الصحابي الجليل لم يكن يتصرف في الكون لا بروحه وجسده ولا بروحه دون جسده، لأنه لو كان الله صرفه في الكون لم يتمنى هذا الأمر ولكان عنده الإذن مسبقاً في التصرف في الكون!! فهل يقول الجفري بأن هذا الصحابي كان ممن يتصرف في الكون ؟!(/9)
وكذلك الأمر بالنسبة للشهداء فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران: 169) . فقال صلى الله عليه وسلم: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا "أخرجه مسلم.
والاستدلال بهذا الحديث كالاستدلال بالحديث الذي قبله.
رد بعض الشبه حول هذا الموضوع:
قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام.
وقد رد الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله على هذه الشبهة في كتابه "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي"(1/157) حيث قال: (هذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى - بإذن الله – من خصوصيات المسيح، وليس لغيره من البشر لا من الأنبياء ولا غيرهم، ومما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى) (البقرة:260) .
فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، وإذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء والصالحين) اهـ.
وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون: 14) .
والجواب: (أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم. وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى.(/10)
ومن ذلك ما جاء في "الصحيحين "أنه يقال للمصورين يوم القيامة: "أحيوا ما خلقتم ". ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير - بدون روح -، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى) انتهى نقلاً من موقع الشبكة الإسلامية على شبكة المعلومات العالمية.
ثالثاً: أما بالنسبة لمن احتج على إمكانية أن يغيث النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من يستغيث بهم أو يتصرفون في الكون بالقدرة الإلهية، فأقول له ليس الخلاف حول شمولية القدرة الإلهية ولا حول إمكانية ذلك للقدرة الشاملة، بل النزاع حول وقوعها.
فهل ثبت هذا لمن تدعونهم ؟!
بالنسبة لكلامه حول مسألة الاستقلالية واعتقاد الصوفية في أولياءهم بأنهم يتصرفون في الكون بإذن الله: الجواب:
لقد رد الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد حفظه الله في كتابه "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد "على هذه الشبهة حيث قال:
(يالله العجب لا يكون صرف العبادة لغير الله شركاً حتى يعتقد العابد فيمن عبده أن له شيئاً من صفات الربوبية، وأما من دعا غير الله أو استغاث بغير الله أو استعان بغير الله أو رجا غير الله أو خاف غير الله من قبر أو شجر أو حجر فإن ذلك لا يكون شركاً مالم يعتقد العابد فيها أن لها شيئاً من صفات الربوبية، وعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار "ينقصه هذا القيد وهو أن يعتقد في المدعو شيئاً من صفات الربوبية!!
إن نصوص القرآن الكريم المشتملة على الدعوة إلى إخلاص الدين لله وإفراده وحده بجميع أنواع العبادة وهي كثيرة جداً فيها أبلغ رد على الكاتب (يقصد حسن السقاف) .
فالعبادة بأنواعها حق خالص لله لا يجوز صرفها لغيره سواء اعتقد العابد في معبوده أنه رب أو لم يعتقد، وهذا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.(/11)
وأما القيد الذي وضعه الكاتب فلا أصل له ولا أساس. فإن المشركين زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعتقدون في آلهتهم أنها تخلق أو ترزق أو تحيي أو تميت أو تدبر الأمر، بل كانوا يعتقدون أن ذلك من خصائص الله كما قال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله، قل أفلا تذكرون، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون) (المؤمنون:84 -89)، وإنما كان شركهم في دعوتها وعبادتها من دون الله بحجة أنها تقربهم إلى الله زلفى.
قال تعالى حاكياً عن المشركين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "فعبدوا تلك الصور تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا)) انتهى كلامه بتصرف.
وقد جاء في صحيح مسلم أن المشركين كانوا يطوفون حول الكعبة ويقولون في تلبيتهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك) فالمسألة ليست مقصورة على اعتقاد الاستقلالية فقط.
بالنسبة لاستدلاله على أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون بحديث: "ولئن سألني لأعطينه ". هذا الحديث كما هو واضح يتحدث عن فضل الأولياء في حياتهم الدنيوية ولا يتحدث عن فضائلهم في البرزخ!!
ولم يقل أحد بعدم جواز طلب الدعاء من الولي الحي الحاضر القادر على الدعاء. والكلام في طلب الدعاء من الولي الميت أو الاستغاثة بالولي الميت وهناك فرق بين الأمرين.
فالولي الحي يستطيع أن يدعوا وكذلك يستطيع تقديم المساعدة فيما يقدر عليه في حياته. كما أن هناك فرق بين أن يسأل الولي الله عز وجل ويجيب دعوته وبين الزعم بأن الله قد فوض الولي بالتصرف في الكون؛ بل أعطاه الإذن المسبق في ذلك كما يزعم الجفري.(/12)
راجع المقطع التالي والذي فيه زعم الجفري بأن الولي قد يُعطى الإذن مسبقاً في التصرف في الكون فلا يحتاج إلى أن يسأل الله في كل مرة:
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5.ra
بالنسبة لاستدلاله بآية: (لهم ما يشاءون) .
الجواب:
لقد رد الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه "الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية" (2/715-717) على من يستدل بهذا الآية على جواز الاستغاثة بالأموات، جاء فيه:
(أولاً: إن الآية ليست في الأولياء فقط بل تشمل جميع المؤمنين كما يدل عليه أول الآية في سورة الشورى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم) الآية، وفي سورة الزمر أيضاً في جميع المؤمنين كما رجحه ابن جرير الطبري مستدلاً مقابلة هذه الآية بالآية التي قبلها (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق)، وبقوله: (أولئك المتقون) .
فإذا ثبت أن قوله تعالى: (لهم ما يشاءون عند ربهم) في الموضعين عام لكل المؤمنين يلزم على قولهم أن كل المؤمنين لهم المشيئة في القبور ويتصرفون في الإجابة فيجوز دعاءهم لقضاء الحاجات وتفريج الكربات. والصوفية يخصون الدعاء بالأولياء فقط ولا يقولون بذلك في عامة المؤمنين.
ثانياً: سياق الآية يدل على أنها جزاء في الجنة وليس في القبور، ويدل على ذلك قوله تعالى: (في روضات الجنات) في آية الشورى، كما يدل على ذلك مقابلة هؤلاء الصنف المصدقين بالمكذبين الذين قال الله فيهم: (أليس في جهنم مثوى للكافرين) فكما أن هذا يقع في الآخرة فكذلك الآخر.(/13)
ثالثاً: إن التفسير الصحيح للآية هو ما تدل عليه آيات أخر مثل هذه الآية تماماً وهي واضحة أن هذه المشيئة هي في الجنة وأنهم ما يشاءون ويشتهون شيئاً إلا حصل لهم، ومن تلك الآيات قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) (ق: 31 - 35) وقوله تعالى: (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيراً لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعداً مسئول) (15، 16) .
فهاتان الآيتان في الجنة بدون شك ولا ريب، فكذا الآية التي احتجوا بها، فكل هذه الآيات في الجنة لا في البرزخ، ومثل هذه الآيات قوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) (الزخرف: 71) . فتبين مما سبق أن المراد من الآية ليس مشيئة مطلقة وإنما هي مشيئة خاصة بما يشتهونه في الجنة، ودل على هذه الآيات الأخرى والسياق وأقوال المفسرين.
فقد فسر ابن جرير وابن كثير والقرطبي وغيرهم الآية بالطلب في الجنة بعد قيام الساعة، ولم نطلع على أحد فسرها بما يدل على الطلب أيام البرزخ في القبر، فيكون تفسيرها بذلك من التفسير بالرأي المذموم الذي نهينا عنه كما يكون أيضاً مخالفاً لسياق الآية) انتهى كلامه باختصار.
ثم على فرض أن هذه الآية تشمل الحياة البرزخية أيضاً فهذا لا يدل على أنه يجوز أن يستغاث بهم!!
بالنسبة لاستدلاله بحديث الشفاعة.
الجواب:
قال الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه "الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية (2/848) : (إن أحاديث الشفاعة يوم القيامة فيها سؤال الحي ما يقدر عليه، فيوم القيامة يجمعهم الموقف بعد أن أحياهم الله فليس هو من سؤال الغائب ولا الميت) انتهى باختصار.(/14)
ولقد رد الشيخ سمير المالكي في كتابه "كشف شبهات المخالفين/القسم الثاني من كتاب "جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر ""(308 – 339) على هذه الشبهة حيث قال:
(إن الله سبحانه هو الذي يأذن في الشفاعة يوم القيامة لمن يشاء من عباده، كما وردت بذلك الأحاديث. منها حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك.. "ثم ساق حديث الشفاعة وفيه قال: "فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل. ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله "متفق عليه.(/15)
قلت - القائل سمير المالكي - فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة حتى يلهمه الله عز وجل محامد يحمده بها ثم يخر له ساجداً ثم يأذن الله له بالشفاعة فيقول: سل تعطه واشفع تشفع، ويعين له من يشفع فيه، فيبدأ بالأفضل والأكمل ممن في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان ثم من في قلبه مثقال خردلة وهكذا...
فرجع الأمر إلى الله وحده، فهو المتفضل على الخلق كلهم، على الشافعين والمشفوعين. وفي لفظ من حديث أنس قال: "فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله... "إلى أن قال: "فيحد لي حداً فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجداً... "الحديث. فقوله: "فيدعني ما شاء الله "وقوله: "فيحد لي حداً "ظاهر في أن الأمر كله راجع إلى الله وإلى مشيئته وأمره.
ومن رحمته سبحانه بعباده المؤمنين إذنه لأكثر من شفيع في الشفاعة يوم القيامة، فيأذن للملائكة والنبيين والصالحين.
فإن قيل: أوليس قد اعطي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ؟ فنحن نسأله مما أعطاه الله. فالجواب: بلى قد أعطي الشفاعة، كما ورد في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي... "الحديث، وفيه قال: "وأعطيت الشفاعة "رواه البخاري ومسلم. قال ابن دقيق العيد "الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف "(أنظر "فتح الباري "(1/438)) .
لكنها مشروطة بإذن الله تعالى ورضاه، كما تقدم ذكره في حديث الشفاعة الطويل حيث جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن... "وقوله: "فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله... "وقوله: "فيحد لي حداً ".
كل ذلك يدل على أن الشفاعة أمرها إلى الله وحده لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا إلى غيره من الخلق.(/16)
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: "ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ".
قال النووي في "شرح مسلم "(3/65) : (معناه لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة) . ويؤكد ذلك أن الله منع عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من الشفاعة في أقرب الناس إليه. ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: "أستأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي وأستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ".
ورد الله دعوة دعاها النبي صلى الله عليه وسلم، كما صح عنه أنه قال: "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها "رواه مسلم.
وقد صح من حديث جمع من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك "وفي لفظ: "فأقول: يا رب مني ومن أمتي "متفق عليه.(/17)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك ". قال الحافظ في "الفتح "(6/186) : (قوله: "لا أملك لك شيئاً "أي: من المغفرة، لأن الشفاعة أمرها إلى الله) اهـ.
ففي هذه النصوص أكبر دليل على أن الشفاعة ملك لله وحده يأذن فيها لمن يشاء ويمنع من يشاء، وأنه لا يملك أحد لأحد نفعاً ولا ضراً، لا شفاعة ولا هداية ولا غيرها، إلا بإذن الله، ولو كان الشفعاء مقربين ووجهاء، ولو كان المشفوع فيهم أقرباء.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطيت الشفاعة" ليس معناه استقلاله بها بحيث يشفع لمن يشاء، أو أن شفاعته مقبولة دائماً، بل هي شفاعة أعطيها يوم القيامة لا تحصل قبل ذلك، ولا تكون إلا بعد إذن الله له بالشفاعة وتعيينه لمن يشفع فيهم كما دلت على ذلك النصوص الأخرى، وكذلك الشأن في سائر الشفاعات الأخرى التي ثبتت له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الشفعاء.(/18)
وقد يظن ظان أو يتوهم متوهم أن في ذلك تنقصاً من قدر النبي صلى الله عليه وسلم وتقليلاً من شأنه، أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا من بعد إذن الله وأمره، ولم تزل تلك سُبَّة الغلاة المخالفين يقذفون بها أهل الحق وشُنعةً يشنعون بها عليهم في كل زمان، إذا ما نصحوا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وجردوا التوحيد واعطوا كل ذي حق حقه، وقالوا بموجب ما قررته نصوص الوحي المنزل من رب العالمين، وآمنوا بالكتاب كله ولم يكفروا ببعضه ولم يحرفوا الكلم عن مواضعه.
وهذا هو التعظيم الحق للرسول صلى الله عليه وسلم، لا تعظيم أولئك المعاندين له المحرفين لكلامه المخالفين عن أمره المجتهدين في رد حكمه وقضائه.
فالذي قال:"أعطيت الشفاعة" هو الذي قال: فأستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله"، وقال: "فيحد لي حداً"، وقال:"يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، قال:ليس ذلك لك".
فتبين إذاً أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أعطيت الشفاعة" ليس معناه استقلاله بها وتصرفه فيها كما يشاء، بل هي شفاعة مقيدة بزمن مخصوص، وهو يوم القيامة، وبإذن الله ومشيئته. وكل حديث أطلق فيه لفظ الشفاعة فيحمل على هذا المعنى الحق الذي دلت عليه النصوص المحكمة المقيدة) انتهى كلام الشيخ سمير المالكي باختصار.
وهنا مسألة يجب التنبه لها وهي أن الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون إلا ما ورد الدليل بشأنه، فما هو الدليل على أن الميت يسمع طلب من يستغيث به ؟!
راجع لهذا المسألة المهمة كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات "للعلامة الألوسي وتحقيق العلامة الألباني رحمهما الله.
وهنا رد على شبهة كثير ما يرددها الجفري وغيرها وهي زعمهم أن هذه الأمة لا يوجد فيها شرك وأن الشرك لا يقع إلا في آخر الزمان ويستدلون على ذلك ببعض الشبه منها:(/19)
قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم "رواه مسلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها "أخرجه البخاري ومسلم.
ويقولون أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان "المقصود به آخر الزمان بدليل ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" فقالت عائشة: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) أن ذلك تاماً، قال:"إنه سيكون من ذلك ماشاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم".
والجواب عن هذه الشبهة بما يلي:
بالنسبة للحديث الأول فقد أجاب الشيخ صالح آل الشيخ عنه في كتابه "هذه مفاهيمنا" بما يلي: (والجواب:أن يقال:إن الشيطان أيس بنفسه – ولم يُأَيَّس – لما رأى عز الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإقبال القبائل على الدخول في هذا الدين الذي أكرمهم الله به، فلما رأى ذلك يئس من أن يرجعوا إلى دين الشيطان، وأن يعبدوا الشيطان أي: يتخذوه مطاعاً.
وهذا كما أخبر الله عن الذين كفروا في قوله: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) (المائدة: 3) فهم يئسوا أن يراجع المسلمون ما عليه المشركون من الدين الباطل القائم على اتخاذ الأنداد مع الله، وصرف العبودية إلى أشياء مع الله أو من دونه.(/20)
فلما رأى المشركون تمسك المسلمين بدينهم يئسوا من مراجعتهم، وكذا الشيطان يئس لما رأى عز المسلمين ودخولهم في الدين في أكثر نواحي جزيرة العرب.
والشيطان - لعنه الله - لا يعلم الغيب، ولا يعلم أنه ستحين له فرص يصد الناس بها عن الإسلام والتوحيد، وكانت أول أموره في صرف الناس لعبادته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أطاعه أقوام وقبائل، فارتدت عن الإسلام إما بمنع الزكاة، أو باتباع مدعي النبوة.
فنشط وكانت له جولة وصولة ثم كبته الله، والمقصود أن الشيطان ييئس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به والتزامه، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حريص على أن يصد الناس عن هذا. ولذا تمكن من هذا في فتراتٍ مختلفة، فعبده القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة. (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يّس:60-61) ... الخ) .
وأما بالنسبة لقوله عليه الصلاة والسلام:"إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها" فقد أجاب عنه الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه "الدعاء ومنزلته من الدعاء"(2/904) بقوله:
(إن الحديث خاص بالصحابة رضي الله عنهم الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر الخطاب الموجه إليهم وليس المقصود من الحديث الأمة المحمدية بأجمعها.
وهذا يقتضيه الجمع بين هذا الحديث والأحاديث الدالة على وقوع الشرك) .(/21)
أما بالنسبة لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" واستدلالهم به على أن الشرك لا يقع إلا في آخر الزمان فقد أجاب عليه الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه"هذه مفاهيمنا" (ص209) بقوله: (إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان" دليل واضح على وقوع الشرك في قبائل، وفي لفظ:"فئام" أي: جماعات كثيرة، وهناك قبائل من أمته على الحق ثابتون، فدل على أن هذا عند غربة الدين واشتداد ذلك، وهذا من علامات القيامة الصغرى التي تكون قبل قيام الساعة بأزمان مديدة، شأنها شأن سائر العلامات الصغرى التي تكون كما أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم من بعد موته إلى قرب قيام الساعة.
وهذه العلامات كثيرة في أحاديث مشهورة، ولحوق قبائل من أمته بالمشركين، وعبادة قبائل الأوثان من جنسها مما يكون شيئاً فشيئاً إلى قيام الساعة.
وحديث عبادة اللات والعزى وذي الخلصة تكون العبادة - وهو الظاهر - لها بأعيانها، وقد يكون أراد أجناسها مما يعبد من دون الله، والأول أليق لتعين حمل النص على ظاهره) اهـ.
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته من اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فقد قال في مرضه الذي لم يقم منه:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت عائشة رضي الله عنها: (فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجداً) رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول:"لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. تقول عائشة يحذر مثل الذي صنعوا"رواه البخاري ومسلم.(/22)
وقال عليه الصلاة والسلام "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"رواه مسلم.
فهذه الأحاديث قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وفيها التحذير من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى من البناء على قبور الأنبياء والصالحين ومعلوم أن بناء المساجد على القبور هو وسيلة للوقوع في الشرك كما هو واضح.
كما جاءت أحاديث كثيرة فيها التحذير من بعض الأمور والتي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم من فعلها أنه وقع في الشرك، وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" فهل هذه الأحاديث قد نسخت ؟!!
كما أن الواقع التاريخي يؤيد وقوع الشرك في الأمة ولا يمكن إنكار الأمر الواقع، ومن ذلك: أن كثير ممن كانوا في جزيرة العرب ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكثير منهم رجعوا إلى الكفر وعبادة الأوثان وكثير صدقوا من ادعى النبوة كمسيلمة وغيره.
وكذلك هناك الكثير من المسلمين ارتد وتنصروا والنصرانية قائمة على الشرك كما لا يخفى. فهذا يدل على وقوع الشرك في هذه الأمة وأن أحاديث عبادة اللات والعزى بأعيانها إنما تكون في آخر الزمان.
هذا آخر ما وفقني الله لكتابته في الرد على بعض ضلالات الجفري أسأل الله أن يهديه أو أن يريح المسلمين من شره.
تنبيه/كتب أحد أتباع الجفري موضوع بعنوان "اسنى الهديات لقاذف الحبيب الجفري بالدعوة إلى الشركيات "وردي هذا يعتبر رد على مقالته أيضاً!
كما تجد في الكتب التالية ردود على الشبهات التي أثارها صاحب الموضوع:
1- كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة "لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
http://www.sahab.org/books/book.php?id=76&query=التوسل
2- كتاب "التوسل أنواعه وأحكامه"للإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:(/23)
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=143
3- كتاب "التوصل الى حقيقة التوسل" للشيخ محمد نسيب الرفاعي رحمه الله وهو منشور في شبكة الانترنيت أيضاً والحمد لله.
4- كتاب "هذه مفاهيمنا رد على كتاب "مفاهيم يجب أن تصحح" لمحمد بن علوي المالكي" للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=144
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخوكم/أبو معاذ السلفي(/24)
لنتخذن عليهم مسجداً
يستدل الصوفية في قوله تعالى: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} سورة الكهف ، في أن الذين قالوا هذا القول كانوا نصارى ، على ما هو مذكور في كتب التفسير ، فيكون اتخاذ المسجد على القبر من شريعتهم ، وشريعة من قبلنا شرعية لنا إذا حكاها الله تعالى ، ولم يعقبها بما يدل على ردها كما في هذه الآية الكريمة .
الجواب عن هذه الشبهة من ثلاثة وجوه:
الأول: أن الصحيح المتقرر في علم الأصول أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لأدلة كثيرة 1 منها قوله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحداً من الأنبياء قبلي . . . (فذكرها ، وآخرها ) وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة " .
فإذا تبين هذا فلسنا ملزمين بالأخذ بما في الآية لو كانت تدل على أن جواز بناء المسجد على القبر كان شريعة لمن قبلنا !
الثاني: هب أن الصواب قول من قال : " شريعة من قبلنا شريعة لنا " فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه ، وهذا الشرط معدوم هنا ، لأن الأحاديث تواترت في النهي عن
البناء المذكور كما سبق ، فذلك دليل على أن ما في الآية ليس شريعة لنا .
الثالث: لا نسلم أن الآية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية ما فيها أن جماعة من الناس قالوا: {لنتخذن عليهم مسجداً} فليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين ، وعلى التسليم فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين ، متمسكين بشريعة نبي مرسل ، بل الظاهر خلاف ذلك ، قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري في شرح البخاري " (65/280) من "الكواكب الدراري" "حديث لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".(/1)
((وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث ، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور ، وذلك يشعر بان مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى " .
وقال الشيخ علي بن عروة في " مختصر الكوكب " (10/207/2) تبعاً للحافظ ابن كثير في تفسيره (3/78) : " حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين:
أحدهما: أنهم المسلمون منهم .
والثاني: أهل الشرك منهم .
فالله أعلم ، والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ ، ولكن هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا ، وقد رُويّنا عن عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس ، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده ، فيها شيء من الملاحم وغيرها".
إذا عرفت هذا ، فلا يصح الاحتجاج بالآية على وجه من الوجوه ، وقال العلامة المحقق الآلوسي في "روح المعاني" (5/31) " واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها ، وجواز الصلاة في ذلك ! وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي ، وهو قول باطل عاطل ، فاسد كاسد فقد روي. . .)
ثم ذكر بعض الأحاديث المتقدمة ، وأتبعها بكلام الهيتمي في " الزواجر" مقراً له عليه ، وقد نقلته فيما سبق ، ثم نقل عنه في كتابه " شرح المنهاج " ما نصه : " وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية ، حتى قبة الإمام الشافعي عليه الرحمة ، التي بناها بعض الملوك ، وينبغي لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة ،فيتعين الرفع للإمام آخذاً من كلام ابن الرفعة في الصلح" انتهى.(/2)
ثم قال الإمام الآلوسي : " لا يقال : إن الآية ظاهرة في كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ، وقد استُدِلَّ بها، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من نام عن صلاة أو نسيها ". ، الحديث ثم تلا قوله تعالى {وأقم الصلاة لذكري}، وهو مقول لموسى عليه السلام ، وسياقه الاستدلال ، واحتج أبو يوسف على جري القود بين الذكر ولأنثى بآية {وكتبنا عليهم} ، والكرخي على جريه بين الحر والعبد ، والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل ، إلى غير ذلك ، لأنا نقول : مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا ، لكن لا مطلقاً ، بل إنْ قص الله تعالى علينا بلا إنكار [فإنكار] رسوله صلى الله عليه وسلم كإنكاره عز وجل.
وقد سَمِعتَ أنه عليه الصلاة والسلام لعن الذين يتخذون المساجد على القبور ، على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع ، وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، والآية ليست كالآيات التي ذكرنا آنفاً احتجاجُ الأئمة بها ، وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك ، وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم ، فمتى لم يثبت أن فيهم معصوماً لا يدل على فعلهم عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده .
ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين ، كما روي عن قتادة .
وعلى هذا لقائل أن يقول : إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور ، فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده ، وكف التعرض لأصحابه ، فلم يقبل الأمراء منهم ، وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد .(/3)
وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول : إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه ، الملعون فاعله ، وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريباً من كهفهم ، وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب ، ومثل هذا الاتخاذ ليس محذوراً إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي فهم فيه ، كنسبة النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ، ويكون قوله {لنتخذن عليهم} على هذا الشاكلة قول الطائفة ( ابنوا عليهم ) .
وإن شئت قلت : إن ذلك الاتخاذ كان على كهف فوق الجبل الذي هو فيه ، وفيه خبر مجاهد أن الملك تركهم في كهفهم وبنى علي كهفهم مسجداً ، وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى ، وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم ، وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولاً فلا يحتاج إليه على ما قيل.
وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة ، معولاً على الاستدلال بهذه الآية ، فإن ذلك في الغواية غاية ، وفي قلة النُهى نهاية ! ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها ، وبنائها بالجص والآجر ، وتعليق القناديل عليها ، والصلاة إليها ، والطواف بها ، واستلامها ، والاجتماع عندها ، في أوقات مخصوصة ، إلى غير ذلك محتجاً بهذه الآية الكريمة ، وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيداً ، وجعله إياهم في توابيت من ساج ، ومقيساً لبعض على بعض ! وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل .(/4)
ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه الصلاة والسلام ـ وهو أفضل قبر على وجه الأرض ـ والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له ، والسلام عليه ، فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك ، والله سبحانه يتولى هداك ".
قلت : وقد استدل بالآية المذكورة على الجواز المزعوم ، بل على استحباب بناء المساجد على القبور بعض المعاصرين1 لكن من وجه آخر مبتدع مغاير بعض الشيء لما سبق حكايته ورده فقال ما نصه "
" والدليل من هذه الآية إقرار الله إياهم على ما قالوا ، وعدم رده عليهم "!
قلت هذا الاستدلال باطل من وجهين :
الأول : أنه لا يصح أن يعتبر عدم الرد عليهم إقراراً لهم ، إلا إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين وصالحين متمسكين بشريعة نبيهم ، وليس في الآية ما يشير أدنى إشارة إلى أنهم كانوا كذلك ، بل يحتمل أنهم لم يكونوا كذلك ، وهذا هو الأقرب ؛ أنهم كانوا كفاراً أو فجاراً ، كما سبق من كلام ابن رجب وابن كثير وغيرهما ، وحينئذ فعدم الرد عليهم لا يعد إقراراً بل إنكاراً ، لأن حكاية القول عن الكفار والفجار يكفي في رده عزوه إليهم! فلا يعتبر السكوت
عليه إقراراً كما لا يخفى ، ويؤيده الوجه الآتي :
الثاني : أن الاستدلال المذكور إنما يستقيم على طريقة أهل الأهواء من الماضين والمعاصرين ، الذين يكتفون بالقرآن فقد ديناً ، و لا يقيمون للسنة وزناً ، وأما طريقة أهل السنة والحديث الذين يؤمنون بالوحيين ، مصدقين بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور :" ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ". وفي رواية :" ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ".
فهذا الاستدلال عندهم ـ والمستدل يزعم أنه منهم ! ـ باطل ظاهر البطلان ، لأن الرد الذي نفاه ، قد وقع في السنة المتواترة كما سيق ، فكيف يقول : إن الله أقرهم ولم يرد عليهم ، مع أن الله لعنهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأي رد أوضح وأبين من هذا ؟!.(/5)
وما مثل من يستدل بهذه الآية على خلاف الأحاديث المتقدمة ؛ إلا كمثل من يستدل على جواز صنع التماثيل والأصنام بقوله تعالى في الجن الذين كانوا مذللين لسليمان عليه السلام ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدور راسيات )يستدل بها على خلاف الأحاديث الصحيحة التي تحرم التماثيل والتصاوير! وما يفعل ذلك مسلم يؤمن بحديثه صلى الله عليه وسلم.
وبهذا ينتهي الكلام عن الشبهة الأولى ، وهي الاستدلال بآية الكهف والجواب عنها وعن ما تفرع منها .
ملخص من كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد".(/6)
ماد الصحابة كما يميد الشجر
يستدل الصوفية لجواز الرقص بالذكر بحديث رواه ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، أنا عمرو بن شمر، حدثني إسماعيل السدي، سمعت أبا أراكة يقول: صليت مع علي صلاة الفجر ، فلما انفتل عن يمينه مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين، ثم قلب يده، فقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم ، لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تنبل ثيابهم ، والله لكأن القوم باتوا غافلين، ثم نهض فما رُئي بعد ذلك مفتراً يضحك، حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق.
تخريج الأثر
هذا الأثر أخرجه ابن عساكر والدينوري وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية وغيرهم ، ومداره على عمرو بن شمر عن السدي عن أبي أراكة.
وهذا الأثر لا تصح روايته ولا يصح الاستدلال به لأنه شديد الضعف ، لما ذكر في رجال إسناده.
في إسناده عمرو بن شمر
قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان ج 4 صفحة 366 : 1075.
عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد الله.
قال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء.
وقال الجوزجاني: زائغ كذاب.
وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة ويروى الموضوعات عن الثقات ، وقال البخاري منكر الحديث.
قال يحيى: لا يكتب حديثه.
وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث.
وقال السليماني: كان عمر يضع للروافض.
وقال ابن أبي حاتم سألت أبى عنه فقال: منكر الحديث جداً ضعيف الحديث لا يشتغل به تركوه لم يزد على هذا شيئاً.
وقال أبو زرعة الرازي: ضعيف الحديث.
وقال النسائي في التمييز: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
وقال ابن سعد: كانت عنده أحاديث وكان ضعيفاً جداً متروك الحديث.(/1)
وقال أبو احمد الحاكم: ليس بالقوى عندهم.
وقال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وليس يروى تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره.
وذكره العقيلى والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء.
وقال أبو نعيم: يروى عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير.
وفي إسناده أبو أراكة.
ذكره الدولابي في الكنى ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً ، ومثله لا تقبل روايته لجهالة حاله.
وفي إسناده السدي أيضاً
فيه تشيع ظاهر ، وقد ضعفه بعض أهل الجرح والتعديل.(/2)
مادوا كما يميد الشجرة في يوم الريح
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، أما بعد:
أعرض في سلسلة "بيان شبهات الصوفية" لحديث يستدل الصوفية به لجواز الرقص أثناء الذكر ، والحديث رواه ابن أبي الدنيا في كتابه "التهجد" (1ـ211) قال: حدثنا علي بن الجعد، أخبرني عمرو بن شمر، عن إسماعيل السدي، عن أبي أراكة قال: صليت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر ، فلما سلم انفتل عن يمينه ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وحائط المسجد أقصر مما هو الآن قال : ثم قلب يده ، وقال: «والله لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى اليوم شيئاً يشبههم لقد كانوا يصبحون صفرا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم ، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح ، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم ، والله لكأن القوم باتوا غافلين ثم نهض فما رئي يضحك حتى ضربه ابن ملجم عدو الله الفاسق.
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42 ـ491) من طريق ابن أبي الدنيا، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: حدثنا عمرو بن شمر ....
ورواه الخطيب البغدادي في "الموضح" (2ـ330) قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ ، أخبرنا: أبو محمد ابن ماسي ، حدثنا: محمد بن عبدوس ، حدثنا: علي بن الجعد به .....كما في طريق ابن أبي الدنيا.
ورواه ابن الجوزي في "التبصرة" المجلس (34) من طريق علي الجعد ..... كما في طريق ابن أبي الدنيا.
ورواه أبو نُعيم في "الحلية" (1ـ76) من طريق محمد بن يزيد أبي هشام ، حدثنا المحاربي ، عن مالك بن مغول ، عن رجل من جعفى ، عن السدي ، عن أبي أراكة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ورواه الدينوري في كتابه "عيون الأخبار" (1ـ248) و"المجالسة" (1466) عن مالك بن مغول عن رجل في جعفى عن السدي عن أبي أراكة ... به(/1)
ورواه أبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى" (2ـ87) قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي ، نا: إسماعيل ، نا: عمر النصري ، عن السدي ، عن أبي أراكة ، قال: صليت مع علي الفجر يوم الجمعة فلما قضى صلاته وضع يده على خده كئيباً حزيناً ، حتى إذا صارت الشمس على حائط المسجد قيد رمح أو رمحين قلب يده ، ثم قال: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما رأيت أحدًا يشبههم اليوم ولقد رأيتهم يصبحون شعثاً غبراً صفراً قد باتوا لله ركعا سجداً.
ويلاحظ أن مكان الشاهد في هذا الطريق غير موجود.
مما تقدم يظهر لنا مخرج الحديث على النحو التالي:
عمر بن سعد النصري ـ إسماعيل السدي ـ أبو أراكة ـ علي رضي الله عنه
عمرو بن شمر الجعفي ـ إسماعيل السدي ـ أبو أراكة ـ علي رضي الله عنه
أما أبو أراكة:
فهو مجهول.
ذكره الدولابي في "الكنى" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً.
وذكره البخاري في "الكنى" ولم ينقل فيه شيئاً.
وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9ـ336) ولم ينقل فيه شيئاً كذلك.
وذكره ابن حبان في كتابه "الثقات" (5ـ584) ومنهج ابن حبان معروف في إيراده المجاهيل في كتابه الثقات ، فلا يعول عليه في هذا الإيراد.
وأما إسماعيل بن عبد الرحمن السدي.
فهو ضعيف الحديث متهم بالرفض.
نقل الحافظ في التهذيب (1ـ158) أقوال من ضعفه فقال:
قال الجوزجاني عنه: كذاب شتام.
وقال أبو زرعة: لين الحديث.
وقال ابن معين: حديثه ضعيف.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال حسين بن واقد: سمعت السدي فما قمت حتى سمعته يتناول أبا بكر وعمر ، فلم أعد إليه.
وقال العقيلي: ضعيف كان يتناول الشيخين.
وقال الطبري: لا يحتج بحديثه.
وأمَّا عمرو بن شمر الجعفي.
فهو رافضي كذاب يضع الحديث.
وقال أبو زرعة عنه: ضعيف الحديث. كما في "الجرح والتعديل" (6ـ240).
وقال عمرو بن علي الفلاس: منكر الحديث ، حدَّث بأحاديث منكرة. كما في "الجرح والتعديل" (6ـ239).(/2)
وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جدًا ، ضعيف الحديث ، لا يشتغل به تركوه. كما في "الجرح والتعديل" (6ـ239).
وقال يحيى بن معين: عمرو بن شمر ، ليس بثقة. كما في "الجرح والتعديل" (6ـ239)
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً جداً ، متروك الحديث. كما في "الطبقات" (6ـ356).
وقال ابن حبان: كان رافضيا يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرها ، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. كما في "المجروحين" (2ـ75).
قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان":
قال الجوزجاني: زائغ كذاب.
وقال البخاري منكر الحديث.
وقال يحيى: لا يكتب حديثه.
وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث.
وقال السليماني: كان عمر يضع للروافض.
وقال النسائي في التمييز: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
وقال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وليس يروى تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره.
وقال أبو نعيم: يروى عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير. كما في "لسان الميزان" (4ـ366)
وأما عمر بن سعد النصري.
فهو مجهول.
ذكره عبد الغني الأزدي في كتابه "مشتبه النسبة" (5) وقال: كوفي حدّث عنه إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي وغيره.
وذكره ابن ماكولا في كتابه "الإكمال" (1ـ390) ولم ينقل فيه جرحاً ولا تعديلاً.
فظهر مما تقدم أن الحديث لا يثبت ، ولا يحتج به ، فالله نسأل لنا ولجميع المسلمين الهداية، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار ، غفر الله له ولوالديه.(/3)
مع صاحب الروحة
بقلم : د. عبدالعزيز العبداللطيف
…الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
…اطلعت على جملة من آراء عبد الله فدعق ، والمبثوثة في مواقع الانترنت المتنوعة لا سيما ما قاله في برنامج ( إضاءات ) في قناة العربية .. وسأورد في هذه السطور جملة من الوقفات على تلك المقولات ، وعلى النحو التالي :-
• سمى المذكور مجلس درسه بـ ( مجلس الروحة ) وادّعى أن ذلك مشتق من حديث (لغدوة في سبيل الله أو روحة)، ونفى أن تكون التسمية مأخوذة من مدينة في إسرائيل اسمها ( الروحة )، وتمام الحديث: ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها )[1]
…والمقصود بالروحة هاهنا: الجهاد في سبيل الله ، وكما قال النووي (الشافعي) - رحمه الله -: (والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته ، بل يحصل هذا الثواب بكل غدوة أو روحة في سبيل الله، ومعنى هذا الحديث أن أفضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها..) [2]
…وقال الحافظ ابن حجر (الشافعي أيضا) - رحمه الله - : ( والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد ..) [3]
…ومن المعلوم أن بين الصوفية والجهاد مفاوز شاسعة تنقطع فيها المطي ، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - عن المتصوفة - : ( وأما الجهاد في سبيل الله ، فالغالب عليهم أنهم أبعد عنه من غيرهم ) [4]
…وتاريخ الصوفية حافل بالعملاء للمستعمر والخونة قديما وحديثاً، ومفارقة أهل الجهاد ومنابذتهم
• حذر مسؤول الروحة من (سياسة القطيع ) على حد تعبيره ، ثم أعقب ذلك بوجوب التقليد فلا يسوغ للشخص أن يقول : أنا محمدي - أي متبع لمحمد صلى الله عليه وسلم - ..!
ونقول : إن التقليد هو اتباع قول الغير بلا حجة ولا دليل ، وهذا نوع من التبعية والتعصب الأعمى ... أفليس هذا قريب من ( سياسة القطيع ) !؟ فعلام التناقض والاضطراب .(/1)
…وللصوفية القدح المعلى والحظ الأوفر من إنفاذ سياسة القطيع .. فالشيخ يسلِّم إليه حاله! فلا يعترض عليه! ومن قال لشيخه: لِمَ فقد هلك !
…يقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - : (والعبارة الشائعة في كتب التصوف أن المريد بين يدي شيخه، كالميت بين يدي غاسله!! وهم يعنون بذلك الطاعة المطلقة إلا أن هذه الطاعة الغريبة محقت الإرادة الحرة والتفكير الحر معاً ) [5]
…ويقول في كتاب آخر: ( إن الدجالين من رجال الطرق الصوفية كانوا يربون أتباعهم على التواضع بشتى الطرق المهينة ، فإن رأوا أنفة في ملك أحدهم ، أو دلائل عزة وترفع ، جعلوا عليه مهمة حمل أحذية الجماعة ، والمحافظة عليها ، حتى تنكسر نفسه ، وينخفض رأسه ، وبذلك يكون مرشحا لعبادة الله كما يجب !
…ولم يدر المغفلون أنهم يرشحونه أيضا ليكون عبدا للناس جميعاً ، وإن مثل هذا الكائن الممسوخ هو أمل المستعمرين الذين يقيمون وجودهم على إذلال الأمم ، وقتل الشعور بالكرامة في نفوس بنيها ) [6]
• لم يك حديث الغزالي - رحمه الله- عن خنوع الصوفية وانبطاحهم جهلاً وظلماً
إذ يدّعي فدعق أن الصوفية مجهولة - فالغزالي عاش في أرض الكنانة والحافلة بشتى الطرق الصوفية، وقد سبر الغزالي مجتمعه من خلال رحلاته ودعوته، ووعظه وتدريسه وصدق الغزالي - رحمه الله- فإن مراتع التصوف هي أمل المستعمرين وبغيتهم ، لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ..، ولذا جاء في تقرير راند ( يمثل الصوفيون التأويل المنفتح والفكري للإسلام ، وينبغي أن يشجع بقوة التأثير الصوفي على المناهج المدرسية والمعايير المعتمدة ) 58
…وانظر 72 إسلام حضاري ديمقراطي لشيريل بينارد
…فهل يمكن القول أن احتفاء صحيفة ( واشنطن بوست ) بفدعق نوع من ذاك التشجيع الوارد في التقرير الآنف الذكر ، لا سيما وأن في أقاويل فدعق انفتاحاً يروق للغرب - كما سيأتي بيانه إن شاء الله -(/2)
• افتخر فدعق بأنه من مدرسة التصوف في الحرمين , وأبدى اعتزازه بتتلمذه على محمد علوي مالكي ، والعلماء الأعلام كابن باز وعبد الله بن حميد - رحمهما الله- وبقية أعضاء هيئة كبار العلماء لهم موقف معلوم ومشهور ، إذ قد تبينوا ضلالاته وزندقته كما هو مبسوط في مقدمة كتاب حوار مع المالكي 5-18، كما أن الأشياخ قد أجابوا عن شبهاته ودعاويه ، كما في ( الرد على الخرافيين للشيخ سفر الحوالي )، و(هذه مفاهيمنا ) للشيخ صالح آل الشيخ ، ومن قبلهما(حوار مع المالكي للشيخ عبد الله المنيع) ، وغيرهم
…وقد يقول قائل : إن المذكور سلك التصوف الصحيح فليس على شطحات المالكي
والجواب عن ذلك : أن صاحب الروحة قد خرج من جُبَّة المالكي ، فهو مريد منقاد لشيخه المالكي كما في المعلومات الآتية :-
1- حصر فدعق الشرك في الربوبية فقط- كما جاء في برنامج إضاءات – تقليدا واتباعا لمقالة شيخه حذو النعل بالنعل [7]
2- زعم فدعق أن الميت في قبره لا يعتبر ميتا !! وهو عنى ما سوده مولاه قائلا(أما دعوى أن الميت لا يقدر على شيء فهي باطلة ) [8]
…ويزعم المالكي ( أن الأرواح لها من الإطلاق والحرية ما يمكنها أن تجيب من يناديها وتغيث من يستغيث بها كالأحياء سواء بسواء ، بل أشد وأعظم ) [9]
3- تلقف المريد من شيخه تجويز التوسل بالميت ، وكما قال فدعق - وبعبارة ركيكة - : (التوسل ببساطة جدًا هو أن الإنسان يلجأ إلى شخص آخر بدعاء الله لأن الله هو المعطي وليس صاحب القبر .. الخ)
…وعلى كل حال فإن التشبث بلفظ التوسل والتدثر خلفه هو مركب امتطاه المالكي ومن تبعه، ومن خلال هذا اللفظ يجوزون الاستغاثة بالأموات وسؤالهم
وليس عدلاً في حق المالكي أن يقال إن المذكور نسخة مصغرة من المالكي ، بل يبقى فدعق من جملة المريدين المولعين بشيخه ومولاه.(/3)
…وبالجملة فإن هذا النَفَس القبوري - والذي يشم من فدعق - هو الذي ينعق به دعاة الوثنية في هذا العصر، ويسعون إلى تجديد ملة عمرو بن لحي .. وهو قرة عين الغرب النصراني إذ يفرحون بتلك الشركيات والوثنيات ، قال عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: من الآية89] وقد نشرت في العام المنصرم بعض الصحف العربية أن السفير الأمريكي بالقاهرة شارك في احتفال مولد أحمد البدوي ، وأبدى إعجابهم الشديد بالتصوف !!
…وأي حياة أو مشروع حضاري يبعثه دعاة الوثنية الجدد، الذين استحوذ عليهم الوله بالأضرحة والمزارات ، واستبعد أفئدتهم عبادة الأولياء والمجاذيب ..
- هوَّن المذكور من اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم محتجاً بحديث – الذي كان يشرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : - ( لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله ) وأعرض عن قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ومن المعلوم أن ذاك الرجل - شارب الخمر - معه أصل محبة الله ورسوله ، لكنها ليست تامة ولا محبة مطلقة ، فلو كان كذلك لما شرب الخمر.. فإذا شرب الخمر فإما أن يكون تصديقه بأن الله يبغضها فيه ضعف، أو نفس بغضه لما يبغضه الله فيه ضعف، وكلاهما يمنع تمام الإيمان الواجب [10].
…ومما قاله الحافظ ابن حجر - في شأن هذا الحديث - : ( ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة الله ورسوله في قلب العاصي مقيداً بما إذا ندم على وقوع المعصية ، وأقيم عليه الحد فكفِّر على الذنب المذكور، بخلاف من لم يقع منه ذلك فإنه يخشى عليه بتكرار الذنب أن يطبع الله على قلبه حتى يُسلب منه ذلك ، نسأل الله العفو والعافية )[11](/4)
…ولا غرابة أن يلهج المذكور بمحبة لا اتباع فيها ولا انقياد ، فهذا مما تهواه تلك النفوس المريضة ، والتي تتثاقل عن اتباع الشرائع ، وتستروح إلى الترنم بالمدائح النبوية والتواشيح الدينية، وكما قال شيخ الإسلام عنهم : ( وهؤلاء يدّعون محبة الله في الابتداء، ويعظمون أمر محبته ، ويستحبون السماع بالغناء والدفوف ، ويرونه قربة ؛ لأن ذلك بزعمهم يحرِّك محبة الله في قلوبهم ، وإذا حُقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين ، فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله . وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول، ولا الجهاد في سبيل الله ، بل كثير منهم - أو أكثرهم - يكرهون متابعة الرسول ، وهم من أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله، بل يعاونون أعداءه ويدّعون محبته ) [12]،
- أصحاب التصوف ذوو دعاوى عريضة، وعبارات رنانة، وإشارات مثالية جامحة ، لكن سرعان ما تنقشع وتزول عند أدنى الملمات والوقائع .
…ويأتي صاحب الروحة في ذيل تلك القافلة المتعثرة، فيقرر أن التصوف هو مقام الإحسان أشرف مقامات الدين وأرفعها، والناظر إلى التصوف المعاصر سواءً كان واقعاً أو تنظيراًًًً يرى لمسخ لعقيدة التوحيد ، والنقض لأوّل أركان الإسلام ، فهلا ابتدأت يا صاحب الروحة بتحقيق الشهادتين والقيام بذلك، قبل التطاول إلى تلك المقامات العالية ، فرحم الله من عرف قدر نفسه !
…وليت الشيخ الوزير - صالح آل الشيخ- لما لقيك اشتغل بتعليمك الأصول الثلاثة قبل الخوض في شؤون الدعوة ومقاصد الشريعة !!
…إضافة إلى ذلك فإن الإحسان يتناول الإخلاص لله تعالى كما يتناول الإتيان بالفعل الحسن على وفق شرع الله تعالى، والتصوف قد أفسد الإخلاص، كما أخذت الابتداع.(/5)
إن صوفية الحقائق الإيمانية قد اندرست في هذه العصور ، فلم تبق إلى صوفية الرسوم والمظاهر من أرباب العمائم والأكمام الواسعة 00وكذا صوفية الأرزاق الذين يأكلون أموال الأوقاف ويقتاتون من معونات الغرب !
- يسعى صاحب الروحة إلى تقديم ( إسلام مريح ) يهواه الغرب والأمريكان ، ويستمتع به أرباب الشهوات المسعورة والفكر الموبؤ.. فآراء صاحب ( الروحة ) تستهدف ( إراحة ) الغرب وإرضاءه ، ولذا هرعت صحيفة الواشنطن بوست إلى لقياه وتلميعه وعلماء السوء يتقوّلون بما يروق لأهواء العامة ويؤلفون حسب مقاصد الناس ومآربهم ، على طريقة الواعظ الذي قيل : ما مذهبك ؟ فقال :في أي مدينة ؟،
وقد ألف أحد الأطباء المعاصرين كتابا بعنوان :- (أطفال تحت الطلب ) لكن أولئك القالة تجاوزوا ذلك ... إذ هم فوق الطلب .
…فالمرتد لا يقتل - عند ذاك الفقيه الشافعي - بحجة أن ذلك لم يذكر في القرآن !! ولَمَز من طرف خفي - حديث ابن عباس مرفوعا - : ( من بدل دينه فاقتلوه ) أخرجه البخاري. وهذا الشذوذ يتسق مع أهواء الغرب لا سيما بعد حادثة المرتد الأفغاني ..
…وفدعق يستروح إلى قيادة المرأة للسيارة - في السعودية - ويؤيد ذلك ، كما يستهويه كشف المرأة وجهها ، وبعد أن ناقشه مقدم برنامج إضاءات – تركي الدخيل - قال المتفقه -: (أنا أقول بالكشف وعدمه) !!
…ومن شذوذات صاحب الروحة أنه أجاز لمرضى العقم استنساخ أبناء من أنفسهم على غرار النعجة دوللي !!، وقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي بجدة قرارا بمنع ذلك باتفاق أعضائه
واهمس في أذن فدعق منشدا قول الشاعر :
يقولون هذا عندنا غير جائز *** ومن أنتم حتى يكون لكم عند(/6)
…وبالجملة فإن صاحب الروحة - من خلال آرائه المتناثرة - ذو بضاعة مزجاة ، فالهزال العلمي مكشوف، والهشاشة في الفقه بيّنة ظاهرة ، حتى إن مقدم برنامج إضاءات أفحمه في مسائل شرعية ، وصدق الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - إذ يقول : ( والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء ..) [13]
…ومع هذا الإفلاس ، فالمذكور مصاب بداء اللمز والهمز لأهل السنة والجماعة ، إضافة إلى تذبذب الرجل وتلونه ، فصاحب (الروحة ) يطالب بالوحدة ، كما يطالب بالتعددية لأنها مصدر قوة للأمة على - حد زعمه - وعش رجباً ترى عجباً... ولعل ذاك التلون هو سبب اللمعان والبروز.
وكما قال أبو تمام :
تخرصاً وأحاديثا ملفقة *** ليست بنبح إذا عدت ولا غرب
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويثبت مطيعهم وبالله التوفيق
---------------
[1] أخرجه البخاري ومسلم
[2] صحيح مسلم بشرح النووي 13/26
[3] فتح الباري 6/14
[4] الاستقامة 1/268
[5] الإسلام والطاقات المعطلة 38
[6] تأملات في الدين والحياة 173
[7] ( انظر كتاب هذه مفاهيمنا لصالح آل الشيخ 104-112، ودعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لعبد العزيزآل عبد اللطيف 253
[8] مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي 91
[9] المصدر السابق 93
[10] انظر جامع الرسائل ( قاعدة في المحبة ) لا بن تيمية 2/ 227
[11] فتح الباري 12/ 78
[12] منهاج السنة النبوية 5/ 328، 329 باختصار
[13] كشف الشبهات 39
-------------
شبكة الرد ـ الاثنين 10 محرم 1428هـ الموافق 29 يناير 2007م(/7)
علامة العراق الألوسي ولزومه منهج السلف
هو جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبدالله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الآلوسي البغدادي رحمه الله ، من سادات آل البيت ، ولد في رمضان 1273هـ ، وجده صاحب التفسير الشهير ، وقد كان صوفياً فمنّ الله عليه بالهداية فاتبع السنة ، ونبذ البدعة ، فأصبح سنياً سلفياً [وسنذكر مراحل حياته لاحقاً] ..(/1)
تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تأثراً بالغاً ، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: (لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما) أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي.
وكان سلفياً مُحباً لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وناشراً لها ومدافعاً عنها لأنها دعوة الكتاب والسنة ، وقد أفرد كتاباً شرح فيه أحد رسائل الإمام وهي (مسائل الجاهلية) ..
وقد جاهد في نشر الحق والرد على الباطل ، فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً .. وارتفع صوته كمصلح ديني يدوّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أوضار البدع.
وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومة المشركين وأهل البدع والحاسدين ، فذهبوا يُشنعون عليه ، ويرمونه بتهم شتى منها: أنه يبث فكرة الخروج على السلطان؟!! ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان؟!! وأن تأثيره سار بين الناس؟! فأغروا والي بغداد (عبدالوهاب باشا) … فصدر الأمر بنفي السيد محمود وابن عمه السيد ثابت نعمان الآلوسي والحاج حمد العسافي النجدي رحمهم الله إلى الأناضول.(/2)
فلما وصلوا للموصل قامة قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار ، وأن في الموصل عدد كبير من العلماء وطلبة العلم السلفيين ، فطلبوا من السلطان الصفح .. فصدر العفو عنهم وعادوا بعد أن مكثوا شهرين في الموصل .. وعادوا منصورين ، فقام الشيخ عبداللطيف بن ثنيان في صحيفته الرقيب بالانتصار للشيخ والرد على تلك الوشايات والافتراءات وصدر مقالاً (الحمد لله عاد الحق لأهله)
ولما هاجم الإنجليز العراق عام 1333هـ سعى الآلوسي طالباً النجدة من بعض الأمراء العرب لكنهم لم يستجيبوا لطلبه فعاد إلى بغداد ، واستمر بالتدريس والتأليف حتى سقطت بغداد بيد الإنجليز ، فعرضوا عليه القضاء فرفض وامتنع عن مخالطتهم ، ورفض جميع المناصب من الإفتاء والمشيخة وكل خدمة غير خدمة العلم الصحيح ونشره بين أفراد الأمة.
وقبل عضوية مجلس المعارف ، ليتمكن من توسيع نطاق العلم في العراق ، وعضوية المجلس العلمي العربي بدمشق فخرياً ، توفي الإمام سنة 1342هـ.
وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء .. يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي :
محمود شكري فقدنا منك حبر هدى *** للمشكلات بحسن الرأي حلالا
قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً *** إذا تقسّم فيها كان أجبالاً
ورثاه تلميذه محمد بهجة الأثري بقصيدة منها:
بغدادُ قد أقفرت من بعد مصرعه *** فقلقل الركبُ عن بغداد أهبالا
هذي المدارس أضحت وهي باكية *** من بعد شيخ بنى الآداب أطلالا
ورثاه ناجي القشطني بقصيدة مطلعها:
لا السجن يبكينا ولا التبعيدُ *** كلا والإرهابُ والتهديد
سنطلُ نهزأ بالخطوبِ تَجلُّداً *** مهما استمر الضغطُ والتشديدُ
ثم قال:
محمود شكري أنت ناصر ديننا *** لله درُّ أبيك يا محمودُ
أحييت بالتنقيدِ ميتَ عقائد *** ما مسّها فحص ولا تنقيد
ورثي بالعديد من المراثي تجده العديد منها في كتاب (أعلام العراق) للشيخ محمد بهجة الأثري رحمه الله.(/3)
من مؤلفات الإمام رحمه الله تعالى:
1- تجريد السنان في الذب عن أبي حنيفة النعمان.
2- صب العذاب على من سب الأصحاب (رد على الرافضة) .
3- السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة (رد على الرافضة)
4- المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الإثني عشرية (رد على الرافضة)
5- سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين (رد على الرافضة)
6- فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
7- غاية الأماني في الرد على النبهاني (رد على داعية الشرك النبهاني في تجويزه الاستغاثة بسيد الخلق ورد على تهجمه على شيوخ الإسلام ومنهم الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب)
8- الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى (رد على هذا الضال)
9- فتح المنان في الرد على صلح الإخوان من أهل الإيمان (وهو تتمة رد العلامة عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمهم الله الذي توفي قبل إتمامه في الرد على هذا الضال)
10- كنز السعادة في شرح كلمتي الشهادة.
11- تصريف الأفعال.
12- المفروض من علم العروض.
13- الدار اليتيم في شمائل ذي الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم.
14- تأريخ نجد
والعديد من المؤلفات والتي زادت على الخمسين مؤلفاً ..
وقد أخذ منه العلم وأجز العديد من طلبة العلم وعلى رأسهم الشيخ محمد بهجة الأثري والعلامة طه الراوي والشاعر معروف الرصافي وهو الذي لقبه بالرصافي رحمهم الله جميعاً…سيرة عطرة جداً..
لقد عاش شيخنا ثلاثة مراحل ..
المرحلة الأولى:
كان فيه صوفياً خالصاً: وهذا الطور يبدأ من أول حياته إلى أن تجاوز الثلاثين من عمره.
وفي هذا يقول العلامة الأثري –رحمه الله- في كتابه "أعلام العراق" ص 91:(/4)
" .. ولكن الشاب المتأثر بالعقيدة الخلفية ، والمتشبع بالروح الصوفية الموروثة له من أبيه وأستاذه الأول لم يستطع ملازمة عمه المستقل بعلمه وآرائه الضارب بالخزعبلات الصوفية والمذاهب التقليدية عرض الحائط ، فصرف التعصب بصره عن عمه".
المرحلة الثانية:
كان فيه ما زجاً بين الصوفية والعقيدة السلفية ، ولم يستمر هذا الطور معه طويلاً.
وفي هذا يقول العلامة الأثري:
" لما بلغ الألوسي هذا الطور من حياته ، واتسعت آفاقه الذهنية والعلمية ؛ رأيناه يبدأ حلاً جديدة من أحوال التفكير والاجتهاد ، ويعيد النظر فيما تعاوره في أثناء الشباب من اختلاط العقائد والنزعات المذهبية المختلفة ... "
[محمود شكري الألوسي وآراؤه اللغوية ص76]
المرحلة الثالثة:
وهو آخر ما استقر عليه المصنف رحمه الله ؛ وهو طور نبذ التصوف ، والمجاهرة بدعوة التوحيد.
وفي هذا يقول العلامة الأثري:
" ثم ما لبث الألوسي أن أصحر عن انحيازه في جرأة وقوة إلى الحركة السنية السلفية ، مع مقاومة الدولة العثمانية الصوفية لهذه الحركة الإصلاحية بكل قواها الرجعية ، واستعلن وقوفه إلى جانبها بكتابه (فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان) الذي فرغ من تأليفه في غرة ذي الحجة سنة 1306هـ وطبع بالهند سنة 1309هـ
وقد توفي – رحمه الله تعالى- 4/10/1342هـ على أثر مرض ألمَّ به في أواخر شهر رمضان من العام نفسه ، نسأل الله أن يرفع منزلته في عليين ..
وهكذا النفوس الكبار ، الباحثة عن الحق ، وهذا هو العلم الذي يهدي للحق ، ويرشد صاحبه للبحث عنه ، ويتعالى على ما وجد عليه الآباء والأجداد ، لأنه يعبد الله لا يبعد ما وجد!!
نسأل الله أن يبصر الغافل ، وينير بصيرة الجاهل ، ويرشد المسترشد السائل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أعدها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون(/5)
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/6)
مناقشة الباطنية والتقية عند الصوفية
يقول سبحانه: { قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }، { قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ }، { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }، { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، { لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }، { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }، { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينً }، { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ }... والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويقول صلى الله عليه وسلم : «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها».
- من هذه النصوص الكثيرة، ومن عشرات غيرها، كلها واضحة جلية، نعرف أن ليس في الإسلام باطن وظاهر بالمعنى الصوفي.
ويكون الإيمان بأن في الإسلام ظاهرًا وباطنًا كفرًا بآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبًا لها.
- كما أن من الحقائق التاريخية، أنه لم يحدث قط وجود عقيدة باطنية في جماعة إلا إذا كانت هذه الجماعة تضمر الشر والكيد للمجتمع الذي تعيش فيه.
ولم تخرج الصوفية على هذه القاعدة، فقد رأيناها كيدًا للإسلام ومكرًا بالمسلمين.(/1)
- ويقول أحد الباحثين: حيثما وجدت الباطنية ففكر باليهودية، وفي الواقع سنرى بعد قليل أن لليهودية دورًا في نشر الصوفية بين المسلمين، وعلى كل: «الحضرة» يمكن أن تكون أثرًا من آثارها، ومثلها السماع، وتقديس القبور، وبناء القبب، واستعمال السبحة، والجهر بالذكر، وهز الجذع أثناءه إلى الأمام والوراء، أو إلى اليمين والشمال، كل هذه طقوس وممارسات موجودة في اليهودية كما هي موجودة في كل الوثنيات أيضًا! وهي موجودة في الصوفية! فما هي العلاقة؟ مع العلم أن كل هذه الأمور لا أساس لها في الإسلام ألبتة.
ولن نعدم مكابرًا يقول: ليس في الصوفية باطنية، لن نعدمه رغم كل كتبهم ورغم كل أقوالهم، ورغم مئات الصفحات المدرجة في هذا الكتاب.
ولا جواب لنا على أمثال هؤلاء إلا أن نشكوهم إلى الله تعالى.
وللباطنية لغة اسمها «التقية»، يتعلمونها فيما بينهم، يخاطبون بها الناس، ويتسترون بها على ضلالاتهم، ويمكرون بها بالمسلمين، ويكيدون بها للإسلام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فإلى مناقشة التقية.
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» (إلا هالك).
مناقشة التقية
من فعل: تاقي، يتاقي، متاقاة، وتقيَّة (بتشديد الياء)، ومُجَرّدُه هو فعل تَقَى يَتْقي تقيَّة، بمعنى اتقى.
التقية هي لغةُ الحركات الباطنية والمجال الذي تتفسخ فيه ألسنتها، وفي مقدمتها الصوفية، وقد رأينا أنهم يجعلونها جزءًا من حقيقتهم، وقرأنًا مثل قولهم: «التقية حرم المؤمن»، و«إذا كان قد صح الخلاف، فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية»، ومئات الأمثلة غيرها.
وهم يجعلون لها أصلاً قرآنيًّا في قوله سبحانه: { ... وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ... }.(/2)
لكن الفرق بين التقاة التي يسمح بها الإسلام، وبين تقيتهم هو نفس الفرق بين الإيمان والكفر.
فالتقاة الإسلامية تكون في حالة واحدة هي: «مَن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، إذ في حالة الإكراه هذه فقط يمكن للمسلم المؤمن أن يتظاهر بما يرضي القوة التي تكرهه ريثما يفلت منها، مع بقاء قلبه مطمئنًا بالإيمان، أي إنها حالة استثنائية وطارئة تضمر الإسلام وتظهر غيره.
بينما التقية الصوفية هي عكس ذلك، إذ هي أولاً: إبطان وحدة الوجود، أي: إبطان الكفر وإظهار الشريعة الإسلامية، وهذا هو النفاق عينه الذي هو شر أنواع الكفر، وأصحابه في الدرك الأسفل من النار، وهي ثانيًا: قاعدة مستمرة عندهم، وليست استثناء ولا هي حالة طارئة.
إذن فهي مناقضة للإسلام تناقضًا كاملاً واضحًا لا نقص فيه ولا لبس ولا غموض.
وأسلوب التقية في الصوفية يتركب من:
الكذب، والتأويل، والمغالطة، والمراوغة، والمخادعة.
* الكذب:-
مر معنا في الفصول السابقة عشرات النماذج من كذبهم، وهي جرع من بحر، وبتأمل هذه النماذج، وغيرها مما في كتبهم، نرى أنها:
كذب على الله سبحانه، وكذب على ملائكته، وكذب على كتبه، وكذب على رسله، وكذب على اليوم الآخر، وكذب على القضاء والقدر (خيره وشره)، وكذب على الصحابة، وكذب على أهل الكتاب، وكذب على التاريخ...
أما الكذب على الجغرافية والفلك والجيولوجيا والفيزياء والكيمياء فهو من علومهم اللدنية التي عرفوها بالكشف الذي هو حق اليقين ونور اليقين وعين اليقين؟!
ويكفي القارئ – إذا لم يرد ترويح النفس بقراءة النصوص الكثيرة – أن يقرأ مثلاً (في فصل: نماذج من حكايات الصوفية..) النص الذي عنوانه: «وجعلوا الملائكة معاتيه ومخابيل».
* التأويل:-
للتأويل معنيان:
1- المعنى المعروف في اللغة العربية والواردة به الكلمة في القرآن الكريم:
وهو – كما في «تفسير ابن كثير» -: التفسير والبيان والتعبير على الشيء.
وهو أيضًا: حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه.(/3)
وبشيء من إمعان النظر في المعنيين، نرى الثاني امتدادًا للأول وتكملة له، ولتوضيح ذلك:
نقرأ في الكتاب الحكيم: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }، و{ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرً }.
فالله سبحانه سميع بصير، والإنسان كذلك سميع بصير!
لكننا نعرف – بديهيًّا – ودون أي تلكؤ، أن الله سبحانه وتعالى سميع بصير، بالمعنى الكلي الكامل المحيط للكلمتين، فهو سبحانه سميع بصير بلا حدود.
وأن الإنسان سميع بصير، بالمعنى الجزئي الناقص المحدود للكلمتين، فسمع الإنسان وبصره تحدهما عوامل كثيرة.
ومثلها: الحي، الملك، المؤمن، العزيز، الجبار.... إلخ.
ومثلها الأفعال التي يمكن أن تعزى إليه سبحانه، وإلى مخلوقاته، مثل: شاء، أراد، وغيرها.
ومثلها: الأسماء التي يمكن أن تضاف إلى الخالق والمخلوق، مثل: أمر، إرادة، مشيئة... ومنها كلمة «تأويل».
فعندما تضاف كلمة «تأويل» إلى الإنسان، يفهم منها التأويل الجزئي الناقص المحدود.
أما التأويل الذي يعلمه الله سبحانه، فهو تأويل كلي كامل محيط، يشمل التفسير والبيان والتعبير عن الشيء وحقيقته، وما يؤول إليه أمره، وتفصيله الدقيق المحيط...
ومثلاً على ذلك، قوله سبحانه: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ }.
فنحن نعرف أن تأويل: { اقْتَرَبَتِ }، (أو تفسيرها)، هو: صارت قريبة «ضد بعيدة»، لكن، ما هي مدة هذا الاقتراب؟ كم عدد أيامه وساعاته ودقائقه؟ ما هي تفصيلاته بدقة؟ وكيف يتم؟ ... إلى آخر الأسئلة، وكلها من تأويل { اقْتَرَبَتِ }،
الذي لا يعلمه إلا الله.
ونعرف أن { السَّاعةُ }، هي نفخة الصور الأولى! لكن، كيف تقوم الساعة؟ ما هي عواملها بالتفصيل؟ وما هي نتائجها بالتفصيل أيضًا؟ والأسئلة كثيرة، والأجوبة عليها من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.
هذا هو المعنى اللغوي القرآن لكلمة «تأويل».(/4)
ومن هنا نعرف أن معرفتنا بمعاني القرآن الكريم، مهما تعمقت، تبقى ناقصة، وأن المعنى الكامل يبقى غائبًا عنا، وهو ما يمكن أن يسمَّى «المعنى الباطن»، وهذا هو التأويل الذي يأتي يوم القيامة: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }، كما أن دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار هو أيضًا من تأويله.
2- المعنى الاصطلاحي الذي تتبناه الحركات الباطنية، من صوفية وغيرها، والذي هو موضوع بحثنا:
وهو إعطاء الكلمة معنى يخالف المعنى اللغوي والشرعي المجمع عليه في كتب اللغة والأصول، ويتفق مع العقيدة الباطنية للمؤولين، يفتشون فيه، أو فيها (في اللفظ أو في الجملة) عن أي شيء يمكن أن يكون رمزًا أو إشارة إلى شيء من العقيدة الباطنية، فيبرزونه، موهمين أنه المعنى الحقيقي.
وفي التقية الصوفية، نواجه نوعين من التأويل:
تأويل نصوص القرآن والسنة لتتفق مع باطلهم، ويسمونه أيضًا «التفسير الإشاري»، نذكِّر ببعضها:
- (لا إله إلا الله)، تأويلها: لا موجود إلا الله.
- و{ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى }، تأويلها: إن المخلوقات ترجع إلى ربها الذي صدرت عنه لتندمج فيه.(/5)
- { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }، تأويلها: عبارة: { يَذْكُرُونَ اللهَ }، يدخل فيها ترديد كلمة: «الله حي» بتقاطيعها لا بألفاظها، وعبارة: { قِيَامًا وَقُعُودً } تشير إلى القفز، وبذلك تكون الآية مشيرة إلى الحضرة الصوفية! وينسون طبعًا أو يتناسون عبارة: { وعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }!
- ... { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }: معنى كونه ربانيًّا أنه من أسرار علوم المكاشفة ولا رخصة في إظهاره إذ لَمْ يظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
- ونزيد في التأكيد بإضافة نص للغزالي في «إحيائه»، مر في مكان سابق من هذا الكتاب، يقول:
... ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه...
إذن، فهم يؤولون نصوص القرآن والسنة التي تخالف كشفهم! وهذا يعني:
أ- لا يؤمنون إلا بكشوفهم وهلوساتهم كمصدر للاعتقادات والعبادات.
ب-ينكرون المعنى الصحيح للنص القرآني أو السني، ويرفضونه.
ج- يخافون من إعلان هذا الرفض؛ لأنه يجرد عليهم سيف الردة (سيف الحلاج).
د- لذلك يتظاهرون بالإيمان بنصوص القرآن والسنة المخالفة لكشوفهم، ولكنهم يقولون: إن لها معنى باطنًا، هو معناها الصحيح.
هـ- يفتشون في النص عن أي شيء يمكن أن يروا فيه إشارة أو رمزًا لما يعتقدون.
و - يسلطون الأضواء على هذا الشيء، ويبرزونه، وكأنه المعنى الحقيقي للنص!
ز - وإذا لم يستطيعوا إقناع الآخرين لقبول تأويلاتهم، عمدوا إلى خدعة أخرى؟ فقالوا عن المعنى الصحيح للنص: إنه المعنى الظاهر! وقالوا عن تأويلهم الباطل: إنه المعنى الباطن!
والنتيجة:
تأويل نصوص القرآن والسنة، هو كفر صراح بالنصوص، وأسلوب للتخلص من عقوبة هذا الكفر، وخداع للمسلمين لجرهم إلى ضلالات التصوف.(/6)
النوع الثاني من التأويل الذي يمارسه المتصوفة في كل مناسبة هو تأويل ضلالاتهم، وتأويل نصوصهم الدالة على ضلالاتهم؛ لإظهارها وكأنها لا تخالف الشريعة الإسلامية، يفعلون ذلك؛ لأهداف:
أ- التستر على باطلهم، والتظاهر بأنهم لا يخالفون القرآن والسنة!
ب- الضحك على أذقان المغفلين لئلا يتهموهم بالكفر والزندقة.
ج- خداع المسلمين؛ لإقناعهم أن الصوفية من الإسلام، ثم جرهم إليها.
د- خداع الذين لا يقتنعون بضلالات الصوفية؛ ليتركوا تلك النصوص تسري بين المسلمين بهدوء ليستطيعوا هم أن ينصبوا شباكهم بهدوء، ويصيدوا بها فرائس جديدة بهدوء، وبهذه الفرائس الجديدة يزيد مدد الشيخ وتستمر مسيرة الكهانة، وبهذه الفرائس الجديدة تزداد قناعة المجاذيب بأن جذباتهم التحشيشية الإشراقية هي فتوحات إلهية، وبأن هلوساتهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
وغَفلة المسلمين جعلت المتصوفة يتمادون بالقول بالتأويل! فكلما جئتهم بنص من نصوصهم الضلالية، قالوا لك: هذا له تأويل! فنقول:
إن هذا التأويل، والقول بهذا التأويل، هو كفر وزندقة وردة، وهو كيد للإسلام ومكر بالمسلمين، وضحك على ذقون المغفلين لجرهم إلى أحضان الشياطين، ثم إلى جهنم وبئس المصير.
* الخلاصة:
للكفر مدخلان:
1- رفض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بصراحة، وهذا كفر فيه صدق ووضوح.
2- تأويل ما جاء به محمد، أو بعض ما جاء به، وهذا رفض متستر، وهو كفر فيه خبث ومكر وكيد وخداع، فهو شر من الكفر الأول.
* المغالطة والمراوغة والمخادعة:ـ
سنورد صُورًا سريعة من مغالطاتهم ومراوغاتهم ومخادعاتهم، حيث يأتي في قمتها أمران:
- الطريقة البرهانية الغزالية، أي: مزج الإسلام بالتصوف، وهو ما اعتادوا على تسميته بالتصوف السنّي.
- التأويل الاصطلاحي.
وتكاد كل خدعهم ومغالطاتهم ومراوغاتهم أن تكون فروعًا لهذين الأصلين، منها:(/7)
- لو قال قائل: إن الصوفية كفر، لسمع أجوبة كثيرة مثل: الذي يصلي ويصوم ويقرأ القرآن.. هل هو كافر؟
الجواب: إن الصلاة والصيام وقراءة القرآن ليست من الصوفية، بل هي من الإسلام الذي مزج به التصوف، والخمر لا يصير طيبًا ولا حلالاً إذا مزج بالماء أو بالعسل، بل يبقى خبيثًا ومحرمًا، وكذلك الصوفية تبقى زندقةً وكفرًا ولو مزجت بالصلاة والصيام وقراءة القرآن والزكاة والقتال مع المجاهدين في سبيل الله...
- من المغالطات أن نسمع من يتظاهر بنقد التصوف، ويقول برزانة: إنهم يبالغون في التعبد، والمبالغة في التعبد ليست حرامًا، ولكنها قد تثير الملل عند بعضهم...
- مما يرددونه دائمًا وبعناد قولهم عن الآية: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }، تعني الحضرة الصوفية!
الجواب: لا تساعد اللغة العربية على هذا الفهم، كما لم يفهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، ولا التابعين ولا تابعوهم، ومعنى الآية هو أن يذكر المسلم الله في جميع الحالات.
- لو عرضت عليهم أحد النصوص الصوفية المشحونة بالكفر والزندقة، فسترى الجواب حاضرًا: «هذا له تأويل»، أو يقولون: «هذا مدسوس».
- وهذه صورة من أساليبهم في المراوغة، يتسلى القارئ بتحليلها، يقول ابن عجيبة:(/8)
... ولذلك كان النظر في الكتب يضعف المسالك لتشعبها وكثرتها عند اختلاف الهمم، لا سيما من جُبلت طبيعته على علم الظاهر، فإنه أبعد الناس عن الطريق ما لم يدَّاركه الله بفتح منه؛ لأن التشريع كلُّ حكْمة منها تحتها حِكَم، مَن لم يفهمها فبستانه مزهر غير مثمر، ومن هنا وقع الإنكار، حتى امتحن الله كثيرًا من الصوفية على أيدي علماء الظاهر عندما نسبوهم للكفر والزندقة والبدعة والضلال! وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولو جعلناه ملَكًا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون، وما هلكت الأمم السابقة إلا بقولهم إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، فتحصَّل أن الإنسان إذا جال مع النفس في ميدانها فجاهدها حتى هذَّبها وطهرها من الأوصاف الحاجبة لها، رجعت نفسه حينئذ إلى أصلها، وهي الحضرة التي كانت فيها، إذا لم تكن بينها وبين الحضرة إلا الحجب الظلمانية، فلما تخلصت منها رجعت إلى أصلها نورًا مشرقًا...
- نترك للقارئ التسلية بتحليل ما فيها من المخادعات والمغالطات، لن ننبه إلى نقطة واحدة فقط، هي قوله: «حتى امتحن الله كثيرًا... وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، سنة الله التي قد خلت من قبل..»، فنقول له:
هذا افتراء على الله الكذب، فأكثر من نصف سكان الأرض يؤمنون بسر الخصوصية، هذا الذي تدعيه، ولم يمتحنوا لا هم ولا كهانهم، فالأيونيون والرواقيون والإيلوسيون والغنوصيون والهنادكة والبوذيون والطاويون وغيرهم، كلهم كانوا وما زالوا يحترمون كهانهم الذين يتحققوا بسر الخصوصية ويبجلونهم، ولم يُمتحن أصحاب هذا السر إلى في الإسلام!
لذلك، فإما أن يكون أصحاب سر الخصوصية كفارًا زنادقة، أو يكون الإسلام غير صحيح، ولا ثالث لهاذين الاحتمالين.
- ومن مغالطاتهم، قول محمد المهدي الصيادي (الرواس): «ومما لا يلتفت إليه التشدق بما أبهمه وأوهمه المبتدعة أهل الوحدة المطلقة...».(/9)
هذا القول هو مثل قولهم: «علومنا مقيدة بالقرآن والسنة»، ومثل قول قائلهم: «لا يكون الصديق صديقًا حتى يشهد له في حقه سبعون صديقًا أنه زنديق؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر والباطن حكم الباطن»، ويحمل نفس معنى العبارة: «اجعل الفرق في لسانك موجودًا والجمع في جنانك مشهودًا»، وأترك تحليلها للقارئ، مع التذكير بأن أهل الوحدة المطلقة هم الذين يصرِّحون بوحدة الوجود ولا يقيِّدون عباراتهم بالرمز واللغز.
- ومن أساليبهم في المغالطة قول عبد الكريم الجيلي:
.... فلا بد لمنْ يقصد معرفة علمنا هذا.. أن يقيس العلوم الواردة إليه على الأصول المشروعة التي قد ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع، فما وجده من تلك العلوم موافقًا للشريعة فيقصده ويتجلى به، وما وجده مخالفًا توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة، فيستعمله حينئذ...
لملاحظة المغالطة هنا يجب أن ننتبه إلى قول: «وما وجده مخالفًا توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة».
إذن، فما يخالف القرآن والسنة ليس كفرًا، ولا يجب تركه ونبذه، وإنما يتوقف فقط عن استعماله ريثما يفتح الله عليه (تعالى الله عن الخداع)، بنص يمكن تأويله بما يوافق المخالفة.
- ومن مغالطاتهم ومراوغاتهم قول الجيلي نفسه:
... ثم قال الإمام الأكمل: كل حقيقة لا يؤيدها شريعة فهي زندقة، يريد أن كل علم يَردُ عليك من الحقائق التي لا تؤيدها الشريعة، فاستعمال ذلك العلم زندقة منك؛ لأنك تفعل خلاف الشرائع؛ لأن الحقائق فيها زندقة، إذ ليس في الحقائق مسألة إلا وقد أيدها الكتاب والسنة...
أرجو من القارئ أن ينتبه إلى قوله: «فاستعمال ذلك العلم زندقة منك...»، وأن يحلل بنفسه المغالطة والمراوغة في هذه العبارة وفي النص كله.
- ومن أشهر مغالطاتهم قولهم بالدس عليهم، وهذا مثل منها:
يقول عبد الوهاب الشعراني:(/10)
... وكان (ابن عربي) متقيدًا بالكتاب والسنة... وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه، كما أخبرني بذلك سيدي الشيخ أبو الطاهر المغربي نزيل مكة المشرفة، ثم أخرج لي نسخة «الفتوحات» التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه، في مدينة قونية، فلم أرَ فيها شيئًا مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت «الفتوحات».
- جوابنا: لم يبين لنا القطب الرباني شيئًا من هذه المدسوسات، ثم إن كل ما في «الفتوحات» يدور حول وحدة الوجود، إما تصريحًا، أو بالعبارة الصوفية، ولو حذفناها لما بقي من «الفتوحات» شيء! فما الذي يمكن أن يدس عليها؟ وهل يحتاج البحر الميت إلى دس الملح عليه ليغدو ملحًا؟؟ ثم إن الفتوحات لا يطبعها إلا المتصوفة وأقطابهم، ولا يهتم بدراستها إلا المتصوفة وأقطابهم، فلِمَ لا يحذفون هذا المدسوس؟... والأسئلة كثيرة.
- ويتمم الشعراني مراوغاته:
وقد دَسَّ الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائغة، ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته.
وكذلك دسوا على شيخ الإسلام مجد الدين الفيروز آبادي صاحب «القاموس» كتابًا في الرد على أبي حنيفة وتكفيره، ودفعوه إلى أبي بكر الخياط اليمني البغوي، فأرسل يلوم الشيخ مجد الدين على ذلك، فكتب إليه الشيخ مجد الدين: إن كان بلَغك هذا الكتاب فأحرقه فإنه افتراء من الأعداء، وأنا من أعظم المعتقدين في الإمام...
الجواب على هذا الكلام (مع غض النظر عن صدقه أو كذبه):
عرف أصحاب أحمد بن حنبل العقائد الزائفة المدسوسة فنبذوها، ولم يبق لها أثر، فلِمَ لا تفعلون مثل ذلك وتنبذون ما في كتب المتصوفة من وحدة الوجود وأساليب التقية وخداع المسلمين؟؟ لِمَ لا تفعلون ذلك؟ إذ لو فعلتم ذلك لأصبحت كتب الصوفية شبه بيضاء.
- يتمم:(/11)
وكذلك دسوا على الإمام الغزالي عدة مسائل في كتاب «الإحياء»، وظفر القاضي عياض بنسخة من تلك النسخ فأمر بإحراقها.
وكذلك دسوا عليَّ أنا في كتابي المسمى بـ «البحر المورود» جملةً من العقائد الزائفة وأشاعوا تلك العقائد في مصر ومكة نحو ثلاث سنين، وأنا بريء منها...
- نقول: بمثل هذا يخادعون الذين آمنوا ويغالطونهم ويستجرونهم إلى ظلمات التصوف، أو على الأقل يوهمونهم أن المتصوفة مظلومون مكذوب عليهم، والقول بأنهم دسوا على الغزالي مسائل في «الإحياء» هو كذب، وقوله: إنهم دسوا عليه في «البحر المورود» هو كذب، ومثل هذا الكذب يدل على أن قائله لا يخاف الله ولا يرجو اليوم الآخر، مع العلم أن كتاب «الإحياء» الذي أمر القاضي عياض بإحراقه هو نفس هذا المتداول بين الأيدي الآن.
- ومن أبشع مغالطاتهم ومخادعاتهم في كتبهم التي يترجمون فيها لأعيانهم، أنهم يوردون قبل كل شيء أسماء كبار الصحابة على أنه من أولياء الله المتصوفة ثم يوردون أسماء كهانهم، ويخلطون معهم علماء أجلاء مثل ابن حنبل أو الشافعي أو الثوري أو العز بن عبد السلام أو ابن الجوزي أو غيرهم، فيوهمون الغافلين ويستجرونهم إلى أحضان إبليس.
- وهذا نص من كتاب حديث العهد، قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره:
«ولما كان أهل الله هم أهل الرحمة الواسعة، وهم أهل الفتوة والشفقة على عباد الله عامةً، فما بالك بمن وقع فيهم من الأمة المحمدية خاصة، سواء كان هذا الوقوع منهم عن قصد أو خطأ في الاجتهاد، فإلى الإمام ابن تيمية ومقلديه مِن أصحاب سوء الظن بعباد الله، أنقلُ هذه العبارة من «الفتوحات المكية» الجزء الأول الصفحة 616:
يقول الشيخ الأكبر: «إن من فتوة أهل هذا الطريق ومعرفتهم بالنفوس أنهم إذا كان يوم القيامة، وظهر ما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم هنا في الدنيا..».(/12)
- للقارئ أن يتسلى بتحليل هذا النص، لمعرفة ما فيه من افتراء على الله سبحانه ومخادعة ومراوغة ومناقضة للقرآن والسنة وتعالم بالغيب.
لكن هذا الإصرار على الكيد للإسلام والمكر بالمسلمين، بأسلوبه العميق الهادئ الأملس المتلوي الذي يحشو زعاف السم في برشامات جميلة المظهر مكتوب عليها: «أهل الله، أهل الرحمة، الشفقة على عباد الله..»، هذا الإصرار بهذا الأسلوب الخبيث يجعلنا نتوجه إلى الله سبحانه بقلوبنا وكل حواسنا سائلين إياه أن يهدي هذه الطائفة الضالة المضلة، أو أن يكبتها فيقف كيدها ومكرها بالإسلام والمسلمين.
- ومن الملاحظات: يتحدث عن أهل الله الذين هم أهل الرحمة... والجواب:
نعم يوجد في بني آدم مَن هم مِن أهل الله ومن أهل الرحمة.. ولكن ما هو برهان هذا الدعي أنهم هم المتصوفة؟ وهل تكفي وسوسات إبليس للبرهنة على ما يدعيه؟!
- ثم هو يهاجم بأسلوب فيه نعومة أولئك الذين يسميهم: «أصحاب سوء الظن بعباد الله..»، والجواب:
إن الذين يحكمون على التصوف بأنه مستنقع الكفر والزندقة والضلال، إنما يعتمدون في ذلك على النصوص المبينة من القرآن والسنة، وعلى مخالفة الصوفية الواضحة وضوح الشمس في رائعة نهار مشرق لهذه النصوص، جملةً وتفصيلاً، وعلى التزام المتصوفة بالكذب الفاجر الذي لا حدود له، عندما يقولون دون خوف من الله تعالى ولا خجل من عباده: إنهم ملتزمون بالقرآن والسنة! بينما هم في الحقيقة ملتزمون بهلوسات الجذبة التي يسمونها الكشف.
فهل المسلمون الذين يبينون للناس هذا المنكر الماحق، هم من أصحاب سوء الظن بعباد الله؟!
إن إحسان الظن واجب عندما يتعلق الأمر بمسائل شخصية بحتة..(/13)
أما إن كان يمس دين الإسلام وأمة الإسلام، فإحسان الظن والسكوت هما دخول في لعنة الله: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }.
وواجب المسلم العمل على إزالة المنكر، وواجب أصحاب المنكر أن يسرعوا في ترك المنكر مع التوبة الاستغفار، فإن أصروا على منكرهم وعلى الدعوة إلى منكرهم! فهل يستطيع مسلم يخاف الله ويرجو اليوم الآخر أن يحسن الظن بهم؟!
- ثم يورد المؤلف قول شيخه الأكبر: «إن من فتوة أهل... وظهر ما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم...» والجواب:
أ - إن تزكية النفس هي من كبائر الإثم: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينً }، { فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }، { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } .
ب - قوله هذا هو، على كل حال، أمر غيبي لا يُعرف إلا بنص من القرآن والسنة، ونصوص القرآن والسنة تحكم عليهم أنهم من أضل عباد الله.
- وهذا نص آخر من نفس الكتاب الذي قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره، يقول:
وكان الشيخ أبو مدين... إذا قيل له: قال فلان عن فلان عن فلان، يقول: «ما نريد نأكل قديدًا، ائتوني بلحم طري»، وفي رواية: «أطعمونا لحمًا طريًّا، كما قال الله تعالى: { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّ } ، لا تطعمونا قديدًا».
يعلق المؤلف فيقول: أي لا تنقلوا إلينا إلا ما يُفتح به عليكم في قلوبكم، لا تنقلوا إلينا فتوح غيركم...(/14)
- الجواب: نستطيع أن نعرف المغالطة في هذا الأسلوب والمخادعة، إذا عرفنا أنهم يعتقدون أن الوحي الذي كان ينزل على محمد هو فتوح مثل فتوحهم.
- وكل كتبهم هي من مخادعاتهم ومراوغاتهم، وفي مقدمتها: «اللمع» (ولو أنصف لسماه الظلم)، و«إحياء علوم الدين» (ولو صدق لسماه إحياء علوم الكهانة)، و«الرسالة القشيرية» (رسالة الضلال والدجل)، و«الحكم العطائية» (التي هي نقم ضلالية كفرية)، مرورًا بكل كتبهم حتى الوصول إلى الحديث منها، وإلى ما سيؤلف في آتٍ من الزمن.
إن كل كتاب جديد يُؤلف في التصوف، إنما هو أسلوب جديد في المخادعة والمراوغة والدجل يقدمه مؤلفه ليدعم به مسيرة الكهانة في الأمة الإسلامية.
ومثلاً منها: كتاب من كتبهم الحديثة التي يقتنونها بنشاط، نرى عناوين فصوله كما يلي:
- التعريف: نقرؤه فلا نجد فيه شيئًا من التعريف، وإنما نجد جملاً دعائية يزينون بها الصوفية للقارئ ليخدعوه ويضللوه.
- الاشتقاق: نقرؤه فلا نجد فيه أي بحث علمي صحيح عن الاشتقاق إلا جملاً للدعاية للصوفية.
- ثم نقرأ – كما في كل كتبهم – فصولاً عما يسمونه المقامات، مثل التوبة والزهد الورع والتوكل... إلى آخر ما هنالك، وهي كما رأينا، لا علاقة لها بالطريقة ولا بالحقيقة، وإنما هي أساليب دعائية يزينون بها الدعاية للصوفية بأسلوب ماهر ذكي يخدعون به القارئ الذي يجهل ما هي الصوفية.
- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة، إيرادهم قصصًا عن بعض شيوخهم تظهر تمسكهم بالإسلام أو ببعض سننه، وكيف أنهم ينفرون من الإخلال بالآداب الإسلامية، ويجعلون هذا دليلاً على صحة الصوفية.
والجواب: إن التمسك بالتعاليم الإسلامية وسننها وآدابها هو من الإسلام وليس من الإشراق، والتمسك بالإسلام وآدابه لا يجعل الإشراق إحسانًا، ولا الزندقة إيمانًا، وهم عندما مزجوا الإشراق بالإسلام أساءوا إلى الإسلام ولم يغيروا شيئًا في الإشراق.(/15)
- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة: ذكرهم لبعض الطرق التي عمل بعض أتباعها أو مشايخها على نشر الإسلام بين عير المسلمين، أو قاتلوا الاستعمار وجاهدوا لإعلاء كلمة الإسلام.
والجواب على هذا مثل الجواب على سابقه، هو أن العمل على نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله هو من تعاليم الإسلام ولا علاقة له بالإشراق، ويبقى الإشراق زندقة وكفرًا ولو جاهد أصحابه في سبيل الله، ويبقى مزج الإشراق بالإسلام ضلالاً بعيدًا وإساءة كبرى للإسلام وتدميرًا للعقيدة في نفوس المسلمين، وهل يصبح الزنا (مثلاً) ولاية إذا مزجه مازج بالإسلام؟!
* الوحدة المطلقة:
الوحدة المطلقة هي التصريح بوحدة الوجود بالعبارة المطلقة، أي غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز، وهذا هو الكفر والزندقة عندهم؛ وهم لا يعنون بالكفر والزندقة الخروج من الولاية والصديقية، لا، وإنما يعنون بها أنها كفر وزندقة بالنسبة للشريعة (التي هي الظاهر) لا بالنسبة للحقيقة، إذ هي عندهم، بالنسبة لحقيقتهم، ولاية وصديقية وقرب ومعرفة لكن يجب أن تبقى مكتومة وألا يعبر عنها إلا بالعبارة الصوفية، وهم في واقع الأمر يستعملون عبارة «الوحدة المطلقة» للخداع والتضليل والتهرب من سيف الحلاج.(/16)
وقد مر معنا قول قائلهم: إن الجنيد والشبلي أفتيا بزندقة الحلاج وبقتله، وهما يعلمان أنه ولي الله حقًّا، كما رأينا قول عارفهم الغوث: «وبويعت في الحضرة على التباعد عن أناس ابتُلوا بالانتقاد والاعتراض على أولياء الله تعالى، وذلك فيما يقبل التأويل» وهو يعني بهذا أن العبارة الصوفية يجب أن تكون قابلة للتأويل ليمكن بذلك خداع المسلمين! أما إن لم تكن قابلة للتأويل فالذنب ذنب الصوفي عندئذ؛ لأنه سيكون من أهل الوحدة المطلقة، الذين لا يُقيدون عبارتهم بالإشارة والرمز واللغز التي تجعل التأويل ممكنًا، والتي هي مجن الطريقة البرهانية الغزالية التي تترست به، استطاعت أن تخدع المسلمين وعلماء المسلمين طيلة تسعة قرون أو تزيد، واستطاعت بذلك أن تصل إلى غاية إبليس من ورائها بتحريف العقيدة الإسلامية في النفوس، ودفعها إلى التخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، وإيصال المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من فساد وضياع.
ومثال ممن يقولون عنهم إنهم من أهل الوحدة المطلقة «ابن سبعين» لمثل قوله:
كم ذا تموه بالشعبين والعلم *** والأمر أوضح من نار على علم
فهو يطلب ترك التمويه بالإشارة والرمز (كم ذا تموه بالشعبين والعلم)، ويدعو إلى الصدع بحقيقتهم التي هي في نظره أوضح من نار على علم، وقولهم عنه إنه من أهل الوحدة المطلقة لا يعني مطلقًا أنهم لا يعتقدون بولايته العظمى وقطبيته، هذا إن لم يكونوا يعتقدون بغوثيته.
ومثله عمر بن الفارض، لمثل قوله:
وصرح بإطلاق الجمال ولا تقل *** بتقييده ميلاً لزخرف زينة
وكلنا يعلم أن عمر بن الفارض عندهم هو سلطان العاشقين، حتى قال فيه شاعرهم:
لم يبق صيب مزنة إلا وقد *** وجبت عليه زيارة ابن الفارض(/17)
ومن المشيخات الصوفية التي يجعلونها من أهل الوحدة المطلقة «الطريقة السبعينية»؛ لأن ذكرهم كان: «ليس إلا الله» بدلاً من: «لا إله إلا الله»؛ لأن عبارة: «ليس إلا الله» تصرح بوحدة الوجود، ولا تقيدها بالإشارة والرمز واللغز.
وأُعيد القول: إنهم يعنون بعبارة «الوحدة المطلقة» أي الوحدة غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز.
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 713 – 731 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(/18)
مناقشة الجذبة وأحلامها وخرافاتها
من المفيد، قبل الدخول في مناقشة الجذبة، أن نلقي نظرة سريعة على مفعول المخدرات: الحشيش والأفيون والكوكائين وعقار الهلوسة (إل، إس، دي، 25) وغيرها.
* من تأثير الحشيش:-
يقول الدكتور محمد رفعت (نقلاً عن أحد الباحثين يصف تجربته مع الحشيش):.... أحسست كأن جسدي يتحلل أو يذوب.. بدوت وكأنني شفاف تمامًا.
جفون عيني تطول إلى ما لا نهاية، هذه الجفون ما لها تسقط وحدها هكذا ككرات من ذهب، سرعتها تثيرني، ألوان جميلة تحيط بي، هل أنا أنظر في منظار سِحري صغير يقدم تلك الأشكال الزخرفية الملونة...
... إن سمعي أصبح فجأة حادًّا تمامًا.. إنني أستمع إلى صوت الألوان، كنت لا أستطيع أن أسمع للألوان صوتًا من قبل.. الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء لها موجات صوتية تصلني وأميزها بوضوح.. أ هـ.
هنا نسأل الأولياء الذين ذاقوا الفناءات وتحققوا بالأسماء، أليست هذه الرؤى، وما بعدها، هي صور من مكاشفاتهم؟
ويقول نفسه:
والحشاش قد يقنع نفسه بقدرته على إيجاد حل لكل مشكلة، وهذا طبعًا نتيجة ما يعتريه من هبوط في المراكز العصبية العليا، ومنها حاسة التقييم والتقدير، فيظل يَهِم في آفاق وتصورات كلها سراب خادع وضلال مبين....أ هـ.
- لنتذكر هنا قول الصوفية عن كشوفهم: إنها حق اليقين وعينه ونوره، وعن أنفسهم: إنهم العارفون الذين عرفوا الأمور على ما هي عليه..
ويقول: عندما يتعاطى الشخص الحشيش لأول مرة فإنه يشعر بهذه الأعراض:
ارتعاشات عضلية في جسمه… إحساسات جسمية خاطئة أو وهمية.. مثل الشعور بطول في الأطراف.. اضطراب في الحواس، خصوصًا السمع والبصر. ا هـ.
- لنتذكر وصف عبد العزيز الدباغ لمبدأ حاله بالجذبة.(/1)
ويقول: الآثار النفسية لإدمان تعاطي الحشيش: اضطراب الحواس، خصوصًا السمع والبصر، فتصبح الحواس حادة للغاية، إلا أن المدركات كلها تبدو في صورة مغايرة ومحرفة، سواء من ناحية الشكل أو اللون، كما يعاني المدمن من الهلاوس… فيرى أشكالاً ويسمع أصواتًا ليس لها وجود مادي، كما يعاني من خداع الحواس… فإذا رأى حبلاً ظنه أفعى، وإذا رأى كلبًا خُيل إليه أنه أسد… وهكذا…
واختلال إدراك الإنسان للزمان والمكان، فيبطئ إحساس الإنسان بالزمن… فإذا قضى دقائق في عملٍ ما، يخيل إليه أنه قضى فيه ساعات طوال… أما بالنسبة للمسافات فإنها تطول جدًّا… فإذا سار عشرة أمتار خُيل إليه أنه قطع عدة كيلو مترات..
اضطرابات في التفكير تؤدي إلى اختلال في حكم الشخص على الأمور…
بطء شديد في عمليات التفكير بسبب التخدير الذي يشمل قشرة المخ، ويدفع الإنسان إلى عدم الاكتراث بما حوله، ويفقد المبادأة.. كما يعطل مراكز الضبط والتحكم وتمحيص الأمور.. مما يجعل المتعاطي قابلاً للإيحاء…
اضطرابات وجدانية، فيشعر المتعاطي بشعور زائف بالسعادة الوهمية… وإحساس بالرضا والراحة.. يل أحيانًا إلى درجة النشوة.. إلا أن هذه السعادة الزائفة تحمل في طياتها وسائل التدمير لشخصية الإنسان. ا هـ.
وسُئل حشاش: بماذا تُحس وأنت تُحشش؟ فأجاب:
أحس بفرح، وربما بحزن، وقد أضحك كثيرًا، أو أبكى كثيرًا، حسب الحالة التي تجلبها الحشيشة، فليست كل الحالات سواء، ولكنني أشعر بحاجة إلى الهدوء… مرة شعرت بأنني أسابق السيارة المنطلقة في الشارع، بينما كنت جالسًا في مكاني! والحالات مختلفة على كل حال. ا هـ.
- نعيد نفس السؤال موجهًا للأولياء المكاشفين: أليس مثل هذا ما يشاهدونه في مكاشفاتهم؟ وخاصة الفرح والحزن، اللذين يسمونهما «البسط والقبض»، وكذلك طول المسافات، وطول الزمن، والشعور بالسعادة، والوصول أحيانًا إلى درجة النشوة؟…
* من تأثير الكوكائين:-
يقول الدكتور محمد رفعت:(/2)
ولعل أغرب مظاهر الشذوذ الحيوي في جسم المدمن، الهلوسة التي تصيب جلد مدمن الكوكائين.. إلا أن المدمن هنا يحس وكأن آلاف القمل والبراغيث وشتى أنواع الهوام تنهش في جلده، وتجري تحت جلده مباشرة..
والكاثين ضئيل الأثر، ويشبه الكوكائين في إحداثه نوعًا من الخدر أو التنميل..
ويقول أحد الباحثين (دكتور لوغر):
يشعر مدمن الكوكائين بآلاف الهوام تدب على جلده وداخل جسمه، ويحس بلدغات مئات القمل والبق و… إلخ. وبظاهرة حسية غريبة ما اعتادت المخدرات الأخرى توليدها، تبلغ هذه الظاهرة حدًّا يرى فيه المدمن حشرات لا وجود لها على جلده فيأخذها متوهمًا ويحبسها ويضعها في علبة، حتى إنه ينظر إليها بمكبرة، ويا لغرابة الأمر… إنه يراها وقد تجسمت أمام عينيه كما لو أنها موجودة فعلاً، وغالبًا ما يلاحق مدمن المخدرات هذه الطفيليات المزعجة يبحث عنها على الأبواب وفوق الكراسي وفي الفراش وبين الأظافر وفي جميع أجزاء جسمه وحتى داخل فمه ومنخريه وأذنه، وقد يغدو هذا النمط من الهذيان والهراء (الهلوسة) جماعيًّا.. إذ لا غرابة أن تجد مدمنين اثنين يبحث كل منهما عن هذه الهوام على جلد الآخر مخففًا عنه العذاب على حد اعتقاده.
* الملاحظة:
لننتبه إلى أنه يرى حشرات وقد تجسمت أمام عينيه، حتى إنه ينظر إليه بمكبرة.. أي: يرى ما لا وجود له في الحقيقة، وكذلك الرؤى الكشفية.
· من تأثيرات عقار التهليس (L.S.D.25):-
يقول محمد رفعت:
وهذا العقار يعتبر من السموم الكبرى ذات الأثر العميق فيما يتعلق بانتقال المتعاطي من عالم الهلوسة والهذيان، وهم يُطلقون عادة على الحالة الجديدة للمريض المدمن اسم (رحلة)، وهذه الرحلة لا يلزمها الكثير من هذا السم الزعاف، إذ يكفي من 200 إلى 400 ميكروغرام.(/3)
وبعدها يكون الرحيل إلى سفر يستغرق ثماني ساعات من الزمن يتخيل المريض وكأنها رجلة عمر كامل من الهلوسة والهذيان والتخيلات التي يسودها اللامعقول والإثارة الحسية، والنشاط الحيوي المزعوم بينما يكون المدمن في واقع الأمر جثة هامدة طيلة السفر بعد الرحيل...
... وتختلف آثار هذا العقار على الإنسان باختلاف شخصيته، وتركيبه النفسي، وكذلك باختلاف الجو العام الذي يتم فيه التعاطي، وهذه بعض الأعراض (لتعاطي 3 ميكروغرام):
- زغللة بالعينين، واضطراب في شكل المرئيات، وظهور بعض الأشياء التي لا تحمل أي معنى، كعلامة في الحائط مثلاً، كما لو كانت كلمات مفهومة مثلاً، أو وجه إنسان، أو أي شيء آخر له معنى.
- هلاوس بصرية... أي رؤية أشياء ليس لها وجود مادي.. فيكفي أن يتخيل الفرد شيئًا أو يتمنى رؤيته، حتى يراه أمامه مجسمًا، وبالألوان الطبيعية أيضًا.. فهلاوس هذا العقار تتميز بأنها تظهر بالألوان، عكس هلاوس الحشيش والأفيون التي تظهر أبيض وأسود فقط، (في الواقع، هلاوس الحشيش والأفيون ليست واحدة عند كل الأشخاص فمنها ما يكون بالألوان الطبيعية).
- اضطراب في إحساس الفرد بالزمن... فقد يتوقف الزمن تمامًا، أو يمر ببطء شديد.. وقد يسرع جدًّا، فيبدو كأن آلاف السنين قد مرت في لحظات.
- توقف كامل للنشاط العقلي.. فيصبح من الصعب على الإنسان أن يبت في أي أمر، أو يفكر في أي مشكلة، أو حتى يقوم بالعمليات الحسابية البسيطة.
- إحساس زائف بالراحة والسعادة الدافقة.. أو يحدث العكس تمامًا.. فيشعر الإنسان باكتئاب شديد ورعب.. (لنتذكر البسط والقبض).(/4)
ولكن أعجب شعور يمكن أن يحسه الإنسان هو ذلك الشعور بتداخل الحواس... عندما يتداخل السمع مع البصر مع الشم مع الذوق مع اللمس، فينتج عنه ذلك الخليط العجيب من الحواس الذي يعتبر من الأعراض المميزة لعقار الهلوسة... عندما يسمع الإنسان لون الورد، ويشم صوت الموسيقى، ويرى الطرق على الباب، ويشم جرس التلفون.. إلخ.
- وهنا نعيد السؤال، نوجهه إلى أي صوفي مكاشف: أليست رؤاه الكشفية مثل هذه الرؤى الهلوسية؟ يمر بفكره شيء فيراه مجسمًا أمامه؟ يحسب اللحظات سنين طويلة؟ ثم الرؤى الناتجة عن تداخل الحواس؟ وغيرها؟
ومما يذكره مكتشف العقار (هوفمان) عن تجربته له.
يقول: وجدت نفسي عند العصر مجبرًا على التوقف عن العمل.. فأغمضت عيني.. لأرى، كما يرى الناظر في المنظار السحري، عرضًا لسبحة لا تنقطع من صور عجيبة مجسمة وغنية بألوان غير عادية، وقد دام ذلك العرض ساعات عديدة... ا هـ. (أليست رؤى الجذبة هكذا؟).
ومما حدث له، في تجربة ثانية:
بعد أربعين دقيقة، شعر بدوار خفيف وإثارة واضطرابات في الرؤية ونوبات حمقاء من الضحك ما استطاع لها ردعًا... كانت الوجوه تبدو له كأقنعة مضحكة... وأكثر ما أدهشه هو التلون الشديد الذي كانت تتلون به الأشياء ويتلون به الأشخاص، وعلى خلفيات يسيطر فيها اللونان الأخضر والأزرق كانت تضطرب ألوان ذات صفاء ولدونة مدهشين، كان كل شيء ينقلب إلى ألوان، حتى إن أصوات البوق الآتي من الشارع كان يراه كشعاع ملون، وكانت المشاهد تترى، كان يرى نفسه يومئ، ويصمت ويتحرك.
* من تأثير الهروئين (من مشتقات الأفيون):-
الهروئين، يحمل الإنسان إلى جنان خيالية، وخيالات من نوع أنه أصبح من الملائكة، أو أنه أصبح نبيًّا، أو أن له موعد مغازلة مع القمر (الذي هو الشمس)، ثم يدفعه ذلك أن يتصرف حسب تصوره هذا، فيحاول الطيران من أعلى البناية باتجاه السماء، فيسقط على الأرض وتتهشم ضلوعه..
* من تأثير الإيتير:-(/5)
يقول أحد الذين جربوه (الكاتب الفرنسي غي دوموباسان):
كان أول ما شعرت به همسًا خفيفًا ناعمًا ومهدهدًا، ثم ما لبثت أن لاحظت بأن جسمي أخذ يخف... أخذ يخف ويخف، حتى بدا لي فيها كما لو أنه كان يتبخر، أحسست بأنه لم يبق لي من جسمي سوى الجلد... لم يبقَ سوى ما يكفي لأشعر بلذة العيش، بأن أشعر بأنني أتأرجح في هذه السعادة التي تغمرني... ما كنت أرى أحلامًا كالتي يسببها الحشيش، وما كان ذهني يمتلئ بالرؤى التي يسببها الأفيون، لقد كان إحساسًا بحدة ذهنية كبيرة، إحساسًا بشكل جديد من الكينونة والتفكير والإحساس والحكم على الحياة، إحساسًا بالاقتناع بأنني كنت أدرك عندئذ الواقع الحقيقي للعالم... كان يبدو لي بأنني تذوقت ثمرة شجرة الحياة، وأن كل الأسرار تنكشف أمامي...
وهنا أيضًا نتوجه إلى أي صوفي وصل إلى مقام الجمع، وذاق الفناءات، ونسأله: أليست هذه الحالة وهذا الشعور والهمسات المهدهدة الناعمة تشبه ما ذاقه أثناء فناءاته وما سمعه من خطابات توهمها إلهية، وذلك الإحساس الزائف بأنه صار يدرك واقع العالم؟.
* من تأثير فطر المكسيك المقدس:-
قام بالتجربة شخص اسمه (آلان ريشاردسن) مع رفيق له اسمه (غوردن واسن): وقد تمت التجربة في أعالي المكسيك بين الهنود الأصليين:
كانت الغرفة مظلمة ومزدحمة بالناس، كانوا جميعًا هنودًا مكسيكيين... وكانت هناك كاهنة تغني مُلوحة بالفطر في دخان لهب نار تتقد في المذبح لتطهر الفطر من أدرانه فيغدو جاهزًا للتناول.
قدم الهنود للرجلين اثني عشر فطرًا مطهرًا فأخذا يأكلانها... لكن الكاهنة انبرت تغني بمزيد من النشاط، مصفقة بطريقة غريبة وبلحن مهدهد، وفجأة دار «ريشاردسن» نحو رفيقه هامسًا في أذنه بأنه يرى أشياء غريبة، فأجابه «واسن» إن الرؤى ستترى، وإنك ستراها سواءً أسدلتَ جفنيك أو فتحتَ عينيك.(/6)
بدأت الرؤى تظهر رسومًا فنية، كسجادة تبرق بزينتها وتتألق، ثم تتحول إلى قصور وباحات وأقواس وحدائق... تراءى لريشاردسن حيوان أسطوري يجر عربة ملكية ذات عجلتين، ثم بدت له الجدران وكأنها تنحل... وأحس بروحه تطفو.. وشعر بأن نظره يحيط بفراغات لا متناهية... كان يرى نماذج من الأفكار الأفلاطونية، وصورًا غير كاملة للحياة اليومية... ا هـ.
- السؤال: أليست هذه الرؤى هي نفس ما يراه الأولياء العارفون المكاشفون؟ مع العلم أنه لو كان جلوسه في مكان غير الغرفة المظلمة، أو لو كانت ثقافته غير ثقافته، لأمكن أن تتغير رؤاه قليلاً أو كثيرًا.
ويقول الدكتور صلاح يحياوي:
يستهلك سكان بولينزيا «الكافا» بكميات كبيرة ليعيشوا دائمًا تقريبًا في رؤى جنة صنعية يهيؤها لهم هذا المخدر... ا هـ.
- ونفس السؤال إلى نفس الأولياء المكاشفين: أليست هذه الهلوسات هي نفس الهلوسات التي تهيؤها لهم جذباتهم؟
- كيف كان الناس ينظرون إلى المخدرات؟
يقول الدكتور صلاح يحياوي:
... كان من المعروف بأنهم (الكهان) كانوا في طقوس «المسارة» يستخدمون مخدرات ما كان يعرفها غيرهم، وبذلك كانوا يعمرون أذهان المبتدئين بأحلام مرعبة وواضحة إلى درجة كانت تجعل هؤلاء يعتقدون أنها واقعية.
... كان «باراسلو» يحمل الأفيون دائمًا معه، مطلقًا عليه اسم «حجر الخلود».
... ففي القرن الحادي عشر، وبعد ثلاثمائة عام من نشر العرب لاستخدام الأفيون، بدأ يظهر ثناء العامة وإطراؤهم على هذا المخدر، فكانوا يتغنون به كـ «شراب الآلهة».
... لقد أكد الإينكا (سكان البيرو الأصليين) للأسبان بأن الكوكا (منها يستخرج الكوكائين) نبتة إلهية أوصى بها الإلهان «مانوكو كاباك» وزوجته «ماما أوكيو».
لقد خصت هذه الصفة الإلهية، والتي لازال بعض هنود أمريكا الجنوبية يؤمنون بها، خصت حكام الإينكا وحدهم بحق امتلاك مزارع هذه الشجيرة، ويقاسم الكهان الحكام هذا الامتياز.
ومما يذكره صلاح يحياوي أيضًا:(/7)
كانت جميع شعوب العالم القديم تعرف هذا المخدر (الحشيش)... وقد أحاطت الهالات خواصه، فنسب إليه الهندوس أصلاً إلهيًا، فقالوا بأن الإله «فيشنو» قد نصح جميع الآلهة الصغار وجميع الشياطين بأن يجتمعوا في يوم حدده لهم للحصول على إكسير الخلود... وكانت النتيجة أن إكسير الخلود هو القنب الهندي الذي استخلص منه الحشيش..
* وملاحظات هامتان من المفيد إيرادهما:
يقول الدكتور محمد رفعت:
من الطريف أن نعرف ماذا يفعل المخدر بالإنسان... مع ملاحظة أن هذه الأعراض لا تظهر جميعًا في نفس الوقت ولا بنفس الشدة في جميع الحالات.. كمالا تظهر عند كل الناس.
ويقول الدكتور صلاح يحياوي:
... إن أفعالها (أي المخدرات) مطابقة لما يسببه الجنون في أطواره البدائية.
أقول: إن هذه الملاحظة الأخيرة التي يذكرها الدكتور صلاح يحياوي تدلنا على أن باستطاعة الجسم أن تتولد فيه مادة تفرزها غدة ما، لها نفس مفعول المخدرات، وهذه المادة هي التي تسبب الجنون.
وقبل الانتقال إلى الفصل التالين نسأل أي صوفي فتح عليه فوصل إلى الجذبة ورأى الكشوف وذاق الفناءات، أليست هذه الرؤى والمشاهدات الهلوسية التحشيشية هي صورًا مشابهة لرؤاه ومشاهداته في جذباته ومعارفه المتوهمة؟
إن كان الصوفي الذي سيُسأل هذا السؤال صادقًا مع الله تعالى ومع الناس ومع نفسه فسيقول الحق ويعترف أنها شيء واحد، وإن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ويرجو رحمة الله ويخاف عذابه فسيتوب ويرجع ويحاول إصلاح ما أفسد، وإلا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، وليعلم أن عليه آثام من استجرهم والمستجرِّين بمن استجرهم إلى يوم القيامة.
ويجب أن لا ننسى أن الحشاشين لو كان لهم شيخ يوجههم لكانت مشاهداتهم مطابقة كل المطابقة لمشاهدات الصوفية في فتوحهم وكشوفهم وفناءاتهم، وذلك؛ لأن من لا شيخ له فشيخه الشيطان (لكن من هو الشيطان؟).
مناقشة الجذبة:(/8)
لنناقشها أولاً على ضوء القرآن والسنة:
يدعي الصوفية، دون خوف من الله، أن رياضتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، هي الطريق إلى الله سبحانه ومعراجهم إليه؛ لأنها توصلهم إلى الجذبة ويعتقدون أن الله سبحانه يجذب بها العبد إليه، ولذلك سموها الجذبة، ومفهوم لفظ الجلالة «الله» عندهم يعني- كما أصبح واضحًا الآن – كل الموجودات بما في ذلك ذواتهم، ومعنى «يجذبهم إليه»، أي: يزيل عنهم الحجاب، الذي هو الوهم بأنهم غير الله، ويبعدهم عنه، ويجذبهم إلى استشعار الألوهية في أنفسهم، أي: يشعرون أنهم الله «سبحان الله»، ويشاهدون أن كل شيء هو الله، وهذا هو ما يسمونه الوصول إلى الله، والجذبة هي الولاية والصديقية ... الخ، وهي عندهم حال يتدرج ويمر بأطوار من الرؤى والمشاهدات المختلفة والاستشعارات حتى تصبح مقامًا.
ففي باديء الأمر، قد يصل السالك إلى الجذبة بعد رياضة، طويلة أو قصيرة، لكن الجذبة تزول بسرعة ثم لا تعود إلا برياضة مثل الأولى، أو أكثر أو أقل، فالولاية هكذا هي حال.
ومع المثابرة يصل إلى درجة يقع فيها في الجذبة بشيء من الذكر، وتطول مدتها، فتكون ولايته هنا مقامًا، ويصير وليًّا صديقًا مقربًا.. مقيمًا إذا صارت الجذبة دائمة.
فهل في هذا التصور شيء من الصحة؟
الجواب : لا للأسباب التالية:
1- إن كون الجذبة ولاية وصديقية وقربًا و.. هو، في أحسن الحالات، أمر غيبي لا يعرف إلا بنص من الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، أي بنص من القرآن والسنة الصحيحة، ولا وجود لمثل هذا النص، إلا ما كان من تأويلاتهم الباطلة وافتراءاتهم الظالمة. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ }.(/9)
2- إن ادعاء الولاية والصديقية هو هو تزكية النفس على الله، وهو من كبائر الإثم: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاًً. انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينً } و{ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }.
وكذلك اتهام الآخرين بالولاية والصديقية هو من كبائر الإثم؛ لقوله سبحانه مخاطبًا رسوله { {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إِلَي } ولغضب رسوله عندما سمع صحابية جليلة تزكي صحابيًا جليلاً، فقال لها: «والله ما أدري ما يفعل بي وأنا رسول الله» ثم أقرها عندما قالت: «فلن أزكي بعدها على الله أحدًا»، أي إنه صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن لا نزكي على الله أحدًا.
وهكذا كان فهم الصحابة الكرام، فهذا علي بن أبي طالب يثني على عبد الله بن مسعود فيقول: «إنه لخيرنا، ولا أزكي على الله أحدًا» ! إن عليًا بن أبي طالب لم يزك عبد الله بن مسعود على الله !.
إذن، فتزكية النفس وتزكية الغير هما من كبائر الإثم، والإصرار على ذلك هو كفر بالقرآن والسنة.
وبذلك يكون الادعاء بأن الجذبة صديقية وقرب وولاية هو كفر بنصوص القرآن والسنة.(/10)
3- رأينا في الفصول السابقة أن السالك يدخل في الشرك الأكبر منذ الخطوة الأولى في طريق الصوفية، ثم يسير في طريق كلها بدع وضلالات وطقوس طاغوتية وتشبه بالكفرة ومخالفة للقرآن والسنة وتزوير لنصوصهما وافتراء على الله سبحانه، وخداع لعباده (بل ولنفسه أيضًا) بادعائه اتباع القرآن والسنة، وكذب على الله وعلى ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذب على الحقائق، وكذب على التاريخ والجغرافيا، واحتقار للعقل والعلم اللذين كرم الله بهما بني آدم، وتقديس للجهل والعته والجنون! ثم لم يكتفوا بهذا حتى مزجوه بالإسلام! فشوهوا الإسلام وحرفوه! وهنا الطامة الكبرى، وقد رأينا كل هذا في ما مضى من فصول الكتاب من نصوصهم وأقوال أقطابهم وعارفيهم وعلمائهم.
فهل يمكن لمسلم في قلبه إيمان بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر أن يعتقد أو يظن أن هذه الطريق هي الطريق إلى الله؟ أو أنها تقود إلى حق أو حقيقة؟
بل هل يمكن لذي عقل سليم كائنًا من كان، أن يعتقد أو يظن أن طريق إبليس هذه هي طريق السير إلى الله والعروج إليه؟ سبحان الله عما يصفون.
إن طريق الشيطان لا تقود إلا إلى مسارح الشياطين ومتاهاتهم.
والجذبة مسرح شيطاني ومتاهة إبليسية، وليست صديقية
4- إن الجذبة الإشراقية تشبه الجذبة التحشيشية الأفيونية تمامًا مظهرًا ومخبرًا وجملة وتفصيلاً، فإن كانت جذبة الصوفية ولاية وصديقية فجذبة التحشيش مثلها، ويكون الحشاشون والأفيونيون أولياء صدجيقين، ويكون الهيبيون هم الأبدال والأقطاب والأغواث.
* الخلاصة:
ليست الجذبة ولاية ولا صديقية، وإنما هي مسرح شيطاني، وكذب وباطل ما يدّعون.
وفي الجذبة تكشف لهم الكشوف ويتلقون العلوم اللدنية ويرون المناظر الغيبية والمشاهدات الإلهية، إلى آخر الهلوسات الجذبية.
فإلى مناقشتها وعرضها على الكتاب والسنة.
مناقشة أحلام الجذبة:(/11)
التي يسمونها: الكشف، أو العلوم اللدنية، أو المناظر الإلهية، أو المشاهدات (قبل البدء، أرجو من القاريء الكريم أن يعيد قراءة مفعول المخدرات، ويكرر قراءتها).
نستطيع أن نقسمها، من حيث مصدرها، إلى قسمين:
1- هلوسات فيزيولوجية: وهي تسربات من الأماني والمعلومات (الصحيحة أو المتوهمة) المختزنة في اللاشعور، تتسرب من مخازنها، لتنزلق مباشرة إلى مراكز التفسير الحسي في الدماغ، فما كانت منها صورًا بصرية، انطبعت في مركز التفسير البصري، فيراها المجذوب وكأنها ماثلة أمامه، سواء فتح عينيه أم أغمضها؛ لأنها لم تصله عن طريق العين. وما كانت منها صورًا سمعية، انطبعت في مركز التفسير السمعي، فيسمعها أصواتًا لا يعرف مصدرها بالضبط؛ لأنها لم تصله عن طريق الأذن. ومثلها ما كان صورًا شمسية أو ذوقية أو لمسية.
2- هلوسات شيطانية: يتراءى بها شيطان المجذوب أمامه، مستفيدًا من خاصة الجذبة في تضخيم الأطوال، أو ينفثها في لا شعوره، وهو الميدان الذي يستطيع الشيطان أن ينفث فيه وسوساته، لتتسرب منه إلى مراكز الحس في الدماغ، مثل بقية الهلوسات الفيزيولوجية.
لا يكون هذان القسمان منفصلين عن بعضهما، بل ممتزجين، إلا فيما ندر، وفي حالات كثيرة يمكن التمييز بينهما.
وإن تسميتهم لها المناظر الإلهية، أو الكشف، أو نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، أو غيرها مما مر في هذا الكتاب ومما لم يمر، ما هي إلا جهل مغرور، وافتراءات على الله الكذب، وضلالات موغلة في الجرأة عليه سبحانه وجل عما يفترون. والبراهين ما سبق وما يلي:-
1- أن الله سبحانه كرم الإنسان: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } عندما خلق فيه مراكز الوعي، ووهبه بها العقل وتوابعه، كالإدراك والفهم والعلم، ومنها التكاليف.(/12)
فالله سبحانه، عندما يخاطب الإنسان، فإنما يخاطب فيه العقل والوعي والشعور، وعندما أرسل الرسل بالدين والتكاليف، فإنما أرسلهم يخاطبون العقل والوعي والشعور. والآيات المبينة الدالة على ذلك كثيرة، منها:
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }.{ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ }. { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }. { لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }. { {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }. { وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.{ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }.{ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا }. { انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }. { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون }. { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُون }. َ{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ(/13)
يَذَّكَّرُونَ }...
والآيات كثيرة، كلها تبين أن الوعي في الإنسان هو الذي أعده الله تعالى لتلقي كلماته، وهو الذي أعده لفهم الحقائق وأدراكها، وخاطبه بالوحي، ليكون الوحي المرتكز الأساسي الذي ينطلق منه العقل الواعي في جميع ميادينه.
وعندما يكون الخطاب الإلهي موجهًا إلى الوعي والشعور، فهذا يعني أن الطريق إلى رضوان الله لا يمكن أن تكون إلا عن طريق الوعي والشعور التامين.
أما الشيطان، فاللاشعور في الإنسان هو ميدانه الذي يصول فيه ويجول، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، منها:
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ... مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ.مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }. { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا }. { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ }. { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ }. { وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ }...
وعلى ذلك لا تكون الجذبة فتحًا إلهيًا، بل استحواذًا شيطانيًا، ولا تكون هلوساتها نور اليقين ولا عين اليقين ولا حق اليقين، وإنما وحي إبليس وجنوده، ولا تكون مناظرها إلا مسارح الشياطين وهلوسات الحشاشين.
2- مر في بحث سابق الآيات التي تبين أن طريق الضلال لا تقود إلا إلى ضلال، وأن سبيل الشيطان لا تؤدي إلا إلى غرور { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورً }.
ورأينا ما هي الطريق إلى رؤية هذه المناظر وتلك الكشوف، إذن فهي كلها باطلة، وهي كلها شيطانية.(/14)
3- إذا كانت هلوسات جذبة الإشراق كشوفًا إلهية، فهلوسات جذبة المخدرات مثلها تمامًا؛ لأن الجذبتين شيء واحد، وكل ما بينهما من فرق أن المخدر في جذبة التحشيش يأتي من خارج الجسم بينما يأتي المخدر في جذبة الإشراق من داخل الجسم، والنتيجة واحدة في الحالتين.
وإذا كانوا يصرون على أن هلوساتهم هي فتوحات إلهية وعلوم لدنية فلم لا يختصرون الطريق ويوفرون الوقت والجهد؟ إذ بدراهم معدودة شراء شيء من الحشيش أو الأفيون أو عقار التهليس أو الايتير أو غيرها، وبثواني معدودة تشرق عليهم الأنوار، وتنكشف أمامهم الأسرار، ويعرجون في السماوات العلى ويتمتعون بالمحاضرة والمكاشفة والمشاهدة، ويذوقون معاني الأسماء كلها، ويتنقلون في الفناءات.. إلى آخر الهلوسات .
مادام كلا الطريقين إلى جهنم، فلم لا يتبعون الأقل مشقة ؟
4- بالرغم من أن كل الصفحات السابقة هي براهين ساطعة واضحة على أن رؤاهم هي هلوسات شيطانية، وأن فيها الكفاية وأكثر من الكفاية. ومع ذلك فهناك الكثير من الأدلة غيرها من كشوفهم وعلومهم اللدنية ومشاهداتهم... فإلى كشوفهم وعلومهم اللدنية ومشاهداتهم:
ولنبدأ بجبل قاف. ولنستعد قبل ذلك بعض خواص الجذبة:
- تضخم الأطوال (الجفون تطول إلى ما لا نهاية، والأطراف تطول والمسافات حتى يرى الأمتار طول ما بين المشرق إلى المغرب).
- رؤية أشكال وسمع أصوات ليس لها وجود.. وأحيانًا رؤيتها بمجرد تمنيها أو مرورها بالفكر..
- رؤية الحبل أفعى والكلب أسدًا.. وما شابهها.
ولا بأس من الرجوع إلى أول هذا الفصل لمراجعة المخدرات ومفعولها.
* جبل قاف :-
كان كثير من الأقطاب العارفين الأبدال يرونه (أثناء الجذبة طبعًا)، ويصعدون عليه، ويذهبون إلى ما وراءه، ويرونه محيطًا بالأرض، يبلغ ارتفاعه ثلاثمائة سنة (أي ما يزيد عن بعد القمر بأكثر من تسع مرات) ويرى بعضهم الحية المحيطة به (وبالتالي بالأرض) وذيلها عند رأسها...(/15)
كانوا يرون هذه الأمور بالكشف! بينما الآن، صار من البدهيات عند الجميع، حتى الصوفية، أن الأرض كروية، وقد دُرس سطحها كله إلى أعماق محترمة دراسة دقيقة؛ فقد دُرس سطح اليابسة بدقة بالغة، جبالاً ووديانًا وسهولاً وصحاري وبحيرات وأنهارًا، ودرست تربتها إلى أعماق تقاس بالكيلو مترات بدقة أيضًا. ودرست طبقات الأرض دراسة إجمالية، لكنها صحيحة، إلى أعماق تقاس بألوف الكيلو مترات، كما درست البحار كلها سطحًا وأمواجًا ومدًا جزرًا، وعرفت أعماقها بدقة، ووضع لقيعانها الخرائط الصحيحة، ووضعت الأسماء لما فيها من جبال ووديان ومنبسطات، أي إن سطح الأرض كله درس دراسة دقيقة إن لم يكن بالمتر المربع فبالكيلو متر المربع.
ويعرف الجميع أن جبل قاف محض خرافة لا وجود له، وأن الأبعاد التي قدروها له وللأرض، لا تدل إلا على جهل كامل بجغرافية الأرض، وجهل مخز بحساب المسافات، فكشوفهم لم تفدهم شيئًا، بل هي التي دفعتهم إلى وهدة الجهل الذي يتخبطون فيه.
ومادام جبل قاف لا وجود له! فماذا كانوا يرون إذن؟
الواقع، إنهم كانوا يرون بالكشف جبل قاف، والذين كانوا يرونه هم من الأقطاب الأبدال الأولياء العارفين! ورؤيتهم له بالكشف هي برهان ساطع قاطع جديد على صحة كل ما ورد في الفصول السابقة من أن الجذبة ليست إلهية وإنما تحشيشية، وأن كشوفهم ما هي إلا هلوسات الحشاشين وتمثيليات الشياطين!.
رأينا أن الخلوة عنصر أساسي في المجاهدة، وقد كانوا كلهم – أو أكثرهم – يعتزلون الناس في البراري أحيانًا وفي الخرائب أحيانًا، خوفًا من سيف الحلاج.
والخرائب ، كما هو معروف، هي بيوت خربة هدمت جدرانها، لكن بعضها، كما هو معروف أيضًا، يبقى حولها شيء من جدرانها المهدومة، بارتفاعات مختلفة (قامة أو نصف قامة أو أكثر أو أقل).
من البدهي، أن المرتاض الذي كان يرتاد الخرابات، كان ينتفي إحدى تلك الغرف الخربة المحاطة ببقايا جدرانها؛ لأن هذه البقايا تعزله عن رؤية الناس.(/16)
ومن البدهي أنه كان يسوي أرضها، أو جزءًا من أرضها، إلى حد يستطيع معه الإقامة عليه أثناء خلوته فيها.
ومن البدهي أيضًا أن كثيرًا منهم – إن لم يكن كلهم – وصلوا إلى الجذبة أثناء إقامتهم في تلك الخرائب، وأن بعض تلك الجذبات كان من النوع المضخم للأبعاد، فماذا كان يرى المجذوب في مثل تلك الحالة؟
- كأن يرى البقعة التي يقيم عليها أرضًا شاسعة واسعة، يقدر بوهم جذبته، أو بإيهام شيطانه له، أن طولها من الشرق إلى الغرب مئات السنين، ومن الشمال إلى الجنوب كذلك. ويرى بقايا الجدران التي تحيط بها، جبلاً شاهقًا ذاهبًا في السماء، يحيط بالأرض من جميع جهاتها.
وطبعًا كانوا يقصّون مشاهداتهم على بعضهم، وكانت قصة الجبل الشاهق المحيط بالأرض تتردد كثيرًا في مشاهداتهم وقصصهم، لكثرة خلواتهم في الخرائب.
وربما كان يخطر لأحدهم، على بال جذبته، أن يصعد فوق جبل قاف، فينهض، ويقترب من الجدار المتهدم، ويعتلي فوقه، فيرى نفسه قد قطع الدنيا بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، ويرى نفسه قد صعد فوق جبل قاف، بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، حسب المكان الذي صعد عليه.
وقد يهبط خلف الجدار المتهدم فيرى نفسه وراء جبل قاف، وقد يتراءى له شيطانه، وقد يكون معه رفقة شياطين آخرون، فيتسلون بالتلاعب بعقله والضحك على ذقنه، ويفهمونه أنهم أولياء مثله يقيمون وراء جبل قاف، أو يزورونه من حين إلى آخر، كما قد يكون هؤلاء الأولياء مرتاضين مثله يختلون في الخرائب المجاورة لخرابته، وقد يكونون مجرد صور هلوسية.
وقد يحدث لجذبة الفقير (على وزن حضرة الفقير) أن يرى خلف جبل قاف حية، أو حبلاً يتوهمه حية، فيراها طويلة طول ما بين المشرق والمغرب، وقد تكون هذه الحية وسوسة من شيطانه ينفثها في روع جذبته فيراها مجسمة أمامه.(/17)
وبما أنهم كانوا، لجهلهم، والجاهل عدو نفسه، وعدو دينه، يؤمنون أن كشوفهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، لذلك آمنوا أن الأرض محاطة من جميع جهاتها بجبل شاهق جدًا ! وعرف بعضهم بالكشف أن اسمه قاف، وانتشرت الأسطورة، وأخذت حيزًا هامًا من الثقافة العامة في المجتمعات الإسلامية حتى زمن قريب ! بل لا يزال كثير من الأبدال العارفين وعابديهم (المريدين) والمخدوعين بهم يؤمنون حتى الآن بجبل قاف.
وقد كانت الخرابات ضرورية لرؤية جبل قاف قبل أن يعرف، أما بعد ما شاع اسمه واشتهر واحتل مكانه من الثقافة العامة، فقد صار بإمكان الفقير أن يراه في أي مكان تأتيه فيه الجذبة، كما يرى بقية التخيلات والصور المختزنة في اللاشعور، (وسنرى توضيح هذا بعد صفحات).
إن رؤية جبل قاف وغيره من الخرافات، بالكشف، هي برهان واضح جدًا وساطع جدًا على أن كشوفهم هلوسات تحشيشية شيطانية، وليست فتوحات إلهية كما يفترون.
5- بقية كشوفهم الجاهلة: رأينا، فيما سبق من فصول ؛ نماذج كثيرة من كشوفهم التي سموها علومًا لدنية، وما فيها من جهل، ولا بأس من إضافة الملاحظات التالية:
أ- من كشوف الأقطاب الأغواث العارفين أن الأرض محمولة على حوت اسمه «نون»، والحوت على الماء المحيط.. إلى آخر الهذيان، ولم يستطع واحد من أولئك العارفين الذين عرفوا الأمور بنور اليقين – كما يقول حجتهم – أن يعرف أن ذلك هراء، وأن الأرض كروية مدحوة في الفضاء وأنها تدور حول الشمس، وأن ماءها خرج منها { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَ }، وهذا يعني أن الماء محمول عليها، وليست هي محمولة عليه، وهذا دليل على أن كشوفهم ليست إلهية، بل هي هذيانات هلوسية؛ لأنها لم تستطع معرفة الحقيقة ولا فهم الآية الكريمة.(/18)
ب- رأى قطب منهم الشمس في عجلة يجرها ملكان لهما مخالب... وهذا يذكرنا بالحيوان الأسطوري الذي يجر عجلة ملكية والذي رآه حشاش فطر المكسيك، ولم يستطع الكشف الجاهل ولا كل كشوفهم أن تعرفهم أن الشمس كتلة ملتهبة مضطربة تكاد تميز من الغيظ أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وأنها ليست محمولة على عجلة بل مدحوة في الفضاء. إذن فكشفهم ليس إلهيًا وإنما هو هلوسة هذيانية.
ج- لم يعرف أي قطب منهم أو غوث من الذين يتصرفون في الكون أن القمر مثل الأرض فيه صخور وأتربة، وأنه كروي خال من الهواء والماء! ولم يعرف عارف منهم أن المريخ والزهرة والكاتب وغيرها كلها مثل الأرض تتألف من صخور وأتربة وفيها أجواء غازية وفي بعضها ماء.. لأن كشفهم ليس إلهيًا بل هلوسات تحشيشية.
د- لم يستطع أي غوث منهم من الذين يتصرفون في الكون أو من الذين تحققوا بأسماء الله الحسنى، ومنها الاسم «العليم» ومنها «علام الغيوب»، أن يعلموا شيئًا عن الذرات والجواهر والنوى وكهاربها وحركاتها..؛ لأن كشفهم ليس إلهيًا بل هلوسة أفيونية يرون فيها ما كانوا يتوهمونه عن الكون من خرافات وأساطير.
6- لم يستطع كشفهم الجاهل أن يميز الحديث الموضوع من الصحيح، حتى كانوا وراء تزوير الأحاديث ووضع أكثر الموضوع منها والمكذوب، فكانوا من الأدوات التي هدمت الإسلام في نفوس المسلمين، إذن فكشفهم ليس إلهيًّا وعلومهم اللدنية هي جهالات لدنية.
ولا نريد أن نزيد، فما على القارئ الكريم إلا الرجوع إلى فصل «نماذج من حكايات الصوفية وكراماتهم...»، أو إلى كتبهم، ليرى ما يكشف عن الجهل والغباء والخرافة والاستحواذ الشيطاني، فحكاياتهم وكراماتهم أبلغ من أي حديث آخر.
ونذكر أن العروج في السماء، والفناء في الله (تعالى الله) وتوابعها، لا يستطيع شياطين الجن تمثيلها أمام السالك، أو العارف، أثناء اليقظة؛ لأن أجسامهم أصغر من أن تستطيع التمثل بتلك الأشياء الضخمة جدًا.(/19)
لذلك كانوا بحاجة إلى الجذبة وخواصها، وأحيانًا إلى الخاصة المضخمة لصغائر الأشياء تضخيمًا كبيرا؛ ليستطيعوا أن يوهموا الفقير بتلك الأمور ثم يوهموه أنه صار «عارفًا بالله» بينما هو في الحقيقة، صار من أجهل خلق الله وأضلهم، وصارت نفسه مركبًا ومسرحًا وملهاة للشياطين يعبثون فيها كما يريدون! .
فيزيولوجية الجذبة:
ما هي الجذبة؟ وكيف تحدث؟
من المعروف أن العمل العضلي المجهد يسبب إفراز مادة «حامض اللبن» في الدم الذي يوصله إلى أنحاء الجسم، وبملامسته للأنسجة العصبية يؤثر فيها تأثيرًا تترجمه الجملة العصبية إلى شعور بالتعب.
وشبيه بهذا ما يحدث نتيجة المجاهدة الصوفية.
لنسأل أي عالم صادق من علماء التشريح والفيزيولوجيا؟ وسيخبرنا أن العزلة والسهر والجوع والذكر الإرهاقي وتوابعها واستمرارها مدة طويلة تحدث ف يالجسم الإنساني تحريضًا يجعله يفرز مادة تؤثر على الجملة العصبية تأثيرات هدفها الأول التلطيف من شدة الألم الناتج عن تلك الممارسات.
فما هي هذه المادة؟ وما هو تأثيرها؟
يمكن معرفة هذه المادة بالتحاليل المخبرية الدقيقة، (وقد تفيد معها الفحوص الشعاعية والسريرية على أن تجري على عدة سالكين في أكثر من حالة صحو وأكثر من حالة جذبة لكل واحد منهم. وقد يكون من المفيد بدء الفحوص مع بدء سيرهم في التصوف).
ومع ذلك نستطيع، بصورة أولية، معرفة الوظيفة الكيميائية لهذه المادة من تأثيرها؟ إذ إن تأثيرها يشبه تمامًا تأثير المواد المخدرة، إذن فهي من نوعها، وهي بالتالي من أشباه القلويات.(/20)
لكن يظهر من تجارب القوم وتوصيات الشيوخ أن هذه المادة المفرزة، لا تؤثر على الأعصاب التأثير المطلوب إلا عندما تكون الجملة العصبية في حالة «الاستخدار»، ورأينا أن الوصول إلى هذه الحالة يكون بخلع النعلين، الدنيا والآخرة، أي بإفراغ مراكز الوعي في الجملة العصبية من جميع مشاغلها الدنيوية والأخروية! إفراغًا كاملاً ، حتى تصاب هذه المراكز، (بسبب تعطيلها عن العمل)، بالكسل والضمور والاسترخاء، أي «الاستخدار»، حيث تغدو قابلة للتأثر بكمية من المخدر أقل من الكمية التي يمكن أن تتأثر بها في الحالة العادية.
وهكذا يلتقي الهبوط الكافي في نشاط القشرة الدماغية ومقاومتها مع الزيادة الكافية في دفقة المخدر، فتكون الجذبة المورفينية التي يسمونها بغرورهم: الفتوح، أو كشف الحجب، أو الإشراق، أو الولاية ، وغيرها.. وما هي في حقيقتها إلا «أفْيَنَةٌ ذاتية» تشبه الأفينة التي يسببها الأفيون والمورفين والحشيش وعقار الهلوسة وفطر المكسيك وغيرها شبهًا كاملاً، مظهرًا ومخبرًا ومشاهدات وهلوسة وحالة نفسية.
ولو أُخضِع الذين يتعاطون هذه المهلّسات إلى إيحاءات الشيخ والجو الصوفي مدة كافية من الزمن، لصارت هلوساتهم مثل هلوسات الصوفية تمامًا: عروجًا إلى السماء، واجتماعًا بالملائكة والأنبياء، ووصولاً إلى العرش، وحضورًا مع الله (جل وعلا)، وفناءً فيه حلولاً أو اتحادًا أو وحدةً، حسب الإيحاءات التي يُحقنون بها.
وفي هلوسات الصوفية التي يسمونها الكشف والفتح والعلم اللدني، والتي يرونها أثناء الجذبة، براهين تُضاف إلى ما سبق، على أن جذبة الأشراق هي نفس جذبة التحشيش والأفينة، لأن مشاهداتهم في هذه نفس مشاهداتهم في تلك، والفرق بينهما ناتج عن الفرق بين الأمانيّ والمعلومات المختزنة، ولأن الحالة النفسية في كلتيهما واحدة.(/21)
وتبرز ملاحظة مفيدة؟ فقد رأينا في فصل سابق أن هزّ الرأس على الطريقة النقشبندية قد يوصل إلى الجذبة بعد إحدى وعشرين هزة، أو بعد تكرارها، مما يدل على أن المادة المهلّسة المفرزة إنما تفرزها بعض أنسجة الدماغ أو بعض الغدد القابعة في ثناياه.
فهل الأمر كذلك؟
نعم إنه لكذلك! ففي الدماغ منطقة تُفرز مادةً شبه قلوية لها مفعول المرفين، هذه لمنطقة «تحت المهادية» واقعة في الجزء الأسفل من المخ، تفرز مادة «الأنْدُورفين» أي (المورفين الداخلي) وهي أقوى من المورفين المعروف، وظيفة هذه المادة هي تخفيف الآلام الشديدة التي يمكن أن تكون قاتلة، تلطِّفها وتجعلها – بآلية معقدة – في الحدود غير المميتة.
كما أن هناك مادة ثانية يفرزها الدماغ اسمها «أنكيفالين» لها نفس التأثير المخفف للآلام ونفس المفعول المورفيني، لكنها أضعف من المورفين.
نقرأ في المعجم الفرنسي (Larousse) تعريفًا لهاتين المادتين، ترجمته:
- أندورفين (Endorphine) : هرمون تفرزه الغدة تحت المهادية (Hypothalamus) له حصائص المورفين المسكّنة.
- أنكيفالين (Enkephaline): مادة يفرزها الدماغ تؤثر في نقل السياة العصبية ولها مفاعيل المورفين المسكّنة.
ونقرأ للدكتور أكرم المهايني في كتابه (علم الأدوية «الفارماكولوجيا») قوله:
- مماثلات المورفين: أقرّ العلماء مؤخرًا، إثر الدراسات الحديثة لفسيولوجية المراكز العصبية، وجود ببتيدات... تبدي قدرةً تحاكي فعل المورفين في عدد من النسج الحية، ولا سيما في الجملة العصبية والنخامي والأنبوب الهضمي، وقد تم حتى الآن، الكشف عن مجموعتين من هذه الببتيدات الداخلية المنشأت التي عرفت باسم «مماثلات المورفين» أو «الببتيدات نظيرة الأفيون» وهما:
1- مجموعة الأنكه فالين... (اكْتُشِفت سنة 1977).
2- مجموعة الأندورفين .. (اكْتُشِفت سنة 1976).(/22)
(ليس من موضوع كتابنا أن ننقل تجارب الفارماكولوجيين ومناقشاتهم في موضوع هذه الببتيدات، وإنما نورد منها ما يمس موضوع بحثنا).
إن دفقة كافية من الأندورفين، أو من الأنكيفالين، أو منهما مجتمعين توقع السالك في الجذبة المماثلة للجذبة التي يسببها المورفين، حيث ينال السعادة الأبدية التي تستمر دقائق أو سويعات، يرتقي أثناءها في المعارج، وينتقل في الفناءات، ويتحقق بالأسماء والصفات ويذوق من معاني اسمه الصمد...
فلكما التقديس يا إندورفين ويا أنكفالين، يا هرموني الولاية وإكسيري المعرفة، يا سُرارتي التوحيد وقراراتي التفريد.
يا إندورفين ويا أنكفالين، يا من بكما تعلقت همم الرجال، وإليكما تطاولت أعناق المحبين العاشقين الأبطال، ومن أجلكما اقتحموا الأهوال.
يا إندورفين ويا أنكفالين، إليكما حقيقةً توجهت صلوات الصوفية في الجهر والإسرار، وبكما حقيقة تعلقت قلوبهم والأسرار، وفي سبيلكما حقيقة واصلوا اجتهاد الليل بالنهار.
يا إندورفين ويا أنكيفالين، يا منتهى أمل السائرين ، وغاية غايات السالكين، إليكما صبت قلوبهم، ولكما عَنَت وجوههم ، وبتجلياتكما التي لا توصف بلسان، ولا تفصل ببيان، باعوا الدنيا والآخرة، ورضوا بجهنم مستقرًّا ومقاما.
يا نور يقينهم، وعين يقينهم، وحق يقينهم.
يا هرموني الفناءات، وإكسيري التجليات، يا مانحي التحقق بالأسماء والصفات.
يا إندورفين ويا أنكيفالين، يا كاشفي الحجب، يا مقدسي الأسرار، يا رافعي الغين عن العين.
ياسر الجذبات التي أوهمتهم شياطينهم من الإنس والجن أنها ولاية وقرب وتحقق بالألوهية.
* كيف يسبب الإندورفين والأنكفالين الجذبة:
الألم الشديد حافز يدفع الغدد الدماغية المختصة لإفراز هاتين المادتين أو إحداهما بشكل دفقات كافية لتخدير المراكز العصبية، بما في ذلك القشرة الدماغية، تخديرًا خفيفًا كافيًا لإبقاء الألم في حدود غير قاتلة.(/23)
كما يظهر من تجارب القوم (الصوفية) أن الاهتزازات العصبية العادية (غير الحادَّة) إذا استمرَّت مدة كافية (تختلف من شخص لآخر) تدفع هذه الغدد لإفراز دفقات من هاتين المادتين أو من إحداهما، وقد رأينا أن هز الرأس بعنف على الطريقة النقشبندية قد يثير الدفقات.
والرياضة الإشراقية عند الأمم الأخرى (الخلوة، والجوع، والسهر، والصمت، وتركيز الفكر في كلمة، وتركيز النظر على نقطة، وأخذ بعض الأوضاع غير المريحة، والاستمرار على ذلك مدة طويلة)، يقود إلى نتيجتين:
1- إفراغ مراكز الوعي من أي شيء يشغلها على الإطلاق، فتتعطل القشرة الدماغية من وظائفها الطبيعية التي طبعها الله سبحانه عليها، ومع المثابرة والاستمرار تصاب بشيء من الكسل والارتخاء، ومع المثابرة والاستمرار أيضًا، يزداد الكسل والارتخاء حتى تصل إلى درجة كافية للتأثر تأثرًا كافيًا بكمية المهلِّس (إندروفين أو أنكيفالين أو كليهما)، الضئيلة التي تفرزها الغدد المختصة، كما أن تكرار الرقص العنيف، يساعد في زيادة كسل القشرة الدماغية واسترخائها، أو انكماشها.
إن عملية عدم التفكير المطلق وإفراغ الذهن من كل ما يشغله عمليةٌ صعبة للغاية، بل تكون متعذرة للكثير من الأشخاص، فأعانهم إبليس بأن دلَّهم على فائدة تركيز الفكر في كلمة ما كائنة ما كانت هذه الكلمة، فالهندوسي، مثلاً ، يستعمل كلمة «أوم» أو «راها»، والطاوي يستعمل كلمة «طاو»... وإذا أراد أحد متصوفة المسلمين ممارسة رياضة الصمت (وهذا نادر جدًّا) ركز تفكيره في شيخه.
ويستطيع القارئ أن يجرب ذلك بنفسه، فيركز تفكيره في كلمة ما، ولتكن «زيز»، يرددها في ذهنه دون أن يحرك لسانه أو شفتيه أو أي جزء من فمه، مع الانتباه إلى هذا الترديد، وسيشعر أن ذهنه كان فارغًا من أية فكرة أثناء ترديدها.(/24)
2- النتيجة الثانية، هي الإرهاق المؤلم المستمر الذي يدفع الغدد الدماغية المختصة إلى إفراز مخزونها من المهلّس، واستمرار الألم وتزايده يدفع هذه الغدد إلى العمل المتزايد وإلى تزايد الإفراز، حتى تغدو الكمية المفرَزَة كافية للتأثير على المراكز العصبية التي وصلت إلى درجة كافية من الارتخاء؛ فتكون الجذبة التي يسمونها فيما يسمونها: «كشف الحجب، أو الفتح، أو الولاية، إلى آخر الأسماء الظالمة»، مع العلم أن ازدياد الإفراز عن الحدود المحتملة يقتل صاحبه.
أما متصوفة المسلمين:
فقد حذفوا من رياضتهم الصمت وتركيز الفكر والنظر وأخذ الأوضاع المؤلمة، واستبدلوها بما سمَّوه «الذكر». إن ترديد كلمة ما، يقود بعد مدة قد تطول وقد تقصر (حسب الأشخاص) إلى نفس النتيجتين السابقتين:
1- إفراغ الذهن من خواطره، والاستمرار على هذا الإفراغ بالذكر الإرهاقي المستمر ليالي وأيامًا يدفع القشرة الدماغية إلى الاستخدار. وكذلك الخضوع الكامل للشيخ هو عامل مساعد وقوي للوصول إلى الاستخدار لأنه يحول دون تشغيل الفكر، بل يشلّه.
2- من المعروف أن الإنسان إذا مارس حركة ما مدةً طويلة، تغدو لديه عادةً يقوم بها دون إرادة أو شعور. وكذلك ترديد كلمة ما، ليلاً ونهارًا، يغدو بعد مدةٍ عادةً، يرددها المرتاض دون إرادة أو شعور، ويزيدها الترديد الإرادي تمكنًا، حتى إنه يكون نائمًا، فيستيقظ، أو يوقظه أحد، فيلهج بها لسانه مباشرة دون وعي منه؛ بل قد يصل إلى ترديدها أثناء نومه.
ومثله الأعصاب التي تربط اللسان بالدماغ، والتي تسري فيها التموجات العصبية النطقية المتناغمة مع الكلمة المردّدة ومقاطعها وحروفها، تعتاد على ترديد تلك النبضات مع اللسان دون وعي.
ومثلها المراكز المختصة في الدماغ.(/25)
وبطبيعة الحال، تنتقل هذه النبضات إلى الأنسجة المحيطة بأعصاب اللسان وبمراكزها في الدماغ حيث تصبح لها عادة مثل اللسان وأعصابه. ومع الزمن يشعر المرتاض أن أعصابه كلها تردد تلك النبضات، وكلما زاد من ترديده الإرادي للكلمة كلما تمكنت تلك العادة من دماغه وأعصابه.
فلم يزل مستعملاً للذكر
فيصمت اللسان وهو يجري
وقَدْرَ ما تجوهر اللسان
بالاسم يستثبته الجَنان
ثم جرى معناه في الفؤاد
جَرْيَ الغِذا في جملة الأجساد
هذه الاهتزازات (الميكرونية طبعًا) المستمرة، تنتشر في الدماغ حتى تصل إلى الغدد المختصة التي تأخذ بالاهتزاز مثل بقية الدماغ؛ واستمرار هذه النبضات يفضي إلى إفراغ المخزون أو المهيّأ من هرمونها.
واستمرار الاهتزاز، باستمرار الذكر، يؤدي بعد مدة إلى إصابة هذه الغدد بالخلل، فيزداد إفرازها ويسهل قذفها، وقد تصاب بالتضخم، كما يؤدّي هذا إلى خلل في التفكير السليم.
وهكذا... حتى تغدو كمية الدفقة كافية لأفْيَنَةِ المراكز العصبية المستخدرة، فتكون الجذبة، ويغدو السالك وليًا لله بكمية من الإندورفين والأنكيفالين قد تقاس بأجزاء من الغرام .
فلكما التمجيد والنعمى يا إندورفين ويا أنكيفالين، ولكما توجههم الأسمى يا إندورفين ويا أنكيفالين، لوجهكما الرقص مع النقص ودون نقص، يا مقدسي الأسرار ويا باعثي الأنوار.
ما كان لهاثهم إلا وراء سرابكما، ولا هيامهم إلا بما يمنيهم إبليس فيكما من الخلد وملكٍ لا يبلى، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.
يا إندورفين ويا أنكيفالين، يا قدس أسرارهم، ويا جاذبيهم إلى الأوهام الشيطانية التي ضلّوا بها وأضلّوا.
وعندما تصير زيادة الإفراز وسهولة قذفه مقامًا بعد أن كانت حالاً، عندئذ يكون السالك قد وصل إلى الدرجات العلى، ونال القرب والسعادة العظمى، وصار بدلاً أو قطبًا أو غوثًا، حسبما تُوهمه شياطينه من الإنس والجن.(/26)
فيا عبّاد الإندورفين، احمدوه واشكروه على ما أولاكم من نِعَمه، ولا تنسوا الأنكيفالين.
إلى جانب هذين الهرمونين، يجب أن نذكر عاملاً مساعدًا هو الأكسجين. ففي الحضرة الراقصة، وبعد دقائق قليلة من القفز، يأخذ الراقص باللهاث والتنفس العميق، وهذا ما يسمّى «التهوية» حيث يدخل إلى رئتيه كمية من الهواء، وبالتالي من الأكسجين، أكبر من الكمية العادية.
عندما تستمر عملية التهوية مدة كافية، ترتفع نسبة الأكسجين في الدم، وللأكسجين تأثير أفيونيٌّ ضعيف، وارتفاع نسبته في الدم يصيب المراكز العصبية بأفْيَنَةٍ خفيفة، يختلف الإحساس بها من شخص إلى آخر.
لذلك نرى بعض الراقصين في الحضرة يأخذه الحال، فيزعق ويثور، إن كان الوارد قبضيًّا، أو يشعر بشيء من السرور والخدر اللذيذ، إن كان الوارد بَسْطيًّا، وقد يقع على الأرض، وقد يرى صورًا ينقصها الوضوح أو بعضُه، وهذا يثير فيه الشهية الجارفة للوصول إلى الجذبة ويدفعه إلى المثابرة على الرياضة، مع العلم أن بعض الذين يأخذهم الحال كاذبون لا يحسّون بشيء، وإنما يتظاهرون بذلك طمعًا في أن يحقّق الحال المقال.
كما أن للتهوية دورًا آخر، إذ إن ارتفاع نسبة الأكسجين في الدم يؤثر على المراكز العصبية في جميع الحالات، ويجعل فعاليتها تهبط، ولو لم يشعر الراقص بذلك، وكلما زاد عدد الحضرات كلما زاد الهبوط، وهذا يساعد السالك كثيرًا على الوصول إلى مقام الاستخدار، لذلك جعلوا الحضرة من المنشطات وأصرّوا عليها.
ترنيمة إلى الإندورفين (مع حفظ المقام للأنكيفالين):
كنت مزّقتُ شعري، لكن البادئ أو الباده أو الطالع أو اللائح أو البارق أو اللامح، (وكلها مترادفة تعني بدايات الحال). أو الهاجم أو الوارد أو الحال (وهذه أيضًا مترادفة)، أو المقام، أيها لا أدري، أجري في الخاطر هذه المقيصيرة فسجلتها.
أأندرفين والمسعى *** إلى إشراقك الأسنى
له التسبيحُ في الإعلا *** نِ والتمجيدُ في النجوى(/27)
له أبدالهم تعنو *** وفيه قُطبهم يفنى
أأندرفين هرمونَ الولاية *** مانحَ الحسنى
إليك عروجُ سالكهم *** ومنك سحائبُ النعمى
طَبَتْ سُبُحاتُ سرِّكَ سِرَّ *** قلب العارف المُظما
وقرّحَ جفنَه وَلَهُ *** بخمرة ذلك المجْلى
يهيم بسُكْر جذبتها *** يعبُّ يعبُّ لا يروى
بها قد باع دنياه *** وعاف لأجلها الأخرى
رضي بجهنمٍ سكَنًا *** مُقابل ساعةٍ تُجْلى
أأندرفين كنتَ لهم *** معين الخدعة الكبرى
سرابُك عندهم خلْدٌ *** ومُلْكٌ جلّ لا يبلى
وفيضك قدْسُ سِرَهمُ *** يُقدّسُ قدْرَ ما تطغى
فأنت محطّ قِبلتهمْ *** وأنت الغاية القصوى
إليك صلاتُهمْ حقًّا *** وذكرهُمُ وما يُتْلى
أضاعوا فيك رُشْدَهُمُ *** فضلّوا، السعْي والمسعى
- الترنيمة للأندرفين لأنني أظن أن له الدور الأساسي في الجذبة.
وقبل الانتقال إلى الفصل التالي، من المفيد ملاحظة ما يلي:
المنطقة تحت المهادية (Hypothalamus) هي منطقة من الدماغ الأوسط في قاعدة المخ حيث توجد عدة مراكز منظمة لوظائف فيزيولوجية هامة: «الجوع، والعطش، والنشاط الجنسي، والنوم، والاستيقاظ، وتنظيم الحرارة في الجسم».
وبدهي أن هذه المراكز هي أول ما يتأثر بالإندورفين، وبدهي أن هذا التأثر يغيّر كثيرًا أو قليلاً من فعاليات هذه المراكز، وهذا يفسّر ما يحدث لبعض الواصلين من بقاء مدة طويلة دون طعام أو شراب أو نوم، ومقدرة بعضهم على تحمّل البرد الشديد أو الحر الشديد، وغير ذلك. مما يظنّونه كرامات دالّة على ولايتهم.
* فيزيولوجية الرؤى أثناء الجذبة:
مادامت مكاشفاتهم ومشاهداتهم وإشراقاتهم باطلة كلها ؛ لأنها مدحوضة كلها بنصوص القرآن والسنة.
ومادامت دون أي رصيد في واقع الحياة والوجود.
ومادام كل ما يشاهدونه ويسمعونه ويكاشفونه هذيانات وهلوسات إندورفينية أنكيفالينية!
مادامت كذلك ! إذن فما هي ؟ وكيف تحدث ؟(/28)
1- هناك التمثيليات الشيطانية، لكنها في واقع الأمر ثانوية، وقد لا تقتضيها الحاجة في كثير من الأحيان، وأكثر ما تكون في حالة الصحو، فيسمّونها الكرامات، ومع ذلك فهي وسيلة الخداع الأولى في الصوفية.
2- عملية الكشف والمشاهدة تجري في الدماغ، في مركز التفسير البصري، كالتالي: من المعروف أن الصور الحسّية (البصرية والسمعية والشمّية والذوقية واللمسيّة) عندما تتلقاها أعضاء الحسّ (العين والأذن والأنف واللسان والجلد) تحولها إلى سيالة عصبية تنقلها الأعصاب المختصة (بشكل تموجات قطعًا) مباشرة وبسرعة، إلى مراكز التفسير الحسّي في الدماغ، فما كانت بصرية انتقلت إلى مركز التفسير البصري، حيث يتم هناك الإحساس بالرؤية، أي إن مركز التفسير البصري في الدماغ (تحت القشرة) هو الذي يفسّرها بالصورة التي يعرفها كل من وهبه الله سبحانه نعمة البصر. وما كان سمعيًا انتقل من الأذن إلى مركز التفسير السمعي الذي يتمّ به الإحساس بالصوت وارتفاعه وحدّته وقربه وبعده.. وهكذا.
فمراكز التفسير في الدماغ هي التي تفسّر السيّالة (أو الموجات) الواردة إليها ذلك التفسير الذي يعرفه كل حي.
من مراكز التفسير الحسّي تنتقل الصور مباشرة وبسرعة إلى مخازن الحفظ في الخلايا الدماغية المتخصصة بذلك والقابعة في منطقة اللاشعور في الأجزاء الداخلية من الدماغ.
وكذلك يحدث للأفكار والتخيلات والأماني والطموحات، تُخزن كلها في خلايا مخازن الحفظ المخصّصة لها.
ويلاحظ بوضوح أن منطقة اللاشعور ليست مجرد مخازن صامتة تكدّس فيها الصور والأفكار بجمود، وإنما هي عالم حي تجري فيه بنشاطٍ عمليات تحليل وتركيب وإنشاء، لكن يغلب على هذه العمليات التنسيق مع العواطف والأماني المختزنة والتخميلات.
ويقرر علماء التشريح والفيزيولوجيا، بناءً على دراساتهم وتجاربهم الكثيرة، أن مراكز الوعي (التذكر والإدراك والمحاكمة والضبط وتمحيص الأمور) تقع في القشرة الدماغية.(/29)
ويظهر أن خلايا المراقبة والانتقاء تتوزع بين القشرة وتمتد إلى داخل الدماغ.
ومراكز التفسير الحسّي (البصري والسمعي وبقيتها ) تقع تحت القشرة داخل الدماغ أيضًا.
ومن ملاحظة أحلام اليقظة، والأفكار الشاردة أثناء الاسترخاء، والأحلام المنامية، ومن دراسة أوصافهم لأحلام جذباتهم الأفيونية والإشراقية، نستطيع أن نتخيل ما يلي:
أن هناك طرقًا عصبية (حبال) بعضها صادر عن مراكز الوعي في القشرة الدماغية (التذكر والإدراك وبقيتها ) وبعضها صادر عن مراكز التفسير الحسّي تحت القشرة (البصرية والسمعية وبقيتها ) وكلها تصبُّ مباشرة في مخازن الحفظ في مناطق اللاشعور في الدماغ، والتي هي خلايا عصبية تعد بالمليارات وأن هناك قنوات مباشرة من مراكز التفسير الحسّي إلى مراكز الوعي في القشرة (الإدراك والضبط وغيرها).
كما يلاحظ؛ مع شيء من القبول، أن هناك طريقًا، أو قناة عصبية (حبل) صادرة عن مخازن الحفظ في اللاشعور، تصبُّ، حسب مقتضى الحال، في مركز التذكر أو التخيل في القشرة، ومن هناك تتوزع إلى المراكز الأخرى في القشرة الدماغية حسب مطلوب الفرد أو حالته.
ويلاحظ أن الطريق الواصلة بين مراكز الوعي في القشرة وبين مخازن الحفظ في اللاشعور هي، في الحالة العادية، ذات اتجاهين: من القشرة إلى مخازن الحفظ، ومن مخازن الحفظ إلى القشرة (أي ذهاب وإياب).
والطريق الواصلة بين مراكز التفسير الحسّي تحت القشرة وبين مخازن الحفظ هي، في الحالة العادية، ذات اتجاه واحد: من مراكز التفسير الحسّي إلى مخازن الحفظ فقط.
كما أنه من الملاحظ أيضًا أن خروج الصور الحسّية والأفكار من مخازن الحفظ في اللاشعور يكون بأحد أسلوبين.(/30)
أ - أسلوب إرادي انتقائي، لا تخرج فيه إلا الصور المطلوبة، وهذا يدل على وجود خلايا دماغية وظيفتها الإشراف على إفراز الصور والأفكار المطلوبة وإخراجها إلى مركز أو أكثر من المراكز المناسبة في القشرة الدماغية، أي إن هذه الخلايا الدماغية هي مراكز مراقبة أو «رقيب» ويظهر أن جزءًا من هذه الخلايا (أو الحبال) الرقيبة واقع في منطقة اللاشعور، فهو يعمل دون أن يشعر به الكائن الحي.
ب -أسلوب لا إرادي، تتسرب فيه الصور والأفكار عفويًا (حسب الظاهر) وتجري هذه العملية في حالة الشرود الذهني والاسترخاء وفي حالة النوم (الأحلام) وفي الجذبة (الكشف)، عندما تكون مراكز الوعي والرقيب فاقدة فعالياتها.
كما يلاحظ أيضًا وبوضوح، أن عمليات التحليل والتركيب التي تجري في مناطق الوعي تكون متناسقة مع واقع الحياة والوجود على قدر استيعابها لهذا الواقع.
وأن عمليات التحليل والتركيب التي تجري في منطقة اللاشعور تكون متناسقة مع العواطف والأماني والمخاوف الكامنة، تأخذ موادّها الأولية منها ومن المعلومات المختزنة، فتحللها وتركب منها صورًا جديدة تتفق والأماني المختزنة والعواطف، ويلعب فيها الذكاء الفطري للفرد وسعة خياله دورًا ملحوظًا، لذلك، غالبًا ما تقفز فوق الواقع والمعقول.
- وهناك حقائق تشريحية وفيزيولوجية تساعد معرفتها على معرفة كيفية حدوث الرؤى الجذبية، بل والمنامية أيضًا:
- يتألف الحبل العصبي من خلايا عصبية متصلة ببعضها، تنتقل السيالة العصبية فيها من خلية إلى جارتها حتى تصل إلى مراكز التفسير الحسي في الدماغ، أو إلى القشرة الدماغية.
- الخلية العصبية، ويسمونها «العصبون» أو «النورون» تعريبًا من (neu صلى الله عليه وسلم one) لا تستطيع الانقسام، وينتهي طرفاها بخيوط دقيقة متشعبة، تجتازها السيالة باتجاه واحد.(/31)
- بالقرب من منتهيات العصبونات، بملامسة التلاحمات العصبية، توجد حبيبات تحتوي على مكونات آمينية يسمونها «الآمينات الوسيطة».
- ما بعد منطقة التلاحم هذه يوجد تلاحم آخر غني بحويصلات كبيرة (نسبيًا) كروية تختزن مادة ببتيدية (أي لها نفس مفعول الأندورفين) يسمونها «المادة P». وقد أثبتت الدراسات أن المادة «P» والانكيفالين والمستقبلات المورفينية تبدي نفس التوزع. والمادة «P» هذه هي حموض نووية (كالآمينات) لها دور هام في تأمين نقل الشيفرات الألمية عبر الألياف الناقلة للألم.
- تمر السيالة العصبية الحاملة لحسٍّ ما من أول العصبون إلى آخره، وهناك يتحرر عدد من الآمينات الوسيطة من حبيبات ادخارها لتصطدم بمنتهيات العصبون المجاور لتنقل إليه السيالة، أو لتحرّض فيه سيالة مماثلة، أما المادة «P» ففي نقل الألم.
- تقوم أدوية الجملة العصبية المركزية (الأفيونيات ومعها الإندورفين والأنكيفالين) بتأثير منتشر، منبّه أو مثّبط، لجميع التلاحمات العصبية (أي مكان اتصال العصبونين المتجاورين)... ويتم هذا التأثير بطريقة اصطفائية مختلفة الشدة، وذلك بتنشيط أو إبطاء استقلاب الآمينات الوسيطة، أو بالتدخل في وظائف هذه المواد (الآمينات الوسيطة)...
- وفي الحقيقة أصبح من المقبول اليوم أن السيّالة العصبية عندما تبلغ نهاية النورون العصبي حذاء المركز، يتحرر من هذه النهاية عدد من الآمينات الوسيطة وتنتشر لتنبه أو تثبط نورونًا آخر... أهـ.
- ألفتُ النظرَ إلى قوله: «ويتم هذا التأثير بطريقة اصطفائية».
ويقول في مكان آخر:
إن آلية التأثير العام لهذه الأدوية (المخدرات العامة) التي تستند على وجود ولعٍ اصطفائي مختلف الشدة بينها وبين المراكز العصبية المنتشرة على طول المحور الدماغي النخاعي...(/32)
ويقول: إن اكتشاف بعض المركبات الكيمياوية، كعقار الهلوسة (L S D ) والمسكالين وغيرهما، وملاحظة أن هذه المواد قد تسبب تبدلات عميقة في التصرفات تصل لدرجة الإهلاس، كل هذا لفت انتباه الدوائيين الجدد إلى إمكان وجود علاقة بين اضطرابات السلوك والتصرف، وبين بعض المركبات الكيميائية التي تبدي ولعًا اصطفائيًا خاصًا بالمناطق الدماغية الخاصة بوظائف الكيان النفسي. وقد ارتقت نظرية التأثير الاصطفائي إلى أبعد من ذلك.. أهـ.
- هذه التقارير منقولة عن الدكتور أكرم المهايني في كتابه علم الأدوية الخاص مع قليل من التصرف للتخلص من التعقيدات والتفصيلات التي لا تهمنا في بحثنا.
يهمنا من هذه التقارير :
- الآمينات الوسيطة التي تنتقل من نهاية عصبون إلى بداية جاره لتنبيهه بتحريض السيالة، أو تثبيطه.
- دور الآدوية المؤفينة (ومعها الإندورفين والأنكيفالين) بتنشيط الآمينات أو إبطائها (تثبيطها) أو تقويتها.
- تأثير هذه العقّارات الأفيونية على أماكن مصطفاه من الأعصاب ومن الدماغ، وخاصة بالمناطق الدماغية الخاصة بوظائف الكيان النفسي، وهو الموضوع الذي نحن بصدده في كتابنا.
- وهذه الأماكن واىلأجزاء العصبية التي لديها القابلية للتأثر بهذه العقّارات المخدرة يسمونها «المستقبِلات».
- يقول الدكتور أكرم المهايني عن مجموعة الأنكيفالين:
... تثبت بشدة على المستقبِلات المورفينية، وتتوزع في الجسم بشكل يتماشى مع توزع هذه المستقبلات...
ويقول عن مجموعة الأندرفين:
... وأثبتت الدراسات التجريبية.... عام 1976، بأن لهذه الببتيدات أيضًا ولع شديد بالمستقبلات المورفينية...(/33)
- من كل هذا، نرى أن الإندورفين والأنكيفالين اللذين يفرزهما الدماغ لهما نفس مفعول المورفين بصورة دقيقة، وإن كان الأنكيفالين أضعف منه، والأندرفين أقوى في بعض الحالات. وهذه التقارير العلمية، مضاف إليها ما رأيناه في الفصول السابقة من تشابه كامل بين حالة الجذبة الأفيونية الهلوسية ورؤاها وبين حالة الجذبة الصوفية ورؤاها، كل هذا يجعل التأكد كاملاً، ولا يترك مكانًا لأي شك أو تساؤل أو تردد بأن الجذبة الصوفية ورؤاها هي تهليس إندرفيني أنكيفاليني، وأن الرياضة الصوفية وعلى رأسها الذكر الإرهاقي تعمل على زيادة الكمية المفرزة من هاتين المادتين بشكل مَرَضيّ دائم، كما تعمل، بإرهاقها الدماغ مدة طويلة، على إضعافه إضعافًا كافيًا للتأثر بهذه الكمية الجديدة من إحدى هاتين المادتين أو كلتيهما.
وبالتالي تكون الصوفية، أو الإشراق، أو المعرفة، أو الكهانة، أو ما شئت غيرها من الأسماء التي أطلقوها، تكون خدعة إبليسية كبرى، وهي السبب الأساسي لانحراف الإنسانية عن الفطرة التي فطرها الله سبحانه عليها.
ولزيادة الفائدة وزيادة تأكيدها، نصان آخران.
يقول الدكتور أكرم المهايني:
... ويحسن بنا التذكير، بأن زوال الألم بفعل المورفين (ومثله الإندورفين والأنكيفالين طبعًا) لا يؤلف سوى وجه واحد من أوجه تأثيراته المتعددة، فطيف تأثيره يشمل أيضًا – بشكل أعم – السلوك والتصرفات.
.... ولوحظ أيضًا وجود فرط نشاط إندورفيني في السائل الدماغي الشوكي لدى المصابين بالفصام (الجنون) المترقي...
- أقول: يعرف القاريء الآن أن الفصام المترقي هو مقام «جميع الجمع»، وأن المصاب به هو الذي يسمونه «المراد»، ولو أجريت الفحوص اللازمة لهؤلاء الأولياء الأحياء الذين نسمع بهم، وخاصة عندما يكونون في مقام القُرْب، لوُجد فرط النشاط الإندورفيني في السائل الدماغي الشوكي عندهم.
ومن هنا يبرز الترجيح، أن لا الإندورفين هو صاحب الدور الأساسي، أو الرئيسي في الجذبة.(/34)
- والآن نستطيع أن نتخيل كيفية حدوث الرؤى الكشفية والأفيونية:
الظاهر أن مناطق اللاشعور في الدماغ تبقى في نشاط مستمر في جميع الحالات، شأن أجهزة الجسم اللاإرادية.
وواضح للمتأمل أن القناة العصبية التي تخرج فيها الصّوَر من مخازنها في خلايا اللاشعور إلى مراكز الوعي في القشرة الدماغية، هذه القناة، أو القنوات، هي من مستقبلات المورفين؛ ولذلك عندما تغدو كمية الإندورفين المفرزة كافية، بتحريض الرياضة الصوفية، تتفاعل معها هذه المستقبلات، فتثبط الآمينات الوسيطة على طول الحبل العصبي الواصل بين المخازن والقشرة، وتغدو هذه الطريق مغلقةً، ويظهر أن خلايا الرقابة العليا يصيبها نفس الشيء، كما أن مستقبلات الأفيون في كل الجملة العصبية يصيبها نفس الشيء، وهذه هي الجذبة.
إن فقدان المجذوب الإحساس بما حوله جزئيًا أو كليًا (حسب كمية المهلِّس) هو دليل لازم كاف على أن الآمينات الوسيطة قد ثُبّطت، فتوقفت السيالات التي تحمل الإحساسات من أعضاء الحس (العين والأذن...) إلى القشرة الدماغية.
هذه هي الجذبة، وهذه هي الولاية (مرحبًا ولاية).
ويظهر أن هذه الولاية تصيب أيضًا خلايا الرقابة في الدماغ، فتأخذ خلايا اللاشعور حريتها بتحليل الصور والمعلومات المختزنة، وغيرها، لتركب منها صورًا جديدة متناسقة مع عواطف المجذوب ورغباته، بل، لعل العواطف والرغبات هي التي تحرك عملية التحليل والتركيب.(/35)
تخرج هذه الصور الجديدة ، وغالبيتها بصرية، على غفلة من الرقيب المخدّر بشكل سيالات عصبية، لعلها موجيّة (وهو المنطقي)، في الطريق المعتاد الذي طُبعت عليه، أي إلى مراكز الوعي في القشرة الدماغية، لكنها تجد منافذها مغلقة، وتجد إلى جانبها منفذًا آخر، وهو الطريق ذات الاتجاه الواحد التي تخرج من مراكز التفسير الحسي وتصب في المخازن، وهي، بدهيًا، تقع داخل الدماغ، فتعبرها اضطرارًا مخالفة للعادة في الحالة العادية، حيث تصل إلى مراكز التفسير الحسي. ولعل المادة «p» لها دور في فتح هذه القناة بصورة معكوسة.
بما أن غالبية الصور بصرية، لذلك تذهب إلى مركز التفسير البصري، فيفسرها ويحس بها كما لو كانت آتية عن طريق العين، ويراها المجذوب مجسّمةً ماثلة أمامه كأنها شيء واقع حقيقي؛ لأن مركز التفسير مطبوع على التأثر بأية موجة تصله، ليفسرها ويرسلها مفسرة إلى مركز الإدراك في القشرة، ولا علاقة له بمصدرها ولا بالطريق الذي سلكته.
وتذهب الصور السمعية إلى مركز التفسير السمعي، واللمسية إلى مركز التفسير اللمسي... وهكذا.
وعندما يصل الخدر خفيفًا إلى الطرق الواصلة بين المخازن ومراكز التفسير الحسّي، عندئذ يختلط الحابل بالنابل، ويختلط السمع بالبصر بالشم بالذوق باللمس، فتذهب الموجات البصرية إلى مركز تفسير حسّي (بصري أو غير بصري) وكذلك السمعية والشمّية والذوقية واللمسية، فتحدث لهم الرؤى التي لا يستطيعون وصفها، وتوهمهم شياطينهم ، ويصور لهم غرورهم أن الأنبياء كانوا كذلك وتوهمهم جذباتهم أن الجنة كذلك.
وعندما يزيد المخدّر عن حده، ويتغلغل في الدماغ يصاب المجذوب بالجنون أو الشلل أو الموت.
هكذا تحدث أحلام الجذبة بجميع أنواعها سواءٌ أكانت مورفينية أو إندورفينية، أي سواءً كانت جذبة تحشيش أو جذبة إشراق.(/36)
ولعل من آثار الأندورفين أيضًا تمييع الخلايا العصبية، وخاصة خلايا القشرة الدماغية، تمييعًا خفيفًا طبعًا؛ لأن هذا يمكن أن يكون تعليلاً لما يرونه من تضخيم الأبعاد قليلاً أو كثيرًا، ومن إطالة الزمن أو تقصيره، ومن رؤية فراغات لا نهائية أو رؤية الأشياء شفافة أولا وجود لها... وذلك؛ لأن الخلايا المدركة في القشرة، عندما تتميع، يمكن أن يتغير شكلها باتجاه أو بآخر بسبب الضغوط حولها، فيحدث ذلك التشويه في الإدراكات، كما يمكن أن يكون حدوث هذا التميع في مراكز التفسير ذاتها.
وهنا يأتي دور الشيخ ؟
فلولا الشيخ لكانت الرؤى متشابهة مع بعضها في الجذبتين «جذبة التحشيش وجذبة الإشراق». لكن توجيهات الشيخ وإيحاءاته المتناسقة مع تجاربه السابقة، تحقن المريد بالعواطف والطموحات التي توجه رؤاه إلى العروج في السماوات والمحاضرات والمكاشفات والمشاهدات والفناءات والتحقق بالأسماء والصفات، ورؤية جبل قاف وكاف وعين وصاد، وغيرها، حيث يرى السالك منها ما يتناسب مع استعداداته الفكرية والإندورفينية.
ولهذا السبب كان الشيخ هو الأصل في طريقهم؛ ولهذا السبب قالوا من لا شيخ له فشيخه الشيطان؛ لأن من لا شيخ له تكون رؤاه مثل رؤى حشاشي الحشيش والمورفين وزمرتهما؛ ولهذا السبب كان الخضوع الكامل للشيخ أساسياًّ ليسهل انطباع توجيهاته وإيحاءاته في أعماق المريد.
مساكين الحشاشون والمورفينيون مساكين!
فلو كان لهم شيخ يوجههم، لذاقوا أيضًا الفناءات، وتحققوا بالأسماء والصفات، وتصرفوا بالكون، ولكان منهم الأبدال والأقطاب والأغواث.
أما قولهم بالتصرف في الكون، هذا الهذيان المضحك المبكي (وكلهم هذيانات مضحكة مبكية) فقد رأينا مثله عند حشاش عقار الهلوسة، الذي يكفي، في بعض الحالات، أن يتخيل شيئًا أو يتمنى رؤيته حتى يراه أمامه مجسمًا.(/37)
ومثل هذا يحصل لبعض الواصلين الذين صار خَلَل غددهم المفرزة للهرمونين مقامًا عاليًا ، فقد يمر بخاطره عرش الرحمن مثلاً ، فيراه أمامه مجسّمًا كما يتصوره بوهم جذبته، لا كما هو على حقيقته التي لا يعلمها إلا الله.
وقد يخطر على بال جذبته أن ينقله من مكان إلى مكان، فيقول له«انتقل» فيراه قد انتقل.. وهكذا. وهذا ما يسمونه «التصرف في عالم الملكوت».
وكذلك ما يحدث لبعضهم أحيانًا من اضطراب في إحساسه بالزمن، حيث يحسّ أنه قطع سنين طويلة في جذبة لم تدم سوى دقائق قليلة مثل هذا ما رأيناه يحدث لمجذوب المهلِّسات...
والرجاء من القاريء أن يعود إلى مفعول المخدرات في أول هذا الفصل لتتوضح أمامه ما هي كشوفهم ومعارفهم وعلومهم اللدنية.
والآن، نستطيع أن ندرك بصورة أوضح وأدق، دور الرياضة الصوفية. فهي بعناصرها التي عرفناها والتي يُجْملها قولهم: «اخلع نعليك، الدنيا والآخرة»، تقلّل الإحساسات الذاهبة إلى الدماغ تقليلاً كبيرًا، وهذا يعني أن السيّالات العصبية تقل كثيرًا، وهذا يعني كذلك أن الأمينات الوسيطة يقل عملها كثيرًا، ومع الزمن تصاب بالكسل، ومع تطاول الزمن بالمثابرة على الرياضة، ومع تكاثر الإندورفين والأنكيفالين بسبب الرياضة أيضًا، يغدو كسل الآمينات الوسيطة مقامًا عاليًا، وتغدو مستعدة للشلل أو ما يشبهه بكمية من المخدر أقل من الذي تحتاجه في الحالة العادية، أي تصل إلى مقام الاستخدار، والذكر الإرهاقي يقوم بنفس المفعول، وإذا ساعدته عناصر أخرى من الرياضة كان أسرع، ولعل التلاحمات العصبونية المحيطة بالدماغ هي محل العمليات المذكورة؛ وذلك لتكاثر الإندورفين في السائل الدماغي الشوكي أثناء الجذبة.
* فقرات معترضة :
* إكسير الولاية :-(/38)
تسهيلاً على المريدين وتيسيرًا لهم للوصول إلى الولاية والصديقية والغوثية والألوهية بيوم أو يومين، ودون تعب ولا خلوة ولا جوع ولا سهر، نقترح على الشيوخ العارفين الكمل، ذوي المدد العظيم من الأموال التي تنهمر عليهم من المخدوعين والغافلين، أن يكلفوا واحدًا أو أكثر من علماء الكيمياء الطبية، لتحضير نوعين من العقاقير:
أ - عقّار يسبب هبوط فعالية الأمينات الوسيطة بشكل دائم (الاستخدار).
ب - عقّار آخر يحدث خللاً يضخم الغدد الدماغية المفرزة للمخدرين ويزيد إفرازها زيادة كافية.
عندئذ تصبح الولاية والقطبية والألوهية في متناول الجميع! فكل من يريد التحقق بالأسماء والصفات والفناءات في الذات والتصرف في الكون، ما عليه إلا أن يذهب إلى صيدلية يشتري منها «إكسير الولاية» المكون من عقارين:
- العقار الأول يأخذه في اليوم الأول، حيث يجتاز كل المقامات في ساعات، ويصل إلى مقام الاستخدار.
- العقار الثاني يأخذه في اليوم الثاني، حيث تخرق له الحجب وتكشف الغيوب بعد ثواني أو دقائق.
لكن الشيخ يبقى لازمًا لا بد منه في جميع الحالات! إذ دون إيحاءاته وتوجيهاته لن يستطيع المريد الوصول إلى الألوهية؛ لأن من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم يكن بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل فلا يمكن لإيحاءات الشيخ أن تنطبع في أعماقه لتصبح جزءًا هامًا من أمانيه وطموحاته.
وصحبة شيخ وهو أصل طريقهم
فما نبتت أرض بغير فلاحة
ولهذا، فلن يكون إكسير الولاية خطرًا على المدد الذي ينهمر على الشيوخ، بل بالعكس، سيزيد كثيرًا عدد السالكين بسبب سهولة (الطريقة الإكسيرية)، وبذلك سيزداد كثيرًا مدد الشيخ، كما سيحتاجون إلى عدد أكبر من الشيوخ الكمّل.
* أحلام النوم:-(/39)
فيزيولوجية أحلام النوم تشبه فيزيولوجية أحلام الجذبة، مع فارق هو: في الجذبة: يبقى خدر الدماغ سطحيًّا وثابتًا في موضعه طيلة الجذبة، بينما تكون بقية أجزاء الدماغ متمتعة بنشاطها المعتاد إلا في حالة «الفناء عن الفناء» أو جمع الجمع.
وفي النوم: يبدأ النوم سطحيًّا (في القشرة الدماغية) حيث تحدث الأحلام، وتكون أجزاء الدماغ الأخرى في حالة هبوط تدريجي نحو النوم، فحالة الهبوط تجعل الحلم غامض الموضوع، والتدرج نحو النوم الكامل، أو بالعكس، يسبب القفزات في تسلسل حوادثه.
وعندما يصل النوم إلى مراكز التفسير الحسي تنقطع الأحلام.
* هل سيبصر الأعمى:-
لا أظنه بعيدًا، ذلك اليوم الذي يذهب فيه الأعمى إلى الصيدلية ليشتري «جهاز إبصار» يضعه على رأسه، ترتبط به نظارات يضعها على عينيه، ثم يخرج وهو يرى الحياة كما يراها البصير العادي، وتحدث عملية الرؤية كالتالي:
تقع الأشعة المنعكسة عن الأشياء على نظارات الجهاز (مثل وقوعها على العين العادية) وترتسم صورها عليها.
تتحول هذه الصور إلى موجات كهرطيسية تسري عبر شريط ناقل إلى الجهاز الموضوع في مكان معين فوق الرأس.
يحوّل هذا الجهاز الموجات الكهرطيسية إلى موجات عصبية مناسبة تخترق الجمجمة والقشرة الدماغية حتى تصل إلى مركز التفسير البصري الذي يفسرها كما لو كانت آتية إليه عن طريق العين، إذ كل ما يريده مركز التفسير البصري هو أن تصله موجات عصبية مناسبة، ليفسرها ويحس بها ذلك الإحساس الذي يعرفه كل كائن حي بصير.
أما من أين أتت تلك الموجات؟ وكيف؟ وفي أي طريق؟ فهذا لا شأن له به.
وهكذا تحل مشكلة العميان حلاًّ جذريًّا أو شبه جذري، كما يستطيع أي إنسان أن يستعمل هذا الجهاز للتسلية، أو لضرورة ما.
* جهاز فيديو يغني عن الشيخ والرياضة وعن إكسير الولاية:-
نفس جهاز الإبصار الذي يضعه الأعمى على رأسه، يرتبط به جهاز فيديو خاص (بدلاً من النظارات).(/40)
يستطيع صاحب الجهاز أن يقتني مجموعة كبيرة من أشرطة الفيديو التي سجلت عليها مناظر متنوعة الأشكال والمواضيع.
فما على المرء إذا أراد أن يقوم بسياحة إلى إندونيسيا، مثلاً، إلا أن يضع الجهاز على رأسه، ويضع في الفيديو الشريط المناسب، ويحرك الزر المطلوب، ثم تبدأ الرحلة!
فيرى نفسه ذاهبًا إلى وكالة سفريات، حيث يشتري بطاقة طائرة، وفي اليوم التالي يستيقظ من النوم باكرًا،ويذهب إلى المطار، ويختلط بالمسافرين، ويقف بدوره أمام رجل الأمن المكلف بمراقبة الأمتعة، وبعد أن ينتهي من كل المشاكل، يعبر إلى المدرج، ويصعد إلى الطائرة ليجلس على مقعد فوق مؤخرة جناح الطائرة الأيمن، ويجلس إلى جانبه شاب يمضغ لبانًا في فمه مما يثير في نفسه الضيق والحنق معًا... وتتحرك الطائرة وتحلق في الجو، وينظر صاحبنا من النافذة ليمتع نظره بالأرض التي تطوي تحته ببطء لتظهر أرض غيرها... وهكذا حتى يصل إلى مطار لاهور... إلى آخر الرحلة وتفاصيلها... بينما هو في حقيقة الأمر قابع في غرفته لم يتحرك من مكانه!
وإن كان صاحبنا من المريدين الذين لا يريدون إلا وجهه (؟) فيضع في الفيديو شريط الولاية، وإن أراد الحسنى (؟) وضع شريط العروج إلى الله ( جل الله وعلا علوًا كبيرًا)، فيرى الملائكة تتنزل عليه وتقول له: «لا تخف ولا تحزن»... ويرفعه أحدهم... حتى يعبر السماوات ويصل إلى العرش (في قصة طويلة ومناظر متنوعة مذهلة) وهناك تحدث له الفناءات والتحققات والتصرفات، ويذوق من معاني اسمه الصمد والرب والرحمن، حتى الاسم الأعظم.
وهكذا... إلى آخر المناظر المسجلة على الشريط، وعلى بقية الأشرطة.
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 655 – 700 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(/41)
مناقشة الطريقة البرهانية (الغزالية)«ويسمونها عادة التصوف السنّي»
إن أول من اشتهر عنه هذا الأسلوب هو الجنيد، الذي كان يتستر بالفقه على مذهب أبي ثور، تلميذ الشافعي، وهو أول من نادى به وطالب المتصوفة بتطبيقه.
وقد قال أبو الحسين النوري عندما خاطب الجنيد قائلاً: يا أبا القاسم، غششتَهم فأجلسوك على المنابر، ونصحتُهم فرموني على المزابل.
لقد غشَّهم الجنيد بتكلمه عليهم بالفقه! ونصحهم النوري بعرضه عليهم الحقيقة الصوفية!
وكانت تجربة الجنيد ناجحة، سار المتصوفة على خطاها، وهذه التجربة مضاف إليها تحبيره مصطلحات الصوفية، وإيجاده أسلوب «العبارة الصوفية» بإشارتها ورموزها وألغازها، كل هذا جعل منه سيد الطائفة بلا منازع؛ لأنه رسم لهم الطريق التي يسيرون فيها بأمان، ويستطيعون بواسطتها نشر عقيدتهم الإشراقية في المجتمعات الإسلامية من دون ضجة.
وسار المتصوفة على خطاها، ومن شذَّ عنها واجه سيف الردة والتكفير، فقُتل من قُتل، طُرد من طُرد، واستتيب من الكفر من استتيب.
ومن أبرز من أصَّل طريقة الجنيد بعده، هو أبو طالب المكي في كتابه «قوت القلوب» الذي بدأه بعرض بعض آيات من القرآن الكريم، انتقاها بحيث يمكن أن يكون لها (بعد ليّ عنقها) علاقةً بالتصوف، وجاء بشيء من الأحاديث في الأوراد وما دار حولها، ثم دخل في علم الباطن وأتبعه بفقه العبادات، وحشا ذلك كله بما يستهوي قلب القارئ نحو التصوف.
ولا يستبعد أن يكون هذا هو منهج الطريقة السالمية التي تخرّج فيها أبو طالب؟
وجاء من بعده حجتهم الذي سموه «حجة الإسلام» أبو حامد الغزالي، فألَّف في الفقه على مذهب الشافعي، وألف في علم الأصول، ومواضيع أخرى، ثم وضع عشرات الكتب في ما سماه «العلم المضنون به على غير أهله» في قمتها كتابه المشهور «إحياء علوم الدين»، ولو أنصف لسماه «إعياء علوم الدين»، أو «إحياء علوم الكهانة».(/1)
وبسبب هذا الكتاب، نسبت الطريقة البرهانية إلى الغزالي.
فلنلقِ عليه نظرة عابرة لنصطدم بما يلي:
1- تقسيم الكتاب: قسَّم الغزالي إحياءه إلى أربعة أرباع: رُبع العبادات، ورُبع العادات، ورُبع المهلكات، ورُبع المنجيات.
حيث نرى في هذا التقسيم الظالم أنه جعل المنجيات غير العبادات، وجعل العبادات غير منجيات.
ونترك الحكم على هذا التقسيم لكل إنسان عرف بديهيات الدين الإسلامي، بل وبديهيات الأديان جميعها من أولها إلى آخرها، ولكن نسأل: كيف يكون المروق من الإسلام؟
2- لم يكن هذا التقسيم صادرًا من الغزالي عن غفلة أو عن غلط أو عن غير قصد، بل كان مقصودًا عن وعي وتصميم واعتقاد، وقد مرَّ معنا قوله: (بعد أن تكلم عن المقامات الصوفية): «فالعلم بحدود هذه الأمور.. هو علم الآخرة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة (أي الصوفية)، فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة (أي العبادات) هالك بسيف سلاطين الدنيا، بحكم فتوى فقهاء الدنيا (أي علماء الشريعة)». وقد تكرر هذا المعنى في الإحياء في أكثر من موضع، مرَّ بعضها في الفصول السابقة.
وهذا الكلام هو، تمامًا، مثل قول عبد القادر الجيلاني الذي مرَّ في فصل سابق: «تدري كم عنده من الطاعات والصوم والصلاة لا يعبأ بها، إنما مراده منك قلب صاف من الأقدار والأغيار»، والفرق بين العبارتين هو الفرق بين المهارتين في استعمال الإشارة والرمز واللغز.
وهذا يعني أن هذه العقيدة هي عقيدة كل الصوفية؛ لأن الرجلين عندهم في قمة التقديس.
- المهم، أن الغزالي يقرر في «إحيائه» أن العبادات لا قيمة لها عند الله؛ لأنها لإرضاء السلاطين والفقهاء فقط.
3- مرَّ معنا في ثنايا الكتاب النصوص الكثيرة المنقولة من «الإحياء»، والمشحونة بالكفر والزندقة، وهي بعض من كثير.(/2)
4- يضاف إليها أكثر من أربعمائة حديث موضوع ومكذوب، يقول الحافظ العراقي (مُخرِّج أحاديث «الإحياء»)، عن قسم منها: «لم أجده»، أو: «لم أجد له أصلاً»، مما يجعلنا نظن أن الواضع لها، أو لبعضها على الأقل، هو الغزالي نفسه، أو كشفه، (أما إذا أردنا الحق، فيبقى الغزالي متهمًا بوضعها كلها، حتى يثبت العكس).
5- يضاف إليها أكثر من هذا العدد من الأحاديث الضعيفة، وبذلك يكون مجموع الأحاديث الموضوعة والضعيفة قريبًا من نصف مجموع أحاديث الكتاب، إن لم تكن أكثر.
وموقف الإسلام من هذا وذاك هو قوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم: «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وقوله: «من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين».
أما الذين يبتغون الهدى في مثل هذا الكتاب الذي يحتوي على مثل هذا العدد الضخم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فحكم الإسلام فيهم هو قوله سبحانه: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }؛ لأن الأخذ بالأحاديث الموضوعة هو من أعظم الشرك إلى جانب كون الذي يُحدِّث بها أحد الكاذبين، أما الأخذ بالأحاديث الضعيفة فطريقٌ إلى التهلكة؟ وذلك؛ لأن ضخامة عددها في الكتب المختلفة هي دليل على أكثرها من الموضوعات، وهذا يجعل خطر الأخذ بها كبيرًا جدًّا، أكبر من أية فائدة متوهمة.
ومن أعاجيب المتصوفة في المغالطة، أنهم عندما يقول لهم قائل: إن كتاب «الإحياء» مشحون بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، يكون الجواب الذي سمعناه مرارًا: «لقد خرّجها الحافظ العراقي وانتهى الأمر!!»، أو ما يدور حول هذا المعنى! فنقول:
- يا هؤلاء، اتقوا الله واخشوا يومًا تقفون فيه بين يديه، حيث لن تنفعكم جذباتكم ولا شياطين الجن التي تمسرح لكم مشاهداتكم في جذباتكم، ولا شيوخكم الذين يوصلونكم إلى جذباتكم.(/3)
- يا هؤلاء، إن الأخذ جهلاً بالحديث الموضوع، يمكن أن يكون معه عذر الجهل، أما الأخذ به بعد تخريجه، ومعرفة وضعه، فهو الشرك الأعظم!.
والأخذ بالأحاديث الضعيفة بعد معرفة ضعفها هو طريق يؤدي في النهاية إلى الضلال.
ولا بأس من إيراد كلمة في وصف «الإحياء» لأبي بكر الطرطوشي، يقول: «شحن أبو حامد «الإحياء» بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أعلم كتابًا على بسيطة الأرض أكثر كذبًا منه».
- نقول: إن قول أبي بكر الطرطوشي هذا، كان قبل تأليف كتب المتصوفة الأخرى.
6- يضاف إلى ما سبق، تفسير آيات القرآن الكريم تفسيرًا لا تعرفه اللغة العربية، ولا أصول التفسير، وما عرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من اتبعهم بإحسان، وقد مرت نماذج منها في الفصول السابقة، منها على سبيل المثال: { إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى }، و{ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى }، التي يجعلها إشارة إلى وحدة الوجود.
والغزالي لا يتفرد بهذا الأسلوب، بل كلهم في كل كتبهم يُحرفون الكلم من بعد مواضعه، وما أكثر الأمثلة التي مرت في هذا الكتاب، وهي بعض من كل.
7- يضاف إليها: أخبار غيبية عن الله سبحانه وتعالى، وعن الملائكة واللوح المحفوظ، وعن الرسل، وهي أخبار لا يمكن أن تُعرف إلا عن طريق الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد فيها أي دليل من هذا الوحي، ولعل الغزالي عرفها بالكشف! وقد رأينا نماذج منها.
وهي بالتالي كذب على الله، وكذب على ملائكته، وكذب على رسله، وكذب على اليوم الآخر، وكذب على القضاء والقدر (خيره وشره)، وكذب على الصحابة، وكذب على التاريخ، وكذب، وكذب، وكذب.
8- يضاف إليها دعوة إلى أخلاق غريبة، فالتواضع هو الذل والمهانة، والورع هو التفاهة والبلاهة، والتوكل هو الاستسلام تطوعًا للجوع والعطش والعرى والمرض، والزهد هو التسوُّل وأكل القمامات وروث الحيوانات، وقد رأينا نماذج منها.(/4)
9- يضاف إليها تعطيل أحكام الإسلام بحجج فيها الكثير من المكر، فهذا لم يُغير منكرًا أو لم ينه عنه، أو لم يقم بعمل خير خوفًا من أن يكون عمله رياءً، وذاك لم يأمر بمعروف خوفًا من أن يكون داخلاً في حكم الآية: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ }، وذلك لم يتضرع إلى الله ولم يسأله خوفًا من أن يكون دعاؤه اعتراضًا على قضاء الله، ورابع لم يتزوج خوفًا من أن يكون الزواج ركونًا إلى الدنيا، وآخر ينهى عن طلب الحديث والعلم؛ لأنه طلب للرئاسة، وآخرون ينهون عن تعلم القراءة والكتابة؛ لأنه أجمع لهمة المريد... إلى آخر ما مر وما لم يمر مما أفسد المسلم في دينه ودنياه.
10- يضاف إليها علم الكلام الذي أنكره نظريًّا واستخدمه عمليًّا في كل كتبه، وخاصة في «الإحياء»، استعمله بمهارة ولباقة، وأدخله في أصول العقائد والعبادات، حيث جاء إلى الاعتقادات الغيبية التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي، فأخذ يستنبطها بأساليب علم الكلام، ليُبرر تلقيها عن الكشف، بعد أن كانت لا تؤخذ إلا من نصوص القرآن وصحيح السنة.
واستعمله بمهارة ولباقة، فأقحم به الصوفية على الإسلام، حتى جعل المتصوفة هم «الخصوص»، وجعل أقطابهم «خصوص الخصوص»، وجعل أهل الشريعة هم العامة.
واستعمله بمهارة ولباقة، فجعل العبادات غير منجيات، وجعل المنجيات هي مقاماتهم الصوفية التي تُدمر الأخلاق والإيمان والإسلام.
11- يضاف إليها مجموعة وافرة من المعلومات الخرافية المبثوثة في الكتاب، والتي شكلت جزءًا هامًّا من المعارف والثقافة عند المسلمين طيلة القرون، وكانت سببًا لما وصلت إليه المجتمعات الإسلامية من ضياعٍ وتفتت، وقد مرت صور منها في الفصول السابقة.
- وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن قسمًا من «إحيائه» هو نصوص منقولة حرفيًّا من «قوت القلوب» للمكي، وبعضًا من «اللمع» للطوسي...(/5)
كما أنه يأخذ أفكاره وفلسفاته وأقواله في التربية والنفس والمجتمع، من أفكار وفلسفات إخوان الصفا، وقد انتبه إلى هذا كثيرون منهم ابن سبعين والمازري والذهبي وغيرهم.
لقد استطاع الغزالي بهذه الأساليب أن يمزج التصوف بالإسلام، ويجعل الآخرين يعتقدون أنهما شيء واحد.
وتبعه مثقفو المتصوفة على هذا النهج، وشيئًا فشيئًا، فشا هذا في الأمة، إلا من رحم ربك، وشيئًا فشيئًا، أصبح الإشراق وعلم الكلام آلة لاستنباط العقائد والعبادات في الإسلام، وشيئًا فشيئًا، جعلوا التصوف قمة الإسلام، وقبلوا تسميته «الإحسان»!
ولهذا السبب، أطلقوا على الغزالي لقب «حجة الإسلام»، وما هو إلا حجة الكهانة.
ولهذا السبب، جعلوا كتابه «إحياء علوم الدين» كتابًا مقدسًا، ففي كل بلاد المسلمين، نرى من يسمّون «العلماء» وأتباعهم، يقرؤون القرآن للتبرك، ولترديد كلمة «الله» عندما يقف القارئ على الآي، يمطونها ويكررونها! وكأنهم لم يقرؤوا قوله سبحانه: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، كما يقرؤون «صحيح البخاري» في المساجد جماعة إذا حزبهم أمر، بينما يقرؤون «الإحياء» و«الرسالة القشيرية» و«الحكم العطائية»، وغيرها من كتبهم، ليطبقوها ويتخذوها منهجًا طاغوتيًّا من دون القرآن والسنة، وأحسنهم طريقة من يُشرك كتب التصوف بالوحي المحمدي، يأخذ منها اعتقاداته وعباداته.
هذه هي الطريقة البرهانية بإيجاز، وهي لا تزيد عن كونها أسلوبًا ذكيًّا لاستدراج المسلمين وجرهم إلى نقمة «حكمة الإشراق»، إلى ضلالات الكهانة والكهان؛ إلى تلبيسات الخوارق الشيطانية وتفاهات العلوم اللدنية، إلى الوهم الممسرح الذي سموه معرفة، والكفر المموه الذي سموه توحيدًا، إلى الصوفية التي سموها «الإحسان».(/6)
ويجب أن لا ننسى الجهود، التي نشكوها إلى الله، والتي قدمها في خدمة التصوف كثير من شيوخ الجامع الأزهر، عبر تاريخ الجامع الأزهر، حيث كان طلاب العلم يأتونه من مختلف البلاد الإسلامية، فيتعلمون فيه العلوم الإسلامية ممزوجة بالتصوف وعلم الكلام (أي الطريقة البرهانية الغزالية) ثم يعودون إلى بلادهم لنشرها في مجتمعاتهم التي كانت تحترمهم وتأخذ عنهم؛ لأنهم «خريجو الجامع الأزهر» (!).
وهكذا صار التحشيش الإشراقي المتستر بالإسلام، وجذبات التحشيش الإشراقي المتلفعة بالإسلام، وهلوسات التحشيش الإشراقي الممزوجة بالإسلام هي الموجه الحقيقي للمجتمعات الإسلامية طيلة القرون الطويلة، حتى وصلت المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من جهل وتخبط وذل وانحطاط وتمزق.
وأعود فأذكر أن المتصوفة وعلى رأسهم شيوخهم وأقطابهم هم من أوائل المخدوعين والمضلَّلين، فهم قبل غيرهم، يعتقدون أنهم على منهج الإسلام، وأن الإسلام كذلك؛ لأنها لا تعمى الأبصار.
وهم عندما يخادعون ويراوغون ويغالطون، فإنما يعتقدون أن هذا من الحكمة وأن الله سبحانه يريد منهم ذلك، وأن الرسل كلهم أُرسِلوا من أجل ستر الحقيقة التي هي وحدة الوجود.
وهذا الحكم صحيح بالنسبة للذين أخذوا التصوف ممزوجًا بالإسلام (أو لغالبيتهم العظمى)، أما أوائل المتصوفة في الإسلام، الذين أخذوا الصوفية عن كهانها غير ممزوجة بشيء فأولئك كانوا خلاف ذلك؛ لأنهم هم الذين وضعوا لأخلافهم قواعد المكر والكيد حينما مزجوا الإسلام بالتصوف وأوصوا بالتقية ووضعوا العبارة الصوفية.
وماذا يُنتظر من مجتمعات تتعبد الله بمثل هذا منذ أكثر من تسعة قرون، إلا من رحم ربك؟ أليس ما وصلت غليه هذه المجتمعات هو نتيجة منطقية لهذا؟(/7)
ولا ننسى ملاحظة هامة، وهي أنهم نادرًا ما يستعملون عبارة «الطريقة البرهانية» أو «الطريقة الغزالية»، وإنما يستعملون في العادة عبارة «التصوف السني» وقد يُعبرون عنها أيضًا بمثل قولهم: «حقيقتنا مُقيّدة بالقرآن والسنة»، أو «طريقتنا سلفية وحقيقتنا صوفية»، وغيرها من العبارات التي مرت في هذا الكتاب والتي لم تمر.
ونختم هذا الفصل بفقرة لابن الطفيل، يقول:
وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي، فهو بحسب مخاطبته للجمهور، يربط في موضع ويحل في آخر، ويكفر بأشياء ثم ينتحلها، ثم إنه من جملة ما كفّر به الفلاسفة في كتاب «التهافت» إنكارهم لحشر الأجساد، وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة، ثم قال في أول كتاب الميزان: «إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع»، ثم قال في كتاب «المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال»: إن اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية، وإن أمره إنما وقف على ذلك بعد طول البحث، وفي كتبه من هذا النوع كثير يراه من تصفحها وأمعن النظر فيها، وقد اعتذر عن هذا الفعل في آخر كتاب «ميزان العمل»، حيث وصف أن الآراء ثلاثة أقسام:
1- رأي يشارك فيه الجمهور فيما هم عليه.
2- ورأي يكون بحسب ما يخاطب به كل سائل ومسترشد.
3- ورأي يكون بين الإنسان وبين نفسه لا يطلّع عليه إلا من هو شريكه في اعتقاده.
- نقول: إن ما أورده ابن طفيل هنا وارد في كتاب «الإحياء»، وقد مرت نصوصه في الفصول السابقة، ورغم هذا كله وغير هذا كله، يُسمون الغزالي «حجة الإسلام»؟!
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 635 – 643 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(/8)
مناقشة خوارق العادة
لمناقشة خوارق العادة عند الصوفية، يجب أخذ فكرة – ولو موجزة – عن تلك المخلوقات التي ترانا ولا نراها، والتي يجري خبثاؤها من ابن آدم مجرى الدم، هذه المخلوقات هي الجن، وخبثاؤها هم شياطين الجن.
لكن قبل المضي في ذلك، أُحب أن أُنبه إلى أمر:
يوجد في مجتمعاتنا، كما في كل المجتمعات، متعالمون يدَّعون العلمية، والفكر العلمي، والأسلوب العلمي في التفكير، وقد يكونون علماء – في اختصاصاهم – فعلاً.
وإلى جانب هذه الميزة، توجد عند بعضهم ميزة أخرى، هي مقدرتهم على الكتابة بأسلوب قد يكون رائعًا وقد يكون مقبولاً، كما قد يحمل بعضهم ألقابًا علمية عالية.
قد يخطر على بال أحد هؤلاء العلميين أن يتكلم عن «الخرافة»، فيكتب مقالة في جريدة أو مجلة أو بحثًا في كتاب، يوزع فيه لقب «الخرافة» على كل ما يخالف قناعاته الفكرية التي لم يكلف نفسه بدراستها دراسةً علمية عميقة.
ومن جملة ما يقذفونه في زنبيل «الخرافة» الجن وخرق العادة.
هنا، أرجو من القارئ الكريم أن يُغلق أذنيه؛ لأنني أريد أن أهمس في أذن هؤلاء «العلميين» همسة صغيرة، فأقول لهم:
1- مرحبًا يا علميون (لأن السلام قبل الكلام).
2- من منسياتكم: أساليب البحث العلمي ووسائل تختلف حسب الموضوع المعروض للبحث!
فمثلاً: وسائل البحث العلمي وأساليبه في مسألة فلكية، تختلف كليًّا عنها في مسألة كيميائية، وهذه تختلف كليًّا عنها في مسألة تاريخية... وهكذا.
وكلها تختلف كليًّا عن جلسة الصفا أمام الكأس المفعمة في جو الموسيقى الراقصة في ماخور عام أو خاص.
كذلك البحث العلمي في مسألة الجن وخرق العادة له أساليبه ووسائله الخاصة، التي تختلف كليًّا عنها في غيرها، ويمكن لكل من يريد متابعتها أن يتابعها، ليتأكد بنفسه من وجود الجن، ومن حدوث خرق العادة، وبذلك سيعرف أنه كان يغرف من زنبيل الخرافة عندما كان يظن أن الجن وخرق العادة من الخرافة.(/1)
لكنه سيجد – في خوضه هذا البحث – أناسًا يخوضون فيه، وقد مسخت الخرافة عقولهم! فهم يعزون كل شيء إلى الجن! ويؤمنون بخوارق لا وجود لها إلا في مخيلاتهم المريضة، فهم بفهمهم السقيم للجن وخرق العادة، يغرفون أيضًا من زنبيل الخرافة، ولكن من الجانب المقابل وبنَهمٍ لا يشبع.
فكلا الأخوين خرّاف، ولكن ذوي الفهم السقيم في الجن وخرق العادة، هم أخرف من أولئك؛ لأن أكثر ما لا يفهمونه خاضع لسنن الله في خلقه، عدا عما يضخمونه من الأمور العادية.
وعلى كل حال، الجن موجودون، وخرق العادة موجود، وكاتب هذه الكلمات، خرقت أمامه العادة مرات ومرات.
- نعود لأخذ فكرة موجزة عن الجن:
للجن قدرات وخواص مادية وتشريحية وفيزيولوجية ونفسية، تختلف كثيرًا عما يقابلها لدى الإنسان، يهمنا منها ما يلي:
1- يستطيعون الترائي للإنسان بأشكالٍ مختلفة، وأحجام تتراوح أطوالها بين مليمترات (أو أقل)، وبضعة أمتار لا يستطيعون تجاوزها، وإن استطاعوا فغير كثير، وذلك تبعًا لأحجامهم الطبيعية، ولعل الترائي بالأحجام الصغيرة جدًّا يكون بجزء من أجسامهم.
2- يستطيعون، عندما يتراءون ألا يتركوا أحدًا من الناس يراهم، إلا من يريدونه أن يراهم.
3- «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم»، وبذلك يستطيع أن يدغدغ مراكز الحس التي يريد، فيثير البسط والقبض، واللذة والانزعاج، والتجلي الجمالي والتجلي الجلالي، مع العلم أن هذه الإحساسات وأمثالها، لها في الأساس أسباب فيزيولوجية.
4- يستطيعون قطع المسافات بسرعات كبيرة، فقد يقطعون في الثانية الواحدة مسافة تقاس بالكيلو مترات، إن لم يكن أكثر من ذلك.
5- يستطيع الواحد منهم (أو بعضهم) حمل ثقل يعجز عنه عدد من أفراد الإنس.
6- يظهر أن للجن متعة خاصة بالتلهي ببني الإنسان والتلاعب بعقولهم وعواطفهم، وملازمتهم.
بهذه الميزات، وبغيرها، يستطيع شياطين الجن أن يصنعوا لوليهم «العارف» بعض الأعمال الخارقة للعادة.(/2)
فقد يأتونه بخبر جديد من بلد بعيد بعض البعد، بعد وقوعه بدقائق، فيخبر به الناس، الذين عندما يتأكدون من وقوعه، يعتبرونه كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يوسوسون لإنسانٍ ما، بفكرة ما، ثم يلقونها إلى الشيخ، فيخبره بها، فيعتبرونها كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يلقي الشيطان إلى الشيخ أسماء أشخاص لا يعرفهم، فينبئهم بها، فيعتبرونها كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يكون الشيخ في بلد ما، في وقت ما، ويتمثل به شيطان في بلد آخر في نفس الوقت، وقد يتمثل به شيطان ثالث في بلد ثالث في نفس الوقت أيضًا، فيرى أهل كل بلد أن الشيخ كان عندهم في ذلك الوقت! دون أن يعرفوا – لجهلهم – أنها خدعة شياطين! ويعتبرونها كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يتراءى شيطان، أو شياطين، أمام الشيخ، بشكل شخص، أو أشخاص غائبين أو أموات، فيعدها الشيخ كرامة له.
وقد يتراءى شيطان الشيخ أمام الشيخ بشكلٍ ما، ويوهمه أنه محمد رسول الله r، أو أحد غيره من الأنبياء.
وقد يتراءى شيطان أو أكثر أمام الشيخ بشكل أشباح تتطاير، فيظنهم من الملائكة أو من أرواح الأولياء.
وقد يحمل الشيطان وليّه العارف في الهواء وينقله من مكان إلى مكان وقد يمشي به على سطح الماء.
.... وقد .. وقد ... إلى آخر ما يسمونه – جهلاً أو افتراءً – الكرامات! والتي لا تزيد عن كونها ألاعيب شياطين يخدعون بها وليهم العارف، ثم يخدعون به وبها الآخرين.
وهنا نصطدم مع هؤلاء القوم، بفهمهم السقيم للغة العربية، وبالتالي، لنصوص الحديث الشريف، ومن قبله القرآن الكريم.
إنهم، في رؤيتهم لما يتوهمونه أنه محمد r، يظنون أنهم يرونه حقًّا، ويحتجون لذلك بالحديث الشريف: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا، فإن الشيطان لا يتمَثَّلُ بي».(/3)
والحديث واضح البيان، لا لبس فيه ولا غموض! فهو يقول: «من رآني...»، والفرق كبير جدًّا بين هذا القول وبين: «من رأى شخصًا يدَّعي أنه أنا..»، أو: «من رأى شخصًا وظن أنه أنا...»، أو: «من رأى شخصًا وقيل له: إنه أنا..»! الفرق كبير جدًّا بين هذه العبارات وبين عبارة الحديث: «من رآني..»، التي تعني رؤيته r، بشكله وصورته التي كان عليهما، بل وزيه أيضًا.
ويقول في الحديث أيضًا: «.. فإن الشيطان لا يتمثل بي»، وفي رواية: «لا يتمثل بصورتي»، والمعنى واحد. وهنا أيضًا الفرق كبير جدًّا بين هذا القول، وبين قوله لو قال: «.. فإن الشيطان لا يدعي أنه أنا» أو «لا يستطيع شيطان أن يقول عن شيطان آخر: إنه أنا»، أو: «لا يستطيع أحد أن يُخدع فيتوهم شيطانًا يراه أنه أنا» !
إن عبارة «فإن الشيطان لا يتمثل بي» تعني أن الشيطان لا يستطيع أن يتراءى بصورة الرسول وشكله وزيه التي كان عليها r في حياته، بحيث لو رآه أي إنسان من أصحابه لعرفه أنه هو.
وقد يتساءل متسائل: كيف نعرف إن كان من نراه في المنام هو الرسول أم لا؟
الجواب: تورد كتب الحديث وكتب الشمائل أوصافه r، فمن رآه في منامه إنسانًا تجتمع فيه كل تلك الأوصاف، دون استثناء، فهناك احتمال أن يكون هذا الذي رآه هو الرسول r .
وأقول هنا احتمال أن يكون هو الرسول، لأن الأوصاف المذكورة هي أوصاف إجمالية لا تفصيلية، وغير دقيقة، حيث يكن أن نراها مجتمعة في عشرات الأشخاص الذين يختلفون عن بعضهم بدقائق صورهم وتفاصيلها.
وفي قصة جماعة الحرم عبرة لأولي النهى، فقد رأى عشرات منهم الرسول في المنام، وأخبرهم أن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر، ولا يخلو أن يكون بعضهم على علم بأوصاف الرسول الموجودة في الكتب، وأن يكون رآه حسب تلك الأوصاف المجملة، ثم كانت النتيجة أن القحطاني لم يكن المهدي، وبالتالي كانت كل تلك الرؤى من وسوسات الشياطين، أو من حديث النفس.(/4)
إن في هذه الحادثة برهان عملي ساطع على أن الشيطان يدعي أنه محمد r ، وأن معنى الحديث: «لا يتمثل بي».
أي لا يظهر بصورته وشكله الكاملين اللذين كان r عليهما في حياته.
كما يجب أن لا ننسى العدد الوافر من الأولياء العارفين الذين رأوا الرسول r وأخبرهم أنهم هم «المهدي المنتظر»، ثم كانت النتيجة أن الذي رأوه كان إما وسوسة شيطان، أو حديث نفس، أو كشفًا إن كان الرائي من المكاشفين.
هذا بالنسبة للرؤية في المنام أو في الجذبة.
أما ما يقوله المتصوفة من الرؤية في اليقظة فهذا واضح البطلان والضلال، كما هو واضح أن المترائي هو شيطان يضحك على أذقانهم، ويسلبهم عقولهم وإيمانهم، ويضل بهم غيرهم.
إن الشيطان يدّعي أنه الله، فهل كثير عليه إن ادّعى أنه الرسول؟
وهناك خارقة يؤخذ بها المخدوعون أكثر من غيرها، هي ضرب الشيش في الخدَّين والبطن حيث الأمعاء، وفي الجلد، وهي مشتهرة بين أتباع المشيخة الرفاعية والجزولية والعيسوية، يمارسونها في حضراتهم التظاهرية، وهي مثل غيرها لا تزيد عن كونها شيطانيات، بدليل أنها تحصل مع الكفرة، بل يحصل منهم ما هو أكبر منها، وفي فصلٍ لاحق سنرى شيئًا من هذا، ولعله من الجائز أن يكون تفسير هذه الخارقة كما يلي:
أ - لجلد الإنسان خاصة مطاطية، وكذلك الخدان والبطن والأمعاء، وهذا مشاهد ملموس.
ب - إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو بذلك يستطيع التخلل في أي مكان من الجسم.
ولعله يجد بذلك متعة خاصة نجهل طبيعتها.
وتتم العملية حسب الآتي:(/5)
يوجه الشيطان يد الشخص المتخلل فيه، ليضع الشيش في المكان المناسب من البطن، وعندما يضعه على الجلد، يباعد الجني بين خلايا النسيج الجلدي، وما تحته بمقدار ما يمر الشيش بسلام دون أن يمزق شيئًا من الخلايا، وعندما يصل الشيش إلى الأمعاء (في المكان المناسب) يباعد الشيطان بينها، كما يباعد بين خلايا النسيج الذي يضمها بمقدار ما يمر الشيش بسلام أيضًا... وهكذا.. يساعده على ذلك الخاصة المطاطية في هذا الأجزاء من الجسم، وسرعة الحركة التي يمتاز بها الجن.
ومثل هذا يحدث في الخدين وفي الجلد.
لكن مهما كانت الدقة التي ينفذ بها الجن هذه العملية بالغة، فلابد من تمزق بعض الخلايا، مما يسبب سيلان قطيرة أو قطيرات من الدم عند سحب الشيش.
كما يبقى المكان الذي حصلت فيه العملية أحمر بعض الشيء لمدة ما، بسبب الضغط التي عانته الأنسجة.
- طبعًا، هذا تفسير ظني، أما الحق، فيجب أن تخضع هذه الظاهرة ومثيلاتها إلى دراسة علمية جادة، وستكون وسيلة لاكتشاف مساحات مجهولة من النفس الإنسانية، بل والحيوانية أيضًا، كما ستكون وسيلة لاكتشاف وظائف فيزيولوجية مثيرة.
أما عملية قطع العنق بالسيف، أو قطع اليد، وما شابهها، فهي خداع بصري يقوم به أيضًا خبثاء الجن، وكذلك ضرب الرصاص.
وهناك عملية الدخول في النار التي تكاد تنعدم عند متصوفة المسلمين، بينما توجد بين كهنة الهنادكة، وهي عملية يقوم بها الجن أيضًا، يساعدهم عليها سرعتهم الهائلة، وقوتهم على الحمل، ومقدرتهم على الترائي بشكل الإنسان، وأن النار العادية لا تؤثر فيهم.
كما يساعدهم أيضًا، خاصة بصرية عند الإنسان، فالعين الإنسانية لا تحس بما يحدث أمامها في مدة تقل عن عُشر الثانية.
تحدث العملية بأن يحمل شياطين الجن الفقير الذي يتظاهر بالعزم على دخول النار وتنقله إلى مكان آخر، ثم يتراءى شيطان مكانه بشكله.(/6)
تتم هاتان العمليتان في مدة تقل كثيرًا عن عُشر الثانية، فلا يرى أحد من الناس الحاضرين شيئًا مما حدث، ويرون الفقير ما زال في مكانه يستعد للدخول في النار!
يدخل الجني المترائي بشكل الفقير إلى النار، ويخرج منها، دون أن تؤذيه طبعًا، وبعد خروجه، يعيدون الفقير، ويتلاشى الجني بنفس السرعة السابقة، ولا يرى أحد من الناس الحاضرين إلا أن الفقير دخل في النار وخرج منها سالمًا، بل والفقير نفسه، قد لا يحس بما حدث، وقد يظن أنه دخل النار في حالة غيبوبة.
* الخلاصة:
خوارق الصوفية، التي يسمونها كرامات، كلها ألاعيب شيطانية، وهي نفس الخوارق السحرية، ونفس الخوارق الكهانية التي تحدث في كل الوثنيات.
وللعلم: تعلم السحر يتم بالشرك الكامل في الشيخ الساحر (تمامًا كالشرك في الشيخ الصوفي)، وبالقيام بنفس الرياضة الصوفية، وخاصة ما يسمونه «الذكر»، والذي يسمونه في السحر «القَسَم» أو «الطلّسم» وليس هنا مكان هذا البحث.
إن الفرق بين الصوفية والكهانة والسحر هو الادعاء فقط، فالصوفي والكاهن يدعيان بغرور السير إلى الله والعروج إليه، والساحر أصدقهم، والصوفي والكاهن غايتهما الجذبة، والساحر يقف عند خرق العادة، وإذا أراد الجذبة اختصر الطريق إليها بتناول شيء من الحشيش أو الأفيون وما شابههما، وقد يصل إلى الجذبة بالرياضة.
إن هذه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها «كرامات» لا تكفي لدفع الشيخ وأتباعه إلى مستنقع الكفر، إلى وحدة الوجود؛ لأن الأمر يحتاج إلى تمثيليات من نوع آخر، تظهر فيها مناظر غريبة ذات أبعاد كبيرة، لا يستطيع شياطين الجن تمثيلها لصغر أجسامهم بالنسبة لها! لذلك كان لابد من خواص الجذبة ليستطيعوا تنفيذ تلك التمثيليات.
فلننتقل إلى مناقشة الجذبة وخواصها.(/7)
وقبل الانتقال، نذكر أن الكرامات الصحيحة موجودة، لكن الطريق إليها هو طريق الإسلام الذي أنزله الله على محمد r، وكانت تظهر أكثر ما تظهر في الانتصارات العجيبة التي تشبه الأساطير، وفي الأخلاق الكريمة والسلوك العادل المتسامح مع المسلم ومع غير المسلم، والدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول الحق بصراحة تامة مع المقدرة على الاحتفاظ بصداقة الذي يدعونهم وينهونهم... وهكذا انتشر الإسلام.
مع ملاحظة هامة، هي أن الذي ينتهج النهج الصحيح في الإسلام، لا يعني أن كل خرق عادة يحصل أمامه هو كرامة، وعلينا أن نتذكر، بل علينا ألا ننسى الآية: ]فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ[، وهذا يعني أن الخوارق التي تحصل أمام الذي ينتهج نهج الإسلام الصحيح، كما كان ينتهجه سلف الأمة من الصحابة وتابعيهم، هذه الخوارق سيكون أكثرها من الشيطانيات، وأقلها، إن لم يكن أندرها، من الكرامات الحقيقية.
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 647 – 654 بتصرف يسير )(/8)
نظرات في حديث توسل الضرير [ رد على القبورية ].
السلام عليكم,,
بسم الله الرحمن الرحيم .
كثير ما يتشدق اهل البدع بإستحلال التوسل بالذوات إستناداً بحديث الضرير . وكأنهم غفلوا أو تغافلوا عن استقرآء الحديث , وتفهم أحكامة .
ولذلك أحببت أن أعرج لإضاح المغزى من ذلك الحديث .
أسأل الله العلي العظيم أن يوفقني بإيضاح ما غفل عنه عباد القبور .
نص الحديث :
مسند الإمام أحمد بن حنبل ج4/ص138
17279 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان بن عمر انا شعبة عن أبي جعفر قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف ان رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله ان يعافيني قال ان شئت دعوت لك وان شئت أخرت ذاك فهو خير فقال ادعه فأمره ان يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم اني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد اني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في
نظرات في حديث الضرير .
أعلم هداك الله أنه اذا كان الثابت توسلهم [ أي الصحابة ] بدعاء النبي حين كان حياً وتوقفهم عن التوسل بدعاء غيره من بعده : فلا يعود ثم حاجة الى تقدير مضاف لأن معنى التوسل والإستشفاع في عرف الصحابة ولسانهم هو التوسل بالدعاء لا بالذات ولا بالجاه , ومن كان عنده ما يثبت توسلهم بالذات فليأتنا به .
*ان النبي هو الذي تعلمنا منه هذه الإضافة حين قال : " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها : بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " (رواه البخاري 2896)
وعلمنا أن الدعاء هو المقصود حين قال له " إن شئت دعوت لك " فقال الرجل " بل أدعه " ولكن المصرين على التوسل بالذوات لا يعلمون وإنما يتجاهلون .
وتوسل الأعمى بدعاء النبي هو أمر مشروع لتوافر الأدلة عليه ولا بد من الوقوف في قصة الأعمى على فوائد مهمة :(/1)
1-أن الأعمى ذهب الى النبي ليطلب منه الدعاء ولو كان التوسل بالذوات مشروعاً لم يكن ثمة حاجة للذهاب اليه إذا كان يكفيه أن يتوسل به من غير أن يذهب اليه . فيقول " اللهم إني أسالك بنبيك " لكنه ذهب وطلب منه أن يدعوا له .
2-أن النبي وعده بالدعاء له فقال " إن شئت دعوت لك " فألح عليه الأعمى بالدعاء قائلاً " بل أدعه " وهذا وعد من الرسول بالدعاء للأعمى , علقه على مشيئته , وقد شاء الأعمى بقوله " بل أدعه " ويقتضي أنه دعا له , وهو خير من أوفى بما وعد , ويؤكد ذلك أيضاً قول الأعمى في دعائه الذي علمه الرسول أن يدعوا به " اللهم فشفعه في " أي اقبل دعاءه في . والشفاعة معناها دعاء كما قال في لسان العرب " الشفاعة كلام شفيع للملك في حاجة يسألها لغيره . والشافع : الطالب لغيره , يتشفع به الى المطلوب يقال تشفعت بفلان الى فلان " . وبهذا يثبت الأمر كان يدور على دعائه لا ذاته أو جاهه .
3- أن النبي أمره أن يتقرب إلى الله بعدة وسائل منها التوسل إليه بالعمل الصالح وهو " احسان الوضوء " " وإتيان ركعتين " يدعوا اللله عقبهما أن يستجيب دعاءه في أن يقبل دعاء النبي له وهذا هو معنى قوله " وشفعني فيه " أي أدعوك أن تتقبل دعاء النبي لي .
4-وهذه العبارة لا يفقهها المبتدع بل لا يريدون أن يفقهوها لأنها تنسف بنيانهم من القواعد وتكشف وتكشف أن التوسل كان بدعاء النبي وبالعمل الصالح لا بذات النبي فإن شفاعة النبي للأعمى مفهومه عندهم ولكن معنى شفاعة الأعمى لنبي كما قال " وشفعني فيه " ؟ علماً بأن معنى الشفاعة في اللغة : الدعاء . إن معناها " اللهم اقبل دعائي في استجابة دعاء نبيك لي . ولا يمكن لأحد بعد موت الرسول أن يقول : "ة اللهم اقبل شفاعته في " فهذا مذهب باطل لا يزعم أحد أن دعاء النبي حصل له وهو في قبره .
5-فاللغة والشرع يشهدان بصحة ذلك . ولكن ماذا نفعل في أناس تجنوا على اللغة والشرع ؟(/2)
ولنتأمل هذين الحديثين فعن أنس وعائشة عن النبي قال : " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " وفي رواية ابن عباس " ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " فمعنى شفعهم اللله فيه أي قبل دعاءهم له . فيصير معنى " شفعني فيه " أي اقبل دعائي بأن تستجيب دعاءه .
6- أن علماء الحديث كالبيهقي ذكروا هذه الحادثة ضمن معجزات الرسول وهو سر في حصول هذه المعجزة التي لم نسمع بعد موته مثلها بين الصحابة ولا بعدهم الى يومنا هذا . السر هو دعاء النبي .
7-أن الصحابة من أصيبوا بالعمى بعد موته كابن عباس وابن عمر , ولم يعهد أنهم استعملوا هذ الدعاء , بل تركوا التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوسلوا بدعاء العباس وغيره . وليس ثمة تفسير لذلك إلا افتقاد شرط دعاء النبي وإلا فجاهه عند الله عظيم حيا أو ميتا . هكذا فهم الصحابة التوسل : تركوا التوسل به اجماعاً كما في قصة عمر يوم أجدبوا وسألوا الله بدعاء عمه العباس . فالثابت المروي عن جماعتهم في ترك التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته أصح سنداً مما نقل نقل عن فعل أحد أفرادهم مما يعارض ذلك .
وكل هذه المعاني التي ذكرت دالة على وجود شفاعة بذلك . وهو دعاؤه عليه السلام له أن يكشف عاهته , وليس ذلك بمحظور , غاية الأمر أنه توسل من غير دعاء بل هو نداء , والدعاء أخص من النداء , إذ هو نداء عبادة شامله للسؤال بما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وإنما المحظور السؤال بالذوات لا مطلقاً بل بمعنى أنهم وسائل إلى الله سبحانه بذواتهم , وأما كونهم وسائل بدعائهم فغير محظور , وإذا إعتقد أنهم وسائل إلى الله بذواتهم فسأل منهم الشفاعة للتقريب إليهم فذلك عين ما كان عليه المشركون الأولون ( جلاء العينين 455)(/3)
8-أن قوله " يا محمد اني توجهت بك الى ربي " أي أتوجه بدعائك الذي وعدتني به حين قلت " إن شئت دعوت لك ". وهذا ما فعله الرجل فإنه توجه الى النبي وطلب منه أ يدعو له .
9-فهو يُشهد الله أنه توجه الى نبيه ليسأله اللله له وكأنه يقدم هذه الشهادة بين يدي سؤاله ربه ومثل هذا كثير في الدعاء كقوله تعالى " ربنا اننا آمنا فاغفر لنا " وتقديم أصحاب الغار عملهم الصالح بين يدي دعائهم لله .
وهذا التوجه هو حكاية حال , يحكي فيه أنه توجه وذهب الى النبي فطلب منه أن يدعوا ربه . ولم يسأله في غيابه كما يفعل أهل البدع
.10- وهؤلاء يفهمون من قوله صلى الله عليه وسلم " إئت الميضاء " وكأنه معناه عندهم إذهب إلى بيتك . ولم لا تكون الميضاة قريبة منه كما يفهم من سياق الرواية , وليس هناك دليل على أن الأعمى ذهب إلى مكان آخر وصلى ثم دعى بهذا الدعاء ؟!
وبتقدير أن يكون كلامه من بعيد .يكون التوجه خطاباً لحاظر في قلبه وليس استغاثة كما نقول في صلواتنا " السلام عليك يا أيها النبي " وكما يقول أحدنا اليوم ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ) وكما قالت فاطمة حين مات ( وا أبتاه : أجاب رباً دعاه ) . ودليل قوله في نهاية الدعاء "اللهم شفعه في " أي اقبل دعاءه في .
11- فأما التوجهه الذي يفهمه المبتدعة أي التوجه الى النبي الى جهة قبره بعد موته كما علمهم شيوخ طريقتهم ومن ذلك الصوفي محمد الصيادي الرفاعي حين قال "أن من أصابته ضراء فليتوجه نحو قبر الرفاعي ويخطو ثلاث خطوات ويسأل حاجته ( قلادة الجوهر 434) . وهذا من سنن النصارى .(/4)
12-أما سنة نبينا فقد كان يستقبل القبلة في دعائه وويسأل الله وحده , ويقول في دعاء الاستفتاح في الصلاة " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين ان صلاتي ( والدعاء صلاة ) ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " فالتوجه الى اللله بالدعاء هو ملة الحنيفية , ودعوة الناس والتوجهه الى مقابر الانبياء والأولياء هو ملة الشرك فإن توجه بدعاء النبي وهذا حق وهذا ماحدث حقا فقد توجه الى النبي ليدعوا له فوعده بذلك . ولذلك قال في آخر دعائه " اللهم فشفعه في " أي اقبل دعاءه في .
والجل يحكي ما فعله وليس في صيغة كلامه ما يستدل به على جواز قول المشركين " شيء لله يا رسول الله "وقول المالكي :
فبالذي خصك بين الورى برتبة عنها العلى تنزل
عجل بإذهاب الذي أشتكي فان توقفت فمن ذا نسأل
والدليل على ذلك أن ننظرماذا قال الأعمى بعد قوله " يا محمد "؟
هل قال أغثني أعد بصري ؟
نعم , لقد قال ( يا محمد ) لكنه لم يسأله , والمبتدعة اذا قالوا ( يا محمد ) يقولون أغثنا أمددنا , تعطف تكرم تحنن علينا بنظرة .......ألخ .
فإن كان سأله بعد قوله : " يا محمد " فقد قامت حجت المبتدعة , وإن كان لم يسأله فقد قامت الحجة عليهم . فالحديث حجة عليهم لا لهم .
وليس كل خطاب لغير حاظر استغاثة به , وإلا فقد خاطب عمر بن الخطاب الحجر الأسود قائلاً "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع , ولولا إني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك " رواه البخاري ومسلم.(/5)
هل خلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور؟
د.الصادق محمد ابراهيم
يعتقد الغلاة من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن هذا النور مخلوق من نور الله جلَّ وعلا.
فممن قال بذلك منهم: ابن عربي الحاتمي(1) وعبد الكريم الجيلي(2) وأبو الحسن بن عبد الله البكري(3) والبريلوي(4)، ومحمد عثمان عبده البرهاني(5) وغيرهم.
ومناقشة هؤلاء الغلاة فيما يعتقدونه في مطلبين:
الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت.
الثاني: المفاسد العقدية المترتبة عليه.
المطلب الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت:
استدل الغلاة بالحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في مواضع متفرقة من كتبهم، ولكن أشمل رواية لهذا الحديث وجدتها عند شيخ الطريقة البرهانية في كتابه ( تبرئة الذمة) حيث يقول:(/1)
(روى عبد الرزاق(6) بسنده في كتابه (جنة الخلد) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت: {يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قَسّم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله. ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون من نوري، والروحانيون من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله آدم من الأرض ورَّكب فيه النور وهو الجزء الرابع، ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين. هكذا بدأ(/2)
خلق نبيك يا جابر}. حديث صحيح)(7).
أقول وبالله التوفيق:
لقد حاولت أن أسير في بحثي هذا في نقد الروايات الحديثية على منهج المحدثين قدر الجهد، والطاقة: فأذكر أقوال أهل العلم في نقد السند ثم المتن. أمَّا الحديث موضوع الدراسة فكل الذين ذكروه لم يذكروا له سنداً، وإنما اكتفوا بنسبته إلى عبد الرزاق الصنعاني فقط دون ذكر السند ولا الكتاب الذي ورد فيه، عدا شيخ الطريقة البرهانية فقد أحال إلى كتاب (جنة الخلد) ونسبه إلى عبد الرزاق، وقد بحثت عن هذا الكتاب لعلي أطلع على سند الحديث، ولكن دون جدوى فلم أعثر له على أثر، بل لم أقف على من نسب الكتاب لعبد الرزاق، وكذلك بحثت في كتب عبد الرزاق الأخرى فلم أجد له أثراً، وقد بحث غيري أيضاً عن هذا الحديث المزعوم فلم يعثر عليه.
يقول عدَّاب الحمش: (نسبه العجلوني إلى عبد الرزاق وقد كنت أرجح أنه في تفسيره لأنني اجتهدت فلم أقف عليه في المصنف... إلى أن قال: ثم ترجح عندي أنه من غرائب ابن عربي وابن حمويه والبكري)(8). بل قد شهد شاهد من القوم على براءة عبد الرزاق من هذا الحديث.(/3)
يقول عبد الله بن الصديق الغماري(9) معلقاً على قول السيوطي في الحاوي على هذا الحديث: (إنه غير ثابت) (وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَسٌ صوفي... إلى أن قال: والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في (مصنفه) ولا (تفسيره) ولا (جامعه) وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدَّق هذا العزو المخطىء، فرّكب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له. فجابر رضي الله عنه بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهَّر هذا الحديث ابن عربي الحاتمي، فلا أدري عمن تلقاه وهو ثقة(10)، فلا بُدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وضعه، ومثل هذا الحديث ما روي من طريق أهل البيت عن علي عليه السلام مرفوعاً: {كنت نوراً بين يدي ربي قبل أن يُخلق آدم بأربعة عشر ألف عام} وحديث: {لولاك ما خلقت الأفلاك} وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات، وأصبحت عقيدة راسخة في أذهان العامة)(11).
ومما يشهد على وضع الحديث أن الغلاة لم يعزوه لغير عبد الرزاق مما يؤكد خلو دواوين السنة المعتبرة عند عامة المسلمين منه كالصحاح والسنن والمسانيد، ومن القرائن التي يعرف بها الوضع في الحديث أن لا يتداوله علماء الحديث.
المطلب الثاني: المفاسد العقدية المترتبة على هذا الحديث:
المفسدة الأولى: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور.
وهذا باطل من وجهين:(/4)
الوجه الأول: إن في إثبات هذا المعنى الذي زعموه نفياً لبشرية الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمره الله تعالى أن يعلنها في الملأ، قال تعالى: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولاً)) [الإسراء:93]. والبشر مخلوقون من تراب لا من نور قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)) [الروم:20]، وقال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ..)) [فاطر: 11] الآية، والآيات كثيرة في هذا المعنى. فربُّ العزة والجلال يخبرنا أن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشر، وأن البشر مخلوقون من تراب، فهذا خبر عام يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من بني آدم عليه السلام. فتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص. وأمَّا الحديث المنسوب إلى عبد الرزاق فلا يجوز التخصيص به أصلاً؛ لأنه ليس حديثاً صحيحاً؛ لما سبق ذكره(12).
قال ابن تيمية: (والنبي صلى الله عليه وسلم خُلق مما يخُلق منه البشر، ولم يُخلق أحد من البشر من نور، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وصف لكم}، وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط، بل قد يخلق المؤمن من كافر والكافر من مؤمن، كابن نوح منه، وكإبراهيم من آزر، وآدم خلقه الله من طين، فلما سوّاه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء وبأن خلقه بيديه، وبغير ذلك(13). فهو وصالحو ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور)(14).(/5)
الوجه الثاني: إن الذين قالوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور، غفلوا عن الآية من أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، لا قدرة له إلا قدرة البشر، وإنما يؤيده الله تعالى بالوحي، وبنصره كيف يشاء ربنا ويرضى. وذلك لمّا طلب منه المشركون أموراً ليست في قدرة البشر على سبيل التعجيز، أمره ربه جل وعلا أن يقول: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا)) [الإسراء:93] وإنما الله وحده هو المتصرف في جميع الأمور إن شاء أتاكم بما سألتم عنه وإن شاء منع، وهذا دليل واضح على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من آيات بينات، ودلائل واضحات ليست في قدرة البشر إنما هو أمر من عند الله جل وعلا.
المفسدة العقدية الثانية: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى.
جاء في حديث جابر المزعوم: {أن الله تعالى خلق نور نبيه من نوره}.(/6)
قال تعالى: ((وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)) [النور:16] نزلت هذه الآية الكريمة في عتاب المؤمنين لمّا تعاطى بعضهم حادثة الإفك على سبيل الحكاية ولم ينكروا ذلك وينزهوا الله تعالى أن يحدث مثل هذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان(15). فيجب على كل مسلم أن يُنزّه الله تبارك وتعالى مما نسبه إليه هؤلاء الغلاة من خلق نبيه صلى الله عليه وسلم من نوره سبحانه. وإنما جاؤوا به افتراءً للكذب على الله، قال سبحانه: ((وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ)) [يونس:60]، وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [يونس:69]، وقال: ((قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [يونس:68] فالمسلم لا ينسب شيئاً إلى الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وعنده فيه من الله برهان، وقد ذم الله تعالى أقواماً نسبوا إليه القول والفعل من غير برهان منه سبحانه، قال تعالى: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116]، وقال تعالى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103].(/7)
ألا يعي هؤلاء الغلاة ما يخرج من رؤوسهم ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5].
ويترتب على اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى: القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عند أئمة الصوفية خُلق من نور الله تعالى، ثم خُلق من نور النبي صلى الله عليه وسلم بقية المخلوقات. وهذا الذي ذهبوا إليه من خلق العالم أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود(16)، والفناء(17) أو الاتحاد بالله تعالى.
يقول عارفهم ابن عربي: (فلما أراد -الله- وجود العالم وبدأه على حد علمه ما علمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، انفعل عنها حقيقة تُسمى الهباء وهي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا أول موجود في العالم... ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء... فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل(18)، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي)(19).
ويقول عارفهم عبد الكريم الجيلي: (ولما خلق الله تعالى العالم جميعه من نور محمد صلى الله عليه وسلم كان المحل المخلوق منه إسرافيل قلب محمد صلى الله عليه وسلم)(20). ويقول أيضاً: (... ثم إن العقل الأول المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلق الله جبريل عليه السلام منه في الأزل، فكان محمد صلى الله عليه وسلم أبا جبريل وأصلاً لجميع العالم)(21).(/8)
وقال أيضاً: (اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته، وذات الحق جامعة للضدين، خلق الملائكة العالين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد صلى الله عليه وسلم)(22).
فَخَلْقُ العالَمِ أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود أو الاتحاد بالله تعالى، وبيان ذلك يكون بعد إثبات أن ما ذهبوا إليه لم يكن وليد أفكارهم، وإنما كان مستمداً من مصادر فلسفية قديمة تأثروا بها ونقلوها إلى المسلمين، وما زال تأثيرها إلى وقتنا الحاضر.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الفتوحات المكية (1/119) دار صادر.
(2) الإنسان الكامل (2/46).
(3) البكري: الأنوار ومصباح السرور والأفكار وذكر نور محمد المصطفى المختار ص (4) وما بعدها.
(4) أحمد رضا البريلوي، مؤسس الطريقة البريلوية بباكستان. انظر: رسالة (صلاة صفا) المندرجة في مجموعة رسائل (1/33)، نقلاً عن البريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ص (17).
(5) شيخ الطريقة البُرهانية الدسوقية الشاذلية بالسودان ومصر، انظر: تبرئة الذمة له ص (9).
(6) ابن همَّام الصنعاني.
(7) تبرئة الذمة ص (9-10).
(8) النور المحمدي بين هدى الكتاب المبين وغلو الغالين ص (46).
(9) له مشاركات في علوم الحديث، قال عنه محمد بن علوي المالكي: (العلاَّمة الفقيه محدث المغرب، بل محدث الدنيا). انظر: مفاهيم يجب أن تُصحح ص (19).
(10) ثقة عند الصوفية فقط.
(11) ملحق عن قصيدة البردة كتبه عبد الله الصديق الغماري بذيل كتاب البوصيري مادح الرسول صلى الله عليه وسلم. ص (75) تأليف: عبد العال الحمامصي.
(12) انظر: ص (95).
(13) أي من الفضائل.
(14) مجموع الفتاوى (11/94-95).
(15) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/136).(/9)
(16) مذهب يقول: إنَّ الله تعالى والعالم حقيقة واحدة. وعُرفت وحدة الوجود في التاريخ القديم، والمتوسط، وأوضح ما تكون عند الرواقيين وأفلوطين من اليونان، وعند ابن عربي بين المسلمين، ولها مؤيدون في التاريخ الحديث. انظر: المعجم الفلسفي ص (212).
(17) تبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات، كلما ارتفعت صفة قامت صفة إلهية مقامها. انظر معجم المصطلحات الصوفية ص (207).
(18) قارن ص (233).
(19) الفتوحات المكية (1/911) دار صادر.
(20) الإنسان الكامل (2/26).
(21) المرجع السابق (2/27).
(22) المرجع السابق (2/61).(/10)
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
يقول الصوفي زيني دحلان في كتابه (الدرر السنية في الرد على الوهابية):
وفي صحيح البخاري: ((أنه لما جاء الأعرابي وشكا للنبي صلى الله عليه وسلم القحط فدعا الله فانجابت السماء بالمطر قال صلى الله عليه وسلم: ((لو كان أبو طالب حياً لقرت عيناه ، من ينشد قوله ؟)) فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله ، كأنك أردت قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل.
فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر إنشاد البيت ولا قوله يستسقى الغمام بوجهه ولو كان ذلك حراماً لأنكر ولم يطلب إنشاد البيت ولا قوله يستسقى الغمام بوجهه ولو كان ذلك حراماً لأنكر ولم يطلب إنشاده .
والجواب على هذا:
ليس في صحيح البخاري هذه الرواية إنما وردت من حديث أنس رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت المواشي وتقطعت السبل فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ثم جاء: فقال تهدمت السبل وهلكت المواشي فادع الله يمسكها فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم على الآكام والظراب والأودية ومنابت الشجر. فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)).
وقد روى البخاري حديث أنس هذا … من طرق وليس في واحدة منها ((قال صلى الله عليه وسلم: لو كان أبو طالب حياً لقرت عيناه … الخ))
وراوي هذا الحديث هو البيهقي لا البخاري وفي سنده البيهقي مسلم الملائي وهو متروك.
فانظر إلى تحريف الدحلان عدا عن أغلاط لغوية يجل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب وذلك من وجوه:
1 – إن كلمة (لما) لا يدخل في جوابها في مثل هذه المواضع لفظة: (الفاء) في قوله(فدعا الله …)
2 – إن لفظ (شكا) متعد بـ(إلى) لا بـ (اللام) قال الله تعالى (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) وفي رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك بن البخاري: ((أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المال وجعد العيال))(/1)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشتكت النار إلى ربها)) متفق عليه.
وعن خباب قال: ((أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه حر الرمضاء فسلم يشكنا)) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها عن البخاري في كتاب التيمم: ((فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وقد جاء تعدية (شكا) بـ(إلى) في غير واحد من الأحاديث الصحيحة وقال في القاموس: شكا أمره إلى الله .
3 – إن قوله: فانجابت السماء بالمطر لا معنى له فإنه (انجابت) بمعنى انكشفت وانكشاف السماء بالمطر لا محصل له .
4 – أن الانجياب يدل على انقطاع المطر في الحديث ((فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)) وانقطاع السحاب بعد دعاء السقي يدل على عدم إجابة الدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل بالبداهة بدليل أن الروايات كلها دالة على أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة قد أجيب بلا مرية .
5 – إن انقطاع السحاب قبل ظهوره محال .
6 – إن صلة الانجياب بـ/عن / كما في حديث انس لا بـ /الباء /.
وبالجملة: فصدر ما عزاه إلى البخاري أعني قوله: ((لما جاء الأعرابي وشكا للنبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله بالمطر …)) ليس في البخاري ولا البيهقي ولا في غيره من الكتب الحديثية فيما أعلم إذن إنما هو اختلاق الدحلان نفسه اهـ)
ترجمة مسلم الملائي الأعور:
قال الحافظ المزي في كتابه "تهذيب الكمال":
قال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد ، و عبد الرحمن ابن مهدي لا يحدثان عن مسلم الأعور ، وكان شعبة ، وسفيان يحدثان عنه وهو منكر الحديث جداً .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: كان وكيع لا يسميه . قلت: لم ؟ قال: لضعفه .
وقال أيضا: سئل أبي وأنا أسمع عن مسلم الأعور ، فقال: هو دون ثوير ، وليث ابن أبى سليم ، ويزيد بن أبى زياد ، وكان يضعف .
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث .
وقال أبو حاتم: يتكلمون فيه ، و هو ضعيف الحديث .
وقال البخاري: يتكلمون فيه .(/2)
وقال في موضع آخر: ضعيف ، ذاهب الحديث ، لا أروى عنه .
وقال أبو داود: ليس بشيء .
و قال النسائى: ليس بثقة .
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: غير ثقة .
وقال النسائي في موضع آخر ، و على بن الحسين بن الجنيد: متروك .
وقال أبو حاتم بن حبان: اختلط في آخر عمره ، فكان لا يدرى ما يحدث به .
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 10/136:
وقال الفلاس أيضا: متروك الحديث .
وقال أحمد أيضا: لا يكتب حديثه .
وقال يحيى بن معين أيضا: ليس بثقة .
وقال ابن المديني ، والعجلي: ضعيف الحديث .
وقال الدارقطني: متروك .
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم .
وقال الساجي: منكر الحديث ، وكان يقدم عليا على عثمان . حدثنا أحمد بن محمد بن خالد المخزومي ، حدثنا يحيى القطان ، حدثني حفص بن غياث قال: قلت لمسلم الملائي: ممن سمعت هذا ؟ قال: من إبراهيم عن علقمة ، قلت: علقمة عن من ؟ قال: عن عبد الله ، قلت: عبد الله عن من ؟ قال: عن عائشة ـ يعنى أنه لا يدرى ما يحدث به .
و من منكراته حديثه عن أنس في الطير ، رواه عنه ابن فضيل ، و ابن فضيل ثقة ، والحديث باطل. اهـ .
وكذلك ضعفه الإمام الترمذي والحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء وقال الذهبي: مسلم ترك. وضعفه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد , وضعفه الحافظ ابن حجر في الإصابة , وقال عنه السيوطي في اللآلئ المصنوعة: متروك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.(/3)
يا سارية الجبل الجبل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد:
فهذا بحث في بيان حال قصة (( ياساريةُ الجبل الجبل ))
والمرجع في هذا تحقيق الشيخ ناصر "رحمه الله تعالى" والذي حسن الحديث كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1110) والحق أن تحسين الشيخ رحمه الله قد سبقه إليه أكابر ممن نحب ونقدر ، ولكن مما تعلمناه منهم أن يكون الحق أحب إلينا ، اللهم اجعلني عند قولي وسدد بفضلك عملي يا أرحم الراحمين .
باختصار الذي أقدمه: أن الشيخ ناصر رحمه الله قد خرج الحديث في السلسلة من عدة طرق: لم يخل منها طريق من كذاب أو متروك ، ما خلا طريق واحدة ، وهي طريق عبد الله بن وهب ـ يحيى بن أيوب ـ محمد بن عجلان ـ إياس بن قرة ونافع ـ ابن عمر .
أما الطرق الأخرى فكما قال الشيخ ناصر: إحداها فيها: أيوب بن خواط ، متروك.
والأخرى فيها: سيف بن عمر ، كذاب .
وغيرها فيها: الواقدي ، كذاب .
وأخرى فيها: فرات بن السائب ، وضاع .
قلت: يزاد على التخريج الذي قدمه الشيخ ناصر رحمه الله ، كتاب كرامات الأولياء لللالكائي /1ـ120/ ، و تاريخ الطبري /2ـ 553 ، 554/.
ومما تقدم لدينا يظهر أن طرق القصة لم يسلم منها إلا طريق واحد فقط هو طريق ابن عجلان ، وأن بقية الطرق لا ينظر لها ولا يعتبر بها ، كما هو مقرر في شرح النخبة وغيرها أن السند الذي فيه متروك أو كذاب لا يتقوى ولا يقوي .
أما الإسناد الوحيد الذي بقي لدينا فإن فيه يحيى بن أيوب الغافقي ، قال عنه الحافظ: صدوق ربما أخطأ . وكان الإمام أحمد وغيره يجرحونه كما في التهذيب .
وفيه محمد بن عجلان ، قال عنه الحافظ: صدوق ، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة .
وقال العقيلي كما التهذيب: يضطرب في حديث نافع.(/1)
وأقول: لو نظرنا إلى متن الحديث لوجدنا أن فيه أمراً خارقاً للعادة ، يحصل على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضور جمع غفير من الصحابة والتابعين ، ولخليفة راشدي تفتري عليه الرافضة وتشكك في دينه فضلاً عن ولايته وصلاحه ، ومع هذا كله لا يُنقل هذا الأمر إلا من طريق واحدة: يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان .!!!!!
علماً أن ابن عمر رضي الله عنهما ونافع رحمه الله قد كانا من المكثرين ولهما الكثير ممن يروي عنهم ، فهل يعقل هذا التفرد ؟!!.
وما هو حكم الإسناد الذي يكون فيه صدوق ربما أخطأ ، وصدوق اختلطت عليه بعض أحاديث ، مع وجود تفرد لا يحتمل مثله: 1ـ أمرٌ خارق للعادة ، 2ـ توفر أسباب التواتر ، 3ـ ضرورة نقل مثل هذه القصة لنصرة أمير للمؤمنين يفترى عليه ، 4ـ قرب الحادثة من عصر التدوين.
وهنا ألقي الضوء فيه على نقطة واحدة وهي: التفرد: فمن المعروف لدى طلبة علم الحديث أن التفرد مكمن العلة ، لأن وهم الرجل الثقة أمر حادث معروف ، والتفرد أقوى ما يدل على وهم الثقة ، ومن باب أولى أيضاً على كذب الكاذب .
ومن هنا كان عمل المحدثين في التصنيف في مسألة التفرد لأهميتها ، كمسند البزار ، ومعجم الطبراني الأوسط ، والحلية لأبي نعيم ، وكتب الغرائب والفوائد ......
ومن المعروف أن خلو الحديث من العلة شرط في صحته ، والعلة لا تكون دائماً بينة الظهور ، بل أكثرها غلبة ظن بوجود خلل في الحديث متناً أو سنداً ، وكان عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحكم والحديث.
وهنا أرجع لأفصل في متن الرواية ، فأقول لمن يخالفني في ردي لها:
ـ القصة وقع فيها أمر خارق للعادة ، جيش يشارف على الهزيمة فيأتيه صوت..... فينتصر ، إن حصل معك مثل هذا الأمر فكم من الناس ستخبر به على مدى حياتك ؟
ـ كم كان عدد أهل المدينة في زمن خلافة عمر .؟
ـ هل كانت صلاة الجمعة تقام إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.؟(/2)
ـ كم كان عدد الجيش الذي سمع الصوت ؟
ـ هل تشهد القصة لخليفة يفترى عليه في دينه فضلاً عن صلاحه وولايته ، في جدال قديم طويل بين أهل السنة والرافضة ؟
ـ ما مدى قرب عصر التدوين فضلاً عن عصر الرواية ، من التابعين الذين عاصروا عمر.؟
ـ على فرض أن كل فرد من الجيش أو ممن حضر الخطبة مع عمر ، حدث بهذه القصة زوجته وولده فقط ، فكم سيصبح العدد لدينا ؟
ـ هل اشتهر ابن عمر ونافع بالرواية أم كانوا من المقلين ؟
ـ على فرض أن يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان ، كشعبة عن سفيان ، ألا يهم الثقة الثبت.؟
وهنا أقول: رغم كل ما تقدم لم تنقل الرواية إلا من طريق واحد وهو: يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان .؟!!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو أحمد محمد أمجد البيطار غفر الله له ولوالديه.(/3)
CD الصوفية... والجفري الراقص!!
داود العسعوسي
اذا كان الامام الشافعي رحمه الله تعالى قد رغب في الاسفار والضرب في الاراضي والامصار لنيل فوائد خمس: تفريج الهموم، واكتساب المعيشة، وطلب العلم، والآداب، وصحبة الاماجد، فانني في سفرتي الاخيرة الى دولة الامارات قد تحققت لي بعض هذه الفوائد ولله الحمد.
لقد تعرفت على شاب مقيم هناك حديث التخرج من الجامعة، اهداني نسخة CD، اطلعت عليها مع رفاق السفر الاخوين الفاضلين المهندس ابراهيم الخزي والمهندس ابراهيم العنزي فرأينا فيها ما تشيب منه الرؤوس وتشمئز منه النفوس... رأينا: بلايا ومنكرات، وشعوذة ورقصات، وهزا وتمايلات، واذكارا مبتدعات، واغرب ما رأيناه في هذا الشريط قيام احدهم بتناول ( عذرة ) شيخة تبركا به، اجلكم الله تعالى!! وكل هذا الهراء يغلف باسم الدين وينقل للناس بانه الاسلام الذي يحمله السواد الاعظم من المسلمين.
بطل هذا الفيلم هو القطب ( السالب ) والغوث ( الراسب ) الحبيب علي الجفري الذي رأيناه بثوبه الطويل واقفا جنبا الى جنب مع (شلة من المعممين ويترنح معهم يمينا وشمالا... ( حي... حي ) ... ( هو... هو )... (أ ح... أح ) وسمعنا تمتمات لا يفقهها الا الشيطان وجنوده من الانس، ثم نراه بعد ( الذكر والهز والدس ) جالسا على طاولة طويلة ( للاكل والهرس ) يتناول ما لذ وطاب من اصناف الطعام والمريدون واقفون على رأسه دون حراك ولا همس.(222/2)
هذا الرجل الراقص بدأ يظهر في الآونة الاخيرة عبر القنوات الفضائية ليؤصل وينظر لهذا الفكر الصوفي العفن ويطعن في مقابل ذلك بثوابت الامة واصول عقيدتها، ولا يفوته في كل محاضرة له الاستهزاء بالدعوة السلفية واهل الحديث والضرب في علماء الامة، ومع ذلك فان عامة المسلمين من المشاهدين يألفون سماع محاضراته ويحرصون على متابعة لقاءاته ويأخذون كلامه من باب المسلمات، وهو في حقيقة الامر يهرف بما لا يعرف، وله طريقته الخفية واسلوبه الماكر الذي يستطيع من خلاله وبكل سهولة ان يدس السم في العسل ويذرف امام المشاهد المسكين دموع التماسيح وحاله كحال ذلك المخادع اللعوب الذي يخطط نهارا مع الذئاب ويتباكى ليلا مع الرعاة!!
لا ادرى كيف يصف بعض الدعاة الجفري هذا بانه الداعية المتفتح الذي اكتسح باسلوبه الجذاب شاشات الفضائيات زاعما انه يمثل العصر الاسلامي القادم الذي سيربط عقيدة المسلمين بمتغيرات العصر لتنحل عنهم ـ زعموا ـ عقدة الانتساب الى مدارس الحرس القديم!!
ومن باب ( من فمه ندينه ) ادعوك للاستماع الى شريط كاسيت وزع مؤخرا عنوانه ( حوار هادىء مع الجفري ) (1) فيه ظلمات بعضها فوق بعض حيث ستستمع فيه الى الشرك الصراح والكذب على نبي الامة والقصص الخرافي والتعلق بالموتى، والطعن في ثوابت الامة، والوقيعة في اهل الاثر، والاستهزاء بحملة السنة، والكلام السوقي الساقط الذي يدل على تدني ثقافة هذا الرجل وفساد منهجه وخطورته على الامة و( تزببه قبل تحصرمه )!! (2)
وفي موقعه الالكتروني يقول ـ عامله الله بما يستحق ـ : ( انه بعد البحث والتدقيق تبين لي ان الولي يستطيع ان يخلق طفلا با أب، ولكننا لا نستطيع ان نقول هذا الكلام امام العامة حتى لا تدعي الزانية ان ما في بطنها من خلق الولي!! ) نعوذ بالله من هذا الكفر... فماذا بقي لله رب العالمين الذي تفرد بالخلق والامر؟!(222/3)
في العام الماضي زار الجفري الكويت بدعوة رسمية من بعض الجهات، وحصل خلالها على تزكيات ومباركات من قبل بعض المسؤولين، وفتح له الباب على مصراعيه ليصول ويجول في عقول الشباب والفتيات صناع الحضارة كما يزعمون ، وحدثني من اثق به ان الناس كانوا يتدافعون لتقبيل يديه ورأسه، والأدهى من ذلك سماح وزارة الاوقاف له بالقاء خطبة الجمعة الرسمية على الفضائية الكويتية، واذا كانت كتب السلف طافحة باثبات اصل ( هجر المبتدع ) وما يلحق به من اذلاله واقصائه والحجر عليه حيث تواترت فيها النقول عن الاثبات العدول انهم قالوا ( من وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم الاسلام )، فهل يعقل بعد هذا كله ان يسمح له بزيارة اخرى ليفسد عقائد اهل الكويت ويصول ويجول في خرافاته دون تحذير من عالم او وازع من سلطان فنكون قد جنينا على انفسنا بمشاركتنا بحمل اول معول هدم لحضارة الاسلام.
اذا كان هذا وأمثاله سيصنعون حضارة الامة ويوجهون قادتها وشبابها ويبنون لها مجدها، فسيكون ـ حتما ـ التراث الاسود الذي خلفه شيوخه كابن عربي ( النكرة ) والحلاج وابن الفارض وابي يزيد البسطامي هو لبنة هذا البناء ومادة حضارته، وتلك والله قاصمة الظهر.
¾ وقفة:
فرح الجميع باستضافة قطاع المساجد الشهر الماضي لمعالي الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل من المملكة العربية السعودية ودعوة الجمهور الكريم للالتقاء معه وسماع توجيهاته، ونحن بدورنا نشكر القطاع على استقطاب امثال هؤلاء العلماء الربانيين وندعوهم للاستمرار في هذا المجال حفاظا على عقائد الامة اولا وعلى سياسة ( الوسطية ) ثانيا ولعلي بهذه المناسبة اهديهم نسخة من (CD وشريط الكاسيت المذكورين ليعرفوا حقيقة دعاة الضلالة وحملة الخبث فـ « يحرموا » استضافتهم ويريحوا منهم العباد والبلاد، وقديما قالوا (والباب الذي يأتيك منه الشر والريح اقفله واستريح ).
رابط المقال في جريدة الوطن الكويتية(222/4)
http://www.alwatan.com.kw/
__________________________________________
(1) ( رابط الشريط الذي اشار له الكاتب ) http://www.muslemoon.net/audio/jafri/jafri.htm
(2) حيث أن الجفري لم يتخرج من جامعة معترف بها ، إنما درس في معهد صوفي ، ولم يدرس على أحد من العلماء ، وهذا مذكور في ترجمته
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(222/5)
أبوي الرسول بين الجفري وعلماء الشافعية
أبو أمامة
المقدمة
ذكر اللازم لبيان فساد القول جادة مطروقة
من المقرر عند أهل العلم أن ذكر اللازم لبيان فساد القول وما يفضي إليه من المنكرات ، جادة مطروقة ، وعليها العمل ، وردود أهل العلم منذ القدم تقوم على هذا الأمر ، فيذكرون في ردودهم على من قال كلاماً باطلاً ما ينبني على هذا القول وما يؤدي إليه من اللوازم الفاسدة ؛ لأنه إذا فسد اللازم فسد الملزوم ، وقد يكون ذكر اللازم وفساده أوضح من إفساد الملزوم بمجرده . وأنا في موضوعي هذا سأذكر لازم قلة أدب الجفري وسوء ظنه مع المخالفين له في مسألة أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الطعن واللمز واللغمز في المخالفين هو في حقيقته طعن ولمز وغمز لمن قال به من العلماء من قبل ، ولو أن الجفري التزم بنصرة رأيه وعقيدته بالأدلة دون الطعن والإتهام في الدين لكان أولى .
فصلٌ
في ذكر بعض أقوال علماء الشافعية في المسألة
1/ الإمام النووي رحمه الله تعالى :
وقد بوب في شرحه لصحيح مسلم عند حديث " أبي وأباك في النار " بقوله " باب : بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ، ولا تناله شفاعته ، ولا تنفعه قرابة المقربين " .
وقال في شرحه " وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو في النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ؛ فإن الدعوة كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم " انتهى .
وقال رحمه الله عند شرحه لحديث " استأذنت ربي أن أستنغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي " .(223/2)
قال " فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة ؛ لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى ، وقد قال الله تعالى ( وصاحبهما في الدنيا معلروفا ) ، وفيه النهي عن الاستغفار للكفار ، قال القاضي عياض رحمه الله : سبب زيارته قبرها أنه قصد قوة الموعضة والذكرى بمشاهدة قبرها ؛ ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : فزوروا القبور ؛ فإنها تذكركم باتلآخرة " انتهى .
وقال أيضاً رحمه الله " قوله : فبكى وأبكى من حوله ، قال القاضي : بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراك أيامه والإيمان به " انتهى .
2/ البيهقي :
قال في كتابه دلائل النبوة (1/192، 193) بعد تخريجه لحديث " أبي وأباك في النار " : (وكيف لا يكون أبواه وجدُّه بهذه الصفة في الآخرة ، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ، ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم عليه السلام " انتهى .
وقال أيضا في سننه(7: 190): " وأبواه كانا مشركين, بدليل ما أخبرنا.." ثم ساق حديث أنس " أبي وأباك في النار " .
وقال في الدلائل (1/192, 193) : " وكفرُهم لا يقدح في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة ، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم ، فلا يلزمهم تجديد العقد ، ولا مفارقتهن ؛ إذ كان مثله يجوز في الإسلام وبالله التوفيق " انتهى .
3/ ابن كثير :
قال في (سيرة الرسول وذكر أيامه.. ) : " وإخبارهصلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة. لأنه سيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء-أي الذين أخبر عنهم النبي- من جملة من لا يجيب، فلا منافاة، ولله الحمد والمنة " انتهى .
وقدر رد على حديث أن الله أحياهم ثم آمنوا بأنه " حديث منكر "
وللزيادة أنظر تفسيره وكتابه البداية والنهاية .(223/3)
فصلٌ
في ذكر بعض أقوال العلماء المجتهدين وغيرهم من أصحاب المذاهب.
1- الإمام مسلم:
حيث رواه في صحيحه وعنون عليه: باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين.
2- أبو داود صاحب السنن:
حيث روى حديث أنس مع أحاديث أخرى وعنون عليها: باب في ذراري- أي أبناء- المشركين.
3- النسائي, :
حيث روى حديث الاستئذان(2032) - وهو:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) – وهو كما ترى بمعنى حديث أنس في أنه قد ثبت أن من أهل الجاهلية من هم ليسوا من أهل الفترة, وعنون عليه: باب زيارة قبر المشرك.
4- ابن ماجة:
حيث روى هو أيضا حديث الاستئذان(1572), وعنون عليه: باب ما جاء في زيارة قبور المشركين.
5- ابن الجوزي :
إذ قال في الموضوعات(1: 284) بعد أن ذكر حديثا باطلا موضوعا فيه أن الله أحيا أبوي النبي(ص) ليؤمنا به, قال: [هذا حديث موضوع لا يشك فيه, والذي وضعه قليل الفهم, عديم العلم, إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة, لا بل لو آمن بعد المعاينة, ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى" فيمت وهو كافر", وقوله(ص).. وذكر ابن الجوزي حديث الاستئذان..].
6- القرافي :(223/4)
قال في شرح تنقيح الفصول (ص297): «حكاية الخلاف في أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبدا قبل نبوته بشرع من قبله يجب أن يكون مخصوصا بالفروع دون الأصول، فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعا. ولذلك انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يعذبون على كفرهم ، ولولا التكليف لما عذبوا ، فهو عليه الصلاة والسلام متعبد بشرع من قبله -بفتح الباء -بمعنى مكلف لامرية فيه،إنما الخلاف في الفروع خاصة ، فعموم إطلاق العلماء مخصوص بالإجماع».
7- وقد بسط الكلام في عدم نجاة الوالدين العلامة إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة، وكذلك العلامة الحنفي الملاّ علي بن سلطان القارئ :
في "شرح الفقه الأكبر"، وفي رسالة مستقلة أسماها: "أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام". وقد أثبت بذلك الكتاب تواتر الأدلة والأحاديث على صِحّة معنى هذا الحديث وعدم نجاة والدي الرسول –عليه أتمّ الصلاة والتسليم–. وقد نقل الإجماع على تلك القضية فقال في ص84: «وأما الإجماع فقد اتفق السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر المجتهدين على ذلك، من غير إظهار خلافٍ لما هُنالك. والخلاف من اللاحق لا يقدح في الإجماع السابق، سواء يكون من جنس المخالف أو صنف الموافق».
الخاتمة
وأخيرا لا بد أن يعلم أن المقصود من الموضوع هو لفت النظر للازم الطعن والاتهام في الدين وأن قول الجفري _ فيمن يقول بموت أبوي الرسول على الكفر _ " أن القوم بينهم وبين رسول الله شيء " و " أنهم يريدون نزع محبة محمد من قلوب العامة " ما هو إلا تدليس وتلبيس على العامة ، وأنه في الحقيقة متوجه لمن ذكرنا لو التزم به الجفري .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية(223/5)
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(223/6)
أحد علماء الدولة العثمانية وكتابه (نقد المثنوي)
أثناء قراءتي للكتاب القيم [أخبار جلال الدين الرومي] لصاحبه الفاضل أبو الفضل محمد القونوي، استوقفني كلامه على كتاب لأحد علماء الدولة العثمانية محمد شاهين -رحمه الله- باسم [نقد المثنوي] والذي سطره بلغة الترك .. وقد أثناء الباحث على هذا الكتاب خيراً، وأخبر بأنه قد طبع طبعة تعود لأكثر من خمسين عاماً ..
وقد أنبأنا عنه بأنه رجل صريح، يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، وهكذا هم الأعلام .. لا يخشون إلا الله .. وقد نقل منه عدة نقول .. وعلق عليها .. ومن هذه النقول .. وهو في بلد يرزخ تحت احتلا ل الدولة الخرافية الصوفية المولوية، ومن بعدها الداعمة للصوفية أعني الكمالية، حيث يقول: (يجيء المثنوي إلى قصص كليلة ودمنة فيُلبسها طربوش المولوية وثيابها، ثم لا يكتفي بذلك حتى يُلبس فكرة وحدة الوجود ذلك الطربوش وتلك الثياب!!).
وقال في موضع آخر: (لم يقدر المثنوي أن يكون كشافاً للقرآن قط كما زعم الجلال، فإن معاني القرآن من الوضوح والبيان بمكان لا يحوج إلى كشف، بعكس المثنوي الذي يموج في الإبهام، والأسرار، والضبابية؛ بل لو قلنا إنه يأخذ بيد المرء من النور إلى الظلمات لما أبعدنا!!).(224/2)
ثم قال: (صحيح أن الجلال لم يقل أنه نبي لكنه زعم أن مثنويه كتاب نزل من السماء، نزل من عند الله، ويؤيد ذلك بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعم قد يكون الجلال والمولوية يؤمنون بأن المثنوي كتاب منزل من عند الله على قلب الجلال، وهم كذلك بيد أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينكرون هذا، ويَرُدُّون كتاب أساطير مليء بالأخطاء والمبالغات)
وقال شاهين: يقول الجلال إنه قد نزل إليه كتاب، وأنه يُلهمه من قِبَل الله!! يقول هذا في ديباجة المثنوي، وبهذا يُرى نفسه نبياً، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً لولا أن الجلال قد صرح بأن المثنوي كتاب منزل من السماء، ملهم به إليه فإن كان لهذا الكلام معنىً فإن معناه أن الجلال يدعي النبوة، ومن زعم أنه يُفهم من ديباجته غير هذا فهاهي الديباجة أمامه فليقرأ وليذكر لنا فهمه).
وخلص شاهين إلى القول بأن: (غاية المثنوي هي تلقين عقيدة الوجود الواحد، وأن الصوفية ومنهم الجلال إنما اخترعوا بدعة السرِّ والأسرار وهم يقصدون بها عقيدة وحدة الوجود، فالسر المكتوم هو هذه العقيدة، والواقف عليها منهم هم شيوخ الطريقة الكبار، أما المريدون فمساكين لم يبلغوا هذه المرتبة).
هذا مما نقل الباحث، وحسبك أن تعلم أن العالم محمد شاهين، لم يقرأ كتاب المثنوي كاملاً، يقول أبو الفضل: (لم يتيسر للناقد في كتابه الوقوف على ترجمة كاملة للمثنوي، وإنما كان نقده اعتماداً على ترجمة الأجزاء الثلاثة منه، من قِبًل عابدين باشا).
قلتُ –أي المنهج-:
رحم الله الشيخ محمد شاهين، فقد أجلى وأبان، عن طريق دعاة الضلال وأعوان الشيطان، الجلال ومن في غيه من بني صوفان، والشكر موصول لمن كان السبب في هدايتنا لهذه النصوص لعالم بني عثمان، الشيخ أبا الفضل القونوي صاحب الأخبار، والذي كشف فيه الحقائق وبدد الأسرار، فدعائي له أسراراً وجهار، ليلاً ونهار ..(224/3)
ولي مقترح وسؤال: فهذا السفر الرائع من أبي الفضل أرشدنا على شخصية؛ بل طريقة، بل بناء على شفا جرف هار .. وهو والله حقيقة، وقذيفة، ولطلاب الحق نصيحة .. فيه بيان سببٍ من أسباب الإعياء .. وفيه ذكر الداء .. ونشره دواء وشفاء .. وسؤالي هذا السفر الخالد ما كنا لنعلمه لولا نقل الباحث الشيخ عنه .. فيا شيخنا الفاضل: لما هذا السفر العجيب .. ذو الخبر الأكيد .. والبحث الفريد .. يغتاله الغبار، ويخفيه الأشرار، ثم لا تقوى همة الأخيار، لأن تجليه للنور، فتكشف الحقيقة وتبين الزور .. فهل يعاد طبعه بلغة الترك ثانية، وهم أولى وأهم، ثم نقله ليهز عروش الباطل بلغة القرآن، مع تحقيقٍ يسير، ومنكم يصير، لأنكم في هذا الشخص قد بحثت باليسر والعسير .. تحقيقٌ يبين الحقائق، ولا يزيد الصفحات صفحات فيتعب القارئ والبائع .. يسهل وصوله وحمله، ونقله ونشره .. هو بالحق يصدع، ولأهل الباطل يردع .. فكلي أمل في وصول السؤال .. للشيخ الباحث الفاضل.
كتبه
أبو عمر الدوسري (المنهج) – شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(224/4)
أحوال تنسب للتصوف
السؤال:
كنت في السابق في جماعة صوفية، وكنت أعمل فيها خيراً، لكني رأيت أن صاحب هذه الطريقة يقوم بأفعال لا تتفق مع الشرع، فكان يشرب المخدرات، وكان لا يصلي في الجامع حتى صلاة الجمعة، لكنه كان يأمرنا بالذكر، وكنت أراه في المنام كثيراً، وكذلك غيري، وكان يتحدث دوماً في أشياء يقول عنها: إنها علم التحقيق، لكنه كان غير عالم بالكتاب والسنة، ولا يحفظ القرآن الكريم، كما أن سلوكه كان مريباً، كما كان يدعونا إلى أن نطلب المدد منه ومن آل البيت، ويدعونا إلى زيارة القبور، لكني ولله الحمد تركت هذا الطريق لما علمت أنه يؤدي للشرك بالله، وحاولت مع أصدقائي أن أجعلهم يتركوا هذا الطريق فلم يستمع إلي منهم إلا اثنان، أما الباقي فهم يعتقدون أن الشيطان ضحك علينا وأنه ليست لدينا القدرة لأن نعيش في عالمهم، وهو عالم الباطن الذي يعتبرون فيه أن السيدة زينب رئيسة الدواوين وصاحبة الشورى، وعندما أكلمهم وأحاول معهم أن أثنيهم عن هذا الطريق يقسمون لي بالله العظيم أنهم رأوا الرسول -صلى الله عليه وسلم - في المنام وهم مجتمعون معه، هم وشيخ الطريقة الذي يسمي نفسه قطب الأقطاب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يتحدث معهم حسب زعمهم، فما هي حقيقة هذه الروايات التي يرونها؟ علماً بأني قد شاهدت عندما كنت في هذه الطريقة -الرسول صلى الله عليه وسلم- في المنام، لكني لم أسلم عليه لإحساسي أنه ليس الرسول -صلى الله عليه وسلم-، علما أنه كان هناك أناس يقولون لي في هذا المنام إنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهل تنصحوني بأن أقطع صلتي بهؤلاء الأصدقاء إذا لم يستمعوا لي؟ أتمنى أن تردوا على استفساراتي فإني بحاجة ماسة إليها، وجزاكم الله خيراً.
أجاب عليه:د. عبد الله بن عمر الدميجي
الجواب:
فنحمد الله –تعالى-، أن أنقذك من هذا الضلال، ونسأله –تعالى-: أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يهدي أصدقاءك، ويرد ضال المسلمين.
أخي العزيز:(225/1)
الأمر كما ذكرت؛ بل أفظع، فالقول بأن الدين ينقسم إلى حقيقة وشريعة، وإلى ظاهر وباطن، كما يقول هؤلاء هو من أخطر وسائل الكفر والضلال، - والعياذ بالله-، وهم بهذا يعدون الأنبياء وأتباعهم وعلى رأسهم نبينا – صلى الله عليه وسلم- من أهل الشريعة والظاهر، وهم من أهل الحقيقة والباطن، ونحن نعلم يقيناً أنه لا نجاة إلا باتباعه – صلى الله عليه وسلم- سائلين المولى –عز وجل- أن يحشرنا في زمرته مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، لا مع الباطنيين الزنادقة الملحدين، أما ما ذكرته من رؤى يرى فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم- أو زينب أو غيرها؛ فإن هذا من تلبيس الشيطان عليهم وتلاعبه بهم، فيأتيهم الشيطان في المنام ويزعم أنه الرسول – صلى الله عليه وسلم- أو زينب أو غير ذلك مما يكون سبباً في الضلال والانحراف.وهؤلاء الطرقية وخاصة الغلاة منهم كالذي ذكرت أحواله ممن يستعينون بالجن ويتعاطون السحر والشعوذة، لذلك يلبسون على ضعاف العقول بمثل هذه الأحابيل، نعم النبي –صلى الله عليه وسلم- قد يُرى في المنام، وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من رآني في المنام فقد رآني على فإن الشيطان لا يتمثل بي" رواه البخاري (6993)، ومسلم (2266)، واللفظ له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- وفي رواية: "من رآني في المنام فقد رأى الحق إن الشيطان لا يتشبه بي" (عند أحمد في مسنده 7553)، وغيره، ومعناه: من رآه في صورته التي هو عليها – صلى الله عليه وسلم- لا أن يخرج في صورة غير صورته – عليه الصلاة والسلام- ثم يدعي أنه الرسول فهذا ممكن، وما ذكرته أنت هو من هذا القبيل.(225/2)
وقد أجمع المسلمون على أنه قد انقطع الوحي من السماء بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا تؤخذ من الرؤى أحكام مهما كان الرائي، وأن الرؤى ليست من مصادر الشريعة، فالأحكام الشرعية التي يُعمل بها هي ما أخبرنا به النبي – صلى الله عليه وسلم- في اليقظة قبل موته، أما بعد موته – صلى الله عليه وسلم- فقد انقطع الوحي، وكون الإنسان يرى من يزعم أنه النبي – صلى الله عليه وسلم- ثم يأمره وينهاه بأمر يخالف ما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في حياته؛ فهذا دليل قاطع على كذب هذا المدعي وعلى أنه ليس هو النبي – صلى الله عليه وسلم- كما حصل لبعض السلف، وكما في السير، وعليه فأنصحك بالابتعاد عن هذا الضال المضل، وأن تسعى لهداية إخوانك، فإن أجابوك وإلا فاحذرهم وابتعد عنهم، وأنصحك بقراءة كتاب (هذه هي الصوفية) لعبد الرحمن الوكيل؛ لتعرف خطر القوم، ثبتنا الله وإياك على دينه، وحشرنا في زمرة نبيه – صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم، - وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد-.
نقله أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(225/3)
أخلاق صوفية:صوفي مغربي يهاجم المالكية ويسمي المدونة بالمدودة!!!
الحمد لله الذي هدانا للسنة والجماعة ، وشعل التناحر والفرقة من شيمة أهل البدعة ، وصلاة وسلام على الهادي للملة الحنيفية ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
فهذه هي الصوفية التي تتوشح بالأدب ، وتتحدث عن الخلق ، فلنرى صورة من هذه الصور الصوفية .. بعد أن مر بنا تناحر الصوفية مغاربة ومشارقة .. بل مر بنا تناحر صوفية المغرب .. والآن لنرى صورة من صور التناحر الصوفي الذي يدعي التربية والتزكية والأدب والخلق!! لنرى ..
هذا أحد كبار صوفية المغرب المتحولون من مذهب المالكية إلى مذهب الشافعية .. وبعد التحول أخذ يطلق سهامه على الصوفية المالكية!! والمالكية!!
يقول الدكتور الصوفي المغربي أبو لبابة حسين في كتابه [ موقف متصوفة أفريقية وزهادها من الاحتلال العبيدي ] في ص28:
" وكذلك سعيد بن الحداد -ت302هـ- فقد ردَّت له منافحته عن السنة أمام عبيدالله الشيعي ، اعتباره عن الناس. إذ كان قد انتبذ لما تحول إلى المذهب الشافعي وهاجم المالكية حتى سمى المدونة بالمدودة"
ونزيد في التعريف بالرجل ففي نفس الصفحة نقل: " وقد قال فيه أبو عبدالرحمن السلمي في تاريخ الصوفية ( كان فقيهاً صالحاً مُتعبداً...) "
فأي خلق هذا؟!!
لما هذا التهجم على فقهائنا المالكية؟!!
ليس السبب هو تشفعه؟!
فكم من عالم وعابد حول مذهبه؟!
ولكن أخلاقهم وديانتهم .. تعرف لأهل الحق فضلهم!!(226/2)
فنسأل الله السلامة من الصوفية ومذاهبها الرديئة في تفريق الأمة .. والتنابز بالألقاب .. وإلا أين أصل التصوف في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
والله يأمرنا بالاعتصام {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وهم لا يعتصمون فهم من يفرقون الأمة .. وأنظر كيف لا يقمون لكتب أهل العلم مقامها؟!!
كتبه
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(226/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
أشعار الصوفية
حياة الحب
احبك حبيبي بعمري أنت شفيعنا
أنت الجمال أنت كمال خلقنا حياة
عمري يا روحي يا حبيب ربنا
نفسي تعشقك ولا تنطق الا برسولنا
علاء الآفاق من اتخدك اليه خليلا
لا يضلا وبلقاء في الحب فرحا ونعيما
فماء ينفع العمر دون حبيبنا
ولاتحله الحياة الابحبك ياربنا
احبك حبيبى بعمرى يا شفعنا
انت الجمال في غيرك مال ومالنا
لا طعم في اللسان الا بذكراك ياحبيبنا
يعزاز فيك الوصف روح هوانا
اسمك سلاما يحفظ العقل اتزانا
تهون الاهوان فهل يوما غدا لقانا
مع تحيات
ناصر
ماقولك في هدا البيت اخي العزيز
ولك مني جزيل وهل تشجعنى فلدي الكثير
الجواب :
حيّاك الله وبيّاك ونفع بك أخ ناصر
هذا الكلام من أشعار الصوفية التي وقع فيها الغلو في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والغلو هو مُجاوزة الحد .
ووقع فيها الإطراء المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم : لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله . رواه البخاري .
والإطراء هو المدح بما ليس فيه صلى الله عليه وسلم ، كأن يُضفى عليه شيء من صفات الله عز وجل .
بل وقع فيها كما هنا التقصير في حقّه إن لم أقل الإهانة لشخصه الكريم عليه الصلاة والسلام .
فإن لفظ العشق لا يُطلق على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم لعِدّة أسباب ؛ منها :
1 - أن التعبير الوارد في الكتاب والسنة ورد وعُبِّر عنه بـ " الحب "
كقوله تعالى : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )
وقوله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين . رواه البخاري ومسلم .
2 – أن لفظ " العِشق " لا يجوز إطلاقه في حق الله عز وجل ولا في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، لتضمّن العشق للرغبة في المعاشرة الجنسية .
3 – مما يؤكد هذا المعنى أن الحب إذا كان بين رجل وآخر لا يُطلق عليه عشق ، إنما يُطلق هذا إذا كان بين رجل وامرأة .(227/1)
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث من كُنّ فيه وَجَد بهن حلاوة الإيمان – وذكر منهن - : وأن يُحبّ المرء لا يُحبُّه إلا لله . متفق عليه .
وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ولا بحفظ عن رسول الله لفظ العشق في حديث صحيح البتة .
وقال أيضا : ولما كانت المحبة جنساً تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى ما يختص به ويليق به كالعبادة والإنابة والإخبات ، ولهذا لا يُذكر فيها لفظ العشق والغرام والصبابة والشغف والهوى . انتهى كلامه – رحمه الله – .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأشكر لك تواصلك والله يحفظك .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
assuhaim@al-islam.com
الصفحة الرئيسة | صفحة الشيخ عبد الرحمن السحيم(227/2)
قوال العلماء في حكم الحضرة
المحب السلفي
جاء في ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض رحمه الله :
قال التنيسي : كنا عند مالك وأصحابه حوله فقال رجل من أهل نصيبين يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ثم يأخذون في القصائد ثم يقومون فيرقصون.
فقال مالك: أصبيان هم? قال لا.
قال أمجانين? قال لا، قوم مشائخ وغير ذلك عقلاًء.
قال مالك ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا.
قال الرجل يل يأكلون ثم يقومون فيرقصون نوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه فضحك مالك ثم قام فدخل منزله.
فقال أصحاب مالك للرجل لقد كنت يا هذا مشؤوماً على صاحبنا، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى نقلا عن عدة مواضع:
ويبين ذلك أن أفضل الذكر : لا إله إلا اللّه، كما رواه الترمذي وابن أبي الدنيا، وغيرهما مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أفضل الذكر : لا إله إلا اللّه، وأفضل الدعاء : الحمد للّه ) ، وفي الموطأ ـ وغيره ـ عن طلحة بن عبد اللّه بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ) .(228/2)
ومن زعم أن هذا ذكر العامة، وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد، وذكر خاصة الخاصة، هو الاسم المضمر، فهم ضالون غالطون . واحتجاج بعضهم على ذلك، بقوله : { قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [ الأنعام : 91 ] ، من أبين غلط هؤلاء، فإن الاسم هو مذكور في الأمر بجواب الاستفهام . وهو قوله : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ } [ الأنعام : 91 ] أي : اللّه الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى،فالاسم مبتدأ، وخبره قد دل عليه الاستفهام، كما في نظائر ذلك تقول : من جاره، فيقول زيد .
وأما الاسم المفرد، مظهرًا، أو مضمرًا، فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان، ولا كفر، ولا أمر، ولا نهي، ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة، ولا شرع ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة، ولا حالًا نافعًا، وإنما يعطيه تصورًا مطلقًا، لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات، فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة . والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه، لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره .
وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد، وأنواع من الاتحاد، كما قد بسط في غير هذا الموضع .(228/3)
والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنة،وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان،فإن من قال : يا هو يا هو، أو : هو هو . ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدًا إلا إِلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل،وقد صنف صاحب [ الفصوص ] كتابًا سماه كتاب [ الهو ] وزعم بعضهم أن قوله : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } [ آل عمران : 7 ] ، معناه : وما يعلم تأويل هذا الاسم الذي هو [ الهو ] ، وقيل : هذا وإن كان مما اتفق المسلمون بل العقلاء على أنه من أبين الباطل،فقد يظن ذلك من يظنه من هؤلاء، حتى قلت مرة لبعض من قال شيئًا من ذلك لو كان هذا كما قلته لكتبت : [ وما يعلم تأويل هو ] منفصلة .
ومما يبين ما تقدم : ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلامًا، لا يحكون به ما كان قولًا، فالقول لا يحكى به إلا كلام تام، أو جملة اسمية أو فعلية؛ ولهذا يكسرون أن إذا جاءت بعد القول، فالقول لا يحكى به اسم، واللّه ـ تعالى ـ لا يأمر أحدًا بذكر اسم مفرد، ولا شرع للمسلمين اسمًا مفردًا مجردًا، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام، ولا يؤمر به في شيء من العبادات، ولا في شيء من المخاطبات .
وقال في موضع آخر:
صار أصحاب الخلوات فيهم من يتمسك بجنس العبادات الشرعية، الصلاة والصيام، والقراءة والذكر . وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير مشروعة، فمن ذلك طريقة أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة ألا يزيد على الفرض، لا قراءة ولا نظرًا في حديث نبوي، ولا غير ذلك، بل قد يأمرونه بالذكر، ثم قد يقولون ما يقوله أبو حامد : ذكر العامة : لا إله إلا الله، وذكر الخاصة : الله، الله، وذكر خاصة الخاصة : هو، هو .
والذكر بالاسم المفرد مظهرًا، ومضمرًا بدعة في الشرع، وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلامًا لا إيمانًا ولا كفرًا .(228/4)
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ) . وفي حديث آخر : ( أفضل الذكر لا إله إلا الله ) ، وقال : ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ) . والأحاديث في فضل هذه الكلمات كثيرة صحيحة .
وأما ذكر الاسم المفرد، فبدعة لم يشرع، وليس هو بكلام يعقل ولا فيه إيمان؛ ولهذا صار بعض من يأمر به من المتأخرين يبين أنه ليس قصدنا ذكر الله ـ تعالى ـ ولكن جمع القلب على شيء معين حتي تستعد النفس لما يرد عليها، فكان يأمر مريده بأن يقول هذا الاسم مرات، فإذا اجتمع قلبه ألقى عليه حالًا شيطانيًا، فيلبسه الشيطان، ويخيل إليه أنه قد صار في الملأ الأعلى، وأنه أعطى ما لم يعطه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ولا موسى ـ عليه السلام ـ يوم الطور، وهذا وأشباهه وقع لبعض من كان في زماننا .
وأما أبو حامد، وأمثاله ممن أمروا بهذه الطريقة، فلم يكونوا يظنون أنها تفضي إلى الكفر لكن ينبغي أن يعرف أن البدع بريد الكفر، ولكن أمروا المريد أن يفرغ قلبه من كل شيء، حتى قد يأمروه أن يقعد في مكان مظلم ويغطي رأسه ويقول : الله، الله . وهم يعتقدون أنه إذا فرغ قلبه استعد بذلك فينزل على قلبه من المعرفة ما هو المطلوب، بل قد يقولون : إنه يحصل له من جنس ما يحصل للأنبياء .(228/5)
ومنهم من يزعم أنه حصل له أكثر مما حصل للأنبياء، وأبو حامد يكثر من مدح هذه الطريقة في [ الإحياء ] وغيره، كما أنه يبالغ في مدح الزهد، وهذا من بقايا الفلسفة عليه . فإن المتفلسفة، كابن سينا، وأمثاله يزعمون أن كل ما يحصل في القلوب من العلم للأنبياء وغيرهم فإنما هو من العقل الفعال؛ ولهذا يقولون : النبوة مكتسبة، فإذا تفرغ صفى قلبه ـ عندهم ـ وفاض على قلبه من جنس ما فاض على الأنبياء . وعندهم أن موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم كلم من سماء عقله، لم يسمع الكلام من خارج؛ فلهذا يقولون : إنه يحصل لهم مثل ما حصل لموسى، وأعظم مما حصل لموسى .
ولكن التفريغ والتخلية التي جاء بها الرسول أن يفرغ قلبه مما لا يحبه الله، ويملؤه بما يحبه الله، فيفرغه من عبادة غير الله ويملؤه بعبادة الله، وكذلك يفرغه عن محبة غير الله ويملؤه بمحبة الله، وكذلك يخرج عنه خوف غير الله، ويدخل فيه خوف الله ـ تعالى ـ وينفي عنه التوكل على غير الله، ويثبت فيه التوكل على الله . وهذا هو الإسلام المتضمن للإيمان الذي يمده القرآن ويقويه، لا ينقاضه وينافيه، كما قال جندب وابن عمر : تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا .(228/6)
وأما الاقتصار على الذكر المجرد الشرعي، مثل قول : لا إله إلا الله، فهذا قد ينتفع به الإنسان أحيانًا، لكن ليس هذا الذكر وحده هو الطريق إلى الله ـ تعالى ـ دون ما دعاه، بل أفضل العبادات البدنية الصلاة، ثم القراءة، ثم الذكر، ثم الدعاء، والمفضول في وقته الذي شرع فيه أفضل من الفاضل، كالتسبيح في الركوع، والسجود، فإنه أفضل من القراءة، وكذلك الدعاء في آخر الصلاة أفضل من القراءة، ثم قد يفتح على الإنسان في العمل المفضول، ما لا يفتح عليه في العمل الفاضل . وقد ييسر عليه هذا دون هذا، فيكون هذا أفضل في حقه لعجزه عن الأفضل، كالجائع إذا وجد الخبز المفضول متيسرًا عليه، والفاضل متعسرًا عليه فإنه ينتفع بهذا الخبز المفضول، وشبعه واغتذاؤه به حينئذ أولى به .
وقال في موضع آخر:
وإنما الغرض هنا أن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلامًا تامًا مفيدًا مثل : [ لا إله إلا اللّه ] ، ومثل : [ اللّه أكبر ] ، ومثل [ سبحان اللّه والحمد للّه ] ، ومثل [ لا حول ولا قوة إلا باللّه ] ، ومثل { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } [ الرحمن : 78 ] ، { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } [ الملك : 1 ] ، { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [ الحديد : 1 ] { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ } [ الفرقان : 1 ] .
فأما ( الاسم المفرد ) مظهرًا مثل : [ اللّه، اللّه ] أو [ مضمرًا ] مثل : [ هو، هو ] . فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضًا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين .(228/7)
وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم : [ لا إله إلا اللّه ] للمؤمنين، و [ اللّه ] للعارفين، و [ هو ] للمحققين، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على [ اللّه، اللّه، اللّه ] . أو على [ هو ] أو [ يا هو ] أو [ لا هو إلا هو ] .
وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك . واستدل عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب، كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقن عليّا بن أبي طالب أن يقول : [ اللّه، اللّه، اللّه ] . فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا . ثم أمر عليًا فقالها ثلاثا . وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه، ورأس الذكر : ( لا إله إلا اللّه ) ، وهي الكلمة التي عرضها على عمه أبي طالب حين الموت . وقال : ( ياعم، قل : لا إله إلا اللّه، كلمة أحاج لك بها عند اللّه ) ، وقال : ( إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلا وجد روحه لها روحًا ) ، وقال : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة ) ، وقال : ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا اللّه دخل الجنة ) ، وقال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللهّ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على اللّه ) والأحاديث كثيرة في هذا المعنى .
وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين في معرض ذمه لأهل الحلول والإتحاد:(228/8)
قال رحمه الله :حتى رتب على ذلك بعضهم أن الذكر بالاسم المفرد وهو ((الله، الله)) أفضل من الذكر بالجملة المركبة كقوله: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))، وهذا فاسد مبنى على فاسد. فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلاً، ولا مفيد شيئاً، ولا هو كلام أصلاً، ولا يدل على مدح ولا تعظيم، ولا يتعلق به إيمان، ولا ثواب ولا يدخل به الذاكر فى عقد الإسلام جملة.
فلو قال الكافر: ((الله، الله)) من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلماً فضلاً عن أن يكون من جملة الذكر [أو يكون أفضل الأذكار وبالغ بعضهم فى ذلك حتى قال الذكر] بالاسم المضمر أفضل من الذكر [بالاسم الظاهر، يذكر بقوله [هو، هو أفضل من الذكر] بقولهم: ((الله، الله))، وكل هذا من أنواع الهوس والخيالات الباطلة المفضية بأهلها إلى أنواع من الضلالات، فهذا فساد هذا البناءِ الهائر، وأما فساد المبنى عليه فإنهم ظنوا أن قوله تعالى: {قُلِ اللهُ}* [الأنعام: 19]، أى قل هذا الاسم، فقل: الله الله، وهذا من عدم فهم القوم لكتاب الله، فإن اسم الله هنا جواب لقوله: {قُلِ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَه قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً}* [الأنعام: 91]، إلى أن قال: {قُلِ اللهُ} ، أى قل: الله أنزله: فإن السؤال معاد فى الجواب فيتضمنه فيحذف اختصاراً كما يقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقال: الله. أى الله خلقهما، فيحذف الفعل لدلالة السؤال عليه، فهذا معنى الآية الذى لا تحتمل غيره.(228/9)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في فتح الباري /2ـ941/: قال القرطبي :وأما ما ابتدعته الصوفية في ذلك فمن قبيل مالا نختلف في تحريمه لقد ظهرت في كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك يثمر سنيَّ الأحوال . قال الحافظ ابن حجر: وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ: سيء الأحوال. اهـ
قال الصنعاني: في رسالة تطهير الإعتقاد:
فإن قلت قد يتفق للأحياء أو للأموات اتصال جماعة بهم يفعلون خوارق من الأفعال يتسمون بالمجاذيب فما حكم مايأتون به من تلك الأمور فإنها مما جبلت القلوب إلى الإعتقاد بها ؟
قلت : أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين ومن أعظم حُمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين , فإن إطلاق الجلالة منفرداً عن إخبار بقولهم (( الله الله)) ليس بكلام ولا توحيد , وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي , ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني , ولو أن رجلاً عظيماً صالحاً يسمى زيد وصار جماعة يقولون : زيد زيد , لعد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية , ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ .
ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها ؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح وهذه أذكار رسول الله وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية من هذا الشهيق والنهيق والنعيق , الذي اعتاده من هو عن الله وعن هدي رسوله وسمته ودله في مكان سحيق .
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل(228/10)
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(228/11)
أقوال علماء السنة في قصيدة البردة
السلام عليكم
نظرا لما ينشر عن البردة ونظرا لتلك الادعاءات التي يدعيها البعض من ان هذه القصيدة لا تحوي بين طياتها شركا ولا بدعا
ارتايت ان اقدم لاعضائنا الاعزاء وزوارنا الكرام هذه الفتاوى بشان هذه القصيدة ليكون الجميع على بينة
الفتوى الاولى1 ـ
كلام الإمام محمد بن عبدالوهاب في قصيدة البردة
قال : الإمام محمد بن عبدالوهاب : " في تفسير سورة الفاتحة "
وأما الملك فيأتي الكلام عليه ، وذلك أن قوله: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وفي القراءة الأخرى ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله ك ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ {17} ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ {18} يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ {19} ([ سورة الانفطار الآيات: 17/19].(229/2)
فمن عرف تفسير هذه الآية ، وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم ، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره، عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها ، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعني والإيمان بما صرح به القرآن ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاُ )) [ أخرجه البخاري في صحيحة: كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب رقم: 2753 ، والنسائي في سننه: كتاب الوصايا إذا أوصى لعشيرته الأقربين (6/ 248-250) رقم : 3644، 3646، 3647، من حديث أبي هريرة.
من قول صاحب البردة:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ***** اذا الكريم تحلي بأسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يازلة القدم
فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها ، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن .
هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) وقوله: : (( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاُ )) لا والله ، لا والله لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق ، وأن فرعون صادق ، وأن محمداً صادق على الحق ، وأن أبا جهل صادق على الحق . لا والله ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان.(229/3)
فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة ، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام وعرف أن العدل واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا، ليس عن التكفير والقتال ، بل هم الذين بدءونا بالتكفير وعند قوله: ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) [سورة الجن الآية : 18].وعند قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) [سورة الإسراء: الآية : 57]. وقوله: ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ) [سورة الرعد الآية: 14].
فهذا بعض المعاني في قوله : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بإجماع المفسرين كلهم ،وقد فسرها الله سبحانه في سورة ( إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ) ( الإنفطار : 1 ) كما قدمت لك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الفاتحة من مؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب ص 13 المجلد الخامس
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في أحد رسائلهِ الشخصية –كما في الدرر السنية 2/44- إلى الأخ حسن:
" وأما ما ذكرت من أهل الجاهلية كيف لم يعرفوا الالهية إذا أقروا بالربوبية هل هو كذا أو كذا أو غير ذلك.فهو لمجموع ما ذكرت وغيره.
وأعجب من ذلك ما رأيت وسمعت ممن يدعي أنه أعلم الناس،ويفسر القرآن،ويشرح الحديث بمجلدات،ثم يشرح (البردة) ويستحسنها،ويذكر في تفسيره وشرحه للحديث أنه شرك،ويموت ما عرف ما خرج من رأسه ،هذا هو العجب العجاب!!أعجب بكثير من ناس لا كتاب لهم ولا يعرفون جنة ولا ناراً،ولا رسولاً ولا إلهاً."
................
كلام العلامة المجدد عبدالرحمن بن حسن في البردة
قال العلامة المجدد عبدالرحمن بن حسن :
وقد ذكر شيخ الإسلام ، عن بعض أهل زمانه : أنه جوّز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يستغاث فيه بالله . وصنف في ذلك مصنفاً ، رده شيخ الإسلام ، ورده موجود بحمد الله .(229/4)
ويقول : إنه يعلم مفاتيح الغيب ، التي لا يعلمها إلا الله . وذكر عنهم أشياء من هذا النمط . نعوذ بالله من عمى البصيرة .
وقد اشتهر في نظم البوصيري ، قوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم !َ!
وما بعده في الأبيات ، التي مضمونها : إخلاص الدعاء ، واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات ، وأعظم الاضطرار لغير الله .
فناقضوا الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقشة ، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة .
وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم ، في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه . وأظهر لهم التوحيد والإخلاص ، الذي بعثه الله به في قالب تنقصه .
وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون ، أفرطوا فى تعظيمه بمانهاهم عنه أشد النهي ، وفرطوا في متابعته . فلم يعبؤوا بأقواله وأفعاله ، ولارضوا بحكمه ولاسلموا له ، وأنما يحصل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بتعظيم أمره ونهيه .
وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر . فخالفوا ما بلَّغ به الأمة ، وأخبر به عن نفسه صلى الله عليه وسلم . فعاملوه بما نهاهم عنه : من الشرك بالله ، والتعلق على غير الله ، حتى قال قائلهم :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل : يا زلة القد
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
فانظر إلى هذا الجهل العظيم ، حيث اعتقد أنه لا نجاة له إلا بعياذه ولياذه بغير الله .
وانظر إلى هذا الإطراء العظيم ، الذي تجاوز الحد في الإطراء ، الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبدٌ ، فقولوا عبدالله ورسوله " رواه مالك وغيره . وقد قال تعالى : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكن إني ملك ) [ الأنعام : 50 ] .(229/5)
فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسنة ، والمحادة لله ورسوله . وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي في نفوس كثير ، خصوصاً ممن يدعي العلم والمعرفة ، ورأوا قراءة هذه المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد
باب ماجاء أن سبب كفر بنى آدم وتركهم دينهم هو الغلو ( 1 / 381 )
باب قول الله تعالى ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ) ( 2 / 693 )
................
كلام العلامة ـالمحدث ـ سليمان بن عبدالله في البردة :
قال : العلامة المحدث سليمان بن عبدالله في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد : :
ومن بعض أشعار المادحين لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم قول البوصيري :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ***** إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فتأمل ما في هذه الأبيات من الشرك .
منها : أنه نفى أن يكون له ملاذٌ إذا حلت به الحوادث ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له ، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو .
الثاني : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه ، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله ، وذلك هو الشرك في الإلهية .
الثالث : سؤاله منه أن يشفع له في قوله :
ولن يضيق رسول الله ... البيت ...
وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه ، وهو الجاه والشفاعة عند الله ، وذلك هو الشرك ، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره ، فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداء .(229/6)
الرابع : قوله : فإن لي ذمة ... إلى آخره .
كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فليس بينه وبين من اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة ، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك .
تناقض عظيم وشرك ظاهر ، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه ، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحساناً ، وإلا فيا هلاكه .
فيقال : كيف طلبت منه أولاً الشافعة ثم طلبت منه أن يتفضل عليك ، فإن كنت تقول : إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله ، فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم وترجوه وتسأله الشفاعة ؟ فهلا سألتها من له الشفاعة جيمعاً ، الذي له ملك السموات والأرض ، الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه ، فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله .
وإن قلت : ما أريد إلا جاهه ، وشفاعته ، بإذن الله .
قيل : فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين ، فهذا مضاد لقوله تعالى : { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدرك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله } [ الانفطار ] ، فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا .
وإن قلت : سألته أن يأخذ بيدي ، ويتفضل عليَّ بجاهه وشفاعته .
قيل : عاد الأمر إلى طلب الشفاعة من غير الله ، وذلك هو محض الشرك .
السادس : في هذه الأبيات من التبري من الخالق - تعالى وتقدس - والاعتماد على المخلوق في حوادث الدنيا والآخرة ما لا يخفى على مؤمن ، فأين هذا من قوله تعالى : { إياك نبعد وإياك نستعين } [ الفاتحة ] ، وقوله تعالى : { فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } [ التوبة ] ، وقوله : { وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً } [ الفرقان ] ، وقوله تعالى : { قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغاً من الله ورسالاته } . [ الجن ](229/7)
فإن قيل : هو لم يسأله أن يتفضل عليه ، وإنما أخبر أنه إن لم يدخل في عموم شفاعته فيا هلاكه . قيل : المراد بذلك سؤاله ، وطلب الفضل منه ، كما دعاه أول مرة وأخبر أنه لا ملاذ له سواه ، ثم صرح بسؤال الفضل والإحسان بصيغة الشرط والدعاء ، والسؤال كما يكون بصيغة الطلب يكون بصيغة الشرط ، كما قال نوح عليه السلام : { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } . [ هود ]
ومنهم من يقول : نحن نعبد الله ورسوله ، فيجعلون الرسول معبودا .
قلت: وقال البوصيري :
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل الدنيا والآخرة من جوده ، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ ، وهذا هو الذي حكاه شيخ الإسلام عن ذلك المدرس ، وكل ذلك كفر صريح . ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته عليه السلام وتعظيمه ومتابعته ، وهذا شأن اللعين لابد وأن يمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه الأنعام اتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، لأن هذا ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح وهم أبعد الناس منه ، فإن التعظيم بالقلب: ما يتبع اعتقاد كونه عبداً رسولاً ، من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين .
....... فكيف بمن يقول فيه ؟ !
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول في همزيته :
هذه علتي وأنت طبيبُ ***** ليس يخفى عليك في القلب داء
وأشباه هذا من الكفر الصريح .
ــــــــــــ
كناب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ( ص 621 )
.............
كلام العلامة محمد بن على الشوكاني في البردة :
فانظر رحمك الله تعالى ما وقع من كثير من هذه الأمة من الغلو المنهى عنه المخالف لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما يقوله صاحب البردة رحمه الله تعالى :(229/8)
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا باب واسع ، قد تلاعب الشيطان بجماعة من أهل الإسلام حتى ترقوا إلى خطاب غير الأنبياء بمثل هذا الخطاب ، ودخلوا من الشرك في أبواب بكثير من الأسباب .
ومن ذلك قول من يقول مخاطباً لابن عجيل :
هات لي منك يابن موسى إغاثة ***** عاجلاً في سيرها حثاثة
فهذا محض الاستغاثه التي لاتصلح لغير الله لميت من الأموات قد صار تحت أطباق الثرى من مئات السنين .
وقد وقع في البردة والهمزية شيء كثير من هذا الجنس ، ووقع أيضاً لمن تصدى لمدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولمدح الصالحين والأئمة الهادين ما لا يأتي عليه الحصر ، ولا يتعلق بالاستكثار منه فائدةٌ فليس المراد إلا التنبيه والتحذير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ( 59 / 60 )
..........
كلام العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين في البردة
قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين في كتابه الرد على البردة :
قوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل : يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم(229/9)
مقتضى هذه الأبيات إثبات علم الغيب للنبي صلى الله عليه وسلم وأن الدنيا والآخرة من جوده وتضمنت الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من أعظم الشدائد ورجاءه لكشفها وهو الأخذ بيده في الآخرة وإنقاذه من عذاب الله ، وهذه الأمور من خصائص الربوبية والألوهية التي ادعتها النصارى في المسيح عليه السلام وإن لم يقل هؤلاء إن محمداً هو الله أو ابن الله ولكن حصلت المشابهة للنصارى في الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله " والإطراء هو المبالغة في المدح حتى يؤول " الأمر إلى " أن يجعل المدح شيء من خصائص الربوبية والألوهية .
وهذه الألفاظ صريحة في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم كقوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواكأي وإلا فأنا هالك والنبي
أي وإلا فأنا هالك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : " لا ملجأ منك إلا إليك " .
وقوله :
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** ومنقذي من عذاب الله والألم
أو شافعاً لي ...... إلخ . [ أي ] وإلا هلكت ، وأي لفظ في الاستغاثة أبلغ من هذه الألفاظ وعطف الشفاعة على ما قبلها بحرف أو في قوله : " أو شافعاً لي " صريح في مغايرة ما بعد أو لما قبلها وأن المراد مما قبلها طلب الإغاثة بالفعل والقوة . فإن لم يكن فبالشفاعة .
والناظم آل به المبالغة في الإطراء الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا الغلو والوقوع في هذه الزلقة العظيمة ونحو ذلك قوله في خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم :
الأمان الأمان إن فؤادي ***** من ذنوب أتيتهن هراء
هذه علتي وأنت طبيبي ***** ليس يخفى عليك في القلب داء(229/10)
فطلب الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه علة قلبه ومرضه من الذنوب فتضمن كلامه سؤاله من النبي صلى الله عليه وسلم مغفرة ذنبه وصلاح قلبه ، ثم أنه صرّح بأنه لا يخفى عليه في القلب داء فهو يعلم ما احتوت عليه القلوب . وقد قال سبحانه : { وممن حولكن من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ( التوبة آية 101 ) وقال : { وآخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يلعمهم } ( الأنفال آية 60 ) وخفى عليه صلى الله عليه وسلم أمر الذين أنزل الله فيهم : { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } ( النساء آية 107 ) الآيات حتى جاء الوحي وخفى عليه صلى الله عليه وسلم أمر أهل الإفك حتى أنزل الله القرآن ببراءة أم المؤمنين رضي الله عنها وهذا في حياته فكيف بعد موته وهذا يقول : " وليس يخفى عليه في القلب داء " يعني أنه يعلم ما في القلوب والله سبحانه يقول : { والله عليم بذات الصدور } ( آل عمران آية 154 / والمائدة آية 7 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار " .
ـــــــــــــ
كتاب الرد على البردة للعلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين ( ت / 1282 هـ ) ( ص 361 / 362 / 363 / 387 / 388 / )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلام العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين في البردة من كتابه كتاب تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس .
قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين :(229/11)
قول الناظم : إن من جودك الدنيا وضرتها : أ ي من عطائك وإنعامك وإفضالك الدنيا والآخرة ، وهذا كلام لا يحتمل تأويله بغير ذلك ، ووازن بين قول الناظم من جودك الدنيا وضرتها وبين قوله تعالى : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) [ الجن : 21 ] . وقوله ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ) [ الأنعام : 50 ] .
قال ابن كثير : " قل لا أقول لكم عندي خزائم الله " أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون ( ولا أعلم الغيب ) فأخبركم بما غاب مما مضى وما سيكون ( ولا أقول لكم إني ملك ) ؛ لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه الآدمي ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي .
وقوله تعالى : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) [ الأعراف : 118 ] . ص / 25
ــــــــــــ
وازن بين قول يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك ، وبين قول الذي له النبي صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندًّا حيث قال له ما شاء الله وشئت " . فهذا لو قال ما لي من ألوذ به إلا الله وأنت ، لكان أقبح من قول القائل ما شاء الله وشئت ؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة لقوله : لمن شاء منكم أن يستقيم [ التكوير 28 ] فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ الإنسان : 29 ] فكيف إذا أفرد الرسول باللياذ والالتجاء من عذاب ذلك اليوم لا تكلم فيه نفس إلا بإذنه ! . ص / 45
ـــــــــــ
قول صاحب البردة
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** ومنقذي من عذاب الله والألم(229/12)
هو استغاثة بل من أبلغ ألفاظ الاستغاثة، كقول الأبوين ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 23 ] . وقول نوح : (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين [ هود : 47 ] . وقول بني إسرائيل : لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 149 ] . أترى أن الأبوين وجميع المذكورين يخبرون الله بأنه إن لم يغفر لهم ويرحمهم فهم خاسرون وأن هذا منهم مجرد إخبار ، بل كل أحد يعرف أن هؤلاء الذين أخبر الله عنهم بهذا الكلام يسألون الله ويرغبون إليه في أن يغفر لهم ويرحمهم ومعترفون بأنه إن لم يغفر لهم ويرحمهم فهم خاسرون .
وأما قول صاحب البردة وقول المشطِّر :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي**** ومنقذي من عذاب الله والألم
................................. ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
أي وإن لم تأخذ بيدي وتنقذني من عذاب الله فقل يا زلة القدم . أي فأنا خاسر أو هالك ، فهو كقول الأبوين ( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 23 ] . وقول نوح : ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) [ هود : 47 ] . وقول بني إسرائيل ( لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) [ الأعراف : 149 ] . ص / 58 / 59
ـــــــــــ
كتاب تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس . ص ( 25 / 45 / 58 / 59 )
للعلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين ـ رحمه الله ـ
...............
كلام العلامة محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في البردة
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في كتابه "القول المفيد على كتاب التوحيد " (1/218) :(229/13)
وقد ضل من زعم أن لله شركاء كمن عبد الأصنام أوعيسى بن مريم عليه السلام ، وكذلك بعض الشعراء الذين جعلوا المخلوق بمنزلة الخالق ؛ كقول بعضهم يخاطب ممدوحاً له :
فكن كمن شئت يامن لاشبيه له ***** وكيف شئت فما خلق يدانيك
وكقول البوصيري في قصيدته في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم :
يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به ***** سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يازلة القدم
فإن مِن جودك الدنيا وضَرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: وهذا من أعظم الشرك لأنه جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول صلى الله عليه وسلم، ومقتضاهُ أن الله جل ذكره ليس له فيهما شيء.
وقال -أي: البوصيري - [ومن علومك علم اللوح والقلم]، يعني : وليس ذلك كل علومك ؛ فما بقي لله علمٌ ولا تدبيرٌ ـ والعياذ بالله ـ . أ. هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
"القول المفيد على كتاب التوحيد " (1/218)
...........
كلام العلامة صالح بن فوزان الفوزان في على البردة
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان في كتابه إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد :
قوله تعالى ; ولا شفيعٌ ; أي : واسطة ، يتوسط له عند الله ، ما أحد يشفع له يوم القيامة إلا بإذن الله سبحانه وتعالى ، وبشرط أن يكون هذا الشخص ممن يرضى الله عنه ، هذه شفاعة منفيّة فبطل أمر هؤلاء الذين يتخذون الشفعاء ويظنون أنهم يخلصونهم يوم القيامة من عذاب الله كما يقول صاحب " البردة " :
يا أكرم الخلق ما لي من أولذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً ***** بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلّة القدم
هذا على اعتقاد المشركين أن الرسول يأخذ بيده ويخلصه من النار ، وهذا ليس بصحيح ، لا يخلصه من النار إلا الله سبحانه وتعالى إذا كان من أهل الإيمان .(229/14)
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ( 1 / 241 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن أنس رضي الله عنه : أن أناساً قالوا يارسول الله ، ياخيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، فقال (( يا أيها الناس قولوا بقولكم ، ولايستهوينكم الشيطان ، أنا محمد رسول ؛ عبد الله ورسوله ، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل )) رواه النسائي بسند جيد .
فهذان الحديثان يُستفاد منهما فوائد عظيمة :
الفائدة الأولى : فيه التحذير من الغلوّ في حقِّه صلى الله عليه وسلم عن طريق المديح ، وأنّه صلى الله عليه وسلم إنّما يوصف بصفاتِه التي أعطاهُ الله إيَّاها : العبوديّة والرِّسالة ، أمّا أن يُغلي في حقَّه فيوصف بأنّه يفرِّج الكُروب ويغفر الذنوب ، وأنه يستغاث به - عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ، كما وقع فيه كثيرٌ من المخرِّفين اليوم فيما يسمّونه بالمدائح النبوية في أشعارهم : " البردة " للبوصيري ، وما قيل على نسجها من المخرفين، فهذا غلو أوقع في الشرك،
كما قال البوصيري :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
فهذا غلوٌّ - والعياذ بالله - أفضى إلى الكفر والشِّرْك ، حتى لم يترُك لله شيئاً ، كلّ شيء جعله للرسول صلى الله غليه وسلم : الدنيا والآخرة للرسول ، علم اللوح والقلم للرسول ، لا ينقذ من العذاب يوم القيامة إلا الرسول ، إذاً ما بقي لله عز وجل ؟
وهذا من قصيدةٍ يتناقلونها ويحفظونها ويُنشدونها في الموالد .
وكذلك غيرُها من الأشعار ، كلّ هذا سببه الغلوّ في الرّسول صلى الله عليه وسلم .(229/15)
وأمّا مدحُه صلى الله عليه وسلم بما وصفه الله به بأنّه عبدٌ ورسول ، وأنه أفضل الخلق ، فهذا لا بأس به ، كما جاء في أشعار الصحابة الذين مدحوه ، كشعر حسان بن ثابت ، وكعب بن زهير ، وكذلك كعب بن مالك ، وعبدالله بن رواحة ، فهذه أشعار نزيهة طيبة ، قد سمعها النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها ، لأنها ليس فيها شيءٌ من الغلو ، وإنما فيها ذكر أوصافه صلى الله عليه وسلم .
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ( 2 / 312 )
ـــــــــــــــــــــــ
ففي قوله : " عبدالله " ردٌّ على الغلاة في حقه صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله : " رسوله " ردٌ على المكذبين الذين يكذّبون برسالته صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون يقولون : هو عبدالله ورسوله .
هذا وجهه الجمع بين هذين اللفظين ، أن فيهما رداً على أهل الإفراط وأهل التفريط في حقه صلى الله عليه وسلم .
وفيه : ردٌ على الذين غلو في مدحه صلى الله عليه وسلم من أصحاب القصائد ، كقصيدة البُردة والهمزية وغيرهما من القصائد الشركية التي غلت في مدحه صلى الله عليه وسلم ، حتى قال البوصيري :
يا أكرم الخلق ما لي من أولذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
فنسي الله سبحانه وتعالى .
ثم قال :
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
يعني : ما ينجيه من النار يوم القيامة إلاّ الرسول .
ثم قال :
فإن من جودك الدّنيا وضرّتها ***** ومن علومك علم اللّوح والقلم
الدنيا والآخرة كلها من وجود النبي صلى الله عليه وسلم ، أما الله فليس له فضل ، هل بعد هذا الغلو من غلو ؟؟ .
واللّوح المحفوظ والقلم الذي كتب الله به المقادير هذا بعض علم النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسي الله تماماً - والعياذ بالله - .
وكذلك من نهج على نهج البردة ممن جاء بعده ، وحاكاه في هذا الغلو ، هذا كله من الغلو في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ومن الإطراء .(229/16)
أما المؤمنون فيمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم بما فيه من الصفات الحميدة والرسالة والعبودية ، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، كما عليه شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين مدحوه وأقرّهم ، مثل : حسّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وكعب بن زُهير ، وعبدالله بن رواحة ، وغيرهم من شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين مدحوه بصفاته صلى الله عليه وسلم ، وردوا على الكفّار والمشركين .
هذا هو المدح الصحيح المعتدل ، الذي فيه الأجر وفيه الخير ، وهو وصفه صلى الله عليه وسلم بصفاته الكريمة من غير زيادة ولا نُقصان .
ومن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم : إحياء المولد كل سنة ، لأن النصارى يحيون المولد بالنسبة للمسيح على رأس كل سنة من تاريخهم ، فبعض المسلمين تشبه بالنصارى فأحدث المولد في الإسلام بعد مضي القرون المفضلة ، لأن المولد ليس له ذكر في القرون المفضلة كلها ، وإنما حدث بعد المائة الرابعة ، أو بعد المائة السادسة لما انقرض عهد القرون المفضلة ، فهو بدعة ، وهو من التشبه بالنصارى .
وتبين هنا ما يُستفاد من هذه الأحاديث باختصار :
المسألة الأولى : التحذير من الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك يؤدي إلى الشرك ، كما أدى بالنصارى إلى الشرك .
المسألة الثانية : فيه الرد على أصحاب المدائح النبوية التي غلوا فيها في حقه صلى الله عليه وسلم ، كصاحب البردة ، وغيره .
المسألة الثالثة : فيه النهي عن التشبه بالنصارى ، لقوله : " كما أطرت النصارى ابن مريم " .
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ( 1 / 274 / 280 / 281 )
ــــــــــ
فإذا كان الرسول أنكر الاستغاثة به فيما يقدر عليه ، فكيف بالاستغاثة به فيما لا يقر عليه إلا الله سبحانه وتعالى ؟ ، وكيف بالاستغاثة بالأموات ؟ . هذا أشد إنكاراً.(229/17)
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم منع من الاستغاثة الجائزة في حياته تأدُّباً مع الله ، فكيف بالاستغاثة به بعد وفاته ؟ ، وكيف بالاستغاثة بمن هو دونه من الناس ؟ . هذا أمر ممنوع ومحرّم . وهذا وجه استشهاد المصنّف رحمه الله بالحديث للترجمة .
إذاً فقول البوصيري :
يا أكرم الخلق ما لي من أولذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً ***** بيدي فضلاً وإلا قل يا زلّة القدم
فإن من جودك الدّنيا وضرّتها ***** ومن علومك علم اللّوح والقلم
أليس هذا من أكبر الشرك ؟
يقول : ماينقذ يوم القيامه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولايخرج من النار إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، أين الله سبحانه وتعالى ؟ .
ثم قال : إن الدنيا والآخرة كلها من جود الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلم اللوح المحفوظ والقلم الذي كتب في اللوح المحفوظ بأمر الله هو بعض علم الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب .
وهذه القصيدة ـ مع الأسف ـ تطبع بشكل جميل وحرف عريض ، وتوزع ، وتقرأ ، ويُيعتنى بها أكثر مما يعتنى بكتاب الله عز وجل ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ( 1 / 202 )
ـــــــــــــــــــــ
بل إن بعض الغلاة يقول : إن التسمي بمحمد يكفي ، يقول صاحب البردة :
فإن لي ذمة منه بتسميتي محمداً ***** وهو أوفى الخلق بالذمم
لاينفع عند الله إلا العمل الصالح ، لا الأسماء ولا القباءل ، ولا شرف النسب ، ولا كون إنسن من بيت النبوة ، كل هذا لاينفع إلا مع العمل الصالح والاستقامة على دين الله عز وجل .(229/18)
نعم القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانت مع العمل الصالح لها فضل لاشك فيه ، فأهل البيت الصالحون المستقيمون على دين الله لهم حق ، ولهم شرف كرامة ، ويجب الوفاء بحقهم ، طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه أوصى بقرابته وأهل بيته ، لكن
يريد القرابة وأهل البيت المستقيمين على طاعة الله عز وجل ، أما المخرّف والدجّال والمشعوذ الذي يعتمد على قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه في العمل مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا يُعنيه شيئاً عند الله ، لو كان هذا ينفع أبا لهب ، ونفع أبا طالب، ونفع غيرهم ممن لم يدخلوا في دين الله ، وهم من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالواجب أن نتنبّه لهذا .
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ( 1 / 201 )
ـــــــــــــــــــ
راجع كتاب إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان
هذا الموضوع نقله الأخ الفاضل الدر المنثور لسفينة النصح من أنا السلفي ولقد نقلتها وأضفت إليها التعليق الثاني لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
نقلها المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
--------------------------------------------------------------------------------
للفائدة : مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ هَذِهِ القَصِيدَةِ ؟
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(229/19)
أنظر كرامات وليات الله عند الصوفية وكيف يفضن الخير والبركات؟!!!
يقول السيد محمد رشيد رضا رحمه الله في المنار وصفاً ما شاهده عند الصوفية يوم أن كان صوفياً خرافياً نقشبندياً:
"الوليات يفضن الخيرات والبركات على الناس ، بواسطة المصافحة والتقبيل والعناق .
ويذعن -عند ذلك- بألفاظ من الفحش لا يليق أن تُحكى فضلاً عن أن تسطر في الأوراق."
ويردف قائلاً:
""رأى كاتب هذه الكلمات بعينه ولية منهنّ صبيحة الوجه ، وفي معصمها أسورة ، وفي أصابعها خواتيم ، وفي عنقها عقود ، وقد جم رأسها إلى رأسي رَجُلين ، والتفتف الأيدي على الأعناق فكان عناقاً مثلثاً ...
ورأى منهنّ فتاة مدت يدها لمصافحته ، فأعرض عنها فوثبت عليه كالثعبان وقبلتهُ في وجهه قبلات متتابعة.
وفعلت ذلك مع غيره أيضاً."
المنار 1/84.
قلتُ -أي المنهج- :
أجل هذه أخلاق ولياتكم يا صوفية؟؟!!
الآن يُعرف السبب في تشبثكم في مذهبكم وتكذيبكم لما يكتب ويبين عنكم؟؟!!
وكل ما قي شيء..مدسوس على كتبنا أو مأول...
إذاً هذه القبلات والعناق المثلث .. وخطوات الذهاب للفراش .. لالا ليست مدسوسة بل مشاهدة!!
نعم ما أقبح ذكركم؟؟!!!
هذه طريقة لذكر الله تقبيل وعناق و ...
يقول الداعية الكويتي المعروف أحمد القطان:
بأنه زار مصر يوم المولد وكان ذاك الوقت شيوعياً ..
يقول فشاهد صوفي يقول لشاب أمرد قل لا إله إلا الله فقالها..
فقال هذا الصوفي :
حي حي !!
إنها كلمة التوحيد..
دعني أقبل شفتين تكلمت بالتوحيد..
قلتُ:
هذه بعض أخلاق هؤلاء القذرين..
والتاريخ يشهد والواقع يصدق..(230/2)
وكتبكم تروي..
فهل هذه مدسوسة أم مأوله أم مكذوبة؟؟!!
لأن كتبكم كلها كذب في كذب ويجب عليكم أن تتبعوا ولا تبتدعوا..
فالأمام في كتاب الله عز مجل وسنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((الصحيحة)) وإذا قلنا السنة فنحن نعني بالصحيح!!وللأسف الصوفيون يضربون بالأحاديث الصحيحة عرض الحائط ويقبلون ويرون المكذوبات فضلاً عن الضعيف؟!!وكأن مسندهم السلسلة الضعيفة أم الموضوعات لابن الجوزي
نقله أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(230/3)
أهذه هي الصوفية التي تريدون ؟!
أبو ريان الطائفي
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
ومن هذه السخافات : الاستجارة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلاّ الله تعالى من توقي المصائب ، وجلب المنافع ! ، وتعظيم حرمة قبور الأولياء إلى حد اعتقاد أن البلاد تصان به من الأضرار والأخطار !! ، واعتقاد أن من حاول أن يفعل في تلك البقاع خطيئة أن أحوال الشيخ تدركه وتنال منه !! ، وهذا كله من الكفر بالله تعالى ، وأضرب على هذه الصورة عدة أمثلة :
ما قاله الزبيدي في "طبقات الخواص " ( ص : 251 ) في ترجمة عيسى الهتار ، قال الزبيدي : ( وقبره هناك مشهور يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة !!! ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يتعرض له بمكروه !!! ، ومن تعدى ذلك عوجل بالعقوبة ، والقرية كلها محترمة ببركته ... ) .
وقال في ترجمة : أبي الخطاب عمر الهمداني ( ص : 235-236 ) : ( وتربته في موضعه من الترب المشهورة في الجبال يقصدها الناس من كل ناحية للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، بل وقريته كلها من سكن فيها أمِن من كل ما يخاف !!! ، ومن قصدها بسوء أو تعرض لأحدٍ من المستجيرين بها عوقب أشد العقوبة معجلاً ، وقد جرّب ذلك غير مرة .... ) .
وقال في ترجمة أبي الخطاب عمر بن محمد بن رشيد ( ص : 236 ) : ( وقبره ... مشهور مقصود للزيارة والتبرك ، وهو أحد السبعة الذين يقال فيهم : إن من واظب على زيارتهم سبعة أيام متوالية قضيت حاجته !!!! ) .(231/2)
وقال في ترجمة أبي العباس أحمد بن علوان الصوفي ( ص : 71 ) : ( وقبره بها ظاهر معروف مقصود للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة لا سيما في آخر جمعة من شهر رجب !! .... وقرية الشيخ المذكور محترمة !! ، ومن استجار بها لا يقدر أحد أن يناله بمكروه... ) .
وقال في ترجمة : جوهر الصوفي ( ص : 121 ) : ( وتربته هنالك من أكبر الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، ومن تعدى إلى ذلك عوقب عقوبة معجلة وقد جرب ذلك غير مرة !!! ) .
وقال في ترجمة : سفيان الأبيني ( ص : 149 ) : ( وتربته هنالك من الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحدٌ أن يناله بمكروه أبداً ، ومن تعدى شيئاً من ذلك عوقب أشد العقوبة من غير إمهال ، وقدر جرّب ذلك غير مرة .... ) .
وقال في ترجمة : طلحة الهتار الذي يُزعم أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة !! ، ( ص : 165 ) : ( وبني عليه قبة معظمة !! ، وتربته هنالك من أشهر الترب وأكثرها قصداً للزيارة والتبرك ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه وعند تربته قرية كبيرة تنسب إليه يقال لها : الطليحية كلها مجللة محترمة !! ... وله في زبيد زاوية محترمة من استجار بها لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، وانتفع بها الناس نفعاً عظيماً لكونها داخل البلد !! ، ومن نابه شي فزع إليها ويكون كأنه في بيته يقوم بمصالحه وحوائجه وهو في أمنٍ ودعه وذلك باقٍ مع أولاده وأولادهم إلى الآن !!!! ) .
وقال في ترجمة : ابن الغريب ( ص : 209 ) : ( وتربته في القرية من الترب المشهورة المعظمة المقصودة من الأماكن البعيدة للزيارة والتماس الخير والبركة ، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه ، ومن تعدى ذلك عوقب أشد العقوبة من غير مهلة ، وقد جرب ذلك غير مرة .. ) .(231/3)
وقال الزبيدي في ترجمة : فرج النوبي ( ص : 258 ) : ( وقبره بها مشهور يزار ويتبرك به!! ، قلّما قصد تربته ذو حاجة إلاّ قضيت حاجته ... ) .
وقال الزبيدي في ترجمة : محمد بن أبي بكر الحكمي ( ص : 267 ) : ( وتربة الشيخ والفقيه من الترب المعظمة المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة ، ومن استجار هنالك أمِن من كل ما يخاف ، ولا يقدر أحد أن يناله بمكروه من الدولة والعرب وغيرهم ... ) .
وقال الزبيدي في ترجمة : محمد بن يعقوب المعروف بأبي حربة ( ص : 276 ) صاحب الدعاء المشهور الذي قيل أنه كان يدعو به عند إنشائه وهو ينظر في اللوح المحفوظ !!! ، قال الزبيدي : ( وقبره هناك مشهور يزار ويتبرك به ويقصد من الأماكن البعيدة ، وقبور أولاده وذريته ... وتربتهم هنالك من الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة ، ما قصدهم ذو حاجة إلاّ قضيت حاجته ، ومن استجار بهم لا يقدر أحد أن يناله بمكروه من أرباب الدولة والعرب وغيرهم..... ) .
قلت : وغير هذه المواطن كثير !! ، فيا رباه الغوث ، سبحانك ما ألطفك ، سبحانك ما أوسع رحمتك ، ( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الطور:43) قال تعالى : ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون:88-89) . ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ) (الجن:22) .
فإذا لم يكن هذا الكلام الفاسد من كلام الزبيدي ، وهذه الاعتقادات المضلة : شرك بالله تعالى ومروق من الشريعة ، فوالله ما في الوجود شرك ولا كفر !! .(231/4)
بالله يا أهل العقول ، ويا أرباب النهى : ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17) : ( أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون َ)(النمل: من الآية63) ، ( أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )(النمل: من الآية64) ، كيف يفزع إلى أهل القبور ، ويلاذ بهم ، ويستجار بهم من دون الله تعالى ؟! .
فما أخطر كيد إبليس على هؤلاء القوم :
كيف أضلهم : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) (الأحقاف:5) .
كيف أعماهم : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(لأعراف: من الآية179) .
كيف صدهم عن السبيل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف:104) ، ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8) .(231/5)
نعم يا صاحب التوحيد : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) ، فلو علم الله فيهم خيراً ، وأراد بهم هداية ، لاصطفاهم واجتباهم إليه : ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنفال:23) ، ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )(القصص: من الآية56) .
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتابه " كشف الشبهات " بعدما عرّف التوحيد وعظّمه ، وبيّن الشرك وشنّعه : ( أفادك فائدتين : الأولىا: الفرح بفضل الله ورحمته كما قال تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) ، وأفادك الخوف العظيم ، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل ، وقد يقولوها وهو يظن أنها تقربه إلى الله كما ظنّ المشركون ، خصوصاً إن ألهمك الله تعالى ما قصّ عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين : (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَة)(الأعراف: من الآية138) فحينئذٍ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله ... ) .
فافرح يا عبدالله بهداية لك ، وأكثر له من الشكر والثناء فما يعادل الهداية إلى التوحيد نعمة .(231/6)
وأكثر الخوف من الشرك و وسائله ، فهي طريقة الموحدين من الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ، فهذا إبراهيم خليل رب العالمين ، الأمة القانت الحنيف الأوّاه المجتبى يقول : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية (ابراهيم:35-36) ، وهذا يوسف عليه السلام يقول في دعائه : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )(يوسف: من الآية101) ، وهذا نبينا وحبيبنا وسيد الخلق أجمعين وإمام الموحدين وخليل رب العالمين : محمد صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ) ، وفي الباب آثار وأشعار ، والله المستعان وعليه التكلان .
***
يستغرب البعض جمود بعض المتصوفة على عقيدته ، وعدم قبوله للحجج والبينات التي تلقى عليه من كل حدبٍ وصوب ، وذلك مستند إلى تعلّقهم الكبير بالمرجعية الدينية ، وتقديم أمرها على أمر الشارع ، فتعظيم المريد للشيخ ، وانكساره بين يديه ، والافتقار إليه ، وتقبيل الأرض من تحت أقدامه ! ، كل ذلك من مقومات هذه العقلية المتحجرة ! ، بل أن من المرجعيات الدينة من يقدم أمره ونهيه على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم !! ، فهذا ذو النون المصري [ ت : 245هـ ] يقول : ( طاعة المريد لشيخه فوق طاعته ربه!!! ) [ تذكرة الأولياء : 1/171 ] .
وهذا صاحب [ الختمية : 135 ] : ( الشيخ هو الإمام الذي يرشدك وينير لك الطريق ، ولذا فطاعته واجبة لازمه ، وإن لم تكن واجبة فكيف تستفيد منه .... ولا ريب أنك لن تصل إلاّ بطاعته لا بمخالفته ، فلذا وجبت طاعة الشيخ المرشد في كل أمرٍ من الأمور .. ) .(231/7)
ويقطعون صلة المريد بكل شيخٍ غير شيخه الذي يربيه ويلحظه بالعناية !! ، فيقول الشيخ الفوتي صاحب [ رماح حزب الرحيم : 1/142 ] : ( واعلم أن الاقتصار على واحدٍ لا يتعداه إلى غيره شرط لازم في طريق أهل الله ، ولابد لكل مريد من التزامه وإلاّ فلا سبيل له في الوصول البتة !!! ) .
ونقل عن ابن عربي قوله : ( إنما كان المريد لا يفلح قط بين شيخين قياساً على عدم وجود العالم بين إلهين !!!! ، وعلى عدم وجود المكلف بين رسولين !! ، وعلى عدم وجود امرأة بين رجلين !!!!!! ) [ المرجع السابق : 1/143 ] .
بل إن مشايخ السوء يحسسون أتباعهم بأن مخالفة أمرهم من موجبات الدخول في نار جهنم !! ، فيقول أبو الحسن علي الأهدل : ( قال لي سيدي – يعني الله - : من خالف كلامك أحرقته بناري !! ) .
قال الزبيدي معلّقاً : ( فكان إذا أراد أن يأمر الفقراء بشيٍ يقول : أريد كذا وكذا ، ولا يقول لهم : اعملوا كذا وكذا ، ويقول : أخاف عليهم النار إن خالفوني !!!!! ) [ طبقات الخواص : 198 ] .
بل منهم من جعل الجنة تحت تصرّفه يدخل فيها من يشاء ، فهذا التجاني يقول : ( وليس لأحدٍ من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا ، وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلاّ أنا وحدي!!!! ) [ الطبقات الكبرى : 2/90 ] .
فهذه مختارات من عبارات المتصوفة ، ومن أراد الاستزادة فهناك المزيد ، وليراجع للاستفادة كتاب " تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي " للشيخ الفاضل محمد أحمد لوح [ ط : دار ابن القيم – مجلدان ] ، والله المستعان .
******(231/8)
يقول أحمد التيجاني – فيما تقدم نقله - : (وليس لأحدٍ من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا ، وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلاّ أنا وحدي!!!! وأما سائر سادتنا الأولياء رضي الله عنهم فيدخلون الجنة أصحابهم بعد المناقشة والحساب !! ) [ الطبقات الكبرى : 2/90 ] ، و [ كشف الحجاب : 373-374 ] .
وقال الشعراني في [ طبقاته : 2/106 ] : ( ومنهم الشيخ الخضري رضي الله عنه المدفون بناحية نها بالغربية وضريحه يلوح من البعد من كذا وكذا ... وكان يقول : لا يكمل الرجل حتى يكون مقامه تحت العرش على الدوام ، وكان يقول : الأرض بين يدي كالإناء الذي آكل منه !!! ، وأجساد الخلق كالقوارير ، أرى ما في بواطنهم... ) .
ويقول أحمد التيجاني في إجابته لأحد مريديه لما طلب الضمان في المعرفة : ( وأما ما طلبت من الضمان في المعرفة بالله من كونها صافية من اللبس ، ممزوجة حقيقتها بالشريعة ، فإن أمرها لا يكون إلاّ كذلك ، لا غير ... وأنا لك ضامن أن لا تسلب ما دمتَ في محبتنا ، وكل ما دونه ، من دخول الجنة بلا حساب إلى ما وراءه وما قبله !! ، وسامحتك فيما لا تعلمه مما مقتضاه سوء الأدب ، وأما السورة فتداومها أحد عشر ألف مرة ( 11000 ) كل يوم أو كل ليلة مختلياً وحدك وقت ذكرها فقط ، وبدؤها أن تقرأ الفاتحة مرة ، و صلاة الفاتح لما أغلق !!! مرة ، وتهدي ثوابها لأهل النوبة في ذلك اليوم من الأولياء والأحياء ثم تقوم وتقف مستقبلاً وتنادي : (دستور يا أهل النوبة جبهتي تحت نعالكم ، ثم تقرأ الفاتحة مرة ، وتهدي ثوابها لروح الشيخ عبدالقادر ، والشيخ أحمد الرفاعي ، وجميع الأولياء الغائبين والحاضرين ثم تقرأ الفاتحة مرة وتهدي ثوابها لروح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم تسأل المدد!!! ) [ كشف الحجاب : 85-86 ] .(231/9)
قال يوسف النبهاني الملحد في [ كرامات الأولياء : 2/276 ] : ( عبيد أحد أصحاب الشيخ حسين ، كان له خوارق مدهشة ، ومنها أنه كان يأمر السحاب أن يمطر لوقته ، وكل من تعرّض له بسوء قتله في الحال !!! ، دخل مرة الجعفرية فتبعه نحو خمسين طفلاً يضحكون عليه ، فقال : لأعزلنك من ديوان الملائكة !!!! فأصبحوا موتى أجمعين ، وقال له بعض القضاة : اسكت ، فقال له : اسكت أنت ، فخرس وعمي وصم ، وسافر في سفينة فوحلت ، ولم يمكن تقويمها ، فقال : اربطوها بخيط!!! في بيضي – يعني خصيتيه !!!- ففعلوا ، فجرها حتى خلصها من الوحل ) .
قلت : اللهم لك الحمد على نعمة الهداية والاتباع ، فهذه هي الصوفية التي يريدون ، ومن يزعم براءته من هذه الخزعبلات فليعلن كفره بها ، وجحودها ، وجحود أهلها .
***
مما يدعو المسلم إلى اللهج الكثير بحمد الله تعالى ما يراه من تنكب قلوب الكثير من الصوفيين عن قبول الحق والإصغاء إليه ، وهذه حكمة الله تعالى مع من لم يرد هدايته قال تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنفال:23) .
ولا يحزن المؤمن من عدم قبولهم للحق ، ما عليه إلاّ البلاغ ، قال تعالى : ( وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (الأنعام:35) .
وقال تعالى : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف:6)(231/10)
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8)
وهذه الآيات أكبر سلوان للمؤمن ، وإلاّ لطاش عقله ، وخارت قواه مما يرى من مبلغ ضلال القوم وانحرافهم مع تجلي آيات الله وبيناته !! .
فالجد والكيس والاجتهاد ، والحذار الحذار من العجز والكسل والجبن والبخل والفرار يوم الزحف ! .
***
الحمد لله رب العالمين :
من مشاركة الأخ عبدالله المسلم :
يعتبر كتاب الشعراني (طبقات الشعراني) من أهم مراجع الخرافة في كتب الصوفية ، وهم ينفون عن الشعراني ويدعون أن هذه الخرافات التي يواجهون بها نقلاً من كتاب الطبقات ، هي مما زيد على الكتاب ودس على الشعراني بغير علمه. وعلى فرض ثبوت هذا ، فهناك مشكلتان:
الأولى ـ أن الصوفية أصبحوا إذا وجهوا بالخرافة قالوا مدسوسة ، وإذا خلوا إلى بعضهم رووا هذه التخريفات ، ومنها ما وثق صوتاً وصورة لداعية التصوف المعاصر "علي الجفري اليمني" وهو يروي أحد هذه الخرافات عن الشعراني
الثانية ـ أن الكتاب بأكمله إلا النزر القليل جداً ، ينضح ويفور بالخرافة ، فلا نعلم أيها المدسوس الحق القليل أم التخريف الكثير. وللتوثيق إليك فيض من غيض:
وفيما يلي بعض الكرامات المزعوة لبعض من يعظمهم الخرافيون ويدعون لهم الكرامات
ولا يملك من اطلع عليها إلا أن يحمد الله على نعمة العقل والإيمان(231/11)
قال الشعراني في الطبقات (2ـ 184): طبعة دار العلم للجميع: الشيخ الصالح عبد القادر السبكي أحد رجال الله تعالى كان من أصحاب التصريف بقرى مصر رضي الله عنه: ((وكان كثير الكشف لا يحجبه الجدران والمسافات البعيدة من اطلاعه على ما يفعله الإنسان في قعر بيته.... وخطب مرة عروساً فرآها فأعجبته فتعرى لها بحضرة أبيها ، وقال: انظري أنت الأخرى حتى لا تقولي بعد ذلك بدنه خشن ، أو فيه برص أو غير ذلك ، ثم أمسك ذكره وقال: أنظري هل يكفيك هذا ، وإلا فربما تقولي: هذا ذكره كبير لا أحتمله ، أو يكون صغيراً لا يكفيني ، فتقلقي مني ، وتطلبي زوجاً أكبر آلة مني)).
وقال أيضاً: الشيخ علي أبو خودة الطبقات (2ـ135): ((وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرداً راوده عن نفسه ، وحسس على مقعدته ، سواء كان ابن أمير ، أو ابن وزير ، ولو كان بحضرة والده ، أو غيره ، ولا يلتفت إلى الناس ، ولا عليه من أحد)).
وقال أيضاً في الطبقات (2 ـ185): ((الشيخ شعبان المجذوب رضي الله عنه ، كان من أهل التصريف بمصر المحروسة ، وكان يخبر بوقائع الزمان المستقبل وأخبرني سيدي علي الخواص رضي الله عنه أن الله تعالى يطلع الشيخ شعبان على ما يقع في كل سنة من رؤية هلالها ، فكان إذا رأى الهلال عرف جميع ما فيه مكتوباً على العباد)).
وقال: ((وكان يقرأ سورا غير السور التي في القرآن على كراسي المساجد يوم الجمعة وغيرها فلا ينكر عليه أحد ، وكان العامي يظن أنها من القرآن لشبهها بالآيات في الفواصل))
وقال: ((وقد سمعته مرة يقرأ على باب دار، على طريقة الفقهاء الذين يقرؤون في البيوت فأصغيت إلى ما يقول فسمعته يقول: "وما أنتم في تصديق هود بصادقين ، ولقد أرسل الله لنا قوماً بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين" ثم قال: اللهم اجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان إلى آخر ما قال)).(231/12)
وقال أيضاً في الطبقات (2ـ142): ((الشيخ إبراهيم العريان رضي الله عنه ،كان يُخرج الريح بحضرة الأكابر ثم يقول: هذه ضرطة فلان ، ويحلف على ذلك ، فيخجل ذلك الكبير منه ، مات رضي الله عنه سنة نيف وثلاثين وتسعمائه)). ((وكان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عرياناً ...... فيحصل للناس بسط عظيم)).
وقال أيضاً: ((شيخنا أبو علي هذا كان من جماعته: الشيخ عبيد: وأخبرني بعض الثقات أنه كان مع الشيخ عبيد في مركب فوحلت ، فلم يستطع أحد أن يزحزحها ، فقال الشيخ عبيد: اربطوها في بيضي (الخصيتين) بحبل وأنا أنزل اسحبها ففعلوا ، فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل إلى البحر ، مات رضي الله عنه في سنة نيف وتسعين وثمانمائه)).
وقال أيضاً في الطبقات (2ـ 87): ((سيدي الشيخ محمد الغمري ، أحد أعيان أصحاب سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه ، كان من العلماء العاملين والفقراء الزاهدين المحققين سار في الطريق يسيرة صالحة وكانت جماعته في المحلة الكبرى وغيرها يضرب بهم المثل في الأدب والاجتهاد ، قال: ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب الخيسي يوماً الخلوة فرآه جالساً في الهواء وله سبع عيون فقال له: الكامل من الرجال يسمى أبا العيون)).
وقال أيضاً في الطبقات (2ـ88): ((سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين صاحب الكرامات الظاهرة والأفعال الفاخرة والأحوال الخارقة والمقامات السنية)) إلى أن قال: ((وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود ، وصرفه في الكون)). إلى أن قال: ((قال الشيخ أبو العباس: وكنت إذا جئته وهو في الخلوة أقف على بابها فإن قال لي ادخل دخلت ، وإن سكت رجعت فدخلت عليه يوما بلا استئذان فوقع بصري على أسد عظيم فغشي علي فلما أفقت خرجت واستغفرت الله تعالى من الدخول عليه بلا إذن ". ثم قال" وقد مكث في خلوته سبع سنين تحت الأرض ابتدأها وعمره أربع عشرة سنة".(231/13)
"قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: ولم يخرج الشيخ من تلك الخلوة حتى سمع هاتفا يقول: يا محمد اخرج انفع الناس ثلاث مرات ، وقال له في الثالثة: إن لم تخرج وإلا هيه. فقال الشيخ: فما بعد هيه إلا القطيعة ، قال الشيخ فقمت وخرجت إلى الزاوية فرأيت على السقيفة جماعة يتوضؤون فمنهم من على رأسه عمامة صفراء ومنهم زرقاء ، ومنهم من وجهه وجه قرد ، ومنهم من وجهه وجه خنزير ، ومنهم من وجهه كالقمر ، فعلمت أن الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء الناس ، فرجعت إلى خلفي وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كشف لي من أحوال الناس وصرت كآحاد الناس)).
وقال أيضاً في ترجمة علي وحيش في الطبقات (2ـ149): ((كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال ...وله كرامات وخوارق واجتمعت به يوماً)). إلى أن قال: ((وكان إذا رأى شيخَ بلدٍ أو غيرَه ينزله مِن على الحمارة ويقول له: أمسِك رأسَها حتى أفعل فيها! فإن أبى الشيخ تسمَّر في الأرض لا يستطيع أن يمشي خطوةً، وإن سمح حصل له خجلٌ عظيمٌ والناس يمرُّون عليه)).
ويقول الشعراني عن نفسه في كتابه "الطبقات: ((إنَّ سبَبَ حضوري مولد "أحمد البدوي" كلَّ سَنَةٍ أنَّ شيخي العارف بالله تعالى "محمد الشناوي" رضي الله عنه! أحدَ أعيان بيته رحمه الله، قد كان أخذ عليّ العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلَّمني بيده، فخرجت اليد الشريفة من الضريح! - بين الشعراني والبدوي نحو أربعة قرون! -وقبضت على يدي. وقال: يا سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك! فسمعتُ "سيدي أحمد" من القبر يقول: نعم. ولما دخلتُ بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن وهي بكرٌ، مكثتُ خمسةَ شهورٍ لم أقرب منها فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فراشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي الحلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه! وقال: أزِل بكارتها هنا! فكان الأمر تلك الليلة)) الطبقات (1ـ161
***(231/14)
الحمد لله رب العالمين
ولما يا رامي ؟
ألا تريد أن يكون للأجيال من بعدنا ( سلف ) في التحذير من هذه المقالات الفاسدة ، وبيان خطرها على الناس ؟! .
أوليست هذه المقالات متجددة ، ويتناقلها الصوفيون في ( بيعاتهم ) و ( خلواتهم ) ؟! ، فكيف تُمر ولا تنكر ؟! ، حتى يأتي من بعد من يقول : لم ينكرها أحد ! .
وما دخل ابن تيمية في ( ابن عربي ) و ( القونوي ) و ( التلمساني ) حتى يتتبع كتبهم ومقالاتهم ويخر بها على رؤوس أتباعهم ؟! .
ثم ما الذي يضرك ؟ .
ألست معنا بأن هذه العقائد فاسدة ، وأنها في حضيض السخافة ! ، فلو أن هذه الكتب كأصحابها كانت فبانت ولم يعرف لها ذكر لما التفت إليها أحد ، ولكنها تطبع وتجدد وتوزع أحياناً بالمجان !!! ، فما الذي يبيح لي ولك ( غش الأمة ) و ( تسليمها ) لهذا الشر العظيم ، والخطر الوخيم .
وقبل الختم أنقل هذه السخافة من كتاب " طبقات الخواص " للزبيدي [ ص : 308 ] ، فقد ذكر في ترجمة محمد بن موسى بن عجيل أن صاحبه ماتت زوجته ، وكان يحبها حباً شديدا ، قال الزبيدي : ( فأسف عليها أسفاً كثيرا ، فقصد الفقيه محمد بن موسى ، وشكا عليه حاله ، وقال : مرادي أن أراها وأعلم ما صارت إليه ، فاعتذر منه الفقيه !!!! ، فلم يقبل منه وقال : ما أرجع إلاّ بقضاء حاجتي ، وكان له محل عند الفقيه ، فامتهله ثلاثة أيام ، ثم طلبه ذات يوم ، وقال له : ادخل هذا البيت إلى امرأتك ، فدخل فوجدها على هيئة حسنة وعليها لباس حسن ، وسألها عن حالها فأخبرته أنها على خير ، فسر لذلك ، ثم خرج إلى الفقيه مسرورا طيب النفس ، وقد سكن ما كان يجده من الأسف !!!!! ) .
تامل هذا جيداً واحمد ربك على العافية .
***(231/15)
يقول علي وفا : ( اعلم أن قلوب الرجال امثال الجبال فكما أن الجبال لا يزيلها عن أماكنها إلا الشرك بالله كما قال عز وجل : ( وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) ، وكذلك قلوب الرجال لا سيما الولي لا يزيل قلبه إلا الشرك الواقع من تلامذته معه !!!! ، من إشراك أحد معه في المحبة ، لا يزيله إلا ذلك ، لا تقصير في الخدمة ولا غير ذلك !! ) [ رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم : 1/118-119 ] .
ولعلنا نحفظ الحديث الرباني : ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ... ) الحديث .
فاقرءوا ما يقوله الدسوقي لأحد مريده : (يا ولدي إن صح عهدك معي فأنا منك قريب غير بعيد !!! ، وأنا في ذهنك ، وأنا في سمعك ، وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك ، الظاهرة والباطنة !! ، وإن لم يصح عهدك لا تشهد منّي إلا البعد ) [ الطبقات الكبرى : 1/150 ] .
تأملوا هذا جيدا واعرفوا فضل الله عليكم ، واسألوا ربكم العافية .
****
الحمد لله :
زر مصر وقف على ( قبر الحسين ) و ( ضريح الست نفيسة !! ) و ( وضريح السيدة عائشة ! ) و ( سكينة ) و ( السيدة زينب ) و ( ضريح الشافعي ) و ( ضريح الليث بن سعد ) !!! .
وقف على قباب العراق ، في أكثر من مائة وخمسين ضريح مشهور مزار متبرك بأعتابه !! . فكيف بالأضرحة المغمورة !!! .
وقف لحظات عند قبر الأوزراعي في جنوب بيروت وما عنده من عجائز ركع رتع !! ، وخرق معلقة ، وسدنة ، ونذور !!!! .
وزر دمشق وابحث لنا عن صدق قول عبدالرحمن بك ( ت : 1890م ) بأنها : أربع تسعين ومائة ضريح إن لم تزد في عام ( 2005 م ) ؟! .
وتقلب في جنبات الهند ، وقف على مذهلات العقول من الشرك بالله تعالى ، وحج الآلاف بل الملايين لها ! .
وارحل إلى ( ميرغني ) السودان ، وجنبات الإدريسيين في بلاد المغرب .(231/16)
وارحل إلى ( تريم ) و ( سييون ) وسوف يزول عنك هذا الشك بإذن الله !!!!! .
هذا ما يجهد الجفري والصوفيون اليوم إلى تجديده ، وإحياء رسومه ، وإعادة تاريخ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى !!! .
قال الأمير الصنعاني في قصيدة مدحه لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب :
ويعمر أركان الشريعة هادما ******** مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله ******* يغوث و ود بئس ذلك من ودِ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ******* كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة ******* أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبّل ******** ومستلم الأركان منهن باليدِّ
فأنقذ نفسك يا رامي من النار ، وافزع إلى من بيده مقاليد الأمور ، ودعانا كي نفزع إليه وننكسر بين يديه ، ويفرح بذلك ، ويتودد إلينا بالإجابة ، وهو الحي الذي لا يموت .
ولماذا لا نشتغل بإحياء دعوة المرسلين إلى توحيد رب العالمين ، وإحياء سنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ، وننقذ الناس من ( الطرق ) و ( الخرق ) وسائر البدع .
ونزهد ، ونتورع ، ونتعبد لله تعالى ، ونذكر الله تعالى في كل حين ولا حاجة إلى ( تصوف ) و ( صوفة ) و ( صفو !! ) احوال .
ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور .
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله(231/17)
فمتابعة لما سبق أن ذكرته في مشاركة سابقة عن ( غلو ) ( الصوفية ) في ( مشايخهم ) و ( الأولياء ) ، آمل من القارئ الكريم تأمل هذه النقولات التي يقف لها شعر الموحد ذهولا وعجبا ، ويقف عندها خوفاً و وجلا ، وكيف يعمي الله أبصار بعض الخلائق ويطمس على وجهها ويصرفها عن السبيل ! ، ففي كتاب " الإبريز " ( ص : 240 ) يقول الدباغ : ( الشيخ للمريد في درجة لا إله إلاّ الله ، محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله ، فإيمانه متعلق به ، وكذا سائر أموره الدينية والدنيوية ! ، فقال له ابن مبارك – تلميذه - : إني أخاف من الله تعالى في أمور فعلتها ! ، فقال لي : ما هي ؟ ، فذكرت له ما حصل ، فقال لي : لا تخف من هذه الأشياء !!! ، ولكن أكبر الكبائر في حقك أن تمر عليك ساعة ولا أكون في خاطرك ، فهذه هي المعصية التي تضرك في دينك ودنياك !!!!! ) .
فتأمل يا عبد الله كيف ضاهي مكانته بمكانة الشهادتين في الإسلام ، وكيف هوّن على مريده الخوف من الله تعالى ، وكيف عظّم متابعته ومراقبته وجعل فواتها من أكبر الكبائر بل أكبرها على الإطلاق .
والنبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الذنب أكبر ؟ فقال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) .
[ انظر كتاب : تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي – محمد أحمد لوح – 421 ] .
وخذ على هامش الخرافات والزندقة ما نقله ( الشعراني ) في " طبقاته " ( 1/170 ) عن الدسوقي قوله : (أنا في السماء شاهدت ربي وعلى الكرسي خاطبته !!! ، أنا بيدي أبواب النار غلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها ، من زارني أسكنته جنة الفردوس ) .(231/18)
قلت : لعنك الله يا ملحد ! ، فالله تعالى ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103) ، والله لا يجلس على الكرسي وإنما ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) ، وأبواب النار مفتحة الأبواب ترتقب أهل الضلال وتقول : هل من مزيد ! ، وأبواب الجنة لا تفتح لأحد قبل الحبيب الخليل محمد صلى الله عليه وسلم ، والجنة ملك الله تعالى يدخلها الله من يشاء من عباده وليس للكافرين لهم فيها نصيب : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .
تأملوا هذا يا أرباب العقول ويا أصحاب الحجا ، واعرفوا فضل الله عليكم أن هداكم للإسلام ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
*****
من سخافات عقول [الصوفية ] إيمانهم برؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، ونفي موته الذي نصّ الله تعالى في القرآن الكريم في قوله سبحانه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144) ، وقوله سبحانه : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30) ، فخلطوا في فهم معنى حياة الأنبياء حتى : أطلقوا لهم الحياة المطلقة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من قبره ، ويتفقد أحوال أمته ، ويغيث من استغاث به ، وغير ذلك من الترهات والخزعبلات التي تمجها عقول العقلاء فكيف بأهل الإسلام النبلاء ؟! .(231/19)
فهذا إبراهيم المتبولي !! ، من أئمة الصوفية ، يقول عنه الشعراني في [ طبقاته : 1/68 ] أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً في المنام ، فيخبر بذلك أمه ، فتقول : يا ولدي إنما الرجل من يجتمع به في اليقظة ، فلما صار يجتمع به في اليقظة ويشاوره على أموره ، قالت له : الآن شرعت في مقام الرجولية !! ) .
قلت : بل والله شرع في الدجولية !! ، وسخافة العقول .
ويقول تلميذه عبدالقادر الدشطوطي : ( ... ليس أحد من الأولياء له سماط يمد كل سنة فوق سد الاسكندر ذي القرنين غير سيدي إبراهيم المتبولي .... ولا يتخلف أحد من الأنبياء والأولياء عن حضوره ، فيجلس النبي صلى الله عليه وسلم صدر السماط والأنبياء يميناً وشمالاً على تفاوت درجاتهم .. ) [ طبقات الشعراني : 2/77 ] .
وفي ترجمة محمد الفيومي الصوفي !! ذكر الشعراني في [ طبقاته : 2/160 ] : ( أنه كان يخبر أنه يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة أي وقت أراد !!!! ) .
قال الشعراني معلّقاً : (وهو صادق !!!! ، لأنه صلى الله عليه وسلم سائر في كل مكان وجدت فيه شريعته وما منع الناس من رؤيته إلا غلظ حجابهم !! ) .
قلت : بل أنت وإياه كاذبان ضالان ، فأين الذين يدافعون عن الصوفية من أمثال هذه العقائد الكفرية التي ما قال بها اليهود ولا النصارى في أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم ، ولا الرافضة في رجعتهم !! ، فأي ضلال هذا الضلال ، نعوذ بالله من الخذلان .
وهذا الشعراني – بريد الكفر – ينقل عنه الفوتي قوله : ( فلا يزال أحدهم يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكثر منها ، ويتطهر من كل الذنوب حتى يجتمع به يقظة في أي وقتٍ شاء ، ومن لم يحصل له هذا الاجتماع فهو إلى الآن لم يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإكثار المطلوب .. ) .(231/20)
ويقول : ( لا يكمل الرجل عندنا مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة ) .
وقال : ( وممن رآه يقظة من السلف !!!! : الشيخ أبو مدين المغربي ، والشيخ عبدالرحيم القناوي ، والشيخ موسى الزواوي ، والشيخ أبو الحسن الشاذلي ، والشيخ أبو العباس المرسي ، والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر ، و سيدي إبراهيم المتبولي ، والشيخ جلال الدين السيوطي : وكان يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعت به يقظة نيفاً وسبعين مرة !!! ، وأما سيدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجتماعه به ... ) [ رماح حزب الرحيم – عمر بن سعيد الفوتي – 1/199 ] .
وفي الباب نفسه ما تتناقله الرفاعية و علي الجفري !!!! عن أحمد الرفاعي من أنه لما حج وقف على القبر الشريف وأنشد قوله :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ******* تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه نوبة الأشياخ قد ظهرت ****** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
قالوا : فخرجت إليه يد النبي صلى الله عليه وسلم من القبر فقبلها ؟! .
وعقد الفوتي التيجاني فصلاً يقول فيه : ( الفصل الحادي والثلاثون في إعلامهم أن الأولياء يرون النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، وأنه صلى الله عليه وسلم يحشر كل مجلس أو مكان أراد بجسمه وروحه ... ) [ رماح حزب الرحيم – 1/198 ] .
وهذا الشاذلي إمام الطريقة يحكي عنه الشعراني أنه كثير الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم !! ومن ذلك قوله : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على سطح الجامع الأزهر عام خمسة وعشرين وثمانمائة فوضع يده على قلبي وقال : يا ولدي الغيبة حرام ، ألم تسمع قول الله تعالى : ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً )(الحجرات: 12) وكان قد جلس عندي جماعة فاغتابوا بعض الناس .. ) [ طبقات الشعراني : 2/65 ] .(231/21)
بل لا تعجب إذا قيل لك بأن الصوفية يعتقدون رؤية الأولياء بعد موتهم يقظة بأجسادهم وأرواحهم !! ، فقد ذكر الشعراني في ترجمة العياشي من ذلك شيئاً فقال : ( وكانت الأولياء الأموات يزورونه كثيراً لا سيما الشافعي !!!!! رضي الله عنه ، فكان يخبر أنه كان عنده يقظة لا نوماً ، وكان من لا يعرف حاله يقول : هذا خراف ) [ طبقات الشعراني : 2/162 ] .
قلت : إي والله إنه خراف .
وللصوفية في هذا الباب من العجائب والغرائب مما ينادي بها عليهم بالجهل والزندقة !! ، والله المستعان .
أبو ريان الطائفي
كان الله في عونه ونصرته
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(231/22)
إلى أتباع الفرق كلها ... هاكم رحلة حُرِّ .. بحثاً عن الحق !!
حاتم بن عبدالرحمن الفرائضي
[[ بسم الله الرحمن الرحيم ]]
[ الحمد لله رب العالمين ـ الرحمن الرحيم ـ مالك يوم الدين ]
[ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم،
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. ]
أخي
بلغتني شكواك ..!!
أن ..السبل ..تكاثرت .. !!
والأحزاب.. تصارعت !!
والمناهج.. تتعددت.. !!
وطرق الإصلاح .. التبست ..!!
وقلوب المصلحين .. تنافرت!!
فتشتت طاقات المسلمين .. و تبددت !!
و .. سألتني عن مفتاح الهداية ..و موانع الغواية ..!!
طلبتها مني مكتوبة ..تنفع أن تُقدَّم هدية لكل مسلم ..!!
أيا كان مشربه ومنهجه وطريقه فلعله إن صدق مع الله أن يوفقه ولا يخيب رجاه !!
فخذ أخي هذه النصيحة المختصرة .......... لعل الله يفتح بها قلوباً غلفا .
قد قدمتها لك على شكل عبارات موجزة
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا...أخي
[][] ... حاول ولا تيأس وجاهد حتى تصل للهداية !!
[[ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ]]
[][] ... ابدأ أول الطريق " مخلصاً صادقا ً" .. فالله يعينك ويزيدك هداية !!
[[ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ]]
[][]... طريق الهداية يبدأ من الإيمان ثم العمل الصالح !!
[[ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ]](232/2)
فزد إيمانك بالاعتقادات والأقوال والأعمال الصالحات .. !!
والصالحات منها هي ما كانت خالصة لله موافقة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم !!
[][] .. .. فإن أشكل عليك أمرٌ .. !!
أهو عمل صالح أم لا !! .. فعليك بما كان عليه صحب النبي الكرام .. !!
ورأسهم َالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ... !!
فقد أمر الله باتباعهم بإحسان !! لا بسب وبهتان ووعد المتبعين لهم بأنهار وجنان ..!!
[ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ]
[][] .. ... ولا تظن .. أنك مخير !!
لا تظن أنك مخير بين أن تتبع أصحاب رسول الله أو تتبع أصحاب " غير رسول الله" !!
إن اتباع سبيل ..المؤمنين .. وطريق المهاجرين والأنصار
واجب
تهدد الله من خرج عنه ب جهنم .. وساءت مصيرا .. !!
[[ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ]]
[][] .. فإن وجدت معارضاً لهذا فلا تغتر .. بكثرة الكلام وزخرف الأقوال وطول الجدال ..!!
[وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ]
[وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ]
[][].. فالشأن كله معلق على الدليل والبرهان !!
بله.. الدليل الصحيح والبرهان الساطع !!
[هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ](232/3)
[ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ]
[][] .. .. فلا تكن عند أحد كالميت بين يدي المغسل ..!!
[ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ]
[][].. عش حراً ومت حراً ، فما ثمة عبودية إلا لله سبحانه وتعالى !!
[ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ]
[][] .. كيف تقرأ وتسمع وتعي وحي الله ثم تعرض عنه ..!!
[][] .. لا.. لا تفعل فتلك طريق الشقاوة !!
[ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى]
[][] .. فلئن كانت الهداية مرتبطة باتباع الوحي فإن الشقاوة مقترنة بالإعراض عنه .. !!
[ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ]
[][] .. كيف ترضى أن تؤجر عقلك لغيرك ، بأن تقلد دينك رجلا مثلك ..!!
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً ..!!
[ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ
(19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) ]
لن ينفعوك يوم القيامة ..!!
[ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ ـ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ ](232/4)
[ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ]
[][] .. بل سيحملون أوزارهم .. .. وأوزار كل من قلدهم وانقاد لهم وأعرض عن وحي ربه !!
[ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ]
[][] .. فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لوحي لله ..... فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ !!
[ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ]
[ بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ]
[ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ]
[][].. .. ويعظم الخطب في طاعة غير الله في العبادة ..!!
وإن من العبادة .. تحريم الحلال وتحليل الحرام ..!!
[ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ]
[][] .. بالله عليك .. أتترك الوحي الواضح وتذهب إلى قيل وقال .. وكثير من الظن والأوهام !!
[ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ][ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ]
[ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً ]
[][] .. والحقيقة ........ أنهم يتبعون أهواءهم .. بغير علم ..!!
[ أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ(232/5)
وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ]
[][] والحل مع كل هؤلاء إن أردت النجاة الهداية ..أن تعرض عنهم..!!
[ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا ]
[][] .. لم تتعلق بهم .. وما عندهم إلا قال أشياخنا قال قادتنا قال كبارنا ..!!
[ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ ]
[][] .. عندما تعرض عنهم وتعتصم بكلام الله وسنة رسوله وسبيل صحبه .. فأنت السعيد !!
[][] ... لأنك حينها تعيش سعيدا وتبعث سعيدا مع السعداء ..!!
[ الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا]
[ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى]
[][] .. ولن يخيب الله سعيك ، فالله أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى ..!!
[ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى ]
[][] أما المشائخ الذي يزكون أنفسهم ثم يطالبون بالطاعة المطلقة
فيقال لهم
[ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى]
[][] .. إنهم يطالبون بتأجير عقلك لهم ليفكروا نيابة عنك
[][] .. فإن قلت لي إنك .. مطمئن لطريقك ومنهج مذهبك .. فسأقول لك ..!!
لقد زُين لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ .. !!
[ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ]
[ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ] [ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ]
[][] إن العبرة بموافقة الدليل والبرهان لا بإحساس القلب ..!!
[][] .. أنسيت أن أصحاب الجرائم والعقائد المنحرفة يرون أنهم على حق ..!!
[إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ](232/6)
[ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ]
[ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ]
[][] .. لا يمكن لأحد أن يبرئ نفسه من أثر الشيطان عليه ..!!
[وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] [ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ]
[][] .. والمشكلة .. أن رؤية الأعمال زينة يصد عن .. البحث عن الحق والحقيقة ..!!
[ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ]
[ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ]
[ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً
فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
[][] أخي ...فلا تكن ممن قال الله فيه ..!!
[[ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ
قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ]]
اااا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أخيرا !!!
[[]] إن الإيمان بالله والعدل والصدق والاعتدال وترك الإسراف في كل منحى من مناحي الحياة مع النفس والآخرين يوفر هدوء البال وصفاء الرؤية وطيب الدخيلة واعتدال النظرة
وكل ذلك يعين بإن الله على رؤية الحقيقة والوصول إلى الهداية !!
وضدها ذلك كله هي موانع الهداية !!
# فالكفر .. من موانع الهداية
[[ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ]] [[ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ]]
# والظلم .. يمنع هدايتك(232/7)
[[ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ]] [[ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ]]
# والفسق .. يمنع هدايتك
[[وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ]] [[ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ]]
# والكذب .. يمنع هدايتك
[[ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ]]
# فكن صادقاً .. فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة !
ف ...لا تبرر الكذب لنفسك ولمصالح قومك وحزبك وطائفتك !!
[ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ ]
# والإسراف .. أيا كانت صورته .. هو من موانع الهداية
[[ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ]]
# ومن موانع الهداية !!!
" تعلق " (( القلب )) بمحبة الهيئات والصبغات الدينية كمن يقدس شيخه مثلا !!
حتى رأينا بعض الناس يقدم أمر شيخه على أمر الله أو أمر رسوله !! ،
وقديما رأى ابن عباس رضي الله عنهما هذه المشكلة فقال
"يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ... !!
أقول لك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتقولون : قال أبو بكر وعمر...". أورده بهذا اللفظ بعض أهل العلم
ورواه أحد بلفظ [ أراكم ستهلكون
أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتقولون قال أبو بكر وعمر]
وبلفظ [ والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله
أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحدثونا عن أبي بكر وعمر ]
# ثم اسمع ما قاله عمار بن ياسر رضي الله عنه
لما أرادت زوج رسول الله وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنه الخروج إلى البصرة
مخالفةً .. ولي أمر المسلمين .. أمير المؤمنين .. علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[[ قال عمار بن ياسر والله إنها لزوجة نبيكم ( يقصد عائشة ) ...(232/8)
ولكنَّ الله تبارك وتعالى ابتلاكم، ليعلم إيَّاه تطيعون أم هي .]]
قال عبد الله بن زياد الأسدي:
[[ لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة،
بعث عليٌّ عمارَ بن ياسر وحسنَ بن عليٍّ،
فقدما علينا الكوفة، فصعدا المنبر،
فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن،
فاجتمعنا إليه،
فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة،
ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة،
ولكنَّ الله تبارك وتعالى ابتلاكم، ليعلم إيَّاه تطيعون أم هي.]] رواه البخاري برقم 6687/6690
[][] ... ختاما ..أعجز الناس من عجز عن الدعاء !!
فسلِ الله الهداية مخلصاً من قلبك !!
[[ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
[[ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ،
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ]]
# ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
# وكلما اشتبه عليك أمر ...........ادع الله
ادع .. بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلى من الليل
يقول [[ قال اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض
عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون
اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك
انك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم )) والحديث رواه مسلم في صحيحه
# وفى رواية لأبى داود أنه كان يكبر في صلاته ثم يقول ذلك .
[][] إن المرء .......إذا
# افتقر إلى الله
# ودعاه ،
# وأدمن النظر في كلام الله
# وكلام رسوله
# وكلام الصحابة والتابعين وأئمة السنة
....................انفتح له طريق الهدى!!!
[[ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ]]
وكتب(232/9)
حاتم بن عبدالرحمن الفرائضي
جدة
حي النعيم ـ جامع عبد الله بن عباس رضي الله عنه
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(232/10)
إمام الحرمين يُعلن توبته من التأويل وينقده
من لا يعرف إمام الحرمين؟!
هذا الشبل من ذاك الأسد .. فأبوه الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني -رحمه الله- الذي أعلن توبته من عقائد الأشاعرة ولزومه غرس السنة، واهتدائه بسلف الأمة، في رسالته العظيمة لشيوخه [رسالة في إثبات الاستواء والفوقية]، ولم تكن صيحة أبيه لتذهب سدى، بل وفق الله من وفق للاستنارة بها، والوقوف أمام مضامينها، وقوف المتأمل والمتعلم، حيث لا مجال للعناد، مع آيات الكتاب، وصحيح السنة، وما صح من نقلٍ عن أئمة السنة، وممن تأثر بعلمه ونهل منه في فترتيه ابنه أبو المعالي، الذي خلف والده في التدريس ...
فمن هو إمام الحرمين؟!
هو أبو المعالي عبدالملك بن عبدالله بن يوسف المتوفى سنة 478هـ ، مات والده فجلس في مجلسه للتدريس، فانتقلت إليه نسبة (الجويني) وقيل: كان عمره عشرين سنة عندما جلس للتدريس في مجلس والده، ولقب بإمام الحرمين لأنه كما قيل، جاور مكة أربع سنوات كان خلالها يناظر ويدرس ثم عَرَّج على المدينة المنورة.
وقد ألف الإمام الجليل مؤلفات كثيرة في فنون مختلفة ..
ومن هذه المؤلفات التي تتصل بمرادنا (الغياثي) ألفه لغياث الدولة الذي هو نظام الملك (الوزير) وهو الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الطوسي أبو علي الوزير العادل صاحب المدارس التي عرفت باسمه (النظامية) وأحد الزهاد العباد المعروفين، ناصر السنة وأهلها وحامي الفقهاء من بطش المبتدعة والزنادقة وأحد فقهاء الشافعية.
تولى الوزارة للسلطان السلجوقي (ألب أرسلان) ثم من بعده لابنه ملكشاه، ولد الوزير سنة 408هـ وتوفي سنة 485هـ.(233/2)
كما أن الكتاب (الغياثي) منسوب لهذا الوزير الصالح الحسن بن علي الملقب (غياث الدولة)، فقد نسبت العقيدة النظامية إليه لأنه يلقب أيضاً (نظام الملك) ونستحسن هنا بعض كلام الإمام نقلاً عن كتابه الكبير (الغياثي)، قال الإمام أبو المعالي الجويني في الكتاب المذكور (رقم 279 ص190) :
( ومن رام اقتصاداً، وحاول ترقياً عن التقليد واستبداداً فعليه بما يتعلق بعلم التوحيد من الكتاب المترجم (بالنظامي) فهو محتوي على لبابٍ لِلْباب، وفيه سر كل كتاب في أساليب العقول.
[U]والذي أذكره الآن لائقاً بمقصود هذا الكتاب، أن الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذهب السلف السابقين قبل أن نبغت الأهواء وزاغت الآراء وكانوا رضي الله عنهم ينهون عن التعرض والتعمق في المشكلات والإمكان في ملابسة المعضلات والاعتناء بجمع الشبهات وتكلف الأجوبة عما لم يقع من السؤالات ...
إلى أن قال: وما كانوا ينكفون-رضي الله عنهم- عما تعرض له المتأخرون عن عِيِّ وحَصْر، وتبلد في القرائح، هيهات، وقد كانوا أذكى الخلائق أذهانا وأرجحهم بياناً؛ ولكنهم استيقنوا أن اقتحام الشبهات داعية الغويات، وسبب الضلالات، فكانوا يحاذرون في حق عامة المسلمين ما هم الآن به مبتلون، وإليه مدفعون، فإن أمكن حمل العوام على ذلك فهو الأسلم.أ.هـ.
وقال الإمام في العقيدة النظامية (ص22-23) :
( وذهبت طائفة إلى التعطيل من حيث تقاعدت عقولهم عن درك حقيقة الإله، فظنوا أن مالا يحويه الفكر منتف، ولو وقفوا لعلموا أنه لا تبعد معرفة موجود مع العجز عن درك حقيقته.
والذي ضربناه من الروح مثلاً يعارض به هؤلاء فليس لوجود الروح خفاء وليس إلى درك حقيقته سبيل ولا طريق إلى جحد وجوده للعجز عن درك حقيقته، الأكمه يعلم بالتسامع والاستفاضة الألوان ولا يدرك حقيقتها. فهذا سبب زيغ المعطلة وهم على مناقضة المشبهة.(233/3)
وأما فئة الحق فهدوا إلى سواء الطريق، وسلكوا جُدُد الطريق وعلموا أن الجائزات تفتقر إلى صانع لا يتصف بالصفات الدالة على الافتقار، وعلموا أنه لو اتصف الصانع بها لكان شبيهاً بمصنوعاته، ثم لم يميلوا إلى النفي من حيث أن يدركوا حقيقة الإله، ولم يتعدوا موجداً يجب القطع به مع العجز عن درك حقيقته، إذ وجدوا أنفسهم مخلوقاً لم يستريبوا في وجده، ولم يدركوا حقيقته، ونحن الآن نذكر عبارة حَرِيَّةً بأن يتخذها مولانا في هذا الباب هجيراً فهي لعمري المنجية في دنياه وأخراه، فنقول: من نهض لطلب مدبره، فإن اطمأن إلى وجده انتهى إليه فكره فهو مشبه وإن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل، وإن قطع بموجود واعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد، وهو معنى قول الصديق رضي الله عنه إذ قال: "العجز عن درك الإدراك إدراك". فإن قيل فغايتكم إذا حيرة ودهشة، قلنا: العقول "عاجزة" عن درك الحقيقة قاطعة بالوجود المنزه عن صفات الافتقار) .
قال الإمام الجامي معلقاً على هذا الكلام في كتابه "الصفات الإلهية ص164":(233/4)
( فإمام الحرمين عبدالملك قد سلك مسلك والده الإمام أبي محمد الجويني في إعلانه أن فهم السلف هو الحق وحده فيما يعتقد العبد نحو ربه سبحانه، وما سواه باطل لا محالة لأنه تشبيه أو تعطيل أو توقف وهو يشبه أباه في هذا الموقف بالجملة "ومن يشابه أبيه فما ظلم" وإن لم يبلغ درجة أبيه، حيث يوجد في كلامه بعض الثغرات التي يستطيع أن ينفذ منها بعض المغرضين المنحرفين بكلامه بالتحريف فيه، وحمله على غير محمله، بخلاف كلام والده فإنه لم يترك مدخلاً لداخل يدرك ذلك من يقارن بين ما جاء في العقيدة النظامية للجويني (الابن) وما جاء في "رسالة إثبات الاستواء والفوقية" (الأب)، وعلى كل حال فإن إمام الحرمين بحر لا ساحل له في علمه تدل على ذلك كتب التراجم ومؤلفاته المتنوعة، وكان رحمه الله يكره التقليد والتعصب، ومما نقل عنه قوله: "لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خلَّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر الخضَمَّ وغضت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب الحق. وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد".
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه عبارات صارخة بالندم والتوبة ومتضمنة للنصيحة لأصحابهم من علماء الشافعية- لو سمعوا نصيحته- إذ يقول:
يا أصحابنا: لا تشتغلوا بعلم الكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ، ما اشتغلت به.
وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه كل ذلك اجتهاد في طلب الحق فالآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان".
وهي عبارات، كما ترى في غاية الصراحة والندم والتوبة ولعل الله تَقَبّل توبته ولا عذر لأصحابه بعد ذلك في بقائهم في أحضان علم الكلام وقد وضح لهم أنه ضار غير نافع ... والله الموفق)
رحم الله الجويني والجامي .. نعم عبارات صارخة .. تنضح بالنصيحة .. والشفقة .. حتى على فراش الموت ..(233/5)
(وبعدما أورد الحافظ ابن حجر مذاهب الناس في صفات الله نقل عن إمام الحرمين الجويني رحمه الله قوله كما في رسالته النظامية:
"والذي نرتضيه رأياً وندين الله به: عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة. فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً فلا شك حينئذ أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضطراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع" )
راجع فتح الباري 13/390 والرسالة النظامية 23 نقلاً عن موسوعة أهل السنة 1/448.
قلتُ:
وهذا كلام في غاية الوضوح .. فرحم الله الجويني ..
أعده
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(233/6)
إن بطشي أشد من بطش الله
نبيل هلال - كاتب صحفي مصري
إن بطشي أشد من بطش الله .هذا ما قاله الصوفي الشهير أبو يزيد البسطامي أحد أئمة الصوفيين قاتله الله,.
وإليك طرفا من معتقداتهم واسأل نفسك بعدها هل الصوفيون زهاد أبرار وعٌبَّاد أطهار أم زنادقة فجار ونصابون كفار ؟-الجزء الأول(ويتبعه ثلاثة أجزاء أخرى)
التصوف عقيدة تختلف عن الإسلام جذرياً ولا تمت لديننا الحنيف بصلة . ومن يطالع كتب الصوفيين التى سجلوا فيها ديانتهم وبهتانهم يكشف بيسر مدى ما هم عليه من ضلال وإفك مبين. ولما كان المرء مخبوءا تحت لسانه، فذلك قولهم، اسمع قول إبراهيم الدسوقي المدفون في دسوق : " أنا بيدي أبواب النار أغلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها، ومن زارني أسكنته جنة الفردوس" . ويقول : " لقد وليت القطبائية - أي أصبح قطباً - فرأيت المشرقيْن والمغربيْن وما تحت النجوم، وصافحت جبريل عليه السلام " .(234/2)
ويقول الحسن الشاذلي (شيخ المرسى أبى العباس) فى حزبه : (اللهم أدرج أسمائي تحت أسمائك، وصفاتي تحت صفاتك، وأفعالي تحت أفعالك، وأغنني حتى تغنى بي، وأحيني حتى تحيا بي) . تعالى الله عما يصفون . ويقول المرسى أبو العباس المدفون فى الإسكندرية : لو كٌشف عن حقيقة الولي لعٌبد، لأن أوصافه من أوصافه- أي أوصاف الله – ونعوته من نعوته . ويقول الصوفي الشهير أبو يزيد البسطامي : (طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك)، كما يقول (بطشي أشد من بطش الله بي، وذلك لما سمع قارئاً يقرأ (إن بطش ربك لشديد). وقال لبعض مريديه : (لأن تراني مرة خير لك من أن ترى ربك ألف مرة). ويقول الشبلى : (ما فى الجبة إلا الله)، يقصد أنه هو الله .
ويقول الدسوقي : (إنني سددت أبواب جهنم السبع بفوطتي، وفتحتها لأعدائي وأدخلتهم فيها، وفتحت أبواب الجنة الثمانية بيدي، وأدخلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها، وصنج الميزان بيدي أصيِّر حسنات مريدي أثقل من سيئاته، ومسستها بيدي فصارت سيئات المنكرين علىّ أثقل من حسناتهم ولو كانوا مطيعين) (5). أي أنه سيمارس الغش والتدليس في الآخرة وبين يدي الله تعالى يوم الحساب. وذلك قليل من كثير مما ورد في كتبهم قاتلهم الله .(234/3)
واستأذن حياء القارئ وغيرته على الدين إذ استطرد، " كان الصوفي ابن أبى الغراقيد وهو محمد بن على الشلمغانى، يعتقد أنه إله الآلهة، وقال إن الله تعالى حلَّ فى آدم وإبليس. وألًّف كتابه الحاسة السادسة صرَّح فيه برفض الشريعة وإباحة اللواط، وزعم أنه إيلاج نور الفاضل في المفضول، ولذا أباح أتباعٌه نساءهم له، طمعاً فى إيلاج نوره فيهن. وكان- قاتله الله – يسمىِّ محمداً صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه السلام بالخائنيْن، زعماً منه أن هارون أرسل موسى، وأن علياً كرم الله وجهه أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم، فخاناهما. وحكم الفقهاء بقتله، فصلب في خلافه الراضي سنة 322 هجرية" (6). "وأن الحكمة أن يٌمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم، وأنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوى رحمه، ورحم صديقه وابنه بعد أن يكون على مذهبه "(7).
ويقول ابن عربي وهو محيي الدين محمد بن على الأندلسي المعروف بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر وهو إمام الصوفيين، المولود سنة 560 هـ في مرسيه – بلد المرسى أبى العباس – يقول : (الرجل والمرأة صورتان من صور الله، يعنى حقيقته تتجلى في صورتي رجل وامرأة – تعالى الله علوا كبيراً عما يصفون – وفى حالة المواقعة يسمى الرجل فاعلاً والمرأة منفعلة) (8) .(234/4)
ويقول ابن الفارض المعروف عند الصوفية باسم سلطان العاشقين، وقد ادعى الألوهية أيضاً كدأب أقطاب الصوفيين، قال في قصيدته المطوَّلة (حوالي 800 بيت) والمعروفة باسم التائية والتي يخاطب فيها الله تعالى بضمير المؤنث، قال: (إن لٌبْنَى وبثينة وعزَّة وليلى – عاشقات شهيرات – ما هن إلا الذات الإلهية تعينت في صورة الغواني العاشقات، وأن قيساً وجميلاً وكثيرِّ وعامرا، عشاق أولئك النسوة، ما هم إلا الذات الإلهية تعينت في صورة هؤلاء العشاق. فمن خصائص الإله الصوفي أنه يتجلى في صورة رجل عاشق، وفي صورة امرأة عاشقة، وأنه حين يعشق فإنما يعشق نفسه، فهو العاشق والمعشوق والعشق .. وبهذا لقبوه – أي ابن الفارض – بسلطان العاشقين) (9). وللصوفيين غير ذلك من سخيف الأقوال ما يستنطق الأفواه بذمهم .
تلك كانت بعض كفرياتهم وأباطيلهم التي ادعوا فيها الألوهية واجترءوا بها على الله جل جلاله. كما لم يفتهم الاجتراء على سيدنا محمدً صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه. يقول ابن عجيبة في شرحه لحكم ابن عطاء الله السكندري، يقول : (وأما واضع هذا العلم – أي التصوف – فهو النبي صلى الله عليه وسلم، علّمه الله له بالوحي والإلهام، فنزل جبريل أولاً بالشريعة، فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة، فخص بها بعضاً دون بعض) ، وهذا اتهام صريح للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ بعض ما أٌنزل إليه، وبأنه هوى مع الهوى فخص به بعضاً"(10) وما أفدح بهتانهم أن التصوف مما أوحى به للنبي . كذلك اجترءوا على القرآن الكريم، فيقول التلمساني أحد أقطاب الصوفية : (القرآن كله شرك، والتوحيد في كلامنا) (11)- أي في كلام الصوفيين .(234/5)
ومن يتأمل أقوال المتصوفين يرى أنهم مرضى نفسيون وعقليون. قال أبو يزيد البسطامى، وهو من أقطابهم،: وما النار؟ والله لئن رأيتها لأطفئنها بطرف مرقعتي. ويقول في موضع آخر : سبحاني سبحاني، أنا ربي الأعلى. وسٌئل عن اللوح المحفوظ، فقال: أنا اللوح المحفوظ. ويقول : (إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدونِ) (12) . (وقال الشبلى: إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفأوها)(13)
وليس أدل على أنهم كفرة عٌتَهَاء من قولهم : (إن رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله – زوجته – مع أجنبي – أي يضاجعها – فلم يقشعر جلده، فإن اقشعر جلده فهو ملتفت إلى حظ نفسه ولم يكمل إيمانه بعد) (14) .(234/6)
إن التصوف خلط من بقايا الديانات القديمة، واندماج نفايات الوثنيات الغابرة، والفلسفات القديمة وعلى رأسها مذهب الغنوصية، وهى كلمة يونانية معناها " المعرفة "، ويُقصد بها التوصل إلى المعارف لا بالدرس والتعلم وإنما بما يُلقى في الروع والقلب وحيا وكشفاً وليس عن طريق الاستدلال والبرهان العقلي. وفضل المعرفة وكشف الحقائق وحياً، ادَّعاه كل السحرة والكهان على مر الأزمان، وأسبغوا على أنفسهم قدرات وهمية سوَّغت لهم الهيمنة على القبيلة والعوام، وجنْوا من وراء ذلك الهبات والنذور والأموال الطائلة، فغاية الغايات هي الارتزاق باسم الدين، "وقد أثَّرت الغنوصية في اليهودية وسيطرت على فيلسوفها الكبير "فيلون"، وقد عرف المسلمون الغنوصية اليهودية، ونرى كثيراً من أفكار فيلون منبثة في كتب كبار الصوفية الإسلاميين. ومحيى الدين بن عربي – الشيخ الأكبر – إنما هو صورة أخرى من " فيلون ") (15). وابن عربي هذا هو كبيرهم الذي علمهم الإفك، فادعى زورا وبهتانا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في منامه، ودله على كتاب " فصوص الحكم "، وهو كتابهم المملوء بالكذب والشرك، وأمره بتبليغه للناس. وكأن الله تعالى قد توفّى رسوله الكريم قبل أن يستكمل إبلاغ رسالة الإسلام، وهو القائل : (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً).(234/7)
وتتشابه الصوفية مع مذهب الكلبيين الذين يقولون باحتقار العلم والمعرفة والأخلاق، وقد زاد أنصار هذا المذهب نتيجة للقلق والفوضى والحروب والمجاعات التى أرهقت الناس. ومن الشرق الهيلينستى انتقل هذا المذهب إلى روما وإيطاليا كرد فعل للحروب الكثيرة التى خاضتها الجمهورية الرومانية، وزاد اتباع هذا المذهب منذ عهد الأسرة اليوليوكلاودية كرد فعل لتسلطها وجبروتها، وكانوا يتجولون في ثياب رثة مطلقين لحاهم وشعورهم ويسيرون حفاة يتسولون، وانضم إليهم المنجمون والسحرة والمشعوذون، وأصدر الإمبراطور فسباسيانوس سنة 71 م أمراً بطردهم من البلاد، الأمر الذى لم يجرؤ عليه خليفة مسلم مع المتصوفين .
ويقول الصوفيون بالحلول، أي أن الله حالٌّ في كل شئ – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ومنهم من يقول بالاتحاد، أي اندماج الخالق بالمخلوق ويصيران شيئاً واحداً. كان أبو حمزة – أحد أقطابهم – حلولياً، وذلك (أنه كان إذا سمع صوتاً مثل هبوب الريح وخرير الماء وصياح الطيور، كان يصيح بقوله: لبيك، فرموه بالحلول)(17). وكان الحلاج قد ادعى النبوة ثم الألوهية، إذ كتب كتاباً عنوانه : من الرحمن الرحيم إلى فلان، ولما سئل في ذلك أجاب: وهل الكاتب إلا الله تعالى، واليد فيه آله، وكان يسمى نفسه الحق، وأباح الحج إلى غير مكة، والإفطار في شهر رمضان، وأعفى من العبادة من زار قبور الشهداء بمقابر قريش وأقام بها عشرة أيام يقضيها في الصلاة . ولم تقف دعوة الحلاج عند التأثير على العامة، بل شملت كثيراً من رجال البلاط والكتاب وبعض كبار الهاشميين"(18). وقتل الحلاج في 309 هجرية بسبب ادعاء الألوهية .(234/8)
ووحدة الوجود التي قال بها محيى الدين ابن عربي، أي نفي الثنائية بين الله والكون، إنما هي فكرة تشبه كثيراً المفهوم الذهني الهندوسي عن الكون الذي يعتبرونه مجرد وهم وسراب. وبالفعل تم المزج بين الإسلام والهندوسية في عهد جلال الدين محمد الأكبر (1556 – 1605) وهو حفيد مؤسس الأسرة الحاكمة المغولية في الهند، وقد شجع مشايخ الصوفية وخصوصاً الطريقة " الشستية " ، ولم يلبث أن أعلن عن عقيدة جديدة خاصة به سماها (دين الله)، وهى نتاج مزج بين الإسلام والديانات الأخرى، وكان عماد هذه الملة الجديدة الكثير من مبادئ الصوفية والتحلل من الإسلام الحنيف، لذا يمكن القول إن فكرة وحدة الوجود هي التي فتحت الباب أمام تدفقات الهندوسية إلى داخل الدين الإسلامي .
ولم يقل لنا أحد، مادام المتصوفون والهُبَّل والأولياء لهم هذه القدرات الهائلة وهم موصولون بالله والسماء ومطَّلعون على اللوح المحفوظ، فأين كانوا فى مواطن مذلة المسلمين ومواقع هزائمهم – وما أكثرها – أين كان الدراويش عندما سحق التتار جيوش المسلمين فى بغداد وغيرها من المواقع؟ أين كان هؤلاء المغاوير الأطهار أصحاب الرؤى الصادقة والقلوب الخاشعة والأرواح الكاشفة. أم أنهم تقاعسوا، مع المقدرة، وهذا أدهى وأمر، ولمَّا كانت علينا دروع الدراويش والأولياء لماذا أصابنا نبل العدو في مقتل ؟(234/9)
وتشكل سلوكنا وفقاً لهذه الأوهام . أنظر كيف تصدى العوام والمجاذيب لفرسان نابليون في القاهرة، نزلوا من القلعة وهم يحملون النبابيت وتقدَّمهم البله والمجاذيب ومعهم سلاحهم البتار ... قطعة قماش سموها البيرق النبوي وظنوا أنها الراية التي كان يحملها جنود جيش النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته. فدكَّتهم مدافع الفرنسيين دكَّا دكَّا، ولم يجدهم فتيلا شيوخهم ذوو العمائم الضخمة الذين يمشون على الماء ويطيرون في الهواء، ولم يغثهم أقطابهم المدفونون في الأضرحة يطلبون منهم البركات والمغفرة . ولا يغرنك ذيوع ظاهرة التصوف في تاريخنا، فالقول بدوام سيادة الحق وظهوره على الباطل قول غير صحيح، ولكننا نرتاح إلى التسليم به. فشواهد التاريخ، والتاريخ هو المعلم الذي يصدقنا القول، تؤكد لنا أن السيادة والفوز والظهور لا تكون دائماً للحق، وإنما له جولات، وللباطل مثلها، أو تزيد. وإذا كان الناس قد انخرطوا في سلك المتصوفين لا لشيء غير أن الغير يفعلون ذلك، فالأمر إذن هو التقليد المحض، وكان خليق بهم ألاَّ يقلدوا، فالتقليد من شيم القرود . وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً على قبول ظاهرة التصوف، والتسليم بأضاليلها واستبعاد مناقشتها وتمحيصها بالتجربة، "والبون شاسع بين افتراض الصواب في رأى من الآراء لأن الدليل لم يقم على خطئه وفساده مع تعريضه للمناقشة والانتقاد، وبين افتراض الصواب فيه، لا لغرض سوى صيانته من التفنيد وحمايته من الإدحاض"(19).(234/10)
والتصوف ليس إسلاماً وإنما عقيدة جديدة جاءت بعد الإسلام بقرنين، والمشرِّع فيها هو الشيخ الصوفي الذي يشرِّع لأتباعه حسب ما يمليه عليه هواه وشيطانه . ولما كان البون شاسعاً بين إفك الشيخ وشرعة الله تعالي، ولابد أن يكون البون شاسعاً، فقد لجأ شيوخهم إلى "الشطحات " وهي محاولات لتأويل إفكهم على نحو يبدو معه موافقاً للإسلام الصحيح. ومثلما يلجأون إلى التأويل، يقولون أيضاً بالتقَوُّل وهو أن ينسبوا ما يتعذر عليهم تأويله من أكاذيبهم إلى دس أعدائهم ولهم في التأويل خلط وخبط كلما أرادوا الاقتراب مما يوافق العقل، ازدادوا بعداً . وقد درجوا على انتقاد ومهاجمة معاصريهم من الصوفيين والإشادة بشيوخهم السابقين من باب التقية والنفاق وذر الرماد في العيون .
بتصرف من كتاب" اعتقال العقل المسلم ودوره في انحطاط المسلمين"-نبيل هلال.
انتهى المقال الأول ويتبعه ثلاثة مقالات مكملة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(234/11)
إيجابهم اتخاذ الشيخ
ومن أقوالهم ( أي الصوفية ) :
وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم
فما نبتت أرض بغير فلاحة
ومن أقوالهم في ذلك: الدين إطاعة رجل.
ومن أقوالهم : قول قائلهم «الغوث»: لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله.
وستكون مناقشة هذه الشبهة بعرض أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم على القرآن والسنة قبل كل شيء:
1- يقول سبحانه في كتابه العزيز: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }.
واضح من الآية الكريمة كل الوضوح، ودون لَبْس أو إشكال أو غموض، أن من يردُّ ما يُتنازع فيه إلى غير الله ورسوله، فهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.
وردُّ الشيء إلى الله والرسول، يعني عرضه على الكتاب والسنة، فالقرآن كلام الله، والسنة كلام رسوله المُوحَى معناه من الله سبحانه.
والصوفية يردون كل شيء إلى شيوخهم، ويطلبون من الآخرين أن يردوه إليهم، ويكفي إيراد قولٍ واحدٍ لأحد أقطابهم:
«... وإن قال (قائل) للمريد: إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم، فعليه الرجوع إلى كلام شيخه... وإذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه، فلا يجوز لأحد تصديقه؛ لأنه في حال تهمة لارتداده عن طريق شيخه».
- السؤال: أيها المسلم المؤمن! ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
إن الآية الكريمة تضع الجواب الكريم: ... [ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ]، التي يُستنبَط منها: إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر، فردوه إلى الشيخ أو إلى من تريدون.
2- ويقول سبحانه: [ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] .(235/1)
فكل شرع في الدين، كائنًا ما كان، لم يأذن به الله فهو شرك.
والشيوخ في الصوفية يشرعون في دينهم كل ما لم يأذن به الله، ونكتفي بإيراد قول قطبهم المدَّرك:
من يذكر الله تعالى بلا شيخ، لا الله حصل ولا نبيه ولا شيخه.
فمن أين أتى بهذا التشريع؟ وما هو حكم من يأخذ بهذا التشريع الوثني؟
ونعود للسؤال؟ ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
والآية الكريمة تقرر الجواب: [ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] .
3- يقول سبحانه في وصف أهل الكتاب: [ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ] .
يورد ابن كثير: سَمِعَ عدي بن حاتم الطائي (وكان نصرانيًّا فأسلم) هذه الآية من رسول الله r ما معناه: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم.
وقد فعل الصوفية ذلك واتخذوا شيوخهم أربابًا من دون الله. ونكتفي بقولٍ لحجتهم الغزالي:
«... فالعلم بحدود هذه الأمور (أي المجاهدات والمقامات)... هو علم الآخرة، وهو فرض عَيْن في فتوى علماء الآخرة...».
وهو كلام واضح صريح، لا يُحتاج معه إلى غيره؛ لأنه كلام من يسمونه «حجة الإسلام»، مع أن غيره يملأ الكتب، على أنهم يُحلِّون ويُحرِّمون ويفرضون الفروض ويسنون السنن.
والسؤال: قل لنا أيها المسلم المؤمن، ما هو حكم الشريعة الإسلامية فيمن يقول مثل هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
وفي الآية الكريمة الجواب: [ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ].
4- ويقول سبحانه: [ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ.. ] .(235/2)
وقد اتخذ المتصوفة من شيوخهم أندادًا يحبونهم كحبِّ الله، بل أشد حبًّا، حتى كأن الآية أنزلت فيهم خاصة، وهذا قول مَرَّ معنا لأحد أقطابهم العظام:
«حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرهها من أجله، كما هو الشأن في محبة ربنا عز وجل».
وقول الآخر: الطريق ذكر الله ومحبة الشيخ.
والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
إن الآية الكريمة تعطينا الجواب الكريم: [ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ] .
5- قال ربعي بن عامر لكسرى: «بعث الله إلينا رسولاً ليخرجنا من عبادة الناس إلى عبادة ربّ الناس».
وجاءت الصوفية لتعكس الآية وتعيد الشرك إلى مساره، فتخرج الناس من عبادة رب الناس إلى عبادة المشايخ وعبادة قبور المشايخ!
والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على هؤلاء؟ بل ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يتوقف في الحكم عليهم؟
- سيقول لك المتصوفة وشيوخهم وكثير من الغافلين والمغفلين: «معاذ الله، الصوفية لا يعدون الشيوخ، لا يعدون إلا الله..» وقد يقدِّمون بعض الأمثلة الموهمة والمتداولة بينهم.
فنجيب: لا، بل يعدون الشيوخ، وهذه أقوالهم وأقوال عارفيهم وأقطابهم الذين يتبركون بالركوع أمام قبورهم ولثم حجارتها والاستغاثة بما فيها من رِمَم، وأمثلهم طريقة ذلك الذي يعتقد أنهم يقربونه إلى الله زُلفى وحسن مآب، وهذه أفعالهم كلها شاهدة عليهم بوضوح كوضوح الشمس في رائعة نهار مشمس، على أنهم يؤلهون الشيوخ ويعدونهم. ولو جمعت أقوال عارفيهم في تأليه الشيوخ لملأت ألوف الصفحات.
وإنكارهم هذا، يُسمى في الشريعة الإسلامية وفي اللغة العربية وفي جميع ما تعارف عليه البشر من أخلاق «الفجور».(235/3)
- وسيقول بعضهم، متحرفًا لقتالٍ (وفي لغة العصر مناورة): هذا واقع كثير من المتصوفة، وهو من الدخن والانحراف الذي أصاب التصوف كما أصاب غيره من أمور الشريعة. والتصوف الحق بريء من ذلك.
فنقول: «شنشنة نعرفها من أخزم». إن واقع المتصوفة منذ أن وجدت الصوفية وفي كل الأمم، لا في المسلمين وحدهم، هو تأليه الشيخ وعبادته، وهي الطريق التي توصل المريد أو السالك إلى استشعار الألوهية، أما من يصل إلى الجذبة دون شيخ فيسمونه هم: «المراد»، ويعنون بها أن الله أراده فجذبه إليه. وهذا افتراء على الله الكذب؛ لأن القرآن ينفي على لسان المسيح صلوات الله عليه أن يعرف أحد ما يريده الله: ]... إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ[، ونقول لهم: هذه صورة من مراوغاتكم (للالتفاف حول الهدف)، أتقنتموها أنتم وأشياخكم تظهرونها وتخفونها حسب الظروف المحيطة، وهي من أساليب التقية الواجبة في عقيدتكم الصوفية كما قال الغزالي:
وإن كان قد صح الخلاف فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية
7- وقد يأتي من لا يستحي من أن يقول: إن كلام العارفين هذا له تأويل!!
فنقول له: لقد انتهينا من خرافة التأويل، وأحبولة التأويل، ومغالطة التأويل، وخدعة التأويل، [ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ]؛ لأنهم إذ يقولون هذا له تأويل، فهم يخادعون ويكذبون ويدجِّلون ويمكرون لجر المسلمين إلى زندقاتهم.
8- يدَّعون حب الله، وما أكثر أقوالهم في ذلك وفي العشق الإلهي. ومن المقامات التي يدعيها بعضهم في السلوك إلى الجذبة ما يسمونه «المحبة والشوق» إلى الله.(235/4)
والله سبحانه وتعالى يقول آمرًا رسوله أن يعلمنا: [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ]. فالله سبحانه يأمرنا إن كنا نحبه، أن نتبع رسوله، وهذا يعني أن اتباع الرسول r هو الدليل على حب الله، وعدم اتباعه دليل على عدم حب الله، وهؤلاء القوم يتبعون المشايخ الذين يأمرونهم بتأليه الرسول لا باتباعه. فهل هم بعد ذلك صادقون بادعائهم حب الله؟
الجواب: هو ما تقرره الآية الكريمة، بأنهم لا يحبون الله، وهذا هو واقعهم، فهم يحبون الجذبة واللذة التي يجدونها أثناء الجذبة والتي تستغرق كل خلية في كيانهم، وهي لذة تحشيشية جنسية يتوهمون أنها إلهية، ثم بعد أن يقعوا في الجذبة عددًا كافيًا من المرات، يُصابون بمرض الإدمان، مثل الإدمان الذي يصيب متعاطي الأفيون تمامًا، حتى إذا ما امتنعت عليهم الجذبة في بعض الأحيان لسببٍ ما، أصيبوا بنفس الأعراض التي تصيب مدمن الأفيون عندما ينقطع عنه، من وله قاتل وصداع وما يشبه الجنون. وهذا هو ما يسمونه «العشق الإلهي» الذي يظهر في بولهم.
النتيجة: الذين يتبعون المشايخ لا يحبون الله، إذ لو كانوا يحبونه لاتبعوا رسوله.
ويقول سبحانه: { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء}، هذا أمر من الله، يكفر من يخالفه.
وهؤلاء القوم يتبعون من دونه المشايخ، يأمرونهم بكل ما لم ينزل به الله سلطانًا فيأتمرون به! يأمرونهم بالركوع للشيخ فيركعون! يأمرونهم بالرابطة التي يسمونها «شريفة» فيطيعون! يأمرونهم بالرقص فيرقصون! يأمرونهم بأوهام كشوفهم في العقائد والعبادات فيأتمرون! فهل يكونون بعد ذلك من أهل القرآن؟!
إن أهل القرآن هم الذين يعملون بأوامره وينتهون عن نواهيه.(235/5)
9- يقول سبحانه: [ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ] . فهل يتبعها هؤلاء القوم؟ طبعًا لا؛ لأنهم عندما يتبعون مشايخهم فقد خرجوا من اتباع الشريعة. وقد مَرَّ معنا قول أقطابهم للخادم: «كُلْ ولك أجر صوم شهر، وكُلْ ولك أجر صوم سنة»، وموافقة عالمهم القطب القشيري على ذلك.
فهل هذا هو اتباع للشريعة الإسلامية؟ طبعًا لا!
10- رأينا قول أبي مدين المغربي في الشيخ:
ففي رضاه رضا الباري وطاعته
يرضى عليك فكن من تركها حذرًا
وقول عبد القادر الجيلاني: إذا لم تفلح على يدي لا فلاح لك قط.
وقوله: والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخوله في زمرة الأحباب.
وغيرها، وغيرها من الأقوال التي تملأ ألوف الصفحات. فما هو حكم الإسلام في ذلك؟
يقول سبحانه: [ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ] .
إن المتصوفة هم أول من تنطبق عليهم أحكام هذه الآية باتخاذهم أولياء من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى..
- والسؤال: لم إذن يقدسون الشيخ هذا التقديس؟ وما هي فائدته؟
- إن للخضوع الكامل للشيخ ولعبادته وتقديسه فائدتين عظيمتين:
أ - خرق العادة: فمن القواعد المقررة أن الشياطين لا تقدم خدماتها للساحر إلاَّ بعد أن يكفر: [ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ] ، والسحر هو الكهانة، وهي الصوفية؛ فكلما ازداد المريد غلوًّا في إشراكه الشيخ بالله، كلما ازدادت أمامه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها «كرامات»، ويعزونها إلى المدد المفاض عليهم من الشيخ!(235/6)
ب -التحقق أثناء الجذبة بالفناءات في الله: «الفناء في صفات الله وفي أسمائه وفي ذاته»، أو «التحقق بالألوهية»، وذلك أن المجذوب يرى في أحلام جذبته، صورًا هي خليط من انطباعات قديمة وحديثة مستقرة في أعماق لاشعوره، تختلط مع أماني وطموحات تسربت إلى أعماق نفسه من المحيط الذي يعيش فيه، وهذا هو نفس ما يراه متعاطي الحشيش والأفيون وعقار الهلوسة، ومن دون الشيخ تكون رؤى المجذوب مثل رؤى الحشاش، تدور حول الجنس واللهو واللذة أو الحقد والحسد، لكن الشيخ، بخبرته التي استقاها هو أيضًا من شيخه، يغرس في نفس المجذوب طموح العروج إلى السماوات والعرش والجلوس مع الله (جل الله)، ثم الفناء فيه بحيث يرى نفسه أنه جرء منه (سبحانه)، أو أنه هو هو بكامل أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى عما يصفون)، ويرى في أحلام جذبته أنه يتصرف بالكون، ويقول للشيء: كن، فيكون. ولا ينجح الشيخ بهذه المهمة إلا إذا كان المريد قد عجن عقله وعواطفه ونفسه كلها بحب الشيخ وتقديسه وطاعته، بحيث تغدو كلمة الشيخ جزءً من كيان المريد لدى التلفظ بها.
ويجب أن لا ننسى أن قوة شخصية الشيخ وجاذبيته تلعبان دورًا هامًّا في استقطاب قلوب مريديه وعواطفهم حوله وتساعدان على تهيئتهم لرؤى (تحشيشهم الروحاني) التي يسمونها «الكشف».
وفي هذا يقول الغزالي:
«... فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسُبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سُبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه، وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها... فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد.. أهـ.
ولذلك قالوا أيضًا: «من لا شيخ له فشيخه الشيطان»؛ لأن رؤاه تكون مثل رؤى الحشاشين تمامًا.(235/7)
- وأخيرًا، لنقرأ قوله سبحانه: [ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ] .
ولم يقل سبحانه: قد أفلح الذين يتمسكون بالشيخ، أو لا فلاح إلا باتباع شيخ، أو من لا شيخ له فشيخه الشيطان.. أو بقية الشركيات.
- وهنا يقف المسلم الصادق أمام أمرين لا ثالث لهما، إمّا أن يؤمن بالقرآن الكريم ويكفر بهؤلاء القوم وبعقيدتهم، وإمّا أن يؤمن بهم وبعقيدتهم ويكفر بالقرآن الكريم، وأي طريق آخر لا وجود له إلا بالمراوغة والدجل .
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 603 – 611 بتصرف يسير ) .(235/8)
احذفوا البدع تسقط الصوفية .. !!
قلنا:
دعنا من مناقشة هذه العقائد التي نتفق معك في أنها تتصادم بالفعل مع عقيدة التوحيد الإسلامية فإن أقطاب الصوفية المعاصرون يرون أن من قال بهذه الأفكار هم قلة من أصحاب التصوف الفلسفي من أمثال البسطامي والحلاج وابن عربي ، ويقولون إنه تصوف يكتنفه كثير من الغموض ويحتمل تأويلات شتى .. إنما الذي يعنينا الآن هو التصوف السني الذي يدعو إليه الصوفية المحققون ، والذين يؤكدون أن مقياسه الصحيح هو الكتاب والسنة ، ومادام الأمر كذلك فلماذا يرفض التصوف ؛ بل ويتهم بأنه بدعة تتناقض مع الإسلام؟!
ويجيب د-جميل غازي بنبرة حادة:
اسمع .. ليس هناك ما يسمى تصوفاً سنياً" .. إنني أحذر بشدة من هذه المحاولة للتضليل والخداع والبحث عن مسميات يحاول بها الصوفية إضفاء الشرعية على مذهب يتناقض في أساسه مع الكتاب والسنة…إن هذه المحاولة من جانبهم لربط التصوف بالسنة تذكرني بتلك المحاولة الفاشلة التي يلجأ إليها الشيوعيون في الوقت الحالي للإيهام بأن الشيوعية تتمشى مع مبادئ الإسلام …
ويضيف متسائلا..ثم هذه العبارة (تصوف سني) إلا تحتوي على مغالطة فاضحة؟..إن كلمة (تصوف) لم ينطق بها الرسول صلى الله علية وسلم،ولم يقلها،ولم يدع إليها فكيف يزعم زاعم إنها (سنة!!) ثم يذهب بعد ذلك إلى القول بأن هناك تصوفا سنيا؟
ومن جهة أخرى فإن هذه العبارة توحي –بمفهوم المخالفة- أن هناك تصوفاً بدعياً .. فما هو هذا التصوف البدعي حتى نميزه عن التصوف الذي يريدون منه أن يكون سنياً؟!
أنني أدعوهم أن يقدموا لنا كشفاً دقيقاً بأنواع البدع التي يريدون حذفها من التصوف ، ثم يقولوا لنا ماذا يتبقى منه؟!!!
ثم يبتسم د-جميل غازي ساخراً ويقول:
إنهم لو فعلوا ذلك فسيكون على رأس قائمة البدع اسم التصوف نفسه ، لأنه بدعة لم ينطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم .
من كتاب [الصوفية .. والوجه الآخر] للدكتور محمد جميل غازي(236/1)
نقلها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(236/2)
اقتنعت بالدعوة السلفية بعد تسع سنوات من التردد
الشيخ محمد هاشم الهدية.. رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان:
نشرنا الدعوة السلفية في عموم القارة الأفريقية
داعية مغربي هو الذي أدخل السلفية إلى السودان
اتهمونا بإنكار الكرامات وأننا لا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم !
صبرنا كثيرا على معاكسات الصوفية
لدينا 700 داعية منتظمون وثمانية معاهد لتخريج الدعاة
----------------------------------------------
أجرى الحوار - إبراهيم رفعت:
محمد هاشم الهدية رجل فقيه سلفي كرس عمره الطويل في خدمة الدعوة مشمرا ساعده لمحاربة الخرافة والبدعة. والرجل يشهد له أبناء وطنه من أتباعه ومن خصوم دعوته بأنه إنسان هادئ الطبع واسع الأفق، عميق النظرة، غزير العلم، لين العريكة يتألف الناس لدعوته، ومع ذلك يمتاز بطلاوة الحديث وترك التكلف مما يضفي على الحوار معه متعة خاصة، عبر هذه الأسطر أجرت المجلة حوارا مع فضيلته طافت فيه معه في كل واد منذ تأسيس جماعته وإلى اليوم. في البداية نترك لفضيلته تعريفنا لشخصه الكريم؟ - بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، أنا محمد هاشم الهدية من مواليد مدينة رفاعة بالجزيرة حيث تلقيت القرآن الكريم وتعاليمه في القرية، عملت موظفا بالدولة لما يزيد عن ثمان وثلاثين عاما إلى أن تقاعدت في يناير 1968م. كنت صوفيا من أسرة صوفية حيث نشأت في بيت صوفي وبقيت صوفيا لأكثر من عشر سنوت وأخيرا عندما ظهرت دعوة التوحيد عندنا بالسودان دخلت فيها بعد نقاش طويل مع أصحابها الأمر الذي أدى لاقتناعي بها وظللت فيها منذ 1956م. تأسيس الجماعة(237/2)
* أرجو أن تحدثنا عن نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان بدايتها ومراحل تطورها؟
- دعوة أنصار السنة هي دعوة التوحيد أو الدعوة السلفية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي خلاف الدعوات التي نشأت بعد ذلك، وقد كانت السلفية مفقودة عندنا بالسودان، بل لم تكن معروفة إلا في نطاق ضيق في العالم الإسلامي وبدأ ظهورها في السودان بمدينة (النهود) عام 1917م، على يد رجل مغربي اسمه عبدالرحمن بن حجر حيث تلقى على يديه الدعوة ثلاثة من إخواننا الأفاضل وهم الذين شكلوا النواة الحقيقية فيما بعد للدعوة بالسودان. هؤلاء الثلاثة ظلت الدعوة في نفوسهم لم يتمكنوا في الجهر بها لتمكن التصوف والصوفية في البلاد ومؤازرة الحكومة لها ولرجالها ولم يصدع بهذه الدعوة إلا الحاج أحمد حسون وهو أمير الثلاثة الرواد عام 1936م بمدينة أم درمان حيث أخذ يدرس العقيدة السلفية في بيته منذ ذلك الوقت. وزميلي حاول إقناعي كثيرا ولم أستجب له إلا بعد تسع سنوات لم ينقطع فيها عن دعوتي• دخلت الدعوة عام 1948م حيث انتقلت من التصوف إلى العقيدة السلفية على يد الشيخ عبدالباقي يوسف نعمة وهو أحد دعاة السلفية بالسودان في ذلك الوقت وظللت في الدعوة حتى الآن ولله الحمد.
كان العدد قليلا كالعادة حيث لم يتجاوز العدد عام 1948م الألف شخص لأننا كنا محاربين ومن توصية أستاذنا لنا أن لا نجابه السلطة ونحاربها وبالتالي هادنا السلطة نسيا لها لذلك صبرنا كثيرا على معاكسة الصوفية الذين يؤازرهم المستعمر في ذلك الوقت. صبرنا عليهم ولكن أراد الله تبارك وتعالى أن يهيىء من يلتحق بنا من الشباب المتعلم.
* شيخ محمد نريد نقطة محددة للبداية الفعلية لجماعة أنصار السنة كهيكل ونظام؟(237/3)
- لم تصر الحركة هيكلا ونظاما إلا بعد تسع سنوات، كانت فيها عبارة عن ارهاصات ومبادئ قبلها البعض ورفضها الآخرون حتى جاء عام 1948م وسميت "جماعة أنصار السنة المحمدية" وهذا الاسم قد سبقتنا به مصر وهي لم تقم بابتكاره، فهو يستمد من الهدي النبوي، لسان حال جماعة أنصار السنة بمصر وفي عام 1948م أصبح لنا تصديق من الدولة حيث أصبح لنا مركز عام ولجان فرعية وظل نشاطنا حذرا مقصورا على عملية التبليغ دون الاحتكاك والمناكفات مع الناس. وظلت الدعوة تتدرج حتى تمكنا من الحصول على قطعة أرض في الدولة عام 1957م وبنينا دارا ومسجدا صغيرا وظلت الدعوة مستمرة تزداد عددا كل يوم، وقد نسجت حولنا شبهات كثيرة فقالوا عنا أننا ننكر الكرامات ولا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا الكثير، ثم يأتي المصلي مستفسرا ويرى ويسمع عكس ذلك تماما، ويسمع بأن لله أولياء لأنه هنالك إضافة "أولياء الله" وهذه الإضافة من أنكر وجودها يكون قد كفر، ثم أن هذه الآية بدأت بحرفين من حروف اللغة "ألا" للتنبيه"وإن" حرف توكيد لكن الفرق بيننا وبين الناس في تعريف الولي، فالولي عندهم صاحب الخوارق ونحن لا تهمنا الخوارق كثيرا، بل يهمنا ما في الآية {الذين آمنوا وكانوا يتقون (63)} [يونس: 63] وهؤلاء هم الأولياء حقيقة. لقد ظل عددنا يكبر ثم كانت زيارة ثالث سفير سعودي بالسودان لنا بالدار وهو الشيخ محمد عبدالرحمن العبيكان الذي صلى معنا الجمعة واستغرب أن وجد بالسودان من يرتجلون خطبة الجمعة وبفصاحة وعلم غزير وتكامل تام. فسر غاية السرور وجلس حتى نهاية الصلاة اتصل بنا وأخبرنا بأن سفارته دينية قبل أن تكون سياسية وطلب منا زيارته فكانت صلته طيبة ومباركة معنا وصار يصلي معنا ويمدنا بالكتب التي طبعت في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، كل كتب السنة حيث كانت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية معدومة تماما بالسودان، أمدنا السفير العبيكان بكميات من الكتب توسعنا على(237/4)
أثرها وكذلك أعاننا بماله وأموال المحسنين بالمملكة وأصبحنا نبني مساجد ومعاهد متعددة دينية سلفية وقامت بدورها خير قيام في نشر السنة والتحذير من البدع. النشاط الدعوي
* بعد أن وجدتم هذا الأثر الطيب والفعال على الساحة السودانية والساحة العربية والإسلامية ما هي معوقات العمل الدعوي في السودان؟
- كانت الطرق الصوفية في الماضي تشكل عائقا حيث استعانت بالحكومات المتعاقبة وهذه بحمد الله تخطيناها بالصبر لكن الشباب الصوفي الآن بدأ في التغير وبدأت نظرته تتغير بعضهم يبنون المساجد ويطلبون أئمة من عندنا، وهكذا وهي بلا شك مكاسب فالصبغة السلفية تكاد تكون طغت على كل المجتمع السوداني لكن تنقصنا أشياء نسأل الله أن يهيئها لنا، السوادن قطر كبير "مليون ميل مربع" وفي البداية كان يأتينا أفراد للدخول في الدعوة والآن تأتينا قبائل بأكملها والمصائب تمحيص للناس لأن موقف أنصار السنة إبان الفيضانات بالسودان وما قامت به من أعمال لدرء أخطار هذه الكارثة ومواساة المتضررين جعلت معظم أو كثيرا من القبائل تهوي إليهم للدراسة والانتساب للدعوة فبصورة عامة الدعوة الآن انفتحت إنفتاحا شديدا.
* جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان عمرها الآن يفوق الخمسين عاما ما هي الإنجازات الفعلية التي نلمسها على أرض الواقع؟
- أولا: الطواغيت الذين كانوا يستعمرون الناس تحرر الناس منهم، فالمشايخ كانوا يعتقدون بأن في أيديهم الضر والنفع وبيدهم منح البنين والبنات وبيدهم كل شيء وهذه أشياء سائدة حتى في دول أخرى، الآن هذه الأشياء انعدمت أو كادت تنعدم تماما. وهذا أثر عظيم من آثار الدعوة. علاقة الجماعة بالمؤسسات الدعوية
* متى أكون سلفيا ملتزما بالمنهج وكيف؟
- المنهج هو العقيدة، الكتاب والسنة، وهي القضية الأساسية التي عاش عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه وتركوها لنا.
نقلها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(237/5)
العائدون
العائدون إلى العقيدة
موقع صحوة الشيعة
موقع مهتدون
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(237/6)
اكتشاف [تناقض] وكذب!! تشيع عدد من صوفية المغرب وإنكار المالكية لهم!!!
الحمد لله الذي أوجدنا على السنة ، وبغض أعداء الملة ، من نصرانية ويهودية ورافضية ، وصلاة وسلام على النبي الأمي الذي إتباعه فرض وسنة ، وعلى آله وصحبه من نشروا آثاره واهتدوا بهداه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
فقد يسر الله أن كتبنا من قبل [مفاجأة: صوفية المغرب يتهمون صوفية المشرق بالتشيع!!! ] بقلم أحد صوفية المغرب .. لكن كما قيل .. حبل الكذب قصير .. وتركنا لصوفية المشرق حرية الرد .. واليوم نقف لاكتشاف عجيب وغريب!! تناقض ما لنا عنده إلا السكوت!! الرجل يقول بأن صوفية المغرب سنة!! والآن يقول بأن هناك صوفية (تشيعوا) !! فكيف نجمع بين هذا الكلام وما سبق؟!!
لما تشيعوا؟!!
لأنكم -يا صوفية- لستم على السنة!! نعم أنتم ابتدعتم .. فمنكم من هو مشرك خارج عن هذا الدين .. ومنكم من هو قريب من السنة وصاحب بدعة .. ولا يوجد شيء اسمه صوفية في الإسلام .. ولعلكم تقرؤون عن الصلة بين التصوف والتشيع .. بعض طرق الصوفية شيعية خالصة!!
نعود للمؤلف الصوفي المغربي الدكتور أبو لبابة حسين في كتابه [ موقف متصوفة أفريقية وزهادها من الاحتلال العبيدي ] فقد قال بعد أن اتهم صوفية المشرق بالتشيع قال في ص7:
" المتصوفة المغاربة (1) سُنيِّون ... "
علق في الحاشية:
" (1) من الأحتاف متصوفة وزهاد ؛ ولكن نظراً لعيشهم في أحضان السلطان الأغلبي -وهو ما يأخذه عليهم المالكية وينكرون عليهم فيعنفون بهم- مالوا إلى الشيعة نكاية في السنيين عند الاحتلال الشيعي"
قلتُ:
على هذا الكلام مسائل:(238/2)
أولاً: وهذا هو الحق .. فالصوفية أجمع هي وليدة التشيع ..
بدأت حركة زهدية علماً "أن الزهد في المشرق [والآن أضف المغرب] إنما تطوّر إلى تصوّف على أيدي الزهاد الفرس الذين يمثلون عصب التشيع ودمه الفوّار"
ثانياً: نعم صوفية المغرب مالوا إلى التشيع!! وإلا ما تفسير عبادتهم للقبور؟! ومالك –رحمه الله تعالى- من أكبر المنكرين لهذا الباب للشرك!
ثالثاً: أن علماء المالكية أنكروا على دراويش الصوفية وعنفوا على المبتدعة بهؤلاء الأحتاف ..!!
رابعاً: وشهد شاهد من أهلها ..
خامساً: أن الصوفية جُهال يُستغلون على أي اتجاه للريح .. وعلى عتبات السلطان يتلونون!
أخيراً:
يا صوفية المغرب عودوا إلى الله ، وتمسكوا بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وإياكم وقلة التفكير وتأجير العقول للغير .. فكروا وإلا صدق فيكم قول القبوري الأشعري الماتريدي المغربي عبدالله الغماري –هداه الله حين قال: "المغاربة عندهم نقص في التفكير" كما في سبيل التوفيق ص101
فأقول: كلا ؛ بل أنت ومن صاحبك من القبوريين والصوفية فيهم نقص في التفكير ، لذا إذا فكر أحدهم نجا ، وهذا هو الهدى ..
ونحن ننتظر موقف صوفية المغرب من هجوم علماء المالكية عليكم!! وعندي مواقف كثيرة جداً في التحذير من الصوفية ورجالاتها وبدعها .. وهؤلاء هم علماء السنة!! مالكية أو غير ذلك ..
وقريباً .. إن قال أحد الصوفية المغاربة بأن هؤلاء فرقة منا ؛ ولكن نحن لا نوافقهم ، ننقل لهم اتهام صوفية المشرق لهم بالرهبانية النصرانية!!
كتبه
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(238/3)
الأبيات الكواشف الحربية في فضح الطرق الصوفية
مَنْسُوْبَةٌ لِلصُّوْفِ لا لِلصُّفَّةِ *** وَلاَ الصَّفَاءِ فَالْقِيَاسُ غَيْرُ تِيْ
وَمِنْهُمُ النُّسَّاكُ والْعُبَّادُ *** كَالعَدَوِيَّةِ كَذَا الزُّهَّادُ
جُنَيْدُهُمْ وِبشْرُ وابْنُ أَدْهَمِ *** وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ إلى عِلْمٍ نُمِيْ
ثُمَّ ادَّعَى الْكَشَفَ فِئَامٌ وَادَّعَى *** مَعْرِفَةً طَائَفةٌ ذَاتُ ادِّعَا
وَكُلُّ والِهٍ بلَيْلَى يَذْكُر *** وَصْلاً وَلَيْلَى لاَ تَزَالُ تُنْكِرُ
وَوَحْدَةَ الْوُجُوْدِ بَعْضٌ اعْتَقَدْ *** قَالَ: الْوجُودُ كُلُّهُ اللهُ الأحَدْ
أَشَباهُ مُحْيِي الدِّينِ نَجْلِ عَرَبِيْ ** وَمِثْلُ نَجْلِ الفَارِضِ المُعَثْلَبِ 1
وَمِنْهُمُ أهْلُ اتِّحَادٍ وَحُلُولْ *** وَهَذِهِ عَقيْدةٌ ذَاتُ فُلُوْلْ
اُخْتُزِلَتْ مِنْ بِمَا مَاتُوْا عَلَيْهْ *** وَوَلَدُ الحَلاَّجِ فِيْهَا سَارَا
واللهُ أَعْلَمُ بِمَا مَاتُوْا عَلَيْهْ ** مِنْ بَعْدِ مَا سَارُوْا وَمَا صَارُوْا إِلَيْه
وَفِيْهِمُ طَرَائِقٌ تَفَرَّقَتْ *** فَلِلرِّفَاعِيْ فِئَةٌ قَدِ انْتَمَتْ
والأَحْمَدِيَّةُ انْتَهَتْ لِلْبَدَويْ ** فِي مِصْرَ،عَامَ (خَلَدٍ)634مَاتَ الدَّوِي 2
هَذا، وَقَوْمٌ لِلدُّسُوْقِيْ إِبْرَهَمْ *** انْتَسَبُوْا ، والشَّاذِلِيَّةُ الأُمَمْ
انْتَسَبُوا لِلشَّاذِلِيْ أَبِي الْحَسَنْ ** وانْتَشَرَتْ فِي مَغْرِبٍ وَفِي الْيَمَنْ(239/2)
وَنَحْوُهَا الَّتِي لِنَقْشَبَنْدِ *** مَنْسُوبَةٌ ، وَفَرَّخَتْ فِي الْهِنْدِ
---------
1- الشيخ المسن.
2- المريض.
هذه أبيات حربية للشيخ الشاعر عبدالعزيز بن علي الحربي -حفظه الله- من نظمه ( كفاية السُّرسُور في العقيدة والفرق ومذاهب الدهور)
نقلها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(239/3)
الأدلة الزكية
في بيان أقوال الجفري الشركية
تأليف
أبي عبد الرحمن: يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?[النساء:1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ? ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ?[محمد:4].
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ?[محمد:31]، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ?[آل عمران:142]، ويقول الله في كتابه الكريم: ?وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرْجُونَ?[النساء:104].(240/1)
ويقول الله عز وجل: ?هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ?[الحج: 19-21].
فمن هذه الأدلة يُعلم، أنه لا بد أن يكون بين الحق والباطل صراع، وأنه لا يخلو زمن من الأزمان، ولا حقبة من الحقب، ولا فترة من الفترات من وجود من يعبد الله، ومن يعبد غير الله، ومن يدعو الله، ومن يدعو غير الله، ومن يوحد الله، ومن يشرك بالله إلى قيام الساعة، كما يقول الله سبحانه: ? وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ?[البقرة:220].
وقال النبي ? في الحديث القدسي: »أنت الجنة رحمتي، أرحم بك من أشاء، وأنت النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما عليّ ملؤها«.
والنار وقودها الناس والحجارة، ? وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ?[البقرة:24]، وبعد هذا فإننا نلاحظ ونسمع، شركاً صريحاً وغلواً قبيحاً، وفتنة واضحة، ودعوة إلى الوثنية، من أوباش الصوفية، في هذه الأزمنة، وهم من حيث الجملة، الصوفية أموات بمعاصيهم، وأموات بشركياتهم، وأموات ببدعهم وخرافاتهم، وإن كانوا يعيشون يأكلون ويشربون، لكن كما قيل:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيباً ... كاسف باله قليل الرجاء
وهذا لا شك أنه يعيش في نكد المعاصي، ?وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ?[يونس:27]، وقد استجرى بهم الشيطان، وركب كواهلهم إلى الغلو الشديد، فيما يسمونهم بالأولياء، والإطراء الشديد في حق من يعتقدون فيهم الولاية، فأشركوهم ونددوهم بالله سبحانه وتعالى، وقد علمتهم أن هذه الخصلة من الرافضة والصوفية تعتبر نظير فعل اليهود والنصارى.(240/2)
فالغلو هو شأن اليهود والنصارى كما هو مذكور في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله ?، يقول الله سبحانه وتعالى: ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ?[النساء:171]، فذم الله أهل الكتاب، الذين ذكرهم الله في هذه الآية بغلوهم، وقال سبحانه: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ?[المائدة:77].(240/3)
وأبان الله سبحانه غلوهم فقال: ?لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ?[المائدة: 72-76].
فأبان الله عز وجل، أن هذه تعتبر من أهل الكتاب عبادة لغير الله سبحانه، هذا الغلو الذي غلوه في عيسى عليه الصلاة والسلام، يعتبر عبادة من دون الله، قال الله تعالى: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ?[التوبة: 31-33].(240/4)
فأبان الله سبحانه في هذه الآيات، أن اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، وأن غلوهم في أولئك الأشخاص، من الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، أو من غيرهم، أن هذا يعتبر شركاً منهم بالله سبحانه وتعالى، فحملهم غلوهم هذا على الشرك والتنديد، والضلال البعيد، ولهذا ترى رسول الله ? يحذر من الغلو، قال: »لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد الله رسوله، فقولوا: عبد الله رسوله«، والحديث في الصحيح، وهكذا قال رجل: يا سيدنا، وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، قال عليه الصلاة والسلام: »أيها الناس، قولوا بقولكم الأول ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله«.
وكفى شرفاً بمقام العبودية لله عزوجل، فقد وصف الله سبحانه وتعالى، أنبياءه بالعبودية في أشرف المقامات، قال سبحانه: ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى?[الاسراء:1]، ففي مقام الإسراء، وهو يصفه بالعبودية لله سبحانه وتعالى، وأنه عبد الله، ?وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً?[الجن:19].
وفي مقام الدعاء قال: ?وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ?[صّ:45-47].
وقال تعالى: ?إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً?[مريم: 93-95].(240/5)
فما من إنسان في هذه الحياة الدنيا من جن أو إنس، إلا وإن الله سبحانه وتعالى خلقه لعبادته، قال الله سبحانه: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ?[الذاريات: 56-58].
وقال سبحانه: ?وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً?[النساء:36].
وقال: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ?[البقرة: 21-22].
وقال تعالى: ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً?[الأنعام:151] إلى آخر الآيات.
وفي سورة الفاتحة: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ?[الفاتحة: 2-7]، ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ?[الفاتحة:5].
وما أرسل الله رسله، ولا أنزل كتبه إلا لتوحيده، وللدعوة إلى توحيده، وبيان توحيده سبحانه وتعالى، والتحذير من الشرك به.(240/6)
يقول الله: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ?[الانبياء:25].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ?[الاحقاف:21].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ?[النحل:36]، فخلقنا الله سبحانه وتعالى لعبادته، لا عبادة البشر، ولا للشرك به والتنديد به، ولكن هؤلاء القوم غلوهم أدى بهم إلى مكان سحيق من الضلال، حتى اعتقدوا أن الولي يتصرف في الكون، كما سيمر بنا في بعض هذه الفقرات، التي يقولها علي الجفري، والذي له رواج نخشى صولته الضالة، وفتنه العمياء على عوام الناس ودهمائهم، وهذا والله من المنكر الذي لا يجوز السكوت عليه، لا من المسئولين، ولا من العلماء، ولا من أي غيور على دين الله الحق، فإن هذا هو شرك قريش الذين كانوا يدعون إليه نفس الفكر، بل إن المشركين الذين كانوا على شرك بالله سبحانه وتعالى: كانوا يجأرون في الشدائد إلى غير الله، إلى الحبيب فلان، والولي فلان، والله المستعان، قال تعالى: ? ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ?[النحل:53].(240/7)
وهذه عدة نقاط موثقة، من روابطها من شبكات الانترنت، وقد سمعت صوته بأذني وهو يقول هذه الفقرات، اكتفينا بالعزو إلى الروابط المذكورة من الشبكة (الانترنت) التي نشرت كلام هذا الفاجر الأثيم، وهو علي الجفري، وأيضاً نظير أقواله، أقوال عمر بن حفيظ، له كلام يبيح فيه دعاء غير الله سبحانه وتعالى، وعندي شريط في ذلك من أقواله، وله كلام في رسالة صغيرة تسمى بالتوحيد، وهو عن التوحيد بعيد، يقول فيها: إن القرآن لا يوصف بأنه عربي، والله عز وجل يقول: ?بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ?[الشعراء:195]، ويقول: ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ?[يوسف:2]، ويقول: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?[إبراهيم:4]، ورسول الله ? عربي، وإلى بيان هذه الفقرات، الظالم أهلها:
السائل: يقول في موقع: (http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3.ra)، الجفري يقول: أنه لا يستغرب خروج روح الميت لكي تنفع من يستغيث بها بإذن الله؟
الجواب: هذا الكلام فيه ثلاث ضلالات الأولى يقول: لا يستغرب خروج روح الميت بعد موته، لكي تنفع بإذن الله من يستغيث به، وهذا فيه دعوة إلى الاستغاثة بالأموات.
والاستغاثة بالأموات: هي دعاء غير الله سبحانه وتعالى، مع تلهف أيضاً، قال الله عزوجل: ?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ?[الأنفال:9]، فالاستغاثة لا تكون إلا بالله سبحانه وتعالى، لا تكون بالأموات؛ فإن الأموات لا يستطيعون أن يغيثوا في شيء من الأشياء بعد موتهم، لقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ?[يّس:50].(240/8)
ولقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ?[الأعراف:188]، ولقول الله سبحانه وتعالى: ?فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ?[الروم:52]
ولقوله سبحانه: ?وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ?[فاطر:22] ولقول الله سبحانه: ?وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ?[يونس:107].
الضلالة الثانية: أن هذا قول بالرجعة وربنا سبحانه وتعالى يقول: ?حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ?[المؤمنون: 99-103].(240/9)
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ?[الملك: 10-11]، ففي هذه الآية أنهم ليس لهم رجوع، وليس لهم إلا السحق، ويقول: ?أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ?[الزمر: 56-60].
فهذه الآيات تدل على أنه ليس بعد الموت كرة رجوع، وقال تعالى عن أهل النار: ?قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ? [غافر:11]، وقال عن أهل النار: ?وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ? [الزخرف:77]، وقال تعال: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ? [يّس:50].
وقال الصديق ط لرسول الله ? لما مات: بأبي أنت وأمي، أما الموتة الأولى فقد ذقتها، ولن تذوق بعدها موتة أخرى.(240/10)
لا رجوع بعد الموت، وبعد مفارقة الروح للجسد، النبي ? يقول: »ما أحد يموت فيدخل الجنة، يتمنى أن يعود إلى الدنيا وله مثل الدنيا عشر مرات، إلا الشهيد، فإنه يتنمى أن يعود إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة«. يتمنى أن يعود فلا يعود إلى الدنيا، فاعتقاد الرجعة، اتفق فيها الصوفية والروافض؛ ولذلك صار من ضلال الرافضة أن بعض آل البيت يرجعون إلى الحياة ثم يقتلون من ولي الخلافة، من غير آل البيت، فهذا اعتقاد الرجعة، والصوفية هم أحفاد الرافضة، وأحفاد الرهابين في هذه الأفكار، جمعوا بين ضلال النصارى، فإن ديدن الصوفية، نفس ديدن النصارى والرهابين في البدع والخرافات.
قال الله عن النصارى: ?وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ? [الحديد:27]، يذكر أهل العلم أنهم أخذوا دينهم عن الرافضة؛ في كثير من البدع والخرافات، والشركيات، يتفقون فيها.
الضلالة الثالثة: أن الأموات من المسلمين بحاجة إلى الدعاء، النبي ? كان إذا مر بالمقابر قال: »السلام عليكم دار قوم مؤمنون، وإن شاء الله بكم لاحقون، ونسأل الله لنا ولكم العافية«، أما القول أن الميت هو الذي يرجع، أو روحه ترجع، ويغيث الأحياء، فهذه دعوة إلى الشرك والوثنية، وإلى دعاء غير الله سبحانه وتعالى يقول الله في كتابه الكريم: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?[المؤمنون:117]، ويقول: ?وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ? [الاحقاف:5-6].(240/11)
السؤال: وهناك في موقع:(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4.ra)، الجفري يقول: أن الأموات يغيثون بأرواحهم، من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره؟
الجواب: هذا باطل، وهذا كذب، وهذا معاندة للقرآن والسنة، مما قد تلونا ومن قول النبي ?: »إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك«، ومن قول النبي ?: »ما من ميت إلا ويعرض عليه مكانه، من الجنة أو النار، فيقال: هذا مكانك من النار، أو هذا مكانك في الجنة إلى يوم القيامة«، الحديث أخرجه الشيخان عن ابن عمر، وثبت من حديث أوس بن أوس، أن النبي ? قال: »أكثروا عليّ يوم الجمعة من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة عليّ« قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك وقد أرمت، أي بليت، قال: »فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء«.
والشاهد من هذا أنها حياة برزخية تختلف عن الحياة الدنيا، وأيضاً الشاهد من هذا »أرمت« أي: بليت، وسائر الأموات بعد موته بأيام ينفطر وتتقطع أوصاله، وتتمزق أشلاؤه، ولا يبقى إلا عجب الذنب منه يركب الإنسان إذا نفخ في الصور، كما ثبت عن النبي ?، وكما قال الله عزوجل: ?وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ?[الزمر:68].
أما أن يعتقد أنهم ينفعون أو يضرون، أو أنهم كذلك يجيبون الأحياء، وينفعونهم، فهذا باطل لا دليل عليه، وهو من عقيدة أهل الضلال من الصوفية وأضرابهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
السؤال: وهناك في الموقع: (http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5.ra) الجفري يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون، وأن عندهم أذن مسبق في التصرف، وأنه بإمكانهم الرزق والإحياء والإماتة؟
الجواب: قوله: (يتصرفون في الكون)، وقوله: (بإمكانهم الرزق، وبإمكانهم الإحياء والإماتة)، هذه ثلاث مسائل كلها شرك في الربوبية.(240/12)
المسألة الأولى: يعتقد أنه يمكن أن الولي يتصرف في الكون، والله سبحانه يقول: ?قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى اللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ?[النمل: 59-66].(240/13)
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ?[الروم: 17-24].(240/14)
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ?[الأحقاف: 1-6]، الآيات.
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِي اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ?[الزمر:38].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً?[فاطر: 40-41].(240/15)
فمن الذي يستطيع أن يتصرف في الكون غير الله سبحانه وتعالى: ?بسم الله الرحمن الرحيم * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ?[الفاتحة: 1-5]، ? لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ?[الروم:4]، ? لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ?[غافر:16]، ?حم * تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ?[فصلت: 1-6]، رسول الله ? لا يتصرف في الكون ولا غيره من المرسلين: قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ?[فصلت:6].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ?[غافر: 41-44].(240/16)
ويقول سبحانه وتعالى: ? وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ?[فاطر: 13-14]، هذا القطمير؛ اللفافة القشرة التي على التمرة لا يملكونها فضلاً عن أن يتصرفوا في الكون، ويقول سبحانه وتعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ?[الحج: 73-74].
والله هؤلاء المشركون من أمثال الجفري، ما قدروا الله حق قدره، ويقول سبحانه: ?لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ?[الرعد:14].
مثل ذلك، كإنسان في غاية من العطش، على بئر يمد يده يقول: اصعد يا ماء أريد أن أشرب، لا يصعد الماء، ويبقى في غاية العطش، ويقول الله سبحانه وتعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ?[فاطر: 15-17].(240/17)
ويقول الله في كتابه الكريم: ?فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً?[هود:57]، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ? وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ?[محمد:38].
وفي »صحيح مسلم« من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي ? كما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: »يا عبادي إني حرمت الظلم... « -إلى أن قال-: »يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أفيكم أياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه«.
المرسلون عليهم الصلاة والسلام، ما أحد يتصرف في الكون، ولا الملائكة، ?قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ?[النمل:65]، ?عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً?[الجن:26]، ?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ?[آل عمران:179].
وقال سبحانه في كتابه الكريم: ?ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ?[التحريم:10].
وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، لما قال نوح: ?رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ?[هود:45]، قال الله له: ? يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ?[هود:46].(240/18)
ولما دعا رسول الله ? على أناس من المشركين قال الله عز وجل: ?لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ?[آل عمران:128]، ولما سأل ربه عز وجل في ثلاثة، قال: »سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة«، فلم يستجب سبحانه كل دعاءه ذلك، قال الله تعالى: ?لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ?[الروم:4]، وقال تعالى: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ?[الأنعام: 1-3].(240/19)
ويقول سبحانه وتعالى: ?قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ?[الأنعام:19]، نحن نبرأ إلى الله من الجفري، ومن أقوال الجفري، ومن أفعال الجفري وابن حفيظ، نبرأ إلى الله منهم، ونشهد الله على ضلالهم، ونقول كما قال الله سبحانه: ?بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?[التوبة: 1-3]، وهكذا يقول الله سبحانه وتعالى، عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: قل إن ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *?[الأنعام: 162-163].(240/20)
ويقول: ?فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ?[الأنعام: 78-79]، فهذه براءة من الله سبحانه وتعالى، ويجب أن يتبرأ كل مسلم من هذه الأقوال والأفعال، وأن يحذروا ضلال هؤلاء الزائغين، دعاة الشرك والوثنية في هذه الأزمنة، وهم يقولون: (ما في شرك)، هذا عين الشرك الأكبر الذي أنتم فيه.
أنتم تنددون، أنتم تشركون، ثبت من حديث قتيلة رضي الله عنها: أن النبي ? قال: حين سمعهم قالوا: والكعبة، وقالوا: ما شاء الله وشئت، قال: »إنكم تشركون، إنكم تنددون، تقولون: والكعبة، وتقولون: محمد«، الجفري، وابن حفيظ، ومرعي صاحب الحديدة، وأمثالهم مشركون شركًا أكبر، ويغطون على شركهم؛ بأنه ما هناك شرك، هذا ما أنتم فيه عين شرك المشركين، ووثنية الوثنيين، وزندقة الزنادقة، وفلسفة الفلاسفة، وضلال الضالين، وبُعد البعداء، وزيغ الزائغين، وهلوسة المهلوسين، ودجل الدجاجلة، فما بالكم تموّهون عما أنتم تعلمون.
السائل: وفي موقع: (http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6.ra)، الجفري يقول: يمكن للولي الميت أن يدعو للحي، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله.
الجواب: قوله: (كرامات الأولياء لا حد لها): أولاً أن كرامات الصوفية مدّعاة، الصوفية دجاجلة، واقرأوا تلبيس إبليس فيما يصنع الصوفية من ادعاء الكرامات، فقد ذكر ابن الجوزي رحمة الله عليه من تلبيس الشيطان على هؤلاء الدجاجلة، أن بعضهم يكون تارك صلاة ما يصلي، وبعد ذلك يقول لهم: أنا أخطو إلى مكة، وأصلي وأرجع وأنتم ما قد صليتم، وذكر أن بعضهم: أنه أصبح في مزبلة، يعبث به الشيطان.(240/21)
وهكذا الحلاج الذي يقول: (أنا الله بلا شك، فسبحانك سبحاني، وتوحيدك توحيدي، وعصيانك عصياني)، يدعي أنه عنده كرامة، ويتمالأ مع مريديه، أي: مع طلابه، والصحيح (أنهم المردة)، يتمالأ مع المردة، ويذهبون إلى أماكن يخبئون الحلوى واللحم والماء البارد، وإذا أصبح قالوا: نريد رحلة إلى بلد كذا، أنأخذ ماء، أنأخذ طعاماً يا حبيب؟ قال: لا هذا يخرم التوكل. أخزاكم الله يا أيها الصوفية، العمل بالسبب يخرم التوكل، وأنبياء الله كانوا يعملون بالسبب، أأنتم أفضل أم أنبياء الله، أليس نبي الله ? لبس المغفر، أليس الله قد أخبر أن ما نبي إلا وقد جعل له أزواجاً وذرية، وهذا من العمل بالسبب من إنجاب الأولاد، أليس الله يقول لمريم: ?وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً?[مريم:25].
وهذا عمل بالسبب، امرأة ما عساها تعمل في النخلة، أليس الله يقول: ? اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ?[الشعراء:63]، ما عسى العصا تفعل بالبحر، ولكنه سبب من الأسباب، أليس النبي ? يقول: »لو توكلتم على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً«.
هذا من العمل بالأسباب، ويقول سبحانه وتعالى: ? فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ?[الملك:15]، إلى آخره، وهؤلاء يقولون: هذا يخرم التوكل، ثم ذهبوا وقالوا: جعنا يا حبيب، عطشنا يا حبيب، قال: مكانكم، ويذهب يحفرها ويطلع اللحم، ويطلع الماء الذي قد خبأه من الأمس، ويقول لهم: اشربوا، كرامة!! كرامة!! دجل.(240/22)
ذكر ابن الجوزي وغيره في ترجمة الحلاج على أن هذا الرجل، كان عنده بركة داخل بيته قد ملأها بالأسماك، وملأها بالطين الحمأة، أي الطين الأسود يعيش فيه الأسماك، وربى له أسماك في البركة، وجاء رجل وقال له: نحن اشتقنا للحم السمك، قال: مكانك، أنا آتيك بالسمك الآن، وذهب وكأنه نزل في بحر من البحور، وأتى به من بحر كذا، وأخرج السمكة من البركة حقه، وأتى بها وما زالت ترتعش، وقال له: من أين أتيت بها؟ قال: هذه من الكرامة، كُل؟ ثم ذهب وكأنه يريد أن يقضي الحاجة، ثم رأى البركة، قال: فنزل وأتى بسمكة أكبر من تلك، فجاء بها، ثم قال له الحلاج: من أين أتيت بها؟ قال: من البحر التي أتيت بالسمكة الأولى منه.
الصوفية عبثوا بنساء المسلمين، وبعقول المسلمين، بأفكار المسلمين، بأموال المسلمين، وقد أثبت عليهم من عايشهم وعرفهم: أنهم كانوا يبتكرون بنساء بعض البلداء، يعتبرونه يباركها بركة، إذا لم تمر بالولي، وتبيت عنده ليلة أو ليلتين تعتبر ما فيها بركة، هذا كرامة.
ويذكرون أن واحداً كان عنده كبش، يريد أن يضحي به، فقال له: أين تريد بهذا الكبش، أعطني وإلا جعلته كلباً؟ قال صاحب الكبش: لا تجعله كلباً، وإنما أجعله كبشين، واحد لي وواحد لك.
ومما يذكرون أن أحدهم يعمل الفاحشة بالأتان –أنثى الحمار- فيقولون: ما لك يا حبيب، كيف تفعل هذا؟! يقول: أنا على حقيقة لا تعلمونها، ما هذه الحقيقة؟ قال: لو نزعت لغرقت سفينة في بحر كذا وكذا، وأنا أسد الخرق من هنا، متى يعقل المجتمع زندقة الصوفية، غلاة الصوفية كفرة، لا يمتري في ذلك اثنان ولا تنتطح في ذلك عنزان، واسمع إلى ما يقول الشعراني:
مريدي تمسك بي وكن بي واثقاً ... أحميك في الدنيا ويوم القيامة
فقالوا: أيا هذا تركت صلاتك ... وما علموا أني أصلي بمكة(240/23)
والله سبحانه وتعالى يقول: ?وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ?[الحجر:99]، يتأولون الآية: يقولون: اليقين أن ينحب فإذا إغمي عليه ارتفع عنه القلم، لا تحسب عليه سيئات، والحقيقة أن هذا اليقين، يقع في يقين الكفر، في ترك الصلاة، وفي ترك التكليف، حتى قال بعضهم: هم معشر حلوا النظام، واخترقوا الاسياج، فلا فرض لديهم ولا نفل.
مجانين غير أن جنونهم ... عزيزاً عند يسجد العقل
هذا يا أخي، قليل من كثير من ضلال هؤلاء الناس، ومن أقوالهم: أنه يمكن للولد أن يخرج من ظهر أبيه صبيًا من غير زواج ولا حمل!.
وقوله: إن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين.
الجواب: أعظم كرامة: دوام الاستقامة، وأنتم تتكلفون الكذب، وتتكلفون الدجل، فليس لكم كرامة، إن الكريم هو المؤمن المتقي لله سبحانه وتعالى، ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?[الحجرات:13].
قال: أتقاكم، ولم يقل: أكرمكم عند الله مشرككم، ولم يقل: ضلالكم، فمن أين لكم التقوى وأنتم تشركون، وأنتم تنددون، وأنتم تفجرون، وأنتم تضلون وتضلون، ما لكم كرامة، بل أنتم مهانون، أهانكم الله بالبدع، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ?[الحج:18].
ويقول سبحانه: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ?[الأنعام:82]، وأنتم أظلم الظلم عندكم؛ لأن الشرك أظلم الظلم، قال الله سبحانه مخبراً عن لقمان: ? يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ?[لقمان:13].(240/24)
أنتم واقعون في ظلم عظيم، وفي أفرى الفرى على سبحانه وتعالى، فمن أين لكم كرامة، والله سبحانه يقول: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ?[الأعراف:152].
فمن أين لكم كرامة بعد ذلك كله، دعوكم من التلبيس، لقد لبس زنادقة كثير، مثل الحلاج، ومثل ابن عربي، الذي كان يعتقد أنه الله، يقول: ما في الجبة إلا الله.
وابن سبعين الذي يسمع الشاة تيعر، أو الكلب ينبح، ويقول: سبحانك يا أرحم الراحمين، يعتقد أن الأشياء الموجودة كلها الله سبحانه، والبسطامي كان يقول: سبحاني سبحاني، ما أعظم شاني، الجنة لعبة صبياني.
والذي يقول: أن الكون يتصرف فيه بعض الأولياء، هذا الكلام زندقة، ومثل هؤلاء الزنادقة، أرى أن عندهم نفحة من الحلول.
ذكر الغزالي في «إحياء علوم الدين»، الذي ما أجدره بالتحريق: كما أفتى بذلك غير واحد من أهل العلم، أن هذا الكتاب جدير بالتحريق؛ فإن في ذلك الكتاب الكفر الصريح، يقول بعضهم البارحة رأيت الله، قال: يا مسكين أنا رأيت ابن سبعين، والنظر إلى ابن سبعين أفضل من النظر إلى الله سبعين مرة، هذا موجود في »إحياء علوم الدين«، فالناس في غفلة عن ضلال الصوفية، والله ما ضلالهم عن ضلال المكارمة ببعيد، ولا عن ضلال الرافضة ببعيد، كلهم فلاسفة، يختلفون في بعض المسائل، وإلا فالمؤدى واحد، فهل من مدكر، وهل من منكر، وهل من غيور على دين الله عز وجل، هؤلاء ناس يعبثون بعقول المسلمين.(240/25)
يا حكام المسلمين، الله يقول في كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ?[التحريم:6]، ويقول في كتابه الكريم: ?وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?[آل عمران:104]، فلا فلاح لنا ولكم ولا لسائر الأمة: إلا بإنكار البدع، وهذه المنكرات الفاشية الضارة بالشعوب، كل شر بسبب الذنوب، وما أعظم الذنوب والشرك والبدع، قال تعالى: ?وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ?[الشورى:30]، وقال: ?ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ?[الروم:41].
فواجبكم إنكار البدع والمنكرات، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ?[الحج:41]، أنا والله اعتقد أن ذلك جناية على الإسلام والمسلمين، أن يمكن هؤلاء من بث فتنهم وشركياتهم، وبدعهم، وخرفاتهم، في تشويش عقول المساكين، وغشهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم، وفي تشويه رونق وجمال الإسلام الحنيف، قال النبي ?: »بعثت بالحنيفية السمحة«.(240/26)
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ?وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ?[البينة:5]، وهؤلاء يريدون أن يردوا المجتمعات إلى الشرك، والوثنية، وإن كانوا يصلون، فالصلاة وسائر الأعمال لا تقبل ولا تنفع مع الشرك، قال الله تعالى: ?وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [الأنعام:88]، وقال: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [الزمر:65]، وقال: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً? [الفرقان:23].
الإسلام له نواقض، ولا إله إلا الله لها نواقض، والتوحيد له نواقض إذا حصل شرك انتقض، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ? وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ?[البقرة:217]، والردة إنكار وجودها ردة، ارتد أناس من مشركي العرب بعد أن أسلموا، والنبي ? قال: »من بدل دينه فاقتلوه«، وقال عليه الصلاة والسلام: »لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة«، فقد يترك الإنسان دينه بكلمة.(240/27)
قال الله عز وجل: ? وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا?[التوبة:74]، الذي يقول: ما في ردة! وما في شرك! هذا كذاب أشر، الذي يقول: ما في ردة، ما في شرك في هذه الأزمان، والنبي ? يقول: »لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة«، متفق عليه من حديث أبي هريرة، ويقول النبي ?: »لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق«، ويقول النبي ?: »لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وما به إلا الفتن«، ومن أعظم الفتن الشرك بالله، قال الله تعالى: ?وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ?[لأنفال:39]، ويقول النبي ?: »لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم«، أخرجه البخاري من حديث أنس، وهؤلاء الخراصون يلبسون على الناس أنه ما في شرك.
والحزبي يقول: ما في حزبية، المشرك يقول: ما في شرك، والزنديق يقول: ما في زندقة، وكثير من المرتدين يقولون: ما في ردة، وكل صاحب باطل يحاول أن يبعد الناس عن إنكار ما هو عليه، وكما يقال:
شكونا إليهم خراب العراق ... فعابوا علينا لحوم البقر
فصرنا كما قيل فيما مضى ... أريها السهى وتريني القمر
هذا حالهم تقول: أنت مشرك، قال: لا، لا يوجد مشرك، الناس الآن يصلون، ويصومون، ويحجون، المنافقون الاعتقاديون كانوا يصومون ويصلون، ويحجون ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً?[النساء: 145-146].(240/28)
?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً?[النساء: 142-143] هذا شأنهم.
وقوله: (إن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله).
أولاً: إن كرامات الأولياء لا تتكلف، وتكلفها من شأن الصوفية، ومعنى ذلك أن الله قد يكرم المسلم بالاستقامة، فإذا هداك الله، فاعلم أنه قد هداك الله، على ما دلت عليه الآية: ?أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ?[يونس: 62-63].
فوالله لستم بمكرمين، والله لستم بأولياء، بل أنتم أردياء، وإن كنتم أولياء فليس لله، بل للشيطان.
قال الله سبحانه وتعالى: ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ?[البقرة:257]، فسائر الكافرين، والمشركين، أولياؤهم الطاغوت، كل من دعى مع الله إله آخراً، فليعلم أن هذا منه كفر؛ قال الله تعالى: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?[المؤمنون:117]، ولاحظ قوله: ?إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?.
باطل! باطل! أن يسكت على شركيات الرافضة والصوفية، حتى لا يقول الجهال: أنت تكفر الناس، الذي يقول: إن واحداً يتصرف في الكون دون الله سبحانه وتعالى هو كافر، مشرك، زنديق، قال الله تعالى: ?قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ?[الإخلاص: 1-4].(240/29)
السؤال: الجفري يقول: إن مسألة خلق الطفل، من غير أب خلافية بين العلماء، (أي الصوفية)، وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة يتنعم فيها ليغيث من استغاث به؟
الجواب: أما مسألة الاستغاثة فقد سبق بيانها، ولكن نقول: هنيئاً لكنّ أيها البغايا هذه الفتوى، تلفلف لها من الشارع وتقول: هذا خلقه الولي بغير أب، وما أحسن ما قاله ذلك الشاعر:
وقد سمعت بابن قطرة السماء ... خرافة تجلب للقلب العمى
يقال: أن واحداً يقال له ابن قطرة السماء، وكان هناك دجال من الدجاجلة الذين يدعون أنه يمكن أن يخلق طفلاً من غير سبب من الأسباب: (زواج، أو من غير جماع)، أتته امرأة بلبن، فقالت: إن اللبن وقعت فيه قطرة من السماء، قال: اشربيه فإن فيه بركتك، فشربته وحملت بذلك الولي الذي يقال له: ابن قطرة السماء، والله لعل تلك الجارية حملت منه، ثم أدعى بعد ذلك أنها قطرة من السماء، نزلت فحملت تلك المرأة من قطرة.
انظروا يا إخوان على تلاعب بعقول الناس:
وقد سمعت بابن قطرة السماء ... خرافة تجلب للقلب العمى(240/30)
يا أخي، هؤلاء يعبثون بعقول الناس، الله عزوجل هو الذي: ?يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ?[الشورى: 49-50]، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ?[المؤمنون: 12-14]، وقال: ?ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ?[المؤمنون:16]، ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ?[الحج:5].
وفي «الصحيحين»: عن ابن مسعود أن النبي ? قال: »ثم ينفخ فيه الروح، فيأمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها«.
وبنحوه في حديث حذيفة بن أسيد، عند مسلم كل هذا يدل على أنه لا يستطيع أحد أن يخلق، قال تعالى: ?أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ?[الطور: 35-36].(240/31)
وقال تعالى: ?أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ?[الواقعة: 58-60].
وهذا من ضلال هذا الرجل، أنه يعتقد أنه يمكن أن يخلق الإنسان طفلاً، وهذا لا يمكن لأحد من دون الله أبدًا، قال الله عزوجل: ?أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ?[الأعراف:54]، فهذه من خصائص رب العالمين عزوجل.
قال تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ?[الزمر:38]، فليس ذلك لأحدٍ من دون الله سبحانه وتعالى ولو ذباباً: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ?[الحج:73].
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: »احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك«. (مجرد النفع، فضلاً أنه يخلق)، » ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف«، وهكذا قال النبي ?: »رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق«.
والشاهد منه: أن هذه أمور عليها كتابة، وموكل فيها ملائكة، وليس كل من جاء خلق من هؤلاء الفجرة، الزائغين الدجاجلة.
فحاصله: أن هذا شرك في الربوبية، عند هذا الرجل شرك في الربوبية، في مسألة الخلق، وفي مسألة الرزق، والله سبحانه وتعالى يقول: ?وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون?[الذريات: 22-23].(240/32)
وأما قول الله سبحانه: ?وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً?[النساء:8] أي: أعطوهم، ولن يستطيع أحد أن يرزق أحداً من دون الله، بما لم يرزق الله سبحانه وتعالى، ففي الصحيحين، من حديث معاوية رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »إنما أنا قاسم والله معطي«، وقال النبي ?: »اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد«، ?فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً?[النساء:78]، حقًا إنهم ?صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ?[البقرة:171]، فبذنوبهم طبع الله على قلوبهم، فالرجل كما سمعتم يقول: ممكن للولي أن يخلق طفلاً من غير أب!.
قال السائل: وهناك في الموقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7.ra): الجفري يقول: إن العلماء اختلفوا في مسألة أن يخلق الولي الطفل من غير أب، وأن السبب الذي جعل من يقول بامتناع ذلك هو التحّرز على الإنسان، حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنا وتقول: من غير أب.
الجواب: أي الجفري ممكن يخلق أولادًا لكن الذي يتورع منه الجفري؛ أنه قد يحصل من البغايا أن تأتي لها بطفل وتقول: هذا خلقه الجفري، وهذا خلقه ابن حفيظ، ?أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ?[الانبياء:67].
قال السائل: هناك في الموقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9.ra)، الجفري يقول: بإمكانية رؤية الرسول ?، ولكن بعين البصيرة، وأن هناك من الأولياء -أي الأحيا- من يجتمع بالرسول ? بعد موته يقظة.(240/33)
فأجاب الشيخ: ? إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ?[غافر:56]، هؤلاء الناس بلغ بهم الكبر، على أنه يمكن أن يلتقوا برسول الله ? بعد موته وهم أحياء، حصلت فتن في زمن علي رضي الله عنه، وفي زمن معاوية رضي الله عنه، وزمن زوجته ? عائشة رضي الله عنها، حصلت فتن، ما أحد منهم قال: إنه يمكن أن ينادي رسول الله ? ويراه، أنتم أكرم عن أصحاب رسول الله ?؟!! ما رأوا هذا القول، ونعوذ بالله.
الصوفية من هذا أنهم يعتقدون أنه يمكن للولي أن يشافه رسول الله ?، ويتكلم معه يقظةً، بعين البصيرة، هكذا بالبصر، يقظة يتكلم معه وهذا كلام باطل كما سمعت: قال تعالى: ?إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون?[الزمر: 30-31].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ?[آل عمران:144].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ?[الرحمن: 26-27]، ويقول الله سبحانه وتعالى: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ?[آل عمران:185].(240/34)
وكم من الأدلة الدالة أن رسول الله ? قد مات، وأنه لا يمكن للميت أن يشافه أو يتكلم مع الأحياء يقظة، فهذا باطل، والله المستعان، ضلالات هؤلاء الناس لا تتناهى، وكفى بضلالاتهم الشرك بالله سبحانه، فلماذا الصحابة يختلفون وكان يكفيهم أن يقولون: يا رسول الله، هات لنا خبر كذا وكذا، والله عزوجل يقول: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ? [يّس:50]، وفي »الصحيحين« أنه يقال للنبي ? يوم القيامة: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، حتى من ضلالاتهم يقولون في المولد:
مرحبا بك مرحباً ... جد الحسيني مرحبا
وعملوا ذلك (التداخين)، ويقومون يتراقصون، ويزملون ويرحبون برسول الله ?، بالله ما هذه العقول يا إخوان؟! التي باض فيها الشيطان وفرخ، واحد في المغرب يرحب بالنبي ?، وواحد في أندونيسيا، بل مئات الناس عندهم موالد، آلاف المساجد عندهم موالد، في اليمن ومصر يرحبون بالنبي ? تلك الليلة، وآلاف المساجد في السودان، والصومال، وأثيوبيا، وليبيا، وموريتانيا وفي سائر بلدان العالم، وكل واحد يقول: مرحبا بك مرحبا، وهذا مرحبا بك مرحبا، رسول الله ? واحد بشر، فما هذه العقول؟!.
يأتي عندك أو يأتي عند صاحب أندونيسيا، أو صاحب هذا المسجد، أو عند صاحب هذا المسجد، عقولهم عشعشت عليها المعاصي يقول الله سبحانه وتعالى: ?فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ?[الحج:46]، ويقول: ?أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ?[الأعراف: 191-198].(240/35)
ويقول الله: ?وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ?[الحجر: 14-15].
ويقول الله تعالى في كتابه الكريم عن ضلالهم: ?وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?[الأنفال:32].
ويقول الله سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ?[الأعراف: 194-196].
ومن ضلال هذا الرجل قوله: (ممكن لرسول الله ? أن يغيث في اللحظة الواحدة ملايين الناس، وهو ميت)، والله لو كان رسول الله ? حياً لجاهد أمثال هؤلاء الناس، فقد جاهد المشركين على أقوالهم وأفعالهم تلك التي قالوها مثل هذا القول، والله لو كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه حياً لجاهدهم كما جاهد ابن سبأ الذي قال: (أنت الله)، أله علي بن أبي طالب، واعتقد عبد الله بن سبأ، وجماعة عبد الله بن سبأ، أنه إله، فحفر الخنادق وأوقد النيران فيها، وأتى بهم فألقاهم في تلك النيران، وجاء أنه قال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أججت ناري ودعوت قنبرا(240/36)
نسأل الله السلامة والعافية، قلنا هذا: ليهلك من هلك عن بينة وإن الله لسميع عليم، ?هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ? [إبراهيم:52]، ? فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ?[يونس:32] ?بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ?[الأنبياء:18]، ?وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً?[الإسراء:81].
ونبرأ إلى الله من الشرك، والمشركين، والحمد لله رب العالمين.
من إصداراتنا:
أحكام التيمم.……
الإتحافات بتلخيص الحاوي للسيوطي رحمه الله ونقد ما فيه من الشطحات.……
توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال.
الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية.
أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية.
التحذير عن أهم الصوارف عن الخير.
جلسة ساعة في الرد على المفتين في الإذاعة.
الحث والتحذير على تعلم أحكام المريض.
السيل العريض الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ.
فتوى في حكم الدراسة الإختلاطية.
الأجوبة السنية وكشف بعض أباطيل الصوفية.(240/37)
الأشاعرة الصوفية وجريمة قتل شيخ الشام أسامة القصاص!!
شيخ الشام، وداعيتها المفضال، الأسد الهمام، والداعية الإمام، صاحب القلم الحسام، كاشف حقيقة اللئام، ومبين سبيل أهل الإجرام، ما دعا صافي السريرة إلا وللهدى اتبع، وما ناظر مبتدعاً إلا وغيره به قد ارتدع، وطالبي الحق بها قد انتفع، ناظرهم في كل مسألة، وكانوا عنها في حيدة، عجزوا وانكسروا .. فجاءت المناظرات القاصمة، والجولات الفاصلة، وبدأ طلاب الحق لرشدهم يعودون، وعن سبيل المجرمين يحذرون، ولسبيل المؤمنين يدعون، فكثر التائبون، وخرس الأفاكون، وهدأت فتنة الأحباش في بلادٍ شتى من ديار الشام، بفضل الله ثم بفضل الدعاة السلفيون المخلصون ..
حاورهم بالحسنى، فإن لم يجدي معهم بدأ بالأخرى، يدعوهم سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، يدعوهم بالحوار والمناظرة، تارة مساجلة كلامية، وتارة مساجلة كتابية، وكان في هذه وتلك يسبك الحق بلفظ الإشفاق، ويبين بالدليل وحسن الحجاج، بالدليل النقلي، ثم يتبعه بالعقلي، وينزل حتى يفهم الغبي، وبلا شك بأنه قد فهمها الذكي، ولكن أهل الأهواء عامة يلغون العقل والتفكير، ويمارسون مهمة التحجير، ويهاجمون الغير بالتكفير، وعن ساحة الحوار بالتنفير، ومرشدهم قول فرعون {وما أريكم إلا ما أرى} .. والعجيب أن بعضهم يدعي للعقل التقديس، ولكن ما يلبث إلا ويخلطه بالتدنيس، فيقع في حيرة وتلبيس، وللحق بالباطل تدليس، وما هذه إلا سياسة إبليس ..(241/2)
عجيب أمر هؤلاء .. والأعجب منه أمر الشيخ الذي هدد؛ بل قد جرت محاولات عديدة لاغتياله، حتى طاشت أفكارهم، وتناهت أحلامهم، أمام إفلاسهم، من الحجة والبيان، فعمدوا لسياسات الجبناء الأنذال، قتل الحق بالاغتيال، حسبهم أن الحق يحجب بكف الصبيان، وأنامل الولدان، وهيهات أن يحجب ضوء الشمس أنامل طفل صغير، ونذل حقير، وقد سبق أن أرشدهم قائلاً: ( نعم، أقولها، وإن آذت الأذان: لقد هددوني بالقتل، وأوعزوا إلى أحدهم بالفعل، وهم يجهلون أنني أرضى بأن يطاح برأسي مقابل رأسهم، وهم يظنون أن الله غافل عما يعملون، أو أن المسلمين عنهم لاهون، ألا إن الصبح قريب، وسبحان ربنا القائل:
{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون، قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون} ).
هكذا يرى أن بذر الحق، تنمو على أشلاء الدماء، حينما أمهر الحق رأسه، ورضي بهداية قومه بأن يراق دمه، ومثله مثل سابقه القائل بعد موته: {يا ليت قومي يعلمون}.
إن الحق، لا يغيب بتمكين سلطات الظلم له، أو سكوت بعض أهل العلم عن نصره، أو إسكات القائلين به من خلال سياسات الترهيب والترغيب، ولا يحجب الحق، بحجب صاحبه بسياسات الإرهاب الفكري والجسدي، سواءً كان سجنا أو قتلاً أو تهديداً .. إن الحق يُضيء كلما أشتد أهل الأهواء بمحاولة حجبه عن طالبي الحق .. والنور كافي لتبديد الظلام، فهل يعي هذا اللئام، وأتباعهم من زمرة الجهال؟!!(241/3)
شيخ الشام أسامة بن توفيق بن عبدالرحمن القصاص – تقبله الله في عداد الشهداء- من أهل الفيحاء طرابلس الشام، قد قام بمحاولات للحوار مع الأشاعرة، وبدأ دعوته في أوساط الشام، وكانت مناظراتهم معهم مفحمة، إلا حد أن أوصى كبارهم بتهديده، ومنعه من الحوار!!، بل تأمر عدد منهم لاغتياله، حتى تم لهم ذلك .. لأن الحق أبلج، والباطل لجلج .. وقبل هذا أراد أن يختم الحوارات بسجلٍ يدونه التاريخ شاهداً على إفلاسهم، وحجة دامغة تكشف زيف باطلهم، ولطالب الحق مورد وشفاء، ولأصحاب الأهواء شقاء، إنه دواء لكل أشعري فيه هذا الداء، وكلهم به قد أصابه الداء، فعاد إلى الحق في هذه المسائل جملة من أئمتهم، منهم والد إمام الحرمين الجويني –رحمه الله- صاحب الرسالة العليّة (رسالة في إثبات الاستواء والفوقية)، وتبعه عدد من أئمتهم وعلمائهم إلى وقتنا الحاضر، قد دوناها في مجموعة (العائدون إلى العقيدة السلفية)، لا شرقية ولا غربية، إسلامية سنية سلفية، من منهل الكتاب والسنة، بفهم سلف هذه الأمة ..
رسالة الجويني في إثبات الاستواء والفوقية
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=1435
العائدون إلى العقيدة السلفية
http://saaid.net/feraq/el3aedoon/index.htm
نعود للشيخ أسامة .. ويحق لي أن أمتثل ذانك البيت الرائع:
لست منا يا أسامة .. أنت من نسل الصحابة
هذه الجسارة، والنصح لهداية الأمة، لا يحملها إلا الرجال الصادقون، صدقوا ما عاهدوا الله، استناروا فأناروا، وهُدوا فهَدوا، رفع الله منزلتهم في عليين ..
الشيخ أسامة سجل التاريخ، بمدادِ القلم، ودرس الأمة، بنصح أهل الفرقة، لقد أمهر الغالية بكتابه الفاصل (إثبات علو الله على خلقه والرد على المخالفين) أو كما أسماه صاحبه (إثبات علو الرحمن من قول فرعون لهامان) ..(241/4)
لقد فتح البيان بقوله: (إنه من المصائب الكبرى ما يردده اتباع الجهمية في عصرنا الحاضر، وهو إنكار علو الله على خلقه، وإنكار استوائه على عرشه، معتمدين بذلك على عقول بعض الجهال، الذين أخذوا دينهم عن المحاولات الفلسفية والسفسطات الكلامية، وراحوا يردون دين الله بالشبهات، مما أدخل على فطر بعض الناس شوائب كثيرة، حتى اجترؤوا على كلام الله وكلام رسوله، وظنوا أن هذا تنزيهاً لله سبحانه وتعالى، وما هو بتنزيه فقد ظنوا التعطيل تنزيهاً، فعبدوا العدم، وقالوا أقوالاً، لا يجرؤ على ذكرها القلم)
لقد صاغ بعضهم أبيات فرد هذا العالم، الداعية، الخطيب، المناظر، والشاعر بعدة أبيات على نفس الوزن والقافية، يقول:
( فقد اتخذ بعضهم شيخاً لهم الذي قال مدعياً كما قال غيره:
اثنان من يعذلني فيهما *** فهو على التحقيق مني بري
حبّ أبي بكر إمام الهدى *** ثم اعتقادي مذهب الأشعري
قلت: هذا زعم منك، وإني لأقول لك:
بل أنت لا تصدقُ يا عبدري *** ها جئت بالمذموم والمنكر
إن كنت بالتعطيل له تابعاً **** قد عاد عن تعطيله الأشعري
أو كنت في شكٍّ وفي ريبة *** فانظر لهذا "كذب المفتري"
قد صور التاريخ عاراً، بدى ** في صورةٍ من صور الأعصُر
مثل المريسيِّ وجهمٍ نرى *** فيك وفي سيِّدك الكوثري)
لقد حاورهم نثراً وشعراً، بآية وحديث، ونقل وعقل، بأقوال العلماء والأئمة، ولم يجدي معهم نفعاً، عصابة غفلوا عن أمرٍ مهم، يقول القصاص عنه:
( لقد غفل الإمبراطور وعصابته، عن أن صفات الله لا تقاس بصفات المخلوقين، ولم يدركوا ما لعلوه سبحانه فوق خلقه، من آيات العظمة التي لا تحصى. فكيف يرد الدين، لقول الجاحدين الجاهلين؟!!
سبحانك ربي! هذا بهتان عظيم)
وأبان عن منهجه في الدعوة حين قال:(241/5)
(فنحن لا نحب الجدال ولا المراء، لأن الله ما غضب على قومٍ إلا أورثهم الجدل، ويعلم الله أنني عندما أسير في الطريق، أتذكر قوله تعالى: {وقل ربِّ أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون}.
ولكن الحاجة في بعض الأحيان، تستدعي المجابهة والمواجهة، ولا سيما عندما يوجد معهم، بعض المساكين، الذين يلبسون عليهم الحقائق، ويزرعون في أذهانهم الشبهات.
وبفضل الله تعالى – وهو ينصر دينه- تسقط حجبهم في كل جلسة مناظرة، الواحدة تلو الأخرى، والله يقول:
{فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون})
ثم أبان عن دائهم، كرأي الطبيب في المريض، أبان الداء، وأتبعه الدواء، حنان ورحمة وشفقة، فهو يبين ذلك قائلاً:
( وقد عرفت بحكم الاحتكاك المتواصل بهم، والممارسات المتلاحقة، أنهم لا يأخذون بظاهر النصوص، فهم يقرون بوجود الآيات والأحاديث، لكن يتأولون ذلك على غير حقيقته، الأمر الذي دفعني إلى أن أرد عليهم رداً عقلياً، يخصهم، لعلهم يرجعون عما هم فيه من التحريف، والله يعلم أنني لم أكن محباً لما خط قلمي، لميلي إلى أسلوب النصوص، ولكن الحاجة ماسة، وتستدعي مثل هذا النوع من الردود، وهو أمر بحسب الضرورة، لا سيما أن المسلم بحكم طبيعته، لا ينبغي – في حيز العلاقات- أن يخلو من رابطتين:
- رابطة العبادة، وتكون بين العبد والمعبود
- ورابطة الدعوة إلى العبادة، وتكون بين العبد والعبد.
وليس في التوحيد أنانية، حتى يستأثر العبد به دون سواه، بل عليه أن يوحد الله، وأن يدعو غيره إلى توحيده.
هذا، ولما عرفت من أنهم لا ينكرون النصوص؛ بل يؤولونها، كان الأمر مستدعياً، أن يرد عليهم ردٌّ يلزمون به، وإن كان عقلياً، والضرورة تعظم عندما يعلم المسلم أن رجوع أحدهم عن غيه، إنما هو رجوع لخلق معه؛ بل إحاله دون وقوع أناس في هذا الشرك، ن أحدهم لابدَّ من أن يدعو إلى ضلاله أناساً كثيرين)(241/6)
هكذا يبين عن منهجه، وعن دعوته، وعن سيره، وما قصده مناصحة أكابرهم، إلا رأفة بالهمج الرعاع المريدين لغير سبيل، غرهم أهل التجهيم ..
ولفت انتباه الكرام، إلى سبب تسمية الكتاب فقال:
( والسبب الذي دفعني إلى تسمية هذه الرسالة بـ(إثبات علو الرحمن من قول فرعون لهامان). هو أنني قصدت إظهار سفاهتهم، من خلال بيان شبههم لفرعون، الذي كان يرد العلو، ويكذب موسى عليه السلام.
ولقد وجدتني أمام تلعثم ظاهر وعجز كلي من هؤلاء المكابرين، كلما ألقيت على مسامعهم آية فرعون، أو قوله لهامان، مما دل على أنه لا مجال عندهم للإنكار وتعطيل صفة علو الجبار سبحانه وجل شأنه.
وليست الرسالة مقتصرة على مدلول عنوانها؛ بل فيها الكثير من الأدلة القرآنية والسنّية، وفيها أقوال مستفيضة لعلماء الأمة، فما كان اسم هذه الرسالة إلا من قبيل ذكر الخاص من العام، أو لسبب بدء الرسالة بما يحمله العنوان.
وإنني كثيراً ما أسمع من أفواه الجهال قولاً – وإن كان واضح البطلان- يظنونه مخرجاً، وهو جوابهم عن قولنا: (الله في السماء) بأن هذا مقبول، ولكن ليس هو العلو الذاتي، وإنما علو قهر وقدر.
وبالنسبة لقول فرعون، فإنه يبطل بدلالته هذا الزعم، ويؤكد أن كل منكر لعلو الله هو فرعوني بإنكاره، ففي هذا القول ما يرفع الشبهات، التي تراكمت على القلوب حتى أعمت البصائر والأبصار، ولا يبقى أما الجاحدين سوى التسليم بعلو العليم على عرشه العظيم.
ونبدأ بسوق الأدلة، فانظروا وعوا، ولا تركنوا إلى الجهل، أو تأخذكم الحمية، حمية الجاهلية، واسمعوا مرة واحدة – وهذا رجاء منا- لغير شيخكم، فالله الهادي، وهو ينير السبيل).(241/7)
وقد سرد المؤلف الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال سلف الأمة، والحجج العقلية، على إثبات العلو لله الواحد العلي .. ودونك الكتاب فهو منتشر في المكتبات .. ولعل الله يسهل لنا نشره عما قريب .. وللاختصار أربطك برسالة والد إمام الحرمين الجويني فهي توبة صادقة، ونصيحة صافية، تبعه بعدها أبنه إمام الحرمين كما في بعض الرسائل وأشرنا لها من قبل ..
ثم سرد بعضاً من مناظراته مع رؤوس الأشاعرة بالشام، فمنها:
( والمستغرب العجيب أنهم أصبحوا يتحاملون، حتى على مصابيح الأمة وأعلامها، سيراً على خطوات زعمائهم من المعتزلة والجهمية، ولا يبعد أن يصل بعضهم إلى تكفير حتى الأئمة الأربعة، فقد كنت في مناظرة معهم، فاستشهدت بما نقله العلامة ابن القيم، فقال لي متبجّح من بينهم، جاهل لا يعرف الألف من الباء: ومن هو ابن القيم؟ نحن لا نعرفه ..
فقلت له: هذا علم من الأعلام، وصاحب كذا وكذا.
فبادني بقوله: ومن هم مشائخه؟
فسبحان الله! وكأن السفيه هو الذي سيحكم عليهم، أتراه يكون إماماً في الجرح والتعديل؟!!)
(وبعضهم قال لي في مجلس آخر: كل من قال: (الله في السماء) فهو مجسم مشبه كافر.
فقلت له: هذا يقوله شيخ المفسرين الإمام الطبري.
فقال: ومن هو الطبري، إنه كافر.
قلت: والإمام مالك وأحمد بن حنبل؟
فقال: ثبت ذلك عنهما؟
فقلت: نعم.
قال: هما كافران خسيسان، أخس من النصارى، إن كان قالا ذلك.
فسبحان الله! انظر كيف آل الغلو والجرأة بهؤلاء إلى ما نطقوا ).
(حتى وقال لي بعضهم في المجلس الذي انكروا فيه معرفة ابن القيم: كيف تأخذ العلم من الكتب؟
قلت: ومن أين آخذه؟ ثم إن الأمة اعتنت بحفظ هذه الكتب عن أصحابها، وهي مخطوطة منذ أمد بعيد بأكثر من نسخة، فكيف لا آخذ منها، وقال الله تعالى: {وإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.(241/8)
فقال لي المتخرص: العلم يؤخذ من الصدور لا من السطور، ويؤخذ عن رجل صاحب سند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما طالبته باسم هذا الرجل الموجود اليوم – وأنا أعلم من يقصد- غص بقوله أمام الملأ، ولم يطق أن يلفظ اسم شيخه لكراهة الناس له، والجميل أنني في هذا المجلس أتيته بقول لغوي، فقال: من أين جئت به؟
فقلت له مستهزئاً به: من السطور.
فقال لي: يا سبحان الله، انظر وخذ من ألفية ابن مالك، ولسان العرب.
فضحكت بملء فمي ولم يدرك الناس أولُ لماذا، ثم جاوبته فقلت: وهل ألفية ابن مالك ليست بالسطور؟ أم أن ابن مالك جاء إليك خاصة، وعلمك؟
فضحك الناس من حولنا واستصغروه ...)
وفي ختام الرسالة يذكر:
( قلتُ: والله بعد سرد ما ثبت به الدليل على علو العظيم الجليل، من كتابه وسنة نبيه وقول الأئمة وسائر الأمة، أصبح مثلهم مثل الذين يقول لهم ربهم: أنا في السماء.
فيقولون: لا يا ربنا، أنت لست في السماء، لأن هذا لا يجوز عليك ولم تقبله عقولنا.
وما أجمل قول الشاعر أحمد الصافي النجفي:
يعترض العقل على خالقٍ *** من بعض مخلوقاته العقلُ
وعلى كل فنحن أخذنا ديننا عن الصحابة والتابعين، وأثبتنا الأحاديث بالتلقي عنهم، وأما هؤلاء فقد جاؤوا بأقوال حديثه مرقعة، لا شأن لها برجالات الإسلام)
(علمنا بفضل الله تعالى أن كتاب الله، هو المرجع عند الاختلاف، حيث جعله الله نوراً وهدىً، وفصل فيه الأمور، وبيَّن كل شيء، وأما هؤلاء فقد جعلوه بتأويلاتهم مصدر الاختلاف والنزاع، وسبب التمزق والتفرق، تحار عنده العقول، ويشك فيه الفحول، لكل شيء فيه معنى خلاف ما هو معهود ومعروف من اللغة التي نزل بها.
فكيف يكون مبيناً ومفصلاً وهدى ورحمة، إن كانت هذه نتائج النظر فيه؟ مع أننا نرى الله تعالى يقول في بيانه: {حم، والكتاب المبين} )(241/9)
( ونحن لا نفهم هذا القرآن إلا بلغته التي أنزل بها، وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكونان حجة إلا بهذه اللغة العربية، وبها يحسم النزاع، فسبحان الله تعالى حيث قال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} ).
(وأنصحك يا أخي بأن تدع قول الرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تضع عقلك عبداً أسيراً لما ورد عن الله تعالى وعن رسوله عليه السلام فإن الذي تجهله يوماً تعلمه يوماً آخر، ولكن ويلك من ربك إن حكمت بما عندك، أو بما في نفسك، على ما تجهله أو على ما عند الله تعالى.
وكفى بك جهلاً أن تظن بنفسك يوماً ظن العصمة، أو أن تترك حقيقة المعاني والألفاظ، التي هي في كتاب الله وفي سنة رسول الله، لاصطلاح تعلمته من فلان أو علان.
أما رأيت أمامك، كيف أن هؤلاء حملوا لواء التنزيه، وهي كلمة شريفة المقاصد، بل لا يتم إيمان من دونها، ولكن تحولت بمفهومهم إلى تعطيل الله بتعطيل أسماء وصفاته).
وقد انتهى من تدوينه حُجته الأخيرة كتابةً في اليوم الأول من شعبان 1408 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذه السنة امتدت يد الغدر والإجرام، يد المفلسين اللئام، إلى الشيخ المجاهد بالقلم أسامة بن توفيق بن عبدالرحمن القصاص – تقبله الله في عداد الشهداء- حين لم يتستطيعوا مُحاججته، أو الرد عليه، أو الغلبة عليه ولو مرة!!
وهذا ديدن أهل الأهواء .. فمن يبين ضلالهم، ويكشف عوارهم، ويقطع كذبهم واسترزاقهم من كاهل الضعفاء المغلوب على أمرهم، الأتباع الرعاع .. وحين يكثر على يده المستنيرين، ويعود بعد بيان حُجته المضللين، ويثوب إلى رشده المتشككين .. تنطلق يد الإجرام .. محاولة إخفاء الحق –وهيهات- فإن قتل أسامة فنحن كلنا أسامة!! وإن مات رجل .. فأمهاتنا لم يعقمن عن ولادة الرجال ..(241/10)
مسيرة في هذا العصر .. قضى نحبه في بيان الحق .. وكشف زيف الباطل .. وإنارة الخلق .. وقيام الحجة .. وإظهار المحجة .. وإبانة الهدى .. ودرأ الشبهات .. وقمع الكذبات .. ورد الاتهامات .. وبيان الحقائق .. الشيخ المجاهد إحسان إلهي ظهير الباكستاني .. وآية الله المهتدي أبو الفضل البرقعي الإيراني .. والشيخ المجاهد جميل الرحمن الأفغاني .. والشيخ المجاهد شمس الدين الأفغاني .. والشيخ المجاهد أسامة القصاص السوري .. والإمام المجاهد عبدالعزيز بن محمد آل سعود .. والإمام المجاهد سليمان بن محمد بن عبدالوهاب .. وغيرهم كثير رحمهم الله أجمعين وتقبلهم في عداد الشهداء ..
هذه الثلة الزكية أسرجت بدمائها نور التوحيد، وأخمدت نار الشرك والزندقة، وأخفت ملامح البدعة والضلالة، وأهوت بأصنام الجبت والطاغوت، من الأعراف والأسلاف والمشاهد وسخف العقول .. فكان دمائها طريقاً لمعرفة الحقيقة، ومصباحاً لنيل السعادة، وشعلة لأصحاب العقيدة الصحيحة .. هكذا كانوا .. ترخص النفس .. لأجل أن تحيا نفوس .. فلا حياة إلا بالتوحيد .. وإبطال التنديد ..
وليس أسامة هو مسك الختام .. بل ما زالت قافلة الدعوة تسير .. ولصوص الأجرام تحيك المؤامرات .. وتُعد الاغتيالات .. وتنشر الاتهامات .. لا وازع من يردع .. ولا سلطان لقوته الأفاك يخضع .. ولا خلق من الحياء ينفع .. فالله المستعان ..
وصلى الله على النبي الأمي الهاشمي، سيدي وحبيبي وقدوتي، بأبي هو وأمي عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
كتبها:
أبو عمر الدوسري (المنهج) – شبكة الدفاع عن السنة
في يوم النحر من عام 1425هـ
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية(241/11)
مواقع اسلامية(241/12)
الأولياء ومنهاج الكرامة بين أهل السنة وأهل الضلالة
استجابة لأحد القراء الكرام لصفحة (الصوفية في ميزان الشريعة) بالموقع الجامع [صيد الفوائد] بأن تُبيّن عقيدتنا أهل السنة والجماعة، في موضوع الكرامة، وكنت قد تصفحت سفراً جامعاً لأحد علماء الحبشة، في مجموعه الخالد [مجموع رسائل الجامي في العقيدةِ والسُّنة]، حول موضوعات شتى في العقيدة، ومنها ما يخص جوانب البلية في ديار الحبشة، وبالأخص الطرقية الصوفية، فسل قلمه لبيان الحق وإبطال الباطل في موضوع الأولياء والكرامات بكتاب ضُم إلى مجموعه بعنوان [تصحيح المفاهيم في جوانب من العقيدة] وهي ضمن الملحق، فاجتزأتُ منها الفصل الذي يَخُصُنا الحديث عنه، وإجابة لطلب الأخ الواصل المواصل معنا عبر موقعكم [صيد الفوائد]، وقد عنونت لهذا الجزء بالعنوان السابق [الأولياء ومنهاج الكرامة بين أهل السنة وأهل الضلالة]، وأذكر بأنها محاضرة ارتجالية ألقاها الشيخ وفرغت وطبعت، سائلاً المولى أن يوفق الجميع للالتزام بالهدي النبوي، ومجانبة الشطح والغلو، فديننا وسط، لا إفراط ولا تفريط، فالله الله بالسنة، وصلى الله على الهادي البشير والسراج المنير إمام المتبعين والمعتدلين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم.
أعده:
أبو عمر الدوسري (المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
--------------------------------------------------------------------------------
يقول المدرس بالحرم النبوي العلامة الدكتور محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله تعالى- تحت عنوان [الأولياء] :(242/2)
الأولياء جمع ولي. والولي من تولى الله أمره وخصه بعنايته لصلاحه لأن الله يتولى الصالحين ويحب المؤمنين ويدافع عنهم {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، وفي الحديث القدسي: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب)) .
ويعتبر الصلاح والتقوى من العناصر الأساسية في الولاية ومن مستلزماتها: العلم ونعني بالعلم معرفة الله بأسمائه وصفاته وآلائه جملة وتفصيلاً ومعرفة شرعه الذي جاء به رسوله المصطفى ونبيه المرتضى عليه الصلاة والسلام وقد تولى القرآن الكريم تعريف الأولياء بما لا يترك مجالاً للتردد أو التساؤل أو التوقف: {ومن أصدق من الله حديثاً} إذ يقول الله عزَّ وجل: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون} ويقول أيضاً: {إن أولياؤه إلا المتقون} وقد حصر القرآن –كما ترى- الأولياء فيمن يتصفون بصفة التقوى. والتقوى تستلزم العلم والمعرفة –كما قلنا- لأن حقيقة التقوى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات خوفاً من عذاب الله وسخطه وتطلعاً إلى رضائه وجنته وكرامته، ولا يتم ذلك إلا بالفقه في الدين. فالخير كله في الفقه في الدين، كما أن الشر كله في الجهل بالدين والإعراض عنه. يقول الرسول الكريم في هذا المعنى: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ولا يخفى على طالب علم المفهوم المخالف للحديث. وهو أن مَنْ لم يرزق الفقه في الدين قد فاته الخير. وماذا بعد الخير إلا الشر؟.(242/3)
هكذا بين الكتاب والسنة صفات أولياء الرحمن التي منها: العلم والمعرفة والإصلاح والتقوى. وذلك يعني أن الأولياء هم العلماء العاملون والفقهاء المبرزون، حملة كتاب الله المتبعون لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لنخلص إلى القول بأن الله لم يتخذ ولياً جاهلاً يجهل دينه وما جاء به نبيه عليه الصلاة والسلام لنقضي بذلك على الزعم الشائع بين كثير من الناس أن الأولياء هم أولئك الجهال المخادعون من الكهنة والمشعوذين من السحرة أحياناً الذين يسحرون أعين الناس ثم يتظاهرون بفعل أشياء مثيرة، وهم في الواقع لم يفعلوا شيئاً, وكثير من أولئكم الكهنة يستخدمون الشياطين أو على الأصح تستخدمهم الشياطين لتوحي إليهم. وقد تأتي لهم بأموال مسروقة فتطن العامة أنهم من أولياء الرحمن ما يخبرون به أو ما يأتي إليهم من الأموال من قبيل الكرامات وأنى لهم الكرام؟ بل الإهانة أولى بهم. حقاً ‘نهم مهانون إذ حرموا ولاية الله والأنس به ووقعوا في أسر عدو الله الشيطان فأصبحوا أولياءَه {ومن يهن الله فما له من مكرم}.
والذي أريد أن أصل إليه أنه لا تلازم بين الولاية وبين ظهور الأمور الخارقة للعادة. وفي هذا المعنى يحكى عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: "لو رأيتم رجلاً يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، لا تقبلوا منه دعوى الولاية حتى تعرضوا أعماله على الكتاب والسنة" أو كلام هذا معناه. يعني الإمام الشافعي رحمه الله أن ظهور الأمور الخارقة للعادة ليس من مستلزمات الولاية؛ بل قد لا تظهر تلك الأمور على أيدي كثير من أولياء الرحمن لأنها ليست من صنع الأولياء. وإنما هي من فعل الرب تعالى الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقد تظهر تلك الأمور على أيدي أُناس غير صالحين كما سبقت الإشارة إلى هذا المعنى وكما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله مفصلاً.(242/4)
وبالجملة فإن من رزق الفقه في الدين يدرك تماماً أن باب الولاية أوسع مما يظنه كثير من العوام وأشباه العوام الذين ضيقوا مفهوم الولاية؛ بل غيروه فحصروا الولاية في بيوت معينة أو أشخاص معينين، يتظاهرون بالدروشة، وخفة العقل، ومبادئ الجنون أحياناً ويهذون هذيان وربما أخبروا الناس في مكان الضالة وعن بعض الحوادث التي تقع في أماكن بعيدة عن أماكن وجودهم بواسطة شياطينهم التي تنقل إليهم الأخبار من أماكن بعيدة صادقة أو كاذبة هذا هو مفهوم الولاية عندهم ولا يخفى وجه خطأ هذا المفهوم، وقد استغل القوم جهل العوام فأثبتوا لأنفسهم منصباً ورائياً يرثه الأبناء عن الآباء فينتقل إلى الأبناء بطريقة أوتوماتيكية (تلقائية)، لأن القاعدة تقول كل من كان أبوه ولياً لا بد أن يكون ولياً ولا محالة. لأن الولاية عندهم غير مقيدة بقيود مكتسبة كالعلم والصلاح والتقوى؛ بل إن واقعهم على العكس من ذلك إذ يتصفون بالجهل والجرأة على الله والخروج على شرعه والابتداع في دينه وكراهة أوليائه وأهل طاعته من العلماء العاملين والدعاة الغيورين.
أقسام الأولياء
يتضح لنا مما تقدم أن الأولياء ينقسمون إلى قسمين:
1- أولياء الرحمن الذين تقدم الحديث عنهم وتولى القرآن تعريفهم وهم الذين تولى الله أمرهم ووفقهم وتفضل عليهم بالكرامات التي من أعظم أنواعها معرفة الحق وإتباعه والاستقامة التي تنتهي بالعبد إلى دار الكرامة (الجنة) نسأل الله من فضله.
2- أولياء الشيطان الذين وثقوا صلتهم بالشيطان ونظموا معه حياتهم بعد أن قطعوا صلتهم بالله أو ضعفت على الأقل إذ لا يقع العبد في ولاية الشيطان وحزبه مع قوة صلته بربه أبداً. والله المستعان.
وكما أن أولياء الرحمن تتفاوت درجاتهم عند الله، كذلك يتفاوت أولياء الشيطان في بعدهم عن الله، وذلك أمر معروف بحيث لا يحتاج إلى دليل.
الأمور الخارقة للعادة على أيدي أولياء الشيطان(242/5)
وقد أوضحنا فيما تقدم ألا ملازمة بين الولاية وبين الأمور الخارقة للعادة وأنها قد تظهر على أيدي غير الصالحين، وبقي أن نعرف حقيقة تلك الأمور، فهي تنقسم إلى قسمين من حيث الحقيقة والكنه:
1- قسم يجريه الرب سبحانه على أيديهم استدراجاً يستدرجهم بها ليزدادوا إثماً على إثمهم عقوبة لهم على جريمتهم جريمة عبادة الشيطان وطاعته واتخاذه ولياً من دون الله، يستدرجهم من حيث لا يعلمون ويملي لهم ومن يراها أنها من الكرامات فهو إما جاهل أو متجاهل مغالط لحاجة في نفسه.
2- القسم الثاني: ما يجري على أيدي بعضهم من قبيل السحر، وقد أثبتت التجربة أن كثيراً من الدجالين مهرة في السحر فكثيراً ما يسحرون أعين الناس فيقوم أحدهم بأعمال غريبة ومثيرة وخارجه على المعتاد والقانون المتبع في حياة الناس مثل أن يلقي بنفسه في النار ثم يخرج منها قبل أن تحرقه أو تصيبه بأي أذى في جسمه، ومثل أن يتناول جمرة فيأكلها كما يأكل ثمرة حلوة والناس ينظرون إليه فيندهشون، أو يمشي على خط دقيق ممدود بين عمودين مثلاً وغير ذلك من الأعمال التي يعرفها في كل من يعرف القوم، وهو في واقع الأمر لم يعمل شيئاً من تلك الأعمال؛ بل كان على حالته العادية، إلا أنه سحر أعين الحاضرين فيخيل إليهم من سحره أنه يفعل شيئاً وأنه يطير أو يذبح نفسه أو يذبح ولده وكل ذلك لم يقع ولا بعضه.(242/6)
فالطائفة الأولى المستدرجة والأخرى السحرة هم المعرفون عند السذج من عامة المسلمين أنهم أصحاب كرامات، ولما أدرك القوم أنه قد انطلى على العوام باطلهم لفرط جهل العوام وبعدهم عن الثقافة الإسلامية، استغلوا فيهم هذا الجهل وتلك السذاجة فاتخذوا الولاية المزعومة باباً من أبواب الدجل فكما يطور أهل العلم معلوماتهم، وأرباب المهن والصناعات منهم صناعاتهم حتى ينتجوا أحدث المصنوعات، كذلك يطور هؤلاء الأولياء أساليب دجلهم وخداعهم ليطير صيتهم وتزداد شهرتهم فيرتفع بذلك دخلهم وهذا الدخل هو الغاية عند القوم من دعوى الولاية والكرامة ومن الخداع المتطور.(242/7)
ومن أحدث أساليبهم المتطورة في هذا العصر أن زعم بعضهم أن هذه التكاليف الشرعية من امتثال المأمورات واجتناب المنهيات أمور مؤقتة ولها حد تنتهي إليه ثم تسقط، وزعم هذا الزاعم أنه قد وصل تلك المنزلة فسقطت عنه جميع الواجبات وأُبيحت له جميع المحرمات بحيث لا يقال في حقه هذا حرام أو حلال. أو هذا واجب وهذا مستحب. وهو يحاول بذلك أن يقتفي أثر رئيس الملاحدة وقطب وحدة الوجود ابن عربي الطائي وشاعر تلك الملة ابن الفارض ويحذو حذوهما. وتبدو الفكرة جديدة ومتطورة لدى كثير من الناس لغرابتها ولما أدخل عليها من بعض الزخرفة والزركشة حتى ظهرت الفكرة كأنها فكرة حديثة وهي في أصلها فكرة قديمة قدم كفر وحدة الوجود التي منشؤها تعطيل الصفات على طريقة الجهمية المعروفة وهي فكرة حديثة وهي في أصلها فكرة قديمة قدم كفر وحدة الوجود التي منشؤها تعطيل الصفات على طريقة الجهمية المعروفة وهي فكرة يؤمن بها كل صوفي –وللأسف- ويسعى لها بأنواع من المجاهدة في زعمهم وهو سر انتقادنا للصوفية وشطحاتهم. وما يؤخذ عليهم كثير جداً لو وسعنا التعداد، ولا يشك كل من له أدنى فقه في الدين أن فكرة وحدة الوجود ملة مغايرة للإسلام، وآخر التطورات التي علمناها في هذا الخصوص دعوى محمود محمد طه السوداني حيث زعم أن تلكم الفكرة الإلحادية التي يدعو إليها هي مضمون الرسالة الثانية من الرسالتين المحمديتين على حد زعمه، حيث زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث برسالتين اثنتين. أما الرسالة الأولى فقد بلغها، وأما الرسالة الثانية فلم يبلغها، ويعلل ذلك بقوله: إن القوم الذين بعث فيهم رسول الله أول ما بعث ليسوا على استعداد لفهمها والعمل بها لأن مستواهم العقلي لا يؤهلهم لفهمها، أما الآن وقد نضجت العقول وتقدم الفكر البشري قد آن الآوان للدعوة إليها والعمل بها إلى آخر تلك الجعجعة، المثيرة للضحك والبكاء في وقت واحد، نعم إنها تثير الضحك إذا نظرت إليها ككلام ساقط(242/8)
ليس له أي قيمة علمية وإنما هو هذيان لا ينطلي على العقلاء ومثيرة للبكاء حيث وصلنا نحن المسلمين إلى هذا المستوى من البرودة وضعف الغيرة على شريعة الله التي يتلاعب بها أمثال محمود ولا يجد رادعاً يوقفه عند حده؛ بل لا توجد غضبة إسلامية يحسب لها حساب في المجلات الرسمية والله المستعان.
ولعل بعض الحضور يحسب أنني أتحدث عن أساطير الأولين، وليس الأمر كذلك؛ بل إن صاحب هذه الدعوة حي يرزق بمقربة منا في السودان –كما قلت آنفاً ولا يزال- يعمل جاداً لهدم الرسالة الأولى، وليقيم على أنقاضها الرسالة الثانية المزعومة –لو استطاع إلى ذلك سبيلا- وفي الواقع إن الرجل مدع للنبوة؛ ولكنه لم يستطع التصريح بها خشية أن يغضب الشعب السوداني غضبة إسلامية، فتكون نهاية له. لكنه لدهائه ولباقته استطاع أن يتظاهر بمظهر المصلح المجدد؛ علماً بأنه ليس لديه أي جديد؛ بل تنحصر فكرته في عقيدة وحدة الوجود التي يرأسها ابن عربي الطائي الملقب بمحي الدين مع عاشقهم المعروف بان الفارض ومن يدور في فلكها –كما سبق أن أشرت- مع محاولة السير مع الوادي حيث ما توجه، شرق أم غرب، كعادة المحترفين باسم الدين أو التجديد.(242/9)
والمسألة في الأصل –كما قلت- نتيجة حتمية لعقيدة غلاة الجهمية الذين يعطلون صفات الرب تعالى وأسمائه حتى لا يبقى هناك إلا ذات مجردة عن جميع الصفات والأسماء التي لا يتصوره الذهن كما يتصور المحال والأمور الخيالية، وهذه العقيدة هي التي أفضت بالقوم إلى القول بالحلول والاتحاد ليتحقق وجود الله خارج الأذهان حالا في مخلوقاته ومتحداً معهم، هذا هو منشأ الحلول والاتحاد الذي هو آخر منزلة تنتهي إليها الصوفية ولها يسعون وفيها يتنافس المتنافسون منهم، وهذه الفكرة كفر باتفاق المسلمين لأنها تجعل الرب سبحانه حالا في مخلوقاته؛ بل يرى شارح الطحاوية أن فكرة الحلول والاتحاد أقبح من كفر النصارى، لأن النصارى خصوا الحلول بالمسيح وهؤلاء عمموا جميع المخلوقات، وقديماً قال زعيمهم ابن عربي:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسة
هذا ما ينتهي إليه أولياء الشيطان، وما قبل هذه المنزلة وسائل مفضية إلى هذه الغاية وما أرخصها من غاية وما أقبحها من كفر، وهو داء لا علاج له إلا آخر العلاج، وآخر العلاج الكي، فلا يردع هذا الإلحاد إلا قوة السلطان، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال عمر رضي الله عنه؛ ولكن أين قوة السلطان اليوم؟؟!! إلا ما شاء الله.
الكرامات
إذا كنا نتحدث عن الأولياء وصفاتهم وأقسامهم، واستطردنا إلى بعض تصرفات أولياء الشيطان التي يظنها بعض الناس أنها من الكرامات، وبينا أنها لا علاقة لها بالكرامة؛ إذا كنا قد تحدثنا هذا الحديث فلنتحدث الآن عن الكرامات وعن موقف الناس منها؛ بل قد استطردنا لمفهوم الكرامة لدى أتباع أولياء الشيطان وبينا تصورهم الخاطئ، فلنحصر بحثنا هنا في كرامات أولياء الرحمن وتحقيق القول في ذلك بتوفيق الله.
موقف المعتزلة من كرامات الأولياء(242/10)
انقسم الناس في مسألة كرامات أولياء الرحمن إلى قسمين: ناف ومثبت، وعرفت المعتزلة من بين الطوائف المنتسبة إلى الإسلام بنفي كرامات الأولياء بدعوى أن إثباتها يوقع في لبس إذ تلتبس الكرامة بمعجزة الأنبياء، وليس لديهم أي دليل أو شبه دليل سوى هذه الدعوى وهي دعوى كما ترى لا تنهض لمقاومة النصوص الصريحة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله. وقد ناقشهم كثير من أئمة الهدى الذين عرفوا بمناضلة أهل البدع والهوى، وفي مقدمتهم الإمام ابن تيمية في كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" وكتاب (النبوات). كما ناقشهم الإمام الشوكاني في بعض رسائله مثل رسالته التي سماها "بحث في الاستدلال على ثبوت كرامات الأولياء" ومن أراد الاطلاع على شبههم ودحضها فليراجع تلك المراجع.
موقف أهل السنة من كرامات الأولياء
أما أهل السنة فقد أجمعوا على إثبات كرامات الأولياء اعتماداً على النصوص التي سنذكرها الآن إن شاء الله، وفي الإمكان سرد كلامهم والوقائع التي ذكروها ولكني أرى الاكتفاء بما جاء في كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد نضيف إلى آيات الكتاب ما صح عنه عليه الصلاة والسلام في السنة المطهرة فنكتفي بذلك لأن فيها الغنية لمستغن، وقد قص الله علينا في كتابه العزيز عن صالحي المؤمنين الذين لم يكونوا أنبياء وكراماتهم المتنوعة، فلنستمع إلى هذا النموذج من كراماتهم:
أ - قصة أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وثبتوا على إيمانهم وسط تلك البيئة الكافرة بعيدين عن المداهنة وقد قص القرآن علينا قصتهم البطولية إذ يقول الله عز وجل: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً} إلى أن قال وهو يصفهم بالإيمان والهدى والثبات: {نحن نقص عليك نبأهم إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً}.(242/11)
فطبيعي أن هذا ليس موقف أناس عاديين ولكن الله كرمهم بالإيمان والثبات على الهدى فصارحوا جبابرة قومهم: بأنهم لا يدعون مع الله أحداً وهو إعلان بالكفر بآلهة قومهم مع الثبات على الإيمان بالله وحده وهذه كرامة وأي كرامة.
ب - قصة مريم التي حكاها القرآن إذ يقول الرب تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً} إلى آخر الآية يقول في موضع آخر: {وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً}.
ج- قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، وقصتهم معروفة لدى جمهور الحاضرين وهم أولئك الذين خرجوا في سفر ما ولما أدركهم الليل دخلوا غاراً في الجبل فوقعوا في حيرة من أمرهم فتشاوروا فقرروا أنه لا ينجيهم مما هم فيه إلا الالتجاء إلى الله فيدعونه بالأعمال الصالحة التي عملوها مخلصين له، فتوسل أحد هم إلى الله ببر الوالدين إذ كان له أبوان شيخان كبيران وكان يحسن إليهما ويبرهما كأحسن ولد، ومن بره بهما كان لا يتناول عشاءه قبلهما هو وأولاده، وكان عشاؤهم حليب الإبل، ومن عادته أنه يقدم لهما عشاءهما في وقت مناسب، وفي ذات ليلة نأى به طلب الشجر لإبله، وجاء بعشائهما في وقت متأخر من الليل فوجدهما قد ناما، فكره أن يوقظهما خشية أن يقطع عليهما نومهما فيعكر راحتهما، كما لم يستحسن أن يتناول عشاءه قبلهما هو وأولاده، فظل واقفاً على رأسهما رجاء أن يستيقظا في أثناء الليل ولم يستيقظا إلى أن أصبح وهو واقف والحليب في يده، فتذكر هذا العمل الجليل فدعا الله به فأكرمه الله وأجاب دعوته فنزلت الصخرة قليلاً حتى دخل لهم الهواء فطمعوا في الخروج.(242/12)
وأما الآخر فتوسل إلى الله بعفته والخوف من الله، وملخص قصته أنه كانت له ابنة عم، وكان يحبها كأشد ما يحب الرجل امرأة، فراودها فامتنعت ورفضت طلبه إلى أن ألجأتها الحاجة إليه، فقدم لها مبلغاً من المال يقدر بمائة وعشرين ديناراً تقريباً مساعدة لها، وسداً لحاجتها، فأعاد المراودة بعد هذا الإحسان –فطالما استعبد الإحسان إنساناً- وألح في طلبه طبعاً، وأخيراً وافقت على تحقيق رغبته تحت إلحاحه وتأثير الإحسان ونفسها غير مطمئنة بالمعصية فمكنته من نفسها فقعد منها مقعد الرجل من المرأة، فصرخت في وجهه قائلة: اتق الله يا عبد الله، لا تفض الخاتم إلا بحقه –تعني- إلا بنكاح وبطريقة شرعية، هكذا ذكرته بالله، فتذكر لأنه مؤمن، {فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فقام من مقعده ذلكم فوراً مالكاً نفسه قاهراً شهوته وهو موقف صعب كما ترون.
هذا ملخص قصة صاحب العفة، فقال وهو في الغار اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فأجاب الله دعوته وأكرمه بكرامته فنزلت الصخرة مرة أخرى، بيد أنهم لا يقدرون على الخروج؛ ولكن أملهم صار أقوى في الخروج من ذي قبل ولا شك.
وأما الثالث: فتوسل إلى الله بحفظ الأمانة إذ عمل عند أجراء كثيرون فأخذ كل أجير أجرته فذهب إلا واحداً منهم فترك أجرته، وبعد مدة طويلة جاء فطلب أجرته، فقال له: إن كل ما تره من الإبل والبقر والغنم من أجرتك لأني نميتها لك لما طال غيابك خشية أن تضيع، ولم يصدقه؛ بل قال: لا تستهزئ بي يا عبد الله، فقال له: لست مستهزئاً بك، وإنما الواقع ما قلته فسق مالك، فأخيراً أخذ أمانته بنمائها وزيادتها.
فقال الذي حفظ الأمانة، وهو يتوسل إلى الله بعمله هذا: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأخرج عنا ما نحن فيه، فأجاب الله دعوته وأكرمه بإخلاصه وصدقه، فنزلت الصخرة فخرجوا يمشون، وهذا ملخص قصة الثلاثة.(242/13)
ومما يدل على ثبوت الكرامات من السنة قوله عليه الصلاة والسلام: ((رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره))، وقصة أسيد بن حضير وعباد بن بشر الأنصاريين وملخصها: أنهما كان عند النبي عليه الصلاة والسلام: في ليلة ظلماء فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئهما فلما افترق بهما الطريق أضاءت عصا الآخر، فمشي كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله، والقصة في صحيح البخاري في كتاب مناقب الأنصار.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيمن قبلكم من الأمم أناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد منهم فإنه عمر))، وفي لفظ: ((لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر)).
واكتفي بهذا المقدار من نصوص الكتاب والسنة التي تثبت دون شك كرامات الأولياء وهناك نصوص أخرى كثيرة مرفوعة وموقوفة، وكلها تثبت لكثير من الصحابة رضوان الله عليهم من كرامات أكرمهم الله بها، ومن راجع كتب الحديث وكتب السير يرى الشيء الكثير من الوقائع في هذا المعنى، وإذا كان كذلك فلا حاجة بنا إلى سرد قصص أو روايات لإثبات كرامات الأولياء من أقوال التابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم الناس هذا ليقيني الذي لا يخالطه شك بأنكم أكثر تطلعاً إلى سماع النصوص منكم إلى سماع القصص والحكايات والروايات وهو موقف محمود تغبطون فيه ولله الحمد والمنة.
وبعد لعلي وصلت بهذه المحاولة إلى بيان التصور الصحيح في مسألة الأولياء وكراماتهم على ضوء الكتاب والسنة كي يتبين الحق من الباطل والحق أبلج والباطل لجلج وهو وسط بين التفريط والإفراط.
الموقف السليم من الأولياء(242/14)
إذا كنا قد تحدثنا عن الأولياء والكرامات، وأثبتنا الولاية بشكل واضح، ودعمنا حديثنا بنصوص الكتاب والسنة، ثم أثبتنا الكرامات كذلك إثباتاً يعتمد على الكتاب والسنة، بقي أن نفهم ما هو الموقف السليم في معاملة الأولياء في نظر الإسلام؟ وقبل أن أجيب على هذا التساؤل استحسن أن أوضح السبب المثير لهذا التساؤل، وذلك هو موقف جمهور المسلمين المحزن من الأولياء وهو الغلو في الصالحين الذي يصل أحياناً إلى حد العبادة، بدعوى المحبة والتقدير، ومن يذهب إلى تلك الأضرحة المنتشرة في أكثر عواصم المسلمين ومدنهم يرى عدداً كبيراً من المسلمين معتكفين عند تلك الأضرحة ليتبركوا بها أو بأصحابها وربما وصل هذا التبرك إلى حد الطواف بالضريح؛ بل حد السجود على عتبة باب الضريح، والأدهى والأمر أن يجد هذا السادن الذي يسجد لغير الله ولا يلهج لسانه إلا بذكر صاحب الضريح من يفتي له بجواز ذلك وأنه ليس من باب الشرك، وإنما هو باب محبة الصالحين أو التوسل بهم، وهذا المفتي أو الفتان على الأصح معدود من علماء المسلمين المشار إليهم، والله المستعان وإليه المشتكى.
إنه لموقف خطير! العامي يقع في عبادة غير الله جهلاً، والعالم يفتي بجواز ذلك ويجد له تفسيراً وتأويلاً وتخريجاً، وخطورته تأتي من حيث أصبح الولي نداً لله في هذا التصور وشريكاً له في استحقاق العبادة باسم المحبة أو التبرك بفتوى ممن ينتسبون إلى العلم ويجهلون حق الله على عباد الله، أعود فأقول: هذا الموقف وهذا التصور الذي يسود صفوف العوام وأشباه العوام هو الذي أثار تساؤلي.
ما هو الموقف السليم من الأولياء؟؟!!(242/15)
فأما الجواب عليه: أن الموقف السليم هو عدم الغلو فيهم مع عدم الجفاء والاستخفاف بهم وإيذائهم؛ بل الواجب محبتهم في الله وموالاتهم، ولك أن تطلب منهم الدعاء في حياتهم ويسمى الاستشفاع بهم، أو التوسل بهم. ويجب أن نفرق بين محبتهم في الله ومحبتهم مع الله، فمحبتهم في الله عمل صالح، وأما محبتهم مع الله فعمل غير صالح؛ بل هو يريد الشرك أو الشرك ذاته. ويختلف ذلك باختلاف ما يقوم بقلب العبد، وسر التخبط لدى كثير من المسلمين والخلط في عبادتهم هو عدم التفريق بين الحقوق مما جعلهم يصرفون كثيراً من حقوق الله على العباد للعباد أنفسهم.
الحقوق الثلاثة
إن الدارس لكتاب الله وسنة رسول الله، والفاهم لمعنى كلمة التوحيد حق فهمها يستطيع أن يستنتج الحقوق الثلاثة التي يأتي شرحها، ومعرفة تلكم الحقوق تحدد للعبد السير إلى الله والدعوة إليه على بصيرة قبل أن يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ويخرج عن الصراط المستقيم ويتخبط في بنيات الطريق.
1- حق الله على عباده وهو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً في عبادته، وذلك بعد تصور مفهوم العبادة بأوسع نطاقها، وقد وجه النبي عليه الصلاة والسلام سؤالاً إلى معاذ ذات مرة هكذا: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله)) ولم يسع معاذاً إلا أن يقول: الله ورسوله أعلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام –بعد أن أثار انتباهه ولعلها المقصود، من السؤال- قال: ((حق الله العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) الحديث، وهو معنى قولنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
2- حق الرسول على أتباعه الذي يؤخذ من قولهم أشهد أن محمداً رسول الله، وحقيقة ذلك محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام المحبة الصادقة التي تثمر الطاعة والإتباع وعبادة الله بما جاء به فقط، وهو المعنى الذي يشير إليه الحديث الشريف: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده والناس أجمعين)).(242/16)
3- حقوق عباد الله الصالحين تلك الحقوق التي نستطيع أن نستنتجها من قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((ومن عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب))، وغير ذلك من النصوص الكثيرة.
فمعرفة هذه الحقوق، ثم إعطاء كل ذي حق حقه أمر له أهميته ولا سيما حق الله على عباده، تجب العناية به علماً وعملاًُ لأنه الغاية التي من أجلها خلق الإنسان والتقصير في هذه الغاية ذنب لا يغتفر إلا لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً.
وهذا التقصير واقع من كثير من المسلمين –مع الأسف الشديد- وهو سر اختيارنا لهذه النقطة ضمن النقاط الثلاث، رجاء أن ننبه إلى هذا الخلط الشائع بين جمهور المسلمين من إدخال بعض الحقوق في بعض؛ بل وصرف كثير من حقوق رب العالمين لعباد الله الصالحين بدعوى محبتهم كنتيجة لهذا التقصير، والله المستعان.أهـ كلامه بتمامه.
ولقد رأيتُ أن أتم هذه الدرة العقدية الغالية بنقلٍ مباركٍ عن أئمة الدعوة السلفية في هذا القرنين الماضيين، وقد استفدناه من الشيخ د- عبدالعزيز العبداللطيف من كتابه الرائع دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حيث ينقل:
(وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله) (1).
ويقول أيضاً:
(وقوله: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } (2) إلى آخره. هذا وحي إلهام، ففيه إثبات كرامات الأولياء) (3).
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الواجب في حق أولياء الله الصالحين فيقول: (.. الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين) (4).
ويؤكد أتباع الدعوة – من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – هذا الاعتقاد ويقررونه.(242/17)
فنجد أن الإمام عبد العزيز الأول يشير إلى حقوق أولياء الله، مع بيان الفرق بين الولي الحق، وبين مدعي الولاية – كذباً وزوراً – فقال رحمه الله:
(وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم، ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو عز وجل، فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس.
هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين كظهور اتباع سنة وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل، وليس شكلاً مخصوصاً وجمع الطبول والبيارق، وأكل أموال عباد الله ظلماً وادعاءاً، ورغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأحكام شرعه)(1).
وبين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بعضاً من حقوق الأولياء.. لكن دون الغلو فيهم فيقول رحمه الله:
(ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم، مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات، لا حال الحياة، ولا بعد الممات بل يطلب من أحدهم الدعاء في حالة حياته، بل ومن كل مسلم) (2).
وينص الشيخ عبد العزيز الحصين على ما قرره أسلافه فيقول – بياناً لحق الأولياء -:
وحق أوليائه محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكرامتهم، لا عبادتهم ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تبارك وتعالى ويدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه أو رفعه إلا الله، لأنه عبادة مختصة بجلاله سبحانه..) (3).
وقد سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن كرامات الأولياء، فأجاب على ذلك فكان مما قاله:
(مسئلة: كرامات الأولياء حق، فهل تنتهي إلى إحياء الموتى وغيرها من المعجزات ؟.(242/18)
(الجواب: كرامات الأولياء حق عند أهل السنة والجماعة، والولي أعطي الكرامة ببركة اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا تظهر حقيقة الكرامة عليه، إلا إذا كان داعياً لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم بريئاً من كل بدعة وانحراف عن شريعته صلى الله عليه وسلم، فببركة اتباعه يؤيده الله تعالى بملائكته وبروح منه..) (4).
ويشير محمود شكري الألوسي – رحمه الله – إلى وجوب الإيمان بكرامات الأولياء، فيقول:
(وأما الجواب عن مسألة الكرامات فيقال: إن كرامات الأولياء حق لا شبهة فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة، ولشيخ الإسلام قدّس الله روحه كتاب جليل في ذلك سماه الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن)(5).
ويوضح الشيخ سليمان بن سحمان معتقدهم في كرامات الأولياء، فيقول في كتابه (الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد):
(واعلم أننا لا ننكر الكرامات التي تحصل لأولياء الله، إذا صدرت على القانون المرضي والميزان الشرعي، فإن أولياء الله هم المتقون المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيفعلون ما أمر به، وينتهون عمّا نهى وزجر.. فيؤيدهم الله بملائكته وروح منه ،ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين..)(6).
ويقول ابن سحمان في قصيدته (عقود الجواهر واللئالي في معارضة بدء الأمالي)، حيث تحدث عن كرامات الأولياء، وبيّن أن خوارق العادات إما أن تكون أحوالا شيطانية، أو كرامات فقال رحمه الله:
وكل كرامة ثبتت بحق *** فحق للوليّ بلا اختلال
نوال من كريم حيث كانوا *** بطاعة ربهم أهل انفعال
وليس لهم نوال أو حباء *** لمن يدعوهمو من كل عال
وإن الخرق للعادات فاعلم *** على نوعين واضحة المثال
فنوع من شياطين غواه *** لمن والاهمو من ذي الخيال
ونوع وهو ما قد كان يجري *** لأهل الخير من أهل الكمال
من الرحمن تكرمة وفضلا *** لشخص ذي تقى سامي المعالي(242/19)
ولكن ليس يوجب أن سيدعى *** ويرجى أو يخاف بكل حال
فما في العقل ما يقضي بهذا *** ولا في الشرع يا أهل الوبال (1)
ونختم هذه النقول النفيسة بما أورده الشيخ عبد الله بن بلهيد – رحمه الله – في خطابه الذي ألقاه أثناء الاجتماع بين علماء نجد وعلماء مكة المكرمة، فقال – ذاكرا حقوق أولياء الله -:
(وكذلك أولياء الله تجب محبتهم، والإقرار بفضائلهم على اختلاف مراتبهم، وما يجريه الله على أيديهم من الكرامات، وخوارق العادات، ولا ينكر كرامات الأولياء إلى أهل الله، لكن يجب أن يفرق بين أولياء الله وغيرهم فإن أولياء الله هم المتقون العاملون لله بطاعته، كما قال تعالى في وصفهم { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون..) (2)
فمن كان مؤمناً تقيا كان لله ولياً ليس إلا..) (3)
من خلال هذه النقول نلاحظ أنها متفقة على إثبات كرامات الأولياء، والإقرار بها، ومتفقة على وجوب محبتهم والاعتراف بفضائلهم ومناقبهم. كما أنها توضح أن الولي لله – حقاً – هو من كان مؤمناً متبعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فليست الولاية مجرد لبس زيّ مخصوص، وإسبال الإزار، وإطالة السبحة، ومد اليد للتقبيل، مع ترك اتباع السنة النبوية..
وهذه النقول تؤكد النهي عن الغلو في الأولياء، فلا يجوز صرف شيء مما يستحقه الله تعالى لهم، فحق الأولياء هو المحبة والتقدير وإثبات الكرامات لهم فلا جفاء في حقهم وليس من حقهم أن تصرف بعض أنواع العبادة – التي يجب أن تكون لله وحده – لهم، فلا غلو في قدرهم
فاختار أئمة الدعوة –بهذا المسلك – دين الله الذي هو وسط بين طرفي في الغلو والجفاء.
http://saaid.net/monawein/sh/10.htm
---
(*) للاطلاع على الهوامش والتعليقات حمل كتاب دعاوى المناوئين على ملف وورد من هذه الصفحة
http://saaid.net/book/open.php?cat=7&book=980
إعداد وجمع :(242/20)
أبو عمر الدوسري (المنهج) – شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(242/21)
الإشعار بعلل أثر مالك الدار
أبو عمر الدوسري (المنهج)
الحمد لله الجليل ، من أمر بدعائه وحده دون ندٍ من وليٍ أو رسول ، وصلاة وسلام على الهادي للحق المبين ، والمُتوعد بالنار لمن كذب عليه أو استشهد بحديث كذب فهو أحد الكاذبين ، وعلى آله المتبعين ، وصحابته الأخيار المبجلين ، أما بعد:
فقد قرأت ما سطره أحد الصوفيين في أحد مواضيعه في اسشهاده على استغاثاته الشركية بأثرٍ يرويه مالك الدار ، وكان محط نظرة ما أُعل بجهالة مالك الدار ، وأخذ يثلم بالإمام المحدث الألباني رحمه الله لأنه قال هذا الأمر ، واستشهد بكلام لبعض القبورية ، ولا يعدو عمله (القص واللصق) ، وقد رأيت أن أبين علل هذا الحديث ، ورأيت أن يكون الرد عاماً لأن الشخص المردود عليه تأكد لدي جهله وضحالة تفكيره .. وقد رددنا من قبل على صاحبه الذي ولى هارباً ولم يُعقب .. وقد رددنا من قبل عليه ولم نره في ذاك الموضوع ..
& كشف الستار بأكذوبة تبرك الشافعي التي نقلها بشار &
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/15.htm
رد الشبهة الواهية وبيان الحقيقة الواضحة،في قوله تعالى: {قال الذي عنده علم من الكتاب}
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/16.htm
مع تأكيدي بأن خلافنا مع هؤلاء ليس في حديث صح أم لم يصح ؛ بل خلافنا أكبر ، خلافنا في مصدر التلقي وكيفية التلقي .. ولكن ليهلك من هلك على بينة ويحيا من حيي على بينه نُثبت الرد ..
( رواية استسق لأمتك:(243/2)
عن مالك الدار "أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقون وقل له عليك الكيس الكيس"
1- فيه اضطراب:
مالك الدار مجهول الحال ، إذا شاهدنا له بالثقة لم نشهد له بالضبط.
2- وأما ما جاء في رواية سيف بن عمر الضبي أن الرجل هو بلال بن الحارث فهذا مردود:
فإن سيفاً هذا زنديق بشهادة نقاد الحديث وكان يضع الأحاديث.
قال ابن أبي حاتم "ضعيف" [الجرح والتعديل 4/278]
" ورماه ابن حبان والحاكم بالزندقة " [تهذيب التهذيب 4/295]
3- أن الرواية ليست متواترة ، وقد عاهد الأشاعرة ألا يأخذوا بالآحاد في العقائد.
4- أن البخاري اقتصر على قول عمر " ما آلو إلا ما عجزت عنه " [التاريخ الكبير 7/304 رقم 1295] . ولم يذكر مجيء الرجل إلى القبر. وهذه الزيادة دخلت في القصة وهي زيادة منكرة ومعارضة لما هو أوثق منها مما رواه البخاري في صحيحه في ترك جمهور الصحابة التوسل بالنبي إلى التوسل بالبعاس.
5- أو يرضى مسلم أن يقول: إن هذا الرجل المجهول كان أشد تعظيماً ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة بسنته من عمر الذي أخرج جمهور الصحابة إلى الصحراء ليشهدهم على ترك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتوسل بدعاء العباس ويقرونه على ذلك.
6- أن الرواية لم تذكر أن الرجل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ، فالرجل مجهول والذي أتاه في المنام مجهول ، وربما كان هاتفاً من الجن.
7- أن المنامات لا تقوم بها حجة في العقائد ، فما لهؤلاء القوم يرفضون الاستسدلال بالآحاد في العقائد ولو كان في صحيح البخاري بينما يحتجون بالمنامات لإثبات عقائدهم )
من موسوعة أهل السنة 1/219 للشيخ الفاضل عبدالرحمن دمشقية حفظه الله(243/3)
وقد قرأت في كتاب [ وجاءوا يركضون .. مهلاً يا دعاة الضلالة ] للشيخ الفاضل أبو بكر جابر الجزائري حفظه الله يقول:
( قلت: سبحان الله ، كيف يصحّ هذا الأثروهو يناقض أكبر أصل من أصول الدين ، ألا وهو توحيد القصد والطلب ، إذ جاء فيه سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره أن يستسقي لأمته.
ونظراً لمنافاة هذا الأثر لأصول الدين ، اتصلت بمحدث المدينة وعالمها اليوم أبي عبدالباري الشيخ حماد الأنصاري ، فسألته ، فقال: على الخبير وقعت ، إنهذا الأثرقد تتبعته في مصادره ، ودرست سنده ، فوجدته باطلاً ، لا يقبل سنداً ولا متناً ، وبيان ذلك:
1- أن في سنده الأعمش ، وهو معروف بالتدليس ، ولذلك فإن حديثه لا يُحتجُّ به ما لم يصرح بالسماع.
2- مالك الدار ، والذي عليه مدار هذا الأثر مجهول ، سكت عنه البخاري ، كما سكت عنه ابن أبي حاتم ، والقاعدة عند علماء الحديث أن من سَكَتَ عنه البخاري وابن أبي حاتم فهو مجهول غير معروف ، لقول ابن أبي حاتم في كتابه [ الجرح والتعديل ] : من سكتُّ عنه فإني لا أعرفه.
وقد سكت عن مالك الدار هذا.
3- سيف الضبيّ ، وهو الذي ذكر أن رجلاً أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، وهو يعني بالرجل بلال بن الحارث رضي الله عنه ، سيف هذا كذاب متهم بالزندقة ، قال فيه ابن أبي حاتم: سيف متهم بالزندقة ، وأحاديثه منكرة.
وسند يقوم على مدلس ، ومجهول ، وكذاب متهم بالزندقة ، كيف يقبل أثر ورد به؟ هذا أولاً.
ثانياً: كيف يقبل أثر يجيز سؤال الأموات ، وهو هدم لأعظم أصل من أصول الدين ، وهو التوحيد.
وثالثاً: أن هذا الأثر لا يعدو كونه رؤيا منامية ، والرؤى لا تثبت بها الشرائع والأحكام ، اللهم إلا أن تكون رؤيا الأنبياء ، لأنها من الوحي.(243/4)
وبهذا تكسّر الرمح الوحيد الذي كان بأيدي الراكضين ، يدافعون به لإثبات البدع وتقرير الضلالات ، وبقوا يخمشون بأظفارهم ، ويعضّون بأسنانهم. وأنّى لهم أن يَههزِموا جيوش الحق بأظفار القطط ؛ وأسنان التماسيح!! )
قلتُ:
جزى الله المشايخ خير الجزاء على هذا البيان .. والسؤال إلى متى يضل دُعاة الضلالة يتبعون الأهواء؟!!
ألم يقل الله في مُحكم تنزيله { وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً } فلما تدعون مع الله أحد؟!!
لما طلب الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من العباس رضي الله عنه أن يستسقي ولا يطلب ذلك من النبي عليه الصلاة والسلام؟!! لأنه متبع ويعلم بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد مات!
يقول الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف -حفظه الله- في فتوى [ قصة استسقاء النبي بعد موته ] :
( أن رجلاً أتى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم-..."إلخ، وهذا الرجل –كما هو ظاهر القصة- مجهول العين والحال، فلا يمكن الالتفات إلى تصرف رجل مجهول العين والحال والإعراض عن النصوص الصريحة الصحيحة الآمرة بدعاء الله وحده والناهية عن دعاء غير الله –تعالى-، وسؤال الموتى الدعاء –كما في تلك القصة- إن لم يكن شركاً فهو وسيلة إلى الشرك وذريعة إلى الاستغاثة بالأموات، وإذا كان ابن كثير قد ساقها في تاريخه فلا يعني صحة القصة فضلاً عن مشروعية ذلك الصنيع، فالعبرة بالدليل والبرهان، وننصح الأخ السائل بقراءة كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) لابن تيمية و(الصارم المنكي) لابن عبد الهادي، و(التوصل إلى حقيقة التوسل) لمحمد بن نسيب الرفاعي، و(التوسل) للألباني.(243/5)
ولا يجوز دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم، فإن الدعاء حق لله –تعالى- وحده لا شريك له، فمن دعا الأموات فقد أشرك بالله كما قال –تعالى-:"وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 14].
ومن دعا الأموات فقد قصدهم وتعلَّق بهم، فلا يتصور أن دعاة الموتى قد حققوا الصمدية لله –تعالى-.
وأما الكرامة فتحصل لأهل الإيمان والولاية، وقد لا تحصل لهم، كما أن الكرامة قد تحصل لضعيف الإيمان حتى يقوى إيمانه، والعبرة بلزوم الاستقامة وتحقيقها، والله أعلم )
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(243/6)
الإلجام على المدعو (العسيري) المحرف لكلام الشيخ الإمام ومن بعده من جمهور الجفري اللئام
أبو عمر الدوسري(المنهج)
في أحد المنتديات وجدت أحداً لقب نفسه بالعسيري تزويرا لأن المنتدى لأهل الجنوب..
الأهم بأن هذا الرجل سرق وحرف على تحريفات المحرف السابق كما يتبين لك بعد قليل ..
ووضعي للرد هنا لسبب جوهري وهو رد أقوال هؤلاء وشبههم ..
العضو المتسمي بـ(ـالعسيري) حفظه الله...
للأسف أنك تسميت بأسم قبيلة سنية سلفية لا تفرح بأفكار روجها من جديد الاستعمار،هذه القبيلة الأبية تأبى أن تكون موالية لفكرٍ أشل وعقيدة متناحرة،بين فرق وطرق ضالة جمعت بشكل لا يجتمع ..
أن عائلة العسيري هي أكبر من أن يكذب عليها بتزوير الحقائق بكلماتٍ قصت لهوى..وإلا عائلة العسيري عائلة تعرف أن واقع الصوفية وقد قرأت رسائل الأئمة في العقيدة وأتضح أن الاستغاثة والحلف بغير الله والمدد من غير الله..
باختصار هي عائلة شريفة أسمى من أن تسرق وتنسب السرقات لنفسها حتى ترتيب صاحب الشهوة والهوى قد سايره..
إن المدعو (العسيري) الصوفي -ومن خلال معرفة بأن الصوفيون هذه طراقهم- قد سرق فكرة عبدالحفيظ بن ملك عبدالحق.. ولا أدري هل يصح أن يسمي والده بملك؟؟!!لكن ربما للصوفية رأي في تعبيد أسماء الله!!!
أقول اقتطف منها المقالات المقصوصات من هذا القارئ المتتبع بشهوة موافقة هواه..
والسؤال ما رأي الشيخ:
في الأول فإن كلام الشيخ فيه أن الصوفية أخذوا جانب العبادة وليس تزكية لهم بل أنهم مشغولون بالعبادة وصوفية الزمن الماضي كانوا يسمون بالعباد والزهاد وإن اختلفوا هذه الأيام كثيراً عن ذلك وافترقوا -وكانوا مفترقين -أكثر وأكثر..
والسؤال هل عبادتهم صحيحة؟؟!!
هنا يحتاج الأمر إلى نظر ومن طريقة إلى طريقة ومن طريقة في طريقة في طريقة يجب أن ننظر لنكون في إنصاف..وإلا تُكلم بوجهٍ عام عن الصوفية من الملامح الخارجية الأكثر اشتراكاً..(244/1)
وهذه الكلمة ليس فيها أي تزكية فهم أخذوا بجانب من الدين وهو العبادة ونسوا العلم ولذلك جهلوا فضلوا وأضلوا..ولله دُر الشيخ حين كان ذا بصيرة واضحة فوصف الداء والدواء فهل يستفيد أهل الأهواء؟؟!!!أتمنى أن يستفيدوا ولكن قراءة المدعوا (العسيري) أو عفواً عبدالحفيظ عبدالحق قراءة عوراء كعادة أصحاب الأهواء..
وهذه هي فائدة جليلة أتمنى أن يستفيد منها أهل الأهواء في علاج أمراضهم من كلمات الأئمة البليغة..
والشيخ كان قد بين وأوضح بجلاء -واقع الذين غلو فوقع بعض منهم في الشرك والآخرون في البدعة- علاج أمراضهم في كشف الشبهات والتوحيد وغيرها من الرسائل المفيدة..ولم يكن الشيخ كثير الكلام بل جُل رسائله ككتاب التوحيد وغيره الصل فيها والأساس والصدر بقال الله وقال رسوله وقال الصحابة ..وكما قال ابن القيم الجوزية عليه رحمات رب البرية:
العلم قال الله قا رسوله .... قال الصحابة هم أولا العرفان
ما العلم نصبك للخلافِ سفاهةً ..... بين الرسول وبين قولِ فقيهِ
وأما الرسائل وهي التي لم يظفر بها صاحبك ففيها شفاء وتعليق على كل متفيقهِ وناعقٍ يرد كلام الله ورسوله بقول أقطابهم كالشاذلي والنقشبندي وغيرهم..
والحجة الحجة بالدليل..
والأسماء والأوصاف والألقاب لا يجوز التحزب والتعصب لها..فكيف باسم المهاجرين والأنصار العظيمين والذي جاء ذكرهما في القرآن ومع ذلك سما تلك الدعوى جاهلية..
ولا مشاحة في الاصطلاح حتى نرى ما اصطلحتم عليه هل يوافق السنة أم يخالفها؟؟!!
وبهذا أشد أن البيان فيه شفاء،لمن طلب الدواء من هذا الداء،الذي أصاب أهل الأهواء،والسرقة بغباء.
وسأقتس من كلامك كلام الشيخ الأول فإنه متين:
اقتباس:
فهذاه اقوال مجدد القرن شيخ الاسلام محمد عبدالوهاب رحمه الله في موضوع التصوف تحريت فيها الدقة والمرجعية سائلا المولى ان اكون وفقت في ذلك
جاء في القسم الثالث من مؤلفات الشيخ محمد عبد الوهاب جزء فتاوى ومسائل(244/2)
قام بجمعها وتصحيحها ومقابلتها على اصولها الشيخ صالح بن عبد الرحمن الطرم
ومحمد بن عبدالرزاق الدويس في الصفحه رقم 31 المسأله الخامسه
سئل رحمه الله عن مسائل مفيده فأجاب :
( اعلم – أرشدك الله - أن الله سبحانه وتعالى بعث محمد صلى الله وعليه وسلم بالهدى
الذي هو العلم النافع , ودين الحق الذي هو العمل الصالح .
اذا كان من ينتسب الى الدين : منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء
ومنهم من يتعانى العباده وطلب الاخره كالصوفيه .
فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين .
أعوذ بالله أنظر للتدليس والتحريف على الشيخ في هذا التعليق:
اقتباس:
النوعين : اي الفقه والتصوف كما هو واضح من عبارة الشيخ رحمه الله)
أنظر أيه الفطن كلام الشيخ وتحريف المحرف..
فالشيخ يقول لو جمع الأمرين أينعي التصوف أو أتى به..بل قال الجمع بين العلم والعبادة!!فألحظ مصاريف القوم..
ثم هذه أمثلة للخطأ الواقع فكيف تجمع المثال؟؟!!
دقق -أيها الحبيب- في تحريفات أهل الأهواء..وهذا ليس بجديد فشيخهم شيخ المحرفين ازاهد الكوثري وعبدالفتاح أبو غده تلميذه لهم السبق في هذا..
أما مقطعك الثاني فهو عين المراد،فلنقرأ كلام الشيخ:
و جاء في القسم الثاني من مؤلفات الشيخ محمد عبدالوهاب (الفقه) المجلد الثاني صفحة 4 في رسالة (اربع قواعد تدور الاحكام عليها) يقول فيها :
اقتباس:
(اعلم رحمك الله ان اربع هذه الكلمات مع اختصارهن يدور عليها الدين سواء كان المتكلم في علم التفسير او في علم الاصول او في علم اعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك او في علم الحديث او في علم الحلال والحرام والاحكام الذي يسمى علم الفقه او في علم الوعد والوعيد او في غير ذلك من انواع الدين .... الخ)(244/3)
وهذا كلام جميل..وهو ما يدعوا لهم علماء أهل السنة والجماعة أصحاب العقيدة السلفية بأن التزكية مطلب ولشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله رسالة عظيمة في هذا فلا تفتك عليك..
ولبعض الأئمة والعلماء جهد فاضل..
وأخرهم شيخ سني من أنصار السنة في مصر ألف رسالةً عظيمة القدر نافعة جد نافعة سماه (البحر الرائق في الزهد والرقائق) للشيخ أحمد فريد.
وغيرها من الأمور التي فيها شفاءٌ للصدور.
أما تحريفات المدعو (العسيري) أو عفواً فالأصل أن جميع الكلمات ليست له لعبدالحفيظ حتى التعيلق،فلي معه وقفة:
اقتباس:
(علم السلوك اي التصوف كما هو متعارف عليه عند اهل العلم)
وهذا من قمة التحريف والجهل،فمراد أهل السنة غير مراد أهل الأهواء..ونعني بهذا -أي علم السلوك- التزكة وهو علم يُعنى بها من قبل السلفيين كثيراً ..
وهذا كلام متين جميل للشيخ الأردني السني مشهو حسن سلمان يقول في رسالته العظيمة (القرطبي والتصوف)
التعبير الشرعي لما ينادي به المتصوفة هو (التزكية) وقد بُعِث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مزكّياً) و (معلماً)،ولا يبرئ المسلم من النفاق إلا بوجودِ (حسن السمت) و(فقه في الدين) والأول مأخوذ من (التزكية) والثاني من (العلم)،ولا يدرء المسلم عنه (الظلم) إلا بالأول
،ولا (الجهل) إلا بالثاني.وكذا (الشهوة) و(الشبهة)،وهما أصلا الشّرّ في الوجود داخل الإنسان.(244/4)
وفي المقابل:أعلا وأغلى ما يمكن تحصيلُهُ من (العلم) هو (اليقين) ومن (التزكية) هو (الصبر) وبهما تكون (الإمامة في الدين) وتأمل بعد هذا،قولهُ تعالى: {إنه كان ظلوماً جهولاً} وقوله: {وجعلنا منهم أئمة يهدون } وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((خصلتان لا تجتمعان في منافق:حسن السمت،وفقه في الدين)) .وإذا تقرر هذا وتأكَّد،فقِف طويلاً –إن بغيت الإصلاح- عند مقولة الفضيل بن عياض: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح به أولها:الزهدُ واليقين"،وتيقَّن أنَّ الخير في ذات هذه الأمة إنما هو يتحقق مهمَّتّي النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها،وبمقدار ما حصَّلْت منها،فإنها تفيض به على سائرِ الأمم.
وبعد،فإن الانحراف في (البدايات) و(الأسماء والمباني) من أسبابِ البُعدِ عن الجادَة،و(الصراط المستقيم) في (النهايات) و(الحقائق والمعاني)،والله الهادي.وانظر تعريف ابن عبدالبر للصوفي في "جامع بيان العلم" 1/176-ط القديمة.
http://saaid.net/feraq/sufyah/15.htm
أقول وقوله من كتم علماً هذا من قمة الجهل والاستخفاف،فإن الله يعاقب السارقين بأشد العقوبات!!كما أنه سبحانه يجازي من يحرف كلام الموقعين عن رب الأرض والسماء بفتاويهم وعلمهم وكلامهم أشد الجزاء..فنعوذ بالله من فعل السفهاء.
وآخر الكلام دعوانا بأن يهدي أهل الأهواء إلى الحق ،ويشفيهم من مرض التحريف والهوى،فإنه الهادي وحده سبحانه.
وأصلي وأسلم على الهادي الحبيب محمد بن عدالله الهاشمي القرشي عليه وعلى آله وصحبه السلام.
كَتَبَهُ وقيَدَهُ:
أبو عمر (المنهج)
يليه بإذن الله الرد على مقاله الآخر الذي سرقه من عبدالحفيظ في رده على الشيخ عباس..
وموضوعه:
بل الشيخ محمد عبدالوهاب يؤيد التصوف الصحيح
................
هذا الرد الثاني أنقله من دون تنقيح لأنني كنت أخاطب بعض الأشخاص هناك..فارجوا المعذرة..(244/5)
بسمه عز وارتفع .. وذل له كُل شيءٍ وخضع ... والصلاة على سيدنا محمد المتبع .. عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أما عبد:
فقد بينا ووضحنا مُرادنا من تبيان الخلل الكبير،والأمانة العلمية المفقودة لدى الصوفي المدعو بـ(ـالعسيري) ..
وفي موضوعٍ جديد يتجدد سرقته من كتاب المُحرف عبدالحفيظ بن ملك عبدالحق والسؤال يفرض نفسه...لما السرقة يا مدعو بت(العسيري) .. وسؤال هل تنقل ما لا تفقه؟؟!!لأنه كما تبين سابقاً أن الشيخ بين تبياناً واضحاً بأن الصوفية قد أخطأوا وعليهم بالعلم فما أقبح الجهل .. خاصة إذا أُرفق معه الهوى .. ولذلك ذمه سبحانه عز وجل ؛بل وسمى تابعه عابداً للهوى،فقال: {أفرأيت من اتخذ إله هواه وأضله الله على علم ..الآية} فأنظر يا من جردت السريرة لعالم السر وأخفى..
أقول وقبل الدخول إلى موضوعه يحسن بنا أن نبين بالمثال ومن هذا المنتدى لماذا نصح الإمام مجدد القرن -كما عبر العسيري عنه - بالعلم؟؟!!لأن العبادة لا تستقيم إلا بالمتابعة لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي معنى الشهادة (وأن محمداً رسول الله) وهو قوله تعالى على لسان نبيه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} فهنا السر..
الأمر الآخر..لأن الجهل يؤدي بصاحبه إلى طوام،ويؤدي به إلى اتباع الهوى،فلابد من العلم،أنظر -أخي السني- كيف أن (نور الهدى) في ردها هنا من فهمٍ معكوس،ومحاولة لتشتيت،فالواجب علينا أن نأخذ المدعو (نور الهدى) على قدر عقله..
أنظر في رده في موضوع العسيري كيف يرد عليّ ويثبت الجهل المركب لـ(ـنور الهدى)
اقتباس:
Re: كالأطفال
اقتباس:
--------------------------------------------------------------------------------
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ajifri
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ المنهج
السلام عليكم(244/6)
أراك يا أخي تتخبط بين المشاركات كالأطفال فهذه حدودك .......... أما الكلام في الدين بغير علم فهو يخرج من الدين فاحذر من الهفوات والتجرأ على الفتية ..... فأنت لا تستطيع فك العبارات فضلا ان تعرفها فالزم حدودك
وبالله التوفيق
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربا العالمين
الأخ ajifri تابع بارك الله فيكم واحسن إليكم ( واصبر وما صبرك إلا بالله )
انما هؤلاء وأمثالهم هم من علامات يوم القيامة !!
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يُونُسُ وَسُرَيَجٌ قَالاَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَتَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قَالَ سُرَيْجٌ « وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ
الرويبضة : تصغير رابضة وهو العاجز الذى عجز عن معالى الأمور..
صدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أعوذ بالله من الجهل وادعاء العلم..
أنظر طلبه بأن نتعلم،وهو يقول:
اقتباس:
الرويبضة : تصغير رابضة وهو العاجز الذى عجز عن معالى الأمور..
السؤال يا رويبضة هل تخالف رسول الله؟؟!!
لأنه صلى الله عليه وسلم قد فسر معنى الرويبضة وهذا هو الحديث كما هو في سنن ابن ماجه:
يقول عليه الصلاة والسلام: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه في أمر العامة))
فهل تتوب من التقول على رسول الله ومضادة حديثه؟؟!!
أعلن توبتك يا جاهل!!(244/7)
وأقول صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام فمثلك ومثل الجفري والعسيري المحرف الرويبضة ..
أعود إلى أستاذ التحريف وخليفة شيخه أبو غدة والكوثري-عفواً السارق من المحرف- ..
أقول للمحرف وقد سرقت هذه القطعة وما يليها ونسيت اسم عبدالله وكنت تُريد نسبتها لشيخ الإسلام فنشكر لك أمانتك العلمية!!!!!! المتناهية.. وإن دلَ دل على جودت معدنك!!!! حيث أنك نسبت الاسم ونسيت الأصل الذي سرقت منه والتحريف الذي صنعه وتابعته في بلاهة ولا أبشع!!
يقول:
اقتباس:
وان كنت اسلم لك جدلاً (اقول جدلا) ان الشيخ ذم أهل التصوف الذين تفردوا بالعبادة دون التفقه . فانهُ لم يذم اهل التصوف الذين جمعوا بين الأثنين
أقول بآن مما سبق أنه رحمه الله قد عاب الصوفية لجهلهم وجهلهم هو الذي أوردهم المهالك,,
لدليل
اقتباس:
على ذلك ما جاء في ملحق المصنفات "هذه مسائل" وفي صفحة 124 ذكر عقب بحث نفيس عمن انكر محبة الله ومن اثبتها قال :[ فنفس محبته اصل عبادته ، والشرك فيها اصل الشرك في عبادته اولئك فيهم شبه من النصارى وفيهم شرك من جنس شرك النصارى. ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيرا بمتابعة العلم ، قال بعضهم ((ماترك احد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه ))] اه .
وما في الاستشهاد!!
ألم يستشهد رسول الله بأبيات لبيد!!
وأهل العلم بأقوال أهل البدع -سائر- ومن أمانة الشيخ أن نسبها لأهلها..(244/8)
ولو قرأت الرسالة لوجدت أنه يناقش قضايا زلة فيها الصوفية في محبة الله بين الصدق والإدعاء فبين رحمه الله بمشائخهم الحق أن يتعلموا وهذا غاية في النفاسة أن تبين للضال الحق ممن يثق..فمرادنا الإسلام وليس الحزبية والعصبية كما هي حال المتصوفة ..وهذا ما فعله شيخ الإسلام مع الروافض في إثبات ما عليه من مشائخهم،ومحاولة دفعهم للعلم والفقه ممن يديون بأقوالهم إلى الله..وحيث أن الصوفية أخطأت في صدق المحبة {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله{ فأمرهم بمتابعة سنتهِ ..ولو ابتع الصوفية السنة لتركوا بدعهم وضلالاتهم..
يقول عبدالحفيظ عفواً السارق (العسيري)
اقتباس:
بل وقد جاء في الهدية السنية للشيخ محمد بن عبد الوهاب صفحة 50 مانصهُ : [ولا ننكر الطريقة الصوفية وتنزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلقة بالقلب والجوارح مهما استقام صاحبها على القانون الشرعى والمنهج القويم المرعي ... الى آخر كلامه رحمهُ الله] .
رحمه الله أكمل كلامه..
فأنت بترت مما نقله عبدالحفيظ البقية وأكمله عنك ليتجلى للمنصف سبب البتر:
(ولا ننكر الطريقة الصوفية وتنزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلقة بالقلب والجوارح مهما استقام صاحبها على القانون الشرعى والمنهج القويم المرعي،ألا أننا لا نتكلف لهُ تأويلاً في كلامه ولا في أفعاله،ولا نعول ولا نستعين ونستنصر ونتوكل في جميع أمورنا إلا على الله،وهو حسبنا ونعم الوكيل ونعم المولى والنصير،وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم)
وهذا كلام نفيس جداً-أعني الذي بتره المدعوا بالعسيري - حيث فيه هدمٌ لبنيان الصوفية الذي يستعينون ويستنصرون ويتوكلون على غير الله يشركون-في الغالب الأعم- مع الله أسيادهم وأوليائهم المزعومين كالجيلاني والبدوي والدسوقي والشاذلي وغيرهم من الصالحين والطالحين الذين جعلوهم أنداداً لله تعالى الله عن ما يشرك به الظالمون!!(244/9)
وهذا كلام الشيخ البديع أنه لا ينكر أن للصوفية -وخاصة السابقين- كان لهم جهد طيب في تنزيه الباطن من المعاصي إلا أنهم لم يعملوا على وفق أوامر الله ومتابعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم..فهذا من إنصاف علماء السنة رحمهم الله.
والسؤال:
هذا كلام عبدالله فهل فيه مدح للصوفية ودعوة لاتباعها أو السكوت عنها؟؟
ألم تقرأ كلامه وهو يدعوهم وينصحهم وينصف مع خصمه؟؟
ألم تستفسر عن سبب البتر الذي بتره العسيري؟؟!!!ألأنه فهم المعنى فأراد طمس الحقيقة وتحريفها؟!!!وأصبح كمن نقل عنه مُحرف مثله..
لماذا يكذب الصوفييون ويحرفون الكلام عن مواضعه؟؟!!هل تعودوا التأويل فهم أولوا وحرفوا كلام الله فكيف بكلام غيره!!
لماذا لا يصدقون دعوهم بحب النبي عليه الصلاة والسلام باتباعه؟؟!!
لماذا لا يتبعون السنة ويتركون البدعة؟!!!
أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة..
يقول العسيري..
اقتباس:
ومن ائمة التصوف الذين نقل عبارتهم ابن الجوزي هو ابو الحسين النوري الذي يقول لبعض اصحابهِ : ( من رأيتهُ يدعي مع الله عز وجل حالةٌ تخرجهُ عن حد علم الشرع فلا تقربنهُ, ومن رأيتهُ يدعي حالةً لايدلُ عليها دليل , ولايشهدُ لها حفظٌ ظاهر , فاتّهمهُ على دينه .)
وهذا قول طيب فاتبعوه لعلكم ترشدون ..واتبعوا الصحيح لا الضعيف .. واتباعكم الضعيف بسبب الجهل .. فتعلموا السنة كما قال مشايخ الصوفية..
وابن الجوزي له على الصوفية كلام طويل جداص في تلبيس إبليس فقد عاشر القوم وعرفهم عن قرب ولن أنقل لك كلامه إلا في وقت الحاجة وإلا فقد دللتك على كتابه النفيس تلبيس إبليس..
اقتباس:
وكذلك نقل ابن الجوزي عن ألأمام ابي جعفر قولهُ: ( من لم يزن اقوالهُ وافعلهُ واحوالهُ بلكتابِ والسنة، ولم يتهم خاطرهُ , فلا تعُدنهُ في ديوان الرجال ).
كلمة طيبة وإن كان البعض يقول بأنه رجل ولكن ليس على السنة .. حاد عنها كالمتصوفة ..
اقتباس:(244/10)
ولأبن القيم رحمهُ الله نُقولات و كلام نفيس حول التصوف الصحيح في كتابهِ [ مدارج السالكين ]
لا تنسى أن الأصل للهروي.. والشيخ له تعليقات فيه..والحق أن البعض لا يعده من كتبه بل يعده اختصاراً للهروي..وهو جيد بالجملة..وعلى السني أن يقرأ كلامه النفيس في الكافية الشافية وسأنقل بإذن الله لك توبته من مذهبه السابق الضلال إلى الهداية من التأويل والبدعة وعقيدة الأشاعرة إلى نور التوحيد واتباع السنة وتوقف عند قوله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} رحم الله ابن القيم..
وارجوا منك في الأيام القادمة أن تعود إلى الأصل وتتحقق من صحة الكلام واقرأ كما كُتب لكما تأول..
فقد أخطأ كثيراً في مواقف عديدة هذا المدعو عبدالحفيظ بن ملك عبدالحق..
واسأله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه..
ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..
وإن كان من الإنصاف أن نذكر محاسن ما قام به المدعو (العسيري) فهو قد بين لنا كيفية قراءة أهل الأهواء،والاتباع الأعمى،والجهل المطبق،وأستاذية التحريف،
كما أنه قد عاون أهل السنة بإيصال بعض الأفكار النيرة والتي تدل على إنصاف أهل السنة لأهل الأهواء وتبيان دقيق وأنهم أهل إنصاف ودقة في الوزن وحب للعدل،كما أنه لو لم نخرج من هذه الوقفات إلى بأن يتبعوا ما أسقطه المدعو (العسيري) عمداً!!ففيه كفاية..
فوالله أننا نريد من الصوفية أجمع أن يعودوا إلى السنة وينبذوا كل شريكٍ لله..والوفية دركات تختلف عن بعضها من فرقة إلى فرقة..فادعوا الله وأحده ولا تخشوا سواه {وإذا سألك عني عبادي فأني قريب إجيب دعوة الداع إذا دعان}(244/11)
كما أنه بيّن دعوة أهل السنة حيث أن الصوفية انساقوا للعبادة وزهدوا بالعلم فأورثهم جهلهم الضلال والبعد عن السنة..والأولى كما قال رحمه الله أن يتعلموا ويجمعوا بين العلم والعبادة عبادة وفق علم فالله قال : {فأعلم أنه لا إله إلا هو واستغفر لذنبك} قال الإمام البخاري رحمه الله بدأ بالعلم قبل القول والعمل..
فألحظ هذا -يا رعاك الله- تستفد ولا تتعصب للفرق وغيرها بل إلزم الكتاب والسنة ودع عنك قول السوء والجدل.
والله أعلم.
..............
كشف الجاني المدعو بـ(العسيري) :: أو:: بل الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرد على الصوفية!!!!!
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله حمداً يليق بجلالهِ وعظيم سلطانه،وأصلي على نبيه محمد عليه وعلى آله وسلم،أما بعد:
اقتباس:
فوالله لقد سئمت من مجارة هؤلاء القوم, الذين لا هم لهم الا الانتقاد واللوم, على كل من خالفهم و لو كان من الأئمة الأعلام أهل القيام و الصوم, بلا ورع و لاحياء من رب الأرض و السماء و الكون, مقحمين انفسهم في لجة بحار العلم ظانين بأنفسهم بأنهم من اهل السباحة و العوم.
وما يدعوا للسأمة والملل أنهم قوم جبلوا على الكذب والتحريف وصفات أهل الأهواء،وسترى هنا ما يخبرك بهذا..
وقبل هذا أخبرك بأني أكتب وأنا على سفر،ومن جرب السفر عرف..
وقبل هذا أرى من الواجب إعادة الفضل لأهله..وأشكر الأخ الذي أوقفني على بعض النقاط في هذا الموضوع،وهو أحد طلبة العلم الذين فلوا كتب الشيخ ووعوها ..أنه الأخ وليد..
وقد نصح لي حفظ وقتي من مجادلة أهل الباطل..وقد رأى البعض فضحك وأخص هذا الموضوع..وقال لا عليك،والمنصف هو من تريد سيقرأ كم الفريقين وسيعلم أين الحق والباطل..
قلتُ:جزاهُ الله خيراً..
وقد ناولته نسخة من كتاب عبدالحفيظ فضحك منه وقال:قبحه الله من جهل..وأخبرني بأنه قد خط عليه بعض التعليق وقد دلني على بعضها فبارك الله به..(244/12)
فاقترحت عليه أن يسميه الإلجام كتسمية الغزالي إلجام العوام،فسر ذلك وقال ليس الأهم التسمية الأهم التوجيه الذي سيحويه الكتاب!!ولكل حادث حديث..
فابدأ مُستعينا بالله..
أقول سطرتُ الإلجام لرد المحرف وبيان فساد تحريف تعليقاته على كلام الشيخ..
وسأضع الرابط ففيه كفاية..
الإلجام على المدعو (العسيري) المحرف لكلام الشيخ الإمام ومن بعده من جمهور الجفري اللئام
########هو موضوعنا الأعلى######
أقول للمنصف-فقط- قارن بينه وبين ردهِ المتهالك!!
والذي انتظرناهُ دهراً فهو لم يكن على سفر بل كان يكتب ولكن في غير هذا الموضوع..
كشف الحقائق و الإلتباس بما يهذي به المنهج و عباس
#################################
ولا أدري لما يأتي باسم الشيخ عباس هنا وقد أقسم لي بأنه لا يدخل بأسم غير العسيري وأقسمت له بأن لا أدخل إلا باسم المنهج!!!ولكن ربما يريد السجع!!أو ربما يريد التلبيس!!أقول ربما..
اقتباس:
اولا) قال هذا "المنهج المحرف الأصلي"
فقوله (اخذوا بجانب الدين و هو العبادة و نسوا العلم) فأقول له اتق الله يامدلس يا محرف يا خافي الحقائق , اما تتق الله ؟ فقولك اخذوا بجانب من الدين و هو العبادة (هذا ان كان صحيح) فما الضير في ذلك ؟
عد إلى كلامه وتعليقه في رابطه.
قال: (المنهج المحرف الأصلي)
قلتُ:رمتني بدائها وانسلت..
قال: (فقوله (اخذوا بجانب الدين و هو العبادة و نسوا العلم) فأقول له اتق الله يامدلس يا محرف يا خافي الحقائق , اما تتق الله ؟)
قلتُ: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عودته طريقته!!!
فأين التدليس والتحريف وإخفاء الحقائق!!!!!
والدعاوى إن لم تقيموا عليها بيناتٍ ..أصحابها أدعياءُ
فقد أبنا لك تحريفك وثان وثالث ورابع فأبن عن ما تدعيه!!وارجوا أن لا يكون كما بينت من مده وقلت بشأن الألوسي!!
فهذا تحريف للكلم عن مواضعه لطلب التشغيب وهو يكذب ويدل على عدم علمه فيا للجهالة!!(244/13)
من علامة العراق أبو المعالي محمود شكري الألوسي صاحب فتح المنان تتمة منهاج التأسيس والذي نقلت كلامه ثم يرد عليّ بأنه قال في تفسيره كذا وكذا!!!
السؤال أين تفسيرهُ هذا أنا لا أعرف لهُ تفسيراً!!!
فقد أحالني على رجل آخر يقال لهُ الألوسي!!!وهذا عين التحريف والتدجيل فأبطل هذه الحركات يا فتى!!!
فصاحب روح المعاني هو أبو شهاب الألوسي!!!!
فأنظر هذه والله كافية!!
قال: ( فقولك اخذوا بجانب من الدين و هو العبادة (هذا ان كان صحيح) فما الضير في ذلك ؟)
قلتُ:والله ما بعد هذا الجهل من جهل!!
والمنصف يعلم (الضير) الذي لا تعرفه..
بوب البخاري رحمه الله: [ باب العلم قبل القول والعمل] والدليل قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.وقد ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبدالوهاب-المجدد كما يقوله المدعو العسيري- في الأصول الثلاثة فليرجع إليه!!
وفسر أهل العلم قوله تعالى ولا الضالين قال من عبد الله على جهل وخُص بها النصارى ومن شابههم ففيه شبه منهم..وارجع إلى تفسير الفاتحة للشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله..
ما الضير::::::
هو السبب الذي يجعل أهل السنة يحذرون وينبهون على أخطاء الصوفية..
أذكار الصوفية المبتدعة!!!من أين لهم هذا..يعملون ويتعبدون على جهل..مثل التيجانية عندهم ذكر يعدل القرآن!!!
الرقص والأغاني وذكر الله بما لم يشرعه الله..الله يقول:{اليوم أكملت لكم دينكم} فمن زاد فهو غير مؤمن بهذه الآية!!!من زاد فكأنه يقول بأن الرسول عليه السلام لم يبلغ!!!
أقول والواقع أكبر شاهد!!!فمن عمر القبور وأسرجها وجعلها مساجد يعبد فيها غير الله!!!
ليس هذا فقط ولكن هذا فقط للتمثيل!!
ثم أتى بحديث:
قُلتُ: أتبعه فتفلح إن صدقت!
ليس كلامنا في التعبد ولكن كلامنا في التعبد على غير سنة وهدى!! مثل ما سبق الإشارة إليه...(244/14)
فأين هذا الذكر الذي من قاله عدل القرآن!!كما في كتب التيجانية-وقد أخبرني الأخ وليد أن الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق المصري قد ناظر رئيس الطائفة في مصر وقال له هذه المسألة فبهت!!-
وغير ذلك من البدع المحدثة خذ مثال السجود للشيخ عند بعض المتعبديين(الصوفيين) -فائدة أفادني أيها الأخ وليد أن الشيخ يطلق على الصوفيين الزهاد والنساك والمتعبدين وغير ذلك،كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية يطلقها كذلك عليهم ويزيد أيضاً في بعض أقوال غلاة الصوفية بقول المتفلسفة كما في الإيمان الأوسط وتوجيه الشيخ بهذا الأسم لهُ وجاهة علماً أنه ليس على إطلاق-
وعد إلى تفسير بعض السلف في (عاملة ناصبة) و(الأخسرين أعملاً) فمن عمل عملهم كان فيه شبه منهم..
فالفرق واضح..
أذكر أنني زرت مناطق ببريدة للزهاد والنساك وهو مشتغلون بالعبادة،ولكن على سنة..
إذا فخلافنا في مسألة العبادة على اتباع!!!{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} أن يعبد على علم!!والتطوع مطلق إلا في أوقات النهي..لكن ليس على شكل سنة لم يسنها محمد صلى الله عليه وسلم..فيا مدعي الحب-فائدة الشيخ محمد رحمه الله يدندن على الصوفية بمدعي الحب راجع هذه المسائل- اتبع من تحب ولا تبتدع..
يأتي إتمام الرد وفيه فوائد:
1- أن أهل الأهواء أهل جهل مركب،فهو جاهل ولا يدري بأنه جاهل،ومن ينقل عنهم جاهل مثلهم لأنه قد وافقهم لأحد أمرين:
ا-هوى يجمع بينهم فيعمي البصر عن التفكر والنظر فيقص بالعمى ويلصق وهو أعمى!
ب-أن يكون جاهلاً فهو لا يدري بما يكتبه غيره وهم أن ينقل،فأنظر إلى هذا الضال كيف أن ما ينقله هو ردٌ عليه وصدق الشيخ حين قال بأن دليل المبطل هو حجة عليه .
2- الكذب سمة على أهل الأهواء والفرقة بخالف أهل السنة.
3- سننقل بعض من أقوال الشيخ في ذم الصوفية والرد عليهم والرد بعض مشائخهم وفيه:
أ- تفنيد كب الصوفي النكرة.
ب- فائدة لمن جرد قلبه وكشف عن عينه الغشاوة.
ج- الوقوف على موقف الشيخ.(244/15)
د- التنبيه على أهل الأهواء وكذبهم،وما الصوفي سابق الذكر إلا لص يسرق من غيره.
هـ- تنبيه على بعض المخالفات لمن كان لهُ تدبر وفكر لعل الله أن ينجيه منها.
وغيرها..
واسأل الله أن يعيننا على ذلك..
...............
قُلتُ:
عجباً والله لا نقضي ولو كان بشهر رجب!!!
فأنظر فهم الرجل حتى عد كلامنا الذين نكرره ونقوله [زلة] ؛وأقول لهُ لا ليست زلة بل هذا ما نقوله،ولكن في السابقين وهذا هو كلام شيخ الإسلام رحمه الله وأذكر أن الشيخ الفوزان يقول وأين أنتم من الجنيد والهروي..أولئك كانوا على قدر من العلم وأصحاب زهد،ولكن الموجود اليوم هم لا علم ولا سنة لكن الجهل أوبقهم!!!
أقول:وأنظر إلى إضافة اسم الشيخ عباس في مناسبة وغير مناسبة وقوله زلة لتعلم أن الرجل ما يُريد إلا التشغيب بعيداً عن بحثٍ متجردٍ للحقيقة،وهذه لطيفة فتأملها!!
ثم علماء أهل السنة والجماعة رصدوا هذه الحركة منذ نشأتها الزهدية،وحتى تحولاتها الصوفية والتي بدأت تتخبط وتبتعد عن الهدي النبوي وتتشبه برهبانية النصارى،ومن أوائل من نقل هذا الفكر الرهباني النصراني مالك بن دينار رحمه الله،فلقد دعا بأمورٍ عجيبة،ليست -والله- من السنة،بل رهبانية ابتدعوها!!!
فمن آرائهم التجرد من الزواج،وكان يقول: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته أرملة ويأوي إلى مزابل الكلاب" سير أعلام النبلاء 8/156،حلية الأولياء 2/359،نقلاً عن محمد العبدة يقول الشيخ محمد: "وقد علق مُحقق السير الشيخ شعيب(يعني شعيب الأرناوط) على هذا الكلام فقال: "منزلة الصديقين لا تنال بهذا المسلك الأعجمي المخالف لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من ترك التبتل والرهبنة"(244/16)
قلتُ: ومن لم يكن متبعاً لقدوتنا فلا خير في اتباع بدعه!!خاصة أن لنا سند في إنكار قول مالك بن دينار رحمه الله بعدد من الآيات والأحاديث!!وأخص بحديث الثلاثة نفر الذي قال أحدهم لا تزوج النساء لأنه يريد أن لا يجعلها أرملة!!لتفرغه للعبادة،وأنظر ما كتبه الشيخ محمد جميل غازي رحمه الله في الصوفية والوجه الآخر فقد أجاب عن وضع المرأة عند الصوفية بأنها كالأرملة!!-ولولا خشية الإطالة لأوردت بعض أقوالهم-.
يقول محمد العبدة: "وكثيراً ما يقول:قرأت في بعض الكتب!!قرأتُ في التوراة!! ويروي عيسى عليه السلام!!: (بحق أقول لكم،إن أكل الشعير والنوم في المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس) أو وله: (أوحى الله إلى نبي من الأنبياء) أو (قرأتُ في الزبور ..) أنظر حلية الأولياء 2/357.
فمن الواضح ومن خلال قراءة ترجمته في كتب الطبقات أنه متأثر بما ترويه الكت القديمة عن الزهاد والرهبان .. ومن الواضح أن هذه الكتب قد حُرفت ولسنا مأمورين بقرائتها بل منهيون عن الأخذ منهم وتقليدهم" الصوفية نشأتها وتطورها محمد العبدةوطارق عبدالحليم.
قلتُ:
أنظر وتأمل!!
فوالله إن هذا لكافي!!
"أمتهوكٌ فيها يا ابن الخطاب؟!!" لما رأى معه بعض الصفحات!!وأنظر هو يقرأها ويطبقها -أعني مالك- وهنا النهي ففي شرعنا كفاية!!
وهذا أكبر دليل بانحراف الزهاد والصوفية ونقاط التحول إلى بدعية رهبانية متأثره بالنصرانية!!
ومن أقطاب المرحلة الإنتقالية "ربما يكون عبدالواحد بن زيد ورابعة العدوية من أقطاب هذه المرحلة الإنتقالية،واستحدثت كلمة العشق للتعبير عن المحبة بين العبد والرب ويرددون أحاديث باطلة في ذلك مثل: (إذا كان الغالب على عبدي الإشتغال بي جعلت نعيمه وذكره ولذته في ذكري عشقني وعشقته!!!) .
وبدأ الكلام حول العبادة لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار،وإنما قصد الحب الإلهي،وهذا مخالف للآية الكريمة: {يدعوننا رغباً ورهباً} .(244/17)
ومثل قول رابعة لرجلٍ رأته يضم صبياً من أهله ويقبله: "ما كنت أحسب أن في قلبك موضعاً فارغٌ لمحبة غيره تبارك اسمه!) [أنظر سير أعلام النبلاء 8/156] وهذا تعمقٌ وتكلف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقبل أولا ابنته ويحبهم". الصوفية 21-22.
قلتُ:
هل تأملت هذا الضلال!!! هو مرحلة من مراحل التخبط والإنحراف..
وعلقت على الأخير،فهل هي متفوقة على روسل الله عليه السلام بموقفها هذا؟؟!!!أعوذ بالله من ذلك!وللمعلومية فإن رابعة العدوية "تكلم فيها أبو داود السجستاني [صاحب السنن أحد الكتب الستة] واتهمها بالزندقة!! ،فلعله بلغه عنها أمر،توفيت بالقدس سنة 185هـ.انظر ابن كثير/البداية والنهاية 10/186.قال ابن تيمية:قال بعضهم مَنْ عَبَدَ اله بالحب وحده فهو زنديق،ومَنْ عَبَدَ الله بالخوف وحده فهو حروري،ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ،ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن.انظر الفتاوى 10/81" المصدر السابق.
قلتُ:
وهذا كلام من أبي داود يجب أن يتأمل!!!
وكلام شيخ الإسلام نفيس!!!وهو مطرقة في رأسِ أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم!!
وعد إلى كتاب د-محمد جميل غازي رحمه الله الصوفية والوجه الآخر الجولة الرابعة [يعني بالجولة الصحفية] رابعة العدوية الشخصية والأسطورة من ص46 إلى ص55 يقول الشيخ "لقد رووا عن رابعة نفسها: أن سفيان الثوري -على حد ما زعموا- سألها: (يا رابعة هل تكرهين الشيطان؟!! فقالت: ان حبي لله لم يترك في قلبي كراهية لأحد!!"أعوذ بالله ولا الشيطان الذي أمرنا ببغضه هو وأوليائه؟!!
"يقول ابن تيمية ملاحظاً هذا التطور:(244/18)
(في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء:الرأي،والكلام ،والتصوف ،فكان جمهور الرأي في الكوفة، كان جمهور أهل الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي [ "كان تلميذ شيخ البصرة عبدالواحد بن زيد(ذكر آنفاً في مرحلة البعد عن الهدي السني) وكان يتكلم في القدر،وقف داراً بالبصرة للمتعبدين.قال الدارقطني:متروك الحديث.قال الذهبي:ما كان يدري الحديث،ولكنه عبد صالح وقع في القدر نعوذ بالله من ترهات الصوفية.توفي سنة200هـ انظر سير أعلام النبلاء 9/408" من كتاب الصوفية22] وبنى دويرة للصوفية وهي أول ما بني في الإسلام (أي دار خاصة للإلتقاء على ذكر وسماع) وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به،مع تمسكهم بغالب التعبد المشروع،وصار لهم السماع والصوت،وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل،وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين) الفتاوى 10/359.
كما لخص هذا التطور ابن الجوزي فقال:
( وفي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلمة مؤمن ومسلم،ثم نشأت كلمة زاهد وعابد،ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها،هكذا كان أوائل القوم ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن) تلبيس إبليس 161."
قلتُ:
ووالله لما سبق في بيان كافي!!
تأمل رصد شيخ الإسلام وابن الجوزي رحمهما الله،رصد دقيق للإنحراف!!وتفريق للقوم وأنهم دركات(والدركة هي من السفل والبعد) فالبعض ضل،والبعض وقع في القدر والبعض كان في الغالب يعبد على المشروع(هؤلاء الأوائل!!فكيف بمن تلاهم؟؟!!فكيف بزماننا هذا؟؟!!الأغلب وفيهم هنات!!تأمل قوله "وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به"(244/19)
وتأمل كلام ابن الجوزي رحمه الله حين قال: "،ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها،هكذا كان أوائل القوم ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن"
أقول لعل في هذا البيان كفاية -لمن تجرد طالباً الحق- لخط إنحراف الصوفية ونقول كما قال ابن الجوزي ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن
أما مسألة العلم فهي والله مضحكة!!فأي علمٍ تعني!!تفريقكم للشريعة والحقيقة،وهذا بلا شك مبثوث في كتب أهل العلم كشيخ الإسلام والشاطبي وغيرهم..
ثم ما العلم الذي تتبجح به!!!
أهو قول [الزنادقة من المتصوفة] حدثني قلبي عن ربي] أم هي [الكشوفات]!! لا أدري هل يسمى هذا علماً!!!!
أقول تأمل -يا منصف- كلام القرطبي التالي لتفسير الصوفية للعلم،يقول القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن (4/21) :
"لعل جُهّال المتصوفة وزنادقة الباطنية،يتشبثون بقوله تعالى:
{وهب لنا من لدنك رحمة} وأمثالها،فيقولون:
العلم ما وهبه الله ابتداءً من غير كسب،والنّظرُ في الكتب والأوراق حجاب.
وهذا مردود.
ومعنى الآية:
هب لنا نعيماً صادراً عن الرحمة،لأن الرحمة راجعة إلى صفة الذات،فلا يتصور فيها الهبة."
وكذلك قال الإمام القرطبي مثل هذا في كتابه -سابق الذكر- (11/40-41) :
"أن من قال: يأخذ عن قلبه،وأن ما يقع فيه هو حكم الله تعالى،وأنه يعمل بمقتضاه،وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة،فقد أثبت لنفسه خاصّة النبوة،فإن هذا نحو مما قاله عليه الصلاة والسلام: ((إن روح القدس نفثَ في روعي ..)) الحديث"
ولا أريد أن أطيل فأقول عد إلى كلام ابن الجوزي في صيد الخاطر وفي تلبيس إبليس فستجد أمراً عجباً..
يقول ابن الجوزي في الصيد ص231 وعد إليه ففيه خوف الشيطان من أهل العلم من الفقهاء وفرحه بالجهال!!وتلاعبه بالصوفية:(244/20)
( وكان من أعجب تلاعبه أن حسن لأقوام ترك العلم ثم لم يقنعوا بهذا حتى قدحوا في المتشاغلين به.
وهذا لو فهموه قدحٌ في الشريعة (أنظر ابن الجوزي يتعذر لهم بالجهل الذي أوردهم المهالك!!) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بلغوا عني)) وقد قال له ربه عز وجل {بلغ} .
فإذا لم يتشاغل بالعلم فكيف يبلغ الشريعة إلى الخلق.
ولقد نقل مثل هذا عن كبار الزهاد كبشر الحافي،فإنه ال لعباس عبدالعظيم: لا تجالس أصحاب الحديث،وقال لإسحاق بن الضيف إنك صاحب حديث فأحب أن لا تعود إليّ.
ثم اعتذر فقال:إنما الحديث فتنة إلاّ لمن أراد الله به،وإذا لم يعمل به فتركهُ أفضل (!!!) .
وهذا عَجَب منه!!!
من أين له أن طلابه لا يردون الله به،وأنهم لا يعملون به؟
أوليس العمل به على ضربين:عمل بما يجب،وذلك لا يسع أحداً تركهُ،والثاني نافلة ولا يلزم.
والتشاغل بالحديث أفضل من التنفل بالصوم والصلاة (لأن نفع العلم متعدي) .
وما أظنه أراد إلا طريقه في دوام الجوع والتهجد،وذلك شيء لا يلام تاركه.
فإن كان يُريدُ أن لا يوغل في علوم الحديث فهذا خطأ لأن جميع أقسامهِ محمودة.
أفترى لو ترك الناس طلب الحديث كان بشرٌ يفتي.
فالله الله في الالتفات إلى قول من ليس بفقيه،ولا يهولنك اسمه فالله يعفو عنه)
قلتُ:
عفا الله عن بشر الحافي فقد أخطأ وبرر خطأه بخطأ أفحش منه!!
وهذه مصيبة التعبد والتعمق وترك العلم حتى قد يُعبد الله على جهل وعلى غير هُدى!!
وتأمل نصيحة ابن الجوزي في مجانبة قول من ليس بفقيه ولا يهولنك اسمه!!!!
بشر أو غير بشر القياس على الكتاب والسنة!!
طلب الحديث أصبح فتنة!!والرسول يأمر بطلبه!!
لذلك كان شيخ الإسلام يتعقبهم كثيراً الذين يسمون (بالعارفين) أنظر مثلاً الفتاوى 11/384.يقول نقلاً عن الصوفية للعبدة وعبدالحليم:(244/21)
(قال بعض العارفين:أول المعرفة حيرة وآخرها حيرة وذكروا حديثاً باطلاً "زدني فيك تحيراً" قال ابن تيمية:هذا حديث كذب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ربي زدني علماً".
أقول ولذلك دائماً ينتشر عند الصوفية الكذب على نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم نبي الهدى الذي حذر من الكذب عليه فقال: ((من كذب عليّ متعمداً فليتأبوا مقعده من النار)) وأنظر لأحاديث الكذب "لو أحسن أحدكم ظنهُ بحجر لنفعه" وهو كلام أهل الشرك يقول السوري محمد العبدة:"وقد سمعنا بعض مشايخ الصوفية في هذا العصر يحدث به ويعتقده" قلتُ: هذا واضحٌ جداً،وواقعٌ ملموس،وفي القصة السابقة للشيخ محمد جميل زينو مع الشاذلية -يوم أن كان شاذلياً- بينه في اعتقاد جواز وضع الأنداد لغير الله!!
والنماذج عديدة ولكن يكفي أن ذكرنا بعضها!
ولذا كان بعض أئمة بلاد المغرب يأمورن بإحراق كُتب للصوفية كالإحياء للغزالي ونقل هذا كثيراً..
لذلك قال أبو بكر الطرطوشي: "شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وما على بسيط الأرض أكثر كذباً منه شبكه بمذهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا" الرسائل3/137.
وقد حرقه علي بن يوسف بن تاشفين وكان ذلك بإجماع الفقهاء الذين كانو عنده أنظر المعيار المعرب 12/185.
نموذج آخر صاحب (قوت القلوب) أبو طالب المكي:
يقول ابن كثير: (كان رجلاً صالحاً لهُ كتاب قوت القلوب،ذكر فيه أحاديث لا أصل لها،بدّعهُ الناس وهجروه) البداية والنهاية 11/319.
تفسير أبو عبدالرحمن السلمي ،وقبل هذا فأنظر تفسيرات القوم عند محمد حسين الذهبي رحمه الله وتقبله الله شهيداً أحد أعلام مِصر فله كتاب نفيس اسمه [الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم دوافعها ودفعها] وهو صاحب المصنفات الرائعة كالتفسير والمفسرون وغيرها.(244/22)
قال محمد الذهبي: "لهُ كتاب يُقال لهُ (حقائق التفسير) وليته لم يصنفه!! فإنه تحريف وقرمطه،ودونك الكتاب فسترى العجب" التفسير والمفسرون 2/386.
قال الواحدي: "فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر" المصدر السابق.
وقد نقل الذهبي في الاتجاهات المنحرفة كلاماً من تفسيراتهم الباطلة نقلها من السيوطي راجع 82:
"فمن ذلك الهراء ما نقله السيوطي في الإتقان ج2 ص184 عن بعض جهلة المتصوفة أنه فسر قوله تعالى في الآية255 من سورة البقرة {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} فقال:معناه: (من ذل) من الذل (ذي) إشارة النفس، (يشف) من الشفاء(ع) من الوعي)."
وغيرها من الترهات والتفسير الإشاري ولهذا أشار إلى سوء صنيعهم عدد من أهل العلم،ومن ذلك الموضوع الذي وضعناهُ ومازلنا في إتمامه -اسأل اله أن يعيننا على ذلك، القرطبي والتصوف،فقد أشار إشارات إلى هذا الخلل الذي حرف القرآن ويحرفون الكلم عن مواضعه في أماكن عدة انتقى لنا الشيخ مشهور حسن آل سلمان من أبناء فلسطين مقاطع لكتاب القرطبي والتصوف،فليرجع إليه.
وهل تريد العلم الذي هو أذكارهم!!
هل تريد ورد التيجانية الذي يعدل القرآن!!
أم تريد خلوات الرفاعية!!
أم تريد غيرهم!!!
فهذا علم القوم وهذه كتهم،أنظر إلى أبي يزيد عبدالرحمن بن محمد المعروف بان خلدون المالكي،يقول:(244/23)
"وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلّة،وما يوجد من نسخها بأيدي الناس،مثل (الفصوص) و(الفتوحات) لابن عربي،و(البُدّ) لابن سبعين،و(خلع النعلين) لابن قيسي،و(عقد اليقين) لابن بَرَّجان،وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض،والعفيف التلمساني،وأمثالهما،أن تُلحق بهذه الكتب،وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض،فالحكم في هذه الكتب كلها وأمثالها،إذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق النار والغسل بالماء،حتى ينمحي أثر الكتابة،لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين،بمحو عقائد المضلة." أنظر العقد الثمين للفاسي2/180-181.
وكذلك شرف الدين عيسى الزواوي المالكي المتوفى عام 743هـ قال:
"ويجب على ولي الأمر إذا سمع بمثل هذا التصنيف (أي مؤلفات ابن عربي كالفصوص والفتوحات المكية) البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها،وأدب من اتهم بهذا المذهب (يعني مذهب ابن عربي) "العقد الثمين2/176-177
وقد ألف الشيخ برهان الدين البقاعي (تنبيه الغبي لتكفير ابن عربي) وهو كتاب أنبأ عن ضلال الرجل وبيان مخالفاتهِ للإسلام!!والصوفية ما زالوا معظمين للرجل!!أنظر هذه هي الصوفية لمن اهتديى إلى السنة الشيخ عبدالرحمن الوكيل وكلامه عن الصوفية وأخص عن ابن عربي والصوفية..
وأخيراً نختم بأحد أعلام الصوفية (الحارث المحاسبي) رحمه الله -وكما بين ابن الجوزي رحمه الله في بشر نقول في الحارث "ولا يهولنك اسمه فالله يعفو عنه"
قال الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو البردعي:
"شهدتُ أبا زرعة -وقد سُئل عن الحارث المحاسبي وكتبه- فقال للسائل:
إياك وهذه الكتب،هذه كتب بدع وضلالات،عليك بالأثر،فإنك تجد فيه ما يغنك عن هذه الكتب.قيل لهُ:في هذه الكتب عبرة.(244/24)
فقال:من لم يكن لهُ في كتاب الله عبرة فليس لهُ في هذه الكتب عبرة،بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟! هؤلاء خالفوا أهل العلم .. ثم قال:ما أسرع الناسِ إلى البدع" كتاب الضعفاء لأبي زرعة نقلاً عن أبي زرعة الرازي وجهود في السنة 2/561-562.
قال الذهبي مُعلقاً على كلام أبي زرعة في ميزان الاعتدال 1/431:
"وأين مثل الحارث؟فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب،وأين مثل القوت!كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم،وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!! (يعني كتاب أبو حامد الغزالي الطوسي الإحياء)
كيف لو رأى الغنية للشيخ عبدالقادر!كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!
بلى لما كان لسان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث،فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه،ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس،وابن حانه كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان.نسأل الله العفو والمسامحة آمين."
قال الشيخ ربيع في منهج أهل السنة 135-136:
"رحم الله الإمام الذهبي كيف لو رأى مثل (الطبقات) للشعراني،وجواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض ابن عباس التيجاني لعلي ابن حزام الفاسي؟!
كيف لو رأى خزينة الأسرار لمحمد حقي النازلي؟!!
كيف لو رأى نور الأبصار للشنجلي؟!
كيف لو رأى شواهد الحق في جواز الاستغاثة بسيد الخلق وجامع الكرامات للنبهاني؟!
كيف لو رأى تبليغي نصاب وأمثاله من مؤلفات أصحاب الطرق الصوفية؟!
.... "
قلتُ:
رحم الله الأئمة كيف لو رأى حال صوفية اليوم الذي انجرفت بهم الطرق لأشد ما كان عليه سابقيهم..(244/25)
وهكذا البدعة يحبها الشيطان وينفخ فيها فتزل الأقدام عن الهدي،فتهوي في مستنقعٍ تغوص أقدامهم فلا يخرج منهم إلا من يعود للقرآن والسنة ويحكمهما!!وأنظر حديث السبل وتأمله!
قال ابن القيم في النونية،بعد ذكره لبعض أقوال أهل البدع:
"يا من يظن بأننا حفنا عليـ ..... ـهم كتبهم تنبيك عن ذا الشان
فانظر ترى لكن نرى لك تركها ... حذراً عليك مصائد الشيطان
فشباكها والله لم يَعْلَق بها .. من ذي جناح قاصر الطيرانِ
ألا رأيت الطير في قفص الرّدى .. يبكي له نوحٌ على الأغصان
ويظلّ يخبط طالباً لخلاصه .... فيضيق عنه فرجة العيدان
والنب ذنب الطير خلّى أطيب الثمـ ... ـرات في عالٍ من الأفنان
وأتى إلى تلك المزابل يبتغي الـ ... ـفضلات كالحشرات والديدان
يا قوم والله العظيم نصيحة ... من مشفق وأخٍ لكم معوان"
أنظر مثال في صيد الخاطر يقول ابن الجوزي واصفاً حال الصوفية مع العلم ص97 وهو كلام يصف واقع القوم:
"ليس في الوجود شيء أشرف من العلم،كيف لا وهو الدليل.فإذا عدم وقع الضلال.
وإن من خفيِّ مكائد الشيطان أن يُزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد وهو العلم.
حتى أنه زين لجماعة من القدماء أنهم دفنوا كتبهم ورموها في البحر.وهذا قد ورد عن جماعة!!وأحسن ظني بهم أن أقول:كان فيها شيء من رأيهم وكلامهم فما أحوا انتشاره.
وإلا فمتى كان فيها علم مفيد صحيح لا يخاف عواقبه،كان رميها إضافة للمال لا يحل.
وقد دنت حيلة إبليس إلى جماعة من المتصوفة حتى منعوا من حملِ المحابر تلاميذهم.
وحتى قال جعفر الخالدي: لو تركني الصوفية جئتكم بإسناد الدنيا،كتبت مجلساً عن أبي العباس الدوري فلقيني بعض الصوفية فقال:دع علم الورق،وعليك بعلم الخرق.
ورأيت محبرة مع بعض الصوفية،فقال لهُ صوفي آخر: استر عورتك،وقد أنشدوا للشبلي:
إذا طالبوني بعلمِ الورق .. برزت عليهم بعلم الخرقوهذا من خفي حيل إبليس {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} وإنما فعل وزينه عندهم لسببين:(244/26)
أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة.
والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم،ويكشف له ما كان خفي عنه ويقوي إيمانهُ ومعرفته،ويريه عيب كثير من مسالكه خصوصاً،إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.
فأراد إبليس سد تلك الطرق بأخفى حيلة، فأظهر أن المقصود العمل،لا العلم نفسه،وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل.
فاحذر من هذه الخديعة الخفية،فإن العلم هو الأصل الأعظم،والنور الأكبر.
وربما كان تقليب الأوراق أفضل من الصوم والصلاة والحج والغزو (يعين الشيخ التطوع منها وهذا ثابت أعني فضل العلم على صلاة النوافل عن عدد من الأئمة منهم مالك رحمه الله لأن العلم متعدي وتلك النافلة لازم!!ومن عرف معنى المتعدي واللازم عرف!!وأخص أن البعض قد يعمل الفروض-فضلاً عن النوافل- بغير هدى ولا سنة نظراً لأنه ما تعلم العلم اللازم المفروض عليه إذ لا يتعبد حتى يتعلم،فالصلاة يتعلمها ثم يصلي قل كذلك في الحج وغيره،ولا تطرأ شبهة كشبهة الذي نرد عليه بأن يأخذ العلم جملة ثم يعمل فهذه طامة في الفهم وقد كبرنا على عقله أربعاً،خاصة وأن العلم لا يُحاط بهُ ولكن الأصل أن تعلم المفروض عليك لتعمل به!!) .
وكم من معرضٍ عن العلم يخوض في عذاب الهوى في تعبده ، ويضيع كثيراً من الفرض بالنفل،ويشتغلُ بما يزعمهُ الأفضل عن الواجب.
ولو كانت عندهُ شُعلة من نور العلم لاهتدى، فتأمل ما ذكرت لك ترشد إن شاء الله تعالى".
أقول صدق ابن الجوزي في وصفهم..
وصدق ابن الجوزي في نصحهم..
وصدق ابن الجوزي في تعليقه..
وأختم بكلمة ذهبية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لكن المقصود أن يعرف أن الصحابة خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء.(244/27)
فما ظهر فيمن بعدهم مما يُظَنَّ أنّها فضيلة للمتأخرين ولم تكن فيهم فإنها من الشيطان وهي نقيصة لا فضيلة ، سواءً كانت من جنس العلوم أو من جنس العبادات، أو من جنس الخوارق والآيات أو من جنس السياسة والملك؛بل خير الناس بعدهم أتبعهم لهم" الفتاوى 10/117.
ونكمل بإذن الله في وقتٍ آخر..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
................
قلتُ:
أنظر إذا أراد السني أن يرد مقالات أهل البدع أخذ كلامهم جملة،بينما هم لا يعملون ذلك فأخذ الكلام جملة هو هدم لمباني أقوالهم فلابد حين إذ من البتر وقد أبان ذلك في رده وأبان في نقله كما سبق البيان لذلك.
أقول:
لنعد للأصل...
اقتباس:
يقول عبدالحفيظ عفواً السارق (العسيري)
اقتباس:
--------------------------------------------------------------------------------
بل وقد جاء في الهدية السنية للشيخ محمد بن عبد الوهاب صفحة 50 مانصهُ : [ولا ننكر الطريقة الصوفية وتنزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلقة بالقلب والجوارح مهما استقام صاحبها على القانون الشرعى والمنهج القويم المرعي ... الى آخر كلامه رحمهُ الله] .
--------------------------------------------------------------------------------
رحمه الله أكمل كلامه..
فأنت بترت مما نقله عبدالحفيظ البقية وأكمله عنك ليتجلى للمنصف سبب البتر:
(ولا ننكر الطريقة الصوفية وتنزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلقة بالقلب والجوارح مهما استقام صاحبها على القانون الشرعى والمنهج القويم المرعي،ألا أننا لا نتكلف لهُ تأويلاً في كلامه ولا في أفعاله،ولا نعول ولا نستعين ونستنصر ونتوكل في جميع أمورنا إلا على الله،وهو حسبنا ونعم الوكيل ونعم المولى والنصير،وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم)(244/28)
وهذا كلام نفيس جداً-أعني الذي بتره المدعوا بالعسيري - حيث فيه هدمٌ لبنيان الصوفية الذي يستعينون ويستنصرون ويتوكلون على غير الله يشركون-في الغالب الأعم- مع الله أسيادهم وأوليائهم المزعومين كالجيلاني والبدوي والدسوقي والشاذلي وغيرهم من الصالحين والطالحين الذين جعلوهم أنداداً لله تعالى الله عن ما يشرك به الظالمون!!
وهذا كلام الشيخ البديع أنه لا ينكر أن للصوفية -وخاصة السابقين- كان لهم جهد طيب في تنزيه الباطن من المعاصي إلا أنهم لم يعملوا على وفق أوامر الله ومتابعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم..فهذا من إنصاف علماء السنة رحمهم الله.
والسؤال:
هذا كلام عبدالله فهل فيه مدح للصوفية ودعوة لاتباعها أو السكوت عنها؟؟
ألم تقرأ كلامه وهو يدعوهم وينصحهم وينصف مع خصمه؟؟
ألم تستفسر عن سبب البتر الذي بتره العسيري؟؟!!!ألأنه فهم المعنى فأراد طمس الحقيقة وتحريفها؟!!!وأصبح كمن نقل عنه مُحرف مثله..
لماذا يكذب الصوفييون ويحرفون الكلام عن مواضعه؟؟!!هل تعودوا التأويل فهم أولوا وحرفوا كلام الله فكيف بكلام غيره!!
لماذا لا يصدقون دعوهم بحب النبي عليه الصلاة والسلام باتباعه؟؟!!
لماذا لا يتبعون السنة ويتركون البدعة؟!!!
أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة..
أقول ويجد الإنسان مقدار البتر ويتدبر معناه..
ثم أنظر تعليقه وبعده دقق النظر في كلام الشيخ ثم دقق في تعليقي:
اقتباس:
استغفر الله العظيم من هذا البهتان و هو تقويل الشيخ عبدالله مالم يقل حيث قال هذا الظالم (المنج)
[الصوفيه الذين يستعينون و يستنصرون و يتوكلون على غير الله يشركون في الغالب الأعم مع الله ...].
اقول سبحانك هذا بهتان عظيم فهل (مشائخ الصوفية العارفون) الذين ذكر صفاتهم و الده الشيخ محمد بن عبدالوهاب هم اهل هذه الصفات التي ذكرتها . اتق الله يارجل!!
أقول قال عليه السلام ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت))
يقول تقول..(244/29)
والسؤال لما لم تنقل النص كاملاً ومن سرقت منه قد اقتبسه كاملاً..
أما التقول فمردود عليك لأن أئمة الدعوة وهم أحفاد الشيخ ما أذاهم إلا القبوريين ومنهم عدد من المتصوفة غير قليل!!
وهو السبب الذي ثارت لأجله قبورية العالم وأصحاب الطرق ومن لهم أطماع أو من غُبش عليه فعادوا الشيخ!!
أما قولك فالرد عليه أولاً من الواقع!!!
ثانياً من كتبكم ...
ثم من وصفهم بذلك شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم رحمه الله وصوفية زمانه غير صوفية زماننا البته!!
وقد فصلنا ذلك في مطلع الكشف..
أقول ويجدر بك أخي الفاضل..أن تنقل الكلام كاملاً ليحكم عليه أما التدليس فغير طيب،وهذا قولي:
اقتباس:
وهذا كلام نفيس جداً-أعني الذي بتره المدعوا بالعسيري - حيث فيه هدمٌ لبنيان الصوفية الذي يستعينون ويستنصرون ويتوكلون على غير الله يشركون-في الغالب الأعم- مع الله أسيادهم وأوليائهم المزعومين كالجيلاني والبدوي والدسوقي والشاذلي وغيرهم من الصالحين والطالحين الذين جعلوهم أنداداً لله تعالى الله عن ما يشرك به الظالمون!!
وفيه قولي الغالب الأعم!!!
وفيه ما لا يحتاج إلى دليل مثل الاستغاثة بمن ذكروا أو غيرهم!!
ومن الأنداد من جعلوا قبور من زعموا ولايتهم مزاراً يطاف بها ويتعبد عندها..وراجع كلام من أنقذه الله من الهلكة الشيخ عبدالرحمن الوكيل رحمه الله في (هذه هي الصوفية) وكانت عبارة عن جوابات لرد كلام بعض الطرقيين ونصره الله بالبينة!!
ولا يحتاج الشمس إلى دليل..
كما لا أنسى مثل ذلك كلام الشيخ محمد جميل زينو نفع الله به عندما كان يدرس في الشام وكان صوفياً شاذلياً وكانت لهُ قصة طريفة وهداه الله..أنظر كتابه(كيف اهتديت) أو (ميزان الصوفية في الكتاب والسنة) :
اقتباس:(244/30)
الشيخ محمد جميل زينو-حفظه الله- عرفناهُ من خلالِ مؤلفاتهِ النافعة التي تُعنى بنشرِ العقيدة السلفيّة النقية،وبيانها بأسلوبٍ واضحٍ بسيط،وقد نفع الله بهذه المؤلفات،وهدى بها من الضلالةِ بإذنهِ ... وللشيخ قصّتهُ مع الهدايةِ إلى هذه العقيدةِ الصحيحةِ،وقد رواها بنفسهِ،[في كتابهِ كيف اهتديت] وقد أطال في ذكرِ قصتهِ والتعليقِ على أحداثها،وقد ذكرتها باختصار وصرّف يسير.
قال:
ولدتُ في مدينةِ حلب بسورية،ولما بلغت العاشرة من عمري التحقتُ بمدرسة خاصة تعلمت فيها القراءة والكتابة،ثم التحقت بمدرسة دار الحفّاظ لمدّة خمس سنين حفظتُ خلالها القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد،ثم التحقت بما يسمى آنذاك بالكلية الشرعية التجهيزية –وهي الآن الثانوية الشرعية- وهي تابعة للأوقافِ الإسلامية،وهذه المدرسة تجمع بين تدريس العلوم الشرعية والعصرية.
وأذكر أنّني درست فيها علم التوحيد في كتاب اسمه: "الحصون الحميدية" ،والذي يقرّر فيه مؤلفهُ توحيد الربوبية،وأن لهذا العالم رباً وخالاً! وتبين لي في ما بعد خطأ هذا المنهج في تقرير العقيدة،فإن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ..}،بل إن الشيطان الذي لعنه الله كان مقراً بذلك، {قال رب بما أغويتني ..}،أما توحيد الإله الذي هو الأساس والذي به ينجو المسلم،فلم أدرسه ولا كنت أعلم عنهُ شيئاً.
كنت نقشبندياً:(244/31)
لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكرِ في المساجد،وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد،وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية؛ولكن لصغر سني لم أستطع أن أقوم بها،لكني كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا،وأستمع إلى ما يردّدونهُ من أناشيد وقصائد،وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوتٍ مرتفعٍ،فيزعجني هذا الصوت المفاجئ،ويسبب لي الرعب والهلع،وعندما تقدمت بي السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجدِ الحيّ لأحضر معه ما يسمى بالختمِ،فكنا نجلسُ على شكلِ حلقةٍ فيقوم أحد الشيوخ ويوزع علينا الحصى،ويقول: "الفاتحة الشريفة،الإخلاص الشريف" ،فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة والإخلاص،والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصيغةِ التي يحفظونها،ويجعلون ذلك آخر ذكرهم.ثم يقول الشيخ ذكرهم،لأن الشيخ –بزعمهم- هو الذي يربطهم بالله؛فيهمهمون،ويصيحون،ويعتريهم الخشوع،حتى إن أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد ... إلى آخر ما كانوا يفعلونهُ من البدعِ المحدثةِ التي ما أنزل الله بها من سلطان.
كيف اهتديت إلى التوحيد؟
كُنتُ أقرأ على شيخي الصوفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما،وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا سألتَ فاسألِ الله،وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله)) .
فأعجبني شرح النووي حين قال:
"ثم إن كانت الحاجة التي يسألها،لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه،كطلبِ الهداية والعلم .. وشفاء المرض وحصول العافية سأل ربه ذلك.وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم".
فقلت للشيخ:
هذا الحديث وشرحه يُفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليهِ إلا الله.
فقال لي:
بل تجوز!!
قلت:
وما الدليل؟
فغضب الشيخ وصاح قائلاً:(244/32)
إن عَمتي تقول يا شيخ سعد (وهو من الأولياء المزعومين الأموات) ،فأقول لها: يا عمتي وهل ينفعك الشيخ سعد؟ فتقول:أدعوه فيتدخل على الله فيشفيني!!
فقلت لهُ:
إنك رجل عالم قضيت عمرك في قراءة الكتب،ثُم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة!!
فقال لي:
عندك أفكار وهابية! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله)
وكُنتُ لا أعرف شيئاً عن الوهابية إلا ما أسمعه من المشايخ:فيقولون عنهم:إنهم مخالفون للناس،لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم المزعومة،ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. إلى غير ذلك من التهم الكثيرة الكاذبة التي لا حقيقة لها.
فقلت في نفسي:
إذا كانت الوهابية تؤمن بالاستعانة بالله وحده،وأن الشافي هو الله وحده،فيجب أن أتعرّف عليها.
وبحثت عن هذه الجماعة،فاهتديت إليها.كان لهم لقاء مساء كل خميس يتدارسون فيه التفسير والفقه والحديث ،فذهبت إليهم بصحبةِ أولادي وبعض الشباب المثقّف .. فدخلنا غرفة كبيرة .. وجلسنا ننتظر الدرس .. وبعد برهة من الزمن دخل الشيخ،فسلَّم علينا،ثم جلس على مقعده،ولم يقم لهُ أحد؛فقلتُ في نفسي:هذا الشيخ مُتواضعٌ،لا يُحِب القيام.
بدأ الشيخ درسه بقوله:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .. إلى آخرِ الخطبة التي كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ،ثم بدأ يتكلم باللغة العربية الفصحى،ويورد الأحاديث،ويبين صحتها وراويها،ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلما ذكر اسمه.وفي ختامِ الدرسِ وجهت لهُ الأسئلة؛فكان يُجيبُ عليها بالدليل من القرآن والسنة،ويناقش بعض الحاضرين فلا يرد سائلاً أو متكلماً،ثم قال في آخر درسه:الحمد لله على أننا مسلمون وسلفيون،وبعض الناس يقولون: إننا وهابيون،فهذا تنابز بالألقاب،وقد نهانا الله عن هذا بقوله: {ولا تنابزوا بالألقابِ} .
ولما انتهى الشيخ من درسهِ، خرجنا ونحن مُعجبين بعلمهِ وتواضعهِ،وسمعت أحد الشبابِ يقول:(244/33)
هذا هو الشيخ الحقيقي.
ومن هنا بدأت رحلتي إلى التوحيدِ الخالصِ،والدعوةِ إليهِ،ونشرهِ بين الناس اقتداء بسيدِ البشرِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.وإني لأحمد الله –عز وجل- الذي هداني لهذا،وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله،والحمد لله أولاً وآخراً.
وإن أراد مزيد أدلة فلدينا البرهان والدليل..
خذ على سبيل المثال لتلقم حجراً:
الشاذلي يقول: (أقسموا على الله بحياتي فإن من أقسم على الله بحياتي لابد أن يبره،ويقول:إذا تجلى الحق على عبده أغناه عن نفسه،وأقام فيه لطيفة ذاتية فتجعله الفرد المكمل والغوث الجامع.عليه يدور أمر الوجود وهو الذي أقامهُ بالتصرف على كل الموجودات وبه يحفظ العالم وحينئذ تنجذب حقائق الموجودات إلى امتثال أمره ويقهر الكون بعظمته ويفعل ما يشاء ولا يحجب عنه شيء.) الإسلام والتصوف الشامي محمد بن أحمد.
يدعي الشعراني أن سيده أحمد البدوي يتصرف في الوجود وهو في قبره فاسمع إليه يقول: "إن شيخي أخذ عليّ العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد البدوي وسلمني إليه بيده،فخرجت اليد المشرفة(!!) من القبر وقبضت على يدي(!!) قال سيدي الشناوي: يكون خاطرك عليهواجعله تحت نظرك فسمعت سيدي أحمد البدوي يقول من القبر:نعم.
ثم يقول: "وتخلفت عن حضوري للمولد وكان هناكبعض الأولياء فأخبرني أن:سيدي أحمد البدوي كان ذلك اليوم يكشف السترعن الضريح" ويقول: "أبطأ عبدالوهاب ما جاء" انظر هذه هي الصوفية 107،طبقات الشعراني ترجمة البدوي..
أقول والأقطاب معلوم أمرهم ومن شهرتها أقول راجع كتاب هذه هي الصوفية والصوفية لمحمد العبدة ووطارق عبدالحليم.
أما قل كن فيكون: فماذا يرد أصحاب الطرق:يقول أبو السعود كما في الفصوص1/129 نقلاً عن الشيخ المهتدي عبدالرحمن الوكيل: "إن الله أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة،وتركناه تظرفاً"
...............(244/34)
وهذه بعض أقوال الشيخ رحمه الله في نُصح الصوفية ونقدهم وتوجيههم التوجيه السليم والتحذير من بعض الأخطاء:
قال الشيخ مُعلقاً على قوله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} الآيتين من سورة المؤمنين وذكر من المسائل عليها:
"الخامسة:الأمر بالأكل من الطيبات،ففيه ردّ على الغلاة الذين يمتنعون عنها،وفيه ردّ على الجفاة الذين لا يقتصرون عليها.
السادسة:الأمر بإصلاح العمل مع الأكل من الطيبات،ففيه رد على ثلاث طوائف:
أولهم:الآكلون الطيبات بلا شكر،والشكر هو العمل المرضي.
وثانيهم:من يعمل العمل غير الخالص مثل المرائي وقاصد الدنيا.
وثالثهم: الذي يعمل مخلصاً لكنه على غير الأمر."
من (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب) القسم الرابع/التفسير/تفسير سورة المؤمنين/ص269-270.
قلتُ:
والشيخ ينكر على الصوفية هذه الأمور كثيراً،وهي تحريم الحلال،ومنها تحريم الطيبات والتضييق على النفس.
وقد ذكر مثل هذا العمل الشيخ في مسائل الجاهلية يرجع لمجموع العقيدة وهي في رسالة مفرده :
فذكر من مسائل الجاهلية:
"الحادية والسبعون: تعبدهم بترك الطيبات من الرزق.
الثانية والسبعون: تعبدهم بترك زينة الله."
في مسائل الجاهلية التي خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية.
علقَ شيخنا العلامة صالح الفوزان أطال في عمره على خير على المسألتين:
"أي تقربهم إلى الله بترك الطيبات من الرزق،وترك لباس الزينة، وهذا عن النصارى ومن شابههم من الصوفية المنتسبين للإسلام، يتركون الطيبات تعبداً لله عز وجل،فلا يتزوجون النساء،ولا يأكلون من الطيبات،ويتقشفون في المآكل والمشارب والملابس،يزعمون أن هذا عبادة لله؛ ولهذا قال الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادهِ والطيبات من الرزق} وقال:{يا أيها الذين آمنوالا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم.
.....................
فتحريم الطيبات من دين النصارى الرهبان،ومن دين الجاهلية.(244/35)
ومن حرّم حلالاً مجمعاً على حِلِّه ارتد عن دين الإسلام،فإذا أضاف إلى ذلك اعتبار هذا من التعبد لله عز وجل،فهذا افتراء على الله؛لأن الله لم يشرع لعباده ترك الطيبات بل أمرهم بالأكل منها }يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً}،ولما هَمَّ جماعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا،غضب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
............" إلخ حديثه حفظه الله فليرجع إليه ويُستفاد منه..
قلتً:
وهذا ليس عجيب عليهم،وقد صدق الشيخ،وحتى يتضح لك بعض الأمر خذ على سبيل من هم أفضل الصوفية وأنظر كيف يقعون في طوام من هذا النوع:
اقتباس:
ثم علماء أهل السنة والجماعة رصدوا هذه الحركة منذ نشأتها الزهدية،وحتى تحولاتها الصوفية والتي بدأت تتخبط وتبتعد عن الهدي النبوي وتتشبه برهبانية النصارى،ومن أوائل من نقل هذا الفكر الرهباني النصراني مالك بن دينار رحمه الله،فلقد دعا بأمورٍ عجيبة،ليست -والله- من السنة،بل رهبانية ابتدعوها!!!
فمن آرائهم التجرد من الزواج،وكان يقول: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته أرملة ويأوي إلى مزابل الكلاب" سير أعلام النبلاء 8/156،حلية الأولياء 2/359،نقلاً عن محمد العبدة يقول الشيخ محمد: "وقد علق مُحقق السير الشيخ شعيب(يعني شعيب الأرناوط) على هذا الكلام فقال: "منزلة الصديقين لا تنال بهذا المسلك الأعجمي المخالف لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من ترك التبتل والرهبنة"
قلتُ: ومن لم يكن متبعاً لقدوتنا فلا خير في اتباع بدعه!!خاصة أن لنا سند في إنكار قول مالك بن دينار رحمه الله بعدد من الآيات والأحاديث!!وأخص بحديث الثلاثة نفر الذي قال أحدهم لا تزوج النساء لأنه يريد أن لا يجعلها أرملة!!لتفرغه للعبادة،وأنظر ما كتبه الشيخ محمد جميل غازي رحمه الله في الصوفية والوجه الآخر فقد أجاب عن وضع المرأة عند الصوفية بأنها كالأرملة!!-ولولا خشية الإطالة لأوردت بعض أقوالهم-.(244/36)
يقول محمد العبدة: "وكثيراً ما يقول:قرأت في بعض الكتب!!قرأتُ في التوراة!! ويروي عيسى عليه السلام!!: (بحق أقول لكم،إن أكل الشعير والنوم في المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس) أو وله: (أوحى الله إلى نبي من الأنبياء) أو (قرأتُ في الزبور ..) أنظر حلية الأولياء 2/357.
فمن الواضح ومن خلال قراءة ترجمته في كتب الطبقات أنه متأثر بما ترويه الكتب القديمة عن الزهاد والرهبان .. ومن الواضح أن هذه الكتب قد حُرفت ولسنا مأمورين بقرائتها بل منهيون عن الأخذ منهم وتقليدهم" الصوفية نشأتها وتطورها محمد العبدةوطارق عبدالحليم.
قلتُ:
أنظر وتأمل!!
فوالله إن هذا لكافي!!
"أمتهوكٌ فيها يا ابن الخطاب؟!!" لما رأى معه بعض الصفحات!!وأنظر هو يقرأها ويطبقها -أعني مالك- وهنا النهي ففي شرعنا كفاية!!
وهذا أكبر دليل بانحراف الزهاد والصوفية ونقاط التحول إلى بدعية رهبانية متأثره بالنصرانية!!
ولنا عودة -بإذن الله- لإكمال الموضوع...
........................
الوقفة الثانية:
والشيخ-رحمه الله- دائماً ينصح ويوجه جميع الناس،ومن الناس أهل البدع،ومنهم الصوفية.
والشيخ يفرق بين الصوفية،فهو يعلم بأنهم [[فِرق]] وأحزاب {كل حزب بما لديهم فرحون} وأنهم جميعاً "دركات" -الدركة من البعد والسفلة- فبعضهم قريب للحق وبعضهم قريب للشرك وعدد منهم مشركون..
وهم (الصوفية) الذين فرقوا دينهم وصاروا شيعاً 00
وقفتنا التالية مع بعض الغلاة في مقام التوكل 00 فإلى كلام الشيخ:
"قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى:هذه مسائل مستنبطة من سورة اقرأ.
الثانية: الجمع بين التوكل والسبب،خلافاً لغلاة المتفقهة وغلاة المتصوفة."
من (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب) القسم الرابع/التفسير/تفسير سورة العلق/ص369.
قلتُ:(244/37)
رحم الله الشيخ،فها هو ينكر على الصوفية تواكلهم ومخالفتهم للهدي السني-كما سيأتي- فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا في ذلك يأخذ بالأسباب ويربط بين التوكل والسبب..
وهذا إنصاف الشيخ حين يقول (غلاة) فليس كل المتصوفة عندهم هذه البلية والمخالفة للسنة النبوية.
وأرى أن نبسط البيان بكلام الإمام القرطبي -رحمه الله- في هذه المسألة لعل فيها نصيحة وتوجيه لمن في قلبه بذرة الخير وبصيص الفطرة ليتحرك وفق السنة:
"إن التوكل على الله هو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض،واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السَّعي فيما لا بدّ منه من الأسباب من مَطْعمٍ ومَشْرَبٍ وتحرّزٍ من عدوٍّ،وإعدادِ الأسلحة،واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة.
وإلى هذا ذهب محققو الصوفية،لكنه لا يستحق اسم التوكل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب،فإنها لا تجلب نفعاً،ولا تدفع ضراً؛بل السبب والمسبب فعل الله تعالى،والكلُّ منه وبمشيئتهِ،ومتى وقع من المتوكِّل ركونٌ إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم.
ثم المتوكلون على حالين:
الأول: حال المتمكِّن في التوكُّل،فلا يلتفتُ إلى شيءٍ من تلك الأسباب بقلبه،ولا يتعاطاه إلا بحكم الأمر.
الثاني:حال غير المتمكِّن،وهو الذي يقع له الالتفات إلى تلك الأسباب أحياناً،غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلميّة،والبراهين القطعيّة،والأذواق الحالية،فلا يزال كذلك،إلى أن يُرَقِّيَه الله بجُودهِ
إلى مقام المتوكلين المتمكنين،ويلحقه بدرجات العارفين"
من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4/189-190.
"وهذا هو التوكل الحقيقي،الذي لا يشوبه شيء وهو فراغ القلب مع الربّ،رزقنا الله إياه،ولا أحالنا على أحدٍ سواه،بمنِّهِ وكرمه"
المرجع السابق 17/43.
"وقالت طائفة من المتصوفة:
لا يستحقه إلا مَنْ لم يخالط قلبَهُ خوفُ غير الله مِنْ سَبُعٍ أو غيره،وحتى يترك السعي في طلب الرِّزق،لضمان الله تعالى"(244/38)
المرجع السابق 4/253.
وفي قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت] جواز:
"اتخاذ البلاد وبنائها،ليُمتَنَع بها في حفظ الأموال والنفوس،وهي سُنَّة الله في عباده.وفي ذلك أدل دليل على ردّ قول من يقول:التوكُّلُ ترك الأسباب،فإن اتخاذ البلاد من أكبر الأسباب وأعظمها،وقد أمرنا بها،واتخذها الأنبياءُ،وحفروا حولها الخنادق عُدَّةً وزيادةً في التمنُّع.
وقد قيل للأحنف: ما حكمة السُّوْر؟ فقال: ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه."
المرجع السابق 5/283.
وفي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم}:
"مع الأحاديث التي ذكرناها ما يردّ قول من ينكر طلب الأقوات بالتجارات والصناعات من المتصوفة الجهلة،لأن الله تعالى حرّم أكلها بالباطل،وأحلها بالتجارة،وهذا بيّن."
المرجع السابق 5/156.
قلتُ:
وكلام القرطبي في هذا طويل،ود أحسن جامعها الشيخ مشهور آل سلمان وفقه الله في رسالته الطيبة [القرطبي والتصوف] ..
ومن أراد مزيد من كلام الشيخ فليعد للرسالة..
ويحسن بنا الآن أن ننظر واقع الصوفية وكلام علمائهم في ذلك 00 ليتبين لمن يُريد النجاة بأن كل إنسان يأخذ من قوله ويرد إلا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام 00 فلنتبع ولا نبتدع 00 فإن هذه البدعة الشنيعة قذف لنبينا بأن بعيد عن التوكل!! والحقيقة أنه سيد وقدوة المتوكلين 00 فعليك بسنته تنجو 00
لنأخذ بعض الأمثلة:
قال الشيخ محمد الكردي: "قال ذو النون المصري:التوكل ترك التدبير والانخلاع من الحول والقوة،وقال إبراهيم الخواص:لقيني الخضر عليه السلام فسألني عن الصحبة فخشيت أن يفسد عليّ توكلي بسكوتي إليه ففارقته" تنوير القلوب 482 والرسالة القشيرية 77.
وحكى أن أحد مشايخ هذه الطائفة كان يسافر بلا زاد ولا راحلة فكانوا إذا نزلوا منزلاً تأتيهم الموائد من الغيب الأنوار القدسية204،المواهب السرمدية224،جامع كرامات الأولياء1/389.(244/39)
وكان أحد مشايخهم واسمه عبدالله الدهلوي يقول: كما أن طلب الحلال فرض على المؤمنين كذلك ترك الحلال فرض على العارفين!!.المواهب السرمدية240،الأنوار القدسية213.أعوذ بالله من تحريم الحلال؟؟!!!!!
إذاً ما موقفهم من هذه الأحاديث؟؟!!وما موقفهم من هؤلاء؟؟!!
((اعقلها وتوكل)) فهذا يخالف أصلهم!!
(( دلوني على السوق)) وهو من كلام عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ،فعندهم هذا الصحابي الجليل غير متوكل!!
لما قام أبو بكر الصديق يتاجر بعد تولي الخلافة!!عندهم أنه غير متوكل؟!!
سعيد بن المسيب كان بتجر بالزيت،فهو عند الصوفية ليس متوكلاً!!
أبو حنيفة النعمان كان يتجر بالقماش فهو غير متوكل عندهم؟!!
عن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا:أين تريد؟ فقال:السوق.قالا:تصنع ماذا؟وقد وُليّت أمور المسلمن؟ قال:فمن أين أطعم عيالي؟فنهياه عن مزاولة التجارة لأنه تولى أمر المسلمين وفرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم"تاريخ الطبري3/54،طبقات ابن سعد3/184،تاريخ الخلفاء للسيوطي78،تلبيس إبليس282
قال ابن الجوزي عقب هذه القصة:
"لو قال رجل للصوفية من أين أطعم عيالي لقالوا قد أشركت ولو سئلوا عمن يخرج إلى التجارة لقالوا ليس بمتوكل ولا موقن وكل هذا لجهلهم بمعنى التوكل واليقين "تلبيس إبليس282.
بعدها أنظر إلى أبي حامد الغزالي حين يقول بأن الموت من الجوع من أعلى مقامات التوكل .. وأدنى مراتب التوكل توكل أبي بكر الصديق:فالتوكل عندهُ ثلاث مقامات:
المقام الأول: (مقام الخواص) وهو أعظم المقامات الثلاثة عند الغزالي وأعلاها منزلة،وهو مقام من يدور ف البوادي بغير زاد،ثقة بفضل الله تعالى عليه في تقويته على الصبر أسبوعاً أو تيسر حشيش له أو قوت أو تثبيته على الرضا بالموت إن لم يتيسر شيء من ذلك" الإحياء 4/268.(244/40)
ولا يصحتوكله إلا أن يطيب نفساً بالموت إن لم يأتيه رزقه علماً بأن رزقه الموت والجوع".
المقام الثاني:أن يقعد في بيته أو في مسجد،ولكنه في القرى والأمصار،وهذا لكنه أيضاً متوكل لأنه تارك للكسب والأسباب الظاهرة"الإحياء4/272-273.
تأمل الفرق بين الأول والثاني أن المقام الثاني لم يعرض نفسه للموت بخلاف الأول،أما من حيث ترك التكسب فلا فرق بين المقامين!فإن الإثنين معرضان عن التكسب.
المقام الثالث:أن يخرج ويكتسب،فإن المكتسب مكتسباً لعيالهِ أو ليفرق بين المساكين،فهو ببدنه مكتسب وبقلبهِ عنه مقطوع،ولا يجوز تكليف العيال الصبر على الجوع،ولا يمكن أن يقرر عندهم الإيمانبالتوحيد،وإن الموت على الجوع رزق مغبوط عليه"
إذن لا يمكنه في حقهم إلا أدنى درجات التوكل وهو المقام الثالث:"كتوكل أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ خرج للكسب" الإحياء4/272.
تأمل كلام ابن الجوزي رحمه الله السابق ثم تفكر بما وصل إليه حجة الصوفية أبي حامد الغزالي رحمه الله..
ونزول الرجل إلى السوق عند الصوفية دليل وعلامة على أنه ليس من أهلاً لسلوكِ طريق التصوف-وهذا عام غالب على هذه الطرق- فقد نظر أبو تراب النخشبي إلى صوفي جائع مد يده إلى قشر البطيخ ليأكله بعد ثلاث أيام من التوكل،فقال لهُ: "لا يصلح لك التوصف إلزم السوق" الرسالة القشيرية208.
ومن توكل هذا أبو تراب النخشبي أنه خرج "إلى البراري على التواكل فنهشته السباع التي خرجت طلباً للرزق مع الأخذ بالأسباب وكانت بذلك أصح توكلاً منه ومن أمثاله من البطالين فرزقها الله هذا الصوفي المتواكل" من كلام دمشقية.
وفي مواضع أخرى تجد هذا في الإحياء!!
لست هنا على سبيل التقصي إنما المُراد محاولة الإصلاح والنصح.
ونواصل بإذن الله مع نصائح شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب مع بعض التعليق عليها من باب الإفادة وحتى يقمع المنكر بكلام الصوفيين أنفسهموكلام الأئمة أعلام الهدى
......................(244/41)
الوقفة الثالثة والرابعة:كلام الإمام محمد بن عبدالوهاب في قصيدة البردة
لما نظرت واقع الصوفية مع هذه القصيدة الشركية وشبه إجماعهم على قبولها وإنشادها وحفظها والعمل بها،وجب التحذير منها،وهذا ما قام به عدد من أهل العلم ومنهم الشيخ الإمام.
وهذه هي الوقفة الثالثة وهي التحذير من هذه القصيدة وبيان الشرك الذي احتوته عدد من هذه الأبيات.
وهي كذلك في سِفر التفسير.
والوقفة الرابعة وهي أشد العجب ليس من الجاهليين والذين ليس عندهم الهدى؛ولكن أشد العجب ممن عنده الكتاب والسنة؛بل ويشرح بعضها ويفسر بعض الآيات الناهية عن الشرك والغلو ثم هو يقع فيها فما يدري ما يخرج من رأسه!!!
قال : الإمام محمد بن عبدالوهاب : تفسير سورة الفاتحة من مؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب ص 13 المجلد الخامس-وقد دلني عليها أخي الحبيب الدر المنثور- :
"وأما الملك فيأتي الكلام عليه ، وذلك أن قوله: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وفي القراءة الأخرى ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله ك ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ {17} ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ {18} يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ {19} ([ سورة الانفطار الآيات: 17/19].(244/42)
فمن عرف تفسير هذه الآية ، وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم ، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره، عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها ، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعني والإيمان بما صرح به القرآن ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاُ )) [ أخرجه البخاري في صحيحة: كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب رقم: 2753 ، والنسائي في سننه: كتاب الوصايا إذا أوصى لعشيرته الأقربين (6/ 248-250) رقم : 3644، 3646، 3647، من حديث أبي هريرة.
من قول صاحب البردة:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ***** اذا الكريم تحلي بأسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يازلة القدم
فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها ، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن .
هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) وقوله: : (( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاُ )) لا والله ، لا والله لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق ، وأن فرعون صادق ، وأن محمداً صادق على الحق ، وأن أبا جهل صادق على الحق . لا والله ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان.(244/43)
فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة ، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام وعرف أن العدل واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا، ليس عن التكفير والقتال ، بل هم الذين بدءونا بالتكفير وعند قوله: ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) [سورة الجن الآية : 18].وعند قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) [سورة الإسراء: الآية : 57]. وقوله: ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ) [سورة الرعد الآية: 14].
فهذا بعض المعاني في قوله : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بإجماع المفسرين كلهم ،وقد فسرها الله سبحانه في سورة ( إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ) ( الإنفطار : 1 ) كما قدمت لك. "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في أحد رسائلهِ الشخصية –كما في الدرر السنية 2/44- إلى الأخ حسن:
" وأما ما ذكرت من أهل الجاهلية كيف لم يعرفوا الالهية إذا أقروا بالربوبية هل هو كذا أو كذا أو غير ذلك.فهو لمجموع ما ذكرت وغيره.
وأعجب من ذلك ما رأيت وسمعت ممن يدعي أنه أعلم الناس،ويفسر القرآن،ويشرح الحديث بمجلدات،ثم يشرح (البردة) ويستحسنها،ويذكر في تفسيره وشرحه للحديث أنه شرك،ويموت ما عرف ما خرج من رأسه،هذا هو العجب العجاب!!أعجب بكثير من ناس لا كتاب لهم ولا يعرفون جنة ولا ناراً،ولا رسولاً ولا إلهاً."
ولتوضيح هذه القصيدة الشركية والقوادح العقدية إليك هذا الرابط..
قوادح عقدية في بردة البوصيري
د. عبد العزيز محمد آل عبد اللطيف
http://www.saaid.net/arabic/ar20.htm
وراجع إن شئت:
(حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم بين الإجلال والإحلال) من إصدار المنتدى الإسلامي.
(السيف المسلول على عابد الرسول) للشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي –رحمه الله- فقد تطرق لهذه القصيدة.(244/44)
...............
الوقفة الخامسة: رد الشيخ على متصوفة يجرون مع القدر هم شر من القدرية:
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في مُلحق المصنفات-هذه مسائل لخصها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله- ص14:
" 18- قال في الرد على متصوفة ينتسبون إلى التحقيق والتوحيد ويجرون مع القدر سبب ذلك أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدر عليه خلافه ، كما ضاق نطاق القدرية عنه ، فأثبتوا الأمر والنهي فقط ، وأولئك أثبتوا القضاء فقط ، وفي حق من شهد القدر ، وهؤلاء شر من القدرية ، ولهذا لم يكن في السلف من هؤلاء أحد ، ولا ريب أن المشركين يترددون بين بدعة تخالف الشرع وبين احتجاج بالقدر على مخالفة الأمر .. فهؤلاء الأصناف فيهم شبه من المشركين ، وفيهم من يجمع بين الأمرين ، كما قال تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة} .. الآية .. وقد ذكر عن المشركين ما ابتدعوا من الدين الذي فيه تحليل الحرام ، والعبادة التي لم تشرع في الأنعام والأعراف ، وعمدة الكل اتباع آرائهم وأهوائهم ، وجعلهم ذلك حقيقة نظير جعل المتكلمين ما ابتدعوا حقائق عقلة وأصل ضلال الكل تقديم القياس على النص ، واختيار الهوى على اتباع الأمر."
.................
الوقفة السادسة: دعوى المحبة مع مخالفة الشريعة وهي كثير في الذين اتبعوا شيئاً من الزهد والعبادة يعني الصوفية
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في مُلحق المصنفات-هذه مسائل لخصها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله- ص15-19:
" 20- العبادة يدخل فيها الدين كله .. ولهذا كانت ربوبية الله سبحانه عامة وخاصة ولهذا كان الشرك أخفى من دبيب النمل ، وفي الصحيح تعس عبدالدينار .. إلخ. ووصفه بأنه إذا أعطى رضي ، وإذا منع سخط .. وهذا في المال والجاه والصور .. وغير ذلك قال الخليل عليه اللام: {فابتغوا عند الله الرزق .. الآية} .(244/45)
............ قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} .. وإذا قلت:المحبة استلزمت إرادة المحبوبات ، فإن قدر عليها حصلها ، وإن فعل المقدور عليه .. فله كأجر الفاعل (كمن دعي إلى هدر) .. وكقوله: ((إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً إلا وهم معكم حبسهم العذر)) .
فإذا ترك المقدور من الجهاد دل على ضعف المحبة ، ومعلوم أن المحبوبات لا تنال إلا احتمال المكروهات ، كما في أهل الرياسة والمال.
ومن المعلوم أن المؤمن أشد حباً لله .. والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره ، فمن أسلم لله ولغيره فمشرك ، ومن لم يسلم فمستكبر .. والكبر ينافي العبودية كما قال: ((العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني في واحد منها عذبته)) فهما من خصائص الربوبية ، والكبرياء أعلى من العظمة .. فلهذا جعلها كالرداء.
وفي الصحيح لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً . إلخ. قاله قبل موتهِ بأيام ، وذلك تمام رسالته ، فإن فيه من تمام تحقيق مخالته لله التي أصلها محبة الله العبد خلافاً للجهمية ، ومن ذلك تحقيق توصية الله رداً على أشباه المشركين وفه رد على من بخس الصديق حقه (وهم أضل) المنتسبين إلى القبلة وهم شر البشر.(244/46)
والحديث الذي فيه ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان .. إلخ. جعله بثلاثةِ أمور تحكم المحبة ، وتفريغها ، ودفع ضدها ، وكره من كره من أهل العلم مجالسة أقوام يكثرون الكلام في المحبة بلا خشية .. ولهذا وجد في المتأخرين من (أفضى به) ذلك إلى ما ينافي العبودية ، ومديد إلى نوع من الربوبية ، ويدَّعي أحدهم ما يتجاوز حدود الأنبياء ، ويطلب من غير الله ما لا يصلح إلا الله ، وسببه ضعف تحقيق العبودية التي بينها الرسل ، وحررها الأمر والنهي الذي جاءوا به ، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته ، وهو شبيه بقول اليهود والنصارى {نحن أبناء الله وأحباؤه} .. فإن تعذيبهم بذنوبهم يقتضي أنهم غير محبوبين .. لأن من أحبه الله استعمله فيما يحبه ، لأن فعل الكبائر واحد [المعنى أنه لا تفريق في فعل الكبائر بين أحد من الناس .. بل الله يبغض فعل الكبائر من كل أحد] .. فإن الله يبغض منه ذلك ، ومن ظن أن الذنوب لا تضره لكون الله يحبه ، فهو كمن ظن أن السم لا يضره من مداومته عليه لصحة مزاجه .. ولو تدبر الأحمق ما قصه الله في كتابه من توبة الأنبياء ، وما جهر لهم من البلاء الذي فيه تطهير لهم (دل) على ضرر الذنوب بأصحابها ، ولو كانوا أفرع الناس.
واتباع الشريعة والقيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة الله ، وبين من يدعي محبة الله ناظراً إلى عموم ربوبيته أو متبعاً لبعض البدع .. فإن دعوى هذه محبة من جنسِ دعوى اليهود والنصارى .. بل قد تكون شراً منها .. بل فيهم من النفاق الذي كون به في الدرك الأسفل من النار.(244/47)
وفي التوراة والإنجيل من ذكر محبة الله ما هم متفقون عليه حتى أن عندهم [أن] ذلك من أعظم وصايا الناموس .. ففي الإنجيل أن المسيح قال: أعظم وصايا المسيح أن تحب الله بكل قلبك وعقل ونفسك .. والنصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة لما فيه من الزهد والعبادة وهم برءاء من محبة الله إذ لم يتبعوا ما أحب الله ، بل اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم.
وكثيراً من الذين اتبعوا أشياء من الزهد والعبادة وقعوا في بعض ذلك من دعوى المحبة مع مخالفة الشريعة وترك الجهاد ، ويتمسكون في الدين الذي يتقربون به إلى الله بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه ، والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها ولو صدق لم يكن معصوماً ، وكل عمل أُريد به غير الله لم يكن لله ، وكل عملٍ لم يوافق شرعهُ ، لم يكن لهُ ، بل لا يكون لله إلا ما جمع الوصفين .. قال تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن .. } الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) .. وقال: ((إنما الأعمال بالنيات)) .. وهذا الأصل هو أصل الدين ، وبحسبه تحقيقه يكون تحقيق الدين وبه أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب ،وهي قطب الدين الذي تدور عليه رحاه.
والشرك غالب على النفوس ، كما في الحديث أخفى من دبيب النمل ، وكثير ما يخالط النفوس من الشهوات ما يفسد عليها تحقيق ذلك ، كما قال شداد بن أوس: "أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية" ، قال أبو داود هي حب الرياسة وفي الحديث: (ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)) .
يبين أن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص ، وذلك أن القلب ذاق حلاوة الإخلاص لم كن شيء أحب إليه منه ، فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه ، كما قال تعالى: {من خشي الرحمن وجاء بقلبٍ منيبْ ...(244/48)
وإذا أخلص العبد اجتباهُ ربه فأحيى قلبه ، وجذبه إليه ، بخلاف القلب الذي لم يخلص ،فإن فيه طلباً وإرادة ، تارة إلى الرياسة فترضيه الكلمة ولو كانت باطلاً وتغيظه الكلمة ولو كانت حقاً وتارة إلى الدرهم والدينار ، وأمتثال ذلك فيتخذ إلهه هواهُ ومن لم يكن مخلصاً لله بحيث يكون أحب إليه مما سواه ، (وإلا) استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين .. وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه ، فالقلب إن لم يكن حنيفاً وإلا كان مشركاً {فأقم وجهك للدين حنيفاً} .. الآيتين ..
وقد جعل الله آل إبراهيم أئمة للحنفاء ، كما جعل آل فرعون أئمة للمشركين المتبعين أهوائهم."
................
الوقفة السابعة:أن أهل الأهواء هم أهل التفرقة ومنهم الصوفية:
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في مُلحق المصنفات-هذه مسائل لخصها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله- ص19-20:
"21- بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم إلى ذي أهواء متفرقة وقلوب متشتتة ، فألف الله به بين القلوب ، وجمع به الشمل ، ثم إنه سبحانه بين أن هذا الأصل وهو الجماعة عماد لدينه ، فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .. {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} إلى قوله: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا إلى قوله خالدون} .. وفي الآية الأخرى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} ..
فبرأ الله نبيه منهم وقد كره صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم من المجادلة ما يفضي إلى الاختلاف والتفرق ، فخرج على قوم من أصحابه وهم يتجادلون في القدر فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان وقال: أبهذا أمرتم أم إلى هذا دعيتم .. إلخ. ثم ذكر ثلاثاً وسبعين فرقة ثم قال:في صف الفرقة الناجية بأنهم المستمسكون بسنته وأنهم هم الجماعة".
..............
الوقفة الثامنة:أن أهل الأهواء والمذاهب الباطلة لا ينقلون مذهبهم بصورته الحقيقية ومنهم الصوفية:(244/49)
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في مُلحق المصنفات-هذه مسائل لخصها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله- ص26:
"31- أعلم أن المذهب إذا كان باطلاً في نفسه لم يكن الناقل أن ينقله على وجه متصور تصوراً حقيقياً فإن هذا لا يكون إلا الحق ، فأما القول الباطل فبيانه يظهر فساده ، حتى يقال كيف اشتبه على أحد ويتعجب من اعتقاده ، ولا ينبغي للإنسان أن يتعجب فما من شيء يتخيل من أنواع الباطل إلا وذهب إليه فريق ، ولهذا وصف الله أهل الباطل بأنهم أموات ، وأنهم صم بكم ، وأنهم في قول مختلف ، وأنهم لا يعقلون."
...............
وهنا لعلي أقف وادع إكمال الحديث لوقت آخر .. فمرادنا التمثيل ، وبهذا القدر قد حصل، والمبطل قد بان كذبه .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة(244/50)
الإيضاح لما أشكل على الأستاذ الشراح بخصوص موقف ابن تيمية من الصوفية
د / حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين أما بعد ...
فقد اطلعت على المقابلة التي أجرتها صحيفة الأنباء بتاريخ 17/5/2004 مع الأستاذ الفاضل يوسف الشراح فرأيت فيها من الأخطاء العقائدية التي نسبها إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ما تقتضي النصيحة والأمانة العلمية بيانه لخطورة الموضوع إذ أنه في أصل الدين وأجل أركانه ألا وهو توحيد الله وإفراده وحده بالعبودية وترك عبادة كل ما سواه وإسلام الوجه له وحده بالإسلام إليه الذي هو ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين وهو الحنيفية السمحة التي بعث الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العالمين ولا أظن هذه الأخطاء إلا سبق لسان أو قلم من الأستاذ الفاضل أو أنه لم يحرر الأجوبة تحريرا علميا فعسى أن يراجع الأستاذ الفاضل هذه المسائل فهو من المشهود لهم بالعلم والفقه وهذا بيان مختصر للأخطاء الواردة في المقابلة:
أولا : جاء في مقدمة المقابلة (إن التصوف وسلوك الصوفيين أقرب الطرق وأوسعها إلى الله تعالى ) ؟!(245/2)
وهذا الإطلاق في هذه العبارة خطأ بلا شك بل أقرب الطرق إلى الله وأوسعها والطريق التي لا طريق إلى الله سواها هي طريق النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) وهو الإسلام الذي لا يقبل الله من الخلق دينا سواه كما قال تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقال تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) وقد كمل الدين وتمت النعمة وقامت الحجة على الخلق كافة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يمت حتى نزل قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اختلاف السبل وافتراقها فقال ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) فلم يقل عليكم بطريقة الفقهاء أو طريقة الصوفية أو طريقة أهل الحديث وقال أيضا( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) وقال ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي ) وفي رواية ( كتاب الله وعترتي ) فالطريق إلى الله الذي لا طريق سواه هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأعلم الخلق به وبطريقه وأشدهم اتباعا له هم الخلفاء الراشدون وآل بيته الطاهرون والصحابة المهديون الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ووعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار وذكرهم في التوراة والإنجيل وبشر الأمم بظهورهم فقال سبحانه في شأنهم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وجعلهم أمة وسطا وشهداء على العالمين كما في قوله تعالى ( وكذلك جعناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ووعدهم الاستخلاف في الأرض والنصر والظهور كما قال تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم(245/3)
دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) واشترط عليهم ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) فلما عبدوه وحده لا شريك له واتبعوا رسوله وعزروه ووقروه ونصروه نصرهم كما وعدهم فلم يمت آخر صحابي حتى أورثهم الله الأرض من حدود الصين شرقا إلى الأندلس غربا فتحقق موعوده لهم لما وفوا بعهودهم معه وتحقق الشرط لما تحقق المشروط فدل ذلك على أن طريقهم هو طريق الله وأن هديهم هو هدي الإسلام وأن من جاء بعدهم ليس له إلا اتباعهم .(245/4)
فلا يسوغ أبدا في دين الله أن يقال بأن أقرب الطرق وأوسعها طريق الصوفية أو طريق الفقهاء أو هذا المذهب أو ذاك وليس لأحد أن يدعوا أحدا إلى غير طريق القرآن والسنة والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباع هديه كما قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ) وكل وعبادة وسلوك واعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه خلفاؤه وآل بيته وأصحابه فهو محدث يجب رده كما قال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وقد أراد بعض الصحابة رضي الله عنهم أن يتبتلوا وينقطعوا للعبادة فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وجعل الجهاد في سبيل الله رهبانية هذه الأمة وقد جاء نفر منهم إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسئلونهن عن عبادة النبي فأخبرنهم فكأنهم تقالوها فقال أحدهم أما أنا فأقوم الليل كله ولا أنام وقال الآخر وأنا أصوم الدهر كله ولا أفطر وقال الآخر وأنا لا أتزوج النساء فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بخبرهم فقام خطيبا وقال ( أما أنا فأصلي وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فمن امتنع عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من المباحات كلبس الثياب الجميلة والطيب وأكل الطعام الطيب والزواج والنوم وركوب الدابة والسعي والعمل لطلب الرزق أوترك الجهاد في سبيل الله بدعوى التصوف والزهد فقد رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم ( ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه أما والله إني أعلمهم بالله وأتقاهم له ) وقد قال تعالى ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) وقد قال صلى الله عليه وسلم ( خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) فالواجب دعوة كل مسلم ومسلمة وكل مذهب وطائفة إلى هذا الأصل العظيم وهذا لا(245/5)
ينافي جواز تقليد العامة للأئمة والعلماء فيما لا يعرفونه من أمور دينهم كما قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) إلا إنهم لا يقلدون العالم لعصمته أو لأن طريقه أقرب الطرق إلى الله ولا لوجوب تقليد هذا العالم أو ذاك الإمام بعينه على وجه الخصوص بل لأنه يخبرهم بحكم الله ورسوله وإلا وجب عليهم ترك قوله واتباع الكتاب والسنة وهذا الأصل أجمع عليه الأئمة وسلف الأمة وقد قال ابن تيمية في الفتاوى 11/15 ( والصواب أن يعلم المسلم أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وخير القرون القرن الذي بعث فيهم وأن أفضل الطرق والسبل إلى الله ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء أو طريق أحد من العباد والنساك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع ومن جعل كل مجتهد أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا فهو مخطئ ضال مبتدع) وقال أيضا في 10 / 430 ( فمحمد صلى الله عليه وسلم أرسل إلى كل أحد فلا عقيدة إلا عقيدته ولا حقيقة إلا حقيقته ولا طريقة إلا طريقته ولا شريعة إلا شريعته ولا يصل أحد من الخلق إلى الله وإلى رضوانه وجنته وكرامته وولايته إلا بمتابعته باطنا وظاهرا في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة في أقوال القلب وعقائده وأحوال القلب وحقائقه وأقوال اللسان والجوارح ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
ثانيا : جاء في المقابلة ( التصوف عند ابن تيمية هو السلوك إلى الله تعالى وهذا الاسم داخل في الجملة في مسمى الصديق والولي والصالح ) ؟!(245/6)
وهذا خطأ فادح وفهم خاطئ وتصرف في عبارة ابن تيمية فقد قال بالنص في الفتاوى 11/70 (الفقير في عرفهم ــ أي في عرف العلماء المتأخرين ــ عبارة عن السالك إلى الله تعالى كما هو الصوفي في عرفهم أيضا ... والتحقيق أن المراد المحمود بهذين الاسمين داخل في مسمى الصديق والولي والصالح ونحو ذلك من الأسماء التي جاء بها الكتاب والسنة ...) فالمعاني المحمودة عند الصوفية هي التي تدخل في مسمى الولي والصالح لا اسم الصوفية نفسه فابن تيمية لم يعرّف الصوفي ولم يقل بأنه هو السالك إلى الله ولم يقل بأن اسم الصوفي داخل في مسمى الصديق والولي والصالح لأن اسم الصوفي ليس من الأسماء الشرعية الواردة في القرآن والسنة كالولي والصديق والصالح بل هو اسم محدث ! وإنما نقل تعريف المتأخرين لمعنى الصوفي في عرفهم والفرق بينه وبين الفقير وأيهما أفضل في نظر المتأخرين ثم رد ابن تيمية على الجميع بأن المعنى المحمود في هذين اللفظين المجملين داخل في مسمى الألفاظ الشرعية المحمودة كالولي والصديق والصالح أما الاسمين ذاتهما أي اسم الصوفي والفقير فهما من الأسماء المجملة التي لا تمدح مطلقا ولا تذم مطلقا فلفظ الفقير كلفظ الغني ( وفي كلا الطائفتين : المؤمن الصديق والمنافق الزنديق ) كما قال ابن تيمية في نفس الصفحة ولو قرأ الأستاذ الفاضل يوسف الشراح أول الفتوى 11/5 لعرف مقصود ابن تيمية ولم يقع في هذا الخطأ فقد سئل عن لفظ الصوفية والفقراء فقال : ( لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي فقيل إنه نسبة إلى أهل الصفة وهو غلط وقيل نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله وهو أيضا غلط وقيل نسبة إلى الصفوة من خلق الله وهو غلط ) ثم ذكر في 11/ 17 اختلاف علماء السلف وتنازعهم في ذم الصوفية ثم قال 11/27 ( فالسالك طريق الفقر والتصوف والزهد والعبادة إن لم يسلك بعلم يوافق الشريعة وإلا كان ضالا عن الطريق وكان ما(245/7)
يفسده أكثر مما يصلحه والسالك من أهل الفقه والعلم والنظر والكلام إن لم يتابع الشريعة ويعمل بعلمه وإلا كان فاجرا ضالا عن الطريق ) وقال أيضا في الفتاوى 10/369 ( وقد تكلم بهذا الاسم قوم من الأئمة كأحمد بن حنبل وأبو سليمان الدارني وغيره وأما الشافعي فالمنقول عنه ذم الصوفية وكذلك مالك فيما أظن وقد ذم طريقهم طائفة من أهل العلم ومدحه آخرون والتحقيق فيه أنه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره من الطريق ) فابن تيمية لم يمدح التصوف مطلقا ولا ذمه مطلقا لأن لفظه مجمل محدث ليس من الألفاظ الشرعية بل مدح المعاني المحمودة عند الصوفية لموافقتها للشريعة وذم المعاني المحدثة لمخالفتها للشريعة وهي المعاني التي بسببها ذم الإمام الشافعي والإمام أحمد الصوفية وحذروا منها والخلاف والعداء الشديد هو بين الفقهاء وأهل الرأي والحديث والكلام من جهة ويطلق عليهم أهل الشريعة والصوفية وأهل السلوك من الزهاد والعباد من جهة أخرى ويطلق عليهم أهل الحقيقة وقد جاء شيخ الإسلام فصار حكما بين الطائفتين ووضح بأن عند كلا الفريقين حقا وباطلا وصوابا وخطأ وأما التصوف الفلسفي فهو شيء آخر وكلام ابن تيمية في إبطاله ونقضه معروف .(245/8)
ثالثا : جاء في أسئلة المقابلة ( عند بعض الصوفية ما يسمى بالأحوال والفناء والسكر فما هي وماذا تعني ؟ ) ثم ساق الأستاذ الشراح كلاما طويلا لشيخ الإسلام ابن تيمية فيه تفصيل لمراتب الناس حين السماع وما يرد عليهم من الأحوال يفهم منه موافقة ابن تيمية لما يحدث للصوفية من أحوال في هذا الباب وهذا خطأ في الاستدلال ووضع لعبارات ابن تيمية في غير مواضعها وإنما كان ابن تيمية يتحدث في الفتاوى 11/7 ــ 9 عن عباد أهل البصرة من التابعين الذين اشتهروا بالزهد والعبادة إذا سمعوا القرآن والأحوال التي ترد عليهم حين سماعهم له كالبكاء والصعق والغشي فكان الواجب عل الأستاذ أن يذكر عبارة ابن تيمية كاملة أو يشير إلى ما يوضح مراده أما إطلاق العبارة على النحو المذكور في المقابلة فإنه يوهم أن ابن تيمية يقرر هذه الأحوال مطلقا ولم يشر الأستاذ الشراح في إجابته عن هذا السؤال ولو مرة واحدة إلى أن المراد هنا هو السماع القرآني مع أنها وردت في الفتاوى تسع مرات عدا الأيات القرآنية التي أوردها ابن تيمية لبيان أحوال الناس عند سماع القرآن ؟!! ولو نظر الأستاذ الفاضل في الفهرس 36 /191 حيث جاء فيه ( مراتب الناس عند سماع كلام الله ثلاثة ) لعرف المراد من كلام ابن تيمية وكذا لو نظر في المجلد ذاته ص 590 ـــ 591 لعلم أن كلامه في هذه الأحوال هو في حال السماع القرآني الإيماني لا السماع البدعي الشيطاني حيث قال في آخره ص 596 ( فمن اتخذ الغناء والتصفيق عبادة وقربة فقد ضاهى المشركين في ذلك فينبغي التفريق بين سماع المؤمنين الذي أمر الله به ورسوله وسماع المشركين الذي نهى الله عنه ورسوله ) ولهذا قال في ص 599 عن الأحوال التي ترد على أهل هذا السماع الشركي الشيطاني ( ولو ورد على الإنسان حال ــ كالبكاء والصعق والغشي ــ بسبب مشروع كسماع القرآن ونحوه سلم إليه ذلك الحال فأما إذا تكلف من الأحوال ما لم يؤمر به ــ كالسماع الشيطاني ــ فهذه(245/9)
الأحوال الفاسدة من كان فيها صادقا فهو مبتدع ضال من ذوي الأحوال الفاسدة الذين ضارعوا عباد المشركين في بعض أحوالهم ومن كان كاذبا فهو منافق ضال ولهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) قال أخلصه وأصوبه فإن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة .... فإن الذين دخلوا في السماع المبتدع ولم يكن معهم أصل شرعي شرعه الله ورسوله أورثتهم أحوالا فاسدة ) فابن تيمية يفرق بين الأحوال التي ترد على العبد عند السماع المشروع وهي أحوال صالحة والتي ترد عليه عند السماع الممنوع وهي أحوال فاسدة ولا يساوي بين الحالين ولا بين السماعين . وانظر تفصيله للمسألة في الفتاوى 11/629 ـــ 633
رابعا: جاء في أسئلة المقابلة سؤال عن الاحتفال بالمولد والإسراء والمعراج وأنه من الدين ؟
وقد جاء في إجابة الأستاذ الشراح ( الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم والضرب بالدفوف ليسا من البدع والمنكرات عند جماهير أهل العلم كما هو معروف )! وادعى بأن ابن تيمية أيضا يرى جواز الاحتفال بالمولد ؟! وجاء في المقابلة بالخط العريض ( الاحتفال بالمولد والضرب بالدفوف يعتبر من الدين ) !!!
ولا يخفى خطورة مثل هذه الآراء وما فيها من جناية على العقل والدين والعلم من وجوه وهي :
1- إن الاحتفال بالمولد من البدع التي حدثت في الدولة العبيدية بإجماع المؤرخين ولم يعرفه المسلمون لا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة ولا التابعين ولا أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية فهو أمر محدث بلا نزاع بين أهل العلم .(245/10)
2- كما إنه لا يعرف للأئمة ولا لأحد من سلف الأمة قول في إباحة الاحتفال بالمولد فكيف بجماهير أهل العلم كما جاء في كلام الشراح ؟! بل أصول مذاهبهم كلهم تمنع من ذلك إذ هو من المحدثات في الدين ومن التشبه بالنصارى الذين يحتفلون بمولد المسيح وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تحذر من البدع والمحدثات عامة ومن التشبه باليهود والنصارى خاصة.
3- إن ابن تيمية نفسه نص على كون المولد بدعة ومضاهاة للنصارى حيث قال في اقتضاء الصراط المستقيم 291 ( كذلك ــ أي ما لا أصل له في الدين ــ ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) وهذا النص من كلام ابن تيمية يوضح مراده الذي أخطأ في فهمه الأستاذ الشراح وليس بين هذا النص الصريح والنص المجمل الذي احتج به الأستاذ سوى صفحة واحدة ؟!! فابن تيمية يقرر هنا بأن الاحتفال بالمولد بدعة لا أصل لها وأنه من مضاهاة النصارى والتشبه بهم الممنوع شرعا وإنما قد يفعله بعض المسلمين تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ومحبة له فيؤجرون على محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا على الاحتفال بالمولد ذاته فهو بدعة مكروهة عنده ولهذا قال بعد النص السابق مباشرة ( إن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا(245/11)
مكروها) .
4- وكلام ابن تيمية السابق إنما هو في الاحتفال والاجتماع في يوم مولده لذكره صلى الله عليه وسلم وذكر أخباره وسيرته دون أن يصحب ذلك شيء من المحرمات فإذا كان مع ذلك ضرب بالكف والدف وغناء ورقص فالأمر عند ابن تيمية أشد حيث يقول في الفتاوى 11/57 ( وأما سماع المكاء والتصدية وهو الاجتماع لسماع القصائد الربانية سواء كان بكف أو بقضيب أو بدف أو بشبابة ــ الربابة ــ فهذا لم يفعله أحد من الصحابة ولا من التابعين وإنما كان السماع الذي يجتمعون عليه سماع القرآن ) وقال في ص 295 ( سماع الغناء والملاهي هو سماع المشركين قال الله تعالى [ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ] فكان المشركون يتخذون مثل هذه عبادة وأما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعبادتهم ما أمرهم الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك من الاجتماعات الشرعية ... وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم يكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأئمة الكبار من أئمة الدين يجعلون هذا طريقا إلى الله تعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعي خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن ) وقال في ص 531 ( أما السماعات المشتملة على الغناء والصفارات والدفوف المصلصلات فقد اتفق أئمة الدين أنها ليست من جنس القرب والطاعات .... وأما الاستماع إلى القصائد الملحنة والاجتماع عليها فأكابر الشيوخ ــ أي من الصوفية ــ لم يحضروا هذا السماع كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وقد حضره طائفة منهم ثم تابوا منه ورجعوا عنه والذين حضروا السماع المحدث الذي جعله الشافعي من إحداث الزنادقة لم يكونوا يجتمعون مع المردان ولا مع المصلصلات وشبابات وكانت أشعارهم مزهدات مرققات فأما السماع المشتمل على منكرات الدين فمن عده من القربات إلى الله استتيب فإن تاب وإلا قتل .... أما من يفعله(245/12)
على وجه اللهو واللعب لا على وجه القربة إلى الله فهذا فيه تفصيل فأما المشتمل على الشبانات والدفوف المصلصلة فمذهب الأئمة الأربعة تحريمه وذكر ابن الصلاح أن هذا ليس فيه خلاف في مذهب الشافعي ) وقال في ص 565 ( وبالجملة فقد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو القضيب أو الدف كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة لا لعامي ولا لخاصي لكن رخص في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ) وقال في ص 569 ( وسئل عنه الإمام أحمد ـ أي التغبير ـ فقال أكرهه هو محدث . قيل أنجلس معهم ؟ قال : لا .... وكذلك سائر أئمة الدين كرهوه وما ذكره الشافعي من أنه من إحداث الزنادقة كلام خبير بأصول الإسلام فإن هذا السماع لم يرغب فيه ويدعو إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة كابن الراوندي والفارابي وابن سينا ... وأما الحنفاء أهل ملة إبراهيم الذي جعله الله للناس إماما وأهل دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا غيره المتبعون لشريعة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ليس فيهم من يرغب في ذلك ولا من يدعو إليه وهؤلاء هم أهل القرآن والإيمان والرشاد والفلاح ) وقال في ص 576 ( فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته أما من فعلها على وجه التمتع واللعب فمذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام والمعازف هي الملاهي ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا ولكن تكلموا في الغناء المجرد عن آلات اللهو هل هو حرام أو مكروه أو مباح وذكر أصحاب أحمد في ذلك ثلاثة أقوال وذكروا عن الشافعي قولين ولم يذكروا عن أبي حنيفة ومالك في ذلك نزاعا ) وقال في شأن من يتقربون إلى الله بمثل هذا السماع في ص 633 ( هؤلاء(245/13)
ضلال باتفاق علماء المسلمين ولا يقول أحد من أئمة المسلمين إن اتخاذ هذا دينا وطريقا إلى الله أمر مباح بل من جعل هذا دينا وطريقا إلى الله تعالى فهو ضال مفتر مخالف لإجماع المسلمين ...) وقد نقل ابن الصلاح الفقيه الشافعي كما في مجموع الرسائل المنيرية 3/183إجماع المسلمين على تحريم الغناء مع الدف والشبابة . وقد ذكر السفاريني في غذاء الألباب 1/167 حجة من أباح السماع البدعي من الصوفية ثم قال عن كلامهم ( هذا وأمثاله عند أهل العلم غير منظور إليه ولا ملتفت له ولا معول عليه )
فكيف يقال بعد ذلك بأن الاحتفال بالمولد والضرب بالدفوف ليسا من البدع والمنكرات عند جماهير أهل العلم ؟ ومن هم هؤلاء الجماهير ما دام النقل عن الأئمة الأربعة بل إجماع الأمة ثابت بتحريم كل ذلك ؟(245/14)
والحاصل أن الاحتفال بالمولد النبوي والاجتماع لذكر أخبار السيرة بدعة وأمر محدث عند ابن تيمية إلا أن من يفعله تعظيما وحبا للنبي ولا يعرف الحكم الشرعي قد يؤجر لا على الاحتفال المحدث بل على حب النبي صلى الله عليه وسلم واجتماع الناس في مولده على ذكر سيرته وتدارسها خير من أن يجتمعوا على اللغو واللهو فإن الناس إن لم يشتغلوا بالطاعات اشتغلوا بالمحرمات ولهذا قال ابن تيمية في الصراط 297 بأن أولئك قد يؤجرون لحسن قصدهم وتعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم وقال ( فإذا رأيت من يفعل هذا ولا يتركه إلا إلى ما هو شر منه فلا تدعو إلى ترك منكر لفعل ما هو أنكر منه ولكن إذا كان في البدعة نوع من الخير فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان إذ النفوس لا تترك شيئا إلا بشيء ) فأما إذا كان مع الاجتماع غناء بالصوت فالأمر حينئذ يكون أشد في الحرمة عند ابن تيمية لأن من يفعلونه يتخذونه قربة إلى الله وهو ما لم يشرعه الله فإن كان معه ضرب بالدف والكف فهو من المنكرات والمحرمات المجمع عليها بين الأئمة لورود النصوص التي تقضي بحرمة آلات اللهو والمعازف في حال اللعب واللهو ـ إلا للنساء في الأعراس والأفراح ـ فكيف في حال العبادة والتقرب إلى الله؟! فقد أخطأ الأستاذ الفاضل حين نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية إنه يرى جواز الاحتفال بالمولد كما أخطأ حين ادعى بأن الضرب بالدف في المولد ليس من البدع ولا المنكرات عند جماهير الفقهاء .
خامسا : جاء في أسئلة المقابلة ( هل يعتبر الإخبار بالمغيبات من المحظورات ؟ ) وأجاب الأستاذ الشراح بقوله ( يقول ابن تيمية في الفتاوى 5/252 إنه لا مانع من الإخبار بالغيبيات ....) وجاء في أسئلة المقابلة سؤال عن الاعتقاد بالأولياء وأنهم يعلمون الغيب وأن كراماتهم لا حد لها فلم ينكره الشراح بل أقره !!(245/15)
وهذا ادعاء باطل مصادم لقطعيات الكتاب والسنة وإجماع الأئمة وسلف الأمة فلا يعلم الغيب إلا الله وحده وأما ما يطلع الله عليه أنبياءه ورسله من الغيبيات فإنه يخرج بإخبار الله لهم ووحيه إليهم من دائرة ما اختص الله بعلمه من الغيب وهذا كما يعلم أتباع الرسل كافة بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور مع أنه لا يعلم متى يقع ذلك إلا الله وحده ومن ذلك قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) وقال في شأن النبي صلى الله عليه وسلم ( قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ) وقال تعالى ( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله]) وقد قالت عائشة كما في صحيح مسلم (من زعم أن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية) فالله وحده الذي يعلم الغيب ولا يعلم الغيب أحد سواه بنص القرآن ومحكم آياته فلا يقال بأن أحدا يعلم الغيب إذ مثل هذا القول رد صريح على الله ورسوله أما كلام ابن تيمية فقد أخطأ الأستاذ الفاضل في فهمه خطأ فادحا واقتطعه من سياقه الذي لا علاقة له بالموضوع الذي أراد الاستشهاد به له وهذا نص عبارته كما في الفتاوى 5/250 ( قال الله تعالى ( وله المثل الأعلى ) فإنه سبحانه لا يماثله شيء أصلا فنفسه لا يماثلها شيء من الموجودات وصفاته لا يماثلها شيء من الصفات وما في القلوب من معرفته لا يماثله شيء من المعارف ومحبته لا يماثلها شيء فله المثل الأعلى كما أنه في نفسه الأعلى ...... والخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي ــ أي صورة ذهنية ــ بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وكتابه ورسوله فهم متنوعون في ذلك متفاضلون وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا من أمور الغيب هو كذلك بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات وهم متنوعون في الرؤية والسماع فالواحد منهم يتبين له من حال(245/16)
المشهود ما لم يتبن للآخر حتى قد يختلفون فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر فكيف فيما أُخبروا به من الغيب ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم عن الغيب في أحاديث كثيرة وليس كلهم سمعها مفصلة بل هم متفاضلون في السمع والفهم كتفاضل معرفتهم وإيمانهم بحسب ذلك ...... وهذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله ورسوله وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته إلا من كان منافقا يظهر الإيمان بلسانه ويبطن الكفر بالرسول فهذا ليس بمؤمن وكل من أظهر الإسلام ولم يكن منافقا فهو مؤمن له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك وهو ممن يخرج من النار ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلم لم تدخل أمته الجنة فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة بل يدخلونها وتكون منازلهم فيها متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى فهو يتحدث عن تفاضل الناس في إدراكهم وتصورهم للأشياء بحسب تفاوت علمهم بها مع اشتراكهم في معرفتها والإيمان بها إجمالا ويضرب على ذلك مثلا فيما يشترك الناس في مشاهدته بحواسهم ومع ذلك يتفاوتون في مدى إحاطتهم علما بهذا المشاهد المحسوس حتى إن بعضهم قد يثبت له ما ينفيه الآخر عنه بحسب قوة المشاهدة وضعفها وبعدها وقربها فإذا كان الأمر كذلك في الحسيات فما بالك بالغيبيات التي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته؟ لا شك بأنهم سيتفاوتون في تصورهم وإدراكهم لها بحسب علمهم بما جاء من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وفهمهم لمعاني كلامه صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الغيبيات مع كون المؤمنين جميعا يؤمنون بهذه الغيبيات إجمالا فكلهم يؤمن بالجنة والنار إلا(245/17)
إنهم يتفاضلون في هذه المعرفة حتى إن بعضهم كأنه يراها رأي العين فيكون أشد خشية لله وأشد رغبة ورهبة من غيره من المؤمنين فليس في هذه العبارة من كلام ابن تيمية لا من بعيد ولا قريب ما يشير إلى أنه يرى بأن الأولياء أو أحدا من الخلق يعلم شيئا من الغيب كما يدعي الأستاذ الشراح وقد أراد الأستاذ الفاضل أن يحتج بقول ابن تيمية ( وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا من أمور الغيب ) ظنا منه بأنه يقصد الغيب المطلق وهو خطأ بل مقصود ابن تيمية في هذه العبارة مطلق الغيب فيدخل فيه كل ما غاب عن الإنسان حتى من أمور عالم الشهادة فهذه هي التي يخبر الناس بعضهم بعضا بها كما في قصة أخوة يوسف حين قالوا ( ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ) ولهذا قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن ص 366 ( الغيب مصدر غابت الشمس إذا استترت عن العين واستعمل في كل غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الإنسان .. والغيب في قوله تعالى (يؤمنون بالغيب ) مالا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداهة العقول وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام ) انتهى كلام الراغب وهو يزيل الإشكال الذي وقع فيه الأستاذ الشراح حين أخطأ في فهم عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي نص في مواطن كثيرة من كتبه على بطلان إدعاء علم الغيب للأولياء بعبارات محكمة صريحة كان الواجب على الأستاذ الفاضل الرجوع إليها لمعرفة مراده على وجه الصحة ومما يوضح مراد شيخ الإسلام قوله ( وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا ) وكلمة الناس هنا عامة تشمل الصالح والطالح ولو كان قصده أن بعض الصالحين أو بعض الأولياء يعلم شيئا من الغيب كما فهم الشراح لما جاء بلفظ عام مما يؤكد أنه قصد ما يخبر الناس به بعضهم بعضا من الحوادث التي يشهدها بعضهم ويغيب عنها بعضهم ولهذا قال مباشرة ( بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات وهم متنوعون في الرؤية والسماع) فإذا كانوا يتفاوتون في إدراك ما يشاهدونه(245/18)
جميعا فكيف يكون حالهم فيما يشاهده بعضهم ويخبر به من غاب منهم ؟ لا شك في أنهم أشد تفاوتا في العلم والإدراك والتصور وقد قال في الفتاوى 16 /110 ( قال سبحانه [ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ... فإنهم ــ أي من في السموات والأرض ــ مع كونهم من أهل العلم والمعرفة لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله وهذا هو الغيب المطلق عن جميع المخلوقات الذي قال فيه [ فلا يظهر على غيبه أحدا ] والغيب المقيد ما علِمَه بعض المخلوقات من الملائكة والجن والأنس وشهدوه فإنما هو غيب عمن غاب عنه وليس غيبا عمن شهده والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشاهده هذا فيكون غيبا مقيدا ) وقد نص القرطبي في تفسيره 7 /2 على كفر من ادعى علم الغيب فقال ( من أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة أنها تكون قبل أن تكون فلا ريب في كفره ) وكذا قال ابن العربي في أحكام القرآن 2 /738 وقال القاضي عياض (الكهانة ادعاء علم الغيب ) ولم يطلع الله على غيبه إلا من شاء من رسله كما قال القرطبي ( الله تعالى عنده علم الغيب وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه ومن شاء حجبه عنها حجبه ولا يكون ذلك إلا من إفاضته على رسله بدليل قوله تعالى [ وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله ن يشاء] وقال [لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ] ) وقد نص الفقهاء من جميع المذاهب الفقهية على حرمة الاعتقاد بأن أحدا من الخلق يعلم الغيب وأنه كفر وشرك وهذا مذهب الحنابلة وهو مذهب مالك كما نص عليه ابن العربي والقرطبي بلا خلاف عندهم وكما نص عليه البغوي الشافعي في تفسيره 4 / 405 وهو مذهب الحنفية كما في الفتاوى الهندية 6 / 323 والبحر الرائق 3 / 88 ومن هنا ندرك خطورة ما جاء في السؤال والجواب في المقابلة حيث جاء فيها (هل كان ابن تيمية يعلم الغيب ويشفي المرضى كما يقولون ؟ ) فأقر الأستاذ الشراح ذلك واستشهد عليه بما(245/19)
وقع لبعض تلاميذ ابن تيمية حين أرادوا سؤاله والتحاكم إليه في مسألة فأجابهم ابن تيمية قبل أن يسألوه .....الخ
وهذ دليل واضح على اللبس الذي وقع فيه الأستاذ الفاضل فلم يفرق بين علم الغيب ـــ الذي اختص الله به ولم يظهر عليه أحدا إلا من ارتضى من رسله ـــ والكهانة ـــ وهي ادعاء العرافين والمشعوذين والسحرة علم الغيب والإخبار عما غاب عنهم من الأمور ـــ والفراسة والفطنة والرؤيا الصادقة وما يقذفه الله في قلب المؤمن من نور يستبصر به عواقب الأمور فهذه ليست من علم الغيب ولا من الكهانة في شيء ولا يعلم صاحبها صحة تحققها على القطع بل على الظن حتى تقع فيعلم حينئذ أن ما وقع في قلبه كان حقا أما قبل حدوثها فلا يعلم تحقق صدقها بل قد يثبت خلاف ما ظنه ولا يصدق عليه بأنه كان يعلم الغيب ولهذا قال ابن تيمية في الفتاوى 11/ 65 (أما خواص الناس قد يعلمون عواقب أقوام بما كشف الله لهم لكن هذا ليس مما يجب التصديق العام به فإن كثيرا ممن يظن به أنه حصل له هذا الكشف يكون ظانا في ذلك ظنا لا يغني من الحق شيئا وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة ويخطئون أخرى كأهل النظر والاستدلال في موارد الاجتهاد ولهذا وجب عليهم جميعا الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يزنوا مواجيدهم ومشاهداتهم وآرائهم ومعقولاتهم بكتاب الله وسنة رسوله ولهذا وجب على جميع الخلق اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته في جميع أموره الباطنة والظاهرة ولو كان أحد يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب والسنة لكان مستغنيا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض دينه وهذا من أقوال المارقين ) انتهى كلامه .(245/20)
أما القول بأن ابن تيمية يشفي المرضى فهذا خطأ فادح يقدح في أصل التوحيد ولعل الأستاذ الشراح لم يقصد ظاهر اللفظ فالذي يشفي المرضى هو الله وحده لا شريك له كما قال إمام الموحدين إبراهيم [ وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين ] فكما لا يحيي ويميت إلا الله كذلك لا يشفي العبد ولا يبتليه إلا الله وحده وهذه من خصائص الربوبية كما قال تعالى ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ) وأما عيسى فإنما كان يحيي الموتى ويشفي المرضى بإذن الله وقد جعل الله عز وجل ذلك دليل صدق نبوته ومعجزته وإنما الطبيب يعالج ويتطبب وأما الشفاء فهو بيد الله وحده .
سادسا : جاء في أسئلة المقابلة ( هل يوافق ابن تيمية على قدرات الأولياء وتأثيراتهم التي يؤمن بها الصوفية ؟ ) فجاء الجواب بالإيجاب واستشهد الأستاذ الشراح بعبارة ابن تيمية في الفتاوى 3 / 156 ( من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات ) وهذا استشهاد في غير مكانه وخطأ علمي من أربعة وجوه :(245/21)
الوجه الأول : السؤال الموجه للشراح كان عن تأثير الولي وقدرته في عقيدة الصوفية وتصوراتهم الذين يعتقدون أن للأولياء قدرة التصرف في الوجود إمدادا وإيجادا وابن تيمية يتحدث عن كرامة الولي عند أهل السنة الذين يؤمنون بهذا الأصل وفق تصورهم فلا بد من معرفة تصور كلا الطائفتين لمعنى قدرة الولي وكرامته فابن تيمية نفسه رد على الصوفية ادعائهم أن الأولياء يتصرفون في الوجود وعد هذا الاعتقاد شركا في الربوبية فكيف يؤتى بكلامه دون فهم مراده للاستشهاد به فيما هو عنده كفر وشرك ومما يوضح ذلك آخر العبارة في النص المذكور حيث قال ( وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ) فقد قيد مراده بالمأثور عمن سلف من الصالحين ممن حدثت لهم كرامات ثبتت بالقرآن والأخبار الصحيحة .
الوجه الثاني : أن الولي عند أهل السنة ليس له قدرة وتأثير في حدوث الكرامات بل الله عز وجل يجريها لهم بلا علم منهم ولا إرادة وقدرة فالله هو الذي يوقعها إكراما لهم متى شاء سبحانه بلا اختيار منهم بدليل أنهم تارة يستسقون الله إذا أصابهم القحط فيسقيهم ويمطرهم فتكون كرامة لهم وتارة يستسقون فلا يمطرون وكما يستنصرون الله على عدوهم ويسألونه المدد سبحانه فينصرهم مع قلة عددهم وعدتهم وتارة لا ينصرهم بل يبتليهم ويمحصهم ...الخ ولهذا قال ابن تيمية كما في النص السابق ( ما يجري الله على أيديهم ...) ولم يقل ( ما يحدثونه هم من التأثيرات ) بينما السؤال هو عن قدرة الصوفية وتأثيراتهم وبين الأمرين فرق كبير .(245/22)
الوجه الثالث : أن أهل السنة يثبتون كرامات الأولياء الصالحين الأحياء أما الأموات فقد انقطعوا عن هذا العالم وصاروا في عالم البرزخ فلا قدرة ولا تأثير لهم في هذا الوجود لا نفعا ولا ضرا بينما الصوفية حين يتحدثون عن كرامات الأولياء فإنما يعنون بالدرجة الأولى ويقصدون بذلك الأولياء الموتى ويؤمنون بأنهم في قبورهم يتصرفون في هذا الوجود فيغيثون من استغاث بهم وينصرون من استنصرهم ويشفون المرضى ....الخ بل ويؤمنون بأن أرواح الأولياء تجتمع في ديوان وأنهم يتصرفون في الوجود بالإيجاد والإمداد وقد دار حوار بين الإمام محمد عبده مفتي مصر والشيخ الدلاصي الصوفي كما في الأعمال الكاملة لمحمد عبده 3 / 543 حول هذه المسألة وقد قال الدلاصي بأن الشيخ الشاذلي وأبا العباس المرسي من أولياء الله ومن أصحاب السر والمدد وأن أتباعهم في حياتهم وبعد مماتهم يتوسلون بهم ويطلبون منهم المدد والسر كما نرى ذلك في كتبهم فرد عليه الشيخ محمد عبده وأنكر ذلك وقال له : هل جاء مثل هذا الذي تنقله عن هؤلاء الأولياء في كتاب الله تعالى ؟ قال الدلاصي : لا ! فقال عبده : هل جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال الدلاصي : لا! قال : هل نقل مثله عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة ؟ قال : لا ! قال عبده : هل نقل مثله عن التابعين والأئمة المجتهدين وقدماء الصوفية ؟ قال : لا ! فقال عبده : خذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والأئمة الأربعة وقدماء الصوفية كالجنيد وسائر أهل القرن الأول والثاني وضعهم في كفه وضع من ذكرت من المشايخ المتأخرين في كفه واتبع الراجح ...الخ(245/23)
والحاصل أن الأولياء في عرف الصوفية هم الأموات من الأئمة الصالحين لا الأحياء المعاصرين فحين يتحدثون عن التأثير والقدرة ونحوهما فإنما يقصدون تأثير هؤلاء الأموات من أصحاب القبور وقدرتهم على التصرف في هذا الوجود وهو ما لا يقوله أهل السنة ولا يثبتونه للأموات ولا للأحياء لا للأولياء ولا للأنبياء بل هذا هو الشرك في الربوبية الذي يخرج صاحبه من الملة كما نص على ذلك عامة الفقهاء كما سيأتي بيانه.
الوجه الرابع : أن أهل السنة يثبتون وقوع الخوارق كما يثبتون وقوع الكرامات والفرق بينهما أن الكرامات عندهم خاصة بالمؤمنين الصالحين كما قال تعالى ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ) فالإيمان والتقوى واتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به ظاهرا وباطنا هو طريق الولاية وما يحدث لهؤلاء المؤمنين المتقين من خوارق العادات هو الكرامات أما الخوارق التي تقع من غيرهم من أهل الباطل كالسحرة والمشعوذين والمشركين وأهل القبور القائمين على الأضرحة فهي من الاستدراج والمكر بهم وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) لبيان هذه المسألة على وجه الخصوص وجاء فيه كما في ص 150 ( كرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنما تحصل عند الشرك مثل دعاء الميت والغائب أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات ومثل الغناء والرقص فهذه أحوال شيطانية كما قال تعالى [ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين]...).(245/24)
سابعا : وجاء في أسئلة المقابلة سؤال عن الاعتقاد بأن النبي صلى الله عليه وسلم ينفع الناس بعد وفاته وأنه يغيثهم إذا توسلوا به وأجاب الأستاذ الشراح مؤكدا مشرعية كل ذلك ؟!! وقال الأستاذ الشراح في جوابه ( التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بدعائه ومحبته أو بذاته بعد وفاته مما أجازه جمهور أهل العلم خلافا لابن تيمية ...) وأن هذا من القضايا الاجتهادية التي يسوغ الخلاف فيها وأن ابن تيمية خالف الجمهور بل حتى مذهب الحنابلة ...الخ .(245/25)
ولعل هذه القضية على وجه الخصوص هي أشد ما جاء في المقابلة خطرا وكم تمنيت أن لا يخوض الأستاذ الفاضل في هذا الباب لخطورة موضوعه وقد اختلط عليه الأمر فلم يفرق بين موضوع التوسل ومفهومه وموضوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أنه ينفع الناس بعد وفاته ويغيثهم مع مصادمة ذلك لقطعيات الكتاب والسنة وإجماع الأمة كما قال تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) وقال على لسان نبيه (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ) وقال أيضا ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) وقال تعالى ( قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ) وقال تعالى في بيان حال أهل الشرك وأنهم يخلصون له حين يمسهم الضر ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) ....الخ والقرآن كله إنما جاء لبيان هذا الأصل العظيم وهو أنه لا يستحق العبودية إلا الله وحده لأنه لا يملك الضر والنفع والرزق والمنع إلا هو سبحانه فكيف يسأل عباده غيره من الأنبياء كالمسيح أو الأولياء كالخضر أو الجن كما كان أهل الجاهلية يصنعون ؟ فهذه الآيات وغيرها تدل دلالة قطعية على أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم لا يملك لنفسه ولا لغيره رشدا ولا نفعا ولا ضرا ولا دفعا بل هو كما قال تعالى عنه [ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد ] وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني كم أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله ) وهذا الأصل لا خلاف فيه لا في مذهب الحنابلة ولا غيره من المذاهب الفقهية فقد جاء في كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب أحمد بن حنبل للمرداوي الحنبلي 10/ 327 ( من أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته ... كفر قال الشيخ ــ أي ابن تيمية ــ وكذا الحكم لو جعل بينه وبين الله(245/26)
وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعا ) وقد أقره المرداوي وجاء مثله في كشاف القناع للبهوتي المصري الحنبلي وكتابه من أمهات كتب المذهب حيث قال في 6 / 168 ( أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعا أي كفر لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام القائلين [ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ] ..) فقد علل العلامة البهوتي الحكم عليه بالكفر لأنه ضاهى عباد الأصنام فلا خلاف في مذهب الحنابلة في أن اتخاذ واسطة تقرب إلى الله كفر وهذه حجة مشركي العرب حين قالوا عن معبوداتهم ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقد نقل شيخ الإسلام إجماع العلماء على ذلك وهو حجة في نقله بلا خلاف وعلى من يدعي الخلاف إثبات أن من الأئمة أو سلف الأمة من خالف في ذلك بل هذا هو معنى الإسلام ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله كما قال تعالى (وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) وقد سمى الله الدعاء عبادة كما قال تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) أي إن الذين الذين يستكبرون عن دعائي لأن الدعاء هو الشيء الذي أمرهم به في أول الأية وقال تعالى (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين) وجاء في الحديث ( الدعاء هو العبادة ) فمن دعا ميتا أو غائبا فقد أشرك بالله سواء دعا نبيا أو وليا وأصل سبب الشرك هو الفتنة بأصحاب القبور كما قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى ( لا تذرون ودا ولا سواع ولا يغوث ويعوق ونسرا ) وأنهم قوم صالحون فلما ماتوا عظمهم من جاء بعدهم فأقاموا لهم تماثيل ليتذكروهم ثم آل بهم الأمر إلى التوسل بهم والاستغاثة بهم ودعائهم ليقربوهم إلى الله زلفى وقد ثبت في الحديث الصحيح عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب عندما أرسل أبا الهيجاء فقال له ( ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا(245/27)
سويته) وما ذلك إلا لقطع ذرائع الشرك ومنع عودة الوثنية بسبب تعظيم الناس للموتى وفتنتهم بهم بل فتنتهم بأصحاب القبور أشد من فتنتهم بالأحياء من الأنبياء والأولياء فما عبد المسيح إلا بعد أن توفاه الله إليه وكذا كل الأنبياء والأولياء إنما عبدهم الناس وأشركوا بهم بعد وفاتهم ولهذا تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يُتخذ قبره مسجدا وأن لا يُصلى في القبور ولا يُصلى إليها وأن لا تتخذ عليها السرج وأن تساوى في الأرض وكان صلى الله عليه وسلم يدعو كما في الحديث الصحيح ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) إذ كان سبب الشرك هو الغلو في الموتى ثم الإشراك بهم وقد قال ابن عقيل الحنبلي وهو من أئمة المذهب ومحققيه بأن من يعظمون القبور ويكرمونها بإيقاد النيران عليها وتطييبها وتقبيلها وكتب الرقاع للموتى ياسيدي افعل بي كذا وكذا وشد الرحال إليها بأن من يفعلون هذه الأوضاع كفار وقد نقل ذلك عنه تلميذه ابن الجوزي في التلبيس ص 448 واحتج بقوله وهما من أئمة المذهب وكانا قبل ابن تيمية بنحو ثلاثمائة سنة فالقضية ليست كما توهم الأستاذ الفاضل بأنه رأي خاص لشيخ الإسلام ابن تيمية أو أنها قضية اجتهادية خلافية بل لا خلاف عند الحنابلة في كفر من دعا غير الله كما أنهم نقلوا الإجماع عليها فقد قال ابن تيمية في الفتاوى 1/ 124 ( من جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين ) إلا أن ابن تيمية لا يحكم على أحد من المسلمين الذين يتلبسون بهذا الشرك بالردة إلا إذا قامت عليه الحجة الرسالية التي تقطع عذره كما نص على ذلك في مواطن عديدة من كتبه كما في الرد على البكري ص 376 لغلبة الجهل وشيوعه في عامة المسلمين وقال الشوكاني قاضي قضاة اليمن الفقيه الزيدي في الدر النضيد ص 17 ( وإخلاص التوحيد لا(245/28)
يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله والنداء والرجاء واستجلاب الخير واستدفاع الشر له ومنه لا لغيره ولا من غيره [ فلا تدعوا مع الله أحدا] [ له دعوة الحق والذين يدعون من دونهم لا يستجيبون لهم بشيء ] ...) وقال أيضا ( الشرك هو دعاء غير الله الأشياء التي تختص بالله أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه وليس مجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكا بالصنم والوثن زيادة على التسمية بالولي والقبر والمشهد كما يفعله كثير من المسلمين بل الحكم واحد .... إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه سواء أطلق على ذلك الغير ما كانت تطلقه عليه أهل الجاهلية أو أطلق عليه اسما آخر فلا اعتبار بالاسم قط ) وقال الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية الفقيه الحنفي رائد النهضة العلمية الحديثة في فتوى في هذا الموضوع في الأعمال الكاملة 3 / 535 عن التوسل بالأنبياء والأولياء وقد قال السائل له بأنه يعتقد بأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان أعظم منزلة عند الله من جميع البشر إلا إنه ليس له من الأمر شيء ولا يملك للناس نفعا ولا ضرا ولا رشدا كما هو نص القرآن وأنه لا يتوسل إلى الله إلا بالعمل الصالح كما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون ولا معنى للتوسل بنبي أو ولي إلا باتباعه والاقتداء به فهل اعتقاده صحيح أم باطل ؟ فقال المفتي الشيخ محمد عبده ( اعتقادك هذا هو الاعتقاد الصحيح وهو ما يجب على كل مسلم يؤمن بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأساس الذي بنيت عليه رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا المعنى من التوحيد كما قال تعالى [ قل هو الله أحد الله الصمد ] والصمد هو الذي يقصد إليه بالحاجات ويتوجه إليه المربوبون في معونتهم فيما يطلبون فلا صمد إلا هو على أن الذين يزعمون جواز شيء مما(245/29)
عليه العامة اليوم إنما يتكلمون فيه بالمبهمات مما لا تنطبق على ما في نفوس العامة ويفسرون الجاه بالواسطة بما لا أثر له في مخيلات المعتقدين فأي حالة تدعوهم إلى ذلك وبين أيديهم القرون الثلاثة الأولى ولم يكن فيها شيء من هذا التوسل ولا ما يشبهه بوجه من الوجوه وكتب السنة والسير بين أيدينا شاهدة بذلك وأسوأ البدع ما كان فيه شبهة الإشراك بالله وسوء الظن به كهذه البدع ... وزعم الزاعم أن لفلان عند الله جاها بهذا المعنى إشراك جلي لا خفي وقلما يخطر ببال أحد من المتوسلين معنى اللفظ اللغوي وهو المنزلة والقدرة ــ ثم أورد حديث عثمان بن حنيف فقال ـــ أولا قد وصف الحديث بالغريب وهو ما رواه واحد ويكفي في لزوم التحرز عن الأخذ به أن أهل القرون الثلاثة لم يقع منهم مثله وهم أعلم منا بما يجب ولا وجه لتركهم العمل به إلا علمهم بأن ذلك من باب طلب الاشتراك في الدعاء من الحي كما قال عمر في حديث الاستسقاء ( إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا العباس فاسقنا قال ذلك رضي الله عنه والعباس بجانبه يدعو الله تعالى ولو كان التوسل ما يزعمه هؤلاء الزاعمون لكان عمر يستسقي ويتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا كان يقول كنا نستسقي بنبينا والآن نستسقي بعم نبيك وطلب الاشتراك بالدعاء مشروع حتى من الأخ لأخيه وليس فيه ما يخشى منه فإن الداعي ومن يشركه في الدعاء وهو حي كلاهما عبد يسأل الله تعالى والشريك في الدعاء شريك في العبودية ثم المسألة داخلة في باب العقائد لا في باب الأعمال ذلك أن الأمر فيها يرجع إلى هذا السؤال : هل يجوز أن نعتقد بأن واحدا سوى الله يكون واسطة بيننا وبين الله في قضاء حاجاتنا أو لا يجوز ؟ أما القرآن فصريح بأن تلك العقيدة من عقائد المشركين وقد نعاها عليهم في قوله تعالى [ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ] وجاء في الصورة التي نقرؤها كل يوم في(245/30)
الصلاة [ إياك نعبد وإياك نستعين ] فلا استعانة إلا به وقد صرح القرآن بأن أحدا ل أيملك للناس من الله نفعا ولا ضرا وهذا هو التوحيد الذي كان أساس الرسالة المصطفوية ) انتهى كلامه مختصرا وهو أوضح دليل عل أن القضية ليست كما تصور الأستاذ الفاضل يوسف الشراح قضية خاصة بالسلفية وابن تيمية أو أنها قضية اجتهادية يسع فيها الخلاف بل هي أصل اة والثالث دعاء الله وسؤاله سبحانه بجاه أحد من خلقه نبيا كان أو وليا فهذا بدعة شركية والرابع دعاء الله وحده عند قبر أحد من الأنبياء أو الأولياء ظنا بأنه أحرى للقبول وهو بدعة وذريعة للشرك وأما التوسل المشروع فهو التوسل إلى الله سبحانه بالإيمان به وإخلاص العبادة له واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه وتوقيره وتعزيره وحبه وحب آل بيته وأصحابه والاقتداء بهم واقتفاء أثرهم ولزوم سبيلهم هذا وأسأل الله لنا وللأستاذ الفاضل التوفيق والسداد في القول والعملدين وأساسه وأجل أركانه وهي فرق بين التوحيد والشرك والإسلام والوثنية والإيمان والكفر فالدعاء أربعة أنواع الأول دعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم وهذا شرك في الربوبية والثاني دعاء العبد الأنبياء أو الأولياء واتخاذهم واسطة بينه وبين الله عز وجل فهذا شرك في الألوهية وكلاهما كفر يخرج من الملل والاعتقاد إنه كريم جواد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(245/31)
الاحتساب على الصوفية
محتسب أبو مصعب
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه الشرفاء.
وبعد ، فالحمد لله الذين أصبغ علينا نعمه ظاهرا وباطنا ، ومن أجل هذه النعم نعمة الإسلام والإيمان ، وهدايتنا إلى الطريق المستقيم الذي أنعم الله به على من سبقنا من السلف الصالح حيث هدانا إلى منهج أهل السنة والجماعة وسطا بين غلاة الإفراط والتفريط تمسكا بالسنة وهدي الحبيب لا زعما كما يتشدق بذلك عامة أهل البدع والأهواء وهم في واقع الأمر أهل زيغ وضلال، يتشبعون بما ليس فيهم.
وقد قرأت مقالا لأحد دعاة الصوفية شحن فيها كل ما وقف عليه من بهرجة لحال الصوفية التي أفلت زخارفها وبهرجتها في هذا العصر فقام من يحن لبدعها بالسعي على إحياء مجدها المزعوم خدمة للغزو الثقافي الغربي والحملة الصليبية الحاقدة خاصة بعدما ارتفعت صيحات العلمانيين والحداثيين المحذرة من الصحوة الإسلامية الشامخة (التيار السلفي) التي ستعصف بهم جميعا ولو كره المنافقون، وخير من يقدم الخدمات في هذا الصدد (الصوفية عبدة القبور ومنكري الجهاد) فهؤلاء خير بطانة للحكام المنافقين ، وخير أنيس للعلمانيين، وخير صديق للمستعمرين، وهم بريد الروافض.
من أجل ذلك كله رأيت واجب النصح للجميع ليهلك من هلك عن بينة ويزداد الذين آمنوا إيمانا مع إيمانهم ويحمدوا الله على ما أنعم الله عليهم من نعمة الهداية ، فأقول ـ وبالله تعالى التوفيق ـ :
ماذا تعرف أخي الحبيب عن الصوفية ؟!!
وماذا تعرف عن أهم شخصياتها التاريخية (الحلاج وابن عربي) ؟!!(246/2)
قلت : وفقك الله الجميع للخير أولا يجب على الباحث عامة أن يكون نزيها في بحثه حتى يكون موضع ثقة من القراء ، وهذا المنهج هو ما أسعى إليه فيما أكتبه لأحبائي الكرام ، فلا ألتفت إلى كثرة الأتباع بين الكاره والمحب ، وإنما الالتفات يكون إلى الحق لذاته الذي يحاسبنا الله على اعتقاده وما يسألنا الله عز وجل عنه يوم القيامة.
أولا ـ ما معنى كلمة صوفية ؟!!
أما من حيث اللغة ، فالكلام في هذا الباب يطول ، وأختصره لك أيها القارئ الكريم بعد تحقيق القول فيه:
1 ـ للبسهم الصوف . والنسبة صحيحة من حيث اللغة . وهو أرجحها عندي .
2 ـ اشتقاقا من (سوفيا) وتعني باليونانية (الحكمة) .
3 ـ من (الصفة) أي الصفة التي بنيت لإيواء جماعة من فقراء المسلمين بالمسجد النبوي لم يكن لهم مأوى .
قلت : ولو كان كذلك لكان الصواب أن يقال : (صفَّية) بتشديد الفاء .
4 ـ لأنهم في الصف الأول بين يدي الله عز وجل بارتفاع هممهم وإقبالهم على الله بقلوبهم .
قلت : ولو كان كذلك لكان الصواب أن يقال : (صفية) .
5 ـ نسبة إلى الصفا (أي صفاء الروح والنفس) .
قلت : ولو كان كذلك لكان الصواب أن يقال: (صفائية أو صفوية) .
نخلص من ذلك كله أن الصوفية نسبة إلى الصوف لتميزهم بلبسه صيفا وشتاء ، فهل هذا من السنة يا أتباع حبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟!!
إليك سُنة نبي الهدى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتعرف خطأ وانحراف الصوفية في أصل تسميتهم :
1 ـ ثبت عن أنس أنه قال : كان أحب الثياب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبسه الحِبَرَة . رواه الشيخان .
والحبرة : بكسر الحاء وفتح الباء عبارة عن ثياب من نوع برود اليمن تتخذ من الكتان أو القطن وهي محبرة أي مزينة كما قال النووي في (تهذيب الأسماء واللغات) 2/61 .(246/3)
2 ـ ثبت أيضا عن أنس أنه قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاكيا ، فخرج وهو يتكئ على أسامة بن زيد عليه ثوب قطري قد توشح به ، فصلى بهم . رواه الترمذي في (الشمائل) ، وأبو الشيخ ، وابن حبان في صحيحه ، وأحمد بإسناد صحيح.
والقطري : ـ بكسر القاف وسكون الطاء نسبة إلى القطر ـ وهو نوع من البرود اليمنية يتخذ من قطن ، وفيه حمرة وأعلام مع خطوط كما قال الشوكاني في (نيل الأوطار) 6/43.
3 ـ وثبت عن ابن عباس مرفوعا : (عليكم بالبياض من الثياب ليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم فإنها من خير ثيابكم) رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح. ومعلوم أن المشار إليه هو القطن .
إذًا هذه الأحاديث تدل دلالة لا ريب فيها أن هدي الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو لباس القطن وليس الصوف ونحن لا ننكر أنه كان يلبس الصوف ، ولكن ليس زهدا وإنما من أجل البرد كما هو معلوم، فأين صدق زعم الصوفية في الالتزام بالسنة؟!!
فأي الهدي خير هدي الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ في لبس القطن أم هدى هؤلاء الصوفية؟!! بلا ريب هدي المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إلينا فكان الأجدر بهؤلاء أن يتسموا بـ (القطنية) لا (الصوفية) فتأمل.
أما الصوفية في اصطلاح العلماء ، فالكلام أيضا في ذلك يطول لعل أقربها للوضوح ما ذكره ابن خلدون في (المقدمة) ص 467: العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة .اهـ .(246/4)
قلت : ومع أن ظاهر هذا التعريف فيه من المعاني التي قد يظن البعض بأنها جميلة ولكن من أمعن فيها يجدها اشتملت على الدعوة إلى الرهبانية ما أنزل الله بها من سلطان ، فتخيل أيها الحبيب لو تنافست كل الأمة على التصوف كيف سيكون حالها؟!! صوامع في الصحراء والتلال والأودية لا زراعة ولا صناعة ولا تجارة ، لا زواج ولا إنجاب ، لا دولة ولا حكومة ، لا… ولا… هذا مضمون تعريف الصوفية عند الإمعان ، وعندي من النصوص العجيبة من أقوال شيوخ الصوفية ما يدعوا إلى الضحك والسخرية ولكن المقام يضيق عن ذكر ذلك.
في المقابل إليك هذا الحديث عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم سألوا أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم : لا أتزوج النساء ! وقال بعضهم : لا آكل اللحم ! وقال بعضهم : لا أنام على فراش ! فحمد الله وأثنى عليه فقال : ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. رواه الشيخان فهذا نص صحيح صريح في تبرأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هؤلاء !!.
ثانيا ـ متى كان أول ظهور للصوفية ؟!
اختلف العلماء في العصر الذي ظهر فيه اسم (صوفي) على قولين :
الأول ـ أن هذا الاسم (صوفي) كان موجودا في الجاهلية قبل الإسلام :
فيحكى أن امرأة في الجاهلية كانت مبتلية بموت أولادها في الصغر ، فأنجبت ولدا يُدعى (الغوث بن مر) ونذرت إن عاش تعلق برأسه (صوفة)، أو تجعله ربيط الكعبة ، ففعلت ذلك فقيل له: (صوفة) ولولده من بعده وهذا القول مال إليه ابن الجوزي في (لبيس إبليس) ص161.
قلت : وفي صحة ذلك نظر ؛ لأن مثل هذه الحكايات تفتقر إلى إسناد صحيح ، وأيضا لم يرد بسند صحيح ، أو ضعيف أن أحدا من زهاد الصحابة لقب بلقب (صوفي) ، فدل ذلك على أن هذا اللقب حادث بعد الإسلام.
الآخر ـ أن هذا الاسم (صوفي) ظهر بعد الإسلام :(246/5)
واختلف في تعيين القرن الذي ظهر فيه هذا اللقب (صوفي) على ثلاثة أقوال :
القول الأول ـ أنه ظهر في القرن الأول من الهجرة ، وناصر هذا القول الطوسي ـ من أئمة الصوفية ـ في (اللمع) ص42 ، واستدل على ذلك بأن الحسن البصري (المولود سنة 20هـ) رأى صوفيا في الطواف فعرض عليه شيئا من المال ، فلم يأخذه .
قلت : هذا القول يفتقر إلى سند صحيح إلى الحسن ، وهذا ما لم أجده مسندا أصلا ، وإنما هي مجرد حكايات يتناقلها الناس أشبهت حكايات أهل المقاهي ، ثم لو صح ذلك جدلا ، فالحسن البصري توفي سنة 110هـ ، فيحتمل أنه رأى هذا الصوفي في آخر حياته في القرن الثاني ، والدليل الذي يتطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال .
القول الثاني ـ أنه ظهر في القرن الثاني من الهجرة ، وهو قول الأكثرية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) 11/29 حيث قال: في أثناء المائة الثانية صاروا يعبرون عن ذلك ـ أي الزهد ـ بلفظ (الصوفي) لأن لبس الصوف كثر في الزهاد . اهـ . وهذا أرجح الأقوال عندي .
القول الثالث ـ أنه ظهر في القرن الثالث ، وفيه بعد لما سبق .
ثالثا ـ هل الصوفية أنوع ؟!
نعم الصوفية أنواع منها ما هو خارج عن الإسلام جملة واحدة كأهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، ومنها ما هو متلبس ببعض البدع والأهواء . وقد قسمهم شيخ الإسلام ابن تيمية ثلاثة أقسام:
الأولى ـ صوفية الحقائق : وهم ثلاثة أنواع:
1 ـ وهم قوم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم فمنهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ومنهم من هو دون ذلك.
2 ـ قوم تكلموا في خصائص الإيمان والدين خلطوا بعض الحق بشركيات وبدع وروايات باطلة وسلوك مخالف للسنة.
3 ـ أصحاب الحلول والاتحاد على شاكلة الحلاج وابن عربي وابن الفارض وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى.(246/6)
الثانية ـ صوفية الأرزاق : وهم الذين يستفدون من دخل الأوقاف الموقوفة على الصوفية فحسب فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق.
الثالثة ـ صوفية الرسم : وهم المقتصرون على النسبة إلى الصوفية فاهتمامهم منحصر في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك.
وبالجملة يمكن تصنيف الصوفية إلى قسمين:
الأول ـ غلاة الصوفية وهؤلاء أهل وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وهؤلاء كفار لا حظ لهم في الإسلام .
الآخر ـ أهل أهواء وبدع ، وهذا ما يغلب على عوامهم .
أما شركيات الصوفية ، فحدث ولا حرج كالطواف بالقبور ، والشد الرحال لأوليائهم، والذبح والاستغاثة وطلب الشفاعة والدعاء والتوسل بالموتى...الخ.
أما بدعهم التي تخالف السنة ، فهي أكثر من أن تحصى كمصطلاحات الاصطلام والسكر والفناء ، وكالخرقة والذكر الجماعي على آلات المعازف.
رابعا ـ أهم شخصيات الصوفية التاريخية (الحلاج وابن عربي)!
( الحلاج ) :
وما أدراك ما الحلاج ، فهو الحسين بن منصور بن محمي من أئمة الزنادقة والمرتين ، وقد أقيمت عليه البينة الشرعية ، وقتل مرتدا سنة 311هـ بعد أن صلب ببغداد ونودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ، فقتل شر قتلة . انظر : (سير أعلام النبلاء) 14/327 .
أقوال العلماء في الحلاج الصوفي :
1 ـ قال الفقيه أبو علي البنا : كان الحلاج قد ادعى أنه إله ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت … وكان يقول للواحد من أصحابه : أنت نوح ، ولآخر : أنت موسى ، ولآخر : أنت محمد . اهـ . انظر : (المرجع السابق) .
2 ـ وقال الذهبي : الحلاج المقتول على الزندقة ، ما روى ولله الحمد شيئا من العلم ، وكانت له بداية جيدة وتأله وتصوف ، ثم انسلخ من الدين ، وتعلم السحر ، وأراهم المخاريق . أباح العلماء دمه ، فقتل . انظر : (ميزان الاعتدال) 2/71 .
من أقوال الحلاج الكفرية :(246/7)
1 ـ مُزجت روحي في روحك كما ---- تُمزجُ الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسّك شيءٌ مسّني ---- فإذا أنت أنا في كلّ حال
انظر : (ديوان الحلاج) ص 82 .
2 ـ وقال محمد بن يحي الرازي : سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي !! . فقلت : أيش وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله فقال : يُمكنني أ أؤلف مثله !! . انظر : (سير أعلام النبلاء) 14/330 .
3 ـ وقال أبو عمر بن حيوية : لما أخرج الحلاج ليُقتل ، مضيتُ وزاحمتُ حتى رأيته ، فقال لأصحابه : لا يهولنكم ، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوما .
قال الذهبي : فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذّاب ، حتى عند قتله . انظر : (المرجع السابق) 14/346 .
4 ـ وقال : الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم ، فأما من حيث الحقيقة ، فلا فرق بينهما . انظر : (المرجع السابق) 14/352 .
( ابن عربي ) :
بداية يجب الانتباه والتفريق بين ( ابن العربي ) العلامة المالكي بزيادة (ألف ولام) وهو إمام من أئمة المالكية ، ومن حفاظ الحديث اسمه : (محمد بن عبد الله الأشبيلي) أبو بكر المعروف بابن العربي المالكي المولود سنة 435هـ والمتوفى سنة 543هـ صاحب (عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي) .
أما ( ابن عربي ) الصوفي ، فهو (محمد بن علي بن محمد بن عربي الطائي) الشهير بمحيي الدين بن عربي ، ويميز عن سابقه بأن الأخير كما هو ظاهر من اسمه (عربي) نكرة في الاسم (بدون ألف ولام) ، ونكرة عند أهل العلم كما سيأتي، وهذا هلك سنة 638هـ .
أقوال العلماء في ابن عربي الصوفي :(246/8)
1 ـ قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام السلمي المتوفى سنة 660هـ : هو شيعي سوء كذّاب ، فقال له ابن دقيق العيد: وكذّاب أيضا؟ قال : نعم . تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال : هذا محال؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة ، فقال: تزوجتُ جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يوما أني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم أرها بعد هذا .اهـ . !!! (ميزان الاعتدال 5/105).
2 ـ قال المفسر أبو حيان الأندلسي المولود سنة 654هـ عند تفسيره لقول الله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح): ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا، وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة: كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم في دمشق.اهـ.
3 ـ قال الفقيه تقي الدين السبكي كما في (مغني المحتاج) للشربيني 3/61: (ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء وقال ابن المقري في روضه إن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر) .
4 ـ قال ابن تيمية في (منهاج السنة) 5/335: ومن هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد وهم في الحلول والاتحاد نوعان نوع يقول بالحلول والاتحاد العام المطلق كابن عربي وأمثاله ويقولون في النبوة إن الولاية أعظم منها كما قال ابن عربي .اهـ .
5 ـ قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان)4/318: وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي ؟ فبادر بالجواب بأنه كافر .اهـ.
(كتاب الفصول) لابن عربي قال فيه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) 23/48: ومن أردإ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر .اهـ .(246/9)
زعم الصوفية بأنه قد دس عليه حساده عند نسخها . وهذه ترهات ، وهي من باب (حبك للشيء يعمى ويصم) ، فهذا سلطان العلماء العز بن عبد السلام قد التقى به مرارا ويشهد عليه بأنه (خبيث) ، فأين محل زعمهم من الإعراب غير التعصب المقيت.
ثم إنما نؤول كلام من تثبت عصمته من أجل أن نجمع بين كلامه لعدم جواز الخطأ عليه وأما من لم تثبت عصمته ، فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر فنؤاخذه بظاهر كلامه .
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى الحق المبين ، ويرزقهم الصراط المستقيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أخوكم محتسب أبو مصعب
منتديات شبكة الحسبة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(246/10)
البروق السنية في اكتساح ظلمات "الطرق الصوفية"
وأن هذا صراط الله فاتبعوا … لا تسلكوا سُبلاً تفضي إلى النارِ
ما قالهُ ربنا في الذكرِ أنزلهُ … بينتهُ واضحاً يا خيرَ مُختارِ
علمتنا خُطةً في الدين واضحةً .. على هداها يسير المُدْلجُ الساري
وليس لله من شرعين فاعتبروا … يا أيها الناس يا أصحاب أبصاري
ماذا جنيتم من الأحزابِ من طُرُقٍ .. غير اقتتال وتخريبٍ وإضراري
أين الشريعة والتوحيدُ جوهرها … توحيدُ معبودنا توحيدُ أفكارِ
نوحدُ الله في أحكام شرعتهِ …. ما غيرهُ آمرٌ فالشرعُ للباري
محمدٌ وضح القرآن بينهُ ….. لم يترك الناس في جهلٍ وأسراري
على محجة بيضاء فارقنا … الليلُ عاد كصبحٍ بعدَ إظهارِ
فأين شرع الهدى من شرعِ من رسموا .. هذه الطرائق في سرٍ وإضمارِ
قالوا طريقتنا للشرع راجعَةٌ … قلت اخسئوا نهجكم تشريعُ أغيارِ
ما لي أراكم تبعتم شيخَ معصيةٍ … بابٌ ولكنهُ بابٌ إلى النارِ
راقبتم الشيخ دون الله وارتبطت … قلوبكم بطواغيتٍ وأحجارِ
أغمضتم العينَ تضليلاً وشعوذةً … لتستمدوا بهِ كشفاً لأسرارِ
يُمدكم مدداً ما بعدهُ مددٌ …. من الشياطينِ من غاديٍ ومن سارِ
طريقكم كجور الخُلدِ غامضةٌ … فيها متاهات أوكارٍ وأحجارِ
أين الحقيقة ما كانت حقيقتكم … غير الخرافاتِ والتضليلِ والعارِ
أقطابكم رِممٌ ، أوتادكم صنمٌ … وغوثكم قبةٌ حُفت بأستارِ
ما من مغيث سوى الرحمنِ يحفظُنا .. من كُلِ نازلةٍ ، من كل أخطارِ
أين الكرامات؟! ما كانت كرامتكم .. غير القذارات في جهرٍ وإسراري
هذا الوحيش الذي ينزوا على أوتنٍ .. وذاك عُريانكم في مسجد عاري(247/2)
تأتون فاحشةً جهراً بلا خجلٍ … أهكذا كشفكم هتكٌ لأستاري
وقال حلاجكم كفراً وزندقةً … فقلتموا خطأً في كشفِ أسراري
سميتم الكافر الزنديق عاشقكم … وكيف يليق شهيدُ العشق في النارِ
كل الطواغيتِ في الجناتِ مرتعهم .. فرعون هامان حلاج أبو العاري
إن الولي يفوق الرسل قاطبةً … والرسل قد شرعوا شرعاً لأغراري
خضتم بحاراً،ورسل الله عاجزةٌ .. عن خوضها ليس من فُلكٍ ولا طاري
نازعتم الله في أكوانهِ فلكم …. غوثٌ مُغيثٌ وحامٍ حافظُ الدارِ
الشيخ رسلان حاميكم وحافظكم .. وخالد النقش والخرازُ والعاري
وشيخ بسطان والكبريتُ أحمرهم .. وتستري عفيف القوم والدارِ
وهيكل صمدان لهُ كُتبٌ … في مدحهم ضاع حقٌ بين أشراري
قالوا:تجلى إلهُ الكونِ في صورٍ … فالعبدُ ربٌ،وما التكليفُ للبارئ
وهل يُكلفُ ربٌ نفسهُ شططاً … والكون مظهره بل سرهُ الساري
وهل يعذب ربٌ نفسهُ بلظى؟! … ما ثم من جنةٍ ، ما ثم من ناري
ليس العذابُ عذاباً ، بل عذوبتهُ … معروفةٌ في فتةحاتٍ وأشعاري
أبو الفصوص التي فاحت فضائحها .. فدنست كل أرضٍ،كل أنصاري
كذلك تائية ابن الفارضِ انتشرت … أدرانها مُنذُ أزمانٍ وأعصاري
يطري عبادةَ الفرسِ يجعلها …. حقاً ويمدحُ من دانوا لأحجاري
فالكلُ يعبدُ رباً واحداً أحداً … لكن على شكلِ أحجارٍ وأشجاري
كفرٌ بواحٌ وإلحادٌ وزندقةٌ … ما قالوه غير فُجارٍ وكفاري
لكنهم غيبوا في الناس باطلهم … وأظهروا نسكهم في لُبسِ أطهاري
وأعلنوها عباداتٍ مظلمةً للناس .. فأغتروا أقوامٌ بمكاري
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها .. عند التقلبِ وحشٌ قاتلٌ ضاري
من حَسَنَ الظن في كفرٍ وزندقةٍ … أضحى شريكاً لكفارٍ وفجاري
فأعلنوا حربكم أهل الحُجا علناً … على الخديعةِ في عزمٍ وإصراري
واستنصروا الله إن الله يحفظكم … من مكرِ ما كرهم أو غدرِ غُداري
من شعراء الشام
نقلها من شريط صوتي(247/3)
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(247/4)
البروق السنية في كشف أباطيل حديث الأعرابي سنداً ومتناً وقمع أصحاب الاستغاثات الشركية
أبو عمر الدوسري(المنهج)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، أما بعد:
فهذه وقفة للتبيان ، لمن كان متجرداً للحق ، طالباً إياه ، نازعاً غشاوة الظلمة ، ليرى بصيص النور والهدى ؛ فقد كتب أحد الاخوة هذا الحديث مستدلاً به على الاستغاثات الباطلة ، فرأيت أن أفرد البيان ، ثم أعقب على الآية بالتفسير والإتقان ، ليحييا من حيي على بينه ويهلك من هلك على بينه ، والله نسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
يستشهد أهل البدع بحديث الأعرابي ، والذي نصه الآتي:
(روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي ثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، فرمى نفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله: قلت فسمعنا قولك ، ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجيتك لتستغفر لي فنودي من القبر: إنه غفر لك)
الكلام على سند هذا الحديث
يقول علامة الهند المحدِّث محمد بشير السهسواني-رحمه الله- تعليقاً على هذا الحديث في "صيانة الإنسان" :
( أقول: هذا الخبر ضعيف جداً حتى قيل أنه موضوع.
قال في "الصارم المنكي":(248/1)
فإن قيل أنه روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي ثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، فرمى نفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله: قلت فسمعنا قولك ، ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجيتك لتستغفر لي فنودي من القبر: إنه غفر لك.
والجواب: أن هذا الخبر منكر موضوع ، وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ، ولا يحسن المصير إليه ، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض ، والهيثم جد أحمد بن محمد ابن الهيثم أظنه ابن عدي الطائي فإنه يكنه فهو متروك كذاب ، وإلا فهو مجهول ، وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ، ثم انتقل إلى بغداد فسكنها ، قال عباس الدوري:سمعت يحيى بن معين يقول:الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة ، كان يكذب ، وقال العجلي وأبو داود: كذاب ، وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولابي والأزدي: متروك الحديث ، وقال السعدي:ساقط قد كشف قناعه.وقال أبو زرعة:ليس بشيء.وقال البخاري:سكتوا عنه،أي اتركوه.وقال ابن عدي:ما أقل ماله من المسند ، وإنما هو صاحب أخبار وأسمار ونسب وشعر.(248/2)
وقال ابن حبان: كان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب ؛ إلا أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعات ، يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. وقال الحاكم أبو عبدالله: الهيثم بن عدي الطائي في علمه ومحله حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة. وقال العباس بن محمد:سمعت بعض أصحابنا يقول قالت جارية الهيثم:كان مولاي يقم الليل يصلي فإذ أصبح جلس يكذب.أهـ
قال الذهبي في ترجمة الهيثم بن عدي الطائي: أبو عبدالرحمن المنبجي ثم الكوفي قال البخاري:ليس بثقة،كان يكذب،قال يعقوب بن محمد حدثنا أبو عبدالرحمن من أهل منبج وأُمهُ من سبي منبج،سكتوا عنه. وروى عباس عن يحيى:ليس بثقة،كان يكذب.وقال أبو داود:كذاب.وقال النسائي وغيره:متروك الحديث.
قلتُ: كان إخبارياً علامة ، روى عن هشام بن عروة وعبدالله بن عياش المشرف ومجالد.وقال ابن عدي: هو أوثق من الواقدي،ولا أرضاه في شيء.قال عباس الأودي:حدثنا بعض أصحابنا قال قالت جارية الهيثم بن عدي:مولاي يقوم عامة الليل يصلي،فإذا أصبح جلس يكذب.انتهى ملخصاً.(248/3)
وفي الميزان:الهيثم الطائي الآخر هو أيضاً كذاب،ولفظه هكذا:الهيثم عبدالغفار الطائي بصري مقل تالف.قال أحمد:عرضت على ابن مهدي أحاديث الهيثم بن عبدالغفار عن همام بن يحيى وغيره فقال:هذا يضع الحديث. وسألت الأقرع وكان صاحبنا حديث عن الهيثم فذكر نحوه.قال أحمد:وسمعت هشيماً يقول:ادعوا الله لأخينا عباد بن العوام سمعته يقول:كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال لهُ الهيثم بن عبدالغفار فحدثنا همام عن قتادة وأبيه وعن رجل يقال له ابن حبيب وعن جماعة،وكنا معجبين به،فحدثنا بشيء أنكرته أو ارتبت به ثم لقيته بعد فقال لي:ذلك الحديث دعه،فقدمت على عبدالرحمن بن مهدي فعرضت عليه بعض حديثه فقال:هذا رجل كذاب،أو قال:غير ثقة.وقال أحمد:ولقيت الأقرع بمكة فذكرت له بعض هذا فقال:هذا حديث البري عن قتادة،يعني أحاديث همام،قال:فخرقت حديثه وتركناه بعد.أهـ ) .
الكلام على متن هذا الحديث
يقول علامة حلب الشيخ محمد نسيب الرفاعي الشامي رحمه الله في كتابه القيم (التوصل) :
"إن هذا الحديث ألغامه موجدة في متنه … فضلاً عن سنده ، وفيه من الطامات ما لا يشك فيه مسلم أنه موضوع مكذوب وذلك من وجوه:
1- نحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي دفن في بيت عائشة أم المؤمنين فإذا كان الأعرابي فعل ما فعل … على الشكل الذي يرويه الحديث فلابدَّ أنه دخل بيت عائشة .. وكيف يدخل عليها دونما استئذان … ؟ لأن الحديث خلا من ذكر الاستئذان،وهب أنه استأذن .. فكيف تمكنه عائشة رضي الله عنها،من أن يفعل ما يفعل من الارتماء على القبر،وحثو التراب منه على رأسه؟!(248/4)
2- ثم إن الحديث مروي عن علي رضي الله عنه .. وهو الذي يروي عن الأعرابي ما فعل على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد أن يكون عليٌّ قد رآه فلو أنه سمع فقط دون أن يراه .. فمعنى ذلك أنه سمع من شخص آخر رواية عنه،ولكن لم يذكر هذا الشخص الذي سمع منه ما فعل الأعرابي … فعدم ذكر الشخص الذي سمع منه يدل على أن علياً رآى ما فعل … لا سماعاً من غيره …إذاً ثبت أن علياً رآى ما فعله الأعرابي ما يفعل على القبر .. فكيف لم ينهه عن ذلك؟ لأن الرواية لا تشير أن علياً نهاه .. فعدم النهي عن فعل يفيد الإقرار،فكيف يسكت علي رضي الله عنه عن فعل الأعرابي ولا ينهاه .. وهو يعلم أنه عمِلَ عَمَلَ الجاهلية فهذا لا يعقل صدوره عن علي رضي الله عنه ألبته،لا سيما وإن أبا صادق الذي يروي الحديث عن علي لم يثبت سماعه عن علي رضي الله عنه.
3- ثم إن الحديث يروى عن الأعرابي أنه قال: يا رسول الله:قلت:فسمعنا قولك،ووعيت من الله ما وعينا عنك. فيعلم من هذا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يسمع من شخص لابد أنه رآه واجتمع به … ثم إن السماع مع الوعي عنه صلى الله عليه وسلم يفيد أنه سمع فوعى وهذه صفات شخص فاهم بصير مما يدل على أن الأعرابي صحابي فاهم بصير .. فصحابي هذه صفته وهذا شأنه … أيعقل أنه يرتمي على قبر الرسول ويحثو منه التراب على رأسه … وهو يعلم أن هذا من عمل الجاهلية،والذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.(248/5)
4- يقول الأعرابي: ووعيتَ من الله ما وعينا عنك،ولكن العكس هو الصحيح.فإن رسول الله لم يعِ من الله ما وعاه منه صحابته ، بل وعى منه صحابته ما وعى هو عن الله ، ولاشك أن الفارق ظاهر بين العبارتين … لأن عبارة الأعرابي أن الصحابة وعوا من رسول الله ما وعوه منه قبل أن يعي رسول الله ما وعاه عن ربه … وشتان بين قول الأعرابي الخاطئ وما بين القول الذي كان يجب أن يقوله ومثل هذا القول لا يقوله أعرابي فصيح ، فضلاً عن أعرابي من أهل البادية بصرف النظر عن كونه صحابياً أيضاً … يعرف جيداً أنه ما وعاه رسول الله عن ربه كان قبل ان يتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقول الأعرابي يدل على أن القرآن تلقاه الصحابة عن رسول الله قبل أن يتلقاه رسول الله عن ربه.!!!
وهذا لا يقوله مسلم ما فضلاً عن صحابي فاهم بصير.
ولعله من الدسائس التي يراد منها:أن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله.
5- ثم قال الأعرابي –فيما يرويه هذا الحديث- … وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجئتك لتستغفر لي … إن هذه الآية الكريمة تتعلق فيمن يأتيه عليه الصلاة والسلام حال حياته ، لا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. نعم حال حياته ليحصل للمستغفر المغفرة من الله تعالى باستجابة استغفار رسول الله له … أما المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم والسؤال أن يستغفر للسائل ، فهذا محال … لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد انقطع عمله بوفاته ، فلم يعد يتحرك أبداً فضلاً عن أن يحرك لسانه بالاستغفار أو غيره فهو على ضجعته من يوم أن دفن إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة.
أما أن يسمع أو يتكلم أو يصدر عنه أي عمل .. فلا.(248/6)
وقد انقطع عمله نهائياً كما قال هو عليه الصلوات وأزكى التسليمات: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث:صدقة جارية .. وعلم ينتفع به،وولد صالح)) ولاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمله هذا الحديث. لأنه من بني آدم ، وقد قضى الله عليه بالموت والتحقيق بالرفيق الأعلى.
أما الحياة البرزخية فهي حياة لا يعلمها إلا الله تعالى ، وليس لها أية علاقة في الحياة الدنيا وليس لها بها أي صلة … فهي حياة مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ما هيتها.
وان ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعياً وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتاً ولا صفات والله سبحانه يقول: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} والبرزخ معناه:الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء … لا سيما وأن الله تعالى يقول : {أنك لا تسمع الموتى} ويقول عز وجل: {وما أنت بمسمع من في القبور} والرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن توفاه الله هو من الموتى ، ومن أهل القبورفثبت أنه لا يسمع دعاء أحد من أهل الدنيا ، وإن كان هو والأنبياء لا يبلون لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كم جاء في الصحيح ولكنهم أجساد بلا أرواح وهم أموات بلا شك.فإن الموت شيء وعدم البلى شيء آخر ، فمن كان ميتاً … لا يمكن أن يسمع هو همزة الوصل لحصول الجواب … وإذا لم يسمع طلب الاستغفار فكيف يستغفر..؟ ثم إذا فهم هذا .. فأي معنى يبقى من طلب الاستغفار؟! الجواب: لا معنى لطلب الاستغفار أبداً.
وما يضير هذا المستغفر إذا توجه إلى الله وتاب من ذنوبه ، وطلب من الله المغفرة…؟ أو اختار أحد الصالحين الأحياء وكلفه أن يدعو له فلا مانع من ذلك كما طلب عمر من العباس رضي الله عنهما أن يستسقي للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يطلب عمر رضي الله عنه من رسول الله بعد وفاته أن يستسقي للمسلمين.(248/7)
ولو كان هذا جائزاً لفعله عمر رضي الله عنه ولكن لم يفعل ذلك … لأنه يعلم أن رسول الله التحقيق بالرفيق الأعلى ولم يعد يستطيع الدعاء وما أشبه ذلك.
ثم ما قولك يا أخي المسلم الكريم أن هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقاً ولا علاقة البتة … إنما الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يصدون الناس عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتحاكمون إلى الطاغوت … فهؤلاء إذا جاءوا ومصانعةً ، لا اعتقاداً منا بصحة احتكامنا إلى الطاغوت … فهؤلاء إذا جاءوا النبي واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسه ، وسألوه أن يعقب على استغفارهم لأنفسهم … بأن يستغفر الرسول لهم عندها يجدون الله تواباً رحيماً … ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا ، ولم يستغفر لهم الرسول فما علاقة هذا .. بواقع الأعرابي الذي جاء رسول الله بعد وفاته وطلب منه وهو ميت أن يستغفر لهم ..؟!!
نعم لا علاقة بين الموضوعين ؛ بل ولا قياس بين الواقعين لاختلافهما وتفارقهما.
على أن واضعي هذا الحديث .. ما كان قصدهم إلا التغرير والإفساد والتضليل فلا يهمهم التوافق بين الواقعين ، حتى يستقيم القياس بينهما … إنما المهم عندهم تشكيك المسلمين بأي ثمن كان ؛ ولكن ردَّ الله كيدهم في نحورهم وأخسرهم وقد بحثنا هذا الموضوع قبل صفحات فليرجع إليه من يشاء[في كتاب الشيخ قبل ص265].
6- قوله في الحديث … (فنودي من القبر:إنه غفر لك …؟؟!!)
إن من وطّن نفسه على الكذب … لا يهمه إن كذب على الله وعلى رسوله وعلى الناس فالكل عنده على حدّ سواء!! لا سيما إذا كان مراده التضليل والتشكيك .. فيستحل كل حرام ، في سبيل الوصول إلى ما يبتغي ويريد! وليس للقيم عنده أقل اعتبار .. ما دام أنه يسعى لتحقيق ما خطّطه هو أو ما خُطط له!! وعند هؤلاء قاعدة يعتمدون عليها ، في كل ما يعملون .. ألا وهي (الغاية تبرر الوسيلة) فكل وسيلة مهما كانت ، فهي في نظرهم مشروعة!!! إذا كانت تحقق لهم أغراضهم وتوصلهم إلى أهدافهم ومراميهم.(248/8)
فالزنادقة الذين امتلأت قلوبهم بصديد الحقد على الإسلام ، والحنق على المسلمين ما كان باستطاعتهم صدهم عن دينهم بالقوة .. إذا لم يكن ذلك متيسراً لهم .. فلجأوا إلى الدس ،والتغالي ، وبث الأباطيل والترهات .. بوضع الأحاديث والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إيهاماً للمسلمين وتضليلاً وتشكيكاً بدينهم الحق.
ولعل هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث الموضوعة المصنوعة .. ففي متنه فضلاً عن سنده من الطامات ، كشفنا ما قدرنا الله على كشفه آنفاً على أن هذه الفقرة الأخيرة منه أخطر ما جاء فيه وهي:
فنودي من القبر:إنه غفر لك!!! أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه من قبره إنه غفر لك .. وذلك تحريضاً لكل من يقرأ هذا الحديث الموضوع من أهل الغفلة أن يصدقه ويفعل ما فعله الأعرابي لينال البشرى بمغفرة الذنب كما نالها الأعرابي.
فتفشى بين أغرار المسلمين هذه الأكاذيب وعلى توالي الأيام يحتج به كحقائق لا ينازع فيها .. وهذا ما حصل بالفعل .. فقد جاء بهذا الحديث وأمثاله .. لا أغرار المسلمين فحسب ؛ بل وعقلاؤهم وخاصة أهل العلم فيهم مع الأسف الشديد ، اللهم إلا من رحم ربك الذين يجددون للناس أمر دينهم ، ويعصمهم الله من الزلل ، فينصر بهم دينهم ، ويحفظ بهم ما أنزل من البينات فيردون الأباطيل ويكشفون الخفايا والأعصبة عن الأبصار والبصائر ، ولا يخلو أي عصر منهم والحمد لله.
إن هذه الخاتمة من هذا الحديث ، أراد بها واضعوه أن يدخلوا في روع المسلمين:
1-أن رسول الله حي في قبره ويسمع كلام من يكلمه ، ويجيبهم بكلام مسموع من القبر.
2- تكذيب ما جاء في القرآن الذي ثبت أن الأموات لا يسمعون ولا يجيبون .
3- التألي على الله بأنه غفر ذنبه مع أن هذا من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله.
على أن هذه الأمور غير خافية المقاصد ؛ بل هي ظاهرة بينه ، ولا تنطلي إلا على الذين سلموا قيادهم للباطل ، وأننا نرد عليهم بما يلي:(248/9)
1 - إن الله تعالى أخبرنا أن {كل نفس ذائقة الموت} وقد قال عز وجل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وقال عز من قائل: {إنك ميت وإنهم ميتون} كل هذا يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات كما مات من قبله ومن بعده والذي ينقطع عن الناس بسبب الموت ، ينقطع عمله لأنه بشر مثلهم فلا يتكلم ولا يسمع وليس له من بعد وفاته فداه أبي وأمي ونفسي أي اتصال بالدنيا ولو كان ذلك ممكناً ؛ ولكن لم يتصلوا به لعلمهم الأكيد أنه لا يمكن الاتصال به إلى يوم القيامة ، فكيف بنادي الأعرابيّ من قبره وهو ميت منقطع العمل والحواس إلى يوم يبعثون؟
2- لقد قرر القرآن أن الأموات لا يسمعون ولا يتكلمون وإنهم في عالم آخر ليس له علاقة بعالمنا هذا: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} .
3- فما دام رسول الله لا يسمع ولا يتكلم ولا يجيب فكيف يجيب الأعرابي من القبر والقبر والبرزخ من عالم الغيب الذي يجب أن نؤمن به دون أن نراه فإن سمع منه صوت أو كلام أو بشارة صار عالم شهادة ، وهذا لن يكون ، وسيظل من عالم الغيب إلى يوم القيامة فإذا انتفى هذا ، انتفت البشارة بالمغفرة فلو كان في المنام لكان فيه نظر .. فكيف باليقظة؟!!
فإنه من أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم ((من كذب عليَّ يلج النار)) ولكن أين الخوف من الله تعالى حتى لا يكذب عليه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم،اللهم نعوذ بك من الخذلان وسوء المنقلب.
وهكذا .. فقد اتضح لك يا أخي المسلم ، ما في متن هذا الحديث من الطامات والأباطيل والترهات ، والكذب والافتراء ، مما يدلك دلالة واضحة ، على أن هذا الحديث موضوع ، ومكذوب ومصنوع ، هذا من جهة المتن!! فكيف إذا ثبت لك أيضاً أن سنده موضوع ، فلا شك أنك ستزداد يقيناً بعدم صلاحه للاحتجاج به) .
قال الرفاعي:(248/10)
(أرأيت يا أخي المسلم الكريم سند هذا الحديث؟!! وكيف تحفه الظلمات والجهالات .. والكذب والانقطاع،وما شابه؟!
إن حديثاً له هذا المتن .. وذاك السند البالي المهلهل .. لا تقوم به حجة أو دليل على صحة المدَّعي ؟!)
ويلخص في رد هذه الحكايات علامة العراق أبو المعالي محمود شكري الألوسي رحمه الله في كتابه (غاية الأماني) :( … فإن تلك الحكايات لو سلمت من الكذب والافتراء فلا تدل على المقصود من جواز الاستغاثة بغير الله تعالى ، فإن الاستغاثة كما ذكرنا سابقاً دعاء والدعاء مخ العبادة ، وهي لا تصلح إلا لله ، ومن عبد غيره فقد أشرك.
ثم إن أصحاب تلك الحكايات ليسوا ممن يحتج بقولهم ، فهم ليسوا بأنبياء ولا صحابة ولا الأئمة المجتهدين المشهورين ، والدين لا يثبت بفعل أمثال من ذكرهم من العوام والجهلة وبعض المتصوفة الغلاة ، وقد ذكرنا سابقاً أن الدليل ينبغي أن يكون من الكتاب والسنة وإجماع المجتهدين والفقهاء) .
...............
ولعله من المناسب أن نبين تفسير الأعلام للآية الواردة في حديث الأعرابي الذي بان أنه كذب:
إتحاف أهل السنة والجماعة بالرد على من استدل على هذه الآية بجواز الاستغاثة
يستدل بعض أهل البدع بتوسلات بدعية ، على فهمٍ غير صائب
{ ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما }
لو تتبعنا الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها ؛ لوجدناها تخاطب المنافقين ، وهذه الآية نزلت في قوم نافقوا بصدهم عن حكم النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وتحاكمهم إلى الطاغوت ؛ فبين الله تعالى أنهم لو اعترفوا بذنوبهم ، وتابوا منه بمجيئهم إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- واستغفروا الله تعالى من هذا الذنب ، ثم استغفر لهم الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شافعا فيهم لتقبل توبتهم ؛ لكان الجزاء المذكور.(248/11)
وكل هذا كان في حياة النبي-صلى الله وعلى آله وسلم-ولم يرد في كتب التفسير ولا غيرها من كتب أهل العلم ، عن أئمة السلف الصالح من أهل التفسير والحديث والفقه أن ذلك حدث بعد وفاته –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما استدلال المخالفين لأهل السنة ؛ بأن الآية تدل على المجيء إلى قبر النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وطلب الاستغفار والشفاعة منه في مغفرة الذنوب .. ونحوه ؛ فهو استدلال باطل وقول فاسد يدل على سقم في الفهم ، وبعد عن حقيقة التوحيد .
والصحابة - رضي الله عنهم – لم يفهموا هذا الفهم الخاطئ من هذه الآية ، ولذا لم ينقل عنهم المجيء إلى قبره – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لطلب الاستغفار منه ، وقد وقع منهم ظلم لأنفسهم بعد وفاته –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قطعا ؛ فدل هذا على أن فهم المخالفين لأهل السنة فهم فاسد مردود.
قال الإمام الطبري –رحمه الله- عن تفسير هذه الآية :
( يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين ، الذين إذا دُعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدَّوا صدوداً ، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياهم العظيم من الإثم باحتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسُنَّة رسوله ، إذا دعوا إليها جاؤوك يا محمَّد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك ، جاؤوك تائبين منيبين ؛ فأسالوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم ، وسأل لهم الله رسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مثل ذلك ، وذلك هو معنى قوله: {فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} )
"أنظر تفسير الطبري 4/157"
وقال علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي-رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة:(248/12)
( {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} هذا الظلم العظيم غاية العظم ؛ إذْ عرضوها لعذابٍ ، على عذاب ترك النفاق ، بترك طاعتك والتحاكم إلى الطاغوت {جاؤوك} تائبين من النفاق متنصلين عمَّا ارتكبوا {فاستغفروا الله} من ذلك وتابوا إليه تعالى من صنيعهم {واستغفر لهم الرسول} أي ؛ دعا لهم بالمغفرة ، فكان استغفاره شفاعةً لقبول استغفارهم { لوجدوا الله تواباً} أي ؛ قابلاً لتوبتهم {رحيماً} أي ؛ متفضلاً عليهم بالرحمة وراء قبول التوبة) .
"أنظر تفسير القاسمي محاسن التأويل 5/272"
وقال العلامة المفسر الفقيه عبدالرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله تعالى- عن تفسير هذه الآية:
( {فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} أي: لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم ، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها ، والثواب عليها.
وهذا المجيء إلى الرسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مختص بحياته ؛ لأنَّ السياق يدلُّ على ذلك ، لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلاَّ في حياته ، وأمَّا بعد موته ، فإنه لا يطلب منه شيء ؛ بل ذلك شرك) .
أنظر تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الآية 64 من سورة النساء"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- عن الذين يستدلون بهذه الآية:
(ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته ، كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصَّحابة ؛ ويخالفون بذلك إجماع الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين ، فإنَّ أحداً منهم لم يطلب من النَّبِيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم … )
ثم قال بعد سرد بعض أنواع البدع في سؤال غير الله تعالى:(248/13)
( فهذا مَّما علم بالاضطرار من دين الإسلام ، وبالنقل المتواتر ، وإجماع المسلمين ؛ أنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يشرع هذا لأمته ، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك ، ولا فعل هذا أحدٌ من أصحاب نبيهم ، والتابعين لهم بإحسان ، ولا استحب ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين ، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ، ولا ذكر أحدٌ من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها ؛ أنَّه يستحب لأحدٍ أن يسأل النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند قبره أن يشفع له ، أو يدعوا لأمته ، أو يشكوا إليه ما نزل بأُمته من مصائب الدُّنيا والدِّين) .
"أنظر قاعدة في التوسل والوسيلة 24-28"
وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العُثيمين عن عدم دلالة هذه الآية للسؤال عن قبر النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وذلك لأنَّ الله تعالى يقول:
( {ولو أنهم إذ ظلموا} و {إذ} هذه ظرف لما مضى ، وليست ظرفاً للمستقبل ، لم يقل الله: "ولو أنهم إذا ظلموا" بل قال: {إذ ظلموا} فالآية تتحدث عن أمرٍ وقع في حياة الرسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- …. والآية نزلت في قوم تحاكموا ، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله ؛ كما يدلُّ على ذلك سياقها السابق واللاحق) .
"أنظر مجموع فتاوى ورسائل 2/343-345"
هذا البراهين الجلية في بيان خطأ من قال بهذا القول ، والعمدة عند أهل التحقيق ، والشكر لمن لهُ أصل هذا الجمع والبيان الأئمة الأعلام ، والجامع الفقير إلى عفو ربه ، نزيل اصطنبول عبدالله بن عبدالحميد آل إسماعيل عفا الله عنه.
ثم يبين الشيخ الرفاعي استدلالات أهل الأهواء في موضوع الاستغاثة خاصة وفي غيره:
( وإنك لترى يا أخي ، أن الأحاديث التي أوردوها .. إما أنها مستشهد بها بغير مناسبة !! أو أنها معلولة بعلل شتى .. أقوى ما فيها الضعف! ناهيك عن المكذوب والموضوع ، والمدلس والمنقطع ، وما لا أصل له.(248/14)
فيا سبحان الله !!
ما بال القوم .. يتمسكون بكل ذي علة من الأحاديث والآثار والأخبار؟! ألا يعلمون أن ما يقدمونه من أدلة وبراهين على زعمهم .. لا يصح أن يقال أنها كذلك .. ما دامت –كما رأيت يا أخي- من الضعف والهلهلة .. والعلل الكاسحة ما يوجب أن يخجل منها مقدمها ، ولا يسمح لنفسه أن يردِّدها على شفتيه .. خشية أن تنبئ عن جهله … أو عن سوء نيته أو عن كليهما معاً!! وعلى كل حال .. فإن الاحتجاج بهذا الحديث ساقط .. لما يحوي من العلل .. وبقيت دعواهم دعوى مجردة .. وكلما أتوا بما يقويها على زعمهم زادوها علة وسقوطاً.
وهكذا .. فإن بتكرار انهزامهم الذريع أمام حجج الحق ، يزداد هذا الحق قوة وغلبة عليهم ؛ فإنهم إلى الآن لم يستطيعوا أن يقفوا على أرجلهم .. حتى ولو على أرجل مرتجفة متخاذلة ؛ بل ما يزالون قاعدين!! بل مقعدين لا حول لهم ولا قوة على النهوض.وهذا حال من يتقوى بالباطل ؛ فلا يزيده إلا ضعفاً وتخاذلاً وانهزاماً. اللهم زدنا بك قوة وثبتنا على صراطك المستقيم . )
وصلى الله على الهادي البشير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة(248/15)
البيان الحقيقي في رد أقاويل الـ(صوفي)
أبو عمر الدوسري (المنهج)
هذه أحد التعقبات والردود في أحد المنتديات وزاويتها (منهاج السنة) .. وكان الآخر اسمه (صوفي) وهو صوفي .. أخذ ينكر كثير من اعتقادات الصوفية .. ويقول هذا ليس عندنا .. هذا مدسوس-تقية الصوفية- ... هذا له معنى آخر .. ليس كذا وكذا .. ومن القضايا المناقشة وحدة الوجود .. فرغبت أن نناقش تلك القضايا قضية قضية .. وبدأت بوحدة الوجود .. فالأهم فالمهم .. ولكنه حاد عن النقاش .. ثم هرب ولم يناقش .. وإني أضع هذا الموضوع لفائدته في هذا الجانب .. والله المسئول أن ينفع بما كتب ..
الحمد لله الفرد الصمد،عز عن الشريك وارتفع،وذل لهُ كل شيء وخضع،وصلاة على من لا غيره متبع،الإمام المعصوم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،أما بعد:
فإني قد تصفحت ما تيسر لي من صفحات المنهاج،الذي في شفاء للمحتاج،وأعجبني ما سطره الأحبة من مقالات في فرق الضلالات،وأزعجني ما جاء في عقائد أهل التصوف،وإنكار الصوفي لها فهل هذا عمل منصف!!ولهذا كان التبيان،ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فمن النقاط البارزة،والتعاليق النافعة،قيد الاخوة ما في عقائد الصوفية من طوام،فكان من (صوفي) الإنكار،وحيلة العاجز الإنكار،مع ما أثبت بالمصادر من الأخبار.(249/2)
فمما لفت الانتباه؛إنكار (صوفي) للخلاف العقدي بين الطُرق،وقال الخلاف في الفروع،والأصول واحدة،فإن كنت تقول هذا فنحن نثبت لك عقائد الشاذلية،أو التيجانية،أو الحبشية (الأحباش)،أو الحلولية أو النقشبندية أو … ،وبدأ التلاعب بمعنى وحدة الوجود الموجود –وأقسم- عند عدد من فرق الصوفية،وقال الخلاف في الأذكار،فما حاله مع وحدة الوجود!،وأشتد بالإنكار على كُتب الخبث والفسق والكفر الطبقات الشعرانية والسلمية وغيرها من الفصوص ، وما يسرقه من دين المرء هؤلاء اللصوص،وغيرها من الأمور فأوجب هذا البيان،فالمعذرة من الشدة في الكلام،فأنا لا أحب مخادعة العقول،فلسنا متصوفة نمرر ما يقول الشيخ،وكون المريد كالميت عند مغسله!!وهل له بإنكار المقولة.
أقول:
بأن أهل التصوف ليسوا على عقيدة واحدة في كل شيء؛بل هم طوائف وطرق شتى،ولا يمكن حصر مذاهبهم لكثرة الانحرافات التي تحدث في محيط التصوف؛لأنه لا يعتمد على المصدر المعصوم (الكتاب العزيز والسنة الصحيحة) ؛بل يعتمد على الأحاديث المكذوبة والحكايات الموضوعة والقصص الخيالية،ويعتمد بالدرجة الأولى على الأحلام والمنامات والكشف والإلهام والخواطر،وبالرجوع إلى كتب المتصوفة أو الكتب التي تتحدث عن الصوفية يمكن تلخيص جل الانحرافات الموجودة في محيط التصوف فيما يلي:
1/ القول بوحدة الوجود وأن الخالق هو عين المخلوق
كما قال أبو يزيد البسطامي: (سبحاني سبحاني ما أعظم شأني) .. فهل بعد هذا الكفر كفر؟؟!!
نقرأ ما يقوله (ابن عربي) الشيخ الأكبر عند الصوفية[الفتوحات المكية] (سبحان من خلق الأشياء وهو عينها) .وهو القائل: (فيحمدني وأحمده ويعبدني وأعبده) ولذلك أشهر البقاعي الحُسام في تنبيه الغبي في كفر ابن عربي.
وهذا شيخ صوفي من أئمتهم ابن الفارض الذي يؤكد هذه العقيدة في قصيدته المشهورة (بالتائية):
لها صلاتي بالمقام أقيمها ----- وأشهد أنها لي صلت(249/3)
كلانا مصل عابد ساجد إلى --- حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن – صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
وما زلت أياها وإياي لم تزل ----- ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهل بعد هذا الكفر من كفر!!ولا يزال الصوفية يجلونهُ ويسمونه (سلطان العاشقين)
أما شهيدهم الحلاج وأحد أئمتهم فإنه يقول في كتاب [الطواسين 34]:
(أنا من أهوى ومن أهوى أنا .... نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته ..... وإذا أبصرته أبصرتنا)
أن (الجيلي) وهو من كِبار مشايخ الصوفية-يعلن في صراحةٍ ووقاحة- أنه إله الكون الأعظم فيقول في كتاب (الإنسان الكامل 1/22) :
"لي الملك في الدارين لم أرى فيهما ... سواي فأرجوا فضله أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال وأنني .... جمال جلال الكل،ما أنا إلا هو"
إلى أن يقول:
"وأني رب الأنام وسيد ... جميع الورى اسم،وذاتي مسماهُ"
وانظر إلى تفسير هذا المخرف شيخهم النابلسي حين يقول مُعقباً على قوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون} :
(أخبر تعالى أن نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى وسلم هو الله تعالى وتقدس . وبيعته هو بيعة الله،وبدء التي مدت للبيعة هي يد الله .. كما يقول في تفسير الله تعالى لموسى {وأنا اخترتك} بأن تكون أنت أنا وأكون أنا أنت)
فما رأي المسلم من أقوال أئمة التصوف؟!!
يقول العضو (صوفي) أننا ننكر؛أقول لا تتعب حالك لدينا ما يثبت نقيض قولك.
فلقد ألف أحد الصوفيين هداه الله للإسلام كتاب أسماه (شهيد التصوف-أو لعله الإسلام- الحلاج) فماذا يا ترى يعني هذا الكتاب الصوفي الذي صدر حديثاً وهو يكيل الثناء والمجد ويأصل عقائد الكفر الحلاجية!!!فما رأي العضو (صوفي) أليس هو متناقض أو يستخدم التقية؟!!!(249/4)
أقول ويزعم (صوفي) بأن لا خلاف بين الفرق الصوفية في الأصول؛فأغرمك أنا على أنك نقشبندي وتعتقد بعقيدة وحدة الوجود،وتحققت من معناها الحقيقي هل كلامك الذي أبديت به تقيةً عصرية واضحة فاضحة!!
ما رأيه [وليعلم بأني لي تواصل مع عدد من الصوفيين وخاصة النحلة الزائغة النقشبندية والأحباش وغيرهم هداهم الله للإسلام من جديد] بهذه العقائد!!هذه واحدة من عدد من المفارقات بين أهل السنة وأصحاب الطرق الزائغة من الصوفية.
أخي الموحد:
اقرأ وأنت الحكم على وردٍ لا يزال أصحاب الطرق يرددونه في ملتقياتهم ودروسهم،ويؤصلون به عقيدة الإلحاد والكفر،اقرأ ماذا يقولون ويرددون ويعتقدون: (اللهم انشلني من أوحال التوحيد،وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أجد ولا أحس إلا بها) .
والسؤال أين (صوفي) ليأول لنا هذا الدعاء يلتف على الكلمات؟؟!!!رجل يريد أن ينتشل من التوحيد ليقذف بأوحال الوحدة!!!!وكما قال أحد الدعاة "لسنا أغبياء بدرجة كافية" ولعله من الواجب أن نبين في المرة القادمة التأويلات الصوفية في تحريف الكلام!!!
لماذا يشتد نكير دعاة الإسلام على هذه العقيدة الصوفية اليوم،وهناك من يحاول إنكارها أو التنكر بالألفاظ لها،يجيب الشيخ محمد غازي رحمه الله في الصوفية والوجه الآخر: (لأن الصوفية مازالوا يتعبدون بهذا الكلام في مساجدنا،ومازالت هذه الأفكار هي التي تسود حلقاتهم وأذكارهم .. واستشهد بأحد أورادهم) .
وقبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى ما رأي علماء السنة بهذه العقيدة التي يعتقد بها عدد كبير من صوفية الأمس واليوم هذا ما ستراه في الأيام القادمة،ولو أردت المزيد من الإثبات من كلام علماء الصوفية السابقين واللاحقين عن اعتقادهم لهذه العقيدة لبينت لك،ولعلك تعرف من هو محمد مصطفى أبو العلا !!وتأكيده لعقيدته الفاسدة وحدة الوجود.(249/5)
ويكفي أن الله لم يقل بخزعبلاتهم ولا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالسنة السنة ..
واقتصاد في سنة غير من اجتهاد في بدعة.
ولي تعقبات أخرى مع العضو (صوفي) يسر الله لي نشرها..
وأناشده الله أن لا يكذب،وأن يناقش الحجة بالحجة؛وإلا ما أزعج الناس مثل الثغاء!!ولا نريد فناً كلامياً من أهل الكلام؛بل المراد حجة الدين،فإن نفيت فأنفي بحجتك ودليلك وإلا قد صدق الشيخ إحسان-وهو صادق-فيك يا صوفي .
ثم أعترف مشكوراً بنقل بعض الأقوال نظر لسرعة الإعداد واختصار الوقت مع بعض التعديل والتأكد من المصدر من بعض الأخوان وفقهم الله.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(249/6)
التبرك بفضلات وآثار الصالحين لا يحلُّ، لأنه من خصائص رسول رب العالمين
الشيخ الأمين محمد الحاج - السودان
لقد خُصَّ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة لم يشاركه فيها أحد من أمته، من تلك الأمور التمسُّح والتبرُّك بما انفصل عنه صلى الله عليه وسلم وبآثاره، كما صحَّ بذلك الخبر عن عروة بن مسعود الثقفي وأبي جُحيفة رضي الله عنهما.
بل من الصحابة من شرب دمه، وهو عبد الله بن الزبير، ومنهم من شرب بوله، وهي بركة، ومنهم من كان يسلت عَرَقه ويضعه في طيبه ويتطيب به، ويقول: هو من أطيب الطيب، وهي أم سُليم رضي الله عنهم جميعاً.
خرَّج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به"، وفيه: "كان إذا توضأ يقتتلون على وضوئه".
وخرَّج البخاري في صحيحه عن عروة عندما جاء مفاوضاً عن قريش في الحديبية: "وما انتخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده".
قال الشاطبي رحمه الله: (وخرَّج غيره ـ أي البخاري ـ من ذلك كثيراً في التبرك بشعره وثوبه وغيرهما، حتى أنه مس بأصبعه أحدهم بيده فلم يحلق ذلك الشعر الذي مسه عليه السلام حتى مات).[1]
ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بذلك، بل قد أنكر على بعضهم، فقد قال لعبد الله بن الزبير عندما علم أنه شرب دمَ حجامته: ويحك، لِمَ شربتَ الدم؟!
وقال كذلك لبركة عندما وجد القدح الذي كان يبول فيه من الليل فارغاً: لعلك شربته؟! متعجباً ومستنكراً لفعلها.(250/2)
قال الشاطبي رحمه الله: (خرَّج ابن وهب في جامعه من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أوتنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا به جلودهم، فلما رآهم يصنعون ذلك سألهم: "لِمَ يفعلون هذا؟"، قالوا: نلتمس الطهور والبركة بذلك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم يحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث، وليؤد الأمانة، ولا يؤذ جاره".
فإن صحَّ هذا النقل فهو مشعر بأن الأولى تركه، وأن يتحرى ما هو الآكد والأحرى من وظائف التكليف، ولا يلزم الإنسان في خاصة نفسه، ولم يثبت من ذلك كله إلا ما كان من قبيل الرقية وما يتبعها).[2]
مما يدل على أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه انفرد بذلك عن أمته، أنه لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك بعد موته لأحد منهم، لا لأفضلهم وأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر ولا لغيره.(250/3)
لقد ردَّ الشاطبي رحمه الله على من يعتقد مشروعية هذا في حق من ثبتت ولايته واتباعه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبرك بفضل وضوئه ويستشفي بآثاره ونحو ذلك قائلاً: (إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه.. وهو أن الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك ولا عمر رضي الله عنهما، وهو كان أفضلَ الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرَّك به على أحد تلك الوجوه، أونحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.
ثم ردَّ عدم فعلهم لذلك لأحد سببين، هما:
1. اعتقادهم أن ذلك كان من خصائصه التي انفرد بها عن أمته.
2. أو أنهم تركوا ذلك سداً للذريعة.
حيث قال: وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه، ويحتمل وجهين:(250/4)
أحدهما: أن يعتقدوا فيه الاختصاص، وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله، للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير، لأنه عليه السلام كان نوراً كله[3] في ظاهره وباطنه، فمن التمس منه نوراً وجده على أي جهة التمسه، بخلاف غيره من الأمة ـ وإن كان حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهديه ما شاء الله ـ لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبته، ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصاً به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بعض الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات، وشبه ذلك، فعلى هذا المأخذ لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة.
الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص ولكنهم تركوا ذلك من باب الذرائع، خوفاً من أن يجعل ذلك سنة ـ كما تقدم ذكره في اتباع الآثار ـ والنهي عن ذلك، أولأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد، بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة حتى يداخلها للمتبرَّك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرَّك به ما ليس فيه، وهذا التبرك هو أصل العبادة، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية.. فخاف عمر رضي الله عنه أن يتمادى الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة حتى تعبد من دون الله، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم).[4]
وعليه فإنه لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتدلك أويتمسَّح بوضوء ونخامة أوما انفصل من شخص مهما كانت مكانته ومنزلته، فإن فعل فليعلم أنه مبتدع وأنه غير مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مقتدٍ بأتباع زنادقة الصوفية كالحلاج ونحوه.(250/5)
قال الشاطبي رحمه الله: (حكى الفرغاني في مذيل تاريخ الطبري عن الحلاج أن أصحابه بالغوا في التبرك به حتى كانوا يتمسحون ببوله ويتبخرون بعذرته، حتى ادعوا فيه الألوهية، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ولأن الولاية وإن ظهر لها في الظاهر آثار قد يخفى أمرها، لأنها في الحقيقة راجعة إلى أمر باطن لا يعلمه إلا الله، فربما ادعيت الولاية لمن ليس بوليّ[5]، أوادعا هو لنفسه، أوأظهر خارقة من خوارق العادات هي من باب الشعوذة، لا من باب الكرامة، أومن باب السحر، أو الخواص، أوغير ذلك، والجمهور[6] لا يعرف الفرق بين الكرامة والسحر، فيعظمون من ليس بعظيم، ويقتدون بمن لا قدوة فيه ـ وهو الضلال البعيد ـ إلى غير ذلك من المفاسد، فتركوا العمل بما تقدم ـ وإن كان له أصل ـ لما يلزم عليه من الفساد في الدين).[7]
قلت: هنيئاً لأتباع الحلاج ومن اقتدى بهم بهذا المسوح والبخور، فقد ازدادوا رجساً حسياً إلى رجسهم المعنوي، حيث اعتقدوا ألوهية الحلاج، لا شك أن الله جامع بينهم وبينه إن لم يكونوا قد تابوا ورجعوا إلى الإسلام.
لقد أجمع علماء الإسلام في بغداد في عصره على كفر الحلاج، وأباحوا قتله، فقتل بسيف الشرع لزندقته دون استتابة، مع ذلك نجد بعض المتصوفة يستغيثون به وبأمثاله حتى اليوم: "بالشبلي، بالحلاج، بابن عربي".
قال القاضي عياض رحمه الله: (وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية[8] على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته).[9]
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية[10]: (قدِّم الحلاج فضرب ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، وحزَّ رأسُه، وأحرقت جثته، وألقي رمادها في دجلة، ونصب الرأس يومين ببغداد على الجسر، ثم حمِل إلى خرسان وطيف به في تلك النواحي).(250/6)
مع كل ذلك نجد من بعض مرضى القلوب من يصف الحلاج وأمثاله كمحمود محمد طه أوغيرهما بشهداء الفكر، نعوذ بالله من الضلال والخذلان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، حامي حمى التوحيد، وعلى وآله وصحبه أجمعين.
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(250/7)
التزكية عند الصوفية
نقلها: أبو عمر الدوسري
نشر في مجلة الفرقان دراسة شرعية، تحصلت على (14) حلقة خصت التزكية عند الصوفية ..
هذه الدراسة الفريدة، تستحق منا أن نسعى لنشرها، وخاصة أن الدكتور وليد الربيع قد بذل فيها جهداً واضحاً .. ولن أطيل الكلام فمع الدكتور وليد:
مقال سابق لهُ صلة:
من أصول المخالفين لمنهج السلف في الفهم والاستدلال
http://alsoufia.org/vb/showthread.php?t=1604
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الأولى:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
قال عز وجل:- هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين- وقال تعالى: -لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين-.
يمتن الله عز وجل على عباده في هاتين الآيتين وغيرهما ببعثة النبي الكريم الذي أنقذهم به من الضلالة وعصمهم به من الهلاك وأخرجهم به من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإسلام والإيمان والإحسان، وبين أن من مهمات الرسول تعليم الناس آيات الله عز وجل ببيان ألفاظها ومعانيها وأحكامها، ومن أعظم وظائفه تزكية الناس من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر مساوئ الأخلاق.
فتزكية النفوس وتطهيرها من سوء الاعتقادات وسوء الأخلاق من أعظم غايات البعثة كما قال صلى الله عليه وسلم : -إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق-.(251/2)
وتزكية النفوس هي تطهيرها وتنقيتها من القبائح والرذائل العقدية كالشرك والشك والشقاق والنفاق، أو الأخلاقية كالجبن والبخل والحقد والحسد والظلم والكذب، وتجميلها بالفضائل ومحاسن الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة.
فالنفس الزكية هي النفس الطيبة الطاهرة البعيدة عن كل دنس، المتعالية عن كل خبث، ولهذا أقسم الله عز وجل بمخلوقات عديدة في قوله تعالى: -والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها- على قضية واحدة وهي قوله عز وجل: -قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها- أي فاز من طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب وجملها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد خسر من ترك تكميلها بالفضائل ودنسها بالرذائل.
وتزكية النفوس منة من الله عز وجل على من يشاء من عباده كما قال تعالى: -ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا- وقال عز وجل: -بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً- لأن الشيطان وأتباعه، والنفس والهوى والدنيا والفتن متكالبة على العبد من كل مكان، فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى أحد أبداً، ولكن الله تعالى بفضله يجتبي من يشاء من عباده فيطهره من الرذائل وينميه بالفضائل.
ولتزكية النفس ثمرات عظيمة منها أن التزكية سبب للفلاح في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل: -قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى-، ومنها دخول الجنة كما قال تعالى: -ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى-، ومنها النجاة من النار كما قال تعالى: -فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى- وغيرها من الثمرات الطيبة للتزكية الشرعية.(251/3)
والعبادات البدنية والمالية سبيل لطهارة النفس وزكاتها، فالصلاة كما وصفها الله عز وجل: -إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر- وقال صلى الله عليه وسلم : -أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا-، والصيام سبب للتقوى التي هي من غايات التزكية الشرعية كما قال عز وجل: -يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون-، والزكاة تطهير للمال ولنفس المزكي من الشح والبخل كما قال تعالى: -خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها-، وإقامة حدود الله تعالى في العقوبات طهارة للمجتمع من الجرائم وإشاعة للأمن والاستقرار كما قال تعالى:-ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون-.
- والخلاصة أن التزام أحكام الدين في الظاهر والباطن، في العلم والعمل، في العبادات والمعاملات وسائر مجالات الحياة سبب لتزكية الأفراد والمجتمعات.
وقد ظهرت مناهج مخالفة لهذا المنهج الأصيل، تهدف إلى تقديم سبل أخرى لتزكية النفوس، وقد وضعت لها غايات ووسائل بعيدة عن المنهج الشرعي للتزكية، ذلك المنهج المستمد من النصوص الشرعية والآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين.
العدد رقم: 303 التاريخ: 7/26/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الثانية:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع --
أولاً: الشيخ المرشد(251/4)
من أهم ركائز التزكية عند الصوفية التلقي عن الشيخ المرشد، فلابد لكل من أراد سلوك الطريق من شيخ يدله عليه ويرشده إليه ويضع له العلامات الهادية ويحذره من المزالق والمهالك التي قد تعترض طريقه، وعندهم لا يستطيع المكلف أن يزكي نفسه بمجرد قراءة القرآن والاطلاع على السنة ما لم يكن له شيخ يداوي علل نفسه!! كما قال عبدالقادر عيسى في -حقائق عن التصوف ص 54-: فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة الشخصية المثالية شخصية رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والإطلاع على أحاديث الرسولصلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلابد معهما من طبيب يصف لكل داء دواءه، ولكل علة علاجها.
قارن - أخي القارئ - بين هذا الكلام الأدلة الشرعية التي تدل على أن القرآن الكريم والسنة المطهرة علاج لأمراض القلوب والأبدان، كما قال عز وجل: -يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين-.
قال الشيخ ابن سعدي: هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة عن الشر، ونمت عندك هذه الرغبة والرهبة أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.(251/5)
وأيضاً فإن العلم بالسنة المطهرة شفاء لأمراض الجهل والشبهات، كما جاء في حديث صاحب الشجة الذي أفتاه أصحابه بالغسل فاغتسل فمات، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: -قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال-.
قال ابن القيم: فلا يخرج مرضه - أي القلب - عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما، وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم.. ولاشك أن رأس العلم وأساسه العلم بكتاب الله وسنة نبيهصلى الله عليه وسلم.
- حكم اتخاذ الشيخ المرشد:
اتخاذ الشيخ المرشد واجب عيني عند الصوفية، كما قال الطيبي: فقد أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان شيخاً له، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه! ليصح حضوره وخشوعه في سائر العبادات، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولاشك أن علاج أمراض الباطن واجب. فيجب على كل من غلبت عليه الأمراض أن يطلب شيخاً يخرجه من كل ورطة! وإن لم يجده في بلده أو إقليمه، وجب السفر إليه -حقائق عن التصوف ص 95-.
العدد رقم: 304 التاريخ: 2/8/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الثالثة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
أهمية اتخاذ الشيخ المرشد
ويرى الصوفية اتخاذ الشيخ ضرورة حتمية، لأن سبل الدين عندهم غامضة يحتاج فيها السالك إلى قائد ودليل يأخذ بيديه، في حين أن الله تعالى يقول: -ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر-، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في بيان وضوح الدين وظهور سبله: -وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها سواء<.
- وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً.(251/6)
- قال الغزالي: يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير، فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها، فإنها تجف على القرب وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتصم المريد شيخه فليتمسك به -الإحياء 3/56-.
ولهذا قال القشيري مبينا ضرورة اتخاذ الشيخ: ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً، هذا أبو زيد يقول: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان.
- ويقول محمد ماضي أبو العزائم في مذكرة المرشدين والمسترشدين ص 511: يلزم لمن أراد أن يسلك طريق الله تعالى - لتحصل له النجاة والفوز والسعادة والوصول - أن يبدأ أولا بالبحث عن الرجل الحي، العالم بكتاب الله تعالى، والعالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعالم بتزكية النفوس وتخليصها من أمراضها ورعوناتها، والعالم بالأخلاق المحمدية، المتجمل بها، الممنوح الحال الذي يجرد النفوس من أوحال التوحيد!! العالم بعلوم اليقين ومشارب الأبرار ومشاهد المقربين، العالم بحقيقة التوحيد الخالص من الشرك الخفي.
وهنا يرد تساؤل وهو ما حكم من لم يحصل له الشيخ المرشد الصوفي؟ أو أنه أهمل ذلك مقتصراً على شيخ التعليم الذي بينه له دينه في عقيدته وعبادته وأخلاقه، فهل يكون بذلك قد حرم من تزكية نفسه وفات عليه الفلاح والنجاة أبداً؟
لاشك أن هذا مخالف لمنهج سلف الأمة الذي ينص على أن النجاة في التمسك بالوحي - الكتاب والسنة - كما قال عز وجل: -اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء-.(251/7)
- قال الشيخ ابن سعدي: أي الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم من ربكم الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل لكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه كملت تربيتكم وتمت عليكم النعمة وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها.
وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته الجامعة: -أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة< فبين أن سبيل النجاة إنما هو بالتمسك بالسنة المطهرة وسنة الخلفاء الراشدين ولم يذكر شيوخ التربية كما يزعم الصوفية.
من هو الشيخ المرشد؟
يبنغي العلم بأن الشيخ عند الصوفية ليس شيخ التعليم كما يقول عبدالقادر عيسى: ينبغي الملاحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية لا شيخ التعليم، إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له أساتذة عدة، ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة في العلم لأن ارتباطه بهم ارتباط علمي بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية! -حقائق عن التصوف ص 99<.
- يقول القاشاني: الشيخ هو طبيب الأرواح وهو الإنسان البالغ في معرفة علوم الشريعة والطريقة والحقيقة إلى الحد الذي يتمكن معه من معالجة الأمراض الحاصلة في نفوس الطالبين للوصول إلى الله تعالى.
فالشيخ عند السالكين هو الذي سلك طريق الحق، وعرف المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير عليه بما ينفعه ويضره -السير والسلوك إلى ملك الملوك ص 122<.(251/8)
فالصوفية يفرقون بين شيخ العلم وشيخ التربية كما يفرقون بين الشريعة والحقيقة، وبين الفقه والتصوف، والعلم الشرعي والعلم اللدني، وذلك أن لهم طريقاً خاصاً إلى الله تعالى، يقول عمر بن سعيد الفوتي: لا يصل السالك الناسك إلى حضرة الله وحضرات صفاته وأسمائه ولو جمع علوم الأولين وصحب طوائف الناس وعبد عبادة الثقلين إلا على يدي أصحاب الإذن الخاص.
العدد رقم: 305 التاريخ: 9/8/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الرابعة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
يقول الشعراني: -فعلم من جميع ما قررناه وجوب اتخاذ الشيخ لكل عالم طلب الوصول إلى شهود عين الشريعة الكبرى، ولو أجمع جميع أقرانه على علمه وعمله وزهده وورعه ولقبوه بالقطبية الكبرى، فإن لطريق القوم شروطاً لا يعرفها إلا المحققون منهم دون الدخيل فيهم بالدعاوى والأوهام-.
ولهذا فإنهم يشترطون شروطاً خاصة في شيخ التربية ويوجبون له حقوقاً على أتباعه تضمن له الطاعة المطلقة والتحكم المحض فيهم وتعلقهم به وحده وعدم الانصراف إلى غيره ولا الخروج عن طاعته ولو بالنية والهم القلبي ونحو ذلك بما يخالف أصول المنهج الشرعي في التزكية والطاعة وأدب الطالب مع شيوخه ومعلميه.
- شروط الشيخ المرشد
أولاً: أن يكون عالماً بالفرائض العينية: كالعقائد والعبادات والمعاملات ونحوها.
ثانياً: أن يكون عارفاً بالله:
والعارف بالله مصطلح صوفي بينه المناوي بقوله: -العارف من أشهده الرب نفسه!! فظهرت عليه الأحوال-.-التوقيت على مهمات التعريف ص 496-.(251/9)
وعلى عادة الصوفية في الغموض واستعمال الأساليب الرمزية الإشارية في بيان الحقائق الصوفية يقول محمد فاضل أبو ماضي في مذكرة المرشدين والمسترشدين ص 35: -والعارف هو المقبل بفكره وقواه النفسية على قدس الجبروت، مستديما لشروق نور الحق لسره بعد تركه للملك، وإشراقه على الملكوت ومواجهة نفسه للعزة-.
ويقول عبدالقادر عيسى في بيان هذا الشرط: -فينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملاً وذوقاً بعد أن عرفها علما ودراية، فيشهد قلبه وروحه صحتها، ويشهد أن الله واحد في ذاته، واحد في صفاته واحد في أفعاله، ويتعرف على حضرات أسماء الله تعالى ذوقاً وشهوداً، ويرجعها إلى الحضرة الجامعة، ولا يشتبه عليه تعدد الحضرات، إذ تعدد الحضرات لا يدل على تعدد الذات-.
ثالثاً: أن يكون خبيراً بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها:
فلابد أن يكون قد زكى نفسه على يد مرب ومرشد، فخبر مراتب النفس وأمراضها ووساوسها، وعرف أساليب الشيطان ومداخله، وآفات كل مرحلة من مراحل السير، وطرائق معالجة كل ذلك بما يلائم حالة كل شخص وأوضاعه -حقائق عن التصوف ص 79-.
رابعاً: أن يكون مأذوناً بالإرشاد من شيخه:
فلابد أن يكون المرشد قد أجيز من شيخه بهذه التربية وهذا السير، فمن لم يشهد الاختصاصيون بعلم يدعيه لا يحق أن يتصدر فيه، فالإجازة هي شهادة أهلية الإرشاد وحيازة صفاته -حقائق عن التصوف ص 79-.
العدد رقم: 306 التاريخ: 8/16/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الخامسة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -(251/10)
ولا تعجب أخي القارئ من هذه الجرأة والمجازفة في القول لأنهم يرون أن الشيوخ حجاب الله تعالى وهم الأدلاء إليه فمن أوصلوه وصل وإلا فهو المحروم، انظر إلى ما قاله الشعراني: -فمن تلطخ بالذنوب وادعى محبة شيخه فهو كاذب، وكما أنه لا يحب شيخه فكذلك شيخه لا يحبه، وإذا لم يحبه فالحق تعالى كذلك لا يحبه!-.
وتأمل كلام ابن عربي في الفتوحات المكية باب في معرفة مقام احترام الشيوخ: -إن حرمة الحق في حرمة الشيخ، وعقوقه في عقوقه! هم حجاب الحق، الحافظون أحوال القلوب على المريدين، فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه! والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه يدخل في كلامه ويزاحمه في رتبته، فإن وجود الحق إنما يكون للأدباء، والباب دون غير الأدباء مغلق، ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيوخ- أهـ.
ولهذا أوجبوا للشيوخ آداباً كثيرة ظاهرة وباطنة لا يصل المريد إلى غايته من التزكية إلا بمراعاتها.
أولاً: الآداب الباطنة:
- قال ابن عجيبة في شرح الحكم العطائية:
1- اعتقاد كماله وأنه أهل للشيخوخة والتربية، لجمعه بين شريعة وحقيقة، وبين جذب وسلوك.
2- تعظيمه وحفظ حرمته غائباً وحاضراً، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وعلى قدر التصديق يكون التحقيق، فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة.
3- انعزاله عن عقله ورياسته وعلمه وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه، كما فعل شيخ طريقتنا الشاذلي عند ملاقاته شيخه، فهي سنة في طريقه، فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة فلابد أن يغتسل من علمه وعمله قبل أن يصل إلى شيخه، لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي.(251/11)
4- عدم الانتقال عنه إلى غيره، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها، وهذا كله مع شيوخ التربية كما تقدم، وأما شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن إن وجدهم ولا يحتاج إلى إذن.. والله أعلم- -إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص771-.
- وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف:
- الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، من باب التسليم لذي الاختصاص والخبرة بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة.
- عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه، فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به ويحجب عنه خيراً كثيراً ويقطع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه. قال العلامة ابن حجر الهيثمي: -ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحث عنها، فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وإنه لا ينتج قط، ومن ثم قالوا: -من قال لشيخه لم؟ لم يفلح أبداً، أي لشيخه في السلوك والتربية.
- قال محمد بن حامد الترمذي: -من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة- وقال أبوالعباس المرسي: -تتبعنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير-. -حقائق عن التصوف ص59-89-.(251/12)
- أن يبالغ في حب شيخه: قال الشعراني: عمدة الأدب مع الشيخ هو المحبة له، فمن لم يبالغ في محبة شيخه بحيث يؤثره على جميع شهواته لا يفلح في الطريق لأن محبة الشيخ إنما هي مرتبة إدمان يترقى المريد منها إلى مرتبة الحق عز وجل، ومن لم يحب الواسطة بينه وبين ربه التي من جملتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق، والمنافق في الدرك الأسفل من النار.
وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل حتى لو قام أهل مصر كلهم في صعيد واحد، لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه، ولو غاب عنهما الطعام والشراب أياماً لاستغنى عنا بالنظر إلى شيخه في باله!!
وسمعت سيدي عليا المرصفي يقول: -المريد يترقى في محبة شيخه إلى حد يتلذذ بكلام شيخه له كما يتلذذ بالجماع! فمن لم يعمل إلى هذه الحالة فما أعطى الشيخ حقه من المحبة!!-.
العدد رقم: 307 التاريخ: 8/23/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة السادسة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
- قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يشرك مع شيخه أحدا في المحبة، وكان سيدي علي بن وفا يقول كثيراً: إياكم أن تشركوا في المحبة مع شيخكم أحدا من المشايخ، فإن الرجال أمثال الجبال وهم على الأخلاق الإلهية المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم : -تخلقوا بأخلاق الله-، فكما أن الله تعالى -لا يغفر أن يشرك به- فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها!! وكما أن الجبال لا يزحزحها عن مكانها إلا الشرك بالله تعالى ما دام العالم باقياً، فكذلك الولي لا يزيل همته عن حفظ مريده!! من الافات إلا شرك موضع خالص المحبة من قلبه-!!(251/13)
- وقال أبوعلي الدقاق: -من دخل في صحبة شيخ ثم اعترض عليه بعد ذلك فقد نقض عقد الصحبة ووجب عليه تجديد العهد، على أن الأشياخ قد قالوا: إن عقوق الأستاذ قد يترتب عليه استحكام المقت فلا يكاد يصح من ذلك العاق توبة!! وكان أبوجعفر الخلدي يقول: من لم يحفظ الأدب مع المشايخ سلط الله عليه الكلاب التي تؤذيه-!!
- وكان أحمد الأبيوردي يقول: -إياكم والعمل على تغيير قلب شيخكم عليكم، فإن من غير قلب شيخه عليه لحقته العقوبة ولو بعد موت الشيخ-!!
وزار أبوتراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي، فلما قدم خادمه السفرة قالا له: كل معنا يا فتى، فقال: لا إني صائم، فقال له أبوتراب: كل ولك أجر صوم شهر!! فقال: لا، فقال له شقيق: كل ولك أجر صوم سنة!! فقال: لا، فقال أبويزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل، فسرق ذلك الشاب بعد سنة فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ!!
وسمعت شيخ الإسلام برهان الدين بن أبي شريف يقول: -من لم ير خطأ شيخه أحسن من صوابه هو لم ينتفع به-!!
- وكان سيدي علي بن وفا يقول: -من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!!-، وكان يقول: -من آثر أستاذه على نفسه كشف الله له عن حضرة قدسه!! ومن نزه حضرة أستاذه عن النقائض منحه الله بالخصائص!! ومن احتجب عنه طرفة عين فلا يلومن إلا نفسه إذا أوبق بوائق البين، ولا يصل المريد إلى هذا المقام إلا إن جعل مراد شيخه مراده-.
- قال الشعراني: -ومن شأنه أن لا يقيم ميزان عقله على كلام شيخه، حتى لو قال له لا تحضر مجلس فلان العالم أو الواعظ فلا ينبغي له حضوره!! وذلك لأن شيخه أمين عليه في كل شيء يرقيه أو يوقفه أو يؤخره، وغير شيخه لم يلتزم ذلك معه فربما علمه ما يضره!! ويورثه الإعجاب بنفسه مثلا فيهلكه!!-.(251/14)
للشيخ أن يخرج المريد من ورد إلى ورد آخر فإذا نهاه عن ورد بادر إلى امتثال أمره وليس له الاعتراض عليه بباطنه ويقول إن الورد خير فكيف ينهاني عن فعله؟ فربما رأى الشيخ في ذلك الورد ضرراً على المريد!! بدخول علة قادحة في الإخلاص مثلاً- -الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية للشعراني ص114-155-.
ولا يخفى على أحد في تلك النقولات المذكورة عن أرباب التصوف وأئمته من مخالفة واضحة لمنهج أهل السنة والجماعة في أدب طالب العلم مع شيوخه، إذ إنها علاقة احترام وتوقير وليست علاقة تقديس وتقليد وانسلاخ من العقل والإرادة كما يصورها الصوفية ليحصل لهم كمال انقياد الاتباع وعدم اعتراضهم عليهم ولا يتركونهم مدة حياتهم، فقد سأل الشعراني شيخه الخواص: -هل أصحب أحداً من مشايخ العصر لآخذ عنه الأدب؟ فقال: -لا تفعل ذلك في حياتي أبداً- -درر الغواص ص53-، وجاء في قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص278 فيما يلزم المريد الرفاعي أن يتحلى به أن لا يلتجئ إلى غير شيخه حتى ولو كان ذلك الشيخ من الصالحين-، فهي مسألة احتكار للمريدين وتكثر بهم، وتطورت هذه العلاقة لتأخذ صورة المدارس المستقلة المتمثلة بالطرق الصوفية الكثيرة كما عرفتها الموسوعة الميسرة: -طريقة: السيرة المختصة بالمتصوفة السالكين إلى الله من التمكن في المقامات والترقي في الأحوال، كانت تدل في القرنين الثالث والرابع على أحوال الصوفية وسلوكهم ثم أصبحت تدل على نظام من الرياضات الصوفية تمتاز به كل طريقة، انتشرت هذه الطرق في القرن الثاني عشر فتعددت وتنوعت وتنافست وكان للعراق وشمال أفريقيا منها نصيب كبير-.
ولكل طريقة طقوسها وأذكارها ورجالها، ونظرة موجزة على مواقع الطرق الصوفية في شبكة الإنترنت كافية للوقوف على انحرافها عن منهج أهل السنة والجماعة في أمور كثيرة.
العدد رقم: 308 التاريخ: 8/30/2004(251/15)
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة السابعة:
التزكية عند الصوفية
د. وليد خالد الربيع
- الآداب الظاهرة
يبالغ الصوفية في أهمية لزوم المريد الأدب مع شيخ التربية والإرشاد، وقد ذكروا في ذلك آداباً كثيرة منها ما هو موافق للمنهج الصحيح للتزكية ويخرج بالعلاقة بين المريد والشيخ عن دائرة التربية إلى هوة التقديس والطاعة المطلقة المخالفة لأصول الشرع المطهر التي تقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الطاعة المطلقة إنما هي لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم-، وفي هذه الآية أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المسلمين، وهم الأمراء والعلماء كما قرر ذلك طائفة من العلماء منهم الجصاص، وابن العربي وابن كثير وابن تيمية وابن القيم وابن سعدي.
ومع ذلك فإن طاعة ولاة الأمر ليست مطلقة كطاعة الله ورسوله، بل إنها مقيدة بقيود وضوابط تحقق المقصود منها وتمنع من مجاوزة الحد الشرعي فيها، وقد دل على هذا التقييد أدلة منها:
1- قوله تعالى: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم- فالله سبحانه أعاد فعل -أطيعوا- في قوله: -وأطيعوا الرسول- إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته.
2- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة-.(251/16)
3- وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوا وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوا: -لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة-، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: -لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف-.
قال النووي: تجب طاعة ولاة الأمر فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت المعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به - أي في هذا الحديث ونظائره -.
وقال ابن تيمية: إنهم - أي أهل السنة والجماعة - لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة...-.
-
قارن - أخي القارئ - بين هذا الأصل العظيم من أصول منهج أهل السنة والجماعة وبين ما سيأتي ذكره من بعض الآداب التي ذكرها الصوفية لمن أراد سلوك سبيل التصوف، كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 120 : -فهذه جملة من الآداب التي يجب على السالك مراعاتها والمحافظة عليها، فإن الطريق كلها آداب- وقد فرق بين المريد الحقيقي والمريد المجازي!! وبيّن أن هذه الآداب ليست للعامة وإنما هي لطائفة مخصوصة من الناس فقال: -وهذه الآداب كلها إنما تطلب من المريد الحقيقي الذي يريد الوصول إلى الحضرة الإلهية!!، وأما المريد المجازي فهو الذي ليس قصده من الدخول مع الصوفية إلا التزيي بزيهم والانتظام في سلك عقدهم، وهذا لا يلزم بشروط الصحبة ولا بآدابها، ومثل هذا له أن ينتقل إلى طريق أخرى ولا حرج عليه-.
العدد رقم: 309 التاريخ: 6/9/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الثامنة:
التزكية عند الصوفية(251/17)
- د. وليد خالد الربيع -
- ذكر السهروردي في عوارف المعارف ص286 أن بعض أصحاب الجنيد سألوه مسألة فأجابه، فعارضه فقال الجنيد: فإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون!!
قال السهروردي: وينبغي للمريد كلما أشكل عليه شيء من حال الشيخ أن يذكر قصة موسى مع الخضر عليهما السلام... فما ينكره المريد لقلة علمه بحقيقة ما يوجد من الشيخ، فللشيخ في كل شيء عذر بلسان العلم والحكمة!! أهـ
بل بالغ بعضهم فقدم طاعة الشيخ على طاعة الوالد كما قال الشيخ داود الكبير: خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك، لأن أباك كدرك وأستاذك صفاك، وأستاذك علاك، وأباك مزجك بالماء والطين وأستاذك رقاك إلى أعلى عليين- -الطبقات الكبرى للشعراني 1/169-.
وتأمل ما جاء في تذكرة الأولياء 1/171 عن ذي النون المصري أنه قال: -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه-!!؟
- السكينة والوقار في الجلوس بين يديه: فلا يضحك ولا يرفع صوته عليه ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض الصوت ورفق ولين، ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريباً معه، وكل ذلك كما يقول عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص99: -لأن ذلك من عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له، ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرم مددهم!! وثمرات ألحاظهم وبركاتهم!!- ونحو ذلك من التذلل المهين للمشايخ الذي يسميه الصوفية -أدبا- والواقع أنه ذل وصغار وتحقير للمريد حتى يخرج من كرامته الإنسانية وشخصيته المستقلة، ليذوب في إرادة الشيخ وتوجيهاته ولو كانت مخالفة للشرع المطهر، فكمال المريد في كمال ذله لمشايخه(251/18)
- وقارن هذه الآداب الصوفية - أخي القارئ - مع حال سادات المؤمنين وهم الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - مع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، وكيف أنهم - مع كمال الاتباع والأدب والتوقير - كانوا يأكلون معه وبين يديه ويكلمونه استفساراً واقتراحاً ويمزحون معه وبين يديه صلى الله عليه وسلم كما تزخر بذلك كتب السنة المطهرة والسيرة العطرة لمن تأملها، بخلاف ما يريده الصوفية من أتباعهم من الاستسلام الذليل والانقياد المهين.
- المبادرة إلى خدمة الشيخ بقدر الإمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، قال ابن عجيبة: -فخدمة الرجال سبب الوصال لمولى الموالي- -شرح الحكم ص175 -، ونقل الشعراني عن الشيخ علي وفا أنه قال: -من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!!- -الأنوار القدسية ص 150.
وقد تصل الخدمة بالمريد إلى أن ينظف مرحاض الشيخ! فعليه أن لا يعترض على ذلك لأن الخدمة سبب للترقي والوصول، قال الشعراني: -فيجب عليه أن لا يعترض على شيخه بقلبه إذا استعمله في نزح السراب مثلاً أو قال له: اعمل سراباتي - والسراب هو المرحاض - وقد كان الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر بسبب نزحه سراب بيت الشيخ عبدالله المنوفي، فسمع الشيخ يطلب القنواتية فأتى بالفأس والزنبيل من الليل وصار ينزح إلى الظهر، فما رجع الشيخ عبدالله من الدرس حتى نزح السراب كله، فدعا له الشيخ فصار علماء المالكية كلهم يرجعون إلى قوله وترجيحه إلى وقتنا هذا!! -الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ص 123-.(251/19)
فأصبح طريق الإمامة في الدين ليس للصبر واليقين كما قال تعالى -وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون- وليس طريق الإمامة في تحصيل العلم النافع والعمل الصالح وإنما - عند الصوفية - يحصل ذلك ببركة دعاء الشيخ وخدمته في تنظيف النجاسات ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم والتحصيل، وتأمل هذه القصة التي حكاها الشعراني فقال: -ومن شأنه - أي المريد - إذا أقامه الشيخ في خدمة سفرا وحضرا دون أن يحضر مجالس الذكر أن لا يتكدر، فإن الشيخ إنما يستعمله فيما يراه خيرا له من سائر الوجوه، ومتى تكدر أو رأى أن اشتغاله بغير ذلك أفضل فقد نقض عهد شيخه!! فإن الشيخ أمين عليه من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته!! ومطالب أن يفعل معهم ما يرقيهم وينهاهم عما يؤخرهم في المقامات... وقد بلغنا أن سيدي إبراهيم المواهبي لما جاء إلى سيدي الشيخ أبي المواهب يطلب الطريق إلى مقدمة الأدب مع الله تعالى أمره أن يجلس في الاصطبل يخدم البغلة ويقضي حوائج البيت!! وقال له: احذر أن تحضر مع الفقراء - يعني الصوفية - قراءة حزب أو علم!! فأجابه إلى ذلك فمكث سنين!! حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده - انظر إلى الزهد في الدنيا والرغبة في الخمول وعدم الصدارة والرئاسة كما يزعم الصوفية عن التصوف! - فقال: ائتوني بإبراهيم، فأتوه به ففرش له سجادة وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظماً ونثراً حتى انبهرت عقول الحاضرين، فكان سيدي إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك شيء من أحوال الطريق، فعلم أن معرفة الأمور التي يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد!!! -الأنوار القدسية ص 127-.
العدد رقم: 310 التاريخ: 9/13/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة التاسعة:(251/20)
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
عرضنا في الحلقة الماضية بعضاً من أقوال الصوفية عن المبالغة في تقديس الشيخ وكان منها قولهم -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه- وغيرها من الكلمات التي تدل على غلوهم، حيث إن طريق الإمامة عند الصوفية لا يحصل للمرء إلا ببركة دعاء الشيخ وخدمته حتى ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم.
ولعلك أدركت أخي القارئ السر في تعظيم الصوفية للشيخ وذلك لأنه - عندهم - مدد الخير والعلم والإمامة وليس للمريد في ذلك سبب ولا تحصيل فلو اشتغل بتحصيل العلم سنين عديدة ولم يحصل له من الشيخ مدد لا تحصل له الإمامة، ولو حصل له من الشيخ بركة ورضا فإنه يصبح المقدم في الدين ولو كان من أجهل الناس كما تقدم، وربما لأن تحصيل العلم عندهم قد يحصل بالفتح والفيض دون طلب ولا مجالسة للعلماء وقراءة الكتب.
- ومن آداب المريد مع شيخه:
ألا يكتم عن شيخه شيئاً من الخير أو الشر، قال الشعراني في أدب المريد: -ومن شأنه أن لا يكتم عن شيخه شيئاً من أحواله الظاهرة والباطنة، حتى الخواطر التي استقرت عنده، ومتى كتم عنه شيئاً فقد خانه في الصحبة!! وكان عليه تجديد الصحبة إن أرادها،... وأجمعوا على أنه إذا حصل من المريد مخالفة لإشارة شيخه أو جناية على أحد بغير حق كان عليه أن يقر بين يديه بالجناية على الفور ثم يستسلم لما يحكم به عليه شيخه من العقوبات للنفس على تلك الجناية من سفر بكلفة! أو خدمة شديدة! أو جوع شديد ونحو ذلك!-.(251/21)
- ولك أن تتساءل أخي القارئ عن الدليل الشرعي على مثل هذا الأدب وما الذي يلزم المريد أن يقر بذنوبه عند شيخه؟ وما الموجب الشرعي لتلك العقوبات التي تنال بدن المريد أو ماله التي من حق الشيخ أن يلزم بها المريد بل هو واجب شرعي عندهم كما يكمل الشعراني بقوله: -وأجمعوا على أنه لا يجوز للأشياخ التجاوز عن زلات المريد لأن ذلك تضييع لحقوق الله عز وجل!!- -الأنوار القدسية ص124-، والسؤال هنا هو من الذي فوض الأشياخ في هذا الواجب وهم ليسوا بأمراء ولا علماء لأن شيخ التربية غير شيخ التعليم كما تقدم.
ومن أدب المريد استئذان الشيخ في كل أموره ولو كان ذلك في الحج قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يحج إلا بإذن شيخه، فإن معرفة الأدب مع رب البيت مقدمة على معرفة أدب البيت، فمن سافر إلى البيت قبل معرفته بصاحب البيت المعرفة التي يعرفها القوم فقد أخطأ طريقهم ولم يحصل له إمدادها وبعيد أن يسقط عنه بها حج الإسلام!! كما أنه فرق عظيم بين حج شيخ الإسلام وبين حج آحاد العوام!!- أهـ .
وبناء على هذا التقرير الصوفي فملايين المسلمين الذين حجوا البيت الحرام بغير إذن من مشايخ الصوفية لم تسقط عنهم حجة الإسلام ولا تزال ذممهم مشغولة بهذه الفريضة!!
- وتأمل تقديس الصوفية لمشايخهم بهذا التعليل العجيب الذي ذكره الشعراني بعد أن ذكر الحكم السابق فقال: -وقد قال علماؤنا: وللزوج تحليل امرأته من حج تطوع لم يأذن فيه - يعني له إجبارها على التحلل من إحرامها - وكذا من الفرض على المذهب، وأقل مقام طاعة الشيخ أن يكون كالزوج للمرأة!! ويكون يتصرف في المريد كما يتصرف الرجل في زوجته من حيث التحجير عليها والتربية لها!!- -الأنوار القدسية ص 126-.
العدد رقم: 311 التاريخ: 9/20/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة العاشرة
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -(251/22)
- ثانياً: الخلوة والعزلة
من معالم منهج التزكية عند الصوفية -الخلوة والعزلة-، وذلك أن المريد الصوفي يسلك السبيل إلى الله عز وجل، والطريق لا يخلو عادة من معوقات ومكدرات، فانتهج الصوفية سبيل الخلوة والعزلة لتخليص المريد من الآفات القلبية والسلوكية ليرتقي في درجات الوصول إلى الله تعالى - بزعمهم، ولندعهم يوضحون لنا ما هي الخلوة وما حكمها وما أهميتها للمريد وما هي الآثار المترتبة عليها؟
1- تعريف الخلوة:
جاء في تهذيب خالصة الحقائق 1/387: >في الخلوة: الحد: قال حكيم: الخلوة ترك اختلاط الناس وإن كان بينهم، وقال عالم: الخلوة الخلو عن جميع الأذكار إلا عن ذكر الله تعالى، وقيل: الخلوة محافظة الحواس وترك الاستئناس بالناس، وقيل: الخلوة المفارقة عن النظر والأقران قلباً وقالباً، وقال حكيم: الخلوة الأنس بالذكر والاشتغال بالفكر<.
وحيث إن هذه التعريفات لا توضح المراد بالخلوة بشكل دقيق، فلندع أحد معاصري الصوفية يوضح لنا حقيقتها، قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص242: >فالخلوة إذن انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكر لله تعالى بقلب حاضر خاشع وتفكر في آلائه تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يعلمه إذا جهل ويذكره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس<.
فالخلوة بناء على هذا التعريف تتناول ثلاثة أمور:
الأول: انقطاع عن الناس.
الثاني: ملازمة الذكر، وخاصة الذكر باللفظ المفرد وهو: : >الله، الله<.
الثالث: إرشاد شيخ عارف بالله تعالى، كما قال زروق في قواعده ص77 >ولكنها بلا شيخ مخطرة<!!(251/23)
فهي طريق للتزكية والتربية مهم عند الصوفية له شروط وضوابط، وليس كما يتبادر إلى الذهن أنها مجرد اجتناب الرذائل والخواطر السيئة وإنما الأمر أبعد من ذلك.
وقد فرق البعض بين العزلة والخلوة كما جاء في دائرة المعارف 7/457 : >الخلوة عند بعض الصوفية هي العزلة، وعند بعضهم غير العزلة، فالخلوة من الأغيار والعزلة من النفس وما تدعو إليه ويشغل عن الله، فالخلوة كثيرة الوجود، والعزلة قليلة الوجود، فعلى هذا العزلة أعلى من الخلوة<.
وقال أحمد زروق في قواعد التصوف ص77 القاعدة -114-: >الخلوة أخص من العزلة، وهي بوجودها وصورتها نوع الاعتكاف ولكن لا في المسجد وربما كانت فيه، وأكثرها عند القوم لا حد لها، ولكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى عليه السلام؟!! والقصد في الحقيقة الثلاثون، إذ هي أصل المواعدة وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا<.
والخلوة عند الصوفية نوعان:
خلوة عامة: ينفرد بها المريد ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم أو محاسبة نفسه أو ليتفكر في خلق السموات والأرض.
وخلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشد مأذون يلقن المريد ذكراً معيناً ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المكون!! -حقائق عن التصوف 268-.
2- أهمية الخلوة:
يقول القشيري في رسالته المشهورة في علم التصوف 101: >إن الخلوة صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الوصلة، ولابد للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه، ثم في نهايته من الخلوة لتحقق بأنسه<.
ويقول ابن أبي جمرة: >الأولى بأهل البادية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه<.(251/24)
والخلوة عند الصوفية طريق للتلقي عن الله تعالى وحصول الفتوحات الربانية والفيوض الإلهية، إذ إن الإلهام والكشف عن مصادر التلقي المعتبرة عند الصوفية التي خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة وأصول الفقه الإسلامي التي تستمد منها الأحكام العقدية والعملية.
جاء في حقائق عن التصوف ص 261 وفي إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص85: >قال أبوالحسن الشاذلي: ثمار العزلة الظفر بمواهب المنهج، وهي أربعة: كشف الغطاء!! وتنزل الرحمة، وتحقيق المحبة، ولسان صدق في الكلمة<.
وقال زروق في قواعده عن الخلوة ص77: >والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر واحد وحقيقة واحدة ولكنها بلا شيخ مخطرة وله فتوح عظيمة!! وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله<.
العدد رقم: 312 التاريخ: 9/27/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الحادية عشر:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
ونقل في حقائق عن التصوف ص257 عن الشيخ الأكبر ابن عربي قوله: -فإن المتأهب للمزيد، المتعرض لنفحات الجود بأسرار الوجود إذا لزم الخلوة والذكر، وفرّغ المحل من الفكر، وقعد فقيراً لا لشيء له عند باب ربه، حينئذ يمنحه الله تعالى!! ويعطيه من العلم به والأسرار الإلهية والمعارف الربانية التي أثنى الله سبحانه بها على عبده خضر فقال: -عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً-... وقيل للجنيد: بم نلت ما نلت؟ فقال بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة، وقال أبويزيد: أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله وبه جلت هبته وعظمت منته من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم على البسيطة، بل كل صاحب نظر وبرهان ليست له هذه الحالة- أ هـ.(251/25)
تأمل هذا الكلام مرة بعد أخرى لتقف على منهج الصوفية في التلقي، وازدرائهم العلم الشرعي - مهما قالوا إن طريقنا محكوم بالكتاب والسنة - لأنهم يقدمون الإلهام والكشف والفتح على كل علم وبرهان.
وهذا ليس من شطحات ابن عربي - كما قد يتوهم البعض - ولكنها طريقة القوم، يقول الغزالي في الإحياء 3/19مبيناً طريقة الخلوة ومقصدها: -إن الطريق في ذلك أولاً بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها ويقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن وعن العلم!! والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه، ثم يخلو بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب مجموع الهمة، ولا يفرق - تأمل - فكره بقراءة قرآن!! ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره -ويمضي الغزالي في شرح الطريقة فيحظر على السالم أن يخطر بباله شيء سوى الله، ويبدأ قائلاً بلسانه: -الله، الله- على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك فيها تحريك اللسان ويرى أن صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة ويبقى معني الكلمة مجرداً في قلبه حاضراً فيه كأنه لازم له، ويظل هكذا متعرضاً لنفحة من نفحات رحمة الله وينتظر ما يفتح عليه كما فتح على الأنبياء والأولياء أ.هـ.
وقال أيضاً: -وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها- -المنقذ من الضلال ص131-.
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 288: -وقد قال أبوحامد الغزالي في كتابه الإحياء: مقصود الرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بالخلوة في مكان مظلم، وقال: فإن لم يكن مكان مظلم، فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق!! ويشاهد جلال حضرة الربوبية!! -الإحياء 3/76-.(251/26)
قال ابن الجوزي: انظر إلى هذه الترتيبات، والعجب كيف تصدر من فقيه عالم، ومن أين له أن الذي يراه نداء الحق؟ وأن الذي يشاهده جلال الربوبية؟ وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة؟ وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل من الطعام فإنه يغلب عليه الماليخوليا- أهـ.
ويقول القسطلاني في إرشاد الساري 1/62: -والخلوة أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممرا لواردات علوم الغيب!! وقلبه ممراً لها-.
ويقول الفيروز آبادي: -خلوة طلاب طريق الحق على أنواع:
الأول: أن تكون خلوتهم لطلب مزيد على الحق من الحق!! لا بطريق النظر والفكر، وهذا غاية مقاصد أهل الحق- -حقائق عن التصوف ص 253-.
- فتبين لك - أخي القارئ - أن الخلوة خطوة مهمة على طريق تزكية النفس عند الصوفية، وأنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل وانظر إلى الاستدلال العجيب الذي احتج به أبوالحسن الشاذلي ونقله عنه ابن عجيبة بقوله تعالى: -فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له- الآية -إيقاظ الهمم ص 58- فجعل الخلوة والعزلة - في اصطلاحهم الخاص كما تقدم - سبباً لنيل هبة الله من العلم اللدني ومقامات الولاية.
العدد رقم: 313 التاريخ: 4/10/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الثانية عشر:
التزكية عند الصوفية
ذكرنا في الحلقة السابقة أهمية الخلوة على طريقة تزكية النفس عند الصوفية
وأشرنا إلى أنهم يعتقدون أنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل
وسنستكمل في حلقتنا هذه حكم الخلوة عندهم.
- د. وليد خالد الربيع
3- حكم الخلوة:
قال شمس الدين الرازي في -حدائق الحقائق ص 39-: -العزلة والخلوة معروفتان، وهما مطلوبتان شرعاً!!(251/27)
وتأمل هذا الاستدلال العجيب في لزوم الخلوة والعزلة حيث قال في ص 41: -واعلم بأن التوفيق للعزلة دليل السعادة الأبدية، لأن من خالط الناس داراهم، ومن داراهم رآهم، ومن رآهم نافقهم، ومن نافقهم استحق الدرك الأسفل من النار بنص الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: -إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار-!!.
وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 244: -ليست الخلوة ابتداعا من الصوفية، وإنما هي امتثال لأمر الله تعالى في كتابه العزيز وتأس واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخلو بغار حراء يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، وبهذا تكون قد ثبتت مشروعيتها<.
- وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الاستدلال بقوله: -وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل الوحي وهذا خطأ، فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه فيه وإلا فلا، وهو صلى الله عليه وسلم من حين نبأه الله تعالى لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء ولا خلفاؤه الراشدون، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بضعة عشرة سنة ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريباً من عشرين ليلة وأتاها في حجة الوداع وأقام بها أربع ليال، وغار حراء قريب منه ولم يقصده، وذلك أن هذا كانوا يأتونه في الجاهلية، ويقال أن عبدالمطلب هو من سن لهم إتيانه، لأنه لم تكن لهم هذه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلى الله عليه وسلم كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي.(251/28)
- وقال أيضاً: -وطائفة يجعلون الخلوة أربعين يوماً ويعظمون أمر الأربعينية، ويحتجون فيها بأن الله تعالى واعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وقد روي أن موسى عليه السلام صامها وصام المسيح أيضاً أربعين لله تعالى وخوطب بعدها، فيقولون: يحصل بعدها الخطاب والتنزل، كما يقولون في غار حراء حصل بعده نزول الوحي.
وهذا أيضاً غلط، فإن هذه ليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت والمسلمون لا يسبتون، وكما حرم في شرعه أشياء لم تحرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهذا تمسك بشرع منسوخ، وذلك تمسك بما كان قبل النبوة.
وقد جرب أن من سلك هذه العبادات البدعية أتته الشياطين وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عددا طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزل فنزلت عليهم الشياطين لأنهم خرجوا عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها قال تعالى: -ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون- وكثير منهم لا يجد للخلوة مكاناً ولا زماناً بل يأمر الإنسان أن يخلو في الجملة.
ثم صار أصحاب الخلوات فيهم من يتمسك بجنس العبادات الشرعية: الصلاة والصيام والقراءة والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير مشروعة، فمن ذلك طريقة أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة أن لا يزيد على الفرض، لا قراءة ولا نظراً في حديث نبوي ولا غير ذلك، بل قد يأمرونه بالذكر ثم قد يقولون ما يقوله أبوحامد: ذكر العامة: لا إله إلا الله، وذكر الخاصة: الله الله، وذكر خاصة الخاصة: هو هو.
والذكر بالاسم المفرد مظهراً ومضمرا بدعة في الشرع وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلاماً لا إيماناً ولا كفراً..< -مجموعة الرسائل والمسائل 2/247-249-.(251/29)
- وبهذا يتبين لك أخي القارئ مجانبة الصوفية للمنهج الصحيح في التزكية في مسألة الخلوة التي جعلوها من لوازم الطريق إلى الله كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 268: -ولا يظنن أحد أن الخلوة خاتمة السير، بل هي أول خطوة في طريق الوصول إلى الله تعالى، فلا بد أن تتلوها خلوات ومجاهدات طويلة ومذاكرة متواصلة للمرشد بهمة وصدق واستقامة، وملازمة على ذكر الاسم المفرد!! في الصباح والمساء وعند كل فراغ حتى يكون على اتصال دائم بالله تعالى....
العدد رقم: 314 التاريخ: 11/10/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الثالثة عشر:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -
تكلمنا في الحلقة الماضية عن حقيقة الذكر، وذكرنا أنه يعد من أهم أبواب التزكية في المنهج الإسلامي الصحيح، وذكرنا أيضا أنه سبب للوقاية من الشيطان وسبب لمحبة الله وذكره لعبده، وأوضحنا في الحلقة الماضية أن الذكر عبادة مشروعة كسائر العبادات وينبغي أن تراعى فيه شروط العبادة التي هي : الإخلاص والمتابعة.(251/30)
وينبغي كذلك الحذر من اعتقاد فضيلة هذا التقييد بهذا الوقت أو المكان أو العدد، كما قال أبو شامة: -ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان كذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان-، وقال شيخ الإسلام مبينا المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص: -من أحدث عملا في يوم كإحداث صوم أول خميس من رجب...فلابد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب، وذلك لأنه لابد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابا زائدا على الخميس الذي قبله وبعده مثلا..إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة-.
- وبالنظر والتأمل في الذكر عند الصوفية نجد أنهم يولون هذا الباب عناية كبيرة، إلا أنهم انحرفوا فيه عن جادة السنة إلى طرق البدع والمحدثات والغلو، وإليك شيئا من انحرافاتهم في الصور التالية:
أولاً: ضرورة تلقي الذكر عن الشيخ المرشد:(251/31)
يعد الصوفية ذكر الله عز وجل بجميع صيغه دواء لأمراض القلوب وعلل النفوس، وكل هذه الأدوية مستخرجة من صيدلية القرآن والسنة!! ـ كما يعبر عبد القادر عيسى في حقائق عن التصوف ص179ـ وبما أن صيغ الأذكار كثيرة ومتنوعة، ولكل صيغة تأثير قلبي خاص ومفعول نفسي معين ـ ولا أدري ما هو الدليل الشرعي على هذا التقسيم المحدث ـ فإن مرشدي السادة الصوفية أطباء القلوب ووارثي الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتوجيه يأذنون لمريديهم بأذكار معينة تتناسب مع أحوالهم وحاجاتهم، وترقيهم في السير إلى رضوان الله تعالى، وذلك كما يعطي الطبيب الجسماني للمريض أنواعا من الأدوية والعلاجات تتلاءم مع علله وأسقامه، ثم يبدل له الدواء حسب تقدمه نحو الشفاء، ولهذا لابد للمريد السالك أن يكون على صلة بالمرشد، يستشيره ويذاكره ويعرض عليه ما يجده في الذكر من فوائد روحية وأقوال قلبية وحظوظ نفسية، وبذلك يترقى في السير، ويتدرج في السمو الأخلاقي والمعارف الإلهية!!
- تأمل هذا القياس الفاسد الذي استند إليه الصوفية حيث جعلوا الأذكار الشرعية التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتقوم على توحيد الله عز وجل والثناء عليه والتوجه إليه في قضاء الحاجات وتفريج الكربات بمنزلة الأدوية الطبية التي لا يعرف مكوناتها إلا حذاق الأطباء والصيادلة، ويترتب على الخطأ في تناولها الضرر البليغ وربما الهلاك المتحتم، وهل الأمران سيان؟ ولو باشر المريد ذكرا قبل آخر أو جمع بين ذكرين أو أكثر مما صح وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هل يتضرر بذلك أو يلحقه الهلاك المحقق كالأدوية؟(251/32)
فالصوفية جعلوا الدين أسراراً وطلاسم لا يعرفها إلا خاصة الشيوخ كالديانات الباطلة التي اختص بمعرفة أسرارها كهانها وسدنتها، وألزموا المريد بملازمة الشيخ يقول الجيلاني في الغنية 2/166: -فلا ينبغي له أن ينقطع عن الشيخ حتى يستغني عنه بالوصول إلى ربه عز وجل فيتولى تبارك وتعالى تربيته وتهذيبه ويوقفه على معاني أشياء خفيت على الشيخ ويستعمله فيما يشاء من الأعمال- -تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي 2/ 257- .
- وهل كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يخص بعض الصحابة بذكر دون غيرهم؟ أم كان يقول لأحدهم إلزم هذا الذكر مدة كذا وبعدد كذا ثم راجعني لأرى مدى تقدمك في العلاج فإن تحسن صرف له ذكرا آخر أقوى منه وإلا قال له استمر على الذكر الأول حتى تشفى من عللك وأسقامك؟!
بل إن الصوفية يرون أن أسماء الله تعالى الحسنى لا يناسب ذكرها كل مريد، يقول ابن عطاء الله السكندري في مفتاح الفلاح ص23: -اسمه تعالى-العفو- يليق بأذكار العوام لأنه يصلحهم!! وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره!!! اسمه تعالى -الباعث- يذكره أهل الغفلة ولا يذكره أهل طلب الفناء!!! اسمه تعالى -الغافر- يلّقن لعوام التلاميذ وهم الخائفون من عقوبة الذنب!! وأما من يصلح للحضرة فذكره مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة!!! اسمه تعالى -المتين- يضر أرباب الخلوة وينفع أهل الاستهزاء بالدين -ـ سبحانك هذا بهتان عظيم ـ -هذه هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل ص145-(251/33)
- وتأكيدا على ضرورة ملازمة شيوخ الصوفية والارتباط بهم في كل شيء ديني ودنيوي كما تقدم، يصر الصوفية على ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن الشيخ المبجل، جاء في كتاب مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي تحقيق د. علي أحمد إسماعيل ص434 ما نصه: -اعلم أن الذكر التقليدي!! أمر، والذكر التحقيقي أمر آخر، فالذكر التقليدي هو ما يخرج عن طريق الفم إلى باب السمع ولو أنه لا يؤثر كثيرا ـ تأمل هذا الاحتقار والتهوين من شأن الأذكار الشرعية ـ مثلما تلقى بذرة غير ناضجة في الأرض فلا تنبت، والذكر التحقيقي هو ما يقع لقلب المريد بتصرف ـ وهذا الشاهد ـ وتلقين صاحب الولاية على أرض الاستعداد.
العدد رقم: 316 التاريخ: 10/25/2004
--------------------------------------------------------------------------------
الحلقة الرابعة عشر وهي آخر حلقة تحصلنا عليها:
التزكية عند الصوفية
د. وليد خالد الربيع
تكلمنا في الحلقة السابقة عن الذكر عند الصوفية وانحرافه عن جادة السنة إلى طرق البدع والغلو، وذكرنا اعتقادهم ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن شيخه.
والذكر الذي يلقنه صاحب الولاية هو ثمرة شجرة ولايته لأنه تلقى الذكر أيضا بتلقين صاحب ولاية أخرى وتربت في أرض القلب بماء مدد الولاية وشمس همة الشيخ!! وتأمل اعتقادهم حصول النفع وتحقيق المطلوب الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى من غير الله عز وجل، لأن حصول النفع القلبي والتأثير الروحي كما هو معلوم لا يقدر عليه إلا الله كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : -إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء- والمقصود بالنفي هنا إدخال الهداية إلى قلوب العباد.(251/34)
- ويستمر الرازي في بيان طقوس تلقي الذكر من الشيخ فيقول: -وشرط التلقين هو أن يصوم المريد ثلاثة أيام بوصية الشيخ ويجتهد في هذه الأيام الثلاثة بمداومته على الوضوء، ويكون ذاكرا على الدوام حتى إذا كان الذكر في نفسه في ذهابه وإيابه ويقلل من الاختلاط بالناس ويتحدث بقدر الضرورة ولا يأكل كثيرا وقت الإفطار ويقوم الليالي للذكر، وبعد اليوم الثالث يغتسل بأمر الشيخ، وينوي بنية غسل الإسلام ـ ولا أدري قبل ذلك على أي دين كان؟!ـ مثلما كان يفعل كل شخص في البداية يريد أن يدخل في الدين، إذ كان يغتسل أولا اغتسال الإسلام ثم يتلقن الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ... وبعد أن يقوم بالاغتسال الكامل يذهب إلى خدمة الشيخ بعد صلاة العشاء، فيجلسه الشيخ تجاه القبلة ويجلس الشيخ أمام المريد موليا ظهره القبلة ـ ولا تمل أخي القارئ حتى تعرف ما هو الذكر العجيب الذي يلي كل هذه المقدمات والطقوس ـ ويجلس المريد على ركبتيه في خدمة الشيخ ويضع يديه فوق بعضها ويستحضر قلبه، ويوصيه الشيخ بالوصية وهي الشرط ويلقن المريد بضع كلمات من أسرار التلقين وخواص الذكر ـ تأمل ـ بحيث تكون موافقة لفهم المريد ونظره حتى يستجمع المريد قواه ويخلي المريد القلب من جميع الأشياء، ويجعله تجاه قلب الشيخ ويراقب في ضراعة تامة عندما يقول الشيخ: -لا إله إلا الله- بصوت عال وقوة تامة، وبعد قول الشيخ يعيد المريد قول الشيخ بنفس الصوت ويقول في قوة: -لا إله إلا الله- ويردد الشيخ مرة أخرى ويكرر الشيخ مثله، ثم يقول الشيخ مرة ثالثة ويكرر المريد، وفي النهاية يدعو الشيخ ويردد المريد: آمين، وبعد أن ينتهي ينهض ويذهب إلى خلوة المنزل ويتجه إلى القبلة ويتربع ويشغل نفسه بتربية بذرة الذكر- أهـ .(251/35)
- تأمل هذه الطقوس الطويلة لأجل كلمة التوحيد، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون مثل هذه الطقوس لتعليم المسلم كلمة التوحيد أو أي ذكر آخر؟ ولكنها الصوفية ببدعها وإحداثها في الدين لتأثرها بالديانات الهندية والفارسية واليونانية وغيرها.
- ومن إحداثهم في هذا الباب إلزامهم المريد بعدم تجاوز ما لقنه الشيخ إلى غيره، قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل: -ومن آداب المريد مع شيخه أن يذكر ما لقنه له أستاذه، فلا يتجاوزه إلى غيره، ولهذا تعددت صيغ الذكر الصوفي تبعا لتعدد الطرائق وتباين الشيوخ، فمنهم من يذكر بالاسم المفرد ومنهم من يذكر بـ-هو هو- ومنهم من يذكر بـ -أه أه-.
وذكر أن كل شيخ صوفي يحرم على مريديه أن يذكروا بغير ما أذن لهم فيه أو أن يذكروا بما ترقص به الطرق الأخرى، لاعتقادهم أن بعض الأسماء قد يضر ذكرها هذا وينفع ذاك، أو تضر في حال وتنفع في حال أخرى والخبير بما ينفع الذاكر أو يضره إنما هو الشيخ، ولهذا لا يستطيع الدرويش أن يذكر -لا إله إلا الله- إلا إذا أمره بها شيخه، ولا ينادي ربه بيا لطيف وإلا أصابه مس أو خبال أو كما يسمونه -لطف- -هذه هي الصوفية ص145
العدد رقم: 317 التاريخ: 1/11/2004
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(251/36)
التصوف عين البدعة.. والتوحيد دين الأنبياء والرسل
الشيخ عبد الرحمن بن صالح محيي الدين
أستاذ الحديث الشريف - المدينة المنورة
الصوفية عين البدعة والبدعة ضلالة والتوحيد هو طريق الأنبياء والرسل ومن تبعهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهم خلاصة البشرية وهم أهل الجنة وهو طريق النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والقلب السليم الخالي من الشرك (أي خالص التوحيد) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي سالم من الدنس والشرك ثم ذكر أقوال السلف في ذلك ومنهم أبو عثمان النيسابوري حيث قال هو القلب السالم من البدعة المطمئن إلى السنة وأيضاً قول سعيد ابن المسيب حيث قال القلب السليم هو القلب الصحيح وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض قال الله تعالى في قلوبهم مرض. والتوحيد شفاء القلوب المريضة بالبدعة والبدع ما أكثرها في زماننا هذا يزينها أصحابها ويلبسونها بالحق لتقبل عند الناس ولكن يأبى الله إلا أن يجعل عند كل بدعة من يردها على أصحابها.(252/2)
ومن البدع التي أكل عليها الدهر وشرب هي بدعة التصوف بأنواعه وأشكاله حيث دخل إلى الإسلام عن طريق العجمة وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول كل نقص جاء في الإسلام عن طريق العجمة ..أقول العجمة ها هنا هي عدم الفهم عن الله مراده وليست عجمة النسب فقد يكون الإنسان أعجمياً ويفهم عن الله مراده وقد يكون عربياً ولا يفهم عن الله مراده فالقسمة هاهنا رباعية كما قال شيخ الإسلام عربي يفهم وعربي لا يفهم وأعجمي يفهم وأعجمي لا يفهم فأفضلهم العربي الذي يفهم ثم بعده الأعجمي الذي يفهم وأسوأهم الذي لا يفهم وضابط ذلك كله العلم النافع والعمل الصالح وهو الذي على منهاج النبوة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والتصوف أصلاً ليس من الإسلام في شيء ولم يتعبد الله عبادة إلا بالإسلام الصحيح وهو الاستسلام لله بالتوحيد وهو عين التوحيد.
لم يقل الله كونوا صوفية وإنما قال كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون بل قال جل وعلا (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) ووالله إن الصوفية الآن ابتدعها إخواننا المسلمون ما كتبها الله علينا فيكفينا ما كان عليه سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.
والصوفية والتصوف هي طريقة تربوية تعبدية ابتدعها كل إنسان على مزاجه وفهمه للإسلام فكلما كان فهمه قاصراً أو أشد قصوراً كان طريقته أبعد في الضلال وهلم جراً حتى ينتهي إلى الإسلام الصحيح الذي كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم فتكون تربيته وتعبده بعد ذلك على منهاج النبوة.
ولذا لا نعجب إذا رأينا كثرة الطرق الصوفية وبعضها أعمق في الضلالة من بعض هذا كله لبعدهم عن المنهج الصحيح كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وانظر إلى المثال الواضح أمامك في شخصيتين تاريخيتين في الإسلام شتان بينهما:(252/3)
الأول شيخ الإسلام الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى جدد دين الله بدعوته الصادقة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح والذي يقرأ فتاواه يجد العجب في كيفية استحضاره الشواهد من الآيات والأحاديث على أقواله وفتاواه حيث ربط نفسه بالوحيين.
والثاني الإمام الغزالي رحمه الله صاحب الإحياء شغل وقته كله في التصوف والخرافات فجاء كتابه العجب العجاب في التربية الصوفية خلط فيه الحق بالباطل والسنة بالبدعة حتى تندم آخر عمره أنه أضاعه في هذه الطرق المتشعبة لا أن نزيدها فرقة بإحياء طرق التصوف والزعم أن هناك تصوفاً صحيحاً وتصوفاً مغلوطاً وضلالاً، ونريد أن نحيي التصوف الصحيح فنرفع علم الصوفية والدفاع عنها.
كل الطرق الصوفية عن بكرة أبيها تدعي أنها على الحق وكل فرق الضلالة التي في الساحة الإسلامية تدعي أنها على الحق بل حتى اليهود والنصارى يدعون أنهم على الحق لكن الحق الصحيح الصريح الذي لا غبار عليه وهو الميزان الحق وهو حبل الله الذي بين الله وبين عباده هو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح ولا يوجد في كلام الله ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم التصوف وطرقه ولا في كلام السلف وما يتعلق به من الشبهات التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وأنه أثنى على صوفية أهل الحديث والسنة.(252/4)
فأقول وبالله التوفيق إن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر أولئك القوم من كان على طريق السنة والحديث وأن لهم قدم صدق في نصرة السنة والحديث والعلم النافع وذكر ما فيهم من تصوف أو زهد فهو يصف حالهم ويثني عليهم في فضائلهم والتي هي نصرة للسنة لا أنه يثني على التصوف ويشيد به. بدلالة أن علماء السنة المحضة المشهورين الأعلام الفضلاء العظام كالإمام أحمد ومالك والشافعي والترمذي والبخاري ومسلم وغيرهم وغيرهم الذين هم على منهاج النبوة المحضة لم يوصف أحد منهم بأنه من الصوفية أو صوفية أهل الحديث أو صوفية أهل السنة.
فشيخ الإسلام واصف لحال أولئك العلماء الفضلاء وليس مقررا لمبدأ التصوف أصلاً فهو يصف الواقع أصلاً لا أن يقرر مبدأ وطريقا يبني عليه، وحتما الذي لم يوصف بالتصوف من العلماء الكبار الذين نصروا السنة والحديث وانتسبوا إليها (أي السنة) كالإمام أحمد والأوزاعي ووكيع والبخاري والشافعي وغيرهم وغيرهم كثير من السلف الصالح أفضل من الذين وصفوا بأنهم من صوفية أهل السنة أو صوفية أهل الحديث.
فشيخ الإسلام يصف الواقع وأثنى على أولئك العلماء بما لهم من جهود في نصرة السنة ورد البدعة من البدع الأخرى غير الصوفية.
(صحيفة المدينة ـ ملحق الرسالة) الجمعة 17 جماد الأول 1426 - الموافق - 24 يونيو 2005 - العدد 15402
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(252/5)
التصوف من صور الجاهلية
الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله -
الحمد لله رب العالمين وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على رسوله الأمين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن الجاهلية التي نريد أن نتحدث عن بعض صورها غير الجاهلية التي تتبادر إلى الأذهان إذا أطلقت ؛ لأن الجاهلية في الأصل اسم لفترة زمنية قبل الإسلام بما فيها من أعمال وثنية وتصرفات جاهلية من شرك وظلم وفساد أخلاق وغير ذلك .
وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم حتى أنار الطريق لكل سالك فدخل الناس في دين الله أفواجا فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل ولن يوجد لها مثيل قطعاً توحيد خالص لله وحده وعدل وإنصاف وطاعة لله ولرسوله وتحابب في الله وتآخ واعتزاز بالإسلام وعزة وكرامة وهيبة في قلوب الأعداء ، وقد سجل له القرآن هذا المعنى في قوله تعالى :" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين "
هكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن أنتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن نزل من السماء بأن الدين قد كمل فالكامل لا يقبل الزيادة عادة وأن نعمت الله على أتباع محمد بالإسلام قد تمت وذلك قوله تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "(253/2)
نزلت الآية الكريمة في حجة الوداع في يوم الجمعة وفي اليوم نفسه خطب النبي الكريم صلة الله عليه وسلم خطبة يوم عرفة المشهورة جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب أصحابه " أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون " قالوا : نشهد أنك بلغت ونصحت .فجعل يقول عليه الصلاة والسلام " اللهم أشهد اللهم أشهد يرفع أصبعه إلى الله الذي فوقه وفوق كل شيء ثم ينكبها إلى الصحابة قائلاً :" اللهم أشهد اللهم أشهد اللهم أشهد "
ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع طويلاً بل أخذ يحدث أصحابه واتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض إذ قال لهم :" تركتكم على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك " وفي لفظ " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله " " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " تركهم على هذا المنهج الموصوف ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه ولا يزيدوا فيه وحذرهم عن الزيادة والمخالفات بل يلتزمون المنهج حرفياً
فقال عليه الصلاة والسلام محذراً لهم من الابتداع " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " " من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد " " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية في أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصاً يشبه حرصه عليه الصلاة والسلام عليهم وهم رجال رباهم على المنهج واطمأن إلى فهمهم للمنهج وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وإخوانهم فحافظوا على المنهج وأحسنوا التصرف فيه بحزم دونه كل حزم ودعوا إليه بصدق وإخلاص وضحوا في سبيل ذلك بكل ممكن .(253/3)
وفور وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض قبائل العرب وبعضها منعت الزكاة فنهض أبو بكر لقتالهم فتوقف باقي الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة مجتهدين قالوا : كيف نقاتل قوماً يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأقسم بالله أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو أنهم منعوه عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة وأن الزكاة من حقوق الإسلام وواجباته المالية ولأن الإسلام بجميع حقوقه وواجباته إنما هو لله الحي الذي لا يموت فلا يموت الإسلام ولا شيء من واجباته بموت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أول إعلان أعلنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما علم ما حصل لعمر بن الخطاب عندما قبض النبي عليه الصلاة والسلام إذ ظن عمر أن النبي لم يقبض بعد بل إنه سوف يعود فهدّأه أبو بكر رضي الله عنه فقال فيما قال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران :" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين "
واندهش عمر عند سماعه هذه الآية دهشة قريبة من دهشته من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول كأنه لم يسمع هذه الآية قبل هذه المرة وهو يحفظها ويقرؤها وكأنها نزلت من توها وهي تخاطبه .
وبعد ذلك البيان من الخليفة الأول أبي بكر رضي الله عنه رجع عمر رضي الله عنه ومن معه إلى رأي أبي بكر فاقتنعوا بوجوب قتال مانعي الزكاة إذ لو لم يفعلوا لكانت فتنة في صفوف الأمة وفساد كبير(253/4)
هكذا حافظوا رضي الله عنهم على وحدة الأمة ووقفوا أمام أسباب الانقسام والتفرق بذلك الحزم لئلا تعود الأمة إلى الجاهلية الأولى من جديد أو إلى ما يشبه ذلك وفي أواخر عهد الخلفاء الراشدين وفي خلافة علي بالتحديد خرجت الخوارج وتشيعت الشيعة ثم ظهرت الفرق متتابعة من جبرية ومرجئة وجهمية ومعتزلة وأشعرية وماتريدية
فسمعت دنيا المسلمين ما تتوقعه من الانقسام والتفرق تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام :" وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " هكذا بدأت الجاهلية التي نريد أن نستعرض بعض صورها لأن الجاهلية لا تعني كما تقدم فترة زمنية ولكنها أعمال وتصرفات وأوضاع معينة ومفاهيم خاطئة ويمكن أن نوجز أمهاتها في العناوين التالية :
1/ جاهلية التصوف
2/ جاهلية علم الكلام
3/جاهلية التعصب المذهبي
4/ جاهلية في الحاكمية أي الحكم بغير ما أنزل الله .
أما جاهلية التصوف :(253/5)
فقد ظهرت واشتهرت بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة فيحدثنا عن نشأتها شيخ الإسلام ابن تيمية كما يعين لنا مكان نشأتها وملخص حديثه إن الصوفية ظهرت أول ما ظهرت في البصرة بالعراق على أيدي بعض العباد الذين عُرفوا بالغلو في العبادة والزهد والتقشف المبالغ فيه بل لقد زين لهم الشيطان أن يتخذوا لباس الشهرة فلبسوا الصوف وقاطعوا القطن بدعوى أنهم يريدون التشبه بالمسيح عليه السلام هكذا تقول الرواية فنسبوا إلى الصوف فقيل لهم الصوفية فدعوى أنهم منسوبون إلى أهل الصفة أو إلى الصف المتقدم دعوى باطلة يكذبها الواقع واللغة ولما سمع بعض السلف أن قوماً لازموا لباس الصوف زاعمين التشبه بالمسيح عليه السلام قالوا : هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا وهو يلبس القطن وغيره ينسب هذا الكلام إلى ابن سيرين رحمه الله ويروي لنا شيخ الإسلام أن مدينة البصرة قد عرفت من تلك الفترة بهؤلاء المتصوفة وتصوفهم كما عرفت الكوفة بالفقه والآراء والقضاء حتى قيل عبادة البصرة وفقه الكوفة .
هكذا ظهرت جاهلية التصوف ومن هذه المدينة انتشرت .(253/6)
ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها وذلك عندما جنح بعض الناس إلى نوع من الرهبانية فذهب ثلاثة أشخاص من الصحابة إلى بيت من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا ن عبادته عليه الصلاة والسلام فلما أخبروا كأنهم تقالوها أي رأوا أن ما يفعله الرسول من العبادة قليل فهم يريدون أكثر من ذلك فقال أحدهم : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الثاني : وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث : وأما أنا فلا أتزوج النساء فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام طلبهم فأتي بهم فقال :" أنتم الذين قلتم كذا وكذا " فلم يسعهم إلا أن يقولوا نعم فقال الرسول عليه الصلاة والسلام :" أما والله إني لأعبدكم وأخشاكم لله ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
هذه الواقعة رويناها بالمعنى تقريباً وهي عند الشيخين وبعض أهل السنن
ومما يلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم في إنكار هذه البدعة أسلوباً لا نعم أنه كان يستخدمه عندما يبلغه أن إنساناً ما ارتكب مخالفة أو أتى معصية بل كانت عادته الكريمة المعروفة أنه في مثل هذه الحالة يجمع الناس فيوجه إليهم كلمة عامة واستنكاراً وتوبيخاً لا مجابهة فيه كأن يقول :" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " وقد كان هذا الأسلوب كافياً للردع والإنكار مع ما يتضمنه من الستر على مقترف تلك المعصية(253/7)
ولكننا رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المرة يطلب حضور الثلاثة الذين جنحوا إلى ما يسمى ( التصوف ) اليوم ثم يسألهم أنتم الذين قلتم كذا وكذا ثم يعلن لهم أنه أعبدهم وأخشاهم لله مؤكداً ذلك بالقسم كأنهم لا يعلمون ذلك تقريعاً لهم وتوبيخاً فأشعرهم أن الأساس في العبادة الاتباع دون الابتداع وأن الكيفية مقدمة على الكم المخالف للسنة ثم يختم التوبيخ بالبراءة أي الإخبار أن من رغب عن سنته وهديه ليس منه ولا هو على دينه الذي جاء به من عند الله .
ومما ينبغي التنويه به هنا أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد كل هذه المعاني لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملاً صالحاً لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله فنيتهم صالحة وقصدهم حسن إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هو الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده .
وبعد :
لعل القارئ يلاحظ أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد وهما أمران مقبولان في الإسلام بل مرغب فيهما ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن وهذا شأن كل بدعة إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلامياً مقبولا بل محبوباً(253/8)
ومن أمثلة ذلك : بدعة الاحتفال بالمولد التي ابتدعها الفاطميون بالقاهرة بدعوى محبة الرسول وآل البيت حيث كانوا يحتفلون بمولد النبي عليه الصلاة والسلام في كل عام ثم بمولد علي رضي الله عنه ثم بمولد فاطمة رضي الله عنها ثم بمولد الحسن والحسين وأخيراً يحتفل بمولد الخليفة الحاضر وهكذا لو تتبعت نشأة كل بدعة لوجدتها لا تظهر أول ما تظهر إلا في مثل هذا الغلاف المقبول ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور احتفالات باسم أسبوع فلان أو شهر فلان أو مرور كذا سنة على الحركة الفلانية أو بعبارة بهذا المعنى ومثل هذه الاحتفالات التي تعد فيما يبدو للناس إنما هي مجرد ذكرى لأولئك المجددين والمصلحين وإحياء لدعوتهم وحركتهم الإصلاحية ولكنها سوف تتحول على المدى البعيد والله اعلم إلى جنس الاحتفالات التي تسمى اليوم عند العوام وأشباههم الاحتفالات الدينية هكذا أتصور والله اعلم
فلنعد إلى البصرة حيث نشأة الصوفية ثن انتقلت منها إلى المدن الأخرى بالعراق ثم إلى الأقطار المجاورة للعراق وهكذا حتى انتشرت الصوفية في دنيا المسلمين وهي تتظاهر بالعبادة والزهد .
ولم يطل الزمن كما يحدثنا شيخ الإسلام حتى انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة والمرتزقة وهذه المتصوفة المنتشرة في العالم الإسلامي من أولئك المبتدعة والزنادقة كالحلاج الذي قتل أخيراً بسبب زندقته وابن عربي وغيرهم من كبار مشايخ الصوفية وسيأتي نقل بعض نصوصهم الكفرية إن شاء الله(253/9)
وقد شوهت هذه الطائفة ( الصوفية ) جمال الدين وغيرت مفاهيم كثيرة من تعاليم الإسلام لدى كثير من المخدوعين الذين يحسنون الظن بكل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة وسبحة طويلة ويستسمنون كل ذي ورم فأخذوا يحاولون أن يفهموا الإسلام بمفهوم صوفي بعيد عن الإسلام الحق الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل بدعة التصوف وبدعة علم الكلام وغيرهما من البدع التي شوشت على السذج وحالت بينهم وبين المفهوم الصحيح للإسلام
وإليكم بعض المفاهيم التي غيرتها الصوفية :
***مفهوم الدين الإسلامي عند الصوفية :
ينقسم الدين الإسلامي عند الصوفية إلى قسمين :
الأول : الشريعة التي تضمنها الكتاب والسنة :
وهي في زعمهم للعوام أو لغير الواصلين ويسمون علماء الشريعة علماء الرسوم استخفافاً بهم بل يسمون الشريعة القشر الظاهري وهو قليل الجدوى وأما اللب الداخلي المقصود بالذات فهي تلك الحقيقة التي اختص بها كبار مشايخ الصوفية وهي التي سوف نتحدث عنها في الفقرة التالية .
ثانياً : الحقيقة :
وهي خاصة بطبقة الواصلين كما تقدم وهي شيء آخر غير الشريعة وأعلى من الشريعة وأخص لأن الشريعة إنما يلتزمها العوام وأشباه العوام من علماء الرسوم كما زعموا وبئس ما زعموا
وهذه الحقيقة المزعومة يرى بعضهم أنها علم التصوف ويسمون تلك البدعة علماً وهي ليست من العلم في شيء بل التصوف في الحقيقة عبارة عن طقوس مجمعة من البوذية والهندوكية واليهودية وهي بعيدة عن الإسلام كل البعد ولا يتردد في ذلك إلا مريض القلب بمرض الوثنية أو إنسان ضعيف المعرفة بالدين فالمتصوفة طائفة مادية تريد أن تعيش تحت ستار العبادة وعبادتهم في الواقع عبارة عن عبث وأنواع من الرقصات فهم من الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وقد سموا تلك الرقصات ذكراً لتقبل وتروج ولكن على السذج وأما طلاب العلم أصحاب البصيرة فلا تنطلي عليهم مثل هذه التسمية .
من واضع علم التصوف :(253/10)
يزعم ابن عجيبة الصوفي الفاطمي بأن واضع علم التصوف هو الرسول صلى الله عليه وسلم علمه الله بالوحي والإلهام ثم يقول ابن عجيبة في تفصيل ذلك في عجائبه وأكاذيبه الكثيرة نزل جبريل أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانية بالحقيقة فخص بها رسول الله بعضاً دون بعض وأول من تكلم بالتصوف هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ عنه الحسن البصري .
** والقارئ البصير يدرك من كلام هذا الزنديق الصلة الوثيقة بين بدعة الصوفية وبدعة الشيعة التي تعبد أئمتها وتؤلههم وما الصوفية إلا خطاً ممدوداً متفرعاً من دين الروافض الخبيث
وكلام ابن عجيبة هذا فرية جائرة وجريئة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهت له عليه الصلاة والسلام بجريمة الكتمان وهل يتهم النبي الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم بكتمان الحق الذي أرسل به ليبلغه للناس وقد أمره ربه بذلك بقوله :" يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " إلا الزنديق المارق الذي يريد أن يصرف الناس عن الإسلام لو استطاع ويتضمن زعم ابن عجيبة بهتاً آخر على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين لا يعلمه سائر الصحابة حتى أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ومن جهة أخرى أن المعروف من معاني الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام بلغ ما أنزل عليه وما أوحي إليه بلاغاً عاماً شاملاً وأنه أمين الله على وحيه وكلام ابن عجيبة الذي يتحدث عن واضع علم التصوف على حد تعبيره يتنافى وهذا الإيمان كما ترى .(253/11)
وأما تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين دون غيرهم فهذه فكرة موروثة ورثتها الصوفية من أسيادهم الشيعة وقد نفى هذا الزعم علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه حيث روى مسلم حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال : ما كان النبي يسر إليك فغضب وقال ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يسر إلي شيئاً يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال فقال ما هي يا أمير المؤمنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لعن الله من لعن والديه لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من آوى محدثاً لعن الله من غير منار الأرض "
ثم إن كلام ابن عجيبة ووراءه.ابن عربي وابن الفارض وغيرهما من كبار مشائخ الصوفية يتضمن أن أبا بكر وعمر وعثمان لا يعلمون بعض الأمور وهي من الدين قد يعلمها مشايخ الصوفية وهو ما سموه حقيقة أو تصوفاً وهل يعتبر ديناً ما لم يعلمه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقد أمرت الأمة بالأخذ بسنتهم والاقتداء بهم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " الحديث " اقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر .
أما ابن الفارض فقد تحدث عن دين الصوفية بإسهاب في تائيته الكبرى ودين الصوفية الذي انتهى إليه كبار الصوفية ويشمر عن ساعد الجد صغار الصوفية للوصول إليه هو ( وحدة الوجود ) واعتقاد أن الله سبحانه وتعالى عين هذا الوجود وهي زندقة تحملها أبيات تائية لا بن الفارض إذ يقول ما هو كفر بواح لدى كل فقيه :
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ** وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
ولا فلك إلا ومن نور باطني ** به ملك يهدي الهدى بمشيئتي
ولا قطر إلا حل من فيض ظاهري **به قطرة عنها السحائب سحت
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ** شهود ولم تعهد عهود بذمه
ولا حي إلا من حياتي حياته ** وطوع مرادي كل نفس مريدة(253/12)
فما يحكم القارئ على هذا الكلام وهو يفتري أن ملكوت كل شيء بيده وأن الوجود كله قطرة من فيض جوده ومن وجوده وأن كل شيء طوع هواه
وله فرية أخرى وهي أنه زعم أن جميع الصلوات التي يؤديها العباد والنساك في جميع الجهات الست وتلك المناسبات التي ينسكها الحجاج والمعتمرون إنما ترفع في الحقيقة إلى ابن الفرض من حيث لا يشعر أولئك العباد والحجاج والعمار والطائفون بالبيت العتيق بل إنه نفسه إنما يصلي لو كان له صلاة لنفسه وذلك إذ يقول :
وكل الجهات الست نحوي توجهت ** بما تم من نسك وحج وعمرة
لها صلواتي بالمقام أقيمها ** وأشهد فيها أنها لي صلت
ولا يزال يكرر مزاعمه التي ضلل بها كثيراً من السذج فيزعم أنه ليس في هذا الوجود متناقضات ولا أضداد أو أغيار أو أمثال بل الوجود كله حقيقة واحدة ولا يقال ( خالق ومخلوق ) أو ( رب ومربوب ) أو ( عابد ومعبود ) وذلك حيث يقول :
تعانقت الأطراف عندي وانطوى ** بساط السوي عدلا بحكم السوية
ثم يصرح بأنه هو المعبود الذي يصلي له كل مصل ويسجد له كل ساجد فيقول :
كلانا مصل واحد ساجد إلى ** حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم يكن **صلاتي لغيري في أداء كل سجدة
وهذا الهذيان المارق قد صرح شيخهم الأكبر والزنديق الأكفر ابن عربي الطائي إذ يقول مستخدماً أسلوب التقديس تلبيساً على الأغمار : سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها- تعالى الله عما زعم علواً كبيراً إذ " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
وقال في موضع آخر من فتوحاته :إن العارف من يرى الحق ( الله ) في كل شيء بل يراه عين كل شيء .انتهى(253/13)
وترى الصوفية قاطبة أن هذا أدق تعريف للعارف بالله يا سبحان الله إذ سمي الكفر إيماناً والجهل معرفة والمروق وصولاً ما الذي بقي من الحقائق على ظواهرها ؟! وإنما تكد الصوفية ليل نهار وتقدم جميع الوسائل البدعية للوصول إلى هذه الدرجة من الكفر الذي ليس بعده كفر ولكن باسم الوصول .
وما ذكرنا من كلام ابن عجيبة وشرحناه وما أضفنا إليه من كلام ابن الفارض وابن عربي إنما هو قطرة من بحار كفرهم ويعرف ذلك بالاطلاع على " فصوص الحكم " و " الفتوحات المكية " وهما لابن العربي وماجاء في " التائية الكبرى " لابن الفارض وما ورد في " إيقاظ الهمم في شرح الحكم" لابن عجيبة وغيرها من الكتب التي كتبها المؤمنون بهم والمدافعون عن معتقداتهم وهي كثيرة
هذا وبرهان الدين البقاعي الذي كان يعيش في القرن التاسع الهجري قد ألف كتاباً سماه " تنبيه الغبي بتفكير عصر بن الفارض وابن عربي " وكتاباً آخر " تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد " وقد دمجها في كتاب واحد الشيخ السلفي الداعية عبد الرحمن الوكيل
والكتاب ينقد التصوف نقداً قاتلاً كما يقول الشيخ الوكيل فجزى الله البقاعي والوكيل خير الجزاء على ما قدما من بيان الحق ودحض الباطل ونصح القارئ والمطلع
وللشيخ الوكيل كتاب آخر سماه " هذه هي الصوفية " والكتاب فريد في بابه وهو مع كثرة النقل المعزوة يمتاز بمعلومات أضافها الشيخ رحمه الله تلك المعلومات التي اكتسبها إبان أن كان أسيراً عند الصوفية في صباه كما يحكي الشيخ في هذا الكتاب كيف حاولت الصوفية أن تفسد فطرة الصبي وتزين له دين الصوفية وإبعاده عن الخط الموصل إلى الحق وهو الاعتصام بالكتاب والسنة ولكن الله سلم فهرب الصبي من الأسر واتصل بجماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة فأنقذه الله على يد الجماعة زادها الله من التوفيق
ولله الحمد والمنة فالكتاب يحمل في صفحاته معلومات خطيرة عن الصوفية(253/14)
وأنا أدعو شبابنا إلى قراءة هذين الكتابين ليدركوا بأنفسهم حقيقة دين الصوفية وأنه غير الدين الإسلامي في حقيقته والله المستعان
وإن كان القارئ يلاحظ أن في هذا الحكم نوعاً من القسوة أو المبالغة وإنما يرجع ذلك لأنه حكم جاء مخالفاً للمألوف الموروث وأما القارئ المتجرد من مألوفات قومه بعقله الحر وله اطلاع واسع على نصوص الشريعة في باب الردة خاصة فلا شك أن ما تدعو إليه الصوفية من وحدة الوجود ومن دعوى حلول الرب تعالى في فرد من مخلوقاته أو من دعوى الاستغناء عن الشريعة المحمدية بدعوى الأخذ عن الله مباشرة أو نقل الأحكام من اللوح المحفوظ بالنسبة لخواصهم فلا يترددون في تكفيرهم وبالتالي لا يتهمنا بالمبالغة أبداً .
هذا وقد يدعون التأثير في الآجال والأرزاق والشقاوة والسعادة والموت على حسن الخاتمة أو سوء الخاتمة بل التصرف المطلق في هذا الكون علويه وسفليه ومن لم يكفر هؤلاء فهو إما كافر مثلهم أو من أجهل عباد الله فنسأل الله له العافية .
أما البقاعي فقد نقل في كتابه المذكور : أقوال عدد كبير من أعلام القرن السابع والثامن والتاسع في تكفير ابن الفارض وابن عربي شرعاً وهي فتاوى خطيرة لها اعتبارها ووزنها عند أهل العلم .
وقد صنف البقاعي أولئك الشيوخ الذين أفتوا بكفر الزنديقين إلى طبقات مختلفة في الزمن بعد أن بين مكانة كل واحد منهم في علمه وفضله والمذهب الذي ينتسب إليه من : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وذكر منهم 40 عالماً وإماماً بأسمائهم فليراجع كتابه لأهميته .
وخلاصة ما اعتمدوا عليه في تكفيرهم هو : أن كلام الرجلين ابن الفارض وابن عربي ومن ذهب مذهبهما مثل ابن عجيبة إنما يدور حول القول بأنهم مستغنون عن الشريعة التي جاءت في الكتاب والسنة ووصلوا بغير طريق محمد رسول الله إلى الله في زعمهم .(253/15)
ثانياً : أنهم صرحوا بالاتحاد والحلول ، وأنهم إنما يعبدون أنفسهم كما يعبدون غيرهم إذ ليس هناك ( خالق ومخلوق ) و ( عابد ومعبود ) ؛ لأن الكون عين واحد ، وحقيقة واحدة ، هذه بعض أسباب تكفيرهم وهي واضحة لدى طالب العلم .
وأما الذين لم يصلوا إلى هذه الدرجة من التصريح بوحدة الوجود فلا يسلمون أيضاً من الكفر بل ينالهم نصيبهم مما أصاب كبارهم من الكفر لإيمانهم بذلك الكفر الذي تقدم شرحه وتوضيحه ؛ لأن الرضاء بالكفر كفر ، وهو أمر لا يختلف فيه فقيهان ، اللهم إلا إذا كان له عذر كأن حالت بينه وبين فهم الحقيقة شبهات وجهل فقبل عذره .
مفهوم الذكر عند الصوفية :
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى ذكر الله بقلبه ولسانه والمواظبة عليه مطلقاً كان أو مقيداً ، حسب ما نظمته السنة المطهرة من تهليل ةتسبيح واستغفار ودعاء ولقد تمكنت بدعة الصوفية من هذه العبادة العظيمة فعبثت فيها عبثاً ، وأحدثت باسم الذكر ألفاظاً ما أنزل الله بها من سلطان كما عبثت بالأذكار المأثورة فزعمت أنها تنقسم - في زعمهم - إلى ثلاثة أنواع :
نوع للعوام
ونوع آخر للخواص
ونوع ثالث لخاصة الخاصة
وتقسيم الذاكرين إلى هذه الأقسام يعد من مبتكرات مشايخ الصوفية ومبتدعتهم بل قد ألحدت الصوفية في أسماء الله تعالى حيث تكلمت فيها بغير علم فزعمت أن من الأسماء مالا يصلح إلا للعوام ، وأما الواصلون إلى الله فلهم أسماء خاصة لا يذكر الله بها العوام ، وإليكم تفصيل ما أجملت :(253/16)
أما العوام في زعم الصوفية هم من عدا الواصلين في اصطلاحهم من طبقات المسلمين من العلماء وطلاب العلم وغيرهم ، والواصلون هم أولئك الذين تمردوا على الشريعة واستخفوا بها ومرقوا عن حقيقة الإسلام والتقيد به ، فسموا الأذكار التي جاءت بها نصوص الشريعة أذكار العوام مثل :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الخ . الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام :" أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " .
هذا الذكر العظيم والتوحيد الخالص يعد عند المتصوفة من أذكار العوام .
أما الخاصة ، وخاصة الخاصة من كبار الزنادقة الذين سبق أن تحدثنا عنهم مثل ابن عربي وابن سبعين فلا يتنازلون لمثل هذا الذكر وهذه الصيغة ، أما ذكر الخاصة - في زعمهم - فهو تكرار لفظ الجلالة مفرداً ( الله ) ، ( الله )
وأما ذكر خاصة الخاصة فهو ضمير الغيبة ( هو ) (هو ) وربما اقتصر بعضهم على الآهات ( آه ، آه ) بكيفية خاصة بأن يتمايل الذاكر - العابث - يمنة ويسرة ، وأما العامي منهم عندما يذكر الله بالتهليل مثلاً يكون على هيئة معينة كأن يتمايل يميناً ويساراً يبدأ بـ (لا ) يميناً ويرجع بـ (إله) فيتوسط ثم يختم بـ ( إلا الله ) على اليسار ، يبدأ التمايل في هدوء بعد الاستئذان من الشيخ أولاً ويستمد منه المدد قائلاً ( دستور ) يا أستاذ ، مددك يا سيدي ، ثم يستأذن سلسلة الطريقة التي ينتسب إليها من قادرية أو تيجانية أو رفاعية أو مرغنية فيقول : دستور يا أصحاب الطريقة والقدم .
وبعد أن يجأر بأسماءهم هكذا معتقداً أنهم يسمعونه ويأذنون له بقلوبهم وبعد أن يتلطخ هكذا يهذه الوثنية ليتقبل ذكره يبدأ في الذكر .(253/17)
ومما ينبغي أن يعلمه طالب العلم من هذه الجاهلية الصوفية أن ذكر الله لا ينفع به الذاكر ولا يقبل منه ولا يقرب إلى الله في دين الصوفية إلا بإذن من شيخ الطريقة وللشيخ أن يحرم على دراويش طريقته أن يذكروا بالذكر الذي تذكر به الطريقة الأخرى وترقص به وعلى الدراويش أو المريد الصغير أن يلتزم ذلك التحريم ولا يعصي الشيخ أدنى عصيان وإلا فهو مهدد بسوء الخاتمة ، بل عليه أن يعتقد أن الشيخ جاسوس قلبه فعليه أن يراقب خطرات قلبه بدقة ومن الأمثال السائرة عند الصوفية ( إن حضرت عند نحوي احفظ لسانك وإن حضرت عند العارفين احفظ قلبك )
وأما أسماء الله الحسنى فمنها ما هو صالح للعوام فقط ولا يناسب الواصلين كالعفو والغفار ولهم كلام طويل هنا يعرف بالرجوع إلى كتبهم .
ولا أحسب الدرويش أنه يؤمن بالله تعالى ويخشاه ويراقبه إيمانه بالشيخ وخشيته له ومراقبته إياه ؛ لأنه يرى حياته الاجتماعية والمادية والدينية - إن كان له دين - يرى أن ذلك كله مرتبط بالشيخ وإذا لم يظهر للشيخ -ولو تصنعاً - أنه من المخلصين له ولطريقته فسوف يبقى دائماً في ذل الدروشة ولا تحصل له الترقية إلى درجة ( مريد ) حيث يصبح إنساناً له نوع من الاعتبار ثم لا يتخرج خليفة له شأنه ليعين في مكان معروف بكثرة الزراعة أو بالثروة الحيوانية أو في مدينة معروفة بالتجارة والصناعة ليصبح بعد فترة قصيرة من أثرياء تلك البلدة وتزداد بذلك ثروة الشيخ الكبيرة وتتضخم وبالتالي تستفيد الطريقة من وراء ذلك مادة وصيتا طويلاً وتقدم الطريقة بسخاء الهدايا الثمينة والذبائح السمينة لمشيخة الصوفية إذ يتقدم الشيخ أمام تلك الهدايا في تيه وكبرياء ليعلن أنها هدايا من الطريقة التيجانية مثلاً فيرمي الشيخ من وراء ذلك أن يرشح لرياسة مشيخة الصوفية وهذا بيت القصيد من جميع تلك الحركات .
مشائخ الصوفية يفترون الكذب في سبيل الدعوة إلى طرقهم :(253/18)
تحل الصوفية في اقتراف جريمة الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام في المرتبة الثانية تقريباً بعد أن تشغل الشيعة المرتبة الأولى .
ومن أكثر مشايخ الصوفية كذباً وافتراء على الله ذلك التيجاني الجاني فاسمعوا وهو يفتري على الله " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله "
يقول التيجاني الجاني :" وما أكرم الله به قطب الأقطاب أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون وما وراءه وما لا نهاية له وأن يعلمه جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات وأن يخصصه بأسرار دائرة الإحاطة ..." إلى آخر الفرية الطويلة ولعل القارئ لا يغفل أنه يريد أن يدعي هذا المقام لنفسه لا لغيره بأسلوب صوفي معروف لدى كل العارفين بأسلوب القوم إذاً هي فرية ودعاية في آن واحد وهذا ديدنهم .
وهناك فرية أخرى يطلقها التيجاني أيضاً إذ يقول : " إن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق ( الله ) مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفة "1" في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من له عليه ألوهية الله تعالى فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً ما كان من ( الحق ) إلا بحكم القطب ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود ) إلى آخر تلك الفرية الطويلة التي تنبيء عن خلو قلب هذا الفاجر من الإيمان بالله سبحانه وتقديره حق قدره .
وهذه الفرية كالتي قبلها دعوة صريحة للربوبية لأن له التصرف المطلق في الكون جملة وتفصيلاً وهو كفر لم يتورط فيه أبو جهل وأمثاله من كبار صناديد قريش الذين قاتلهم رسول الإسلام واستباح دماءهم وأموالهم وسبى ذراريهم .
ولكنه كفر يتورط فيه أكثر كبار مشايخ الصوفية كما سيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن ديوانهم الباطني .(253/19)
وللشيخ التيجاني فرية أخرى في نفس المعنى ولكنها تمتاز بما تتضمنه من دعاية صريحة لطريقته ( التيجانية ) وفيها من أساليب تضليل الناس ما ليس في غيرها من أكاذيبه المتنوعة إذ يعد أتباعه بالجنة التي لا يملكها بل هي حرام عليه إن مات على ما كان عليه في كفره وزندقته ومع ذلك يقدم لأتباعه ضمانات كاذبة بدخول الجنة طالما تفانوا في طاعته وخدمته وقدموا له طعاماً شهياً في حياته فإنهم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب وذلك حيث يقول :" أخبرني سيد الوجود ( يقظة ) لا مناماً كل من أحسن إليك بخدمة أو غيرها وكل من أطعمك يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب فسألته لكل من أحبني ولكل من أحسن إلي بشيء من مثقال ذرة ومن أطعمني طعامه كلهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب وسألته لكل من أخذ مني ذكراً أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن يرفع الله عنهم محاسبته وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي عليه الصلاة والسلام فقال لي عليه الصلاة والسلام ضمنت له ضمانة لا تنقطع حتى يجاورني أنت وهم في عليين " "2"
وكتابه المعروف بـ( جواهر المعاني ) كله أو جله مؤلف من مثل هذا الكلام العاري عن أي حقيقة ولكن عامة الناس تصدق وتؤمن بهذا الكتاب أكثر من إيمانهم بالأحاديث الصحاح في الصحيحين وغيرهما .(253/20)
وبهذه الدعاية انتشرة الطريقة التيجانية في القارة الأفريقية وما جاورها أكثر من غيرها لأن من علم مثل هذه الوعود والضمانات المروية عن رسول الله وهو لا يفرق بين الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله وبين الأحاديث الصحيحة بل يصدق كل ما قيل فيه ( قال رسول الله ) من علم مثل هذه الضمانات وهو بهذه المثابة لا يتردد في الانخراط في الطريقة التيجانية ويتلوث بوثنيتها ويتلطخ بدم شركها وتشبيهها حيث يشبه الله بملك له أعوان يدبرون أمر مملكته وليس عليه إلا الموافقة والتصديق على تدبيرهم لأنه لا يعلم من أمر الرعية الشيء الكثير إلا بواسطة هؤلاء الأعوان .
هكذا تشبه الصوفية رب العالمين الذي لا تخفى عليه خافية بمخلوق ضعيف لا يعلم الكثير والكثير من أمور رعيته إلا بواسطة غيره .
وبهذا التشبيه والتضليل يوهمون العوام بأن الجنة بأيديهم وأنهم يستطيعون إعطاء الوعد لأتباعهم بالجنة والرسول يضمن لهم أن يكون مشايخ الصوفية في جواره مع أتباعهم .
وأتباع التيجاني في الغالب جهال كسائر الدراوشة ولو كانوا يعلمون ما جاء في السنة من موقف رسول الله من أقاربه وما قال لهم عندما أنزل عليه قوله تعالى :" وأنذر عشيرتك الأقربين " حيث جمع عشيرته فخص وعم وقال فيما قال :" يا فاطمة بنت محمد إعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً " .(253/21)
وما جاء في هذا المعنى من نصوص الكتاب والسنة التي تقضي بأن الأمر كله لله وحده ، وأما الأنبياء والصالحين فليس لهم من الأمر من شيء فإنهم لا يملكون أن يعدوا أحداً بدخول الجنة وقد سأل صحابي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة فقال له : " أعني على نفسك بكثرة السجود " أي أكثر من الصلاة حتى يكون ذلك سبباً لدخولك الجنة ومرافقتي ولم يقل له أبشر أنت معي في الجنة وإنما وجهه وأرشده إلى الأسباب علماً بأنه قد بشر بعض الصحابة بالجنة بوحي من الله مثل العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من بعض الصحابة ودعا لبعضهم أن يجعله الله من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ثم أخبره بأنه منهم كما في قصة ( عكاشة ) لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى .
ولو علم أتباع التجاني الجاني مثل هذا الموقف وهذه النصوص ما مكثوا على مواعيد التجاني الكاذبة ساعة بل الكفروا به ولعنوه لعناً كبيراً ولكن الجهل والببغائية وحسن الظن المبالغ فيه والطيبة الزائدة ضيعت جماهير المسلمين وجعلتهم يقادون فينقادون دون أدنى تردد في كل ما يصدر من هؤلاء الأفاكين .
وقد يستغرب بعض الناس مثل هذا الإيمان من أتباع التيجاني وأمثاله من مشايخ الصوفية المضللين كيف يصدق ويؤمن الإنسان بوعدهم بالجنة وهم لا يملكون الجنة ؟
حقاً إن القصة أو الحكاية لغريبة فتعال لأحدثك عن بعض الثقات وهم شهود عيان ما هو أغرب من هذا وذلك حين يعبث يعض مشايخ الصوفية بالأعراض والدروشة المستضعفون يطيعون المشايخ حتى في هتك الأعراض(253/22)
حدثني ثقة أن من خصوصية بعض مشايخ الطرق في بعض الجهات أن أي درويش إذا تزوج وتم الزفاف يترك " غرفة النوم " في الليلة الأولى ليزور الشيخ " الغرفة " فيباركها له ثم يأمره في الليلة الثانية ليذهب إلى بيته وقد حلت البركة وربما تتطلب الحال أن يكرر الشيخ الزيارة في الليلة الثانية فإذا " قضى منها وطراً " أمر الدرويش الغبي أن يذهب إلى البيت المبارك " الملوث " وهكذا يعبث مشايخ الصوفية بجميع القيم فيفسدون العقيدة ويفسدون الأخلاق ويعبثون في الأعراض ويسلبون الأموال ويأكلونها بالباطل ويستعبدون الجهال من الناس ويصدون عن سبيل الله ويعادون الدعاة إلى الله تعالى لأنهم يبصرون الناس حتى يدركوا أن مشايخ الصوفية ضللوهم وأبعدوهم عن الدين الحق الذي جاء به رسول الهدى محمد عليه الصلاة والسلام .
مكر وعربدة ومجون .. وهذه الصفات في لغتهم كرامات وبركات وزهد وعبادة ودعوة ااناس إلى الإسلام .
إنه التناقض .. إنها المغالطة .. فمن لها ؟!! .. إنها فتنة .. بل ردة ، ولا أبا بكر لها .. والله المستعان
ألقاب وهمية يسغلها مشايخ الصوفية لاستجلاب الأرزاق وإفساد العقيدة :
والخرافات التي يوهم بها مشايخ الصوفية عوام الناس أن لهم تصرفات في هذا الكون وصلاحيات للمشاركة في أقدار الله تلك الألقاب التي اصطنعوها لأشخاص مجهولين بل لا وجود لهم في الدنيا منها :
1- الغوث أو الغوث الأعظم :
وهو واحد دائماً لا يتعدد وهذا المنصب منصب متنازع فيه دائماً فابن عربي يدعيه بوصفه خاتم الأولياء - كما زعم - والتيجاني يدعيه ويصدقه أتباعه المؤمنون به ويرون أنه الغوث الأعظم والقادرية تدعيه للشيخ عبد القادر الجيلاني وهو برئ منهم ومن دعواهم لأن الشيخ عبد القادر الجيلاني - وهو خلاف ( الجيلي ) - عالم حنبلي بغدادي نشأ ببغداد وتوفي ببغداد .(253/23)
وذكره الذهبي في " العلو " واستشهد بكلامه في الصفات وذكر أنه معروف بالكرامة وإجابة الدعاء أو كلاماً قريباً من هذا فليراجع .
ولعل هذا المعنى هو الذي جعل عوام الناس تبالغ في تعظيمه إلى حد العبادة ثم زعم بعض الماكرين من المتصوفة أنه صاحب طريقة ونسبوا له الطريقة القادرية ثم زعموا أنه غوث الزمان والغريب في الأمر تلك القباب المنتشرة في أكثر الجهات في المدن والقرى ويطلقون عليها قبة الشيخ عبد القادر وأنا أجزم أن من سموه الشيخ عبد القادر الجيلاني وعبدوه من دون الله وبنوا عليه تلك القباب إنما هو كلئن مجهول اخترعه شياطين الإنس مستعينة بشياطين الجن وليس هو الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي - هذه هي النتيجة التي وصلت إليها بعد تفكير طويل في أمر الجيلاني - والله أعلم .
ومما لا يخفى على صغار طلاب العلم قبل الكبار أن إطلاق الغوث على مخلوق ما والاعتقاد بأنه هو الذي يغيث العباد أو أن الله لا يغيث العباد إلا بواسطته اعتقاد وثني كانت تعتقده الجاهلية الأولى بالنسبة للواسطة لا الاستقلال وأما اعتقاد أن مخلوقاً ما يغيث العباد مستقلاً بنفسه ويعطي ويمنع وينفع ويضر فهو اعتقاد لا يوجد حتى عند الجاهلية الأولى وإنما يدين بهذا الاعتقاد أتباع الصوفية فقط وهم يشركون بالله في عبادته وربوبيته كما علمت مما تقدم .
2- اللقب الثاني : لقب القطب أو الأقطاب :
ومن أساطير الصوفية الطريفة أن الأقطاب لا يزيد عددهم على سبعة أشخاص وأما من حيث الصلاحيات فإن الغوث مهمته الإشراف العام على التصرفات والصلاحيات التي يقوم بها الأقطاب من إعاثة الملهوف والتصرفات الأخرى .
3-واللقب الثالث: الأوتاد :
وعددهم أربعة أو ثلاثة ولو مات هؤلاء الأوتاد جميعاً لفسدت الأرض واختل نظام الحياة فيها - في زعم المتصوفة -
4- اللقب الرابع : الأبدال :
وعددهم أربعون موزعون على النحو التالي :(253/24)
اثنان وعشرون منهم يسكنون الشام
وثمانية عشر منهم يسكنون العراق
ولست أدري من تواى هذا التوزيع .
5- اللقب الخامس : النجباء :
وهم دون الأبدال في الدرجة طبعاً وعددهم سبعون ومقرهم بمصر ووظيفتهم أنهم يحملون عن الخلق أثقالهم .
6- اللقب السادس : النقباء :
وهم ثلاثمائة وقيل خمسمائة وهم الذين يستخرجون خبايا الأرض .
هذه مملكة الصوفية المسؤولة عن الدنيا كلها من غوث يخطط للأقطاب ويشرف وأقطاب يغيثون ويدبرون الأمور تحت إشراف الغوث ويقبضون على من تحتهم من الأوتاد بالعلم الخاص وهؤلاء مجموعة احتياطية لمنصب القطبانية بحيث لو مات أحد الأقطاب السبعة يرقى أحد الأوتاد الأربعة إلى منصب القطب الميت فيصبح عددهم ثلاثة .... إلى آخر ذلك العبث الصوفي .
ففي هذه المملكة الوهمية يستعبد مشايخ الصوفية أتباعهم ولم يكن الله - في دين الصوفية - هو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ولم يكن له ملكوت كل شيء "3"
ولكنه خلق الخلق ثم أمر التصرف والتدبير لبعض خلقه وهم مشايخ الصوفية هذا ما تدين به الصوفية - تعالى الله عما تزعمه الصوفية .
للصوفية ديوان باطني :
ومن مزاعم الصوفية الغريبة التي لا تنطلي إلا على من باع عقله في سوق التصوف أن لهم ديواناً باطنياً ومقراً بغار حراء ورئيس الديوان هو الغوث الذي تقدم ذكره وهو هنا بمثابة رئيس القضاة لأن هذا الديوان مركز للقضاء الكوني يحضره الأحياء والأموات من الأولياء وقد تحضره الملائكة والأنبياء ويذكر بعضهم أن النبي الكريم يحضر هذا الديوان أحياء ومعه عدد من آل البيت .
وأما كيف يتم هذا الحضور للأحياء والأموات من الملائكة والأنبياء والأولياء وكيف يسعهم الغار ؟ أو المكان الذي أمام الغار وهل الجبل الذي فيه الغار نفسه يسعهم ؟!!(253/25)
هذه الأسئلة غير واردة لأن مثل هذا الهذيان من الكلام غير الواقعي إنما يحكى ولا يتحقق وهذا ديدن القوم لأنهم يغربون دائماً وهذا الاغراب مقصود عندهم وهو مقبول عند الغوثيين وهو ميدان عملهم وأما غيرهم فيخفون عنهم هذه الأسرار إن استطاعوا أو يبتعدون عنهم بل يعدونهم كما تقدم .
وهناك رواية أخرى تقول : إن المجلس الذي يسمى ديواناً في لغتهم إنما ينعقد في القاهرة في فضاء صغير خلف ( زويلة المتولي ) وهو المكان الذي يستطب فيه كثير من المصابين بأمراض مختلفة إذ تنهطل البركات والرحمات مجلوبة بسر ذلك الكائن المجهول الذي يقيم هناك مختفياً عن الأنظار وهو الغوث ليرأس المجلس وهو لا يسأل عنه ولا يبحث عن وجوده الفعلي وإنما الواجب الإيمان بوجوده السري هكذا يزين الشيطان لمشايخ الصوفية وأتباعهم مثل هذه الأسطورة وأما ماذا يفعل المؤتمرون في هذا الديوان ؟!!
يجيب على هذا السؤال مشايخ الصوفية قائلين :
إنهم ينظرون في أقدار الله ثم يحكم فيها الأقطاب تحت إشراف الغوث دون أن يرد لهم أي حكم أصدروه من ذلك الديوان في الأرزاق والآجال بل حتى في خواطر الناس بحيث لا يهجس في خاطر أحد شيء إلا بإذن الأقطاب .
إذا كان هذا الديوان الذي يرأسه الغوث هو الذي ينظر في شؤون الخلق ويصدر أحكامه لا ترد فما الذي بقي لله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير(253/26)
وهو الفعال لما يريد وهو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض وهو الذي ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن وهو الذي إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون أما هذه فعقيدة المسلمين الذين سلموا من وثنية التصوف ولذا فأقول مكرراً ما قلته سابقاً إن وثنية التصوف وجاهليتها أقبح بكثير من وثنية أبي جهل وزملائه وجاهليتهم علماً بأن ما ذكرته من تصرفات الصوفية وأعمالهم قطرة صغيرة من بحار كفرهم وجاهليتهم وظلمهم ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جآءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ) (الآية :68 من سورة العنكبوت )
( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) (الآية :93 من سورة الأنعام )
فهل يجوز بعد هذا كله أن يقال : إن التصوف من الإسلام أو أن يزعم زاعم أن مشايخ الصوفية دخل على أيديهم في الإسلام خلق كثير من الأفارقة والآسيويين ؟ وهذه أسطورة كالأساطير التي تقدم الحديث عنها مثل أسطورة الديوان وأسطورة الأقطاب والأوتاد مثلاً .
فعلى الذين يزعمون هذه المزاعم أن يراجعوا معلوماتهم في الصوفية وفي دخول الإسلام في القارتين وفي الواقع أن كل ما فعل مشايخ الصوفية في القارتين وغيرهما أنهم نقلوا بعض الوثنيين الذين كانوا يعبدون الأوثان من الأشجار والأحجار ويتركون بها نقلوهم من عبادة تلك الأوثان إلى عبادة مشايخهم الأحياء منهم والأموات ومعنى ذلك أنهم نافسوا الأوثان وهي من الجمادات وغلبوها وحولوا العبادة لمشايخهم فصار الوثنيون - فهم لا يزالون وثنيين قطعاً - يعبدونهم ويقدسونهم ويقدمون لهم النذر ويذبحون لهم الذبائح فهل يقال لأمثال هؤلاء أنهم دخلوا في الإسلام ؟ !
الجواب :(253/27)
" لا " قطعاً وإنما الصواب أن يقال : إنهم تطوروا في وثنيتهم حيث أصبحوا يمرون على تلك الأشجار التي كانوا يعبدونها فلا يلتفتون إليها بل إنهم استطاعوا أن يقطعوا لهم منها الحطب وأخشاب لتسقيف بيوتهم مثلاً وقد كان يعد من ضرب المستحيلات سابقاً وبسبب تطوير مشايخ الصوفية وثنيتهم استطاعوا أن يدركوا أن تلك الأشجار وهي من الجمادات لا تنفع ولا تضر فلا تستحق العبادة لأنها عاجزة لا تخلق ولا ترزق ولا تملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً ولكن الذي لم يفطنوا له بعد أن الأوثان الناطقة من مشايخ الصوفية وسماسرتهم هي الضر ولو فظن عباد مشايخ الصوفية لهذه النقطة لما مكثوا عندهم في ذلك العذاب الشديد عذاب الذل والهوان والانقطاع عن الله رب العالمين وقد حالت بينهم وبين عبادة الله التي خلقوا من أجلها وهم قطاع الطريق استولوا على عقول الناس واستعبدوهم ظلماً وعدواناً .
هذا وإذا كنا قد حكمنا على وثنية مشايخ الصوفية وجاهليتهم أنها أقبح من وثنية وجاهلية أبي جهل وقومه .
فمن الإنصاف أن نورد ما يدل على صحة ما قلنا من آيات الكتاب المبين حتى نتصور نوع شركهم ليكون حكمنا صادقاً وعادلاً والحكم الذي تدعمه أدلة الكتاب والسنة وهو الحكم العادل الذي يجب الأخذ به ولكي يدرك القارئ بالمقارنة المحق والمبطل يقول الله تعالى لنبيه - وقد عانده قومه فأبو إلا الإشراك بالله - ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السموات السبه ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) (الآيات من : 84-98 من سورة المؤمنون )(253/28)
هكذا نجد الجاهلية الأولى توحد الله رب العالمين في ربوبيته ولكن القوم كانوا يتناقضون فيشركون في عبادته غير ملتزمين بما يلزمهم توحيدهم في ربوبيته وكيفية الالتزام إذا كان الله قد تفرد بخلق السموات والأرض وما بينهما وتفرد بتدبير خلقه وأرزاقهم وآجالهم فيجب أن يفرد بالعبادة هذا ما يقتضيه المنطق السليم ويدعو إليه العقل الصريح ويوجب الشرع الحكيم ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) (الآية :17 من سورة النحل)
هكذا يتناقض الجاهليون الأولون يؤمنون ويشركون وصدق الله العظيم حين يقول ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) (الآية :106 من سورة يوسف)
وأما مشايخ الصوفية وأتباعهم فإنهم يشركون بالله في ربوبيته وعبوديته بل ويصرفون الناس عن عبادته تعالى بل إنهم يصرفون الناس عن كل ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام من شريعة وعقيدة ويزهدون فيه من أطاعهم حتى يخلطوا لهم في طاعتهم وخدمتهم دون مزاحم .
وكل من يدين بدين الصوفية فهو يشرك باله في الربوبية والعبادة عرف بذلك من عرب وجهل من جهل ولا تقبل دعواهم بأنه يشهد ألا إله إلا الله حيث أنهم يأتون بما يناقضه في كل وقت بل كل لحظة ولأن الإيمان بالله لا يقبل إلا مع الكفر بالطاغوت كما نص على ذلك القرآن الكريم ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) (الآية :256 من سورة البقرة)
فليفطن القارئ أن الآية قدمت الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله تعالى على ضوء كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) لأن التخلية قبل التحلية كما يقولون .(253/29)
إذا كان هذا شرك المشركين الأولين شرك في العبادة وتوحيد في الربوبية وشرك مشايخ الصوفية شرك في العبادة والربوبية ويدل على ذلك ما سمعناه من أقوال مشايخهم ودعايتهم وتصريحاتهم يتبين من هذه المقارنة أن مشايخ الصوفية أشد كفراً وزندقة وأبعد عن الطريق الموصل إلى الله ألا وهو التمسك بدين الله الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام شريعة وعقيدة مع الكفر بما عداه مما يخالفه ويعارضه من الطرق المنتشرة في الأقطار الإسلامية التي تسمى طرق الصوفية وغيرها من صور الجاهليات الأخرى التي سوف نتناولها بالبحث إن شاء الله .
والله الموفق ...
هذا وإن الكلام حول هذه الجاهلية طويل الذيل ومتشعب لأن الطرق الصوفية المنتشرة اليوم في العالم الإسلامي قد اتخذت كل طريقة أسلوباً خاصاً لإفساد عقيدة المسلمين السذج وسلب أموالهم وتغيير مفاهيم كثيرة من الدين لديهم وهم فيما بينهم مختلفون ومتناحرون ولكنهم متفقون على محاربة الشريعة التي ترفعوا عنها وزهدوا فيها لأنهم أصبحوا أصحاب الحقيقة التي لا يعلمها - في زعمهم - إلا مشايخ الصوفية .
_______________________________________
"1" ولعل ما يشاع في الآونة الأخيرة بين الكتاب المعاصرين من أن ( الإنسان خليفة الله في الأرض ) لعل هذا الخطأ الفادح مأخوذ من كلام هذا الكاهن وأمثاله من مشايخ الصوفية الذين يزعمون أنهم مفوضون للنظر في شئون الخلق والحكم فيها وأرجو أن أتمكن من تحقيق هذه المسألة قريباً .
"2" جواهر المعاني في فيض التيجاني ص 97
"3" " هذه هي الصوفية " للشيخ عبد الرحمن الوكيل - بتصرف - الطبعة الثالثة .
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(253/30)
التناحر الأشعري الأشعري::التناحر الأشعري الماتردي::عقيدة الأشعري
هذا الموضوع كان في أحد الملتيقات وكان مع بعض المتصوفة فليفهم!!سبب المقدمة!!ولضيق الوقت لم أتمكن من تنقيحها لكم!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي لهُ،وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد:
فإن الصوفية أصحاب الكذب والتدليس،يزعمون أنهم على عقيدة واحدة،وهذا من الكذب الصراح،حيث أن بعض الطرق الصوفية مشركون بالله عز وجل،وبعضهم مرتدون عن هذا الدين كما هي فرقة الأحباش المارقين أحفاد الصهاينة الملاعين.
وعلى هذا بان الدجل الحقيقي..
وزعموا أنهم في الأصول متحدون،وهذا كذبٌ بيّن،فإذا كان الأشاعرة متناحرون فيما بينهم فكيف بمن يتلصق بالقوم؟؟!!
ويزعمون أنهم ماتردية ولا خلاف بين الأشاعرة والماتردية،وهذا عينُ الكذب كما سنبين بإذن الله.
سيجد القارئ المنصف،بأن أهل السنة أعدل الناس،فهم ينقلون منهم ومن كتبهم،ولسنا ممن يحرف القول كما بينا في ذلك الصوفي المتسمي كذباً وزرواً بـ(ـالعسيري!!) ..
ولسنا ممن يكذب القول قبل تشيدهِ ومعرفةُ دليلهِ كما بان لك من فِعِلِ المُدعي (مُستبصر!!) ..
ولسنا ممن يكذب ويلحن ويتقول على رسول اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويحرف الكلم عن موضعه ويكابر عند بيان الحق كالمدعي (نور الهُدى!!) ..
ولسنا من أمثال الناعقين الذين هم الشوشرة بزخرفة الكلمات (الفارغات!!) من أي حجة ودليل؛بل مُرادهمُ (التشويش!!) و(التهويش!!) و(تشتيت الفكر من التفكير!!) وهذه عويدات أهل البدع لا تنفك عنهم!!(254/1)
وبينا إنصاف أهل السنة من كلام الأئمة العظام الذين نقل عنهم المدعو (العسيري!!) كالإمام محمد بن عبدالوهاب –مجدد القرن كما يسميه العسيري- وعبدالله بن الشيخ الإمام وكيف أنهم أهل إنصاف بشهادة الصوفيين في هذا المنتدى!!ولكنهم ما أسرع استجابتهم لداعي الشيطان،حين تم للحق بيان،وكشف لتحريفات المحرفيين،ونفس الكلمات هي الكلمات،ولكن قاتل الله الهوى فقد أردى صاحبه صريعاً..وكل هذا تجده في (الإلجام) ..
وإني حين اقرأ أسمائهم (مستبصر!!) و(نور الهدى!!) ثم أرى الظلمات والجهل المركب والكذب عند أحدهم والتحريف عند الآخر يجعلني أقف وأقول ما مصداقية الأسماء؟؟!!فهنا يجب أن يحقق الإنسان في ما وراء الألفاظ،ولا يكتفي بالأسماء..والشاعر يقول عن مثل هذه الأسماء الرائعة!!
أسماءُ مملكةٍ في غيرِ موضعها ... كالهر شابه نفخة الأسدِ!!
أيها الأحبة ومن هذا الباب كان لابد لنا من بيان وتوضيح،أن أهل التحريف ليسوا على عقيدة واحدة،بل العائد التي ينتسبون إليها هي متضاربة في الأصول!!!ثم في الأخير نبين نجاة المؤسس لهذه الفرقة..كما نبين ردود من اتهموا بهذه العقيدة على أهل هذا العقيدة،وبيان عودة الأشاعرة إلى السنة!!
أولاً: نبدأ الآن مع التناحر الأشعري الأشعري!!ثم نورد توجيه الحق!!
إن التناحر الأشعري الأشعري-الذي لا يفقه مدعي الاستبصار- قد اعترف به العز بن عبدالسلام وابن حجر الهيتمي رحمهما الله، يقول: "والعجيب أن الأشعرية اختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين والعينين،وفي الأحوال وفي تعدد الكلام واتحاده" كما في قواعد الأحكام 172 ،والإعلام بقواطع الإسلام 34،والزواجر عن اقتراف الكبائر وهذا للهيتمي 2/350،وحكى الشهرستاني رد الباقلاني على شيخه الأشعري في إثبات الحال راجع الفصل في الملل والنحل 1/121.(254/2)
وذكر العز بن عبدالسلام رحمه الله أن أصحاب الأشعري مترددون مُختلفون في فات البقاء والقدم هل هي من صفات السلب أم من صفات الذات.راجع قواعد الأحكام الكبرى 170.
عَلَقَ شيخنا عبدالرحمن أسكنه الله أعلى الجنان على كلام العز بن عبدالسلام:
"وصدق فيما قال،فإن منهم من يُقسم الصفات إلى قسمين:نفسية ومعنوية،ومنهم من يجعلها ثلاثة أقسام:ذاتية ومعنوية وفعلية،ومنهم من يجعلها أربعاً:نفسية وسلبية وصفات معان وصفات معنوية.أنظر في ذلك:الإرشاد للجويني 51،ولوامع البينات للرازي 47،واتحاف المُريد بجوهرةِ التوحيد 69 و114.
فهم مُختلفون في طريقة تنزيه ربهم!!.
ومنهم المفوض الذي يلزم المؤول بالتحريف في صفات الله!!.
ومنهم المؤول الذي يصف المفوض بأنه يلزمه أن النبي كان جاهلاً بمعاني صفات الله.
وكل من هاتين الطائفتين تمتاز بصفةٍ ذكرها الله في أهل الكتاب:
فالمؤولة {يحرفون الكلم عن مواضعه}.
والمفوضة {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} أي إلا التلاوة للمعنى!!لا يفهمونهُ ولا يتدبرونهُ.مع أن ثمرة التلاوة أن تكون التفكر وتدبر المعاني.وأنهم {نسوا حظاً مما ذكروا به}."
ثم أَفَاضَ رحمه الله في تبيان الفروق من كُتبِ القوم،وهذا شيئٌ مما استفدنا من شيخنا عبدالرحمن بن محمد سعيد من أهل لبنان الحبيب،وبركة العلم أن يُرجع لأهلهِ.
أقول ومن أراد أن نفيض في هذا وننقل كلام شيخنا فلا مانع لدي،ولكن إذا الذي يقابلنا يعرف أصولهُ،لأنهم جهلةٌ وجهلهم مُركب!!(254/3)
ومُعتقد أهل السنة في الصفات أنهم يُثبتون ما أثبتهُ الله لنفسهِ من غيرِ تكيف ولا تمثيل ولا تشبيه.فنُثبتُ ما أثبتهُ الله لنفسهِ في كتابه أو عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كالسمع والبصر واليد والوجه واليدين،فهذه الصفات معلومة،لكن كيفيتها وشكلها تليق بجلاله لا نشبه ولا نؤول فنحرف كلام الله ولا ننفي ولا نمثل!!فالله يقول: {ليس كمثلهِ شيء} أبداً ليس كمثله شيء نفيٌ قيده بإثباته {وهو السميع البصير} أي أثبت ما أثبته الله عز وجل لنفسه ولكن تذكر ليس كمثله شيء..
وهذا ما قالهُ الإمام مالك رحمه الله لمن سأل عن الاستواء،فأجابهُ:الاستواء معلوم،والكيف مجهول،والسؤال عنه بدعة.صدق والله فالصفات معلومة،والكيف مجهول لأنك لم تره أو ترى ما يشابهه إنما تُثبت ما أخبر عن نفسهِ في كتابه أو أخبر عنه نبيه.
وقبل قرن لو قِيلَ لأحد الأعراب بأن حديداً سيطير في السماء؛هل يصدق؟؟!ويتخيل عقله؟؟!وهذا الحديد سينقل الناس؟؟!!سيكذبك لأن عقله لا يدرك ذلك لأنهُ لم يره أو يرى مثلهُ فسيقوم بالتشبيه والتمثيل أو تأويل ألفاظك..فما بالك بمن خلق الحديد وخلق الإنسان وركبَ فيه عقلاً أمرهُ بأن يؤمن بما جاء في كتابهِ فالواجب اتباع أمره ولله المثل الأعلى سبحانهُ تفرد في صفاته،لا شبيه ولا مثيل له {ليس كمثلهِ شيء،وهو السميع البصير}
ثانياً:التناحر الأشعري الماتردي:
فهاتان الفرقتان مختلفان في الأصولِ،كما سنبين بوضوح من كلامهم هم!!
فإن أول مسألة اختلفا عليها وجود الله:
هل هو عين الذات أم زائد على الذات؟حكاهُ الزبيدي عن السبكي في اتحاف السادةِ المتقين 2/95.
فأول خلافهما حول تفاصيل وجود الله وبقائهُ:هل هو باق ببقاء زائد على الذات أم لا:فإذا اختلفوا على وجود الله وبقائه فماذا نفعل؟أينتهي الأمر أن نختار أحد القولين بالقرعة؟!!!(254/4)
والثاني حول صفاتهِ:فقد نص ابن حجر المكي وملا علي قاري على أن "صفات الأفعال حادثة عند الأشاعرة قديمة عند الماتردية" كم في فتح المبين في شرح الأربعين 78،والفقه الأكبر بشرح القاري 14.
قال الماتردي رداً على الأشاعرة: "والقول بحدوث شيء منها [أي الصفات] يؤدي إلى القول بتغير الله[!!!] وهو يؤدي إلى عبادة غير الله"!!! في كتابه التوحيد 53و108،واتحاف السادة المتقين 2/158.
فها هو (الماتردي!!) يتهم الأشاعرة بالشرك!!!وهذا بُرهان على الخلاف،فكيف تكون الفرقتان فرقةً واحدة!! كما يدعون الفرقة الناجية؟! (أهل السنة!!) ..
فإذا لحظت هذا زال عنك اللبس،بأن الرفق تفترق،وكلما ابتعد الإنسان عن الهدي النبوي سينحرف انحرافات إما قليلة أو كثيرة!
وهذا مما أفادني به شيخنا عبدالرحمن جازه الله أعلى الجنان.
ثالثاً: كُنت أُريد أن أبين خلاف الأشاعرة لمذهب الأشعري الذي أسسه ورحل عنه،كرفض علم الكلام،ودخول الأشاعرة فيه،حتى أصابهم الإعتزال،ولكن نظراً لضيق الوقت فقط أردت لفت الانتباه!!
رابعاً:الأشاعرة يخالفون قول إمامهم:
دقق النظر في كلمات إمامهم أبو الحسن حين يُصرح بأن (أهل الحديث) هم أهلُ الحق.يقول كما في كتابهِ مقالات الإسلاميين 211و217 و291 و295،وسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي 18/248:
" الحقُ والصواب ما عليه أهل الحديث الذين يثبتون آيات وأحاديث الصفات،القائلين بأن لله يدين ووجهاً وعينين وسمعاً وبصراً وأنهُ ينزل إلى السماء الدنيا وأنهُ يجيْ يوم القيامة كما أخبر،وأنهُ يقرب من خلقهِ كيف يشاء لا يتأولونها"
يقول شيخنا مُعلقاً على كلامِ أبا الحسن الأشعري رحمه الله:
"فأهل الحديثِ لا يتأولونها.
والأشاعرة إما يحرفون المعنى ويسمونهُ تأويلاً،وإما يتجاهلون المعنى ويسمونهُ تفويضاً.وكلاهما مُخالفٌ لأهلِ الحديثِ."
وهذا مذهبه ومُعتقدهُ بعد توبته من المعتقد الذي أسسه!!
_____(254/5)
وللفائدة يمكنك الرجوع إلى هذا البحث القيم للدكتور محمد البيومي (الأشعري يرجع إلى عقيدة السلف ( ويعلن انتماءه لمذهب أحمد بن حنبل )
http://islamweb.net/pls/iweb/misc1....6&thelang=A
خامساً: عددٌ من العُلماء الأشاعرة يتوبون عن مذهبهم الأشعري:
ليس أبا الحسن وحدهُ الذي قد تاب من هذا المُعتقد الذي تفرقَ إلى مُعتقداتٍ عديدة؛بل هناك عددٌ كبير منهم الإمام الجويني والرازي وابن القيم.
وحيث أن اتباعهم متعصبون لا يحبون قول الحقيقة فسيقومون لا إرادياً بتعصبٍ وتشنج بالتكذيب.
ولكن لنضرب الأمثلة وإن أرادوا التوسع توسعنا:
1- الإمام الجويني رحمه الله:
يقول ابن الجوزي رحمه الله:
"وكان الجويني قد بالغ في الكلام،وصنف الكتب الكثيرة فيها،ثم رأى أن مذهب السلف أولى" تلبيس إبليس 82.
2- الرازي رحمه الله:
يقول ابن كثير رحمه الله واصفاً وصيته ومُلخصها:
" وقد ذُكِرَتْ وصيتهُ عند موتهِ وأنهُ رجع عن علم الكلام فيها إلى طريقة السف وتسليم ما ورد على الوجهِ المُرادِ اللائق بجلال الله" البداية والنهاية 13/55.
3- وأخيراً نختم بمن أنعم الله عليه بالتوبة مبكراً فألف في نقد مُعتقدهِ السابق رسائل كثيرة،وفي بيان مُعتقد أهل السنة والجماعة والنونية كافيةٌ شافية،إنهُ أبو بكر بن القيم الجوزية رحمه الله.
وإليك بعضاً من أبياته...وسأفصل في الموضوع قريباً إن شاء الله..
"فقد ذكر في نونيتهِ بعض ما يقولهُ الأشاعرة وغيرها في الصفات من التأويلات،وبعض ما في كتب النفاة من الطامَّات،وبيَّن ضررهم على الدن ومناهضتهم لنصوص الكتابِ والسنة.
ثم عقد فصلاً أعلنَ فيه أنه قد وقع في بعض تلك المهالك حتى أتاح لهُ الإله مَنْ أزال عنهُ تلك الأوهام وأخذ بيدهِ إلى طريقِ الحق والسَّلامة وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى" من كلمات شيخنا بكر أبو زيد عافاهُ الله مما يشكو ويحاذر.
وفي إعلان لتوبتهِ على يديهِ يقول:(254/6)
يا قوم والله العظيم نصيحة ...... من مُشفقٍ وأخٍ لكم معوانِ
جربت هذا كُلهُ ووقعت في ..... تلك الشباكِ وكُنت ذا طيرانِ
حتى أتاحَ لي الإلهُ بفضلِهِ ..... من ليس تجزيهِ يدي ولساني
فتى أتى من أرضِ حران فيا .. أهلاً بمن قد جاء من حرانِ
فالله يجزيهِ الذي هو أهلهُ .... من جنةِ المأوى مع الرضوانِ
أخذتْ يداهُ ويدي وسار فلم يرم .. حتى أراني مطلع الإيمانِ
ورأيتُ أعلامَ المدينة حولها ... نزل الهُدى وعساكر القرآنِ
ورأيتُ آثاراً عظيماً شأنها ..... محجوبة عن زُمرةِ العُميانِ
إلى آخر تلك الأبياتِ الجميلة التي –إن شاء الله تعالى- سأُفرد لها موضوعاً مُستقلاً.
وقد ذكر في تلك الأبيات أنهُ توقف عن التأويل وما يعتقدهُ الأشاعرة ورحل إلى مُعتقد أهل السنة فقال:
لكن توقف خاضعاً متذللاً .... مُستشعر الإفلاس من أثمانِ
وذكر بعد هذا بيتاً عظيماً في وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة وترك المؤولة إذ يقول ناصحاً:
إن رمت (تبصر) ما ذكرتُ فغض .... طرفاً عن سوى الآثارِ والقرآنِ
وهنا أرى بأن أقف كما وقف ابن القيم في ذكر الفضل لمن كان لهُ الفضل،فقد كان من أولي الفضل عليّ الشيخ عبدالرحمن بن محمد سعيد أسكنه الله الفردوس الأعلى ومهما ذكرت فلن أوفيهِ حقهُ وأقول كما قال ابن القيم الجوزية عليه رحمةُ رب البرية:
حتى أتاحَ لي الإلهُ بفضلِهِ ..... من ليس تجزيهِ يدي ولساني
فالله يجزيهِ الذي هو أهلهُ .... من جنةِ المأوى مع الرضوانِ
أخذتْ يداهُ ويدي وسار فلم يرم .. حتى أراني مطلع الإيمانِ
وغيرهُ من مشايخنا الأعلام حفظهم الله ورحم ميتهم.
وأخيراً يقول مُقَيِدَهُ عفا الله عنهُ وغفر له ولوالديه ولمشائخهِ .
والصلاة والسلام على النبي الهاشمي محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
نقلها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(254/7)
التوحيد عن الصوفية
من شرح الدكتور سفر الحوالي لكتاب العقيدة الطحاوية
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وإذا عرف أن توحيد الإلهية هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل وأنزلت به الكتب، كما تقدمت إليه الإشارة، فلا يلتفت إِلَى قول من قسم التوحيد إِلَى ثلاثة أنواع، وجعل هذا النوع توحيد العامة، والنوع الثاني: توحيد الخاصة، وهو الذي يَثبُت بالحقائق، والنوع الثالث: توحيد قائم بالقِدم، وهو توحيد خاصة الخاصة، فإن أكمل النَّاس توحيداً الأَنْبِيَاء - صلوات الله عليهم- والمرسلون منهم أكمل في ذلك، وأولو العزم من الرسل أكملهم توحيداً وهم: "نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومُحَمَّد، صلى الله وسلم عليهم أجمعين".
وأكملهم توحيداً الخليلان: مُحَمَّد وإبراهيم صلوات الله عليهما وسلامه، فإنهما قاما من التوحيد بما لم يقم به غيرهما علماً ومعرفةً وحالاً ودعوةً للخلق وجهاداً، فلا توحيد أكمل من الذي قامت به الرسل، ودعوا إليه، وجاهدوا الأمم عليه، ولهذا أمر سبحانه نبيه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتدي بهم فيه، كما قال تَعَالَى بعد أن ذكر مناظرة إبراهيم قومه في بطلان الشرك، وصحة التوحيد وذكر الأَنْبِيَاء من ذريته: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].
فلا أكمل من توحيد من أُمر رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتدي بهم.(255/2)
وكان صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: {أصبحنا عَلَى فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كَانَ من الْمُشْرِكِينَ }
فملة إبراهيم: التوحيد، ودين مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما جَاءَ به من عند الله قولاً وعملاً واعتقاداً، وكلمة الإخلاص: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وفطرة الإسلام هي: ما فطر عليه عباده من محبته وعبادته وحده لا شريك له، والاستسلام له عبوديةً وذلاً وانقياداً وإنابةً.
فهذا هو توحيد خاصة الخاصة الذي من رغب عنه فهو من أسفه السفهاء، قال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:130-131]
وكل من له حس سليم، وعقل يميز به، لا يحتاج في الاستدلال إِلَى أوضاع أهل الكلام والجدل واصطلاحهم وطرقهم ألبتة، بل ربما يقع بسببها في شكوك وشبه يحصل له بها الحيرة والضلال والريبة، فإن التوحيد إنما ينفع إذا سلم قلب صاحبه من ذلك، وهذا هو القلب السليم الذي لا يفلح إلا من أتى الله به] اهـ.
الشرح:(255/3)
تدّعي الصوفية أن العلم علمان: علم الحقيقة وعلم الشريعة، فالشريعة هي ظاهر هذه الآيات: من القُرْآن والسنة، والأحكام الظاهرة التي نسميها نَحْنُ الشريعة يسمونها هم -أيضاً- الشريعة، ويقولون: إن الحقيقة أمر آخر غير الشريعة، وقد يثبت بالحقيقة ما لا يثبت بالشريعة، -وسبق أن ضربنا مثالاً لذلك- وهو استدلالهم بقصة الخضر مع موسى عليهما السلام، فإنهم قالوا: إن الشريعة لا تبيح أن تقتل نفس برئية، والشريعة لا تبيح أن تخرق مركب لمن قد أحسن إليك، والشريعة أيضاً لا تجيز أن الإِنسَان يذهب ويحسن إِلَى قوم لم يطعموه ولم يضيفوه ويبني هذا الجدار عندهم، إما أنها لا تجيز ذلك أو أنها لا تدعو إليه، فكيف فعل الخضر ذلك؟!
يقولون: إن موسى كَانَ عَلَى الشريعة، وأما الخضر فإنه كَانَ عَلَى الحقيقة، وقد فندنا ذلك القول ولا داعي لإعادته، فالخلاصة أن كلاً منهما كَانَ عاملاً بالشريعة ولم يخالفها، وأما ما يسمى بالحقيقة فإنه لا وجود له إلا في أذهان الذين اختلقوه ليهدموا به الدين، فيقولون: الصلاة والزكاة والحج والجهاد هذه كلها من الشريعة، أما نَحْنُ فنحن أهل الحقائق. والذين يسمونهم الخاصة هم الذين يوحدون الله بتوحيد الحقيقة. كما سبق. حيث يقولون: إن غاية التوحيد هو إثبات الربوبية، ثُمَّ أن يترقى الواحد منهم في التوحيد حتى يرى من قوة توحيده أن الله تَعَالَى هو الفاعل لكل شيء، وأنه لا فعل لأحد معه عَلَى الإطلاق في هذا الكون، هذا هو غاية التوحيد عندهم.
وتوحيد خاصة الخاصة: هو الحلول والاتحاد وهو أن لا يبقى ذات معبودة وذات عابدة، وإنما تصبح الذاتان ذاتاً واحدة -والعياذ بالله- وهذا هو الفناء وهو غاية السالكين كما يسمونه؛ لأن الطريق عندهم كالتالي:
يبدء المرء مريداً، وهذا المريد يتعلم، ثُمَّ السالك يمشي في المقامات، ثُمَّ الواصل وهو الذي قد وصل وانتهى وفني وسقطت عنه التكاليف، فهذا يسمى الواصل.(255/4)
وعندما يبتدئ الإِنسَان عندهم يقولون له: عَلَى المريد أولاً: أن يلتزم بأحكام الشريعة، ويجب عليه أن يصلي وأن يصوم لأنه أولاً: لن يألف توحيد خاصة الخاصة لأن قلبه لم يتعود بعد عليه.
ثانياً: حتى لا ينكر عليه العامة، إذ لو أنكروا عليه العامة في أول الطريق لهرب منهم، ولم يمشِ في الطريق، ففي أول الطريق يعمل بالأحكام الظاهرة، التي هي الشريعة الظاهرة من إقامة الصلاة ونحو ذلك كما يعمل النَّاس وهذا هو توحيد العامة عندهم، ولكنه يترقى بالأفكار التي يعطونه وكل طريقة تعطيه كما تشاء، حتى يصبح من أهل الحقيقة فإذا أصبح من أهل الحقيقة فإن التكاليف تتحول عنده من تكاليف صلاة وصيام ونحو ذلك، إِلَى أذكار وأوراد وعبادات يملونها هم عليه، ثُمَّ يترقى حتى يصبح من أهل الفناء ومن أهل الشهود، وهَؤُلاءِ هم أهل وحدة الوجود -والعياذ بالله- فيرى نفسه أنه هو الخالق والمخلوق عياذاً بالله فلا يبقى هناك ذاتان منفصلتان، وإنما ذات واحدة، وهذا من أعظم أنواع الكفر، وأبو حامد الغزالي -غفر الله له- قد رجع عن هذا في آخر حياته، وندم عَلَى ما فرط منه، لكن نقول: إن أبا حامد عندما ذكر هذه الأشياء ذكرها كمصدر من مصادر الحقيقة ومصادر المعرفة، ولم يكن مستيقناً من لوازم هذا القول وما ينبني عليه، لأنه يقول كما ذكر في الإحياء : كيف يترقى الإِنسَان لينتقل من كونه من أصحاب توحيد العامة [من أصحاب الشريعة] إِلَى أن يكون من أصحاب الحقيقة، يقول: إما أن يذهب إِلَى جبل أو إِلَى مغارة يختبئ فيها ويذكر الله حتى يأتيه الكشف، فإن لم يستطع فليأخذ كساء أسوداً غليظاً ويلفه عَلَى رأسه، وبهذا يكون قد اختلى ويظل يردد ويقول: الله الله الله وغيرها من الأذكار حتى يأتي الكشف، فمثل هذا الكلام من الإمام أبي حامد الغزالي والهروي شيء غريب جداً لكن نحسن الظن بهم لأنهم لم يكونوا يدركون ماذا سيترتب عَلَى هذا الكلام، فإنه كَانَ سبباً لأن يأتي بعدهم(255/5)
الملاحدة الذين كشفوا القناع وصرحوا بذلك، وقد كَانَ قبلهم من صرح بذلك، ولكن أكثر المتأخرين يعتمدون عَلَى كتاب الهروي منازل السائرين الذي شرحه ابن القيم في كتابه مدارج السالكين ، وكتاب أبي حامد الغزالي إحياء علوم الدين وكذلك المنقذ من الضلال ، وكذلك الرسائل الأخرى التي جمعت وطبعت وفيها من هذا الكلام.
الرد عليهم
ونرد عَلَى هَؤُلاءِ جميعاً وهذا هو الذي يهمنا بأن أكمل النَّاس توحيداً هم الخليلان كما قال الإمام مالك : مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإبراهيم عَلَيْهِ السَّلام هما أكمل النَّاس توحيداً، فليس هناك رقي ولا ترقي في التوحيد بحيث يكون الإِنسَان أعظم من مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام، ومع ذلك: فإن دين الخليل ودين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو إفراد الله بالعبادة، أي توحيد الألوهية وهو عبادته تَعَالَى إِلَى أن يأتي الموت كما قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] أي: لا تنفك عن عبادته تَعَالَى إِلَى أن يدركك الموت، فما دمت عبداً حياً فوصف العبودية لا ينفك عنك مطلقاً ، أما ما يقال من الحقيقة والفناء أو من الشهود، فهذه مصطلحات بدعية شركية لم يعرفها الخليلان ولم يعرفها أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بعده، ولم يعرفها أولوا العزم من الرسل، وإنما هذه بدع وضلالات ابتدعها هَؤُلاءِ القوم وأدخلوها في دين الإسلام، فهل كَانَ فيما حققوه أنهم جعلوا التوحيد ثلاثة أقسام، توحيد العامة، وتوحيد الخاصة، ثُمَّ توحيد خاصة الخاصة؟(255/6)
بل وإنما كانت الدعوة إِلَى عبادة الله، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعبد الله أمام أصحابه، وكان أصحابه يقتدون به في عبادته، وهكذا كَانَ الأَنْبِيَاء من قبل ولم يكن أحد منهم أبداً عَلَى هذا التوحيد الذي هو مجرد ذكر أو ترانيم، توصل صاحبها إِلَى ما يسمى بالفناء المزعوم، قال تعالى:وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:130-131] وفي الحديث الذي أخرجه الدارمي وابن السني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يعلم أصحابه ويقول: (أصبحنا عَلَى فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كَانَ من الْمُشْرِكِينَ) ويستدل المُصْنِّف بمعناه، ومعناه صحيح من حيث إن ملة إبراهيم هي دين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شك في ذلك وهي كلمة التوحيد التي جعلها إبراهيم في عقبه كما قال تعالى: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:28] وهي الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله كلمة التوحيد فبين المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ أن هَؤُلاءِ الصوفية ومن ادَّعى هذه الدعوى قد افتروا عَلَى الله الكذب حين قسموا التوحيد إِلَى هذه الأنواع الثلاثة، وأما القسمة الصحيحة الحقيقية للتوحيد فهي أن نقول: إنه توحيدان توحيد خبري علمي اعتقادي، الذي هو توحيد المعرفة أي توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد عملي طلبي إرادي وهو توحيد الألوهية، أي: توحيد العبادة، وأيضاً قلنا: إن المُصْنِّف قال إن هناك توحيدان -أي باعتبار آخر- توحيد المرسِل، وهو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتوحيد المرسَل أي: متابعة الرَّسُول(255/7)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنوحد الله تَعَالَى بالطاعة والعبادة بأن نعبده وحده، ونوحد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاقتداء فلا نقتدي بأحد غيره.
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(255/8)
الجواب الكافي
لمن سأل عن
محمد بن علوي المالكي
إعداد: أبي معاذ السلفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فهذا الموضوع كتبته استجابة لطلب أحد الاخوة وفقه الله حيث طلب مني جزاه الله خيرا معلومات عن محمد بن علوي المالكي، فأقول وبالله التوفيق:
* أسمه ومولده:
هو محمد بن علوي بن عباس المالكي، ولد بمكة - حرسها الله - وما زال يعيش فيها حالياً مع كل أسف، ومنها ينشر أباطيله إلى كافة العالم الإسلامي.
ويزعم أنه من سلالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد شكك في ذلك بعض قرابته ممن هم على عقيدة أهل السنة والجماعة!.
وسواء صح نسبه أم لم يصح، فهذا لا ينفعه ما دام أنه على عقيدة تخالف العقيدة التي بعث بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه } رواه مسلم، وروى أبو داود عن عبد الله بن عمر قال: كنا قعوداً عند رسول الله، فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: { هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني وإنما أوليائي المتقون } . (حديث رقم 4242) وصحح العلامة الألباني رحمه الله في "صحيح سنن أبي داود" (3/5).
ويذكر بعض أهل العلم عن والده علوي المالكي أنه كان من أهل السنة ولهذا كان يسمح له بالتدريس في الحرم، وكان له دروس ومواعظ يلقيها عبر الإذاعة السعودية.
ولكن المطلع على كتبه يجد أنه كان صوفيا أيضاً ولكن ؛ كان يتظاهر بالسنة فأنظر مثلاً كتابه "مجموع فتاوى ورسائل" فقد قرر فيه جواز الاحتفال بالمولد النبوي (ص180-181) ودافع فيه عن ابن عربي الصوفي الضال المضل وأخذ يفسر عبارات ابن عربي الكفريه حتى يجعلها من الكلام الصحيح الذي لا غبار عليه (ص190)، إلى غير ذلك من الأمور المنكرة.(/1)
وقد ذكر الشيخ الألباني- رحمه الله - في أحد أشرطته أن علوي والد محمد دعاه يوما إلى منزله فوجدهم يحتفلون بالمولد النبوي !!
وهكذا بالنسبة لمحمد بن علوي فقد كان يخفي الكثير من معتقداته الباطلة حتى اغتر به كثيرا من أهل العلم، حتى فضحه الله والحمد لله.
* عقيدته:
ليس لمحمد بن علوي المالكي كتاب يوضح عقيدته في باب الأسماء والصفات ولكنه يثني كثيرا في كتبه على الأشاعرة فأنظر مثلا كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" (ص111).
فقد وصف الاشاعرة بقوله:(الاشاعرة: هم أئمة أعلام الهدى من علماء المسلمين الذين ملأ علمهم مشارق الأرض ومغاربها وأطبق الناس على فضلهم وعلمهم ودينهم، هم جهابذة علماء أهل السنة وأعلام علمائها الأفاضل الذين وقفوا في طغيان المعتزلة.
هم الذين قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: "والعلماء أنصار علوم الدين والاشاعرة أنصار أصول الدين" "الفتاوى" الجزء الرابع.. الخ).
والعبارة التي نسبها لشيخ الإسلام ابن تيمية ليست له ! !
بل هي للإمام العز بن عبد السلام رحمه الله نقلها عنه شيخ الإسلام ثم بين ان العبارة ليست على إطلاقها! وقد نبه على هذا الموضوع الشيخ صالح آل الشيخ جزاه الله خيراً في كتاب "هذه مفاهيمنا" (ص230-232).
وقال المالكي أيضاً في "مفاهيم يجب أن تصحح" (هامش ص113):(أنظر ما كتبه شيخنا العلامة الشيخ محمد علي الصابوني في مسألة الاشاعرة من بحوث طويلة ومهمة) اهـ.
والصابوني هذا قد رد عليه كثير من أهل العلم مثل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله والشيخ الألباني رحمه الله والشيخ صالح الفوزان والشيخ بكر أبو زيد والشيخ محمد جميل زينو وغيرهم أنظر كتاب "التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير" للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله فقد ذكر أسماء من رد على الصابوني.
* مذهبه الفقهي:
وأما في الفقه فهو - أي محمد بن علوي - مالكي المذهب ولهذا ينتسب إليه، كما يلاحظ اهتمامه بأقوال المالكية في كثير من كتبه.
* تصوفه!:(/2)
يعتبر المالكي حالياً حامل راية التصوف في بلاد الحرمين - حرسها الله - فهو من القلائل الذين صرحوا بعقيدة التصوف بقوة وعلانية في بلاد التوحيد!!
فأنظر كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" (ص107-110) من الطبعة الرابعة فقد أثنى على التصوف، وهو يدعو في كتبه إلى الاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبغيره من الأولياء، كما أنه يدعو إلى شد الرحال إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -! وكتب في ذلك كتابه "شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد".
وهو يحث أيضاً على إحياء الاحتفالات المبتدعة أمثال الاحتفال بالمولد النبوي وكتب في ذلك رسالته "حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف" و"البيان والتعريف في ذكرى المولد الشريف".
كما أن له كتاب بعنوان "الذخائر المحمدية" قد نشر فيه كثيرا من معتقدات الصوفية في الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتي تحتوي على الغلو المنهي عنه في صحيح السنة النبوية!!
وسيأتي معنا إن شاء الله بعد قليل بعض الأمثلة من عقيدة الرجل توضح هذا الأمر!
* من معتقداته الباطلة !
إليك أخي الفاضل بعض الأمثلة التي تظهر لك مدى ما وصل إليه هذا الرجل من ضلال، نسأل الله العافية:
- من أشنع معتقدات هذا الضال المضل أنه يصرح بأن الشخص لا يعتبر مشركا ولو استغاث بغير الله أو اعتقد في النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في غيره أنه يتصرف في الكون إلا إذا اعتقد الاستقلالية فيمن طلب منه الإغاثة أو اعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الولي يتصرف في الكون استقلالا من دون الله فقط !!.(/3)
فقد قال في كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" (ص90) من الطبعة الرابعة:"ان من أشرك مع الله جل جلاله غيره في الاختراع والتأثير فهو مشرك سواء كان الملحوظ معه جماداً أو آدمياً نبياً أو غيره، ومن اعتقد السببية في شيء من ذلك اطردت أو لم تطرد، فجعل الله تعالى لها سببا لحصول مسبباتها، وأن الفاعل هو الله وحده لا شريك له فهو مؤمن، ولو أخطأ في ظنه ما ليس بسبب سببا لأن خطأه في السبب لا في المسبب الخالق المدبر جل جلاله وعظم شأنه) اهـ.
وعلى كلامه هذا فإن مشركي قريش لم يقعوا في الشرك !! لأنهم لم يكونوا يعتقدون الاستقلالية في آلهتهم المزعومة! بل كانوا يصرفون العبادات لها كي تقربهم إلى الله زلفى
كما قال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } (ونس:18).
وجاء في صحيح مسلم أنهم كانوا يقولون أثناء طوافهم بالكعبة: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.
وإليك نماذج من غلوه في الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
- يقول في "الذخائر" (ص241) واصفاً النبي - صلى الله عليه وسلم -:(وأوتي علم كل شيء حتى الروح والخمس التي في آية: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } ).
- وقال في "شفاء الفؤاد"(ص79،97) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:(إذ لا فرق بين موته وحياته في مشاهدته لأمته ومعرفة أحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم وذلك عندي جلي لا خفاء فيه) !!!.
- ونقل في "شفاء الفؤاد" (ص235) قول الشاعر واصفاً النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(كلما لحت للملائك خروا في السموات سجداً وبكياً).
وقال في "الذخائر"(ص235):(خُصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أول النبيين خلقاً).(/4)
- وقال (ص235):(وخَلْق آدم وجميع المخلوقات لأجله).
- قل في "شفاء الفؤاد" (ص203) قول الشاعر مخاطباً النبي - صلى الله عليه وسلم - - مقراً له -:
وانظر بعين الرضا لي دائماً أبداً ... واستر بفضلك تقصيري مدى الأمد
واعطف علي بعفو منك يشملني ... فإنني عنك يا مولاي لم أحد
- وأعتبر من خرج إلى زيارة القبر النبوي أنه مهاجر إلى الله ورسوله كما في "شفاء الفؤاد" (ص55)).
- ونقل في "شفاء الفؤاد"(ص96-97) قول ابن الحاج عن زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام مقراً له:(فإذا جاء إليهم فليتصف بالذل والانكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والاضطرار والخضوع، وليحضر قلبه وخاطره إليهم وإلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره)... إلى أن قال:(ويستغيث بهم، ويطلب حوائجه منهم ويجزم بالإجابة ببركتهم ويقوي حسن ظنه في ذلك فإنهم باب الله المفتوح، وجرت سننه سبحانه وتعالى بقضاء الحوائج على أيديهم وبسببهم، ومن عجز عن الوصول إليهم فليرسل بالسلام عليهم، ويذكر ما يحتاج إليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه، فإنهم السادة الكرام، والكرام لا يردون من سألهم ولا من توسل بهم ولا من قصدهم ولا من لجأ إليهم).
ثم قال:(وأما في زيارة سيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه وسلامه، فكل ما ذكر
يزيد أضعافه، أعني في الانكسار والذلة والمسكنة لأنه الشافع المشفع الذي لا ترد شفاعته
ولا يخيب من قصده ولا من نزل بساحته ولا من استعان أو استغاث به إذ أنه عليه الصلاة
والسلام قطب دائرة الكمال وعروس المملكة).
- ونقل في "شفاء الفؤاد"(ص109) قول الشاعر:
أنت الشفيع وآمالي معلقة ... وقد رجوتك يا ذا الفضل تشفع لي
هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له ... إلا جنابك يا سؤلي ويا أملي
- ونقل في "الذخائر" (ص190) قول الشاعر مخاطباً النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(عجل بإذهاب الذي أشتكي فإن توقفت فمن ذا أسأل)!!
- وقال في "شفاء الفؤاد" (ص189-190) ضمن آداب زائر القبر النبوي:(/5)
(ومنها، أن يتوجه بعد ذلك، (أي بعد صلاة التحية)، إلى الضريح الشريف مستعيناً بالله في رعاية الأدب بهذا الموقف المنيف، فيقف بخضوع ووقار وذلة وانكسار غاض الطرف مكفوف الجوارح واضعاً يمينه على شماله كما في الصلاة) !.
- ونقل في"شفاء الفؤاد"(ص131) قول ابن حجر المكي في ذكر شروط زيارة القبر الشريف:(ينبغي ضبط الزيارة بما ضبط به الأئمة الاستطاعة في الحج).
- وقال أيضاً في"شفاء الفؤاد"(131-132):(فقرى الواقف ببابه الشريف كقرى الواقف بعرفات) إلى أن قال:(فقد أتم الله للحبيب المضاهاة بكل الحالات) !!.
- ذكر في"شفاء الفؤاد"(ص185) الآداب التي ينبغي الإتيان بها على من أراد زيارة القبر النبوي، جاء فيها:(إخلاص النية فينوي التقرب بالزيارة وينوي معها التقرب بشد الرحل للمسجد النبوي والصلاة فيه).
فجعل الأصل شد الرحل لزيارة القبر النبوي، ثم ينوي معها التقرب بشد الرحل للمسجد النبوي والصلاة فيه!!
- ونقل في"شفاء الفؤاد"(ص205) قول الشاعر في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(بنور رسول الله أشرقت الدنا ففي نوره كل يجيء ويذهب).
- قل أيضاً في"شفاء الفؤاد"(ص232) قول الشاعر في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -: …
أنت سر الله والنور الذي ... سار موسى نحوه في طور سين
فهو نور لا يسامى إنه ... قبس من نور رب العالمين
كيف لا والسيد الهادي به ... يغمر الدنيا بنور مستبين
يقول هذا والله عز وجل يقول: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ } الآية (النور:35)، والله عز وجل يقول أيضاً: { وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } (الزمر: 69).
والمالكي يقول:(بنور رسول الله أشرقت الدنا)!!
- كما أن المالكي يقول بأن روح النبي - صلى الله عليه وسلم - تحضر مجالس الذكر!، والتي منها - حسب زعمه - مجالس المولد النبوي!!(/6)
فقد قال في كتابه "الذخائر"(ص309-310 من الطبعة الثانية) تحت عنوان (حضور روحانية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم):
(وقلت في مجلس من مجالس الخير: روحانية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حاضرة في كل مكان، فهي تشهد أماكن الخير، ومجالس الفضل، والدليل على ذلك أن الروح من حيث هي روح غير مقيدة في البرزخ، بل منطلقة تسبح في ملكوت الله، وهذا عام في جميع أرواح المؤمنين، مع ملاحظة أن إطلاقها وسياحتها تختلف باختلاف أهليتها، شأنها في ذلك شأنها لما كانت في الدنيا فمنها القريب، ومنها البعيد ومنها الحاضر مع حضرة الحق، ومنها الغائب، ومنها الشاهد، ومنها المظلم، ومنها المنوّر، ومنها الخفيف، ومنها الكثيف، وهي هكذا في البرزخ، انطلاقها وسياحتها وحضورها واستجابتها بحسب مقامها، والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: { نسمة المؤمن على طائر تسبح حيث تشاء } أو كما قال، (رواه مالك).
وروحه - صلى الله عليه وسلم - أكمل الأرواح، فهي لذلك أكمل في الحضور والشهود.. الخ).
وقال مثل ذلك في رسالته "حول الاحتفال بالمولد النبوي" (26-27).
بل صرح فيها بأن روح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وروح خلص المؤمنين تحضر مجالس المولد النبوي!!
و استدل ضمن ما استدل على هذا الكذب الصريح والافتراء على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين بحديث حرف معناه!!
حيث قال:(والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: { نسمة المؤمن على طائر تسبح حيث تشاء } أو كما قال، (رواه مالك)).
والإمام مالك روى هذا الحديث ولكن ليس بهذا اللفظ وإنما بلفظ: { إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه } !
فهذا الحديث يتحدث عن أرواح المؤمنين في الجنة!! وليس في الحياة الدنيا!.
وزيادة في التلبيس قال (أو كما قال (رواه مالك)) فهو ينقل هذا الحديث بالمعنى حتى(/7)
لا يؤاخذه أحد في زعمه، وهذا لا يعفيه من تهمة التحريف وذلك لثلاثة أسباب:
الأول: أنه حرف المعنى فالحديث يتكلم عن أرواح المؤمنين في الجنة وهذا جعله في الدنيا.
ثانياً: أن محمد بن علوي هو مالكي المذهب فيفترض فيه أنه يكون حافظاً أو على الأقل مستحضراً لموطأ الإمام مالك الذي نقل منه الحديث، وخصوصاً أن محمد بن علوي متخصص في علم الحديث!!.
السبب الثالث: أن هذا التحريف قد وقع في الطبعة الثانية من الكتاب أيضاً!
ومنها نقلت كلامه والفرق بين الطبعة الأولى والثانية قرابة العشر سنوات !! فما هو عذره.
وقد رد عليه في هذه المسألة الشيخ علي رضا بن عبدالله بن علي رضا- حفظه الله - في كتابه"المباحث العلمية بالأدلة الشرعية "(ص106- 107).
- وقال في"الذخائر"(ص136-137) بإمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة!! حيث ذكر صيغاً مبتدعة للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - زعم أن من قالها فإنه لا يموت حتى يجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة.
- وقال في"الذخائر"(ص146) بإمكانية أن يرى عامة أهل الأرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ليلة واحدة!! حيث قال:(إن رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة، وذلك لأن الأكون مرايا، وهو - صلى الله عليه وسلم - كالشمس إذا أشرقت على جميع المرآيا ظهر في كل مرآة صورتها، بحسب كبرها وصغرها، وصفائها وكدرها، ولطافتها وكثافتها... الخ).
- ومن المنكرات التي وقعت في كتبه وتدل على مدى ما وصل إليه هذا الرجل من ضلال ما جاء في كتابه "المختار من كلام الأخيار" (ص134) نقلاً عن السري السقطي!!:(/8)
(رأيت كأني وقفت بين يدي الله عز وجل، فقال: يا سري خلقت الخلق فكلهم ادعوا محبتي فخلقت الدنيا فذهب مني تسعة أعشارهم وبقي معي العشر فخلقت الجنة، فهرب مني تسعة أعشار العشر وبقي معي عشر العشر، فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني تسعة أعشار عشر العشر فقلت للباقين معي: لا الدنيا أردتم ولا الجنة أخذتم ولا من النار هربتم فماذا تريدون؟ قالوا: إنك لتعلم ما نريد. فقلت لهم: فإني مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم ما لا تقوم به الجبال الرواسي أتصبرون ؟ قالوا: إذا كنت أنت المبتلي لنا فافعل
ما شئت فهؤلاء عبادي حقاً).
ونقل في (ص135) عن علي بن الموفق أنه قال:(اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً مني لجنتك فاحرمنيها، وإن كنت تعلم أني إنما أعبدك حباً مني لك، وشوقاً إلى وجهك الكريم فأبحنيه وأصنع بي ما شئت)!!.
وقال أيضاً في (ص144):(سئل النورى عن الرضا فقال عن وجدي تسألون أو عن وجد الخلق؟ فقيل: عن وجدك ؟ فقال: لو كنت في الدرك الأسفل من النار لكنت أرضى ممن هو في الفردوس)!!.
ونقل في (ص161) قصة دون ذكر المرجع كما هي عادته في هذا الكتاب عن شخص حضر عند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقال له:(رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت: هل أتاك منكر ونكير؟ قال: أي والله وسألاني من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال فقلت: ألمثلي يقال هذا، وأنا كنت أعلم الناس هذا في الدنيا؟! فقالا - أي منكر ونكير -: صدقت فنم نومة العروس، لا بأس عليك) إلى آخر هذه الخرافات التي اعتبرها من كلام الأخيار!! نسأل الله العافية.
* موقف أهل العلم من هذه الانحرافات:(/9)
وقد وقف أهل العلم وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية أمام هذه الأباطيل موقف قوي والحمد لله فقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قرار بعدد 86 في 11/11/1401هـ بخصوص محمد بن علوي المالكي ذكره الشيخ عبدالله بن منيع حفظه الله في كتابه "حوار مع المالكي" جاء فيه:
(في الدورة السادسة عشرة المنعقدة بالطائف في شوال عام 1400هـ نظر مجلس هيئة كبار العلماء فيما عرضه سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد مما بلغه من أن لمحمد علوي مالكي نشاطا كبيرا متزايدا في نشر البدع والخرافات والدعوة إلى الضلال والوثنية وأنه يؤلف الكتب ويتصل بالناس ويقوم بالأسفار من أجل تلك الأمور واطلع على كتابه "الذخائر المحمدية" وكتابه "الصلوات المأثورة " وكتابه "أدعية وصلوات" كما استمع إلى الرسالة الواردة إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من مصر وكان مما تضمنته:
(وقد ظهر في الأيام الأخيرة طريقة صوفية في شكلها لكنها في مضمونها من أضل ما عرفناه من الطرق القائمة الآن وإن كانت ملة الكفر واحدة.
هذه الطريقة تسمى (العصبة الهاشمية والسدنة العلوية والساسة الحسنية الحسينية) ويقودها رجل من صعيد مصر يسميه أتباعه (الإمام العربي) وهو يعتزل الناس في صومعة له ويمرون عليه صفوفا ويسلمون عليه ويحدثونه ويمنحهم البركات ويكشف لهم المخبؤ بالنسبة لكل واحد وهذا كله من وراء ستار فهم يسمعون صوته ولا يرون شكله اللهم إلا الخاصة من أحبابه وأصحابه فهم المسموح لهم بالدخول عليه وعددهم قليل جدا وهو لا يحضر مع الناس الجمع ولا الجماعات، ولا يصلي في المسجد الذي بناه بجوار صومعته ويعتقد أتباعه أنه يصلي الفرائض كلها في الكعبة المشرفة جماعة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -.(/10)
ويعتقدون كذلك أنه من البقية الباقية من نسل الأئمة المعصومين، وأن المهدي سيخرج بأمره.
وقد أنشأ لطريقته فروعا في بعض مدن مصر يجتمع روادها فيها على موائد الأكل والشرب والتدخين ويأمرون مريديهم بحلق اللحى وعدم حضور الجماعة في المساجد وذلك تمهيداً لإسقاط الصلاة نفسها ويخشى أنهم امتداد لحركة باطنية جديدة فإن هناك وجه شبه بينهم وبين خصائص الباطنية.
فإنهم بالإضافة إلى ما سبق محظور على أتباعهم إذاعة أسرارهم والسؤال عن أي شيء يرونه من شيوخهم كذلك الاسم الذي سموا به حركتهم والشعار الذي اتخذوه لها هو (فاطمة، علي، الحسن، الحسين) ومما يؤيد ذا الظن أنهم يجاورون الضاحية التي دفن فيها (أغاخان) زعيم الإسماعيلية حيث لا تنقطع أتباع الإسماعيلية عن زيارة قبره والاتصال بالناس هناك وقد دفن أغاخان في مصر لهذه الغاية.
وقد ازداد أمر هؤلاء في نظرنا خطورة حين علمنا أن لهم اتصالات ببعض أفراد في السعودية وقد هيأت لبعض أتباعهم فرص عمل في المملكة عن طريق هؤلاء الأفراد الذين
لم نتعرف على أسمائهم بعد نظرا للسرية التي يحيطون بها حركتهم ونحن في سبيل ذلك
إن شاء الله.(/11)
ولكن الذي وقفنا عليه وعرفناه يقينا لا يقبل الشك أن الشيخ (محمد علوي بن عباس المالكي المكي الحسني) يتصل بهم اتصالاً مباشرا ويزور شيخهم المحتجب ويدخل عليه ويختلي به ويخرج من عنده بعد ذلك طائفا باتباعه في البلاد متحدثا معهم محاضرا فيهم خطيبا بينهم كأنه نائب عن الشيخ المزعوم ثم يختم زيارته بالتوجه إلى ضريح أبي الحسن الشاذلي الشيخ الصوفي المعروف المدفون في أقصى بلاد مصر ومعه بطانة من دهاقنة التصوف في مصر وهو ينشر بينهم مؤلفاته التي اطلعنا على بعضها فاستوقفنا منها كتابه المسمى "الذخائر المحمدية" وتحت يدي الآن نسخة منه بل الجزء الأول وهو يقع في 354 صفحة من الحجم الكبير ذي الطباعة الفاخرة وطبع بمطبعة حسان بالقاهرة ولا يوزع عن طريق دار نشر وإنما يوزع بصفة شخصية وبلا ثمن.(/12)
والذي يقرأ هذا الكتاب يجد المؤلف هداه الله قد أورد فيه كل المعتقدات الباطلة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن بطريق ملتو فيه من المكر والدهاء ما فيه حتى لا يؤخذ على المؤلف خطأ شخصي فهو يذيع تلك العقائد ويشيعها عن طريق النقل من بعض الكتب التي أساءت إلى الإسلام في عقيدته وشريعته، والتي وصلت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة من الغلو ما قال بها كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل ورد بشأنها النهي الصريح عن مثل هذا الزيغ والزيف والضلال) ثم ذكر أمثلة مما جاء في الكتاب من الضلال وختم رسالته بقوله (ونحن إنما نهتم بتعقب مثل هذه الأخطاء والخطايا من أجل أن ننبه إلى خطورتها وخطرها من باب نصح المسلمين وإرشادهم وتحذيرهم مما يخشى منه على العقيدة الصحيحة والإيمان الحق وإنما نكتب لكم به كذلك لتتصرفوا حياله بما فيه الخير للإسلام والمسلمين فكما أن مصر مستهدفة من أعداء الإسلام بحكم عددها وعدتها وإجماعها من حيث الأصل على السنة فإن السعودية مستهدفة بنفس القدر إن لم يكن أكثر بحكم موقعها من قلوب المسلمين وبحكم عقيدتها القائمة على حماية جناب التوحيد وعلى توجيه الناس إلى السنة الصحيحة واهتمامها بنشر هذه العقيدة في كل مكان.
فلا أقل من أن ننبه إلى بعض مواطن الخطر لتعملوا على درئه ما استطعتم، والظن بكم بل الاعتقاد فيكم سيكون في محله إن شاء الله فإن الأمر جد خطير، كما رأيتم من بعض فقرات الكتاب. اهـ)، وقد تبين للمجلس صحة ما ذكر من كون محمد علوي داعية سوء ويعمل على نشر الضلال والبدع وأن كتبه مملوءة بالخرافات والدعوة إلى الشرك والوثنية، ورأى(/13)
أن يعمل على إصلاح حاله وتوبته من أقواله وأن يبذل له النصح ويبين له الحق واستحسن أن يحضر المذكور لدى سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ومعالي الشيخ سليمان بن عبيد الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين لمواجهته بما صدر منه من العبارات الإلحادية والصوفية وإسماعه الكتاب الوارد من مصر ومعرفة جوابه عن ذلك، وما لديه حول ما ورد في كتبه.
وقد حصل هذا الاجتماع وحضر المذكور في المجلس الأعلى للقضاء يوم الخميس الموافق 17/10/1400هـ. وأعد محضر بذلك الاجتماع تضمن إجابته بشأن تلك الكتب، وما سأله عنه المشايخ مما جاء فيها، وجاء في المحضر الذي وَقَّعَ فيه أن كتاب "الذخائر المحمدية"، وكتاب "الصلوات المأثورة" له، أما كتاب "أدعية وصلوات" فليس له وأما الرجل الصوفي الذي في مصر فقد قال إنه زاره ومئات من أمثاله في الصعيد ولكنه ليس من أتباعه ويبرأ إلى الله من طريقته وأنه لم يلق محاضرات في مصر وأنه أنكر عليه وعلى أتباعه، وقد ذكر للمشايخ أنه له وجهة نظر في بعض المسائل، أما الأمور الشركية فيقول إنه نقلها عن غيره وأنها خطأ فاته التنبيه عليه.(/14)
ولما أستمع المجلس إلى المحضر المذكور وتأكد من كون الكتابين له، وعلم اعترافه بأنه جمع فيها تلك الأمور المنكرة ناقش أمره وما يتخذ بشأنه ورأى أنه ينبغي جمع الأمور الشركية والبدعية التي في كتابه "الذخائر المحمدية"، مما قال فيها أنها خطأ فاته التنبيه عليه وتطبق على المحضر، ويكتب رجوعه عنها ويطلب منه التوقيع عليه ثم ينشر في الصحف ويذاع بصوته في الإذاعة والتلفزيون فإن استجاب لذلك، وإلا رفع لولاة الأمور لمنعه من جميع نشاطاته في المسجد الحرام ومن الإذاعة والتلفزيون وفي الصحافة كما يمنع من السفر إلى الخارج حتى لا ينشر باطله في العالم الإسلامي، ويكون سببا في فتنة الفئام من المسلمين، وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بقراءة كتابيه المذكورين اللذين أعترف أنهما له، ومن إعداده وتأليفه، وجمع الأمور الشركية والبدعية التي فيهما، وإعداد ما ينبغي أن يوجه له، ويطلب منه أن يذيعه بصوته، وبعث له عن طريق معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين بكتاب سماحة الرئيس العام رقم 788/2 وتاريخ 12/11/1400 هـ فامتنع عن تنفيذ ما رآه المجلس وكتب رسالة ضمنها رأيه ووردت إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد مشفوعة بكتاب معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين رقم 2053/19 وتاريخ 26/12/1400 هـ.
وجاء في كتاب معاليه أنه اجتمع بالمذكور مرتين وعرض عليه خطاب سماحة الشيخ عبدالعزيز وما كتبه المشائخ ولكنه أبدى تمنعا عما اقترحوه وأنه حاول إقناعه ولم يقبل وكتب إجابة عما طلب منه مضمونها التصريح بعدم الموافقة على إعلان توبته.(/15)
وفي الدورة السابعة عشرة المنعقدة في شهر رجب عام 1401هـ في مدينة الرياض نظر المجلس في الموضوع وناقش الموقف الذي أتخذه حيال ما طلب منه، ورأى أن يحاط ولاة الأمور بحاله والخطوات التي اتخذت لدفع ضرره وكف أذاه عن المسلمين، وأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بيانا يشتمل على جملة من الأمور الشركية والبدعية الموجودة في كتابه "الذخائر المحمدية " منها (ثم ضرب بعض الأمثلة، ثم قال) وقد رفع البيان إلى صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء مشفوعا بكتاب سماحة الرئيس العام رقم 1280/2 وتاريخ 28/7/1401هـ.
وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس المنعقدة في شهر شوال عام 1401هـ أعيدت مناقشة موضوعة بناء على ما بلغ المجلس من أن شره في ازدياد وأنه لا يزال ينشر بدعه وضلالاته في الداخل والخارج، فرأى أن الفساد المترتب على نشاطه كبير، حيث يتعلق بأصل عقيدة التوحيد التي بعث الله الرسل من أولهم إلى آخرهم لدعوة الناس إليها، وإقامة حياتهم على أساسها، وليست أعماله وآراؤه الباطلة في أمور فرعية اجتهادية يسوغ الاختلاف فيها، وأنه يسعى إلى عودة الوثنية في هذه البلاد وعبادة القبور، والأنبياء والتعلق على غير الله، ويطعن في دعوة التوحيد، ويعمل على نشر الشرك والخرافات والغلو في القبور، ويقرر هذه الأمور في كتبه ويدعو إليها في مجالسه، ويسافر من أجل الدعوة لها في الخارج. إلى آخر ما جاء في قرار المجلس) انتهى نقلاً من"حوار مع المالكي"للشيخ عبدالله بن منيع- حفظه الله- (ص9-18) باختصار.
وتجد في الرابط التالي صورة بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول محمد بن علوي المالكي كاملاً:
http://saaid.net/Doat/Zugail/318.htm
كما كتب عدد من أهل العلم كتباً في الرد على كثير من معتقداته الباطلة، سأذكر
ما وقفت عليه منها بعد قليل إن شاء الله.
* إصراره على الباطل!:(/16)
ولكن المشاهد مع كل أسف أن المالكي ما زال مصراً حتى الآن على تلك الأباطيل رغم نصح أهل العلم له، فقد ألف كتابه"مفاهيم يجب أن تصحح" و"شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد" كما طبع كتابه "الذخائر المحمدية" طبعة ثانية وهي تحتوي على مقدمة للمالكي وتعليقات لشخص يدعى جمال فاروق جبريل محمود الدقاق نال فيها من كبار العلماء في المملكة مع كل أسف ولم يتراجع عن شيء مما جاء في الطبعة الأولى وهذه الطبعة هي التي عندي حالياً.
ومن مؤلفاته أيضاً "شرف الأمة المحمدية" و"الإنسان الكامل" و "في رحاب البيت الحرام" و"وهو بالأفق الأعلى" و"المدح النبوي بين الغلو والإنصاف" والإنصاف عنده طبعاً أن تمدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما تشاء ولكن لا توصله إلى مقام الرب عز وجل أو أن تقول فيه أنه ابن الله فقط!! كما له رسالة بعنوان "البيان والتعريف في ذكرى المولد النبوي الشريف"ومن مؤلفاته أيضاً "تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال".
وكتبه ولله الحمد مازالت ممنوعة عندنا في السعودية ولكنه يطبعها خارج السعودية مثل الإمارات ومصر ويقوم بتوزيعها على طلابه ومحبيه سرا نسأل الله أن يريح المسلمين من شره.
* ردود أهل العلم عليه:
وقد كتب بعض أهل العلم ردوداً قوية عليه - والحمد لله - وقفت منها على ما يلي:
* أولاً: الردود عليه في موضوع الاستغاثة والشرك:
1-"هذه مفاهيمنا رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح لمحمد علوي المالكي" تأليف الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ / ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية.
وتجد هذا الكتاب في الموقع التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=144(/17)
2-"جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر" لـ سمير ابن خليل المالكي وهو أحد أقرباء محمد بن علوي المالكي لكنه من أهل السنة والحمد لله وقد طبع هذا الرد في مذكرة طبعت بالكمبيوتر وموجود عندي نسخة منها، وقد قمت بحمد لله بنقله في عدة ساحات عبر الإنترنت.
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=222
3- "كمال الأمة في صلاح عقيدتها " للشيخ أبي بكر الجزائري- حفظه الله- رد فيها على بعض ما جاء في كتاب"الذخائر المحمدية ".
4- شريط "الرد على شركيات المالكي" لسفر الحوالي وهو عبارة على تنبيه على بعض
ما جاء في كتاب محمد بن علوي المالكي "شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد".
وتجد الشريط في الموقع التالي: http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=584
5- كما أن لسفر الحوالي رسالة صغيرة تقع في أربعة عشر صفحة كتبها للشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وكبار العلماء بالمملكة وطلبة العلم جمع فيها بعض المواضع الشركية في كتاب "شفاء الفؤاد".
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=546
6- "وجاءوا يركضون.. مهلاً يا دعاة الضلالة " للشيخ أبي بكر الجزائري وهو رد على بعض دعاة الخرافة ممن كتبوا في الدفاع عن المالكي.
* ثانياً: الرد عليه في موضوع المولد:
1-"حوار مع المالكي في رد منكراته وضلالاته" للشيخ عبدالله بن منيع وتقديم الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله / ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية.
وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=1225
2-"الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي" للشيخ حمود التويجري رحمه الله / ط دار اللواء.(/18)
3-"القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله / ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، وهذا الكتاب - من وجهة نظري - هو أفضل كتاب في هذه المسألة.
وقد طبع الكتابان الأخيران بالإضافة إلى عدة كتب أخرى في مجلدين بعنوان:
"رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي" (مجموعة من العلماء) / ط دار العاصمة بالرياض ويتضمن بالإضافة إلى الكتابين السابقين:
- "المورد في عمل المولد" للعلامة الفاكهاني رحمه الله.
- "حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه" للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
- "حكم الاحتفال بالمولد النبوي" للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
- "الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف" للشيخ أبوبكر الجزائري.
- " الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع " للشيخ محمد بن سعد بن شقير.
وتجد في الرابط التالي بعض هذه الرسائل:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=1140
4- بلغني أن هناك شريطين في الرد على محمد بن علوي المالكي في موضوع المولد لسمير المالكي ولكني لم أتأكد من هذه الموضوع حتى الآن والله المستعان.
* ثالثاً: الرد عليه في موضوع التصوف بشكل عام:
1ـ "الرد على الخرافيين" (دراسة عن الصوفية) لسفر الحوالي.
وهي في الأصل خمسة أشرطة لسفر الحوالي تحمل نفس العنوان وقد نشرت في بعض المواقع.
تجد الأشرطة في الموقع التالي:
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=225
وتجد الرسالة في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=537
2- شريط"شرح العقيدة الطحاوية"(شريط رقم 265/1) (لسفر الحوالي) وهو رد على بعض ما جاء في كتاب "المختار من كلام الأخيار".
* رابعاً: كتب جاء فيها ردود على بعض معتقدات المالكي:(/19)
1- "الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية" للشيخ جيلان بن خضر العروسي- حفظه الله - حيث رد في (2/869) على المالكي في مسألة الاستغاثة.
2- "التبرك المشروع والتبرك الممنوع" للشيخ علي العلياني- حفظه الله - رد في بعض فصوله على المالكي في مسألة التبرك.
3- "المباحث العلمية بالأدلة الشرعية" للشيخ علي رضا بن عبدالله بن علي رضا
- حفظه الله - حيث رد في (ص106-107) على قول المالكي بإمكانية حضور روح الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجالس المولد النبوي.
4 - كما يوجد في العدد العشرين من مجلة "الحكمة" دراسة للشيخ عبدالغفار محمد حميدة بعنوان "المولد النبوي وما فيه من الأحاديث الواهية والبدع والخرافات" وهي دراسة نافعة تقع (من صفحة 23 إلى صفحة 131) وقد رد فيها على بعض ما جاء في كتب وأشرطة محمد بن علوي المالكي وغيره من خرافات حول المولد النبوي.
5- وللشيخ عبدالقادر حبيب الرحمن السندي رحمه الله ثلاث مقالات نشرها في مجلة الجامعة الإسلامية فيها الرد على المالكي بخصوص ثناءه على زاهد الكوثري وزيني دحلان ويوسف النبهاني وهم من أئمة الضلال!!
وتجد مقالات الشيخ السندي رحمه الله وغيرها من مقالات في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=8&book=1388
* بعض أتباعه ومؤيدوه:
ولمحمد بن علوي المالكي اتباع ومؤيدين في الدول الإسلامية مع كل أسف أذكر منهم على سبيل المثال:
1- محمد الخزرجي وزير الأوقاف الإماراتي السابق وقد قام بطبع عدة مؤلفات لمحمد بن علوي المالكي أثناء توليه الوزارة مثل "مفاهيم يجب أن تصحح" و "شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد" وقد كتب مقدمة للكتابين.
2- عيسى بن مانع الحميري من دولة الإمارات انظر كتابه "بلوغ المأمول في الاحتفاء والاحتفال بمولد الرسول" فقد أثنى في مقدمته على المالكي كثيراً !.(/20)
3- ممدوح بن سعيد بن محمود من مصر ويعيش في الإمارات حاليا حسب علمي فقد استمعت إلى ندوة سجلها لي بعض الاخوة من تلفزيون دبي وهي تدور حول الاحتفال بالمولد النبوي تحدث فيها ممدوح بن سعيد في الاستديو ومحمد بن علوي المالكي عبر الهاتف وشريط الندوة موجود عندي على شكل شريط مسجل، وقد أثنى فيها ممدوح بن سعيد على المالكي.
ولتعلم مدى ما بلغ هذا الرجل من جهل راجع مقدمة كتاب "آداب الزفاف" للعلامة الألباني رحمه الله طبعة المكتبة الإسلامية بالأردن، وكتاب "دراسات علمية في صحيح مسلم، وهو المسمى بـ كشف المعلم بأباطيل كتاب "تنبيه المسلم"" للشيخ علي الحلبي
- حفظه الله -.
4- عمر بن حفيظ في اليمن.
5- عبدالعزيز بن محمد بن الصديق الغماري من المغرب.
فقد كتب مقدمة لكتاب "إعلام النبيل بما في شرح الجزائري من التلبيس والتضليل" لراشد المريخي، والتي دافع فيه عن المالكي.
6- عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري من المغرب.
فقد كتب تقريظا لكتاب"التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار" لعبد الحي العمروي وعبدالكريم مراد.
ولتعرف حال هؤلاء الغماريين راجع كتاب "كشف المتواري من تلبيسات الغماري" للشيخ علي بن حسن الحلبي الأثري - حفظه الله -.
7- يوسف بن هاشم الرفاعي من دولة الكويت فقد كتب رداً على كتاب الشيخ عبدالله بن منيع حفظه الله "حوار مع المالكي" واسمه "الرد المحكم المنيع على شبهات ابن منيع" فضح نفسه فيه !!! ولتعرف مدى ضلال هذا الرجل راجع رسالة "البيان بالدليل لما في نصيحة الرفاعي ومقدمة البوطي من الكذب الواضح والتضليل" للشيخ صالح الفوزان- حفظه الله - وهي من منشورات دار العاصمة بالرياض.
وتجد الرسالة في الرابط التالي:
http://www.sahab.org/books/book.php...9&query=الرفاعي(/21)
وكذلك كتاب "الرد على الرفاعي والبوطي في كذبهما على أهل السنة ودعوتهما إلى البدع والضلال" للشيخ عبد المحسن العباد- حفظه الله - وهو من منشورات دار ابن الأثير بالرياض.
8- راشد المريخي من البحرين فقد ألف كتاباً بعنوان"إعلام النبيل بما في شرح الجزائري من التلبيس والتضليل" دافع فيه عن المالكي.
(9-10) عبدالكريم المغربي وعبدالحي العمراوي فقد ألفا كتاباً بعنوان "التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار".
وقد رد على الأربعة المذكورين في الأخير الشيخ أبي بكر الجزائري في كتابه "وجاءوا يركضون مهلا يا دعاة الضلالة ".
11- محمد بن حسنين مخلوف مفتي مصر سابقاً.
12- أحمد بن عمر بن هاشم مدير جامعة الأزهر حالياً!!
فقد كتبا هذين الأخيرين تزكية لكتاب محمد بن علوي المالكي"مفاهيم يجب أن تصحح" وقد نشرت في مقدمة الكتاب.
13 ـ عبيد محمد أمين كردي نزيل المدينة فقد استمعت لبعض أشرطة الموالد التي يقيمها المالكي وكان ضمن من يلقون الكلمات في تلك المجالس عبيد محمد أمين كردي.
14- الدكتور محمد عبده يماني، انظر كتابه "علموا أولادكم محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -" فقد أحال فيه إلى بعض كتب المالكي.
وقد رد الشيخ صالح الفوزان حفظه الله على بعض المخالفات الواقعة في كتاب محمد عبده يماني؛ وتجد رد الشيخ الفوزان :
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=1140
15- صالح كامل التاجر المعروف فقد سمعت من كثير من الأشخاص سواء ممن يحضرون الموالد أو هم من أهل السنة يقولون بان صالح كامل متأثر بالمالكي، كما بلغني أنه قام في إحدى السنوات ببث احتفالا أقامه محمد ابن علوي المالكي بمناسبة المولد النبوي!! عبر إحدى قنواته الفضائية التي تنشر الخرافات باسم الدين كما أنها تنشر الفساد الخلقي في نفس الوقت!!.
16- علي بن عبد الرحمن الجفري المشهور بـ "زين العابدين".(/22)
وقد وفقني الله عز وجل لكتابة مقالين في الرد على بعض ضلالات هذا الرجل، الأول بعنوان " الكشف الجلي عن شركيات الجفري علي" وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/feraq/sufyah/sh/2.htm
والثاني بعنوان" كشف النقاب عن أباطيل الجفري الكذاب" وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/feraq/sufyah/sh/3.htm
كما أنه يوجد موقع خاص للرد على هذا الضال بعنوان " شبكة المجهر" أسأل الله أن يوفق القائمين عليه لكل خير؛ ورابط الموقع هو:
http://www.almijhar.net/
* بعض أقوال العلماء في محمد بن علوي االمالكي وكتبه:
1- قال الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في مقدمته لكتاب الشيخ عبدالله بن منيع- حفظه الله -"حوار مع المالكي في رد منكراته وضلالاته "(ص5- 6):(فقد اطلعت على أمور منكرة في كتب أصدرها محمد علوي مالكي، وفي مقدمتها كتابه الذميم الذي سماه "الذخائر المحمدية" … (إلى أن قال) وقد ساءني كثيرا وقوع هذه المنكرات الشنيعة والتي بعضها كفر بواح من محمد علوي المذكور) كما وصفه في نفس المقدمة بقوله:(وبين - أي الشيخ ابن منيع - للناس ما عليه المذكور - أي المالكي - من سوء عقيدة وخبث اتجاه وبعد عن الحق والصواب) اهـ.
كما وصف المالكي في نفس المقدمة بـ (المبتدع الضال).
وإليك المقطع الصوتي التالي والذي يتحدث فيه الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله على محمد بن علوي المالكي:
http://saaid.net/Doat/Zugail/318.ram(/23)
2- قال الشيخ عبدالله بن منيع في كتابه"حوار مع المالكي"(ص8):(لقد كنت في شهري جمادى وشهر رجب من عام 1402هـ في إجازة وفي إحدى زياراتي لسماحة الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله ناولني هذه الرسالة - يقصد رسالة "حول الاحتفال بالمولد النبوي" للمالكي- وطلب مني أثناء تمتعي بالإجازة أن أرد عليها بعد أن أبدى استياءه واستنكاره وغضبه وتمعره من هذا الرجل، ومكابرته وسوء معتقده وخروجه عن ربقة الإسلام بما ينشره من شركيات وضلالات ومنكرات).
3- قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في شريط "حاطب ليل":(محمد بن علوي مالكي ، ( حاطب ليل ) صوفي زائغ لا ينبغي أن يُعتمد عليه ولا ينبغي أن يُحضر درسه ، أيوب بن أبي تميمة نهى إخوانه أن يحضروا حلقة عمرو بن عبيد ، فذلكم الزائغ الضال لا ينبغي أن تُحضر حلقته ولا أن يُكثر سواده).
كما وصفه رحمه الله بداعية الضلال حيث قال في تقديمه لكتاب "الصارم المنكي في الرد على السبكي" للإمام ابن عبدالهادي رحمه الله والذي حققه عقيل المقطري وطبع في "مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع" (ص5):(وإني أنصح من يريد أن يرد على دعاة الضلال في زماننا هذا كمحمد علوي مالكي وأشياعه أن يكون أول مرجع لهم هو "الصارم المنكي في الرد على السبكي".. الخ).(/24)
4 - قال الشيخ عبدالله بن منيع - حفظه الله - في كتابه "حوار مع المالكي" (ص7) تحت عنوان (تقديم وإعذار):(فكم يعز علينا أن نستثقل نسبة أوصاف التكريم والتقدير لرجل كان أمل الاستقامة والصلاح وسلامة المعتقد، لنشأته في بيئة ذهب عن كثير من أهلها أدران البدع ومظاهر المنكرات ؛ وتدرجه في المراحل الدراسية حتى النهائية إلا أنه مع الأسف بعد أن شب عن الطوق ووصل إلى درجة يفترض أنها بداية النضج الفكري أخذ ينحدر في فكره وعلمه ومعتقده ونوع اتجاهه إلى حال من السخافة وسوء المعتقد والدعوة إلى الذرائع الموصلة إلى الوثنية والجاهلية بما يقوله بلسانه ويكتبه بقلمه ويقرره في مجالس تعليمه وبما ينشره هذه الأيام من مؤلفات فيها الإثم وسوء المعتقد تدعو حالها إلى اعتباره في طليعة الدعاة إلى البدع والخرافات والشرك بالله في الوهيته وربوبيته.. الخ).
5- قال الشيخ أبوبكر الجزائري- حفظه الله - في كتابه"وجاءوا يركضون مهلاً يا دعاة الضلالة "(ص38):(نصب نفسه- أي محمد المالكي- داعياً إلى البدعة والضلالة).
6- قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ حفظه الله في كتابه"هذه مفاهيمنا رد على كتاب"مفاهيم يجب أن تصحح""(ص8) واصفاً كتاب"مفاهيم يجب أن تصحح":
(ولما كان هذا الكتاب يعبر فيه كاتبه عن رأيه وفيه من الشطاط عن فهم التوحيد ما فيه، ومن عدم الفهم لدعوة الشيخ - يقصد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله - ما فيه، ومن الخوض في الدفاع عن الداعين أصحاب القبور من الأنبياء والصالحين، وفي تجويز ما قال الفقهاء في باب "الردة" إنه كفر بالإجماع، ولما لكاتبه من تبع ومريدين استعنت الله في كشف ذلك،
وبيان الحق فيه، وبيان أن ما جوزه الكاتب في "مفاهيمه" من الشرك الذي بُعِثَ الرسلُ جميعاً وآخرهم محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - لقمعه.. الخ).(/25)
7- قال الشيخ شمس الدين السلفي الأفغاني- رحمه الله - في كتابه العجاب"جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية" (3/هامش صفحة 1797):(ألف محمد علوي المالكي أحد الدعاة إلى القبورية في عصرنا هذا كتابه القبوري "مفاهيم يجب أن تصحح" برهن فيه على أنه ملبس مدلس قبوري خرافي.. الخ).
* قبل الختام:
وقبل أن أنهي هذا الموضوع، أرى أنه يستحسن أن أنقل قصيدة كتبها عبيد آل رمال الشمري - جزاه الله خيراً - بعد أن اطلع على النصيحة المزعومة التي كتبها يوسف بن هاشم الرفاعي إلى علماء نجد، والتي كتب مقدمة لها البوطي والتي أشرت إليها فيما مضى.
وهي بعنوان "نظم القصيد في الدفاع عن أهل التوحيد وقمع أهل الشرك والتنديد" حيث قال فيها جزاه الله خيراً:
عناوين بزور الشهد تبدو ... بها السم الزعاف لنا يعدُّ
مزخرفة مزوقة بنصح ... عجوز جملت والخد جعدُ
وقد لبس الخؤون ثياب ودٍ ... وتحت ثيابه الخصم الألدُّ
وأبدا الذئب إشراق ابتسامٍ ... وفي فكيه أنياب وحدُّ
وإبليس الطريد يقول نصحاً ... لآدم (كل فذاك الأكل خلدُ)
وفرعون المريد يقول أخشى ... يبدل دينكم موسى ويعدو
وما أهديكم إلا رشاداً ... ووعظي فيكم نصح ورشدُ
ويأتينا قبوري مهين ... رفاعي له في الصدر حقدُ
يقول: نصيحتي علماء نجد ... نصيحة من له في القلب وُدُّ
دعوا الأوثان تعبدها البرايا ... دعوا قبر النبي فمنه مدُّ
دعوا آثار أحمد نجتبيها ... فزلفانا بأحمد تُستمدُّ
نريد الشرك عندكم ولكن ... يلاقينا بكم عن ذاك سدُّ
لعمري سدكم سد منيع ... يواجهنا قبيل السد جندُ
دياركم ديار مقفرات ... من الإشراك والتنديد جردُ
فآثار الكرام محقتموها ... وما من مشهد إلا يُهَدُّ
فلا بئر ولا بيت ودار ... ولا قبر يحج له ولحدُ
فأي عقيدة تدعو لهذا ... وأي شريعة في ذاك تبدو ؟!!
تتبعنا، بحثنا، بل نبشنا ... شريعة أحمد فلها المَرَدُّ !
فلم نر قط فيها من دليل ... يؤيد فعلكم أو ما يشدُّ(/26)
مغامرة، مؤامرة، وكيد ... وظلم منكم يعلوه حِقدُ
ألا يا أمة جارت علينا ... وتقطع للطريق وتَسْتَبِدُّ
تكلمنا لأنا قد أمتنا ... غطارفة على التوحيد رَصدُ
فما بكم (ابن سحمان) المثنى ... ولا(عبداللطيف) بكم (وسعدُ)
وليس (حمود) فيكم (وابن باز) ... (وألبانيكم) ما عاد يبدو
أجيبكم أيا عمرو الخزاعي ... وأعجلك الجواب فذاك نقدُ
أصوغ قصيدة عصماء جاءت ... كصعق البرق يتلو الصعق رعدُ
تزلزل عرشكم وتهد صرحاً ... لكم فيغيظ صوفي عُرُدُّ
عليك دوائر السوء استدارت ... وساء لكم بذاك الشرك وِرْدُ
تحاول جاهداً إحياء دين ... له الرسل الكرام أتت تقدُّ
وتدعو للتنكب عن هدانا ... لكي يحيا (يعوق) بنا (وَوَدُّ)
إذا شئت الجحيم فذا سبيل ... مضى فيه من الكفار حشد
فتلك (ثمود) تسبقكم و (عاد) ... إلى ما كان أخزى فاستعدوا
رأيت عبادة الأوثان تحلو ... لكل مذبذب بالزيغ يعدو
فتألفها قلوب كافرات ... تملكها بذل الشرك قيدُ
وجوه خاشعات عاملات ... يُرى من كدها نسك وزهد
جهنم دارها تصلى وتُسقى ... حميماً لا يطاق ولا يُرَدُّ
لهم فيها خلود لا فناء ... وليس لهم بذاك الخلدِ حَدُّ
مجدد ملة الأوثان فيها ... يجر بحرها قصباً تُمَدُّ
هو ابن لحي الفتان قدماً ... نعم ولأنت للفتان عَضدُ
ورثت الشرك عن سادات كفر ... فبئس الإرث شرك يُسْتَجَدُّ
بعيد عن ضحى التوحيد ساعٍ ... بليل الكفر إذ عيناك رُمْدُ
ولغتم في بلاد الله حتى شكى ... من رجسكم"هند" و"سندُ"
و"شام"و" العراق"و"مصر"تشكو ... بل " الحرمان " يشكو ما يُنَدُّ
إذا الصوفي حل بأرض قوم ... فما للقوم إلا أن يشدُّوا
لأن روائح الصوفي تؤذي ... وهل بمعاطن الخنزير وَرْدُ
أيا ثور الكويت ملكت قرناً ... كسيراً لا يسن ولا يحدُّ
تجابه فيه أهل الحق طُرّاً ... فهل ينهد من قرنيك طودُ
أأعلفك الردى "البوطي" حتى ... سكرت بسكرة فغشاك مَيدُ
رماه الله ثم رماك أخرى ... بثالثة الأثافي ذو تقدُّ(/27)
فما "البوطي" ذا علم شريف ... ولا يرجى به القول الأَسدُّ
ضرير للضرير مضى دليلاً ... فهل للعمي بعد التيه عودُ
مقدمة تزيدك كيل غي ... وقبضة سامري منك تبدو
أعباد القبور أذاك حق ... لربي أن يساوى فيه ندُّ
أذاك الحق أن يُدعى ضعيف ... ويعرض عن كريم لا يَرُدُّ
قريب قادر رب رحيم ... غني واحد أحد وفردُ
أفاض على العباد من العطايا ... وفضل الله لا يحصيه عدُّ
فلا حق الإله عرفتموه ... وليس لكم عن الكفران بدُّ
رغبتم عن عبادته فزغتم ... وساوركم من الكفران إدُّ
أقول نعم..! لنا سد منيع ... هو التوحيد ذا الأمر الأشدُّ
لنا نور ونبراس مضيء ... لنا عز ومفخرة ومجدُ
به قامت سماوات وأرض ... به انقسم الأنام شقاً وسعدُ
ورايات الجهاد به تسامت ... وللرايات غايات وقصدُ
أجيبوني لماذا الرسل جائت ... وفي أي الخصومات اسْتُبِدُّوا
وما لرسولنا يدعو فيَؤُذى ... ويلفيه من الأقوام طرد
أكانوا منكرين فعال ربي ... وهل للرَّزق والإنعام جُحْدُ
فلا والله بل كل مُقِرُّ ... ولكن في ألوهته يَنِدُّوا
وأنتم بالألوهة قد كفرتم ... وكل منكموا بالشرك يحدو
خسرتم في تنسككم فأنتم ... كذات الغزل تنقض ما تَشدُّ
فمن شاء الإله هداه رُشداً ... ومن أشقاه ما عقباه حَمْدُ
فتباً للألي حادوا فزاغوا ... عن النور المبين وعنه صُدُّوا
وتباً للعداة دعاة شرك ... لهم في جملة البلدان جِدُّ
فلن يروى غليل القوم حتى ... تُرى الأكوان بالإشراك تبدو
أما يكفيهمو من ذاك شرك ... بمقبرة البقيع نراه يغدو
أما في المسجد النبوي صوت ... بتلك البردة الرعناء يشدو
أما للمصطفى نرنوا دعاء ... ونحو ضريحه الأيدي تُمَدُّ
أما في مكة للشرك رأسٌ ... وطاغوت على الإسلام ضدُّ
هو العلوي لا أعلاه ربي ... بل الزنديق من بالشرك جَلْدُ
وذا قارون كامل (واليماني) ... فللأقوام في الإعلام جُهدُ
أليس لهم مع (التبليغ) فرع ... وفي (الإخوان) تأسيس مُعَدُّ(/28)
أيا صوفية رميت بشهب ... ثواقب من شريعتنا تَهُدُّ
ألا موتي بغيظك إن فينا ... غطارفة على التوحيد رَصدُ
أجبتكموا أيا عمرو الخزاعي ... وخذ مني القصيد فذاك نَقدُ
ترقب في غدٍ سترى علانا ... وإن تنعر بأنفك يا عُرُدُّ
بل ارقب يا عدو الله سيفاً ... قريباً لا يرق فذاك وعدُ
الخاتمة
وفي الختام أرجو أن أكون قد أفدتكم بشيء حول هذا الرجل الضال المضل الذي أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يريح المسلمين من شره و شر أمثاله.
وصلى الله وسلم على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتبه: أبو معاذ السلفي
تنبيه/ تم مراجعة الرسالة في عدة مجالس كان آخرها في يوم الجمعة 15 رمضان سنة 1425هـ وبلغني أن محمد بن علوي المالكي قد هلك في نفس هذا اليوم فالحمد لله على ذلك.(/29)
الحبيب الجفري .. صوفية بنكهة العصر!!
أنور قاسم الخضري*
"الحبيب".. هكذا يطلقون عليه، أو يحب أن يطلق عليه الآخرون!!
ينتسب لـ"آل البيت" ولد وعاش صباه في "المملكة العربية السعودية" لكنه يحمل الجنسية "اليمنية"!! أخذ شهرته من أضواء "القنوات الفضائية" التي فتحت له أبوابها باعتباره من دعاة الوسطية والاعتدال..!!
زار العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، حيث يلقي العديد من المحاضرات والدروس ويشارك في الندوات والمؤتمرات!! ورغم أنه اشتهر في مصر.. لكن حكومتها "اعتبرته شخصاً غير مرغوب فيه" على أراضيها!! وطلبت منه المغادرة.. الأمر الذي نال اهتمامات الصحف والمجلات وشغل الحوارات واللقاءات الصحفية والمتلفزة!!
يتهمه خصومه بأنه قبوري متستر وصوفي لبق، وأنه يمارس "التقية" في إظهار انحرافاته الصوفية أمام الجمهور العام!! وهو بدوره ينتقد "السلوكيات الخاطئة" للصوفية.. كما يقول!!
فمن هو "الحبيب" علي الجفري؟! ولماذا كل هذه الضجة الإعلامية حوله؟! وما حقيقة ما يدعو إليه؟! ومن يحاول صناعة شهرته؟! ومن الكاسب من ورائها؟!
في هذا التقرير نجيب عن جانب من هذه الأسئلة، بعيداً عن الاتهام والتشويه والتشهير!! وباذلين الوسع في إبراز شخصية مثيرة للرأي العام، دون الخوض في التفاصيل الدقيقة أو المواضيع الجانبية.
* من هو علي الجفري؟(/2)
والده هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجفري، رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، ساند الحزب الاشتراكي اليمني في محاولة الانفصال التي أشعلت حرب 1994م، وعين نائباً لرئيس حكومة الانفصال علي سالم البيض، فر مع أسرته خارج البلاد، وكان من المطلوبين (قائمة الـ16) للحكومة اليمنية، ومحكوم عليه في القضية الجنائية الجسيمة رقم 5 لسنة 1997م مع بقية أعضاء القائمة، وكانت الأحكام تشمل الإعدام والسجن لفترات ما بين (2-10) سنوات.
ولد "الحبيب" على الجفري في جدة بالمملكة العربية السعودية، في عام 1391هـ -1971م ونشأ في الحجاز حيث كانت تقيم أسرته الفارة من بطش الحزب الاشتراكي اليمني.
تتلمذ الجفري –حسب ما ذكر- على يد عدد من دعاة الصوفية في أرض الحجاز، منهم: عبد القادر أحمد السقاف وأحمد المشهور بن طه الحداد –الذي يدعي الجفري أنه أسلم على يديه 300ألف نسمة(!!)- وأبو بكر العطاس بن عبد الله الحبشي(!!) وكرامة سهيل، وهم جميعاً من أبناء حضرموت النازحين إلى أرض الحجاز نتيجة البطش الذي مارسه الحزب الاشتراكي ضد العلماء والدعاة والأئمة عموماً في جنوب اليمن –سابقاً.
كما تتلمذ على يد أبي بكر المشهور ومحمد علوي مالكي، واتصل بمحمد بن عبد الله الهدار (مفتي البيضاء)، وبإبراهيم بن عقيل بين يحيى (مفتي تعز) وعمر بن محمد سالم بن حفيظ، عميد دار المصطفى بتريم.
ويدرس "الحبيب" الجفري –حالياً- بدار المصطفى بتريم، وهي من الأربطة الصوفية التي يتلقى فيها "المريدون" علم التصوف، ويفد إليها مئات الطلاب من داخل اليمن وخارجه كل عام، ورغم عدم خضوع هذه الدار لمناهج التربية والتعليم إلا أنها تحظى برعاية واهتمام رسمي ولا تزال تعمل رغم إغلاق عشرات المعاهد العلمية لحركة "الإخوان المسلمون" والمعترف بها رسمياً في السابق!!(/3)
"الحبيب" الجفري متزوج وأب لاثنين من الأبناء وثلاثة بنات، وله أخ وأخت من أبويه، وبحسب قوله، ينتمي الجفري لأسرة لها اعتناؤها بالدين والاستقامة، وكان بعض أقاربه من أهل العلم والدعوة، لكنها –كما يقول- "اشتغلت مؤخراً بالسياسة"!! وهو ما ينفيه عن نفسه حيث يقول: "لا أنتمي إلى حزب سياسي، وإن شاء الله لن أنتمي إلى حزب سياسي" لكنه –كما يرى- لا يحرم الدخول في هذه الأحزاب!!.
ويصف "الحبيب" الجفري مذهبه فيقول بأنه "سني، وعلى المعتقد (الأشعري) والمذهب (الشافعي)، محب للتصوف في مسلكي"!!
وأما كونه "الحبيب" فهو –على حد زعمه- لفظ اصطلح عليه في حضرموت ينادي به المشتغلون بالعلم والدعوة من "آل البيت".
* الجفري والنموذج العصري لدعاة الصوفية!
تستضيف القنوات الفضائية الحبيب علي الجفري في أكثر من برنامج، تارة محاضراً، وتارة أخرى محاوراً، وكانت بداياته في الظهور على قناة "المحور" المصرية، ومن خلال دروسه التي كان يلقيها في جوامع القاهرة، تميز الجفري (الداعية الشاب) بوسامة شكله وحسن هندامه الذي لا يتكلف فيه، ولين قوله والتبسم الذي لا يفارق وجهه، وهو يحاول الظهور بصفته داعية إسلامياً عصرياً ووسطياً ومعتدلاً!! من خلال لغة خطابه وأرائه التي يطرحها ونقده للمذاهب والتيارات التي يصفها بالتطرف والتشدد!!.
ومن خلال متابعة حواراته الصحفية والفضائية تستشف حرص الجفري على عدم اتخاذ مواقف واضحة إزاء العديد من القضايا وبعده عن مواطن النقد لدول أو أحزاب أو شخصيات.. إما بإجاباته الدبلوماسية أو اعتذاره عن الإجابة أصلاً!! وهو ما حدا بمخالفيه إلى اتهامه بممارسة "التقية" الشيعية في أ قواله والتضليل في إجاباته..(/4)
إن كلامه الرقيق ومواعظه الصوفية وهدوئه في الإلقاء –إضافة إلى صفاته التي أسلفنا- وبعده عن تناول القضايا الشائكة جعل منه شخصية محبوبة في الأوساط الاجتماعية ولدى المثقفين. وكما هو ديدن الصوفية.. فإن انتماء الجفري إلى "آل البيت" وجمعه بين الصوفية والعصرنة، وضع عليه هالة من "التضخيم" و"التعظيم"، وتحركاته بين القارات الأربع: آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا محاولة في صنع هذه الهالة وتوظيفها لصالح "التصوف" الذي يحظى برعاية الأنظمة العربية والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث 11سبتمبر.
وزيارة الجفري لدول منغلقة (أمنياً) على الدعاة وتحركه بعد أحداث 11سبتمبر بحرية دليل على مدى قابلية الأنظمة والمجتمع الدولي لخطاب هذا التيار.
وإذا كان الجفري قد زار خلال فترة ظهوره القصيرة بلداناً كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيرلندا وهولندا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، وآسيوياً: إندونيسيا وعمان والإمارات وقطر والبحرين والأردن وسوريا ولبنان وسريلانكا، وإفريقيا: كينيا وتنزانيا وجزر القمر..
واستضيف في عدد من القنوات الرسمية وغير الرسمية.. كان آخرها قناة "العربية" وله موقع خاص به على شبكة الإنترنت العالمية.
فهي مؤشرات على مدى نشاط الحركة الصوفية ودعاتها الذين يمثلون وجهها العصراني في عالمنا العربي!!
* "الحبيب" الجفري والصنعة الإعلامية:
الصنعة الإعلامية صنعة تجري وراء الإثارة والأحداث لأنها "مقبلات" بضاعتها التي تروجها للناس، وقد وجدت الصحف والمجلات والفضائيات في حادثة إخراج الداعية علي الجفري من مصر منذ ثلاث سنوات (تقريباً) جانباً من الإثارة!! لأنها أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر.(/5)
والقصة تدور حول طلب تقدمت به السلطات الأمنية المصرية إلى الجفري يدعوه إلى مغادرة مصر (عام 2001م)، وقد ترددت الشائعات في حينها حول ضغوط أمريكية على مصر لإخراج الدعاة الجدد الذين أثروا على الأوساط النخبوية في مصر: أمثال عمرو خالد وعلي الجفري!! وذهب آخرون إلى أن السبب وراء إخراج الجفري هو تأثير هؤلاء الدعاة على عدد من الفنانات اللاتي ارتدين الحجاب (والمقصود به تغطية الجسد والشعر مع كشف الوجه واليدين وبقاء الزينة في اللبس إلى حد ما!!) وهو ما أزعج بدوره الأوساط الفنية ومؤسسات الإنتاج والمستثمرين في هذا المجال.. وبدورهم دفعوا باتجاه إخراج هؤلاء الدعاة.
ويذهب البعض إلى القول بأن وراء إخراج الجفري عدد من دعاة الأزهر وعلماء مصر (السنة) الذين يعارضون المذهب الصوفي الذي يروج له.. وهو قول بعيد!!.
وأياً كان السبب وراء إخراجه، فقد كانت الحادثة عاملاً في إبراز "الحبيب" الجفري على الساحة وتسليط الأضواء عليه وعلى أفكاره وشخصيته وتحركاته..
ويربط المراقبون بين ظهور علي الجفري وبين الإسلام الذي ترغب الأنظمة العربية والإسلامية تقديمه وتبنيه عقب أحداث 11سبتمبر التي جعلت التوجه السلفي الجهادي هو التعريف المصاحب لمصطلح "الإرهاب" ومدللين على تفسيرهم هذا بالتقريب الذي تحظى به الصوفية (بعد أحداث 11سبتمبر) لدى الحكومات العربية عبر وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية أو التربية والتعليم أو الإعلام!!.
"الصوفية" هي الأخرى، ونتيجة لهذا التقارب بينها وبين الأنظمة.. بل والغرب أحياناً، حظيت باهتمام برامج الفضائيات، وكان بعض هذه البرامج ناقداً وفاضحاً لواقع هذه الحركات الهدامة..!!
وبدأ التناول من برنامج "قبل أن تحاسبوا" على قناة "اقرأ" الفضائية، ثم تجرأت قناة "الجزيرة" لتطرح الموضوع عبر برنامج "سري للغاية" وتبعتها قناة "العربية" مؤخراً وإن كانت أقلهن نقداً!!.(/6)
وسرعان ما كفَّرت قناة "اقرأ" كما يبدو عن خطئها باستضافة "محمد علوي مالكي" في دروس ثابته على القناة و"علي الجفري" من خلال حلقات حوارية!! وكذلك فعلت "الجزيرة" باستضافته في إحدى حلقات برنامج "الشريعة والحياة" في 29ديسمبر 2002م، أما "العربية"، وهي المنافس والبديل المرغوب عربياً عن "الجزيرة" فقد استضافت "الحبيب" الجفري في برنامج "إضاءات" في 1ديسمبر 2004م.
"الإنترنت" والوجه الآخر للجفري:
أشرنا إلى أن للحبيب علي الجفري موقع على شبكة الإنترنت، وهو يحتوي على عدة روابط تضم الدروس والحوارات والزيارات والمحاضرات التي يقوم بها الجفري، غير أن الأمر لا يقتصر على موقعه.. فهناك موقع مماثل متخصص في تتبع ما يصفه القائمون على الموقع بأخطاء ومخالفات الداعية علي الجفري، وهو باسم "المجهر" (www.almijhar.net ).
يضم موقع "المجهر" عدة روابط تتحدث عن أخطاء الجفري العقائدية والحديثية والفقهية، وهي تشتمل على مقاطع صوتية أو مرئية تثبت حقيقة هذه الأخطاء والمخالفات على الجفري، وهي كما يقول القائمون على الموقع توضح الوجه الخفي لصوفية"الحبيب" الجفري وضعفه وتدليسه في نقل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعلماء الأمة.
وقد امتلأت صفحات المنتديات بالكثير من الردود والانتقادات الموجهة إلى "الحبيب" الجفري، وكذلك الصور والمقاطع التي تظهر الجفري في حالة "الدروشة" التي ينكرها في العلن ويمارسها في السر.
وعلى رغم مطالبة منتقدية –الذين لا تفسح لهم الصحف والمجلات والفضائيات المجال!!- بمناظرته عبر غرف الدردشة والبالتوك حول أرائه التي يطرحها حول القبور والأولياء والاستغاثة بالأموات وكرامات المشيخات الصوفية.. إلا أن الجفري يتهرب منها، محاولاً عدم الدخول في نقاش مع العلماء وطلبة العلم الذين يصفهم بالمتشددين!!(/7)
ورفضه هذا اضطر المنتقدين له بإصدار (C.D) خاص عن ما يعتبرونه طعناً في الجفري كداعية يحدث الناس بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف ومذاهب العلماء، وهو مزود بالصوتيات والصور والمراجع، وقد حاول تركي الدخيل عرض مقاطع منه في برنامج "إضاءات" على قناة "العربية" لولا حالة الذعر التي أصابت "الحبيب" الجفري عند استئذانه في عرضها!!
* الجفري صوفياً:
يفتخر "الحبيب" الجفري بأنه صوفي، وهو يكرر ذلك في لقاءاته وحواراته: "لا أجد حرجاً بأن أقول أن المدرسة التي تعلمت فيها هي مدرسة تصوف"!! لكنه لا يدعي بأنه قد أصبح "صوفياً" لأنها وبحسب تعبيره "مرتبة كبيرة" لم يصل إليها بزعمه!!
وتتجلى صوفية "الحبيب" في قائمة أساتذته الذين تلقى على أيديهم "التصوف" كما يقول ومن هذه القائمة ننتقي شخصية محمد علوي مالكي الذي ولد في مكة المكرمة عام 1367هـ (توفي في رمضان الماضي1425هـ)، وهو من أصل مغربي درس ونشأ في الحجاز، ونال الماجستير والدكتوراه من كلية أصول الدين بالأزهر، وكان يُدرِّس في الحرم المكي قبل أن يعلن أفكاره وعقائده القبورية!!
ألف محمد علوي مالكي عدة كتب دعا فيها إلى تعظيم القبور والتوسل بالأموات والاستغاثة بالأولياء (كما هي عادة القبوريين من الصوفية!!) منها كتاب "الذخائر" و"شفاء الفؤاد" و"مفاهيم يجب أن تصحح".. وغيرها. ورد عليه عدد كبير من علماء الحجاز ونجد، في مقدمتهم الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز –رحمه الله- والشيخ عبد الله بن منيع، والشيخ حمود التويجري، والشيخ أبو بكر الجزائري –رحمه الله- والدكتور علي العلياني والدكتور سفر الحوالي.(/8)
وقد اعتبر عدد من هؤلاء العلماء محمد علوي مالكي من دعاة الكفر والشرك والضلالة والبدع، مبينين ذلك من خلال مؤلفاته التي نشرها وتداولها مريدوه داخل وخارج أرض الحرمين، ومن بين تلك الكتب التي ردت على أفكارخ ومعتقداته القبورية (جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر) لسمير بن خليل المالكي، و(هذه مفاهيمنا) لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ، و(جاءوا يركضون) للشيخ أبو بكر الجزائري.
والجفري مع تتلمذه على علماء التصوف ينتمي للاتجاه الصوفي في اليمن، والذي تمثل دار المصطفى بتريم منبعاً له، وليس ببعيد عنهم قبر النبي هود (المزعوم) وما يجري عنده من الطقوس القبورية سنوياً!!
ويرى الجفري أن "التصوف بمعناه الشامل الذي يعني الحركة والفكر والذوق والهمة والمقصد أساس حل مشاكل الأمة" ويشرح التصوف قائلاً: "هو علم من علوم الشريعة الإسلامية، له تأصيله، وألفت كتب باسمه من القرن الثاني الهجري"!! وبحسب زعمه فإن التصوف، "العلم الذي يُعنى بصلاح القلوب"!! أما ما يسميه "البعض تصوفاً من تصرفات وأوضاع خاطئة من بعض الجهلة" على حسب قوله –دون أن يوضح ماهية هذه التصرفات والأوضاع الخاطئة- فهو يبرأ إلى الله منها!!.
لكن من غير المعلوم، إذا كان الجفري صادقاً في تبرئه منها، وهو الذي يحرص على حضور الموالد المقامة في أكثر من بلد إسلامي "ويزور قبر السيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الحسين رضي الله عنهم" بمصر، كما جاء عنه في مجلة الأهرام العربي المصرية!!.(/9)
وينتقد "الحبيب" في حوار مع صحيفة (26سبتمبر) اليمنية موقف الحكومة المصرية من طرده مؤكداً بأنه: "ستظهر لهم حاجة العالم الإسلامي –اليوم- وحاجة الأنظمة الإسلامية إلى أن تتعامل مع التوجه المعتدل"!! ويقصد به التوجه الصوفي الذي بفضله استطاع زيارة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11سبتمبر، ليحاضر في تسع ولايات أمريكية، ملقياً محاضرات مختلفة (بعضها عن الجهاد!!) في عدد من الجامعات الأمريكية!! (حسب حواره مع صحيفة الثورة اليمنية).
ختاماً:
هذه بعض ملامح شخصية الداعية الصوفي علي الجفري بحسب ما ورد في لقاءاته الصحفية والمتلفزة (والمتوفرة على موقعه الخاص) وبحسب حديث خصومه عنه.. لعلها تكون كافية في إلقاء الضوء على الجفري (الإبن)!!.
-------------
(*) مدير مركز دراسات الجزيرة العربية، ورئيس تحرير جريدة الرشد اليمنية.
المرجع:
موقع آل البيت
http://www.alalbayt.com/index.php?o...=1267&Itemid=20
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/10)
الحجاز والتسامح الديني في الرد على دعوة مي يماني لإرجاع التصوف للحجاز
د. الشريف حاتم بن عارف العوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فتعليقاً على ما نُشِر في موقع قناة الجزيرة في الإنترنت،يوم الخميس25/7/1425هـ، من عرضها لكتاب بعنوان:(مهد الإسلام: الحجاز، والسعي نحو هويَّة عربيَّة)، لمؤلفته: مي يماني، والمنشور في لندن.
وانطلاقاً من خلفيات الطرح الذي بُني الكتابُ عليه، حسب العرض المنشور عنه، وهو طرح له وجود ولا شك، ويقف وراءه ويتبناه أفراد وجماعات، ودُعم مؤخراً بقوة من جهات متعددة = أحببت أن أشارك في مناقشة هذا الموضوع، لا لكوني مسلماً ويهمني شأن مهد الإسلام (الحجاز) فقط، ولا لكوني من السعودية على وجه الخصوص؛ بل الأمر يخُصُّني أكثر؛ لكوني حجازياً، من أعرق أسرة في الحجاز، وهم الأشراف، ومن الأسرة الحاكمة في الحجاز سابقاً، وهم آل عون، والذين منهم حكام الأردن حالياً.
نعم.. فحديثي عن الحجاز لا يمكن أن يُدَّعى أنه كلام دخيل عليها، وحديثي عن تاريخها لا يمكن أن يُزعم أنه كلام معادٍ لتاريخها السياسي أو العقائدي؛ لأني كما ذكرت من الحجاز في ذروة السنام.. ولا فخر.
أهوى الحجازَ وطَلْحَه وسَيَالَه *** وأراكَه وبَشَامَه وعَضَاه
فسقى الإله سهوله وحُزُونَه *** ومروجَه ووهَادَه ورُبَاه
غيثاً يطبِّق بالفلاة فيستوي *** بالروض منظرُ أرضِه وسماه(/2)
كما أني في تعليقي على الكتاب المشار إليه، حسب العرض الذي نُشر عنه، لا أقصد التعليق على كل النقاط التي تناولها ذلك العرض، ولا أريد أيضاً أن يُفهم عني أني أخالف كل ما تضمنه ذلك العرض.
فقد تضمن ذلك العرض حقائق ليس لأحد أن يخالف فيها، من مثل أن الحجاز متميز عن بقية مناطق المملكة. بل إني أقول: إنه متميز عن بقية مناطق الدنيا؛ لاحتضانه الحرمين الشريفين، ولكونه مهد الإسلام، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين، ومحجتهم من كل بقاع الأرض.
كما أني أوكد على صحة ما جاء في ذلك العرض، من أن أبناء الحجاز عموماً (قبائل وقاطنين) يتميزون باندماجهم القائم على سماحة الإسلام وبُعده عن العنصرية، وأنهم أكثر أبناء المناطق السعودية قبولاً للغريب عن منطقتهم، إلى غير ذلك من المميزات، التي أكسبتهم إياها المكانة الدينية والجغرافية للحجاز، والتي أثَّرت في أبنائها على مر القرون، والتي لم تكن وليدة عصر النفط في المملكة.
لكني أود التعليق على موضوع جاء في ذلك العرض، كثيراً ما يُطرح بنوع من المغالطة من جهة، وبمخالفة حقائق التاريخ الماضي وحقائق الحاضر والواقع الذي نعيشه من جهة أخرى.
ويتركز التعليق على قول صاحب العرض عن صاحبة الكتاب:
إن المشروع السعودي التوحيدي القادم من نجد لم ينازع الحجاز الزعامة السياسية فحسب، بل نازعها أيضاً، وبصورة أكثر أهمية، حصرية التمثيل الديني، ونوعية التعامل مع الدين نفسه، مهمشاً التنوع الحجازي المذهبي المتسامح، وأنه أبرز عوضاً عن هذا التنوع المتسامح التطرُّفَ الوهابي في الدين والتفسير له، وأن ذلك أدى إلى اضمحلال سلطة الحجاز وصعود سلطة نجد.(/3)
بهذا الأسلوب عرضت الكاتبة لإحدى أهم موضوعات كتابها، حسب عرضه المنشور عنه، وهو عرض لا شك أنه يساعد على تأجيج نار الإقليمية والعنصرية، المؤدية إلى إثارة الفتن، وإلى المطالبة بتفكيك هذه الوحدة التي تنعم بها المنطقة، والتي هي (أعني الوحدة) مما تتفق عليها جميع التيارات الإسلامية والمشاريع الدينية بل والقومية الصادقة مع مبادئ القومية: على المطالبة لا بالحفاظ عليها كإنجاز وقد تم فقط، بل على توسيع دائرتها، ليشمل العالم الإسلامي كله.
ثم إن الكاتبة أرادت أن تضع حلاً لإعادة الهوية الحجازية، فكان الحل -حسب العرض- هو الاعتراف بالتنوع الديني والاجتماعي والثقافي.
ولكي يكون نقاشي لهذا الحل علمياً موضوعياً، وعميقاً بعيداً عن السطحية الصحفية التي تعودنا في العالم الثالث أن نعالج بها الأمور، أود أن أفهم المقصود من ذلك الحل، أو بصورة أوضح: ما هو التنوع الديني الذي تطالب الكاتبة به؟ وتعدّه الحل الأمثل لمنطقة الحجاز؟ وما هي صورة هذا التنوع؟ ومتى سيصل هذا التنوع الحد المرضي عندها؟
أعترف أني لا أعرف ما هي أجوبة الكاتبة عن هذه الأسئلة؛ لأني لم أقرأ إلا عرضه المنشور عنه.
لكني أسمع وأقرأ دوماً مثل هذا الطرح، دون أن تكون لدى أصحابه أجوبة صريحة ومنطقية لتلك الأسئلة، في أكثر الأحيان.
فهل المقصود بالتنوع الديني المطالب به هو التنوع المذهبي الفقهي؟ كالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي؟
إن كان هذا هو التنوع المطلوب، فهو موجود دون أي قمع أو محاربة له في المملكة، قديماً وحديثاً. بل إن التيار السلفي الذي تتبناه المملكة والسلطة الدينية فيها هو أبعد التيارات عن التعصب لمذهب فقهي معين؛ لأنه يقوم على ترجيح ما دلت نصوص الكتاب والسنة عليه من أقوال فقهاء المسلمين من المذاهب الأربعة جميعها.(/4)
وأما إن كان المقصود بالتنوع التنوع العقائدي، كالسلفية والصوفية والتشيع وغيرها، فهذا في حقيقته وواقعه ليس مجرد تنوع، بل الوصف الواقعي له أنه اختلاف، يصل في بعض نواحيه إلى اختلاف في أصول المعتقد.
أقول ذلك لا لغرض إقصاء الآخر أو إلغائه، ولا بسبب عدم قبول مبدأ التسامح مع المخالف؛ ولكني أقوله لأني صادق مع مبدأ التسامح، ولأني أريد حلاً صحيحاً لهذا الاختلاف، ولن يكون الحل صحيحاً إذا صورنا ذلك الاختلاف أنه مجرد تنوع، أو أنه أطياف جميلة لقوس قزح. وإن كان هذا قد يخدع البسطاء، وإن كان قادراً على تخدير المشاعر في لحظة من اللحظات، وإن كان نافعاً لواجهة صحفية إعلامية في العالم الثالث. لكن أن يكون هذا التصوير المخالف للواقع حلاً، فلا؛ لأنه ولسبب هيِّن: يخالف الواقع، وسيصطدم به حال نزوله إلى أرض الواقع.
ولكي أثبت أن هذا التنوع اختلاف وليس مجرد تنوع، لن أدخل في تفاصيل المسائل المختلف فيها، فهي معلومة عند كل مثقف عربي ومسلم؛ فضلاً عن العلماء والمتخصصين في العقائد، لكني أثبت ذلك بالواقع:
أما رأي السلفية في الصوفية والشيعة، وتعاملهم معهم، فالكاتبة ومن على رأيها، يصفونها بالتطرف والإلغاء للآخر؛ فلن أثبت هذا الواقع الذي يرونه هم واقعاً.
وأما موقف الصوفية من غيرهم، فكتبهم ومقالاتهم في ذلك معروفة، من اتهام السلفية ببغض النبي –صلى الله عليه وسلم-، وانتهاك حرمة الصالحين، بل إنهم دسيسة على الإسلام والمسلمين، إلى درجة التكفير الصريح، وما يستتبعه ذلك من استباحة الدماء والأعراض. وها هي السلفية محاربة في كثير من بقاع العالم الإسلامي، من قبل الصوفية والشيعة، ولا دعوة فيهم إلى المطالبة بالتنوع الديني.(/5)
وأما موقف الشيعة من بقية المسلمين (سلفية وصوفية) فمعروف لا في بطون الكتب فقط، ولا على منابر الخطب فقط، ولا في الدروس اليومية فقط؛ بل في واقع تعاملهم معهم في عدد من بلاد العالم الإسلامي، التي يكون لهم فيها سلطة. فأين التنوع الديني عند هؤلاء؟
فلا داعي بعد ذلك كله أن نغالط أنفسنا، لنصف هذا الاختلاف بالتنوع.
ولا داعي لأن ندعي وبكل سذاجة أن مجرد وصف هذا الاختلاف بالتنوع، أن الواقع سيتغير، وأن الأمور ستنقلب رأساً على عقب، فيصبح الاختلاف ائتلافاً والافتراق اتفاقاً.
بل الاعتراف بالواقع، وبأن هذا التنوع هو في حقيقته اختلاف مبادئ وعقائد، وأن كل أصحاب معتقد يعدون مخالفيهم مخطئين، ويعدون أنفسهم أهل الحق = هذا الاعتراف هو أول طريق للحل الصحيح.
وهذا الاعتراف هو أول ناقض لذلك الحل الذي جاءت به الكاتبة؛ لأنه يناقض ذلك التصوير الخيالي لواقع الاختلاف الذي طرحته، وهو الدعوة إلى التنوع الديني.
وأنا أعلم أني بمجرد أن أطالب بالواقعية، سيحاول بعض أصحاب الأغراض الخفية، أن يصفوا هذا الطرح بأنه إقصائي، أو طائفي، وغير ذلك من التهم الجاهزة، لكل من يحاول إفساد مخططاتهم الخفية، القائمة على إقصائهم هم للآخرين، وعلى الطائفية التي ينتظرون معها ساعة تصفية الحسابات صباح مساء.
وبناء على ما سبق، يكون هناك اختلاف بين تلك التيارات: السلفية، والصوفية، والشيعية، وهذا الاختلاف لا يمكن أن يصبح بمجرد الدعوة إلى التعدّديّة ائتلافاً، بل سيبقى اختلافاً حتى مع حصول التعدّديّة.
وعليه.. فالحل للإشكال في هذا الواقع يجب أن ينطلق منطلقاً واضحاً، ليس مبنياً على إلغاء الآخر، بل على تحديد معالم استيعاب المخالف واحتوائه، وعلى معرفة القدر الذي يكون فيه الاختلاف طبيعياً، وحدود خروجه عن القدر الطبيعي إلى العدوان من أحد المختلفَين على الآخر.(/6)
أقول: ما هو القدر؟ حيث إن المطالبة بالتعدّديّة والدعوة إلى التسامح الديني والمذهبي لا يمكن أن يكون بلا حدود ولا ضوابط يقتضيها الشرع والعقل. وهذا مما يتفق عليه العقلاء، ولا تخالف فيه الأنظمة التي تعد نفسها دول الحرية والتسامح.
إذن فالمطالبة بقدر تلك التعدّديّة، وما هو المقصود بها، وما هي حدودها المقبولة، ومتى تكون مرفوضة؟ كل ذلك هو الذي يجب أن يدرس ويطرح، قبل تلك الدعوة الجوفاء إلى مطلق التعدّديّة.
فمثلاً: قد يقال في هذا السياق: التعدّديّة المطلوبة هي التعدّديّة الدينية الموجودة في الغرب.
والذي يستبعد هذا الحل هو أن التعدّديّة الغربية لن تكون مقبولة عند المسلم الذي يرى في نصوص الدين ما يعارض هذا النوع من التعدّديّة، كما أن محاولة تطبيق تلك التعدّديّة بكل حذافيرها لا يمكن أن يتم إلا بعد أن تطبق التعدّديّة السياسية أيضاً؛ لأن نظام الحكم كله يجب أن يكون مستعداً لكل التغييرات التي تقتضيها التعدّديّة الغربية، وذلك ينبثق من دستور للدولة شامل لجميع شؤونها.
ثم إن المسلم في الغرب يُعاني من تناقض الحياة الغربية وحريتها مع مبادئه وعقائده وحريته، بل مع أبسط حقوقه (كالحجاب في فرنسا). فكيف سيكون في تطبيق تلك التعدّديّة تطبيق لمبادئ الحرية التي يريدها المسلم؟ وكيف سيسعى إلى تحقيقها في البلاد الإسلامية؟! هل سيرضى المسلمون أن يعيشوا حياة الاغتراب (كالتي يعيشونها في الغرب) في أوطانهم الإسلامية أيضاً؟!(/7)
ثم إن الغرب مع تطبيقه لتلك التعدّديّة، فإنه لم تزل للأقليات الدينية والعرقية فيه مطالبات قوية، تصل إلى درجة المواجهات العسكرية. فإما أن تدل هذه المطالبات على فشل التعدّديّة الغربية في تحقيق الحرية والتسامح الديني والمذهبي، فكيف تطالبون بتطبيق هذا النمط الغربي، وإما أن مجرد وجود المطالبات لا يدل على انعدام الحريات وعلى التطرف الديني، فلم كان مجرد وجوده دليلاً على انعدامها وعلى التطرف في السعودية خاصة.
إذاً فنحن لا نلغي فكرة قبول التعدّديّة والتسامح من أساسها (بل ندعو إليها)، ولا نقبلها بلا ضوابط، كما أننا لا نقبلها معلبة مستوردة من الغرب؛ لسبب طبيعي وعادي: وهو أننا مسلمون، لنا دين وقيم وثقافة تختلف عن الغرب في دينه وقيمه وثقافته، وكما لا يقبل الغرب أن يحل ديننا وقيمنا وثقافتنا مكان دينه وقيمه وثقافته، فيحق لنا –من باب العدل والمساواة- أن نرفض نحن ذلك.
وإن وصلنا في نقاش هذه المسألة إلى هذا الحد، وإذا اتفقنا على هذا المنطلق في مناقشة طريقة تطبيق التعدّديّة، وهو: أن التعدّديّة والتسامح الديني له حدوده التي لا بد منها، وأن النمط الغربي له لا يحقق تطلعات المجتمع المسلم؛ لأنه لم يحققها له في الغرب = فيجب علينا أن نحرص على هذه النقطة التي اتفقنا عليها، وأن لا نسمح لأي شيء أن يبعدنا عن هذا الحد من التقارب والاتفاق، وأن نحاول إكمال مسيرة الاتفاق؛ إذا كنا صادقين في إرادة الخير لأنفسنا ولأمتنا.
والذي يجب أن يكون هو الخطوة التالية لنقطة الاتفاق السابقة، هو أن التعدّديّة المطلوبة يجب أن تكون منضبطة بضوابط صحيحة، محققة لتطلعات المجتمع المسلم. وهذا لن يتحقق إلا إذا كان تصور تلك التعدّديّة غير مخالف للإسلام، وإلا فإنه سيكون مرفوضاً من المجتمع المسلم، إذا ما خالف الإسلام.
وهذه نقطة اتفاق ثانية، لا يُستهان بها، ويجب المحافظة عليها.(/8)
إذاً فالتصور لمشروع التعدّديّة الدينية والتسامح المذهبي يجب أن يكون تصوراً إسلامياً بحتاً؛ لأنه ينطلق من الإسلام في جميع مراحله؛ وإلا فسيكون تصوراً مستحيل التطبيق؛ باصطدامه بالواقع الإسلامي الذي يريده المسلمون. ولا يعني ذلك أن هذا التصور سيكون مُنبتاً من كل وجه عن التصورات الأخرى؛ لأن ما وافق فيه الغرب أو الشرق التصور الإسلامي سيكون مأخوذاً به؛ لأنه من ديننا.
فإذا أردنا مناقشة التعدّديّة المذهبية أو العقائدية في السعودية، يجب أولاً أن نعترف بوجود قدر منها؛ لأن مجرد بقاء أصحاب تلك المذاهب والعقائد هذا وحده يدل على وجود قدر من التعايش والتعامل، وأن التعدّديّة في السعودية لم تصل إلى حد رفضها تماماً، كما حصل في محاكم التفتيش النصرانية في أسبانيا، فإن هذا الحد من الرفض وعدم التسامح الديني لا يدعي أحد أنه وقع في السعودية، ولا قريباً منه، ولا ادعته الكاتبة نفسها، ولا يستطيع أن يدعيه أحد لمناقضته للواقع الماثل للعيان.
وأنا إنما أهبط إلى هذا الحدّ من التنازل لإثبات أن هناك قدرًا ما من التعدّديّة ما زال ولم يزل موجودًا في السعودية، لأقول بعد ذلك: إن هذا القدر قد يراه البعض غير كافٍ وغير متسامح، وقد يراه آخرون كافيًا متسامحًا، ويراه أيضاً آخرون مبالغًا فيه إلى حدّ الإساءة إلى حريته الدينية؛ لأنه يرى في دينه ما يعارض بعض مظاهر تلك التعدّديّة.
فإذا ما انحصر الخلاف في قدر ذلك التعايش، وفي تلك التعدّديّة الموجودة: هل وصلت حد التسامح المطلوب؟ أم لم تصل إليه؟ أم بالغت في تطبيقه؟ فالمرجع في معرفة الجواب الصحيح على هذه الأسئلة المختلفة التوجهات، هو الإسلام، الذي رضيه الجميع مرجعًا لتصوراته عن التعدّديّة المذهبية والتسامح الديني؛ كما سبق أن اتفقنا عليه؛ لأنه هو الحل الوحيد الذي لا يرفضه المجتمع المسلم، بل يقبله ويريده.(/9)
فإن وصلنا إلى هذا الحد من النقاش، أمكننا أن نحاكم ذلك القدر من التعدّديّة والتعايش الموجود حاليًا في السعودية إلى نصوص الكتاب والسنة، مبيِّنين تصورَنا عن التسامح المذهبي والعقائدي الذي يقرُّه الإسلام، وعن الانفلات الذي يرفضه الإسلام؛ لأنه يهدّد الإسلام بالذوبان والفناء التدريجي، إذا ما رضيناه منهجًا للتعددية الدينية والعقائدية.
ومن هنا نعلم: أن أيّ دعوة مطلقة للتعددية والتسامح، لا تضع تصوّرًا واضحًا لها، لا تعدو أن تكون شعارات سطحية، لا تلج إلى لبِّ المسألة، ولا تناقش حقيقة الخلاف. ولذلك فإن مثل هذه الدعوة المطلقة لا تستحقُّ الإهمال فقط، بل تستوجب المحاربة؛ لأنها طريقة أنضجها التاريخ السياسي حتى أحرقها، وأصبحت لعبة مكشوفة لدى العقلاء: أن المطالبة بالباطل لابد أن تكون بشعارات الحق، التي يحتفظ أصحاب الباطل بحق تفسيرها وقتما يجدون الفرصة سانحة لذلك. ولقد أعلنها جدّي علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قبل ألف وثلاثمائة وثمان وثمانين سنة، عن مثل هذه الشعارات، عندما قال عنها: "كلمة حق أريد بها باطل" [صحيح مسلم 2/749]. فما أقدمها من أسلوب لأهل الباطل! وما أعظم غفلة من ينخدع بها !!! ولذلك قلت: إن المطالبة بالتعدّديّة المذهبية والتسامح الديني دون ضوابط أو تصورات، لا تستحق الإهمال فقط، بل تستوجب المحاربة، خاصة في هذا الوقت، الذي لم يعد الأمر فيه خافيًا، أن هناك مخططًا أمريكيًا للتلاعب بالمنطقة، لكي تحقق المنطقة مصالح أمريكا، على حساب الأمة ودينها ومقدراتها.
هذا ما يتعلق بالمغالطة التي جاءت في عرض كتاب الكاتبة ميّ يماني، أما ما يتعلق بالمخالفة للتاريخ: فهو ما أوهمت الكاتبة أنه كان موجودًا في الحجاز إبّان حكم الأشراف لها، وهو ذلك التنوّع والتسامح الذي أطلقته الكاتبة دون معالم له ولا حدود.(/10)
والكاتبة –حسب العرض المنشور- تتحدّث عن تنوّع وتعددية خيالية، لأنها لم تحدّد معالمها (كما سبق). فإثبات وجود ما تقصده أو نفيُهُ غير ممكن، حتى نعرف تصوّرها عن التعدّديّة التي تدّعي أنها كانت موجودة في الحجاز، وحتى نعرف الفرق بينها وبين الموجود اليوم فيها.
وأنا إذ أتكلم عن الحجاز وتاريخها، فأنا ابن تاريخها، وأقولها كلمة حق عن تاريخها: إن الحجاز – كغيرها من مناطق العالم الإسلامي- قد مرّت بمراحل مختلفة، بالنسبة لتحقق التسامح الديني والمذهبي فيها، بحسب الظروف الدينية والسياسية والعلمية التي تمر بها.
فمثلاً: في الفترة التي كانت فيها الحجاز تُعدُّ ولاية من ولايات الدولة العثمانية، وبما أن الدولة العثمانية كانت تتبنى مذهبًا صوفيًا متطرّفا في الغالب، كانت الدعوة السلفيّة في الحجاز وغيرها من ولايات الدولة العثمانية محارَبةً بقوّة وبغير تسامح.
فهذا محمد بن محمد بن سليمان الرّوداني المغربي، والذي توفي قبل مولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث توفي سنة (1094هـ)، وهو أحد علماء الحجاز الذين كانوا غير راضين عن كثير من بدع الاحتفالات الدينية التي كانت تقام في الحجاز حينها، وكان شديد النفرة من بناء القباب على القبور، ويصف ذلك بأنه من بدع الكفار المنكرة. بقي معتزلاً في بيته، لا يستطيع أن يطالب بما يعتقده ويدين الله تعالى به. حتى عرفه وزير الدولة العثمانية الأكبر، وأحبه وعظّمه، فولاّه النظر في الشؤون الدينية للحجاز، فمنع تلك الاحتفالات، وهدم القباب. ولكن ما إن توفي ذلك الوزير، حتى عُزل الروداني من منصبه، وأوذي أشدّ الإيذاء، وطرد من مكّة والحجاز بأسوأ معاملة. ثم أعيدت تلك الاحتفالات، وبنيت القباب من جديد.(/11)
فأين التسامح الديني في هذا الحادث التاريخي، الذي يدلّ على الواقع الذي كان يعيشه الحجاز في تلك الفترة، ومناهضته وعداوته للدعوة السلفيّة، وعدم تعايشه معها بأي وجه من وجوه التعايش، والتي وصلت إلى درجة الطرد والإبعاد من الحجاز.
وفي آخر حكم الأشراف كانت الدعوة السلفية محاربةً بكل قوّة؛ لتعلّق ذلك بالصراعات السياسية بين الحجاز ونجد. وما قصة العالم المكي السلفيّ أبي بكر بن محمد عارف بن عبد القادر خوقير (ت1349هـ) عنّا ببعيد؛ الذي أوذي أشد الإيذاء، حتى سجن هو وابنه، وقتل ابنه في السجن، وبقي هو في السجن إلى أن سقط حكم الأشراف في مكّة المكرمة، كل ذلك من أجل معتقده السلفي، والذي لم يكن له فيه أتباع تُخشى شوكتهم في الحجاز، بل هو تيار مكبوت أتباعه، متفرقون، لا يجمعهم تنظيم، ولا يتكلم بلسانهم خطيب. ومع ذلك أوذي هذا العالم بكل تلك القسوة، وبهذا القدر الغالي في مصادرة الرأي الآخر، وكبت الحريات الدينية.
وكل من عرف الحجاز وتاريخها الأخير، يعرف مقدار ما كانت تواجه به الدعوة السلفية من العداء، وعدم السماح لصوتها بالظهور، بل للقلوب أن تنطوي عليها، لو كان ذلك في قدرتهم.
وكما كان هذا هو موقف حكومة الحجاز من الدعوة السلفية، كذلك كان موقفها من الشيعة الإمامية، خاصة وعداء الدولة العثمانية للشيعة الإمامية ( ممثلاً في الدولة الصفوية) عداء سياسي وعسكري وديني مستحكم.
ولديّ من صحائف التاريخ الحجازي ما يدل على مقدار العداء الذي كان مستحكمًا في الحجاز بين المذهب الإمامي والمجتمع الحجازي حكومة وشعبًا.
وبناءً على هذا التاريخ الحقيقي للحجاز، ولمقدار التسامح الديني والتعدّديّة المذهبية الموجودين فيه: ما هو ذلك التسامح الذي كان موجودًا في الحجاز سابقاً، وتطالب الكاتبة بعودته؟!
إن كانت تقصد اضطهاد الدعوة السلفية بها، فهذا ممكن!!(/12)
والمغالطة الأخرى للكاتبة: هي أنها صوّرت انتشار الدعوة السلفية في الحجاز بأنه اضمحلال لسلطة الحجاز الدينية لصالح سلطة نجد!
فهل هذا الطرح طرح علمي؟! وهل يمكن أن يكون لمثل هذا الطرح ثمارٌ طيبة؟! أم أنه سيكون داعيًا لإثارة النعرات الجاهلية.
والعجيب في هذا الطرح هو المصادرة والتحكم بغير دليل ولا شبهة دليل الذي بني عليه: فنجْدٌ عند الكاتبة تمثل الدعوة السلفية، والحجاز عندها تمثل الدعوة المناهضة لها، وهي التصوف. هكذا سمحت الكاتبة لنفسها أن تقسِّم المناطق حسب رغبتها، أو حسب فهمها.
إن عدّ منطقة ما ممثلة لمذهب معين، لمجرد أن ذلك المذهب كان منتشرًا فيها خلال فترة تاريخية معيّنة = تصرف غير علمي؛ لأنه يتناقض مع نفسه. حيث إن الحجاز مثلاً قد مرّت في تاريخها بمراحل مختلفة، انتشرت فيها خلالها مذاهب متعددة: من المذهب السني، إلى الزيدي، إلى الصوفي؛ فما الذي جعل الحجاز ممثّلة للمذهب الصوفي خاصة، دون غيره من المذاهب . إن كان ذلك بناءً على الواقع الذي فرض نفسه، فلم لا ترضى الكاتبة بالواقع الحالي. وإن كان غير ذلك، ولن يكون إلا المصادرة على الرأي، فهو أمر مرفوض.
وكذلك منطقة نجد، قد مرّت بمراحل مختلفة في تاريخها؛ فلم تكن الدعوة السلفية دعوة نجديّة يوم دعا إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في بلاد الشام ومصر وغيرها من بلاد العالم الإسلامي.
والحق الذي لا مرية فيه: أن الحجاز ونجدًا والأرض كلها لله وحده، يورثها من يشاء من عباده.
والحق الذي لا مرية فيه: أن الحجاز تمثل الإسلام الصافي؛ لأنها مهبط الوحي، ودولة الإسلام الأولى، وإليها يأرز الإيمان في آخر الزمان. فكل رجوع إلى الإسلام الصافي في الحجاز، وكل نصرة لسنة النبي المكي –صلى الله عليه وسلم- = هي انتصار لسلطة الحجاز أيضاً.(/13)
ولذلك فلمن يرى أن الدعوة السلفية هي التي تمثل الإسلام الصافي، له أن يرى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي اضمحلال لسلطة نجد لصالح سلطة الحجاز، خاصة مع ما جاء في كتاب (مصباح الظلام) لحفيد محمد بن عبد الوهاب، وهو عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1293هـ)، الذي قال عن جده محمد بن عبد الوهاب: " وسمع الحديث عن أشياخ الحرمين في وقته، وأجازه الكثير منهم، ومن أعلامهم محدّث الحرمين الشيخ محمد حياة السندي، وكان له أكبر الأثر في توجيهه إلى إخلاص توحيده عبادة الله، والتخلص من رقّ التقليد الأعمى، والاشتغال بالكتاب والسنة".
وكذلك لمن يرى الدعوة السلفية هي التي تمثل الإسلام الصافي، له أن يعدّ عودة هذه الدعوة إلى الحجاز اضمحلالاً لسلطة الأتراك العثمانيين، الذين نشروا التصوّف في العالم الإسلامي، وأن هذا الاضمحلال لسلطتهم كان فيه عودة لسلطة الحجاز إلى الحجاز مرةً أخرى.
وأما اعتراف الكاتبة بانتشار الدعوة السلفية في الحجاز في العقود الأخيرة، فهو وإن كان عندها اضمحلالاً لسلطة الحجاز، إلا أنه اعتراف منها بالواقع الماثِل للعيان، وهو أن الدعوة السلفية في الحجاز اليوم هي معتقد غالب أهل الحجاز (من القبائل والقاطنين أيضاً)، وأن المناهضين لها هم فيها اليوم أقلية.
وأما أن ذلك اضمحلال لسلطة الحجاز، فهو في الحقيقة اضمحلال للسلطة التي تريدها هي للحجاز، لا لسلطة الحجاز الدينية، التي هي الإسلام الصافي، المعتمد على الوحي من الكتاب والسنة.
ولذلك فإني أطالب من يطرح مثل هذا الطرح، أن يتكلّم بموضوعية علمية؛ إذ بأي حقّ تُصَوَّرُ فيه الحجاز، وكأنها وقف خاص على الدعوات المناهضة للدعوة السلفية.
فالموضوعية إذن هي أن ننظر إلى المذاهب الدينية القائمة، ونقيسها بالكتاب والسنة، فأقرب المذاهب إليهما فهو الذي يمثل سلطة الحجاز الدينية.(/14)
وهنا أغتنم هذه الفرصة لأعلن عن هذه الحقيقة، التي لم يعد بإمكان الكاتبة ولا غيرها أن يتجاهلها؛ لأنها واضحة وضوح الشمس: وهي أن غالب أهل الحجاز اليوم على الإسلام الصافي، وأنهم غير مخالفين للدعوة السلفية، فإلى متى يسمح المناهضون للدعوة السلفية لأنفسهم أن يتكلموا بلسان أهل الحجاز، وأن يتباكوا على السلطة التي يريدونها هم للحجاز؟ !!
هذا كله لو سلّمنا بمنطق الكاتبة غير المنطقي، الذي أراد أن يربط سلطة الحجاز الدينية بالمذهب الديني الذي ينتشر فيها، وإن كان مذهبًا يشوبه من الكدر بقدر ما يبعده عن الإسلام الصافي. وهذا منطق متناقض كما سبق، لكن أردنا أن نبين أن هذا المنطق لا يخدم الكاتبة فيما تريده أيضاً.
ولذلك.. وانطلاقًا من حرية الكلمة، ومن حرية التعبير عن المعتقد، أقول: (وأنا أحد أبناء الحجاز، بل أحد أعرق أبنائها دينًا ونسبًا وتاريخًا)، إني لا أسمح لأحدٍ مناهضٍ للدعوة السلفية أن يتكلم باسمي، وباسم أغلب أهل الحجاز المخالفين له في مناهضته للدعوة السلفية. له أن يتكلّم باسمه وباسم الموافقين له، أما باسم جميع أهل الحجاز، فهذا ما لا نرضاه لأنفسنا، ولا يرضاه كل مناصر للحرية وللتسامح الديني. بل لو كنا نحن الأقلية، كما هم الآن، لما رضينا بهذا الإلغاء من الوجود، إلى هذا الحدّ البغيض من الإلغاء، الذي لا يقبله حيّ لنفسه.
ومن هؤلاء الذين ألغوا وجودنا كاتبة هذا الكتاب، حينما تصرّ على عدّ الحجاز وقفًا للتيار المخالف للدعوة السلفية، مع أن غالب أهل الحجاز اليوم مع التيار السلفي.
فأين التنوع والتسامح الديني في مثل هذا الإلغاء، يا دعاة التنوّع والتسامح؟!
هذا والله أعلى وأعلم.
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا بني بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتقى حدّه.
المصدر : الإسلام اليوم
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية(/15)
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/16)
الحضرة الصوفية هل هي شرعية ؟
الحضرة الصوفية تكون: جالسة صامتة، أو جالسة صائتة، أو راقصة (بنقص أو من دون نقص).
1- الجالسة الصامتة:
في الرد عليها يكفي حكم عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه رسول الله r (كما يرويه الحافظ الذهبي في «التذكرة»): «خذوا عهدكم عن ابن أم عبد».
نجد حكم عبد الله بن مسعود هذا في «سنن الدارمي»:
... عند عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة (أي الفجر)، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَجَ عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته، ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه.. رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة مرة، فيُكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة مرة، فيُهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة مرة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحَكُم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله! يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله r حدثنا أن قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله، لا أدري،(/1)
لعل أكثرهم منكم...
- الرجاء ملاحظة أن الجلسة النقشبندية هي مثل هذه الجلسة.
2- الحضرة الجالسة الصائتة:
في الرد عليها نذكر ما يلي:
- الآية الكريمة: ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ... )، وهؤلاء يجهرون بذكرهم، كما يخلو ذكرهم من التضرع والخيفة.
- الحضرة بجميع أنواعها، ومثلها هذه، بدعة تنطبق عليها كل الأحاديث الواردة في البدعة، والتي رأيناها قبل قليل.
- حديث ابن مسعود السابق هو رد عليها كما هو رد على الجالسة الصامتة.
- قول حذيفة بن اليمان: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها»، رد عليها وعليهم.
وبالتالي، هذه الحضرة«الجالسة الصائتة» هي مثل غيرها، بدعة، فهي مردودة عليهم.
3- الحضرة الراقصة ( وكلها صائتة ) :
إن جميع الردود على البدعة وعلى أساليبهم في الذكر، وعلى الجالسة الصامتة، وعلى الجالسة الصائتة، هي ردود على الحضرة الراقصة، يضاف إليها:
- هي نفس صلاة اليهود!
جاء في المزمور (149) عدد (3): «ليسبحوا اسمه برقص، بدُف وعود، ليرنموا له..».
وفي المزمور (150): «سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار، سبحوه بصنوج التصويت، سبحوه بصنوج الهتاف...».
- وثنيو إفريقيا السوداء «الفيتيشيون» عباداتهم كلها رقص وسماع.
- الهندوس، صلاتهم لأصنامهم مثل الحضرة الراقصة، يتوسطهم الكاهن أمام الصنم، يرقصون ويهزجون، أي إن صلاتهم هي رقص وسماع وقرع أجراس.
الخلاصة:-
الحضرة الصوفية بجميع أشكالها، بدعة، ونقض للآيات والأحاديث، وتَشبُّه كامل بالطقوس اليهودية والوثنية، (فيتيشية وهندوسية وجينية وطاوية..).
- أما كونها نقضًا للآيات والأحاديث؛ فهي كفر وزندقة ورِدة.
- وأما كونها تشبه الطقوس الوثنية واليهودية؛ فالرسول r يقول: «من تَشبَّه بقوم فهو منهم».
ولا حاجة للزيادة.
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 628 – 630 بتصرف يسير )(/2)
الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع
د. محمد بن عبد الرحمن الخميس
الأستاذ المشارك - قسم العقيدة
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض
ملخص البحث
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن الهدف من هذا البحث هو بيان مدى مشروعية ما يفعله كثير من الناس ، من الاجتماع في البيوت والمساجد في أوقات معينة ، أو مناسبات معينة ، أو بعد الصلوات المكتوبة لذكر الله تعالى بشكل جماعي ، أو يردد أحدهم ويرددون خلفه هذه الأذكار .
ولأن هذا الفعل قد كثر وشاع بين الناس في كثير من بلدان المسلمين ، فقد جاء هذا البحث لبيان حكم الشريعة في مثل هذا الفعل .
وقد اشتمل البحث على مقدمة ، وتمهيد ، وستة مباحث ، وخاتمة .
أما المقدمة : فهي في بيان أسباب اختيار الموضوع ، وبيان خطة البحث ، وكذلك بيان اعتقاد العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها ، وذلك كمدخل للبحث .
وأما التمهيد : فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة ، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان .
وأما المبحث الأول : فهو في تعريف الذكر لغة وشرعاً .
والمبحث الثاني : حول نشأة بدعة الذكر الجماعي من الناحية التاريخية ، وتوثيق ذلك .
والمبحث الثالث : في بيان حجج من جاز الذكر الجماعي ، وقد سقتها مفصلة .
والمبحث الرابع : في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي ، وجوابهم على حجج المجيزين ، مع بيان فتاوى للمتقدمين والمعاصرين في هذا .
والمبحث الخامس : في بيان حكم الذكر الجماعي وذلك كنتيجة لهذا البحث .
وأما المبحث السادس : فهو في بيان مفاسد الذكر الجماعي ، وآثاره السلبية سواءً على فاعله ، أو على غيره .
وأما الخاتمة : فهي في بيان خلاصة البحث ونتائجه .
فهذا ملخص البحث المذكور ، وأسأل الله المغفرة والقبول ، والحمد لله رب العالمين .
المقدمة :(/1)
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ آل عمران: 102 ] .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1 ] .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } [ الأحزاب : 70 ، 71 ] .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1) .
وبعد : فقد انتشرت بين الناس بدع كثيرة في دين الله تعالى ، واستبدلوها بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى كادت معالم السنة تندثر وأصبح الباطل حقاً ، والحق باطلاً . وأضحت البدعة سنة، والسنة بدعة .
ومن صور العبادات التي انتشرت بين عامة المسلمين ، ظاهرة الذكر الجماعي ، في المساجد والبيوت ، والمنتديات وغيرها ، وذلك في كثير من البلدان الإسلامية ، حتى عمت بها البلوى .(/2)
كما يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن الدعاء بعد الصلوات المفروضة بشكل جماعي من مستحبات الصلاة . وهم يعتبرونها مثل الراتبة(2) التي تصلى بعد الفريضة ، أو أكثر منها ، ويحرصون عليها أشد الحرص ، ويواظبون عليها . فإذا لم يدع لهم الإمام بعد الصلاة ولم يجتمع معهم على الذكر بصورة جماعية ، رأوا أن صلاتهم ناقصة ، وأساءوا الظن به ، واتهموه بأنواع من التهم ، ولما كان الذكر عبادة لله تعالى ، والعبادات توقيفية لا مجال للابتداع فيها ، أو للاستحسان . من أجل هذا كان لابد من بيان حكم هذا العمل ، والكلام عليه ، وذلك كما سيأتي إن شاء الله في مباحث هذا الكتاب .
ولما كان بيان ( السنة ) والذب عنها ، ورد البدعة من أوجب الواجبات على العلماء، وطلبة العلم ، والدعاة إلى الله تعالى . ولما كانت ظاهرة الذكر الجماعي مما عمت به البلوى. وشاع بين العامة في كثير من البلدان ، واختلف فيه الناس بين مانع منه ، ومجوِّز له . وقد بحثت عمن ألَّف في هذا الموضوع خصوصاً ، بحيث يستوعبه من جميع جوانبه ، ويبين السنة فيه - لكني لم أقف على كتاب في هذا الموضوع . لذلك رأيت مستعيناً بالله تعالى أن يكون موضوع هذا البحث هو بيان مدى مشروعية الذكر الجماعي ، هل يجوز أم لا ؟ وقد جمعت أقوال المانعين منه وأدلتهم ، والمجيزين له وأدلتهم ، في محاولة لاستيعاب هذا الموضوع، والوقوف على مدى مشروعية هذا الفعل . وأسميت هذا البحث (( الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع )) .
خطة البحث :
اشتمل البحث على : خطبة الحاجة ، ومقدمة ، وتمهيد ، وستة مباحث ، وخاتمة .
فأما المقدمة : فهي في أسباب اختيار الموضوع ، مع بيان خطة البحث . وكذلك التنبيه على اعتقاد بعض العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث .(/3)
وأما التمهيد : فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة ، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان .
وأما المبحث الأول : فهو في تعريف الذكر الجماعي .
والمبحث الثاني : حول نشأة بدعة الذكر الجماعي .
والمبحث الثالث : حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم .
والمبحث الرابع : حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم .
والمبحث الخامس : في حكم الذكر الجماعي .
والمبحث السادس : حول مفاسد الذكر الجماعي .
والخاتمة : في بيان خلاصة البحث ونتائجه .
والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق ، والسداد ، وأن يجنبنا الخطأ والزلل والزيغ، وأن يتقبل منا هذا العمل .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تمهيد : مشروعية الذكر ووجوب الاتباع في العبادة
من المعلوم أن الذكر من أفضل العبادات ، وهو مأمور به شرعاً كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً . وسبحوه بكرةً وأصيلاً } [ الأحزاب : 41 ، 42 ] .
فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت ، بقلبه ، وبلسانه ، وبجوارحه ، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى ، ولاسيما أذكار ما بعد الصلاة ، وطرفي النهار ، والأذكار عند العوارض والأسباب ، فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله ، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو تعب وجهد .
لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزماً بحدود الشريعة ونصوصها ، وهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وذلك لأن الاتباع شرط لصحة العمل ، وقبوله عند الله تعالى ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(3) أي باطل مردود على صاحبه .(/4)
ومما هو معلوم أن العبادات - ومنها الذكر - كلها توقيفية ، أي : لا مجال فيها للاجتهاد ، بل لابد من لزوم سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته فيها ، لأنها شرع من عند الله تعالى ، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى ، وإلا كان هذا اعتداءً على حق الله تعالى في التشريع ، ومنازعة لله تعالى في حكمه ، وقد قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [ الشورى : 21 ] .
قال السعدي في تفسير هذه الآية : (( .. { شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله ، ونحو ذلك ، مما اقتضته أهواؤهم مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه . فالأصل : الحجر على كل أحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله ولا عن رسوله ... )) أهـ(4) .
فلا ينبغي ، بل ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرع ، وبما بيَّن على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - . ومن هنا كان لازماً على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته ، وألا يحيد عنها قيد أنملة ، وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفاً هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العمل .
ولهذا فإن المسلم ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئاً مخالفاً لما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه ، وإلا كان مبتدعاً في الدين ، محدثاً في العبادة ما ليس منها .
ومهما استحسن الإنسان بعقله شيئاً في العبادة ، فإنه - أي الاستحسان - ليس دليلاً على مشروعية تلك العبادة ، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادماً لحكم الله تعالى ، فلا ينبغي أبداً أن يتعبد الإنسان لله تعالى إلا بما شرع الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
المبحث الأول : تعريف الذكر الجماعي
الذكر الجماعي يتركب من كلمتين ، وإليك بيان معنى كل منهما :(/5)
أولاً ( الذِّكر ) : بالكسر : الشيء الذي يجري على اللسان(5) ، وتارة يقصد به الحفظ للشيء .
قال الراغب في المفردات : (( الذكر : تارة يقال ويراد به : هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة ، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً باحترازه ، والذكر يقال اعتباراً باستحضاره . وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول . ولذلك قيل منهما ضربان : ذكر عن نسيان . وذكر لا عن نسيان ، بل عن إدامة الحفظ ))(6) .
وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء . أي ما تعبدنا الشارع بلفظ منا يتعلق بتعظيم الله والثناء عليه ، بأسمائه وصفاته ، وتمجيده وتوحيده ، وشكره وتعظيمه ، أو بتلاوة كتابه ، أو بمسألته ودعائه(7) .
ثانياً : معنى ( الجماعي ) : هو ما ينطق به المجتمعون للذكر بصوت واحد ، يوافق فيه بعضهم بعضاً(8) .
والمقصود بكلامنا وقولنا : الذكر الجماعي هو ما يفعله بعض الناس من الاجتماع أدبار الصلوات المكتوبة ، أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت جماعي أذكاراً وأدعية وأوراداً وراء شخص معين ، أو دون قائد ، لكنهم يأتون بهذه الأذكار في صيغة جماعية وبصوت واحد ، فهذا هو المقصود من وراء هذا البحث .
المبحث الثاني : نشأة الذكر الجماعي
كان مبتدأ نشأة الذكر الجماعي وظهوره في زمن الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي ذلك مفصلاً في المبحث الرابع إن شاء الله وقد أنكر الصحابة هذه البدعة لما ظهرت وقد قل انتشار هذه الظاهرة ، وخبت بسبب إنكار السلف لها . ثم لما كان زمن المأمون ، أمر بنشر تلك الظاهرة . فقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير بعد الصلوات الخمس . فقد ذكر الطبري في تاريخه في أحداث عام 216 هـ(/6)
ما نصه : (( وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا ، فبدؤوا بذلك في مسجد المدينة والرصافة ، يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان ، من هذه السنة )) (9) وجاء في تاريخ ابن كثير : (( وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد ، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس )) (10) . فكان هذا مبتدأ عودة ظاهرة الذكر الجماعي إلى الظهور وبقوة ، بسبب مناصرة السلطان لها . ومن المعلوم أن السلطان إذا ناصر أمراً ، أو قولاً ما ، ونشره بالقوة بين الناس ، فلابد أن ينتشر ويذيع ، إذ إن الناس على دين ملوكهم .
واستمرت هذه الظاهرة منتشرةً بين الرافضة والصوفية ومن تأثر بهم(11) .
هذا وقد جمعوا بين أمرين ، هما : الذكر الجماعي ، والذكر بالاسم المفرد .
وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد ، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لابد من الذكر في جملة لأنها هي المفيدة ولا يصح الاسم المفرد ، مظهراً أو مضمراً ، لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة . ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف .
ومن صور هذا الذكر كذلك أن يزيدوا ياءً في ( لا إله إلا الله ) بعد همزة لا إله . ويزيدون ألفاً بعد الهاء في كلمة ( إله ) فتصبح ( لا إيلاها ) . ويزيدون ياءً بعد همزة إلا وبعد ( إلا ) يزيدون ألفاً فتصبح ( إيلا الله ) وكل ذلك حرام بالإجماع في جميع الأوقات(12).
وكذلك يلحن بعضهم في ( لا إله إلا الله ) . فيمد الألف زيادة على قدر الحاجة ، ويختلس كسرة الهمزة المقصورة بعدها ولا يحققها أصلاً ، ويفتح هاء له فتحة خفيفة كالاختلاس ، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله(13) .
وكذلك من صوره أنهم يذكرون بالحَلْقِ ، أي يحاولون إخراج الحروف من الحلق ، وهذا يلزمهم بفتح أشداقهم ، والتقعر في الكلام ، والتكلف في النطق ، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان لأنها هي التي تجمع مخارج الحروف(14) .(/7)
وقد تعددت صور ذلك . فمنهم من يجتمعون في بيت من البيوت ، أو مسجد من المساجد فيذكرون الله بذكر معين وبصوت واحد : كأن يقولوا : لا إله إلا الله . مائة مرة(15) . قال الشقيري : (( والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة . والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثاً ، وقولهم بعد الاستغفار : يا أرحم الراحمين - جماعةً - بدعة ، وليس هذا محل هذا الذكر ))(16) .
ومن صور الذكر الجماعي مما هو موجود عند جماعات من الناس :
1 - الاستغفار عقب الصلاة ، والاتيان بالأوراد الواردة أو غيرها بصوت واحد مرتفع(17) . قال الأذرعي : (( حمل الشافعي رضي الله عنه أحاديث الجهر على من يريد التعليم ))(18) .
2 - أو أن يدعو الإمام دبر الصلاة جهراً رافعاً يديه ، ويؤمن المأمومون على دعائه وبصوت واحد(19) .
3 - ومنه أن يجتمع الناس في مكان - مسجد أو غيره - ويدعون الله ، وبصوت واحد إلى غروب الشمس ويجعلون الاجتماع لهذا الذكر شرطاً للطريقة(20) .
وقد قال التيجاني : (( من الأوراد اللازمة للطريقة ذكر الهيللة بعد صلاة العصر يوم الجمعة مع الجماعة ، وإن كان له إخوان في البلد فلابد من جمعهم وذكرهم جماعة . وهذا شرط في الطريقة ))(21) . وقال الرباطي : (( وترك الاجتماع من غير عذر شرعي يعرض في الوقت ممنوع عندنا في الطريقة ، ويعد تهاوناً ، ولا يخفى وخامة مرتع التهاون ))(22) .
وقد أفتى العلماء ببطلان الذكر الجماعي ، فقد جاء في بعض الأسئلة الواردة إلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه :
قال السائل : لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر ( لا إله إلا الله ) ، ويقولون في النهاية ( الله الله ... ) بصوت عال . فما حكم فعلهم هذا ؟
الجواب : ( بعد بيان ضلال هذه الطريقة ) . والاجتماع على الذكر بصوت جماعي(/8)
لا أصل له في الشرع ، وهكذا الاجتماع بقول : ( الله الله ... ) أو : ( هو هو ... ) والاجتماع بصوت واحد هذا لا أصل له ، بل هو من البدع المحدثة(23) .
4 - ومن صور الذكر الجماعي الموجودة أن يجتمع الناس في مسجد وقد وقع البلاء في بلد فيدعون الله بصوت واحد لرفعه .
5 - ومن هذه الصور كذلك ما يحصل عند بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي وغيرها ، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم ، ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط ، بدون أن يكون لكل أحد الفرصة للدعاء فيما يتعلق بحاجته الخاصة التي يريدها . وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي : إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية . أو للأخطاء التي تحصل من الداعي ، وتحريفه للكلام . ومع هذا يحاكونه في دعائه ، وهذه الأدعية إنما صارت بدعة من وجهين :
الأول : تخصيص كل شوط بدعاء خاص ، مع عدم ورود ذلك . قال الشيخ
عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : (( وأما ما أحدثه بعض الناس : من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة ، أو أدعية مخصوصة فلا أصله له ، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كافي ))(24) .
الثاني : الهيئة الجماعية ، مع رفع الصوت ، وحكاية ألفاظ بدون تدبر واستحضار معنى .
6 - ومن صور الذكر الجماعي كذلك ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي ، أو قبور الشهداء ، أو البقيع ، أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين ، قال الشيخ الألباني - رحمه الله - عند تعداده لبدع الزيارة في المدينة المنورة : (( تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة ، أو بعيداً عنها بالأصوات المرتفعة ، وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها ))(25) .(/9)
7 - ومن هذه الصور كذلك اجتماع الناس في المساجد وأماكن الصلوات - ولاسيما في العيدين - ليرددوا التكبير جماعة خلف من يتولى التكبير في مكبر الصوت ، ويرددون وراءه جماعة بصوت واحدٍ ، فهذا كذلك من البدع .
المبحث الثالث : حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم
احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج(26) ، نوجزها فيما يلي :
…أولاً : النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إن لله تعالى ملائكة سيارة ، فضلاً يتبعون مجالس الذكر ، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر ، قعدوا معهم ، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم ، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ، فإذا تفرقوا عرجوا ، وصعدوا إلى السماء . قال : فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم : من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عبادك في الأرض ، يسبحونك ، ويكبرونك ، ويهللونك ، ويحمدونك ، ويسألونك ... )) وفي نهاية الحديث يقول الله : (( ... قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا ، وأجرتهم مما استجاروا ... ))(27) .(/10)
فيرى المجيزون للذكر الجماعي أن هذا الحديث يدل على فضل الاجتماع للذكر ، والجهر به من أهل الذكر جميعاً ، لأنه قال : (( يذكرونك ، يسبحونك ، ويكبرونك ، ويمجدونك )) بصيغة الجمع ، ثم استدلوا بقول الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري حيث قال : (( المراد بمجالس الذكر هي المجالس التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرها ، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى ، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة ، وفي دخول الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر ... والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوها والتلاوة فحسب ، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسته ، والمناظرة فيه ، من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى )) (28) . ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه أحمد من طريق : إسماعيل بن عياش ، عن راشد بن داود عن يعلى بن شداد ، قال : حدثني أبي شداد بن أوس ، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه ، قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( هل فيكم غريب ؟ )) يعني أهل الكتاب ، فقلنا : لا يا رسول الله ، فأمر بغلق الباب ، وقال : (( ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله )) فرفعنا أيدينا ساعة ، ثم وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ، ثم قال : (( الحمد لله ، بعثتني بهذه الكلمة ، وأمرتني بها ، ووعدتني عليها الجنة ، وإنك لا تخلف الميعاد ، ثم قال : أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم ))(29) .(/11)
قلت : الحديث ضعيف . فيه إسماعيل بن عياش . وهو مدلس . ولم يصرح بالسماع ، ومدار هذا الحديث على راشد بن داود ، قال ابن معين : (( ليس به بأس ، ثقة )) ، وقال دحيم : (( هو ثقة عندي )) ، بينما ضعَّفه الإمام البخاري - رحمه الله - فقال : (( فيه نظر ))، وهذا جرح شديد عنده ، بمعنى أنه متهم أو غير ثقة . كما أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي(30) ، وقال الدارقطني : (( ضعيف لا يعتبر به )) ، فاتفق مع البخاري في تضعيفه ، وهو الظاهر من حاله ، فإن في الحكم بالجرح زيادة علم عن الحكم بالتعديل ، فإذا صدر من إمام عالم متمكن غير متشدد كان مقبولاً من غير شك ، هذا من جهة .
ومن ناحية أخرى ، فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على جواز الذكر الجماعي ، فهو صريح الدلالة على أن ذلك كان للبيعة - أو لتجديد البيعة - وليس لمجرد الذكر ، لاسيما وقد أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - برفع الأيدي ، فهذا للمبايعة ، ولا يشترط - بل ولا يستحب - في الذكر .
…ثانياً : الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل مجالس الذكر ، والتي منها :
1 - ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يقول تعالى : أنا عند ظن عبدي بي . وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ... ))(31) الحديث . والشاهد في قوله : (( وإن ذكرني في ملأ )) فدل على جواز الذكر الجماعي(32) .
2 - ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال : (( ما أجلسكم ؟ )) قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا . فقال : (( الله ما أجلسكم إلا هذا ؟ )) قالوا : الله ما أجلسنا إلا ذلك . فقال : (( أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة ))(33) .(/12)
3 - ما رواه أبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس - أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس - أحب إلي من أن أعتق أربعة ))(34) وغير ذلك من الأحاديث التي ورد فيها فضل مجالس الذكر وفضل الاجتماع عليه
واستدلوا كذلك ببعض الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدعاء الجماعي ، وهي أقرب ما يمكن أن يُستدل به في هذا الموضوع ؛ لو سلمت من الطعن ، وها هي بين يديك ، مع ما قاله الأئمة المعتمدون في علم الجرح والتعديل في رواتها وأسانيدها .
الحديث الأول : عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه بعدما سلم وهو مستقبل القبلة ، فقال : (( اللهم خلِّص الوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ، من أيدي الكفار )) . أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره(35) ، وابن جرير في تفسيره(36) . وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ، قال ابن حجر في التقريب : ضعيف(37) ، ونقل الذهبي في السير(38) تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري والفلاس والعجلي ، وغيرهم … انتهى.
ومع الضعف الذي في علي بن زيد ، فليس فيه دليل على الدعاء الجماعي ، وهذه الرواية مخالفة لما جاء في الصحيحين ، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول : (( اللهم أنج عياش ... ))(39) الحديث . أي يقول هذا الدعاء في قنوت الفجر ، قبل الخروج من الصلاة .(/13)
الحديث الثاني : عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال : رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلاً رافعاً يديه بدعوات قبل أن يفرغ من صلاته ، فلما فرغ منها قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته . رواه الطبراني في الكبير(40) وسنده ضعيف لضعف فضيل بن سليمان . فقد قال عنه ابن معين : ليس بثقة . وفي رواية : ليس هو بشيء ولا يكتب حديثه . وقال صالح جزرة : منكر الحديث . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ، ليس بالقوي . وقال النسائي : ليس بالقوي . وذكر أبو داود أنه استعار كتاباً من موسى بن عقبة فلم يرده . وكان عبد الصمد بن مهدي لا يحدث عنه . وقال أبو زرعة : لين الحديث ، روى عنه علي بن المديني وكان من المتشددين ومع ضعف فضيل ، ففي القلب شيء من رواية محمد بن أبي يحيى عن ابن الزبير ، فلا أظنه أدركه ، لأن وفاة ابن الزبير كانت سنة ( 73 هـ ) ووفاة محمد كانت سنة ( 144 هـ ) (41) . ومعنى الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يرفع يديه حتى يفرغ من الصلاة وهو غير رافع يديه للدعاء ، أو أنه كان يرفع بعد الفراغ من الصلاة للدعاء ؛ ولكن ليس فيه أنه كان يجهر بالدعاء ويجهر المأمون بالتأمين . وعليه ، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي ، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً .(/14)
الحديث الثالث : عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( ما من عبد يبسط كفّيه في دبر كل صلاة ثم يقول : اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل ، أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر وتعصمني في ديني فإني مبتلى ، وتنالني برحمتك فإني مذنب ، وتنفي عني الفقر فإني متمسكن . إلا كان حقاً على الله عز وجل ألا يرد يديه خائبتين )) . رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة(42) ؛ والحديث فيه عبد العزيز بن عبد الرحمن وخصيف . أما عبد العزيز فقد ضعفه جمع من الأئمة ، وأما خصيف فقد قال الحافظ ابن حجر فيه : صدوق سيء الحفظ خلط بأخرة ، ورُمِي بالإرجاء . انتهى(43) . وإضافة إلى هذا الضعف الذي في هذا الحديث ، فليس فيه دلالة على المطلوب ، بل هو كالحديثين السابقين .
الحديث الرابع : عن الأسود العامري ، عن أبيه قال : صلَّيت مع رسول الله الفجر ، فلما سلم ، انحرف ورفع يديه ودعا قال العلامة المباركفوري(44) : الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ، كذا ذكر بعض الأعلام هذا الحديث بغير سند ، وعزاه إلى المصنف . ولم أقف على سنده . فالله تعالى أعلم . أهو صحيح أو ضعيف ؟ . انتهى من التحفة . والحديث أخرجه ابن أبي شيبة(45) ، وابن حزم في المحلى(46) . وليس فيه : (( ورفع يديه ودعا )) ، وإنما هو هكذا : حدثنا هُشيم قال : نا يعلى بن عطاء ، عن جابر بن يزيد الأسود العامري ، عن أبيه قال : صليت مع رسول الله الفجر ، فلما سلم انحرف . ولفظ ابن حزم: فلما صلى انحرف . فإذن ليس في الحديث : رفع يديه ودعا . ولو سلمنا بثبوت هذه الجملة فإنها لا تكفي للوفاء بالاستدلال المقصود ؛ لأنها ليس فيها الجهر بالدعاء من الإمام ، ولا تأمين المأمومين جهراً .(/15)
الحديث الخامس : عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الصلاة مثنى مثنى ، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن ، ثم تنفع يديك - يقول : ترفعهما إلى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك ، وتقول : يا رب يا رب - ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا ))(47) . رواه أحمد والترمذي . وفي رواية للترمذي : فهو خداج . قال الترمذي(48) : سمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول : روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد ، فأخطأ في مواضع . انتهى .
والحديث ضعيف . فيه عبد الله بن نافع بن العمياء ، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: مجهول(49) . وحتى ولو فرضنا صحة الحديث ، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً كما هو واضح في سياقه وألفاظه .
ثالثاً : ومن أدلتهم أيضاً بعض الآثار التي جاءت عن بعض السلف ، فمنها :
1 - ما جاء عن عمر رضي الله عنه من أنه كان يكبر في قبته بمنى ، فيسمعه أهل المسجد ، فيكبرون ، ويكبر أهل الأسواق ، حتى ترتج منى تكبيراً(50) .
2 - أن ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - ورضي الله عنها - كانت تكبر يوم النحر ، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد(51) .
رابعاً : ومن أدلتهم أيضاً المصالح المترتبة على الذكر الجماعي لأن فيه - كما يرون - مصالح كثيرة ، منها :
1 - أن فيه تعاوناً على البر والتقوى ، وقد أمر الله بذلك في قوله : { وتعانوا على البر والتقوى } [ المائدة : 2 ] .
2 - أن الاجتماع للذكر والدعاء أقرب إلى الإجابة .
3 - أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي ، وربما لحنوا في دعائهم ، واللحن سبب لعدم الإجابة ، والاجتماع على الذكر والدعاء بصوت واحد يجنبهم ذلك(52) .(/16)
خامساً : ومما يستدلون به أن هذا العمل عليه أكثر الناس ، والغالبية هي الجماعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بلزوم الجماعة في غير ما حديث(53) .
سادساً : أن الذكر على هذه الهيئة وسيلة ، والغاية منها عبادة الله ، والقاعدة تقول : أن الوسائل لها حكم الغايات والمقاصد(54) ، وعبادة الله أمر مطلوب ، وعليه فيكون الذكر الجماعي أمراً مطلوباً(55) .
وأما جوابهم على أدلة المانعين من الذكر الجماعي ، فإنهم يرون أن الآثار الواردة عن الصحابة في المنع من الذكر الجماعي ، والإنكار على فاعليه ، يرون أنها آثار معارضة بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة ، وهذه الأحاديث مقدمة على تلك الآثار عند التعارض . قال السيوطي : هذا الأثر عن ابن مسعود(56) يحتاج إلى بيان سنده . ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم ؟ وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض(57) .
المبحث الرابع : حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم
استدل المانعون من الذكر الجماعي بأدلة . منها :
أولاً : أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا حث الناس عليه ، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام . وكذلك لم يُنقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه .
قال الشاطبي : (( الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ))(58) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( لم ينقل أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعاً ، لا في الفجر ، ولا في العصر ، ولا في غيرهما من الصلوات ، بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة ))(59) .(/17)
ثانياً : فعل السلف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان ، فإنهم قد أنكروا على من فعل هذه البدعة ، كما سيأتي ذلك في النصوص الآتية عن عمر وابن مسعود وخباب رضي الله عنهم ، ولو لم يكونوا يعدون هذا العمل شيئاً مخالفاً للسنة ما أنكروا على فاعله ، ولا اشتدوا في الإنكار عليه ، فممَّن أنكر من الصحابة هذا العمل :
1 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقد روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال : (( كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه : أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير . فكتب إليه عمر : أقبل وأقبل بهم معك فأقبل . فقال عمر ، للبواب : أعِدَّ سوطاً ، فلما دخلوا على عمر ، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط . فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني ، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق ))(60).
2 - وممن أنكر من الصحابة كذلك الاجتماع للذكر : عبد اله بن مسعود رضي الله عنه وذلك في الكوفة . فعن أبي البختري قال : أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبروا الله كذا ، وسبحوا الله كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا . قال عبد الله : فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني ، فأخبرني بمجلسهم . فلما جلسوا، أتاه الرجل ، فأخبره . فجاء عبد الله بن مسعود، فقال : والذي لا إله إلا غيره ، لقد جئتم ببدعة ظلماً ، أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً . فقال عمرو بن عتبة : نستغفر الله . فقال : (( عليكم الطريق فالزموه ، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً ))(61) .(/18)
3 - وممن أنكر عليهم من الصحابة : خباب بن الأرت ، فقد روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال : (( بينما نحن في المسجد ، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي . فأرسل إليَّ أبي . فوجدته قد احتجز معه هراوة له . فأقبل عليَّ . فقلت : يا أبت ! مالي مالي ؟! قال : ألم أرك جالساً مع العمالقة(62) ؟ ثم قال : هذا قرن خارجٌ الآن ))(63) ، كما أنكر عامة التابعين رحمهم الله تعالى كذلك هذه البدع ومن جملة ذلك : كراهية الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان . وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية(64)
وقد نقل الشاطبي في فتاواه كراهية مالك الاجتماع لقراءة الحزب ، وقوله : إنه شيء أُحدث ، وإن السلف كانوا أرغب للخير ، فلو كان خيراً لسبقونا إليه(65) .
فهذه النقول ، التي أوردناها في هذا الباب ، كلها توضح أن السلف - رضي الله عنهم - كانوا لا يرون مشروعية الاجتماع للذكر بالصورة التي أحدثها الخلف . ولله در السلف ! ما كان خير إلا سبقوا إليه ، ولا كانت بدعة منكرة إلا كانوا أبعد الناس عنها ، محذرين منها . فما من إنسان يخالف هديهم إلا كان تاركاً لسبل الخير ، معرضاً عنها ، مقتحماً أبواب الضلال .
فلو كان الذكر الجماعي مشروعاً أو مستحباً لفعله السلف ، ولو فعلوه لنُقل عنهم ، ولَوَرَدَ إلينا . فلما لم يُنقل ذلك عنهم ، بل نُقل عنهم ما يخالف من الإنكار على فاعله ، كما حدث من ابن عمر ، وابن مسعود ، وغيرهما . دل ذلك على أن هذا العمل غير مشروع أصلاً .(/19)
ثالثاً : النصوص العامة التي فيها المنع من الابتداع في الدين ، كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(66) . ومعلوم أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يدل عليه ، فلو شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر به وحث الناس عليه ، ولشاع ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - بينهم مع قيام المقتضى .
رابعاً : أن في القول باستحباب الذكر الجماعي استدراكاً على شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث إن المبتدعين له شرعوا أحكاماً لم يشرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [ الشورى : 21 ] . فلما لم يشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته هذا العمل، دل ذلك على بدعيته .
خامساً : ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي : أن في هذا الذكر بصوت واحد تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية بصوت واحد . هذا مع كثرة النصوص الشرعية التي وردت في النهي عن التشبه بأهل الكتاب ، والأمر بمخالفتهم .
سادساً : ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي : أن فيه مفاسد عديدة تقطع بعدم جوازه ، لاسيما وأنها تربو على ما له من منافع زعمها المجيزون له ، فمن هذه المفاسد :
1 - التشويش على المصلين والتالين للقرآن مع ورود النهي عن هذا التشويش ، ومنها على سبيل المثال قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إلا إن كلكم مناج ربه . فلا يؤذين بعضكم بعضاً ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ))(67) .
2 - الخروج عن السمت والوقار الذين يجب على المسلم المحافظة عليهما .
3 - أن اعتياد الذكر الجماعي قد يدفع بعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجدوا من يجتمع معهم لترديد الذكر جماعة كما اعتادوا .(/20)
4 - أنه قد يحصل من بعض الذاكرين أحياناً تقطيع الآيات حتى يتمكن قصار النَفَس من الترديد مع طوال النَفَس . فهذه أظهر أدلة المانعين من الذكر الجماعي . وقد سقتها - على وجه التفصيل - في حدود ما وقفت عليه ، مع تحري الأمانة فيما نقلت .
وأما أدلة المجيزين للذكر الجماعي فقد أجاب المانعون عنها بما يلي :
أولاً : الجواب على الدليل الأول : وهو احتجاجهم بالنصوص الواردة في مدح الذاكرين بصيغة الجمع ، وادعاؤهم أن هذا يقتضي اجتماعهم على الذكر بشكل جماعي ، وللجواب على هؤلاء يقال :
إن الحث على الذكر بصيغة الجمع ومدح الذاكرين بصيغة الجمع لا يقتضي الدلالة على استحباب أو جواز الذكر الجماعي ولا يلزم منه ذلك . بل غاية ما في هذه النصوص الدلالة على استحباب الذكر لجميع المسلمين ، والحث عليه ، وسواء كان ذلك على وجه الانفراد ، أو الاجتماع ، ظاهراً ، أو خفياً .
ثانياً : الجواب على الدليل الثاني : وهو استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله ومجالس الذكر .
فالجواب على هذا الدليل من وجهين :
الوجه الأول : أن ذكر الله ليس مقصوراً على التسبيحات والدعوات ، وما يقال باللسان ، بل إن ذكر الله سبحانه وتعالى يشمل كل قول وفعل يرضي الله تعالى ومنه مجالس العلم والفقه ، والقرآن ، ولذلك فإن ما ورد في فضل مجالس الذكر ليس المقصود منها فقط ما ذكروه ، بل وغير ذلك .
ويدل على ذلك ما ورد في كتاب الحلية لأبي نعيم الأصبهاني ، بسنده إلى أبي هزان قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يقول : من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل . قال أبو هزان : قلت لعطاء : ما مجلس الذكر ؟ قال : مجلس الحلال والحرام ، وكيف تصلي ، وكيف تصوم ، وكيف تنكح ، وكيف تطلق وتبيع وتشتري(68)(/21)
وقال الحافظ ابن حجر : والمراد بالذكر : الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها ، مثل : الباقيات الصالحات وهي : (( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر )) ، ونحو ذلك . والدعاء بخيري الدنيا والآخرة . ويطلق ذكر الله أيضاً ، ويراد به : المواظبة على العمل بما أوجبه ، أو ندب إليه : كتلاوة القرآن ، وقراءة الحديث ، ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة(69) .
قال العلامة المباركفوري(70) : (( المراد بالذكر - هنا - : الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات ، وهي: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ، وما يلتحق بها من الحوقلة ، والبسملة ، والحسبلة ، والاستغفار، ونحو ذلك ، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة . ويُطلق ذكر الله أيضاً ويُراد به المواظبة على العمل بما أوجبه ، أو ندب إليه ، كتلاوة القرآن ، وقراءة الحديث ، ومدارسة العلم ، والتنفل بالصلاة )) .
فإن قال قائل من هؤلاء : إن الذكر بالألفاظ الواردة نوع من أنواع الذكر اللساني يشمله أحاديث فضل مجالس الذكر فدل ذلك على استحباب الاجتماع لأجل هذا الذكر اللساني .
فالرد عليه بالوجه الثاني : أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه ، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله . وهناك فرق كبير بين هذا وذاك .
فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله ، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به ، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية : (( كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ ، والناس يستمعون . وكان عمر يقول لأبي موسى : ذكرنا ربنا . فيقرأ وهم يستمعون لقراءته ))(71) .(/22)
وقال الطرطوشي : (( هذه الآثار(72) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم ، أو يقرأ المعلم على المتعلم ، أو يتساويا في العلم ، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم ، دون القراءة معاً .
وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة ، وفي قراءة الجماعة على المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم . ورجل واحد يقرأ القرآن ، لجاز أن يقولوا : هؤلاء جماعة يدرسون العلم ، ويقرؤون العلم والحديث . وإن كان القارئ واحد(73) .
ثالثاً : وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر رضي الله عنه ، وميمونة رضي الله عنها . فيجاب عنها من ثلاثة وجوه :
الأول : أنها غير صريحة في التكبير الجماعي بالشكل الذي يدعو إليه من يقولون بمشروعية الذكر الجماعي ، بل غاية ما فيها أن الناس تأسَّوا بعمر رضي الله عنه فكبروا مثله وبأصوات مرتفعة ، وبسبب تداخل واختلاط الأصوات مع كثرة الحجيج فقد ارتجت منى بالتكبير . ولا يفهم منه أن عمر رضي الله عنه كان يكبر ثم يسكت حتى يرددوا خلفه بصوت رجل واحد . وإلا فإن أئمة المذاهب المتبوعة لم ينقل عنهم الإقرار للذكر والتسبيح والتكبير بصوت واحد فلو فهموا منه ما فهمه دعاة الذكر الجماعي لقالوا به . ولكنهم فهموا هذه الآثار - والله أعلم - على ما سبق ذكره في أول هذا الوجه .
وأما أثر ميمونة فيقال فيه ما قيل في أثر عمر . وليس فيه إلا تكبير النسوة مع الرجال في المسجد .
الثاني : أن عمر رضي الله عنه قد ثبت عنه أنه عاقب من اجتمعوا للدعاء والذكر وغيره كما في الأثر الذي رواه ابن وضاح . وقد سبق إيراده في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم .(/23)
الثالث : أن مثل هذا التكبير من عمر والترديد من الناس لم ينقل في غير أيام منى ، ووقت الحج . ولو جاز تعميم الحكم ، والقول بجواز الذكر الجماعي في المساجد والبيوت، وبعد الصلوات وفي الأوقات المختلفة ، لكان في هذا مخالفة واضحة للآثار السابقة عن عمر ، وابن مسعود ، وخباب ، وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً .
رابعاً : وأما الأمر الرابع الذي استدلوا به : وهو دعواهم أن للذكر الجماعي مصالح عديدة ، فيجاب عنه بما يأتي(74) :
1 - قولهم إن فيه تعاوناً على البر والتقوى باطل ، يرده فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - . فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أنزل عليه { وتعانوا على البر والتقوى } وكذلك فعله عليه السلام ، ولو كان الاجتماع للدعاء والذكر بعد الصلاة جهراً لمن شهد الصلاة ، وفي غير ذلك من الأوقات . لو كان هذا كله من باب التعاون على البر والتقوى لكان أول سابق إليه هو النبي عليه السلام ولفاز بالسبق إليه أصحابه رضوان الله عليهم ، ومن المعلوم أنهم لم ينقل عنهم ذلك قطعاً . وكذب من ادعى عليهم شيئاً من ذلك .
2 - وأما قولهم إن الذكر الجماعي أقرب للإجابة . فيجاب عليهم بأن هذه العلة كانت موجودة في زمانه عليه السلام بل هو - صلى الله عليه وسلم - أعظم من تجاب دعوته ولا شك في ذلك ، فهو عليه السلام كان أحق بأن يفعل ذلك ويدعو مع أصحابه - جماعة - خمس مرات في اليوم والليلة . ولكن رغم ذلك لم ينقل عنه أنه فعل ذلك . وبالتالي يصبح من الواجب الحكم على هذا الفعل بأنه بدعة بناء على ما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام ، وبناء على الأدلة الكثيرة في بيان وجوب طاعته والاهتداء بهديه ، والاقتداء بسنته .
3 - وأما قولهم إن الذكر الجماعي أبعد عن اللحن في الدعاء والذكر ولاسيما للعوام، فيجاب عليهم بما يلي :(/24)
أ - أنه ليس من شروط صحة الدعاء عدم اللحن فيه ، بل يشترط الإخلاص وصدق التوجه ومتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
وقد كان الصحابة متوافرين بعد انتشار الفتوحات ، وظهور العجمة في الألسنة بعد أن كثر العجم الداخلون في الإسلام وشاع بين الناس اللحن في الكلام ، ومع ذلك لم ينقل عن الصحابة شيء من هذا الذكر الجماعي .
ب - أن هذا اللحن الذي زعموه ، والموجود في الدعاء ، يوجد أيضاً من هؤلاء العوام في قراءة القرآن ، وفي الصلاة وفي غيرها من شعائر الدين ، وكان الجدير بهؤلاء أن يعلموهم بعد الصلوات تلك الأحكام ، لأنها أمور واجب تعلمها على المسلم ، أما الدعاء فهو أمر مستحب .
رابعاً : قولهم : إن هذا عمل الناس ، وعليه الجماعة ، وقد اجتمع عليه أكثر الناس .
فيجاب عليهم بأن هذا احتجاج بالناس على الشرع ، وهذا باطل . بل يحتج بالشرع وبالدليل على الناس ، وعلى الرجال ، وأما اتباع عامة الناس وأغلبهم في أمور الدين فهذا باب ضلال ، وقد ذمه الله عز وجل في كتابه فقال : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } [ الأنعام : 116 ] . ولسنا متعبَّدين بطاعة الناس واتباعهم ، بل بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعه .(/25)
وقد جاء عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري قال : (( كان عبد الله بن الحسن - يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يكثر الجلوس إلى ربيعة فتذاكروا يوماً . فقال رجل كان في المجلس : ليس العمل على هذا ( أي أن عمل العوام يخالف ذلك ) . فقال عبد الله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام ، أفهم الحجة على السنة ؟ فقال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء ))(75). فبيَّن عبد الله ابن الحسن أن كثرة الجهال والمبتدعين ، وتسلطهم على الناس ، ونشرهم لبدعتهم ، ليس حجة على السنة وعلى الشرع ، ولا ينبغي ولا يجوز أن يعارض شرع الله، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفعل أحد من الناس ، كائناً من كان .
خامساً : دعواهم أن الذكر الجماعي وسيلة لها حكم غايتها ، وغاية الذكر الجماعي عبادة الله .
فيجاب عليهم بما يلي :
1 - أن هذه القاعدة ليست قاعدة مطردة على الدوام ، بل إن لها موارد مقصورة عليها ، فهذه القاعدة مقصورة على ما ورد في الشرع سواء كان وسيلة أم غاية . ومما يدل على ذلك أن الشيء قد يكون مباحاً ، بل واجباً ، ومع ذلك تكون وسيلته مكروهة أو محرمة . كمن يتوصل إلى تحصيل ماء الوضوء عن طريق الغصب أو السرقة .
2 - يدلك على هذا كذلك فعل السلف الصالح ، فإنهم - رضي الله عنهم - كانوا يتحرون في أمور العبادات كلها تحرياً شديداً من غير التفات إلى الفرق بين ما يسمى
(( وسائل )) و(( غايات ))(76) .
سادساً : وأما قولهم : إن الآثار المانعة للذكر الجماعي تعارض الأحاديث الكثيرة التي تثبت مشروعية الذكر الجماعي ( كذا زعموا ) ، فتُقدَّم الأحاديث عليها .
فيجاب عليهم بأنه لا تعارض بين هذه الآثار وتلك الأحاديث كما سبق ، بل إن تلك الأحاديث ينبغي أن تفهم وتفسر في ضوء فهم السلف الصالح لها ، وهذه الآثار الواردة عن السلف تفسر جانباً من هذه الأحاديث ، كما سبق وأن ذكرناه .(/26)
وأما ما رد به السيوطي أثر ابن مسعود بأنه لا يعرف له سند ، فمردود بأنه أثر صحيح بمجموع طرقه رواه الدارمي في سننه ، وابن وضاح في البدع(77) . والعجب أن الإمام السيوطي - رحمه الله - ذكر هذا في كتابه (( الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ))(78) .
وأما قول الدكتور الزحيلي(79) : (( فلا يصح القول بتبديع الدعاء الجماعي بعد الصلاة ... )) إلخ .
فيقال : قوله : ( لا يصح ) . هذه كلمة شرعية ، وإطلاق لحكم شرعي ، وهذا يقتضي عدم الجواز . فمن أين أتى بهذا الحكم ؟ ومَنْ سبقه بهذا من أهل العلم المعتبرين ؟ ولا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة .
ثم قوله : (( وجرى العمل بين المتأخرين بالاجتماع على الدعاء ))(80) أهـ .
فيقال له : ومتى كان اجتماع الناس على عملٍ ما قاضياً على شرع الله عز وجل ؟ فالحجة إنما هي في النصوص وفي عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، والصحابة الكرام ، لا في عمل المتأخرين .
ثم قوله في إنكار ابن مسعود على المجتمعين على الذكر : (( والواقع أن هذا الإنكار ليس بسبب اجتماعهم على الذكر . وإنما لشذوذهم وادعائهم أنهم أشد اجتهاداً في الدين من غيرهم ))(81) أهـ .
فيقال له : ما دليلك على هذا الكلام ؟! وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي ، ومثله إنكار خباب بن الأرت على ولده ، وهل كان هناك شذوذ عند هؤلاء المذكورين غير اجتماعهم على الذكر الجماعي ؟ إذ لا يمكن أن يقال إن شذوذهم كان بسبب أنهم يذكرون الله كثيراً .
ومن هنا يتبين لك ضعف استدلال المجيزين للذكر الجماعي بالأدلة التي استدلوا بها ، وأنها لا تنهض لهم بما أرادوا ، وأن الحجة قائمة عليهم بحمد الله تعالى . وكذلك يتبين لك قوة أدلة المانعين من الذكر الجماعي .
المبحث الخامس : حكم الذكر الجماعي(/27)
سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي ، وأنهم يعدونه محدثاً في الدين لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة رضي الله عنهم ، ولا من بعدهم . وكذلك الدعاء جماعة ، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة ، إلا ما ورد به الدليل ، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك ، وقد تقدم ذكر بعضها ، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك :
1 - ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع )(82) ، عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى : أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل ، لأنه ذكر . والسنة في الأذكار المخافتة ؛ لقوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } [ الأعراف : 55 ] . ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( خير الدعاء الخفي ))(83) . ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب ، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص . انتهى .
وقال العلامة المباركفوري في ( تحفة الأحوذي )(84) : اعلم أن الحنفية في هذا الزمان ، يواظبون على رفع الأيدي في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب ، فكأنهم يرونه واجباً، ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام . ثم قام ولم يدع ولم يرفع يديه . وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الإمام أبي حنيفة ، وأيضاً مخالف لما في كتبهم المعتمدة . انتهى .(/28)
2 - ومما يتعلق بمذهب مالك رحمه الله في الذكر الجماعي ما جاء في كتاب ( الدر الثمين ) للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي(85) : كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبة جهراً للحاضرين . ونقل الإمام الشاطبي في كتابه العظيم ( الاعتصام )(86) قصة رجل من عظماء الدولة ذوي الوجاهة فيها موصوف بالشدة والقوة ، وقد نزل إلى جوار ابن مجاهد . وكان ابن مجاهد لا يدعو في أخريات الصلوات، تصميماً في ذلك على المذهب - مذهب مالك - لأن ذلك مكروه فيه. فكأن ذلك الرجل كره من ابن مجاهد ترك الدعاء ، وأمره أن يدعو فأبى فلما كان في بعض الليالي قال ذلك الرجل : فإذا كان غدوة غد أضرب عنقه بهذا السيف . فخاف الناس على ابن مجاهد فقال لهم وهو يبتسم : لا تخافوا ، هو الذي تُضرب عنقه في غدوة غد بحول الله . فلما كان مع الصبح وصل إلى دار الرجل جماعة من أهل المسجد فضربوا عنقه . انتهى .
3 - وأما مذهب الشافعي رحمه الله ، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في ( الأم )(87) : وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة ، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسِرُّ ، فإن الله عز وجل يقول : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } [ الإسراء : 110 ] يعني - والله تعالى أعلم - الدعاء ، ولا تجهر : ترفع . ولا تخافت : حتى لا تسمع نفسك . انتهى .(/29)
وقال الإمام النووي في المجموع(88) : اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام ، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر ، فلا أصل له . انتهى . قلت : ولقائل أن يقول : نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات ، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في ( التحقيق )(89) : يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به ، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر ، فإذا تعلموا أسر . انتهى .
4 - وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة ، فقد قال ابن قدامة في ( المغني )(90) : ويُستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته ، ويُستحب من ذلك ما ورد به الأثر ، وذكر جملة من الأحاديث ، فيها شيء من الأذكار التي كان - صلى الله عليه وسلم - يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة . وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(91) عن الدعاء بعد الصلاة ، فذكر بعض ما نقل عنه - صلى الله عليه وسلم - من الأذكار بعد المكتوبة ، ثم قال : وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . انتهى .
قلت : وفيما يختص بدعاء الإنسان منفرداً من غير جماعة فإنه إذا كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً فليس ثم مانع يمنعه من الدعاء إذا بدأ بالأذكار المسنونة والتسابيح المشروعة في أعقاب الصلوات ، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم . أما الدليل من الكتاب العزيز ، فقول الله تعالى : { فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب } [ الشرح : 7 - 8 ] .(/30)
وقد ورد في الكلام على هاتين الآيتين ، في إحدى الروايتين : فإذا فرغت من صلاتك ، فانصب إلى ربك في الدعاء وسله حاجتك . نقل هذا ابن جرير الطبري(92) في تفسيره وابن أبي حاتم(93) ، والسمعاني(94) ، والقرطبي(95) ، وابن الجوزي(96) ، وابن كثير(97) ، والشوكاني(98) ، والسعدي ، وغيرهم من المفسرين .
قال السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين : { فإذا فرغت فانصب } أي إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء . { وإلى ربك } وحده { فارغب } أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك ، وقبول دعواتك ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره ، فتكون من الخاسرين . وقد قيل : إن معنى هذا : فإذا فرغت من الصلاة ، وأكملتها فانصب في الدعاء . { وإلى ربك فارغب } في سؤال مطالبك . واستدل من قال هذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات . والله أعلم(99) . انتهى .
وأما من السنة ، فعن أبي أمامة قال : قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع ؟ قال (( جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات )) . رواه الترمذي(100) وقال : هذا حديث حسن.
وقد جاءت بذلك فتاوى العلماء قديماً وحديثاً :
فمن القديم ما ذكره ابن مفلح قال : قال مهنا : سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم ، فيدعو هذا ، ويدعو هذا ويقولون له : ادع أنت . فقال : لا أدري ما هذا ؟! أي : أنه استنكره .
وقال الفضل بن مهران : سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت : إن عندنا قوماً يجتمعون ، فيدعون ، ويقرأون القرآن ، ويذكرون الله تعالى ، فما ترى فيهم ؟(/31)
قال : فأما يحيى بن معين فقال : يقرأ في مصحف ، ويدعو بعد الصلاة ، ويذكر الله في نفسه ، قلت : فأخ لي يفعل ذلك . قال : أنهه ، قلت : لا يقبل ، قال : عظه . قلت : لا يقبل . أهجره ؟ قال : نعم . ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً : يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله . قلت : فأنهاه ؟ قال : نعم . قلت : فإن لم يقبل ؟ قال : بلى إن شاء الله ، فإن هذا محدث ، الاجتماع والذي تصف(101) .
وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه : (( كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان . فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة ))(102) .
وقال ابن الحاج : (( ينبغي أن ينهى الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة، أو بعدها، أو في غيرهما من الأوقات . لأنه مما يشوش بها ))(103) .
وقال الزركشي : (( السنة في سائر الأذكار الإسرار . إلا التلبية ))(104) .
جاء في ( الدرر السنية ) : (( فأما دعاء الإمام والمأمومين ، ورفع أيديهم جميعاً بعد الصلاة ، فلم نر للفقهاء فيه كلاماً موثوقاً به . قال الشيخ تقي الدين : ولم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام . بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث ))(105) .
وجاء في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا ما يلي : (( ختام الصلاة جهاراً في المساجد بالاجتماع ، ورفع الصوت ، من البدع التي أحدثها الناس ، فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة ، كانت من البدع الإضافية ))(106) . وقال في موضع آخر : (( إنه ليس من السنة أن يجلس الناس بعد الصلاة بقراءة شيء من الأذكار ، والأدعية المأثورة ، ولا غير المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع .. وأن الاجتماع في ذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدعة ))(107) .(/32)
وجاء في الفتاوى الإسلامية للشيخ ابن عثيمين : (( الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلاً على مشروعيته ))(108) .
وقال الشيخ صالح الفوزان : (( البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة ، لأن الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل . وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة ... ثم ذكر بعض البدع . وقال : ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفرداً ))(109) .
فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة ، وإنما يباح منه ما كان لعارض ، قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - : (( لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات : للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزاً .. وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام ، ولا كونه سنة تقام في الجماعات ، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب ))(110) .
وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة ، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً ، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة ، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية ، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة . فإن وقع أحياناً فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق ، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر(111) ، وقال شيخ الإسلام : (( الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة ))(112) وقال : (( أما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة ، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والسلف الصالح ))(113) .
المبحث السادس : مفاسد الذكر الجماعي(/33)
سبق الإشارة إلى بعض مفاسد الذكر الجماعي باختصار ضمن المبحث الرابع . ونظراً لأهمية هذه المسألة فقد أفردتها بهذا المبحث المستقل . فأقول - مستعيناً بالله - إن من مفاسد الذكر الجماعي :
الأولى : مخالفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم ، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك . ولا شك أن ما خالف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم ، فهو بدعة ضلالة . ولو كان خيراً لفعله - صلى الله عليه وسلم - ، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام ، ولنقل ذلك عنهم ولا شك . فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه . وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس بدين اليوم .
الثانية : الخروج عن السمت والوقار ، فإن الذكر الجماعي قد يتسبب فيب التمايل ، ثم الرقص ، ونحو ذلك ، وهذا لا يجوز بحال ، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى ، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب .
الثالثة : التشويش على المصلين ، والتالين للقرآن ، وذلك إذا كان الذكر الجماعي في المساجد . ولاشك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي .
الرابعة : أنه قد يحصل من الذاكرين تقطيع في الآيات، أو إخلال بها وبأحكام تلاوتها، أو بأذكار مما يجتمع عليها ، كما لو أن أحدهم قد انقطع نَفَسُه ثم أراد إكمال الآية فوجد الجماعة قد سبقوه ، فيضطر لترك ما فاته واللحاق بالجماعة فيما يقرأون . أو أن يكون بعض القارئين مخلاً بالأحكام فيضطر المجيد للأحكام إلى مجاراتهم حتى لا يحصل نشاز وتعارض ، ونحو ذلك .
الخامسة : أن في الذكر الجماعي تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد . وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جواز الذكر الجماعي .(/34)
السادسة : أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخاً معيناً يجارونه فيما يذكر ، وفيما يقول ، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة ، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوماً بعد يوم ؛ لأن السنة تجمع ، والبدعة تفرق
السابعة : أن اعتياد الذكر الجماعي قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجد من يشاركه ، وذلك لاعتياده الذكر الجماعي دون غيره .
ولاشك أن للذكر الجماعي مفاسد أخرى ، وفيما ذكرت كفاية ،،،، ولله الحمد .
• • •
الخاتمة :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فمن خلال هذا البحث ، وما ورد فيه ، يتبين لنا أن الذكر الجماعي ليس له أصل في دين الله تعالى ، إذ لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة الكرام أنهم كانوا يذكرون الله جماعة ، ولم يفعله السلف الصالح رضي الله عنهم ، بل أنكروا على من فعل ذلك ، ولم تنتشر هذه البدعة إلا بقوة السلطان ، وذلك على يد المأمون بن هارون الرشيد ، لما أمر به ودعا إليه ثم اعتاده الناس ، وشاع بينهم حتى أصبح عندهم كالفريضة .
وقد احتج أصحاب هذه البدعة بنصوص عامة لا تسعفهم صراحة عند الاستدلال بها. وقد استدلوا كذلك بمصالح - ادعوها - للذكر الجماعي ، وقد سقنا - والحمد لله - الجواب عن حججهم ، بل وذكرنا بعضاً من مفاسد هذه البدعة في مبحث مستقل خلال هذا البحث ، وبينا بعضاً من أضرارها على صاحبها ، وعلى غيره .
وأسأل الله أن أكون قد وفقت في إخراج هذا البحث ، وما كان فيه من صواب فمن الله ، وما كان من خطأ فمني ، والله ورسوله منه براء ، وأسأل الله القبول ، والحمد لله رب العالمين .
الحواشي والتعليقات(/35)
(1) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بها خطبه ، رواها الإمام أحمد في المسند ( 1 / 392 - 293 ) وأبو داود ( 2118 ) ، والترمذي ( 1105 ) ، وابن ماجه ( 1892 ) . وأخرج بعضها الإمام مسلم في صحيحه ( 867 ) و( 868 ) وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة في إثبات صحتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صححها كذلك في صحيح أبي داود ( 860 ) وصحيح ابن ماجه ( 1535 ) ، وفي تخريج مشكاة المصابيح 3149 ) .
(2) انظر : تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي ( 1 / 246 ) .
(3) أخرجه البخاري ( 2697 ) ، ومسلم ( 1718 ) من حديث عائشة .
(4) انظر : تفسير السعدي المسمَّى ( تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن ) ( 6 / 609 ) ، ط مؤسسة السعيدية بالرياض .
(5) القاموس المحيط ( 507 ) ، لسان العرب لابن منظور ( 5 / 48 ) .
(6) مفردات الراغب ( 328 ) .
(7) انظر : الموسوعة الفقهية ( 21 / 220 ) ، والفتوحات الربانية ( 1 / 18 ) .
(8) الموسوعة الفقهية ( 21 / 252 ) .
(9) تاريخ الأمم والملوك ( 10 / 281 ) .
(10) البداية والنهاية ( 10 / 282 ) .
(11) دراسات في الأهواء ( ص 282 ) .
(12) انظر : الإبداع في مضار الابتداع ( 317 ) .
(13) الإبداع في مضار الابتداع ( 316 ) .
(14) الإبداع في مضار الابتداع ( 317 ) .
(15) السنن والمبتدعات ( 60 ) ، وعلم أصول البدع ( 151 ) .
(16) السنن والمبتدعات ( 60 ) .
(17) انظر : علم أصول البدع ( 151 ) .
(18) إصلاح المساجد ( ص 111 ) .
(19) مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام ( 123 ) .
(20) الحوادث والبدع ( 126 ) .
(21) تقديس الأشخاص ( 3361 ) .
(22) تقديس الأشخاص ( 1 / 336 ) .
(23) البدع وما لا أصل له ( ص 425 ) .
(24) التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة ( 35 ) .
(25) مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للألباني ( 63 ) رقم ( 166 ) .(/36)
(26) انظر : حجج من أجاز الذكر الجماعي في كتاب ( نتيجة الفكر في الجهر بالذكر ) للسيوطي ( 2 / 23 - 29 ) مطبوع ضمن الحاوي للفتاوي وكتاب صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لحسين السقاف ( ص 244 - 257 ) .
(27) البخاري ( 6408 ) ، ومسلم ( 2689 ) عن أبي هريرة .
(28) فتح الباري ( 11 / 212 ) .
(29) رواه أحمد في المسند ( 4 / 124 ) ، والطبراني في الكبير ( 7 / 290 ح 7163 ) .
(30) انظر الموقظة للذهبي ( ص 83 ) .
(31) البخاري ( 7405 ) ، ومسلم ( 2657 ) عن أبي هريرة .
(32) ما جاء في البدع ( ص 48 رقم 25 ) .
(33) مسلم ( 2701 ) عن معاوية .
(34) أخرجه أبو داود ( 3667 ) وهو في صحيح أبي داود ( 3114 ) .
(35) تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 1048 ) .
(36) تفسير ابن جرير ( 4 / 438 ح 12081 ) .
(37) تقريب التهذيب ( 401 ) .
(38) سير أعلام النبلاء ( 5 / 206 ) .
(39) البخاري ( 2 / 225 ، 226 ) ، ومسلم ( ح 392 ) في الصلاة ، وأبو داود ( ح 836 ) ، والنسائي ( 2 / 233 ) .
(40) المعجم الكبير ( قطعة من جزء 13 رقم 324 ) من طريق فضيل بن سليمان عن محمد بن أبي يحيى، وسنده ضعيف .
(41) انظر : تهذيب الكمال وحاشيته ( 23 / 274 ، 275 ) .
(42) عمل اليوم والليلة لابن السني ( ص 53 ) .
(43) تقريب التهذيب ( 193 ) .
(44) تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي ( 1 / 246 ) .
(45) مصنف ابن أبي شيبة ( 1 / 337 ) .
(46) المحلى لابن حزم ( 4 / 261 ) .
(47) جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي ( 1 / 299 ) ؛ ومسند أحمد ( 3 / 229 - 230 ) .
(48) جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي ( 1 / 299 ) .
(49) تقريب التهذيب ( 1 / 317 / 3757 ) .(/37)
(50) أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به ( الفتح 2 / 534 ) ، وابن المنذر في الأوسط ( 4 / 299 / رقم 2197 ) والبيهقي في السنن الكبرى ( 3 / 312 ) . قال ابن حجر في الفتح ( 2 / 535 ): (( وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير ، ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق ، ومن طريقه البيهقي )) وذكر ابن حجر نفس الكلام في تغليق التعليق ( 2 / 379 ) .
(51) أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به ( الفتح 2 / 534 ) . قال ابن حجر في الفتح ( 2 / 535 ) : (( وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين )) .
(52) وهذه المصالح التي زعموها ذكرها الشاطبي في الاعتصام ( 1 / 461 ) وما بعدها .
(53) المرجع السابق ( 1 / 460 ) .
(54) القواعد والأصول الجامعة ( ص 25 ) .
(55) هذه من الحجج التي احتج بها بعض الناس في إثبات كثير من المحدثات . انظر : علم أصول البدع ص 246 .
(56) يعني الأثر الذي رواه الدارمي ، والذي فيه إنكاره الذكر الجماعي . وكذلك وردت آثار أخرى عنه ذكر فيها إنكاره الذكر الجماعي كما في البدع لابن وضاح .
(57) الحاوي للفتاوي ( 2 / 132 ) .
(58) الاعتصام ( 1 / 219 ) .
(59) الفتاوى الكبرى ( 2 / 467 ) .
(60) ما جاء في البدع لابن وضاح ( 54 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 558 ) . وسنده حسن .
(61) الدارمي ( 1 / 68 - 69 ) بإسناد جيد ، وابن وضاح في البدع ( ص 8 - 10 ، 11 ، 12 ، 13 ) من عدة طرق عن ابن مسعود . وابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 16 - 17 ) ، وأورده السيوطي في الأمر بالاتباع ( ص 83 - 84 ) قال محقق كتاب ( الأمر بالاتباع ) للسيوطي : (( والأثر صحيح بمجموع طرقه )) .(/38)
(62) العمالقة : الجبابرة الذين كانوا بالشام من بقية قوم عاد . ويقال لمن خدع الناس ويخلبهم : عملاق ، والعملقة : التعمق في الكلام . فشبَّه القصاص بهم لما في بعضهم من الكبر والاستطالة على الناس . أو بالذين يخدعونهم بكلامهم . وهو أشبه . قاله ابن الأثير في النهاية ( 3 / 301 ) .
(63) ابن وضاح في البدع والنهي عنها ( ص 32 رقم 32 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 559 ).
(64) كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي ص 62 ، 63 - 68 .
(65) فتاوى الشاطبي ص ( 206 - 208 ) .
(66) أخرجه : البخاري ( 2697 ) ، ومسلم ( 1718 ) عن عائشة .
(67) أخرجه أبو داود ( 1332 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ( 1183) وفي صحيح الجامع الصغير( 2639 ) ونسبه لأحمد والحاكم والبيهقي وابن خزيمة .
(68) الحلية ( 3 / 313 ) .
(69) الفتح ( 11 / 250 ) .
(70) تحفة الأحوذي ( 9 / 314 ) .
(71) مجمع الفتاوى ( 11 / 533 ) .
(72) أي التي تدل على فضل مجالس الذكر والاجتماع عليه .
(73) الحوادث والبدع ص 166 .
(74) انظر : الاعتصام للشاطبي ( 1 / 461 ) بتصرف .
(75) الاعتصام ( 1 / 460 ) .
(76) علم أصول البدع ص 246 .
(77) ما جاء في البدع ( ص 400 وما بعدها ) رقم ( 9،17،18،19،20 ،23 ) .
(78) الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ( ص 83 ) .
(79) البدع المنكرة ( ص 47 ) .
(80) المصدر السابق ( ص 47 - 48 ) .
(81) المصدر السابق ( ص 48 - 49 ) .
(82) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ( 1 / 196 ) .
(83) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 3 / 44 ) ، وأبو يعلى في مسنده ( 2 / 81 ) ( 731 ) ، وابن حبان في صحيحه ( 3 / 91 ) ( 809 ) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( 10 / 81 ) وقال : (( رواه أحمد وأبو يعلى ، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيب ، قد وثقه ابن حبان ... وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح )) .
(84) تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي ( 1 / 246 ) .(/39)
(85) الدر الثمين والمورد المعين ، للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي ( ص 173 ، 212 ) .
(86) الاعتصام ، للشاطبي ( 2 / 275 ) ، بتصرف .
(87) الأم ، للشافعي ( 1 / 111 ) .
(88) المجموع للنووي ( 3 / 465 - 469 ) .
(89) كتاب التحقيق للنووي ( 219 ) . كمال في كتاب مسك الختام ( 137 - 141 ) .
(90) المغني لابن قدامة ( 2 / 251 ) .
(91) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 22 / 515 ) .
(92) تفسير الطبري ( 12 / 628 - 629 ) .
(93) تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3446 ) .
(94) تفسير السمعاني ( 6 / 252 ) ، ط دار الوطن .
(95) تفسير القرطبي ( 20 / 74 ) ، ط دار الكتب العلمية .
(96) تفسير ابن الجوزي ( 9 / 166 ) ، ط المكتب الإسلامي .
(97) تفسير ابن كثير ( 4 / 497 ) ، ط دار الكتب العلمية .
(98) تفسير الشوكاني ( 5 / 462 ) ، ط دار الوفاء .
(99) تيسير الكريم الرحمن ( 859 ) ، ط مؤسسة الرسالة .
(100) الترمذي ( 5 / 526 / ح 3499 ) ، وأبو داود ( 2 / 25 ) .
(101) الآداب الشرعية ( 2 / 75 ) .
(102) الاعتصام ( 4 / 318 ) .
(103) إصلاح المساجد للقاسمي ( ص 111 ) .
(104) إصلاح المساجد للقاسمي ( ص 111 ) .
(105) الدرر السنية ( 4 / 356 ) .
(106) ( 4 / 358 ) .
(107) ( 4 / 359 ) .
(108) ( 4 / 318 ) .
(109) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ( ص 389 ) .
(110) الاعتصام للشاطبي ( 2 / 23 ) .
(111) الاقتضاء ( 304 ) .
(112) الاقتضاء ( 304 ) .
(113) الفتاوى الكبرى المصرية ( 1 / 188 ) ، مجموع الفتاوى ( 22 / 492 ) ، اقتضاء الصراط المستقيم ( 203 )
المصادر والمراجع
1- إصلاح المساجد ، للقاسمي . ط المكتب الإسلامي ، بيروت .
2- اقتضاء الصراط المستقيم ، لابن تيمية . ط بيروت ، ت : محمد حامد الفقي ، وطبعة أخرى
تحقيق : د. ناصر العقل .
3- الآداب الشرعية ، لابن مفلح . ط بيروت .
4- الإبداع في مضار الابتداع ، لعلي محفوظ . ط دار الاعتصام بمصر .(/40)
5- الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ، لصالح الفوزان . ط دار العاصمة ، الرياض .
6- الاعتصام ، للشاطبي . ط بيروت .
7- الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ، للسيوطي . ط دار ابن القيم ، الدمام ، وطبعة أخرى مصرية .
8- الأم ، للشافعي . ط دار الشروق ، بيروت .
9- الأوسط ، لابن المنذر . ط دار طيبة ، الرياض .
10-بدائع الصنائع ، للكاساني . ط دار الكتاب العربي ، بيروت .
11-البداية والنهاية ، لابن كثير . ط مكتبة المعارف ، بيروت .
12-البدع المنكرة ، د. وهبة الزحيلي . ط دمشق .
13-تاريخ الأمم والملوك ، للطبري . دار سويدان ، بيروت .
14-تحفة الأحوذي ، للمباركفوري . ط دار الكتاب العربي .
15-تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير . ط دار الفكر .
16-تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي لمحمد أحمد نوح . ط دار الهجرة بالدمام .
17-تقريب التهذيب ، لابن حجر . ط دار الرشيد ، وط دار المعرفة .
18-تيسير الكريم المنان ، السعدي . ط السعيدية ، وط الرسالة .
19-التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة ، لعبد العزيز بن باز . ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية ، الرياض .
20-الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) . ط دار الكتب العلمية .
21-الجرح والتعديل ، لابن أبي حاتم . ط دار الكتب العلمية .
22-حلية الأولياء ، لأبي نعيم الاصبهاني . ط دار الكتب العلمية .
23-الحاوي للفتاوي ، للسيوطي . ط المكتب الإسلامي .
24-الحوادث والبدع . ط دار الراية بالرياض .
25-دراسات في الأهواء ، د. ناصر العقل ، ط دار الوطن .
26-الدر الثمين والمورد المعين ، لمحمد بن أحمد ميارة المالكي .
27-الدرر السنية ، جمع ابن قاسم . ط بيروت .
28-سير أعلام النبلاء ، للذهبي . ط مؤسسة الرسالة .
29-السنن ، لابن ماجه . ط دار الفكر العربي .
30-السنن ، لأبي داود . ط دار الكتاب العربي ، وط دار الحديث ، سوريا .
31-السنن ، للدارمي . ط بيروت .(/41)
32-السنن ، والمبتدعات للشقيري . ط القاهرة .
33-السنن الكبرى ، البيهقي . ط دار المعرفة ، بيروت .
34-صحيح البخاري ، للبخاري . ط مصطفى البغا .
35-صحيح سنن ابن ماجة ، الألباني . ط مكتب التربية العربي .
36-صحيح سنن أبي داود ، الألباني . ط مكتب التربية العربي .
37-صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجاج . ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية ، الرياض .
38-علم أصول البدع ، علي عبد الحميد . ط دار الراية ، الرياض .
39-عمل اليوم والليلة ، لابن السني . ت: أبي محمد السلفي ، ط دار المعرفة ، بيروت .
40-عون المعبود ، لشمس الحق العظيم آبادي . ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .
41-فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا . ط بيروت .
42-فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني . ط السلفية ، وط الريان .
43-الفتاوى الإسلامية ، لابن عثمين . ط دار الوطن .
44-الفتاوى الكبرى المصرية ، لابن تيمية . ط دار المعرفة .
45-الفتوحات الربانية ، لابن علان . ط دار إحياء التراث ، بيروت .
46-القاموس المحيط ، للفيروزآبادي . ط مؤسسة الرسالة ، بيروت .
47-القواعد والأصول الجامعة ، للسعدي . ط بيروت .
48-كتاب التحقيق ، للنووي . ط بيروت .
49-كتاب الضعفاء والمتروكين ، للنسائي . ط مؤسسة الكتب الثقافية ، وط دار القلم .
50-الكتاب المصنف ، لابن أبي شيبة . ط الدار السلفية ، الهند ، وط بيروت .
51-لسان العرب ، لابن منظور . ط المؤسسة المصرية العامة للتأليف . وط دار صادر .
52-لسان الميزان ، لابن حجر . ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
53-اللؤلؤ والمرجان . ط دار الحديث ، القاهرة .
54-ما جاء في البدع ، لابن وضاح . تحقيق : البدر ، ط دار الصميعي ، وط دار الكتب العلمية .
55-مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، لابن تيمية . ط مؤسسة الرسالة .
56-مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام، لأحمد بن سعيد الأنبالي، دار ابن حزم ، بيروت .(/42)
57-مناسك الحج والعمرة ، للألباني . ط بيروت .
58-ميزان الاعتدال ، للذهبي . ط دار المعرفة ، بيروت .
59-المجموع ، للنووي . ط مكتبة ابن تيمية .
60-المحلى ، لابن حزم . ط دار الآفاق الجديدة .
61-المسند ، للإمام أحمد بن حنبل . ط المكتب الإسلامي .
62-المغني ، لابن قدامة . ط دار هجر بمصر .
63-المفردات ، للراغب . ط دار المعرفة ، بيروت ، وطبعة أخرى .
64-الموسوعة الفقهية . ط وزارة الأوقاف والشئون الإسلامة ، الكويت .(/43)
السلف والتصوف
أجاب عليه:عمر بن عبد الله المقبل
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيوخنا الأفاضل، عند مناقشة المتصوفة في أمور العقيدة السلفية يأتون بشبهة كون هذه العقيدة مفتراة على السلف، ولم يكن الأئمة الأربعة يقولون بذلك، ويدَّعون أنه لا يوجد أثر صحيح السند إلى الأئمة الأربعة يقول بما نقول من أن دعاء الأولياء والصالحين والتوسل بهم شرك بالله، بل على العكس فإن الأئمة الأربعة امتدحوا التصوف وحثوا الناس عليه.أنا بدوري أحاول أن أقوم بتحقيق بسيط في هذا الموضوع، هل لكم أن تساعدوني بعلمكم المبارك بالتوضيح والرد على هذه الشبهة، وما صحة القولين التاليين:
(1) ما صحة هذا القول المنسوب إلى الإمام مالك رحمه الله ورضي عنه:قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق" .
(2) ما صحة نسبة هذين البيتين إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه:
فقيهاً وصوفياً فكن ليس واحداً *** فإني وحق الله إياك أنصح
فذلك قاسٍ لم يذق قلبه تقى *** وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
أعتذر عن الإطالة لأهمية السؤال، وأرجو من فضيلتك التكرم بتفصيل الإجابة ما أمكن.وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب:
الجواب عن سؤالك - أخي يزيد - يطول جداً، لكن سأذكر لك بعض النقاط التي تعينك في فهم الجواب:
(1) من المهم جداً قبل البحث مع هؤلاء في مسألة التصوف، ودعاء الأولياء والصالحين والتوسل إليهم أن تنتبه إلى أمرين:(/2)
الأول: أن تذكِّر هؤلاء بحقيقة دعوة الرسل كلهم، من نوح إلى محمد - عليه صلوات الله وسلامه - وهي الدعوة إلى توحيده سبحانه وإفراده بالعبادة، ولا يشرك في عبادته أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، لأن جميع أنواع العبادة من الدعاء والنذر والذبح ونحوها لا يجوز صرفها إلا لله؛ لأن العبادة حق محض لله تعالى: كما قال سبحانه: "وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" [يّس:61]، وقال سبحانه: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56].
فمن دعا إلى هذا الطريق، وحذَّر من ضده فقد سلك سبيل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ومن خالفه بأن أمر الناس أن يتعلقوا بغير الله – مهما كان – في جلب النفع أو دفع الضر الذي لا يقدر عليه إلا الله – فقد شابه المشركين، وانحرف عن طريق المرسلين، الذين كانوا يدعون أنهم ما يعبدون أصنامهم إلا لتقربهم إلى الله زلفى! وأن أولئك المشركين لم يكن ينفعهم إيمانهم بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت؛ لأنهم أشركوا به في توحيد الألوهية.
الأمر الثاني: دعوى هؤلاء أن الأئمة الأربعة كانوا يحثون على التصوف، وامتدحوه، فإننا نسأل هذا المدعي: ماذا تعني بالتصوف الذي حث عليه هؤلاء الأئمة؟
إن كان المراد به الحث على العبادة والزهد في الدنيا، وحمل النفس على مكارم الأخلاق، مع الحرص على اقتفاء السنة في ذلك من غير غلو ولا شطط، ولا إتيان بطرق من التزهد والتعبد لم يفعلها النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا صحابته الكرام - رضي الله عنهم -فهذا حق، وإن كنا لا نسلم بالتسمية (التصوف)؛ لأنها تسمية حادثة بعد القرون المفضلة.(/3)
وإن كان مرادكم بالتصوف الذي حثَّ عليه هؤلاء الأئمة هو التوسل بالصالحين، ودعاؤهم فهذا من أعظم الكذب والافتراء عليهم، وكيف يستجيز عاقل قرأ سيرهم أن ينسب ذلك لهم، وإليك بعضاً مما نقل بعض هؤلاء الأئمة أنفسهم في هذا المقام الخطير، ومن لم أجد نقلاً عنه، نقلت عن بعض أتباعه الذين قرروا ما قاله أئمتهم رحمهم الله جميعاً.
أما فيما يتصل بمذهب الإمام أبي حنيفة – رضي الله عنه -، فيقول العلامة محمد بن سلطان المعصومي – رضي الله عنه – وهو من علماء الحنفية – في كتابه (حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد، ص: (315) ضمن مجموعة رسائل، بعد أن ذكر ما يقع فيه بعض الجهال من الاستغاثة بالأولياء والصالحين: (يا أيها المسلم العاقل الصحيح الإسلام، تدبر وتفكر، هل ثبت أن أحداً من الصحابة – رضي الله عنهم – نادى النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته أو بعد مماته من بعيد واستغاث به؟ ولم يثبت عن أحد منهم أنه فعل مثل ذلك! بل قد ورد المنع من ذلك، كما سأذكره – إن شاء الله تعالى – إلى أن قال: وها أنا أذكر من نصوص المذهب الحنفي – من الكتب المعتبرة والفتاوى المشهورة – ففي شرح القدوري: "إن من يدعو غائباً أو ميتاً عند غير القبور، وقال يا سيدي فلان ادع الله تعالى في حاجتي فلانة زاعماً أنه يعلم الغيب، ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وأوان، فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى، وكذا إن قال عند قبر نبي أو صالح: يا سيدي فلان اشف مرضي، واكشف عني كربتي، وغير ذلك، فهو شرك جلي، إذ نداء غير الله طالباً بذلك دفع شر أو جلب نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاء، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك) ... (ثم نقل المعصومي عدة نقولات عن أئمة الحنفية مما يدل على هذا المعنى).(/4)
وأما الإمام مالك، فقد نقل عنه كلمات في هذا الموضع تؤكد ما ذكرنا، ومن ذلك قوله: "أكره تجصيص القبور، والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبنى عليها" كما في المدونة (1/189) والكراهة في كلام الإمام مالك هنا كراهة تحريم كما بين ذلك أصحابه، العالمون بكلامه.
وقال رضي الله عنه : (لا أرى أن يقف عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعو، ولكن يسلم ويمضي) كما في صيانة الإنسان (ص: 264).
وقال القرطبي المالكي في تفسيره (10/380): "وقال علماؤنا (يعني المالكية): "ويحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد) انتهى.
والمعنى – كما بينه القرطبي نفسه في نفس الموضع السابق – لأجل ألا يؤدي ذلك إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من مثل ذلك، وسدَّ الذرائع المؤدية إليه.
وأما الإمام الشافعي – رضي الله عنه – فقد نقل عنه نحو ما نقل عن الإمام مالك – رضي الله عنه - ، وأما أتباعه فكلامهم في التحذير من الشرك، وبيان وسائله كثير جداً، فمن ذلك قول النووي – رحمه الله - : (ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة عليه، ولو بنى مقبرة مسبلة هدمت" كما في السراج الوهاج (1/114).(/5)
وقال في شرحه لصحيح مسلم 5/13 – 14 : (قال العلماء إنما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مقابر من الأمم الخالية – لما احتاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه – ومنها حجرة عائشة – رضي الله عنها – مدفن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر).
وأما الحنابلة، فكلامهم في هذا الموضع أشهر من أن يذكر لكثرته، ومن ذلك:
قول الحجاوي في كتابه "الإقناع" 6/186: (من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم كفر إجماعاً؛ لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام) انتهى .
فأنت ترى – يا محب إجماع الأئمة الأربعة وأتباعهم على نبذ مثل هذه الأمور والتبرؤ منها فكيف يدعي هذا – هداه الله – أن الأئمة مدحوا التوسل والتعلق بالأولياء والصالحين؟! "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"؟!
ينظر لمزيد من الأمثلة والنقول كتاب: أربع رسائل للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس بعنوان بيان التبرك ووسائله عند الأئمة الأربعة.
ومما يمكن أن يجاب به هؤلاء المدعين لما ذكرت، أن يقال: إن مصطلح التصوف لم يكن مشهورا في القرن الأول، وإنما بدأ ظهوره في القرن الثاني ثم اشتهر في القرن الثالث – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (11/6-7) وقد قرر هذه القضية أيضاً قبله العلامة ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" (ص:199) وما بعدها.(/6)
وأنت تعلم بارك الله فيك، أن الأئمة الثلاثة: "أبا حنيفة ت:150هـ، مالكاً ت:179هـ والشافعي ت:204هـ) ماتوا في القرن الثاني – إلا الشافعي ففي أول الثالث، وهذا يعني أنهم ما أدركوا من شهرته شيئاً.
وأما الإمام أحمد (ت:241هـ) فقد أدرك بعض أعلام المتصوفة، والذين كانوا في أكثر أحوالهم على السنة، ولكن صدر من بعضهم بعض الهنات والمخالفات التي كان سببها البعد عن مجالس العلم، وكان الأئمة ينكرون عليهم ما خالفوا فيه السنة، ويثنون على ما وافقوا فيه السنة من أمور الزهد والتعبد، فقد أنكر الأئمة – أحمد وغيره – ما وقع فيه بعض هؤلاء من ترك الزواج، والخروج في البراري، وتحريمهم تناول الطيبات على أنفسهم، إلى غير ذلك من ألوان الزهد المخالف للسنة.
ولم يكن الأئمة – أحمد وغيره – ينكرون هذا اعتباطاً، أو لمجرد رأي محض، بل لأن النبي – صلى الله عليه وسلم أنكر هذه الطرق من التعبد والتزهد، وذلك في القصة المشهورة التي أخرجها البخاري ومسلم، حينما جاء ثلاثة نفر، فسألوا عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم – فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم وقال الآخر، أما أنا فلا أنام الليل، وقال الثالث أما أنا فلا أتزوج النساء، فنهرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – وزجرهم وقال لهم: " أما أنا فأنام, وأقوم، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". واعلم أن هذه المخالفات لم تقف عند هذا الحد، بل تطور الحال بهؤلاء المتصوفة إلى أحوال شنيعة من دعاء غير الله تعالى، وادعاء علم الغيب، والقدرة على التصرف في الكون ... الخ، ويمكنك أن تراجع في الحديث عن نشأة وتطور الصوفية: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/253 – 278، ففيها حقائق وتوثيق لنشأة وتطور هذه الفرقة المنحرفة عن جادة السنة.
أما البيتان اللذان سألت عنهما فلم أجدهما بعد بحث طويل، وكذا الكلمة المنسوبة للإمام مالك.(/7)
وهنا يحسن أن لا تكون – أخي الكريم – في موقف المدافع عن أمثال هؤلاء، بل بإمكانك أن تكون في موقف المهاجم – إن صح التعبير – فلا يصح أن تسلم بكل ما يقال، بل من حقك أن تسأل الذي يدعي نسبة ذلك إلى الأئمة – من حقك – أن تسأل عن مصدره فيما نقل؟ من هو الناقل وفي أي كتاب؟ وما صحة سند ذلك النقل؟ خاصة إذا كان ذلك يخالف المشهور والمعروف من سيرتهم وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/8)
الشيخ البشير الإبراهيمي الجزائري ومقاومته للصوفية
ترتبط مقاومة الصُّوفيَّة المبتدعة بإصلاح العقيدة ارتباطاً وثيقاً, وقدَ كشفَ الإبراهيميُّ رحمه اللَّه
عن مخازي هؤلاء وحاربهم بشدَّة, وعاملهم بما يستحقُّون لأَّنهم تاجروا باسم الدِّين, وزجَّت بهم فرنسا في أتون المعركة, فَأَصغِ إليه وهو يقول :
"في أيَّام الحملة الكبرى على الحكومة الفرنسيَّة ظهرَ هؤلاء بمظهر مناقض للدِّين، فكشفوا السِّترَ عن حقيقتهم المستوردة، ووقفوا في صفِّ الحكومة مؤيِّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حريَّته مطالبين بتأييد استعباده، عاملين بكُلّ جهدهم على بقائه بيد حكومة مستحيِّة تخرِّبه بأيديهم، وتشوِّه حقائقه بألسنتهم، وتلوِّثُ محاربيه ومنابره بضلالتهم"
ويقول :
"وقد أخَذوا في الزَّمن الأخير ببعض مظاهر العصر ، وتسلَّموا بعضَ أسلحتهم بإملاء من الحكومة للدِّفاع عن الباطل ، فكوَّنوا جمعيَّة ، وأنشأوا مجلَّة ، وجهَّزوا كتيبة من الكُتَّاب يقودها أعمى –ليشترك عاقلهم وسفيههم في هذه المخزيَات ، وبحكم العموميَّة في الجمعيَّة ، والاشتراك في المجلة ،ولو في دائرته الضيِّقَة ومن أهله وجيرانه … دافعناهم –عندما ظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم ، فتسامحنا قليلاً إبقاءً على حرمة (المحراب) و (المنبر) التي انتهكوها ، فشدَّدوا إبقاءً على حرمة (الخبزة) !! فكشفنا عن بعض الحقائق المستوردة فلجُّوا وخاضوا ، وثاروا وخاروا ، فلمَّا عَتَوْا من أمر ربِّهم رميناهم بالآبدَة … وهي أنَّ الصَّلاة خلفهم باطلة ، لأنَّ إمامتهم باطلة … لأنَّهم جواسيس" !!
وقد عد الشيخ الإبراهيمي الصُّوفيَّةَ داءً عُضالاً يحب التَّخلُّصُ منه، لِتُحَرّر عقيدة المسلم من التَّشويش، وتطلق لعقله العنان في التَّشبُّع وفهم الشريعة ، فتراه يصرِّح بقوله:(/1)
"إننا علمنا حقَّ العلم بعد التَّروِّي والتَّثبُّت ودراسة أحوال الأُمَّة ومناشئ أمراضها أنَّ هذه الطُّرق المبتدعة في الإسلام هي سببُ تفرُّق المسلمين ، ونعلم أنَّنا حين نقاومها نقاوم كلَّ شر ،إنَّ هذه الطُّرق لم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام ، وإنَّها تختلف في التَّعاليم والرُّسوم الظاهر كثيراً ، ولا تختلف في الآثار النَّفسيَّة إلاّ قليلاً ، وتجتمعُ كلها في نقطة واحدة وهي التَّحذير والإلهاء عن الدِّين والدُّنيا"
ويتابعُ شارحاً مخاطرَ الطرقيَّة وبدعها ، حيث تعلَّقَ كثيرٌ من المسلمين بطقوس طريقتهم ، وبطروحات مشايخهم ، ولم يعودوا على اتِّصال مباشر مع الكتاب وصحيح السُّنَّة ، بل أصبحت هذه الطُّرقُ حاجزاً بينهم وبين مصادر الشريعة ، وكأنَّها دين جديد ، لقد أصبحت بعض الطُّرق –كما يرى الإبراهيمي- في بلاد العرب والمسلمين ، وفي الجزائر بخاصَّة ، إضافة جديدة إلى محاولات الدَّس التي قام بها أعداء كثيرون للإسلام ، إن كان بنحل الأحاديث ، أو بالتَّأويلات المزِّورة للحقيقة ، أو ما شاع عند العديد من الحركات الباطنيَّة ، ولكن يعود ليؤكِّد أن هذا كان خطره أقل بكثير من خطر هذه الطَّريقة ، فيقول:
"أما والله ما بلغَ الوضَّاعون للحديث ، ولا بلغت الجمعيَّات السريَّة والعلنيَّة الكائدة للإسلام من هذا الدِّين عشر معشار ما بلغتهُ من هذه الطُّرق المشؤومة … إنَّ هذه الهَّوة العميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمَّة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيِّين" .
ويقول مقرِّعاً والطَّرقيَّة وفَهْمَهم الخاطئ للإسلام:(/2)
" .. فكل راقصٍ صوفي ، وكل ضاربٍ بالطَّبل صوفي ، وكل عابثٍ بأحكام الله صوفي ، وكل ماجنٍ خليعٍ صوفي ، وكل مسلوب العَقل صوفي ، وكل آكل للدُّنيا بالدين صوفي ، وكل ملحدٍ بآيات الله صوفي ، وهَلُّم سحباً ، أَفيَجْمُلُ بجنودِ الإصلاح أن يَدَعُوا هذه القلعة تحمي الضَّلال وتُؤْويه ، أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملةً صادقَةً شعارهم: (لا صوفيَّة في الإسلام) حتى يدكُّوها دكَّاً ، وينسفوها نسفاً ، ويذروها خاويةً على عروشها" .
وقد كان رحمه الله تعالى في محاربتهِ للصُّوفيَّة وخرافاتها وتُرّهاتهم متأثِّراً بتعاليم حركة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب الإصلاحيَّة ،ويتَّضحُ ذلك عندما نراه يُعَلّل هجوم المتاجرين بالدَّين على هذه الدَّعوةِ السُّنِّيَّة الإصلاحيَّة في البلاد الحجازيَّة التي سَّماها خصومُها بِـ(ـالوهَّابيَّة) –تنفيراً وتَشويهاً- لأنَّها قضت على بدعهم ، وحاربت خرافاتهم ، فيقول:
"إنَّهم موتورون لهذه الوهَّابيَّة التي هدمت أنصابهم ، ومحت بدعهم فيما وقعَ تحتَ سلطانهم من أرضِ الله ، وقَد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة ، فليس ما نسمعهُ هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقِّ إلاّ نواحاً مردَّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابيَّة" .
……..
مقالة بقلم الشيخ مشهور حسن آل سلمان من علماء الأردن
نشرت بمجلة الأصالة العدد (1) بعنوان "الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي"
نقلها أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة(/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الصوفي الذي يعبد الكلب !
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لعل أكثركم يتعجب من هذا العنوان
نعم والله إنها بلية
بلية الذين يعتقدون أن الله في كل مكان وان وجوده هو عين وجود
خلقه وهذا حال الكثيرين من ضلال
الصوفية متبعين في ذلك
أئمة الضلال والزندقة كابن عربي وابن الفارض والجيلي والحلاج
سؤال: أتظنون أن هذا الأمر كان قديما وانتهى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
اقرأ هذه الواقعة لتعلم الجواب
حدثني رجل ثقة صادق
قال: كان لي صديق صوفي يلح في دعوتي إلى الصوفية بكل
الوسائل وأتناقش معه ونختلف مع وجود
العلاقة الحميمة
وذات يوم ونحن ذاهبون إلى صلاة العصر مررنا في الطريق
على كلب فقال وتعالى الله عما قال ، والحمد
لله أن ناقل الكفر ليس بكافر
قال: الله في هذا الكلب
ثم أخذ يقول انظر إلى كذا ويشير إلي الكلب
حتى قال: انظر إلي ذيله إنه هاء لفظ الجلالة ...
لا حول ولا قوة إلا بالله واللهم عفوك ومغفرتك
والذي لم يقرأ عن الصوفية المنحرفة ربما يستبعد هذا الكفر
فإليك أصل المسألة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" مر التلمساني على كلب أجرب ميت في الطريق فقال له رفيق له
وكان التلمساني يحدثه عن وحدة الوجود: أهذا أيضا هو ذات الله ؟ مشيرا إلى جثة الكلب .
فقال التلمساني: نعم الجميع ذاته فما من شيء خارج عنها
انظر: مجموعة الرسائل الكبرى.
ولهذا قال الإمام احمد للجهمية وهو يناظرهم في علو الله على
عرشة : إن القول بأنه في كل مكان كفر
لأنه إما دخل في كل مكان
أو ادخل المكان في نفسه
وهذا كله كفر إذ معناه انه دخل في نفوس الإنس والجن
والحيوانات أو ادخلها في نفسه
تعالى الله عن ذلك وانما كان الله ولا مكان فلما خلق المكان علا عليه سبحانه
للكلب قصة مع الصوفية فاقرأ
أولا: قال إمامهم الشعراني في الطبقات 2/ 66 طبعة دار العلم للجميع
في ترجمة يوسف العجمي الكوراني
قال: " وكان رضي الله عنه اذا خرج من الخلوة يخرج وعيناه كأنهما(/1)
قطعة جمر تتوقد فكل من وقع نظره عليه انقلبت عينه ذهبا خالصا
(خطر على البشرية)
ولقد وقع بصره يوما على كلب فانقادت إليه جميع الكلاب إن
وقف وقفوا وان مشى مشوا.
إلى أن قال: ووقع له مرة أخري انه خرج من خلوة الأربعين فوقع
بصره على كلب فانقادت إليه جميع الكلاب وصار الناس يهرعون إليه ( إلى الكلب) في قضاء حوائجهم فلما مرض ذلك الكلب اجتمع حوله
الكلاب يبكون ويظهرون الحزن عليه فلما مات اظهروا البكاء
والعويل ، وألهم الله تعالى بعض الناس فدفنوه فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا ".
قال الشعراني: فهذه نظرة إلى كلب فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان؟!!!
ثانيا: قال الشعراني في ترجمة شمس الدين محمد الحنفي 2/88
قال: " ومنهم سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي رضي الله تعالى عنه ورحمه
إلى أن قال: " ولما دنت وفاته بأيام كان لا يغفل عن البكاء ليلا ولا
نهارا وغلب عليه الذلة والمسكنة
والخضوع حتى سأل الله تعالى قبل موته أن يبتليه بالقمل والنوم مع الكلاب
والموت على قارعة الطريق وحصل له ذلك قبل موته فتزايد عليه
القمل حتى صار يمشي على فراشه
ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين وشيئا ومات على طرف حوشه
والناس يمرون عليه في الشوارع".
واقرأ ترجمته كاملة لتعلم أنها عقوبة من الله
فقد كان بقول في مرض موته: من كانت له حاجة فليأت إلى قبري
ويطلب حاجته أقضها له فإن ما بيني وبينكم غير ذراع من تراب.
" وقال له سيدي علي بن وفا : ما تقول في رجل رحى الوجود بيده
يدورها كيف شاء ؟
فقال له سيدي محمد رضي الله عنه: فما تقول فيمن يضع يده عليها
فيمنعها أن تدور؟؟؟ ".
فأماته الله هذه الميته وسيأتيك شيء من جرأته على الله فانتظر .
ولا زالت الكلاب في المسرح
ثالثا: قال الشعراني الصوفي في ترجمة أبو الخير الكليباتي في
الطبقات 2/143
قال: "كان رضي الله عنه من الأولياء المعتقدين وله المكاشفات
العظيمة مع أهل مصر واهل عصره(/2)
وكانت الكلاب التي تسير معه من الجن وكانوا يقضون حوائج
الناس ويأمر صاحب الحاجة أن يشتري للكلب منهم إذا ذهب معه
لقضاء حاجته رطل لحم
وكان اغلب أوقاته واضعا وجهه في حلق الخلاء في ميضأة جامع
الحاكم ويدخل الجامع بالكلاب فأنكر عليه بعض القضاة فقال
هؤلاء لا يحكمون باطلا ولا يشهدون زورا ".
فانظروا رحمكم الله هذا أحد أوليائهم ، والملائكة لا تدخل بيتا فيه
كلب ولا صورة
رابعا: قال الشعراني 2/144
" ومنهم سيدي سعود المجذوب رضي الله عنه
كان رضي الله عنه من أهل الكشف التام وكان له كلب قدر الحمار
لم يزل واضعا بوزه (فمه)على كتفه ".
وسترى فضائحم في ما يتعلق بالكشف
وهذا التعلق بالكلاب وملازمتها لما عليه القوم من الأحوال
الشيطانية ، ومن الكلاب شياطين كما اخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم
والمهم أن الشعراني من أئمة الصوفية حتى لا يقال إننا نفتري عليهم
والحمد لله أن هتك الباطل نفسه
خامسا: في ترجمة سيدهم بركات الخياط 2/144
قال الشعراني: " وكان دكانه منتنا قذرا لان كل كلب وجده ميتا أو
قطا أو خروفا يأتي به فيضعه داخل الدكان وكان لا يستطيع أحد
أن يجلس عنده " .
بلا تعليق !
وليس الأمر خاصا بالبهائم فسترى العجب تحت مسمى الكرامات
اولا: سيدهم علي وحيش
قال عنه الشعراني 2/149
قال: "كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال ...وله كرامات وخوارق واجتمعت به يوما" إلى أن قال :
" وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيره ينزله من على الحمارة ويقول له امسك رأسها لي حتى افعل فيها فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة وإن سمح حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه ".
فانظر هذه الجريمة النكراء مع إلحاق الأذى بصاحب الحمارة والعجيب انه يختار حمارة شيخ البلد ربما لأنها عادة سمينة!!!!
فيا ضلال المتصوفة أليس هؤلاء شيوخكم ؟
أليست هذه كتبكم؟!!
اسأل شيخك أولا عن الكتاب ومؤلفه فإذا بدأ في الثناء فاقرأ عليه(/3)
وإياك أن تخبره بهذا الكلام أولا لأنه سيجحد الكتاب جملة وتفصيلا
ثانيا: تهتك وعري وخسة
الشيخ الصالح عبد القادر السبكي أحد رجال الله تعالى كان من أصحاب التصريف بقرى مصر رضي الله عنه الطبقات 2/ 184
قال: " وكان كثير الكشف لا يحجبه الجدران والمسافات البعيدة من إطلاعه على ما يفعله الإنسان في قعر بيته....
وخطب مرة عروسا فرآها فأعجبته فتعرى لها بحضرة أبيها وقال انظري أنت الأخرى حتى لا تقولي بعد ذلك بدنه خشن أو فيه برص أو غير ذلك.
ثم مسك ذكره وقال : انظري هل يكفيك هذا وإلا فربما تقولي هذا ذكره كبير لا احتمله أو يكون صغير لا يكفيني فتقلقي مني وتطلبي زوجا اكبر آلة مني".
فيا ضلال الصوفية أما يستحي شيخكم الضال الشعراني من حكاية هذا الفجور
أم هذا جائز عندكم في علم الحقيقة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ثالثا: الشيخ علي أبو خودة 2/135
" وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرد راوده عن نفسه وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره ولا يلتفت إلى الناس ولا عليه من أحد ".
[ كتب هذا المقال بتاريخ 14/11/1998 ، ضمن سلسلة من المعارك مع ضلال المتصوفة].
كتبه ... الموحد(/4)
الصوفية
---
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين أصطفى لا سيما عبده المصطفى وآله المستكملين الشرفا
وبعد,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة, كلها في النار, وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار, وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.وفي لفظ : على ثلاث وسبعين ملة. وفي رواية : قالوا : يا رسول الله, من الفرقة الناجية؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم, وأصحابي. وفي رواية : قال : هي الجماعة, يد الله على الجماعة. ( صحيح مشهور صححه ابن تيمية في مجموع الفتاوى 345\3 ,صححه العر اقي في الباعث على الخلاص 16 بألفاظ مختلفة وصححه العلامةالألباني في الصحيحة المجلد الأول وصححه أيضاً في صحيح الجامع (2042) وصححه الشيخ مصطفى العدوي , والحديث مشهور بين أهل الحديث ).
وفي حديث حذيفة بن اليمان المشهوركان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجائنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم ,قلت : وهل بعد هذا الشر من خير قال: نعم وفيه دخن ,قلت وما دخنه ,قال:قومٌ يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر , قلت : فهل بعد هذا الخير من شر ,قال:نعم دعاة على ابواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ,قلت :يا رسول الله صفهم لنا فقال صلى الله عليه وسلم : هم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ,قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك,قال : ألزم جماعة المسلمين وإمامهم ,قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ,قال:فأعتنزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وانت على ذلك .) (البخاري ,مسلم,ابن ماجه,مخارج من الفتن للشيخ مصطفى العدوي ).(/1)
ونظراً لما أبتليت به الأمة الأسلامية اليوم من كثرة الفرق عزمنا بحول الله وقوته على تقديم لإخواننا في كل مكان سلسلة تقوم على نشر منهج هذة الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة إنطلاقاً من قول الشاعر :
عرفت الشرلا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير وقع فيه.
وأخترنا من بين هذة الفرق فرقة الصوفية وذلك لعدة أسباب منها ان هذة الفرقة منتشرة في الدول الأسلامية كلها فضلاً عن بلدنا مصر ولما تمتعت به هذة الفرقة من القدرة على تزييف الباطل والتلاعب بالناس لا سيما العوام منهم - وأقصد بالعوام هنا الذين ليسوا من أهل العلم - وهذا بالطبع نتيجة طبيعة لهجر الأمة للعلم الشرعي الذي هو فرض عين على كل مسلم , إلى جانب إغترار كثير من الناس ببعض المنتسبين إلى العلم الذين يتحفونا بين الحين والآخر في وسائل الإعلام بفتاواهم وآرائهم , نسأل الله السلامة منهم , وحتى لا أطيل عليكم أليكم ما كتبه أحد الأخوة جزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير وهو صاحب موقع الخيمة الأسلامية , ونرجو من الله القبول.
الصوفية
مقدمة :
لم يكن الإسلام أبداً ، إلا دين علم وعمل خالص لقوله تعالى : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين )) . وقوله تعالى : (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )) . وقوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم : (( اعملي يافاطمة فإني لا أغني عنك من الله شيئاً )) . ولم يكن الإسلام كذلك إلا دين توحيد خالص ، لا توجه فيه إلا إلى الله وحده : (( ذلك الدين القيم )) .
والإسلام بهذه المثابة دين صفاء العقيدة ، ونقاء الاعتقاد ، دين بلا طرق ، دين بلا مذاهب في أصل العقيدة ، ولا اختلافات حول جوهر وأصول الدين .(/2)