بعد جيل لدرجة أن (المرجئة) قالوا : إن الأيمان تصديق بالقلب وإقرار بالسان ..وإن لم يعمل مثقال ذرة من العمل كالصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك ثم غالت فيهم فرقة أكثر من ذلك فقالوا :إن الأيمان مجرد تصديق بالقلب ولو لم ينطق باللسان ولو لم يعمل أي عمل صالح _
… لذلك سأبين بطلان وفساد هذا المعتقد فيما يأتي:_
2_ (شروط لا إله إلا الله):_
إن من طريقة المضلين أن يأخذوا من النصوص الصحيحة ما يُوافق أهوائهم ويتركون ما يُخالفها كأنهم لا يعلمون وإذا لم يجدوا من النصوص الصحيحة ما يوافقهم لجئوا إلي الأحاديث والآثار الضعيفة مع تحريف معاني النصوص الصحيحة المُخالفة لأهوائهم ..فلما وجدوا هذا الحديث الصحيح(من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)صحيح(5733)صحيح الجامع، التقطوه بلهفة وأذاعوا به حتى تفلتت الأمة من التكاليف وأتكلوا علي جناح الرجاء فقط ..ودخلت الشركيات المتنوعة وجميع الشرور.. وعندئذٍ لا داعي للخوف لأنهم قالوا: (لا إله إلا الله).
…وهيا لنذكر الآن بعض هذه النصوص الصحيحة في نفس موضوع الحديث وفي فضل هذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) وقد بينت هذه النصوص معناها وشروطها..
الشرط الأول : شرط الكفر بما يُعبد من دون الله:_
الحديث الصحيح (مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ…)(34)صحيح مسلم .(221/3)
ومن أمعن النظر في الحديث وجد أن النبي(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال ولكن لا بد أن يضيف إلي ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله .. ومن ذلك دعاء الأموات والذبح لهم والاستعانة بهم وغير ذلك … ومن ذلك كفر أهل الكتاب بأنواعه وما يلزم من العداوة والبغضاء لهم والبراءة منهم كما قال تعالي : (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..)ومن ذلك عبودية التحاكم لغير شرع الله برضا وموافقة.
الشرط الثاني : (الإخلاص):_
2-قول النبي(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ…"(407)رواه البخاري
وابتغاء الشيء: طلبهُ.. بالسعي في الوصول إليه..فالذي يبتغي وجه الله لا يُداون يعمل كل ما في وسعه للوصول إليه …فإن أتي بالحسنات علي الوجه الأكمل فإن النار تحرم عليه تحريما مُطلقاً… وإن أتي بشيء ناقص فإن الابتغاء يكون فيه نقص فيكون تحريم النار عليه فيه نقص….(221/4)
ولو أن سارقاً قال حين يسرق (اشهد أن لا إله إلا الله) أبتغي بذلك وجه الله لقلنا إنك كاذب في زعمك لأن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال (لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن)صحيح. صحيح الجامع(7707) ، وقد سأل أبو هريرة رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) من أسعد الناس بشفاعتك فقال : من قال (لا إله إلا الله) خالصاً من قلبه .. فاشتراط الإخلاص في الحديث شئ ليس بالسهل اليسير بل كان أشد شئ على السلف الصالح .. بحيث يكون النية والقصد والتوجه دائما موجه لله وحده كما قال تعالى (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ..)(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله) فذكر توجيه الوجه وإقامة الوجه (أي دوام واستقامة) والوجه هو الجارحة ، بها العينان والشفتان والأنف وإنما يتبع الوجه الذي هو القصد والمقصود في الآية) وقال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) من شهد أن ( لا إله إلا الله) وحدة لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وأن عيسي عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل .. ونص على الشهادة بأن عيسى عبد الله ورسوله إذ كونه عبد أنه ليس له شركة مع الله ولا وساطة شركية بحال من الأحوال . ثم هو رسول أتى برسالة من الله فيلزم أتباعه في كل ما جاء به (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) وتلك هي القدرة المطلقة لله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء (بقوله كن) فلا ريب ولا شك في خلقه بغير أب . ومن كان هذا اعتقاده فقد خرج من كل ما يتعلق بذلك من كفر النصارى واليهود وشركهم واتبع ملة إبراهيم حنيفاً .(221/5)
** وجاء في الآية (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ)البقرة (256)فلن يكون العبد مؤمناً بالله حتى يكفر بالطاغوت أولاً .. وسيدنا إبراهيم عليه السلام قدم البراءة من المشركين ثم ذكر الإيمان بالله (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الزخرف(26 : 28).. فجعلها وصية أساسية في ذريته وإن انحرفوا عنها فعليهم الرجوع إليها ..
الشرط الثالث : العلم بمعناها :ـ
قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"صحيح.صحيح الجامع(6552) .. وهذا شرط العلم وليس فقط الإقرار باللسان .
ومن الآيات في القرآن : قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)فاطر(28) (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) محمد (19) (إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)الزخرف(86) أي شهدوا أن ( لا إله إلا الله) بقلوبهم وليس بألسنتهم فقط .
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران (18)
الشرط الرابع (شرط اليقين) :ـ(221/6)
قول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لأبى هريرة (فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا اله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة) رواه مسلم (كتاب الإيمان) .. فأشترط هنا اليقين الذي ينافي الريب وينافي الشك .. لذلك قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)الحجرات(15) أي آمنوا ولم يحدث لهم ارتياب أو شك في هذه الكلمة ..
الشرط الخامس (الصدق) :ـ
في الصحيحين أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :"ما مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّار) .. فاشترط هنا في نجاة قائلها من النار أن يقولها صدقاً من قلبه وليس مجرد التلفظ بها . ومعلوم أن الصدق هو بذل الجهد واستفراغ الوسع في تحقيقها كما سبق في الحديث (يبتغي بذلك وجه الله) ..
وفى الصحيحين من حديث أنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله من قصة الأعرابي وهو ضمام بن ثعلبة لما سأل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شرائع الإسلام فأخبره فَقَالَ (هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا) قَالَ (لا إِلا أَنْ تَطَوَّعَ) فقال (وَاللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ) فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ) فأشترط الصدق المنافي للكذب فيما أخبر به ..(221/7)
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ) فأشترط هنا لدخول الجنة انعدام الشرك .. وذلك لا يتحقق إلا بمعرفة كل أنواع الشرك حتى يميل عنه إلى التوحيد فيكون حنيفاً .. وأشترط الصلاة وصلة الرحم ..
وفى المسند عن ابْنَ الْخَصَاصِيَّةِ " قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبَايِعَهُ قَالَ فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلاةَ وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلامِ وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا اثْنَتَانِ فَوَاللَّهِ مَا أُطِيقُهُمَا الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ ) فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ فَلا جِهَادَ وَلا صَدَقَةَ فَلِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أُبَايِعُكَ قَالَ فَبَايَعْتُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ ".. ولا يحتاج هذا الحديث إلى تعليق ولا يبقى بعده مقال لأئمة الضلال ..
ـ وقيل للحسن : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة .. فقال : من قال لا اله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة ـ وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس مفتاح الجنة لا اله إلا الله ؟ قال بلى .. ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يُفتح لك .. وهذا الأثر رواه البخاري في (الجنائز) ..(221/8)
_ وبعد فيا أيها المسلم : ما قولك فيمن يزعم انتسابه للعلم ويتصدر لدعوة الناس ثم يأتي إلي أصل من الأصول وهو التوحيد فيجعله مجرد بعض كلمات وحروف ينطقها اللسان مستدلاً بحديث واحد مجمل ـ غير عابئ بكل هذه الأحاديث المفصلة لأنها تنقص قوله واعتقاده ودعوته فهي تخالف هواه …؟
_ وأنا ما ذكرت إلا بعض الأدلة .. وإلا فكل جزئيات الوحي تؤكد كل ما سبق
ذكره . ولو كان الأمر مجرد كلمة باللسان بلا مقتضيات ولوازم وتبعات فما الذي دعا قريشاً إلى بذل الدماء والأموال في حربها وكان أسهل شئ عليهم قولها ؟ .
معنى الحنيفية :ـ(221/9)
…فإذا اقر الإنسان بهذه الكلمة صار مسلماً ملتزماً بأن تكون عبادته كلها لله شرائع وشعائر وذلك في قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي(شعائر)وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي(شرائع)لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام(162) .. فلا يُوجه شيئا منها لغير الله (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)الكهف(110) . ومن ثم فعليه أن يعرف الشرك بأنواعه والذرائع المفضية إليه حتى لا يقع فيها . بل يعرفه فيجتنبه وأن يلزم التوحيد فيكون حنيفياً كما أمره الله تعالي (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) البينة (5) .. والحنيف هو المقبل على الحق بالابتعاد والميل والإعراض عن الباطل . أما إذا كان لا يعرف الشرك بأنواعه فما الذي يؤمنه أن يقع فيه كالمسافر على الطريق ولا يعرف مواضع الحفر والمطبات . أما الذي يعرفها فمن السهل عليه أن يتجنبها وإلا يصطدم ويرتطم بها وهذا مثال المسافر إلى الله تعالي .. ومن أجل ذلك كرر الكتاب العزيز تأكيداً لهذا الأصل كما في الآيات التالية (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) الحج (31) (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء)البينة (5) (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا)آل عمران (67) (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا..)الأنعام (79) (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)البقرة (135) (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)الروم (30) (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا) (النحل 120) وغير ذلك كثير .. وكذلك في الأمر بإخلاص الدين لله .(221/10)
الجهل سبب الضلال :ـ ومن الطبيعي أن الجاهل بما سبق يقول نحن أقررنا أن لا اله إلا الله فأنتهي الأمر ولا وقوع في الشرك ولا داعي للكلام في التوحيد فليس عندنا وقت نضيعه في تحصيل حاصل فالناس لا يحتاجون إلى ذلك .. الخ ما يقال .
- وهذا الجاهل خفي عليه حال السابقين من الصحابة الكرام وغيرهم ممن كانوا يخشون على أنفسهم وعلى الأمة ـ فهذا عمر بن الخطاب يقول (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ..) .
- لأنهم سيقعون فيها وهم يحسبون أنهم مهتدون .. ومن ينظر في حياة المسلمين اليوم فليسأل نفسه : ماذا تبقى من الإسلام في حياتهم ؟ ثم يأتي الجهال والأئمة المضلون ويقولون لهم لا تخافوا طالما أنكم تقولون
(لا إله إلا الله) فالشرك بعيد عنكم ومستحيل وقوعه فيكم .. بل تعالوا نتكلم في الرقائق والقلوب وأمراضها / فهؤلاء والله هم أخطر شئ على المسلمين .
(وهاك نماذج من خوف السلف في الوقوع في الشرك) :ـ(221/11)
-الصحابة قبل الإسلام كانوا في جاهلية كاملة .. فهم يعرفون سبيل المجرمين معرفة كاملة علماً وعملاً .. وهذه المعرفة ساعدتهم علي فهم الدين فحافظوا على دينهم وابتعدوا به عن حبائل الجاهلية وعن سبيل المجرمين لأنهم يعرفونه معرفة كاملة .. وأيضاً يعرفون سبيل المؤمنين (أهل السنة والجماعة) معرفة كاملة علماً وعملاً .. فيظن الظان أنهم لا يخافون الوقوع في الشرك طالما تتلمذوا في مدرسة النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولكن أنظر معي كيف كانوا في خوف ووجل من النفاق مثلاً .. هذا عمر بن الخطاب خاف على نفسه النفاق فقال لحذيفة بن اليمان الذي أسر إليه النبي بأسماء المنافقين فقال له عمر : أنشدك الله هل سماني لك رسول الله (صلي الله عليه وسلم) مع من سمى من المنافقين ؟ فقال حذيفة :لا .. ولا أزكى أحداً بعدك .. فأراد عمر بذلك زيادة الطمأنينة فقد شهد له النبي بالجنة .. وقال بن أبى مليكه : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كلهم يخاف النفاق على نفسه !!! فلا يأمن النفاق إلا منافق ولا يخاف النفاق إلا مؤمن .. وهذه أمثلة أخرى لخوف السلف حيث قال بعضهم :ـ (ما جاهدت نفسي على شئ ما جاهدتها على الإخلاص) .. أما نحن الآن فقد جهلنا أكثر سبيل المجرمين وجهلنا أكثر سبيل المؤمنين فمن الطبيعي أن نأمن الشرك والنفاق على أنفسنا ونحسب أننا مهتدون .. وأئمة الضلال يُخدرون المشاعر والضمائر .. إما عن جهل منهم أو سوء قصد ليشتروا بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً من إقبال الناس عليهم واستقبالهم لهم بحفاوة وتكريم وتسليم قلوبهم وانقياد نواصيهم لهؤلاء الأئمة المضلين ولا حول ولا قوة إلا بالله .
خطر دعاة الضلال:ـ(221/12)
إن مثل خطورة هذا الداعية الجاهل على الناس كمثل طبيب عيون سُمح له أن يعالج أهل قرية من مرض السرطان المتفشي فيهم .. مع أنه لا يعرف شيئاً عنه (لكنه طبيب .. فلماذا لا يتكلم في أي طب ؟) فراح يطمئن الناس أنهم بصحة جيدة وليس عندهم شئ وما هو إلا بعض نزلات البرد .. وهكذا .. فما النتيجة ؟
- النتيجة أن الوباء سيقضى على الناس وهم في أمن لأن الطبيب أخبرهم بذلك .. فهذا الطبيب غاش للناس خائن للأمانة .. ولو عرفه الناس وعرفوا ما فعل بهم ما تركوه بغير محاسبة .. فكذلك إذا كانت الشركيات والبدع قد تفشت في عقائد الناس وهم لا يشعرون أو يشعرون .. ثم جاءهم شيخ وطمأنهم وخدرهم لا شك أنهم سيستريحون له جداً .. ويقولون : هذا هو الدين السهل الجميل !!! لا سيما إذا كان الشيخ ذا هيئة ومنظر جميل وصوت جميل وأسلوب سهل يأخذ بالقلوب .. فإذا ألغى هؤلاء عقولهم واستمروا مع هذا المخادع إلى أن يأتهم الموت والحساب ويعرفوا الحقائق فعندئذ يتحسرون ويندمون حين لا ينفع الندم .
الأمثال من القرآن الكريم :ـ(221/13)
أخبر الله سبحانه وتعالى أنه ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ) الروم(58) ـ والمثل مأخوذ من ماثل الشيء الشيء أي شابهه .. ويقال تماثل الشيئان أي تشابها .. إذن فالمثل يقتضي شبيهاً ونظيراً وهكذا كل أمثال القرآن الكريم فإن الله سبحانه وتعالى حكى لنا قصص الأولين وأحوالهم المكذبين منهم والمصدقين وجعل هذه القصص مثلاً لنا ننظر في أحوال المكذبين وطرق ضلالهم لنتجنبها ونعرف عاقبة تكذيبهم لنحذرها وننظر في أحوال المصدقين وطرق فلاحهم لنسلكها وعاقبة إيمانهم لنطلبها .. قال تعالي (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ…)النور(34) وقال (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ)محمد (3) أي أحوالهم بخسران الكافرين ونجاح المؤمنين فإذا تبين لنا هذا وهو أن الله سبحانه ضرب للناس من كل مثل وقمنا بحصر الآيات التي فيها اللفظ (مثل) ومشتقاته لوجدناها بضعاً وأربعين آية فقط .. وهى لا تكفى لضرب المثل لكل الأقوام والأحوال والأحداث والأعمال التي ستكون في الناس إلى يوم القيامة إذن فأين ضرب كل الأمثال في كتاب الله ؟ .. والجواب : ـ
أولاً :أن الأمثال في القرآن ليست مقصورة ولا محصورة في الآيات التي نصت على الأمثال المعينة .. (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ..) وهكذا .. بل الأمر أوسع من ذلك . فكل قصص القرآن وما شابهها أمثال .. كقوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ..)يس(13)(221/14)
ثانياً :هذه الأمثال سواء كانت بلفظ المثل أو بقص القصص أو غيره كل مثل منها يستوعب عدداً من الأحداث والأعمال والأحوال الكائنة إلى يوم القيامة .. يستوعب من ذلك عدداً لا يحصيه إلا الله تعالى فما من شئ يطرأ في حياة الناس ويحدث لهم في أمر دينهم إلا وضُرب مثله في القرآن .. ولكن لا يعقل هذا ولا يفهمه ولا يُفطن إليه إلا العالمون ـ قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)العنكبوت(43) فالعالمون هم الذين يفقهون معاني القرآن ويفطنون لإشاراته الدقيقة ثم يعبرون بذلك الزمان والمكان الذين حدثت فيه القصة وضرب فيه المثل .. إلى المكان والزمان الذين يعيشون فيه فينزلون الآيات القرآنية على الواقع وهذا هو معنى العبرة .. قال تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) يوسف (111) وبهذا يصير القرآن حياً في حياة الناس ونوراً يستبصرون في سيرهم إلى ربهم فيخرجون من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد .. أما إذا لم تحصل العبرة بقصص القرآن وأمثاله ويصير القرآن مجرد كلمات تُتلى وآي تقرأ لا علاقة لها بحياة الناس وأحوالهم كما هو الحال في زماننا هذا فإننا نرى من يختم القرآن ويقرأه مراراً وتكراراً لكنها مجرد قراءة وتلاوة عارية عن التدبر والتفهم وبعيدة عن الدراسة والتعلم كحال بنى إسرائيل الذين حكى الله صفاتهم في سورة البقرة وأن حظهم من الكتاب مجرد التلاوة فقط (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)البقرة(78) .. فالحذر الحذر من اتباع مسلك اليهود في ذلك بأن يصير حظنا من كتاب الله عز وجل مجرد التلاوة فقط . فإن الله سبحانه هو الخلاق العليم الذي خلق كل شئ وأحاط بكل شئ علماً قد سطر ما سيكون من أحوال وأحداث متجددة إلى يوم القيامة بنظمها في تلك الأمثال المذكورة في(221/15)
القرآن الكريم ومن هنا تظهر لنا موافقة الكتابة الكونية من خلق وتقدير وتصريف وتدبير للكتابة الشرعية التي هي أمثال القرآن المسطورة ..
إن الذي خلق كل شئ إلى يوم القيامة من الناس والدواب والأحداث والبلاءات هو الذي أنزل القرآن (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ) الفرقان(6) وبالتالي فقد ضمن لنا أننا لا نستوعب كل هذه الأحداث والوقائع إلى يوم الدين ولكن لا يعقلها إلا العالمون وقد يبين الله هذا المعنى فقال (مِن كُلِّ مَثَلٍ) فإذا كان القرآن الكريم قد ضرب للناس في آياته الأمثال بالشرك الذي وقعت فيه الأمم السابقة والمثل كما سبق يقتضي وجود شبيه ونظير .. فهذا دليل على وقوع الشرك في هذه الأمة مماثلاً ومشابهاً لما وقعت فيه الأمم السابقة .
وقفه مع مثل من أمثال القرآن الكريم :ـ(221/16)
إن أخطر وأكثر الأمثال في القرآن إنما هو عند أهل الكتاب وهم الأميين الكثيرين أمة الغضب (اليهود) وأمة الضلال (النصارى) وهذه الأمثلة تُذكر في القرآن الكريم للتحذير مما صنعوا فما من شئ فعلوه إلا وقد ورثته هذه الأمة عنهم أو ورثت شبيهاً له على الأقل . وهذا ما سيتضح لنا بعد قليل إن شاء الله .. إن الله جلت قدرته وهو أحكم الحاكمين تعالى أن يقول العبث أو يتكلم به .. إذن فلماذا ذكر الله تعالى في كتابة هذه الأمثال إذا كانت أمة محمد بعيدة عنها وفى مأمن فيها ؟ كما يزعم المضلون الذين يقولون إن الإنسان بمنأى من الشرك وبمعزل عنه إذا نطق بالشهادتين أو خرج إلى الدنيا من أبوين مسلمين !! وستأتى النصوص الصريحة الصحيحة من الصادق المصدوق (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تبطل هذه المزاعم وتجتثها من أصولها ولكن قبل ذلك سأضرب مثالاً من القرآن الكريم بالآيات من سورة البقرة : (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)البقرة(75) وقال سبحانه يحكى عن اليهود وحالهم بعد هذه الآية بقليل (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)البقرة (78،79) فهذه الآيات تحكى صفة ثلاث أصناف من بنى إسرائيل وظهر في أمه محمد من حاكاهم وشبابهم وهاكم الأصناف الثلاثة :ـ الأول :فريق يحرفون كلام الله بعد ما عقلوه وفهموه ـ وشبيه هؤلاء في هذه الأمة أرباب الفرق الضالة الذين حملوا الكتاب والسنة على ما أصلوه من البدع الباطلة فوضعوا من المعاني ما(221/17)
يخالف ويناقض ما أراده الله سبحانه ثم زعموا أن هذا مراد الله وأنه من عند الله وما هو عند الله فحرفوا الكلم عن مواضعه وألبسوا الحق ثوب الباطل وغيروا المعاني ولقد رأينا في زماننا هذا من كتب تفسيراً بديعاً لكتاب الله ورائعاً .. ثم لما تولى المناصب وتقلد الهيئات خشي على ذهاب دنياه فصار يفتى الناس بما يعلم مناقضته للحق الذي سبق وأن دونه في تفسيره . والأمثلة لا حصر لها الثاني: من بنى إسرائيل هم العوام الذين لم يأخذوا حظاً من العلم فحظهم من الكتاب التلاوة فقط (لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ) وهذا حال أكثر عوام المسلمين اليوم حيث أقبلوا على كتاب الله تلاوة أو سماع والحال أنهم أبعد شئ عن تدبره وتفهم معانية فتراهم يقرءون آيات الربا وما تحمله من الوعيد الشديد وآيات الحجاب التي تبين أنه من الواجب الأكيد وغير ذلك ثم يتعاملون بربا البنوك ونساؤهم وبناتهم متبرجات كاسيات عاريات مائلات مميلات . وإذا ما حدث بينهم تشاجر أو اختلاف سارعوا إلى القوانين الوضعية يتحاكمون إليها وهم يسمعون ليل نهار (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ..)المائدة(44) وبعد ذلك يحسبون أنهم مهتدون ..(221/18)
والفريق الثالث: كتبوا كتاباً بأيديهم مخالف لما في كتاب الله لينالوا به الدنيا وقالوا إنه من عند الله ـ وشبيه هؤلاء في هذه الآمة أولئك الوضاعون الذين يكتبون أقوالاً من عند أنفسهم وينسبونها إلى أحاديث رسول الله على أنها أحاديث بنوبة وقد تجرءوا على السنة لأن الله تعهد بحفظ القرآن الكريم فلم يجدوا إليه سبيلاً .. ووجد في هذه الأمة من يصنف الكتب المناقضة لأصول الدين كمن صنف كتاباً يدعوا إلى ترك الحجاب ويرى عدم وجوبه ثم هم يقولون عن هذه الكتب أنها من الشرع والدين وأنها جمعت فأوعت من معاني الكتاب والسنة وأن هذا هو مذهب السلف الأئمة وهذه أصول الدين التي يجب اتباعها على الكفاية والأعيان .. وأكثر كتب الصوفية على هذا المنوال وهذا مجرد مثال على ضلال من ضل من أهل الكتاب ومن شابههم . ولقد اختصرت الكلام في هذا الموضوع اختصاراً شديداً لأن الكلام فيه يحتاج إلى مصنف كبير يجمع فيه ما كان من شأن الفرق منذ نشأت وإلى الآن ولكن سترد أمثلة أخرى عن أهل الكتاب في الكلام على وقوع الشرك في هذه الأمة .
واجب المسلم تجاه دعاة الضلال :ـ
إذا ثبت بالأدلة الشرعية والتاريخية والواقعية وقوع الشرك يقيناً ثم خرج علينا من يقول بعكس ذلك مستنداً إلى شبهة هو فيها جاهل صاحب هوى ثم هو يتحدث حينما يتحدث بالكلام الناعم اللين متظاهراً بالإخلاص والتجرد والأدب .. أقول إذا خرج علينا من يقول بذلك فما الذي يجب على المسلم العاقل حيال مثل هؤلاء ؟
الإجابة واضحة .. لأن القائل إذا كان جاهلاً فكيف نتركه يعيث بجهله فساداً في عقائد الأمة ؟ إنه بذلك يلقى الأمة في مهاوي الغي والضلال وما يترتب على ذلك من العقوبات الشديدة التي تنزل بالأمة كما هو واقع الآن .. إن مثل الذي يفعل ذلك كمثل حارس جهول يحرس إخوانه النائمين فرأى حيه سامة عظيمة قابعة بين النائمين فظن أنها حبلاً أو دودة لا خطر فيها فانقضت الحية عليهم فقتلتهم ..(221/19)
أما إذا كان القائل بذلك سيئ القصد ممن يحرف الكلم عن مواضعه ويحرف كلام الله بعد ما عقله وفهمه وهو بذلك يقصد الانتصار لشيوخه وبدعهم إذا كان هذا حاله فيكف يمر دون عقاب ؟ إن مثل هذا كمثل حارس يحرس إخوانه النائمين فرأى ثعباناً عظيماً يحوم حولهم فتركه وهو يعلم فتكه وخطورته ـ تركه لأن له مصلحة يرجوها من نوم الناس ـ بل بلغ غدره وخيانته أن لو أستيقظ أحد النائمين وشك في وجود الخطر سارع يُطمأنه أنه لا خطر هنا .. قولوا لي بربكم ماذا يبقى للأمة إذا تفشى فيها الشرك بأنواعه ولا حول ولا قوة الإ بالله العلي العظيم ..
وقوع الشرك في الأمة
أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم يعتقدون اعتقادات باطلة ويعملون أعمالاً نص الشرع على أنها شرك بالله .. منها ما هو شرك أصغر ومنها ما هو شرك أكبر .. ومن قام يدعوهم إلى الدين الخالص ويحذرهم من الشرك قاموا عليه وشنعوا عليه التشنيع كله وكالوا له الاتهامات كيلاً وصبوا عليه الغضب صباً محتجين بأن الأمة معصومة من الشرك وأن الشرك لا يمكن أن يقع ممن يقول (لا إله إلا الله) وحجتهم في ذلك هذا الحديث :ـ
عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ "رواه مسلم(5030) في صفات المنافقين.(221/20)
وهذه طريقة القوم أنهم يتعمدون في أصول دينهم على الشبهات التي توافق أهوائهم فإذا نظروا في النصوص الدينية ووجدوا فيها المحكمات والمتشابهات أضربوا صفحاً عن المحكمات وتمسكوا بما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وهذا ما سلكه هؤلاء المضلون الذين يقولون بعدم وقوع الشرك في هذه الأمة أنهم عموا وصموا عن النصوص الكثيرة الصحيحة الصريحة التي تخبر بوقوع الشرك في هذه الأمة وأعرضوا عنها لأنها لا توافق أهواءهم وأباطيلهم . ولو كانوا صادقين في محبة الله ورسوله لبحثوا كيف يمكن الجمع بين الأحاديث التي قد يبدو من ظاهرها التعارض . والحق أنه لا تعارض فيها ولبحثوا كيف يُنزهون كلام الصادق الأمين عن التناقص الذي يبحث عنه أعداء الإسلام لهدم الدين من أساسه ولكنهم يتبعون أهواءهم بغير هدى من الله .. وإليكم الآن مناقشة الاستدلال بهذا الحديث الذي استدلوا به .
إن إخبار النبي بيأس الشيطان من أن يعبده المصلون لا يدل على عدم وقوع الشرك لأن الحديث يبين أن هذا هو ظن الشيطان وتوقعه لأنه لما رأى قوة الإسلام وكثرة الفتوحات ودخول الناس في دين الله أفواجاً ـ يئس وظن أنه لن يُعبد في جزيرة العرب .. وليس في هذا كما سبق دليل على عدم وقوع الشرك لأن الأمر قد يقع على خلاف ما ظن الشيطان فيحدث الشرك ..
إن هذا الحديث خاص بالصحابة لأن الشيطان لما رآهم قد تمكنوا من التوحيد علماً وعملاً وبلغوا فيه غاية عظمى .. عند ذلك آيس أن يعبده الصحابة وهذه حكمة أحكم الحاكمين أن عصم الصحابة رضوان الله عليهم من الوقوع في الشرك . لأنهم هم الذين حملوا القرآن وهم خير القرون وحملة الدين وجمعوا السنة ونقلوها إلى من بعدهم حتى وصلت التابعين صافية .. فلو وقع الصحابة في الشرك وهذا حالهم فلن ينجوا أحد من الأمة من الشرك ـ ومن ثم فلا مطمع للشيطان في عهدهم في وقوع الشرك في عقر دارهم في جزيرة العرب ـ وهذا لا يمنع وقوعه بعد انتهاء زمانهم ..(221/21)
وبذلك أمكن الجمع بين النصوص بحمد الله وظهر توافق والتئام كلام النبوة واستقامته واندحرت مطامع الأعداء في النيل من صدق الرسالة وكمالها ..
_ ولنبدأ الآن في ذكر النصوص الصحيحة والصريحة الدالة على وقوع الشرك في هذه الأمة بالأدلة الآتية :ـ
الدليل الأول : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ؟" رواه البخاري(3197)ومسلم(4822) والحديث الشريف جاء بلفظ سنن جمع سنة أي طريقة…. والمعنى على هذا لتتبعين طرائق وجاء بلفظ سنن (بفتح السين) أي طريق .. ويبين رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في هذا الحديث صفة مشابهة هذه الأمة لما سبقها من الأمم وأنها شبرا بشبر وذراعاً بذراع فلو أنهم حادوا عن الحق فيه شبر حادت الأمة قيد شبر ولو حادوا ذراعاً لحادت هذه الأمة مثله وبنيت الرواية الثانية من الحديث دقة المثلية والمشابهة .. وفي رواية لأحمد(16512) "…حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ" فقال صلى الله عليه وسلم والقذة : ريشة السهم .. فكل سهم به أكثر من ريشة كل ريشة مساوية تماماً لأختها ولولا هذا التساوي لأنحرف السهم ولم يُصب هدفه .. فهذه الرواية تبين أن هذه الأمة ستماثل الأمم السابقة في انحرافها كما تماثل ريشة السهم أختها ـ ومن أجل هذا الخطر العظيم وهو وقوع الضلال في هذه الأمة كما وقع في سابقيها من الأمم. أقول: من أجل هذا الخطر الداهم فرض الله لنا الدعاء بوقايتنا من هذا الضلال والزيغ وأمرنا سبحانه بتكرار ذلك بعدد ركعات الصلاة ولا تصح الصلاة بغير هذه الدعوات الواردة في النصف الثاني من سورة الفاتحة (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)الفاتحة(6) (صِرَاطَ(221/22)
الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)الفاتحة(7) .. وقد فسر رسول الله المغضوب عليهم بأنهم اليهود وفسر الضالين بأنهم النصارى فكان الدعاء الذي في الفاتحة هو أفضل وأجمع الأدعية على الإطلاق .. وفرض الله علينا التوسل بأنواعه الثلاث مثل هذا الدعاء وهذا في النصف الأول من الفاتحة فمن أولها إلى قوله تعالى (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) توسل بالأسماء الحسنى والصفات العلي ـ وقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) توسل بالعمل الصالح وهو إفراد لله بالعبادة والاستعانة به على ذلك .. وفى قوله سبحانه (اهدِنَا) توسل بدعاء الصالحين المصلين إذ كل من قرأها طلب الهداية لنفسه ولجميع المسلمين ..
وفقه للتأمل :ـ ولنا هنا وقفه للتأمل .. إذا كان الأمر كما يقوله هؤلاء المضلون من استحالة وقوع الشرك في الأمة فلماذا إذن هذه الطاعات المتنوعة والعبادات والأدعية المتعددة توسل بأنواعه الثلاث .. ودعاء يتكرر بعدد ركعات الصلاة بالهداية للصراط المستقيم واجتناب صراط اليهود والنصارى ـ إذا كانت الأمة في مأمن من الشرك والضلال فلا فائدة إذن من هذه الأدعية المتكررة المتعددة ـ وتكون من قبيل اللغو والعبث وحاشا لله أن تكون كذلك .. لكن الحق والصواب أن الله سبحانه أمر بهذه الأدعية المتكررة لأنه سبحانه أحكم الحاكمين وهو العليم الخبير الذي خلق الخلق ويعلم سبحانه أن في هذه الأمة من سيتبع سنة اليهود والنصارى وسيوافق طريقتهم حذو القذة بالقذة ولهذا أمر سبحانه بالدعاء وطلب الهداية إلى الصراط السوي والعصمة من صراط المشركين الضالين ..
وهذه أمثله توضح بعض الانحرافات التي وقعت من اليهود والنصارى وما يشابهها في هذه الأمة :ـ(221/23)
أ – تحريف كلام الله وكتمان الحق:ـ .. وقد سبق الكلام عنه في قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ.. الآية) وقد شابههم من هذه الأمة الذين يكذبون في الأحاديث وينسبونها إلى رسول الله ..
ب – الإعراض عن التحاكم إلى كتاب الله:ـ .. وذلك في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ)آل عمران(23) فهذه الآية تحكى إعراض اليهود عن التحاكم إلى كتاب الله كما قال سبحانه .. وأنظر إلى كتاب الله سبحانه المنزل للحكم بين الناس به .. أين هو الآن في بلاد المسلمين إلا قليلاً .. ولئن ذكرهم الدعاة بالشريعة والحدود عموا وصموا وأداروا ظهورهم وأعرضوا ومنهم من أرتد عن الإسلام بالكلية ورضى بالعلمانية ديناً بديلاً عن الإسلام ولم يقف عند هذا الحد بل تجرأ على ربه وأساء الأدب مع مولاه وزعم أن الشريعة لا تصلح لهذا الزمان ولو أننا قطعنا يد السارق لصار كثر من الناس معوقين ولتعطل الإنتاج ولو أننا طبقنا الشريعة لأحتقرنا الغرب وأتهمونا بالرجعية والتخلف إلى آخر ما يحدث في أمتنا الآن من ضلالات وحدث ولا حرج ....(221/24)
ج – الإيمان بالجبت والطاغوت :ـ قال سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً)النساء(51) والجبت : السحر والصنم والكهانة وهو الإيمان بوجود قوة غيبية فوق عالم الأسباب لغير الله عز وجل يعتقد فيها النفع والضر كمن يعتقد ذلك في موتى الصالحين مثلاً .. ومن ثم يدعونهم من دون الله أو مع الله خوفاً وطمعا حتى لقد بلغ من بعضهم أن يُعظم تلك الجبت أكثر من تعظيمه لله سبحانه فتجد أحدهم يحلف بالله كاذبا فإذا أستحلفته بوليه ومعبودة من دون الله تلجلج وتلعثم وأمتنع عن الحلف بوليه ـ فهل بعد هذا الكفر من كفر وفعل في هذا الشرك غموض أو خفاء ؟
والطاغوت : من الطغيان وهو مجاوزة الحد وأخطر من ذلك في التشريع وتحليل الحرام وتحريم الحلال كما سبق بيانه وقد وقع هذا النوع من الإيمان بالطاغوت في الأمم السابقة كما جاء في قوله سبحانه في سورة التوبة (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا اله واحد لا اله إلا هو) وقد جاء بيان ذلك في حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ :" أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ …وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ" رواه الترمذي …(221/25)
والمقصود أنه كما كان في أهل الكتاب من يؤمنون بالجبت والطاغوت فقد وجد في هذه الأمة من ماثلهم في ذلك حذو القذة بالقذة .. أما قوله في الآية : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) حدث ذلك عندما سأل كفار مكة اليهودي كعب بن الأشرف عند النبي وأصحابه فقال لهم كعب : أنتم أهدى سبيلاً منهم ، وقد رأينا هذا وسمعناه في هذه الأمة ـ فمنهم من يقول لأهل الغرب .. أنتم أهدى من الإسلاميين سبيلاً وأقوم منهم .. أنتم أهل التقدم والحضارة وهم أرباب الرجعية والتخلف !!! إلى آخر هذه المقولات الفاجرة ..
د- الغلو في الصالحين :ـ وهذا الغلو له مظاهر عدة منها : بناء المساجد على قبورهم ودعاؤهم والذبح لهم والنذر لهم وغير ذلك .. وهذا الغلو كان موجوداً في الأمم السابقة (اليهود والنصارى) كما قَالَ ِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " رواه البخاري (417) وفي رواية لمسلم(827)تقول :"… أنبيائهم وصالحيهم.." وقد ورثت هذه الأمة عنهم هذا الغلو ولا يخفى على أحد ما نقرأه ونشاهده من فضائح الصوفية والشيعة الذين يرفعون مشايخهم وأولياءهم إلى رتبه الألوهية ويستشفعون بهم شفاعة شركية لا شفاعة حقة .. وأشتهرت عندهم في ذلك كلمة المحاسيب ـ بل بلغ من كفرهم وباطلهم إعتماد الكون على أربع أقطاب ليتحكمون فيه هم (البدوى ـ الرفاعى ـ الدسوقى ـ الجيلانى) وأعتقدوا في السيدة زينب أنها رئيسة الديوان وصاحبة المشورة لأن الله (سبحانه وتعالى) لا يفعل شيئاً إلا باستشارتها .. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .. وذكر فضائحهم يحتاج إلى مجلدات ..(221/26)
ولذلك حذر رسول الله من الغلو الذي أهلك السابقين فقال (إياكم و الغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وفي صحيح الجامع(2860).. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثلاثًا"رواه مسلم(4823).. وأول وقوع الشرك في بنى آدم كان بسبب الغلو في الصالحين . فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما في تفسير قوله تعالى (وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ،وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا)نوح(23،24) قال : فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ"رواه البخاري(4539).(221/27)
هـ – الغلو في الأنبياء :ـ غالت النصارى في المسيح بن مريم فجعلوه إبنا لله ـ وثالث ثلاثة ـ وجعلوه هو الله .. وقد نهاهم الله سبحانه عن هذا المسلك فقال سبحانه (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) المائدة(77) وقال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُه "رواه البخاري(3189) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح ، وقد ورثت هذه الأمة شيئاً من غلو السابقين في أنبيائهم فقالوا في نبيهم (أول خلق الله) وقالوا (خلق من نور الله) وقالوا (خلق الله الكون من نور محمد) وقال البوصيرى في البردة يزعم أنه يمدح النبي محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :ـ (ومن جودك الدنيا وضرتها .. ومن علومك علم اللوح والقلم) فخالف بجهله وضلاله صريح القرآن والسنة ورفع النبي إلى مرتبة الألوهية وجعل من جوده الدنيا وضرتها وهى الآخرة .. والله تعالى يقول (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى) وهو قد جعل الدنيا والآخرة جزء من جود النبي وجعل علم اللوح والقلم بعضاً من علومه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهذا محض إفك وإفتراء وبهتان .. فعلم اللوح والقلم مما أستأثر الله تعالى به .. قال تعالى:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)الجن(26،27) وقال تعالى :( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء..)البقرة(255) (ومن غلوهم) الذميم وإفكهم القديم أنهم قالوا في هذه الآية الكريمة (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)الفتح(9) قالوا : وتسبحوه .. أي تسبحوا رسول الله .. فسبحوا الرسول كما سبحوا رب الأرباب وهذا من أقبح الشرك وأشنعه .. ومن(221/28)
ضلالهم (وغلوهم) أنهم طلبوا المدد من رسول الله وطلبوا منه الغوث فقالوا : مدد يا رسول الله ـ أغثنا يا رسول الله .. وهذا دعاء والدعاء عبادة والعبادة لا يستحقها إلا المعبود الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له فأعطوا المخلوق حق الخالق الذي لا يشاركه فيه أحد وخالفوا بذلك صريح الدين وكفروا بالله رب العالمين .. ومن غلوهم وضلالهم أن قالوا إن الرسول ليس له ظل أو أن نوره يطفئ ظله إذا مشى في الشمس ! وأم المؤمنين عائشة قالت (كنت أمد رجلي بين يديه (وهو في صلاته) وتعتذر بأن البيوت ليس فيها مصابيح فلو كان النبي له نور لكفاها ولم تعتذر !!) ولكن القوم أضلهم الغلو ..
ومن ضلالهم وغلوهم قولهم إن الله يقول في الحديث القدسي :"…وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأ ذَكَرْتُهُ فِي ملأ خَيْرٍ مِنْهُمْ" رواه البخاري ومسلم، قالوا : الرسول معنا إذا ذكرناه !!! ولهذا تجد من أولئك الغلاة في ليله المولد إذا ذكر القارئ المضل كلمة المصطفى قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون إن الرسول حضر مجلسنا بنفسه فقمنا إجلالاً له مع أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أشد إجلالاً للنبي من الجميع ومع ذلك كانوا إذا دخل عليهم يكلمونه وهم جلوس لا يقومون له هذا والنبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بين ظهرانيهم ومن غلوهم وضلالهم أنهم يقولون في دروسهم ومحاضراتهم مع أتباعهم حال اللقاءات الخاصة في البيوت يقولون : إن الرسول حضر .. فإذا أقيمت مثلاً مائة محاضره في مائة موقع في آن واحد يكون الرسول حسب زعمهم حاضراً فيها كلها !!!(221/29)
وهذا قليل من كثير من كذبهم وأباطيلهم وهو لا يقل ضلالاً وشركاً وكفراً عما فعله اليهود والنصارى مع المسيح من أجل ذلك جاء حديث النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُه "رواه البخاري(3189) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح ، فالرسول عبد مخلوق فلا يُعبد ورسول فلا يُكذب (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)الكهف(110) ولهذا يقول المصلى في صلاته عندما يُسلم عليه ويشهد له بالرسالة : أشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وهذا هو أفضل وصف أختاره الله له وأختاره الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لنفسه وقد قال سبحانه ينهى أهل الكتاب عن غلوهم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ)النساء(171) فالغلو منهي عنه في كل رسالات السماء نهى عند رب العزة ونهانا الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن التشبه بالأمم السابقة والوقوع فيما وقعوا فيه ..(221/30)
و- سماع الكذب وأكل السحت :ـ قال سبحانه حكاية عن حال اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) المائدة(42) فقلوبهم تغتذي على الكذب وأبدانهم على السحت وقد ورثت هذه الأمة منهم نصيباً كبير من هذه الصفة الخبيثة . فكثير من هذه الأمة يأكلون الربا والسحت .. هذا في أكل السحت .. أما استماع الكذب (والمراد به سمعه وقبوله والعمل به) فهذه صفة من أشد الصفات الخبيثة التي أتصف بها اليهود حتى تشابهت قلوبهم فيها إلى يوم القيامة لأن الباطل الذي يُدّونه أحبارهم وعلماؤهم (كالتلمود مثلاً وشروحه) يتم ترويجه عليهم جيلاً بعد جيل فتخرج الأجيال على نفس الصفات الخبيثة فلا تنفع معهم دعوة ولا يسمعون للصدق والحق المُخالف لباطلهم ـ وإذا نظرنا إلى هذه الأمة لوجدنا فيها من شابه اليهود في هذه الصفة الخبيثة وهى سماعهم الكذب .. ذلك أن الكتاب والسنة الصحيحة بين أيديهم ويتركونها ويقبلون على دعاة الكذب والضلال والتحريف فيقبلون منهم ويعملون بأمرهم دون تثبت أو تبين هل هذا من الحق أو الباطل .. والعجب أن الناس لا يتثبتون ولا يتبينون مع تمكنهم من ذلك وقدرتهم عليه ـ ذلك أن دعاة الحق معروفون ومعروف كلامهم بالحق والصدق لأنه صادر عن أدلة صحيحة وبراهين واضحة ـ والذى يقبل الكلام ولا يتثبت من حقيقته وصدقه مع تمكنه من ذلك مثله كمريض أعياه المرض وأضناه التعب ثم هو يترك الطبيب الصادق الأمين الذي يُبين له حقيقة مرضه ويحذره من مغبته ويوصله بالعلاج الناجح ـ يتركه ويُقبل على الطبيب الكذاب المخادع الغير مختص بحالته الباحث عن الأموال فقط فيخدعه ويغرره ويخبره أنه سليم خال من الأعراض والأسقام والمريض يسمع ويطيع لأنه سماع للكذب .. ومن أعجب ما قرأت قصة مدعى النبوة المختار بن أبى عبيد الثقفي الذي غلب على الكوفة في أول خلافة بن الزبير وأظهر التشيع لآل البيت ودعا الناس للثأر من قتلة الحسين ومن عاون على قتله فأحبه الناس وأطاعوه(221/31)
ـ فلما رأى الأمر قد أستتب له خرج على الناس بإفكه وباطلة فزعم أن جبريل يأتيه بالوحي وأنه رسول الله ـ وتابعه وصدقه كثير من هؤلاء والمدهش أنه يلعن إيمانه وأن الله حق والقرآن حق ومحمداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حق والجنة حق وكذلك أتباعه يؤمنون بذلك ـ فإذا كانوا يؤمنون بالقرآن ألم يعملوا أن في القرآن (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)الأحزاب(41) فالنبوة خُتمت بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فلا نبي بعده ـ فكيف تابعوه ؟ لأنهم سماعون للكذب ونحن الآن في واقعنا المعاصر نرى وسائل الإعلام تُزخرف الأقوال وتُزين الباطل وإذا بالناس يُقبلون ويُصدقون ما تنهدم به الثوابت الشرعية ويُصدقون أن المؤمنين المتمسكين بالكتاب والسنة إرهابيون متشددون ورجعيون !!! ومن يسمع ذلك ويُصدق دون تحرٍ أو بحث فإنه من السامعين للكذب فليحذر كل مسلم أن يكون كذلك وليحذر أن يكون من أصحاب البدع والخرافات والضلالات .
فإنه ما انتشرت البدع ولا تفشت الخرافات إلا على سماعي الكذب ـ فالشيعة والصوفية مثلاً ـ وكمثال لأصحاب الضلال والبدع يتركون صريح القرآن وصحيح السنة المشرفة والنصوص المحكمة التي تنهى عن الشرك والغلو والابتداع في دين الله ويسمعون كلام المضلين مشايخهم وأئمتهم المبتدعين وكل ذلك لأنهم سماعون للكذب ..(221/32)
ز- المحاباة في الحق والمجاملة في حدود الله :ـ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"رواه البخاري(6289) وقد وقع هذا في هذه الأمة قبل أن يتم تنحيه الشريعة عن الحكم في أكثر بلاد المسلمين والمثال على ذلك ما يحدث في الجزيرة العربية وهو معلوم ..
ح – التحايل على محارم الله واستحلالها بأني الحيل :ـ قال تعالى في سورة الأعراف(163)( واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فهذه طائفة من اليهود خالفوا أمر الله سبحانه لأنه أمرهم أن يُعظموا يوم السبت ولا يعدوا يوم السبت فلجئوا إلى الحيل حيث نصبوا الشباك وحفروا الحفر لحبس الحيتان يوم السبت ثم يستخرجونها يوم الأحد وما بعده .. وأيضاَ لما حرم الله عليهم شحوم البقر أذابوها وجمدوها ثم باعوها وهذا محله من التحايل على شرع الله .. وقد وقع هذا التحايل في هذه الأمة وصورة تستعصي على الحصر ..(221/33)
ط – قسوة القلب بطول الأمد : ـ قال تعالى:( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)الحديد(16) ولقد حصل في هذه الأمة من قسوة القلب ما لا يخفى على أحد وقد أخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك في قوله "لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " وقوله "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا"صحيح، صحيح الجامع(2569). وهكذا كلما مر الزمان قست القلوب في المجموع وليست في الجميع لأنه تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة وأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ـ والسابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ..(221/34)
الدليل الثاني : من أدلة وقوع الشرك في هذه الأمة ما رواه أبو داود في الفتن والملاحم وابن ماجة من حديث طويل أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"…وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي فَلَنْ يُرْفَعَ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي أَئِمَّةً مُضِلِّينَ وَسَتَعْبُدُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ وَسَتَلْحَقُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)رواه ابن ماجة(3942)ومثله في صحيح الجامع(1773).وقد تكون من بلاد متفرقة بعضهم من قبيلة والآخر من قبيلة أخرى وقد وقع هذا فعلاً .. فهذا الحديث لا كلام بعده لم يريد إضلال المسلمين وتحذير الناس بأن لا خوف من الشرك.(221/35)
الدليل الثالث : وهو مجموعة من الأدلة المتشابهة المتقاربة من كتاب الله تعالى :ـ قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)إبراهيم(35) فإذا كان خليل الرحمن يخشى على نفسه الشرك وعبادة الأصنام ويدعو ربه أن يُجنبه ذلك فمن يأمن على نفسه بعد إبراهيم عليه السلام .. ؟ وجاءت الآية من سورة الأنعام فبينت أن الأمن لا يكون إلا لمن آمن ولم يلبس إيمانه بشرك (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) لما نزلت هذه الآية حزن أصحاب النبي (صلي الله عليه وسلم) وقالوا : أيُنا لم يظلم نفسه ؟ فبين لهم رسول الله أن الظلم المراد هنا هو الشرك وليس ما دونه من المعاصي .. وأستدل بقول لقمان لولده (يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)لقمان(13) وأكثر من ذلك ذكر الله في سورة الأنعام ثمانية عشر نبياً ثم قال (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)الأنعام(88) بل وجه خطاباً خاصاً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ)الزمر(65،66) ومعلوم أن النبي (صلي الله عليه وسلم) معصوم من الشرك ومما دون الشرك ـ ولقد عصمه الله حتى قبل الرسالة من اللهو والمعازف حين هّم بحضور عُرس فيه لهو ومزمار فألقى الله عليه النوم ومنعه من ذلك إذن فالمراد من هذا الخطاب التحذيري جميع الأمة ومنهم الصديق والفاروق .. ولو كان الشرك مستحيلاً في الأمة فما الحكمة من ذكر هذه الآيات والله تعالى أحكم الحاكمين لا يقول(221/36)
العبث ولا يتكلم به ..
الدليل الرابع : قوله النبي صلي الله عليه وسلم :" لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ .."رواه البخاري ، صحيح (5466)صحيح الجامع ، والاستحلال شرك وكفر لان القائل بهذا منازع لله في حكمه مُبدل لشرع الله وهناك فرق بينه وبين من يفعل هذه الأشياء وهو يعتقد حرمتها فهذا معصية وكبيرة يرجى لصاحبها الغفران إذا تاب عنها ـ أما المستحيل فهو متجرأ على الله مشرك به وقد جاء هذا الحديث في البخاري تحت باب (ما جاء فيمن يشرب الخمر يسميها بغير اسمها) وذلك كالذين يسمونها الآن مشروبات روحية منعشة ..!!(221/37)
الدليل الخامس : حديث ذات أنواط : أخرجه الترمذي في الفتن عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ "صحيح (3601) صحيح الجامع ، فهذه ذات أنواط شجرة يُعلق عليها المشركون أسلحتهم تبركاً فطلب الجدد (حديثوا عهد بالكفر) طلبوا من النبي أن يجعل لهم شجرة مثلها ينوطون بها أسلحتهم تبركاً ولم يريدوا عبادتها ولم يفعلوا ذلك ولم يحصل منهم التبرك أصلاً إنما سألوا النبي ذلك وهم يحسبون أن هذا الفعل سيقربهم من الله لأن الرسول لو أجازها لهم لأصبحت عبادة مشروعة لكنا علمنا كيف أن الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حسم الموقف لأن التبرك بالأشجار نوع من الشرك فكيف يطلبه من يقول لا اله إلا الله . إن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كبر استعظاماً وتعجُباً من هذا الطلب وأنكر عليهم حفظاً وحماية لجناب التوحيد وأعتبر مقالتهم هذه مثل قول بنى إسرائيل لنبيهم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة .. أفبعد هذا يكون الشرك مستبعداً في هذه الأمة ؟ وخاصة في هذه الأزمان التي أنتشر فيها الجهل وعم الضلال.(221/38)
الدليل السادس : اشتراط الحنيفية لتحقيق الدين القيم والتوحيد الخالص الذي أمر الله به الناس كافة وإلا لم يحصل الانتفاع ولا النجاة من النار لقوله سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)البينة(5) وقال تعالى :( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)الروم(30) وقال تعالى :(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)الحج (30،31) وهذا واضح في قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ "رواه مسلم(34) فهذه الآيات صريحة في اشتراط الحنيفية وهى الميل عن الشرك وكل دين باطل . فإذا كان الشرك مستحيل الوقوع في هذه الآمة بزعمهم فلماذا اشترطت الآيات الميل عنه واجتنابه ؟(221/39)
الدليل السابع : قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ، وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) المؤمنون(57،61) فبعد أن ذكرت الآيات أعلى صفات الإيمان وهى الإشفاق من خشية الله والإيمان بجميع الآيات لم تجعل ذلك كافياً للعلاج حتى ينفي عنهم الشرك الأكبر والأصغر والجلىّ والخفىّ ـ فكيف يُقال بعد ذلك لا خوف على الآمة من الشرك وإذا كانت الأمة في مأمن منه فلماذا اشترطت الآيات ذلك ؟ أليس هذا كلام أحكم الحاكمين المنزه عن العبث ؟ ولأبن أبى حاتم عن حذيفة قال : أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعة وتلا قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) يوسف(106) أي وهم متلبسون بالشرك . فهذا رجل مؤمن ولكن كان لبسه لهذا الخيط نوع من الشرك الأصغر ،إذن فقد أجتمع في الرجل إيمان وشرك وإن كان هذا من الشرك الأصغر لكن الشرك الأصغر خطر عظيم إذ هو أكبر من جميع الكبائر وأكبر من قتل المؤمن عمداً . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ، قَالَ: الرِّيَاءُ"رواه أحمد(22528)صحيح(1555) صحيح الجامع. فليس الشرك الأصغر إذن بالأمر الهين . وأخرج أحمد وصححه الألباني من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ مرفوعاً يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ "رواه أحمد(16763) فتأمل هذا الحديث وتأكل كيف قال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ(221/40)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) من (تعلق) ولم يقل من "علق" لأن التعلق فيه معنى أوسع وأشمل من "علق" فإنه يدل على تعلق الأمر بقلبه ونفسه بحيث ينزل خوفه ورجاءه وأمله به معتقداً فيه جلب النفع ودفع الضر . وأخرج أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني عن ابن مسعود قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :"إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ " رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود، صحيح(1632)صحيح الجامع. والرقى جمع رقيه والمقصود بها هنا ما كان بغير ما ورد به الشرع كتلك التي تكون غير مفهومة المعاني وبألفاظ أعجمية ـ وهذه بخلاف الرقية الشرعية المسنونة مثل (الفاتحة ـ آية الكرسي ـ سورة الإخلاص ـ المعوذتين .. الخ)
أما التمائم : جمع تميمة وهى التي تسمى العزائم وهى شئ يُعلق على الأولاد أو على السيارات أو باب الشقة والمنزل دفعاً للعين والشر والآفات مثل ما نراه من كثير من المسلمين الآن مثل الذي يعلق (حدوة حصان ـ نعل طفل صغير ـ خمسة وخميسة … ونحو ذلك ..)
وأما التولة فهي شئ يعلقونه على الزوج أو الزوجة يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والعكس . وهذا شرك وكل ذلك منتشر في الآمة يعرفه الجميع ويرونه رأى العين . ومن هنا يتبين لنا مدى خطورة دعاة الضلالة من الصوفية المبطلين وغيرهم فإنهم برغم هذه الضلالات والبدع الشركية الواضحة ـ يؤكدون للناس سلامة اعتقادهم وصحة دينهم وخلوة من الشرك ثم يريدون من دعاة الحق أن يتوقفوا عن توضيح الحق للناس وبيان التوحيد الذي هو أصل الدين وبيان ضده وهو الشرك ..(221/41)
الدليل الثامن : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ " رواه مسلم(117) فإذا كان أكثر الناس الآن تراهم تركوا الصلاة والحديث يُصرح أن ترك الصلاة من الشرك والكفر أليس هذا من أبين الأدلة على وقوع الشرك في الآمة ؟ وكذلك حديث :" مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ"رواه أبو داود والترمذي وأحمد،صحيح(6204)صحيح الجامع، وهذا مما نراه ونسمعه تفشي وعمت به البلوى ـ الحلف بسيدي فلان ـ الحلف بالنبي ـ ورحمة والدي ـ وتربة أمي ـ وشرف سعادتك … وهكذا .. فإنا لله وأنا إليه راجعون ..(221/42)
الدليل التاسع : قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ، وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)البقرة(165) وكثير من المنتسبين للإسلام اليوم يُحب غير الله كالمال والجنس الآخر والجاه أكثر من محبته لله .. ومنهم من يحب أرباب القبور سواء الأولياء حقاً أو زعماً أكثر من محبته لله .. ومنهم من يأتون إلى مكة والمدينة ويرون أن زيارة قبر الرسول أعظم من زيارة البيت الحرام لأنهم يجدون في نفوسهم حُباً لرسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كحب الله وأشد ـ وحقيقة هذه المحبة التي يدّعيها هؤلاء باطلة لأنها قائمة على الغلو والأوهام والعاطفة الكاذبة إذ أنهم يعتقدون الأباطيل في رسول الله كقولهم إنه خُلق من نور وأن من جوده الدنيا والآخرة وأنه يملك الشفاعة إلى غير ذلك من الأمور الباطلة .. فمحبة تقوم على أساس باطل فهي باطلة .. والعجيب أنك تراهم يدّعون هذه المحبة وكلهم أعراض عن منهج رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تاركين لسنته وهديه غارقين في المعاصي والخطايا ـ بل ومستهزئين بالمتمسكين بهدى النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .. والمحبة الحقة بخلاف ذلك كله .. ذلك أن الذي يُحب رسول الله يُجب أن يعتقد فيه الاعتقاد الصحيح الحق ويسارع ويسابق في إتباع هديه والإقتداء والاهتداء بسنته وهذا منهج أهل السنة والجماعة .. يحبون رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لأنه رسول الله .. لا لأنه محمد بن عبد الله فحسب .. محمد الرسالة والرسول .. فمحبته تابعة لمحبة الله سبحانه وتعالى ودلالة هذه المحبة الاهتداء بسنته والحرص على نشر رسالته (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ…)آل عمران(31).(221/43)
الدليل العاشر : ورد لفظ الجاهلية في القرآن 4 مرات (ظن الجاهلية ـ حكم الجاهلية ـ حمية الجاهلية ـ تبرج الجاهلية) وهذه الأربع منتشرة في الأمة الآن على أوسع نطاق .. منها ما هو شرك أكبر ومنها ما هو شرك أصغر ومنها ما هو معصية وقد عقد الإمام البخاري في كتابة باباً في كتاب الإيمان فقال( بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ…)وذكر فيه حديث عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ :لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"رواه البخاري(29) ومسلم(3140) وجاء في حديث آخر في صحيح مسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ :النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ"رواه مسلم(1550)والترمذي وأحمد. ومعلون أن الاستسقاء بالنجوم شرك فهل بعد كلام النبي عن كلام ؟
أسئلة وأجوبة(221/44)
س1_ ما هو سر هذا الاغترار العجيب والافتتان الكبير من عباد الأصنام بموتى الصالحين لدرجة دعائهم والاستشفاع بهم ورجائهم في دفع الضر وجلب النفع مع أنك تجد منهم من هو بصير بدنياه وماهر وذو دهاء وذكاء شديد أما في أمر دينه فلا ترى منه إلا التقليد الأعمى والسير وراء الأوهام والسراب ؟
الجواب:_ الله سبحانه وتعالى غنىُُ بذاته (لا يحتاج لغيره) أما الإنسان فقير بذاته (لا يكون إلا مُحتاجاً لغيره) ودائماً يطلب حوائجه .. وهى نوعان :ـ
النوع الأول : حاجة لغذاء الروح والقلب وهذا الغذاء هو التأله الحق لإله الحق وبه تحصل الحياة الطيبة فإن لم تتناول هذا الغذاء أضطر لتناول البديل والبديل كله داء عضال وسم قتال وهو التأله الباطل للآلهة الباطلة وبهذا تحصل المعيشة الضنك والحياة النكدة .. وحاجة الإنسان إلى غذاء الروح والقلب أشد ضرورة من حاجة البدن إلى الهواء والطعام والشراب .(221/45)
النوع الثاني : حاجات الجسد من طعام وشراب وملبس ونحو ذلك والإنسان مولع دائماً بقضاء حاجته وإزالة ضروراته فإذا قضيت حاجاته بالأسباب فهذا هو الأمر الطبيعي .. أما إذا تعثرت الأسباب مثل السعي على الأرزاق أو الهدية أو الصدقة أو القرص أو العلاج .. فإن الإنسان يتجه إلى ما وراء الأسباب فالذي حقق التوحيد وعلم أنه لا اله إلا الله يعلم أنه لا قوة تؤثر وتنفع وتضر إلا الله سبحانه .. وهذا هو الحنيف التارك للشرك المائل عنه المتجه إلى الله سبحانه المُنيب إليه .. المتوكل عليه في كل شئونه وأحواله . أما الجاهل الضال فإنه سماع للكذب فلا يزال يصغي ويُلقى سمعه إلى الحكايات المكذوبة والقصص المختلفة التي يروجها القبوريون من أن فلانا استغاث بقبر فلان فنفعه .. وفلان لجأ إلى الشيخ فلان في شدته فخلصه .. ورزقه ولد .. أو شفى له المريض .. وفلان نزل به ضر فأسترجى صاحب الضريح الفلانى فكشف عنه ضره !! وأن المشهد الفلانى أو ضريح فلان ترياق مُجرّب !! الخ هذا الشرك والإفك ويستدلون على هذا الباطل بأحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يظهر كذبها من ألفاظها لأنها تناقص أصل الدين وعقيد المسلمين مثل قولهم زوراً بهتاناً يُحدثون عن رسول الله (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) (ولو أعتقد أحدكم في حجر لنفعه) فيقع الجاهل والعياذ بالله في براثن الشرك والإلحاد خصوصاً عند نزول الشدة به وحدوث العسرة له فإن الشيطان يتربص به ويدعوه إلى الشرك خطوة خطوة حتى تغوص أقدامه في مستنقع الكفر بالله رب العالمين .. فأنه يدعوه أولاً إلى دعاء الله والاستغاثة به عند قبر فلان .. فيدعو بحرقه وخضوع وذلة وانكسار فيكون هذا سبباً في استجابة دعوته لأنه سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا دعاه .. وعندها يوهمه الشيطان أن الدعاء عند القبر هو سبب استجابة الدعاء وأنه أرجى وأنفع من الدعاء في سائر الأماكن كالبيت والمسجد وغير ذلك وهكذا(221/46)
يُلبّس عليه الشيطان . فإذا تقرر ذلك عنده نقله من هذه إلى خطوة أخرى ـ فيأمره بالدعاء بصاحب القبر والإقسام على الله به ـ ثم بعد ذلك ينقله إلى خطوة أخرى فيأمره أن يتخذ هذا القبر وثناً يعبده ويصلي عليه ويوقد عليه الشموع ويعلق عليه الأستار ويبنى فوقه المسجد ويطوف حوله ويُقّبله ويسجد له ويحج إليه ويذبح عنده ويسجد على بابه . ثم بعد ذلك ينقله إلى خطوة أخرى فيأمره أن يدعو الناس إلى هذا الشرك بشد الرحال إلى تلك القبور واتخاذها عيداً ومنسكاً . وقد يقع الجاهل في الشرك وهو لا يعلم شيئاً مما سبق دون أن يعتقد عقيدة الشرك ودون أن يسمع حكايات وقصص الدجالين وإنما يكون الأمر محض اختلاط وتلبيس عليه من الشيطان الرجيم .. وذلك كان يدخل إلى مسجد ليصلى فيه لله تعالى ويتضرع إلى الله فيجد في هذا المسجد قبراً لأحد الأموات (الصالحين كما يزعم الناس) والميت المقبور غيب عن الأحياء ـ فيختلط الأمر عند هذا الجاهل وهو لا يشعر وتختلط رغبته ورهبته لله برغبته ورهبته للولىّ الميت ويختلط التأله والتضرع لله بمثلهما للموتى دون أن يدرى ويجتمع عليه جهله وكيد الشيطان له كما سبق مع ما هو فيه من الكرب والشدة فتستقر عنده الأوهام وتتحقق لديه الظنون شيئاً فشيئا حتى يعتقد أن للولىّ المقبور شيئاً من التأثير الغيبي على الأسباب (وهذا هو الإيمان بالجبت) فيقع في الشرك الأكبر ويعتقده كعُبّاد الأصنام تماماً ـ والأدهى والأمّر أنه مع هذا الضلال يحسب أنه يُحسن صنعاً ويُعد نفسه من الموحدين المقربين الصالحين . من أجل ذلك وحَذراً من اغترار الجهال وافتنانهم واختلاطهم أغلق النبي (صلي الله عليه وسلم) ذلك الباب تماماً ومنع من اجتماع المسجد والقبر أبداً حماية لجناب التوحيد وسداً لذريعة الشرك ولعن من بنى على القبور المساجد ، وأخبر أنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة ، ثم خص قبره بدعاء عظيم نفع به الأمة قَالَ :"اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي(221/47)
وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"رواه الإمام مالك(376)والإمام أحمد(7054) ، وأستمر في التحذير من ذلك حتى آخر حياته وحتى عند اشتداد المرض الثقيل عليه كان يَقُولُ:" لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا"رواه البخاري(4089)ومسلم(825)والنسائي(2020) وأبو داود(2808) وأحمد(10298) ومالك(1387) والدارمي(1367) واللفظ للبخاري ، وغير ذلك من الأحاديث التي بلغت حد التوتر بمعناها وإن لم تتواتر بلفظها ـ ولم يقتصر نهيه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) على اجتماع القبر والمسجد فحسب بل تعدى ذلك إلى القبور العالية المرتفعة على الأرض وذلك أيضاً سداً لذريعة المشرك وقطعاً لأسبابها كما قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لرئيس الشرطة أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: ألا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إلا طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا (أي مرتفعاً) إِلا سَوَّيْتَهُ ولاَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا"رواه مسلم(1609)والنسائي(2004)والترمذي(970)وأبو داود(2801)وأحمد(645)صحيح،صحيح الجامع(7264). .. وموضوع اتخاذ القبور مساجد طويل لا نريد الاستطراد فيه الآن ومن أراد مزيد تفصيل فيه فليرجع إلى المصادر المحال إليها في آخر هذا البحث ..
س2- أليست زيارة القبور من السنة ؟
الجواب– الإجابة من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم بتصرف بسيط وهى : نعم زيارة القبور سنة ـ ومقصود هذه الزيارة في السنة ثلاث أشياء هي :
الأول : التذكير بالآخرة فيورث ذلك الاتعاظ والعبرة ..(221/48)
الثاني : الإحسان إلى الميت وإلا يطول هجر الحي للميت فينساه ولا يذكره كما لو ترك زيارة الحي مدة طويلة فيؤدى ذلك إلى نسيانه فإذا زاره الحي فرح بذلك ..
فالميت أولى لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها أهليهم وإخوانهم وأخواتهم ومعارفهم فإذا زاره وأهدى إليه هدية من دعاء أو صدقه أو قربة ازداد سرور الميت بذلك وفرح به أكثر من فرحة بالزيارة المجردة عن ذلك تماماً مثلما يسر الحي الزيارة مع الهدية ولهذا شرع النبي(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) للزائرين أن يدعون لأهل القبور بالمغفرة والرحمة وسؤال العافية ولم يشرع أن يدعونهم أو يدعون بهم ولا أن يُصلوا عندهم . .
الثالث : إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة والوقوف عندما شرعة الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
فيحُسن إلي نفسه وإلي المزور وهذه صفة الزيارة الصحيحة التي سنها النبي ويؤجر صاحبها .
_أما الزيارة الشركية التي تتضمن الدعاء والتوسل بالأبواب إلى الله سبحانه وتعالى أو يدعون الأموات أنفسهم ويطلبوا منهم قضاء حوائجهم وكشف الضر أو جلب النفع هذه الزيارة أصلها مأخوذ عن عبادة الأصنام وذلك لأنهم قالوا : الميت المُعظم الذي لروحه قرب ومنزله عند الله لا تزال تأتيه الألطاف وتفيض على روحه الخيرات فإذا علق الزائر روحه بهذا الميت وأدناها منه فاض من روح الميت على روح الزائر من تلك الألطاف ..(221/49)
وقالوا : تمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت ويعكف بهمته عليه ويوجه قصده كله إليه وكلما كان جمع الهمة والقلب على الميت أكبر كلما كان الانتفاع أعظم وهذه الزيارة الشركية بهذه الصفة قد ذكرها الفارابي وابن سينا وغيرهما وصرح بها عُبّاد الكواكب وأضافوا : إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور وبهذا السر عبدوا الكواكب وأتخذوا لها الهياكل وصنفوا لها الدعوات وأتخذوا الأصنام المُجسمة لها وهذا بعينه هو الذي أوجب لعُبّاد القبور اتخاذها أعياداً وأوجب لهم تعليق الستور عليها وإيقاد السرج والقناديل وبناء المساجد فُوقها وهذا هو الذي قصد رسول الله إزالته بالكلية وإبطاله وسد الذرائع المفضية إليه فعارضه المشركون وحاربوه وناصبوه العداء وصاروا في شق والرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في شق وهذا هو معنى المُشّاقة لله ورسوله ..
والذي حدا بالمشركين وعباد الأصنام تعظيم أصنامهم هو نفس الشيء الذي حدا بعُبّاد القبور عبادتها وتعظيمها وهو اعتقادهم أنها ستشفع لهم عند الله أو تقربهم منه زُلفا (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)الزمر(3) وقاسوا في ذلك قياساً باطلاً من أفسد المقاييس فقالوا : إن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المُقرب عند الله وتوجه بهمته إليه وعكف عليه بقلبه صار بينه وبينه إتصال يفيض عليه به منه نصيب ، مما يحصل من الله ـ وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقربه من السلطان فهو شديد التعلق به مما يحصل بذلك من الإنعام والإفضال الذي يمنحه السلطان وينال ذلك المتعلق به بحسب قوة تعلقه !!
س3- أو ليست الشفاعة حقاً ؟(221/50)
الجواب- قبل الإجابة على هذا السؤال يحسن بنا أن نقدم مقدمة بين يدي الإجابة لنُبين فيها معنى الشفاعة ولمن هي والشفاعة الحقة والشفاعة الشركية . والأدلة على ذلك فنقول وبالله التوفيق :ـ
معنى الشفاعة : مأخوذة من الشفع والشفع هو جعل الشيء اثنين وهو ضد الوتر قال تعالى (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)الفجر(3) فالوتر هو الفرد والشفع هو الزوج والله سبحانه وتر أي أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله فلا يصدر حكم في القدر والتشريع والجزاء إلا منه وحده لا شريك له ولا يُؤثر عليه شئ أبداً . فلو جاء إنسان وأدعى في شيخ معين أو ولى من الأولياء أو صاحب ضريح ادعى أنه يملك الشفاعة عند الله فيعبده ويتضرع إليه ويرجو لدفع الضر وجلب النفع ويقول هذا شفيعي عند الله فهذا الإنسان مشرك بربه كافر بمولاه حرم الله عليه الجنة ومأواه النار إن مات على ذلك .
قال تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ)يونس(18) وبيان وجه الشرك في تلك الشفاعة ما يلي :ـ(221/51)
هذا الإنسان الذي يعبد من دون الله آلهة الباطل ويدّعى أنها تشفع له عند ربه ووقع في الشرك لأنه يصبح إذا حكم الله سبحانه بحكم فلن يكون هذا الحكم صادر عن الوتر الواحد الأحد بل سيكون صادر عن شفع أي أثنين عن الله وعن انضمام الشفيع إليه ـ تعالى الله عن ذلك ـ لأن الله سبحانه له ملك السماوات والأرض لا يُشاركه ولا يُنازعه في الملك أحد ومن تمام ملكه وسلطانه ألا يكون في السماوات والأرض شفيع إلا بإذنه ـقال تعالى: ( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وتمام المُلك أن تكون الشفاعة كلها له وحده ولهذا قال:(قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) ومعنى كون الشفاعة جميعاً له سبحانه أنه يملك الشافع ،والمشفوع فيه ،ووقت الشفاعة وهو الذي يحدد الشفاعة وكما جاء في حديث الشفاعة الطويل "ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ"رواه البخاري(4166)ومسلم(284)ومن ثم فلا يستطيع أحد كائناً من كان أن يشفع عند الله سبحانه إلا من بعد إذنه (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى)النجم(26) نظرة في آية الكرسي :ـ هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل ـ قال تعالى(اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)البقرة(255) أثبت سبحانه لنفسه كمال الحياة والقيومية بنفي الضد، فكمال الحياة لا تأخذه سبحانه سنة ولا نوم .. (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) أثبت سبحانه لنفسه تمام ملك السماوات والأرض فهو سبحانه يملك الأشياء وأحوال الأشياء ونفى الضد فقال:(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) وتمام ملك السماوات والأرض لا تكون هناك شفاعة إلا(221/52)
بإذنه ـ أما عند ملوك الدنيا فالشفاعة جائزة بإذنهم وبغير إذنهم فمن كان قريباً من السلطان يمكن له أن يشفع دون أن يستأذن أما عند الله فلا لأنها كلها له لا يشاركه فيها غيره قال تعالى:( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي اْلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)فنفت الآية 3 أشياء نفت أن يملك أحد من دون الله مثقال ذرة في السماوات والأرض 2- نفت أن يكون لأحد من هذه الآلهة مشاركة لله في ملك السماوات والأرض 3- نفت أن يكون له منهم ظهير أو معين … فإذا انتفت هذه الثلاثة فلم يبق إلا الشفاعة وقد نفاها الله بقوله (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) وعن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكمله الله من وحيه بما أراد فيمضى به جبريل على الملائكة كلما مر بسماء قال ملائكتها ماذا قال ربنا جبريل قال قال : الحق وهو العلي الكبير ـ فيقول كلهم مثل ما قال جبريل ..) فإذا كان هذا حال الملائكة المقربين إذا سمعوا كلام الله وحال السماوات والرعدة التي تصيبها من خوف الله أفبعد هذا يستطيع إنسان ضعيف من بنى آدم أن يتقدم أو يتجزأ بين يدي رب العالمين دون إذن ليقول : أعف عن هذا الرجل أو أترك هذا من أجلى ؟ سبحانك ربنا هذا بهتانُُ عظيم ..!! وبعد .. فهذا غيض من فيضه وقليل من كثير في الكلام على إبطال الشفاعة الشركية ونفيها أما الشفاعة الصحيحة التي أثبتَها في القرآن وفى(221/53)
السنة هي شفاعة أهل التوحيد بشرط إذن الله تعالى للشافع والمشفوع له ـ فإن قيل إن الله تعالى قادر على أن يعطى المشفوع له ما يشاء بدون واسطة الشافع فما الفائدة من تلك الشفاعة ؟
الجواب– من المعلوم أن الله سبحانه لو شاء لأعطى المشفوع له … لو أعطى المشفوع له بلا شفاعة فهذه مشيئة .. ولكن الله كريم أراد من هذه الشفاعة إكرام الشافع ببيان فضله أمام الناس فإن من المعلوم أن من قبل الله شفاعته فهو عنده بمنزله عالية فيكون في هذا إكرام للشافع من وجهين :
الأول : إكرام الشافع بقبول شفاعته .
الثاني : إكرام الشافع بإظهار جاهه وشرفه ومنزلته عند الله تعالى وبهذا تم الكلام بإيجاز شديد عن الشفاعة ،
وبيان الشركية منها والمشروعة وأنها لله جميعاً لا شريك له فيها ولا شفاعة إلا بعد إذنه ورضاه وتبين أن مُلك الشفاعة من تمام مُلك الله للسماوات والأرض وأي نقص أو خدش في ملكية الشفاعة هو نقص وقدح في ملك الله للسماوات والأرض ...(221/54)
…الفوائد الملتقطة
في الرد على من زعم رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة!
جمع: أبي معاذ السلفي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الإمين وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
( لقد تجرأ بعض الصوفية في ادعاء خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبره ورؤية مشايخ القوم له يقظة
لا مناماً في الحياة الدنيا والتلقي منه، على اختلاف بينهم في كيفية هذه الرؤية كما سيأتي
إن شاء الله بيانه ضمن هذا المبحث، فممن قال بذلك منهم:
ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الحديثية"(ص217) والسيوطي في "تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - والملك" ضمن"الحاوي للفتاوي" (2/255)، وأبو المواهب الشاذلي كما في "الطبقات الكبرى" للشعراني (2/69)، والشعراني كما في "الطبقات الصغرى" (ص89)، وأحمد التيجاني وخلفاؤه كما في "رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم" (1/210)، ومن المتأخرين: خوجلي بن عبد الرحمن بن إبراهيم كما في "طبقات ابن ضيف الله" (ص190)، ومحمد بن علوي المالكي في "الذخائر المحمدية" (ص259)، ومحمد فؤاد الفرشوطي في "القرب والتهاني في حضرة التداني شرح الصلوات المحمدية للسادة الصوفية" (ص25)، وغيرهم)(1).
وفيما يلي أنقل ردوداً لبعض أهل العلم على هذه الدعوى وأسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم؛ وأن ينفع به ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* أولاً:
ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم إمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة
قال الشيخ محمد أحمد لوح - حفظه الله - في"تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/47-49) باختصار:
__________
(1) :"خصائص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بين الغلو والجفاء عرض ونقد على ضوء الكتاب والسنة" (ص207) للشيخ الصادق بن محمد بن إبراهيم - حفظه الله -.(222/1)
( من الأدلة على عدم إمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة أن أموراً عظيمة وقعت لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أفضل الأمة بعد نبيها كانوا في حاجة ماسة إلى وجوده بين أظهرهم
ولم يظهر لهم، نذكر منها:
- انه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم - بسبب الخلافة، فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم.
- اختلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة رضي الله عنهما على ميراث أبيها فاحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة } رواه البخاري وغيره.
- الخلاف الشديد الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين من جهة أخرى، والذي أدى إلى وقوع معركة الجمل، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين، فلماذا لم يظهر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يحقن هذه الدماء؟
- الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقن تلك الدماء.
- النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جداً منهم عمار بن ياسر. فلماذا لم يظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم .
- أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على جلالة قدره وعظمة شأنه كان يظهر الحزن على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول:(ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا) متفق عليه.فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له: لا تحزن حكمها كذا وكذا) اهـ .
* * * *
* ثانياً:(222/2)
أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة
إليك أخي القارىء الكريم أقوال بعض أهل العلم في هذه المسالة؛ وأغلب هذه النقول
من كتاب "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للشيخ إسماعيل الأنصاري
رحمه الله:
1 - قال القاضي أبو بكر بن العربي نقلاً من "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني
(12/384):(شذ بعض الصالحين فزعم أنها - أي رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته - تقع بعيني الرأس حقيقة).
2 - الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في "المفهم لشرح صحيح مسلم" ذكر هذا القول وتعقبه بقوله:(وهذا يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.
وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل) وإلى كلام القرطبي هذا أشار الحافظ ابن حجر في "الفتح" بذكره اشتداد إنكار القرطبي على من قال:(من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة).
3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة"العبادات الشرعية والفرق بينها وبين البدعية":
(منهم من يظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من الحجرة وكلمه وجعلوا هذا من كراماته ومنهم من
يعتقد أنه إذا سأل المقبور أجابه.(222/3)
وبعضهم كان يحكي أن ابن منده كان إذا أشكل عليه حديث جاء إلى الحجرة النبوية ودخل فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأجابه، وآخر من أهل المغرب حصل له مثل ذلك وجعل ذلك من كراماته حتى قال ابن عبد البر لمن ظن ذلك: ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار فهل في هؤلاء من سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الموت وأجابه وقد تنازع الصحابة في أشياء فهلا سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابهم، وهذه ابنته فاطمة تنازع في ميراثها فهلا سألته فأجابها؟).
وحكاية ابن منده التي أشار إليها ابن تيمية رحمه الله في هذا الكلام ذكرها الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/37-38) في ترجمة أبى عبد الله محمد بن أبى يعقوب إسحاق بن الحافظ أبى عبد الله محمد بن يحي بن منده وقال الذهبي فيها:(هذه حكاية نكتبها للتعجب).
وقال في إسنادها:(إسنادها منقطع) اهـ.
4 - قال الحافظ الذهبي في ترجمة الربيع بن محمود المارديني في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال":(دجال مفتر ادعى الصحبة والتعمير في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان قد سمع من ابن عساكر عام بضع وستين).
يعني الحافظ الذهبي بالصحبة التي ادعاها الربيع ما جاء عنه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم
وهو بالمدينة الشريفة فقال له: أفلحت دنيا وأخرى، فادعى بعد أن استيقظ أنه سمعه وهو
يقول ذلك.
ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الإصابة في تمييز الصحابة"(1/513).(222/4)
5- الحافظ ابن كثير ذكر في ترجمة أحمد بن محمد بن محمد أبى الفتح الطوسي الغزالي في "البداية والنهاية" (12/196) أن ابن الجوزي أورد أشياء منكرة من كلامه منها أنه - أي أبا الفتح الطوسي - كان كلما أشكل عليه شيء رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة فسأله عن ذلك فدله على الصواب، وأقر ابن كثير ابن الجوزي على عد هذا من منكرات أبى الفتح الطوسي، وابن الجوزي ذكر هذا في كتابه "القصاص والمذكرين" (ص156).
6- ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (12/385) أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله:(وهذا مشكل جداً ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف).
7- قال السخاوي في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة بعد موته:(لم يصل إلينا ذلك - أي ادعاء وقوعها - عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه - صلى الله عليه وسلم -حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها
رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه) نقل ذلك القسطلاني في "المواهب اللدنية" (5/295) عن السخاوي.
كما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على جلالة قدره وعظمة شأنه أنه كان يظهر الحزن
على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول:( ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً.: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الرِبا) متفق عليه.
فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له: لا تحزن حكمها كذا وكذا.(222/5)
8- وقال ملا علي قاري في "جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي" (2/238): (إنه أي
ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل
بما سمعوه منه - صلى الله عليه وسلم - من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام وقد صرح المازري وغيره بأن من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية) انتهى كلام الملا علي قاري وفيه فائدة أخرى هي حكايته الإجماع على عدم جواز العمل بما يدعى من يزعم أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة أنه سمع منه أمر أو نهي أو إثبات أو نفي، وفي حكايته الإجماع على ذلك الرد على قول الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (7/29) ما نصه:(لو رآه يقظة - أي بعد موته - صلى الله عليه وسلم -- وأمره بشيء وجب عليه العمل به لنفسه ولا يعد صحابياً وينبغي أن يجب على من صدقه العمل به قاله شيخنا).
9- قال العلامة رشيد رضا في "فتاويه" (6/2385):(صرح بعض العلماء المحققين بأن دعوى رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته في اليقظة والأخذ عنه دعوى باطلة واستدلوا على ذلك بأن
أولى الناس بها لو كانت مما يقع ابنته سيدة النساء وخلفاؤه الراشدون وسائر أصحابه العلماء
وقد وقعوا في مشكلات وخلاف أفضى بعضه إلى المغاضبة وبعضه إلى القتال فلو كان - صلى الله عليه وسلم -
يظهر لأحد ويعلمه ويرشده بعد موته لظهر لبنته فاطمة عليها السلام وأخبرها بصدق خليفته(222/6)
أبى بكر- رضي الله عنه - فيما روى عنه من أن الأنبياء لا يورثون وكذا للأقرب والأحب إليه من آله وأصحابه ثم لمن بعدهم من الأئمة الذين أخذ اكثر أمته دينهم عنهم ولم يدع أحد منهم ذلك وإنما ادعاه بعض غلاة الصوفية بعد خير القرون وغيرهم من العلماء الذين تغلب عليهم تخيلات الصوفية فمن العلماء من جزم بأن من ذلك ما هو كذب مفترى وأن الصادق من أهل هذه الدعوى من خيل إليه في حال غيبة أو ما يسمى"بين النوم واليقظة" أنه رآه - صلى الله عليه وسلم - فخال أنه رآه حقيقة على قول الشاعر: ومثلك من تخيل ثم خالا.
والدليل على صحة القول بأن ما يدعونه كذب أو تخيل ما يروونه عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرؤية. وبعض الرؤى المنامية مما تختلف باختلاف معارفهم وأفكارهم ومشاربهم وعقائدهم وكون بعضه مخالفاً لنص كتاب الله وما ثبت من سنته - صلى الله عليه وسلم - ثبوتاً قطعياً ومنه ما هو كفر صريح بإجماع المسلمين نعم إن منهم من يجلهم العارف بما روى من أخبار استقامتهم أن يدعوا هذه الدعوى افتراء وكذبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن غلبة التخيل على المنهمكين في رياضاتهم وخلواتهم لا عصمة منها لأحد وكثيراً ما تقضي إلى جنون).
10- قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي - رحمه الله - في "الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص46):(ومنها - أي من القصص المختلقة الموضوعة - ما يذكرونه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده وبنوا عليه القيام عند ذكر
المولد تعظيماً وإكراماً.
وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد
البيان).(222/7)
11- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله - في "حكم الاحتفال بالمولد النبوي": (بعضهم يظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } ]المؤمنون:15- 16[، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر } عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة … الخ).
12- قال عبد الفتاح أبو غدة(1) في تعليقه على "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي قاري - رحمه الله - (ص273):(ومن غريب ما وقفتُ عليه بصَدَدِ (التصحيح الكشفي) و(التضعيف الكشفي): ما أورده الشيخ إسماعيل العجلوني الدمشقي في مقدمة كتابه "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"(1/9-10)، على سبيل الإقرار والاعتداد به!
قال:(والحكم على الحديث بالوضع والصحة أو غيرهما، إنما بحسب الظاهرِ للمحدثين،
__________
(1) :وأبو غدة إنما نقلت كلامه حجة على اتباعه الصوفية وإلا ففي كتبه كثير من الضلال وقد رد عليه العلامة الألباني رحمه الله في "كشف النقاب" و في مقدمة "شرح العقيدة الطحاوية" كما رد عليه العلامة بكر ابو زيد في "براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء السنة" وقدم لهذه الرسالة العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله.(222/8)
باعتبار الإسناد أو غيره، لا باعتبار نفس الأمرِ والقطع، لجواز أن يكون الصحيح مثلاً باعتبار
نظر المحدث: موضوعاً أو ضعيفاً في نفس الأمر، وبالعكس. نعم المتواتر مطلقاً قطعي النسبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتفاقاً.
ومع كون الحديث يحتمل ذلك، فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين، ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين.
وفي "الفتوحات المكية"! للشيخ الأكبر قدس سره الأنور!!، ما حاصله: فرب حديث يكون صحيحاً من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيعَلم وضعه، ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه.
ورب حديثٍ ترِك العمل به لضعف طريقه، من أجل وضاع في رواته، يكون صحيحاً في نفس الأمر، لسماعِ المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) انتهى.
قال عبد الفتاح - أبو غدة -: هذا ما نقله العجلوني وسكت عليه واعتمده!
ولا يكاد ينقضي عجبي من صنيعه هذا!
وهو المحدث الذي شرح "صحيح البخاري"، كيف استساغ قبول هذا الكلام الذي تهدر به علوم المحدثين، وقواعد الحديث والدين؟ و يصبح به أمر التصحيح والتضعيف من علماء الحديث شيئاً لا معنى له بالنسبة إلى من يقول: إنه مكاشَف أو يَرى نفسه أنه مكاشَف! ومتى كان لثبوت السنة المطهرة مصدران: النقل الصحيح من المحدثين والكشف من
المكاشفين؟!
فحذارِ أن تغتر بهذا، والله يتولاك ويرعاك) اهـ.
* ثالثاً:
الرد على الشبهات
قال الشيخ الصادق بن محمد بن إبراهيم - حفظه الله - في "خصائص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بين الغلو والجفاء عرض ونقد على ضوء الكتاب والسنة" (ص207-218):(222/9)
(أكثر ما يستدل به هؤلاء: الحكايات، والادعاءات المنقولة عن أرباب الأحوال الصوفية، ومنهم من يستدل بحديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ولفظة: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي } .]"كتاب التعبير"حديث رقم 6993 (12/383 مع "الفتح"[.
والكلام على هذا الاستدلال من عدة أوجه سيأتي بيانها إن شاء الله.
وأورد الآن بعض الحكايات التي يذكرونها إما في معرض الاحتجاج أو الاستشهاد أو الكرامات:
قال الشعراني في"الطبقات الكبرى"(2/69):(قال أبو المواهب الشاذلي:رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال لي عن نفسه لست بميت وإنما موتي تستري عمن لا يفقه عن الله فها أنا أراه ويراني).
وقال أيضاً في "الطبقات الكبرى" (2/67) :(كان أبو المواهب كثير الرؤيا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يقول: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الناس يكذبوني في صحة رؤيتي لك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وعزة الله وعظمته من لم يؤمن بها أو كذبك فيها لا يموت إلا يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً. وهذا منقول من خط الشيخ أبي المواهب).
وقال أيضاً في المرجع السابق (2/70):(رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن الحديث المشهور: "اذكروا الله حتى يقولوا مجنون". في "صحيح ابن حبان":"أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون" فقال - صلى الله عليه وسلم -: صدق ابن حبان في روايته وصدق راوي اذكروا الله، فإني قلتهما معاً، مرة قلت هذا ومرة قلت هذا).
ويزعم بعض تلامذة خوجلي بن عبد الرحمن:(أن شيخهم يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل يوم أربعة عشرين مرة - الصواب:كل يوم أربعاً وعشرين مرة- والرؤيا يقظة).]"طبقات ابن ضيف الله" (ص190)[.
ويقول الشعراني:(وكان يقول- يعني أبا العباس المُرسي- لي أربعون سنة ما حجبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو حُجبت طرفة عين ما أعددن نفسي من جملة المسلمين).(222/10)
هذا هو حال طائفة من الغلاة الذين عبدوا الله على جهل وغرور فتلاعب بهم الشيطان أيما تلاعب، فإن ماتوا على تلك الحال ولم يتراجعوا عن ذلك المقال فليتبؤوا مقعدهم من النار على لسان المختار - صلى الله عليه وسلم -.
وطائفة أخرى لها حظ من العلم في بعضه دخن، يستعمل ما آتاه الله من علم في نصرة الباطل وأهله من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
لما سُئل ابن حجر الهيتمي:(هل يمكن الاجتماع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة والتلقي منه؟ فأجاب: نعم يمكن ذلك وصرح بأن ذلك من كرامات الأولياء الغزالي والبارزي والتاج السبكي والعفيف اليافعي من الشافعية، والقرطبي وابن أبي جمرة من المالكية. وحًكي عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثاً فقال له الولي:هذا الحديث باطل، قال: ومن أين لك هذا؟ قال هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - واقف على رأسك يقول: إني لم أقل هذا الحديث وكُشف للفقيه فرآه) ]"الفتاوى الحديثية" (ص217)[.
وأعجب من تلك الحكاية زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - للسيوطي في بيته يقظة لا مناماً وقراءة السيوطي للأحاديث بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسمع.
قال الشعراني في "الطبقات الصغرى"(ص28-29) :(أخبرني الشيخ سليمان الخضيري قال:بينا أنا جالس في الخضيرية على باب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - إذ رأيت جماعة عليهم بياض وعلى رؤوسهم غمامة من نور، يقصدوني من ناحية الجبل. فلما قربوا مني فإذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقبلت يده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: امض معنا إلى الروضة. فذهبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت الشيخ جلال الدين، فخرج إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل يده وسلم على أصحابه، ثم أدخله الدار، وجلس بين يديه. فصار الشيخ جلال الدين يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بعض الأحاديث وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: هات يا شيخ السنة).(222/11)
وقال الشعراني أيضاً في المرجع السابق (ص30):(وكان رضي الله عنه- يعني السيوطي- يقول رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة فقال لي يا شيخ الحديث. فقلت:يا رسول الله أمن أهل الجنة أنا؟ فقال: نعم. فقلت: من غير عذاب يسبق؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لك ذلك).
ألا يعلم الهيتمي وهو على معرفة بعلوم الحديث، بل وله فتاوى حديثية في ذلك والسيوطي - والعهدة على الشعراني- وله ألفية في علوم الحديث وله عليها شرح كبير أن تلك الحكايات والادعاءات لا يجوز الاحتجاج ولا الاستشهاد بها في شيء من أمور الدين. بل هي باطلة ومن أبين الأدلة على بطلانها سؤال الولي والسيوطي للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة لا مناماً . فلو كان مثل هذا السؤال ممكناً لما أفنى علماء الحديث أعمارهم في التمييز بين الصحيح والضعيف، ولكان تأليف الدواوين الضخمة في أحوال الرجال نوعاً من العبث وتضييعاً للأوقات، ولاستغنوا عن ذلك بسؤاله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة عن صحة الأحاديث وضعفها كما فعل السيوطي شيخ السنة !!
بل ما كان للهيتمي وصنوه السبكي ومن نحا نحوهم أن يتكلفوا التأليف في مسائل الزيارة والاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويسودوا صفحات كتبهم بالأحاديث الضعيفة والمنكرة، وكان الأولى
لهم أن يسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسائل التي نازعهم فيهم خصومهم كما فعل السيوطي شيخ
السنة !!! أم أنه لا يوجد أولياء لله في ذلك الوقت؟! إنهم يعرفون ولكنهم قوم يُحرَّفون.
وبعد هذا النزر اليسير من الحكايات والادعاءات المنقولة عن أرباب الأحوال الصوفية في دعوى مقابلة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة والتلقي منه، وكل حكاية تتضمن تكذيب تلك الدعوى، ننتقل إلى الرواية التي استدلوا بها. وهذا سندها ومتنها:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني(222/12)
أبو سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة
ولا يتمثل الشيطان بي } ]"البخاري" (كتاب التعبير) (12/383) مع "الفتح" حديث رقم 6993[.
والكلام على الاستدلال بهذه الرواية من عدة أوجه:
الوجه الأول: من حيث مخالفتها لروايات أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه:
جاء هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من خمسة طرق، أربعة منها تخالف تلك الرواية، وتفصيلها على النحو التالي:
الطريق الأولى:
عن أبي صالح ذكوان السمان(1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: { تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ومن رآني في المنام فقد رآني ولا يتمثل الشيطان في صورتي } . ]رواه البخاري في "صحيحه" كتاب الأدب، حديث رقم 6197، مع"الفتح"، وأحمد (1/400)،(2/463)[.
الطريق الثاني:
عن محمد بن سيرين(2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: { من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي } .]رواه مسلم في "صحيحه" (15/24) مع "شرح النووي"، وأحمد (2/411)،(2/472)[.
الطريق الثالث:
عن العلاء بن عبد الرحمن(3) عن أبيه(4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً بمثل اللفظ السابق. ]رواه ابن ماجه (كتاب الرؤيا حديث رقم 3901[.
الطريق الرابع:
عن عاصم بن كليب(5) عن أبيه(6) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً بمثل اللفظ السابق. ]رواه أحمد (2/232، 342)[.
الطريق الخامس:
__________
(1) : المدني ثقة ثبت من الثالثة مات سنة إحدى ومائة."التقريب" (1/239).
(2) : الأنصاري ثقة ثبت عابد كبير القدر من الثالثة مات سنة 110هـ ."التقريب" (2/169).
(3) : الحُرَقي المدني صدوق ربما يهم وهو من الخامسة."التقريب" (2/92-93).
(4) : الجهني المدني مولى الخُرَقي، ثقة من الثالثة."التقريب"(1/503).
(5) : الجرمي الكوفي صدوق رُمي بالإرجاء، من الخامسة."التقريب" (1/385).
(6) : صدوق من الثانية. "التقريب" (2/136).(222/13)
عن أبي سلمة(1) بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة.
ورواه عن أبي سلمة اثنان:
أ- محمد(2) بن عمرو بن علقمة الليثي. ولفظه: { من رآني في المنام فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتشبه بي } كلفظ الجماعة.]رواه أحمد (2/261)[.
ب- محمد(3) بن شهاب الزهري، واختُلف على الزهري في لفظ الحديث:
- فرواه محمد(4) بن عبد الله بن مسلم بن شهاب عنه بلفظ الشك: { من رآني في المنام فسيراني أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي } .]رواه أحمد (5/306)[.
وتابعه سلامة بن عقيل على الرواية بالشك.]الخطيب "تاريخ بغداد"(10/284)[.
ورواه يونس(5) بن يزيد عن الزهري، واختُلف على يونس في لفظ الحديث كذلك.
- فرواه عبد الله(6) بن وهب عن يونس بالشك كما رواه ابن أخي ابن شهاب وسلامة بن عقيل عن الزهري باللفظ السابق.]رواه مسلم (كتاب الرؤيا) (15/24 مع "شرح النووي")، وأبو داود (4/444-445)[.
- ورواه أنس بن عياض(7) عن يونس بلفظ: { من رآني في المنام فقد رأى الحق } كلفظ الجماعة.]رواه ابن حبان (7/617)[.
__________
(1) : الزهري المدني، قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر من الثالثة مات سنة 94 هـ."التقريب" (2/430).
(2) : المدني صدوق له أوهام من السادسة."التقريب" (2/430).
(3) : القرشي الفقيه الحافظ متفق على جلالته واتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة. "التقريب" (2/207).
(4) 10): ابن أخي الزهري، صدوق له أوهام، من السادسة."التقريب" (2/180).
(5) 11): الأيلي، ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة."التقريب" (2/386).
(6) 12): القرشي مولاهم الفقيه، ثقة عابد من التاسعة."التقريب"(1/460).
(7) 13): أنس بن عياض بن ضمرة الليثي أبو حمزة ثقة، ت. سنة 200هـ."التقريب"(1/84).(222/14)
- ورواه عبد الله(1) بن المبارك عن يونس باللفظ المخالف لكل الطرق السابقة عن أبي هريرة: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة } ]"البخاري"(كتاب التعبير) (12/383) مع "الفتح" حديث رقم 6993[.
ولم يقتصر هذا اللفظ للرواية على مخالفة الطرق الأخرى لأصحاب أبي هريرة - رضي الله عنه -،
بل خالف جميع الألفاظ التي وردت عن جمع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن روى هذا الحديث.
الوجه الثاني: من حيث مخالفتها لروايات الصحابة الآخرين:
روى حديث رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام جمع من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بألفاظ متقاربة ومعان متوافقة، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
اللفظ الأول:
رواه أنس بن مالك(2) وجابر بن عبد الله(3)، وأبو سعيد الخدري(4) ، وابن عباس(5)
وابن مسعود(6)، وأبو جحيفة(7) رضي الله عنهم مرفوعاً: { من رآني في المنام فقد
رآني } .
اللفظ الثاني:
رواه أبو قتادة(8) وأبو سعيد الخدري(9) رضي الله عنهما مرفوعاً: { من رآني فقد رأى الحق } .
اللفظ الثالث:
__________
(1) 14): المروزي، ثقة، فقيه، عالم، جواد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة."التقريب" (1/445).
(2) 15): "صحيح البخاري (كتاب الرؤيا) حديث رقم 6994.
(3) 16): "سنن ابن ماجه" (كتاب الرؤيا) حديث رقم 3902.
(4) 17): المصدر السابق، حديث رقم 3093.
(5) 18): المصدر السابق، حديث رقم 3905.
(6) 19): "الترمذي" (3/238).
(7) 20): وهب بن عبد الله بن مسلم السُّوائي، صحابي ت.سنة 64هـ. "الإصابة" (10/322) رقم 9167؛ "سنن ابن ماجه" (كتاب الرؤيا) حديث رقم 3904.
(8) 21): الحارث ويقال عمرو أو النعمان بن رِبْعي السلمي صاحبي، مات سنة 54 هـ. "تقريب التهذيب" (2/463)؛"صحيح البخاري" (كتاب التعبير) (12/383) مع "الفتح" حديث رقم 6996.
(9) 22): المصدر السابق.(222/15)
رواه جابر - رضي الله عنه - مرفوعاً: { من رآني في النوم فقد رآني } .]"صحيح مسلم" (كتاب الرؤيا) (15/26) مع شرح النووي)[.
فظهر من هذين الوجهين أن الرواية التي استدل بها القوم جاءت مخالفة لجميع ألفاظ من روى هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، بل جاءت مخالفة لجميع ألفاظ من روى هذا الحديث من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونتيجة لهذا الاختلاف ولكون الرواية في "صحيح البخاري" أخذ أهل العلم يتأولون معناها ويذكرون لها أجوبة لتتوافق مع روايات الجمهور.
الوجه الثالث: أجوبة العلماء عن ذلك اللفظ المشكل:
ذكر ابن حجر في "فتح الباري" (12/385) ملخصاً لتلك الأجوبة بقوله:
(وحاصل تلك الأجوبة ستة:
- أحدها: أنه على التشبيه والتمثيل، ودل عليه قوله في الرواية الأخرى: { فكأنما رآني في اليقظة } .
- ثانيها: أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
- ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
- رابعها: أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكن ذلك، وهذا من أبعد المحامل.
- خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه.
- سادسها: أنه يراه في الدنيا حقيقة ويُخاطبه، وفيه ما تقدم من الإشكال.
الوجه الرابع: ما يرد على القوم من الإشكال على المعنى الذي قالوا به:
والإشكال الذي أشار إليه ابن حجر رحمه الله ذكره بعد قوله:(ونُقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك. قلت - أي ابن حجر- : وهذا مشكل جداً ولو حُمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويُعَكَّرُ عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يُذكر عن واحد منهم أنه رآه في اليقظة(222/16)
وخبر الصادق لا يتخلف.وقد أشتد إنكار القرطبي(1) على من قال: من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة). ]"فتح الباري"(12/385)[.
والإنكار الذي أشار إليه ابن حجر هو قول القرطبي:(اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء، وهذا قول يُدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يُرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل).
وممن أنكر على القوم رؤيتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة القاضي أبوبكر بن العربي(2) قال كما في "فتح الباري" (12/384) : (وشذ بعض القدرية فقال: الرؤية لا حقيقة لها أصلاً وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس).
الوجه الخامس: اضطراب مقالات القوم في كيفية الرؤية:
__________
(1) 23): أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي المالكي الفقيه المحدث صاحب "المفهم شرح مسلم" ت.656هـ. "البداية والنهاية" (13/226). وكتاب "المفهم" توجد منه أجزاء مخطوطة ناقصة بالمكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية برقم (5959/1) (فلم).
(2) 24): محمد بن محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي الأشبيلي المالكي، أكبر علماء الأندلس، له كتب كثيرة منها:"عارضة الأحوذي في شرح الترمذي" و"أحكام القرآن" ت. سنة 543 هـ. انظر "سير أعلام النبلاء (20/197)؛"شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" (ص136).(222/17)
فلما اشتد الإنكار على هؤلاء القائلين برؤيته - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا بعد وفاته يقظة لا مناماً، اضطربت مقالاتهم في كيفية تلك الرؤيا فمنهم من أخذته العزة بالإثم فنفى الموت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكلية وزعم أن موته - صلى الله عليه وسلم - هو تستره عمن لا يفقه عن الله.
- ومنهم من زعم أنه - صلى الله عليه وسلم - يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته. ]عمر الفوتي "رماح حزب الرحيم" (1/210) بهامش "جواهر المعاني"[.
- ومنهم من زعم أن له - صلى الله عليه وسلم - مقدرة على التشكل والظهور في صور مشايخ الصوفية. ]عبدالكريم الجيلي "الإنسان الكامل"(2/74-75)[.
وفريق لان بعض الشيء:
- فمنهم من زعم أن المراد برؤيته كذلك يقظة القلب لا يقظة الحواس الجسمانية. ]الشعراني"الطبقات الكبرى" نقلاً عن محمد المغربي الشاذلي[.
- ومنهم من قال إن الاجتماع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في حالة بين النائم واليقظان.]الشعراني "الطبقات الصغرى" (ص89)[.
- ومنهم من قال إن الذي يُرى هي روحه - صلى الله عليه وسلم - .]محمد علوي المالكي"الذخائر المحمدية" (ص259)، "القرب والتهاني في حضرة التداني شرح الصلوات" لفؤاد الفرشوطي (ص25)[.
وعليه فبعد أن ظهر تفرد تلك الرواية التي استدل بها القوم عن روايات الجمهور، وتلك الاحتمالات التي تأولها أهل العلم في المراد بمعناها، وتلك الإشكالات والإنكارات التي وردت على المعنى الذي قصده القوم، واضطراب مقالاتهم في كيفية تلك الرؤيا، بلك ذلك يسقط استدلالهم بها، والقاعدة المشهورة في ذلك: إذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال) انتهى كلام الشيخ الصادق بن محمد بن إبراهيم – جزاه الله خيراً-.(222/18)
كما رد الشيخ محمد أحمد لوح - حفظه الله - في كتابه العجاب"تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي"(2/39-52) على من يستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة } على إمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بقوله:
( أما رواية: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة } لابد من إلقاء ضوء كاشف على الحديث رواية ودراية حتى نعرف قدر هذا اللفظ الذي استدل به أولئك على إمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة:
1- أما الحديث فقد رواه اثنا عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يزيد، مما يدل على شيوعه واستفاضته.
2- أن ثمانية من أئمة الحديث المصنفين اهتموا بهذا الحديث فأخرجوه في كتبهم مما يؤكد اهتمامهم به وفهمهم لمدلوله. ومع ذلك لم يبوب له أحد منهم بقوله مثلاً: باب في إمكان رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة، ولو فهموا منه ذلك لبوبوا به أو بعضهم على الأقل؛ لأنه أعظم من كل
ما ترجموا به تلك الأبواب.
3- أن المواضع التي أخرجوا فيها هذا الحديث بلغ (44) موضعاً، ومع كثرة هذه المواضع
لم يرد في أي موضع لفظ { فسيراني في اليقظة } بالجزم إلا في إحدى روايات البخاري عن أبي هريرة.
أما بقية الروايات فألفاظها: { فقد رآني } أو { فقد رأى الحق } أو { فكأنما رآني في
اليقظة } أو { فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة } بالشك.
وبالنظر في ألفاظ الحديث ورواياته نجد ملاحظات على لفظ { فسيراني في اليقظة }
لا ريب أنها تقلل من قيمة الاستدلال بها وهذه الملاحظات هي:
أولاً: أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه: ثلاثة منها من حديث أبي هريرة، وليس فيها لفظ { فسيراني في اليقظة } إلا في موضع واحد.
ثانياً: أن كلا من مسلم (حديث رقم 2266)، وأبي داود (حديث رقم 5023)، و أحمد(222/19)
(5/306)، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ { فسيراني في اليقظة. أو لكأنما رآني في اليقظة } وهذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ { فكأنما رآني } أو { فقد رآني } لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم وليس فيها شيء شك فيه الراوي.
وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك.
ثالثاً: إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك أدركنا مدى تدليس السيوطي حين قال في "تنوير الحلك":(وتمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي } ) فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم، وأغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ.
رابعاً: ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/400) أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة { فقد رآني في اليقظة } بدل قوله: { فسيراني } .
وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ، ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال:(وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية- بعيني الرأس حقيقة).
ونقل عن المازري قوله:(إن كان المحفوظ { فكأنما رآني في اليقظة } فمعناه ظاهر).
هذا ما يتعلق بالحديث رواية، وإن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ على تقرير إمكان رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على: أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة.
أما ما يتعلق به دراية فنقول: لو فرضنا أن هذا اللفظ { فسيراني } هو المحفوظ فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية.(222/20)
قال النووي في شرحه (15/26):(فيه أقوال: أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة عياناً.
وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع
أمته.
وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك).
ونقل الحافظ ابن حجر هذه الأقوال بعدما ذكر القول بحمله على الرؤية بالعين المجردة وحكم على القائلين به بالشذوذ.
وجملة القول أن إدعاء إمكان رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة ووقوعها مذهب ضعيف مرجوح وذلك من وجوه:
الوجه الأول: اختلاف القائلين به في المقصود بالرؤية، وهل هي رؤية لذاته - صلى الله عليه وسلم - على
الحقيقة، أورؤية لمثال لها، نقله السيوطي في "نوير الحلك" ضمن "الحاوي للفتاوى" (2/263)
ثم قال:(الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني، وبه صرح الغزالي فقال: ليس المراد أنه
يرى جسمه وبدنه بل يرى مثالاً له).
ثم نقل عن ابن العربي واستحسن قوله:(رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال) ثم قال السيوطي:(ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه؛ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي)!!.
أقول: إذا كان أرباب الأحوال الذين رآهم السيوطي - على كثرتهم - يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم -
لا يرى بروحه وجسمه بل يرى مثال له فقط، فكيف يدافع السيوطي عنهم ويخالفهم في الوقت نفسه؟
الوجه الثاني: أنهم اختلفوا أيضاً هل هذه الرؤية تكون بالقلب أو بالبصر؟
أشار السيوطي إلى ذلك ثم اضطرب اضطراياً شديداً حين قال في نفس المصدر:(أكثر(222/21)
ما تقع رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر) فإلى هنا يبدو أنه قصد الجمع بين القولين، ثم قال:(لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض، وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني …).
الوجه الثالث: أن بعض كبار الصوفية ينفي وقوع رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة.
فيقول أبو القاسم القشيري في "الرسالة القشيرية" (باب رؤيا القوم) (ص368):(وقال
بعضهم: في النوم معان ليست في اليقظة، منها: أنه يرى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والسلف
الماضين في النوم ولا يراهم في اليقظة) اهـ.
وقد يقول قائل: إن هذا نقله القشيري عن بعضهم ولا ندري هل هم من الصوفية أو من
غيرهم؟
والجواب:
أ- أن القشيري نفسه من كبار الصوفية وقد نقل العبارة وأقرها.
ب- أنه لا ينقل في رسالته مثل هذا الكلام إلا عن الصوفية، حيث ذكر في مقدمة كتابه أنه إنما يذكر سير شيوخ التصوف وآدابهم ..وما أشاروا إليه من مواجيدهم، وأكده في الخاتمة.
الوجه الرابع: أن هذه العقيدة مخالفة لإجماع أهل السنة والجماعة وهي خاصة بأهل البدعة، قال ابن حزم في "مراتب الإجماع"(ص176):(واتفقوا أن محمداً عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس).
الوجه الخامس: أنه يلزم من القول بإمكان رؤيته في اليقظة ووقوعها لوازم باطلة قد ذكرتها
أثناء نقل أقوال أهل العلم في هذا الموضوع.
وأخيراً: نقل السيوطي عن بعض أهل العلم احتجاجه على حياة الأنبياء بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -
اجتمع بهم ليلة الإسراء في بيت المقدس.
ومقصده أن ما دام هذا ممكناً في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - معهم فيمكن أن يكون جائزاً في حق أولياء
أمته معه، فيرونه في اليقظة.
والجواب على هذه الشبهة أن يقال:(222/22)
أولاً: ليس النزاع في حياة الأنبياء في قبورهم ولا في اجتماع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم ليلة الإسراء
ولا صلاته بهم إماماً، فإن ذلك كله ثابت رواية، فيجب على جميع المؤمنين التصديق به.
ثانياً: أن مما يجب أن يعلم أن حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا نعلم كيف هي،
وحكمها كحكم غيرها من المغيبات، نؤمن بها ولا نشتغل بكيفيتها، ولكننا نجزم بأنها مخالفة
لحياتنا الدنيا.
ثالثاً: أن الذي أخبرنا بأنه اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء هو الصادق المصدوق الذي يجب على كل مؤمن أن يصدقه في كل ما أخبر به من المغيبات دقيقها وجليلها، ولذا آمنا بما أخبرنا به واعتقدناه عقيدة لا يتطرق إليها شك إن شاء الله تعالى.
أما من جاءنا بخبر وقوع رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة فمجموعة من الدراويش خالفت الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فلم يجز - ولا أقول فلم يجب - أن نصدقهم في دعواهم تلك.
بل وجب على كل موحد ذاب عن حمى التوحيد أن يردها بما استطاع لأنه باب يؤدي فتحه إلى ضلال عظيم وخراب للأديان والعقول ويفتح باب التشريع من جديد، ولا حول ولا قوة
إلا بالله. والله أعلم) . انتهى كلام الشيخ محمد أحمد لوح جزاه الله خيراً بتصرف.
ولمزيد من الفائدة انظر كتاب "المصادر العامة للتلقي عند الصوفية عرضاً ونقداً" للشيخ
صادق سليم صادق (ص405-430) وكتاب "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ
محمد أحمد لوح (2/36-52)، وكتاب "خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء" تأليف الصادق بن محمد بن إبراهيم، وكتاب "رؤيا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقظة ومناماً ضوابطها وشروطها" للشيخ الأمين الحاج محمد أحمد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخوكم/ أبو معاذ السلفي(222/23)
13 شبهة للقبوريين والجواب عليها
إعداد
عبد الله بن حميد الفلاسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد (1):
اعلم رحمني الله وإياك أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين له، أهل فصاحةٍ وعلمٍ وحجج.
فالواجب علينا أن نتعلم من دين الله ما يصير لنا سلاحاً نقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: ((لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)) [سورة الأعراف:16-17].
واعلم أن جند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح.
وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله: ((تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) [سورة النحل:89].
فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: ((وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)) [سورة الفرقان:33].
ومن أهل الباطل هم أهل البدع والضلال من القبوريين الذين تركوا إخلاص الدين لله، وأشركوا مع الله غيره من الأنبياء والأولياء، ولهؤلاء شبهٌ كثيرة، وللإجابة على شبههم طريقين: المجمل، والمفصل.
الجواب المجمل
__________
(1) هذا البحث قمت بنقله واختصاره من كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقد دمجت شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله لكشف الشبهات مع كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حتى يظهر بالصورة المناسبة، وهذا والله أعلم.(223/1)
قال الله تعالى: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ)) [سورة آل عمران:7].
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)).
فحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من الذي يتبع المتشابه من القرآن أو من السنة وصار يلبس به على باطله فهؤلاء الذين سماهم الله ووصفهم بقوله: ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)).
وكان سبب تحذير النبي صلى الله عليه وسلم هو الخشية من أن يضلونا عن سبيل الله باتباع هذا المتشابه، فحذرنا من سلوك طريقهم، وحذرنا منهم .
الجواب المفصل
الشبهة الأولى
قولهم: نحن لا نشرك بالله، ونشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولكننا مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، ونطلب من الله بهم.
جواب الشبهة الأولى
اعلم أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم ونساءهم مقرون بذلك، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، ولم يغنهم هذا التوحيد شيئاً.
وقد ذكر الله عز وجل في محكم كتابه: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [سورة الأنبياء:25].
وقال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)) [سورة الذاريات:56].(223/2)
وقال تعالى: ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [سورة آل عمران:18].
وقال تعالى: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) [البقرة:163].
وقال تعالى: ((فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)) [سورة العنكبوت:56] إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله عز وجل في عبادته، وأن لا يعبد أحد سواه.
الشبهة الثانية
قوله: أن الآيات التي ذكرتها نزلت فيمن يعبد الأصنام، وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام.
جواب الشبهة الثانية
اعلم أن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثناً فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟!
فالكفار منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة، ومنهم من يعبد الأولياء والدليل على أنهم يدعون الأولياء قوله تعالى: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ)) [سورة الإسراء: 57]، وكذلك يعبدون الأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم والدليل قوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)) [سورة المائدة:116]، وكذلك يعبدون الملائكة كقوله تعالى: ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) [سورة السبأ:40].
فبهذا تبين تلبيسهم بكون المشركين يعبدون الأصنام وهم يدعون الأولياء والصالحين من وجهين:(223/3)
الوجه الأول: أنه لا صحة لتلبيسهم لأن أولئك المشركين من يعبد الأولياء والصالحين.
الوجه الثاني: لو قدرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينهم وبين المشركين لأن الكل عبد من لا يغني عنه شيئاً.
وبهذا عرفنا أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الشرك ولم ينفعهم أن كان المعبودون من أولياء الله وأنبيائه.
الشبهة الثالثة
قولهم: الكفار يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يضرهم، ونحن لا نريد إلا من الله والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ونحن لا اعتقد فيهم ولكن نتقرب بهم إلى الله عز وجل ليكونوا شفعاء.
جواب الشبهة الثالثة
اعلم أن هذا قول الكفار سواءً بسواء حيث قال تعالى: ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [سورة الزمر:3] وقوله تعالى: ((هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ)) [سورة يونس:18].
الشبهة الرابعة
قولهم: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.
جواب الشبهة الرابعة
اعلم إن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وهو حقه على الناس، حيث قال تعالى: ((ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) [سورة الأعراف:55].
والدعاء عبادة، وإذا كان عبادة فإن دعاء غير الله شركٌ بالله عز وجل والذي يستحق أن يدعى ويعبد ويرجى هو الله وحده لا شريك له.
فإذا علمنا أن الدعاء عبادة، ودعونا الله ليلاً ونهاراً، خوفاً وطمعاً، ثم دعونا في تلك الحاجة نبيناً أو غيره فقد أشركنا في عبادة الله غيره.
وقال تعالى: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [سورة الكوثر:2] فإذا أطعنا الله ونحرنا له، فهذه عبادة لله، فإذا نحرنا لمخلوق نبي، أو جني أو غيرهما فقد أشركنا في العبادة غير الله.(223/4)
والمشركون الذين نزل فيهم القرآن، كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات، وما كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وهم مقرون أنهم عبيد لله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جداً.
الشبهة الخامسة
قولهم لأهل التوحيد: أنتم تنكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
جواب الشبهة الخامسة
اعلم بأننا لا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم ، الشافع المشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: ((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)) [سورة الزمر:44].
ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: ((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) [سورة البقرة:255] ولا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى)) [سورة الأنبياء:28].
والله لا يرضى إلا التوحيد كما قال عز وجل: ((يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)) [سورة آل عمران:85].
فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، فاطلب الشفاعة من الله، فقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.
الشبهة السادسة
قولهم: أن الله أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله.
جواب الشبهة السادسة
اعلم أن الله أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ونهانا عن هذا فقال: ((فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [سورة الجن:18].(223/5)
واعلم أن الله سبحانه وتعالى أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع إلا لمن ارتضاه الله، ومن كان مشركاً فإن الله لا يرتضيه فلا يأذن أن يشفع له كما قال تعالى: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى)) [سورة الأنبياء:28].
واعلم أن الله تعالى أعطى الشفاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم، فالملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، والأولياء يشفعون.
فهل نطلب الشفاعة من هؤلاء؟
فإن كنت تريد من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة فقل: ((اللهم شفع فيَّ نبيك محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وكيف تريد شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تدعوه صلى الله عليه وسلم مباشرة، ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة.
الشبهة السابعة
قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئاً ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك.
جواب الشبهة السابعة
اعلم أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا، وأن الله لا يغفره، فما هو الشرك؟
فإنهم لا يدرون ما هو الشرك ما دام أن طلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بشرك، وهذا دليل على أنهم لا يعرفون الشرك الذي عظمه الله تعالى وقال فيه: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [سورة لقمان:13].
فكيف تبرؤون أنفسكم من الشرك بلجوئكم إلى الصالحين، وأنتم لا تعرفونه، والحكم على الشيء بعد تصوره، فحكمكم ببراءة أنفسكم من الشرك وأنتم لا تعلمونه حكم بلا علم، فيكون مردوداً.
ولماذا لا تسألون عن الشرك الذي حرمه الله تعالى أعظم من تحريم قتل النفس والزنا وأوجب لفاعله النار وحرم عليه الجنة، أتظنون أن الله حرمه على عباده ولم يبينه لهم حاشاه من ذلك.
الشبهة الثامنة
قولهم: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.
جواب الشبهة الثامنة
اعلم أن عباد الأصنام لا يعتقدون أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، وإن القرآن يكذب من قال أنهم كانوا يعتقدون غير ذلك.(223/6)
وأن عبادة الأصنام هو من قصد خشبة، أو حجراً، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا.
وأن فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها هو نفس فعلهم، وبهذا يكون فعلكم هو عبادة الأصنام.
وقولكم: الشرك عبادة الأصنام، هل هذا يعني أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟
فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
الشبهة التاسعة
قولهم: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟
جواب الشبهة التاسعة
اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكذب به، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به، ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً)) [سورة النساء: 150-151] وقوله تعالى في بني إسرائيل: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) [سورة البقرة:85].(223/7)
فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر، ومن أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافراً، ومن أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوب الصوم فإنه يكون كافراً، ومن أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر والدليل على ذلك قوله تعالى: ((وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ – يعني من كفر بكون الحج واجباً أوجبه الله على عباده – فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) [سورة آل عمران:97].
ومن أقر بهذا كله، ولكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالإجماع لقول الله تعالى: ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [سورة التغابن:7].
فإذا أقررت بهذا فاعلم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذا الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟
سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل!
فمنكر التوحيد أشد كفراً وأبين وأظهر.
وها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذنون ويصلون وهم إنما رفعوا رجلاً إلى مرتبة النبي، فكيف بمن رفع مخلوقاً إلى مرتبة جبار السماوات والأرض؟
أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقاً إلى منزلة مخلوق آخر؟!
وها هم الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار كلهم يدعون الإسلام وهم من أصحاب علي رضي الله عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما.
فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟(223/8)
أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون أن الاعتقاد في الحسين والبدوي وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكفر؟
وقد أجمع العلماء على كفر بني عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدعون أنهم مسلمين، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم واستنفذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
وإذا كان الأولون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذكر أنواع من الكفر في (باب حكم المرتد).
كل نوع منها يكفر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيماً في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة.
وأن الله تعالى حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون، فقال الله تعالى فيهم: ((يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ)) [سورة التوبة:74].
وأن الله تعالى حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فقال الله تعالى فيهم: ((قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) [سورة التوبة: 96].(223/9)
ومن الدليل على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام: ((اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) [سورة الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم".
وهذا يدل على أن موسى ومحمداً عليهما الصلاة والسلام قد أنكروا ذلك غاية الإنكار.
الشبهة العاشرة
قولهم: في قول بني إسرائيل لموسى ((اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) وقول بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" إن الصحابة وبني إسرائيل لم يكفروا.
جواب الشبهة العاشرة
أن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا.
الشبهة الحادية عشر
قولهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: "لا إله إلا الله"، وكذلك قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "، وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها.
جواب الشبهة الحادية عشر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون لا إله إلا الله.
وأن الصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويدعون أنهم مسلمون.
وأن الذين حرقهم علي بن أبي طالب كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله.
وأن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقتل، ولو قالها.(223/10)
فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعاً من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟
وأما حديث أسامة الذي قتل فيه من قال لا إله إلا الله حين لحقه أسامة ليقتله وكان مشركاً، فقال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة لظنه أنه لم يكن مخلصاً في قوله وإنما قاله تخلصاً فليس فيه دليل على أن كل من قال: لا إله إلا الله فهو مسلم معصوم الدم، ولكن فيه دليل على أنه يجب الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ثم بعد ذلك ينظر في حاله حتى يتبين، والدليل قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ)) [سورة النساء:94] أي فتثبتوا، وهذا يدل على أنه إذا تبين أن الأمر كان خلاف ما كان عليه فإنه يجب أن يعامل بما يتبين من حاله، فإذا بان منه ما يخالف الإسلام قتل ولو كان لا يقتل مطلقاً إذا قالها لم يكن فائدة للأمر بالتثبت.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " فإن معنى الحديث أن من أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين أمره، لقوله تعالى: ((فَتَبَيَّنُواْ)) لأن الأمر بالتبين يحتاج إليه إذا كان في شك من ذلك، أما لو قال: لا إله إلا الله بمجرده عاصماً من القتل فإنه لا حاجة إلى التبين.
واعلم أن الذي قال لأسامة: "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله"، وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..." هو الذي أمر بقتال الخوارج وقال: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم" مع أن الخوارج يصلون ويذكرون الله ويقرؤون القرآن، وهم قد تعلموا من الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لم ينفعهم ذلك شيئاً، لأن الإيمان لم يصل إلى قلوبهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يجاوز حناجرهم".
الشبهة الثانية عشر(223/11)
قولهم: أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.
جواب الشبهة الثانية عشر
اعلم بأن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: ((فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)) [سورة القصص:15].
وأن الناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله عز وجل ليزيل هذه الشدة، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله ليزيل الله عنه ذلك، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو الله لهم، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه؟
ولا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذلك ديدناً له كلما رأى رجلاً صالحاً قال ادع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم، وفيه إتكال على دعاء الغير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيراً له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل.
الشبهة الثالثة عشر
قولهم: أن في قصة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، دليل على أنه لو كانت الاستغاثة بجبريل شركاً لم يعرضها على إبراهيم؟
جواب الشبهة الثالثة عشر(223/12)
اعلم أن جبريل إنما عرض عليه أمراً ممكناً يمكن أن يقوم به فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله تعالى من القوة فإن جبريل كما وصفه الله تعالى: ((شَدِيدُ الْقُوَى)) [سورة النجم:5] فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل.
وهذا يشبه لو أن رجلاً غنياً أتي إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال؟ من قرض أو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يعد هذا شركاً لو قال نعم لي حاجة أقرضني، أو هبني لم يكن مشركاً.
الخاتمة
وبعد أن عرفنا الجواب على هذه الشبهة، فإنه لابد أن يكون الإنسان موحداً بقلبه وقوله وعمله، فإن كان موحداً بقلبه ولكنه لم يوحد بقوله أو بعمله فإنه غير صادق في دعواه، لأن توحيد القلب يتبعه توحيد القول والعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
فإذا وحد الله كما زعم بقلبه ولكنه لم يوحده بقوله أو فعله فإنه من جنس فرعون الذي كان مستيقناً بالحق عالماً به لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية، قال تعالى: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)) [سورة النمل:14] وقال تعالى عن موسى أنه قال لفرعون: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ)) [سورة الإسراء:102].
ولا يعذر من عرف الحق، ولكن لم يفعله خشية مخالفة أهل بلده ونحو ذلك من الأعذار، وهذا العذر لا ينفعه عند الله عز وجل، لأن الواجب على المرء أن يلتمس رضا الله عز وجل ولو سخط الناس.(223/13)
وأن غالب أئمة الكفر كانوا يعرفون الحق لكنهم عاندوا فخالفوا الحق كما قال تعالى: ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ))، وقال: ((اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً)) فكانوا يعتذرون بأعذار لا تنفعهم كخوف بعضهم من فوات رئاسة وتصدر المجالس ونحو ذلك.
ومعرفة الحق دون العمل به أشد من الجهل بالحق، لأن الجاهل بالحق يعذر، وقد يعلم فيتنبه ويتعلم بخلاف المعاند المستكبر، ولهذا كان اليهود مغضوباً عليهم لعلمهم بالحق وتركهم إياه، وكان النصارى ضالين لأنهم لم يعرفوا الحق، لكن بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كان النصارى عالمين فكانوا مثل اليهود في كونهم مغضوباً عليهم.
وإن العمل بالتوحيد عملاً ظاهراً دون فهمه، أو اعتقاده بالقلب فهذا هو النفاق، وهو أشر من الكفر الخالص لقوله تعالى: ((الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)) [سورة النساء:145].
والله اعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إعداد
أبو حميد عبد الله بن حميد الفلاسي(223/14)
آزر والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
يدّعي الصوفية أن أبوي النبي أحييا بعد مماتهما وآمنا به صلى الله عليه وسلم ، وأن أصول الأنبياء منزهة عن الكفر والشرك ، وهذا الادعاء منهم أوجب عليهم أن يؤولون قول الله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنّه سيهدين} وبقية الآيات التي تصرح بأن آزر والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، هو عمّه أخو أبيه ، لكي لا يكون عليهم حجة.
ومن المعاصرين يدعي علي الجفري الداعية الصوفي: أنّ آزر ليس والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، بل هو عمّه لأنه كافر!
وحقيقة المسألة أن الجفري افترى قصّة لكي يحرّض العوام والجهلة من أتباعه الصوفية على معاداة أهل السنة ، فزعم أن بعض العلماء في الحجاز ونجد يقول في خطبة الجمعة: ((إنّ والد النبي صلى الله عليه وسلّم كافر وفي النار)) هكذا زعم ! وغرض الجفري أن يوهم الناس أنّ هذا الشيخ ينتمي لمذهب لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويبذل كلّ جهده للتهوين من مكانته ، وذلك لكي يضمن ألا يستمع الناس لتوجيهات الشيوخ في الحجاز ونجد في نبذ البدعة والأمور التي تسوق معتقدها إلى الشرك .
ولكنّ الجفري يعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو القائل لبعض الصحابة ((أبي وأبوك في النار)) كما في صحيح مسلم ، فلم يجد مخرجاً إلا أن يلبّس على الناس هذه المسألة فقال: إن كلمة أب في اللغة تطلق على العم أيضاً ، بدليل قوله تعالى: { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق } وإسماعيل هو عمّ يعقوب ؛ ولذلك يجب أن نحمل معنى الحديث على أنه قصد عمّه أبا لهب ! لأنه لا يمكن أن يكون والده كافراً.(224/1)
ولكي لا يُعتَرَضَ عليه بأنّ والد إبراهيم كان كافراً ، عاد فلبّس على الناس حقيقة الأمر فقال: إن آزر هو عمّ إبراهيم ، ووالد إبراهيم اسمه تارح ، وقد مات مبكراً فتربى إبراهيم عند عمّه آزر ، هكذا زعم ، ونسب هذا الكلام للتفاسير الموسّعة وهو ليس فيها ، ثمّ ادعى أنّ إبراهيم استغفر لأبيه مرّةً واحدة ، ثمّ في آخر عمره عاد فقال: ربي اغفر لي ولوالديّ ، فدلّ ذلك على أنّ والده هو غير أبيه آزر ومعنى هذا أن آزر هو عمه والعرب تسمي العمّ أباً.
وفي الجواب على هذا التخبّط والتلبيس ، أقول: نعم إن العرب قد تطلق على العمّ لفظ الأب مجازاً ، ولكن ذلك لا يكون إلا بعد أن يعرفَ السامع أن هذا الأب هو عم . والآية القرآنية التي استشهد بها الجفري هي حجّة عليه ، لأنّ الله عزّ وجل عرّفنا أن إبراهيم له ابنان إسماعيل وإسحق ، وأنّ يعقوب هو ابن إسحق ، وعندما أراد أن يبيّن لنا أنهم على ملّةٍ واحدة لم يكن من البلاغة في الكلام أن يقول ملّة أبيك وعمك وجدّك إسحق وإسماعيل وإبراهيم ، فقال: ملّة آبائك بالجمع ، ولو لم يكن الجفري يعرف أنّ إسماعيل هو عمّ يعقوب لما استطاع أن يقول: إن لفظة أب أطلقت من باب المجاز ، بل كان سيعتقد أن إسماعيل هو والد إسحق !
ومن هنا أقول: إن القرآن العظيم لم يذكر آزر إلا بوصفه أباً لإبراهيم ونحن لا نعرف شيئاً عن آزر من قبل ، فلا يمكن أن نزعم أن هذا اللفظ كان على المجاز إلا بدليل ، وهل يُعقل أن يكون آزر هو عمّ إبراهيم ولا ينبّه القرآن على ذلك أبداً بل يذكره دائماً بصفة الأبوّة ويخاطبه إبراهيم دائماً فيقول له: يا أبت ! ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد تربى في كنف عمّه أبي طالب ومع ذلك لم يَرد عنه يوماً أنه قال له: يا أبت بل دائماً يقول له: يا عم ! .(224/2)
وأمّا ما ادّعاه من دعاء إبراهيم في آخر عمره لوالديه ، فهذا أيضاً من التلبيس ، فكلنا يعلم أنّ إبراهيم وعد أباه آزر أن يستغفر له ، ولكن هل يعلم الجفري متى وفّى إبراهيم بوعده ، حتى يزعم أنه قد استغفر له قبل هذه الحادثة ومرّة واحدة فقط ؟!!
إذا عدنا إلى كتب التفسير سنجد خلاف ما ادّعاه الجفري ، فإنّ أحداً لم يذكر هذا الكلام الذي اخترعه وابتدعه ، وقاله بغير علم فضل وأضل ، بل إن كتب التفسير تنصّ على أنّ آزر هو والد إبراهيم وأنه هو المقصود في قوله: { ربّنا اغفر لي ولوالديَّ } .
وكذلك فإن كتب التفسير تذكر أن إبراهيم استمرّ يدعو لأبيه حتى مات على الكفر فتبرّأ منه ، فكيف يقول الجفري إن إبراهيم دعا لأبيه مرّة واحدة فقط ؟؟
ثمّ إنّ الحديث الذي في البخاري ، باب: { ولا تخزني يوم يبعثون } عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَلْقَى إبراهيم أباه فيقول: يا ربّ إنك وَعَدتني أن لا تُخزني يوم يُبعثون ، فيقول الله: إني حرّمتُ الجنَّةَ على الكافرين)). يدلّنا أنّ إبراهيم سيعود ويطلب من ربه يوم القيامة أن يغفر لأبيه فما جواب الجفري على هذا ؟
فإذا نظرنا في الفقه الشافعي وجدنا أنّ الإمام الشافعي رحمه الله يقول: إن آزر هو والد إبراهيم وإليكم قول الشافعي ، جاء في كتاب "الأم" للشافعي (4ـ81) باب المواريث ، قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: {ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ} وقال عزّ وجل: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ، ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر . انتهى كلام الشافعي
وإذا نظرنا في كلام الصوفية وآل البيت ، وجدناهم يقولون: إن آزر هو والد إبراهيم ، وإليكم قولهم: قال السيد عبد الله بن الصديق الغماري الحسني في كتابه خواطر دينية:
آزر والد إبراهيم عليه السَّلام(224/3)
قول الله تعالى 1ـ {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتَّخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلالٍ مبين} يُفيد أنَّ أباه كان زعيم قومه ورئيسهم وآزر لقبه , واسمه تارح .
وزعم بعضهم أنَّه عمّه , وليس كذلك , فقد ذكره القرآن بوصف الأبوّة عدَّة مرّات: في هذه الآية , وفي آياتٍ أخر
2ـ {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه}..
3ـ {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدّيقاً نبيّا إذ قال لأبيه يا أبت}.
4ـ {واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون}.
5ـ {واغفر لأبي إنّه كان من الضَّاليّن}.
6ـ {وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربّه بقلبٍ سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون}.
7ـ {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنَّا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التَّماثيل التي أنتم لها عاكفون}.
8ـ {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنّه سيهدين}.
9ـ {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنَّ لك وما أملك لك من الله من شيء}
وكذا جاء وصفه بالأبوّة في حديث الصّحيحين. خواطر دينية (صفحة: 114) لأبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الإدريسي الحسني .
أقول: وحديث البخاري رواه في كتاب تفسير القرآن سورة الشعراء (87): باب: { ولا تخزني يوم يبعثون }
1ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ((إنّ إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة)).
2ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَلْقَى إبراهيم أباه فيقول: يا ربّ إنك وَعَدتني أن لا تُخزني يوم يُبعثون ، فيقول الله: إني حرّمتُ الجنَّةَ على الكافرين)).
إذاً الشافعي ، وعلماء آل البيت المعتبرين يقولون: إن آزر هو والد إبراهيم ، فمِنْ أين أتى الجفري بقوله المخالف لهم ، بل ولكل المذاهب الأخرى ؟!(224/4)
وكيف يَنعتُ الجفري بعض علماء الأمة بأنه صاحب أقوالٍ شاذّة وأنّ علمه أخذه عن الصحف وليس له سند إلى سلف الأمة !.
في حين نرى جميعنا أن الجفري هو صاحب الأقوال الشاذّة وليس له سند إلى سلف الأمة بل ولا إلى من يدعي السند إليهم !!
علماً أن جلّ كتب التفسير المشهورة تؤكد أن آزر هو والد إبراهيم , اللهمّ ما يروى أن الفخر الرّازي روى في تفسيره أن والد إبراهيم هو تارخ أخو آزر .
والمعلوم عند أهل العلم أن هذه الأسماء ناخور ( أخو إبراهيم ) و تارخ ( والدهما) و شاروخ ( جدهما ) وزمران و يقشان و شوحا ( أبناء إبراهيم ) كلّها مأخوذة من تراجم اليهود !
وأما أهل الإسلام فإن الله تعالى عرّفهم بوالد إبراهيم في كتابه العظيم فقال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} وعرّفهم بأبناء إبراهيم فقال مخبراً عن إبراهيم: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق}.
فهل يسوغ للجفري أن يترك كلام الله ويأخذ بتراجم اليهود ؟
ثمّ بعد ذلك يقول للناس: هذا الكلام عليه جمهور المفسرين والعلماء !(224/5)
والذي أريد توضيحه أنني لم أكتب هذه الكلمات لأخوض في مسألة إيمان والدي النبي صلى الله عليه وسلّم ، وإنّما دفعني لكتابتها ما أحدثه هذا الجفري من الفتنة بين الناس ، حيث أوهم العوام أنّ ما يقوله هو قول أهل العلم سلَفاً وخلَفاً ، وأنّ قول الآخرين لا صحّة له ، والأمر كما رأيتم معكوس ، فإن الجفري هو الذي خالف كل أهل العلم وكل المذاهب وليس الشافعي فحسب ، ونسب ما يقولونه إلى الهوى وبغض النبي والعياذ بالله ، وذلك لكي يطعن في خصومه الذين يقولون بقول جميع الأئمة والعلماء المسلمين ، فكان عمله كعمل الشيعة الرافضة عندما زعموا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ضرب السّيدة فاطمة على بطنها ، فأسقطت الجنين الذي كانت حاملاً به ، وزوجها علي بن أبي طالب واقفٌ ينظر ولا يحرّك ساكناً ! أراد الشيعة أن يطعنوا في عمر ، فطعنوا بعلي وهم لا يشعرون حملهم على ذلك الهوى والبعد عن مخافة الله فجعلهم الشيطان مطيّةً له. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(224/6)
أبو أيوب يسجد على القبر
حديث سجود أبى أيوب على القبر يستدل به الصوفية على جواز التبرك بالقبور ، والسجود عليها.
الحديث رواه الإمام أحمد في المسند ، والحاكم في المستدرك ، من طريق عبد الملك بن عمرو ثنا كثير بن زيد عن داود بن أبى صالح قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعا ًوجهه على القبر فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم فأقبل عليه ، فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله)).
وفي الإسناد داود بن أبي صالح ، قال الذهبي عنه في الميزان ( 3ـ14): حجازي لا يعرف ، له عن أبي أيوب الأنصاري ، روى عنه الوليد بن كثير فقط.
وقول الذهبي: (روى عنه الوليد بن كثير فقط) وهم ، إذ أن الذي في الرواية كثير بن زيد كما بين الحافظ ابن حجر ذلك في تهذيب التهذيب.
وفي الإسناد أيضا كثير بن زيد مختلف فيه أيضاً.
قال الذهبي في الميزان (8ـ405): قال أبو زرعة : صدوق فيه لين . و قال النسائي: ضعيف.
وفي متن الحديث نكارة أيضاً ، حيث أن ظاهرها يدل على أن القبر ظاهر للعيان ، يراه كل من يمر شأنه شأن سائر القبور ، بينما الواقع أن القبر الشريف كان في حجرة عائشة رضي الله عنها.(225/1)
أبو هريرة يشد رحله إلى الطور
من عجائب التعصب أن يستدل خصمك عليك بدليلك ، وهذا ما لم أعرفه إلا عند الصوفية بعدُ ، يروي الصوفية حديث أبي هريرة وأبي بصرة الغفاري رضي الله عنهما فيستدلون به لجواز شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة ، وذلك بأن أبا هريرة مع روايته لحديث ((لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة)) قد شد رحله إلى جبل الطور في سيناء لكي يصلي فيه.
والآن نوثق لكم داعية التصوف علي الجفري يروي هذا الحديث فيحذف نصفه ليقلب معنى الحديث مئة وثمانين درجة ، من حجة عليه إلى دليل لمذهبه وانتماءه ، وهو كمن يقرأ: ولا تقربوا الصلاة. ثم يسكت.
يقول الجفري: إن أبا هريرة الذي روى حديث لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة ، هو نفسه قد شد رحله من المدينة إلى سيناء لكي يصلي في الطور الذي ناجى فيه موسى عليه الصلاة والسلام ربه تعالى.
ويستدل الجفري بأن أبا هريرة مع روايته للحديث قد خالف المعنى الظاهر منه ، وهو المنع من شد الرحل ، لينصر الجفري بذلك مذهبه بشد الرحال إلى القبور وغيرها.
وإليكم نص الحديث كاملاً ، واللون الأحمر هو الكلام الذي حذفه الجفري: (( لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاءٍ من الطور , فقال: من أين أقبلت ؟ قال: من الطور ؛ صليت فيه , قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلتَ ؛ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام , ومسجدي هذا , والمسجد الأقصى)).
فانظروا كيف انقلب المعنى وانظروا كيف أنكر أبو بصرة على أبي هريرة رضي الله عنهما ذهابه مستدلا عليه بهذا الحديث ، مما يؤكد عكس المعنى الذي يقول به الجفري ، فيا أمة الإسلام هل بعد هذا كذب وافتراء.(226/1)
والحديث رواه الإمام مالك في الموطأ /1ـ108ـ241/، والإمام أحمد /7ـ6ـ23740/ ، والنسائي /3ـ114ـ1430/ ، وابن حبان في صحيحه /7ـ7ـ2772/ ، وأبو داود الطيالسي في مسنده صفحة /192/ رقم /1348/ وغيرهم كثير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الحافظ في فتح الباري /3ـ65/:
وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ، لأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم ، والثاني كان قبلة الأمم السالفة ، والثالث أسس على التقوى ، واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً ، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها ، فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث ، وأشار القاضي حسين إلى اختياره ، وبه قال عياض وطائفة ، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت. واستدل بهذا الحديث ، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ، ووافقه أبو هريرة. اهـ
وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم /9ـ106/:
واختلف العلماء في شد الرحال وأعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة ، كالذهاب إلى قبور الصالحين ، وإلى المواضع الفاضلة ، ونحو ذلك ، فقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا: هو حرام. وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره. اهـ
وقال الإمام النووي في كتاب المجموع شرح المهذب /8ـ369/:
أما إذا نذر إتيان مسجد آخر سوى الثلاثة ، فلا يعقد نذره بلا خلاف ، لأنه ليس في قصدها قربة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ، والأقصى ، ومسجدي )). قال إمام الحرمين: كان شيخي يفتي بالمنع من شد الرحال هذه الثلاثة لهذا الحديث ، قال: وربما كان يقول محرم. اهـ
كذلك قد وقع لابن تيمية من سبقه إلى هذا كما في الفتاوى /27ـ220/ قال:(226/2)
وقالوا ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة ، وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الصغرى من البدع المخالفة للسنة. اهـ(226/3)
أحاديث الأبدال والأقطاب
الحمد لله المعز لأوليائه. المذل لأعدائه. حمداً يوجب رضوانه. ويستوهب إحسانه. والصلاة والسلام على موضح آياته. ومبلِّغ كلماته. وبعد...
فإن من موجبات الرحمة والغفران ، كشف أباطيل أهل الزيغ والبهتان. وبيان أكاذيبهم على رسولنا الكريم. وما حرفوه من أصول وفروع شرعنا القويم. إعلاءاً لكلمة الحق. وتصديقاً بوعد الصدق. {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره}.
قال الحافظ ابن القيم "رحمه الله" في فصل عقده لأحاديث مشهورة باطلة من ((نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول)) (صفحة: 127): ((ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرب ما فيها حديث "لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم البدلاء ، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر" ذكره أحمد ، ولا يصح أيضا فإنه: منقطع)) اهـ.
وأما قول السيوطي "رحمه الله" في ((النكت)): ((خبر الأبدال صحيح فضلا عما دون ذلك ، وإن شئت قلت متواتر ، وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الأحاديث الواردة في ذلك)) فمن مراكب الإعتساف ، والمباعدة عن مواقع الإنصاف ، إذ ليس فيما ذكره حديثاً واحداً تنتهض به الحجة لما ادَّعاه.
وأنا ذاكر بعون الله وتوفيقه جملة من الأحاديث التي ذكرَها ، ومبين آفاتِها وعللَها:
(الأول) حديث عوف بن مالك
أخرجه الطبراني ((الكبير)) (18/65/120) ، وابن عساكر ((التاريخ)) (1/290) كلاهما من طريق عمرو بن واقد نا يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال: لما فتحت مصر سبوا أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ، ثم قال: يا أهل مصر ، أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فيهم الأبدال ، وبهم تنصرون ، وبهم ترزقون)).(227/1)
هذا الحديث كذب كأنه موضوع ، وإنما يعرف بعمرو بن واقد أبي حفص الدمشقي ؛ مولى بنى أمية ، وهو هالك تالف. قال أبو مسهر علي بن مسهر: ليس بشيء كان يكذب. وقال البخاري والترمذي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان عن دحيم: لم يكن شيوخنا يحدثون عنه. قال: وكأنه لم يشك أنه كان يكذب. وقال الدارقطني والنسائي والبرقاني: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك.
ومن مناكيره ، بل أباطيله وموضوعاته ، ما أخرجه الطبراني((الكبير)) (20/35/162) ، وابن عدى (5/118) والبيهقي ((شعب الإيمان)) (6/479/8974) جميعا عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((من أطعم مؤمنا حتى يشبعه من سغب أدخله الله بابا من أبواب الجنة ، لا يدخله إلا من كان مثله)).
قال ابن أبي حاتم ((علل الحديث)) (2/179/2031): ((سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار عن عمرو بن واقد ثنا يونس بن ميسرة بن حليس عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشبع جائعا)) الحديث بنحوه. قال أبي: هذا حديث كأنه موضوع. ولا أعلم روى أبو إدريس عن معاذ إلا حديثا واحدا ، وعمرو ضعيف الحديث)) اهـ.
(الثانى) حديث عبادة بن الصامت
وله طريقان:
[ الطريق الأولى ] أخرجها أحمد (5/322) قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الأَبْدَالُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثُونَ ، مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً)).
قال عبد الله بن أحمد: ((قَالَ أَبِي رَحِمَه الله: حَدِيث عَبْدِ الْوَهَّابِ هَذَا مُنْكَرٌ)).(227/2)
وأخرجه كذلك الهيثم بن كليب ((المسند)) ، والخلال ((كرامات الأولياء)) (2) ، وأبو نعيم ((أخبار أصبهان)) (1/180) والخطيب ((تالي تلخيص المتشابه)) (1/248) ، وابن عساكر (1/292) جميعا من طريق الحسن بن ذكوان به.
قلت: وهذا حديث منكر كما قال الإمام أحمد ، وله ثلاث آفات:
(الأولى) عبد الواحد بن قيس ، وإن وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة الدمشقي ، لكنه لا يُعتبر برواية الضعفاء عنه. قال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوى. قال البخاري: عبد الواحد بن قيس قال يحيى القطان: كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب.
وقال ابن حبان في ((المجروحين)): عبد الواحد بن قيس شيخ يروي عن نافع روى عنه الأوزاعي والحسن بن ذكوان ، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات ، فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه فحسن.
وقال في ((الثقات)): لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه ، وهو الذي يروي عن أبي هريرة ولم يره.
(الثانية) الانقطاع ، فإن عبد الواحد بن قيس إنما أدرك عروة ونافع ، وروايته عن أبي هريرة مرسلة ، كما قال البخاري وابن حبان. فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ولم يره.
(الثالثة) الحسن بن ذكوان يحدث عن عبد الواحد بن قيس بعجائب ، كما قال يحيى القطان وعلى بن المدينى والبخاري. وقال ابن معين: كان صاحب أوابد. وقال الأثرم: ((قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول في الحسن بن ذكوان ؟ ، قال: أحاديثه أباطيل ! يروى عن حبيب بن أبي ثابت ولم يسمع من حبيب ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى)).
ولما كان الحسن بن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به ، فقد أورد له ابن عدى في ((كامله)) (5/125) أربعة أحاديث دلَّسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع.(227/3)
وواحدة من هذا العلل الثلاث تكفي في الحكم على حديث عبادة بنفي ثبوته فضلا عن صحته ، ومنه تعلم أن قول الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/62): ((رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس ، وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما)) ، وأقره السيوطي والمُناوي وغيرهما ، أبعد شيء عن الصواب !! ، وذلك لما ذكرناه آنفاً.
وأما قوله الحسن بن ذكوان من رجال الصحيح ، فالجواب عنه ما وصفه به الإمام أحمد من التدليس عن الكذابين ورواية الأباطيل. فإن قيل: قد أخرج البخاري له في ((كتاب المناقب)) من ((صحيحه)) (4/139. سندي) قال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ـ يعنى القطان ـ عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران بن حصين عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ)).
فربما يكتفي بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر في ((هدى الساري)) بقوله: ((والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته في الرجال ، ومع ذلك فهو متابعة)) !.
وأقول: وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول:
(1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح في الحديث بالسماع ، فانتفت تهمة تدليسه.
(2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه ، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه ، وما ينكر ، فهو من صحاح حديثه. وقد قال أبو أحمد بن عدى: ((أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ ، ولم يكن عنده بالقوي)).
ومما يفيده هذا التوجيه: أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال: يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، وأبي حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن.(227/4)
[ الطريق الثانية ] أوردها ابن كثير ((التفسير)) (1/304) من طريق ابن مردويه قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جرير بن يزيد حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو البزار عن عنبسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأبدال في أمتي ثلاثون ، بهم ترزقون ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون)) ، قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
قال الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/63): ((رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص ، وكلاهما لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح)).
قلت: ومع جهالة رواته عن قتادة ، فقد خولفوا على رفعه. رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: لن تخلو الأرض من أربعين ، بهم يغاث الناس ، وبهم تنصرون ، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً.
أخرجه هكذا ابن عساكر ((التاريخ)) (1/298) من طريق عمران بن محمد الخيزراني عن عبد الوهاب به.
(الثالث) حديث أنس بن مالك
وله أربع طرق:
[ الطريق الأولى ] أخرجها ابن عدى (5/220) حدثنا محمد بن زهير بن الفضل الأبلي ثنا عمر بن يحيى الأبلي ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البدلاء أربعون اثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق ، كلما مات منهم واحد بدل الله مكانه آخر ، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم ، فعند ذلك تقوم الساعة)).
وأخرجه كذلك ابن عساكر ((التاريخ)) (1/291) ، وابن الجوزي ((الموضوعات)) (3/151) كلاهما من طريق ابن عدى به.
قلت: هذا إسناد مظلم وحديث موضوع ، لا يحل ذكره إلا تعجباً ولا كتابته إلا تحذيراً.(227/5)
قال الحافظ الذهبى ((الميزان)) (5/123): ((العلاء بن زيدل الثقفي بصري روى عن أنس بن مالك كنيته أبو محمد تالف. قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو حاتم والدارقطني: متروك الحديث. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب)). وذكر هذا الحديث من مناكيره ، وقال: ((وهذا باطل)).
[الطريق الثانية] أخرجها ابن عدى (6/289) من طريق محمد بن عبد العزيز الدينوري ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة الصدور)).
قال أبو أحمد: ((وهذا الحديث بهذا الإسناد ليس يعرف إلا بابن عبد العزيز الدينوري ، وهو من الأحاديث التي أنكرت عليه)).
قلت: والدينورى ليس بثقة ولا مأمون ، ينفرد عن الثقات بالمقلوبات ، ويأتى بالبلايا والطامات ، كأنه المتعمد لها. وهذا الحديث رواه جماعة من الضعفاء عن الحسن البصرى ، واختلفوا عليه ، فمرة عن أنس ، وثانية عن أبي سعيد الخدرى ، وثالثة عن الحسن مرسلاً ، ولا يصح منها كبير شئٍ.
[الطريق الثالثة] أخرجها الخلال ((كرامات الأولياء)) ، وابن الجوزى ((الموضوعات)) (3/152) من طريق أبي عمر الغدانى عن أبي سلمة الحرانى عن عطاء عن أنس قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة ، كلما مات رجل بدل الله مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة)).
قال أبو الفرج: ((وفي إسناده مجاهيل)) يعنى أبا سلمة وأبا عمر لا يعرفان !!.(227/6)
[الطريق الرابعة] أخرجها ابن عساكر ((التاريخ)) (1/292) من طريق نوح بن قيس الحداني عن عبد الله بن معقل عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((دعائم أمتي عصائب اليمن ، وأربعون رجلاً من الأبدال بالشام. كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، أما إنهم لم يبلغوا ذلك بكثرة صلاةٍ ، ولا صيامٍ ، ولكن بسخاوة الأنفس ، وسلامة الصدور ، والنصيحة للمسلمين)).
قلت: هذا إسناد واهٍ بمرة. قال الحافظ الذهبي ((الميزان)) (4/204): ((عبد الله بن معقل بصري عن يزيد الرقاشي. لا يدرى من ذا ؟!. روى عنه نوح بن قيس فقط)). وأما يزيد بن أبان الرقاشي فمتروك الحديث ذاهب الحديث. قال ابن حبان: ((كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو لا يعلم ، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاج به ، فلا تحل الرواية عنه إلا على سبيل التعجب ، وكان قاصا يقص بالبصرة ، ويبكي الناس ، وكان شعبة يتكلم فيه بالعظائم)).
(الرابع) حديث عبد الله بن عمر
أخرجه أبو نعيم ((الحلية)) (1/8) ، وابن عساكر((تاريخ دمشق)) (1/303،302) ، وابن الجوزى ((الموضوعات)) (3/151) سعيد بن أبي زيدون ثنا عبد الله بن هارون الصوري ثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ، ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمائة مكانه ، وأدخل من الأربعين مكانهم)) ، قالوا: يا رسول الله دلنا على أعمالهم ؟ ، قال: ((يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساءهم، ويتواسون فيما آتاهم الله)).
قال أبو الفرج: ((موضوع ، وفيه مجاهيل)) ، يعني الصوري ، وابن أبي زيدون لا يعرفان.(227/7)
وقال الحافظ الذهبى ((الميزان)) (4/217): ((عبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي. لا يعرف. والخبر كذب في أخلاق الأبدال)) ، وأقرَّه الحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) (3/369).
(الخامس) حديث أبي هريرة
أخرجه ابن حبان ((المجروحين)) (2/61) ، وابن الجوزي ((الموضوعات)) (3/151) من طريق عبد الرحمن بن مرزوق الطرسوسي عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تغاثون ، وبهم ترزقون ، وبهم تمطرون)).
قال أبو حاتم بن حبان: ((هذا كذب. عبد الرحمن بن مرزوق بن عوف أبو عوف ؛ شيخ كان بطرسوس يضع الحديث لا يحل ذكره إلا علي سبيل القدح فيه)).
(السادس) حديث أبي سعيد الخدري
أخرجه البيهقي ((شعب الإيمان)) (7/439/10893) من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى أنا سلمه بن رجاء عن صالح المري عن الحسن عن أبي سعيد الخدري أو غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ، ولكن إنما دخلوها برحمة الله ، وسخاوة الأنفس وسلامة لجميع المسلمين)).
قلت: وهذا حديث منكر ، وله ثلاث آفات:
(الأولى): صالح بن بشيرٍ المري القاص ، منكر الحديث جداً يحدث عن قوم ثقات أحاديث مناكير. قال أحمد: كان صاحب قصص يقص ليس هو صاحب آثار وحديث ولا يعرف الحديث. وقال عمرو بن علي الفلاس: هو رجل صالح منكر الحديث جداً ، يحدث عن الثقات بالأباطيل والمنكرات. وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب الحديث. وقال السعدي: واهي الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.(227/8)
(الثانية): الانقطاع ، فإن الحسن البصري لم يسمع أبا سعيد الخدري. قال الحافظ أبو سعيد العلائى ((جامع التحصيل)) (1/163): ((قال علي بن المديني: رأى الحسن أم سلمة ، ولم يسمع منها ، ولا من أبي موسى الأشعري ، ولا من الأسود بن سريع ، ولا من الضحاك بن سفيان ، ولا من جابر ، ولا من أبي سعيد الخدري ، ولا من ابن عباس ، ولا من عبد الله بن عمر ، ولا من عمرو بن تغلب ، ولم يسمع من أبي برزة الأسلمي ، ولا من عمران بن حصين ، ولا من النعمان بن بشير ، ولم يسمع من أسامة بن زيد شيئا ، ولا من عقبة بن عامر ، ولا من أبي ثعلبة الخشني)).
قلت: وهذا كما قال ؛ إلا سماعه من عمرو بن تغلب. ففي ((كتاب الجهاد)) من ((صحيح البخاري)) (2/157. سندي): حدثنا أبو النعمان حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ)).
(الثالثة) المخالفة ، فقد رواه جماعة عن صالح المري عن الحسن مرسلاً ، وسلمة بن رجاء التيمي الكوفي صدوق يغرب ، ويتفرد بما لا يتابع عليه.
فقد أخرجه البيهقي ((شعب الإيمان)) (7/439) من طريق يحيى بن يحيى أنا صالح المري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بدلاء أمتي..)) بنحوه ، هكذا مرسلاً.
(السابع) حديث عبد الله بن مسعود(227/9)
أخرجه أبو نعيم ((الحلية)) (1/8) ، ومن طريقه ابن الجوزي ((الموضوعات)) (3/150) من طريق محمد بن السري القنطري ثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري ثنا عبد الرحمن بن يحيى الأرمني ثنا عثمان بن عمارة ثنا المعافي بن عمران عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن لله عزَّ وجلَّ في الخلق ثلاثمائة ، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق أربعون ، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق سبعة ، قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق خمسة ، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق ثلاثة ، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق واحد ، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام ، فاذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة ، فبهم يحيي ويميت ، ويمطر وينبت ، ويدفع البلاء)) ، قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت ؟ ، قال: ((لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فتنبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء)).
قال أبو الفرج: ((إسناده مظلم ، كثير من رجاله مجاهيل ليس فيهم معروف)).
قلت: وبقية أحاديث الأبدال مراسيل لا تنتهض بمثلها الحجة ، كيف وقد بان أن المرفوعات كلها واهية بمرة.(227/10)
والذي ندين الله به ، ونعتقده واجباً لازما ، بعد قيام الدلالة بمقتضى ما بيناه من بطلان الأحاديث الآنفة الذكر ، أن هذه الألفاظ ((الأبدال)) و ((الأوتاد)) و ((الأقطاب)) و ((الغوث الفرد)) ، وغيرها مما تتهوعها قلوب المؤمنين الموقنين ، لم تكن تدور قطعاً على ألسنة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولم ترد بها أحاديث صحاح تؤكد صحة مدلولاتها ، على مقتضى كلام مَنْ أكثرَ استعمالها ، ولهجَ بذكرِها ، وأجراها على وفق قوانين وقواعد مبتدعة ، ضاهت عند بعضهم الشرك الأكبر ، وأكثرُهم من المنتمين إلى الشيعة ، والرافضة ، والصوفية.
وما اُستعمل منها على ألسنة أكابر أئمة السنة والجماعة ، كالإمام ابن المبارك والأوزاعي والشافعي وأحمد وابن معين والبخاري وغيرهم من رفعاء أهل السنة ، وخاصةً لفظ ((الأبدال)) ، فمحمول على معانٍ محمودة ، ومدائح جائزة. وربما وقع الاشتباه في دلالات هذه الألفاظ ، من جهة المعهود الذهني لمعانيها عند المخالفين من أهل الطوائف المبتدعة ، كالشيعة الباطنية ، والصوفية الإتحادية. وأما مع المجانبة والحذر من مشابهتهم ، فلا مشاحة في استعمال هذه الألفاظ حبنئذٍ ، على المعانى الجائزة مما تبيحه أدلة الكتاب والسنة.
فلا يظن أحدٌ أن قول الإمام أبي عبد الله الشافعي عن شيخه يحيى بن سليم الطائفي: كنا نعده من الأبدال ، أنَّه يعنى أن شيخه الطائفي أحد الأربعين أشباه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ ، الذين كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ تَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً ، ولا يعنى أن شيخه أحد من يستغاث بهم ، ويستنزل بهم القطر والرزق. وهذا مما لا ينبغي الإسهاب في بيان بطلان اعتقاده ، وحمل كلام أئمتنا عليه.(227/11)
ألا تراهم يقولون في المديح ما لا يسعهم فعله ، فضلاً عن اعتقاده ، كقولهم ((فلان كعبة المحتاج لا كعبة الحُجَّاج ، ومَشْعَر الكرم لا مشعر الحَرَم ، ومِنَى الضيف لا مِنَى الخَيْف ، وقِبْلَة الصِّلاتِ لا قِبْلَة الصَّلاة)) ، وهذا كثير دائر على ألسنة الأدباء الأبيناء البلغاء من أهل السنة.
وعليه فقولهم عن رجل ((فلان من الأبدال)) ، محمول على معانٍ من الثناء والمديح والمحامد الجائزة ، مما لا مساس معها بالمحظورات العقائدية. وما كان منها على خلاف هذه الدلالة ، فمردود على قائله أو متأوله ، فمن ذلك قول شهاب بن معمر البلخي عن الإمام حماد بن سلمة: كان يُعد من الأبدال ، تزوج سبعين امرأة فلم يولد له. ألا ترى أن مسحة الصوفية قد أذهبت رونق المدح والثناء ، فأحالت المدح قدحاً ، والثناء هجاءاً. وقارن ذلك بقول ابن المبارك عنه: ما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأوائل من حماد بن سلمة ، تجد بينهما بوناً شاسعاً ، تستلطف معه كلام ابن المبارك ، وتلقي إليه سمعك ، بينما تستغرب ما صدر عن البلخي.
فإذا وضحت هذه اللمعة ، فلنذكر طرفاً من الاستعمالات الجائرة لهذه الألفاظ عند الصوفية.
فهذا الشيخ عبد الرؤوف المناوي الصوفي يوضح حقيقة البَدَل على اعتقادهم ، فيقول في (فيض القدير): ((وإذا رحل البدلُ عن موضعٍ ترك بدله فيه حقيقة روحانية ؛ يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي ، فإن ظهر شوقٌ من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص ، تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدلُه ، فكلمتهم ، وكلموها ، وهو غائب عنهم ، وقد يكون هذا من غير البدل ، لكن الفرق بينهما أن البدل يرحلُ ويعلمُ أنه ترك غيره ، وغيرُ البدل لا يعرفُ ذلك وإن تركه)).(227/12)
ولا أظنك وأنت تقرأ هذا الغثاء ، إلا تعوذت بالله من هذه الأباطيل ، وقلت مسارعاً {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} ، ودعوت عائذاً {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}.
وها هو يقول ما تقشعر منها الجلود ، وتشمئز منه الأفئدة: ((الأَبدال ـ بفتح الهمزة ـ جمع بَدَل بفتحتين ، خصهم الله تعالى بصفات: منها أنهم ساكنون إلى الله بلا حركة ، ومنها حسن أخلاقهم في هذه الأمة ، (ثلاثون رجلا) قيل سموا أبدالا ، لأنهم إذا غابوا تبدل في محلهم صور روحانية تخلفهم ، (قلوبهم على قلب إبراهيم) خليل الرحمن عليه السلام ، أي انفتح لهم طريق إلى الله تعالى على طريق إبراهيم عليه السلام ، وفي رواية (قلوبهم على قلب رجل واحد) قال الحكيم الترمذي: إنما صارت هكذا ، لأن القلوب لهت عن كل شيء سواه ، فتعلقت بتعلق واحد ، فهي كقلب واحد. قال في ((الفتوحات)): قوله هنا (على قلب إبراهيم) ، وقوله في خبر آخر (على قلب آدم) ، وكذا قوله (على قلب شخص من أكابر البشر أو من الملائكة) معناه: أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بقلب ذلك الشخص ، إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب ، فكل علم يرد على قلب ذلك الكبير من ملك أو رسول ، يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه ، وربما يقول بعضهم: فلان على قدم فلان ، ومعناه ما ذكر.(227/13)
وقال القيصري الرومي عن العارف ابن عربي: إنما قال (على قلب إبراهيم عليه السلام) لأن الولاية مطلقة ومقيدة ، والمطلقة هي الولاية الكلية التي جميع الولايات الجزئية أفرادها ، والمقيدة تلك الأفراد ، وكل من الجزئية والكلية تطلب ظهورها ، والأنبياء قد ظهر في هذه الأمة جميع ولاياتهم على سبيل الإرث منهم ، فلهذا قال هنا (على قلب إبراهيم عليه السلام) ، وفي حديث آخر (على قلب موسى عليه السلام) ، وفلان ، وفلان ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الولاية الكلية من حيث أنه صاحب دائرة الولاية الكلية ، لأن باطن تلك النبوية الكلية الولاية المطلقة الكلية ، ولما كان لولاية كل من الأنبياء في هذه الأمة مظهراً ، كان من ظرائف الأنبياء أن يكون في هذه الأمة من هو على قلب واحد من الأنبياء. (كلما مات رجل) منهم ، (أبدل الله مكانه رجلا) فلذلك سموا أبدالا ، أو لأنهم أبدلوا أخلاقهم السيئة وراضوا أنفسهم حتى صارت محاسن أخلاقهم حلية أعمالهم.
وظاهر كلام أهل الحقيقة ؛ أن الثلاثين مراتبهم مختلفة. قال العارف المرسي: جُلْتُ في الملكوت ، فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش ، رجل أشقر أزرق العين ، فقلت له: ما علومك ومقامك ؟ ، قال: علومي أحد وسبعين علما ، ومقامي رابع الخلفاء ، ورأس الأبدال السبعة ، قلت: فالشاذلي ! ، قال: ذاك بحر لا يحاط به. قال العارف المرسي: كنت جالسا بين يدي أستاذي الشاذلي ، فدخل عليه جماعة ، فقال: هؤلاء أبدال ، فنظرت ببصيرتي ، فلم أرهم أبدال ، فتحيرت ، فقال الشيخ: من بدلت سيئاته حسنات ، فهو بدل ، فعلمت أنه أول مراتب البدلية. وأخرج ابن عساكر أن ابن المثنى سأل أحمد بن حنبل: ما تقول في بشر الحافي بن الحارث ؟ ، قال: رابع سبعة من الأبدال)) اهـ بنصه من غير تحريف ولا تصرف.(227/14)
وألقِ سمعك هذه الخرافة المأثورة عن شيخِهم الأكْبر ، ذي المآثر التي تخبلُ العقول وتَبْهَر ـ أعني ابن عربي الحاتمي ـ حيث يقول عن نفسه ((الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط ، وهم أخص من الأبدال ، والإمامان أخص منهم ، والقطب أخص الجماعة. ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ، ويكون على قلب نبي من الأنبياء ، فالذي على قلب عيسى له اليماني ، والذي على قلب آدم له الركن الشامي ، والذي على قلب إبراهيم له العراقي ، والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود ، وهو لنا ـ يعنى نفسه ـ)) كذا حكاه المناوي عنه.
وكتب القوم طافحة بهذه التعبيرات الجائرة عن طريق الاستقامة ، أعاذنا الله من الزيغ بعد الهداية. والحمد لله أولاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً
(الثامن) حديث على بن أبي طالب
أخرجه الإمام أحمد (1/112) قال: حدثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني شريح يعني ابن عبيد قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين ، قَالَ: لا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((الأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ رَجُلاً ، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ ، وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ)).
أخرجه كذلك أحمد في ((فضائل الصحابة)) (1727) ، وابن عساكر (1/289) ، والمقدسى ((المختارة)) (2/110/484) جميعا بهذا الإسناد مثله.
قلت: وهذا الإسناد منقطع ، فإن شريح بن عبيد الشامي لم يسمع من علي بن أبي طالب.
وقد روى بإسنادين آخرين مرفوعا:
(الأول)(227/15)
أخرجه ابن أبي الدنيا ((الأولياء)) (8): نا أبو الحسين الواسطي خلف بن عيسى نا يعقوب بن محمد الزهري نا مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن زرير عن علي قال: سألت رسول الله عن الأبدال ، قال: ((هم ستون رجلا)) ، قلت: يا رسول الله جلهم لي ؟ ، قال: ((ليسوا بالمتنطعين ، ولا بالمبتدعين ، ولا بالمتعمقين ، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صيام ، ولا صلاة ، ولا صدقة ، ولكن بسخاء النفس وسلامة القلوب والنصيحه لأئمتهم ، إنهم يا علي من أمتي أقل من الكبريت الأحمر)).
قلت: وهذا حديث كذب من وضع مجاشع بن عمرو ، فإنه أحد الكذابين. قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات ويروي الموضوعات عن أقوام ثقات لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص.
(الثاني)
أخرجه الطبراني ((الأوسط)) (4/176/3905) ، وابن عساكر (1/334) من طريقين عن الوليد بن مسلم وزيد بن أبي الزرقاء عن ابن لهيعة نا عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يكون في آخر الزمان فتنة يحصَّل فيها الناس كما يحصَّل الذهب في المعدن ، فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبُّوا شرارهم ، فان فيهم الأبدال ، يوشك أن يُرسل على أهل الشام سيب من السماء ، فيغرق جماعتهم ، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم ، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات ، المكثر يقول هم خمسة عشر ألفاً ، والمقل يقول هم اثنا عشر ألفاً ، أمارتهم: أمت أمت ، يلقون سبع رايات ، تحت كل راية منها رجل يطلب الملك ، فيقتلهم الله جميعا ، ويرد الله إلى المسلمين إلفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم)).(227/16)
قلت: وهذا وهم وخطأ ، إذ رواه ابن لهيعة حال اضطرابه واختلاطه ، فخالف الثقات الأثبات. فقد رواه الحارث بن يزيد الحضرمي ـ أحد أثبات ثقات المصريين ـ عن عبد الله بن زرير عن على موقوفا ، ولم يرفعه.
أخرجه ابن عساكر (1/335) من طريق أحمد بن منصور الرمادي نا عبد الله بن صالح حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري أنه سمع الحارث بن يزيد ثنى عبد الله بن زرير أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم الأبدال.
وما صحَّ من أسانيده موقوفا على علي بن أبي طالب ، ليس فيه ذكر عددهم ولا أوصافهم ، وهو بها أثبت وأصحَّ منه مرفوعاً.
فقد أخرج ابن المبارك ((الجهاد)) (192) عن معمر عن الزهري قال أخبرني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن رجلا قال يوم صفين: اللهم العن أهل الشام ، فقال علي: لا تسبوا أهل الشام جمعاً غفيرا ، فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون ، وإن فيهم الأبدال.
وأخرجه الضياء ((المختارة)) (2/112) من طريق صالح بن كيسان عن الزهري حدثني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن عليا قام بصفين وأهل العراق يسبون أهل الشام فقال: فذكر نحوه.
والحديث يروى من غير وجهٍ عن علي موقوفاً ، والحديث موقوفا عن علي بن أبي طالب أصح وأشهر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.
نقلاً عن الشيخ أبي محمد الألفي بتصرف يسير.(227/17)
أحاديث ضعيفة وموضوعة عند المتصوفة
السؤال:
هل هذا الحديث الذي يذكره المتصوفة صحيح " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ".
الجواب:
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل قال : " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن " .
أجاب :
الحمد لله
هذا ما ذكروه في الإسرائيليات ليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومعناه وضع في قلبه محبتي ومعرفتي .
وما يروى : " القلب بيت الرب " ، هذا من جنس الأول ، فإن القلب بيت الإيمان بالله تعالى ومعرفته ومحبته .
وما يروونه : " كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فبي عرفوني " .
هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف له إسناداً صحيحاً ولا ضعيفاً . وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك ، فبك آخذ وبك أعطي " .
هذا الحديث باطل موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
وما يروونه : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " هذا معروف ، عن جندب بن عبد الله البجلي وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس له إسناد معروف .
وما يروونه : " الدنيا خطوة رجل مؤمن " ، هذا لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من سلف الأمة ولا أئمتها .
وما يروونه : " من بورك له في شيء فليلزمه " ، " ومن ألزم نفسه شيئا لزمه " .(228/2)
الأول : يؤثر عن بعض السلف ، والثاني : باطل فإن من ألزم نفسه شيئاً قد يلزمه وقد لا يلزمه بحسب ما يأمر به الله ورسوله .
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم في غد دولة وأي دولة " ، " الفقر فخري وبه أفتخر " ، كلاهما كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المعروفة .
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، هذا الحديث ضعيف ، بل موضوع عند أهل العلم بالحديث ، ولكن قد رواه الترمذي وغيره ووقع هذا وهو كذب .
وما يروونه : أنه صلى الله عليه وسلم " يقعد الفقراء يوم القيامة ، ويقول : وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علي ولكن أردت أن أرفع قدركم في هذا اليوم انطلقوا إلى الموقف فمن أحسن إليكم بكسرة أو سقاكم شربة ماء أو كساكم خرقة انطلقوا به إلى الجنة " ، قال الشيخ : الثاني كذب لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث ، وهو باطل خلاف الكتاب والسنة والإجماع .
وما يروونه ، عن " النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة خرجن بنات النجار بالدفوف وهن يقلن : طلع البدر علينا من ثنيات الوداع إلى آخر الشعر فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : هزوا غرابيلكم بارك الله فيكم " :
حديث النسوة وضرب الدف في الأفراح صحيح فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله : " هزوا غرابيلكم " هذا لا يعرف عنه .
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك " ، هذا حديث باطل كذلك ، وقد رواه الترمذي وغيره ، بل إنه قال لمكة : " إنك أحب بلاد الله إلي " ، وقال : " إنك لأحب البلاد إلى الله " .
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من زارني وزار أبي إبراهيم في عام دخل الجنة " ، هذا كذب موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث .(228/3)
وما يروونه ، عن علي رضي الله عنه : أن أعرابيا صلى ونقر صلاته ، فقال علي : " لا تنقر صلاتك " ، فقال الأعرابي : يا علي لو نقرها أبوك ما دخل النار . هذا كذب . وما يروونه ، عن عمر أنه قتل أباه ، هذا كذب فإن أباه مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم .
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، وكنت وآدم لا ماء ولا طين " هذا اللفظ كذلك باطل .
وما يروونه : " العازب فراشه من نار ، مسكين رجل بلا امرأة ، ومسكينة امرأة بلا رجل " ، هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت عن إبراهيم الخليل عليه السلام لما بنى البيت صلى في كل ركن ألف ركعة فأوحى الله تعالى إليه : " يا إبراهيم ما هذا سد جوعة أو ستر عورة " ، هذا كذب ظاهر ليس هو في شيء من كتب المسلمين . وما يروونه : " لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين " ، هذا ليس معروفا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وما يروونه : " من علم أخاه آية من كتاب الله ملك رقه " ، هذا كذب ليس في شيء من كتب أهل العلم .
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اطلعت على ذنوب أمتي فلم أجد أعظم ذنبا ممن تعلم آية ثم نسيها " وإذا صح هذا الحديث فهذا عنى بالنسيان التلاوة ، ولفظ الحديث أنه قال : " يوجد من سيئات أمتي الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها " والنسيان الذي هو بمعنى الإعراض عن القرآن وترك الإيمان والعمل به ، وأما إهمال درسه حتى ينسى فهو من الذنوب .
وما يروونه : " إن آية من القرآن خير من محمد وآل محمد ، القرآن كلام الله منزل غير مخلوق فلا يشبه بغيره " ، اللفظ المذكور غير مأثور .(228/4)
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من علم علما نافعا وأخفاه عن المسلمين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " ، وهذا معناه معروف في السنن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " .
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا وصلتم إلى ما شجر بين أصحابي فامسكوا ، وإذا وصلتم إلى القضاء والقدر فأمسكوا " ، هذا مأثور بأسانيد منقطعة .
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال لسلمان الفارسي وهو يأكل العنب : دو دو " ، يعني عنبتين عنبتين ، هذا ليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو باطل .
وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من زنى بامرأة فجاءت منه ببنت فللزاني أن يتزوج بابنته من الزنا " ، وهذا يقوله من ليس من أصحاب الشافعي وبعضهم ينقله عن الشافعي ، ومن أصحاب الشافعي من أنكر ذلك عنه ، وقال : إنه لم يصرح بتحليل ذلك ولكن صرح بحل ذلك من الرضاعة إذا رضع من لبن المرأة الحامل من الزنا ، وعامة العلماء كأحمد وأبي حنيفة وغيرهما متفقون على تحريم ذلك ، وهذا أظهر القولين في مذهب مالك.
وما يروونه : " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله " ، نعم ثبت ذلك أنه قال : " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله " ، لكنه في حديث الرقية ، وكان الجعل على عافية مريض القوم لا على التلاوة .
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من ظلم ذميا كان الله خصمه يوم القيامة أو كنت خصمه يوم القيامة " ، هذا ضعيف ، لكن المعروف عنه أنه قال : " من قتل معاهدا بغير حق لم يرح رائحة الجنة " .
وما يروونه ، عنه : " من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج " ، هذا لا أعرف له إسنادا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" الفتاوى الكبرى " ( 5 / 88 - 93 ) . (www.islam-qa.com)(228/5)
الإسلام سؤال وجواب
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(228/6)
أسألك بحق السائلين
يستدل الصوفية لجواز التوسل بأحاديث وردت ، منها:
الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: ((من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً...أقبل الله عليه بوجهه)).
رواه الإمام أحمد (3ـ21) وابن الجعد في مسنده (1ـ299) وابن أبي شيبة في المصنف (6ـ25) وابن ماجه رقم (778) وغيرهم
وهذا الحديث إسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وعطية ضعيف كما قال الإمام النووي في "الأذكار" وقال الذهبي في "الضعفاء" (88ـ1): مجمع على ضعفه.
وقال الإمام أحمد: ضعيف الحديث وبلغني أن عطية كان يأتي (الكلبي) فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد !!!؟ فيقول: قال أبو سعيد ، يوهم أنه أبو سعيد الخدري.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه التقريب: صدوق يخطىء كثيراً، كان شيعياً مدلساً.
أورده الحافظ ابن حجر في كتابه "طبقات المدلسين" المرتبة الرابعة ، وقال: تابعي معروف، ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح.
والتدليس القبيح الذي أراده الحافظ ابن حجر ، هو تدليس الشيوخ ، وهذا النوع من التدليس لا يصلح معه التصريح بالسماع ، خاصة في مثل هذه الحالة ، حيث ثبت كما مر عن الإمام أحمد أن عطية العوفي له شيخ كذاب (الكلبي) يكنيه أبا سعيد ، وله أيضاً رواية عن الصحابي أبي سعيد ، فكان يدلس الرواية عن الأول بالرواية عن الثاني ، فحكم روايته بالسماع أو العنعنة عن من يسميه أبا سعيد لا يحتج بها ، مع ما فيه من ضعف.
الحديث الثاني: حديث بلال رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً.. الحديث(229/1)
رواه ابن السني في كتابه "عمل اليوم والليلة" رقم: (82) من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه.
قال الإمام النووي في "الأذكار": حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: هذا حديث واه جداً، أخرجه الدارقطني في "الأفراد" من هذا الوجه وقال: تفرد به الوازع، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث. والقول فيه أشد من ذلك، فقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم وجماعة، متروك الحديث، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة.
وقال ابن عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة.
وقال البخاري: منكر هذا الحديث.
الحديث الثالث: عن أبي أمامة قال: كان رسول الله إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد.. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك... .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/117): (رواه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه). وقال في موضع آخر: (لا يحل الاحتجاج به)
وقال ابن حبان عن فضال: شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس من حديثه. وقال أيضاً: لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل له.
وقال ابن عدي في "الكامل" (25/13): أحاديثه كلها غير محفوظة.
وقال عنه البيهقي في كتابه شعب الإيمان: فضال صاحب مناكير.(229/2)
وهذه الأحاديث مع كونها ضعيفة فهي لا تدل على التوسل بالمخلوقين أبداً، وإنما تعود إلى أحد أنواع التوسل المشروع ، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته عز وجل، لأن فيها التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟، لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته عز وجل، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى.(229/3)
إتمام الكلام المحتوي بيان ضعف بقية روايات الأعرابي
أبو عمر الدوسري(المنهج)
قد بينا على حلقتين الكلام على رواية الأعرابي المكذوبة على لسان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والرواية الثانية المكذوبة المنقطعة عن العتبي ، وبقي بعض روايات هي أوهى وأضعف ، ولكن لإقامة الحجة ، وبيان كذب أدعياء المحبة ، وسلوكهم القبيح بتتبع الحكايات والمنامات والأحاديث الموضوعة ، ورميهم لإتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء بالأمر باتباع السنة ، فإلى بقية الروايات الواهية .
والعجب رميهم للآيات وصحيح الآثار ، بقبيح الأعمال أعرابي أو منام أو وحي من شيطان ، وهو الغالب على من خذل ، فإن الإمام الزاهد الحنبلي عبدالقادر الجيلاني ظهر له الشيطان يحدثه من الغيب فيقول أنا ربك وقد أسقطت عنك التكاليف ، فقام العارف (حقاً) بالله ، فقال أخسأ فما أنت إلا الشيطان ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فالله لا يرى في الحياة الدنيا ، كما جاء في الآي والحديث ، فخرس الصوت .. هذه حقائق العارفين ، وكنز العالمين ، بمصدر تلقي هذا الدين ، لا الأغبياء الأشقياء الكذابين ، الأدعياء فعلى المدعي البينة ، ولا نرى بينة أبداً إلا تدينهم!!
أحبتي الأفاضل ..
هذا رابط للمقال السابق والذي بعنوان:
البروق السنية في كشف أباطيل حديث الأعرابي سنداً وتمناً وقمع أصحاب الاستغاثات الشركية
وكذلك علقنا على الآية التي يحرف معناها بعض أهل البدع ومحبي الاستغاثات الشركية بعنوان:
إتحاف أهل السنة والجماعة بالرد على من استدل على هذه الآية بجواز الاستغاثة
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/3.htm
وكانت الحلقة الثانية بهذا العنوان ويليها رابطها:
الشهاب السني في إثبات ضعف حديث العتبي : أو إتمام الكلام على حديث الأعرابي
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/4.htm
الروايات الأخرى(230/1)
وحيث أن القصة كذب في كذب ، ورويت بأسانيد منقطعة ، عن أشخاص عدة ، وبروايات متضاربة مختلفة ، فهذا يبطل الاستشهاد بمثلها ..
( وقد رويت هذه القصة، لا عن العتبي ، إنما رويت أيضاً عن محمد بن حرب الهلالي عن الأعرابي وتارة عن محمد بن حرب الهلالي عن أبي محمد الحسن الزعفراني عن الأعرابي.
والزعفراني هذا من أجلة أصحاب الشافعي وأعيانهم توفي سنة 249 رحمه الله ؛ فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي تقدمه كل هذا الزمن.؟؟!!
وإنك يا أخي لترى هذا الاضطراب البالغ فتارة يروون هذه القصة عن علي ، وتارة عن العتبي الذي كلفه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أن يلحق بالأعرابي ويبشره بالمغفرة ، وتارة أخرى يقولون أن محمد بن حرب الهلالي هو الذي رأى الأعرابي وهو الذي رأى الرسول في المنام وكلفه أن يبشره بالمغفرة ، وطوراً يقولون بل الحسن الزعفراني هو الذي رأى الأعرابي ورأى المنام .
ثم اضطرب في اسم محمد بن حرب الهلالي ، فتارة يقولون هو محمد بن حرب الهلالي ، وتارة يذكره الزبيدي في كتابه أحياء علوم الدين أنه محمد بن كعب الهلالي.
ثم إن الهلالي تأخر والله أعلم في الوفاة عن شيخه الزعفراني الذي توفي سنة 249 فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي يعزون زمن قصته إلى ثلاثة أيام خلت من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!!!!!!!! )أهـ
"التوصّل للرفاعي"
قال ابن عبدالهادي رحمه الله في الصارم المنكي:
( هذه الحكاية التي ذكرها السبكي ، بعضهم يرويها عن العتبي لبلا إسناد!!!
وبعضهم يرويها عن محمد حرب الهلالي عن الأعرابي.
وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن الحسن الزعفراني عن الأعرابي.
وقد ذكرها البيهقي في كتاب "شعب الإيمان" بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي [ويورويها بنحو ما تقدم بالرابط]
وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.(230/2)
وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به حجة على مطلوب المعترض ، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق) أهـ
قال محمد نسيب الرفاعي في بيانه الفريد "التوصّل إلى حقيقة التوسل" :
( قلتُ: ولا ندري من هو هذا الأعرابي الذي أقاموا الدنيا وأقعدوها بقصته إنهم لا يسمونه ولا في رواية من جميع رواياتهم فيكون الأعرابي أخيراً مجهولاً غير معروف )
هب أن الروايات صحيحة فهل هي حجة؟!
سؤال يفرض نفسه هل مثل هذه الحكايات حجة؟!هل يثبت بها حكم شرعي؟!
يقول عبدالله بن علي في "الصراع" بعد أن ذكر الخلاف في الراوي:
( .. ولكن لا يوجد شيء من ذلك إسناد ينظر إليه ، ولم تخرج كتب الحديث المحترمة ، ولم يصححها أو يحسنها أحد من أهل العلم والدراية.
وإنما يذكرها بصيغة التمريض ، فيقولون:يروى عن العتبي كذا.
ومثل هذا لا يقول أحد من أهل العلم:إنه يجوز للاحتجاج به.
فالحكاية باطلة من الأساس.
ولو فرض أنها صحيحة الإسناد لما دلت على شيء مما يذهبون إليه.
وذلك أن هذا فعل أعرابي من نكرات الأعراب ، والأعراب ليسوا حججاً في دين الله.
ولو أن العتبي نفسه الذي شهرت عنه الحكاية فعل ذلك لما كان فعله حجة ولا مقبولاً ، فكيف بفعل أعرابي يروي عن العتبي والعتبي ليس معروفاً بالحديث ولا بالدين. وقد ذكر الخطيب البغدادي في التاريخ وقال عنه: "كان صاحب أخبار ورواية للآداب ، وكان من أفصح الناس .." ولم يذكره بتزكية ولا بتوثيق ولا بحديث ، وإنما ذكره بالشعر وروايته.وقال بلغني أنه مات سنة 228."
ويقول محمد نسيب الرفاعي في كتابه القيم "التوصّل" :(230/3)
( وعلى فرض صحة الروايات ، وأنها قصة واقعة فأي احتجاج ينهض من عمل هذا الأعرابي المجهول؟ ومتى كان الأعراب يؤخذ عنهم العلم؟ اللهم إلا إذا كان الأعرابي صحابياً ، فعلى الرأس الأعرابي الصحابي نأخذ عنه ولو كان مجهول الاسم فهذا لا يضر الصحابي في شيء ، وأروني صحابياً واحداً ثبت أنه فعل فعلَ ذلك الأعرابي المزعوم ، ثم وعلى فرض أن الحادثة واقعية ، أي حجة للقوم على جواز ما يزعمون من التوسل بذوات المخلوقين ، إن عمل الأعرابي من أوله إلى آخره صحيحاً كان أو موضوعاً ليس فيه أي دليل على جواز التوسل بالمخلوقين وإن عمله لم يكن قط توسلاً بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وكل ما في الأمر أنه أتى متأولاً للآية {ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاؤوك ..ْ ظاناً أنه يمكن أن يستغفر له الرسول بعد وفاته ، وأن يشفع له ، في الوقت الذي لمّا يحن بعد زمن الشفاعة ، وما وقتها وزمنها إلا بعد يوم القيامة وبعد الإذن منه تعالى لمن يشاء ويرضى.
وحتى أن في بعض الروايات عن الأعرابي زيادة بيت على البيتين اللذين أنشدهما أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.ففي الرواية ينشد الأعرابي ثلاثة أبيات:
يا خير من دفنت في القاع أعظمهُ .. فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه … فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت النبي الذي ترجى شفاعته … عند الصراط إذا ما زلت القدم
وهكذا ترى يا أخي أن الأعرابي هذا يروون عنه أنه أنشد الأبيات الثلاثة وفي آخرها كما ترى:
أنت النبي الذي ترجى شفاعته … عند الصراط إذا ما زلت القدمفإن الأعرابي يقر بأن الشفاعة لا ترجى من الرسول إلا عند الصراط وذلك يوم القيامة فكيف يطلبها في الدنيا؟؟!!
هذا تناقض واضح!!! واضطراب في الروايات بالغ!!!
يدل كما قلنا على عدم صحة الرواية عن الأعرابي.
والحقيقة:(230/4)
إنه ليس هناك أعرابي ولا غيره ولا وقعت الحادثة أصلاً إنما هي موجودة في مخيلات من اخترعوها ووضعوها وكذبوا بها على الله وعلى رسوله وعلى الناس أجمعين .
فإن كانوا قد تابوا إلى الله مما فعلوا .. وإلا فندعو الله تعالى أن يعاملهم بما يستحقون من عدله جزاء ما اقترفوا من الأثام فضلوا وأضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً)
قريباً:
الوجوه العشرة في بطلان الاستدلال بآية {ولو أنهم إذ ظلموا ..} على شد الرحال للقبر
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة(230/5)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(231/1)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(232/1)
إيجابهم اتخاذ الشيخ
ومن أقوالهم :
وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم
فما نبتت أرض بغير فلاحة
ومن أقوالهم في ذلك: الدين إطاعة رجل.
ومن أقوالهم : قول قائلهم «الغوث»: لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله.
وستكون مناقشة هذه الشبهة بعرض أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم على القرآن والسنة قبل كل شيء:
1- يقول سبحانه في كتابه العزيز: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }.
واضح من الآية الكريمة كل الوضوح، ودون لَبْس أو إشكال أو غموض، أن من يردُّ ما يُتنازع فيه إلى غير الله ورسوله، فهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.
وردُّ الشيء إلى الله والرسول، يعني عرضه على الكتاب والسنة، فالقرآن كلام الله، والسنة كلام رسوله المُوحَى معناه من الله سبحانه.
والصوفية يردون كل شيء إلى شيوخهم، ويطلبون من الآخرين أن يردوه إليهم، ويكفي إيراد قولٍ واحدٍ لأحد أقطابهم:
«... وإن قال (قائل) للمريد: إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم، فعليه الرجوع إلى كلام شيخه... وإذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه، فلا يجوز لأحد تصديقه؛ لأنه في حال تهمة لارتداده عن طريق شيخه».
- السؤال: أيها المسلم المؤمن! ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
إن الآية الكريمة تضع الجواب الكريم: ]... فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[، التي يُستنبَط منها: إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر، فردوه إلى الشيخ أو إلى من تريدون.
2- ويقول سبحانه: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.(233/1)
فكل شرع في الدين، كائنًا ما كان، لم يأذن به الله فهو شرك.
والشيوخ في الصوفية يشرعون في دينهم كل ما لم يأذن به الله، ونكتفي بإيراد قول قطبهم المدَّرك:
من يذكر الله تعالى بلا شيخ، لا الله حصل ولا نبيه ولا شيخه.
فمن أين أتى بهذا التشريع؟ وما هو حكم من يأخذ بهذا التشريع الوثني؟
ونعود للسؤال؟ ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
والآية الكريمة تقرر الجواب: ]وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[.
3- يقول سبحانه في وصف أهل الكتاب: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
يورد ابن كثير: سَمِعَ عدي بن حاتم الطائي (وكان نصرانيًّا فأسلم) هذه الآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم.
وقد فعل الصوفية ذلك واتخذوا شيوخهم أربابًا من دون الله. ونكتفي بقولٍ لحجتهم الغزالي:
«... فالعلم بحدود هذه الأمور (أي المجاهدات والمقامات)... هو علم الآخرة، وهو فرض عَيْن في فتوى علماء الآخرة...».
وهو كلام واضح صريح، لا يُحتاج معه إلى غيره؛ لأنه كلام من يسمونه «حجة الإسلام»، مع أن غيره يملأ الكتب، على أنهم يُحلِّون ويُحرِّمون ويفرضون الفروض ويسنون السنن.
والسؤال: قل لنا أيها المسلم المؤمن، ما هو حكم الشريعة الإسلامية فيمن يقول مثل هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
وفي الآية الكريمة الجواب: { سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
4- ويقول سبحانه: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ..}.(233/2)
وقد اتخذ المتصوفة من شيوخهم أندادًا يحبونهم كحبِّ الله، بل أشد حبًّا، حتى كأن الآية أنزلت فيهم خاصة، وهذا قول مَرَّ معنا لأحد أقطابهم العظام:
«حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرهها من أجله، كما هو الشأن في محبة ربنا عز وجل».
وقول الآخر: الطريق ذكر الله ومحبة الشيخ.
والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
إن الآية الكريمة تعطينا الجواب الكريم: { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }.
5- قال ربعي بن عامر لكسرى: «بعث الله إلينا رسولاً ليخرجنا من عبادة الناس إلى عبادة ربّ الناس».
وجاءت الصوفية لتعكس الآية وتعيد الشرك إلى مساره، فتخرج الناس من عبادة رب الناس إلى عبادة المشايخ وعبادة قبور المشايخ!
والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على هؤلاء؟ بل ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يتوقف في الحكم عليهم؟
6- سيقول لك المتصوفة وشيوخهم وكثير من الغافلين والمغفلين: «معاذ الله، الصوفية لا يعدون الشيوخ، لا يعدون إلا الله..» وقد يقدِّمون بعض الأمثلة الموهمة والمتداولة بينهم.
فنجيب: لا، بل يعدون الشيوخ، وهذه أقوالهم وأقوال عارفيهم وأقطابهم الذين يتبركون بالركوع أمام قبورهم ولثم حجارتها والاستغاثة بما فيها من رِمَم، وأمثلهم طريقة ذلك الذي يعتقد أنهم يقربونه إلى الله زُلفى وحسن مآب، وهذه أفعالهم كلها شاهدة عليهم بوضوح كوضوح الشمس في رائعة نهار مشمس، على أنهم يؤلهون الشيوخ ويعدونهم. ولو جمعت أقوال عارفيهم في تأليه الشيوخ لملأت ألوف الصفحات.
وإنكارهم هذا، يُسمى في الشريعة الإسلامية وفي اللغة العربية وفي جميع ما تعارف عليه البشر من أخلاق «الفجور».(233/3)
- وسيقول بعضهم، متحرفًا لقتالٍ (وفي لغة العصر مناورة): هذا واقع كثير من المتصوفة، وهو من الدخن والانحراف الذي أصاب التصوف كما أصاب غيره من أمور الشريعة. والتصوف الحق بريء من ذلك.
فنقول: «شنشنة نعرفها من أخزم». إن واقع المتصوفة منذ أن وجدت الصوفية وفي كل الأمم، لا في المسلمين وحدهم، هو تأليه الشيخ وعبادته، وهي الطريق التي توصل المريد أو السالك إلى استشعار الألوهية، أما من يصل إلى الجذبة دون شيخ فيسمونه هم: «المراد»، ويعنون بها أن الله أراده فجذبه إليه. وهذا افتراء على الله الكذب؛ لأن القرآن ينفي على لسان المسيح صلوات الله عليه أن يعرف أحد ما يريده الله: {... إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }، ونقول لهم: هذه صورة من مراوغاتكم (للالتفاف حول الهدف)، أتقنتموها أنتم وأشياخكم تظهرونها وتخفونها حسب الظروف المحيطة، وهي من أساليب التقية الواجبة في عقيدتكم الصوفية كما قال الغزالي:
وإن كان قد صح الخلاف فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية
7- وقد يأتي من لا يستحي من أن يقول: إن كلام العارفين هذا له تأويل!!
فنقول له: لقد انتهينا من خرافة التأويل، وأحبولة التأويل، ومغالطة التأويل، وخدعة التأويل، { يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }؛ لأنهم إذ يقولون هذا له تأويل، فهم يخادعون ويكذبون ويدجِّلون ويمكرون لجر المسلمين إلى زندقاتهم.
8- يدَّعون حب الله، وما أكثر أقوالهم في ذلك وفي العشق الإلهي. ومن المقامات التي يدعيها بعضهم في السلوك إلى الجذبة ما يسمونه «المحبة والشوق» إلى الله.(233/4)
والله سبحانه وتعالى يقول آمرًا رسوله أن يعلمنا: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ }. فالله سبحانه يأمرنا إن كنا نحبه، أن نتبع رسوله، وهذا يعني أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدليل على حب الله، وعدم اتباعه دليل على عدم حب الله، وهؤلاء القوم يتبعون المشايخ الذين يأمرونهم بتأليه الرسول لا باتباعه. فهل هم بعد ذلك صادقون بادعائهم حب الله؟
الجواب: هو ما تقرره الآية الكريمة، بأنهم لا يحبون الله، وهذا هو واقعهم، فهم يحبون الجذبة واللذة التي يجدونها أثناء الجذبة والتي تستغرق كل خلية في كيانهم، وهي لذة تحشيشية جنسية يتوهمون أنها إلهية، ثم بعد أن يقعوا في الجذبة عددًا كافيًا من المرات، يُصابون بمرض الإدمان، مثل الإدمان الذي يصيب متعاطي الأفيون تمامًا، حتى إذا ما امتنعت عليهم الجذبة في بعض الأحيان لسببٍ ما، أصيبوا بنفس الأعراض التي تصيب مدمن الأفيون عندما ينقطع عنه، من وله قاتل وصداع وما يشبه الجنون. وهذا هو ما يسمونه «العشق الإلهي» الذي يظهر في بولهم.
النتيجة: الذين يتبعون المشايخ لا يحبون الله، إذ لو كانوا يحبونه لاتبعوا رسوله.
ويقول سبحانه: { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } ، هذا أمر من الله، يكفر من يخالفه.
وهؤلاء القوم يتبعون من دونه المشايخ، يأمرونهم بكل ما لم ينزل به الله سلطانًا فيأتمرون به! يأمرونهم بالركوع للشيخ فيركعون! يأمرونهم بالرابطة التي يسمونها «شريفة» فيطيعون! يأمرونهم بالرقص فيرقصون! يأمرونهم بأوهام كشوفهم في العقائد والعبادات فيأتمرون! فهل يكونون بعد ذلك من أهل القرآن؟!
إن أهل القرآن هم الذين يعملون بأوامره وينتهون عن نواهيه.(233/5)
9- يقول سبحانه: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا }. فهل يتبعها هؤلاء القوم؟ طبعًا لا؛ لأنهم عندما يتبعون مشايخهم فقد خرجوا من اتباع الشريعة. وقد مَرَّ معنا قول أقطابهم للخادم: «كُلْ ولك أجر صوم شهر، وكُلْ ولك أجر صوم سنة»، وموافقة عالمهم القطب القشيري على ذلك.
فهل هذا هو اتباع للشريعة الإسلامية؟ طبعًا لا!
10- رأينا قول أبي مدين المغربي في الشيخ:
ففي رضاه رضا الباري وطاعته *** يرضى عليك فكن من تركها حذرًا
وقول عبد القادر الجيلاني: إذا لم تفلح على يدي لا فلاح لك قط.
وقوله: والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخوله في زمرة الأحباب.
وغيرها، وغيرها من الأقوال التي تملأ ألوف الصفحات. فما هو حكم الإسلام في ذلك؟
يقول سبحانه: { فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }.
إن المتصوفة هم أول من تنطبق عليهم أحكام هذه الآية باتخاذهم أولياء من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى..
- والسؤال: لم إذن يقدسون الشيخ هذا التقديس؟ وما هي فائدته؟
- إن للخضوع الكامل للشيخ ولعبادته وتقديسه فائدتين عظيمتين:
أ - خرق العادة: فمن القواعد المقررة أن الشياطين لا تقدم خدماتها للساحر إلاَّ بعد أن يكفر: { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ }، والسحر هو الكهانة، وهي الصوفية؛ فكلما ازداد المريد غلوًّا في إشراكه الشيخ بالله، كلما ازدادت أمامه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها «كرامات»، ويعزونها إلى المدد المفاض عليهم من الشيخ!(233/6)
ب -التحقق أثناء الجذبة بالفناءات في الله: «الفناء في صفات الله وفي أسمائه وفي ذاته»، أو «التحقق بالألوهية»، وذلك أن المجذوب يرى في أحلام جذبته، صورًا هي خليط من انطباعات قديمة وحديثة مستقرة في أعماق لاشعوره، تختلط مع أماني وطموحات تسربت إلى أعماق نفسه من المحيط الذي يعيش فيه، وهذا هو نفس ما يراه متعاطي الحشيش والأفيون وعقار الهلوسة، ومن دون الشيخ تكون رؤى المجذوب مثل رؤى الحشاش، تدور حول الجنس واللهو واللذة أو الحقد والحسد، لكن الشيخ، بخبرته التي استقاها هو أيضًا من شيخه، يغرس في نفس المجذوب طموح العروج إلى السماوات والعرش والجلوس مع الله (جل الله)، ثم الفناء فيه بحيث يرى نفسه أنه جرء منه (سبحانه)، أو أنه هو هو بكامل أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى عما يصفون)، ويرى في أحلام جذبته أنه يتصرف بالكون، ويقول للشيء: كن، فيكون. ولا ينجح الشيخ بهذه المهمة إلا إذا كان المريد قد عجن عقله وعواطفه ونفسه كلها بحب الشيخ وتقديسه وطاعته، بحيث تغدو كلمة الشيخ جزءً من كيان المريد لدى التلفظ بها.
ويجب أن لا ننسى أن قوة شخصية الشيخ وجاذبيته تلعبان دورًا هامًّا في استقطاب قلوب مريديه وعواطفهم حوله وتساعدان على تهيئتهم لرؤى (تحشيشهم الروحاني) التي يسمونها «الكشف».
وفي هذا يقول الغزالي:
«... فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسُبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سُبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه، وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها... فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد.. أهـ.
ولذلك قالوا أيضًا: «من لا شيخ له فشيخه الشيطان»؛ لأن رؤاه تكون مثل رؤى الحشاشين تمامًا.(233/7)
- وأخيرًا، لنقرأ قوله سبحانه: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ }.
ولم يقل سبحانه: قد أفلح الذين يتمسكون بالشيخ، أو لا فلاح إلا باتباع شيخ، أو من لا شيخ له فشيخه الشيطان.. أو بقية الشركيات.
- وهنا يقف المسلم الصادق أمام أمرين لا ثالث لهما، إمّا أن يؤمن بالقرآن الكريم ويكفر بهؤلاء القوم وبعقيدتهم، وإمّا أن يؤمن بهم وبعقيدتهم ويكفر بالقرآن الكريم، وأي طريق آخر لا وجود له إلا بالمراوغة والدجل .
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 603 – 611 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(233/8)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(234/1)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(235/1)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(236/1)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(237/1)
الأدلة من الكتاب والسنة النبوية في كشف ضلال المكاشفية
أبو معاذ السوداني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فلا زلنا ولله الحمد والمنة مستمرين في هتك أستار بني صوف إما بالنقل من كتبهم المليئة بالشرك والبدع والتجرؤ على الله عز وجل والسخافات والهرطقات، وإما بالرد عليهم من كتاب الله الكريم أو من مشكاة النبوة , والأمر الثالث حكاية الواقع المعايش لمخالفتهم للشريعة وهذه القرية التي سوف ننقل عنها هذا الواقع هي نموذج لما يحصل في كثير من مناطق السودان المكلوم والمأزوم بتجنيات بني صوف و تضليلهم للبسطاء.
قرية الشكينيبة إحدى قرى غرب الجزيرة مدفون بها شيخ أسمه المكاشفي يزعمون أنه ولي صالح يعبد من دون الله ويذبح وينذرله ويدعوه في النائبات من دون رب الأرض والسموات..
ماحكم ذلك في الإسلام :
حكم ذلك أنه شرك وعمل مضاد لأصل الإسلام ودعوة الرسل..
يقول الله عز وجل
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء: 48] وفي موضع آخر: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء: 116]
وهذه حقيقة الشرك، وأنه دعاء غير الله سبحانه وتعالى، من أولياء، أو أنبياء، أو جن، أو ملائكة، أو أحجار، أو أصنام، أو شجر، أو غير ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، والذنب الأعظم الذي نهت عنه الرسل وأنزل الله فيه الكتب سبحانه وتعالى، وتوعد الله عز وجل عليه بعدم المغفرة، وبعدم دخول الجنة.(238/2)
وأما من السنة الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم ( يامعاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال: الله ورسوله أعلم . قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
الحديث ...)
وكذلك من مخالفات هؤ لاء المتصوفة الذين بنتمون زوراً وبهتاناً إلى عبدالقادر الجيلاني
بتسمية أنفسهم {قادرية} و بنائهم على قبر هذا الميت قبة ( يقال لها بالعامية بنية)
وهذه مخالفة صريحة لماجاء في صحيح مسلم:
2289 - ، ر عن جابر، قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجصص القبر وان يقعد عليه وان يبنى عليه,,
وكذلك قوله صلى الله عليو وسلم:
عن ابي، الهياج الاسدي قال قال لي علي بن ابي طالب الا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا قبرا مشرفا الا سويته .
وأما عن الاخطلاط و الفسوق والزنا فذلك يوم الحج الأكبر عندهم في شهر رجب حيث يوفد الى هذه المنطقة من أماكن كثيرة من السودان يأتون بأسرهم ويدعونهم بلا رقيب فيقع الفسوق والإختلاط والزنا ذلك لأن كثير من الفساق يأتون خصيصاً لهذا الغرض
{ وهل بعد الشرك ذنب}
دمر الله بنيان كل طاغوت يعبد من دون الله
واقمع اللهم معاقل الشرك والفساد,،
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(238/3)
الأعرابي الذي جاء إلى القبر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، أما بعد:
فقد كتب أحد الصوفية هذا الحديث مستدلاً به على الاستغاثات الباطلة ، والذي نصه الآتي: (روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي ثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، فرمى نفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله: قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجئتك لتستغفر لي فنودي من القبر: إنه غفر لك)
الكلام على سند هذا الحديث
يقول الشيخ محمد بشير السهسواني رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث في كتابه "صيانة الإنسان": هذا الخبر ضعيف جداً حتى قيل إنه موضوع. قال في "الصارم المنكي": فإن قيل أنه روى أبو الحسن علي بن إبراهيم ...... فنودي من القبر: إنه غفر لك.(239/1)
والجواب: أن هذا الخبر منكر موضوع ، وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ، ولا يحسن المصير إليه ، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض ، والهيثم جد أحمد بن محمد ابن الهيثم أظنه ابن عدي الطائي فإن يكنه فهو متروك كذاب ، وإلا فهو مجهول ، وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ، ثم انتقل إلى بغداد فسكنها ، قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة ، كان يكذب ، وقال العجلي وأبو داود: كذاب ، وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولابي والأزدي: متروك الحديث ، وقال السعدي:ساقط قد كشف قناعه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال البخاري: سكتوا عنه ، أي اتركوه. وقال ابن عدي: ما أقل ماله من المسند ، وإنما هو صاحب أخبار وأسمار ونسب وشعر.
وقال ابن حبان: كان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب ؛ إلا أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعات ، يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. وقال الحاكم أبو عبد الله: الهيثم بن عدي الطائي في علمه ومحله حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة. وقال العباس بن محمد:سمعت بعض أصحابنا يقول قالت جارية الهيثم:كان مولاي يقم الليل يصلي فإذ أصبح جلس يكذب.اهـ
قال الذهبي في ترجمة الهيثم بن عدي الطائي: أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي قال البخاري: ليس بثقة،كان يكذب، قال يعقوب بن محمد حدثنا أبو عبد الرحمن من أهل منبج وأُمهُ من سبي منبج، سكتوا عنه. وروى عباس عن يحيى:ليس بثقة، كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.
قلتُ: كان إخبارياً علامة ، روى عن هشام بن عروة وعبد الله بن عياش المشرف ومجالد. وقال ابن عدي: هو أوثق من الواقدي، ولا أرضاه في شيء. قال عباس الأودي: حدثنا بعض أصحابنا قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب. انتهى ملخصاً.(239/2)
وفي الميزان: الهيثم الطائي الآخر هو أيضاً كذاب، ولفظه هكذا: الهيثم بن عبد الغفار الطائي بصري مقل تالف.قال أحمد:عرضت على ابن مهدي أحاديث الهيثم بن عبد الغفار عن همام بن يحيى وغيره فقال:هذا يضع الحديث. وسألت الأقرع وكان صاحبنا حديث عن الهيثم فذكر نحوه.قال أحمد:وسمعت هشيماً يقول:ادعوا الله لأخينا عباد بن العوام سمعته يقول:كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال لهُ الهيثم بن عبد الغفار فحدثنا همام عن قتادة وأبيه وعن رجل يقال له ابن حبيب وعن جماعة،وكنا معجبين به،فحدثنا بشيء أنكرته أو ارتبت به ثم لقيته بعد فقال لي:ذلك الحديث دعه ، فقدمت على عبد الرحمن بن مهدي فعرضت عليه بعض حديثه فقال: هذا رجل كذاب،أو قال: غير ثقة. وقال أحمد: ولقيت الأقرع بمكة فذكرت له بعض هذا فقال:هذا حديث البري عن قتادة، يعني أحاديث همام، قال:فخرقت حديثه وتركناه بعد. اهـ ) .
الكلام على متن هذا الحديث
يقول الشيخ محمد نسيب الرفاعي رحمه الله في كتابه القيم (التوصل): "إن هذا الحديث ألغامه موجدة في متنه … فضلاً عن سنده ، وفيه من الطامات ما لا يشك فيه مسلم أنه موضوع مكذوب وذلك من وجوه:
1- نحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي دفن في بيت عائشة أم المؤمنين فإذا كان الأعرابي فعل ما فعل … على الشكل الذي يرويه الحديث فلابدَّ أنه دخل بيت عائشة .. وكيف يدخل عليها دونما استئذان … ؟ لأن الحديث خلا من ذكر الاستئذان،وهب أنه استأذن .. فكيف تمكنه عائشة رضي الله عنها،من أن يفعل ما يفعل من الارتماء على القبر،وحثو التراب منه على رأسه؟!(239/3)
2- ثم إن الحديث مروي عن علي رضي الله عنه .. وهو الذي يروي عن الأعرابي ما فعل على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد أن يكون عليٌّ قد رآه فلو أنه سمع فقط دون أن يراه .. فمعنى ذلك أنه سمع من شخص آخر رواية عنه،ولكن لم يذكر هذا الشخص الذي سمع منه ما فعل الأعرابي … فعدم ذكر الشخص الذي سمع منه يدل على أن علياً رأى ما فعل … لا سماعاً من غيره …إذاً ثبت أن علياً رأى ما فعله الأعرابي ما يفعل على القبر .. فكيف لم ينهه عن ذلك؟ لأن الرواية لا تشير أن علياً نهاه .. فعدم النهي عن فعل يفيد الإقرار،فكيف يسكت علي رضي الله عنه عن فعل الأعرابي ولا ينهاه .. وهو يعلم أنه عمِلَ عَمَلَ الجاهلية فهذا لا يعقل صدوره عن علي رضي الله عنه ألبته،لا سيما وإن أبا صادق الذي يروي الحديث عن علي لم يثبت سماعه عن علي رضي الله عنه.
3- ثم إن الحديث يروى عن الأعرابي أنه قال: يا رسول الله:قلت:فسمعنا قولك،ووعيت من الله ما وعينا عنك. فيعلم من هذا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يسمع من شخص لابد أنه رآه واجتمع به … ثم إن السماع مع الوعي عنه صلى الله عليه وسلم يفيد أنه سمع فوعى وهذه صفات شخص فاهم بصير مما يدل على أن الأعرابي صحابي فاهم بصير .. فصحابي هذه صفته وهذا شأنه … أيعقل أنه يرتمي على قبر الرسول ويحثو منه التراب على رأسه … وهو يعلم أن هذا من عمل الجاهلية،والذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.(239/4)
4- يقول الأعرابي: ووعيتَ من الله ما وعينا عنك،ولكن العكس هو الصحيح.فإن رسول الله لم يعِ من الله ما وعاه منه صحابته ، بل وعى منه صحابته ما وعى هو عن الله ، ولاشك أن الفارق ظاهر بين العبارتين … لأن عبارة الأعرابي أن الصحابة وعوا من رسول الله ما وعوه منه قبل أن يعي رسول الله ما وعاه عن ربه … وشتان بين قول الأعرابي الخاطئ وما بين القول الذي كان يجب أن يقوله ومثل هذا القول لا يقوله أعرابي فصيح ، فضلاً عن أعرابي من أهل البادية بصرف النظر عن كونه صحابياً أيضاً … يعرف جيداً أنه ما وعاه رسول الله عن ربه كان قبل أن يتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقول الأعرابي يدل على أن القرآن تلقاه الصحابة عن رسول الله قبل أن يتلقاه رسول الله عن ربه.!!!
وهذا لا يقوله مسلم ما فضلاً عن صحابي فاهم بصير.
ولعله من الدسائس التي يراد منها:أن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله.
5- ثم قال الأعرابي ـ فيما يرويه هذا الحديث ـ… وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجئتك لتستغفر لي … إن هذه الآية الكريمة تتعلق فيمن يأتيه عليه الصلاة والسلام حال حياته ، لا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. نعم حال حياته ليحصل للمستغفر المغفرة من الله تعالى باستجابة استغفار رسول الله له … أما المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم والسؤال أن يستغفر للسائل ، فهذا محال … لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد انقطع عمله بوفاته ، فلم يعد يتحرك أبداً فضلاً عن أن يحرك لسانه بالاستغفار أو غيره فهو على ضجعته من يوم أن دفن إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة.(239/5)
أما أن يسمع أو يتكلم أو يصدر عنه أي عمل .. فلا. وقد انقطع عمله نهائياً كما قال هو عليه الصلوات وأزكى التسليمات: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث:صدقة جارية .. وعلم ينتفع به ، وولد صالح)) ولاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمله هذا الحديث. لأنه من بني آدم ، وقد قضى الله عليه بالموت والتحقيق بالرفيق الأعلى.
أما الحياة البرزخية فهي حياة لا يعلمها إلا الله تعالى ، وليس لها أية علاقة في الحياة الدنيا وليس لها بها أي صلة … فهي حياة مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ماهيتها.
وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعياً وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتاً ولا صفات والله سبحانه يقول: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} والبرزخ معناه:الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء … لاسيما وأن الله تعالى يقول: {أنك لا تسمع الموتى} ويقول عز وجل: {وما أنت بمسمع من في القبور} والرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن توفاه الله هو من الموتى ، ومن أهل القبور فثبت أنه لا يسمع دعاء أحد من أهل الدنيا ، وإن كان هو والأنبياء لا يبلون لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كم جاء في الصحيح ولكنهم أجساد بلا أرواح وهم أموات بلا شك.فإن الموت شيء وعدم البلى شيء آخر ، فمن كان ميتاً … لا يمكن أن يسمع هو همزة الوصل لحصول الجواب … وإذا لم يسمع طلب الاستغفار فكيف يستغفر..؟ ثم إذا فهم هذا .. فأي معنى يبقى من طلب الاستغفار؟! الجواب: لا معنى لطلب الاستغفار أبداً.
وما يضير هذا المستغفر إذا توجه إلى الله وتاب من ذنوبه ، وطلب من الله المغفرة…؟ أو اختار أحد الصالحين الأحياء وكلفه أن يدعو له فلا مانع من ذلك كما طلب عمر من العباس رضي الله عنهما أن يستسقي للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يطلب عمر رضي الله عنه من رسول الله بعد وفاته أن يستسقي للمسلمين.(239/6)
ولو كان هذا جائزاً لفعله عمر رضي الله عنه ولكن لم يفعل ذلك … لأنه يعلم أن رسول الله التحقيق بالرفيق الأعلى ولم يعد يستطيع الدعاء وما أشبه ذلك.
ثم ما قولك يا أخي المسلم الكريم أن هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقاً ولا علاقة البتة … إنما الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يصدون الناس عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتحاكمون إلى الطاغوت … فهؤلاء إذا جاءوا ومصانعةً ، لا اعتقاداً منا بصحة احتكامنا إلى الطاغوت … فهؤلاء إذا جاءوا النبي واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسه ، وسألوه أن يعقب على استغفارهم لأنفسهم … بأن يستغفر الرسول لهم عندها يجدون الله تواباً رحيماً … ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا ، ولم يستغفر لهم الرسول فما علاقة هذا .. بواقع الأعرابي الذي جاء رسول الله بعد وفاته وطلب منه وهو ميت أن يستغفر لهم ..؟!!
نعم لا علاقة بين الموضوعين ؛ بل ولا قياس بين الواقعين لاختلافهما وتفارقهما.
على أن واضعي هذا الحديث .. ما كان قصدهم إلا التغرير والإفساد والتضليل فلا يهمهم التوافق بين الواقعين ، حتى يستقيم القياس بينهما … إنما المهم عندهم تشكيك المسلمين بأي ثمن كان ؛ ولكن ردَّ الله كيدهم في نحورهم وأخسرهم وقد بحثنا هذا الموضوع قبل صفحات فليرجع إليه من يشاء[في كتاب الشيخ قبل ص265].
6- قوله في الحديث … (فنودي من القبر: إنه غفر لك …؟؟!!)(239/7)
إن من وطّن نفسه على الكذب … لا يهمه إن كذب على الله وعلى رسوله وعلى الناس فالكل عنده على حدّ سواء!! لا سيما إذا كان مراده التضليل والتشكيك .. فيستحل كل حرام ، في سبيل الوصول إلى ما يبتغي ويريد! وليس للقيم عنده أقل اعتبار .. ما دام أنه يسعى لتحقيق ما خطّطه هو أو ما خُطط له!! وعند هؤلاء قاعدة يعتمدون عليها ، في كل ما يعملون .. ألا وهي (الغاية تبرر الوسيلة) فكل وسيلة مهما كانت ، فهي في نظرهم مشروعة!!! إذا كانت تحقق لهم أغراضهم وتوصلهم إلى أهدافهم ومراميهم.
فالزنادقة الذين امتلأت قلوبهم بصديد الحقد على الإسلام ، والحنق على المسلمين ما كان باستطاعتهم صدهم عن دينهم بالقوة .. إذا لم يكن ذلك متيسراً لهم .. فلجأوا إلى الدس ، والتغالي ، وبث الأباطيل والترهات .. بوضع الأحاديث والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إيهاماً للمسلمين وتضليلاً وتشكيكاً بدينهم الحق.
ولعل هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث الموضوعة المصنوعة .. ففي متنه فضلاً عن سنده من الطامات ، كشفنا ما قدرنا الله على كشفه آنفاً على أن هذه الفقرة الأخيرة منه أخطر ما جاء فيه وهي: فنودي من القبر:إنه غفر لك!!! أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه من قبره إنه غفر لك .. وذلك تحريضاً لكل من يقرأ هذا الحديث الموضوع من أهل الغفلة أن يصدقه ويفعل ما فعله الأعرابي لينال البشرى بمغفرة الذنب كما نالها الأعرابي.
فتفشى بين أغرار المسلمين هذه الأكاذيب وعلى توالي الأيام يحتج به كحقائق لا ينازع فيها .. وهذا ما حصل بالفعل .. فقد جاء بهذا الحديث وأمثاله .. لا أغرار المسلمين فحسب ؛ بل وعقلاؤهم وخاصة أهل العلم فيهم مع الأسف الشديد ، اللهم إلا من رحم ربك الذين يجددون للناس أمر دينهم ، ويعصمهم الله من الزلل ، فينصر بهم دينهم ، ويحفظ بهم ما أنزل من البينات فيردون الأباطيل ويكشفون الخفايا والأعصبة عن الأبصار والبصائر ، ولا يخلو أي عصر منهم والحمد لله.(239/8)
على أن هذه الأمور غير خافية المقاصد ؛ بل هي ظاهرة بينه ، ولا تنطلي إلا على الذين سلموا قيادهم للباطل ، وأننا نرد عليهم بما يلي:
1 - إن الله تعالى أخبرنا أن {كل نفس ذائقة الموت} وقد قال عز وجل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وقال عز من قائل: {إنك ميت وإنهم ميتون} كل هذا يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات كما مات من قبله ومن بعده والذي ينقطع عن الناس بسبب الموت ، ينقطع عمله لأنه بشر مثلهم فلا يتكلم ولا يسمع وليس له من بعد وفاته فداه أبي وأمي ونفسي أي اتصال بالدنيا ولو كان ذلك ممكناً ؛ ولكن لم يتصلوا به لعلمهم الأكيد أنه لا يمكن الاتصال به إلى يوم القيامة ، فكيف بنادي الأعرابيّ من قبره وهو ميت منقطع العمل والحواس إلى يوم يبعثون؟
2- لقد قرر القرآن أن الأموات لا يسمعون ولا يتكلمون وإنهم في عالم آخر ليس له علاقة بعالمنا هذا: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} .
3- فما دام رسول الله لا يسمع ولا يتكلم ولا يجيب فكيف يجيب الأعرابي من القبر والقبر والبرزخ من عالم الغيب الذي يجب أن نؤمن به دون أن نراه فإن سمع منه صوت أو كلام أو بشارة صار عالم شهادة ، وهذا لن يكون ، وسيظل من عالم الغيب إلى يوم القيامة فإذا انتفى هذا ، انتفت البشارة بالمغفرة فلو كان في المنام لكان فيه نظر .. فكيف باليقظة؟!!
فإنه من أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم ((من كذب عليَّ يلج النار)) ولكن أين الخوف من الله تعالى حتى لا يكذب عليه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم،اللهم نعوذ بك من الخذلان وسوء المنقلب.(239/9)
وهكذا .. فقد اتضح لك يا أخي المسلم ، ما في متن هذا الحديث من الطامات والأباطيل والترهات ، والكذب والافتراء ، مما يدلك دلالة واضحة ، على أن هذا الحديث موضوع ، ومصنوع ، هذا من جهة المتن!! فكيف إذا ثبت لك أيضاً أن سنده موضوع ، فلا شك أنك ستزداد يقيناً بعدم صلاحه للاحتجاج به) .
ولعله من المناسب أن نبين تفسير الأعلام للآية الواردة {ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}
لو تتبعنا الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها ؛ لوجدناها تخاطب المنافقين ، وهذه الآية نزلت في قوم نافقوا بصدهم عن حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتحاكمهم إلى الطاغوت ؛ فبين الله تعالى أنهم لو اعترفوا بذنوبهم ، وتابوا منه بمجيئهم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستغفروا الله تعالى من هذا الذنب ، ثم استغفر لهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم شافعا فيهم لتقبل توبتهم ؛ لكان الجزاء المذكور.
وكل هذا كان في حياة النبي صلى الله وعلى آله وسلم ولم يرد في كتب التفسير ولا غيرها من كتب أهل العلم ، عن أئمة السلف الصالح من أهل التفسير والحديث والفقه أن ذلك حدث بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما استدلال المخالفين لأهل السنة ؛ بأن الآية تدل على المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وطلب الاستغفار والشفاعة منه في مغفرة الذنوب .. ونحوه ؛ فهو استدلال باطل وقول فاسد يدل على سقم في الفهم ، وبعد عن حقيقة التوحيد .
والصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا هذا الفهم الخاطئ من هذه الآية ، ولذا لم ينقل عنهم المجيء إلى قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم لطلب الاستغفار منه ، وقد وقع منهم ظلم لأنفسهم بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطعا ؛ فدل هذا على أن فهم المخالفين لأهل السنة فهم فاسد مردود.(239/10)
قال الإمام الطبري رحمه الله عن تفسير هذه الآية :(يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين ، الذين إذا دُعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدَّوا صدوداً ، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياهم العظيم من الإثم باحتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسُنَّة رسوله ، إذا دعوا إليها جاؤوك يا محمَّد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك ، جاؤوك تائبين منيبين ؛ فأسالوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم ، وسأل لهم الله رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل ذلك ، وذلك هو معنى قوله: {فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} ). انظر تفسير الطبري "4/157"
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة:
( {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} هذا الظلم العظيم غاية العظم ؛ إذْ عرضوها لعذابٍ ، على عذاب ترك النفاق ، بترك طاعتك والتحاكم إلى الطاغوت {جاؤوك} تائبين من النفاق متنصلين عمَّا ارتكبوا {فاستغفروا الله} من ذلك وتابوا إليه تعالى من صنيعهم {واستغفر لهم الرسول} أي ؛ دعا لهم بالمغفرة ، فكان استغفاره شفاعةً لقبول استغفارهم { لوجدوا الله تواباً} أي ؛ قابلاً لتوبتهم {رحيماً} أي ؛ متفضلاً عليهم بالرحمة وراء قبول التوبة) .
"انظر تفسير القاسمي محاسن التأويل 5/272"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن الذين يستدلون بهذه الآية:
(ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته ، كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصَّحابة ؛ ويخالفون بذلك إجماع الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين ، فإنَّ أحداً منهم لم يطلب من النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم …
ثم قال بعد سرد بعض أنواع البدع في سؤال غير الله تعالى:(239/11)
( فهذا مَّما علم بالاضطرار من دين الإسلام ، وبالنقل المتواتر ، وإجماع المسلمين ؛ أنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يشرع هذا لأمته ، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك ، ولا فعل هذا أحدٌ من أصحاب نبيهم ، والتابعين لهم بإحسان ، ولا استحب ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين ، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ، ولا ذكر أحدٌ من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها ؛ أنَّه يستحب لأحدٍ أن يسأل النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند قبره أن يشفع له ، أو يدعوا لأمته ، أو يشكوا إليه ما نزل بأُمته من مصائب الدُّنيا والدِّين) .
"أنظر قاعدة في التوسل والوسيلة 24-28"
وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العُثيمين عن عدم دلالة هذه الآية للسؤال عن قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك لأنَّ الله تعالى يقول:
( {ولو أنهم إذ ظلموا} و {إذ} هذه ظرف لما مضى ، وليست ظرفاً للمستقبل ، لم يقل الله: "ولو أنهم إذا ظلموا" بل قال: {إذ ظلموا} فالآية تتحدث عن أمرٍ وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم …. والآية نزلت في قوم تحاكموا ، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله ؛ كما يدلُّ على ذلك سياقها السابق واللاحق) .
"انظر مجموع فتاوى ورسائل 2/343-345"
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(239/12)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(240/1)
الاستفتاح بصعاليك المهاجرين
يستدل الصوفية على جواز التوسل بالذوات بحديث رواه أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: كان رسول الله يستفتح بصعاليك المهاجرين.
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1ـ292) والضياء في المختارة (4ـ337) ومداره على أبي إسحاق السبيعي ، وهو مشهور بالتدليس ، ولم يصرح بالسماع ممن فوقه في أي من طرق الحديث.
كذلك فإن أبا إسحاق السبيعي قد اختلط بآخرة ، وفي هذا الحديث مرة يرويه عن أمية بن خالد ، ومرة عن المهلب بن أبي صفرة عن أمية بن خالد ، ومرة عن أمية بن عبد الله بن خالد.
كذلك فإن "أمية بن خالد" لم تثبت صحبته ، فالحديث لو سلم من تدليس واختلاط أبي إسحاق فهو مرسل ، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف.
قال ابن عبد البر "رحمه الله" في كتابه "الاستيعاب" (1ـ38) في ترجمة أمية بن خالد: لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني "رحمه الله" في كتابه "الإصابة" (1ـ133): ليست له صحبة ولا رواية.
ولو صح الحديث فإن معناه مخالف لما يقول به الصوفية ، قال القرطبي "رحمه الله": وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين. أي: يستنصر بدعائهم وصلاتهم. تفسير القرطبي (2ـ26) وقال المباركفوري: قال المُناوي في شرح الجامع الصغير قوله: يستنصر بصعاليك المسلمين. أي: يطلب النصر بدعاء فقرائهم تيمناً بهم ، .... قال القاري: أي بفقرائهم وببركة دعائهم. تحفة الأحوذي (5ـ291)
وروى النسائي (2ـ15) مرفوعاً: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم" وأصله فظهر أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين، لا بذواتهم وجاههم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(241/1)
التقاء النَّبيّ بإلياس عليهما الصلاة والسلام
الحمد لله الذي إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. والصلاة والسلام على المخصوص بالسيادة والشرف المصون. والمنزل عليه وحياً في الكتاب المكنون. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}. وعلى آله وصحبه المصدقين له والمؤمنين به وبالآخرة هم يوقنون. {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وبعد:
فقد يلهج كثير من الخطباء والوعاظ ، بذكر هذه القصص الواهية ، التي اختلقها الوضَّاعون من القصاص ، وجهلة الزهَّاد والعبَّاد ، سيما قصص الأنبياء من بنى إسرائيل. ولا يغيبن عنك أن تاريخ أنبياء بني إسرائيل مفعم بالأمور العجائب ، والأقاصيص الغرائب ، مما جعله مرتعاً خصباً لاختلاق الأحاديث وتلفيقها ، ونسبة هذا الغثاء إلى الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.
يقول محقق (موضوعات ابن الجوزي) (1/10): ((لم تكن حركة وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حركة ارتجالية عفوية في كل الأحيان ، إنما تطورت إلى حركة مدروسة هادفة ، وخطة شاملة ، لها خطرها وآثارها. كان من نتائجها المباشرة على العديد من أجيال المسلمين في العديد من أقطارهم ، شيوع ما لا يحصى من الآراء الغريبة ، والقواعد الفقهية الشاذة ، والعقائد الزائفة ، والافتراضات النظرية المضحكة ، التي أيدتها ، وتعاملت بها ، وروجت لها ، فرق وطوائف معينة ، لبست مسوح الدروشة والتصوف حينا ، والفلسفة حينا ، والعباد والزهاد أحيانا. وجافت في غالب أحوالها السلوك السوي ، والفكر والعقل السليم ، فضلا عن مجافاتها الصارخة لكتاب الله العظيم ، وهدي نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام)) اهـ(242/1)
ومما أوردوا من الواهيات الموضوعات: قصة التقاء النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإلياس عليه الصلاة والسلام ، وذكروا حديثين:
[ الأول ] حديث أنس بن مالك
قال ابن أبى الدنيا في كتابه (الهواتف) صفحة (102): حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنِ يَزِيدَ الموصلي التيمي مولى لهم حدثنا أبو إسحاق الجُرَشِيّ عن الأوزاعي عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: ((غزونا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حتَّى إذا كنا بفج الناقة عند الحجر ، إذا نحن بصوتٍ يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة لها ، المتاب عليها ، المستجاب لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: يا أنس انظر ما هذا الصوت ؟! ، فدخلت الجبل ، فإذا أنا برجلٍ أبيض الرأس واللحية ، عليه ثيابٌ بيضٌ ، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فلما نظر إلىَّ قال: أنت رَسُولُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، قلت: نعم ، قال: ارجع إليه فأقرئه منى السلام ، وقل له: هذا أخوك إلياس يريد يلقاك ، فجاء النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا معه ، حتى إذا كنا قريبا منه ، تقدَّم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأخرت ، فتحدثا طويلا ، فنزل عليهما من السماء شِبْهُ السُّفْرَةَ ، فدعواني ، فأكلت معهما ، فإذا فيه كمأة ورمان وكرفس ، فلما أكلت ، قمت فتنحيت، وجاءت سحابة ، فاحتملته ، أنظر إلى بياض ثيابه فيها ، تهوى به قِبَلَ الشام ، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي ، هذا الطعام الذي أكلنا من السماء نزل عليك ؟ فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سألته عنه ، فقال: أتاني به جبريل في كل أربعين يوماً أكلة ، وفى كل حولٍ شربة من ماء زمزم ، وربما رأيته على الجب يمد بالدلو ، فيشرب ، وربما سقاني)).(242/2)
وأخرجه كذلك ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) (1/200) من طريق ابن أبى الدنيا بسنده ومتنه سواء.
وأخرجه أبو الشيخ بن حيَّان ((العظمة)) (5/1530) قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود ثنا أحمد بن هاشم ثنا يزيد أبو خالد البلوي ثنا أبو إسحاق الجُرَشِيّ به نحوه.
وتابعهما عن يزيد بن يزيد: أحمد بن عبد الله البرقي ، إلا أنه خالفهما على سنده ، فقال (أبو إسحاق الفزاري) ، وأتى بمعانٍ مغايرة في وقت فطره ، ووصف المائدة ، ولم يذكر شربه من زمزم مرة كل عامٍ.
وقد أخرجه الحاكم (2/674) قال: حدثني أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ببخارا أنا عبد الله بن محمود نا عبدان بن سيَّار حدثني أحمد بن عبد الله البرقي ثنا يزيد بن يزيد البلوي ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن مكحول عن أنس بن مالك قال: ((كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر ، فنزلنا منزلا ، فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة المتاب عليها ، قال: فأشرفت على الوادي ، فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فقال لي: من أنت ؟ ، قلت: أنا أنس بن مالك خادم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال: فأين هو ؟ ، قلت: هو ذا يسمع كلامك ، قال: فائته فأقرئه السلام ، وقل له: أخوك إلياس يقرئك السلام ، قال: فأتيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأخبرته ، فجاء حتى لقيه ، فعانقه وسلَّم، ثم قعدا يتحدثان ، فقال له: يا رسول الله إني ما آكل في السنة إلا يوما ، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت ، قال: فنزلت عليهما مائدة من السماء ، عليها خبز وحوت وكرفس ، فأكلا، وأطعماني ، وصلينا العصر ، ثم ودَّعه ، فرأيته مرَّ في السحاب نحو السماء)).
وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد ولم يخرجاه)).
وتعقبه الحافظ الذهبي بقوله: ((هذا موضوع ، قبَّح الله من وضعه. وهذا مما افتراه يزيد البلوي)).(242/3)
وأخرجه البيهقي ((دلائل النبوة)) (5/422:421) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بسنده ومتنه سواء.
وقال البيهقي: ((إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة)).
وأخرجه ابن عساكر ((تاريخ دمشق)) (9/212) من طريق البيهقي به مثله.
وقال ابن الجوزي: ((هذا حديث موضوع لا أصل له. ويزيد الموصلي ، وأبو إسحاق الجُرَشِيّ لا يعرفان. وقد روى أبو بكر النقاش أن محمد بن إسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء ؟ ، فقال: كيف يكون هذا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد)).
قلت: وهو كما قال الحافظان ابن الجوزي والذهبي ، وقد افتضح واضع هذا الحديث بالجهل والسذاجة. فأمارات الوضع لائحة عليه ، لا تخفى على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة ، ومن الدلائل على وضعه:
[ أولاً ] قوله ((طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع)) ، فهذا من أسمج الكلام وأبعده عن حقيقة خلق بنى آدم ، بله وخلق أبيهم آدم عليه السلام ، فإنه لم يزد على ستين ذراعاً. ففي ((كتاب الأنبياء)) من ((صحيح البخاري))(3079) قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَلَقَ اللهُ آدَمَ ، وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ: تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ)).
فهذا بيِّن أن طول إلياس عليه السلام دون الستين ذراعاً ((فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ)).(242/4)
[ ثانياً ] أنه لو كان إلياس عليه السلام حيَّاً زمن بعثة النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ ما وسعه أن يجوب الفلوات ، ويسكن الكهوف والمغارات ، ويأوي مجاهل الشام ، ولا يأتي بين يدي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليؤمن به ويؤازره وينصره ، ويندرج في جملة أصحابه وأتباعه ، تصديقاً لقول الله تعالى ((وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)).
وقد قال الإمام أحمد (3/387): حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ ، أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ ، فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ: ((أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ، لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ ، فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا ، مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي)).(242/5)
ولو كان باقياً بعد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كما يدعيه غلاة الصوفية ، لكان تبليغه للبراهين القرآنية ، والأخبار المصطفوية ، وقتاله مع المسلمين في الغزوات ، وشهوده للجمع والجماعات ، ومؤازرته للعلماء والحكام ، وبيانه لأصول وفروع الأحكام ، وإحياءه للسنة النبوية، وإماتته للمذاهب البدعية ، أزكى وأنفع وأفضل له ولأمة محمَّدٍ من كمونه بالمغارات ، وجوبه الصحارى والفلوات !!. وهذا من أوضح الأدلة وأنصعها على كذب من ادَّعى حياته ، والتقاءه بسيد المرسلين ، واجتماعه بالخضر كل عام في الحج ، فيحلق كل واحدٍ منهما رأس صاحبه ، ويشربان من زمزم شربةً تكفيهما إلى العام المقبل.
[ ثالثاً ] هذا الاضطراب في وقت أكله وإفطاره ، ففي رواية الجوهري ((في كل أربعين يوما أكلة)) ، وفى رواية البرقي ((ما آكل في السنة إلا يوماً)) !! ، وقد ذكروا عن وهب بن منبه: أنه لما دعا إلياس ربَّه أن يقبضه إليه ، جعل له ريشاً ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، وصار ملكياً بشرياً ، سماوياً أرضياً. وهذا من تناقض من يثبت وجودَه وحياتَه وبقائَه ، فهذه أوصاف متعارضة متضاربة ، ينقض بعضها بعضاً ، ولا يصح منها شيء البتة !.
[ رابعاً ] قوله عن جبريل عليه السلام ((وربما رأيته على الجبِّ يمدّ بالدلو ، فيشربُ ، وربما سقاني)) ، من الكذب المحال ، أيصدق مؤمن عاقل أن سيد الملائكة وأعظمهم ، الموكِّل بالوحي إلى رسل الله ، يقوم على بئر زمزم ، لينزع دلواً ، فيشرب منها ؟!. أما علم هذا الوضَّاع المتهوِّك أن الملائكة لا يأكلون ولا بشربون ، غذاؤهم التسبيح والتقديس والتهليل ، ولا يفترون عن ذكر الله طرفة عين ، يلهمون الذكر كما يلهم أحدنا النفسَ والطرفَ.(242/6)
[ خامساً ] إن قول الله تعالى لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)) ، مما دلَّ على أن إلياس عليه السلام ليس بحيٍّ إلى الآن ، ولا إلى زمن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لأنه من جملة البشر ، يدركه الموت كما أدركهم ، فليس لواحدٍ من البشر خلوداً في الدنيا ، ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)). ولله در الإمام الشافعي ، فقد كان يكثرُ يتمثلُ بهذين البيتين لطرفة بن العبد:
تمنى رجالٌ أن أموتَ وإن أمتْ فتلكَ سبيلٌ لستُ فيها بأوحَدِ
فقلْ للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلِها بالحقِّ قَدِ
ــــــــ..... ـــــــــــ
[ الثاني ] حديث واثلة بن الأسقع ، وسياقه أطول ، وكله غرائب وعجائب ومنكرات(242/7)
قال ابن عساكر ((التاريخ)) (9/213): أنبأناه أبو الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي الشهروزي أنا عمي أبو البركات عبد الملك بن أحمد بن علي الشهرزوي سنة سبع وستين وأربعمائة أنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ حدثني أبي حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن منير الحراني بمصر ثنا أبو الطاهر خير بن عرفة الأنصاري ثنا هانيء بن المتوكل ثنا بقية عن الأوزاعي عن مكحول سمعت واثلة بن الأسقع قال: ((غزونا مع رسول الله غزوة تبوك ، حتى إذا كنا في بلاد جذام في أرض لهم يقال لها الحوزة ، وقد كان أصابنا عطش شديد ، فإذا بين أيدينا آثار غيث ، فسرنا مليا ، فإذا بغدير ، وإذا فيه جيفتان ، وإذا السباع قد وردت الماء ، فأكلت من الجيفتين ، وشربت من الماء ، قال: فقلت: يا رسول الله هذه جيفتان ، وآثار السباع قد أكلت منها ، فقال النبي: نعم هما طهوران ، اجتمعا من السماء والأرض ، لا ينجسهما شيء ، وللسباع ما شربت في بطنها ، ولنا ما بقي ، حتى إذا ذهب ثلث الليل ، إذا نحن بمنادي ينادي بصوت حزين: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفور لها ، المستجاب لها ، المبارك عليها فقال رسول الله: يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب ، فانظرا ما هذا الصوت ، قال: فدخلنا ، فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضاً من الثلج ، وإذا وجهه ولحيته كذلك ، ما أدري أيهما أشد ضوءا: ثيابه أو وجهه ؟ ، فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة ، قال: فسلمنا عليه ، فرد علينا السلام ، ثم قال: مرحبا أنتما رسولا رسول الله ، قالا: فقلنا: نعم ، قالا: فقلنا: من أنت رحمك الله ؟ ، قال: أنا إلياس النبي ، خرجت أريد مكة ، فرأيت عسكركم ، فقال لي جند من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل: هذا أخوك رسول الله ، فسلم عليه وألقه ، ارجعا فاقرئاه السلام ، وقولا له: لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ، ويفزع المسلمون من طولي ، فإن(242/8)
خلقي ليس كخلقكم ، قولا له: يأتيني ، قال حذيفة وأنس: فصافحناه ، فقال لأنس خادم رسول الله: من هذا ؟ ، قال: حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله ، قال: فرحب به ، ثم قال: والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض ، يسميه أهل السماء صاحب رسول الله ، قال حذيفة: هل تلقى الملائكة ؟ ، قال: ما من يوم إلا وأنا ألقاهم ، ويسلمون عليَّ ، وأسلم عليهم ، قالا: فأتينا النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فخرج النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا ، حتى أتينا الشعب ، وهو يتلألأ وجهه نوراً ، وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس ، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلكما ، فتقدمنا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر خمسين ذراعا ، وعانقه ملياً ، ثم قعدا ، قالا: فرأينا شيئا كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل ، قد أحدقت به ، وهي بيض ، وقد نثرت أجنحتها ، فحالت بيننا وبينهما ، ثم صرخ بنا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: يا حذيفة ويا أنس تقدما ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء ، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث ، قال النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا بسم الله ، قال: فقلنا: يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا ؟ ، قال: لا ، هذا رزقي ، ولي في كل أربعين يوما وأربعين ليلة أكلة ، تأتيني بها الملائكة ، وهذا تمام الأربعين يوما والليالي ، وهو شيء يقول الله عز وجل له كن فيكون ، قال: فقلنا: من أين وجهك ؟ ، قال: وجهي من خلف رومية ، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمة من الكفار ، قال فقلنا: فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه ؟ ، قال: أربعة أشهر ، وفارقته أنا منذ عشرة أيام ، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة ، وهي ريي(242/9)
وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل ، قال: فقلنا: فأي المواطن أكبر معارك ؟ ، قال: الشام وبيت المقدس والمغرب واليمن ، وليس في مسجد من مساجد محمَّد إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً ، قال: الخضر متى عهدك به ؟ ، قال: منذ سنة ، كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم ، وقد كان قال: إنك ستلقى محمَّداً قبلي ، فاقرئه مني السلام ، وعانقه ، وبكى قال: ثم صافحناه وعانقناه ، وبكى وبكينا ، فنظرنا إليه حتى هوى في السماء ، كأنه يحمل حملاً ، فقلنا: يا رسول الله لقد رأينا عجباً إذ هوى إلى السماء ، فقال: إنه يكون بين جناحي ملك حتى ينتهي به حيث أراد)).
وقال أبو القاسم: ((هذا حديث منكر ، وإسناده ليس بالقوي)).
قلت: بل هو أشد سماجةً وبرودةً من سابقه ، فعلامات الكذب لائحة على كل فقرة من فقراته. ولستُ بحانثٍ لو أقسمتُ أنه: لم يروه واثلة ، ولا مكحول ، ولا الأوزاعى. وإنما هو أفك تولى كبره دجَّال من هؤلاء الدجاجلة. والمتهم به بهذا السند: بقية بن الوليد الشامى ، فقد سمعه من أحد الكذَّابين ، ثم دلَّسه عن الأوزاعى. وقد قال أبو مسهر الدمشقى: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها علي تقية. وفى سياق هذه القصة المكذوبة ما ينبئك بشناعة الكذب على أنبياء الله ورسله:
[ أولاً ] أفلو كان نبي الله إلياس حياً زمن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أكان يتخلف عن المثول بين يديه إلى أن يلتقي به في غزوة تبوك من العام التاسع ، بعيداً عن مهبط الوحي ومتنزل الملائكة !.
[ ثانياً ] وأعجب لهذا العذر المانع من إتيانه لإمام المرسلين ، وقائد الغر المحجلين: إنه التخوف من ذعر الإبل ، وفزع المسلمين من رؤية نبي الله إلياس عليه السلام. فأين هذا مما ذكره هذا الوضَّاع المتهوِّك بعد ذلك بقوله ((يتلألأ وجهه نوراً ، وإذا ضوء وجهه وثيابه كالشمس)) !.(242/10)
[ ثالثاً ] وإن تعجب ، فعجبٌ زعم هذا المتهوِّك أن إلياس والخضر يلتقيان بالموسم كل عام !. فإن كانا كذلك ، فأين هما من حجَّة الوداع ، وكيف لم يلتقيا برسول الله في أعظم حجَّةٍ ، وأكرمها على الله ؟! ، بل أين هما من غزوات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومشاهده ومواقفه ، سيما التى تنزلت لها الملائكة كغزوة بدرٍ ؟!. سبحان الله ((إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)).
[ رابعاً ] وعجبٌ قوله على لسان نبي الله إلياس ((وليس في مسجد من مساجد محمَّد إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً)). أفلا يستحي هذا الوضَّاع من الله وأنبيائه ، أم كان يجهل ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا)) !!.
وفى ثنايا القصة كثير مما يستنكر ، ولا يخفى مثله على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: الشيخ أبو محمد الألفي(242/11)
التقاء النبي بالخضر عليهما الصلاة والسلام
الحمد لله الذي إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ . والصلاة والسلام على المخصوص بالسيادة والشرف المصون . والمنزل عليه وحياً في الكتاب المكنون . {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} . وعلى آله وصحبه المصدقين له والمؤمنين به وبالآخرة هم يوقنون . {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . وبعد ..
وشبيه بهذا ، ما يفترونه من سماع النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخضر ، وبعثه أنس يسأله أن يدعو له ولأمته . وهذا من أبشع الكذب والافتراء والجهل بمقام سيد المرسلين صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ومما أوردوا فيه من الواهيات الموضوعات حديثين:
[ الأول ] حديث أنس بن مالك ، وله ثلاث طرق(243/1)
[ الطريق الأولى ] قال أبو الحسين بن المنادي كما في ((الزهر النضر في نبأ الخضر)) (ص40): أخبرني أبو جعفر أحمد بن النضر العسكري أن محمد بن سلام المنبجي حدثهم قال حدثنا وضاح بن عباد الكوفي حدثنا عاصم بن سليمان الأحول حدثني أنس بن مالك قال: ((خرجت ليلة من الليالي ، أحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطهور ، فسمع مناديا ينادي ، فقال لي: يا أنس صه ، قال: فسكت ، فاستمع ، فإذا هو يقول: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال أختها معها ، فكأن الرجل لقن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس ضع الطهور ، وائت هذا المنادي ، فقل له: ادع لرسول الله أن يعينه الله على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، قال: فأتيته ، فقلت: رحمك الله ! اِدْعُ الله لِرَسُولِ الله أن يُعِيْنَهُ على مَا اِبْتَعَثَهُ بِهِ ، واِدْعُ لأمَّتِهِ أن يَأْخُذُوا مَا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ بالحقِّ ، فقال لي: ومَنْ أرسلكَ ؟ ، فكرهتُ أن أخبره ولم استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له: رحمك الله ! ما يضرك من أرسلني ، ادع بما قلت لك ، فقال: لا أو تخبرني بمن أرسلك ، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله ! أبى أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلني ، فقال: ارجع إليه ، فقل له: أنا رسول رسول الله ، فرجعت إليه ، فقلت له ، فقال لي: مرحبا برسول الله رسول الله ، أنا كنت أحق أن آتيه ، اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ، وقال له: يا رسول الله الخضر يقرأ عليك السلام ورحمة الله ، ويقول لك: يا رسول الله إن الله فضَّلك على النبيِّين كما فضَّل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضَّل أمَّتك على الأمم كما فضَّل يوم الجمعة على سائر(243/2)
الأيام ، قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهمَّ اجعلني من هذه الأمَّة المرشدة المرحومة ، المتوب عليها)) .
وأخرجه ابن الجوزي ((الموضوعات))(1/194) تعليقاً عن ابن المنادى به مثله .
وأخرجه الطبراني ((الأوسط))(3071) عن بشر بن علي بن بشر العجلي ، وابن عساكر ((تاريخ دمشق))(16/423:422) عن محمد بن الفضل بن جابر ، كلاهما عن محمد بن سلام المنبجي بنحو حديث ابن النضر العسكري .
وقال أبو القاسم: ((لم يروه عن أنس إلا عاصم ، ولا عنه إلا وضاح ، تفرد به محمد بن سلام)).
وقال أبو الحسين بن المنادى: ((هذا حديث واهٍ بالوضاح وغيره ، وهو منكر الإسناد سقيم المتن ، ولم يراسل الخضر نبَّينا صلى الله عليه وسلم ، ولم يلقه)) .
قلت: صدق أبو الحسين . ما أسمجَه وأبردَه من خبرٍ ! ، كيف جهل واضعُه مقامَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرامتَه على ربِّه ، ولم يستحيي منه حتى تجرأ عليه ، فوضع على لسانه هذا المقال ((اِدْعُ الله لِرَسُولِ الله أن يُعِيْنَهُ على مَا اِبْتَعَثَهُ بِهِ ، واِدْعُ لأمَّتِهِ أن يَأْخُذُوا مَا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ بالحقِّ)) !! .
وقد قال إمام المحدثين ((كتاب العلم)) (106): حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)). ولا يستحل مثل هذا الادعاء ، أعني طلب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخضر أن يدعو له ولأمَّتِه ، إلا الزنادقة الذين يزعمون كذباً وافتراءاً ؛ أن مقام الولاية أعلى من النُّبوة والرسالة !! . فقد تزندق قائلهم ، وأعظم على الله الفرية حين قال: مقامُ النُّبُّوةِ في بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرسُولِ وَدُونَ الوليْ.(243/3)
[ الطريق الثانية ] قال ابن عساكر ((التاريخ)) (16/424:423): أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم في كتابه أنا القاضي أبو الحسن علي بن عبيد الله بن محمد الهمداني بمصر أنا أبو الحسن علي بن محمد بن موسى التمار الحافظ نا أحمد بن محمد بن سعيد نا الحسين بن ربيع نا الحسين بن يزيد السلولي نا إسحاق بن منصور نا أبو خالد مؤذن بني مسلمة نا أبو داود عن أنس بن مالك قال: ((كان رسول الله يتوضأ من الليل إلى الليل ، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور ، فسمع صوت رجل يدعو: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، ......)) فذكره بنحو حديث الوضاح السالف .
قلت: والمتهم بهذا الحديث أبو داود ، وهو نفيع بن الحارث الهمداني الكوفي القاص الأعمى ، مجمع على تركه ، وكذبه قتادة .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهماً ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار .(243/4)
[ الطريق الثالثة ] قال أبو حفص بن شاهين كما في ((الزهر النضر فى نبأ الخضر))(ص42): حدثنا موسى بن أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك ثنا أبي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا حاتم بن أبي رواد عن معاذ بن عبيد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أنس قال: ((خرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة لحاجةٍ ، فخرجت خلفه ، فسمعنا قائلاً يقول: اللهم إني أسألك شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا لها دعوة لو أضاف إليها أختها ، فسمعنا القائل وهو يقول: اللهم إني أسألك أن تعينني بما ينجيني مما خوفتني منه ، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجبت ورب الكعبة ، يا أنس ! ائت الرجل ، فاسأله أن يدعو لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرزقه الله القبول من أمَّته ، والمعونة على ما جاء به من الحق والتصديق ، قال أنس: فأتيت الرجل ، فقلت: يا عبد الله ادع لرسول الله ، فقال لي: ومن أنت ، فكرهت أن أخبره ولم أستأذن ، وأبى أن يدعو حتى أخبره ، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأخبرته ، فقال لي: أخبره ، فرجعت ، فقلت له: أنا رسول الله إليك ، فقال مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله ، فدعا له ، وقال: اقرأه مني السلام ، وقل له: أنا أخوك الخضر ، وأنا كنت أحق أن آتيك ، قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها)) .
وأخرجه كذلك الدارقطني ((الأفراد)) من طريق أنس بن خالد عن محمد بن عبد الله الأنصاري بمثله .
وقال الحافظ ابن حجر: ((ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، هو أبو سلمة البصري ، وهو واهي الحديث جداً ، وليس هو شيخ البخاري قاضى البصرة ، ذاك ثقة ، وهو أقدم من أبي سلمة)) .(243/5)
قلت: أبو سلمة هذا ممن يسرق الأحاديث ويركبه على أسانيد أهل البصرة ، ترجمه أبو جعفر العقيلى ((الضعفاء))(4/95) قال: ((محمد بن عبد الله أبو سلمة الأنصاري عن مالك بن دينار منكر الحديث . حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري ثنا محمد بن صالح بن النطاح ثنا أبو سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال: ((كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من جبال مكة ، إذ أقبل شيخ متوكئا على عكازه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مشية جني ونغمته ، فقال: أجل ، فقال: من أي الجن أنت ؟ ، قال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس ....)) فذكر حديثاً طويلاً باطلاً ، لا يتابعه عليه إلا مثله أو أكذب منه .
[ الثانى ] حديث عمرو بن عوف المزني
أخرجه ابن عدى ((الكامل))(6/62) ، ومن طريقه البيهقى ((دلائل النبوة))(5/423) ، وابن الجوزى ((الموضوعات))(1/193) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده: ((أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه ، فإذا هو بقائل يقول: اللهمَّ أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع ذلك: ألا تضم إليها أختها ، فقال الرجل: اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك: اذهب يا أنس إليه ، فقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم تستغفر لي ، فجاءه أنس ، فبلَّغه ، فقال الرجل: يا أنس أنت رسول رسول الله إليَّ ، فارجع فاستثبته ، فقال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل له: نعم ، فقال له: اذهب فقل له: إن الله فضَّلك على الأنبياء مثل ما فضَّل به رمضان على الشهور ، وفضَّل أمتك على الأمم مثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، فذهب ينظر إليه ، فإذا هو الخضر)).(243/6)
قلت: والمتهم بهذا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ، ركن من أركان الكذب ، قاله الإمام الشافعي . وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً ، يروى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة ، لا يحل ذكرها في الكتب ، ولا الرواية عنه .
وهذه المناكير والموضوعات مما يحتج بها غلاة الصوفية والشيعة على حياة إلياس والخضر ، وأنهما أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان كل عامٍ بالموسم ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ، وأن إلياس موكل بالفيافي ، والخضر موكل بالبحر . ولله درُّ من قال: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان ! .
وفى ((المنار المنيف)) (1/67) للحافظ الجهبذ ابن القيم: ((فصل: من الأحاديث الموضوعة أحاديث حياة الخضر عليه السلام ، وكلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد:
كحديث ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه فذهبوا ينظرون ، فإذا هو الخضر)) .
وحديث ((يلتقي الخضر وإلياس كل عام)) .
وحديث ((يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر)) الحديث المفترى الطويل .
سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر ، وأنه باق ؟ ، فقال: من أحال على غائبٍ لم ينتصف منه ، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان)) .
كتبه
عبد الله بن محمد زقيل(243/7)
الحضرة الصوفية هل هي شرعية ؟
الحضرة الصوفية تكون: جالسة صامتة، أو جالسة صائتة، أو راقصة (بنقص أو من دون نقص).
1- الجالسة الصامتة:
في الرد عليها يكفي حكم عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (كما يرويه الحافظ الذهبي في «التذكرة»): «خذوا عهدكم عن ابن أم عبد».
نجد حكم عبد الله بن مسعود هذا في «سنن الدارمي»:
... عند عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة (أي الفجر)، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَجَ عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته، ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه.. رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة مرة، فيُكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة مرة، فيُهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة مرة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحَكُم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله! يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا(244/1)
يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله، لا أدري، لعل أكثرهم منكم...
- الرجاء ملاحظة أن الجلسة النقشبندية هي مثل هذه الجلسة.
2- الحضرة الجالسة الصائتة:
في الرد عليها نذكر ما يلي:
- الآية الكريمة: { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ... }، وهؤلاء يجهرون بذكرهم، كما يخلو ذكرهم من التضرع والخيفة.
- الحضرة بجميع أنواعها، ومثلها هذه، بدعة تنطبق عليها كل الأحاديث الواردة في البدعة، والتي رأيناها قبل قليل.
- حديث ابن مسعود السابق هو رد عليها كما هو رد على الجالسة الصامتة.
- قول حذيفة بن اليمان: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها»، رد عليها وعليهم.
وبالتالي، هذه الحضرة«الجالسة الصائتة» هي مثل غيرها، بدعة، فهي مردودة عليهم.
3- الحضرة الراقصة (وكلها صائتة):
إن جميع الردود على البدعة وعلى أساليبهم في الذكر، وعلى الجالسة الصامتة، وعلى الجالسة الصائتة، هي ردود على الحضرة الراقصة، يضاف إليها:
- هي نفس صلاة اليهود!
جاء في المزمور (149) عدد (3): «ليسبحوا اسمه برقص، بدُف وعود، ليرنموا له..».
وفي المزمور (150): «سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار، سبحوه بصنوج التصويت، سبحوه بصنوج الهتاف...».
- وثنيو إفريقيا السوداء «الفيتيشيون» عباداتهم كلها رقص وسماع.
- الهندوس، صلاتهم لأصنامهم مثل الحضرة الراقصة، يتوسطهم الكاهن أمام الصنم، يرقصون ويهزجون، أي إن صلاتهم هي رقص وسماع وقرع أجراس.
· الخلاصة:-
الحضرة الصوفية بجميع أشكالها، بدعة، ونقض للآيات والأحاديث، وتَشبُّه كامل بالطقوس اليهودية والوثنية، (فيتيشية وهندوسية وجينية وطاوية..).
- أما كونها نقضًا للآيات والأحاديث؛ فهي كفر وزندقة ورِدة.
- وأما كونها تشبه الطقوس الوثنية واليهودية؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من تَشبَّه بقوم فهو منهم».
ولا حاجة للزيادة.(244/2)
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 628 – 630 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(244/3)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(245/1)
الحوار البديع بين صوفية السودان والشيخ ربيع
الحمد لله مؤيد الدُعاة الصادقين بنصره، ومذل أهل الأهواء بظهور حُجته، وصلاة على الهادي البشير، والسراج المنير عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فأهل العلم منارات للمهتدين، وهُداة للصراط المستقيم، ومُعينين للسالكين لتوحيد رب العالمين، فهم الأطباء لأصحاب الأدواء، والشفاء من داء السقام، فقم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من مريضٍ بنور الحق قد شفوه، وكم من جرثومة بتسليط النور قد أبادوه، فما أجمل صنيعهم على الناس، وما أقبح صنيعهم بهم .. ولكن أهل الحق بالهدى مكتفين، وبالله ملتجأين، وعن الشهرة مجافين ..
وبعد .. فهذه رحلة دعوية عبر الأراضي السودانية، تخللها الحب والنصح، وتوجت بسطوع الحق، فبالدليل ومحكم التنزيل، أُخرس المبطل وانحسر ذو القلب العليل، وشفي طلاب الحق ممن غُبش عنه رؤية الدليل، بواهي التعليل .. هي رحلة نور تكشف غياهب الظلام، وتجلي الحق بنور الحق، وتسرج ما خفي بالظلام .. محاضرات .. ودعوات .. ومناظرات .. كان لها الأثر البليغ، فصحا نيام، وانكشف الظلام، وهُدي فئام، وانخرس المضللين للأنام، من جند الشيطان .. فإليك الرواية من في الراوي أنقلها عبر طيات الكتاب، حشاها راويها بالنصح والتوجيه، وقد سقتها من أوراقٍ مفرغة بعنوان لشريط [الحث على الأئتلاف والتحذير من الفرقة والاختلاف] للشيخ ربيع بن هادي -وفقه الله- فإلى كلام الشيخ:(246/2)
(رحت السودان، فيه سودان موجودين ،ـ أظن بينكم سودان موجودين ، موجودين ناس من السودان ـ نزلت في بور سودان ،فاستقبلني شباب أنصار السنة ـ بارك الله فيكم ـ وقالوا ياشيخ :ـ نلفت نظرك إلى شيء ، قلت تفضلوا ، قالوا :ـ تكلم بما شئت ، قل قال الله قال رسول الله ـبارك الله فيك ـ واطعن فيما شئت من البدع والضلالات، من دعاء غير الله والذبح والنذر والإستغاثة وإلى آخره ، لكن لا تقل الطائفة الفلانية ولا الشيخ الفلاني ، لا تنص على التيجانية من الفرق، ولا الباطنية ، ولا رؤوسهم ، بس أنت اسرد العقائد و ستجد نفسك ….[ كلمة غير مفهومة ] الحق ،قُتلُه :ـ طيب ،فسلكت هذا المسلك ، فوجدت إقبالا من الناس ، ماهو لابد تسب شيوخهم وتطعن فيهم ، {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } تسب الشيخ وإلا تقول ضال وإلا كذا وإلا الطريقة الفلانية ، ينفرون منك ، فتأثم ، تكون نفرت الناس ، إذا انكم منفرين ، والرسول لما أرسل معاذا وأبا موسى قال (( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا )) فهذه من الطرق التي فيها التيسيروفيها التبشير ، وما فيها تنفير ـ ووالله ـ ما دخلت مسجدا إلا وأرى التهلل في وجوههم ولا أستطيع الخروج من كثرة المقبلين علي يصافحوني ويدعونني ، ثم رأت رؤوس الصوفية الشياطين ، رأوا خطورة هذا السلوك وهذا المنهج في الدعوة ،فاجتمعوا وتآمروا ـ بارك الله فيك ـ ونسقوا لأنفسهم كلاما يردون به علي، وأعلنوا لي عن محاضرة في ميدان كبير ،فاجتمعنا في هذا الميدان وتكلمت فقام كبيرهم وعلق على كلامي ، بيجيز الإستغاثة ويجيز التوسل ويقول بتعطيل الصفات ، ويقول ويقول .. ويؤيد كل الأباطيل بتأويلات فاسدة ،لمَّا فرغ ـ ما عنده أدلة ـ جاب أحاديث ضعيفة موضوعة ، جاء بأقوال الأسقراطيين ـ جاب كذاـ قلت والله يا جماعة سمعتم كلامي أنا أقول قال الله قال الرسول وقال علماء الأمة المعتبرين، وهذا الرجل جاء بأحاديث ما أسعفه القرآن بشيء(246/3)
، سمعتم قال الله كذا في جواز الإستغاثة بغير الله في إجازة التوسل ، ما فيه شيء ـ نعم ـ هل سمعتم كلام الأئمة الكبار مثل [ مالك ] وأمثاله ، ما سمعتم ، سمعتم أحاديث موضوعة أحاديث ضعيفة ، كلام لناس معروفين عندكم أنهم خرافيون ! المهم قام يسب ويشتم ،أنا ضحكت عليه ، لا سبيته ولا شتمته ـ بارك الله فيك، جزاك الله خير ـ جزاك الله خير بارك الله فيك ،……[كلمة غير مفهومة ] التعليق الخفيفة ،وافترقنا ، والله الذي لا إله إلا هو أنهم أصبحوا في اليوم الثاني يتحدثون في المساجد والأسواق أن الصوفية هُزمت ، هُزمت الصوفية ، فتعلموا يا أخوان هذه الطرق ، القصد هداية الناس ، القصد إيصال الحق إلى قلوب الناس ، استخدم كل ما تستطيع من وسيلة شرعية ، المهم الغاية من الوسيلة ـ أن أهل البدع من الكذب واللف والدوران والمناورات هذه ليست عندنا ،نحن أهل صدق وأهل حق ولكن نعرض في أي مدى الصور التي يقبل فيها الناس وتؤثر في نفوسهم ـ بارك الله فيكم ، ثم ذهبنا إلى كسلا كمان ـ ماشاء الله ـ كان قُدَّامِي الدعوة ممهده والحمد لله وطيبة وكذا ، تكلمنا والحمد لله ونفع الله بما تكلمنا ثم ذهبنا إلى الغظارف ، ودُرنا على ــ الغظارف مدينة صغيرة ــ درنا ـ يعني ـ على المساجد التي فيها كلها، قالوا لم يبقى في هذه المدينة إلا مسجد واحد للتيجانية لم نستطع أن نصل إليه ، كيف ؟ قالوا متعصبين تعصب شديد ،قلت نذهب إليهم ونستأذنهم، إن أذنوا لنا بالكلام بلَّغنا ، منعونا …….[ كلمة غير مفهومة] إلى الله ، نحن ما نجيهم بالقوة ـ بارك الله فيكم ـ فَجِئْنا وصلى بنا الإمام وبعد ما فرغ جيت سلمت عليه ،تسمح لي ألقي كلمة في الأخوان هؤلاء ؟ قال تفضل ، وتكلمت ـ تكلمت بارك الله فيك ـ أدعو إلى الله إلى التوحيد إلى السنة إلى ،إلى ، إلى ، وأنتقد بعض الأخطاء الموجودة ، بعض الضلالات ، وصلت إلى حديث ـ مثلا ـ ذُكر فيه ـ حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ المتفق عليه ، (((246/4)
ثلاث من حدثك بهن فقد أعظم على الله الفرية ، من قال إن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، ومن قال إن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ، ـ وأسوق الآي في الأدلة على هذا ـ ومن زعم أن محمدا لم يبلغ ما أنزل عليه فقد أعظم على الله الفرية )) ، هو ـ يعني ـ قال ،كِذا نصف جالس ،واقف ، قال :ـ والله إن محمدا رأى ربه بعيني رأسه ، قلت له :ـ جزاك الله خيرا ، أما عائشة التي هي أعلم الناس به فقد قالت ـ كذا ـ (( من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية )) والله و كان رسول الله رأى ربه لأخبرها ، ولكن ما أخبرها ، قام يلج ، قلت له يا أخي إنتظر حتى أنهي كلمتي وبعد ذلك إسأل عما شئت ، الذي أعرفه أجيبك به ، والذي لا أعلمه أقول لك الله أعلم ، وتركته واستمريت في الكلام ، لا أدري هذا الرجل بقي أو راح لا أدري ما التفت له ، قليل وأسمع واحد:ـ والله الكلام اللي يقوله الزول ده حق ، ـ الزول الرجل ـ عند السودانيين يقول للرجل الزول ، والله اشويه واسمع تعليقه :ـ والله الكلام اللي يقوله الزول ده حق ،قال الله قال رسول الله ، بارك الله فيكم ، حتى أذن لصلاة العشاء وانتهت الكلمة وأقيمت الصلاة ، وإذا بهم يدفعوني لأصلي بهم ! فقلت أبدا، يصلي الإمام ، قالوا والله تصلي ، والله تصلي ، قلت طيب ، وصليت بهم ، وبعد ما فرغنا أبغي أسئلة ما في ، خرجنا أنا والشباب أنصار السنة معي ، قلت لهم أين ذهب الإمام ؟ قالوا طردوه ،من طرده ؟قالوا ـ والله ـ جماعته ، جماعته ، أصلا ما يقدرون يتحركون ، والله هذا الذي حصل يا أخوة ،لو جاء إنسان يَسَّفَّه، التيجاني- المرغني ـ أل كذا ـ والله يذبحونه يمكن ،مو بس يطردوه ،لكن لما تجيهم بالحكمة واللطف ـ بارك الله فيك ـ فنفعهم الله عز وجل نفعهم الله بهذا ، فاستخدموا يا أخوة العلم النافع والحجة القاطعة والحكمة النافعة في دعوتكم وعليكم بكل الأخلاق الجميلة النبيلة التي حث عليها(246/5)
الكتاب وحث عليها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، فإنها عوامل نصر وعوامل نجاح ، وصدِّقوا أن الصحابة ما نشروا الإسلام ودخل في القلوب إلا بحكمتهم وعلمهم أكثر من السيوف ، والذي يدخل في الإسلام تحت السيف قد لا يثبت ، والذي يدخل الإسلام ـ يدخله عن طريق العلم والحجة والبرهان هذا الذي يثبت إيمانه ، فعليكم بهذه الطرق الطيبة وعليكم بالجد في العلم وعليكم بالجد في الدعوة إلى الله).
انتقاءها ونقلها وعلق عليها
أبو عمر الدوسري (المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(246/6)
الدفن عند المنبر
لكي تشاهد داعية التصوف علي الجفري يكذب على صحيح الإمام مسلم بقوله: إن الإمام مسلماً روى في صحيحه: أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اقترحوا عند موته أن يدفنوه عند منبره ، أي في مسجده ، لينصر مذهبه في جواز دفن الأموات داخل المساجد.
وهذا الحديث ليس له أي وجود في الصحيح ، بل رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي وأبو يعلى، كلهم من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس ، والذي نقل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عند ترجمته عن الإمام البخاري أن علي بن المديني قال فيه: تركتُ حديثه وتركه أحمد . ونقل أيضاً عن النوفلي: أن حسين بن عبد الله كان يُرمى بالزندقة . ونقل عن الإمام البخاري أيضاً قوله في حسين بن عبد الله: كان يُتهم بالزندقة.
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى (2ـ292)
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ويحي بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قال أبو بكر الصديق أين يُدفن رسول الله.؟ قال قائل منهم: عند المنبر. وقال قائل منهم: حيث كان يصلي يؤم الناس. فقال أبو بكر: بل يدفن حيث توفى الله نفسه فأخر الفراش ثم حفر له تحته.
محمد بن عمرو بن علقمة. قال عنه الحافظ: صدوق له أوهام
وروى ابن سعد أيضاً عن محمد بن عمر الواقدي أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لما فرغ من جهاز رسول الله يوم الثلاثاء وضع على سرير في بيته وكان المسلمون قد اختلفوا في دفنه فقال قائل ادفنوه في مسجده وقال قائل: ادفنوه مع أصحابه في البقيع ...... الخ
محمد بن عمر الواقدي. قال عنه الحافظ: متروك.
وروى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ـ كتاب الجنائز ـ ما جاء في دفن الميت(247/1)
حديث: (546) أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد فقال ناس: يدفن عند المنبر , وقال آخرون يدفن في البقيع.
وروى البيهقي في الدلائل (7ـ261) وابن النجار في أخبار المدينة صفحة (124)
من طريق محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قال: لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره ، فقال قائل: في البقيع فإنه كان يكثر الاستغفار لهم ، وقال قائل منهم عند منبره ، وقال قائل منهم في مصلاه .... الخ.
وبهذا لا يثبت سند صحيح لرواية الدفن عند المنبر ، فضلاً عن نسبتها لصحيح الإمام مسلم كذباً ، مع العلم أن ثبوت الرواية عن بعض الصحابة جدلاً ، لا يُعطل الحكم المعلوم لدينا من منع الدفن في المساجد ، كما يريد أن يجيره الصوفية وداعيتهم الجفري ، لأنه قد يجهل بعض الصحابة المنع الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا: لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). يحذر مثل ما صنعوا. [متفق عليه]. خاصة وأن هذا النص منه صلى الله عليه وسلم قد صرح بعض الصحابة أنه سمعه منه قبيل وفاته بقليل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(247/2)
الذكر عند الصوفية ومدى شرعيته
لم أعثر في حدود اطلاعي، عند إشراقيي الأمم الأخرى، على وجود ممارسة للذكر بمداه الواسع وشكله الأساسي الموجودين عند متصوفة المسلمين.
ففي الأمم الأخرى، يعتمدون أساسًا على الرياضة (الخلوة والجوع والصمت والسهر)، مع تركيز البصر على نقطة ما، مدة طويلة، مع تعذيب النفس في أكثر الأحيان، وهم - أثناء الرياضة - يُركزون الفكر ويثبتونه على كلمة ما، فعند الهندوس مثلاً، يأخذ السالك في رياضته إحدى وضعيات اليوغا، ويركِّز بصره على شيء ما، ثم يركِّز فكره في كلمة «أوم» التي هي عندهم الاسم المستتر لبراهمان، أو «راهام».
قد تدوم مثل هذه الرياضة مدة طويلة جدًّا ، ومن حين لأخر يعمدون إلى الرقص العنيف والموسيقى الصاخبة المدوية يصاحبها الزعاق، ثم يعودون إلى رياضتهم.
- والخضوع المطلق للشيخ (السامانا) الأكبر هو محور كل مجاهداتهم.
تسبب هذه المجاهدة؛ مع الاستمرار والزمن، إفراغًا لمراكز الوعي والشعور في الجملة العصبية، وهي حالة «الاستخدار» التي تجعلها في استرخاء يفقدها كثيرًا من فعالياتها، ويهيئها للتأثر بكمية من المخدر، أي مخدر، أقل من الكمية المؤثرة في الحالة العادية، كما تدفع الجسم لإفراز المادة المخدرة بكمية أكبر من المعتاد.
لكن هذه الرياضة تحتاج إلى كثير من قوة الإرادة والصبر، كما تحتاج إلى العزلة التامة.
على أن متصوفة المسلمين عرفوا أسلوبًا سهَّل عليهم الأمر كثيرًا.. إنه ترديد كلمة ما، كائنة ما كانت، بشكل مستمر دون انقطاع، ليلاً ونهارًا، وهو ما سموه «الذِّكر».
وهذا الذِّكر المستمر يساعد كثيرًا على الوصول إلى حالة الاستخدار، ثم إلى الخدر «الجذبة» بمدة أسرع.
لكن هل صحيح ما يدعيه متصوفة المسلمين أمام الناس، أن ذكر الله، سواء بالاسم المفرد «الله» أو بالأذكار الإسلامية الأخرى، أو بأذكارهم وصلواتهم التي يبتدعونها، هي التي تقود إلى الجذبة؟(248/1)
الواقع خلاف ذلك! فها هم أقطابهم وعارفوهم وعلماؤهم، يؤكدون أن ترديد أي كلمة كانت، أو أي جملة، بصورة مستمرة، مئات الألوف من المرات، أو ملايينها، يؤدي إلى الجذبة، بعد مدة قد تطول وقد تقصر.
وهذه أدلة من أقوالهم في ذلك:
يقول ابن عطاء الله السكندري:
«... والذِّكر تختلف أنواعه وتعدد، والمذكور واحد لا يتعدد ولا يتحدد..».
- لننتبه إلى قوله: «لا يتحدد» وماذا تعني.
ويقول: ... ورُوي أن أبا القاسم الجنيد رحمه الله تعالى قال لبعض خواص أصحابه: إن اسم الله الأعظم هو «هو»... وذُكر أن أهل المعرفة في هذا الاسم على أربعة أصناف أيضًا: فعارف قال: «الله»، وعارف قال: «هو»، وعارف قال: «أنا»، وعارف بهت...
- ما هو معنى قوله: «وعارف بُهت»؟ ولِم بُهِت؟ أظن الجواب واضحًا، إنه بُهت؛ لأنه عرف أن كل شيء هو اسم الله الأعظم.
ومن النصين نفهم أن الذكر يمكن أن يكون بترديد كلمة «الله الله الله الله»، أو «هو هو هو هو»، أو «أنا أنا أنا أنا»، أو الأشياء التي جعلت العارف يُبهت.
ويقول ابن عطاء الله أيضًا:
... أما المسلوب الاختيار فهو مع ما يرد عليه من الأذكار وما يرد عليه من جملة الأسرار، فقد تجري على لسانه «الله الله الله»، أو «هو هو هو هو»، أو «لا لا لا لا»، أو«آه آه آه آه»، أو صوت بغير حرف، أو تخبط، فأدبه التسليم للوارد؛ وبعد انقضاء الوارد يكون ساكنًا ساكتًا، وهذه الآداب لمن يحتاج إلى ذكر اللسان، أما الذاكر بالقلب فلا يحتاج إلى هذه الآداب...
ويُورد عبد الوهاب الشعراني ما يُشبه هذا، يقول:(248/2)
... وقال سيدي يوسف العجمي رحمه الله: وما ذكروه من آداب الذكر محله في الذاكر الواعي المختار، أما المسلوب الاختيار، فهو مع ما يرد عليه من الأسرار؛ فقد يجري على لسانه «الله الله الله الله»، أو «هو هو هو»، أو «لا لا لا» ، أو «آه آه آه»، أو «عا عا عا عا» أو «آ آ آ آ»، أو «هـ هـ هـ»، أو «ها ها ها»، أو صوت بغير حرف، أو تخبيط، وأدبه عند ذلك التسليم للوارد.
ويقول ابن عربي:
... فأغلِق بابك دون الناس، وكذلك باب بيتك بينك وبين أهلك، واشتغل بذكر الله بأي نوع شئته من الأذكار، وأعلاها الاسم، وهو قولك: «الله الله الله»...
- نفهم معنى قوله: «بأي نوع شئته من الأذكار» من قول آخر له: «.... فما عُبد غير الله في كل معبود..».
- يعني أن كل ما عُبد من صنم وشجر وبشر وغيره هو الله، ويمكن للذاكر أن يذكر بما يريد من أسماء المعبودات التي عبدت في كل الوثنيات، كأن يردد مثلاً: «هبل هبل هبل هبل..»، أو «جيلاني جيلاني جيلاني..»، أو «جذبة جذبة جذبة جذبة...»، أو «لينين لينين لينين لينين...»، أو «إنتاج إنتاج إنتاج إنتاج....»، أو «مقام مقام مقام مقام...»، أو «ضريح ضريح ضريح ضريح..»، أو «رفاعي رفاعي رفاعي..»، وغيرها.
ويروي ابن عجيبة قصة الششتري، فيقول:
... وكذلك قصة الششتري رضي الله عنه مع شيخه ابن سبعين؛ لأن الششتري كان وزيرًا وعالمًا، وأبوه كان أميرًا، فلما أراد الدخول في طريق القوم، قال له شيخه: لا تنال منها شيئًا حتى تبيع متاعك وتلبس قشابة وتأخذ بنديرًا وتدخل السوق؛ ففعل جميع ذلك، فقال له: ما نقول في السوق؟ فقال: قل: «بدأت بذكر الحبيب»، فدخل السوق يضرب بنديره ويقول: «بدأت بذكر الحبيب»، فبقي ثلاثة أيام وخُرقت له الحجب...
- نلاحظ أن ذكره هنا ليس فيه شيء من أسماء الله الحسنى.
وكتب ابن سبعين إلى حد مريديه «في الرسالة النورية»:(248/3)
... وجميع ما توجه الضمير إليه، اذكره به ولا تبال، وأي شيء يخطر ببالك سمِّه به، ومَن اسمه «الوجود» كيف يخصص بأسماء منحصرة؟! هيهات! الله لا اسم له إلا الاسم المطلق أو المفروض، فإن قلت: نسميه بما سمى به نفسه أو نبيه، يقال لك: إن من سمى نفسه «الله» قال لك: أنا كل شيء، وجميع من تنادي أنا.. وبعضهم كان يقول: قد قد قد هذا هذا هذا له له له...
ويقول ابن أنبوجة الشنقيطي في «وصف العارف»:
... فهو (أي العارف) الخليفة الأعظم، إذ لا اسم له يختص به؛ فإن أسماء الوجود كلها أسماؤه، لتحققه بمراتبها، ولكونه هو الروح في جميع الموجودات، فما في الكون ذات إلا وهو الروح المدبر لها والمحرك والقائم فيها، ولا في كرة العالم مكان إلا وهو حالٌ فيه ومتمكن منه، فبهذا الاعتبار لا اسم له يتميز به عن الوجود...
- نرى في هذا النص أنهم يسبغون على العارف صفات هي نفس ما يسبغونه على الله (تعالى الله عما يقولون)، وعليه يمكن ذكر الله بترديد كلمة: «عارف عارف عارف عارف..» أو «عمر بن الفارض عمر بن الفارض عمر بن الفارض..»، أو «الغزالي الغزالي الغزالي الغزالي..»، أو «الشيخ الشيخ الشيخ الشيخ..»، أو «سيدي سيدي سيدي سيدي..» الخ.
ويقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي:
... والفناء، حقيقة سر الاعتقاد به من سر قوله عليه الصلاة والسلام: «لو اعتقد أحدكم على حجر لنفعه».
- الحديث مكذوب، والاعتقاد به كفر؛ لكن يهمنا أنهم يؤمنون به، ويؤمنون أن الاعتقاد به ينفع، ومنه إن ذكر ذاكر اسم «حجر حجر حجر حجر»، أو «قبة قبة قبة قبة»، أو «صخرة صخرة صخرة صخرة..» نفعه (في الوصول إلى الجذبة طبعًا).
يردد علي نور الدين اليشرطي نفس القول:
... لو اعتقد أحدكم بحجر؛ لنفعه، وقال: ليس الحجر الذي ينفع، إنما هو الاعتقاد.(248/4)
- طبعًا، إنهما لم يقررا هذا الحكم إلا بعد تجارب، ويجب أن ننتبه إلى أنه ينفع في التصوف والكهانة والسحر فقط؛ (لأن الصوفية هي نفس الكهانة، والسحر بعضها)، ولا ينفع في شيء غيرها.
ويقول محمد بهاء الدين البيطار:
... فأسماء الله على الحقيقة أعيان العالم وحقائقه، ومظاهر الأسماء هي صور العالم، فلكل اسم إلهي من الصور ما لا يتناهى؛ فكل ما أمات مثلاً من ثعبان أو سيف أو رصاص أو حجر أو عصا فهو صورة من صور الاسم «المميت»، ومعنى المميت: شأن من شئون الذات الإلهية، وهو عين الذات...
ويقول ابن سبعين في «الرسالة النورية» يخاطب أحد المريدين:
...هذه الكلمات التي نذكرها لك مرموزة مني، غير أن الذاكر ينتفع بها، وهي: عمرش أش عمر صح راهيا إيداحا أيهم أردع صعر عرجم كعلم... فقل إذا وجدت البحر والوجود والحمد: قهوم طمس هوالم صعنج ذلك الله ربكم يايايا...
- بديهي أن ابن سبعين لم ينصح مريده بالذكر بهذه الأسماء إلا بعد تجريبها.
- وكما فهمنا من نصوصهم، الذكر يقود إلى الجذبة التي هي الغاية، وفي الطريق قد يحصل للذاكر بعض الخوارق، وينصحونه ألاَّ يهتم بها؛ لأنها تحجبه عن الغاية المنشودة.
والطريق إلى الجذبة قد يقصر وقد يطول، حسب استعداد السالك النفسي والفيزيولوجي، ولعل الذكاء الفطري العالي يبعد الوصول إلى الجذبة! ولعل الغباء الفطري يقصر الطريق إليها.
* وخلاصة لما تقدم:
الذكر بترديد أي كلمة كانت مقرر من كبار عارفيهم، فلا مجال للاعتراض عليه أو الشك فيه، إنهم يقدمونه لمريديهم قاعدة يسيرون عليهم في مسيرهم إلى... الجذبة.
ومن البديهي أنهم لم ينصحوا به مريديهم إلا بعد تجربة.(248/5)
ومنه تعلم أن حقيقة ذكرهم ليست مرتبطة بذكر الله سبحانه، وما التزامهم الاسم «الله» أو عبارات الثناء عليه ودعائه إلا أسلوب ذكي لإلباس التصوف رداء الإسلام، وضعه لهم سيدهم الجنيد، وتوسع فيه حجتهم الغزالي، وهو أحد مظاهر الطريقة البرهانية الغزالية، التي يسمونها «التصوف السنِّي».
وذكرهم كله، موضوعه، وشكله، وزمانه، ومكانه، هو بدعة كله، غريب عن الإسلام كله، ومن الردود المفيدة عليه وعليهم، هو رد الإمام النووي رحمه الله.
لقد اتصل الإمام النووي في أول وصوله إلى دمشق، وهو صغير، بالمتصوفة، وسار في طريقهم، وعندما اتسعت معارفه وفهم الإسلام، ترك الصوفية دون ضجيج، ورد عليهم بكتابين:
1- رياض الصالحين: يُبين فيه بالنصوص الصحيحة (إلا قليلاً منها) طريق الصلاح، وحيث يتبين طريق الصلاح، فكل الطرق من دونه ضلال.
2- الأذكار: يُبين فيه الأذكار الإسلامية ، نصوصها، وأوقاتها، وأماكنها، كل ذلك بأسانيد أكثرها صحيح، وإذ يتبين ذلك، يتبين أن الذكر الصوفي الذي يستعمله السالكون إلى الجذبة، ليس من أذكار الإسلام.
- من جهة ثانية:
كل عبادة في الإسلام لها شروط وأركان.
ويوجد شرط مشترك لكل العبادات الإسلامية (مر معنا في بحث «البدعة»)، وهو: «كل العبادات باطلة إلا ما ورد به نص»، وبصيغة أخرى: «لا عبادة دون نص».
والذكر عبادة، فهو يحتاج إلى النص، وإلا فلا يكون عبادة.
وذكر الصوفية من حيث الشكل واللفظ (إذا كان بالاسم المفرد أو «بما شئت من الأذكار» الواردة آنفًا)، لا نص فيه، والنصوص التي يقدمونها، إنما يلفقونها بالتأويل والترقيع، إذن، فهو ليس عبادة.
كما أن للذكر في الإسلام أركانًا: نجدها في الآية الكريمة: { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ }.(248/6)
يهمنا في بحثنا هنا قوله سبحانه: { فِي نَفْسِكَ...وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ }، فعبارة { فِي نَفْسِكَ } تعني: ألا تسمع نفسك، وعبارة: { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } تعني: ألا يسمعك جارك؛ لأن الجهر هو ما يستطيع سماعه الجار.
إذن، فيجوز في الذكر أن يُسمِع الإنسان نفسه وأن لا يُسمعها.
وأما الجهر، فمنهيٌّ عنه بأكثر من آية وأكثر من حديث.
مع ملاحظة أن هناك حالات نص عليها الشارع، يجب فيها رفع الصوت بالذكر أو يجوز، كما في التلبية بالحج، وقبل صلاة العيدين، وفي التعليم، والحالة العفوية، ولتذكير الغافلين (حيث يجهر بعبارة الذكر مرة أو مرتين فقط)، وليس تفصيل هذه الأمور داخلاً في موضوعنا.
وكل محاولة أو مراوغة لاختراق الحدود التي رسمها الشارع من أجل التوسع بمدلول النص لتبرير الأساليب المبتدعة، هي محاولة باطلة، وهي بدعة وهي ضلالة، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }
وتعرف الحدود الشرعية من النص، أو من فعل الرسول r، ومن فعل أصحابه.
والأذكار التي يستعملها الصوفية في الخلوة أو السياحة وفي الحضرة وفي مجلس الذكر أو مجلس الصلاة على النبي أو بعد الانتهاء من الصلاة، كلها فاقدة لشرط وركن معًا، أو لأحدهما على الأقل، لذلك فهي باطلة، وهي بدعة، وهي ضلالة.
والباطل لا يقود إلا إلى باطل.
وإن كلمة قالها الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان «أمين سر رسول الله r» لهي كافية لحسم هذا الموضوع، قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله r فلا تَعَبَّدوها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً.
- هذا إن كان الذكر بالأسماء الحسنى أو بعبارات الثناء على الله.
أما إن كان بغيرهما مما يقرره كهانهم من أسماء حجارة أو أوثان أو قبور أو غيرها فهي واضحة الزندقة بيّنة الكفر، وهي من الوثنية التي جاء الإسلام ليحاربها باعتبارها المصدر الرئيسي لكل الشرور، وهي السحر وهي الكهانة.
* قصة مرسلة:-(248/7)
مستشار في محاكم الاستئناف في مدينة حلب، كانت تجمعه الصلاة في المسجد مع بائع شراب متجول، وفي ذات مرة، طلب إليه البائع أن يجرب أن يقرأ بعد كل وقت من أوقات الصلاة، الكلمات: «بطدٍ زهجٍ واحٍ يا حي ياهٍ» مائة مرة، وبعامل الفضول، صار المستشار يرددها بعد كل صلاة...
بعد ثلاثة أيام، بينما كان جالسًا على قوس المحكمة يفصل في قضايا الناس، إذا به يرى أمامه بيته وأهله يقومون بأعمالهم حسب المعتاد، وعندما رجع إليهم بعد الظهر، سألهم عما كانوا يفعلونه في ذلك الوقت؟ فكان في بعض ما رآه بعض ما كانوا يفعلونه.
وصارت مثل هذه الحالة تتكرر أمامه كلما كرر تلاوة الأسماء.
فِقرة من كتاب صوفي:-
... ولِحرف الباء خلوة، وخادمه مهيائيل، فإذا أردت استخدامه اكتب الحرف وضعْه في رأسك بعد الرياضة، واتل الدعوة والقسم دبر كل صلاة 31 مرة، واتل العزيمة والرياضة 40 يومًا، فإن الملك يحضر ويقضي حاجتك، ومهما أردته تبخر وتقول: أجب يا خادم حرف الباء، فإنه يحضر...
- إن كتب التصوف المحض، والتي لم تؤلف للخداع والتضليل والمراوغة، ملأى بمثل هذه الفقرة، وهي واضحة كل الوضوح في أن التصوف هو السحر، والفرق بينهما أن الصوفي مخدوع مراوغ، والساحر صادق.
ويكفي للدلالة على أن الصوفية هي السحر، الرجوع إلى كتاب «شمس المعارف الكبرى» للبوني، وكتاب «مجموع ساعة الخير» لابن عربي، و«المضنون به على غير أهله» للغزالي، و«صفحات من بوارق الحقائق» للصيادي، وغيرها..
لكن أقطاب التصوف العارفين بالله يتواصون فيما بينهم بتأليف الكتب الموهمة أنها من الإسلام، ذات المظهر الإسلامي الخداع؛ لأن الحكمة تقتضي ذلك، وطبعًا هم يفعلون ذلك عن إخلاصٍ وإيمانٍ بما يفعلون، شأن أي متدين مخلص لدينه ومؤمن به.(248/8)
وقبل الانتقال إلى البحث التالي، يجدر الانتباه إلى أن المتصوفة قد يستعملون الأذكار الإسلامية حسب المنهج الإسلامي، ويكون هذا منهم عملاً صحيحًا، لكنه لا يكون أبدًا تبريرًا لأذكارهم الصوفية حسب المنهج الصوفي.
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 618 – 627 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(248/9)
الرد القويم على القبوري هزيم
أبو عمر الدوسري (المنهج)
الحمد لله ، والصلاة على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم ، أما عبد:
فقد تأملت ردك ، وعجبت!!
عجبت من دقتك العلمية .. فأين تخريج هذه الروايات؟!! حتى نتأكد لأننا لا نأمن الصوفية على هره فكيف بأحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟!! والقبورية هم من عرفوا بالكذب المتعمد على نبينا صلى الله عليه وسلم؟!
وعجبت .. من استشهادك بهذه الروايات!! ما الذي تريده [الشاهد] لو أخبرتنا لنعلم .. لأن لأهل السنة فهم موافق لفهم السلف وللقبورية فهم كفهم عبدة الأوثان؟! فهلا أخبرتنا عن الشاهد من رواياتك؟!!
أخيراً .. سنعلق على هذه الروايات وفق ما جاء في الكتاب والسنة .. ولكن بعد أن نرى تخريجك لهذه الروايات .. وشاهدك منها .. ويجب أن أذكر بأن الكاتب المكرم قد وضع كلمة (قبر) وجاءت هذه الأحاديث .. وقصها وألصقها .. ولا يعرف بما يعلق .. نحن بانتظار تعليقه ..
وقبل ذلك نبين أن أهل السنة يعتقدون بأن زيارة القبائر للعظة وتذكر الآخرة وإتباع الجنائز من السنة .. على عكس ما تشيعه القبورية عن أهل السنة .. فالقبورية تستشهد بأحاديث يسمح فيها النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور لتذكر الآخرة .. فيأخذها القبورية على استغاثاتهم وتقرباتهم لغير الله .. فألحظ يا سني!!
أما الدعاء والتبرك والصلاة فيها فلا تجوز .. عدا الصلاة على الميت إذ لم يصلي عليها في المسجد وهذا أمر فعله النبي عليه الصلاة والسلام فالمتبع يتبع بالدليل ويترك عبودية الهوى!(249/2)
وللعلامة الحنفي البروكي رسالة قيمة فاصلة في المشروع والممنوع من الزيارة:
نبدأ بالحديث الذي بدأ به الفاضل:
وروي أنه رأى رجلاً متكئاً على قبر فقال: لا تؤذ صاحب القبر قال الطيبي هو نهي عن الجلوس عليه
عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «زَارَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ وَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبّي عَزّ وَجَلّ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُوءْذَنْ لِي وَاسْتَأذَنْتُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإنّهَا تُذَكّرُكُمُ الْمَوْتَ
قلتُ: وفيه مسائل:
الأولى: أن الزيارة الشرعية للقبور هي للعظة فقط!! (( فزوروها فإنها تذكركم الموت))
الثانية: فيه رد على جملة من الصوفية في قولهم باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأمه ودخولها الجنة .. وهي كما جاء في الحديث الصحيح في النار.. ولأن المسلم يدعى له بالمغفرة والرحمة ..
الثالثة: رد على أهل الزيارات البدعية والشركية .. فهذه السنة أن يزور الميت ليتعظ .. ويسلم ويدعوا [لهم] بالرحمة إن ماتوا على الإسلام ..
الرابعة: روايات أخرى للحديث تبين الزيارة الشرعية:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنّها تذكركم الآخرة)) رواه أحمد.
قال صلى الله عليه وسلم: (( كنت نهيتكم عن زيارة القبو ر فزوروها فإنها تُزهد في الدنيا وتذكر الآخرة)) روا ابن ماجة(249/3)
الخامسة: قد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة على وجهه فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم ، ونحن بالأثر)) رواه أحمد، والترمذي وحسنه. قلت ورواية (فأقبل عليهم بوجهه) تفرد بها قابوس أبو ظيبان وهو ضعيف .. وتحسين الترمذي لشواهده الكثيرة .. والشاهد: دعائه –بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام- للأموات وسلامه عليهم .. وهذه زيارة أهل السنة ..
هذه الزيارة التي شرعها النبي هل تجد شيئاً مما يعتمده أهل الشرك والبدع؟! أم نجد أنها مضادة لاعتقاداتهم؟!!
الحديث الثاني:
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: «مَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ مَكّةَ أَوِ الْمَدِينَةَ سَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يُعَذّبَانِ وَمَا يُعَذّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمّ قَالَ: بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَبْرِىءُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الاَخَرُ يَمْشِي بِالنّمِيمَةِ. ثُمّ دَعَا بِحَرِيدَةِ فَكَسَرَهَا كَسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كَسْرَةً فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلّهُ أَنْ يُخَفّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا أَوْ إلَى أَنْ يَيْبَسَا
قلتُ: وفي مسائل:
الأولى: إثبات عذاب القبر.
الثانية: أن عمل خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام مؤيد بالوحي(249/4)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " قال المازري: يحتمل أن يكون أوحى إليه أن يخفف عنهما هذه المدة. وعلى هذا فلعل هنا لتعليل.، قال: ولا يظهر وجه غير هذا. وتعقبه القرطبي بأنه لوحصل الوحي لما أتى بحرف الترجي،كذا قال. ولا يرد على ذلك إذا حملناها على التعليل ، قال القرطبي: وقيل إنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر ، لأن الظاهر أن القصة واحدة." إلى آخر تلكم الأقوال .. وكما ترى أنه موقوف على وحي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولا يقاس غيره على هذا.
" وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملاً بهذا الحديث ، قال الطرطوشي: لأن ذلك خاص ببركة يده. وقال القاضي عياض: لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله ((ليعذبان)) " 1/418
قال أبو عبدالله عبدالعزيز بن باز: الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور ، لأن الرسول صلى الله علي وسلم لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها ، ولو كان مشروعاً لفعله في كل القبور. وكبار الصحابة لم يفعلوه ..
وأخيراً ...
فعلقنا على حديثين .. وإلى أن يخبرنا الكاتب-هدانا الله وإياه لاتباع الحق- نتم الكلام لتبيان معنى وصحة هذه الروايات .. ولعلنا في القريب يسمح لنا الوقت لتبيان ذلك ..
ونهديكم بعض من أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام الصحيحة ..
1 – أمره بتسوية القبور:
ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي الهيَّاج الأسدي قال:قال لي علي بن أبي طالب: (( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته"
2 – لعنه صلى الله عليه وسلم لمن يتخذ القبور مساجد:(249/5)
في الصحيحن من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: " لمَّا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصةً له على وجهه ، فإذا اغتمَّ بها كشفها عن وجهه ،فقال وهو كذلك: لعنةُ الله على اليهود والنصارى ، اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد يُحذِّرُ ما صنعوا))
3 – نهيه عليه الصلاة والسلام عن اتخذا القبور مساجد:
وثبت في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبدالله البَجَليِّ أنَّه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمسٍ وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلاً ، ولو كنت متخذ خليلاً لأتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك))
4 – شرار الخلق عند الله الذيب يبنون المساجد على القبور:
كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وصف الذين يبنون المساجد على القبور بأنهم شرارُ الخلق..
والأحاديث في هذا الأمر في الصحيحين أكثر من أن تذكر .. وإلى لقاء قريب .. بانتظار توجيه ما استشهد به أيها العضو المكرم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(249/6)
الرد المؤّصل على تلبيسات وتدليسات (العسيري) في مقالهِ [الشيخ محمد عبدالوهاب والتوسل]
أبو عمر الدوسري(المنهج)
فهذا ردٌ على أهل البدع في تلبيسهم وتدليسهم!!رأيت أن أنقلهُ لإخواني لعل الله ينفعُ به..
ولضيق الوقت لم أنقح فالعفو..
إن الحمد لله نحمد،ونستعينهُ،ونستغفرهُ،وأصلي على نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:
أما بعد:
فقبل الشروع في الموضوع،وتوضيح تدليس (اللص!!) ذو الفكر المخلوع،الذي كان محط فهمه التدليس والتلبيس،ومن قبل كان إماماً في السرقة من أهلِ التحريف،إنه المدعو بـ(ـالعسيري) وعائلة العسيري السنية من هذا الصوفي براء،وبعدها إضافة المتسمية بـ(ـعاشقة الإسلام!!) .
فإني عاقد العزم على السفر،وقد أتغيب في الأيام القادمة أياماً قد تطول،ولابد لنا من زيارتكم لرؤية آخر الأخبار،فأني أطلب من رجلٍ –أظنهُ فيما أرى ولا أزكي على الله أحداً- صالحاً تقياً وشيخاً فاضلاً إنه الشيخ عباس رحيّم حفظه الله،فأطلب منه الدعاء لنا بالتوفيق في الدنيا والآخرة،وأن يعنني على ما أهمني،وبسببه قد تطول غيبتي، فإن التوسل بدعاء الصالحين مشروع،فقد طلب الصحابة من النبي عليه السلام الدعاء لهم،وكذلك الصحابة لما مات النبي عليه السلام لم يتوسلوا بالنبي بعد موته؛بل توسلوا برجلٍ صالحٍ (حي) يدعوا لهم في طلب الغوث من السماء من عم النبي العباس رضي الله عنه كما في الحديث المعروف،فتأسياً بالصحابة رضوان الله عليهم أطلب من الشيخ الدعاء.وهذا مطلبٌ مهم يجب أن يُنظر إليه ويتأمل بعين البصيرةِ للبصر!!
والآن نقف مع تلبيسات الصوفي (العسيري) والتي عقبت عليه (عاشقة الإسلام)
ينقل هذا الصوفي الكلام التالي:
اقتباس:
الشيخ محمد بن عبد الوهاب لاينكر التوسل . وانما انكر الاستغاثه .(250/1)
سئل الشيخ محمد عبد الوهاب عن قولهم في الاستسقاء لا بأس بالتوسل بالصالحين ) وقول أحمد : (يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصه ) مع قولهم : انه لا يستغاث بمخلوق , فقال : فالفرق ظاهر جدا , وليس الكلام مما نحن فيه , فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين , وبعض يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم , واكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه فهده المسأله من مسائل الفقه , وان كان الصواب عندنا قول الجمهور من انه مكروه , فلا ننكر على من فعله , ولا انكار في مسائل الاجتهاد ولكن انكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر او غير ه يطلب فيه تفريج الكربات واغاثه اللهفات واعطاء الرغبات . فأين هذا ممن يدعو الله مخلصا له الدين لايدعو مع الله أحدا , ولكن يقول في دعائه : اسألك بنبيك أو بالمرسين او بعبادك الصالحين , أو يقصد قبرا معروفا أو غيره يدعو عنده لكن لا يدعو الا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه .
انتهى من فتاوي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مجموعه المؤلفات القسم الثالث ص 68 التي نشرتها جامعه الامام محمد بن سعود الاسلاميه في اسبوع الشيخ محمد بن عبدالوهاب
والعضو المتسميـ(ـة) بـ(عاشقة الإسلام) وهذا نقلها وتعليقها:
اقتباس:
أريد أن أذكر لكم ماجاء عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته الموجهة لأهل القصيم واستنكاره الشديد على من نسب إليه تكفير المتوسل بالصالحين ،
وقال : إن سليمان بن سحيم افترى عليّ أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي ، فمنها : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ، وأني أحرق دلائل الخيرات ..
وجوابي عن هذه المسائل : أني أقول سبحانك هذا بهتان عظيم ...(250/2)
وجاء أيضاً تأييد قوله هذا في رسالة أخرى له بعثها إلى اهل المجمعة يقول فيها : إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها ، منها ماهو من البهتان الظاهر وهو قوله : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري إلى آخر ما قال ، ثم قال : وجوابي فيها أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ...
( انظر الرسالة الأولى والحادية عشرة من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس 12 وص 64 ) ...
أختكم في الله / عاشقة الإسلام ...
أقول وبالله التوفيق:
فإن أهل البدع يؤولون الكلام على ما يشتهون!!فكما بين الصوفي –ومن فيك أُدين- أن الإمام يُنكر الاستغاثة!!وأهل البدعِ لا يفرقون بين التوسل والاستغاثة.
فهذا شيخ ضال مبتدع اسمهُ دحلان،يؤصل فهم أهلِ البدع،فيقول:
"فالتوسل والتشفع والاستغاثة كُلها بمعنى واحد"
فأعد النظر في فهم هذا المبتدع!!
وهكذا قال ضال آخر اسمه السمنودي في عدم التفريق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو الاستغاثة أو التوجيه.
وغير ذلك من أقوالِ أهل البدع،في بيان ما يعتقدون بعدم التفريق بين التوسل والاستغاثة،والشيخ الإمام-كما بين ونص عليه العسيري- أنهُ ينكر الاستغاثة؛فما قول أهل البدع في هذا؟!!
قبل أن نوضح عبارات الإمام نبين مصطلح "التوسل" وما يحملهُ من الإجمال الذي لابد من تفصيله،وما يتضمنهُ من الإطلاق الذي لابد من تقييده.يقول صاحب كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) :
"إن التوسلَ فيهِ إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح،فمعناهُ في لغةِ الصحابةِ والتابعين طلب الدعاء من النبي أو الصالح،أو التوجيه بدعائه ...
وأما معناهُ في لغة المعاندين فهو أن يسأل الله عز وجل بذات ذلك المخلوق،ويقسم عليه تعالى به،أو يسأل ذلك المخلوق نفسه على معنى أنهُ وسيلة من وسائل الله يتقرب بذاتهِ ويسأل عن شفاعته .. "
ويوضح الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ الإمام رحمه الله ما يحتويه لفظ "التوسل" من الاشتراك،فيقول:(250/3)
"إن لفظ التوسل صار مشتركاً،فعبّاد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله،ودعائه رغباً ورهباً والذبح والنذر والتعظيم بما لم يُشرع في حقِّ مخلوق.
وأهل العلمِ يطلقونهُ على المتابعة والأخذِ بالسنةِ فيتوسلون إلى الله بما شرعه لهم من العبادات،وبما جاء به عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا هو التوسل في عرفِ القرآنِ والسنة ... ومنهم من يطلقهُ على سؤال الله ودعائهِ بجاهِ نبيهِ أو بحقِ عبده الصالح أو بعبادهِ الصالحين...." كما في منهاج التأسيس 267.
وكذلك بيّن ذلك علامة العراق الآلوسي رحمه الله في ما يتضمنهُ لفظ التوسلِ من إجمال،فقال رحمه الله:
"إن لفظ التوسل صار مشتركاً على ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة التي يُحبها الربُ ويرضاها،ويُطلق على التوسل بذواتِ الصالحين ودعائهم واستغفارهم،ويطلق في عُرفِ عُبادِ القبورِ على التوجه إلى الصالحين ودعائهم مع الله في الحاجات والملمَّات" كما في فتح المنان تتمة منهاج التأسيس 400.
لقد استغل الخصوم وأهل البدع والضلال هذا الإجمال والاشتراك في لفظ التوسل،فقلبوا الحقائق،وأجازوا دعاء الموتى،والاستغاثة بهم باسم التوسل،ثم زعموا أن الشيخ الإمام يُكفّر من توسل بالأنبياء والصالحين.
فزعم ابن سحيم أن الشيخ الإمام محمد يكفّر من توسل بالصالحين.
والرافضي الخبيث العاملي-عاملهُ الله بما يستحق- كذباً وزوراً،يقول:
"والتوسل بأنواعهِ مما منعهُ الوهابية وجعلوهُ شركاً" .
إن الشيخ الإمام كفّر من استغاث بالأمواتِ سواء كانوا أنبياء أو أولياء ولو سميت تلك الاستغاثة توسلاً،فالعبرة بالحقائقِ والمعاني وليست بالأسماءِ والمباني،فالتوسل عند عبّاد القبور يطلقونهُ على الاستغاثةِ بالموتى وطلب الحاجات منهم.
وأما دعوى أن الشيخ كفّر من توسلَ بالصالحين،بمعنى سؤال الله بجاه هؤلاء الصالحين فقد أجاب الشيخ الإمام على تلك الدعوى –رداً على ابن سحيم- فقال:(250/4)
"فالمسائل التي شنع بها،منها ما هو من البهتان الظاهر –وذكر الشيخ منها- قوله:أني أكفر من توسل بالصالحين،وجوابي أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم".
-وبإذن الله سأعلق على كلام (عاشقة الإسلام) قريباً إن لم يداهمني السفر-
وفي المقابل نجد أن خصوماً فهموا أن الشيخ لا ينكر الاستغاثة بالموتى –كما تقدم عدم تفرقتهم بين التوسل والاستغاثة- وطلب الحاجات منهم،واحتجوا بجوابٍ كتبهُ الشيخ الإمام في حكم التوسل إلى الله بالصالحين-وهو الذي نقله العسيري- ذكر فيه:أنه لا ينكر من توسل بالصالحين؛لأنها من مسائل الفقه،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،مع أن الشيخ الإمام صرّح،ووضّح في نفسِ الجواب الفرق بين التوسل بذواتِ الصالحين بمعنى سؤال الله بذواتهم،وبين سؤال الصالحين ودعائهم والاستغاثة بهم –فيما لا يقدر عليه إلا الله-،فكان مما قالهُ رحمه الله:
"العاشرة- قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين: وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة،مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق، فالفرق ظاهر جداً,وليس الكلام مما نحن فيه,فكون بعضٍ يرخِّص بالتوسلِ بالصالحين,وبعضـ(ـهم) * يخصُّه بالنبي صلى الله عليه وسلم,وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه،فهده المسألة من مسائل الفقه،ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه فلا ننكر على من فعله،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،لكن إنكارنا على من دعا (المخلوق) ** أعظم مما يدعو الله تعالى،ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غير ه يطلب فيه تفريج الكربات،وإغاثة اللهفات،وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً,ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين،أو يقصد قبراً معروفاً أو غيره يدعوا عنده،لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟"(250/5)
أقول فإنه يُغفر (للعسيري) أخطائه الإملائية الكثيرة في نقله لكلام الشيخ إلا في:
* فنقصان (هم) بعضهم نقصان يُخل بالكلام،وقد أضفت ما أخل بهِ.
** أما المخلوق فقد نقلها العسيري كما في الطبعة (لمخلوق) والصواب ما أثبتهُ شيخنا عبدالعزيز العبداللطيف بزيادة (ال) لأن ال التعريف وليست لاماً،وعلى هذا جرى التنبيه!!وإن كان لا يخل بالمعنى إخلالاً كبيراً وجودها أو نقصانها،ولكن الأصل الواضح كما أن الطبعات تختلف من ناحية الدقة في التحقيق.
أقول:
فاحتجوا –كما ذكرنا سابقاً أهل الضلال الذين يجوزون الاستغاثة- بهذا النص الذي هو حجة دامغة عليهم،وادعوا به جواز الاستغاثة بالموتى الصالحين باسم التوسل،مع كلام الشيخ دليل عليهم لا لهم،وردٌ على خطئهم وانحرافهم.
وبعد هذا التبيان للتدليس الذي يُريدهُ أصحاب الصوفية والقبورية بجوازِ صنيعهم من الاستغاثة بالموتى.
وتقريراً لما سبق،ووضع النقاط على الحروف،ورداً على نقاط (العسيري!!) الذي لم يفهم لأنه لا يفرق بين التوسل والاستغاثة:
1- قول (العسيري) 1- لا بأس بالتوسل بالصالحين: 3- وقول احمد ( يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ). - فكون البعض يرخص بالتوسل بالصالحين وبض يخصهُ بالنبي صلى الله عليه وسلم
والتعليق-وآمل أن يعذر الجميع على أغلاطهِ الإملائية-:
أن الشيخ يعني بالتوسل بالصالحين أي دعائهم!!والإمام أحمد رخص في توسل النبي خاصة وكرهَ غيره،فلقد قال لي أحد شيوخي بأن الإمام أحمد كان يكره –وكلمة يكره عند السلف على التحريم لكنهم يتورعون يقول حرام ثم يكون قد أخطأ- أن توصي أحداً بالدعاءَ.والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الله عليه وسلم مات،فلا يتوسل بهِ ولا بغيره عند الإمام أحمد.
2- قول (العسيري) 2- او يقصد قبرا معروفا اوغيره يدعو عنده ؟؟؟:
والتعليق:(250/6)
أن الشيخ يقول: "لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى،ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غير ه يطلب فيه تفريج الكربات،وإغاثة اللهفات،وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً"
وهذا فيه بيان رائع بأن إنكار الشيخ في من يدعوا غير الله قولهم: يا جيلاني،يا بدوي،ويا حسين وغيرها من هذه الأمور!!
كما أن كلام الشيخ يُفيدُ تحريم الذهاب للقبور بقصدِ الدُعاءِ عندها،لأجل دعوى أن هذا ولي أو غيره من دعوات المشركين والضالين.
3- قول (العسيري) 4- ولكن يقول في دعائه ( اسألك بنبيك او بالمرسلين....).:
والتعليق:
أن قول الشيخ: " ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين،أو يقصد قبراً معروفاً أو غيره يدعوا عنده،لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟"
هذا كلامٌ عظيم،فكلام الشيخ يُفيد بأن من يطلب هذا الأمر لا يدعوا إلا الله،فهذا نحن نخالفهُ في قولهِ –أي من يدعي بهذا الدعاء- ؛لكن لا يدعوا غير الله يعني يطلب كل أمرٍ من الله،فأنظر قول هذا الرجل (أسألك بنبيك) ولم يقل يا نبي الله لكن قول يا نبي الله شرك!! وهو تخصيص الشيخ وقوله: " لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟" وصدق الشيخ وأين نحن من هذا؟!
4- قول (العسيري) 3- وقوله : فهده المسأله من مسائل الفقه ؟؟ .6- لا انكار في مسائل الأجتهاد .
والتعليق:
قوله من مسائل الفقه،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،هذا إذا كان (توسل) وليس (استغاثة!!) والفرق بينهما كبير!!ولذا قال الشيخ وعَلَقَ خاتماً وناسفاً أباطيل القبوريين والصوفية ومن تبعهم ممن (يستغثون) بالموتى!!فقد قال: " فأين هذا مما نحن فيه؟"
فإذا بان لك هذا..وسيتضح بجلاء من كلامِ طلابه ومن أئمة الدعوة من بعده؛فارتقب!(250/7)
رأيت أن القوم أصحابُ تلبيسٍ وتدليسٍ؛وسبب قولهم هذا أنهم يريدون (الشرك!!) وأهل السنة يُنكرون عليهم!!فقام أريناك شيخهم دحلان الضال كيف لا يفرق بين التوسل والاستغاثة،وهو عينُ مذهب أهل الصوفية والقبورية.
فرحم الله الشيخ الإمام ينصح لهم ويوجههم؛ولكنهم لا يستجبون!!بل أهل تلبيسٍ وتدليسٍ كما بان معك!!
وبعد أن بينا مواطن التلبيس!!وتعليقاتهِ التي فيها تدليس!!نشرع في بيان التوسل الشرعي بياناً موجزاً كما بينه وقررهُُ طُلابُ الشيخِ الإمام وتلاميذهُ من أئمةِ الدعوة من بعده،فهم أدرى بمقصودهِ،و مقصودهُ واضحاً ولكن لردِ تلبيسات أهل البدع!!
.............
إن التوسل الشرعي إما أن يكون بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى،وإما أن يكون التوسل بالأعمالِ الصالحة،وإما أن يكون التوسل بدعاءِ الرجلِ الصالح.
وقد أشار الشيخ حمد بن ناصر بن معمر إلى هذه الأنواع الثلاثة التي تشمل التوسل الشرعي فقال:
" .. الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم هو التوسل إلى الله بالأسماء والصفات والتوحيد،والتوسل بما أمر الله به من الإيمان بالرسول ومحبتهِ وطاعتهِ ونحو ذلك،وكذلك توسلوا بدعاءِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وشفاعته في حياتهِ،وتوسلوا بدعاءِ العباس وبيزيد .." الدرر السنية 9/17.
ويذكر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الحصين بعض أنواع التوسل المشروع فيقول:
"فلم يبقى إلا التوسل بالأعمالِ الصالحة كتوسلِ المؤمنين بإيمانهم في قولهم: {ربنا إننا سمعنا منادي ينادي للإيمان} .... وكتوسلِ أصحاب الصخرة المنطبقةِ عليهم،وكسؤالهِ تعالى بأسمائهِ الحسنى،وصفاتهِ العلى،وهذا معنى قولهِ تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليهِ الوسيلة} فإنها القربة التي تتقرب إلى الله وتقرب فاعلها منه،وهي الأعمال الصالحة" الدرر السنية 2/85 باختصار.
ويوجز الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب أنواع التوسل المشروع بقوله:(250/8)
"التوسل المشروع الذي جاء به الكتاب والسنة هو التوسل إلى الله سبحانهُ وتعالى بالأعمالِ الصالحاتِ،والأسماءِ والصفاتِ اللائقة بجلالِ رب البريات،وكذلك التوسل إلى الله بدعاءِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشفاعتهِ في حياتهِ،وبدعاءِ غيرهِ من الأنبياء والصالحين في حياتهم" الدرر السنية 9/232.
ويبين الشيخ سليمان بن سمحان التوسل المشروع،وأنه ما كان في عرف الصحابة والتابعين،فيقول:
"التوسل في عرف الصحابةِ والتابعين هو طلب الدعاء من الرسول في حياتهِ كما كانوا يتوسلون بهِ عند القحط،فيدعوا الله ويستسقيهِ،فيسقيهم الله،ثم بعد مماتهِ توسلَ عمر بدعاءِ عمهِ ... فهذا من التوسل المشروع،والشيخ –أي محمد بن عبدالوهاب- لا يمنع من هذا ولا ينكرهُ" الأسنة الحداد 150 باختصار،وأنظر 231.
فالتوسل الشرعي معلوم ومفهوم بأدلته وأنواعهِ،وكما قال أبو السمح:
"وأما التوسل إلى الله تعالى فقد أمر تعالى به إجمالاً وتفصيلاً،وبيّنهُ رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قولاً وعملاً حتى أصبح من فلق الصبح .." الرسالة المكية 29.
وقد فصل القصيمي أنواع التوسل المشروع،فجعلها أحد عشر نوعاً،وهي في كتابهِ البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية في الصفحات (22-25) ،وهي في الحقيقة مندرجة ضمن الأنواع الثلاثةِ من التوسلِ المشروع.
وهذا التوسل المشروع قد أقر به الشيخ رحمه الله،وكذا أتباعهُ،امتثالاً لما شرعه الله تعالى لعبادهِ من الوسائل التي تقربهم إليه.
لذا يقول شيخ حلب وسوريا محمد نسيب الرفاعي في كتباهِ القيم (الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب) ص20:
"فإن أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب يقرون بالتوسلِ المشروعِ،ويدعون إليهِ .. فهل الإنصاف يا ناس أن نتهم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بأنها تنكر التوسل،ونقيم الدنيا عليهاونقعدها بالباطل،بينما هي تقر بالتوسل على ما يحب الله ورسوله،وتحضّ المسلمين عليه".(250/9)
وفي هذا نختم الكلام،في إيضاح التلبيس الصوفي،وتدليس (العسيري) الصوفي في تعليقاتهِ،وما لم تفهمهُ من نقلها (عاشقة الإسلام) وكان الواجب أن تنقل المسألة لا شهوة وهوى!!بل تنقلها أجمع!!من السؤال والجواب والتعليق!!
فمثلاً:ما نقل (العسيري!!) هنا لو قطع منه شيء على هواهَ،لأصبح محرفاً وبدل الكلم عن مواضعه،كم يقول {ولا تقربوا الصلاة} ويسكت فهذا تحريف!! وإلا الحق أن يكمل الآية،وأن تكملي المسألة..
ومما ينبغي أن أذكرهُ-وبركة العلمِ نسبتهُ لأهله- فهذا مما علمنا شيخنا عبدالعزيز المحمد العلي العبداللطيف غفر الله لهُ ورفع منزلتهُ في عليين.
وأصلي وأسلم على الهادي الأمين محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وأصحابه الميامين.
قَيَدَهُ راجي مغفرة ربه والعفو لهُ ولوالديه ولمشائخه.
...........
الحق أبلج والباطل لجلج ردٌ على (العسيري) المُهرج تتمة الرد المؤصل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفره،ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله،وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد قرأت ما خطه المدعو بـ(العسيري) في موضوع التوسل:
وقبل البدء،أقول،من واجبِ من أخطأ ويستبين له،أن يقول أخطأت في ذلك الأمر.
فمن موضعه المستخدم فيه التشغيب واللف على الكلام،وتحميل بعض الأمور ما لا تحتمل؛وهذا ليس غريباً فأول موضوعٍ له حمل الشيخ وحرف كلامه وألزمه في بعض الأمور عد إليها فهي والله مضحكة..
ولكن من باب (معذرة إلى ربكم ولعلهم يرجعون) نبين لهم خطأهم وما يستشكل عليه،وللأسف بعد هذا يأكل قلبه الهوى فيضربَ أخماس بأعشار لينتقم لنفسه،وإلا لقال بأن موضوع –مثلاً- الصوفية من أول يوم بأنه كان على خطأ والآن فطن للحق!!لكن الهوى يصرف البينة كما بان لك،فتأمل!(250/10)
فلما رأيت أن الأمر خرج عن رغبة الحق إلى مسألة الانتصار للنفس،وقفت-وخاصة مع زحمة أعمالي وسفري- هل أبين له أم أحاول الظفر بقوله عليه السلام: ((أنا زعيم بيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً)) ولكني تذكرت بأن المعذرة لا تقوم حتى يبين فإن زاد في المراء فالوقت أثمن ما عُنيت به،فقلت من باب (ليهلك من هلك على بينه) نبين ونقف ولو لمدة أسبوع نتفرغ لهم ونحتسب ذلك عند الله.
وقد قرأتُ مقالته وعجبت لرغبة الانتصار حتى بالكذب،ومقالته تلك يُبين عواره!! وخطأهُ وجهله!!وقد صدق في واحده من مائة كذبة،وهي أنني صرفت كلام الشيخ على ما أرى أنه هو السنة،وإن كان ما قاله الشيخ قد بين بأنه بدعة!!ولاشك أن جهله جعله يتشدق في بعض الأمور كدعاء الصالحين وبينت أن العالم حجة على من لم يعلم،وسيأتي بيان ذلك،علماً أنني بينت مُراد الشيخ في الأسفل في التعليق ولونته بالأخضر فعد وتأمل!
وقد أبنت في ذاك الموضوع أن سفري قد قرب فتأخر الرد بالسبب المذكور فلما محاولات التشغيب!!
فابدأُ مستعيناً بالله:
حتى لا تختلط الأمور:
1- فهمت من كلامك أنك تنهى عن الاستغاثة بالأموات؛ولكن موضعك الجديد لم ينبأ عن شيء من ذلك!! –ارجوا قبل التعليق أن تعيد قرأة العبارات بدقة وإن لم تفهم اسأل من يتقن اللغة العربية-
أعني بأن مسألة يجب الفراغ منها والبدء بها-إن كنت تفهم فأفهم فكيف يكون فراغ وبدء هذه من أسرار اللغة والتي تعني بدء الموضوع بالانتهاء من هذه النقطة والإنسان يجب أن يوضح إذا حاور الجُهال!!-
ألا وهي مسألة الاستغاثة بالأموات كدعاء الميت وقول يا بدوي يا دسوقي يا جيلاني يا محمد!!
فهذا شرك مع الله عز وجل ولا يجوز!!
والشيخ نبه على أن الاستغاثة بالأموات لا تجوز..
وقد ابرزت أنت هذا!!
وموضوعك التالي جدد لدي التوقع الذي أردته،والذي أصابه أخي الفارس وفقه الله،فأنت بنقلك وإشادتك يعني أنك توافق الشيخ!!فكيف تنتكس في ردك الأخير!!!
تناقض!!!(250/11)
فما تفسير هذا التناقض؟!!
رغبة هوى في القلب يخرجها الله،فالألسن مغاريف القلوب ومهما أسر من بضاعة وإن خالها تخفا على الناس تُعلم.
فإذا كان على هذه الصورة فكيف سيستفيد من النقاش؟؟!!
فهذه المسألة ننتهي منها وهي الاستغاثة وعد إلى الموضوع الأصلي الرد المؤصل فقد بينت فيه التفريق بين الأمرين:
قال العسيري: " شيخ محمد بن عبد الوهاب لاينكر التوسل . وانما انكر الاستغاثه ."
ونعود لقول الشيخ: " الاجتهاد،لكن إنكارنا على من دعا (المخلوق) ** أعظم مما يدعو الله تعالى،ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غير ه يطلب فيه تفريج الكربات،وإغاثة اللهفات،وإعطاء الرغبات"
وأظن بأن هذا من الوضوح لا يخفى.
وأنقل لك رابط لمسألة التفريق بين الأمرين التوسل والاستغاثة:
########موجود في الأعلى ولا داعي لروابط أهل البدع######
وحتى لا أطيل أقول:
بأن كل ما قلته مُسبقاً هو الراجح ولم أرى إلا مسألة واحده وهي قول الشيخ في التوسل فالشيخ يقول في مسألة التوسل بالجاه مثلاً ولكن الدعاء بالله فيقول اللهم إني اسألك بجاه محمد فهذا الأمر منكر وبدعة وليس شركاً ولكن لو قال يا محمد فهذا عين الشرك.
وقلتُ في الرد المؤصل:
" أن الشيخ يقول: "لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى،ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غير ه يطلب فيه تفريج الكربات،وإغاثة اللهفات،وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً"
وهذا فيه بيان رائع بأن إنكار الشيخ في من يدعوا غير الله قولهم: يا جيلاني،يا بدوي،ويا حسين وغيرها من هذه الأمور!!
كما أن كلام الشيخ يُفيدُ تحريم الذهاب للقبور بقصدِ الدُعاءِ عندها،لأجل دعوى أن هذا ولي أو غيره من دعوات المشركين والضالين."
وفيه بيان لكلام الشيخ واضح وهذا هو المُراد ولكنه أراد التشغيب!!
قلتُ في الرد المؤصل:(250/12)
3-“ قول (العسيري) 4- ولكن يقول في دعائه ( اسألك بنبيك او بالمرسلين....).:
والتعليق:
أن قول الشيخ: " ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين،أو يقصد قبراً معروفاً أو غيره يدعوا عنده،لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟"
هذا كلامٌ عظيم،فكلام الشيخ يُفيد بأن من يطلب هذا الأمر لا يدعوا إلا الله،فهذا نحن نخالفهُ في قولهِ –أي من يدعي بهذا الدعاء- ؛لكن لا يدعوا غير الله يعني يطلب كل أمرٍ من الله،فأنظر قول هذا الرجل (أسألك بنبيك) ولم يقل يا نبي الله لكن قول يا نبي الله شرك!! وهو تخصيص الشيخ وقوله: " لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟" وصدق الشيخ وأين نحن من هذا؟!"
وهنا يستبين لك جهل المتخبط (العسيري) وإرادة التشغيب فأنا قلت هنا والكلام واضح بأن المسألة ليست شرك!!
"فأنظر قول هذا الرجل (أسألك بنبيك) ولم يقل يا نبي الله لكن قول يا نبي الله شرك!!"
أنظر ودقق النظر:
" لكن لا يدعوا غير الله يعني يطلب كل أمرٍ من الله،فأنظر قول هذا الرجل (أسألك بنبيك) ولم يقل يا نبي الله لكن قول يا نبي الله شرك!! وهو تخصيص الشيخ وقوله: " لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟" وصدق الشيخ وأين نحن من هذا؟!" "
فردنا كان على خلفية فراستي بمُرادك بأن تُريد الإستغاثة وليس التوسل..
فأين نحن ممن يقول بجاه محمد أو اسألك بنبيك وهذا توسلٌ بالله ولكنه مبتدع غير مشروع،وإلا لقام عمر وتوسل بجاه النبي عليه السلام،علماً أن النبي لهُ جاه وهو عظيم،ولكن صاحب الجاه هو من أمرنا باتباعه ولا تعبد إلا بالدليل..
قلتُ في الرد المؤصل:
" 4- قول (العسيري) 3- وقوله : فهده المسأله من مسائل الفقه ؟؟ .6- لا انكار في مسائل الأجتهاد .
والتعليق:(250/13)
قوله من مسائل الفقه،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،هذا إذا كان (توسل) وليس (استغاثة!!) والفرق بينهما كبير!!ولذا قال الشيخ وعَلَقَ خاتماً وناسفاً أباطيل القبوريين والصوفية ومن تبعهم ممن (يستغثون) بالموتى!!فقد قال: " فأين هذا مما نحن فيه؟" "
ولذلك قلتُ بأنني سأبين لدفع تدليس وتلبيس الصوفي العسيري بأقوال أئمة الدعوة:
قلتُ:
"
فإذا بان لك هذا..وسيتضح بجلاء من كلامِ طلابه ومن أئمة الدعوة من بعده؛فارتقب!
رأيت أن القوم أصحابُ تلبيسٍ وتدليسٍ؛وسبب قولهم هذا أنهم يريدون (الشرك!!) وأهل السنة يُنكرون عليهم!!فقام أريناك شيخهم دحلان الضال كيف لا يفرق بين التوسل والاستغاثة،وهو عينُ مذهب أهل الصوفية والقبورية.
فرحم الله الشيخ الإمام ينصح لهم ويوجههم؛ولكنهم لا يستجبون!!بل أهل تلبيسٍ وتدليسٍ كما بان معك!!
وبعد أن بينا مواطن التلبيس!!وتعليقاتهِ التي فيها تدليس!!نشرع في بيان التوسل الشرعي بياناً موجزاً كما بينه وقررهُُ طُلابُ الشيخِ الإمام وتلاميذهُ من أئمةِ الدعوة من بعده،فهم أدرى بمقصودهِ،و مقصودهُ واضحاً ولكن لردِ تلبيسات أهل البدع!!"
وعند هذا يتبين للمنصف أن كلامي هناك هو عين مُراد الشيخ إلا في واحدة وهي قولي بأن الشيخ أراد دعاء الصالحين ولا شك بأن دعاء الصالحين الأحياء هو ما دل عليه الدليل وإن أنكره من أنكره!
فعند إذ يتبين لك الفرق الكبير بين التوسل والاستغاثة!!
وهنا –تنبيه- إلا أن ما تفرست به وقع وهو إرادة القول بالاستغاثة..
فأنظر موضوعه:
الكلام المبهرج في تشغيبه على مقالة فضحته باسم المنهج-تعديل هذا هو الأليق بالعنوان كما بُين وسيتبين-
#########################
عندها أقف داعياً له بأن يزيل الله عنه الغشاوة،وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه،وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أما مشوار الرد:
2- شرح كلام الشيخ الإمام.(250/14)
3- تشغيب الصوفي المدعو بـ(العسيري) اللئيم والكذب فضحه الرب العليم.
.............
2- شرح كلام الشيخ الإمام:
مع أنني وضحت له بياناً مفيداً،فإنه لا يريد البيان ولكن أراد التشغيب وأراد دفع القول لمراد هذا الظالم الغشيم،لكن نبين ونتوسع في التبيان،ولا حرج؛لعدة أسباب،منها:
- تبيان مُراد الشيخ،ولو أنني أراه من الوضوح بمكان.
- ما هو قول أحمد!!لترى أن (العسيري) يُريد بكذبه وجهلة أن يتقول على الإمام أحمد!!فالإمام روايته الراجحة المشهورة هي بعكس ما نقله البعض.
- توضيح مُراد الشيخ بقول أحمد وما هو هذا القول.
- التوسل بالجاه ما رأي الشيخ هل هو بدعة؟؟!!خاصة أنهُ يكرهه؟؟!!وهل ينكر عليه؟؟!وهل هو بدعة؟؟!!وما الفرق بينها وبين قوله يا محمد وغيره؟؟!!
- ستجد كيف أن (العسيري) يكذب على أهل العلم ويحرف أقوالهم؟؟!!
- تبيان خيانته العلمية حين يأخذ قول لا يفقه معناه ويبني عليه بعقليته المحرفة بنيانٌ يهوي بقذيفة من قذائفِ الحق،أنظر قوله عند قبر!
- وغيرها من النقاط....
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله:
"(250/15)
"العاشرة- قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين: وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة،مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق، فالفرق ظاهر جداً,وليس الكلام مما نحن فيه,فكون بعضٍ يرخِّص بالتوسلِ بالصالحين,وبعضهم يخصُّه بالنبي صلى الله عليه وسلم,وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه،فهده المسألة من مسائل الفقه،ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه فلا ننكر على من فعله،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى،ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات،وإغاثة اللهفات،وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً,ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين،أو يقصد قبراً معروفاً أو غيره يدعوا عنده،لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟"
شرح كلام الشيخ:
أقول وكلام الشيخ –رحمه الله- واضح..وفيه:
- أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك.
- أن دعاء غير الله نحو قول يا جيلاني ويا حسين ويا محمد هي من الاستغاثة وهي شرك.
- أن التوسل بالصالحين أي دعائهم-أنظر من تأمل عرف- وهم أحياء جائز-وهذا يأخذ ممن فهم المقال-.
- أن التوسل بالصالحين أنواع:
منه التوسل بدعائهم فهذا يأخذ من كلام له في مواضع أخرى-والحق أن يُربط الكلام بعضه ببعض وأن يفصل المجمل على أقواله الأخرى المفصلة-.
ومنه أن التوسل بالصالحين أي بدعائهم نحو قول يا محمد ويا حسين هذا شرك وليس توسلاً بل استغاثة.
والدعاء عبادة لا تصرف إلا لله.(250/16)
ومنه أن التوسل بالصالحين بدعاء الله نحو قول اسألك بجاه محمد أو اسألك بنبيك،اسألك بعبادك الصالحين فهذا توسلاً ودعاء لله بالصالحين وهذا مُراد الشيخ : " فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً,ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين" وهو عند الشيخ : " ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه" ولاشك أنه بدعة عند الشيخ وهذا يبينه كلام الشيخ على مُراد الجمهور،ويبينه-كما يقول العسيري أعلم الناس بالشيخ أبنائه أعلمُ بما أراد – حفيدهُ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب حيث يقول: "وكذلك التوسل إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته،وبدعاء غيره من الأنبياء والصالحين في حياتهم،فهذا كله مُستحب،كما توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى وسلم وشفاعته في حياتهم،وتوسلوا بدعاء العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم،وبدعاء يزيد بن الأسود الجرشي.
وأما التوسل بجاهِ المخلوقين،كمن يقول:اللهم إني أسألك بجاهِ نبيك محمد ونحو ذلك.فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم،وأكثر العلماء على النهي عنه،وحكى ابن القيم رحمه الله تعالى أنه بدعة إجماعاً،ولو كان الأنبياء والصالحون لهم جاه عند الله سبحانه وتعالى فلا يقتضي ذلك جواز التوسل بذواتهم وجاههم،لأن الذي لهم من الجاه والدرجات أمر يعود نفعهُ إليهم،ولا ننتفع من ذلك إلا باتباعنا لهم،ومحبتنا لهم،والله المجازي على ذلك.
وأما التوسل بذواتهم مع عدم التوسل بالإيمان والطاعة فلا يكون وسيلة،ولأن المتوسل بالمخلوق إن لم يتوسل بما يحصل من المتوسل به من الدعاء للمتوسل أو بمحبته واتباعه فبأي شيء يُتوسل؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الاستغاثة:(250/17)
ما زلت أبحث وكشف ما أمكنني من كلام السلف والأئمة والعلماء هل جوز أحد منهم التوسل بالصالحين في الدعاء أو فعل ذلك أحد منهم فما وجدته؛ثم وقفت على فتيا للفقيه أبي محمد ابن عبدالسلام،أفتى بأنه لا يجوز بغير النبي صلى الله عليه وسلم وأما بالنبي صلى الله عليه وسلم
فجوز التوسل به إن صح الحديث في ذلك.
وذكر القدوري في (شرح الكرخي) عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز أن يسأل الله بالأنبياء،انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
قال القدوري:المسألة بخلقهِ لا تجوز،لأنه لا حق للمخلوق على الخالق،فلا تجوز معنى وفاقاً.انتهى.
....[ثم بين الشيخ أدلة من أجاز المسألة بالمخلوقين وفندها وسنأتي بها بعد قليل حتى قال]
واعلم أن التوسل بذات المخلوق أو بجاهه غير سؤالهِ ودعائهِ.
فالتوسل بذاتهِ أو بجاههِ أن يقول:اللهم اغفر لي وارحمني أدخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم،أو بجاهِ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ،ونحو ذلك فهذا بدعة ليس بشرك.
وسؤالهُ ودعاؤهُ هو أن يقول:يا رسول الله أسألك الشفاعة وأنا في كرب شديد فرج عني أو استجرت بك من فلان فأجرني،ونحو ذلك،فهذا كفر وشرك أكبر ينقل صاحبه عن الملة،لأنه صرف حق الله لغيره،لأن الدعاء عبادة لا يصلح إلا لله،فمن دعاهُ فقد عبده،ومن عبد غير الله فقد أشرك،والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر.
وكثير من الناس لا يفرق بين التوسل بالمخلوق أو بجاههِ وبين دعائهِ وسؤالهِ،فافهم ذلك وفقنا الله وإياك لسلوكِ أحسن المسالك." الدرر السنية 2/102-106.
قُلتُ:
وفي ما سبق مسائل:
1- أن الشيخ يرى بدعية هذه الأعمال أي التوسل بالمخلوق نحو بنبيك أو بجاه فلان.
2- أنه لم يخالف في هذه المسألة أحد؛بل هو إجماع على بدعية هذا العمل حكاهُ ابن القيم.(250/18)
3- أن العز بن عبدالسلام هو الوحيد الذي أجاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة أما غيره فلا يجوز وبدعة،وقد تعذر له ابن تيمية رحمه الله بأنه لم يصله إلا أول الحديث ولو وصله الحديث كامل لما أجاز ذلك يعني حديث الأعمى.
4- أن الفرق بين التوسل والاستغاثة واضح فدعاء المخلوق نحو استجرت بفلان أو فرج عني يا بدوي ونحوه شرك وكفر!!
5- فيه –وابن تيمية خبير بأقوالِ الإمام أحمد- أن الرواية ذُكرت عن الإمام أحمد غير صحيحة،خاصة وأن الرواية الصحيحة هي قول الجمهور والتي يتناقلها الحنابلة وغير الحنابلة عن الإمام أحمد.
6- إذا عُلم الفرق بين التوسل والاستغاثة عُلم الفرق كذلك بين إنكار {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .
ولعل من المناسب ذِكرُ كلام لشيخ الإسلام مُتعلق بما سبق،يقول كما (اللمعة في الأجوبة السبعة) ولهُ ناظر في كثير من رسائلهِ وكتبه كقاعدة في الوسيلة وقاعدة في التوسل والوسيلة والاقتضاء وغيرها ولضيق الوقت أُحيلك عليه في اللمعة ص47-61.
وكان رد ما أشكل على العز رحمه الله في ذلك ومن ضمنها:أنه إذا كان يجوز التوسل بالنبي خاصة فلما عَدَلَ الصحابة عن ذلك واستسقوا بالعباس رضي الله عنه؟!وكذلك معاوية والصحابة في الشام عَدَلوا عن ذلك بيزيد بن الأسود؟!!(250/19)
والرسول أمرنا باتباع سنته وقال ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)) ولما مات لم يطلب منهُ الدعاء ولم يفعله الصحابة ولا الخلفاء الراشدون؛بل على العكس من ذلك فقد أجمع الصحابة على أن التوسل بدعاء الصالحين لا يكون إلا بدعاء الحي،وهذا يفهمهُ-من رزقهُ الله صفاء الذهن وعدم طمس البصيرة ومدارك الفكر بظلمة الأهواء وفعل الأباء- من إجماعهم على عدول عمر رضي الله عنه من التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه العباس رضي الله عنه،وعلماً أن غالبية كبار الصحابة لم يخرجوا من المدينة بأمرٍ من عمر رضي الله عنه.
ولكن مع ذلك نحن لا نشدد في من توسل بالجاه أو غيره وقد كان له بعض الأحاديث التي فهم منها ذلك لأن سؤاله بالجاه هو دعاءُ واستغاثة بالله وحده.وإن كانت أدلتهم أدلةً عليهم كحديث ((اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ..))الحديث وحديث ((اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك نبي الرحمة ... )) الحديث.فنحن نقول إن صحت فهي حُجةٌ عليكم لا لكم،ومع ذلك لا نتشدد في الإنكار إنما كأي مسألة يسوغ فيها الأخذ والرد نبين بالدليل حجتنا ولا نضيق بخلافكم،لأن خلافكم ليس مآلهُ إلى شرك،إلا إذا اعتقد بعض العوام غير المراد فهنا يقع الإشكال ولهذا نرى أنه يسد الباب سد للذريعة إلى الشرك،خاصة أننا نرى تعاضد الأدلة على غير ما فهمه من جوز ذلك.وسيأتي بيان ذلك.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في جوابٍ له في مسألة الاستسقاء بالنبي أو بالصالح بعد موته،كما في اللمعة ص53:(250/20)
" ... ولذلك قال العلماء يُستحبُ أن يُستسقى بأهلِ الصلاحِ والخيرِ،فإذا كانوا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحسن،ولم يذكر أحد من العلماء أنهُ يُشرع التوسل والاستسقاء بالنبي والصالح بعد موته،ولا في مغيبه،ولا استحبوا ذلك،لا في الاستسقاء،ولا في الاستنصار ولا غير ذلك من الأدعية. ((والدعاء مُخ العبادة)) والعبادة مبناها على السنة والاتباع،لا على الأهواءِ والابتداعِ.وإنما يُعبدُ الله بما شرع ولا يُعبد بالأهواء والبدع.
قال الله سبحانه وتعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن ه الله} وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً إنه لا يحب المعتدين} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور)) .
وأما الرجل إذا أصابته نائبة،أو خاف شيئاً فاستغاث بشيخهِ يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع،فهذا من الشرك،وهو من جنس دين النصارى،فإن الله هو الذي يصيب بالرحمة،ويكشف الضر،قال الله سبحانهُ وتعالى: {وإن يمسسك الله بضرٍ فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} ."
ولي عودة لهذه المسألة لكن نقف قليلاً عن قول أحمد:
": وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة،مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق، فالفرق ظاهر جداً,وليس الكلام مما نحن فيه"
قُلتُ:(250/21)
بينا الفرق بين الاستغاثة والتوسل،ومراد من جوز التوسل بالنبي خاصة كالعز رحمه الله،يقول الشيخ أبو بكر محمد خوقير المكي: "وروي عن الإمام أحمد جوازه بالنبي صلى الله عليه وسلم " ومما لا شك فيه أن كلمة (روي) من صيغ التضعيف.وهو كذلك إذ هذه رواية وحيدة مُخالفة لروايته المشهورة الراجحة المثبتة والتي هي قول جمهور العلماء وهي المعاضدة للأدلة والأولى مخالفة للأدلة فلو صحت!!-وهذا افتراض بعيد ولكن للمحاجة- فننظر هل خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن خالفت فهو هو –أي الإمام أحمد أمر بضرب قوله عرض الحائط إذا خالف الدليل.وهذا مشهور منشور عن جميع الأئمة الأربعة على وجهِ الخصوص.
وكذلك فإن للشيخ كلاماً ينهى عن غير ذلك فهذا من باب أولى وقد قيدناهُ سابقاً وشغب عليه الجاهل الذي لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فهذا هو الجهل المركب.
ولم أجد البته في أقوال الإمام أحمد ما يُفيد أنه يعني التوسل بالنبي عليه السلام لكن لعل كلام شيخ الإسلام التالي يُفيد بأنه يعني التوسل بالإيمان بمحمد وبمحبتهِ فهذا داخلٌ بالأعمال الصالحة كما في قاعدة في التوسل والوسيلة:
"إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبتهِ وطاعتهِ على وجهين:
تارة يتوسل بذلك إلى ثوابهِ وجنتهِ –وهذا أعظم الوسائل- وتارة يتوسل بذلك في الدعاء –كما ذكرتم نظائره- فيحمل قول القائل:أسألك بنبيك محمد،على أنه أراد:إني أسألك بإيماني به وبمحبته،وأتوسل إليك بإيماني به وبمحبته،ونحو ذلك،وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا منازع.(250/22)
قيل:من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك لا نزاع،وإذا حمل على هذا المعنى لكلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف،كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره كان هذا حسناً،وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع،ولكن كثير من العوام يظلقون هذا اللفظ ولا يريدون هذا المعنى،فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر،وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائهِ وشفاعتهِ،وهذا جائز بلا نزاع،ثم إن أكثر الناس في زماننا لا يردون هذا المعنى بهذا اللفظ."
قلتُ:وهذا بيان رائعٌ واضح جليٌ لا غبش به،فإن ثبت كلام الإمام أحمد فهو كما قال شيخ الإسلام.
وعلى أي حال فأي عالم كان الإمام أحمد أو الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله،فلا يأخذ بأقوالهم إذا خالفت الأدلة،دلني أخي وليد على قول للشيخ محمد بن عبدالوهاب في ذلك،يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في القسم الثاني من الفقه في رسالته أربع قواعد تدور الأحكام عليها ويليه نبذة في اتباع النصوص مع احترام العلماء ص11:
"إذا اختلف كلام أحمد وكلام الأصحاب فنقول في محل النزاع: التراد إلى الله وإلى رسوله لا إلى كلام الأصحاب،ولا إلى الراجح من ذلك؛بل قد يكون الراجح والمرجح من الروايتين والقولين خطأ قطعاً،وقد يكون صواباً وقولك إذا استدل كل منهما بدليل فالأدلة الصحيحة لا تناقض بل الصواب يصدق بعضه بعضاً لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل إما يستدل بحديث لم يصح،وإما فهم من كلمة صحيحة مفهوماً مخطئاً،وبالجملة فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول فإذا تبين لك الحق فاتبعه،فإن لم يتبين لك واحتجت إلى العمل فخذ بقول من يثق بعلمه ودينه."(250/23)
ثم ذكر أقوالاً رائعة في مسألة (لا إنكار في مسائل الاجتهاد) طويلاً إلى نهاية الرسالة .. ومنها قوله رحمه الله: "وأما قول من قال: لا إنكار في مسائل الاجتهاد،فجوابها يُعلم من القاعدة المتقدمة فإن أراد القائل مسائل الخلاف فهذا باطل يخالف إجماع الأمة،فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائناً من كان،ولو كان أعلم الناس واتقاهم ...... "
وقبل أن نعود لما سبق نبين مسألة قوله: " ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين،أو يقصد قبراً معروفاً أو غيره يدعوا عنده،لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين"
قُلتُ:
وهذا كلام رائع،فيه مسائل عديدة:
1- بُين كما سبق التفصيل في المسألة.
2- أراد الشيخ التنبيه على أن ما يظهر للناس في الدعاء عند القبور ليس شركاً بل هو وسيلة لذلك كما حصل لقوم نوح وغيرهم،وأن الشرك في معرفة أقوالهِ فإن كان دعائهُ لصاحب القبر كقول يا بدوي يا جيلاني فهذا شرك،فإن كان يدعوا بالقرب من مكان القبر لأسباب يتخيلها فهذا سبيل للشرك يجب سد الذريعة والوقوف أمامه.والشيخ أراد التنبيه أن الدعاء عند القبر مُحرم ولا يجوز ويمنع سد لسبل الشرك كما بين ذلك في كتاب التوحيد وغيره من رسائله الأخرى ولكن الشرك في معرفة بما يدعوا بذلك.فافهم يا صاحب الخيانات العلمية،لأن الواجب أن يأخذ الكلام جميعاً وهذا جوابٌ لمن فقه هذا وأراد تبينه لذلك.
3- "لكن لا يدعوا إلا الله مُخلصاً له الدين" هذا الشرط فإن كان يدعوا غير الله فقد أشرك كما بُين ذلك وذكرنا قول حفيده.
4- وهذا قد بيانهُ من قبل تابع كلامنا الذي أراد تحريف أستاذ التحريف (العسيري) :
"
1- قول (العسيري) 2- او يقصد قبرا معروفا اوغيره يدعو عنده ؟؟؟:
والتعليق:(250/24)
أن الشيخ يقول: "لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى،ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غير ه يطلب فيه تفريج الكربات،وإغاثة اللهفات،وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً"
وهذا فيه بيان رائع بأن إنكار الشيخ في من يدعوا غير الله قولهم: يا جيلاني،يا بدوي،ويا حسين وغيرها من هذه الأمور!!
كما أن كلام الشيخ يُفيدُ تحريم الذهاب للقبور بقصدِ الدُعاءِ عندها،لأجل دعوى أن هذا ولي أو غيره من دعوات المشركين والضالين."
أما قول الشيخ:
" فهده المسألة من مسائل الفقه،ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه فلا ننكر على من فعله،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى"
فقد علقنا عليه في الرد المؤصل:
قلتُ:
" 4- قول (العسيري) 3- وقوله : فهده المسأله من مسائل الفقه ؟؟ .6- لا انكار في مسائل الأجتهاد .
والتعليق:
قوله من مسائل الفقه،ولا إنكار في مسائل الاجتهاد،هذا إذا كان (توسل) وليس (استغاثة!!) والفرق بينهما كبير!!ولذا قال الشيخ وعَلَقَ خاتماً وناسفاً أباطيل القبوريين والصوفية ومن تبعهم ممن (يستغثون) بالموتى!!فقد قال: " فأين هذا مما نحن فيه؟"
فإذا بان لك هذا..وسيتضح بجلاء من كلامِ طلابه ومن أئمة الدعوة من بعده؛فارتقب!
رأيت أن القوم أصحابُ تلبيسٍ وتدليسٍ؛وسبب قولهم هذا أنهم يريدون (الشرك!!) وأهل السنة يُنكرون عليهم!!فقام أريناك شيخهم دحلان الضال كيف لا يفرق بين التوسل والاستغاثة،وهو عينُ مذهب أهل الصوفية والقبورية.
فرحم الله الشيخ الإمام ينصح لهم ويوجههم؛ولكنهم لا يستجبون!!بل أهل تلبيسٍ وتدليسٍ كما بان معك!!"
أقول أنظر كذلك قولنا السابق هنا وتابع تشغيبه في الرابط الذي وضعته له وكيف يُحرف الكلم عن مواضعه:
قلتُ:
"3- قول (العسيري) 4- ولكن يقول في دعائه ( اسألك بنبيك او بالمرسلين....).:(250/25)
والتعليق:
أن قول الشيخ: " ولكن يقول في دعائه:أسألك بنبيك،أو بالمرسلين،أو بعبادك الصالحين،أو يقصد قبراً معروفاً أو غيره يدعوا عنده،لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟"
هذا كلامٌ عظيم،فكلام الشيخ يُفيد بأن من يطلب هذا الأمر لا يدعوا إلا الله،فهذا نحن نخالفهُ في قولهِ –أي من يدعي بهذا الدعاء- ؛لكن لا يدعوا غير الله يعني يطلب كل أمرٍ من الله،فأنظر قول هذا الرجل (أسألك بنبيك) ولم يقل يا نبي الله لكن قول يا نبي الله شرك!! وهو تخصيص الشيخ وقوله: " لكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين , فأين هذا مما نحن فيه؟" وصدق الشيخ وأين نحن من هذا؟!"
وأرى بعد نهاية المطاف وإتمام هذه البيان بسابقه بأن أختم بذكر أقوال طلاب الشيخ وطلاب طلابه وسأذكر فقط موقفهم أما الأدلة والرد عليها وبيان وجهة الحق فأدعك تعود للكتاب:
يقول الشيخ المُحِّدث سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله في كتابه الثمين (عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الإلهية) ص57:
"ونحن إن قلنا بالمنع من التوسل به صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ،أو نحوه لما نعتقده من أَصحية المنع،فنحن مع ذلك لا نشدد في ذلك على من فعله مستدلاً بالحديث فضلاً عن أن نكفره،كما ينسبهُ إلينا من لم يعرف حقيقة ما نحن عليه وكذلك قول بعضهم إنا نكفر الناس بالعموم،ونستبيح دماءَ الناس وأموالهم من غير حجة،وكقول بعضهم إنا نمنع من زيارة القبور ونكفر من فعله ونحو ذلك من الأقاويل التي برأنا الله منها وله الحمد."
ولخشية الإطالة أقول عُد إلى كلام الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى رحمه الله في رسالته القيمة (الرد على شبهات المستعينين بغير الله) وكذلك لأحد أحفاد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في (مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام) ولجمع من طلابه وطلاب طلابه (الدرر السنية) والله أعلم.(250/26)
وهذا أحد عُلماء المسلمين الشيخ محمد بن عبدالسلام خضر يقول في (القول الجلي في حكم التوسل بالنبي والولي) 43-44 من رسالة الأنصاري:
"التوسل بحق النبي أو الولي،أو بجاهه أو بركته أو بحق قبره أو قبته:وهذا مذموم،منهي عنه،محرم بلا نزاع.
قال شارح الإحياء وغيره:
وكره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل:أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام ونحو ذلك؛إذ ليس لأحد على الله حق.
وفي متون الحنفية:
إن قول الداعي المتوسل بحق الأنبياء والرسل،وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام مكروه كراهة تحريم."
وبقي النقطة الأخيرة وهي:
3- تشغيب الصوفي المدعو بـ(العسيري) اللئيم والكذب فضحه الرب العليم.
وقبلها سأضع رد شيخ الإسلام على السبكي رحمهما الله:
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.................
وقد أفادني أخي وليد (أي المنهج نفسه) بكلام نفيس في (فتاوى اللجنة الدائمة) 1/345:
"ما نقل عن الإمام أحمد بصيغة التمريض فلا نعلم لهُ طريقاً صحيحاً عن الإمام أحمد رحمه الله ولو صح عنه لم يكن به حجة؛بل الصواب ما قالهُ غيرهُ في ذلك وهم جمهور أهل السنة لأن الأدلة الشرعية في ذلك معهم،والله ولي التوفيق"
الرئيس عبدالعزيز بن باز رحمه الله،نائب الرئيس عبدالرزاق عفيفي المصري رحمه الله،عضو عبدالله بن قعود أحسن الله لهُ الختام.
قلتُ:
وهذا ما بيناهُ سابقاً فارجع إليه!
اقتباس:
ومما لا شك فيه أن كلمة (روي) من صيغ التضعيف.وهو كذلك إذ هذه رواية وحيدة مُخالفة لروايته المشهورة الراجحة المثبتة والتي هي قول جمهور العلماء وهي المعاضدة للأدلة والأولى مخالفة للأدلة فلو صحت!!-وهذا افتراض بعيد ولكن للمحاجة- فننظر هل خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن خالفت فهو هو –أي الإمام أحمد أمر بضرب قوله عرض الحائط إذا خالف الدليل.وهذا مشهور منشور عن جميع الأئمة الأربعة على وجهِ الخصوص.(250/27)
وكذلك فإن للشيخ كلاماً ينهى عن غير ذلك فهذا من باب أولى وقد قيدناهُ سابقاً وشغب عليه الجاهل الذي لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فهذا هو الجهل المركب.
ولم أجد البته في أقوال الإمام أحمد ما يُفيد أنه يعني التوسل بالنبي عليه السلام لكن لعل كلام شيخ الإسلام التالي يُفيد بأنه يعني التوسل بالإيمان بمحمد وبمحبتهِ فهذا داخلٌ بالأعمال الصالحة كما في قاعدة في التوسل والوسيلة:
"إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبتهِ وطاعتهِ على وجهين:
تارة يتوسل بذلك إلى ثوابهِ وجنتهِ –وهذا أعظم الوسائل- وتارة يتوسل بذلك في الدعاء –كما ذكرتم نظائره- فيحمل قول القائل:أسألك بنبيك محمد،على أنه أراد:إني أسألك بإيماني به وبمحبته،وأتوسل إليك بإيماني به وبمحبته،ونحو ذلك،وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا منازع.
قيل:من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك لا نزاع،وإذا حمل على هذا المعنى لكلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف،كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره كان هذا حسناً،وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع،ولكن كثير من العوام يظلقون هذا اللفظ ولا يريدون هذا المعنى،فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر،وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائهِ وشفاعتهِ،وهذا جائز بلا نزاع،ثم إن أكثر الناس في زماننا لا يردون هذا المعنى بهذا اللفظ."
قلتُ:وهذا بيان رائعٌ واضح جليٌ لا غبش به،فإن ثبت كلام الإمام أحمد فهو كما قال شيخ الإسلام.
وعلى أي حال فأي عالم كان الإمام أحمد أو الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله،فلا يأخذ بأقوالهم إذا خالفت الأدلة،دلني أخي وليد على قول للشيخ محمد بن عبدالوهاب في ذلك،يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في القسم الثاني من الفقه في رسالته أربع قواعد تدور الأحكام عليها ويليه نبذة في اتباع النصوص مع احترام العلماء ص11:(250/28)
"إذا اختلف كلام أحمد وكلام الأصحاب فنقول في محل النزاع: التراد إلى الله وإلى رسوله لا إلى كلام الأصحاب،ولا إلى الراجح من ذلك؛بل قد يكون الراجح والمرجح من الروايتين والقولين خطأ قطعاً،وقد يكون صواباً وقولك إذا استدل كل منهما بدليل فالأدلة الصحيحة لا تناقض بل الصواب يصدق بعضه بعضاً لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل إما يستدل بحديث لم يصح،وإما فهم من كلمة صحيحة مفهوماً مخطئاً،وبالجملة فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول فإذا تبين لك الحق فاتبعه،فإن لم يتبين لك واحتجت إلى العمل فخذ بقول من يثق بعلمه ودينه."
..........
ويحسن أن نبين رأي ولده الشيخ عبدالله بن الشيخ الإمام محمد ين عبدالوهاب رحمهم الله –وكما يقول العسيري فولده أعلم بمقصود والده فهو ولده وتلميذه- يقول رحمه الله بعد أن ذكر الجائز انتقل للمحرم والمبتدع:
"وأما التوسل،وهو أن يقال: اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أو بحق نبيك أو بجاه عبادك الصالحين أو بحق عبدك فلان فهذا من أقسام البدع المذمومة ولم يرد بذلك نص" الدرر السنية 1/129.
ويبين الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب حكم سؤال الله بالموتى فقال:
"وهذا يفعلهُ كثير من المتأخرين،وهو من البدع المحدثة في الإسلام،ولكن بعض العلماء يُرخص فيه،وبعضهم بنهى عنه ويكرهه ... لكنه لا يوصله إلى الشرك الأكبر" مجموعة الرسائل والمسائل 1/69 باختصار.يعني قولهُ أسألك بنبيك ونحوه.
وأما التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فيقول عنه الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد:
"لا نعلم أحداً من السلف فعله ولا روي فيه أثر" المرجع السابق 1/71.
ويوضح حفيد الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله أن سؤالهُ الله بالرجل الصالح ليس في الشريعة ما يدل على جوازه فيقول:(250/29)
"ولو جاز (سؤال الله بالرجل الصالح)لما ترك الصحابة السابقون الأول من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاتهِ،كما كانوا يتوسلون بدعائهِ في حياتهِ إذا قحطوا.وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج بالعباس بن عدالمطلب عام المادة بمحضر من السابقين الأولين يستقون فقال عمر:اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا،وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا،ثم قال ارفع يديك يا عباس فرفع يده،يسأل الله تعالى،ولم يسأله بجاهِ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغيره،ولو كان هذا التوسل حقاً،كانوا إليه أسبق،وعليه أحرص" الدرر السنية 2/113.
ومثل هذا مر بنا من كلام حفيد الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله فيرجع إليه في الأعلى.
قال مفتي البلاد محمد بن إبراهيم رحمه الله:
"وموضوع الكلام أن مُراد الشيخ مسألة التوسل في دعاء الله بجاه الصالحين.وهذه مسألة.
ودعاء الصالحين وقصدهم فيما لا يقدر عليه إلا الله مسألة أخرى.
فخلطها ليروج باطله.فقبحاً قبحاً،وسحقاً سحقاً لمن ورث اليهود وحرف الكلم عن مواضعهِ.
وكلام الشيخ صريح فيمن دعاء مع الله إلها آخر في حاجاته وملماته،وقصده بعبادتهِ فيما لا يقدر عليه إلا الله،كحال من عَبَدَ عبدالقادر وأحمد البدوي أو العيدروس أو علياً والحسين،وقول هذا المشرك:وأطلب من الله بهم،أي بواسطتهم.بمعنى أن هذا المشرك يدعوهم ويتوجه إليهم بالعبادات،وهم يدعون الله له.كما أخبر الله عن المشركين بقوله: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.
فظن المعترض أن الشيخ أراد مسألة الله بجاه الصالحين-أي وقوع الشرك-؛فاعترض على ذلك وآفته الفهم السقيم،والمعتقد الذميم.فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم."
قلتُ:
وهذا هو نفس أسلوب النكرة (العسيري) حين يكون آفته الفهم السليم،والمعتقد الذميم!!
وما سبق في بيان تمويه وتلبيس هذا المبطل.
إلى أن قال الشيخ:(250/30)
"وأما مسألة الله تعالى بحق أنبيائه وأوليائه أو بجاههم،بأن يقول السائل: "اللهم إني أسألك بحق أنبيائك،أو بجاه أوليائك أو نحو هذا فليس الكلام فيه.ولم يقل الشيخ إنه شرك،ولا لهُ ذكر في كلامهِ وحكمهِ عند أهل العلم معروف وقد نص على المنع منهُ جمهور أهل العلم؛بل ذكر الشيخ-يعني شيخ الإسلام- في ردهِ على ابن البكري أنه
؛بل علق القول به على ثبوت حديث الأعمى وصحته،وفيه من لا يحتج به عند أهل الحديث.وعلى تسليم صحته فليس الكلام فيه-يعني أن الحديث يفيد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ويعضد هذا الفهم الصحيح حديث عمر والاستسقاء فكان يتوسل بنبيك أي بدعائه ولما مات نتوسل بالعباس ثم قال قم يا عباس فادعوا فهنا يُعلم المراد بأنه دعاء الصالحين-وفي المثل:أريها السهى وتريني القمر."مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام 177-178.
ونختم بكلام للشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في مسألة سؤال الله بالمخلوق والإقسام على الله به:
"وإذا تقرر هذا،فقد عرفت سلمك الله كلام الناس في مسألة سؤال الله بمخلوق،والإقسام على الله به،وقد ذاكرتك فيها بأن الذي نعتقدهُ أنا لا نكفر بها أحداً؛بل نقول هي بدعة شنيعة نهى عنها السلف .." الدرر السنية 1/271.
إلى غير ذلك من أقوال أهل العلم وخصصت أقوال طلاب الشيخ وأخص أبنائهُ لأن الصوفي كان يحاج بأبنائه ويقول هم أقرب!!فإن كانوا كأبناء الشيخ غالبيتهم طلابه فهنا يصدق كلامه وكان على هامة رأسه.
وهذه فائدة أرفقها مع ما سبق:
قال العلامة الفقيه عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
"الثالث:التوسل بجاه المخلوق وذواتهم،مثل قوله:اللهم!إني أتوجه إليك بجاهِ نبيك أو نحوه،فهذا قد أجازهُ بعض العلماء،ولكنهُ ضعيف،والصواب الجزم بتحريمهِ؛لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائهِ وصفاتهِ(250/31)
الرابع:التوسل في عرف كثير من المتأخرين،وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به من الشرك الأكبر؛لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة،فتوجيهها لغير الله شرك أكبر.والله أعلم"مجموع الفوائد الفائدة129ص228-229.
................
بسم الله الرحمن الرحيم
قام بالرد على السبكي رحمه الله عدد من أهل العلم شيخ الإسلام في الاستغاثة –نقلاً عن سعيد عبدالعظيم وسأثبتهُ هنا- وابن عبدالهادي في (الصارم المنكي في الرد على السبكي) وتوفي قبل إتمامه فأتمهُ علامة جدة محمد بن حسين الفقيه في (الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي تكملة الصارم المنكي) وتطرق لموضوع الاستغاثة بتوسع فيرجع لها،وهذا كلام شيخ الإسلام:
"وأما قول القائل:إن المتوسل إنما هو سائل لله تعالى،راج لهُ،عالم أن النفع والضر بيدهِ لا شريك لهُ،وإنما توسل إليه بمن يحبه الله تعالى لشرف منزلتهِ عنده،ليكون أقرب إلى الإجابة،وحصول المُراد،كطل الدعاء من الرجل الصلح.
فيقال:توسل العبد إلى الله تعالى بما يُحب،لفظ مُجمل،فإن أُريد بما يُحب الله تعالى أن يتوسل به إليه فهذا حق،والله تعالى يحب أن يتوسل إليه بالإيمان والعمل الصالح،والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم ومحبته وطاعته وموالاته،فهذه ونحوها هي من الأمور التي يحب الله تعالى أن يتوسل بها إليه،وإن أُريد أن يتوسل إليه بما يحب ذاته وإن لم يكن هناك ما يحب الله تعالى أن يتوسل به فهذا باطل عقلاً وشرعاً ...(250/32)
فإن كان منه دعاء لي،أو كان مني إيمان به وطاعة لهُ فلا ريب أن هذه وسيلة،وأما نفس ذاته المحبوبة لله تعالى فأي وسيلة لي فيها إذا لم يحصل لي السبب الذي أمرت به فيها،ولهذا لو توسل به من كفر به لم ينفعه،والمؤمن به ينفعه الإيمان به وهو أعظم الوسائل،فتبين أن الوسيلة بين العباد وبين ربهم عز وجل الإيمان بالرسل وطاعتهم وقول القائل للرجل:ادع لي،توسل بدعاء الصالحين،وهو من جملة الأسباب النافعة كشفاعة النبي.
وأما المشروع فيقال:إن العبادات مبناها على الاتباع لا الابتداع وليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله ... "
وتكلم عن الدعاء وما فيه من مشروع وغير مشروع إلى أن قال:
"فالسعادة والنجاة والاعتصام بالكتاب والسنة واتباع ما شرع والدعاء من أجلّ العبادات فينبغي للإنسان أن يلتزم الأدعية الشرعية،كما يتحرى في سائر عبادته الصورة الشرعية،فإن هذا هو الصراط المستقيم"
وقال في معرض الرد على ابن السبكي:
"وأما قوله:(250/33)
إنه يجوز الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء والصالحين في كل ما يُستغاث الله عز وجل فيه على معنى أنه وسيلة من وسائل الله تعالى،فهذا قول لم يقله قبله أحد من علماء المسلمين،ولا من الصحابة والتابعين ولا غيرهم،وقائل هذه العبارة إما مفتر على الدين،وإما مفتر على اللغة،ملبس على المسلمين؛بل إطلاق القائل القول:بأنه يستغاث بالنبي أو الصالح أو غيرهما في كل ما يُستغاث الله تعالى فيه،لا يفهم الناس منه في اللغة التي يعرفونها إلا ما هو كفر صريح،وقوله:على معنى أنها وسيلة من وسائل الله تعالى، لا يخرج مدلول هذا اللفظ في اللغة المعروفة عن أن يكون كفراً،فإن الاستغاثة بالشخص طلب الغوث منه ... وبالجملة فإذا كانت الإستغاثة طلب الإغاثة والتخليص من الكربة والشدة،سواء كان طلب ذلك من المخلوق أو من الخالق،وقد جوز الاستغاثة بمخلوق في كل ما يُستغاث الله تعالى فيه،فقد لزم أن يطلب من هذا المخلوق كل ما يطلب من الله عز وجل.
وإن قيل:إنه على معنى الوسيلة،فهذا لا ينجيه فإنه من جوز أن يطلب من المخلوق كل ما يُطلب من الله فهو كفر بإجماع المسلمين؛بل ما لا يقدر عليه إلا الله لا يجوز طلبه من المخلوق أصلاً بإجماع المسلمين،ومن طلب من المخلوق غفران الذنوب وهداية القلوب وإنزال المطر وإنبات النبات،والنصر على الأعداء في الدين،فهو كافر برب العالمين،وقد قال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا،أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً} "(250/34)
وقد أوضح رحمه الله أنه لا يجوز التوسل بالحرمة والجاه،كما لا يحل الاستغاثة بالمخلوق بأن يطلب منه ما يطلب من الحي الحاضر،أما التوسل بأسماء الله وصفاته كقول الرجل يا حي يا قيوم،والتوسل بدعاء الصالحين بمعنى أن يطلب ممن يتوسم فيهم الصلاح أن يدعوا له،والتوسل بالعمل الصالح الذي يتوسم فيه الإخلاص كما في قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار وأطبقت عليهم الصخرة،فإن هذا يجوز،فراجع كلامه رحمه الله في التوسل والوسيلة حتى تفرق بين ما يحل وما يحرم في هذه المسألة.
وقد رد على ابن سبكي ومن قلده الكثير من أهل العلم وبينوا ذلك،فاقرأ على سبيل المثال:الاستغاثة لشيخ الإسلام،والصارم المنكي لابن عبدالهادي وتتمته (كشف المبدي في الرد على أبي الحسن السبكي) لعلامة جدة محمد بن حسين الفقيه،و(غاية الأماني في الرد على النبهاني) لعلامة العراق محمود شكري الألوسي،و(الرد على شبهات المستغيثين بغير الله) للعلامة أحمد بن عيسى،و(الرد على القبوريين) للعلامة حمد بن معمر،و(القول الجلي في حكم التوسل بالنبي والولي) للعلامة محمد عبدالسلام خضر،(والفوائد الجلية في معنى الوسيلة والرد على شبهات القبوريين للشيخ سيد الغباشي،و(فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال) لشيخ مكة أبو بكر خوقير المكي-وبالمناسبة أحد تلاميذ الضال زيني دحلان يخرج الحي من الميت-وغيرها من الرسائل الكثيرة في تبيان هذا الأمر وليس المراد الحصر ولكن من أراد البحث فدونك بعض المراجع.
ويتبقى آخر نقطة في الموضوع...
...........(250/35)
ب. وأما الصلاة بدعائها الثاني : "اللهم إني أسألك بنبيك... " فهو ما يسمى عند العلماء "حديث الضرير"، وهو عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه" أن رجلاً ضريرَ البصر أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَني ، قاَلَ "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ" (وفي روايةٍ "وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ") ، فَقَالَ: ادْعُهُ ، فأَمَرَهُ أَنْ يتوَضَأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءهُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلى رَبِّي في حَاجَتي هَذه فَتُقْضَى لي، اللَّهُمَّ فشفعهُ ِفيَّ (وَشَفِّعْني فِيهِ) ، قال: ففعل الرجل فبرأ.
رواه أحمد (4/138) ، والترمذي (5/569) ، وابن ماجه (1/441) ، وهو حديثٌ صحيحٌ.
وهذا الحديث لا حجة فيه على التوسل بذات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أو جاهه، لا في حياته ولا بعد مماته، ولا أنه عامٌّ لكلِّ أحدٍ، بل هو خاصٌّ بذلك الصحابي الأعمى، وفي زمن حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي دعائه صلى الله عليه وسلم الخاص له ، والأدلة على ذلك كثيرةٌ، منها:
1- أن الأعمى إنما جاء إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليدعوَ له "ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَنِي"، وهو توسلٌ جائزٌ مشروعٌ، وهو التوسل بدعاء الرجل الصالح في حياته، ولا أصلحَ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُتوسل بدعائه ، ومثل هذا: توسل الصحابة بدعاء العباس رضي الله عنه في عهد عمر رضي الله عنه لما أصابهم الجدب.
2- نُصح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالأفضل، وهو الصبر" وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، وإصراره رضي الله عنه على الدعاء "ادْعُهُ".(250/36)
3- توجيه النبي صلى الله عليه وسلم الرجلَ الأعمى لنوع آخر من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، فأمَرَه أنْ يتوضأَ ويصليَ ركعتين ويدعوَ لنفسه "فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ... ".
4- أنَّ الأعمى قال "اللهمَّ فَشِفِّعْهُ فيَّ " ، أي: اقبل شفاعته، أي: دعاءه صلى الله عليه وسلم لي .
5- قول الأعمى "وَشَفِّعْنِي فِيهِ" - ولم يذكرْها المصنف - يعني: اقبل شفاعتي، أي: دعائي في أنْ تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم في ردِّ بصري.
6- لم يفعل أحدٌ من العميان في عصر السلف هذا الأمر، أي: الصلاة والدعاء، لأنهم لم يفهموا الحديث على عمومه، فليس هناك دعاءٌ منه صلى الله عليه وسلم لهم، وقد لقي ربه عز وجل، فكيف سيقولون مثل هذا الدعاء ؟! .
7- ذكر العلماء هذا الحديث في معجزاته صلى الله عليه وسلم كالبيهقي في "دلائل النبوة" وغيره .
ذكر هذه الوجوه: شيخنا الألباني رحمه الله في كتابه النافع "التوسل أنواعه وأحكامه" (ص69 فما بعدها) ، وانظر كلاماً متيناً لشيخ الإسلام رحمه الله على هذا الحديث في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" (ص185).
- تنبيه
وممَّا يَستدلُّ به بعضُ المبتدعة أن رجلاً أعمى كان يتردد على عثمان بن عفان رضي الله عنه... وأن عثمان بن حنيف أمره بالصلاة والدعاء، وهي قصة ضعيفة ، وزعمهم أن "الطبراني" روى القصة وصححها: تلبيسٌ واضحٌ ، إذ الطبراني رواها مع الحديث السابق، وقال في آخرها : "حديث صحيح"، وهو -رحمه الله- لم يصحِّح القصةَ، وإنما الحديثَ، وهو صحيحٌ كما قال ، وانظر "التوسل" (ص86) و"كشف المتواري" (ص27-76).
للشيخ إحسان بن عايش العتيبي
http://www.saaid.net/Doat/ehsan/94.htm
...........
هذا والحق أبلج، والباطل لجلج، وأعتذر عن عدم تمكني لترتيب الرد .. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة(250/37)
أسرع مناظرة مع صوفي: وإعلان توبته من مذهب الشرك وتكفير ابن تيمية
يقول الشيخ السوري عدنان عرعور..
حُببت إلي المناظرة ، وكشف لي غطاؤها ، ووضح أمامي طريقها ، والحمد لله ، وله المنة ، وهي كثيرة لا أكاد أحصيها ، أو أضبطها ، وإنني عازم بمشيئة الله على نسخها ، فمنها الطويلة جداً ، ومنها القصيرة جداً
فمنها : أن أحدهم جاء عقب إحدى المحاضرات للمناظرة في كفر ابن تيمية ، وأحضر معه أكثر من سبعة كتب .. وحذرني الشباب من مناظرته ، لقدرته العلمية ، وتحضيره المسبق ، ولغلظته في الكلام
وقالوا : أنت متعب وغير محضر وو…
فأبيت إلا الجلوس ..فقال : عندي أدلة على أن ابن تيمية كافر .
قلت : ابن تيمية معروف عند كثيرين بالكفر ، فقد كنت أسمع تكفيره منذ صغري - وقصدت أنه معروف بالكفر عند الروافض ، وغلاة الصوفية ، وكثير من المقلدين ، وفهم هو أني موافق على ذلك -
المحاور : ـ مقاطعاً ـ : هل يجوز مثل هذا ؟
الشيخ : يجوز مثل هذا في المناظرات على أن يبين المقصود بعد ذلك ، حتى لا يكون ثمة تلبيس فقد قال إبراهيم أكبر من هذا !! قال : عن النجم والقمر والشمس ] هذا ربي [ ، المهم أني أدركت للوهلة الأولى ، أنه يكفره لإثباته العلو لله ،
فقلت له : دعك من ابن تيمية وتكفيره ، وأجبني عن رجل قال في سجوده : سبحان ربي الأسفل ، فهل يجوز هذا ..؟!
فدهش ثم قال لا يجوز ..!!
قلت : لم لا يجوز؟؟ ألستم أنتم تنفون عن الله صفة العلو ؟! فهو سبحانه عندكم في العلو وفي الاسفل -!!! وعلى هذا يجوز أن يقال: سبحان ربي الأعلى, وسبحان ربي الأسفل, مادام الله عندكم اتصف بالصفتين .(251/2)
قال : لكن الله قال : سبح اسم ربك الأعلى!
قلت : هل هو الأعلى في صفاته وذاته ؟! أم في صفاته دون ذاته ؟؟
فحار وتردد ، وسكت سكوت المتفكر!...
قلت : هذا جائز على منهجكم ، لأن الله عندكم في العلو وفي السفل ، والآن :
إما أن تثبت هذه الصفة "الأعلى" بشمولها : فهو الأعلى ذاتاً وصفاتاً ، وتنفي ما يضادها من قولكم : ((موجود في كل مكان )) وإما أن الأعلى لا تشمل الذات ، فهو "الأعلى"في صفاته ، " والأسفل "و الأعلى بذاته ، وعلى هذا يجوز أن يقول القائل : سبحان ربي الأسفل .
قال : أنظرني إلى غد .
قلت : فإنك من المنظرين .
وفي اليوم التالي : أظهر بعض الإشكالات ، على سبيل الاسترشاد لا على سبيل العناد ، وتم إزالتها واهتدى .. ثم بينت له الموقف الصحيح من ابن تيمية, وأزلنا عنه الإشكالات ، فاقتنع و الحمد لله .
المحاور: لماذا لم تبينوا الموقف الحق من ابن تيمية أول الأمر ؟
الشيخ: ليس من الحكمة الجدال ابتداءً في التمثيل ، ونحن مختلفون في التأصيل ، بل الحكمة المناظرة في
التأصيل والاتفاق عليه ، ثم الانتقال إلى التمثيل ، فيسهل بعد ذلك الاتفاق عليه .
المحاور:هل يمكن التوضيح أكثر .. وما الفرق بين التأصيل والتمثيل ؟(251/3)
الشيخ: التأصيل هو : التقعيد .. أي الأصول العامة ، والقواعد الثابتة ، التي لا تتعلق بزمان ولا مكان ولا أعيان أما التمثيل ، أي التفريع ، فهو كالحكم على الأعيان والأحداث .. ولا فائدة تجنى كثيراً من الجدال في التمثيل، ونحن لم نتفق بعد على التأصيل ، فالنقاش في ابن تيمية تمثيلاً ، والنقاش في إثبات صفات الله تأصيلاً ، ودعوة التوحيد ليست معلقة بابن تيمية ولا بمن هو فوقه ولا بمن هو دونه ، والاتفاق على التوحيد وصفات الله أولى ، وهو المقدمة للاتفاق على ابن تيمية وغيره ، وهذا الأمر لا ينتبه إليه كثير من الأخوة ، فيناقشون في شيخ الإسلام ابن تيمية ، وفي الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ، ويضيعون الأوقات ، والأصل المناقشة في الأصول لا في الفروع .
انتهى.
المنتدى العربي
حاوره أحمـATـــد
قلتً:
جزى الله الشيخ خير الجزاء .. فقد أسقطه بالضربة القاضية .. مع الجولة الأولى ...
والحمد لله أن هدى هذا المُضلل من قِبل الصوفية .. ولم يركبه الشيطان فيتبع هواه فيضل وهو يعلم فيشقى ...
والحق أبلج والباطل لجلج ...
فعلى منكري العلو أن لا يسجدوا ويقولوا سبحان ربي الأعلى بل يقولوا الأسفل والأيسر والأيمن لأنه بزعمهم في كل مكان .. والحق أن علم محيط بكل شيء .. أم ذاته {الرحمن على العرش استوى} استواء يليق بجلاله ...
نقلها وعلق عليها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(251/4)
الرد الوافر على مقال (أقوال لابن تيمية لو قالها صوفي لقالوا عنه كافر)
أبو عمر الدوسري (المنهج)
الحمد لله العلي، ما أحبه إلا المتبع لهدي النبي، وما حاد عن شرعته إلا الشقي، وصلى الله على محمد النبي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فلقد وقفت على مقال لأحد المتصوفة، عنون له بـ(أقوال لابن تيمية لو قالها صوفي لقالوا عنه كافر!!!)، وهو عبارة عن (قص ولصق) دون تأكد من نقل، أو تنبه لخلل، لكن يقصها بغباء وسذاجة، ولقد نشر هذا المقال قبل فترة من قبل أحد الصوفية، وقد سبق وأن رد عليه بعض الفضلاء، وقد حسبت أن الصوفية استحوا على أنفسهم من عملية القص واللصق التي يمارسونها .. لذا رأيت أن أبين الحق لعلهم يرجعون .. وإلى رشدهم يعودون .. وحسبنا أن مُرادنا أن يحركوا عقولهم المغلفة بحجاب الهوى والتعصب الأعمى .. فنسأل الله لنا ولهم الهداية ..
أيها الأحبة:
نقل هذا الصوفي الكلام الآتي:
اقتباس:
[الولي يقول للشيء كن فيكون(252/2)
وجاء تفسير ذلك فى آثار ان من عباد الله يقول : من لو اقسم على الله أن يزيل جبلا أو الجبال عن أماكنها لأزالها وان لا يقيم القيامة لما اقامها . وهذا مبالغة ، ولا يقال إن ذلك بفضل بقوة خلقت فيه وهذا بدعوة يدعوها لأنهما فى الحقيقة يؤولان الى واحد هو مقصود القدرة ومطلوب القوة وما من أجله يفضل القوى على الضعيف . ثم هب ان هذا فى الدنيا فكيف تصنعون فى الآخرة وقد جاء فى الاثر ( ياعبدى أنا أقول للشىء كن فيكون أطعنى أجعلك تقول للشىء كن فيكون يا عبدى انا الحى الذى لا يموت أطعنى أجعلك حيا لا تموت ) وفى أثر ( أن المؤمن تأتيه التحف من الله من الحى الذى لا يموت الى الحى الذى لا يموت ) فهذه غاية ليس وراءها مرمى كيف لا وهو بالله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشى فلا يقوم لقوته قوة .
المرجع : مجموع الفتاوى 4/376- 377
[ الله أعطى بعض الأولياء أعظم مما أعطى جبريل ، وأن هذا عام في كل الأشياء ]
واذا تبين هذا ان العلم مقسوم من الله ليس كما زعم هذا الغبي بأنه لا يكون الا بأيدى الملائكة على الاطلاق وهو قول بلا علم بل الذى يدل عليه القرآن ان الله تعالى اختص آدم بعلم لم يكن عند الملائكة وهو علم الأسماء الذى هو أشرف العلوم وحكم بفضله عليهم لمزيد العلم فأين العدول عن هذا الموضع إلى بنيات الطريق ومنها القدرة، وزعم بعضهم أن الملك أقوى وأقدر وذكر قصة جبرائيل بأنه شديد القوى وأنه حمل قرية قوم لوط على ريشة من جناحه.
فقد آتى الله بعض عباده أعظم من ذلك فأغرق جميع أهل الارض بدعوة نوح وقال النبى ( ان من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ورب أشعت أغبر مدفوع بالابواب لو اقسم على الله لأبره ) وهذا عام فى كل الاشياء .
المرجع : مجموع الفتاوى 4/ 376]
قلتُ -أي المنهج-:
ولي على هذا النقل وقفات:(252/3)
1- أن [مجموع الفتاوى] قد جمع في هذا العصر، وهو اجتهاد من قبل الشيخ عبدالرحمن بن قاسم وساعده ابنه محمد رحمهما الله، وقد تُعقب عليهم في عدد من المواضع، وهي معروفة لأهل السنة، منها كتاب [صيانة مجموع الفتاوى من السقط والتصحيف] لفضيلة الشيخ ناصر بن حمد الفهد-وفقه الله-.
2- أن المعترض لا ينقل من الكتب التي ألفها الشيخ لأنه يعلم بأن حُجته منها الإفلاس، وإلا لو كان صادقاً لنقل من المنهاج أو الحموية أو الواسطية أو التدمرية أو درء التعارض بين العقل والنقل أو نقض التأسيس أو القاعدة المراكشية أو الأصفهانية أو العبودية .. وغيرها من الرسائل.. بل على رأسها الكتاب الذي يتحدث عن الأولياء (الفرقان في بيان الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .. لكن المشكلة في إفلاس المعترض، وكذلك أنه صاحب هوى، ومُراده أن يضلل الصوفية، وإلا أهل السنة لهم عقول يميزون بها.
3- أن كلام شيخ الإسلام في كتبه التي ألفها من قبل نفسه تبين اعتقاده في الأولياء ..
4- أن المعترض قد نقل كلاماً مبتوراً غير وافي، وسترى ذلك بأم عينك.
وبعد هذا إليك التفصيل:
الوقفة الأولى:
متى جمعت الفتاوى؟(252/4)
لقد جمعت فتاوى شيخ الإسلام في هذا العصر، وقد تعب الشيخين في جمعهما وتحقيق النسبة وسد البياض، اسأل الله أن لا يحرمهما الأجر ويرفع بهذا العمل منزلتهما في عليين، ولكن كل عمل بشري يعتريه النقص، وقد قام بعض أهل العلم بالتسديد، ومن ذلك الجهد الطيب للشيخ ناصر بن حمد الفهد -وفقه الله- في كتابه [صيانة مجموع الفتاوى من السقط والتصحيف]، وما قام به الشيخ عبدالرحمن وابنه جهد كبير خلال عدة سنوات، من جمع هذه الفتاوى التي تفرقت في العالم الإسلامي، وجل من لا يسهو ولا يخطأ، ونقل المعترض كان من رسالة بعنوان [رسالة المفاضلة بين صالحي البشر والملائكة] 4/ 350-392وهي رسالة مشكوك في نسبتها لشيخ الإسلام، وقد تعقب الشيخ عبدالرحمن بن قاسم في مجموعة عدد من أهل العلم على هذه الرسالة ومنهم الشيخ ناصر الفهد.
فنخرج من هذا إلا أن:
1- الكتاب لم يؤلفه الشيخ؛ بل هي رسائل وفتاوى له جمعت بعد قرون تزيد على الخمسة.
2- أن ما يجمع عن فلان ليس بحجة كما لو أثبت لي أن فلان هو من قيده، خاصة وأن الشيخ مُكثر للتصنيف.
3- أن هذه الرسالة شكك وتعقب عدد من أهل العلم على الجامع.
4- أنها مخالفة لما قيده وكتبه الشيخ.
الوقفة الثانية:
يقول الشيخ ناصر الفهد في كتابه [صيانة مجموع الفتاوى] ص 38-43:
" 4/350-392:
(قال شيخ الإسلام:
فصل في المسألة المشهورة بين الناس، في (التفضيل بين الملائكة والناس).
قال: الكلام إما أن يكون في التفضيل بين الجنس: الملك، والبشر، أو بين صالحي الملك والبشر. أما الأول، وهو أن يُقال: أيما أفضل: الملائكة، والبشر، أو بين صالحي الملك والبشر. أما الأول، وهو أن يقال: أيما أفضل: الملائكة، والبشر، فهذه كلمة تحتمل أربعة أنواع: ... ).
قلتُ:
وأريد أن أنبه إلى مرين:(252/5)
الأمر الأول: أن هذه الرسالة أشك كثيراً في نسبتها لشيخ الإسلام رحمه الله، فمن قرأ للشيخ وعرف نفسه في رسائله وفتاواه سيعرف هذا جيداً، فإما أن يكون أصلها للشيخ رحمه الله وخلط كلامه بكلام غيره ولم يميز بين الكلامين، أو أنها لأحد تلاميذه المتأثرين به، ونحو ذلك، أما أن تكون جميع هذه الرسالة للشيخ فهو ما أستبعده والله أعلم، فالطريقة التي كتبت بها هذه الرسالة مغايرة لطريقة الشيخ في الجملة، وسأذكر هنا بعض الأمثلة على ذلك:
أولاً: ذكر بعض الفقرات والجمل التي لم يعهد عن الشيخ استعمالها بهذه الصورة (في رسالة واحدة!)، نحو:
1- ص359 (هذا هو العجب العجيب).
2- ص 364 (فافهم هذا فإن تحته سر).
3- ص 365، 366 (فافهم هذا فإنه مجلاة شبهة ومصفاة كدر).
4- ص 366 (والله أكبر كبيرا).
5- ص 374، 375 (فلا تلجن باب إنكارٍ، وردٍ، وإمساكٍ، وإغماض، رد لظاهره، وتعجبا من باطنه، حفظا لقواعدك التي كتبتها بقواك، وضبطتها بأصولك التي عقلتك عن جناب مولاك، إياك مما يخالف المتقدمين من التنزيه وتوق التمثيل والتشبيه، ولعمري إن هذا هو الصراط المستقيم، الذي هو أحد من السيف وأدق من الشعر، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).
6- ص 352 (لا علم لي بحقيقته) وص 353 (هذا غير معلوم والله أعلم بخلقه)، وص 354 (لكن الذي سنح لي والله أعلم بالصواب)، وص 361 (ولعل ذلك والله أعلم بحقائق الأمور)، ص 364 (ولا حاجة بنا إلى تفسير كلام ربنا بآرائنا والله أعلم بتفسيره).
7- ص 374 (وهذا بحر يغرق فيه السابح، لا يخوضه إلا كل مؤيد بنور الهداية، وإلا وقع إما في تمثيل، أو في تعطيل، فليكن ذو اللب على بصيرة أن وراء علمه مرماة بعيدة، وفوق كل ذي علم عليم).
8- ص 379 (فهذا –هداك الله- وجه التفضيل بالأسباب المعلومة ذكرنا منه أنموذجاً)، وص 381 (فاعلم –نور الله قلبك وشرح صدرك للإسلام- ).
ثانياً: وصف المخالفين بما لم يعهد عنه، نحو:(252/6)
1- ص 358 (وقد قال بعض الأغبياء: إن السجود إنما كان لله وجعل آدم قبلة لهم).
2- ص 362 (فاعلم أن هذه المقالة أولاً ليس معها ما يوجب قبولها، لا مسموع، ولا معقول، إلا خواطر، وسوانح، ووساوس، مادتها من عرش إبليس).
3- ص 363 (ومن اختلج في سره وجه الخصوص بعد هذا التحقيق والتوكيد فلعيز نفسه في الاستدلال بالقرآن والفهم، فإنه لا يثق بشيء يؤخذ منه، يا ليت شعري! لو كانت الملائكة كلهم سجدوا وأراد الله أن يخبرنا بذلك، فأي كلمة أتم وأعم، أم يتي قول يقال أليس هذا من أبين البيان؟).
4- ص 376 (وليس كما زعم هذا الغبي).
5- ص 391 (وهذا أوضح الكلام لمن فقه بالعربية، ونعوذ بالله من التنطع).
ثالثاً: قوله ص 379 (في معرض تفضيله صالحي البشر على الملائكة (وأين هم عن الذين {ويُؤثِرُونَ على أنفُسِهِم ولو كان بهم خَصَاصَة}، وأين هم ممن يدعون إلى الهدى ودين الحق، ومن سن سنة حسنة، وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم: ((أن من أمتي من يشفع في أكثر من ربيعة ومضر))، وأين هم من الأقطاب، والأوتاد، والأغواث، والأبدال، والنجباء؟).
قلت:
وقد علق الجامع رحمه الله على الجملة الأخيرة بقوله (هكذا بالأصل)، وهذا يدل على أنه استنكر مثل هذه العبارة، والشيخ رحمه الله له كلام على إبطال هذه الأسماء وأنها لم ترد في الكتاب ولا السنة، ومن ذلك:
قوله في الفتاوى 11/433 (أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي بمكة والأوتاد الأربعة والأقطاب السبعة والأبدال الأربعين والنجباء الثلاثمائة فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا هي أيضاً مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف ... إلخ الفتوى وهي طويلة مفصلة).(252/7)
وفي المنهاج 1/93 (وأيضاً فجميع هذه الألفاظ: لفظ الغوث، والقطب، والأوتاد، والنجباء، وغيرها، لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد معروف أنه تكلم بشيء منها ولا أصحابه، ولكن لفظ الأبدال تكلم به بعض السلف، ويروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف).
وفي الجملة:
فهذه الرسالة نفسها ليس نفس شيخ الإسلام رحمه الله في رسائله والله أعلم.
الأمر الثاني: أنه قد حصل تصحيفات يسيرة في هذه الرسالة، ومن ذلك:
1- ص 353 (وكان من نوع المفضول ما هو خير من كثير من أعيان النوع الفاضل: كالحمار والفأرة والفرس الزمن، والمرأة الصالحة مع الرجل الفاجر).
قلت: (كالحمار) والفأرة) صوابه (كالحمار والفاره).
2- ص 357 (وروى عبدالله في (التفسير))، وقد ذكر هذا الأثر سابقاً ص 344 وقال فيه (عبدالله في (السنن))، وجاء في ص 369 (السنة) وهو الأظهر، والله أعلم.
3- ص 360 (والبهائم لا تعبد الله)، ولعله: لا تعبد إلا الله.
4- ص 364 (وإذا كانت القصة قد تكررت وليس فيها ما يدل على الخصوص فليس دعوى الخصوص فيها من البهتان).
قلت: ويظهر أن العبارة: (كان دعوى الخصوص فيها من البهتان) أو (فإن دعوى الخصوص)، ونحو ذلك.
5- ص 368: ذكر الدليل الثامن، ثم في السطر الثاني عشر قال: (ثم ذكر ما رواه الخلال ... )، وهذا يدل على أمرين:
الأول: حصول اختصار، لأن الدليل التاسع) و(العاشر) لم تذكر مسبوقة بالرقم – وإن كانت قد ذكرت أحاديث- ، وإنما ذكر ص 370 (الدليل الحادي عشر).
والثاني: أن هذه النسخة متصرف فيها.
6- ص 369 (فلا يقول مثل هذا القول إلا عن [وأشار الجامع رحمه الله إلى أن هنا بياضا في الأصل] بين، والكذب على الله عز وجل أعظم من الكذب على رسوله).
قلت: ويظهر أن العبارة (وليست الجنة مخلوقة لهم).
7- ص 373 (وأما الملائكة فإن حالهم شبيهة بحالهم بعد ذلك، فإن ثوابهم متصل وليست الجنة مخلوقة، وتصديق هذا ... ).(252/8)
قلت: ويظهر أن العبارة (وليست الجنة مخلوقة لهم).
8- ص 374 (ولا يقول إن إجلاسه على العرش منكراً) والصواب: (منكر).
9- ص 387 (ولا يقال: إنه لما لم يقرن بالإنكار دل على أنه حق، فإن قولهن: {ما هذا بشراً} خطأ. وقولهن: {إن هذا إلا ملك كريم} خطأ أيضاً في غيبتهن"1" عنه أنه بشر وإثباتهن أنه ملك وإن لم يقرن بالإنكار [دل على أنه حق وأن قولهن: {ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم}: خطأ في نفيهن عنه البشرية وإثباتهن له الملائكية؛ وإن لم يقرن بالإنكار] لغيبة عقولهن عن رؤيته فلم يلمن في تلك الحال على ذلك).
"1" كذا، وهو تصحيف صوابه: نفيهن.
قلت: والذي يظهر أن ما بين معكوفتين مكرر والله أعلم. "
قلتُ – أي المنهج-:
وما توصل إليه الشيخ الفاضل ناصر بن حمد الفهد هو عين الحق، فالخطأ من جمع الجامع الذي بذل جهداً كبيراً يُغفر له الزلة بل عشرات الزلات .. في بحر حسناته وأفضاله .. وهكذا تبين لذي اللب والعقل السليم أن هذه القطعة التي تغنى بها من يستعملهم أسيادهم كالبغال!! بأنها من أساسها فاسدة، مقطوعة النسب، معطوبة السبب!! والحق أبلج .. والباطل لجلج .. وعند بزوغ النور تنكشف العتمات!!
وهذا ديدن أهل الأهواء .. فكذلك قام بعض الجامعين لرسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب بنسبة رسالة للشيخ خطأً ثم بين لهم بعد نشرهم الرسالة مع المجموع، فعادوا وأعتذروا من الخلل، ولكن أهل البدع يغنون على (لا شيء) هكذا المفلس تعييه الحقائق، فيتعلق بالقش!! ومثل ذلك ما حصل لهذه الرسالة والتي أستنكرها وبين بطلان نسبتها عدد من أهل العلم والفضل.
الوقفة الثالثة:
نقل بعض كلامه في اعتقاده في الأولياء –وسيأتي تفصيله في الرد على نقله الآخر-.
الوقفة الرابعة:(252/9)
بتر سيء!! يُحيل جزء من الكلام إلى عتامة في الفهم، واعوجاج في الاستنباط، لا يتهيأ بها إصابة الكلام والتعرف على حقائق المراد .. والبتر من أول الكلام .. وعلى العموم فبطلان النسبة يُغني عن تفصيل الكلام في هذه المسألة ..
أما نقله الآخر فادع الدكتور حاكم المطيري يرد عليه حين رد على معوجٍ في الفكر أيضاً واستدل بمبهمات الكلام، وبالإجمال، وتحريف الأفهام، لمعنى لأصحاب الخبال، وهاك رد الدكتور الفاضل:
" جاء في أسئلة المقابلة ( هل يوافق ابن تيمية على قدرات الأولياء وتأثيراتهم التي يؤمن بها الصوفية ؟ ) فجاء الجواب بالإيجاب واستشهد الأستاذ الشراح بعبارة ابن تيمية في الفتاوى 3 / 156 ( من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات ) وهذا استشهاد في غير مكانه وخطأ علمي من أربعة وجوه :
الوجه الأول : السؤال الموجه للشراح كان عن تأثير الولي وقدرته في عقيدة الصوفية وتصوراتهم الذين يعتقدون أن للأولياء قدرة التصرف في الوجود إمدادا وإيجادا وابن تيمية يتحدث عن كرامة الولي عند أهل السنة الذين يؤمنون بهذا الأصل وفق تصورهم فلا بد من معرفة تصور كلا الطائفتين لمعنى قدرة الولي وكرامته فابن تيمية نفسه رد على الصوفية ادعائهم أن الأولياء يتصرفون في الوجود وعد هذا الاعتقاد شركا في الربوبية فكيف يؤتى بكلامه دون فهم مراده للاستشهاد به فيما هو عنده كفر وشرك ومما يوضح ذلك آخر العبارة في النص المذكور حيث قال ( وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ) فقد قيد مراده بالمأثور عمن سلف من الصالحين ممن حدثت لهم كرامات ثبتت بالقرآن والأخبار الصحيحة .(252/10)
الوجه الثاني : أن الولي عند أهل السنة ليس له قدرة وتأثير في حدوث الكرامات بل الله عز وجل يجريها لهم بلا علم منهم ولا إرادة وقدرة فالله هو الذي يوقعها إكراما لهم متى شاء سبحانه بلا اختيار منهم بدليل أنهم تارة يستسقون الله إذا أصابهم القحط فيسقيهم ويمطرهم فتكون كرامة لهم وتارة يستسقون فلا يمطرون وكما يستنصرون الله على عدوهم ويسألونه المدد سبحانه فينصرهم مع قلة عددهم وعدتهم وتارة لا ينصرهم بل يبتليهم ويمحصهم ...الخ ولهذا قال ابن تيمية كما في النص السابق ( ما يجري الله على أيديهم ...) ولم يقل ( ما يحدثونه هم من التأثيرات ) بينما السؤال هو عن قدرة الصوفية وتأثيراتهم وبين الأمرين فرق كبير .(252/11)
الوجه الثالث : أن أهل السنة يثبتون كرامات الأولياء الصالحين الأحياء أما الأموات فقد انقطعوا عن هذا العالم وصاروا في عالم البرزخ فلا قدرة ولا تأثير لهم في هذا الوجود لا نفعا ولا ضرا بينما الصوفية حين يتحدثون عن كرامات الأولياء فإنما يعنون بالدرجة الأولى ويقصدون بذلك الأولياء الموتى ويؤمنون بأنهم في قبورهم يتصرفون في هذا الوجود فيغيثون من استغاث بهم وينصرون من استنصرهم ويشفون المرضى ....الخ بل ويؤمنون بأن أرواح الأولياء تجتمع في ديوان وأنهم يتصرفون في الوجود بالإيجاد والإمداد وقد دار حوار بين الإمام محمد عبده مفتي مصر والشيخ الدلاصي الصوفي كما في الأعمال الكاملة لمحمد عبده 3 / 543 حول هذه المسألة وقد قال الدلاصي بأن الشيخ الشاذلي وأبا العباس المرسي من أولياء الله ومن أصحاب السر والمدد وأن أتباعهم في حياتهم وبعد مماتهم يتوسلون بهم ويطلبون منهم المدد والسر كما نرى ذلك في كتبهم فرد عليه الشيخ محمد عبده وأنكر ذلك وقال له : هل جاء مثل هذا الذي تنقله عن هؤلاء الأولياء في كتاب الله تعالى ؟ قال الدلاصي : لا ! فقال عبده : هل جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال الدلاصي : لا! قال : هل نقل مثله عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة ؟ قال : لا ! قال عبده : هل نقل مثله عن التابعين والأئمة المجتهدين وقدماء الصوفية ؟ قال : لا ! فقال عبده : خذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والأئمة الأربعة وقدماء الصوفية كالجنيد وسائر أهل القرن الأول والثاني وضعهم في كفه وضع من ذكرت من المشايخ المتأخرين في كفه واتبع الراجح ...الخ(252/12)
والحاصل أن الأولياء في عرف الصوفية هم الأموات من الأئمة الصالحين لا الأحياء المعاصرين فحين يتحدثون عن التأثير والقدرة ونحوهما فإنما يقصدون تأثير هؤلاء الأموات من أصحاب القبور وقدرتهم على التصرف في هذا الوجود وهو ما لا يقوله أهل السنة ولا يثبتونه للأموات ولا للأحياء لا للأولياء ولا للأنبياء بل هذا هو الشرك في الربوبية الذي يخرج صاحبه من الملة كما نص على ذلك عامة الفقهاء كما سيأتي بيانه.
الوجه الرابع : أن أهل السنة يثبتون وقوع الخوارق كما يثبتون وقوع الكرامات والفرق بينهما أن الكرامات عندهم خاصة بالمؤمنين الصالحين كما قال تعالى ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ) فالإيمان والتقوى واتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به ظاهرا وباطنا هو طريق الولاية وما يحدث لهؤلاء المؤمنين المتقين من خوارق العادات هو الكرامات أما الخوارق التي تقع من غيرهم من أهل الباطل كالسحرة والمشعوذين والمشركين وأهل القبور القائمين على الأضرحة فهي من الاستدراج والمكر بهم وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) لبيان هذه المسألة على وجه الخصوص وجاء فيه كما في ص 150 ( كرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنما تحصل عند الشرك مثل دعاء الميت والغائب أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات ومثل الغناء والرقص فهذه أحوال شيطانية كما قال تعالى [ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين]...). "(252/13)
وهنا فقد بان الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، وقبل الختام نبين كرامات أولياء الشيطان أولياء الصوفية ليتبين لك الفرق الكبير، بين ما ذكره شيخ الإسلام، وبين ما يعتقده الصوفية في أوليائهم!! لتدرك سبب تسلقهم على كلمات الأئمة تدليساً وتلبيساً لتزيين باطلهم .. والحمد لله الذي كشف عوار باطلهم .. فإلى بعض الكرامات المزعومة .. وقبل ذلك أقدم للقارئ الكريم سليم الفطرة الإعتذار عن نقل هذه الأكدار، وزبالة الأفكار، ومجمع الأقذار يسمونها كرامات في أوليائهم الأشرار، وكذبهم على الزهاد الأخيار، ورغبتهم بإضلال الناس ليهوى بالنار، فنسأل الله السلامة والعافية ..
وإليك موضوع قد سبق أن نشرته، وقد أضفت إليه بعض الكرامات!! (زعموا):
نماذج من كرامات ومكاشفات الصوفية المزعومة
إن من أكثر الأمور التي يتفاخر بها الصوفية،ويتناقلونها في مجالسهم،ومنتدياتهم،قديماً وحديثاً،موضوع الأولياء والكرامات التي تحصل لأوليائهم،وسنذكرُ شيئاً من ذلك كنماذج وأمثلة لكبار أوليائهم المزعومين.
وهذه الكرامات لا ينكرها أحد من المتصوفة،حتى يومنا هذا،لأنها مستقاة من كتب الثقات عندهم كإمامهم الشعراني،ومؤرخهم النبهاني،وحجتهم الغزالي،وغيرهم.
فهم يوردونها دون أي تعليق عليها،لاعتقادهم بصحتها؛بل إنهم يترضون عنهم ويسوقونها على أنها كرامات اختص الله تعالى بها الأولياء،فهم "يعتقدون أن من اتصل بالله وبلغ الغاية في الفناء خضع لهُ الكون وقوانينه،وجرى على يديه خَرْق العادات بما يسمى الكرامات،مقابل ما كان للأنبياء من معجزات ... ومحبة الله –عندهم- هي كل شيء،والسيئات معها تهون،وهذا ما جعلهم يحلون لأنفسهم كل ممنوع،فاجترحوا اللذات ووقعوا في الموبقات" الموسوعة العربية العالمية15/203.(252/14)
والعجب –ولا عجب في الصوفية- أن هذه الكرامات المزعومة،لا تنطلي على السذج فحسب؛بل على "أساتذة في الجامعات،أساتذة في الطب،والفيزياء،والكيمياء،تكون عقولهم سليمة عند البحث العلمي،وتمسخ عند الحديث عن الولي الفلاني" ثقافتنا لزكي نجيب72.
وقبل أن أعرض شيئاً من تلك الخزعبلات والخرافات التي يسمونها كرامات،آمل أن تعذرني –أخي الكريم- حينما أذكر بعض النماذج التي يذوب المرء معها حياءً وخجلاً،وإنما أنقلها من كتب القوم ومصنفاتهم المعتمدة؛لتقف على بعض اعتقاداتهم ومدى ما وصلت إليه عقولهم.
--------------------------------------------------------------------
ومن ذلك –مثلاً- ما يذكرهُ الشعراني في طبقاتهِ –التي تعتبر أصلاً من أصول كتبهم- في معرض ذكرهِ لأحد أوليائهم،فيقول:
" ... ومنهم أبو محمد عبدالرحمن المغربي القناوي-رضي الله عنه- وهو من أجلاء مشايخ مصر المشهورين،وعظماء العارفين،صاحب الكرامات الخارقة،والأنفاس الصادقة،حُكي أنهُ نزلَ يوماً في حلقة الشيخ شبحٌ من الجو،لا يدري الحاضرين من هو،فأطرق الشيخ ساعة ثم ارتفع الشبح إلى السماء.فسألوا:فقال:هذا مَلَك،وقعت منهُ هفوة،فسقط علينا يستشفع بنا،فقُبِلَ شفاعتنا فيه،فارتفع ... !!!
ومرّ عليه كلب،فقام لهُ إجلالاً!!،فقيل لهُ في ذلك،فقال:رأيتُ في عُنقِهِ خيطاً أزرق من زي الفقراء"1/157.
وقال أيضاً:
"ومنهم الشيخ إبراهيم العريان رضي الله تعالى عنه ورحمه،وكان رضي الله تعالى عنه،يطلع المنبر ويخطبهم عُرياناً،فيقول:السلطان،ودمياط،باب اللوق،بين الصورين،وجامع طولون،الحمد لله رب العالمين،فيحصل للناس بسط عظيم.وكان يُخرج الريح،بحضرةِ الأكابرِ ثم يقول: هذه (ضرطة) فلان،ويحلف على ذلك فيخجل ذلك الكبير منه"1/129.!!
"ومنهم عبدالله بن عون رضي الله تعالى عنه كان يخلو في بيته صامتاً متفكراً وما دخل حماماً قط"1/64.!!
وقال أيضاً:(252/15)
"ومنهم الشيخ حسين أبو علي رضي الله عنه ورحمه،كان هذا الشيخ –رضي الله عنه- من كُمّل العارفين وأصحاب الدوائر الكبرى،وكان كثير التطورات،تدخل عليه بعض الوقت تجدهُ جُنديا،ثم تدخل عليه فتجدهُ سبعاً،ثم تدخل فتجدهُ فيلاً ثم تدخل عليه فتجدهُ صبياً،وهكذا،فمكث نحو أربعين سنة في خلوة مسدود بابها،ليس لهُ غير طاقةٍ يدخلُ منها الهواء!! ...
وكان الشيخ عبيد أحد أصحابهِ (وهو الذي مدفون عنده الآن) مثقوب اللسان،لكثرة ما ينطق به من الكلمات التي لا تأويل لها،وأخبرني بعض الثقات أنه كان مع الشيخ عبيد في مركب فوحلت،فلم يستطع أحد أن يزحزحها،فقال الشيخ عبيد:اربطوها في بيضتي [أي في خصيته] بحبل،وأنا أنزل أسحبها،ففعلوا،فسحبها ببيضتهِ،حتى تخلصت من الوحل"2/87.!!
-----------------------------------------------------------
قال أيضاً:
"وقال الشيخ شرف الدين أبو بكر بن عبدالمحسن: كنّا مع السيد أحمد الصيادي،قُدس سره،وكنا كلما مررنا على نهرِ ماء،استقلبه السمك من النهر إلى الشاطئ وازدحم على قدميهِ،وكذلك الدواب،والهوام،والغزلان،في البر الأقفر،حتى إن الحيوانات التي نراها تقف له على حافتي الطريق!! ...
ومات أحد إخوانه فجأة،فجاءت إليه أم الميت،وهو ساجد في صلاة الضحى فتأخر سجوده،فقالت:وحقك!!لو بقيت إلى يوم القيامة ساجداً لما تركتك إلا بولدي!!فرفع رأسه الشريف باكياً،وإذ بالمريد قد قام حياً!!فسجد شكراً لله على نعمتهِ التي أنعمها عليه.
وذكر المناوي:أنه سجد سجدة واحدة،فامتد سجوده سنة كاملة،ما رفع رأسه حتى نبت العشب على ظهره"كما في قلادة الجواهر 340.!!
--------------------------------------------------------------(252/16)
ويتحدث محمد عثمان البرهاني في كتابهِ: (تبرئة الذمة في نصح الأمة)!!عن"مناقب السيد البدوي فيقول:أنه دعا الله بثلاثِ دعواتٍ،فأجاب الله دعوتين وأبطل الثالثة؛دعا الله أن يشفّعهُ في كل من زار قبره،فأجابَ الله ذلك،ودعا الله أن يكتب حجة وعمرة لكل من زار قبره،فأجاب الله ذلك،ودعا الله أن يدخله النار،فرفض الله ذلك.
فسألوا البدوي:لماذا رفض الله أن يدخلك النار؟ قال:لأني لو دخلتها فتمرغت فيها تصير حشيشاَ أخضر،وحقٌّ على الله أن لا يعذّب بها الكافرين" الصوفية والوجه الآخر 61 !!
ويقول أحد الصوفية الأقطاب: "لولا الحياء من الله لبصقتُ على نارهِ فانقلبت جنة" الصوفية والوجه الآخر 61 !!
-----------------------------------------------------------
ومن كراماتهم المزعومة –أيضاً- ما يذكرهُ الشعراني عن أحد أوليائهم فيقول:
" ... وكان الشيخ علي وحيش -رضي الله عنه- يقيم عندنا في خان بنات الخطا،وكان كل من خرج [أي بعد اقتراف الفاحشة] يقول لهُ:قف حتى أشفع فيك عند الله،قبل أن تخرج،فيشفع فيه.
وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيرهُ،ينزله من على (الحماره) ويقول له:امسك رأسها لي حتى أفعل فيها،فإن أبى شيخ البلدِ،تسمرَ في الأرضِ لا يستطيع أن يمشي خطوة،وإن سمحَ،حصل لهُ خجل عظيم،والناس يمرون عليه" الطبقات الكبرى 2/149-150 !!
---------------------------------------------------------------
قال النبهاني:
شيخنا الشيخ علي العمري ، الشاذلي الطرابلسي ، أشهر أولياء هذا العصر ، وأكثرهم كرامات وخوارق عادات ….ومن كراماته رضي الله عنه!! ما أخبرني به الحاج!إبراهيم المذكور – أي : الحداد وهو من اللاذقية – قال :(252/17)
دخلت في هذا النهار إلى الحمام مع شيخنا الشيخ علي العمري ، ومعنا خادمه محمد الدبوسي الطرابلسي ، وهو أخو إحدى زوجات الشيخ ، ولم يكن في الحمام غيرنا!! قال : فرأيت من الشيخ كرامة من أعجب خوارق – قال إحسان : بالراء لا بالزاي – العادات وأغربها ، وهي أنه أظهر الغضب على خادمه محمد هذا وأراد أن يؤدبه ، فأخذ الشيخ إحليل نفسه – أي: ذَكَرَه – بيديه الاثنتين !! من تحت إزاره فطال طولا عجيبا!! بحيث إنه رفعه على كتفه!! وهو زائد عنه!! وصار يجلد به خادمه المذكور ، والخادم يصرخ من شدة الألم ، فعل ذلك مرات ثم تركه ، وعاد إحليله إلى ما كان عليه أولا!! ففهمت أن الخادم قد عمل عملا يستحق التأديب – قال إحسان: لأن الشيخ معصوم فلا يخطئ!! – فأدبه بهذه الصورة العجيبة .
ولما حكى لي ذلك الحاج إبراهيم ، حكاه بحضور الشيخ ! وكان الشيخ واقفا ، فقال لي الشيخ : لا تصدقه وانظر!! – قال إحسان : ورع ووقاحة وقلة دين؟! – ثم أخذ بيدي بالجبر عني !! ووضعها على موضع إحليله!!! ، فلم أحس بشيئ مطلقاً ، حتى كأنه ليس برجل بالكلية ، فرحمه الله ورضي عنه ما أكثر عجائبه وكرماته!! أ.هـ " جامع كرامات الأولياء" يوسف بن إسماعيل النبهاني (2/ 396) ط البابي الحلبي
------------------------------------------------------------
ومن كرامات وليات الله عند الصوفية وكيف يفضن الخير والبركات؟!!!
يقول السيد محمد رشيد رضا رحمه الله في المنار وصفاً ما شاهده عند الصوفية يوم أن كان صوفياً خرافياً نقشبندياً:
"الوليات يفضن الخيرات والبركات على الناس ، بواسطة المصافحة والتقبيل والعناق .
ويذعن –عند ذلك- بألفاظ من الفحش لا يليق أن تُحكى فضلاً عن أن تسطر في الأوراق."
ويردف قائلاً:(252/18)
""رأى كاتب هذه الكلمات بعينه ولية منهنّ صبيحة الوجه ، وفي معصمها أسورة ، وفي أصابعها خواتيم ، وفي عنقها عقود ، وقد جم رأسها إلى رأسي رَجُلين ، والتفتف الأيدي على الأعناق فكان عناقاً مثلثاً ...
ورأى منهنّ فتاة مدت يدها لمصافحته ، فأعرض عنها فوثبت عليه كالثعبان وقبلتهُ في وجهه قبلات متتابعة.
وفعلت ذلك مع غيره أيضاً."
المنار 1/84.
قلتُ –أي المنهج- :
أجل هذه أخلاق ولياتكم يا صوفية؟؟!!
الآن يُعرف السبب في تشبثكم في مذهبكم وتكذيبكم لما يكتب ويبين عنكم؟؟!!
وكل ما قيل شيء.. قالوا: مدسوس على كتبنا أو مأول...
إن هذه القبلات والعناق المثلث .. وخطوات الذهاب للفراش .. لالا ليست مدسوسة بل مشاهدة!!
نعم ما أقبح ذكركم؟؟!!!
هذه طريقة لذكر الله تقبيل وعناق و ...
يقول الداعية الكويتي المعروف أحمد القطان:
بأنه زار مصر يوم المولد وكان ذاك الوقت شيوعياً ..
يقول فشاهد صوفي يقول لشاب أمرد قل لا إله إلا الله فقالها..
فقال هذا الصوفي :
حي حي !!
إنها كلمة التوحيد..
دعني أقبل شفتين تكلمت بالتوحيد..
قلتُ:
هذه بعض أخلاق هؤلاء القذرين..
والتاريخ يشهد والواقع يصدق..
وكتبكم تروي..
واحتراماً للذوق العام أقف عند هذا الحد بعد أن بان لك سبب تدليسهم وتلبيسهم، ونشكرهم لأن نسلط الضوء على بعض معتقداتهم، ونحذر منهم، فلهم منا الشكر، فهم همتنا في النشر، والتحذير من الإفساد والشر، وصلى الله على إمام الأولياء، وصفوة الأصفياء، وعمدة الأنقياء، وقدوة الأتقياء، ونبراس الأخفياء، محمد بن عبدالله الهاشمي عليه وعلى آله وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة(252/19)
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(252/20)
السيل العريض
الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ
تأليف:أبي عبد الرحمن
يحيى بن علي الحجوري
أما بعد:
أصل هذا الرد، أسئلة قدّمت من أهل حضرموت، لمعرفة أقوال عمر بن حفيظ، التي كثر رواجها على عوام الناس في حضرموت وغيرها.
فرأيت واجبًا عليّ الجواب عليها، المتضمن: بيان بعض انحرافات هذا الرجل تبرئة للذمة، ونصحًا للأمة، ?لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ? [لأنفال:42] .
وبعد تفريغ المادة من الشريط في هذه الرسالة، نظرت فيها، وأذنت بطبعها.
والله أسأل أن يجعلها تبصرة للمصتبصرين، وحجة على المعترضن.
وتلبية لقول الله تعالى: ?وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ? [الأنعام:55] ، نقول:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ?وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?[آل عمران:104].
ويقول سبحانه في كتابه الكريم: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?[التوبة:71].(253/1)
وإن عدم إنكار المنكر ضرر عظيم على الفرد والمجتمع، والراعي والراعية، والرجال والنساء، والصغار والكبار، والجن والإنس، فقد ثبت من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، عند الإمام البخاري رحمه الله أنه قال عن النبي ? قال: »مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا في سفينة، فكان بعضهم أعلاها، وبعضهم في أسفلها«، فقال الذين في أسفلها: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذي من فوقنا، فكانوا إذا استقوا من الماء يمرون على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤ من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم نجو، ونجو جميعاً«.
وإن المنكر ليتفشى عن طريق علماء السوء، أكثر من غيرهم، وأشد ما تنتشر المنكرات، وتفشو الضلالات، وتشاع الشبهات، عن طريق علماء السوء ودعاة الفتنة، الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: ?أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ?[البقرة:75].
فهذه صفة علماء السوء من بني إسرائيل، ومن صفاتهم الذميمة ما أبانه الله عزوجل بقوله: ?فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ?[البقرة:79]، ومنها ما أبانه الله عزوجل بقوله: ?فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ?[آل عمران:7].(253/2)
وفي »الصحيحين« من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي ? قال: »إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاعلموا أنهم الذين سمى الله، فاحذروهم«، فكم لعلماء السوء، ودعاة السوء من الأضرار، وكم يزجون بالمجتمع إلى الشرور والأخطار، سواء في الملل الماضية، أو في هذه الملة، فدعاة السوء غواة ظلمة، قال الله تعالى: ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ?[الأعراف: 175-176]، ?مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ?[الجمعة:5].
إن الناس لا يغترون في دينهم بأكبر مسئول، مثل ما يغترون بإنسان يقول قال الله، قال رسوله، فيلبس على الناس بالأباطيل والأكاذيب، وتراهات الأقاويل تحت ستار قال الله، قال رسوله، والمسلمون لما يعلمون من شرف العلم وأهله، كل من دعاهم إلى ذلك ربما أخذوا عنه، ولو كان نصاباً كذاباً على الله، وعل دينه الحق، لهذا أبان الله ذم من لم يعمل بعلمه، وذم من يضل الناس بغير علم، وحرم القول على الله بلا علم؛ لضررهم المتعدي على العباد، فكل لاعن يلعنهم قال تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ?[الأعراف:33].(253/3)
وقال تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ? الآية: [البقرة:159].
وقال تعالى: ?فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? [الأنعام:144].
وأكثر الناس تقولاً على الله، بالأقاويل الكاذبة، والاستحسانات الفارغة، والأحاديث المكذوبة، والتأويلات الفاسدة، دعاة السوء، ودعاة الفتنة، يجب على كل مسلم أن يحذرهم، وأن يحذّرهم من غش المسلمين.
فقد ثبت في »صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «من غشنا فليس منا»، وإن من كبار الغشاشين، ورؤوس الدجالين في هذا العصر، لهو ذلك المدعو (عمر بن حفيظ)، فقد صعد بتلبيساته على الشاشة التلفزيونية، وأضاع كثيراً من الناس، وأضلهم عن الصراط المستقيم، والسكوت على ذلك يعتبر خطأ في حق كل إنسان يستطيع أن ينافح عن دين الله ويقول كلمة الحق، هذا الرجل أفشى المعتقد الباطل من تصوف وتمشعر، وشركيات وبدع، وخرفات، أما يكفي البلاد اليمنية، ما فيها من تلك الإذاعة التي صارت أضحوكة، بل صارت تشيع وتذيع الباطل، ويسمونها ببرنامج (أولو العلم)، ومن أراد أن يضحك أو يسخر يفتح على برنامج (أولي العلم)، وهو جدير بأن يمسى: (برنامج أولي الجهل)، مسخرة، وفتاوى لا تتقيد بكتاب ولا سنة.(253/4)
والله هذه فضائح، ويكمل الفضائح بن حفيظ، في الإذاعة، ويظن الظان في خارج البلاد أن اليمن على هذا الحال، لا وألف لا، اليمن فيها علماء سنة يقولون: قال الله، وقال رسوله، على فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وإن بلداً يشيد بهؤلاء الضلال، وإن مجتمعاً يسمع لهؤلاء الضلال، لمجتمع نخشى أن يكون أراد الله به سواءً من البدع والضلالات، والله أضر شيء على الإنسان في دينه، الشركيات، والبدع، والخرافات، قال الله تعالى: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ?[الزمر:65]، وقال: ?إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:48]، وقال تعالى: ?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ?[المائدة:72]، وقال تعالى: ?إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ?[النحل:105].
ويقول سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ?[الأعراف:152].
وهنا بعض الأسئلة فيما يتعلق بهذا المنحرف، والأسئلة مأخوذة من أشرطته وكتبه بالنص، وربما احتيج إلى إسماع الناس بصوته، لكن ننزه هذه الحلقة أن تسمعوا فيها تلك الدفوف والرقصات، وسنعزو الأقوال إلى رسائله، وبعض أشرطته إن شاء الله تعالى، ومن شك في ذلك رجع إلى تلك المصادر، ?فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ? [يونس:32].(253/5)
قال ابن حفيظ: في شريط له بعنوان: (العقيدة الصحيحة) في الوجه الأول: ظهرت علوم وضلالات، وسموم وفتن، وتراهات، ناس كملوا كلامهم على العلماء، ثم تكلموا في حضرة النبوة؛ تكلموا على النبي قالوا: بشر.
رد الشيخ حفظه الله: انظر إلى تقليب الحقائق من هذا الرجل، ستسمعون كلامه الباطل، المخالف لكتاب وسنة رسوله ?، وهو يسمي ذلك الباطل (العقيدة الصحيحة)، وإن تقليب الحقائق من شأن اليهود، قال الله تعالى لهم: ? ) وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ?[البقرة:58]، فدخلوا يزحفون على أستاههم، ويقولون: حنطة، وقال تعالى عنهم: ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ? [آل عمران:71].
وإن تقليب الحقائق من شأن الزائغين، قال تعالى: ?فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ? [آل عمران:7]، وإن تقليب الحقائق من شأن المرتابين، قال النبي ? «الصدق طمأنينة، والكذب ريبة»، كيف تسمي تلك الأقاويل المكذوبة المنكرة، والجهالات المرتبكة المتكسرة، بالعقيدة الصحيحية، وفيها إنكار صفات الله رب العالمين، والتقول والتخرص على علماء السنة حملة هذا الدين، وفيها أقوال زائغة كما ستمر بنا:
والدعاوى ما لم يقيموا ... عليها بينات أهلها أدعياء
قال الله تعالى: ?لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ?[النساء:123].
وقال: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ?[يوسف:108]، أين البصيرة (الدليل) على هذا القول، أنها عقيدة صحيحة، بل الثابت عكس ذلك، أنها عقيدة خربانة، عقيدة مدقدقة، عقيدة شركية وثنية، عقيدة خرافية بدعية.(253/6)
أناس أصحاب موالد وبدع وخرافات وشركيات، وكان ينصبّ عليه وأمثاله هذا القول أنهم أصحاب نشر هذه السموم والفتن والتراهات، ومن يعني بهذا الكلام؟، ومن هم العلماء الذين تكلم عليهم (بغير حق)؟، فليسمهم؛ من الذي تكلم في حضرة النبوة؟!، فإن هذا الكلام يدل على تكفيرهم، فالذي يطعن في نبي من الأنبياء يكفر، لقول الله تعالى: ?قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [التوبة:64-65].
وإذا نظرت إلى قوله: (أناس كملوا كلامهم على العلماء)، الرجل مجروح، وما يريد أن تفضح شركياته وخرافاته.
وعلم الجرح أجمع عليه المسلمون، على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ?، الجرح والتعديل يتنكر له هذا الرجل وأضرابه، من سائر الزائغين، ما من مجروح إلا ويتنكر لعلم الجرح؛ يريد أن يفشي سمومه بين الناس، ويغش الناس، ويخذل الناس، ويضيع الناس، وما يريد أن يقال: هذا زائغ، لا والله، »الدين النصيحة«، قلنا لمن يا رسول الله، قال: »لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم«.(253/7)
لقد ضل من لا ينصح لدين الله، إن بني إسرائيل أولئك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم مسخهم قردة وخنازير، واقرأ سورة الأعراف: ?وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ?[الأعراف: 163-165].
والجرح دل عليه مثل قول الله تعالى: ?تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ?[المسد: 1-2]، وقول النبي ?: »بئس أخو العشيرة«، هذا جرح أم لا ؟، وقول النبي ?: »إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه«، فكم في القرآن من جرح المشركين والمنافقين، واقرأ سورة المنافقين، و اقرأ آخر سورة النساء، وفي سورة الأحزاب، ?لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً?[الأحزاب: 60-61]، ?إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ?[المنافقون: 1-2].(253/8)
وهكذا قول الله سبحانه وتعالى: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا?[النساء:145]، وقول الله سبحانه وتعالى: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً?[النساء: 142-143].
كم في القرآن من جرح المنافقين، وجرح الظالمين، قال تعالى: ?وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً?[طه:111]، وجرح الكاذبين، قال تعالى: ?ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ?[آل عمران:61]، وجرح الزائغين، قال تعالى: ?فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?[الصف:5]، ?رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ?[آل عمران:8].
وكم جرح النبي ? الخوارج، فقال عنهم: »كلاب النار، كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى من قتلوا«، كذا يقول النبي ?، يسميهم كلاب النار.
وهكذا قول النبي ? في القدرية: »القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشيعوهم«، وللحديث طرق عند ابن أبي عاصم في السنة وغير ذلك.(253/9)
وأخرج مسلم في «صحيحه» فقال: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ? فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ».
ففيه: بيان حالهم والبراءة منهم، واقرأ في كتاب »الجرح والتعديل« لابن أبي حاتم، و»ميزان الاعتدال« للذهبي، و»تهذيب الكمال« للحافظ المزي، و»تهذيب التهذيب« للحافظ ابن حجر، و»المجروحين« لابن حبان، وغيرها من كتب الجرح.(253/10)
ونقل النووي في »رياض الصالحين« إجماع المسلمين على وجوب جرح المجروحين، وهكذا الحافظ ابن حجر في »فتح الباري«، والحافظ ابن رجب، كما في »شرح علل الترمذي«، نقل إجماع المسلمين على جرح أهل الباطل، هاتوا عالمًا تكلم فيه أهل السنة بباطل، إن أهل السنة يتكلمون نصيحة للمسلمين، ويتحرون الحق في أقوالهم، تكلموا في جماعة الجهاد بحق، ورجع الناس إلى قولهم، تكلموا في صدام حسين بحق، ورجع الناس إلى قولهم، فانظر الآن صدام وحال صدام الآن.
تكلموا في الخميني، وآل الأمر إلى قولهم، وتكلموا في الرافضة بحق وآل الأمر إلى قولهم، وانظروا الرافضة وما تصنع الآن، تكلموا في الصوفية بحق، والصوفية مفضوحون بشركهم وبدعهم، وسيفضح أمرهم إن شاء الله للناس أكثر، فربنا عزوجل يقول: ?وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ?[هود:113]، يا أيها المسلمون لا تركنوا إلى الصوفية، والله أنهم خونة، والسلف يقولون: ما ابتدع أحد بدعة إلا استحل السيف، كما في «مقدمة سنن الدارمي» رحمه الله.
قال ابن حفيظ: في نفس الشريط المتقدم: وتكلموا على النبي، قالوا: بشر وإنه قده ميت.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: كلام أهل السنة: أنه ? بشر، مأخوذ من كلام الله، قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ?[الكهف:110]، وقال تعالى: ?قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ? [لأعراف:188].(253/11)
فأين الطعن في رسول الله ? إذا قالوا بشر؟!، وإذا قالوا: أنه مات؟! أيضًا مأخوذ من كلام الله تعالى، قال الله تعالى: ?إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ?[الزمر: 30-31].
وقال: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً?[آل عمران:144].
وقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أما الموتة الأولى فقد ذقتها، ولن تذوق بعدها موتة أخرى.
وقال الله تعالى: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ?[العنكبوت:57]، والرسول ? مما يشمله هذه الدليل، وقال الله تعالى: ?إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ?[آل عمران:55]، ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ?[آل عمران:185]، وقال: ?وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ?[الانبياء:34].
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق يقولون: قده ميت ولا يسمعكم.(253/12)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: الرسول ? قد مات، وهذا القرآن، والسنة، والواقع يدل على ذلك، وإن كذبت القرآن فيا ويلك من الكفر، ومن عذاب الله، قال الله تعالى: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ? [العنكبوت:68].
وقوله: (يقولون: ولا يسمعكم)، قولهم: أن الرسول ? لا يسمع دعائهم بعد موته، قلت: هذا دل عليه القرآن، قال الله تعالى: ?وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ?[فاطر:22]، وفي الحديث المتفق عليه، »إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك«.
وقال الله تعالى: ?فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ?[الروم:52]، وقال تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ? [لأعراف:194]، وقال تعالى: ?وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ? [الاحقاف:6].
يابن حفيظ: ما عندك إلا الهوى، ولو كان رسول الله ? يسمع، فتلك القلاقل والفتن التي حصلت في زمن عثمان، ومن بعد عثمان في زمن علي بن أبي طالب، هل كانوا ينادوا رسول الله ? ويكلمهم، وانتهت القضية؟!، يا رسول الله ?، قلت كذا؟ يقول: ما قلت كذا، وافعلوا كذا، واتركوا كذا، ولكن يا أخي هؤلاء ? لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً?[النساء:78]، هؤلاء عُمي، قال الله تعالى: ? فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ?[الحج:46]، الصوفية عميان البصائر.(253/13)
قال عمر بن حفيظ كما في شريط: (العقيدة الصحيحة): وذلحين قدهم في الرب، يدورون له محل يحطونه فيه؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: انظروا على كذب، هل يجوز أن يقال هذا الكلام! يدورون له محل يحطونه فيه، هذا كلام استهتار، وكلام ما يليق بالله سبحانه وتعالى، ولكن الصوفي الخبيث معّطل، ما يريد أن يقال الله في السماء، كما قال الله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى?[طه:5]، فيعبئ عوام الناس، ويلبس عليهم بهذا الكلام، وأهل السنة، يقولون: الله في السماء، مستو على عرشه، وأدلتهم على ذلك القرآن والسنة وإجماع السلف، قال تعالى: ?وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ?[الأنعام:18]، وقال عزوجل: ?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ?[فاطر:10]، وقال: ?أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ?[الملك:16]، وثبت أنه ? قال: »ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء«، وقال الله عزوجل: ?تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ?[المعارج:4]، وقال: ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ?[القدر:1]، وثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «إن الله كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبي«، متفق عليه من حديث أبي هريرة.(253/14)
وقال الله تعالى: ?سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى?[الأعلى:1]، وقال: ?وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ?[البقرة:255]، هذه بعض أدلة أهل السنة عل هذه العقيدة الصحيحية، أما كلام ابن حفيظ فمثل سوالف العجائز، وليس عند من خالف أهل السنة إلا الهوى والجهالات، والبدع والضلالات، الذين خالفوهم في هذه المسألة، الجاهليون أهدى سبيلاً فيها منهم؛ فقد نقل الإمام ابن القيم رحمه الله، في كتابه «اجتماع الجيوش الإسلامية» أقولًا للشعراء القداما، وأنهم كانوا يثبتون علوا الله على عرشه، ومما نقل في كتب النحو إن جاهلياً أتى إلى امرأته وقد زنت بعد أن سافر سفراً طويلاً، فقال:
لتقعدن مني مقعد القصي ... يا ذا القاذورة المقلي
أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي
جاهلي يقول هذا، ومن تلك الأشعار:
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمين
فعلو الله ثابت له سبحانه، بأدلة القرآن والسنة، وتقر بذلك كل فطرة سليمة، فإن الداعي لله عزوجل يرفع يديه إلى السماء، والساجد يقول: سبحان ربي الأعلى، واستواؤه ثابت، وفوقيته ثابتة، علو ذات، وعلو صفات.
مساكين عوام الناس، ظلمهم هؤلاء الضلال، غشوهم، خدعوهم، يا أيها العامة، لو أن إنسانًا غشك في كيلو من العسل، أو غشك في كيلو من الطماط، والله تعتبره غشاشاً، فكيف بمن يغشك في عقيدة، عمر بن حفيظ وأمثاله من الصوفية غشاشون، يقررون على الناس الأقاويل الباطلة، والمعتقدات الباطلة، والإنسان إذا مات على عقيدة فاسدة، مات على ضلالة.
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: (ويشبهونه بالخلق، ويقسمونه، معاد دروا يصلحون له وجه).(253/15)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا هو وجه التشبيه عند هذا الرجل، أن أهل السنة يثبتون لله الوجه، والوجه ثابت لله عزوجل في القرآن، واقرأ قوله سبحانه: ?إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى?[الليل:20]، وقوله تعالى: ?وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ?[الرحمن:27]، وقول الله تعالى: ?إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ? [الانسان:9]، وقوله تعالى: ?وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ? [الكهف:28].
وحديث سعد بن أبي وقاص في الصحيحين، أن النبي ? قال: »إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة«، وفي حديث الثلاثة أصحاب الغار المتفق عليه، من حديث ابن عمر، وأحدهم يقول: »اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة«.
عشر آيات في القرآن، كلها تثبت صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، كما يليق بجلاله، ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ?[الشورى:11].
وهذا الرجل يعطّل هذه الأدلة، وينفي عن الله عزوجل ما أثبته لنفسه، وأثبته له أعلم الخلق به رسول الله ?، وما أحسن ما قاله نعيم بن حماد: من شبه الله بخلقه كفر، ومن عطل الله عن صفاته كفر، (نخشى عليك أن ينطبق عليك هذا الحكم)، قال: وليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه. اه.
هذا كلام نعيم بن حماد، وعليه أهل العلم، بالسنة أن تشبيه الله بخلقه كفر، وهم الذين أفتوا بقتل داود الجواربي المشبه، لما شبه الله بخلقه، أفتى ابن لهيعة، وجماعة كثيرون من أهل الحديث والسنة، بقتل داود الجواربي.(253/16)
وهم الذين ردوا على المشبهة كمقاتل بن سليمان، وأمثاله، وعلى المعطلة من أمثالكم، تعطلون الله عن صفاته سبحانه وتعالى، ولا تثبتون صفاته كما أبان الله في كتابه، أنتم معطلة ضلال، عطلتم الله عن صفاته، وقلتم على الله بغير علم، والله عزوجل يقول: ?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ? [لأعراف:33].قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: (ما عد دروا يصلحوا له يد أو يدين).
رد الشيخ يحيى حفظه الله: كلامه مثل كلام بعض عجائز حضرموت، أنت الآن تعتبر نفسك عالماً، أما تخجل من هذا الكلام؟!، مثل كلام عجائز بلدكم، ولا تعلم هذه العلوم اليسيرة، التي هي في كتاب الله وسنة رسوله ?.
أين أنت من قول الله عزوجل: ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ?[المائدة:64]، وقال: ? مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ?[صّ:75]، ومعنى ذلك: أن ابن حفيظ مشاق لله عزوجل؛ فالله سبحانه يثبت لنفسه اليدين، وابن حفيظ ينفيها، وربنا سبحانه وتعالى يقول: ?وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً? [النساء:115]، فأنت يا ابن حفيظ تعرض نفسك، وتعرض من خدعتهم بهذا المعتقد الفاسد، لهذا الوعيد، فاتق الله، ما عذرك أمام الله عزوجل؛ في ردك القرآن وصحيح السنة.(253/17)
منها حديث: أبي موسى رضي الله عنه »إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل«، أخرجه مسلم.
وقد ضل من قال: يده نعمته بالليل والنهار يبسطها، ونِعم الله تترى، وتتاولى، قال الله تعالى: ?وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا?[النحل:18]، وقال تعالى: ?نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ? [القمر:35]، وقال: ?وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ? [النحل:53]، وهؤلاء المعطلة يحصرونها في نعمتين فقط، ولا يقول ذلك من يفهم نصوص الوحي، فتأويل هذه الأدلة أن اليد بمعنى النعمة، مع أنه مخالف لأدلة الكتاب والسنة، أيضًا: لا يستساغ.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وإلا أيادي كثير، وإلا عينين، وإلا أعين كثير).
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا كذب بطالٍ، وتلبيس دجالٍ، يُظهر أن أهل السنة يتأرجحون، أتحداه يثبت عن أهل السنة ذلك، بل جميع أهل السنة في أقطار العالم، من لدن الصحابة إلى هذا الزمن، وهم يثبتون لله عز وجل صفة اليدين، ويثبتون لله صفة العينين، وجميع الصفات الثابتة لله عزوجل بغير تردد، ولا تأرجح، ففي «الصحيحين» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ? قال: »إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور«، وقد جاء الحديث صريحاً بإثبات العينين في كتاب «الرؤية» للدارقطني، وإن كان ما في «الصحيحين» أصح، وعلى ذلك إجماع سلف المسلمين.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وتلخبطوا بالآيات والأحاديث).(253/18)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: وهذا كذب واضح، وجهل فاضح، الصوفية هم المتخبطون، والملبسون، ووالله ما يتخبط أهل السنة على ممر التاريخ، والواقع يشهد بذلك، أن أهل السنة سائرون على كتاب وسنة، في الزمن القديم، والحديث، وهم ثابتون على كتاب الله، وسنة رسوله ?، ومنهج الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، في توحيد الربوبية، والألوهية والأسماء والصفات، فتجد الذي في المشرق والذي في المغرب، والذي قبل ألف سنة، والذي يعيش الآن، قولهم في ذلك واحد، مأخوذ من الوحيين، وهذا القول من هذا المتهوك طعن في السلف أنهم يتخبطون، فهو يتهم أتباع رسول الله ?، أبو بكر الصديق ومن دونه بالتخبط، فهذا معتقد الصحابة والتابعين، وتابعيهم، اقرأ كتاب «أصول السنة» للالكائي، هل تراهم يتخبطون، اقرأ كتاب «الشريعة» للآجري، اقرأ كتاب «السنة» للبربهاري، اقرأ كتاب «السنة» لمحمد بن نصر المروزي، اقرأ كتاب التوحيد من «صحيح البخاري»، وأقرأ التوحيد لابن خزيمة، و «التوحيد» لابن مندة، و «الواسطية» و «الحموية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك من دواوين السنة، هل ترى فيها شيئًا من التخبط في علم الكلام؟، كما يتخبط الصوفية، فالصوفية لا يستفيدون من قرآن ولا من سنة، يقرءون «صحيح البخاري» وفيه: (كتاب التوحيد)، ويثبت الأسماء والصفات فيها، ولا يستفيدون من ذلك، فهذا هو التخبط الذي هم فيه، ومن عجيب القول، أنهم يثبتون لله سبع صفات، مجموعة في قول بعضهم:
حي مريد قادر علام ... له السمع والبصر والكلام
كيف تثبتون سبع صفات، وما تثبتون نظيرها التي دلت عليها الأدلة، هذا تحكم في القرآن، وتحكم في الأدلة، إن الذي أثبت هذه الصفات، هو الذي أثبت صفات أخرى، إن الذي أثبت هذه الصفات هو أثبت لنفسه الأسماء، فإذاً أنتم أصحاب أهواء، وأنتم حقًا الذين تتخبطون في الأدلة، وما ذكرناه دليل على ذلك.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وخبطوا بها عقول المؤمنين)؟(253/19)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أبعد تخليطكم هذا للناس تخليط وتخبيط، تارة تجعلونهم ينكرون الصفات، وتارة تعلمونهم البدع والشركيات، فهذا شأن المبطلين، أنهم يقلبون الحقائق، ففرعون يقول: ? ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ?[غافر:26]، فهو يزعم أنه خائف من أن يظهر موسى الفساد، ويقول: ? مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ?[غافر:29]، وما أشبه دعواكم هذه بدعوى فرعون، والمشركون أيضاً يقولون: أنحن أهدى أم محمد، هذا الصنبور المنبتر؟ نحن سقاة الحجيج، ونحن نقري الضيف، ونحن نفعل ونفعل، فقال لهم كعب بن الأشرف: أنتم خيرٌ وأهدى سبيلاً، فأنزل الله عز وجل: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً?[النساء:51-52]، وأنزل: ?إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ?[الكوثر: 1-3].
هذه دعاوى فرعون، ودعاوى المشركين، ودعاوى كل مبطل، وقد أخبر الله عن فرعون هذا المدعي أنه ما تقره نفسه على ذلك، قال تعالى: ?وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ?[النمل:14].
كفى غشاً للمجتمع، حرام الغش، حرام الظلم، حرام تقليب الحقائق، إن كنتم تعقلون، فهل بقي عندكم خوف من الله؟.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (خطبوا بها عقول المؤمنين أهل التوحيد، أهل اليقين، شوفوه حال في مكان من الأماكن).(253/20)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هل أهل السنة يقولون: شوفوه حال في مكان؟! سبحانك هذا بهتان عظيم، وإنما الحلولية منكم أنتم أصحاب الحلاج الذي يقول: (أنا الله بلا شك، فسبحانك سبحاني، فتوحيدك توحيدي، وعصيانك عصياني)، من الحلولية نحن أم أنتم؟ نعم وابن عربي منكم الذي يقول: ( ما في الجبة إلا الله)، ويقول: (العبد رب، والرب عبد، ياليت شعري من المكلّف) يعتقد أنه رب، وهكذا ابن سبعين الذي يقول وهو يسمع الكلب ينبح: (سبحانك يا رب العالمين).
وهكذا أبو يزيد البسطامي منكم الذي يقول: (سبحاني، سبحاني، ما أعظم شأني، الجنة لعبة صبياني).
من الذي رد على الحلولية إلا أهل السنة، القول بالحلول كفر، الذي يعتقد أن الله حالٌّ في البشر، كافر أكفر من اليهود والنصارى، والذي يعتقد أن الله متحد في البشر أو في المخلوقات كذلك كافر، أكفر من اليهود والنصارى كما أبان ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، وغيره من أهل العلم، أن الحلولية كفار؛ فإن الاتحادية يعتقدون: أن المرأة هي الله، الذي يأتي أهله ماذا يأتي، وأن الحمار هو الله، وأن الذي يركب الحمار ماذا يركب، وأن المزابل هي الله، أو أن الله حالٌ في الأماكن القذرة، نسأل الله السلامة، هذا قول الكفرة، هذا قول كفر، ولا النصارى يعتقدون هذه العقيدة، ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ?[التوبة:30].
فالصوفية في هذا الباب كفرهم أشد كفر من اليهود والنصارى، لأن النصارى يعتقدون أن الله حال في المسيح، أما الصوفية فجعلوه حالًا في كل شيء.
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: وأنتم تعرفون ما جاء عليه وضع اللغة العربية في استعمال هذه المعاني، لا جسمية ولا خيالية؟(253/21)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا كلام محدث، كلام لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، يجب الإعراض عنه، والبعد عنه، وإثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله ?، ?وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً?[الاسراء:36]، فالله أعلم بنفسه، ورسوله ? يعلم عن الله بالوحي، هذا كلام الفلاسفة، وهذا كلام الذين يقول فيهم الشافعي: حكمي فيهم أن يطاف بهم بين العشائر والقبائل ويضربون بالجريد والنعال،ويقال: هذا جزاء من أعرض عن كلام الله.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (ولا تتخيل بعقل الناس، ثم قال: ما هو بلحم ولا عظم، ولا دم، من اعتقد عظم أو لحم، أو دم أو أي جسم في الرب فهو عابد صنم)؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: وهذا التفسير الذي يقوله، هذه عقيدة المبتدعة، عقيدتهم.... ليس بكذا، ولا بكذا، ولا بكذا، وهذا مبتدع، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: القرآن جاء بإثبات مفصل، وبنفي مجمل.
إثبات مفصل، سميع، بصير، عليم، حكيم، أثبت الله لنفسه الأسماء والصفات بالتفصيل، وقال عن النفي: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11]، ?لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ?[الإخلاص:3-4] وما ادعاه المشركون من النقائص لله عزوجل نفاه سبحانه وتعالى عن نفسه، فهذا الذي جاء به القرآن، وفعلهم هذا خلاف القرآن، وخلاف السنة، وخلاف فعل الصحابة، ومن بعدهم رضوان الله عليهم.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وعادهم سموا أنفسهم أهل التوحيد، توحدون صنم، أو توحدون جسم)؟(253/22)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، ونحن نفرد الله بالعبادة، ولسنا مثلكم؛ نشرك معه مخلوقًا من خلقه، فصنيعكم هو عين صنيع مشركي قريش، وقد قال الله تعالى: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً? [الكهف:103-104]، فأنتم تدعون غير الله، وإليك من الأدلة ما يبين وجه الشبة بين شرككم، وشرك أبي جهل وقومه، والله يقول: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?[المؤمنون:117].
ويقول: ?وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ?[الاحقاف:5-6].
ويقول: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ?[الحج:73].
ويقول سبحانه: ?لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ?[الرعد:14].(253/23)
دعاء غير الله كفر، وهم يدعون غير الله، وينذرون ويبحون لغير الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ?إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ?[الكوثر:1-2]، ويقول تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ?[الأنعام:162-163]،
يذبحون لغير الله، والنبي ? يقول: »لعن الله من ذبح لغير الله«، أخرجه مسلم، من حديث علي رضي الله عنه، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: ? رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ?[آل عمران:35]
فكل البلاوي عندهم، من نذر لغير الله، ومن دعاء لغير الله، وأكل أتربة القبور، ويتوسلون بهم، ويطلبون منهم المدد، أي توحيد عندكم؟!، الشيطان يقر بتوحيد الربوبية، وأنتم تشركون في الربوبية، وتعتقدون أن الكون يتصرف فيه الولي، كما بيناه في: «الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية».
قال عمر بن حفيظ: في نفس المصدر السابق: (شيء عندكم رب ثاني تقفلون عليه في مكان، يا بلا عقول).
رد الشيخ يحيى حفظه الله: سبحان الله!، من الذي يعتقد إن الله حالٌّ في كل شيء؟!، فالذي يعتقد أنه حال فيه، فإنه إذا قفل على نفسه في مكان، فهو يعتقد أنه أقفل على الله، وأن الله حال في المرأة، كلام لا يستطيع الإنسان أن يتكلم به إلا من باب اليبيان، أليست هذه عقيدة الصوفية؟.
الرجل من خذلانه يرد على نفسه بنفسه، وأن الذين يقولون هذا القول، بلا عقول، وهذا صحيح، وقد حكم بذلك الشافعي رحمه الله، على الصوفية، كما ثبت في «صفوة الصفوة» لابن الجوزي، أنه قال: ما تصوف أحد أول النهار، إلا جاء وسط النهار وهو أبله.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: (هو يحمل السماء والأرض، ويحمل كل شيء، يسع كل شيء ولا يسعه شيء).(253/24)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أهل العلم يقولون: »قيوم السموات والأرض«، أي يقيمها، أما كلمة (يحملها)، من يستجيز هذا القول، أنه يحملها؟، فالتعبير الصحيح المؤيد بالأدلة أن يقال: يقبضها ويمسكها، ويقيمها، قال تعالى: ?وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ?[الزمر:67] وقال: ?إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا?[فاطر:41] وقال تعالى: ?اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ?[البقرة:255]، أي قيوم السموات والأرض، وفي حديث ابن عباس، عند البخاري ومسلم، أن النبي ? قال: »أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن«، أما يحملها فبأي دليل هذا الكلام؟، فهذا كلام باطل؛ فيه تنقصات لله سبحانه وتعالى.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: ?يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ?[الفتح:10]، قولوا لهم: هم كانوا عند العرش، أو في الأرض، إيش العقول القاصرة الفارغة.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: المسائل تثبت بالدليل، وهذه عقيدة فيها كتاب وسنة، ولا دخل للعقول فيها، قال الله تعالى: ?فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ? [المرسلات:50]، وقال تعالى: ?أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ?[العنكبوت:51]، ومن أعظم ما أنزل على العباد وما تعبدهم به هو معرفة صفات الله، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة«، وكل اسم يتضمن صفة، أما كلامك هذا فكلام بلداء، وكلام أصحاب الإعراض عن ذكر الله عزوجل، الكلام الذي يعتمد على أدلة هو الحق، والمحاجة تكون ببراهين، لا بالسفاسف والهذيان.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: (أتى قوم يقولون: تفكر في ذات الله).(253/25)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: الصوفية وسائر أهل البدع محروقون من أهل السنة، جزاكم الله خيراً يا أهل السنة، وقوله: (أتى قوم)، أهل السنة من الصحابة ومن بعدهم هم الأصل الأصيل الذين أوصلوا هذا الدين إلى الناس، وإنما البدعة والمحدثة الذين أتوا في الآونة المتأخرة هم الصوفية، فهي ما حدثت إلا بعد القرون المفضلة، كما أبانه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وغيره من المؤرخين، وأئمة الإسلام، وبهذا تعلم من الذي أتى الناس بفكر محدث، بعض الأجداد الماضين خلقوا قبل حدوثه، وأتحدى ابن حفيظ أو غيره أن يثبت أن صحابيًا أو أحد أئمة التابعين كان صوفيًا، ويبرز برهانه الصحيح على ذلك، أما السلفيون فإمامهم رسول الله ?، وهو القائل لفاطة رضي الله عنها: «نعم السلف أنا لك» كما في البخاري (7/30) ومسلم (2403)، فأتباع رسول الله ?، وأتباع رجال السلف، هم الذين أتوا على هذه الأصناف الضليلة، العابثة بالإسلام وشعائره، ومبادئه، الصوفية خوالف الرهابيين؛ الذين صيروا المساجد عبارة عن مراقص، يتراقصون ويتمايلون فيها، والذين اتفقوا واندمجوا مع الاحتلال البريطاني، في المناطق الجنوبية، وشيدت بريطانيا لهم الأضرحة، واتفقوا واندمجوا مع الحزب الشيوعي في جنوب اليمن، ومنعت الشيوعية من الاعتداء عل مزارات الصوفية، واتفقوا مع فرنسا، لما دخلوا الجزائر، وجعلت فرنسا قطارات خاصة، تحمل الناس إلى مزارات الصوفية، وهذه حقائق يعرفها عموم أهل البلد، وأخبرنا من هو مغترب في أمريكا هذه الأيام، وهو الأخ: أحمد الشعيبي، أن أحد مستشاري بوش في البيت الأبيض صوفي، فأنتم أناس خدم لكل فكر دخيل على الإسلام والمسلمين.
جزى الله أهل السنة خيرًا.
من الدين كشف الستر عن كل كاذب ... وعن كل بدعي أتى بالعجائب
فلو لا رجال مؤمنون لهدمت ... صوامع دين الله من كل جانب(253/26)
هذا كتاب الله، وسنة رسوله ?، هو الحق، الذي به قامت السموات والأرض، قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ?[صّ:27] وقال تعالى: ?وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ?[الانبياء:16] .
هذا الحق الذي تعبدنا الله وتعبد جميع المسلمين به، ?وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً? [الإسراء:81].
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: وهذه السنة لا مشى فيها رسول الله، ولا أصحابه من بعده، ولا التابعون بإحسان، يمسكون العيال الصغار يجئون يقولون: أين الله؟ أين الله.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: ?إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ? [النحل:105]، فهل القرآن ورسول الله والصحابة ما أثبتوا الصفات؟، فما معنى قول الله تعالى: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا? [لأعراف:180]، وما معنى قوله تعالى: ?وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى? [الروم:27] أي الوصف الأعلى، هل القرآن ورسول الله ? والصحابة ما أثبتوا علو الله على عرشه؟، فما معنى قول الله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، وقوله: ?أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ? [الملك:16]، وقوله: ?وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ? [الأنعام:18]، وقوله: ?سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى? [الأعلى:1].(253/27)
وقول النبي ? «إن الله كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش»، متفق عليه، من حديث أبي هريرة، وهكذا القول في سائر الأسماء والصفات، وقد امتلأت كتب السنة بذلك بما لا يخفى على مسلم، بصره الله بالحق، فما هذا الكذب على رسول الله ?؟!، وهو القائل: «من كذب علي، فليتبوأ مقعده من النار»، متفق عليه، وما هذا الكذب على الصحابة والتابعين؟، وقد زفرت دواوين الإسلام بتقريرهم ذلك، وقد أشرنا إلى جملة من كتبهم فيما مضى، وصدق رسول الله ?: «إذا لم تستح، فاصنع ما شئت».
ولا يجوز وصف رسول الله ?، وأصحابه ومن سلك مسلكهم بأنهم صغار.
فالصغار والأراذل، هم أهل البدع، من أمثالك كما ثبت ذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام، يا رسول الله، متى ندع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: »إذا كان الملك في صغاركم، والعلم في رذالتكم، والفاحشة في كباركم«، قال زيد بن يحيى: الرذالة: هم علماء السوء.
وأما علماء السنة، فإنهم هم الذين ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?[آل عمران:18]،
ويقول ابن الأمير كما في كتاب »توضيح الأفكار«: كل حديث جاء في شرف أهل العلم، فيُعنى بذلك أهل الحديث.(253/28)
وأما الصوفية فأصحاب أهواء تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، والهوى يعمي ويصم، كما قال الله سبحانه وتعالى: ?حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ?[محمد:16]، والهوى بسببه قتل الأنبياء، قال تعالى: ?كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ?[المائدة:70]، والهوى يجعل الإنسان أضل الأنعام، قال تعالى: ? وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ?[الأعراف:176]، وقال: ?أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً?[الفرقان:44]، وإليكم نص سؤال النبي ? للجارية، أين الله؟ وشهادته لها بالإيمان، في «صحيح مسلم» رقم: (537)، في كتاب الصلاة، (باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته)، عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله ?، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله ? فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليما منه؛ فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله ?، قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالًا يأتون الكهان قال: «فلا تأتهم»، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم» (قال ابن الصباح: فلا(253/29)
يصدنكم) قال: قلت: ومنا رجال يخطون، قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم؛ آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله ?، فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها» فأتيته بها فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»
وابن حفيظ يتنقص رسول الله ? من حيث يشعر أو لا يشعر، ويعتبره من الاصاغر، مع ملاحظة أن ابن حفيظ ذكر هذا الحديث نفسه، في سياق كلامه، فقوله: (الأصاغر) يتناول به مبدئيًا رسول الله ?، لأنه هو القائل ذلك للجارية، ولما قالت: في السماء، أقرها على هذا القول، ولم يقل لها أخطأتِ، ولا يقر باطلاً ?، أولئك الذين قالوا: اجعل لنا ذات أنواط، قال: »الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون»، أنكر عليهم، الحديث أخرجه أحمد في «المسند»، والترمذي وغيرهما، من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه.
بل رأى رجلاً بيده خاتماً من ذهب، قال: »أنزعه، يعمد أحدكم إلى جمرة فيضعها في يده«.
قالت: في السماء، قال: »من أنا؟«، قالت: أنت رسول الله ?، قال: »اعتقها فإنها مؤمنة«، أثبت لها الإيمان بما قالت، وأن هذا من الإيمان، والصوفية يتنكرون لمسائل من الإيمان، فأي انحراف أشد من هذا؟!، أن تردوا على رسول الله ?، وتصفون قوله بأنه قول أصاغر!.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: إن الخلفاء الأربعة والحسين وزين العابدين، والحسن البصري، وسائر التابعين ما مشوا، وتابع التابعين ما مشوا.(253/30)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: نسأل الله السلامة من هذا الكذب المفضوح، قال الله تعالى: ?قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ?[النمل:64]، وقال تعالى: ?قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ?[الأنعام:148]، وقال: ? وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ?[التوبة:42]، وقال تعالى: ?إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ? [النحل:105].
ولكي تعلم كذب هذا الرجل، فاقرأ هذا الفصل من «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية» للإمام ابن القيم رحمه الله، (ص:62) ط:دار الكتب العلمية، قال رحمه الله: (فصل فيما حفظ عن رسول الله والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من ذلك)، قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه،
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما قبض رسول الله ?، قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ?[آل عمران:144]، حتى ختم الآية، وهذا أثر حسن.
وقال البخاري في «تاريخه» قال محمد بن فضيل: عن فضيل بن غزوان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما قبض رسول الله ? دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه فأكب عليه وقبل جبهته، وقال: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا، وقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت. تقدم قبله.(253/31)
وفي «صحيح البخاري» من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكر الحديث، وفيه: أن رسول الله ? أشار إلى أبي بكر أن أمكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله ?، ثم استأخر فذكره.
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال إسماعيل: عن قيس، قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس، وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا ليلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر رضي الله عنه: ألا أراكم ههنا، إن الأمر من ههنا، وأشار بيده إلى السماء.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد المزني قال: لقيت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال لها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، وهو يسير مع الناس، فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها وأصغى إليها حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل يا أمير المؤمنين: حبست رجالًا من قريش على هذه العجوز!، قال: ويلك تدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها، إلا أن تحضرني صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها.
قال ابن عبد البر: وحدثنا من وجوه، عن عمر بن الخطاب، أنه خرج ومعه الناس، فمر بعجوز فاستوقفته فوقف لها، وجعل يحدثها وتحدثه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز، قال: ويحك تدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، الحديث.
قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:(253/32)
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتاب «الاستيعاب»: روينا من وجوه صحاح أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشى إلى أمة له فنالها، فرأته امرأته فلامته فجحدها، فقالت له: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فإن الجنب لا يقرأ القرآن، فقال:
شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد ... ملائكة الإله مسومينا
فقالت: آمنت بالله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه.
قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه.
قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب «السنة» من حديث سعيد بن جبير رضي الله عنه، قال: تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله؛ فإن بين السموات السبع إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك.
وفي مسند الحسن بن سفيان، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي، من حديث عبدالله بن أبي مليكة، أنه حدثه ذكوان قال: استأذن ابن عباس رضي الله عنهما على عائشة رضي الله عنها وهي تموت، فقال: كنت أحب نساء النبي إليه، ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبًا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيها ألا وهو يتلى فيها آناء الليل وآناء النهار.(253/33)
وذكر الطبراني في «شرح السنة» من حديث سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: قيل لابن عباس: إن ناسًا يكذبون بالقدر، قال: يكذبون بالكتاب، لئن أخذت شعر أحدهم لا ينبتونه، إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه.
قول عائشة رضي الله عنها:
قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت نافعًا يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: وأيم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته -تعني عثمان- ولكن علم الله من فوق عرشه، إني لم أحب قتله(1).
قول زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:
ثبت في «الصحيحين» من حديث أنس رضي الله عنه قال: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات، وفي لفظ غيرهما: كانت تقول: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه، كان جبريل السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك، رواه العسال.
قول أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:
__________
(1) - الحديث رجاله ثقات، ورواية نافع عن عائشة، في «الصحيحين» كما في «جامع التحصيل» للعلائي.(253/34)
قال: لما لعن الله إبليس، وأخرجه من سمواته وأخزاه قال: رب أخزيتني ولعنتني وطردتني عن سمواتك وجوارك، فوعزتك لأغوين خلقك ما دامت الأرواح في أجسادهم، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال: وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السموات والأرض خطايا، ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد فندم على ذنوبه لغفرتها وبدلت سيأته كلها حسنات، وقد روى هذا المتن مرفوعًا ولفظه: وعزتي وجلالي وارتفاعي لو أن عبدي وذكره، رواه ابن لهيعة، عن بني الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «إن الشيطان قال: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر ما استغفروني»، الحديث فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، لكنه يصلح مع غيره في الباب.
قول الصحابة كلهم رضي الله عنهم:
قال يحيى بن سعيد الأموي في «مغازيه»: حدثنا البكائي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن سنان، عن سعيد بن الأجود الكندي، عن العرس بن قيس الكندي، عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: خرجت مهاجرًا إلى النبي ?، فذكر قصة طويلة وقال فيها: فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم، ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته.
ذكر أقوال التابعين رحمهم الله تعالى:
قال مسروق رحمه الله: قال علي بن الأقمر: كان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثني الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سموات.
قول عكرمة رحمه الله تعالى:(253/35)
قال سلمة بن شبيب: حدثنا إبراهيم بن الحكم قال: حدثني أبي عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: بينما رجل مستلق على متنه في الجنة فقال: في نفسه لم يحرك شفتيه لو أن الله يأذن لي لزرعت في الجنة، فلم يعلم إلا والملائكة على أبواب جنته قابضين على أكفهم فيقولون: سلام عليك فاستوى قاعدًا، فقالوا له: يقول لك ربك: تمنيت شيئًا في نفسك قد علمته، وقد بعث معنا هذا البذر يقول لك: ابذر فألقى يمينًا وشمالًا وبين يديه وخلفه، فخرج أمثال الجبال، على ما كان تمنى وزاد، فقال له الرب من فوق عرشه: كل يا ابن آدم فإن ابن آدم لا يشبع.
إبراهيم بن الحكم ليس بثقة، وأصل القصة ثابت، أن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدعون، كما في القرن.
قول سليمان التيمي رحمه الله تعالى:
قال ابن أبي خيثمة في «تاريخه»: حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا ابن ضمرة، عن صدقة التيمي، عن سليمان التيمي قال: لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء.
قول كعب الأحبار رحمه الله تعالى:
قال الليث بن سعد: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن يزيد(1) بن أسلم، حدثه عن عطاء بن يسار قال: أتى رجل كعبًا وهو في نفر فقال: يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار، فأعظم القوم قوله، فقال كعب: دعوا الرجل، فإن كان جاهلًا تعلم، وإن كان عالمًا ازداد علمًا، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سموات، ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين سماء الدنيا والأرض، وكثفهن مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه فوقه.
__________
(1) صوابه: عن زيد بن أسلم، كما في «التهذيب».(253/36)
وقال نعيم بن حماد: أخبرنا أبو صفوان الأموي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن كعب قال: قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبر أمور عبادي، لا يخفى علي شيء من أمر عبادي في سمائي ولا أرضي، وإلي مرجع خلقي، فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعاقب من شئت بعقابي.
شيخ نعيم بن حماد هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك، هو ومن بعده ثقات.
قول مقاتل رحمه الله تعالى:
ذكر البيهقي في «الأسماء والصفات» عن بكر بن معروف، عن مقاتل، بلغنا والله أعلم في قوله عز وجل: ?هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ? [الحديد:3]، الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما يعني القرب بعلمه وقدرته، وهو فوق عرشه، وهو بكل شيء عليم، وبهذا الإسناد عنه في قوله تعالى: ?إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ? [المجادلة:7]، يقول: بعلمه، وذلك قوله: ?إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ? [الأنفال:75]، فيعلم نجواهم، ويسمع كلامهم، ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء، وهو فوق عرشه وعلمه معهم.
قول الضحاك رحمه الله تعالى:
روى بكر(1) بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عنه، ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ? [المجادلة:7]، قال: هو الله على العرش وعلمه معهم.
قول التابعين جملة:
روى البيهقي بإسناد صحيح إلى الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى جل ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته.
قال شيخ الإسلام: وإنما قال الإوزاعي ذلك بعد ظهور جهم؛ المنكر لكون الله عز وجل فوق عرشه، والنافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف كان بخلاف قوله.
__________
(1) - صوابه: بكير، كما في ترجمته من «التهذيب».(253/37)
وقال أبو عمر بن عبد البر في «التمهيد» وعلماء الصحابة، والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا: في تأويل قوله تعالى: ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ? [المجادلة:7]، هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به.
قول ربيعة بن عبد الرحمن رحمه الله، شيخ مالك بن أنس رحمة الله عليه:
قال يحيى بن آدم: عن أبيه، عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله تعالى الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق.
قول تابع التابعين جملة رحمهم الله تعالى:
ذكر قول عبد الله بن المبارك رحمه الله:
روى الدارمي، والحاكم، والبيهقي وغيرهم، بأصح إسناد إلى علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سموات، على العرش استوى، بائن من خلقه، ولا نقول: كما قالت الجهمية، وفي لفظ آخر: قلت: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما قالت الجهمية.
وقال الدارمي: حدثنا الحسن بن الصباح البزار، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك قال: قيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: ومما يحقق قول ابن المبارك، قول رسول الله ? للجارية: «أين الله؟» يمتحن بذلك إيمانها، فلما قالت في السماء، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، والآثار في ذلك عن رسول الله ? كثيرة، والحجج متظاهرة والحمد لله على ذلك، ثم ساقها الدارمي رحمه الله تعالى.(253/38)
وذكر ابن خزيمة، عن ابن المبارك، أنه قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد خفت من كثرة ما أدعوا على الجهمية، قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء، وصح عن ابن المبارك أنه قال: إنا نستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.
قول الأوزاعي رحمه الله تعالى:
قال أبو عبد الله الحاكم: أخبرني محمد بن علي الجوهري ببغداد، حدثنا إبراهيم بن الهيثم، حدثنا محمد بن كثير المصيصي قال: سمعت الأوزاعي يقول: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة، وهذا الأثر يدخل في حكاية مذهبه، ومذهب التابعين، فلذلك ذكرناه في الموضعين.
قول حماد بن زيد رحمه الله تعالى:
قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يقول: الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
قال شيخ الإسلام: وهذا الذي كانت الجهمية يحاولونه قد صرح به المتأخرون منهم، وكان ظهور السنة وكثرة الأئمة في عصر أولئك يحول بينهم وبين التصريح به، فلما بعد العهد، وخفيت السنة وانقرضت الأئمة صرحت الجهمية النفاة بما كان سلفهم يحاولونه ولا يتمكنون من إظهاره.
قول سفيان الثوري رحمه الله تعالى:
قال معدان: سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى: ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ? [الحديد:4]، قال: علمه، ذكره أبو عمر.
ذكر أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى:
قول الإمام أبي حنيفة:(253/39)
قال البيهقي: حدثنا أبو بكر بن الحارث الفقيه قال: حدثنا أبو محمد بن حيان، أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر قال: حدثنا يحيى بن يعلى قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت نوح بن أبي مريم أبا عصمة يقول: كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهميًا فدخلت الكوفة، فقيل لها: إن هاهنا رجلًا قد نظر في المعقول، يقال له: أبو حنيفة فأتيه فأتته، فقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل، وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابًا إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: ?وَهُوَ مَعَكُمْ? [الحديد:4]، قال: هو كما تكتب للرجل إني معك، وأنت عنه غائب، قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيما نفى عن الله تعالى وتقدس من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله: إن الله عز وجل في السماء.
قال شيخ الإسلام: وفي كتاب «الفقه الأكبر» المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي رواه بإسناد عن أبي مطيع البلخي الحكم بن عبد الله قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر؟ قال: لا تكفر أحدًا بذنب، ولا تنفي أحدًا من الإيمان، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله ?، ولا توالي أحدًا دون أحد، وأن ترد أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما إلى الله تعالى.(253/40)
وقال أبو حنيفة رحمه الله: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه عز وجل، خير من أن يجمع العلم الكثير، قال أبو مطيع: قلت: فأخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: يتعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأئمة، وذكر مسائل في الإيمان، ثم ذكر مسائل في القدر، ثم قال: فقلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك ناس فيخرج عن الجماعة، هل ترى ذلك؟ قال: لا، قلت: ولم؟ وقد أمر الله تعالى رسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة، فقال: كذلك لكن ما يفسدون أكثر ممن يصلحون؛ من سفك الدماء، واستحلال الحرام، وذكر الكلام في قتال الخوارج والبغاة، إلى أن قال: قال أبو حنيفة: ومن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، وعرشه فوق سبع سموات.
قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكنه يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء، لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.
وفي لفظ: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ قال: فقد كفر؛ لأن الله يقول: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، وعرشه فوق سبع سموات، قال: فإنه يقول: على العرش استوى، ولكنه لا يدري العرش في الأرض أو في السماء؟ قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر، وروى هذا عن شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري في كتابه «الفاروق» بإسناده.(253/41)
قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد رحمه الله تعالى: ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة رحمه الله عند أصحابه أنه كفر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء ولا في الأرض، واحتج على كفره بقوله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، قال: وعرشه فوق سبع سموات، وبين بهذا أن قوله: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، بيّن في أن الله عز وجل فوق السموات فوق العرش، وأن الاستواء على العرش، ثم أردف ذلك بكفر من توقف في كون العرش في السماء أو في الأرض، قال: لأنه أنكر أن يكون في السماء وأن الله في أعلى عليين، وأن الله يدعى من أعلى لا من أسفل، واحتج بأن الله في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية، فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله عز وجل في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وكذلك أصحابه من بعده كأبي يوسف وهشام بن عبيد الله الرازي.
كما روى ابن أبي حاتم، وشيخ الإسلام بأسانيدهما أن هشام بن عبيد الله الرازي صاحب محمد بن الحسن قاضي الري، حبس رجلًا في التجهم، فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه، فقال: أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال: ردوه إلى الحبس، فإنه لم يتب، وسيأتي قول الطحاوي عند أقوال أهل الحديث.
قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى:(253/42)
ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب «التمهيد» أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا أحمد بن جعفر بن أحمد، أن ابن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان، قال: وقيل لمالك: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى?[طه:5]، كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء، وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده.
قال يحيى بن إبراهيم الطيطلي في كتاب «سير الفقهاء»؛ وهو كتاب جليل غزير العلم، حدثني عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن المغيرة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: الله هو الدهر، وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي لله، وإنما يرغم أنف الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: والله حيث كان، أو أن الله بكل مكان، قال أصبغ: وهو مستو على عرشه، وبكل مكان علمه وإحاطته، وأصبغ من أجل أصحاب مالك وأفقههم.
ذكر قول أبي عمر والطلمنكي:
قال في كتابه في «الأصول»: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته، وقال في هذا الكتاب أيضا: أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، ثم ساق بسنده عن مالك قوله: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، ثم قال في هذا الكتاب: وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ?[الحديد:4] ونحو ذلك من القرآن، بأن ذلك علمه، وأن الله فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء، وهذه القصة في كتابه.
قول الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر، إمام السنة في زمانه رحمه الله تعالى:(253/43)
قال في كتاب «التمهيد»: في شرح الحديث الثامن لابن شهاب، عن ابن سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? قال: «ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» هذا الحديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء، على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله في كل مكان، وليس على العرش، والدليل على صحة ما قال أهل الحق في ذلك، قوله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]. وقوله تعالى: ?ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ? [السجدة:4]، وقوله تعالى: ?ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ? [فصلت:11]، وقوله تعالى: ?إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً? [الاسراء:42]، وقوله تبارك اسمه: ?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ? [فاطر:10]، وقوله تعالى: ?فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً? [لأعراف:143]، وقوله تعال: ?أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ? [الملك:16]، وقوله تعالى: ?سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى? [الأعلى:1]، وها من العلو.
وكذلك قوله: ?الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ? [البقرة:255]، و ?الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ? [الرعد:9]، و ?رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ? [غافر:15]، و ?يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ? [النحل:50]، والجهمي يقول: إنه أسفل.
وقوله تعالى: ?يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ? [السجدة:5].(253/44)
وقوله: ?تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ? [المعارج:4]، والعروج هو: الصعود.
وقوله تعالى: ?يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ? [آل عمران:55]، وقوله تعالى: ?بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ? [النساء:158]، وقوله تعالى: ?فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ? [فصلت:38] وقوله تعالى: ?لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ? [المعارج:2-4]، والعروج هو: الصعود.
وأما قوله: ?أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ? [الملك:16]، فمعناه من على السماء؛ يعني على العرش، وقد يكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى: ?فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ? [التوبة:2]، أي على الأرض.
وكذلك قوله تعالى: ?وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ? [طه:71]، وهذا كله يعضده قوله تعالى: ?تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ? [المعارج:4]، وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب، وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، رد:
ادعائهم المجاز في الاستواء:(253/45)
وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم: في تأويل استوى استولى، فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله تعالى لا يغالبه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى أتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل على الأشهر وإلا ظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة مفهوم؛ وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى أي استقر، واحتج بقوله تعالى: ?وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى? [القصص:14]، انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد، قال ابن عبد البر: الاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه فقال: ?لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ? [الزخرف:13]، وقوله تعالى: ?وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ? [هود:44]، وقال تعالى: ?فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ? [المؤمنون:28]، وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى(253/46)
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي، وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونًا جليلًا في علم الديانة واللغة، قال: حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت، فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال: استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه: إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل: هو من قول الله: ?ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ? [فصلت:11]، فصعدنا إليه، قال: وأما من نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن داود الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الصمد، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى?[طه:5]، قال: استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان، فالجواب إن هذا حديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقلته مجهولة وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي، وعبد الوهاب بن مجاهد، فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث؟!، لو عقلوا وأنصفوا أما سمعوا الله سبحانه حيث يقول: ?وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً? [غافر:36-37]، فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذبًا وقال الشاعر:
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت، وفيه يقول في وصف الملائكة:
وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظم ربًا فوقه ويمجد(253/47)
قال: فإن احتجوا بقوله تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ? [الزخرف:84]، وبقوله تعالى: ?وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ? [الأنعام:3]، وبقوله تعالى: ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ? [المجادلة:7].
وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى جده، قيل: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة؛ أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير، وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالاختلاف في ذلك ساقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر.
وأما قوله في الآية الأخرى: ?وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ? [الزخرف:84]، فالإجماع والاتفاق قد بين أن المراد أنه معبود من أهل الأرض، فتدبر هذا فإنه قاطع.(253/48)
ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع: أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء، ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطراري لم يخالفهم فيه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال ? للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله ? بأن قال لها: «أين الله؟» فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «اعتقها فإنها مؤمنة» فاكتفى رسول الله ? منها برفع رأسها إلى السماء، واستغنى بذلك عما سواه، قال: وأما احتجاجهم بقوله تعالى: ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ?[المجادلة:7]، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله، وذكر سنيد، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى: ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ?[المجادلة:7]، قال: هو على عرشه وعلمه معهم أينما كانوا، قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله.(253/49)
قال سنيد: حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الله فوق العرش، وعلمه في كل مكان، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، ثم ساق من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله على العرش، ويعلم أعمالكم، وذكر هذا الكلام أو قريبا منه في كتاب «الاستذكار».
قال عمر بن حفيظ: كما في شريط العقيدة الصحيحة، (الوجه الثاني): الذي في حديث الجارية إن أراد مريد: أن يجعله أن الله بذاته في السماء، فهذه الكلمة، وهذا المعنى بدعة حدثت تخالف أصول شريعتنا.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: البدعة تعريفها عند أهل العلم هي : ما حدثت بعد موت رسول الله ? ويراد بها التعبد، وهذه الكلمة قد ذكرت أنت أنها من كلام رسول الله ?!، وكما تقدم نصها في «صحيح مسلم» الذي هو من أصح الكتب المصنفة، ورسول الله ? هو الذي لا ينطق عن الهوى، وهو الذي جاءنا بالبينات والهدى، وهو الذي يقول الله سبحانه: ?لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ?[التوبة:128]، ويقول له: ?وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ?[النحل:44]، ويقول: ?هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ?[آل عمران:138].(253/50)
وهو الذي زكى الله فؤاده، وزكى الله لسانه، وزكى خلقه، وزكى عقله، فقال عزوجل: ?نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ?[القلم: 1-4]، وقال: ?وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? [لنجم:3-4]، وزكى دعوته فقال: ?وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ? [الشورى:52]، فإلى أين يا عمر؟! أما تقرأ قول الله عزوجل: ?وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً? [النساء:115].
فأنت الذي تضل الناس، وأنت الذي تفسد عقائدهم، وأنت المبتدع؛ لأن هذا قول الرسول الله ?، ومعتقد السلف الصالح، فإن كان هذا بدعة فمعناه أن جميع السلف يصيرون مبتدعة.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: تخالف معنى قول الله جل شأنه، ?إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ?[فصلت:54]، وتخالف ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11]، وتخالف ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ?[الحديد:4].
رد الشيخ يحيى حفظه الله: ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ?[الحديد:4]، هو معهم بعلمه وإحاطته، ?إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ?[فصلت:54]، هكذا فهم السلف رضوان الله عليهم، وفهم جميع الصحابة والتابعين، وأنظر ما تقدم نقله عن الإئمة من «اجتماع الجيوش الإسلامية» هذا فهمهم، أما فهمك فهم صوفي، وأشعري، لا دليل عليه، يجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل، أنت ومن كان على شاكلتك.(253/51)
فإذا كان يريد أن ينكر أن الله على عرشه، فأين توضع أدلة العلو، وأدلة الاستواء، وأدلة العروج، ?تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ?[المعارج:4]، وأدلة نزول الأمر من عنده، ونزول حكمه، ونزول القرآن، ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ?[القدر:1]، والنزول يكون من أعلى إلى أسفل، أين توضع هذه الأدلة، فالذي أبان أنه على عرشه، أبان أنه بكل شيء محيط، والذي أبان أنه على عرشه، وأنه في السماء، هو الذي أبان أنه معهم، ولا تخفى عليه خافية، قال تعالى: ?مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ?[المجادلة:7].
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: (فلنعم أن ذات ربنا لا تحصرها أرض ولا سماء.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: مستوٍ على عرشه كما تقدمت الأدلة، وانظروا كيف يرد على نفسه بنفسه، أليس الصوفية يقولون: إن الله في كل مكان بذاته، وليس على العرش؟!، فمعنى ذلك على قولكم: أن الله في البيت، والبيت يحصره، وأن الله في الأرض، والأرض تحصره، وأن الله حال في الإنسان، وجسم الإنسان يحصره، ولو قلتم قول أهل السنة الذي دلت عليه أدلة القرآن والسنة، لنجوتم من هذا الضلال، والتخبط والاضطراب، ولكن حالكم كما قال الله عزوجل: ?فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ? [الصف:5].
هذا: وإني لا أستبعد أن عمر بن حفيظ يكون حلوليًا، أو اتحاديا، واسمع إلى القصيدة التي ألقاها الجفري بين يدي ابن حفيظ، وعلى مرأى ومسمع من الناس، ولا ندري أيهما نضمها فقال فيها عن ابن حفيظ:
أنا اسمي عمر ... بالعلى معلنًا
من نال مثلي ... بلغ كل سؤال
ثم قال:(253/52)
أنا طفت بالعرش ... نلت الهناء
والأملاك ساعية بي أنا ... كذا الكون بي يجول
وموسى بن عمران نلته أنا ... أنا اسمي الفخر فحل الفحول
وعيسى بن مريم رفعته أنا ... لَمَّا السما بينال القبول
مريدي توسل وعيذ بي أنا ... وقل يا عمر لتنال القبول
هذه قصيدة تنصح بوحدة الوجود؛ في قوله: (وعيسى بن مريم رفعته أنا) وقوله: (توسل بي وعذ بي أنا) ولما قُرأت هذه القصيدة بتمامها على شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله-، رد عليها في شريط، وقال ما معناه: هذه القصيدة إن كان قالها عمر بن حفيظ فهو كافر؛ لأنه ندد بنفسه الله عزوجل، وأشرك نفسه فيما هو من خصائص الله عزوجل، فالذي رفع عيسى بن مريم هو الله تعالى، قال سبحانه ?وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً? [النساء:157-158]،
قال ابن حفيظ: في رسالة دروس في التوحيد (ص6): والواجب في حق الله تعالى تفصيلاً، عشرون صفة، وهي الوجود، والقدم، والبقاء، ومخالفته للحوادث، وقيامه بنفسه، والوحدانية، والقدرة، والإرادة، والعلم والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه قادرًا، وكونه مريدًا، وكونه عالمًا، وكونه حيًا، وكونه سميعًا، وكونه بصيرًا، وكونه متكلمًا.(253/53)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: فقط عشرون صفة، من أين لكم هذا التحديد، وقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي ? قال: »اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وجلاء همي، وذهاب حزني«، وأنتم تثبتون الأسماء الحسنى.
وكل اسم يتضمن صفة؛ فاسم الرحيم يتضمن: صفة الرحمة، واسم العليم يتضمن: صفة العلم، واسم الحكيم يتضمن: صفة الحكمة، وهكذا سائر الأسماء لله سبحانه وتعالى، في «صحيح مسلم» (486) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله ? ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، و?وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?[النحل:60]، قال السعدي رحمه الله، عند تفسير هذه الآية: ?وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى? [النحل:60]، قال: هو صفة كمال، ثم أيضاً:
أين صفة الغضب، قال الله تعالى: ?وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ?[الفتح:6]، وقال تعالى: ?وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا?[النور:9].
أين صفة القول؟ قال الله تعالى: ?وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ? [غافر:60].
أين صفة الأصابع: وفي «الصحيح» من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» ثم قال رسول الله ?: «اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك».
أين صفة الغيرة؟ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه».(253/54)
أين صفة الفرح: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده طعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته».
وصفة المعية؟ قال تعالى: ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ? [الحديد:4].
وغيرها من الصفات الثابتة لله عزوجل، ودونها الأئمة كابن خزيمة في كتابه «التوحيد» وابن مندة في كتابه «التوحيد» والبيهقي في «الأسماء والصفات» والبخاري في «صحيحه» (كتاب التوحيد)، وغيرهم.
أين صفة المحبة؟ قال تعالى: ?يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ?[المائدة:54].
أين صفة الوجه؟ قال الله تعالى: ?وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ?[الرحمن:27].
أين صفة اليدين؟ قال الله عزوجل: ?بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ?[المائدة:64].
أين صفة القدم؟ »يضع قدمه على النار فتقول: قط، قط«، الحديث.
أين صفة الساق؟ قال الله تعالى: ?يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ?[القلم:42].
أين صفة النفس؟ قال تعال: ?تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ?[المائدة:116].
أين صفة السخط؟ قال الله عز وجل: ?أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ?[المائدة:80].
أين صفة القبض، وصفة البسط، قال تعالى: ?وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ?[البقرة:245].(253/55)
وصفة الكف، قال ?: »والميزان بكف الرحمن يضع القسط، ويبسطه ويرفعه«، كل هذه دلت عليها الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، كما دلت على تلك الصفات التي أثبتموها، فيلزمكم أن تثبتوها جميعًا، لأن القرآن والسنة الذين دلا عل تلك الصفات التي أثبتموها حق، والذي دل على هذه الصفات التي نفيتموها هو ذلك الحق القرآن والسنة، وليس عند من أثبت تلك الصفات، ونفى هذه وأدلتها كلها من القرن والسنة، ليس عند من فرق بينهما قي الإثبات إلا مجرد الهوى والتحكم.
صفات كثيرة لا يعلم حصرها إلا الله، بدليل حديث: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وهؤلاء يحصرونها في عشرين صفة، هذا ضلال بعيد، تعطيل لصفات الله عز وجل.
قال ابن حفيظ: في المصدر السابق: (ص22): وكلامه تعالى نفسي قديم، ليس بحرف، ولا بصوت، ولا لسان، ولا شفتين، ولا فم، ولا حلق، ولا يوصف بعربي، ولا سرياني، ولا غيرهما.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: عمدتهم في ذلك يا إخوان قول نصراني، وهو الأخطل، يعزى إليه أنه قال:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وهذا البيت مردود من ستة أوجه، أولها: أنه بيت مصنوع، ليس في ديوان الأخطل، ثانيًا: أنه محرف؛ قيل: معناه: (إن البيان لفي الفؤاد)، ثالثًا: أنه خبر واحد نصراني، لا يلتفت إلى قوله، رابعًا: أن النصارى قد ضلوا في كلام الله، فاعتبروه مخلوقًا، واعتبروا المخلوق عيسى بن مريم عليه السلام هو الله، خامسًا: أنه كلام بغير سند، سادسًا: أن معناه فاسد، كما سيأتي بيانه.
فمن أضل ممن يعرض عن أدلة كتاب الله وسنة رسوله ?، إلى قول نصراني هذا حاله.
والنصارى قد ضلوا في الكلام، والصوفية يعرضون عن كلام ذي العزة والجلال، ويتبعون الضلال، وحالهم كما قيل:
ومن جعل الغراب له دليلًا ... يمر به على جيف الكلاب(253/56)
ويتبعون كلامًا باطلًا، فالكلام النفساني ما يعتبر كلاماً على هذا الإطلاق، ولو كان القرآن كلامًا نفسانياً بأي حجة، تقوم على الناس الحجة، الله أراد أن يبين للناس، وأراد إقامة الحجة عليهم، قال الله تعالى: ?هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ?[ابراهيم:52]، وقال تعالى: ?وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ?[النحل:44].
القرآن كلام الله، قال تعالى: ?وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ?[التوبة:6]، فلو كان نفسانياً، كيف يسمعونه، قال الله سبحانه وتعالى: ?اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى?[طه:43-44]، ولو أن موسى جعل الكلام في نفسه، لما قامت الحجة عل فرعون.(253/57)
وقول الله تعالى: ?إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ? [لأعراف:144]، وهذا كلام سمعه موسى، وهو حرف وصوت، ?وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى?[المائدة:116]، الياء، حرف نداء، هذه معاندة للمعقول والمنقول، فالقرآن حرف وصوت سمعه موسى، ?وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى?[المرسلات: 1-22].
ناداه ربه، فهذه الأدلة تدل أنه ناداه، بقوله سبحانه وتعالى: ?يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ?[الأعراف:144].(253/58)
الشاهد من هذا أنه كلام سمعه موسى، وأنه حرف وصوت، وأنه من أنكر ذلك فقد أنكر القرآن، وأن من قال أن القرآن يعتبر نفسانياً فقد قال بأن الموجود في المصحف ليس بكلام الله، وأن كلام الله في نفسه، فإذا كان في نفسه، فمعناه أنه يجوز للجنب أن يمسه، وجمهور العلماء أنه لا يجوز مس الجنب للمصحف، ولو كان كذلك لجاز عندهم، وفي حديث أبي هريرة عند الإمام البخاري، عند قول الله عز وجل: ?حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ?[سبأ:23]، قال النبي ?: «إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كالسلسة على صفوان» - قال علي: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك- «?فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ? [سبأ:23]»، الحديث.(253/59)
وهذا دليل أن الله يتكلم بحرف وصوت سمعه الملائكة: ?قَالُوا الْحَقَّ?[سبأ:23]، وقول الله سبحانه وتعالى: ?قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً?[الكهف:109]، ولو كان الكلام نفسانياً لما حسب على صاحبه، وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي ? قال: »إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم«، فلو أن إنساناً وسوس في نفسه أنه سيطلق زوجته ولم يتلفظ بذلك بمجرد النية ما اعتبر طلاقاً، وإلا للزم الأشاعرة هذا، ولو إن إنساناً أراد أن يبيع بيته، ما باع بيته بمجرد ما يحصل في النفس، ولو أن إنساناً أراد أن يحج مجرد ما في النفس فقط، نوى أن يحج وحصل في نفسه أن يحج ولم يحج، ما حصل ذلك الحج منه، لمجرد ما في النفس، وفي حديث معاوية بن الحكم، »إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس«، ولو كان هذا القرآن مجرد كلام لما صلح في الصلاة، ولكنه كلام الله يختلف عن كلام الناس، وليس مجرد كلام نفساني، والاّ لكان المصلي يدخل الصلاة ولا يقرأ الفاتحة، ولا غيرها ، وتصح صلاته على حد قول الصوفية بمجرد ما يوسوس به في نفسه، يصح به الصلاة، وهذا قول باطل، أخرج الإمام البخاري رحمه الله في «صحيحه» رقم: (6614) من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنْ النَّبِيِّ ? قَالَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى»، وأخرجه مسلم: (2652)(253/60)
وفي حديث قصة الإفك عند الإمام البخاري رقم: (4141) ومسلم رقم (2770) قالت عائشة رضي الله عنها: ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ يتلى.. الحديث.
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا»، أخرجه البخاري (7518)، ومسلم (2829).
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ? سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ»، أخرجه مسلم (806).
حديث حَدَّثَنَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ»، رواه البخاري (7483).
وإليك أقوال العلماء في ذلك:(253/61)
قال الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص:149): وإن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله جل ذكره قال أبو عبد الله: وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق؛ لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب وأن الملائكة يصعقون من صوته فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال عز وجل: ?فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً? [البقرة:22]، فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، قال: قلت لأبي عبد الله: الله يكلم عبده يوم القيامة؟ قال: نعم؛ فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عزوجل، يكلم عبده ويسأله، الله متكلم، لم يزل الله متكلمًا؛ يأمر بما شاء، ويحكم بما يشاء، وليس له عدل ولا مثل، كيف شاء، وأين شاء. أنظر: «المسائل والرسالة المروية عن الإمام أحمد» (1288).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله: سألت أبي رحمه الله عن قوم يقولون: لما كلم الله عزوجل موسى؛ لم يتكلم صوت؟ فقال أبي: بلى؛ إن ربك عزوجل تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت. المصدر السابق (1/302).
وقال ابن أبي عاصم في «السنة» (1/225): باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك.
وقال أبو الحسن الأشعري في «رسالة إلى أهل الثغر» (ص:214): وأجمعوا على إثبات حياة الله حياة الله عزوجل، لم يزل بها حيًا... وكلامًا لم يزل به متكلمًا...
وقال الأصبهاني في «الحجة» (1/331 و332): وخاطر أبو بكر رضي الله عنه -أي راهن قومًا من أهل مكة- فقرأ عليهم القرآن، فقالوا: هذا من كلام صاحبك، فقال: ليس بكلامي ولا بكلام صاحبي، ولكنه كلام الله تعالى، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
وقال عمر رضي على المنبر: إن هذا القرآن كلام الله.(253/62)
فهو إجماع الصحابة، وإجماع التابعين بعدهم، مثل سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، والشعبي وغيرهم، ممن يطول ذكرهم، أشاروا إلى أن كلام الله هو المتلوّ في المحاريب والمصاحف.
وذكر صالح بن أحمد بن حنبل، وحنبل: أن أحمد رحمه الله قال: جبريل سمعه من الله، والنبي ? سمعه من جبريل، والصحابة سمعته من النبي ?.
وفي قول أبي بكر رضي الله عنه: ليس بكلامي، ولا كلام صاحبي، إنما هو هو كلام الله تعالى، إثبات الحرف والصوت؛ لأنه إنما تلا عليهم القرآن بالحرف والصوت، اه.
وبوب رحمه الله في «الحجة» (1/269): فصل إثبات النداء صفة لله عزوجل، ثم سرد جملة من الآيات والأحاديث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (12/304): واستفاضت الآثار عن النبي ? والصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أئمة السنة؛ أنه سبحانه ينادى بصوت، نادى موسى، وينادى عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو بحرف، وانظر: «مجموع الفتاوى (6/113-545).
وقال ابن القيم في «النونية» (1/80) على لسان معطل، يعترض على ما يثبته سني:
وزعمت أن الله كلم عبده ... موسى فأسمعه ندا الرحمن
أفتسمع ألآذان غير الحرف والـ ... ـصوت الذي خصت به الأذنان
وكذا النداء فانه صوت بإجمـ ... ـماع النحاة وأهل كل لسان
لكنه صوت رفيع وهو ضـ ... ـد للنجاء كلاهما صوتان
ثم إن هذا القول أن كلام الله بمعنى واحد، معناه: أن آية الدين بمعنى آية لا تقربوا الصلاة، ومعنى قول الله سبحانه وتعالى: ?وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى?[الإسراء:32]، بمعنى آية القصاص، وأصبح القرآن معناه واحد، وأن الأحكام ما عرفت من كتاب الله، هذا معناه، وما أحسن ما يقوله شيخ الإسلام: ما أشبه قول هؤلاء بقول النصارى، الذي يقولون: اتحد اللاهوت بالناسوت. أي اتحد الإله بالناس.(253/63)
هذا قول خطير جداً، ومن قال: إن القرآن ليس كلام الله، وإنما هو كلام غير الله سبحانه، فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه ووعده بسقر، كما في »الطحاوية«.
فإذا كان ليس بكلام الله، فما الذي تعظّمه أنت؟ قال تعالى: ?ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ?[الحج:32].
تعظم كلام البشر؟! إذا كان ليس بكلام الله، وقد قال النبي ?: »لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف«، وابن حفيظ يقول: ما هو حرف ولا صوت.
إذا كان ما هو صوت، فما الذي يتدبر؟ قال الله تعالى: ?أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ?[النساء:82].
وأما قول ابن حفيظ: (أن كلام الله ليس بعربي).
فنترك الإمام الشافعي يرد عليه، قال الإمام الشافعي رحمه الله، في كتابه «الرسالة» (ص:45) بنحقيق أحمد شاكر رحمه الله: فإن قال قائل: ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخلِطُه فيه غيره؟
فالحجة فيه كتابُ الله قال الله: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ? [ابراهيم:4].
فإن قال قائل: فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، وإن محمداً بُعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بُعث بلسان قومه خاصة، ويكونَ على الناس كافة أن يتعلموا لسانه، وما أطاقوا منه ويحتمل أن يكون بُعث بألسنتهم: فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم؟
فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون بعضهم تبعاً لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتَّبَع على التابِع.(253/64)
وأولى الناس بالفضل في اللسان مَن لسانُهُ لسانُ النبي ?، ولا يجوز -والله أعلم- أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسانٍ غيرِ لسانه في حرف واحد، بل كلُّ لسان تَبَع للسانه وكلُّ أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه، وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه، قال الله: ?وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ? [الشعراء 192-195]، وقال: ?وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً? [الرعد:37]، وقال: ?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا? [الشورى:7]، وقال: (حَمْ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ? [الزخرف:1-3]، وقال: ?قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ? [الزمر:28].
قال الشافعي: فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه -جل ثناؤه- كلَّ لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: ?وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ? [النحل:103]، وقال: ?وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ? [فصلت:44].(253/65)
قال الشافعي: وعرَّفَنَا نعمه بما خصَّنا به من مكانه فقال: ?لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ? [التوبة:128]، وقال: ?هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ? [الجمعة:2].
وكان مما عرَّف اللهُ نبيَّه من إنْعامه أنْ قال: ?وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ? [الزخرف:44]، فخَصَّ قومَه بالذكر معه بكتابه.
وقال: ?وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ? [الشعراء:214]، وقال: ?لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا? [الشورى: 7 ]، وأمُّ القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة، وأدخلهم مع المنذَرين عامة، وقضى أن يُنْذِروا بلسانهم العربي لسانِ قومه منهم خاصة.
فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يَشْهَد به أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، ويتلوَ به كتابَ الله، وينطق بالذكر فيما افتُرِض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح والتشهد وغيرِ ذلك. اه. كلامه رحمه الله.
ألستم أيها الصوفية تقولون: إنكم شافعية؟ فها هو الشافعي يقول هذا القول، ولكن لا أنتم مع الرسول ?، ولا تأخذون بأقوال الشافعي فيما خالف أهواءكم، أنتم مع أفكار الشيطان، ولنا بحمد لله شريطان: في مخالفة الصوفية الشافعية للأدلة وللشافعي، الذين يزعمون أنهم أتباعه، وسنفرغها في رسالة عن قريب، إن شاء الله.
قول عمر بن حفيظ: في كتاب خلاصة المدد النبوي في أوراد آل باعلوي (ص39): تحت عنوان: (الدعاء بأسماء الله الحسنى، يا مقسط، يا نافع، يا جامع.(253/66)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: يقول الله تعالى: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا?[الأعراف:180]، فكيف يدعو الله بأسماء لم تثبت لله عز وجل، مثل قوله: (يا نافع، إلخ)، وتسمية الله عز وجل بما لم يسم به نفسه، ولم يسمه به رسوله ? هذا من القول على الله بلا علم، ولو أردنا أن نسمي عمر بن حفيظ بغير اسمه لما ارتضى ذلك، ولاعتبره إساءة إليه؛ أن نسميه بغير اسمه، فكيف لا يرضى هذا لنفسه، ويرضاه لله عزوجل؟! وهو بصنيعه هذا خالف الأدلة، وإجماع الأمة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: لله تعالى الأسماء والصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه ? لا يسع لأحد من خلق الله تعالى قامت عليه الحجة ردها. «ذم التأويل» ص (23).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه فهو صحيح بصير، ولا يبلغ الواصفون صفته ولا يتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا يتعدى ذلك. «المسائل والرسائل في العقيدة» للإمام أحمد (ج1ص277) و«اجتماع الجيوش الإسلامية» ص (83) و«الفتاوى» (ج5ص26).
وقال الإمام الدارمي أبوسعيد عثمان بن سعيد: ونصفه بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ?. «الرد على بشر المريسي» ضمن «عقائد السلف» (ص: 374).
وقال إمام الأئمة أبوبكر محمد بن إسحاق: فنحن وجميع السلف من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر، مذهبنا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه. «التوحيد» لابن خزيمة (ج1 ص26).
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن إسماعيل المعروف بالإسماعيلي: ويعتقدون أن الله مدعو بأسمائه الحسنى موصوف بصفاته التي سمى ووصفه بها نبيه ?. «اعتقاد أئمة أهل الحديث» ص (35).
وقال الإمام أبونصر عبيدالله بن سعيد السجزي: وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفية، ولا يجوز أن يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ?. «الرد على من أنكر الحرف والصوت» ص (121).(253/67)
وقال الإمام ابن عبدالبر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة والإيمان بها على الحقيقة لا على المجاز. «التمهيد» (ج7 ص145) «الفتاوى» (ج5 ص87).
وقال أبو القاسم القشيري: الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع. «الفتح» (ج11 ص226).
وقال أبوالحسن القابسي: أسماء الله وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف من الكتاب والسنة أو الإجماع، ولا يدخل فيها بالقياس. «الفتح» (ج11 ص220).
وقال ابن مندة: وأسماء الله وصفاته توقيفية وأهل السنة والجماعة لا يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه في كتابه أو صح عن رسول الله ?. «التوحيد» لابن مندة (ج2 ص 135).
وقال ابن حزم: فصح أنه لا يحل أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه. «المحلى» (ج8 ص31).
وقال الإمام البغوي: أسماء الله تعالى على التوقيف. «معالم التنزيل» (ج3 ص307).
وقال السفاريني في «لوامع الأنوار»:
لكنها في الحق توقيفية ... لنا بذا أدلة وفية
.
ثم شرح ذلك فقال: لنا معشر أهل السنة واتباع السلف باعتبار ثبوت التوقيف في أسماء الباري جل وعلا من الشارع أدلة وفية عالية تفي بالمقصود، لأن ما لم يثبت من الشارع لم يكن مأذونا في إطلاقه عليه، والأصل المنع حتى يقوم دليل الإذن، فإذا ثبت كان توقيفي. «لوامع الأنوار» (ج1 ص 124-125).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وجماع القول في إثبات الصفات هو القول بما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ?، ويصان ذلك عن التحريف والتمثيل والتكيف والتعطيل ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ? [الشورى:11] لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. اه المراد من «مجموع الفتاوى» (ج6 ص515).
وقال تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله ضمن قواعد ذكرها في الصفات قال: السابع أن ما يطلق عليه من باب الأسماء والصفات توقيفي. اه من «بدائع الفوائد» (ج1 ص162).(253/68)
وعليه فلا يجوز إثبات اسم لله ولا صفة بغير دليل صحيح ينص عليها لقول الله سبحانه: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [لأعراف:180]، وإثبات وصفات الله عزوجل، على غير دليل صحيح؛ قول على الله بلا علم، وقد قرن الله عز وجل القول عليه بغير علم بالشرك الأكبر، فقال تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ? [لأعراف:33]، وقال تعالى: ?وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً? [الإسراء:36]، والنبي ? كان يقول: «أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
قول عمر بن حفيظ (في المصدر السابق): يا جامع، يا بر، يا نافع، يا نور، يا باقي.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: بعض هذه الأسماء لم ثبت لله عزوجل؛ كالجامع، والباقي أثبته بعضهم، ولا دليل على إثباته من الأسماء الحسنى.
قول عمر بن حفيظ: يا وارث، يا رشيد، يا صبور.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: ما الدليل على الرشيد؟.
قول عمر بن حفيظ: في (ص40)، صلى الله وسلم في كل لحظة أبدا، بعدد معلوماتك؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا كلام مطلق، ويصلي في لحظة كلام باطل، فهناك حث على الصلاة على النبي ?: ?إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً?[الأحزاب:56]، »أكثروا من الصلاة عليّ فإن صلاتكم معروضة عليّ«، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك وقد أرمت، -بليت- قال: »إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء«.(253/69)
الشاهد من هذا الإكثار، لكن ليس على هذا الإطلاق الباطل.
قول عمر بن حفيظ: في (ص44)، ثم تقرأ القصائد التالية بصوت واحد، مع تكرير الأبيات التي تحتها بعد الصلاة على النبي ?؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: معناه أنه يحث الناس على قراءة هذه الأبيات، التي سيأتي ذكرها.
قول عمر بن حفيظ في رسالة «خلاصة المدد» ص:45):
إلهي نسألك بالاسم الأعظم ... وجاه المصطفى فرج علينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا أيضاً دعاء غير مشروع، ولم يؤثر عن النبي ?، ولا أصحابه، ولا عن أحد ممن يعتمد قولهم من أهل العلم، ثبت عن بريدة رضي الله عنه: أن النبي ? سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: «لقد سأل الله باسمه الأعظم» أما أنه يقول: أسألك باسمك الأعظم، هذا دعاء ليس عليه دليل، وهو محدث.
وقوله: (بجاه المصطفى فرج علينا)، التوسل بجاه النبي ?، من المحدثات، النبي ? له جاه، وموسى عليه السلام يقول الله عنه: ?وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً?[الأحزاب:69]، والنبي عليه الصلاة والسلام خير البشر، لكن التوسل بالجاه من المحدثات، »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«.
قال تعالى: ?إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ?[فصلت:6]، وهو يتوسل إلى الله بجاهه، وبحقه، وكأنه حق على الله سبحانه لازم، كحق الإنسان على الإنسان.
ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع
وأما حديث: أن النبي ? قال: »أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله يا معاذ؟«، هو حق أوجبه الله على نفسه، ? وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ? [الروم:47]، وليس من جنس حق الإنسان على الإنسان، حتى يقول: أسألك بحق فلان أو بجاه فلان.(253/70)
وجاء في التوسل بالجاه حديث لا أصل له، مذكور في «السلسلة الضعيفة» للعلامة الألباني رحمه الله رقم (22)، وهكذا شيخ الإسلام يقول: حديث »توسلوا بجاهي فإن جاهي عظيم«، هذا حديث لا أصل له.
وحديث: »اللهم إني أسألك بحق السائلين إليك، وحق ممشاي إليك«، أخرجه أحمد، رقم: (11156) عن أبي سعيد، وفيه عطية العوفي ضعيف، ومدلس وقد عنعن، فهو حديث لم يثبت، ولو ثبت الحديث لكان من التوسل بالأعمال الصالحة، لأنه يتوسل بممشاه إلى الصلاة، وهو عمل صالح، ولكنه لم يثبت، ولا دلالة لهم في ذلك(1)
__________
(1) - أنواع التوسل المشروع ثلاثة، وهي:
التوسل بأسماء الله وصفاته، والدليل قول الله تعالى: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا? [لأعراف:180].
وقوله تعالى: ?وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ? [النمل:19].
توسل العبد إلى الله إلى تعالى بعمله الصالح، والدليل قول الله تعالى: ?الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ? [آل عمران:16].
وقوله: ?رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ? [آل عمران:53].
ومن السنة حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بخالص عمله. متفق عليه.
التوسل بدعاء الرجل الصالح، والدليل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما رسول الله ? يخطب إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا فمطرنا.
فهذا الحديث فيه أنهم توسلوا إلى الله عزوجل بدعاء أفضل الخلق، ولم يجلسوا في بيوتهم ويقولون: نسألك بجاه نبيك، أو بحق نبيك، ولو كان ذلك مشروعًا لفعلوه، ولكن لم يفعل هذا منهم أحد في حياته، ولا بعد موته ?، فقد استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد موت النبي ?، وطلب من العباس أن يدعو الله لهم؛ لأنه شيخ كبير صالح، كما هو مبين في «فتح الباري» (3/150) أن العباس دعا الله عزوجل، ولو توسلوا بجاهه لتوسلوا بجاه النبي ? وهو حي، فهو أعظم، ولم يفعلوا.
واستسقى معاوية رضي الله عنه ثم قال: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي. يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فسقاهم الله، حت كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. رواه ابن عساكر (65/112،113) بإسناد صحيح. وانظر «التوسل» للعلامة الألباني رحمه الله، (ص:45).(253/71)
. ثم نرشد إخواننا المسلمين إلى قراءة تلك الرسالة المفيدة »قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة« لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (ص:45): في هذه الآبيات:
توسلنا به في كل أمر ... غياث الخلق رب العالمينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: (توسلنا به في كل أمر)، معناه يتوسل به في سائر الكروب، والخطوب، وقوله: (غياث الخلق رب العالمين)، يعني: أحد أمرين: إما إنه توسل به -أي بالنبي ?- إلى غياث الخلق، أي الذي يغيث الخلق، وهو الله سبحانه وتعالى، وإما أنه يعني أنه توسل برسول الله، وأن رسول الله هو غياث الخلق، وهذا ليس للنبي ? في الدنيا، قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ? [الكهف:110]، وقال: ?قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ? [لأعراف:188]، وإما أنه يعني أنه غياث الخلق يوم القيامة، وهذا ليس لرسول الله ?، إنما يشفع بإذن الله، قال الله تعالى: ?مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ?[البقرة:255]، وقال تعالى: ?وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى?[الانبياء:28].
ولما ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» البوصيري الذي ادعى أن النبي ? ينقذ الناس من النار، بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك ... عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ... وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
قال ما أبقى لله شيئًا، أي أنه أشرك رسول الله ? في جميع خصائص الربوبية.
قال عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق ص:(45-46):
وبالعلماء بأمر الله طراً ... وكل الأولياء والصالحينا
أخص به الإمام القطب حقاً ... وجيه الدين تاج العارفينا
وذكر العيدروس في الخطب أجلى ... عن القلب الصدي لصادقينا(253/72)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أسمعتم أنه يتوسل بالعلماء، ويقول: العيدروس يجلي عن القلب الصدى، من أي باب هذا؟، من باب الشرك بالله عز وجل، قال الله تعالى: ?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ?[النمل:62]، هو الله الذي يكشف السوء و يجلي عن القلوب صداها، ويقلّبها كيف شاء، أخرج مسلم في «صحيحه» أن النبي ? قال: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»، وقال الله تعالى: ?قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ?[الأنعام:63]، وقال: ?وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ?[النمل:62].
هذه مبالغات ومجازفات وغلو، في العيدروس أنه يجلي ما في القلوب، وأنه يكشف الكروب، إلى آخر ما تتضمنه هذه الكلمة البطالة الضال صاحبها.
قول عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:46):
عفيف الدين محي الدين حقا ... له تحكيمنا وبه اقتدينا(253/73)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: اقتد برسول الله ?، قاتلك الله، الله يقول: ?اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ? [الأعراف:3]، ويقول سبحانه: ?وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا?[الحشر:7]، ويقول تعالى: ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63]، ويقول: ?فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً? [النساء:65]، ويقل عز وجل: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً?[النساء: 60-63].
قدوتنا رسول الله ?، ومن اقتدى بغيره فعليه أن يرجع إلى الله، وأن يقتدي برسول الله ?، الله أمر بذلك، »تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك«.
»دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبياءهم«، أنت ممن يشمله هذا الحديث،(253/74)
وقوله: (له تحكيمنا) هذا كلام فيه نظر؛ الله عزوجل يقول: ?إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ? [الأنعام:57]، هذا شرك، قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ? [الأنعام:162-163].
قال عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:46):
ولا ننسى كمال الدين سعدًا ... عظيم الحال تاج العابدينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: انظر يا أخي على ألقاب!، كمال الدين، وتاج العابدين، وحالهم كما قال الصنعاني:
تسمى بنور الدين وهو ظلامه ... وهذا بشمس الدين وهو له خسف
فهي ألقاب، قال الله تعالى: ?إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ?[لنجم:23]، والله لا أنتم بتاج للدين، ولا بمجد للدين، ولا أنتم بنور للدين، بل أنتم ?ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ?[النور:40].
والصوفية والرافضة والإسماعيلية أشهر من عرف بهذه الألقاب، كبرًا منهم، ولتغطية فضائحهم بها.
قال عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:46):
بهم ندعو إلى الله تعالى ... بغفران يعم الحاضرينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: معناه يتوسل بهم، وهذا توسل بدعي كما بيناه قبل.
قال ابن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:199-201):
يا قابض يا باسط هبنا المنى ... يا حافظ يا رافع كن عوننا
يا واجد يا ماجد هبنا الأمل ... يا واحد يا أحد عز وجل
مقسط يا جامع اجمع لي الخيور ... غني يا مغني وضاع الأجور
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا الرجل لا يتقيد بدليل، لا في أسماء الله، ولا في صفاته ولا غير ذلك، ولا يتأدب مع الله عز وجل بأدب شرعي، كما قد بينا ذلك في هذه الرسالة.(253/75)
ودين الصوفية، ودين الرافضة، مبني على قصائد وأناشيد، وعلى رقص بمثل رقص النصارى، يتمايلون، والله لو رأيت النصارى في الكنائس لا تكاد تفرق بين النصارى في الكنائس وبين الصوفية في مساجدهم، يرقصون حتى أحدهم يسيل لعابه على صدره، أف لتلك الحالة التي هم فيها، تخجل وتستحي لهم، فمن يرغب في هذه الحالة، هذه حالة رذيلة، يمسون يعوون: (هو هو هو)، ينبحون مثل الكلاب، يبيت ينبح حتى يغمى عليه، وقالوا: بلغ درجة اليقين، بل بلغ درجة الكفر والزندقة، فإنهم إذا بلغ عندهم درجة اليقين، معناه: أنه ارتفع عنه القلم ولا صلاة عليه، ولا صيام عليه، ولا زكاة عليه، ولا حج عليه، ولا شيء من الأركان والواجبات أبداً.
فمعناه أنه بلغ درجة الكفر المتيقن.
قال عمر بن حفيظ: في شريط (بيان مشروعية المولد النبوي ) الوجه الثاني، عند حديث النبي ?، أنه قال: »لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله«.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أقول: لو أنصف هذا المنحرف لقال: (ببدعية المولد)، لأن المولد بدعة، أحدثها العبيديون من الباطنية القرامطة، ولم يكن في زمن النبي ?، ولا في زمن أبي بكر، ولا عمر ولا عثمان، ولا علي ولا سائر الصحابة، ولا سائر التابعين، وأتباعهم، أمثل هذا يقال: عنه إنه مشروع، والنبي ? يقول: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«.
وإليك بيان تاريخ هذه البدعة المنكرة، وقبح سيرة العبيدية الباطنية الذين أحدثوها، وخلفهم الصوفية فيها، فبئست البدعة، وبئس المخلف، وبئس الخلف.(253/76)
قال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزي، في الجزء الأول من كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ص:490) تحت عنوان ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً، ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم، قال: وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد، ومواسم، وهي: مواسم رأس السنة، ومواسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي ?، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومولد الحسن والحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات) اه.
ثم بعد إيضاحه غاية الإيضاح تلك الأعياد والمواسم، ذكر أن الموالد الستة كانت مواسم جلية، يعمل الناس فيها ميزات من ذهب، وفضة، وخشكنانج، وحلواء، وبسط في ذلك الجزء من الكتاب كتاب: «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ص:432-433) الكلام على وصف جلوس الخليفة في الموالد بالنظرة، علو باب الذهب، قال:(253/77)
قال ابن المأمون في أخبار سنة ست عشرة وخمسمائة : وفي الثاني عشر من المحرم كان المولد الآمري، واتفق كونه في هذا الشهر يوم الخميس، وكان قد تقرر أن يعمل أربعون صينية خشكنانج، وحلوى، وكعك، وأطلق برسم المشاهد المحتوية على الضرائح الشريفة لكل مشهد سكر، وعسل، ولوز، ودقيق، وشيرج، وتقدم بأن يعمل خمسمائة رطل حلوى، وتفرق على المتصدرين، والقراء، والفقراء للمتصدرين ومن معهم في صحون، وللفقراء على أرغفة السميذ، ثم حضر في الليل المذكورة: القاضي، والداعي، والشهود، وجميع المتصدرين، وقراء الحضرة، وفتحت الطاقات التي قبلي باب الذهب، وجلس الخليفة، وسلموا عليه، ثم خرج متولي بيت المال بصندوق مختوم ضمنه عينًا مائة دينار وألف وثمانمائة وعشرون درهمًا، برسم أهل القرافة وساكنيها وغيرهم، وفرقت الصواني بعدما حمل منها للخاص، وزمام القصر، ومتولي الدفتر خاصة، وإلى دار الوزارة، والأجلاء الأخوة والأولاد وكاتب الدست، ومتولي حجبة الباب، والقاضي، والداعي، ومفتي الدولة، ومتولي دار العلم والمقرئين الخاص، وأئمة الجوامع بالقاهرة، ومصر، وبقية الأشراف .(253/78)
قال : وخرج الآمر، يعني في سنة سبع عشرة وخمسمائة، بإطلاق ما يخص المولد الآمري برسم المشاهد الشريفة؛ من سكر، وعسل، وشيرج، ودقيق، وما يصنع مما يفرق على المساكين، بالجامعين: الأزهر بالقاهرة، والعتيق بمصر، وبالقرافة خمسة قناطير حلوى، وألف رطل دقيق، وما يعمل بدار الفطرة، ويحمل للأعيان والمستخدمين من بعد القصور، والدار المأمونية صينية خشكنانج، وحضر القاضي والداعي، والمستخدمون بدار العيد، والشهود في عشية اليوم المذكور؛ وقطع سلوك الطريق بين القصرين، وجلس الخليفة في المنظرة، وقبلوا الأرض بين يديه، والمقرئون الخاص جميعهم يقرؤون القرآن، وتقدم الخطيب وخطب خطبة وسع القول فيها، وذكر: الخليفة، والوزير، ثم حضر من أنشد، وذكر فضيلة الشهر والمولود فيه، ثم خرج متولي بيت المال ومعه صندوق من مال النجاوي خاصة مما يفرق على الحكم المتقدم ذكره .
قال : واستهل ربيع الأول، ونبدأ بما شرف به الشهر المذكور، وهو ذكر مولد سيد الأولين والآخرين محمد ? لثلاث عشرة منه، وأطلق ما هو برسم الصدقات من مال النجاوي خاصة: ستة آلاف درهم، ومن الأصناف من دار الفطرة: أربعون صينية فطرة، ومن الخزائن برسم المتولين والسدنة للمشاهد الشريفة، التي بين الجبل والقرافة التي فيها أعضاء آل رسول الله ?، سكر، ولوز، وعسل، وشيرج لكل مشهد، وما يتولى تفرقته : سنا الملك ابن ميسر أربعمائة رطل حلاوة، قال : (وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الوالد الأربعة : النبوي، والعلوي، والفاطمي، والإمام الحاضر، وما يهتم به، وقدم العهد به، حتى نسي ذكرها، فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها، ويحسنون له معارض الوزير بسببها وإعادتها، وإقامة الجواري والرسوم فيها، فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر ).(253/79)
وقال بن الطوير : ذكر جلوس الخليفة في الموالد الستة، في تواريخ مختلفة، وما يطلق فيها، وهي مولد النبي ?، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد فاطمة عليها السلام، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد الخليفة الحاضر، ويكون هذا الجلوس في المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، قبالة دار فخر الدين جهاركس، والفندق المستجد، فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، (وهو يوم مولده ?) تقدم بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس حلواء يابسة، من طرائفها، وتعبئ في ثلاثمائة صينية من النحاس، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم، من أرباب الرتب، وكل صينية في قوارة من أول النهار إلى ظهره ، فأول أرباب الرسوم، قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة، ويدخل في ذلك القراء بالحضرة، والخطباء، والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة، وقومة المشاهد، ولا يخرج ذلك مما يتعلق بهذا الجانب يدعو بخرج من دفتر المجلس كما قدمناه، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة، ثم يستدعي قاضي القضاة ومن معه؛ فإن كانت الدعوة مضافة إليه وإلا حضر الداعي معه بنقباء الرسائل، فيركبون ويسيرون إلى أن يصلوا إلى آخر المضيق من السيوفيين، قبل الابتداء بالسلوك بين القصرين، فيقفون هناك وقد سلكت الطريق على السالكين: من الركن المخلق، ومن سويقة أمير الجيوش عند الحوض هناك، وكنست الطريق فيما بين ذلك، ورشت بالماء رشًا خفيفًا، وفرش تحت المنظرة المذكورة بالرمل الأصفر ، ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، ووالي القاهرة، ماض وعائد لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة، فيكون بروز صاحب الباب من الركن المخلق؛ هو وقت استدعاء القاضي ومن معه، من مكان وقوفهم، فيقربون من المنظرة؛ يترجلون قبل الوصول إليها بخطوات، فيجتمعون تحت المنظرة دون الساعة(253/80)
الزمانية بسمت وتشوف؛ لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات فيظهر منها وجهه وما عليه من المنديل، وعلى رأسه عدة من الأستاذين المحنكين وغيرهم من الخواص منهم، ويفتح بعض الأستاذين طاقة ويخرج منها رأسه؛ ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلًا : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام، فيسلم بقاضي القضاة أولًا بنعوته، وبصاحب الباب بعده كذلك، وبالجماعة الباقية جملة جملة، من غير تعيين أحد فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون قيامًا في الصدر: وجوههم للحاضرين، وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيقدم خطيب الجامع الأنور المعروف بجامع الحاكم؛ فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبي ? فيقول : وإن هذا يوم مولده، إلى ما من الله به على ملة الإسلام من رسالته، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم يؤخر، ويقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك، والقراء في خلال خطابة الخطباء يقرؤون، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته، ورد على الجماعة السلام، ثم تغلق الطاقتان، فتنفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام، إلى حين فراغها على عدتها من غير زيادة ولا نقص، انتهى .(253/81)
وقال أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي، في الجزء الثالث من «صبح الأعشى في صناعة الانشاء» (ص:498-499) في كلام له طويل في جلوسات الخليفة الفاطمي، قال بعد أن ذكر جلوسه في المجلس العام، أيام المواكب وجلوسه ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه للقاضي والشهود في الليالي الوقود الأربع من كل سنة، قال: الجلوس الثالث: جلوسه في مولد النبي ? في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر الفائق، حلوى من طرائف الأصناف، وتعبئ في ثلاثمائة صينية نحاس، فإذا كان ليلة ذلك المولد، تفرق في أرباب الرسوم : كقاضي القضاة، وداعي الدعاة، وقراء الحضرة، والخطباء، والمتصدرين بالجوامع بالقاهرة ومصر، وقومه المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان، ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض؛ مقابل الدار القطبية المتقدمة الذكر، وهي: بالبيمارستان، المنصوري الآن، ثم يركب القاضي بعد العصر، ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدمة الذكر، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة، وتسد الطريق تحت القصر، من جهة السيوفيين، وسويقة أمير الجيوش، ويكنس ما بين ذلك، ويرش بالماء رشاً، ويرش تحت المنظرة بالرمل الأصفر، ويقف صاحب الباب، ووالي القاهرة على رأس الطرق لمنع المارة، ثم يستدعي القاضي ومن معه، فيحضرون ويترجلون على القرب من المنظرة، ويجتمعون تحتها وهم متشوفون لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح إحدى طاقات المنظرة، فيظهر منها وجهه، ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده، ويشير بكمه؛ بأن الخليفة يرد عليكم السلام، ويقرأ القراء، ويخطب الخطباء كما تقدم في ليالي الوقود، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم، ثم تغلق الطاقتان، وينصرف الناس إلى بيوتهم، وكذلك شأنهم في مولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات(253/82)
معلومة عندهم من السنة .
وممن صرح من المتأخرين بأن أول من أحدث المولد المتسمون بالفاطميين، مفتي الديار المصرية، الشيخ: محمد بخيت المطيعي، والشيخ: علي محفوظ، والسيد: علي علي فكري، فقد قال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي ،مفتي الديار المصرية سابقًا، في كتابه «أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام (ص:44-45)، مما أحدث، وكثر السؤال عنه.
ثم قال المطيعي في «بيان ما كان يعمل في المولد النبوي من الفاطميين» (ص:45-47) وفي خلافة الأمر بأحكام الله، أعاد الموالد الستة المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل، وكاد الناس ينسونها، وكان الخليفة يجلس في هذه الموالد في تواريخ مختلفة، ويكون جلوسه كما في الخطط للمقريزي، نقلًا عن عن ابن الطوير في المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، ففي المولد المولد النبوي إذا كان اليوم الثاني عشر الثاني من ربيع الأول، يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس حلواء يابسة، وتعبئ في ثلاثمائة صينية من النحاس، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم، من أرباب الرتب، من أول النهار إلى ظهره ، فأولهم: قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة، وقراء حضرة الخليفة، والخطباء، والمتصدرون بالجوامع، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون فيه مدة، ثم يستدعي قاضي القضاة ومن معه بالأزهر فيركبون؛ وقد وكنست الطريق، ورشت بالماء رشًا خفيفًا، وفرش ما تحت المنظرة بالرمل الأصفر ، ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، كل ذلك ووالي مصر يغدو ويروح؛ لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة، فيقرب جميع المدعوين من المنظرة؛ ويترجلون قبل الوصول إليها بخطوات، فيجتمعون تحتها دون الساعة الزمانية؛ لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات المنظرة فيظهر منها وجهه، وما عليه من المنديل، وفوق رأسه عدة رجال يسمون بالأستاذين وغيرهم من(253/83)
الخواص، ويفتح بعض الأستاذين طاقة أخرى ويخرج منها رأسه؛ ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلًا : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام، فيبدأ بقاضي القضاة أولًا فيسلم عليه بنعوته، ثم بعده بصاحب الباب ثم بالجماعة الباقية جملة جملة، من غير تعيين واحد، فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون وقوفًا في الصدر: وجوههم وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيتقدم خطيب الجامع الأنور المعروف بجامع الحاكم؛ فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبي ? فيقول : إن هذا اليوم مولده ?، وقد بعثه الله فيه برسالة عامة، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم يتقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك، والقراء في خلال خطابة الخطباء يقرؤون، فإذا انتهت الخطب، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته، ورد على الجماعة السلام، ثم تغلق الطاقتان، فينفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام، إلى حين فراغها، من غير زيادة ولا نقص، إلا فيما يتعلق بصاحب المولد في الخطب، فإنه يكون: في كل مولد بما يناسب صاحبه.(253/84)
ذكر المطيعي هذا كله، ثم قال (ص:47): وقد استمر عمل الموالد إلى الآن، غير أن الناس تركوا بعض الموالد الخمسة، وزادوا موالد أخرى، حت كادت الموالد الآن لا تحصى، وزادوا على ما كان يعمل فيها من زمن الفاطميين أشياء، ونقصوا أشياء، وزادوا في أيامها، ثم بعد ما نقل المطيعي ما كان يعمله مظفر الدين، صاحب إربل بمولد النبي ?، عن ابن خلكان، ونقل عنه أيضًا قضية ابن دحية معه، وتأليفه له «التنوير في مولد السراج المنير» بعد ما نقل ذلك قال في (ص:52): من ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينته إربل، على الوجه الذي وصف، فلا ينافي ما ذكرناه، من أن أول من أحدثه القاهرة الخلفاء الفاطميون، من قبل ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن المستنصر، في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة: سبع وستين وخمسمائة هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام، من قل الفاطميين.(253/85)
وقال الشيخ علي محفوظ في «الإبداع في مضار الابتداع» (ص:126)، في فصل عقده لبدع الموالد، وأول من أحدثها، وأورادها التاريخية: أول من أحدثها ـ أي الموالد ـ بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن، والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رسومها، إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله، في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، بعد ما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل الملك: المظفر أبو سعيد، في القرن السابع، قال: وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، ويوحيه إليهم الشيطان. اه(1).
قال الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء» (570): المهدي وذريته. عبيد الله أبو محمد، أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية، الذين قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثوا الدعاة، يستغوون الجبلية والجهلة، وادعى هذا المدبر، أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق، فقال: أنا عبيد الله بن محمد بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد.
والمحققون على أنه ادعى أن المعز منهم، لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه، قال: غدًا أخرجه لك، ثم أصبح وقد ألقي عرمه من الذهب، ثم جب نصف سيفه من غمده، فقال: ها نسبي، وأمرهم بنهب الذهب، وقال: هذا حسبي.
وقد صنف ابن الباقلاني وغيره من الأئمة في هتك مقالات العبيدية، وبطلان نسبهم، فهذا نسبهم، وهذه نحلتهم، وقد سقت في حوادث «تاريخنا» من أحوال هؤلاء وأخبارهم في تفاريق السنين عجائب.
__________
(1) - أفاده الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله، في كتابه «القول الفصل في حكم الإحتفال بمولد خير الرسل».(253/86)
وكان هذا من أهل سلمية له غور، وفيه دهاء ومكر، وله همة علية، فسرى على أنموذج علي بن محمد الخبيث، صاحب الزنج الذي خرب البصرة وغيرها، وتملك بضع عشر سنة، وأهلك البلاد والعباد، وكان بلاء على الأمة، فقتل سنة سبعين ومائتين.
ولهم البلاغات السبعة: فالأول للعلوم وهو الرفض، ثم البلاغ الثاني للخواص، ثم البلاغ الثالث لمن تمكن، ثم الرابع لمن استمر سنتين، ثم الخامس لمن ثبت في المذهب ثلاث سنين، ثم السادس لمن أقام أربعة أعوام، ثم الخطاب بالبلاغ السابع وهو الناموس الأعظم.
قال أبو الحسن القابسي، صاحب الملخص: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه أربعة آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فقال سهل الشاعر:
وأحل دار النحر في أغلاله ... من كان ا تقوى وذا صلوات
وقال (15/574): وفي أيام المهدي، عاثت القرامطة بالبحرين، وأخذوا الحجيج، وقتلوا وسبوا، واستباحوا حرم الله، وقلعوا الحجر الأسود، وكان عبيد الله يكاتبهم، ويحرضهم -قاتله الله-.
وقد ذكرت في «تاريخ الإسلام» أن في سنة سبعين ومائتين ظهرت دعوة المهدي باليمن، وكان قد سير داعيين أبا القاسم بن حوشب الكوفي، وأبا الحسين، وزعم أنه ابن محمد بن إسماعيل بن الصادق جعفر بن محمد.(253/87)
ونقل المؤيد الحموي في «تاريخه»، أن المهدي اسمه فيما قيل: سعيد بن الحسين، وأن أباه الحسين قد سلمه، فوصفت له امرأة يهودي حداد، قد مات عنها. فتزوجها الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله القداح، هذا وكان لها ولد من اليهودي، فأحبه الحسين وأدبه، ولما احتضر عهد إليه بأمور، وعرفه أسرار الباطنية، وأعطاه أموالًا، فبث له الدعاة، وقد اختلف المؤرخون، وكثر كلامهم في قصة عبيد الله القداح بن ميمون بن ديصان، فقالوا: إن ديصان هذا صاحب كتاب «الميزان في الزندقة»، وكان يتولى أهل البيت، وقال: ونشأ الميمون بن ديصان ابنه عبد الله، فكان يقدح العين، وتعلم من أبيه حيلًا ومكرًا.
وقال: (15/577): قال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان، أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة.
وقيل: أن عبيد الله تملك المغرب، فلم يكن يفصح بهذا المذهب إلا للخواص، فلما تمكن أكثر القتل جدًا، وسبى الحريم، وطمع في أخ مصر.
وقال (15/579): (المنصور، أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي، العبيدي الباطني، صاحب المغرب)، ولي بعد أبيه، وحارب رأس الإباضية أبا يزيد مخلد بن كيداد الزاهد، والتقى الجمعان مراتٍ، وظهر مخلد على أكثر المغرب، ولم يبقى لبني عبيد سوى المهدية.
وقال رحمه الله (15/611): قال أبو شامة .(253/88)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية» (15/37) حوادث سنة: (317): ذكر أخذ القرامطة الحجر الأسود إلى بلادهم، وما كان منهم إلى الحجيج، لعن الله القرامطة، فيها: خرج ركب العراق وأميرهم منصور الديلمي، فوصلوا إلى مكة سالمين، وتوافت الركوب هناك من كل جانب، فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم، واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها، حتى في المسجد الحرام، وفي جوف الكعبة، وجلس أميرهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي -لعنه الله- على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله في المسجد الحرام، في الشهر الحرام، ثم في يوم التروية؛ الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا ... أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكان الناس يفرون، فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك:
ترى المحبين صرعى في ديارهم ... كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا(253/89)
ثم أمر القرمطي -لعنه الله- أن تدفن القتلى ببئر زمزم، ودفن كثيرًا منهم في أماكنهم وحتى المسجد الحرام، -ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة- ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم؛ لأنهم شهداء في نفس الأمر، بل من خيار الشهدء، وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة، ونزع كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه، وأمر رجلًا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة؛ فأراد أن يقتلعه فسقط على أم رأسه فمات -لعنه الله- وصار إلى أمه الهاوية، فانكف اللعين عند ذلك عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود؛ فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده، وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، شرفه الله وكرمه وعظمه، وأخذوه معهم حين راحوا إلى بلادهم، فكان عندهم ثنتين وعشرين سنة، حتى ردوه كما سنذكره في موضعه، في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما رجع القرمطي إلى بلاده، تبعة أمير مكة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال، فلم يفعل -لعنه الله- فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي، وقتل أكثر أهل بيته وجنده، واستمر ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج.(253/90)
وقد ألحد هذا اللعين في المسجد الحرام إلحادًا لم يسبقه إليه أحد، ولا يلحقه فيه، وسيجاريه على ذلك الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع؛ أنهم كانوا كفارًا زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بالمهدي، وهو أبو محمد عبيدالله بن ميمون القداح، وقد كان صباغًا بسلمية يهوديًا، فادعى أنه أسلم، ثم سافر من سلمية فدخل بلاد إفريقية، فادعى أنه شريف فاطمي، فصدقه على ذلك طائفة كثيرة من البربر وغيرهم من الجهلة، وصارت له دولة، فملك مدنية سجلماسة، ثم ابتنى مدينة وسماها: المهدية، وكان قرار ملكه بها، وكان هؤلاء القرامطة يراسلونه ويدعون إليه ويترامون عليه، ويقال: إنهم كانوا يفعلون ذلك سياسة ودولة لا حقيقة له.
وذكر ابن الأثير أن المهدي هذا كتب إلى أبي طاهر يلومه على ما فعل بمكة؛ حيث سلط الناس على الكلام فيهم، وانكشفت أسرارهم التي كانوا يبطنونها؛ بما ظهر من صنيعهم هذا القبيح، وأمره برد ما أخذه منها، وعوده إليها، فكتب إليه بالسمع والطاعة، وأنه قد قبل ما أشار إليه من ذلك.
وقد أسر بعض أهل الحديث في أيدي القرامطة، فمكث في أيديهم مدة ثم فرج الله عنه، وكان يحكي عنهم عجائب من قلة عقولهم، وعدم دينهم، وأن الذي أسره كان يستخدمه في أشق الخدمة، وأشدها، وكان يعربد عليه إذا سكر، فقال لي ذات ليلة وهو سكران: ما تقول في محمدكم؟ فقلت: لا أدري، فقال: كان سائسا، ثم قال: ما تقول في أبي بكر؟ فقلت: لا أدري، فقال: كان ضعيفًا مهينًا، وكان عمر فظًا غليظًا، وكان عثمان جاهلًا أحمق، وكان علي ممخرقا، أليس كان عنده أحد يعلمه ما ادعى أنه في صدره من العلم؟ أما كان يمكنه أن يعلم هذا كلمة وهذا كلمة، ثم قال: هذا كله مخرقة، فلما كان من الغد قال: لا تخبر بهذا الذي قلت لك أحدا. رواه ابن الجوزي في «منتظمه».(253/91)
وروى عن بعضهم أنه قال: كنت في المسجد الحرام يوم التروية، في مكان الطواف فحمل على رجل كان إلى جانبي فقتله القرمطي، ثم قال: يا حمير، ورفع صوته بذلك، أليس قلتم في بيتكم هذا: ?وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً? [آل عمران:97]، فأين الأمن؟ قال: فقلت له: أتسمع جوابًا؟ قال: نعم، قلت: إنما أراد الله فأمنوه، قال: فثنى رأس فرسه وانصرف.
وقد سأل بعضهم ههنا سؤالًا فقال: قد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل وكانوا نصارى وهؤلاء شر منهم، ما ذكره في كتابه العزيز، حيث يقول: ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ? [الفيل:1-5]، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، فهلا عوجلوا بالعذاب والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟، وقد أجيب عن ذلك: بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارا لشرف البيت، ولما يراد به من التشريف والتعظيم؛ بإرسال النبي الكريم ? من البلد الذي كان هذا البيت فيه، ليعلم شرف هذا الرسول الكريم، الذي هو خاتم الأنبياء، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها عما قريب، أهلكهم سريعًا عاجلًا، غير آجل، كما كر في كتابه، وأما هؤلاء: فكان من أمرهم ما كان بعد تقرير الشرائع، وتمهيد القواعد والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء من أكبر الملحدين الكافرين، بما تبين من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، فلهذا لم يحتج الحال إلي معاجلتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، والله سبحانه يمهل ويملي، ويستدرج ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قال النبي ?: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ قوله تعالى: ?وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ(253/92)
ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ? [هود:102].
وقال رسول الله ?: «لا أحد أصبر على أى سمعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدًا، وهو يرزقهم ويعافيهم».
وقال تعالى: ?وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ? [إبراهيم:42]، وقال تعالى: ?لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ? [آل عمران:196-197]، وقال تعالى: ?نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ? [لقمان:24]، وقال: ?مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ? [يونس:70].
وقال رحمه الله في حوادث سنة: (322): (15/83): (وفاة المهدي صاحب أفريقية أول خلفاء الفاطميين فيما زعموا)، وفيها مات أبو محمد عبيدالله المدعي أنه علوي -الملقب بالمهدي- باني المهدية، بمدينه المهدية، ومات بها، عن ثلاث وستين سنة، وكانت ولايته منذ دخل رقادة وادعى الإمامة، أربعًا وعشرين سنة وشهرًا وعشرين يومًا، وهو أول الخلفاء الفاطميين.
وقال في (15/84): قال ابن خلكان في «الوفيات»: وقد اختلف في نسب المهدي هذا اختلافًا كثيرًا جدًا، فقال صاحب «تاريخ القيروان»: هو عبيد الله بن الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقال غيره: هو عبيد الله بن التقي، وهو الحسين بن الوفي، أحمد بن الرضي عبد الله، وهؤلاء الثلاثة يقال لهم: المستورون؛ لخوفهم من خلفاء بني العباس، والرضى عبد الله هذا هو ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وقيل: غير ذلك في نسبه.
قال القاضي ابن خلكان: والمحققون ينكرون دعواه في النسب.(253/93)
قلت: قد كتب غير واحد من الأئمة، منهم الشيخ: أبو حامد الاسفراييني، والقاضي الباقلاني، والقدوري، أن هؤلاء أدعياء ليس لهم نسب صحيح فيما يزعمونه، وأن والد عبيد الله هذا كان يهوديًا صباغًا بسلمية، وقيل: كان اسمه سعيدًا، وإنما لقب بعبيد الله، وكان زوج أمه: الحسين بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن ميمون القداح، وسمي القداح؛ لأنه كان كحالًا يقدح العيون، وكان الذي وطأ له الأمر بتلك البلاد أبو عبد الله الشيعي كما قدمنا ذلك، ثم استدعاه فلما قدم عليه من بلاد المشرق، وقع في يد صاحب سجلماسة فسجنه، فلم يزل الشيعي يحتال له حتى استنقذه من يده وسلم إليه الأمر.
وقال رحمه الله (15/593): (ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة)، فيها جرت كائنة غريبة، ومصيبة عظيمة، وهي أن رجلًا من المصريين من أصحاب الحاكم، اتفق مع جماعة من الحجاج المصريين، على أمر سوء؛ وذلك أنه لما كان يوم الجمعة وهو يوم النفر الأول، طاف هذا الرجل بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود جاء ليقبله، فضربه بدبوس كان معه ثلاث ضربات متواليات، وقال: إلى متى نعبد هذا الحجر؟ ولا محمد، ولا علي يمنعني مما أفعله، فإني أهدم اليوم هذا البيت، وجعل يرتعد، فاتقاه أكثر الحاضرين، وتأخروا عنه؛ وذلك لأنه كان رجلًا طوالًا جسمًا، أحمر اللون، أشقر الشعر، وعلى باب الجامع جماعة من الفرسان وقوف ليمنعوه ممن أراده بسوء، فتقدم إليه رجل من أهل اليمن معه خنجر، فوجأه بها، وتكاثر عليه الناس، فقتلوه وقطعوه قطعا وحرقوه.(253/94)
وتتبعوا أصحابه فقتلوا منهم جماعة، ونهبت أهل مكة ركب المصريين، وتعدى النهب إلى غيرهم أيضًا، وجرت خبطة عظيمة وفتنة كبيرة جدًا، ثم سكن الحال بعد أن تُتُبع أولئك النفر الذين تمالئوا على الإلحاد في أشرف البلاد، غير أنه سقط من الحجر ثلاث فلق مثل الأظفار، وبدا ما تحتها أسمر يضرب إلى صفرة، محببًا مثل الخشخاش، فأخذ بنو شيبة تلك الفلق فعجنوها بالمسك واللك، وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت، فاستمسك الحجر وأستمر على ما هو عليه الآن، وهو ظاهر لمن تأمله.
قال عمر بن حفيظ: قال عند هذا الحديث: فأهل البدعة، -يقصد بهم أهل السنة- يصورن للعامة أن هذا الحديث فيه: النهي عن مدحه عليه الصلاة والسلام.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: رمتني بدائها وانسلت، وما من مبطل إلا ويدفع عن باطله، حتى فرعون يقول: ?مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ? [غافر:29]، وقد قال الله: ?وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ? [هود:97]، يقولون: واحد كان يشرب الخمر، وبعد ذلك يريد أن يؤول القرآن إلى أن شرب الخمر طيب، وأن الصلاة ما هي طيبة فقال:
دع المساجد للعُبّاد تعمرها ... واعمد بنا حانة الخمار يسقينا
ما قال ربك ويل للأولى سكروا ... وإنما قال ويل للمصلينا(253/95)
فانظروا تقليب الحقائق عند هذا الذي يشرب الخمر، ومعناه: أن الذي يشرب الخمر، أحسن حالاً لأن الله قد توعد المصلي بالويل، ولم يكمل الآية، يقول: ?فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ?[الماعون: 4-5]، ولكن أهل الباطل بتارون قطاعون للأدلة، أصحاب لفلفة، ? قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ?[المنافقون:4]، والله ما لهم إلا الله، يجعل كيدهم في نحورهم، وإلا فهم أصحاب شبهات، وابتغاء الفتنة، ابن أبي دؤاد، كم ظلم من أناس، ومن عامة، ومن أمراء؟، بما فيهم الواثق، حتى أنقذ الله الأمة بدولة المتوكل، بعد جهاد عظيم من الإمام أحمد رحمه الله، وعرف شر ابن أبي دؤاد، ومات بذات الجنب بعد ذلك كانت عاقبة أمره خسرا.
لقد ركب الشيطان كواهل الصوفية، ونفخ في مناخرهم بالغلو، والنبي ? هو القائل: «أيها الناس، قولوا بقولكم الأول، ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، قولوا: عبد الله ورسوله«.
إنكم تشبهتم بالنصارى في الغلو، قال تعالى: ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ? [التوبة:30].
وقال عزوجل: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ? [المائدة:77].(253/96)
وقال: ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ?[النساء:171].
ما أشبه هؤلاء الناس بالنصارى، الرافضة قدوتهم عبد الله بن سبأ اليهودي، منهجهم مبني على معتقد يهودي، والصوفية منهجهم مبني على دين الرهابين والقساوسة من النصارى.
من إصداراتنا:
أحكام التيمم.……
الإتحافات بتلخيص الحاوي للسيوطي رحمه الله ونقد ما فيه من الشطحات.…
توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال.
الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية.
أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية.
التحذير عن أهم الصوارف عن الخير.
جلسة ساعة في الرد على المفتين في الإذاعة.
الحث والتحذير على تعلم أحكام المريض.
السيل العريض الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ.
فتوى في حكم الدراسة الإختلاطية.
الأجوبة السنية وكشف بعض أباطيل الصوفية.(253/97)
الرد على قولهم النداء إذا كان من مخلوق لمخلوق لا يسمى دعاء
من الشبه التي يقولها المتصوفة في تبريرهم دعاء غير الله عز وجل وهي ما قاله الإحسائي وتلقفته المتصوفة منه ونقلها أبو الهدى الصيادي ، قال : (( اعلموا أيها الإخوان أن الاستغاثة هي سؤال الشفاعة من الأنبياء والأولياء كقول القائل يا رسول الله أو يا شيخ أحمد الرفاعي ، وذلك لأن قوله يا حرف نداء والنداء إذا كان من مخلوق لمخلوق فلا يسمى دعاء عبادة لأن المعبود في الشرع واحد لا تعدد فيه وهو الله عز وجل . وقد علم المسلمون وتحققوا أنه لا يعبد إلا الله ولا يدعى للعبادة إلا الله وإنما من ينادون على جهة الشفاعة عنده والنداء لا بأس به ، فيجوز نداء المخلوق للمخلوق سواء كان حاضرا أو غائبا لو ميتا ... الخ )) أهـ [ قلادة الجواهر ص 245 – 246 ] .
والشاهد من هذه الشبهة أن نداء المخلوقين في المدلهمات لا يعتبر دعاء غير الله عز وجل لأن النداء من المخلوق للمخلوق لا يعتبر عبادة لأنه من مخلوق إلى مخلوق ، أما النداء من المخلوق للخالق فيعتبر عبادة !!!
وقد فند هذه الشبهة العلامة زيد بن محمد آل سليمان في رده على أحمد زيني دحلان فقال : (( وأما ما ادعاه الضال المفتري أن الدعاء غير النداء وأنه يجوز نداء الميت والغائب ، فهذا الرجل يتكلم بالعامية والغواية لا بالرشد والهداية ، وإلا فكيف يفرق بين ما جمع الله بينهما ورسوله ولغة الغرب .
أما اللغة فإن الدعاء عندهم هو النداء لكن الدعاء عندهم أعم يكون بصوت وغير صوت ، وأما النداء فلا يكون إلا بصوت . قال الشاعر :
وداع دعى يا من يجيب إلى النداء == فلم يستجبه عند ذاك مجيب(254/1)
ويقال لهذا أيضا : تفريقك بين الدعاء والنداء تفريق باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة مع مخالفته للغة ، فقد سمى الله في كتابه سؤال عباده له دعاء ونداء . قال الله تعالى عن نوح عليه السلام : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } [القمر : 10] ، وقال : { وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ }[الأنبياء : 76] ، فسماه في موضع دعاء وموضع نداء ، وقال زكريا : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً } [مريم : 3] ، وقال في موضع : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ }[آل عمران : 38] ، وقال عن أيوب : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأنبياء : 83] ، وقال : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء : 87] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مسلم إلا استجيب له )) ، وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم : (( أقريب بنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة : 186] ، وقد سمى الله طلب المخلوق من المخلوق واستعانته به دعاء واستغاثته نداء قال سبحانه : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }[القصص : 15] .(254/2)
وقال الصحابة : (( قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق )) وقال الله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا } [فاطر : 14] ، وقال : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[الأعراف : 194] ، قوله : { فَادْعُوهُمْ } : أي اطلبوا منهم وقال : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ } [الأعراف : 193] ، فأراد بالدعاء هنا الطلب الذي هو ضد الصمت ، وقال : { قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف : 195] ، أي : استعينوا بشركائكم وقال : { قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ } [الأعراف : 195] ، أي : استعينوا بهم ليخلصوكم ، من عذابي { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } [الكهف : 52] ، ليخلصوكم مما أنتم فيه { فَدَعَوْهُمْ } ، صريح في الطلب منهم ، وقال : { وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة : 23] ، أي استعينوا بهم ، وقال : { َادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ } [يونس : 38] ، فسمى سبحانه استعانتهم به دعاء ، بل قد سمى الله سبحانه نعيق الداعي بالبهائم دعاء فقال : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء } [البقرة : 171] ، ونص العلماء على أن هذا العطف مرادف فجميع ما قدمنا صريح في أن سؤال العبد ربه يسمى دعاء ونداء ، وأن استعانة المخلوق بالمخلوق وطلبه منه يسمى دعاء ونداء ، وقد قال النحويون : الدعاء نهو النداء بأحرف مخصوصة ، وإن المنادى منصوب لفظا أو محلا بفعل محذوف فقولك يا زيد ، أدعوا(254/3)
زيدا ، ومن أقسام المنادى المستغاث ، وهو كل من نودي ليخلص من الشدة أو يعين على دفع مشقة ، كقول عمر رضي الله عنه : يالله يا للمسلمين ، أي أدعوك للمسلمين ، فاتضح بطلان قوله هذا في أن طلب المخلوق من المخلوق لا يسمى دعاء بل نداء فهو يقول إن الطلب من المسيح وأمه والملائكة وعزيز والجن نداء لا دعاء فما أدري ما يقول في من طلب من العزى ومناة واللات ، فإن قال إن الطلب منها لا يسمى دعاء بل هو نداء ، والنداء لا يضر عنده افتضح عند العامة والخاصة وإن قال إنه يُسمى دعاء ، قيل له نقضت أصلك حيث جعلت الطلب من هذه الأوثان دعاء ومن غيرها نداء ، فهذا شيء واحد جعلته بالنسبة إلى الأموات والغائبين والملائكة والمسيح وأمه وعزير والجن نداء وبالنسبة إلى العزى وغيرها من الأوثان دعاء مع أنه يلزمه ألا يسميه داء إذ لم يسم مدعوه رباً وإلهاً لقوله : إن الدعاء الذي هو عبادة فهو اتخاذ غير الله رباً وإلهاً )) أ هـ [ فتح المنان ص 98 – 101 ] .(254/4)
الرد على مقولة الصوفية: العمل يورث العلم بدون تعلّم!!
---
الرد على مقولة الصوفية: العمل يورث العلم بدون تعلّم!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الشيخ عبدالسلام بن برجس العبدالكريم – رحمه الله، في كتابه: " عوائق الطلب ". وهي رسالة نافعة في بابها، جاء ضمنها هذا التنبيه.
قال - رحمه الله -:
تنبيه:
يستدل بعض الناس على أن العمل يورث العلم دون تعلم، بقوله تعالى: { واتقوا الله ويعلمكم الله }( البقرة:282 ).
قال في تفسير المنار نقلاً عن شيخه ( 3/128 ): " اشتهر على ألسنة المدّعين للتصوف في معنى هاتين الجملتين: { واتقوا الله ويعلمكم الله } أن التقوى تكون سبباً للعلم، وبنوا على ذلك أن سلوك طريقتهم، وما يأتون به فيها من الرياضة، وتلاوة الأوراد والأحزاب: تثمر لهم العلوم الإلهية .. بدون تعلم.
ويُردّ استدلالهم بالآية من وجهين:
أحدهما: أنه لا يرضى به سيبويه – وله الحق في ذلك – لأن عطف { يعلمكم } على { اتقوا الله } ينافي أن يكون جزءاً له، ومرتّباً عليه؛ لأن العطف يقتضي المغايرة ...
الثاني: أن قولهم: هذا عبارة عن جعل المسبَّب سبباً، والفرع أصلاً، والنتيجة متقدمة.
فإن المعروف في العقول أن العلم هو الذي يثمر التقوى، فلا تقوى بلا علم، فالعلم هو الأصل الأول، وعليه المعول ... ". اهـ
قال الشيخ عبدالسلام بن برجس – رحمه الله – بعد أن ذكر الكلام السابق:
وهذا كلام جيد، ويضاف إليه إيضاحاً: أن العمل يُكسِب القلب قوة إيمانية، فيستوعب من العلوم، ويدرك من الفوائد؛ ما لا يدركه من تأخَّر عن هذه الرتبة، وهذا مُشاهَدٌ بالعيان، ومُدْرَكٌ بالحس.
أما من تعبّد لله، وترك العلم، وقال: { واتقوا الله ويعلمكم الله } فهو جاهل، لا تجاريه الرعاع في جهله، والله الحافظ. اهـ(255/1)
السماع الصوفي ومدى شرعيته
إن كل النصوص الواردة في السماع، حلاله وحرامه، وكل بحوث العلماء (وأقول: العلماء)، هي نصوص وبحوث فيه على أنه أمر دنيوي، ودنيوي فقط، لا علاقة له بعبادة ولا بتقرب إلى الله.
ولم يرد فيه نص (علمي) قط، بتحليل أو تحريم، إلا على أنه أمر دنيوي يُمارس في الأعياد والأعراس والحرب، أو في التسلية واللهو والطرب.
أما أن يكون طقسًا تعبُّديًّا، كما هو عند المتصوفة؛ فهذا شيء ما عرفه التشريع الإسلامي، ولا تكلم فيه عالم؛ لأنه بديهيًّا، غير وارد في العبادات الإسلامية.
أما المتصوفة، فيتخذون السماع طقسًا تعبديًّا روحانيًّا يسهل عليهم ما يسمونه ظلمًا وعدوانًا «السير إلى الله»، وهنا يكمن الداء، ويعشش البلاء.
إن السماع عند المتصوفة عبادة، وفي الغالب يكون مصحوبًا بالآلات، وهذا كله:
1- بدعة، وذلك بيِّن لا يحتاج إلى دليل، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
2- تشبُّه بالوثنيين وأهل الكتاب، يقول سبحانه في وصف صلاة المشركين: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }.
وجاء في التوراة (الحالية) في المزمور (144) عدد 9: «يا الله، أرنم لك ترنيمة جديدة..».
وفي المزمور (146) عدد 2: «أُسبح الرب في حياتي وأرنم لإلهي ما دمت موجودًا».
وفي المزمور (149) عدد3: «ليُسَبِّحوا اسمه برقص، بدُف وعود، ليرنموا له..».
وكذلك هو في الديانات الوثنية طقس تعبدي.
إذن فالصوفية يتشبهون بالسماع بالوثنيين وأهل الكتاب، «ومن تشبَّه بقوم؛ فهو منهم».
* ملاحظة هامة جدًّا:(/1)
من العجب العجاب، مغالطتهم في كل مقولاتهم عن السماع، في كل كتبهم (ابتداءً من أمهات كتبهم «اللمع»، «التعرف»، «قوت القلوب»، «الرسالة القشيرية»، «إحياء علوم الدين» إلى بقية ما كتبوا وما دونوا)، حيث يبدءون بمناقشة السماع حسب الشرع والنصوص المزور بعضها، وطبعًا كل النصوص الشرعية في السماع إنما تتكلم عنه على أنه أمر دنيوي يمارس للتسلية واللهو، لكن الصوفية يتوسعون في التحليل حسب طريقتهم في التزوير، ثم يطبقون ذلك على سماعهم التعبدي الذي يجعلونه قربى يتقربون به إلى الله.
ولعل الأمثلة التالية يمكنها توضيح مدى الفساد والضلال في أسلوبهم هذا:
- يُبيح الشرع أكل «الشاورما»، فهل يصبح أكل «الشاورما» بهذه الإباحة طقسًا يُعرج به إلى الله؟
- يُبيح الشرع البصاق الذي ليس فيه أذى، فهل يجوز بناءً على ذلك، أن نجعل البصاق طقسًا تعبديًّا في «السير إلى الله»!
لا يعترض الشرع على أحد إذا خطر له أن يحك أذنه بإبهام رجله، فهل يصح بناءً على هذا أن يكون حك الأذن بإبهام القدم طقسًا تعبديًّا يمارس تنشيطًا على «العروج إلى الله»؟!
عجيب أمر هؤلاء القوم! هل هم لا يكادون يفقهون حديثًا؟ أم { يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }؟
وغاية الطريقة الإشراقية هي الوصول إلى الجذبة التي هي الولاية (كما يتوهمون)، وهي حالة خدرية تُشبه الحالة التي يقع فيها متعاطي الحشيش والأفيون ورفاقهما شبهًا تامًّا.
* النتيجة:(/2)
هذه هي طريقة الإشراق، كلها كفر وضلال وزندقة، إنها ليست مجرد بدع ساذجة أو انحرافات بسيطة، بل هي الطقوس الوثنية (وأقول: «الطقوس») التي تعبدت بها كل وثنيات التاريخ (في الحال والماضي والاستقبال)، والعقائد الوثنية التي دانت بها أو حامت حولها كل وثنيات التاريخ في ماضي الزمان وحاضره، إنها ليست مجرد اجتهادات شاذة في الفروع أو في الأصول، أو حتى في العقائد؟ إنها طقوس وممارسات وعقائد غريبة عن الإسلام كل الغرابة، بعيدة عن الإٍسلام كل البعد، أُقحمت على الإسلام ومُزجت به بأساليب إبليسية لتشكل ما يسمونه «الطريقة البرهانية» ولو أنصفوا لسموها «الديانة البرهانية».
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 631 – 633 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(/3)
الشناعة على من رَدّ أحاديث الشفاعة
عبدالكريم بن صالح الحميد
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين . إطلعت على كتاب غير مَبْدوء ببسم الله ولا بالحمد لله لمصطفى محمود وهو كاتب مصري تكلم في كتابه عن مسألة هي من أعظم مسائل التوحيد وهي ( الشفاعة ) وقد أساء بليغ الإساءة وأخطأ فاحش الخطأ حيث تكلم فيما لايُحسن الكلام فيه .
وقد تعوّدنا في هذا الزمان السوء على أجناس هذا الكاتب وأمثاله ممن يخوضون في مسائل الدين بلا معرفة ويقولون على الله وعلى رسوله بلا علم وهو من عظائم الذنوب .
والحقيقة أن الشيء إذا جاء في أوَانه وَحينه أنه لايُسْتغرب . وكذلك ما ابْتليتْ بهم الأمة في آخر عمرها ونهاية أجلها ممن أخبرهم بهم النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤوس الجهال الذين يقيسون الأمور بآرائهم .
إن شؤم هذا الكتاب متوفر فكما أنه لم يُبدأ بذكر الله فكذلك فهو مُقَبَّحٌ أيضاً بصورة مؤلفة في الغلاف . وفي ثنايا الكتاب ثماني صور له وصور أخرى لنساء في الغلاف الثاني من الداخل .
يقول في تقديمه : وأرى أن من حق كل قاريء أن يختلف معي وأن يفهم القضية على طريقته فقد أرادنا الله أحراراً وأرادنا أن نتدبر آياته ونتفهم قرآنه كل على قدر طاقته . (1)
الجواب : هذا كلام جاهل ضال حيث يرى أن من حق كل قاريء أن يختلف معه وأن يفهم القضية على طريقته . ولو كان عالماً مهتدياً مُسْتيْقناً أن مايقوله حقاً لقال : وأرى أن مِنْ حق كل قاريء ألا يختلف معي بهذا الحق وأن يفهم القضايا الدينية كما أراد الله وأراد رسوله .. قال تعالى : { ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك } فهذا ذم للإختلاف في شأن الحق ومدح لأهل الرحمة وهم المتفقون في الحق بلا خلاف ولا اختلاف .
وقال تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } .
والإجتماع سببه الإتفاق كما أن التفرق سببه الإختلاف لكن المراد بالإجتماع الذي سببه الإعتصام بالكتاب والسنة .
__________
(1) ص 7 .(/1)
أما قوله : فقد أردنا الله أحراراً بعد جعله الإختلاف معه من حق كل قارئ فهذا جهل أيضاً فإن هذه الحرية منوطة بالعبودية للرب عز وجل مُقَيّدة باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم . وكلما كان الناس أقْوَم بهذين الأصلين كلما عظم اتفاقهم وقلّ اختلافهم . وأصْدق مثال لهذا حال الصحابة رضوان الله عليهم فإنهم لما كانوا في الغاية من تحقيق ذلك كانوا أبْعد الأمة عن الإختلاف في الحق . وهم خير القرون .
والخلاصة أن مسألة الشفاعة الحق فيها واحد وليست من المسائل القابلة للإختلاف . كما أن وظيفة العالم أن يقرر الحق ويبطل الباطل ليست وظيفته أن يفتح باب الإختلاف . وأيضاً ليست مسألة الشفاعة من المسائل الإجتهادية وليس هذا الكاتب وأمثاله أهل للتصدر والكلام في المسائل الإجتهادية .
والسلف الصالح من أهل السنة والجماعة قَدْ أرَاحونا من العناء في مسألة الشفاعة وغيرها . وأكثر ضلال المتأخرين وتخبيطهم في مسائل الدين إنما جاء من اغترارهم بعقولهم وفهومهم واحتقارهم للسلف وظنهم أنهم سوف يأتون بمالم تستطعه الأوائل فاستقلوا بعقول سخيفة وفهوم قاصرة نتاجها البضائع الخاسرة .
يقول هذا الكاتب : وما ترويه الأحاديث عن أن محمداً عليه الصلاة والسلام سوف يُخرج من النار كل من قال لا إله إلا الله ولوْ زنا ولو سرق ولو زنا ولو سرق رغم أنف أبي ذر .. هكذا يقول الحديث وهو مايخالف صريح القرآن فالقرآن يقول في محكم آياته.
{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } والمنافقون هم الذين يقولون لا إله إلا الله في كل مناسبة وتنطق ألسنتهم بما يخالف سرائرهم وهم في الدرك الأسفل من النار ولن يجدوا لهم نصيراً بصريح القرآن . (1)
__________
(1) ص 16،17 .(/2)
الجواب : الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث يستحيل أن تكون مُخالفة لصريح القرآن لكن أُتِييَ هذا الكاتب من سوء فهمه وقلّة علمه .. نعم يأتي في الحديث ماليس في القرآن بلا مخالفة ولاتعارض . وهذا كثير . وقد وردتْ أحاديث صحيحة في أنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله خلاف مايعتقده الخوارج والمعتزلة . وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )(1) .
وأهل الكبائر يقولون : لا إله إلا الله وكثير منهم يدخلون النار فيخرجون بشفاعته صلى الله عليه وسلم ليسوا كالكفار الذين قال الله عنهم : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } .
فأهل السنة يُقرون بهذه الشفاعة والخوارج والمعتزلة ينكرونها فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ).(2)
وتواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير مايزن شعيرة ومايزن خردلة ومايزن ذرة . وتواترت بأن كثيراً ممن يقول : لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها وأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم . فهؤلاء يدخلون النار ويخرجون منها .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات لايشرك بالله شيئاً ) .
__________
(1) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم .
(2) جزء من حديث أنس المتفق عليه .(/3)
أما المنافقون فكَوْنهم في الدرك الأسفل من النار وهم يقولون : لا إله إلا الله فليس مخالف للأحاديث الصحيحة . فهؤلاء يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم فهم كاذبون بقولها . قال تعالى عنهم : {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آمنوا ومايخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} والقرآن مملوء من ذكر المنافقين وكذبهم بخلاف الموحدين الذين يقولون : لا إله إلا الله ويردون القيامة بذنوب لم يتوبوا منها فهؤلاء لو دخلوا النار بذنوبهم لابكفرهم فإنهم يعذبون فيها بقدر مااقترفوه من الذنوب ثم يخرجون .
فَفَرْقٌ بين مُوَحّد يقول لا إله إلا الله وهو صاحب كبائر وبين من يقول الله عنهم : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } فكذبهم في قولهم لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وجعلهم في زمرة الكفار بل أخبثهم كفراً .
فالموحّد في قلبه إيمان هو يعمل على مقتضاه بخلاف المنافق الكاذب الذي يقول بلسانه ماليس في قلبه .
ثم قال مصطفى محمود : والمعنى المستخلص هو أن قول لا إله إلا الله باللسان مرة أوْمرات أوطول العمر لن يغني شيئاً ولن يحقق لصاحبه نجاة ولا فلاحاً إلا إذا صادق القلب وصادقت الجوارح وأكّدت الأفعال على هذا القول وهو مالم يرد له ذكر في الحديث . (1)
__________
(1) ص 17 .(/4)
الجواب : هذه الكلمة العظيمة جاءت مقيّدة بالقيود الثقال وأكثر من يقولها لا يعرف الصدق والإخلاص المراد منها . وأكثر من يقولها تقليداً وعادة ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه . وغالب من يُفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث (سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته) لكن لايعني هذا إنكار ماصَحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالذي في حديث أبي ذر رضي الله عنه ذكر الزنا والسرقة وهذه كبائر لاتُحبط الإيمان بالكلية لكنها تضعفه وليس معنى الحديث أن الإنسان يقول لا إله إلا الله ولا يصادق قلبه وجوارحه وتؤكد أفعاله فهذا المنافق . أما الذي ذُكر في الحديث فمسلم مصدق قلبه وجوارحه ومؤكدة أفعاله يعني التوحيد لكنه يأتي بعض الكبائر فليس كالمنافق الكاذب في قول لا إله إلا الله.
فقد تبيّن أن النطق بالشهادة من غير معرفة لمعناها ولايقين ولاعمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع . وهذا لا يوجب التكذيب بأحاديث الشفاعة الثابتة لأنها للموحدين الذين يعرفون معناها ويعملون بمقتضاها ولكن لهم ذنوب أوْجبت لهم دخول النار .
ومما جاء في بيان كلمة لا إله إلا الله في (قرّة عيون الموحدين) قوله : وأنت تجد أكثر من يقول لا إله إلا الله ويَدَّعي الإسلام يفعل الشرك بالله في عبادته بدعوة من لايضر ولاينفع من الأموات والغائبين والطواغيت والجن وغيرهم ويحبهم ويُوَاليهم ويخافهم ويرجوهم ويُنكر على من دعا إلى عبادة الله وحده وتَرْك عبادة ماسِواه ويزعم أن ذلك بدعة وضلالة ويُعادي من عمل به وأحَبّه وأنكر الشرك وأبغضه . وبعضهم لا يَعدّ التوحيد علماً ولا يلتفت إليه لجهله به وعدم محبته والله المستعان ..
وشهادة أن لا إله إلا الله ذكر العلماء لها شروط لابد من وجودها فلابد من (العلم) بحقيقة معناها علماً ينافي الجهل بخلاف من يقولها وهو لايعرف معناها .(/5)
ولابد من ( اليقين ) المنافي للشك فيما دَلّت عليه من التوحيد. ولابد من ( الإخلاص ) المنافي للشرك . فإن كثيراً من الناس يقولها وهو يشرك في العبادة ويُنكر معناها ويُعادي مَن اعْتقده وعمل به.
ولابد من ( الصدق ) المنافي للكذب بخلاف حال المنافق الذي يقولها من غير صدق كما قال تعالى : { يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم } .
ولابد من ( القبول ) المنافي للرّد بخلاف من يقولها ولايعمل بها . ولابد من ( المحبة ) لِما دَلّت عليه من التوحيد والإخلاص وغير ذلك والفرح بذلك المنافي لخلاف هذين الأمرين، ولابد من (الإنقياد) بالعمل بها ومادلّت عليه مطابقة وتضمناً والْتزاماً . وهذا هو دين الإسلام الذي لايقبل الله ديناً سواه .
وكثير ممن يدّعي العلم قد عكس مدلولها .
من عَلِمَ ماتقدم وفهمه تبين له ضلال من يقول لا إله إلا الله وهو يعتقد في البدوي أوالدسوقي أوزينب أوغيرهم من أهل القبور ينذرون لهم النذور ويذبحون لهم ويدعونهم ويغترون بقولهم لا إله إلا الله .
أما علموا أن ( لا إله ) تنفي كل مايعتقدونه بأهل القبور . وهذا الإعتقاد الذي اعتقدوه بهم لا حقيقة له وإنما هو موجود في خيالاتهم فقط وبمقتضى هذا الخيال اعتقدوا الشرك والضلال . وظنوا أن الشرك اعتقاد الخلق أو الرزق أو التدبير فقط . أما مايفعلونه فأوْهمهم الشيطان أن هذا محبة للأولياء وتعلّقاً بجاهِهم وطمعاً في أن يقربوهم لربهم فأوْقعهم في الشرك حيث مالَت قلوبهم لهذه الأوثان وخافوهم ورجوْهم وأحبوهم فبهذا عكسوا مدلول (لا إله) إذْ أثبتوا مَأْلُوهَات تَأْلَهَهَا قلوبهم تعبّداً لأن أركان العبادة هي هذه الثلاث الخوف والرجاء والمحبة .(/6)
ومَبْنى كلمة التوحيد على نفي كل معتقداتهم التي نشأ عنها تَأَلّه قلوبهم عن الرسل والملائكة فضلاً عن غيرهم وإثبات ذلك لله وحده وهو المراد من ( إلا الله ) في كلمة التوحيد . إن هذا التّوَجّه بالقلوب والإعتقاد هو مراد الرب من خلقه ولايقبله إلا خالصاً بلا شركة مخلوق لانبي ولاغيره . إن مدلول كلمة لا إله إلا الله عظيم وكبير . وكم ممن يغرّه الشيطان بهذه الكلمة دون تحقيق .
ثم قال مصطفى : والنبي يشكو أمته في القرآن ولا يتوسط لمذنبيها فيقول لربه : ( يارب إن قومي أتخذوا هذا القرآن مهجوراً) وهي شكوى صريحة وكلام مناقض لأيّ شفاعة . ولن ينجو من المذنبين إلا من تكرم عليه رب العزة وفتح له باباً للتوبة قبل الممات.(1)
الجواب : هذه نزلت في المشركين كانوا لايُصغون للقرآن حين يتلى عليهم ولايستمعونه . ولا تُناقض الشفاعة لأهل الذنوب من الموحدين ولاتدل على نفي الشفاعة لهم بأيّ وجه . أما أنه لاينجو من المذنبين إلا من تاب قبل الممات فباطل مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة وهو إنكار لأحاديث الشفاعة الصحيحة بل وإنكار لما ثبت من أن الله يخرج من النار من شاء برحمته دون شفاعة شافع .
ثم قال : والملائكة في طَوَافهم حول العرش يسبحون لربهم ويستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم قائلين : { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } الآيات .
إذن الوسيلة الوحيدة للنجاة من العقاب هي أن يقي ربنا عباده من الوقوع في السيئات أصلاً أويفتح لهم باب التوبة في حياتهم إذا تَوَرّطوا فيها .
وهذه أبواب الشفاعة الممكنة وهي دعاء النبي لِمسلمي هذه الأمة بأن يختم حياتهم بتوبة ونرجو أن نكون من الفائزين بهذا الدعاء . وهذا الدعاء المحمدي هو الشفاعة التي نفهمها بالمعنى القرآني . (2)
__________
(1) ص 17،18 .
(2) ص 18 .(/7)
الجواب : من أنكر ماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة وقدْ صَحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه يشفع يوم القيامة بمن يأذن له الله بالشفاعة لهم من الموحدين . أما استغفار الملائكة للمؤمنين ودعاؤهم لهم . كذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فلا يمنع ولايعارض ماثبت من أمر الشفاعة في القيامة فأيّ فهم هذا ؟ .
ثم قال : أما الشفاعة بمعنى هدم الناموس وإخراج المذنبين من النار وإدخالهم الجنة . فهي فَوْضى الوسايط التي نعرفها في الدنيا ولا وجود لها في الآخرة . وكل ماجاء بهذا المعنى في الأحاديث النبوية مشكوك في سنده ومصدره لأنه يخالف صريح القرآن .
ولايعقل من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن . (1)
الجواب : يقال لهذا : ماهو الناموس الذي ينهدم إذا حصلت الشفاعة للمذنبين من الموحدين وأدخلوا الجنةبعد تعذيبهم بقدر ذنوبهم في النار ؟
إن الله لايُساوي بين مختلفَيْن ولايفرّق بين متساوِيَيْن ولا يظلم مثقال ذرة . فالذي يأتي يوم القيامة بالتوحيد وله ذنوب فإما أن يغفرها الله أويعذب بقدر ذنوبه ثم يُؤذن بالشفاعة له فكيف يُساوَى هذا بالكافر ؟
وانهدام الدين إنما هو بردّ ماثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكوْن أحاديث الشفاعة مشكوك في سندها ومصدرها هذه داهية . ولِكل أحد أن يقول مثل هذا فيما يخالف هواه فهل يستقيم أمر الدين مع هذا التلاعب .
__________
(1) ص 19 .(/8)
أمّا أن أحاديث الشفاعة تخالف صريح القرآن فمن أبطل الباطل ويستحيل أن يصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم مايخالف القرآن. ثم إن الله يقول : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } فلوْلا أن الشفاعة كائنة في القيامة لَمَا ذكر الله هذا الإسْتثناء . وقال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فلوْلا أن الشفاعة كائنة في القيامة لما ذكر سبحانه هذا الإستثناء . فهذه الآيات ونحوها في أهل التوحيد . أما الكفار فقد قال تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } مما يبين أن الشفاعة حاصلة لغيرهم . ويقول تعالى عن الكفار أيضاً : { فما لنا من شافعين } فأين المخالفة لصريح القرآن لوْلا سوء الفهم . ؟
أما فَوْضى الوسائط المعروفة في الدنيا فهذا مبني على أصل فاسد وفهم فاسد حيث أن الشفاعة المثبتة في الآخرة تختلف اختلافاً كلياً عن وسائط الدنيا . فالواسطة في الدنيا يتوسط ولوْ لم يأذن له المشفوع عنده كما أن المشفوع عنده في الدنيا يجيب شفاعة الواسطة لأنه يخافه ويرجوه ويستعين به ويستظهر وإن كان في صورة ملك ونحوه فهو يحتاج إلى الأعوان والأنصار ويتضرر بعدم إجابته شفاعتهم .
والرب سبحانه وتعالى بخلاف هذا كله . وإنما هو يُكْرم الشافع بأن يجعله يشفع . ولا يشفع الشافع إلا بمن يريد الرب أن يرحمه فليست الشفاعة مُلكاً لأحد بل ( لله الشفاعة جميعاً ) وهو الذي يُعَيِّن المشفوع فيه للشافع .
ليس الشافع يتقدم بين يدي الجليل سبحانه مهما كانت منزلته فَسَيّد الشفعاء وأكرمهم عند ربه وأعظمهم جاهاً وأقربهم منزلة محمد صلى الله عليه وسلم يُحَدّ له حداً يشفع فيهم . وهذه كلها فروق بين شفاعة الدنيا وشفاعة الآخرة .
ولذلك من تعلّق بغير الله طالباً منه الشفاعة حُرِمها لأنها ملك لله سبحانه ولأن هذا شرك .(/9)
ومِنْ عدم التفريق بين الشفاعة عند المخلوقين من الملوك ونحوهم وبين الشفاعة عند الخالق سبحانه حصل الضلال والشرك حيث تعلقت القلوب بغير الإله الحق سبحانه .
ومما يُهوّن معرفة ماتقدم أن الرب سبحانه هو الخالق لأفعال العباد فلا أحد يملك أن يتحرك قلبه بإرادة شفاعة لأحد إلا أن يكون الله يخلق ذلك فيه . وكذلك جوارحه . فالأمر كله له سبحانه . إن تأمل هذا ومعرفته بالقلب يعطي العبد فرقاناً عظيماً بين الشرك والتوحيد بِقِسْمَيْه ويعرّفه معنى الكلمة العظيمة ( لاحول ولاقوة إلا بالله ) فهو المحرك للمتحرك والمسكّن للساكن في السموات والأرض . فهذا من توحيد الربوبية الذي يسْتلزم توحيد الإلهية .
وتأمل ماورد في حديث الشفاعة وهو في الصحيحين (آتي تحت العرش فأخِرّ ساجداً فيدعني ماشاء الله أن يدعني ثم يقال : إرفع رأسك وقل تسمع واشْفع تشفّع قال : فيحدّ لي حَدّاً فأدْخلهم الجنة ؟) وإذا كان يُحَدّ له صلى الله عليه وسلم فرجع الأمر كله لله وطلب الشفاعة من غيره شرك وضلال . والأحاديث متواترة في شفاعته صلى الله عليه وسلم في العصاة من أهل التوحيد الذين يدخلون النار بذنوبهم وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة وبَدَّعُوا من أنكرها وصاحوا به من كل جانب ونادَوْا عليه بالضلال.
ثم قال : ولكن المسلمين الذين عُرفوا بالإتِّكاليه قدْ باتوا يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب أتكالاً على نبيهم الذي سوف يخرجهم في حفْنة واحدة من النار ويلقي بهم في الجنة بفضله وكرمهِ وهم الذين شكاهم إلى ربه في صريح قرآنه وجَأَرَ بشكواه قائلاً :
{ يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } (1) .
__________
(1) ص 19 .(/10)
الجواب : أما أن يرتكب العبد عظائم الذنوب اتكالاً على الشفاعة فهذا إنما يفعله من هو مِن أجهل الناس لكن لايُرَدّ الباطل بباطل فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ثابته للمذنبين من أهل التوحيد من أمته وإنكار ذلك رَدّ على الله أمره وعلى رسوله مابلّغه.
إن هذا هو مَشْرب الخوراج حيث عظّموا الرب سبحانه بما اخترعوه من عند نفوسهم ليس لهم فيه برهان حيث ضاقت صدورهم ولم تَتّسع لأن يرحم الله أهل التوحيد الذين اسْتَوْجبوا النار بذنوبهم فيخرجهم منها بالشفاعة . وقد وقعوا بأعظم مما فرّوا منه ولذلك ورد في ذمهم ماهو معلوم . والدين ليس بالرأي . وحَسْبُ العقل من الكمال أن يلْتزم ماورد به الكتاب والسنة وبفهم الصحابة .
وآية : { يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } . تقدم أنها في المشركين لكن هجران القرآن أنواع متفاوته فأعظم هجرانه عدم الإيمان به ثم لمن هجره بالتقصير في حقه نصيب من الذم ولو كان مُوَحِّداً ولا يُلْحقه ذلك بالكفار ولاتدل الآية على نفي الشفاعة بأي وجه .
ثم قال : والقرآن يقول : { لله الشفاعة جميعاً } وهو بذلك يجمع سلطة الشفاعة جمعيّة واحدة ويجعلها لله وحده ويقول : {مامن شفيع إلا من بعد إذنه } والسبب طبيعي فهو وحده الذي يعلم استحقاقات كل فرد ومافعل في دنياه من خير وشر وماهي أعْذاره إن كانت له أعذار . وهو الوحيد الذي يعلم قلبه وضميره ويعلم سّره ويعلم ماهو أخفى من ذلك السرّ . فماذا تضيف شفاعة أيّ شفيع لعلم الله ؟ { أتنبئون الله بمالا يعلم في السموات ولافي الأرض } (1) .
__________
(1) ص 20 .(/11)
الجواب : شفاعة الشافعين لاتُعارض مُلْكيته سبحانه للشفاعة فإنه يُكرمهم بالشفاعة ولايشفعون إلا بعد أن يأذن لهم ولايشفعون أيضاً إلا لمن ارْتضى . فعاد الأمر كله له سبحانه بخلاف المخلوق الذي يُشفع عنده بغير إذنه ويستجيب لشفاعة الشافع ولوْ لم يرض عن المشفوع له وتقدم بيان ذلك . ويلاحظ ركاكة عبارات هذا الكاتب في كلامه عن الله وعن الدين . مثل وصْفه الله بالوحيد .
كذلك فإن إثبات الشفاعة لاينافي علم الله سبحانه المحيط بكل شيء فالشفاعة تكريم للشافع ورحمة للمشفوع له وهي سبب من جملة الأسباب كما أن أعمال العبد المؤمن سبب لدخول الجنة ليست قيمة وثمناً لها .
ثم قال : القرآن يقول في قطعية واضحة : أن الله لايشرك في حكمه أحداً . ويقول في قرآنه : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } .
وكل هذا نفي صريح للشفاعة يوم الحساب . ثم يتكرر نفس المعنى في آية أخرى في سورة السجدة : { الله الذي خلق السموات والأرض ومابينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولاشفيع أفلا تتذكرون } فأضاف في هذه الآية حرف (من) { مالكم من دونه من ولي ولاشفيع } . وهو نفي قطعي لأي نوع من ولي أوْ شفيع هذه الآيات المحكمات في نفي الشفاعة تجعلنا نعيد النظر بتفهّم لأي آية تتكلم عن الشفاعة ونفهمها في حدود ( المتشابه ) فلا ننساق وراء هذه الأحاديث التي تملأ كتب السيرة وتدّعي بأن النبي عليه الصلاة والسلام سوف يُخرج من النار كل من قال لا إله إلا الله .
وما أسهل أن نقول وما أهْون أن ننطق بالكلام ونحن أكثر الأمم كلاماً وأقلها التزاماً . (1)
الجواب : تقدم أن الشافع غير شريك لله سبحانه وإنما هو مُكْرم بالشفاعة . وقوله تعالى : { وأنذر به الذي يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } .
__________
(1) ص 21 ، 22 .(/12)
لاتدل على نفي الشفاعة مطلقاً . وإنما دلالتها القطعية على نفي الشفاعة من دونه وهي التي لم يأذن بها ولم يرض عن صاحبها . فهذه لا وجود لها في القيامة . أما في الدنيا فقد اتّخِذَتْ الشفعاء وتولاّهم المشركون ولن يُغنوا عنهم شيئاً حيث طلبوها ممن لايملكها . ولذلك يقول الموحّد : اللهم شفّع فيِّ نبيي لايقول : يارسول الله إشفع لي : فالرسول لايملكها ولايقدر عليها اسْتقلالاً.
أما جعل الأحاديث الثابتة عن الصادق المصدوق الذي لاينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في حدود المتشابه فهذا زيغ وضلال ورَدّ على الرسول أمره .
قال ابن تيمية رحمه الله : ومقصود القرآن بنفي الشفاعة نفي الشرك وهو أن أحداً لايعبد إلا الله ولايدعو غيره ولايسأل غيره ولايتوكل على أحد في أن يرزقه وإن كان الله يأتيه برزقه بأسباب. كذلك ليس له أن يتوكل على غير الله في أن يغفر له ويرحمه في الآخرة وإن كان الله يغفر له ويرحمه بأسباب من شفاعة وغيرها . فالشفاعة التي نفاها القرآن مطلقاً ماكان فيها شرك وتلك مُنْتفية مطلقاً . ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مَوَاضع . وتلك قدْ بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لاتكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص . فهي في التوحيد ومُسْتحقيها أهل التوحيد . إنتهى.(1)
تأمله فإنه فرقان في هذه المسئلة وأعلم أن نفي الشفاعة المراد منه . أن الشفاعة بغير إذنه غير حاصلة في القيامة . فنفاها سبحانه باعتبار أنها غير موجودة وكالشيء المعدوم في الآخرة .
ثم قال : وللأسف الشديد نحن نقرأ كتب السيرة والأحاديث بتسليم مطلق وكأنها قرآن منزل ومحفوظ . والله لم يقل لنا أنه تولى حفظ هذه الكتب . وهو لم يحفظ إلا القرآن وكل ماعدا
القرآن من كتب يجب أن تخضع للنقد والفحص مهما عظم شأن أصحابها . (2)
__________
(1) الفتاوى 7/78 .
(2) ص 22 ، 23 .(/13)
الجواب : كتب السيرة والأحاديث لايقرؤها بتسليم مطلق وكأنها قرآن منزل محفوظ إلا من لايعرف كلام أهل العلم في ذلك وأنه لابد من تمييز الصحيح من غيره كما أن هذه الكتب يختلف بعضها عن بعض فليس الصحيحان كغيرهما . وأنت بكلامك هذا لاتقصد ماقصده الأئمة والعلماء من النصح لله ولرسوله بتمييز ماصَحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره فقد شكّكت في أحاديث الشفاعة الصحيحة ونفيتها . وسيأتي إن شاء الله طعنه حتى على الصحيحين .
أما النقد والتمحيص فليس لك ولا لأمثالك . فجهلك طافح به كتابك وردّك أحاديث الرسول الثابتة لمخالفتها لبدعتك يوجب نقدك وتمحيصك أولاً ليظهر ضلالك وأنك غير ثقة ولا مؤتمن على هذه البضاعة .
وإنما تكلمتَ في زمان قُبِضَ فيه العلم فأنت من رؤوس أهله الجهال .
ثم قال : والإسرائيليات تملأ كتب السيرة وقدْ دَسّوا علينا أن الرسول سُحِرَ وأن جبريل استخرج لفافة السحر من البئر وهو كذب صراح بشهادة القرآن نفسه بما روى على لسان الكفار أتّهاماً للنبي عليه الصلاة والسلام : { إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً } فالقرآن ينسب أمثال هذا الإتهام للظالمين من الكفار الذين يُريدون تشويه صورة النبي بمالا يليق وبماليس فيه . والآية تكذيب ضمني لهذه الحكايات التي ذكرها كتاب السيرة والتي رَوَتْ أن النبي عليه الصلاة والسلام بِفِعْل هذا السحر كان يأتي بأفعال ولايُدرك بأنه فعلها ويأتي بأقوال ولايدري بأنه قالها حتى أخرج له جبريل السحر وتمّ شفاؤه . وهو كلام خطير يطعن في دَوْر النبي عليه الصلاة والسلام كمبلّغ عن الله وكرسول . والقرآن صريح في التأكيد على عصمة النبي عليه الصلاة والسلام ( والله يعصمك من الناس ) . فهذه المرويات كلها أكاذيب . (1)
__________
(1) ص 23 ، 24 .(/14)
الجواب : حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ثابت في صحيح البخاري رحمه الله وتكذيبك به دليل على زَيْغك وضلالك. ولا معارضة ولا منافاة في ذلك للقرآن .
فالله سبحانه ذكر عن الكفار قولهم : { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً } إنكاراً عليهم نسبة رسوله للسحر فيما أتاهم به من ربه تَبْرئة لرسوله أن يأتي بالسحر وينسبه إلى الله .
أما ماحصل للنبي صلى الله عليه وسلم من سحر لبيد بن الأعصم اليهودي فهذا شيء آخر لم يؤثّر فيه أي أثر من جهة تبليغه رسالة ربه فهو في عصمة من هذا الوجه لكن صارت له آثاراً خفيفة في بعض أحواله الطبيعية . وقدْ وَضَحَتْ له ولم تَخْفَ عليه حيث أخبر أنه يُخَيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله . فهذا التخييل لم يخف عليه صلى الله عليه وسلم ولم يلتبس وقد شفاه الله منه . فهو عارض تتبيّن منه بشريّته صلى الله عليه وسلم كما يُصاب بالأمراض والأوجاع ونحو ذلك ولايُنافي هذا عصمته في تبليغ رسالة ربه والعمل بذلك فهذا التخييل في أشياء طبيعية ثم هو قدْ علم به حيث أخبر أنه يُخّيل إليه . وهذا خلاف السحر المؤثر بتغيّر حالة الشخص بحيث يعرف ذلك الناس منه . والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسْتنكر منه أصحابه ولا زوجاته شيئاً غَيّره إطلاقاً . وإنما هو أحَسّ بذلك التخييل .
وقد أنكر هذا الحديث الصحيح غير مصطفى محمود لشبهاتهم التي يُوردونها عليه يتقوّوْن بذلك بزعمهم على رَدّ غيره من الأحاديث المخالفة لِنحلهم . والحقائق لاتبطلها الشقاشق . فيجعلون إنكار مثل هذا الحديث سلماً لأغراضهم . ولذلك قال بعد الكلام السابق :(/15)
وليس غريباً أن تمتلئ هذه الكتب بالمدسوس من أحاديث الشفاعة فنقرأ في أحدها أن النبي عليه الصلاة والسلام يُدخل بشفاعته إلى الجنة رجلاً لم يفعل في حياته خيراً قط ويكون هذا الرجل هو آخر الداخلين إلى الجنة . وما الهدف من أمثال هذه الأحاديث المدسوسة سوى إفساد الدين والتحريض على التسيّب والإنحلال وفتح باب الجنة سَبَهْلَلَة للكل لأن الشفيع سجد عند قدم العرش وقال متوسّلاً : لا أبرح حتى تدخل كل أمتي الجنة يارب.(1)
الجواب : الحذر من هذا الضال فإنه يُقرر مذهب الخوارج والمعتزلة في منع الشفاعة للمذنبين وهي ثابته عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات الشفاعة لأهل الكبائر وأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
وإذا كان هذا يطعن في كتب الحديث عامة وفي صحيح البخاري خاصة فيكفي أن يقال له : هذه أحاديث صحيحة في صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله وكتب الحديث الأخرى. وإنكارك لذلك ضلال عظيم .
وليس في إثبات ماصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إفساد للدين وإنما الإفساد بإنكار ما أثبته كما فعلتَ أنت فأنت الذي تفسد الدين . ويلزم من كلامك أن أئمة أهل السنة والجماعة وعلماؤهم مفسدون وأنت الذي جئت بالإصلاح بتقريرك مذهب الخوراج والمعتزلة الفاسد .
كذلك فليس في إثبات ماصح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم مايجعل الجنة سَبَهْلَلة كما عَبَّر وقد تقدم أن كلمة التوحيد مقيدة بقيود ثقال وأنها لاتنفع قائلها إلا بعد معرفة معناها والعمل بمقتضاها وأنها لاتنفعه إلا بعد الصدق والإخلاص واليقين لأن كثيراً ممن يقولها في الدرك الأسفل من النار فلابد في شهادة ألا إله إلا الله من اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان فإن اختل نوع من هذا الأنواع لم يكن قائلها مسلماً .. هكذا قرر أهل السنة .
أما قوله : قدم العرش فمن جنس عباراته الركيكة . والذي ورد أن للعرش قوائم لا أقدام .
__________
(1) ص 24 .(/16)
ثم قال بعد أن ذكر شيئاً من أهوال القيامة : هل هذه لحظة يُسَاوِم فيها النبي ربه لإخراج رجل من النار وإدخاله الجنة وهو لم يفعل خيراً قط في حياته ؟ إن لم يكن هذا هو الهزل فماذا يكون؟(1)
الجواب : هذا فهمك الساقط وتعبيرك الفاسد حيث جعلت مقام النبي صلى الله عليه وسلم الشريف السامي الذي يُكرمه الله به مقام مُساومة وهزل . ولماذا يضيق عطنك أن يرحم الله عباده فتعارض الحق هذه المعارضة ؟
إنك لوْ عرفت حكمة الحكيم في تقديره ما قدره على عباده وحكمة أمره ونهيه وثوابه وعقابه بل وحكمته في خلق إبليس الداعي إلى كل كفر وفسق بل وحكمته في خلق عذاب الآخرة لعرفتَ قدر نفسك وعلمت أن كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق وصدق وأنه صادر عن مقتضى حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين .. ولكنك تُهْرف بما لاتعرف ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .
ثم ذكر أعداء الإسلام وأنهم هم الذين يكيدون له وأن هذا من دسائسهم . ثم ذكر حسن فهم القرآن وقراءة السيرة من خلال القرآن لِتفهم الدين وقال : ولا تستخفكم الروايات والأحاديث التي تدخلكم الجنة بغير حساب لمجرد أنكم تلفظتم بكلمة التوحيد . فالتوحيد ليس مجرد كلمة وإنما حقيقة تملأ القلب ويترجمها العمل ويؤكدها السعي في الأرض وفي مصالح الناس وتعبّر عنها حركة الحياة بأسرها . (2)
الجواب : تقدم أن ما أنكره ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما تهجينه لِلْمغترين بمجرد التلفظ بكلمة التوحيد فنعم إنه لايَعتمد على مجرد التلفظ بذلك مع مخالفة عمله لقوله إلا مغرور. لكن هذا لا يوجب التكذيب بالأحاديث الصحيحة لأنه فَهِم منها هو وهؤلاء الذين وصفهم غير المراد فهو وَقَع بعظيم ولم يُشعر.
__________
(1) ص 25 .
(2) ص 26 .(/17)
قال : القرآن ينفي إمكانية خروج من يدخل النار في الكثير والعديد من آياته من الكفار ومن المسلمين أيضاً { يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذب مقيم } وذكر آيات مثل هذه في الكفار وجعل المسلمين معهم يدوم عذابهم بدوام النار . وهذا خلاف مايعتقده أهل السنة والجماعة من التفريق بين المذنبين من المسليمن وبين الكفار وهو الذي يدور عليه موضوع كتابه .
ثم قال : ويقول عن قاتل النفس ويدخل فيه المسلم وغير المسلم { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } .(1)
والجواب عن هذا أن قاتل النفس المسلم لايدوم عذابه بدوام النار كالكفار . أما ذِكر الخلود في جهنم فالخلود في لغة القرآن هو المكث الطويل ليس معناه عدم النهاية وقطعاً ليس مصير قاتل النفس المسلم كمصير الكفار وإن كان مُتَوَعَّداً بالخلود . كذلك آكل الربا المسلم وآكل مال اليتيم . لأن مساواة المذنبين من الموحدين بالكفار من أبطل الباطل وهو مذهب الخوارج والمعتزلة .
ثم قال : فكل من يدخل النار تتأبّد إقامته فيها . ولايوجد في القرآن حكاية التعذيب لأجَل محدود في جهنم ولافكرة المطهِّر التي نقرأها في كتب إخواننا المسيحيين .
يقول ربنا : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون . بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ( وهو كلام عن المسلمين ) .
__________
(1) ص 32 .(/18)
الجواب : حكاية التعذيب لأَجَلٍ محدود جاءت صريحة في السنة الصحيحة في أحاديث الشفاعة كما تقدم . والأصول الفاسدة تقود إلى عقائد من جنسها لأنها فروعها وثمارها فهو قدْ أصّل الرّدّ للأحاديث التي تخالف نحلته وقد تقدم بعض ذلك ويأتي إن شاء الله قوله : ولم يقل لنا رب العالمين أنه حفظ كتاب البخاري أوغيره من كتب السيرة . ومايقوله البخاري مناقضاً للقرآن يُسأل عنه البخاري يوم الحساب ولانُسأل نحن فيه .. ويأتي غيره من ضلالاته.
أما قوله : إخواننا المسيحيين فنعم له ما اختار لنفسه . أما المسلم فيبرأ إلى الله منهم وإنما إخوانه المؤمنين . وليس هذا وحده الذي يقول هذه الكلمة العظيمة بل إن أمثاله كثير من علماء تلك الديار يقولونها .
والله سبحانه قطع الأخوة بين المسلم والكافر . وقد قال تعالى: { إنما المؤمنون إخوة } وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم ) الحديث .
أما قوله عن آية سورة البقرة : ( وهو كلام عن المسلمين فباطل لأن المراد بها اليهود وسياق الآيات يدل على ذلك . وقد نقل ابن كثير في تفسيره أن الآية في اليهود . ذكر ذلك عن ابن عباس وقتادة وعكرمة .
ثم قال ابن كثير في قوله تعالى : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } الآية قال : يقول تعالى : ليس الأمر كما تمنّيتم ولا كما تشتهون بل الأمر أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته وهو مَنْ وَافى يوم القيامة وليست له حسنة بل جميع أعماله له سيئات فهذا من أهل النار . (1)
فهذا يقول بالقرآن برأيه في قوله عن الآية : ( وهو كلام عن المسلمين ) والوعيد على من فسّر القرآن برأيه معلوم .
وانظر قول ابن كثير : وهو مَنْ وَافى يوم القيام وليست له حسنة بل جميع أعماله سيئات فهذا يجعل حكم المسلم في الآخرة الذي له حسنات وسيئات كالكافر الذي ليست له حسنة بل جميع أعماله سيئات .
__________
(1) التفسير 1/118 .(/19)
ثم حكم أيضاً على أحاديث إخراج الرسول من النار أحد بأنها موضوعة .(1)
ثم قال : والذين يأكلون الربا من المسلمين وغير المسلمين تتحدث عنهم الآية من سورة البقرة : { الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } الآية.
قال : كيف يشفع الرسول في هؤلاء وكيف يسبق ربنا بالقول في قضايا حسمها الله في القرآن من الأزل .
الجواب : جعل هذا الضال وَعيد المسلم الذي يأكل الربا كالكافر حيث قال : من المسلمين وغير المسلمين .
والمسلم الذي يأكل الربا ولايستحله كيف يُساوى بالكافر في العذاب ؟ هذا ضلال مبين . وكتب أهل السنة من الحديث والفقه والتفسير والأحكام ليس فيها هذا الهَوَس بل فيها الفرق بين المسلم المذنب والكافر في أمور الدنيا والآخرة لكن هذا يجري مع أفكاره ومايُوَأفق نِحْلته المعتزلية الخارجية ولا يُراجع كلام أهل السنة بل يُكَذِّبُ بها ويُشكّك .
ثم ذكر أنه لاشفاعة تجدي ولاشفاعة تقبل يوم القيامة ويستدل بقوله تعالى : { يوم لاتملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله } وقوله تعالى : { قل لله الشفاعة جميعاً } . ثم قال : وهو وحده أرحم الراحمين ولايستطيع مخلوق أن يدّعي أنه أكثر رحمة بعباد الله من الله أو أعلم بهم منه ...(2)
يظن بجهله أن إثبات الشفاعة ينافي كوْن الشفاعة لله جميعاً وقد تقدم مايبين عدم منافاة ذلك لملكية الرب سبحانه للشفاعة جميعاً إذْ أنها لاتكون إلا بإذنه وتعيينه المشفوع فيه وخلقه . وأنها كرامة للشافع ورحمة من الله للمشفوع فيه .
فأما إثبات شافع بغير إذن الله سبحانه للشافع . وتحديده وتعْيينه للمشفوع فيه . ودون أن يخلق الله إرادة وطلب الشفاعة في قلب الشافع ويخلق دعاءه الذي يدعو به ربه لذلك المشفوع فيه فإثبات هذا النوع من الشفاعة إثبات شريك لله . وهذا هو الذي نفاه الله في القرآن .
__________
(1) ص 34 .
(2) ص 37 .(/20)
أما الشفاعة على الصفة التي قد بَيّنتُ فلا تخرجها عن كوْنها ملك لله لاتطلب إلا منه .
فالرب سبحانه هو خالق أفعال العباد ولذلك لايقدر أحد على نفع أحد أوضره لابشفاعة ولاغيرها إلا بأن يخلق الله ذلك فيه . ومعلوم أن العبد إذا التفت للشفيع يسأله فقد أعرض بوجهه وقلبه عن الله تعالى وذلك ينافي الإخلاص .
ثم قال : والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أي تحريف وقال في كتابه المحكم : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ولم يقل لنا رب العالمين أنه حفظ كتاب البخاري أوغيره من كتب السيرة . ومايقوله البخاري مناقضاً للقرآن يُسأل عنه البخاري يوم الحساب ولا نُسأل نحن فيه .(1)
الجواب : ليعلم هذا الضال وأمثاله أن الآية وإن كان المراد بالذكر فيها القرآن فإنه يدخل فيه حفظ الوحي الثاني الذي تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم بالجملة ولذلك قَيّض الله له من يحفظه كهذا الإمام العظيم البخاري رحمه الله الذي استهان به هذا حيث أن كتابه الصحيح أصح كتاب بعد القرآن . كذلك صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله . وقد تلقّت الأمة هذه الصحاح بالقبول .
والوقيعة بأهل الأثر من علامات أهل البدع . فالبخاري ومسلم تميزا رحمهما الله بهذين الصحيحين اللذين حفظ الله بهما دينه عن عبث العابثين وزيغ الزائغين .
كذلك غيرهما من علماء السنة وماحفظوه ودوّنوه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته ماهو أشهر من أن يذكر وأجلّ من أن يطعن به هذا الضال ويُهَوِّن من شأنه .
__________
(1) ص 41 .(/21)
ولو كان الحفظ للقرآن فقط يعني كما فهم هذا من الآية لما علمت الأمة معظم دينها مثل كيفية الصلاة والزكاة وغير ذلك كثير جاء تفصيله وبيانه في أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما لأن السنة تفسر القرآن وتوضحه وتكشف معانيه وهي الوحي الثاني فهل يُضيّعها الله ؟ هذا ظن سوء برب العالمين وهو اعتقاد في غاية السوء. ولِطَعْنه بالأحاديث يقول : والعمدة المعتمد في جميع أمور الملة هو القرآن المجيد نتمسك به ونحتكم إليه في كل صغيرة وكبيرة . وما تناقض في كتب السيرة مع القرآن لا نأخذ به .(1) فيقال له : التمسك بما ثبت عن رسول الله تمسك بالقرآن وليس في ذلك مايعارضه لكن في الأحاديث مايزيد على القرآن ولوْلا ذلك لما عُلم الكثير من القرآن ولا عُمِل به . وهل عمل خير قرون الأمة بالقرآن وحده ؟ أم أن هذا يدعو إلى خير مما عملته قرون الأمة المفضلة ؟ إن ضلاله وجهله بيّن .
ثم قال : وامتلأت كتب السيرة بالموضوع والمدسوس من الأحاديث والعجيب والمنكر من الإسرائيليات وقرأنا في أكثر من كتاب من كتب السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي وهو كذب وافتراء لايُعقل . فقد مات سيدنا رسول الله والغنائم وخيرات البلاد المفتوحة تجبى من كل مكان .
وللرسول ولفقراء المسلمين نصيب فيها وله الخمس بحكم القرآن . وعثمان بن عفان الذين مَوَّل غزوة تبوك من ماله إلى جواره فما حاجته إلى رهن درعه عند يهودي إلا أن تكون فِرْية نكراء من افتراءات اليهود دَسّوها على كُتّاب الحديث . والقرآن يقول لرسوله: { ولسوف يعطيك ربك فترضى . ألم يجدك يتيماً فآوى . ووجدك ضالاً فهدى . ووجدك عائلاً فأغنى } .
__________
(1) ص 42 .(/22)
الله يقول بأنه أغنى رسوله . فما حكاية هذه الدرع المرهونة عند يهودي إلا أن تكون من الإسرائيليات مدسوسة . وغيرها الكثير. فلا أقلّ من أن نحتكم إلى العمدة في أمور ديننا حتى لاتنفرط وِحدتنا وحتى لانتفرق بددا والعمدة المعتمد في جميع أمور الملة هو القرآن المجيد نتمسك به ونحتكم إليه في كل صغيرة وكبيرة .
وما تناقض في كتب السيرة مع القرآن لا نأخذ به . فالذين كتبوا السيرة بشر مثلنا يخطئون ويصيبون . أما القرآن فهو الكتاب المحفوظ من رب العالمين وهو الكتاب الموثق بين كل ما تبقى من كتب مقدسة بين أيدينا وهو المهيمن عليها جميعها بلا استثناء.(1)
الجواب : يقول عن حديث درع النبي صلى الله عليه وسلم المرهونة عند يهودي أنه كذب وافتراء لايعقل وأنه مدسوس مع أن الحديث صحيح وهو في صحيح البخاري رحمه الله في مواضع منه وكذلك رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم .
والحديث لاينافي قوله تعالى : { ووجدك عائلاً فأغنى } قال ابن حجر في الفتح : وفيه ماكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها والكرم الذي أفضى به إلى عدم الإدّخار حتى احتاج إلى رهن درعه والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير وفضيلة لأزواجه لصبرهن معه على ذلك. وفيه غير ذلك مما مضى ويأتي . قال العلماء : الحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مَيَاسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز أولأنهم لم يكن عندهم إذْ ذَاك طعام فاضِل عن حاجة غيرهم . أوخشي أنهم لايأخذون منه ثمناً أوعوضاً فلم يرد التضييق عليهم فإنه لايَبْعُدْ أن يكون فيهم إذْ ذَاك من يقدر على ذلك وأكثر منه فلعله لم يُطْلعهم على ذلك . وإنما اطّلع عليه مَن لم يكن مُوسراً به ممن نَقَلَ ذلك . والله أعلم . (2)
__________
(1) ص 41 ، 42 ، 43 .
(2) فتح الباري 5/141 .(/23)
فقد تبين أن الحديث صحيح وأن مصطفى محمود جريء على ردّ الأحاديث الصحيحة والتكذيب بها . كذلك فقد تبين سوء فهمه لمعنى الحديث أيضاً .
وهو ينطبق عليه ماذكره النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه . ألا يوشك رجل شبعان متكئاً على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وماوجدتم فيه من حرام فحرموه ) قال الترمذي : حيث حسن .
وقال الأوزاعي عن حسان بن عطية : كان جبريل ينزل بالقرآن والسنة على الني صلى الله عليه وسلم ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن.. أما قوله : وما تناقض في كتب السيرة مع القرآن لا نأخذ به فمثل قول محمد الغزالي الذي يطلب محاكمة الصحاح إلى نصوص القرآن.(1)
وقال مصطفى : والآن وقدْ تراخى بنا الزمن وأصحبنا نقرأ عن وعن وعن إلى آخر العنْعنات التي لايعلم بها إلا الله . واختلف أهل هذه العنعنات . والقرآن بين أيدينا لا اختلاف فيه وآياته المحكمة كالسيف تقطعنا عن أي شك . (2)
لينظر الموفق مايفعل الجهل والضّلال بأهله إن هذا لو سُئل : كيف يُصلي المسملون كيف يزكون كيف يحجون كيف يصومون وآلاف الآلاف من كيف ؟.
ماذا يكون جوابه ؟ وهل يُعلم التشريع إلا بهذا ؟
هذا لايدري مايقول وإلا فالسنة تفسر القرآن وتبيّنه وتوضحه وتكشفه وتدل عليه وتعبّر عنه وتفصّل مجمله وتقيّد مطلقه وتخصص عمومه . وحكمها حكم القرآن في ثبوت العلم واليقين والإعتقاد والعمل .
__________
(1) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص17 والرد على الغزالي في كتاب ( إعانة المتعالى لردّ كَيْد الغزالي) .
(2) ص 68 .(/24)
وهذه العنعنات التي يسخر بها هذا اعتقدها الصحابة رضي الله عنهم وعملوا على مقتضاها قبل وجود البخاري رحمه الله وغيره من أهل النقل وذلك أن الصحابة ليس كلهم يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم كل مايقول بل يتناقلون كلامه بذلك ونقله التابعون عنهم كذلك وهكذا . فالبخاري رحمه الله سلك مسلك الصحابة .
كذلك فإنه لاتستقيم للناس معايشهم والمعرفة بأمورهم وشئونهم إلا بالعنعنات . وهذا الكاتب لو أتى إليه إنسان أوكتب له أنه سمع شخصاً أوخاطبه مَنْ سمع شخصاً يقول كذا وكذا أورآه يفعل كذا هل يُكذّب بذلك ولايبالي به أو أنه يحزم به إنْ كان مَن حَدّثه ممن يعرف صدقه .
مع أن أهل الحديث يُقيدون هذه العنعنات بقيود معروفة في شروطهم شهد لهم بالبراعة فيها والصدق والإتقان أعداؤهم لاسيما البخاري ومسلم رحمهما الله .
وقد مَيّز علماء الحديث الصحيح من الأحاديث والضعيف والموضوع ودَوّنوا ذلك كله فلا يطعن بهم إلا أهل البدع . وهم العدول بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك .
ثم زعم أن عدم قبول ماناقض القرآن من الأحاديث ليس إنكاراً للسنة ولكن غَيْرة عليها . (1)
وليس في الأحاديث الثابتة مايناقض القرآن وإنما فيها زيادة على مافي القرآن مع تفصيله وبيانه وقد تقدم بيان ذلك . وهذه غيْرة شيطانيه .
ثم ذكر أن جَمْع الأحاديث وتدوينها كان بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بأكثر من مائتي سنة .
__________
(1) ص 92 .(/25)
ونقل عن محمد البشير قوله : ماذا كان حال الإسلام في المائتي سنة قبل البخاري حينما لم يكن هناك سوى القرآن للمسليمن مرجعاً محفوظاً ومدوّناً ؟ قال : والجواب واضح ومؤكد فقد كانت هذه المرحلة هي أزهى عصور الإسلام بلا جدال وكانت الفتوحات الإسلامية قد اقْتحمت التاريخ طولاً وعرضاً وبدّلت الخريطة الجغرافية للكرة الأرضية وسجّلت الفروسية العربية أعظم البطولات . كل هذا قبل البخاري وقبل الأحاديث المدونة وبالقرآن وحده . وكان المسلمون يصلون ويحجون ويؤدون الشعائر كاملة من قبل البخاري ومن قبل كتّاب الأحاديث . وكانوا يأخذون صلاتهم وحجهم وأداء شعائرهم من الرسول مباشرة وقد انتقل إلينا كل هذا بالتواتر وكانت السنة حَيّه نابضة في أسلافنا من قبل أن تكتب ومن قبل أن تدوّن ومن قبل أن يرويها البخاري وكتّاب الأحاديث . فأين نحن الآن من ذلك العصر البطولي وبين أيدينا مكتبة هائلة بل مكتبات من السيرة والأحاديث والمراجع والدراسات لم تصنع جميعها ماصنع القرآن وحده في فجر الإسلام .
ثم قال : ولم يستطع البخاري وصحْبه بأحاديثهم ومدّوناتهم أن يصنعوا من المسلمين ماصنع القرآن . (1)
الجواب : قبل البخاري رحمه الله كان العمل بالقرآن والسنة معاً . والأحاديث مدوّنة قبل أن يولد البخاري .
ومع هذا فقد كان الصحابة والتابعون يتناقلون الأحاديث حفظاً من صدورهم . ولو عملت الأمة بالقرآن وحده لضلّت . وهذا الجاهل يرى أن ضرر الإسلام جاء من البخاري وعلماء الحديث الذين دَوّنوه . بل الصحابة كتبوا الحديث كما تقدم فيرى أن العلماء لوْ أهملوا تدوين الأحاديث لدامت عصور الإسلام الزاهية التي قامت بالقرآن وحده .
__________
(1) ص 101 ، 102 ، 103 .(/26)
ثم إن قوله : وكانوا يأخذون صلاتهم وحجهم وأداء شعائرهم من الرسول مباشرة وقد انتقل إلينا كل هذا بالتواتر . كلامه هذا ينقض ماقبله إذْ أنه لابد من النقل . وهو بكل هذه المحاولات يريد أن يطعن بالبخاري لأجل مادَوّنه في صحيحه من أحاديث الشفاعة وغيرها التي تخالف نِحْلته .
ومن جهله الكثيف وضلاله يقول : ولم يستطع البخاري وصحبه بأحاديثهم ومدوّناتهم أن يصنعوا من المسلمين ماصنع القرآن .
فيقال لهذا الضال : أتظن أن البخاري وصحبه أتوْا بهذه الأحاديث من عندهم ؟ فهذا من أعظم البُهت والإفتراء على الأئمة .
ويقال أيضاً : أتظن أنه قبل البخاري كان العمل بالقرآن وحده وأن أحاديث البخاري وصحبه لم تكن تعرف ولايُعمل بها ؟ إن هذا وأمثاله ماعرفوا قدْر نفوسهم ولذلك يتصدّرون للأمة فيقولون ويكتبون وهم جهال مُتَمعلمون ولذلك يحتقرون السلف ويروْن أنهم أعلم منهم وأعرف بالدين وقد هَزِلَتْ وقلّ مُخّها وسامَها كل مفلس. وما الثرى كالثريّا .
ثم قال : القرآن هو خزينة العلم الإلهي القديم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه وهو العمدة في كل حقائق الدين والمرجع الوحيد في أمور الغيب والحساب والقيامة والآخرة . أنزله الله الذي ليس كمثله شيء فكان على مثاله كتاباً ليس كمثله كتاب. لايرتفع إلى ذرْوة مصداقيته كتاب . ولايبلغ مدى حِجّتيه مقال . فهو منفرد في صدقه وإحاطته وإعجازه.
أما السنة القولية التي جمعها رواة الأحاديث عن الرسول الكريم فقد جمعها ودوّنها بشر مثلنا غير معصومين في سلسلة من العنعنات عبر عشرات السنين . لم تدوّن الأحاديث إلا من بعد زمن الخلفاء الراشدين على أيام سلاطين القصور .
وقدْ أجمع رواة الأحاديث على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد نهى عن تدوين الأحاديث وجاء هذا النهي في أكثر من حديث لأبي هريرة وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن مسعود وغيرهم .(/27)
وفي كلمات أبي هريرة في قطعية لاتقبل اللبس خرج علينا الرسول ونحن نكتب أحاديثه فقال : ماهذا الذي تكتبون ؟ قلنا : أحاديث نمسعها منك يارسول الله . قال : أكتاب غير كتاب الله . يقول أبو هريرة : فجمعنا ماكتبناه وأحرقناه بالنار .(1)
الجواب : إن هذا الضال يطعن ويُشكك في أحاديث الرسول جملة ويدعو إلى الإكتفاء بالقرآن وحده . وهذا مع أنه غاية الضلال إلا أنه غاية الجهل . وقد تبين ويأتي مايوضح ضلاله .
أما نهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابه الأحاديث فهو منسوخ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدْ نهاهم أن يكتبوا عنه غير القرآن وقال :
( من كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه ثم نُسخ ذلك عند جمهور العلماء حيث أذِنَ في الكتابة لعبد الله بن عمرو . وقال : (أكتبوا لأبي شاه) وكتب لِعَمرو بن حزم كتاباً .
قالوا : وكان النهي أولاً خوفاً من اشتباه القرآن بغيره . ثم أذِنَ لَمّا أمِنَ ذلك . فكان الناس يكتبون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مايكتبون . وكتبوا أيضاً غيره . (2)
من هذا يتبين أيضاً أن تدوين الأحاديث قبل البخاري الذي نَقِمَ عليه هذا .
فالصحابة رضي الله عنهم كتبوا الحديث ومن بعدهم قبل البخاري . وقد أمر أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز ابن شهاب الزهري بجمع الحديث . وكتب مالك الموطأ وغير مالك كتبوا الحديث قبل البخاري رحمهم الله أجمعين .
ثم قال : إن ماصنعه البخاري بإخراجه مُذْنبي المسلمين من النار بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام كما رَوى في أحاديثه لم تأت بالمسلم الأفضل بل جاءت بالمسلم الأضعف المتواكِل الذي يحلم بدخول الجنة بلا عمل . (3)
__________
(1) ص 89 ، 90 .
(2) مجموعة الفتاوى 20/322 وذكر مثله في الفتاوى 21/318 .
(3) ص 103 .(/28)
الجواب : البخاري رحمه الله ليس هو الذي يُخرج مُذْنبي المسلمين من النار بشفاعة الرسول وإنما ينقل ماصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . كذلك غيره من المحدّثين .
والمسلم الضعيف المتواكل الذي يحلم بدخول الجنة بلا عمل ليست آفته من أحاديث البخاري وإنما آفته من الفهم الفاسد لتلك الأحاديث حيث يظن أن مجرّد التلفظ بالشهادة يُغنيه عن العمل بمقتضاها حيث الشفاعة أمامه . وإذا كان هذا يُحيل الضلال للأحاديث الصحيحة فالقرآن ضَلّت به الخوراج لفهمهم الفاسد فكيف المخرج إذاً ؟ بل إنه هو ضَلّ بالقرآن حيث زعم أن أحاديث الشفاعة وغيرها تناقضه وطلب الإكتفاء به وهو الذي فيه { وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا } { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } وغير ذلك .
ثم قال : ونقف معاً أمام الحديث الذي رواه البخاري عن سيدنا موسى حينما قضى ربنا عليه الموت وأرسل له ملَك الموت ليقبض روحه . ماذا قال لنا البخاري ؟ قال إن موسى رفض أن يموت وضرب ملك الموت على عينه ففقأها فرجع ملك الموت إلى ربه فَرَدّ له بصره .
كيف يجوز هذا الكلام والقرآن يقول في قطع لا لَبْسَ فيه : {إن أجل الله إذا جاء لايؤخر لوكنتم تعلمون} { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } { فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون } فأين موسى من كل هذا وكيف يضرب ملك الموت على عينه ويرفض أن يموت وأين كلام البخاري من كلام الله ؟ إن الحديث واضح الزيْف ومثله كثير في البخاري(1) .
__________
(1) ص : 106 - 107 .(/29)
الجواب : الواضح الزيف فَهْمك . وإلا فالحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس البخاري الذي قال : إن موسى رفض أن يموت وضرب ملك الموت ففقأ عينه وإنما النبي هو الذي أخبر بهذا الخبر . والبخاري رحمه الله ناقل ومُبَلّغ عن نبيه الذي أمر أمته بتبليغ رسالته ومَنْ قال لهذا الضال أن ملك الموت أُرسل إلى موسى ليقبض روحه في الحال حتى يكون هذا التأخر لموت موسى مناقض للقرآن . وإنما هذه بعض فضائح من اسْتهان بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة . فبما أن هذا الحديث صحيح فقطعاً لايعارض القرآن فليس في الحديث أن ملك الموت مأمور بقبض روح موسى بنفس الوقت .
ثم إنه في عِلم الله أن موسى سوف يقول لملك الموت ماقال ويفعل مافعل ومع هذا أرسله إليه وفي علمه أنه بقي من عُمر موسى مابَقّي فأيّ معارضة في هذا ؟
أما قوله : وكيف يضرب ملك الموت على عينه فجوابه ما قال ابن خزيمة رحمه الله قال : أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا: إن كان موسى عَرَفَه فقد اسْتخف به وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه ؟ والجواب : أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ وإنما بعثه إليه اختباراً. وإنما لَطَمَ موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في درا المسلم بغير إذن . وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدَمِييِّن فلم يعرفا هم ابتداء . ولوْ عرفهم إبراهيم لما قدّم لهم المأكول . ولوْ عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه إلى آخره.(1)
وقد رَدّ محمد الغزالي هذا الحديث قبل مصطفى محمود . قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في ( لمعة الإعتقاد ) تحت عنوان : ( الإيمان بكل ما أخبر به الرسول ) .
__________
(1) فتح الباري 6/443 .(/30)
قال : ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أوْغاب عنا نعلم أنه حق وصدق . وسواء في ذلك ماعقلناه أوْجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشاً أنكرته ولم تُنكر المنامات . ومِن ذلك أن ملَك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فردّ عليه عينه . إلى آخره .
ثم ختم كتابه بقوله : ويعلم الله أنه مادفعني إلى كتابة ماكتبت إلا محاولة استجلاء الحقيقة وابتغاء وجه الله فأنا مثلكم من الخطائين وكان أنفع لي أن آخذ كلام البخاري على علاته ولكن الله كان عندي أحق وأوْلى وأدعو لنفسي ولكم بالهداية .(1)
الحقيقة ظهرت وبانت وردّك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة وطعنك على هذا الإمام العظيم البخاري رحمه الله ليس بالهَيّن فلم يبق إلا التوبة والبيان برجوعك عن الذي خالفت به أهل السنة . والكلام على صحيح البخاري وما قاله العلماء في تعظيمه والثناء عليه ليس ولله الحمد بالخفي وليس بالذي يحتمله هذا الرّد .
من عَلِمَ ماتقدم تبين له وظهر ضلال القبورية الذين يعتقدون بالموتى وأنهم من أخسر الناس يوم القيامة . لقد غَرَّهم الشيطان ومكر بهم فظنوا أنهم يحسنون صُنعاً إن عابد البدوي أو الدّسوقي أوغيرهم من الموتى يقول : أنا ما أعبدهم وإنما أعبد الله وأقول : لا إله إلا الله لكن هم أولياء ونتبرّك بهم ولهم جاه ومنزلة عند الله.
فيقال له : هذا هو مطلب عباد الأصنام من أصنامهم فهم صَوّرها على صور الملائكة ومَنْ هو مقرّب عند الله وعبدوها باعتبار أن عبادتهم لها بمنزلة عبادتهم إياهم بَذَوَاتهم مع أنهم يقولون ربنا الله وهو الذي خلقنا ويرزقنا وإنما هؤلاء لهم وجاهة فهم يُقربوننا إليه فكفّرهم الله بذلك .
__________
(1) ص 109 .(/31)
يقول من ينذر للبدوي أوغير البدوي ويذبح له ويرجوه : أنا أقول : لا إله إلا الله وأصلي وأصوم وأعمل بالإسلام فكيف أُجْعل مثل عباد الأصنام الذين يمتنعون من قول لا إله إلا الله وليسوا بمسلمين . ؟
فيقال له : أنت لو عرفت الإسلام كما عرفه عباد الأصنام من العرب لامْتنعت من قول لا إله إلا الله . أوقلتها وامْتنعت من أن يتوجه قلبك بعبوديته للموتى وعرفت أنها مانعة قاطعة أن يكون في قلبك لمخلوق حي .
أومّيت نصيب وشركة في الخوف والرجاء والمحبة وأن تعتقد فيه أنه يُقرّبك إلى الله أويشفع لك عنده لكنك تقولها وتعمل خلاف معناها فلا إله ليس معناها لارب أولا خالق أولا رازق إلا الله . هذا يعتقده عباد الأصنام وإنما معناها قطع تعلّق قلبك بالأنبياء والملائكة والصالحين فضلاً عن غيرهم بأدنى رجاء نرجوه منهم مما ترجو أن تقترب به من ربك لأن هذه الرّقة والخشية والتعظيم الذي يُحسّ به وتُشعر به في قلبك هو ملك ربك ولايرضى أن تجعل لأحد منه نصيب فهذا هو الشرك وهو أعظم الذنوب وهو الموجب للخلود في جهنم لمن مات عليه ولا تنفعه شافعة شافع . ومعنى لاتنفعه لأنه لا أحد يشفع فيه وتقرب إليه بدعاء أوذبح أونذر أوغيره من العبادة التي هي حق إلا له سبحانه ولايرضى بالشركة فيها .
ثم ليعلم من يعتقد بالمقبورين أن هناك شُبَهٌ تغرّه وتخدعه وهي من مكر الشيطان وكيْده ليُضلّه عن معبوده الحق وذلك أنه قدْ يرى عند الضريح خيالاً أويسمع صوتاً أو تُقضى له حاجة أويرى في المنام مايدعو للإعتقاد بالميت وكل هذا بلا ريب من الشيطان . والشياطين تقدر على أعظم من ذلك للفتنة .(/32)
وما اغْترّ عباد الأصناح بحجر ولا بشجر وإنما يسمعون أصواتاً ويروْن أشياء وتقضى لهم بعض الحوائج ومِنْ هنا اغتروا وهذا معنى قوله تعالى عن خليله عليه السلام : { رب إنهن أضللْن كثيراً من الناس } إن مع كل صنم شيطان وظيفته الفتنة وزيادة تعلق القلب بغير الإله الحق . ولاشك أن السّدنة وما يرُوّجونه من الباطل عامل كبير لِرَواج بناء القباب على القبور وتعظيمها . وهم دجاجلهم يتأكّلون بالشرك . وكم يُرَوّجون الإعتقاد بمقبور لايملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولاضراً بأنه فعل كذا وحصل بسببه كذا. وكل ذلك ينقسم إلى قسمين : إما من الشيطان للفتنة ولزيادة التعلّق بالميت . أوكذب محض لا أصل له .
إن التعلق بالموتى مهما كانت وجاهتهم ومنزلتهم أعظم صارف لقلب العبد عن ربه الذي خلقه ليكون هذا الذي في قلبه من التعلّق خالصاً له لايُزاحمه فيه مُزاحم لا محمد ولا جبريل ولاجميع الأنبياء والملائكة فضلاً عن غيرهم . وإنما هؤلاء يريد الرب منا أن نزلهم منازلهم التي أنزلهم إياها وأنهم عبيده فنحبهم بحبه ولانرفعهم فوق منازلهم بإخراجهم عن طوْر العبودية إلى الإلهية . هذا أعظم ذنب عُصِي الله به وهو الشرك . ثم إنهم أعداء لمن يشركهم مع ربهم { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } .
إنهم يتبرأون ممن تعبّدهم بالخوف والرجاء وغير ذلك من أنواع العبودية .
أما البدوي فمن يكون ؟ لقد تُرْجِمَ له أقبح سيرة وإنما غلافية من لم يعرف التوحيد الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم. وهو إخلاص تألّه القلوب لوليّها الحق ومالكها . ولايصلح شيء من ذلك إلا له .(/33)
حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لايُفعل عنده عند زيارة المسجد إلا السلام عليه وعلى أبي بكر وعمر . ومن أراد الدعاء لايدعو عند القبر وإنما في المسجد مستقبلاً القبلة لا القبر .. ومسجد الرسول أُدْخل فيه القبر للتوسعة من قِبَل بني أمية وقد أنكر العلماء ذلك .. فما للمساجد والقبور وما للقبور وتوَجّه القلوب بخوف أو رجاء . هو والله كيد الشيطان ومكره ليضل عن سبيل
الله من سبقت له الشقاوة .
الميت إذا كان صالحاً يسلم عليه سلام السنة ويُدْعى له لايدعى ويُرّحم عليه . لأنه مُرْتهن بعمله ومشغول بما هو فيه وليس له من أمور عباد الله شيء وليس رب العالمين كملوك الدنيا تنفع عندهم الوسايط . التي يخترعها العباد ويبدؤونها وينشئونها . من غير علمهم ويشفعون عندهم دون إذنهم . والملوك أنفسهم يخافون الشفعاء ويرجون لقيام ملكهم بالشفاعة ولارب هو الذي يخلق حركة الشافع ليشفع كرامة له ورحمة من الله للمشفوع فيه سابقة علم الشافع وسابقة رحمة الشافع للمشفوع فيه . فالأمر كله له سبحانه . والكلام في هذا من أجلّ وأعظم أمور التوحيد فمن تأمله ووفق لفهمه جعل الله له نوراً يمشي به في الناس وفرقاناً يفرق به بين الحق والباطل { ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور } {من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا} . وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
………………… كتبه
عبدالكريم بن صالح الحميد
…………… ـ بريدة ـ 1420هـ(/34)
الشهاب السني في إثبات ضعف حديث العتبي : أو إتمام الكلام على حديث الأعرابي
أبو عمر الدوسري(المنهج)
قومٌ مفتونون بالحكايات ، من قصص موضوعة ، ورأيا مقطوعة ، يقيمون الأحكام على مثل هذه التفاهات ، يقيمونها ويصدون بها الآيات ، وما صح من الأحاديث النبوية ، أين هم من قوله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ، أُناس تخبطوا في مصادر التلقي ؛ فأصبحوا يتلقون دينهم عن المنامات ، وأكاذيب الحكايات ، فقبحاً قبحاً لمن لم يرفع بكلام الله رأساً ، وبسنة الحبيب اقتداءً وتأسياً ..
وسنقف بإذن الله مع رواية أخرى لحديث الأعرابي الذي تكلمنا عنه قبل ذلك ،واليوم مع رواية أخرى لهُ والذي يسمونه (بحديث العتبي)
تعدد روايات الحديث
" لقد ورد حديث توسل الأعرابي هذا في روايات عديدة:
بعضها بلا إسناد ، والبعض الآخر بأسانيد مظلمة ، كما أن ألفاظها جاءت مختلفة ومضطربة ، مع زيادة ونقصان في جميع ألفاظ متونه ، وفي جميع رواياته وأسانيده ، مما يدل دلالة واضحة صريحة على أن الحديث في جميع رواياته مختلق موضوع ، وخبر مكذوب مصنوع ، وأن صنعة الكذب والوضع ظاهرة عليه وإنها بينة جليلة واضحة فيه ، وضوح الشمس.
وها أنت يا أخي القارئ ، اطلعت على الحديث في روايته الأولى لفظاً وسنداً وتعليقاً وتحقيقاً ، ولا أخالك إلا مقتنعاً بالنتائج التي تترتب على وضع مثل هذا الحديث ، ولعلك تتوق إلى تفصيل الروايات الأخرى التي ورد فيها على نحو ما تم تفصيله في الرواية الأولى … فأهلاً بك يا أخي على صعيد التحقيق والتدقيق … ثم بعد ذلك ، نترك لك الحكم على هذه الروايات المتعددة ، فيما إذا كانت تصلح للاحتجاج بها ، في خلافنا القائم مع القوم هدانا الله وإياهم سواء السبيل.
الرواية الأولى(/1)
وهي الرواية الأولى المتقدمة عن أبي الحسن الكرخي بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وحاشاه من نسبة هذه الرواية إليه بعد أن تأكدت يا أخي من كذب نسبتها إليه رضي الله عنه وأرضاه.:
"مقتبس من كلام الرفاعي في (التوصّل) 273"
وهذا رابط الموضوع السابق والذي بعنوان:
البروق السنية في كشف أباطيل حديث الأعرابي سنداً وتمناً وقمع أصحاب الاستغاثات الشركية
وكذلك علقنا على الآية التي يحرف معناها بعض أهل البدع ومحبي الاستغاثات الشركية بعنوان:
إتحاف أهل السنة والجماعة بالرد على من استدل على هذه الآية بجواز الاستغاثة
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/3.htm
والله اسأل أن يشرح صدور أصحاب الأهواء للحق ، وأن ينزع من قلوبهم أتباع الأهواء وما عليه الآباء من البدع والانحرافات ، ولا يكونوا ممن قال الله فيهم {إن وجدنا آبائنا على ملة} ، ولا يصدهم الهوى فيكونوا ممن قال الله فيهم: {أفرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على قلبه وسمعه ، وعلى بصره غشاوة ، فمن يهديه من بعد الله ، أفلا تذكرون}
نعم {على علم} يبين له أن ما يستشهد به كذب موضوع ، فتأخذه العزة بالإثم ، وإتباع ما عليه الآباء بأن لا يتزحزح {فمن يهده من بعد الله} لا أحد!{أفلا تذكرون}
الرواية الثانية
أما الرواية الثانية المشهورة (بحديث العتبي) ويحسن بي يا أخي أن أثبت لك نص هذه الرواية كما وردت في كتاب (الشامل) لأبي منصور الصباغ بلا إسناد!!!!إذ لو كان إسنادها جيد لذكره كما سنبين.
نص رواية حديث العتبي
( كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء أعرابي فقال:السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد جئتك مستغفراً لذنبي ، مستشفعاً بك إلى ربي ، ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهن القاع والأكم(/2)
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه …. فيه العفاف وفيه الجود والكرم)
الكلام على متن الرواية
( إن متن هذه الرواية "حديث العتبي" عللاً مشتركة مع الرواية الأولى –رواية أبو الحسن الكرخي- وعللاً أخرى مختلفة ، فما توافق منها أحلناك يا أخي على إجابتنا على مثلها في ما سبق من تحقيق الرواية فارجع إليها إن أعوزك ذلك.أما ما اختلف عنها واضطرب ، عالجناه وناقشناه على ضوء الشريعة المطهرة:
1- تقول الرواية الأولى: "قدم أعرابي بعدما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، فرمى نفسه فوق القبر وحثا على رأسه من ترابه"
بينما تقول "رواية العتبي" : "كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله .. "
فالعتبي هذا:
قال عنه المؤرخون أنه توفي سنة 228هجرية فهل يمكن أن يحضر حادثة وقعت بعدما دفن الرسول بثلاثة أيام؟!! .. فهب أنه عاش مائة سنة ، فيبقى بينه وبين الحادثة انقطاع مائة وعشرين سنة فهل يمكن أن يحضر واقعة حدثت قبل أن يخلقه الله بمائة وعشر سنين؟!!
وهل تصح رواية الواقعة عنه؟!
وعلى كل سوف نأتي عند البحث في سند هذا الحديث ، على تفصيل تام لترجمة العتبي.
2- إن الرواية الأولى ورواية العتبي تتفقان في إيراد لفظ تلاوة الأعرابي للآية الكريمة: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} .
ولقد أجبنا على استدلالهم بهذه الآية الكريمة على جواز التوسل بذوات المخلوقين من أنه في غير محله ، وأنه لا قياس بين حياة الرسول وموته ، فما يمكن أن يفعله في حياته ، قد انقطع بسبب وفاته.فارجع يا أخي إلى معالجة ذلك فيما ذكرناه وعالجناه في الرواية الأولى ، مع العلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في بعض المنافقين ، لا من أجل جواز التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم.(/3)
3- أن رواية العتبي ليس فيها أن الأعرابي رمى نفسه فوق القبر ، وحثا على رأسه من ترابه كما في الرواية الأولى. فهذا اختلاف في اللفظ واضطراب في وصف الحادثة ، فلو كان العتبي حاضراً فيها لوصفها كما وصفت في الرواية الأولى فوقوع هذا الاختلاف والاضطراب بين الروايتين علة طاعنة ومانعة من صحة الحديث والاحتجاج به.
4- قول الأعرابي في الرواية الأولى: "وقد ظلمت نفسي وجئتك مستغفراً" وقول العتبي أن الأعرابي قال: " وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي" ولم يقل فيها: "وقد ظلمت نفسي" .
وفي الرواية الأولى يقول الأعرابي: "وجئتك مستغفراً" وفي رواية العتبي "وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي". إنهما قد ترافقا بين العبارتين المتعلقتين بالمجيء من أجل الاستغفار. وجاءت زيادة في رواية العتبي "مستشفعاً بك إلى ربي" .
وهنا يجب الوقوف عند قول الروايتين "وجئتك مستغفراً" في الرواية الأولى "وجئتك مستغفراً لذنبي" في رواية العتبي فبصرف النظر عن الاختلاف والاضطراب في لفظ الروايتين ؛ إن خطراً كبيراً يهون بجانبه خطر التوسل بذوات المخلوقين ، قد ذر قرنه من قوله "وجئتك مستغفراً" أو "قد جئتك مستغفراً لذنبي" إن الكلام الوارد في كلا الروايتين يوهم –إن لم نقل يؤكد- أن الأعرابي إنما جاء القبر ليستغفر الرسول من ذنبه! بينما الآية التي يستشهدون بها تقول: {ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله} لا فاستغفروك!!! لأن الاستغفار عبادة له تعالى ، فلا يجوز استغفار أحد من المخلوقين .. حتى ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفار رسول الله عبادة له ، والعبادة لا تليق إلا بالله تعالى وحده لا شريك له.إذاً فاستغفار الرسول شرك بالله تعالى.(/4)
أما مراد الآية: فهو المجيء إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإشهاده على استغفارهم الله من الذنب ، ثم الطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله لهم ، وليس فيها قطعاً ذكر المجيء إليه صلى الله عليه وسلم من أجل أن يستغفره هو من الذنب.
5- إن الزيادة الواردة في قول العتبي "مستشفعاً بك إلى ربي" ، هذا طلب لا يجوز توجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. إذا كيف يشفع وهو منقطع العمل بسبب وفاته؟ ثم كيف يشفع ولم يصدر الإذن بالشفاعة من الله تعالى ولن يصدر الإذن إلا يوم القيامة لمن يشاء ويرضى .. وهذه ولا شك عقائد ومعلومات بدهية لا يعذر المسلم في الجهل بها .. فضلاً عن وقوع ذلك في زمن الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس وخاصة أمام على علم شامخ من أعلامهم وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
6- قول الرواية الأولى: "فنودي من القبر [أنه قد غفر له] " بينما يقول العتبي في الرواية الثانية: "ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني .. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: [ يا عتبي إلحق بالأعرابي فبشره أن الله قد غفر له] " .
لا شك يا أخي أنك قد أدركت الفارق بين اللفظين رواية تقول: أن الرسول قد ناداه من القبر "إنه قد غفر له" رواية تقول: أن الرسول أتى العتبي في المنام وأمره أن يلحق بالأعرابي ويبشره بأن الله قد غفر له.
فإذا كان الرسول قد بلغه شفهياً بأن الله قد غفر له فما حاجته بتكليف العتبي أن يبشره مباشرة منه صلى الله عليه وسلم وأما أن يبلغها من العتبي ، أما من الطرفين فيكون من التكرار الذي لا طائل تحته.
وإذا كان من الممكن نداء الرسول للأعرابي وتبليغه مباشرة فلماذا يستعين بالعتبي ويأتيه بالمنام ويستلحقه بالأعرابي ليبشره؟!
أرأيت يا أخي هذا الاضطراب العظيم بين الروايتين مما يؤكد ولا شك أن الروايتين غير صحيحتين بالنسبة لعلل كل منهما.(/5)
على أن واضع هذا الحديث في الرواية الأولى يريد أن يوهم المسلمين إمكانية اتصال النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بأحد من أمته ، بينما هذا مستحيل وقوعه ولو أمكن لكان من الأحرى والأجدى أن يتصل بأمته صلى الله عليه وسلم في حوادث هامة ، لم يُعرف فيها الحق أين هو .. ومع من هو ..؟ وكم كانت تلك الوقائع المؤلمة سبباً لقتل آلاف من الصحابة.
فيا سبحان الله يكلم رسول الله بعد وفاته الأعرابي .. ولا يكلم المسلمين فيما شجر بينهم من المشاكل؟!!! إن مثل هذه العلل في متن الروايتين كافية للحكم على هذا الحديث بالوضع والسقوط.
الكلام على سند هذا الحديث
ليس لرواية حديث العتبي أي سند يستأنس به للحكم بصحة الرواية ، أو اعتلالها ؛ ولكن رأينا بصيصاً من الضوء على ذلك ، وهو:
إنه وإن كان العقد منفرطاً إلى العتبي ، وغير معروف من رواه عنه ، إنما نكتفي بالاستدلال على كذب الحديث ، أو على الأقل على علة الانقطاع فيه ، أن العتبي الذي يروي هذه الرواية عن الأعرابي كشاهد عيان!!! أن بينه وبين الأعرابي انقطاعاً يربو على مائتي سنة تقريباً وإليك البيان:
1- قال زين الدين أبو بكر بن الحسين بن عمر أبو الفخر المراغي المتوفي سنة 816 هجرية في كتابه "تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة" ص 111 في /ترجمة العتبي/ قال: "أسمه محمد بن عبدالله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين" .
2- وقال ابن الأثير في كتابه "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/119:
" والعتبي وهي نسبة إلى عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبدشمس أخي معاوية بن أبي سفيان. وينسب إليه جماعة ، منهم محمد بن عبدالله بن عمر بن معاوية بن عتبة بي أبي سفيان العتبي البصري يكنى أبا عبدالرحمن صاحب أخبار وآداب ، حدث عن أبيه وابن عيينة وروى عنه أبو حاتم السجستاني" .
3- وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان" 1/522-523:(/6)
"أبو عبدالرحمن محمد بن عبدالله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبدالشمس القريشي الأموي المعروف بالعتبي الشاعر البصروي المشهور كان أديباً فاضلاً ، وشاعراً مجيداً وكان يروي الأخبار وأيام العرب … إلى أن قال:روى عن أبيه وعن سفيان بن عيينة ، ولط بن مخنف وروى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي وإسحاق بن محمد النعنعي وغيرهم وقدم بغداد وحدث بها أخذ عنه أهلها … إلى أن قال: وتوفي سنة ثمان وعشرين ومائتين رحمه الله تعالى" .
4- ولعل أحداً من القوم يقول: وما يدريك أن هذا هو العتبي ، المعنى بالرواية عن الأعرابي فأقول:
وإنني أؤكد أنه هو نفسه الذي تزعمون أنه رأى الأعرابي صاحب القصة ودليلنا على ذلك ما حكى عنه المؤرخون وخاصة اعتراف رجل منكم ممن يجوزون التوسل بذوات المخلوقين وهو: الشيخ السبكي مؤلف كتاب "شفاء السقام" الذي رد عليه ابن عبدالهادي في كتابه "الصارم المنكي في الرد على السبكي" قال في ص 136 منه:
" قال السبكي في كتابه /شفاء السقام في زيارة خير الأنام/ العتبي ، وأسمه محمد بن عبدالله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب كان من أفصح الناس رواية للأدب وحدث عن أبيه ، وسفيان بن عيينة توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين يكنّى أبا عبدالرحمن"أهـ .كلام السبكي. وذلك طبعاً بعد أن ذكر حكاية العتبي وروايته عن الأعرابي مستدلاً بها في كتابه على جواز التوسل بذوات المخلوقين.
إذاً فالعتبي الذي تزعمون أنه صاحب الرواية عن الأعرابي ، هو نفسه المترجم له في الكتب المذكورة بشهادة شيخكم السبكي في كتابه /شفاء السقام في زيارة خير الأنام/ [وشهد شاهد من أهلها] بينما في الحقيقة أن العتبي هذا ، تأخر عن العتبي الذي يردون إقحامه في الرواية عن الأعرابي ، بما يربو على المائتي سنة تقريباً ؛ فتأمل!
قال ابن عبدالهادي في كتابه [ الصارم المنكي في الرد على السبكي] :(/7)
"وأما حكاية العتبي التي أشار إليها –أي السبكي- حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين ، وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي ..!!
وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم ، وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي ، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً ، لكان الصحابة والتابعون أعلمَ به وأعملَ به من غيرهم وبالله التوفيق" أهـ ) .
"أنظر "التوصّل" للرفاعي محمد نسيب ص274-279"
وقال المُحدِّث العلامة محمد بشير السهسواني الهندي في "صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان" رداً على استدلال دحلان بحديث العتبي قائلاً:
( أقول: ليست هذه الحكاية مما تقوم به الحجة.
قال في الصارم المنكي: وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي ، وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي ، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ، ثم ذكر نحو ما تقدم.وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره [أتى ذكره في الرابط السابق] .
وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به حجة ، وإسنادها مظلم مختلف ، ولفظها مختلف أيضاً ، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم ، وبالله التوفيق ) .
سؤال يفرض نفسه
وأثناء نقاشنا وبياننا الواضح هناك سؤال يفرض نفسه هل خرجت هذه الحكاية المكذوبة في كتب الحديث المحترمة؟
وهل حين يذكرها هو يحتج بها؟وهل هو يصححها؟
وسؤال آخر هل إذا ذكرت القصة في كتب بعض أهل العلم يعتبر حجة؟
هذه أسئلة كثيرة .. وللإجابة عليها .. أقول:(/8)
يقول عبدالله بن علي في "الصراع" بعد أن ذكر الخلاف في الراوي:
( .. ولكن لا يوجد شيء من ذلك إسناد ينظر إليه ، ولم تخرج كتب الحديث المحترمة ، ولم يصححها أو يحسنها أحد من أهل العلم والدراية.
وإنما يذكرها بصيغة التمريض ، فيقولون:يروى عن العتبي كذا.
ومثل هذا لا يقول أحد من أهل العلم:إنه يجوز للاحتجاج به.
فالحكاية باطلة من الأساس.
ولو فرض أنها صحيحة الإسناد لما دلت على شيء مما يذهبون إليه.
وذلك أن هذا فعل أعرابي من نكرات الأعراب ، والأعراب ليسوا حججاً في دين الله.
ولو أن العتبي نفسه الذي شهرت عنه الحكاية فعل ذلك لما كان فعله حجة ولا مقبولاً ، فكيف بفعل أعرابي يروي عن العتبي والعتبي ليس معروفاً بالحديث ولا بالدين. وقد ذكر الخطيب البغدادي في التاريخ وقال عنه: "كان صاحب أخبار ورواية للآداب ، وكان من أفصح الناس .." ولم يذكره بتزكية ولا بتوثيق ولا بحديث ، وإنما ذكره بالشعر وروايته.وقال بلغني أنه مات سنة 228."
أما الإجابة على السؤال الثاني فيقول عبدالله بن علي في "الصراع":
(وذكرها شيخ الإسلام [كما سيأتي في الإجابة على السؤال الثالث] ابن تيمية في مواضع من كتبه ، وقال:إنها لا تعرف إلا عن هذا الأعرابي.
قال:وبها احتج من احتج من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد.(/9)
وهذا صحيح فإن صاحب "المغني" وصاحب "الشرح الكبير" الحنبليين ، وهما من كبار الفقهاء ، حينما ذكرا هذا ذكراه عن العتبي عن الأعرابي. ولم يذكرا شيئاً عن ذلك عن مالك رضي الله عنه [وقد بينا كذب القصة على الإمام مالك رحمه الله مع أبي جعفر المنصور رحمه الله] ولو كانت الرواية محفوظة عندهما عن مالك لأسنداها إليه واحتجا بها ، ولكان هذا أفضل من الاحتجاج بفعل ذلك الأعرابي المجهول.ولكن هذا يدل على أنهم ما كانوا يعرفون شيئاً من هذا النوع عن أمثال مالك ثم هم يذكرون الرواية على وجه التوهين ، لا يذكرون لها سنداً ولا يصححونها ، ولا يقولون فيها غير: " يروى عن العتبي" مثلاً فهم لا يعرفون لها سنداً ، ولا يعرفون لها صحة أو ثبوتاً ، وإنما يسوقونها معللة موهنة مرسلة) .
وللإجابة على السؤال الثالث وهو هل حين يذكرها أحد أهل العلم تكون بذكره حجة؟!
فندع الإجابة الشافية لشيخ الإسلام في مصنف "قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق" تحقيق سليمان الغصن ص 111-114:(/10)
( وهكذا أهل الزيارات البدعية ، منهم من يطلب من المزور دعاءه وسؤاله لربه ، واستغفاره واستنصاره ،ودعاءه له بالرزق ، وشفاعته ، ونحو ذلك ، وهذا وإن كان قد ذكر بعضه طائفة من العلماء ، وجعلوا قوله: {ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفروا لهمُ الرسولُ لوجدوا الله تواباً رحيماً} يتناول من يأتيه بعد الموت ، فيطلب منه الاستغفار له ، كما كان أصحابه يطلبون منه الاستغفار في حياته ، وذكروا في ذلك حكاية لبعض الأعراب ، ومناماً رآه العتبي ، وقيل:بل رآه محمد بن حرب الهلالي ، وهم مختلفون في الشعر المذكور فيها ، فجمهور الأئمة لم يستحبوا ذلك ، وإنما ذكره بعض أصحابهم ، ولم يكن الصحابة يفعلون مثل هذا ، ولا هو أيضاً معروف عن التابعين ، ومعلوم أن كل واحد من المسلمين يطلب من مغفرة الله ، وهو مأمور بالاستغفار ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا الله ، قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
وفي حديث الاستفتاح الذي في الصحيح عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) رواه مسلم .(/11)
وفي حديث ركوب الدابة الذي رواه أهل السنن عن علي بن أبي طالب أيضاً ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أُتي بدابة ليركبها إذا وضع رجله في الركاب قال: ((بسم الله)) ثم إذا استوى على ظهرها قال: ((الحمد لله)) ثلاثاً.ثم قال {سبحان الذي سخر لنا هذا وما ما كنا له مقرنين ، وإنَّا إلى ربنا لمنقلبون} ثم يكبر ثلاثاً ، ويحمد ثلاثاً ، ثم يقول: (( لا إله إلا أنت)) ثم يضحك ويقول: ((ألا تسألوني مم ضحكت؟ إن الرب ليعجب إذا قال عبده اغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، يقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا)) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وكان أصحابه في حياته يأتيه أحدهم فيطلب منه أن يستغفر له كثيراً ، وقد قال تعالى في المنافقين: {وإذا قيلَ لهم تَعَالَوْا يستغفرْ لكم رسول الله لَوَّوْا رؤوسهم ورأيتهم يصدُّون وهم مستكبرون ، سواء عليهم أستغفرتَ لهم أم لم تستغفرْ لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} .
وقد قال تعالى في حق غير المنافقين: {فاعف عنهم واستغفرْ لهم وشاورهم في الأمر} .
وقال تعالى: {واستغفرْ لذنبكَ وللمؤمنينَ والمؤمنات} ، وقال: {ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسَهُم جاؤوك فاستغفروا اللهَ واستغفر لهم الرسولُ لوجدوا الله تواباً رحيماً} .
والمؤمنون شرع لهم أن يستغفر بعضهم لبعض ، وكان الصحابة أيضاً يستغفرون للرسول ، ففي الحديث الصحيح أن الأنصار قالوا: يغفر الله لرسول الله ، يعطى صناديد نجد ويدعنا.[رواه بنحوه البخاري في كتاب المغازي] .
وفي الحديث الآخر ، أن عبدالله سرجس قال غفر الله لك يا رسول الله .فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولك)) فقالوا:استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ((ولكم)) ثم قرأ قوله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}(/12)
فلما مات لم يكن أصحابه يأتون قبره فيقولون:استغفر لنا. كما كانوا يأتونه في حياته ، وكذلك لما أجدبوا لم يأتوا إلى قبره فقالوا ادع الله لنا. كما كانوا في حياته إذا أجدبوا أتوا إليه فقالوا:ادع الله لنا ؛ بل كانوا هم يدعون الله ، ويستسقون تارة بالعباس ، وتارة بيزيد بن الأسود الجرشي ، فيقولون له: ادع لنا،ويقولون: اللهم إنا نتوسل إليك به ، أي بدعائه وشفاعته ، وكثيراً من الأوقات لا يستسقون الله بأحد ؛ بل يدعون الله تعالى.
وكذلك الاستنصار ، كانوا في حياته يقولون: يا رسول الله ، ألا تدعوا لنا ، ألا تستنصر لنا؟ وأما بعد وفاته فلم يكونوا يفعلون ذلك ؛ بل كانوا هم يدعون الله تعالى ، ويستنصرونه ، يعتدّون به ، وكان عمر لما غزا النصارى يقنت عليهم في الصلاة ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت على الكفار ، وكان عمر يدعو بدعاء يناسب ذلك فيقول: اللهم عذب كفرة أهل الكتاب ، الذين يصدون عن سبيلك ، ويبدلون دينك ، ويكذبون رسلك .[رواه أحمد مرفوعاً]
ونحو ذلك ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت يدعو للمؤمنين ، ويلعن الكفار ، ويدعو بدعاء يناسب ذلك مثل قوله: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين)) رواه البخاري،ومسلم واللفظ لمسلم.
وكذلك لما استسقى عمر بالعباس قال:اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون.رواه البخاري في صحيحه.
وكان توسلهم في حياته توسلاً بدعائه ، وشفاعته ، واستسقائه لهم ، فلما مات لم يطلبوا ذلك منه بعد موته ، ولا قالوا: ادع لنا ؛ بل توسلوا بدعاء العباس) .
ووقفتنا القادمة في الإتمام للكلام المحتوي، لضعف بقية روايات الأعرابي، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة(/13)
الشيخ الألباني يتحدى أحد شيوخ الصوفية
يروي لنا الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله فيقول:
والشيخ-رحمه الله-كان له مناظرات ومناظرات جميلة ولا يعرف واحد يناظر مثله في هذا الزمن ولو قلت ختمت المناظرات بالألباني ما كان بعيداً مناظراته بعضها مسجل جاء إلى مكان الدروس
في دار ناصر الترمانيني في حلب، ورجل صوفي يقول والألباني موجود يقول أنتم تسبون الصوفية،أنا من أهل الله وأعطيكم البراهين،وإذا كنتم من أهل الحق افعلوا مثلي،أنا سأدخل السكين من الجانب الأيمن وأخرجه من الجانب الأيسر ولا ينزل مني قطرة دم واحدة،
فقال الشيخ الألباني:ما بدنا سيكن بدنا دبوس،أعطينا الدبوس وأنا سأدخله بيدي في وجنتك،
فقال:لا بيدي أنا،
قال الشيخ:أنت من أهل الله لا تفرق بيد من،أنت من أهل الله،
فرفض وانهزم وخزي وانصرف،
وقال له وهو ذاهب قول للشيخ:السلفيُّ لا يمكن أن تضحك عليه ، هذه خدع هم يتمرنون على أشياء أو يدخلونها في أماكن معينة مهما كان أهل الضلال ولو رأيت الساحر يمشي على الماء أو يطير في الهواء فهر ساحر وضال ولا يمكن أن تصدق أنه من أولياء الله .
...
نقلاً عن الشيخ محمد صالح المنجد -حفظه الله-(/1)
العلامة الفوزان يرد على صوفي الكويت محمد عبدالغفار الشريف
---
بسم الله الرحمن الرحيم
العلامة الفوزان يرد
على
صوفي الكويت محمد عبدالغفار الشريف
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فقد خرج أحد الصوفية لدينا في الكويت - وهو المدعو محمد عبدالغفار الشريف الأمين العام للأمانة العامة لوزارة الأوقاف - في لقاء تلفزيوني في قناة الكويت في برنامج " الحياة عبادة " وعنوان الحلقة " الاحتفالات في المنظور الإسلامي " وكان ذلك قبل بضعة أسابيع.
وظهر جلياً في هذا البرنامج قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزعهُ مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا )) متفق عليه, إذ تجرَّأ وأفتى فيه بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي, وسخر فيه بعلماء السنة فقال إن الفتاوى المتشددة لا تخرج إلا من مجتمع منغلق يغلب عليه طابع البداوة, إلى غير ذلك من الهراء الذي تفوه به.
فقام أحد الإخوة مشكوراً بتدوين أهم هذه العبارات وإرسالها لفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله وأطال في عمره على طاعته – ليطَّلعَ عليها ويردَّ عليها بما فتح الله عليه من العلم النافع.
وهذا تفريغ لورقتي السؤال والجواب:
ورقة السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
لعناية الشيخ الفاضل / صالح بن فوزان الفوزان عسَّله الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد,,,
فهذه بعض أهم العبارات الخطيرة التي أوردها المدعو / عبد الغفار الشريف ( الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت سابقا ) في لقاءه التلفزيوني في برنامج " الحياة عبادة " وهي كالتالي:(/1)
1- أن الله احتفل بولادة النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك أنه يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين كما في الحديث الصحيح.
2- الاحتفال بالمولد له أصول شرعية كسجود الشكر, وليس هناك نعمة أعظم من نعمة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم.
3- صيام الاثنين احتفال من النبي صلى الله عليه وسلم.
4- مناسبات المولد حفظت على المسلمين دينهم.
5- يجب أن نحيي هذه المناسبات
6- القياس مفتوح
7- ابن تيمية يقول: " من احتفل حباًّ في النبي صلى الله عليه وسلم فهو مأجور ".
8- لاحظ أنَّ مثل هذه الفتاوى لا تخرج إلا من مجتمع منغلق يغلب عليه طابع البداوة, وأن الفتاوى التي فيها أريحية تخرج من مجتمع متحضر حضاري.
9- الصحابة ما كسروا الأصنام مثل أبي الهول في مصر, والنبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على مدائن صالح ولم يكسر أصنامهم.
10- إذا كان الذي يطوف حول القبر يعبد القبر فالذي يطوف حول الكعبة بعبد الكعبة.
ملاحظة: نودُّ من فضيلتكم بيان هذه الأخطاء العقدية والبدعية التي ذكرها المذكور أعلاه لكي تتضح الرؤيا لعوام المسلمين فضلاً لا أمراً.
قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ))
وجزاكم الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد الراشد
هاتف: *******00965
فاكس: *******00965
-يوجد شريط فيديو مسجل للقاء التلفزيوني لبرنامج " الحياة عبادة " فإن وددتم اقتناء نسخة فأشعرونا بذلك.
جواب الشيخ حفظه الله:
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:(/2)
1- لم يرد أن الله يخفف العذاب على أبي لهب, وإنما الذي وَرَدَ أنَّه يمص أصبعه ويجد شيئاً من اللذة أو الغذاء في مقابل إرضاع مولاته لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا من باب المكافأة للكافر على إحسانه كما قال تعالى: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )).
2- سجود الشكر سنة ثبتت بدليل, والاحتفال بالمولد بدعة لا دليل عليها, فهذا قياس مع الفارق.
3- الصيام عبادة وليس احتفالا, والرسول صلى الله عليه وسلم صام الاثنين ولم يحدث فيه احتفالا بالمولد.
4- الذي يحفظ على المسلمين دينهم هو التمسك بالسنة, وأما البدع فإنها تضيع الدين كما في الأثر: " ما أحدث قومٌ بدعة إلا رُفع مثلها من السنة ".
5- بل يحرم أن نحيي المناسبات البدعية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( وإياكم ومحدثات الأمور )).
6- المفتوح هو القياس الصحيح لا القياس الباطل فإنه ممنوع, كقياس إبليس حينما قال: ((قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ )).
7- معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ الإنسان يُؤجر على نيته الصالحة لا على البدعة, فإنه يأثم بفعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )).
8- الفتاوى الصحيحة هي التي تخرج من المجتمع المتمسك بدينه, وأما الفتاوى الباطلة فإنها تخرج من مجتمع همجي منغلق عن الخير وقبول الحق.
9- الصحابة لم يكسروا هذه الأشياء لأنها جبال ومَبانٍ وبيوت للسكنى, ولم تُبنَ للشرك والعبادة.(/3)
10- الطواف حول الكعبة عبادة لله أمر الله بها وليست عبادة للبيت, وأما الطواف بالقبر فإن قصدَ به عبادةَ الله فهو بدعة لأن الله لم يأمر به وهو وسيلة من وسائل الشرك, فما ذكره هذا القائل قياس باطل, وإن كان المقصود بالطواف حول القبر التقرب إلى الميت فهو شرك أكبر.
كتبه: صالح بن فوزان الفوزان(/4)
القول الرصين في بيان كذب المدعين الدس في كتب بن عربي اللعين
---
الحمد الله حمدا لا ينفد و اصلي واسلم على النبي احمد و على آله وصحبه و من تعبد ثم اما بعد ....
ما أن تواجه صوفي بكلام أهل الحلول و الاتحاد الكافرين برب البريات او احد خوارق الكرامات التي تضج بالشطحات إلا و تجده سرعان ما يلجأ إلى التؤيلات فإن لم يكن هنالك وجه لها فهي إذا من المدسوسات و من سابع المستحيلات أن تنسب إلى الصوفيات دون دليل من الملموسات او حتى برهان من العقليات وما عليك أيها المحاور إلاأن تقبلها كنوع من العنتريات .
و الذي جرني لسياق هذا الموضوع ما قام به العضو المسمى بن الشيخ طلحة - في منتدى الصوفية - من إدعاه الدس في كتب بن عربي اللعين دون دليل و عندما سأل عن الدليل هاج وماج واربد و ارعد وادعى انه نُصح بأن لا ينقاش السلفيين لانهم متعصبين فبالله عليكم اي نوع من البشر نحاور و اي نوع من المذاهب نناظر إلا فليتقى الله هؤلاء الصوفية وليضعوا اعتبارا لعقولنا فإنا لم نلغها بعد أو نعطها إجازة مفتوحة كما فعلو هم حين فوضو امورهم لشيوخهم فلا نكير او حتى زفير .
وبالرغم من ان العرف يحتم أن البينة على من ادعى و بالرغم من انه قد تواترت نسبة ابن عربي إلى الكفر تواتراً معنوياً وشيوع ذلك على ألسنة المؤمنين الصادقين وإذا كان الله - سبحانه وتعالى- حكم بالكفر في كتابه الكريم على من قال إن الله هو المسيح فلم لا يحكم المسلمون على قطب مذهب وحدة الوجود وهو يقول :" الله عين كل شيء" و قطعا لدابر الانكار فسأتنزل و اسوق دليلين لا قدرة لهؤلاء المتصوفة في ردهما بإذن الله ولو استعانو بسحرتهم و كهنتهم الذين يسمونهم اولياء .(/1)
هذان الدليلان ساقهما الشيخ عبدالقادر السندي في رده على الصوفي محمود الغراب - بعد أن نقل كلام ابن المقرئ المغربي من كتاب طبقات الصوفية للمناوي الذي ادعى فيه الدس على ابن عربي - : ( ثبت عن ابن عربي مقالاته تلك الكفرية بأمرين معروفين قد خفيا على ابن المقرئ والمناوي وابن العماد وغيرهم ؛ وهما :
1- سماع الثقات المعاصرين ومشاهدتهم لابن عربي الضال الملحد ..
2- ووجود خطه بيده ، وقد خط وحرر بخط يده الكفر الغليظ والنفاق المبين ، والشرك الأكبر ، وتحريمه الحلال وتحليله المحرم ... ) . ( 2/209باختصار) .
أما بالنسبة لسماع المعاصرين فمن ذلك ما نقله الشوكاني في الصوارم عن العز بن عبد السلام :
"وقال الفقيه أبو محمد ابن عبدالسلام لما قدم من القاهرة وسألوه عن ابن عربي ؛ فقال: شيخ سوء معتوه ، يقول بقدم العالم ، ولا يحرم فرجاً"
و من ذلك أيضا ما قاله الشيخ إبراهيم الجعبري : "رأيت ابن عربي شيخاً مخضوب اللحية وهو شيخ نجس يكفر بكل كتاب أنزله الله وكل شيء أرسله الله". مجموعة الرسائل والمسائل " لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/85) .
و غيرهم و غيرهم .
أما فيما يخص النقطة الثانية فقد اتى الشيخ علي الطنطاوي بالخبر اليقين والقول القاطع عندما تعرض في فتاواه للصوفي السابق " محمود الغراب " الذي ادعى أن الطنطاوي لايعرف شيئا عن ابن عربي ! فقال الشيخ ردًا عليه :(/2)
( أما قوله في الرسالة من أنني لا أعرف شيئًا عن ابن عربي وعن عقيدة وحدة الوجود ؛ فأخبره - و لافخر في ذلك - أن الذي جلب كتاب الفتوحات من قونيا ونقله من النسخة المكتوبة بخط ابن عربي نفسه ، المحفوظة الآن في قونية ، هو جدنا الذي قدم من طنطا إلى دمشق سنة 1250هـ ، فإن كان أخطأ في ذلك فأسأل الله المغفرة له ، وإنني قابلت مع عمي الشيخ عبدالقادر الطنطاوي نسخة الفتوحات المطبوعة على هذا الأصل المنقول صفحة صفحة ) . ( انظر فتاوى الطنطاوي : ص 79- 80 ) - نقلا عن احد مواضيع الشيخ سليمان آل خراشي .
فيا صوفية ماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ....
فائدة بعض العلماء الذين كفرو بن عربي
العز بن عبد السلام ، وابن الجزري ، وبدر الدين العيني ، وابن البخاري ، و القسطلاني ، وأبو حيان الأندلسي ، وشرف الدين الزواوي المالكي ، والبكري الشافعي، والبالسي ، وابن النقاش، وشمس الدين البساطي قاضي مصر ، وسراج الدين البلقيني، والحافظ الذهبي، و بن خلدون ، وابن الخياط الشافعي، وشهاب الدين الناشري، وشرف الدين ابن المقرئ الشافعي، و الحافظ العراقي وغيرهم كثير.
و الله من وراء القصد .(/3)
الوجوه الأول في بطلان الاستدلال بآية {ولو أنهم إذ ظلموا ..} على شد الرحال للقبر
أبو عمر الدوسري (المنهج)
هذه الآية عادة ما ترى أهل الأهواء يرددونها في الاحتجاج لباطلهم ، ومن أهل الأهواء الرافضة والقبورية وغيرهم من دعاة الشرك ..
وقد استدل بهذه الآية أحد المشركين من الرافضة فسل أحد أبناء الصعيد عبدالله بن علي قلمه وألف "الصراع بين الإسلام والوثنية" ومن ضمن وقفات وقفته مع هذه الآية وبين عشرة أوجه في بطلان استدلالاتهم فإلى هذه الوقفات.. والعناوين من عند مخرج الكتاب..(/1)
قال عند وقفته عند قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً}:
بطلان الاحتجاج بالآية على إتيان القبر
( وأيضاً فالآية لا يمكن أن تدل على طلب المجيء إلى القبر لأمور كثيرة:
الوجه الأول
أول هذه الأمور أن الآية تطلب إلى المعنيين بها أن يجيئوا الرسول عليه السلام ، وتذمهم إذ لم يأتوه ، وهذا واضح ؛ ولكن بعد موته عليه السلام لا يستطاع إتيانه ولا يمكن ، ولا يقدر أحد عليه ، فلا يمكن أن يؤمر به ، وإنما يستطاع إتيان مسجده ، وإتيان الحجرة التي تضم رفاته ، ومن أتى مسجد النبي وحجرته والمكان الذي دفن فيه لم يقل: إنه أتى النبي ولا أنه جاءه لا شرعاً ولا لغة ، فإن مجيء الشيء ، حقيقة ، هو مجيء ذاته ومجيء شخصه ، لا مجيء ما يتصل به وما يضاف إليه من قبر ومكان ودار ..
زيارة القبر ليست زيارة لصاحبه(/2)
ولهذا فإن الزائرين للمقابر لا يقال: إنهم زاروا أهلها حقيقة ،أو إنهم أتوهم حقيقة ، فمن زار قبر والده لا يصدق أنه زار والده حقيقة بالإجماع والضرورة.
ولهذا جاء في الأحاديث الصحاح إضافة الزيارة إلى المقابر لا إلى الأموات المقبورين ،
فجاء قوله عليه السلام: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ، فإنها تذكركم الآخرة))
وجاء قوله عليه السلام: ((لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج))
وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال: ((استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: أتى النبي المقبرة فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون))
وفي صحيح مسلم أيضاً عن بريدة قال:كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا وبكم العافية))
وعن عبدالله بن مليكة قال: أقبلت عائشة ذات يوم من المقابر فقلت لها:يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبدالرحمن،قلت لها:أليس نهى رسول الله عن زيارة القبور؟ قالت:نعم،كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها.رواه الأثرم في سننه.
وفي الحديث الذي يستدل به هؤلاء المخالفون عن عبدالله بت عمر عن رسول الله قال: ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)) رواه الدارقطني والبيهقي،وهو حديث باطل ضعيف.
وقال الله في كتابه {إلهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر}.
وقال تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ، ولا تقم على قبره}.
والأخبار في زيارة القبور لا إلى المقبورين كثيرة معلومة متواترة.
والعلماء يبوبون لذلك فيقولون مثلاً "باب زيارة القبور" أو "باب زيارة القبر النبوي" ونحو ذلك.(/3)
وهذا لأنهم لا يختلفون في أن من زار القبر لا يقال له:إنه زار الأموات.
وفي هاتين الآيتين وفي الأحاديث التي ذكرناها قد أضاف الله وأضاف رسوله الزيارة إلى المقابر ، ولم تضف في شيء من ذلك إلى الأموات ، ولم يأت شيء من هذا إلا أن يكون متجوزاً فيه متوسعاً ، وهذا لأن زيارة قبور الموتى ليست في الحقيقة زيارة لهم بالإجماع.
فزيارة الميت ليست ممكنة ، وإنما تمكن زيارة قبره فقط
إتيان النبي بعد موته غير ممكن
وامتناع زيارة النبي بعد موته أظهر من امتناع زيارة غيره من الموتى كما تقدم ، فإن غير تمكن زيارة قبره لأنه ظاهر موصول إليه.
أما قبر النبي عليه الصلاة والسلام فلا يمكن الوصول إليه ولا زيارته حقيقة ، لأنه محاط بالحجرة المسدود عليه ، ولأن الحجرة محاطة بالجدار البراني الذي أقيم عليه وسورت به.
فزيارة الأموات غير ممكنة وإنما تمكن زيارتهم فزيارة النبي عليه السلام خاصة غير ممكنة ، فإتيانه إذن غير ممكن.
وإذا كان إتيانه غير ممكن فلا يمكن أن يطلب من الناس ما ليس ممكناً ، وإذا لم يصح أن يطلب منهم لم يصح أن يكون قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} الآية .. أمراً بالمجيء إلى هذا الذي لا يستطاع ، ولا حضاً عليه بالبداهة والإجماع.
فبطل الاستدلال بالآية على استحباب مجيء القبر.
ولعل الله أن يسهل لنا إكمال الوجه التسعة المتبقية، وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/4)
بناء مسجد على قبر أبي بصير الصحابي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يستدل الصوفية لبدعتهم في البناء على القبور برواية جاءت أن أبا جندل الصحابي قد بنى مسجداً على قبر أبي بصير الصحابي ـ رضي الله عنهما ـ على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد روى موسى بن عقبة كما في "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/1613-1614)، و"الاكتفاء" للكلاعي (2/184)، و"تاريخ الإسلام" للذهبي (2/400)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/351).
ومن طريق موسى بن عقبة أخرج البيهقي في "دلائل النبوة" (4/172- 175) فقال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتَّاب العَبْدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة.(/1)
(ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: حدثنا جَدِّي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فُلَيح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب - وهذا لفظ حديث القطان -، قال: ولما رجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة انفلت رجل من أهل الإسلام من ثقيف يقال له: أبو بصير بن أسيد بن جارية الثقفي من المشركين...، فذكر قصة أبي جندل وأبي بصير -رضي الله عنهما- المشهورة، وكيف قتل أبو بصير أحد الرجلين اللذين أخذاه من النبي – صلى الله عليه وسلم-، ثم خرج حتى أتى سيف البحر، وكيف انفلت أبو جندل بن سهيل من قريش، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فما سمعوا بِعِيرٍ خرجت لقريشٍ إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- تناشده أن يرسل إلى أبي بصير وأصحابه...، وفي آخره قال: "وكتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى أبي جندل وأبي بصير يأمرهم أن يقدموا عليه، ويأمر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يعترضوا لأحدٍ مرَّ بهم من قريشٍ وعيرانها، فقدم كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- زعموا -على أبي جندل وأبي بصير، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدًا".
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (25/299-300) من طريق البيهقي السابق، ومن طريق الخطيب البغدادي، عن أبي الحسين بن الفضل القطان شيخ البيهقي ، به.
والشاهد من هذه القصة: قوله: "وجعل عند قبره مسجدًا".
وهذا ليس فيه دلالة على جواز بناء المساجد على القبور؛ لأمرين:(/2)
الأول: أن هناك فرقًا بين قوله: «على قبره»، وقوله: «عند قبره»، فالمنهي عنه هو: «بناء المساجد على القبور»، وليس «عند القبور» ؛ لما جاء في حديث عائشة – رضي الله عنها-: أن أم حبيبة وأم سلمة – رضي الله عنها- ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة". أخرجه البخاري (427)، ومسلم (528).
ومن المعلوم أن قبر النبي – صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه -رضي الله عنهما- عند مسجده، ولو كان ذلك غير جائز لما قُبِروا هناك، فكان الأولى بهذا الْمُسْتَدِلِّ أن يستدِلَّ بهذا الذي هو أقوى وأصرح !!
ولكن الذي يظهر لي أنه وقع على خطأ جاء في الموضع السابق من "الاستيعاب" لابن عبد البر، فإن اللفظ عنده هناك جاء هكذا: «فدفنه أبو جندل مكانه، وصلى عليه، وبنى على قبره مسجدًا».
وطريقة أهل السنة في مثل هذه المواضع أنهم يأخذون بالمحكم، ويردون إليه المتشابه، فقد نقل هذا النص عن موسى بن عقبة عدد من أهل العلم، وكلهم قالوا: «عند قبره»، ومنهم الكلاعي، والذهبي، وابن حجر، وكذا رواه عنه البيهقي وابن عساكر بإسناديهما كما سبق، ولم أجد من ذكر أن موسى بن عقبة قال في روايته: «على قبره»، سوى ما جاء في كتاب ابن عبد البر، وهذا يحتمل أن يكون خطأً من الطباعة، فلا بُدَّ من مراجعة نسخ الكتاب الخطِّيَّة، فإن وجد فيها كذلك فلَعَلَّه تصحيف من النُّسَّاخ، وربما كان من ابن عبد البر نفسه ؛ فإنه ليس معصومًا من الزلل، وقد ذكر هو في "كتاب الاستذكار" (1/521): حديث سهو النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، ثم قال: «وفي هذا الحديث بيانُ أن أحدًا لا يسلم من الوهم والنسيان؛ لأنه إذا اعتَرَى ذلك الأنبياء، فغيرُهم بذلك أحرى».(/3)
ونبَّه في "كتاب التمهيد" (1/366) على خطأ وقع فيه ابن شهاب الزهري بقوله: «لا أعلم أحدًا من أهل العلم والحديث المصنِّفين فيه عوَّل على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين ؛ لاضطرابه فيه، وأنه لم يُتِمَّ له إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحدٌ، والكمال ليس لمخلوق، وكلُّ أحد يؤخذ من قوله ويُترَك، إلا النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم-».
الأمر الثاني: أن موسى بن عقبة رواه عن الزهري مرسلاً، والمرسل ضعيف كما هو مقرر عند أهل الحديث، فلا تقوم بهذه الرواية حجة.
ويزداد ضعف هذه الرواية بكونها من مراسيل ابن شهاب الزهري، فإنها رديئة عند طائفة من أهل العلم بالحديث.
قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص3): "حدثنا أحمد بن سنان ؛ قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا، ويقول: هو بمنزلة الريح".
وقال أيضًا: «قرئ على عباس الدوري، عن يحيى بن معين قال: مراسيل الزهري ليس بشيء».
وروى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (55/368) عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد قال: سمعت يحيى بن سعيد [ يعني: القطان ] يقول: « مرسل الزهري شرٌّ من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ، وكلما قدر أن يُسَمِّيَ سَمَّى، وإنما يترك من لا يحسن أو يستجيز أن يُسَمِّيَه».
وروى أيضًا هو والخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص386) من طريق أحمد بن أبي شريح الرازي، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي الذَّابَّ عن أهل السنة، والمنكر على أهل البدعة - رضوان الله عليه ورحمته - يقول: «إرسال الزهري عندنا ليس بشيء، وذلك أنَّا نجده يروي عن سليمان بن أرقم».
وفي لفظ؛ قال: سمعت الشافعي يقول: «يقولون: نُحابي، ولو حابَيْنا لحابينا الزهري! وإرسال الزهري ليس بشيء، وذاك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم».(/4)
وسليمان بن أرقم هذا متروك الحديث، كما قال أبو داود وأبو حاتم والترمذي وأبو أحمد الحاكم والدارقطني وغيرهم، وقال البخاري: تركوه. انظر "تهذيب التهذيب" (4/148).
وروى ابن عساكر أيضًا (55/369) عن علي بن المديني ويعقوب بن شيبة أنهما قالا: «مرسلات الزهري رديئة».
ولما أورد الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (5/339) بعض هذه الأقوال ؛ قال: «قلت: مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه، ولما عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم-، ومن عَدَّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لم يَدْرِ ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه».(/5)
هذا، وقد روى البخاري في "صحيحه" (2731 و2732) أصل قصة أبي بصير وأبي جندل ومن معهم رضي الله عنهم، ولم يذكر هذه اللفظة أصلاً، لا بلفظ «عند قبره»، ولا غيره، ورواه متصلاً، فقال: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق. أخبرنا معمر، قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان - يُصَدِّقُ كُلُّ واحد منهما حديثَ صاحبه - قالا: خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية...، فذكر حديث صلح الحديبية بطوله، وفيه قصة أبي جندل وأبي بصير -رضي الله عنهما- المشهورة، وكيف قتل أبو بصير أحد الرجلين اللذين أخذاه من النبي – صلى الله عليه وسلم-، ثم خرج حتى أتى سيف البحر، وكيف انفلت أبو جندل بن سهيل من قريش، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فما سمعوا بِعِيرٍ خرجت لقريشٍ إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- تناشده بالله والرحم أن يرسل إلى أبي بصير وأصحابه: فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم- إليهم، فأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} حتى بلغ: {الحمية حمية الجاهلية} [الفتح: 26]، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
هكذا رويت هذه القصة بالإسناد المتصل، ولم تذكر فيها وفاة أبي بصير -رضي الله عنه- ولا أنه بني على قبره مسجد.(/6)
ثم إن البخاري روى الحديث (2733) عقب هذه الرواية تعليقًا، فقال: وقال عقيل عن الزهري. قال عروة: فأخبرتني عائشة: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يمتحنهن، وبلغنا أنه لما أنزل الله تعالى أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر: أن عمر طلق امرأتين. وما نعلم أحدًا من المهاجرات ارتدَّت بعد إيمانها، وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا مهاجرًا في المدَّة، فكتب الأخنس بن شريق إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- يسأله أبا بصير، فذكر الحديث. اهـ، وانظر (4182).
وأوضح الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (5/351) مراد البخاري بصنيعه هذا فقال: «قوله: "قال عقيل، عن الزهري" تقدم موصولاً بتمامه في أول الشروط. وأراد المصنف بإيراده: بيان ما وقع في رواية معمر من الإدراج. قوله: "وبلغنا" هو مقول الزهري، وصله ابن مردويه في تفسيره من طريق عقيل. وقوله: "وبلغنا أن أبا بصير..." إلخ، هو من قول الزهري أيضًا، والمراد به: أن قصة أبي بصير في رواية عقيل من مرسل الزهري، وفي رواية معمر موصولة إلى المسور، لكن قد تابع معمرًا على وصلها ابن إسحاق كما تقدَّم، وتابع عقيلاً الأوزاعي على إرسالها، فلعل الزهري كان يرسلها تارة، ويوصلها أخرى، والله أعلم». وانظر "فتح الباري" (7/455) أيضًا.(/7)
وبالنظر إلى هذا المتن الوارد في القصة تظهر عليه علة قادحة وهي: "وكتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى أبي جندل وأبي بصير يأمرهم أن يقدموا عليه، ويأمر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يعترضوا لأحدٍ مرَّ بهم من قريشٍ وعيرانها، فقدم كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على أبي جندل وأبي بصير، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدًا". فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا جندل وأبا بصير بالقدوم عليه وأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يعترضوا لأحدٍ مرَّ بهم من قريشٍ وعيرانها" فلمن بنى أبو جندل المسجد والجميع سوف يغادر المكان؟
ألا يقدح هذا النظر في القصة من ناحية مضمون المتن إضافة إلى ما تقدم من القدح من ناحية السند .!!
ثم إن بناء المسجد يحتاج إلى وقت ولا شك أن المسلمين القاطنين في هذا المكان كانوا تواقين للرجوع إلى أهليهم بعد هذه الغربة فما الذي يجعلهم يتأخرون ليبنوا مسجدا لن يصلوا فيه؟
وخلاصة ما تقدَّم: أنه لم يثبت في شيء من طرق هذا الحديث الصحيحة ذكر وفاة أبي بصير – واسمه: عُتْبَة بن أَسيد بن جارية - رضي الله عنه بسيف البحر، وأنه بُني عند قبره مسجد، وورد في طريق مرسلة ضعيفة أرسلها الزهري – وانفرد بها عن الزهري موسى بن عقبة -: «فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدًا»، وهذه اللفظة لو ثبتت لم يكن فيها حُجَّة، فالمنهي عنه هو: «بناء المساجد على القبور»، وليس «عند القبور»، فكيف وهي لم تثبت ؟!!
وكيف وقد وجد ما يخالفها من النصوص الصحيحة الصريحة كما تقدم.
والله أعلم.
بتصرف وزيادة.
د. سعد بن عبد الله الحميد(/8)
تَبَرُّكُ الشَّافِعِيِّ بِقَبْرِ أَبِي حَنِيفَةَ
إن مما لا شك فيه أن منهجَ أهلِ السنةِ والجماعةِ هو المنهجُ الحقُ الذي ارتضاهُ اللهُ لعبادهِ ، ولذا وجه أعداءُ أهلِ السنةِ والجماعةِ من المبتدعةِ وغيرِهم سهامهم للنيلِ منه ومن رموزهِ من العلماءِ والدعاةِ إلى اللهِ ، ورميهم بأبشعِ الألقابِ ، وقد نال أئمةُ المذاهبِ الأربعةِ - أبو حنيفةَ ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل - نصيباً من تلك السهام ، فنُسب إليهم زوراً وبهتاناً بعد التحققِ من صحةِ نسبتها بعضُ القصصِ والمروياتِ المكذوبةِ التي تقدح في عقائدهم ، ولكن هيهات هيهات أن ينالوا من أولئك الجبال الأعلام رحمهم الله .
وهنا نستعرضُ قصصاً نُسبت إلى الأئمةِ الأربعةِ - أبي حنيفةَ ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل - في العقيدة وغيرها مع بيانِ عللها ، وكلام أهل العلم فيها ، ذباً عن عرضهم ، ونصحاً للأمةِ من الاغترارِ بها.
ونبدأ بقصةِ لا تثبتُ عن الإمامِ الشافعي ، يتشدقُ بها البعض في مسألةِ التوسلِ بالأمواتِ الصالحين، ولا تكاد تجدُ مبتدعاً يتكلمُ عن التوسلِ إلا ويوردُ قصة توسل الشافعي بقبرِ أبي حنيفة لكي يحتجُ بها على أهلِ السنةِ في تجويزِ التوسلِ بالصالحين .
ونقول كما قال الأولون : " أثبت العرش ثم انقش " .
نَصُ القِصَّةِ:
أخرجَ الخطيبُ البغدادي في " تاريخ بغداد " (1/123) بسنده فقال : أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري ، قال : أنبأنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال : نبأنا مُكرم بن أحمد قال : أنبأنا عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : إني لأتبرك بأبي حنيفة ، وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائراً - فإذا عرضت لي حاجة صليتُ ركعتين وجئت إلى قبره ، وسألت الله تعالى عنده ، فما تبعد عني حتى تُقضى.
نَقْدُ العُلَمَاءِ لِلقِصَّةِ:(/1)
انتقد علماءُ أهلِ السنة القصة ، وطعنوا في صحتها ، وإليك أخي ما قاله أهل العلم فيها:
• كذب شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله القصة ورد على ما جاء فيها فقال في " اقتضاء الصراط المستقيم " (2/692): " ... الثاني : أنه من الممتنع أن تتفق الأمة على استحسان فعل لو كان حسناً لفعله المتقدمون ، ولم يفعلوه ، فإن هذا من باب تناقض الإجماعات ، وهي لا تتناقض ، وإذا اختلف فيها المتأخرون فالفاصل بينهم : هو الكتاب والسنة ، وإجماع المتقدمين نصاً واستنباطا فكيف – والحمد لله - لم ينقل عن إمام معروف ولا عالم متبع . بل المنقول في ذلك إما أن يكون كذبا على صاحبه ، مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي أنه قال : ...فذكره أو كلاما هذا معناه ، وهذا كذلك معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل ، فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا ، وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين ، من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء . فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده . ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم ، ولم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره .
ثم قد تقدم عند الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها ، وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه . وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف ،ونحن لو روي لنا مثل هذه الحكايات المسيبه أحاديث عمن لا ينطلق عن الهوى صلى الله عليه وسلم لما جاز التمسك بها حتى تثبت ، فكيف بالمنقول عن غيره ؟ ا.هـ.(/2)
• وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في " إغاثة اللهفان " (1/246) : والحكايةُ المنقولةُ عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاءَ عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر .ا.هـ.
• وقال المعلمي في " طليعة التنكيل " ( ص58 - 60) بعد أن بين ضعف سندها ، وفصل فيه : هذا حال السند ، ولا يخفى على ذي معرفة أنه لا يثبت بمثله شيء ، ويؤكد ذلك حال القصة ، فإن زيارته قبر أبي حنيفة كل يوم بعيد في العادة ، وتحريه قصده للدعاء عنده بعيد أيضا ؛ إنما يعرف تحري القبور لسؤال الحوائج عندها بعد عصر الشافعي بمدة ، فأما تحري الصلاة عنده ، فأبعد وأبعد .ا.هـ.
• وقال العلامة الألباني عن سند هذه القصة في الضعيفة (1/31ح22) :
فهذه رواية ضعيفة بل باطلة فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال ، ويحتمل أن يكون هو " عمرو - بفتح العين - بن إسحاق بن إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسي وقد ترجمه الخطيب وذكر أنه بخاري قدم بغداد حاجا سنة 341هـ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال ، ويبعد أن يكون هو هذا إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة 247هـ على أكثر الأقوال فبين وفاتيهما نحو مائة سنة فيبعد أن يكون قد أن يكون قد أدركه.
وعلى كل حال فهي رواية ضعيفة لا يقوم على صحتها دليل .اهـ.
وقد رد العلامة الألباني على الكوثري في نفس الموضع فقال :
وأما قول الكوثري في مقالاته: وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح. فمن مبالغاته بل مغالطاته ا.هـ.
• وقال محمد نسيب الرفاعي في " التوصل إلى حقيقة التوسل " ( ص 331 - 332) :
26- توسل الشافعي بأبي حنيفة رضي الله عنهما(/3)
قال ابن حجر المكي في كتابه المسمى (( الخيرات الحسان )) في مناقب أبي حنيفة النعمان في الفصل الخامس والعشرين أن الإمام الشافعي أيام هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة يجيء إلى ضريحه يزوره فيسلم عليه ثم يتوسل إلى الله به في قضاء حاجاته .
الكلام على متن هذا الخبر
من المعلوم أن معنى التوسل هو القربى والمتوسل عليه ولا شك أن يتحرى في توسله أن يكون هذا من النوع الموافق لعقيدة هذا المتوسل به فإذا كان الذي يريد أن يتوسل به يكره ويحرم هذا النوع من التوسل فكيف يعقل من أحد أن يقدم على عمل هو مكروه عند التوسل به ؟ لأنه موقن بأن المتوسل إليه به لا يقبل قطعاً هذا التوسل لا سيما وقد منعه منعا باتاً على ألسنة رسله من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن أبا حنيفة كان لا يجيز التوسل إلى الله بأحد من خلقه فقد ثبت عنه أنه قال : " لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول : أسألك بمعاقد العز من عرشك وأن يقول بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام " .
ولا شك أن الشافعي يعلم هذا من مذهب أبي حنيفة في التوسل فكيف يتوسل به وهو يكره هذا النوع من التوسل بل ويحرمه فهل من المعقول بعد أن يعلم الشافعي من أبي حنيفة ذلك أن يتوسل به هذا غير معقول البتة بل هو إغضاب لأبي حنيفة لأنه يكرهه ويحرمه لأن الله كرهه ويحرمه ولا شك أن الشافعي وأبا حنيفة رضي الله عنهما لا يحبان إلا ما يحب الله ولا يكرهان إلا ما يكرهه الله سبحانه وتعالى فكيف يتقرب الشافعي إلى الله بالتوسل بأبي حنيفة بما يغضب الله وأبا حنيفة حاشاه من ذلك وهو بريء مما نسب إليه ولكن ماذا نقول للكذابين والمفترين أننا نشكوهم إلى الله تعالى : اللهم عاملهم بما يستحقون.
قال في "تبعيد الشيطان": والحكاية المنقولة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر . اهـ .
كتبه : عبد الله بن محمد زقيل(/4)
تبرك الشافعي بقميص الإمام أحمد
يورد بعض الصوفية غفر الله لنا ولصالحيهم ، بعض القصص ويستدلون بها على بعض المسائل والعقائد ، ومن هذه القصص ، قصة تبرك الإمام الشافعي بقميص الإمام أحمد رحمهما الله تعالى.
وقد جاءت هذه القصة بعدة أسانيد:
الإسناد الأول:
روى ابن الجوزي وابن عساكر من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان سمعت أبا القاسم بن صدقة سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي قال لي الربيع إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وائتني بالجواب قال الربيع فدخلت بغداد ومعي الكتاب فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح فصليت معه الفجر فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر فقال أحمد نظرت فيه قلت لا فكسر أبو عبد الله الختم وقرأ الكتاب وتغرغرت عيناه بالدموع فقلت إيش فيه يا أبا عبد الله قال يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم فسيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت البشارة فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده ودفعه إلي فأخذته وخرجت إلى مصر وأخذت جواب الكتاب فسلمته إلى الشافعي ، فقال لي الشافعي: يا ربيع إيش الذي دفع إليك.؟ قلت: القميص الذي يلي جلده قال الشافعي: ليس نفجعك به ولكن بله وادفع إلي الماء حتى أشركك فيه.
كما في تاريخ دمشق لابن عساكر (5ـ312) ، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ، صفحة: (609) ومن طريق ابن الجوزي رواها المقدسي في كتابة محنة الإمام أحمد (صفحة: 7)
وفي هذا الإسناد فيه محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن السلمي ، متهم بالوضع ، ومن فوقه فيهم من لم أجد ترجمة له. والله أعلم.
الإسناد الثاني:(/1)
روى ابن عساكر حدثنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري نا عبد الواحد بن عبد الكريم أبو سعيد القشيري أنا الحاكم أبو جعفر محمد بن محمد الصفار أنا عبد الله بن يوسف سمعت محمد بن عبد الله الرازي سمعت جعفر بن محمد المالكي قال الربيع بن سليمان ...
كما في تاريخ دمشق لابن عساكر (5ـ312) ، ومن طريقه رواها السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (2 ـ35).
وقد وقع تصحيف في السند بين تاريخ ابن عساكر ، ففيه: جعفر بن محمد المالكي ، وبين الطبقات ، ففيه: أبو جعفر محمد الملطي ، وفي هذا الإسناد من لم أجد له ترجمة ، والله أعلم.
الإسناد الثالث:
روى ابن الجوزي أخبرنا محمد بن ناصر أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال وجدت في كتاب أبي حدثنا أبو بكر أحمد بن شاذان حدثنا أبو عيسى يحي بن سهل العكبري إجازة قال البرمكي وكتبت من مدرجة أبي إسحاق بن شاقلا قالا: حدثنا أبو القاسم حمزة بن الحسن الهاشمي حدثنا أبو بكر بن عبد الله النيسابوري حدثنا الربيع بن سليمان .......
منافب الإمام أحمد (صفحة: 610)
وفي هذا الإسناد من لم أجد له ترجمة.
قال الإمام الذهبي "رحمه الله" في ترجمة الربيع بن سليمان ، في كتابه "سير أعلام النبلاء" : ((ولم يكن صاحب رحلة ، فأما ما يروى أن الشافعي بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح))
سير أعلام النبلاء (12ـ587)
ومما يؤكد قول الذهبي "رحمه الله" من أن الربيع لم يكن صاحب رحلة ، وأنه لم يرد بغداد ، أن أحداً من محدثي العراق لم ينقل عنه أنه سمع الربيع بالعراق ، وهو ممن اشتهر بالتحديث ، كذلك فإن الخطيب البغدادي "رحمه الله" لم يترجم له في كتابه تاريخ بغداد ، مع شهرته ومكانته. والله أعلم.
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار ، غفر الله له ولوالديه(/2)
تلقين الميت بعد الدفن
الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعدُ:
إن من أسبابِ انتشارِ البدعِ بين الناسِ وفي كثيرٍ من بلادِ المسلمين نشرَ الأحاديثِ الضعيفةِ والمكذوبةِ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، فيُخدعُ بها البسطاءُ والعامةُ ، ويروجُ لها أصحابُ الطرقِ والمآربِ الفاسدةِ .
قال الإمامُ الشاطبي في " الاعتصامِ " (1/287): " فإن أمثالَ هذهِ الأحاديثِ – على ما هو معلومٌ – لا يبنى عليها حكمٌ ، ولا تُجعلُ أصلاً في التشريعِ أبداً ، ومن جعلها كذلك فهو جاهلٌ أو مخطىءٌ في نقلِ العلمِ ، فلم ينقل الآخذُ بشيءٍ منها عمن يعتمدُ به في طريقةِ العلمِ ، ولا طريقةِ السلوكِ " .ا.هـ.
ومن الأحاديثِ التي راجت وروج لها أصحابُ الطرقِ والمآربِ الفاسدةِ حديثُ تلقينِ الميتِ بعد دفنهِ ، وليتهم حققوا في صحةِ الحديثِ وبينوا عللهُ ، بل اعتمدوا في نشرِ بدعةِ التلقينِ على كلامِ بعضِ العلماءِ الذين لا نشكُ في جلالتهم ومنزلتهم ولكن الحق أحبُ إلينا منهم ، ورحم اللهُ الإمامَ ابنَ القيمِ عندما قال في صاحبِ كتابِ " منازلِ إياك نعبدُ وإياكَ نستعين " إسماعيلَ الهروي: " شيخُ الإسلامِ حبيبٌ إلينا ، والحقُ أحبُ إلينا منه ، وكلُ من عدا المعصومِ فمأخوذٌ من قولهِ ومتروك ، ونحن نحملُ كلامه على أحسنِ محامِله " .
ورحم اللهُ الإمامَ مالكٍ عندما قال: " كلٌ يؤخذُ من قولهِ ويرد إلا صاحبُ ذلك القبرِ " .
وفي هذا البحثِ سأنقلُ تخريجَ العلامةِ الألباني لحديثِ تلقينِ الميتِ بعد دفنهِ ، وحسبك بالشيخِ مرجعاً في علمِ الحديثِ ، وفي ثنايا تحقيقهِ للحديثِ ينقلُ الشيخُ – رحمهُ اللهُ – من تكلم فيه من العلماءِ ، وكذلك أنقلُ تخريجَ الشيخِ عمرو عبد المنعم سليم له ، واستدراكهُ لما فات الشيخ الألباني من تخريجٍ ؛ مع ذكرِ كلامِ العلماءِ المحققين المتجردين للحقِ في بدعةِ التلقينِ .
قاعدتان من قواعدِ معرفةِ البدعِ:(/1)
وقبل الدخولِ والخوضِ في بيانِ حالِ حديثِ التلقينِ لا بد لنا من ذكرِ قاعدتين مهمتين من قواعدِ معرفةِ البدعِ .
القاعدةُ الأولى: ذكر الشيخُ محمدُ الجيزاني في " قواعد معرفة البدع " ( ص 67 ) القاعدةَ التي لها بموضوعنا وهي: " كلُ عبادةٍ تستندُ إلى حديثٍ مكذوبٍ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فهي بدعةٌ " .
وقال: " هذه القاعدةُ مبنيةٌ على أصلٍ عظيمٍ من أصولِ هذا الدينِ ، وهو أن الأصلَ في العباداتِ التوقيفِ ، ومعنى ذلك أن الأحكامَ الشرعيةَ والتعبدات لا تثبت إلا بالأدلةِ الصحيحةِ المعتبرةِ من الكتابِ والسنةِ . أما الأحاديثُ المكذوبةُ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فإنها ليست من سنتهِ صلى اللهُ عليه وسلم فالعمل به يكونُ بدعةً ؛ إذ هو تشريعٌ نا لم يأذن به اللهُ " .ا.هـ.
قال الشاطبي في " الاعتصامِ " (2/16): " والأحاديثُ الضعيفةُ الإسنادِ لا يغلبُ على الظنِ أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قالها ، فلا يمكن أن يُسْنَد إليها حُكمٌ ، فما ظنك بالأحاديثِ المعروفةِ الكذب ؟! نعم ؛ الحاملُ على اعتمادها في الغالبِ إنما هو ما تقدم من الهوى المتبع " .ا.هـ.
القاعدةُ الثانيةُ: جاء في " قواعد معرفة البدع " ( ص 68) ما نصه: " كلُ عبادةٍ تستندُ إلى الرأي المجردِ والهوى فهي بدعةٌ ؛ كقولِ بعضِ العلماءِ أو العُبَّادِ أو عاداتِ بعضِ البلادِ أو بعضِ الحكاياتِ والمناماتِ " .
والذي يهمنا من هذه القاعدة قولهُ: " أو عادات بعضِ البلادِ " ، فبعضُ العلماءِ استدل بالتلقينِ بعد الموتِ بعملِ بلادِ الشامِ لها كما سيأتي معنا .
قال الشاطبي في " الاعتصامِ " (2/135): " وبذلك كلهِ يُعلمُ من قصدِ الشارعِ: أنه لم يكل شيئاً من التعبداتِ إلى آراءِ العبادِ ، فلم يبق إلا الوقوفُ عند ما حدَّهُ " .ا.هـ.(/2)
وقال الطرطوشي في " الحوادثِ والبدعِ " (73 – 74): " وأما من تعلق بفعلِ أهلِ القيروان فهذا غبي يستدعي الأدب دون المراجعةِ. فنقولُ لهولاءِ الأغبياءِ: إن مالكَ بنَ أنسٍ رأى إجماعَ أهلِ المدينةِ حجةً ، فردَّهُ عليه سائرُ فقهاءِ الأمصارِ ، وهذا هو بلدُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، وعرصة الوحي ، ودار النبوة ، ومعدن العلم ، فكيف بالقيروان " .ا.هـ.
فهاتان القاعدتان لا بد منهما لأن مستند المتعلقين بالتلقين على الحديثِ الواردِ ، وعمل بلادِ الشامِ بهِ .
نصُ الحديث وتخريجهُ:
عن أبي أمامةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: " إذا مات الرجل فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: " يا فلان ابن فلانة ! " ، فإنه سيسمع ، فليقل: " يا فلان ابن فلانة ! " ، فإنه سيستوي قاعداً " ، فليقل: " يا فلان ابن فلانة ! " ، فإنه سيقولُ له: " أرشدني رحمك الله ! " ، فليقل: " اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . فإن منكراً ونكيراً عند ذلك كل واحد يأخذ بيد صاحبه ويقول: " قم ، ما تصنعُ عند رجلٍ لقن حجته ؟ " ، فيكونُ اللهُ حجيجهما دونه.
قال العلامةُ الألباني في " الضعيفةِ " (599): " منكرٌ: أخرجهُ القاضي الخلعي في " الفوائدِ " (55/2) عن أبي الدرداء هاشم بنِ محمدٍ الأنصاري: ثنا عتبةُ بنُ السكنِ ، عن أبي زكريا ، عن جابرِ بنِ سعيدٍ الأزدي قال: " دخلتُ على أبي أمامةَ الباهلي وهو في النزعِ ، فقال لي: " يا ابا سعيدٍ إذا أنا متُ فاصنعوا بي كما أمر رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أن نصنعَ بموتانا فإنه قال: " فذكرهُ ... "
قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً ، لم أعرف أحداً منهم غيرَ عتبةَ بنِ السكن ، قال الدارقطني: " متروكُ الحديثِ " ، وقال البيهقي: " واهٍ منسوبٌ إلى الوضعِ " .(/3)
والحديثُ أورده الهيثمي (3/45) عن سعيدِ بنِ عبدِ اللهِ الأزدي قال: " شهدتُ أبا أمامةَ ... الحديث . وقال: " رواهُ الطبراني في " الكبيرِ " وفي إسنادهِ جماعةٌ لم أعرفهم " .
قلتُ: فاختلف اسم الرواي عن أبي أمامةَ ففي روايةِ الخلعي أنهُ جابرُ بنُ سعيدٍ الأزدي ، وفي روايةِ الطبراني أنه سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الأزدي ، وهذا أوردهُ ابنُ أبي حاتمٍ (2/1/76) فقال: " سعيدٌ الأزدي " لم ينسبهُ لأبيهِ ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، فهو في عداد المجهولين ، فالعجبُ من قولِ الحافظِ في " التلخيصِ " (5/243) بعد أن عزاهُ للطبراني: " وإسنادهُ صالحٌ ، وقد قواهُ الضياءُ في " أحكامهِ " ، وأخرجهُ عبدُ العزيزِ في " الشافي " ، والرواي عن أبي أمامةَ سعيدٌ الأزدي بَيَّضَ له ابنُ أبي حاتمٍ " !
فأنى لهذا الإسنادِ الصلاح والقوة وفيه هذا الرجلُ المجهولُ ؟ بل فيه جماعةٌ آخرون مثلهُ في الجهالةِ كما يشيرُ إلى ذلك كلامُ الهيثمي السابقِ ، وهذا كلهُ إذا لم يكن في إسنادِ الطبراني عتبةُ بنُ السكنِ المتهم ، وإلا فقد سقط الإسنادُ بسببهِ من أصلهِ ! وقد قال النووي في " المجموعِ " بعد أن عزاهُ للطبراني: " وإسنادهُ ضعيفٌ . وقال ابنُ الصلاحِ: " ليس إسنادهُ بالقائمِ " .
وكذلك ضعفهُ الحافظُ العراقي في " تخريجِ الإحياءِ " (4/420) ، وقال ابنُ القيمِ في " الزادِ " (1/206): " لا يصحُ رفعهُ " .
واعلم أنه ليس للحديثِ ما يشهدُ له ، وكل ما ذكرهُ البعضُ إنما هو أثرٌ موقوفٌ على بعضِ التابعين الشاميين لا يصلحُ شاهداً للمرفوعِ بل هو يُعِلُّهُ ، وينزلُ به من الرفعِ إلى الوقفِ ... وجملةُ القولِ أن الحديثَ منكرٌ عندي إن لم يكن موضوعاً ... " .ا.هـ.
فهذا هو حالُ الحديثِ من كلامِ العلامةِ الألباني رحمهُ اللهُ .(/4)
وتكميلاً للتخريجِ فقد قال الشيخُ عمرو عبد المنعم سليم في " صونِ الشرعِ الحنيفِ ببيانِ الموضوعِ والضعيفِ " (2/232 – 235 رقم 373): " موضوع: أخرجهُ الطبراني في الكبيرِ (8/298): حدثنا أبو عقيل أنسُ بنُ سلمٍ الخولاني ، حدثنا محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ العلاءِ الحمصي ، حدثنا إسماعيلُ بنُ عياشٍ ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ القرشي ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ ، عن سعيدِ بنِ عبدِ اللهِ الأودي ، قال: " شهدتُ أبا أمامةَ في النزعِ فقال: " إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: " .... فذكرهُ .
وزاد في آخرهِ: فقال رجلٌ: " يا رسولَ اللهِ ، فإن لم يُعرف أمهُ ؟ " ، قال: " فينسبهُ إلى حواء ، يا فلانَ بنَ حواء " .
قال الهيثمي في " المجمعِ " (3/45): " في إسنادهِ جماعةٌ لم أعرفهم " .
وأما تلميذهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ ، فقد أبعد في الحكمِ إذ يقولُ في " التلخيصِ " (2/135 – 136): " إسنادهُ صالحٌ ، وقد قواهُ الضياءُ في أحكامهِ " .
فإن هذا السند واهٍ جداً ، بل هو موضوعٌ ، وكذا لوائحُ الوضعِ ظاهرةٌ على المتنِ ، باديةٌ عليهِ .
والحملُ في هذا الإسنادِ على محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ العلاءِ الحمصي الشامي ، فقد كذبهُ الدارقطني ، وقال ابنُ حبان: " يضعُ الحديثَ " ، وقال الحاكمُ والنقاشُ: " روى أحاديث موضوعةً " .
وشيخُ إسماعيلَ بنِ عياشٍ هذا لم أقف له على ترجمةٍ ، إلا أن روايةَ إسماعيل عن غيرِ الشاميين ضعيفةٌ ، وهذه منها ، وأما سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الأودي – كذا عند الطبراني ، وفي " التلخيصِ " ، و" الجرحِ والتعديلِ " الأزدي – ذكرهُ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابهِ وبيض له ، والأقرب عندي أنه مجهولُ العينِ ، قد تفرد بالروايةِ عنه يحيى بنُ أبي كثيرٍ ، ولم أجد عنه راوياً عنه غيرهُ .(/5)
وكذلك فشيخُ الطبراني مستورٌ ، لم يتعرض له أحدٌ بجرحٍ ولا تعديلٍ ، وقد ترجمهُ ابنُ عساكرٍ في " تاريخِ دمشق " ، وأورده الذهبي في " تاريخِ الإسلامِ " .
ووجدتُ له طريقاً آخر عند الخلعي في " الفوائد " ...
ونقل الشيخُ عمرو عبد المنعمِ كلامَ الشيخِ الألباني في " الضعيفةِ " في عتبةَ بنِ السكنِ ، ثم قال: " قلتُ – عمرو عبد المنعم -: هذا كافٍ للحكم على حديثهِ بالوضعِ ، لا سيما مع شدةِ نكارةِ المتنِ ، بل والسندِ ، فإن الحديثَ لا يُعرفُ إلا من طريقِ إسماعيلَ بنِ عياشٍ ، وقد رواهُ عنهُ ذلك الوضاعُ ، ولا يُستبعدُ أن يكونَ أحدُ الرواةِ قد سرقهُ ، فأنشأ له هذا السند ، ودلس اسم راويهِ عن أبي أمامةَ ، فقال: جابرُ بنُ سعيدٍ الأزدي ، وهذا متاحٌ .
ثم وجدتُ الشيخَ – رحمهُ اللهُ – قد حكم على الحديثِ بالنكارةِ ، مع ما في سند الخلعي ، ولم يتنبه إلى العلةِ الحقيقيةِ في سند الطبراني ، ألا وهي محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ العلاءِ .
وله متابعةٌ معضلةٌ عند سعيدِ بنِ منصورٍ – كما في " التلخيصِ " – من طريقِ راشدِ بنِ سعدٍ ، وضمرةَ بنِ حبيبٍ وغيرهما ، قالوا: " إذا سوي على الميتِ قبرهُ ، وانصرف الناسُ عنه ، كانوا يستحبون أن يقال للميتِ عند قبرهِ: " يا فلانُ قل: لا إله إلا الله ، قل: أشهدُ أن لا إله إلا الله ، ثلاث مراتٍ ، قل: ربي اللهُ ، وديني الإسلامُ ، ونبيي محمد ، ثم ينصرف " .
قلتُ: وهذا ظاهرُ الإعضالِ ، بل هو لم يرفعهُ لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نسبهُ إلى أحدٍ من الصحابةِ " .ا.هـ.(/6)
وقال الصنعاني في " سبلِ السلامِ " (2/772) عند شرحهِ لحديثِ: " ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدِ التَّابِعِينَ - قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إذَا سُوِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْرُهُ ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهُ . أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ ، قُلْ: لا إلَهَ إلا اللَّهُ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، يَا فُلَانُ: قُلْ رَبِّي اللَّهُ ، وَدِينِي الْإِسْلَامُ ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا .
وَقَالَ فِي الْمَنَارِ المنيف: إنَّ حَدِيثَ التَّلْقِينِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ فِي وَضْعِهِ ، وَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ فَالْمَسْأَلَةُ حِمْصِيَّةٌ ا.هـ.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ كما نقل عنه ابنُ علان في " الفتوحات الربانية " (4/196): " هذا حديثٌ غريبٌ ، وسندُ الحديثِ من الطريقين ضعيفٌ جداً " .ا.هـ.
وقد حكى السيوطي في " الحاوي " اتفاقَ المحدثين على تضعيف الحديثِ فقال: " فلأن التلقينَ لم يثبت فيه حديثٌ صحيحٌ ولا حسنٌ بل حديثهُ ضعيفٌ باتفاقِ المحدثين " .ا.هـ.(/7)
توسل آدم بالنبي عليهما الصلاة والسلام
يستدل الصوفية على جواز التوسل بالذوات ، بحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: (( لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم ?! وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك)).
وهذا الحديث باطل لا تجوز روايته فضلاً عن الاستدلال به.
فقد رواه الحاكم في "المستدرك" (2ـ615) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري: حدثنا إسماعيل بن مسلمة: أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر.
وقال: صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب. فتعقبه الذهبي فقال: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري من ذا.
ورواه البيهقي ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق" (7ـ436) عن أبي عبد الله الحافظ إملاء وقراءة نا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل إملاء نا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي نا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري بمصر قال أبو الحسن هذا من رهط أبي عبيدة بن الجراج أنا إسماعيل بن مسلمة أنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ..... .
ورواه من نفس الطريق الطبراني في "المعجم الصغير" (207): ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري: ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري: ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به. وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي رحمه الله حيث قال في "مجمع الزوائد" (8ـ253): (رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم))(/1)
ورواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (427) من نفس الطريق أيضاً عن عبد الله ابن إسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ولا موقوفاً، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال: اللهم أسألك بحق محمد عليك.. الحديث نحوه مختصراً، وهذا مع إرساله ووقفه، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جداً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني، قال النسائي: ليس بثقة.
ومما تقدم يظهر لنا أن مدار هذا الحديث على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص وفي فتح الباري وغيرهما, وقال البيهقي: (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف) وكذلك ضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد ، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه وهو متهم بالوضع، رماه بذلك الحاكم نفسه ، فقد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه).
وقد أورد الحاكم أيضا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" وقال في آخره: (فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به، فإن الجرح لا أستحله تقليداً، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله: من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين).
وقد ضعفه أيضا أحمد بن حنبل وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني والعلائي والزيلعي والسخاوي والشوكاني وغيرهم.
قال الترمذي: (وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث، ضعفه أحمد بن حنبلٍ وعليّ بن المدينيّ وغيرهما من أهل الحديث، وهو كثير الغلط.)(/2)
وقال ابن حبان: (كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).
وقال أبو نعيم: (روى عن أبيه أحاديث موضوعة).
والفهري أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال: (خبر باطل)?
وكذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3ـ360) وزاد عليه قوله في الفهري هذا: (لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته)
والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد، قال الحافظ: ذكره ابن حبان، متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة، لا يحل كتب حديثه، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة).
وأورد صاحب كنز العمال طريقاً آخر فقال: عن علي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} فقال: إن الله أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة وإبليس بميسان، والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته، حتى بعث الله تعالى إليه جبريل وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ قال بلى، قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن، قال فعليك بهذه الكلمات، فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك قل: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك، لا إله إلا أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم.
ثم قال: رواه الديلمي وسنده واه ، وفيه حماد بن عمرو النصيبي عن السري بن خالد واهيان.
وهذه بعض ما قيل في حماد النصيبي
قال عنه الحافظ ابن حجر: "متروك" وفي موضع آخر: "مذكور بوضع الحديث"
وقال يحيى بن معين: هو ممن يكذب ويضع الحديث.
وقال عمرو بن علي الفلاس، وأبو حاتم: منكر الحديث ضعيف جداً.(/3)
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان يكذب.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن حبان: يضع الحديث وضعاً.
وأورد صاحب اللآلئ المصنوعة طريقاً آخر فقال: قال الدارقطني: حدثنا أبو ذر أحمد بن محمد بن أبي بكر الواسطي حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار حدثنا حسين الأشقر حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فقال: قال سأل بحق محمد وعلي وفاطمة.
تفرد به عمرو عن أبيه أبي المقدام ، وتفرد به حسين عنه.
أما عمرو بن ثابت فقد قال عنه يحيى: لا ثقة ولا مأمون.
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الإثبات.
وكذلك أورده صاحب تذكرة الموضوعات وقال: فيه حسين بن حسن اتهمه ابن عدي.
وأما حسين الأشقر:
فقد قال عنه البخاري: فيه نظر. وقال في موضع آخر: عنده مناكير.
وقال أبو زرعة: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: ليس بقوى.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى: غال من الشتامين للخيرة.
وقال أبو أحمد بن عدى: وليس كل ما يروى عنه من الحديث فيه الإنكار يكون من قبله ، و ربما كان من قبل من يروى عنه ، لأن جماعة من ضعفاء الكوفيين يحيلون بالروايات على حسين الأشقر ، على أن حسينا هذا في حديثه بعض ما فيه.
وذكره ابن حبان في كتاب " الثقات "
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (2ـ336):
وذكره العقيلي في " الضعفاء " ، و أورد عن أحمد بن محمد بن هانيء قال: قلت لأبى عبد الله ـ يعنى ابن حنبل ـ: تحدث عن حسين الأشقر ! قال: لم يكن عندي ممن يكذب وذكر عنه التشيع ، فقال له العباس بن عبد العظيم: أنه يحدث في أبى بكر و عمر. وقلت أنا: يا أبا عبد الله إنه صنف بابا في معائبهما. فقال: ليس هذا بأهل أن يحدث عنه.
وذكر ابن عدي له أحاديث مناكير ، وقال في بعضها: البلاء عندي من الأشقر.
وقال النسائي و الدارقطني: ليس بالقوي.(/4)
وقال الأزدي: ضعيف ، سمعت أبا يعلى قال: سمعت أبا معمر الهذلي يقول: الأشقر كذاب.
وقال ابن الجنيد: سمعت ابن معين ذكر الأشقر ، فقال: كان من الشيعة الغالية.
وأما عمرو بن ثابت:
فقد قال المزي عنه في "تهذيب الكمال":
قال على بن الحسن بن شقيق: سمعت ابن المبارك يقول: لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت ، فإنه كان يسب السلف.
وقال الحسن بن عيسى: ترك ابن المبارك حديث عمرو بن ثابت.
وقال هناد بن السري: مات عمرو بن ثابت ، فلما مر بجنازته فرآها ابن المبارك دخل المسجد وأغلق عليه بابه حتى جاوزته.
وقال أبو موسى محمد بن المثنى: ما سمعت عبد الرحمن يحدث عن عمرو بن ثابت.
وقال عمرو بن على: سألت عبد الرحمن بن مهدى عن حديث عمرو بن ثابت ، فأبى أن يحدث عنه ، وقال: لو كنت محدثا عنه لحدثت بحديث أبيه عن سعيد بن جبير في التفسير.
وقال عباس الدوري ، عن يحيى بن معين: ليس بثقة ، و لا مأمون ، لا يكتب حديثه. و قال في موضع آخر: ليس بشيء.
وقال أبو داود ، عن يحيى: هو غير ثقة.و قال معاوية بن صالح ، عن يحيى: ضعيف.
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ، يكتب حديثه ، كان رديء الرأي ، شديد التشيع.
وقال البخاري: ليس بالقوى عندهم.
وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن عمرو بن ثابت بن أبى المقدام ،فقال: رافضي خبيث.
وقال في موضع آخر: رجل سوء ، قال هناد: لم أصل عليه ; قال: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم كفر الناس إلا خمسة. و جعل أبو داود يذمه.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال في موضع آخر: ليس بثقة ، و لا مأمون.
وقال ابن حبان: يروى الموضوعات عن الأثبات".
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (8ـ10):
قال ابن سعد: كان متشيعا مفرطاً ، ليس هو بشيء في الحديث ، و منهم من لا يكتب حديثه لضعفه و رأيه ، وتوفي في خلافة هارون.
وقال عبد الله بن أحمد ، عن أبيه: كان يشتم عثمان ، ترك ابن المبارك حديثه.(/5)
وقال الساجي: مذموم ، و كان ينال من عثمان و يقدم عليا على الشيخين.
وقال العجلي: شديد التشيع غال فيه ، واهي الحديث.
وبهذا يظهر لنا أن الحديث باطل ، لا تجوز روايته.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار ، غفر الله له ولوالديه.(/6)
توسل سواد بن قارب
استدل أحد أعلام الصوفية الشيخ أحمد بن زيني دحلان على التوسل بالذوات بما روى الطبراني رحمه الله في كتابه "المعجم الكبير" من أن سواد بن قارب رضي الله عنه أنشد لرسول صلى الله عليه وآله وسلم قصيدته التي توسل فيها بقوله:
وأشهد أن الله لا رب غيره *****وأنك مأمون علي كل غائب
وأنك أدني المرسلين وسيلة ***** إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل ** وإن كان فيما فيه شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ** بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
ثم قال الشيخ دحلان: ولم ينكر الرسول عليه.
الكلام على متن هذا الحديث
إن هذه الأبيات الأربعة التي استشهد بها الشيخ دحلان على جواز التوسل بذات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها معاني التوسل الذي يعنيه وبخاصة في البيت الثاني وهو قوله:
إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب وإنك أدنى المرسلين وسيلة
تقدم معنا في أول الكتاب في تعريف الوسيلة لغة وشرعاً أن الوسيلة هي القربة إلى الملك ووسل إلى الله وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل.
ولا شك ولا ريب أن العمل الذي عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الأنبياء فصار بذلك أوفي المرسلين إلى الله وسيلة أي قربة ومنزلة فأي معني من معاني التوسل بذوات المخلوقين موجود في هذا البيت …؟ الجواب: ليس فيه أي معني من معاني التوسل بذوات المخلوقين إنما معناه هو ما قلناه آنفاً: إن أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أعظم أعمال الأنبياء والمرسلين فصار بذلك أدناهم وأقربهم إلى الله تعالى.
كما أن الوسيلة معناها كما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي فمن صلي علي مرة صلى الله عليه وسلم الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة رفيعة في الجنة … لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو))(/1)
وهذا المعنى أيضاً لا يخرج عن المعنى الأول وهي الوسيلة والقربة من الله تعالى فهل في ذلك ما يفيد جواز التوسل بذات المخلوق …؟
وهذا ما يقصده سواد بن قارب رضي الله عنه في أبياته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل الدحلان يقصد أيضاً ما جاء في البيت الأخير:
بمغن قتيلاً عن سواد بن قارب وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة
وكذلك ليس في البيت الأخير ما يعين الدحلان على مراده ألبته لأن سواد بن قارب يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجوه أن يدعو الله تعالى أن يكون له شفيعاً يوم القيامة والخطاب هذا ولا شك كان في حياته صلى الله عليه وسلم وطلب الشفاعة منه حال حياته لا بأس به لأنه طلب لدعائه صلى الله عليه وسلم لأن يكون سواد في جملة من يشفعه الله بهم يوم القيامة أي يأذن له بالشفاعة فيهم فما الذي في هذا البيت من معاني التوسل بذوات المخلوقين …؟! اللهم إلا إذا كان الدحلان يريد أن يحمل الألفاظ ليستقيم مراده …!! فهذا شيء آخر إنما لا يقر علي ذلك فإن اللغة العربية التي خلق الله مفاهيمها ومدلولات ألفاظها لا تخضع إلى مراد الدحلان فقواعد اللغة ثابتة ومعانيها فرغ منها فلا يطمع أحد في تغييرها علي ما يحب ويهوى.
والخلاصة: ليس في متن هذا الحديث أي معني من معاني التوسل المعروف عند الدحلان ومن البدهي بعد ذلك أن لا يصلح هذا الحديث حجة ولا دليلاً علي مراد التوسل بذوات المخلوقين فسقطت حجة الاستدلال به علي ذلك متناً أما سنداً فإليك تفصيل ذلك:
الكلام على سند هذا الحديث
وهنا تبين لكم: أن هذا الحديث ليس في صيغة متنه ما يفيد قيام أية حجة على صحة ما يجهد ( القوم …) ويحاولون من إثبات جواز التوسل بذوات المخلوقين …!!!(/2)
وحتى لو صح هذا الحديث سنداً ليس في متنه حجة لهم بل هو ولا شك حجة عليهم كما أثبتنا ذلك آنفاً فكيف وإن سنده ضعيف …!!! فقد ذكر الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد" أن الحديث ضعيف كما ثبت أن كافة طرقه ورواياته التي ورد فيها ضعيفة واهية وإليك البيان:
1 – رواية البيهقي وهي عنده: فيها زياد بن زيد بن بادويه ومحمد بن نواس الكوفي.
قال الذهبي: هذا حديث منكر بالمرة ، ومحمد بن نواس وزياد ، مجهولان لا تقبل روايتهما. وأضاف: وأخاف أن يكون موضوعاً أبي بكر بن عباس.
2 – رواية أبي يعلى: وقد رواها ابن كثير في ( السير – المطولة ) ص344-346 وقال: هذا منقطع من هذا الوجه.
وقد أوضح الحافظ الذهبي في الجزء الأول من / تاريخ الإسلام الكبير / ص124 علة هذه الطريقة. فقال: أبو عبد الرحمن: اسمه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي متفق على تركه وعلي بن منصور فيه جهالة مع أن الحديث منقطع.
وهذه ترجمة الوقاصي:
قال المزي في "تهذيب الكمال": ( ت ): عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري الوقاصي
أبو عمرو المدني ، و يقال له: المالكي أيضا نسبة إلى جده سعد بن مالك. اهـ.
وقال المزي:
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، عن يحيي بن معين: لا يكتب حديثه ، كان
يكذب.
وقال عباس الدوري ، عن يحيي بن معين: ضعيف.
وقال في موضع آخر: ليس بشيء.
وقال علي ابن المديني: ضعيف جدا.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ساقط.
وقال يعقوب بن سفيان: لا يكتب حديثه أهل العلم إلا للمعرفة ، و لا يحتج
بروايته.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث ، ذاهب.
وقال البخاري: تركوه.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال الترمذي: ليس بالقوي.
وقال النسائي: متروك.
وقال في موضع آخر: ليس بثقة و لا يكتب حديثه.
قال الهيثم بن عدي: توفي في خلافة هارون.
روى له الترمذي حديثا واحدا عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة: " سئل رسول الله(/3)
صلى الله عليه وسلم عن ورقة يعني ابن نوفل..... الحديث. اهـ.
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 7/134:
وقال الساجي: يحدث بأحاديث بواطيل.
وقال ابن البرقي: ليس بثقة.
وقال البخاري في " تاريخه ": سكتوا عنه.
وقال أبو بكر البزار: لين الحديث.
وقال أبو أحمد الحاكم: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات الموضوعات ، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال ابن عدي: عامة حديثه مناكير ، إما إسناداً و إما متناً. اهـ.
3 – رواية ابن عدي: قال الذهبي: فيه سعيد ، يقول: أخبرني سواد بن قارب – وبينهما انقطاع – وعباد ليس بثقة يأتي بطامات.
4 – رواية محمد بن السائب الكلبي: قال ابن كثير في / السيرة المطولة /ج1 ص348-349: محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب ورمي بالرفض كما في التقريب.
وهذه ترجمة الكلبي:
قال المزي في "تهذيب الكمال": قال أبو بكر بن خلاد الباهلي ، عن معتمر بن سليمان ، عن أبيه: كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي.
وقال عمرو بن الحصين ، عن معتمر بن سليمان ، عن ليث بن أبي سليم: بالكوفة كذابان: الكلبي والسدي ، يعني محمد بن مروان.
وقال عباس الدوري ، عن يحيي بن معين: ليس بشيء.
وقال معاوية بن صالح ، عن يحيي بن معين: ضعيف.
وقال أبو موسي محمد بن المثني: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عن الكلبي.
وقال البخاري: تركه يحيي بن سعيد وابن مهدي.
وقال عباس الدوري ، عن يحيى بن يعلى المحاربي: قيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم: ابن أبي ليلى ، وجابر الجعفي ، و الكلبي.
قال: أما ابن أبي ليلى فبيني وبين آل ابن أبي ليلي حسن فلست أذكره ، و أما جابر الجعفي فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة ، وأما الكلبي فكنت أختلف إليه فسمعته يقول يوما: مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في فيَّ فحفظت ما كنت نسيت. فقلت: والله لا أروي عنك شيئاً ، فتركته.
وقال الأصمعي ، عن أبي عوانة: سمعت الكلبي يتكلم بشيء من تكلم به كفر.(/4)
وقال مرة: لو تكلم به ثانية كفر ، فسألته عنه فجحده.
وقال عبد الواحد بن غياث ، عن ابن مهدي: جلس إلينا أبو جزء على باب أبي عمرو ابن العلاء فقال: أشهد أن الكلبي كافر. قال: فحدثت بذلك يزيد بن زريع فقال: سمعته يقول: أشهد أنه كافر. قال: فماذا زعم ؟ قال: سمعته يقول: كان جبريل يوحي إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقام النبي صلي الله عليه وسلم لحاجة وجلس علي فأوحى إلى علي. قال يزيد: أنا لم أسمعه يقول هذا ، ولكني رأيته يضرب على صدره ويقول: أنا سبأي أنا سبأي !!
قال أبو جعفر العقيلي: هم صنف من الرافضة أصحاب عبد الله بن سبأ.
وقال واصل بن عبد الأعلى: حدثنا محمد بن فضيل عن مغيرة ، عن إبراهيم أنه قال لمحمد بن السائب: ما دمت علي هذا الرأي لا تقربنا ، و كان مرجئا.
وقال زيد بن الحباب: سمعت سفيان الثوري يقول: عجبا لمن يروي عن الكلبي.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: فذكرته لأبي ، و قلت: إن الثوري قد روي عنه.
قال: كان لا يقصد الراوية عنه و يحكي حكاية تعجبا فيعلقه من حضره ، و يجعلونه رواية عنه.
وقال وكيع: كان سفيان لا يعجبه هؤلاء الذين يفسرون السورة من أولها إلى آخرها مثل الكلبي.
وقال علي بن مسهر ، عن أبي جناب الكلبي: حلف أبو صالح أني لم أقرأ علي الكلبي من التفسير شيئا.
وقال أبو عاصم النبيل: زعم لي سفيان الثوري ، قال: قال لنا الكلبي: ما حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب ، فلا ترووه.
وقال الأصمعي ، عن قرة بن خالد: كانوا يرون أن الكلبي يزرف ، يعني يكذب.
وقال أحمد بن سنان القطان الواسطي ، عن يزيد بن هارون: كبر الكلبي وغلب النسيان ، فجاء إلى الحجام وقبض على لحيته ، فأراد أن يقول: خذ من ها هنا يعني ما جاوز القبضة ، فقال: خذ ما دون القبضة !.
وقال أبو حاتم: الناس مجمعون علي ترك حديثه ، لا يشتغل به ، هو ذاهب الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة و لا يكتب حديثه.(/5)
وقال أبو أحمد بن عدي: و للكلبي غير ما ذكرت من الحديث ، أحاديث صالحة و خاصة عن أبي صالح ، و هو معروف بالتفسير ، و ليس لأحد تفسير أطول منه ، و لا أشبع منه ، و بعده مقاتل بن سليمان ، إلا أن الكلبي يفضل علي مقاتل لما قيل في مقاتل من المذاهب الرديئة.
وحدث عن الكلبي الثوري وشعبة فإن كانا حدثا عنه بالشيء اليسير غير المسند.
وحدث عنه ابن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وهشيم ، وغيرهم من ثقات الناس ورضوه في التفسير. و أما الحديث ، خاصة إذا روى عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، ففيه مناكير و لشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه !.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتب البخاري في موضع آخر: محمد بن بشر سمع عمرو بن عبد الله الحضرمي ، سمع منه محمد بن إسحاق ، وهو الكلبي.
قال محمد بن عبد الله الحضرمي: مات بالكوفة سنة ست و أربعين و مئة.
روى له الترمذي ، و ابن ماجه في " التفسير ". اهـ.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 9/180:
وقال علي بن الجنيد ، والحاكم أبو أحمد ، والدارقطني: متروك.
وقال الجوزحاني: كذاب ، ساقط.
وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، روى عن أبي صالح التفسير ، و أبو صالح لم يسمع من ابن عباس ، لا يحل الاحتجاج به.
وقال الساجي: متروك الحديث ، و كان ضعيفا جدا لفرطه في التشيع ، و قد اتفق ثقات أهل النقل علي ذمه و ترك الرواية عنه في الأحكام و الفروع.
قال الحاكم أبو عبد الله: روي عن أبي صالح أحاديث موضوعة.
وذكر عبد الغني بن سعيد الأزدي أنه حماد بن السائب الذي روي عنه أبو أسامة.
وتقدم في ترجمة عطية أنه كان يكني الكلبي أبا سعيد ويروي عنه. اهـ.
5 – رواية أبي بكر محمد بن جعفر بن سيل الخرائطي في كتابه الذي جمعه في هواتف الجان وهي عند ابن كثير في / السيرة المطولة / ص346 وفيها الشعر ما سوي: ( وكن لي شفيعاً ).
6 – رواية الفضل بن عيسي القرشي: عن العلاء بن يزيد.(/6)
قال السيوطي في شرح / شواهد المغني / ج2 ص255: والعلاء ابن يزيد قال المديني: كان يضع الحديث. وقال البخاري وغيره منكر الحديث. وقال أبو حيان: روي نسخة موضوعة.
وأورد له الذهبي في / الميزان / عدة مناكير.
وهذه ترجمة العلاء بن يزيد والصحيح أن اسمه العلاء بن زيد كما سيأتي:
قال المزي في "تهذيب الكمال": ( ق ): العلاء بن زيد ، و يعرف بابن زيدل الثقفي ، أبو محمد البصري. اهـ.
وقال البخاري ، والعقيلي ، وابن عدي: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث ، متروك الحديث ، بابة أبي هدبة ، و زياد بن ميمون.
وقال أبو داود: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: روي عن أنس نسخة موضوعة لا يحل ذكره إلا تعجبا.
وقال الدارقطني: متروك.
روي له ابن ماجة حديثا واحدا عن أنس
" إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقعي كما يقعي الكلب ". اهـ.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 8/183:
وقال أبو حاتم: كان أحمد يتكلم فيه.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال الحاكم: يروي عن أنس أحاديث موضوعة.
و كذا قال أبو نعيم ، و زاد: سكن الأيلة ، لاشيء.
وقال أبو حاتم: حديثه ليس بالقائم.
وقال العقيلي: نسبه أبو الوليد الطيالسي إلى الكذب.
وقال ابن شاهين في " الضعفاء ": قال ابن معين: ليس بثقة.
و فرق العقيلي بين العلاء بن زيد ، و العلاء بن زيدل ، فقال في الأول: يعني واسطي. لكن وقع عنده العلاء بن يزيد ، و نقل تكذبيه عن الطيالسي ، و عن البخاري: منكر الحديث. ثم ساق له من رواية يزيد بن هارون عنه عن أنس قصة معاوية الليثي. ثم ساق ترجمة العلاء بن زيدل ، و لم ينسبه ، وقال: منكر الحديث. ونقل قول أبي داود فيه.
فالراجح أنه العلاء بن زيدل و ربما خفف بحذف اللام ، وأما يزيد فزيادة الياء أوله خطأ.اهـ.
7 – رواية الحسن بن سفيان: في مسنده من طريق الحسن بن عمارة. قال السيوطي في شرح شواهد المغني ص255: والحسن بن عمارة ضعيف جداً.
وهذه ترجمة الحسن بن عمارة:(/7)
قال المزي في "تهذيب الكمال": قال البخاري: قال لي أحمد بن سعيد: سمعت النضر بن شميل ، عن شعبة ، قال: أفادني الحسن بن عمارة ، عن الحكم قال أحمد: أحسبه قال: سبعين حديثا فلم يكن لها أصل.
وقال عبدان ، عن أبيه ، عن شعبة: روي الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن يحيي ابن الجزار ، عن علي سبعة أحاديث ، فسألت الحكم عنها ، فقال: ما سمعت منها شيئا.
وقال علي بن الحسن بن شقيق ، قلت لابن المبارك: لم تركت أحاديث الحسن بن عمارة ؟ فقال: جرحه عندي سفيان الثوري ، و شعبة بن الحجاج ، فبقولهما تركت حديثه.
وقال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد بن حنبل: فكيف الحسن بن عمارة ؟ قال: متروك الحديث.
وقال أبو طالب أحمد بن حميد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الحسن بن عمارة متروك الحديث.
قلت له: كان له هوى ؟ قال: لا ، ولكن كان منكر الحديث ، وأحاديثه موضوعة ، لا يكتب حديثه.
وقال أحمد بن أصرم المزني: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الحسن بن عمارة ، فقال: ليس بشيء ، إنما يحدث عن الحكم ، عن يحيي ابن الجزار.
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم ، عن يحيي بن معين: لا يكتب حديثه.
وقال أبو بكر بن أبي خثيمة ، عن يحيي بن معين: ليس حديثه بشيء.
وقال معاوية بن صالح ، عن يحيي: ضعيف.
وقال عبد الله بن علي ابن المديني ، عن أبيه: ما أحتاج إلى شعبة فيه ، أمره أبين من ذلك ، قيل له: يغلط ، فقال: أي شيء كان يغلط ؟ ، و ذهب إلى أنه كان يضع الحديث.
وقال أبو حاتم ، ومسلم ، والنسائي ، والدراقطني: متروك الحديث.
وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة ، و لا يكتب حديثه.
وقال زكريا بن يحيي الساجي: ضعيف الحديث ، متروك ، أجمع أهل الحديث علي ترك حديثه.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ساقط.
وقال صالح بن محمد البغدادي: لا يكتب حديثه.
وقال عمرو بن علي: رجل صالح ، صدوق ، كثير الخطأ و الوهم ، متروك الحديث.
روي له الترمذي ، و ابن ماجه.(/8)
وقال النسائي في " مسند علي " في حديث رزين بن عقبة ، عن الحسن ، عن واصل الأحدب ، عن شقيق بن سلمة ، قال: حضرنا عليا حين ضربه ابن ملجم... الحديث: ما آمن أن يكون هذا الحسن هو ابن عمارة. اهـ.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 2/307:
وقال ابن المبارك ، عن ابن عيينة: كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدث عن الزهري جعلت أصبعي في أذني.
وقال العقيلي: حدثنا بشر بن موسي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد: لا بأس ببيع من يزيد ، كذلك كانت تباع الأخماس. قال سفيان: فحدثت به بالكوفة ، فبلغ الحسن بن عمارة ، فحدث به ، و زاد في أخره على عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
وقال العقيلي: حدثني عبد الله بن محمد بن صالح السمرقندي حثنا يحيي بن حكيم المقوم قلت لأبي داود الطيالسي: إن محمد بن الحسن صاحب الرأي حدثنا عن الحسن ابن عمارة عن الحكم عن ابن أبي ليلي عن علي قال: رأيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم قرن ، وطاف طوافين ، وسعي سعيه. فقال أبو داود ، و جمع يده إلى نحره: من هذا كان شعبة يشق بطنه من الحسن بن عمارة.
وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث.
وذكره يعقوب في باب من يرغب عن الرواية عنهم.
وقال أبو بكر البزار: لا يحتج أهل العلم بحديثه إذا انفرد.
وقال ابن المثني: ما سمعت يحيي و لا عبد الرحمن رويا عنه شيئا قط.
وقال أبو العرب: قال لي مالك بن عيسي: إن أبا الحسن الكوفي ـ يعني العجلي ـ ضعفه ، وترك أن يحدث عنه.
وقال الحميدي: ذمر عليه.
وقال يعقوب بن شيبة: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: كان بلية الحسن التدليس عن الثقات ما وضع عليهم الضعفاء ، كان يسمع من موسي بن مطير وأبي العطوف وأبان بن أبي عياش وأضرابهم ، ثم يسقط أسماءهم ، ويرويها عن مشائخه الثقات ، فالتزقت به تلك الموضوعات ، وهو صاحب حديث الدعاء الطويل بعد الوتر وهو جالس.
وقال السهيلي: ضعيف بإجماع منهم. اهـ.(/9)
حديث استفتاح النبي بصعاليك المهاجرين ضيف يستدل به الصوفية فى جواز التوسل بالذوات
---
عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: كان رسول الله يستفتح بصعاليك المهاجرين .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/81/2)ومداره على أمية بن خالد مرفوعاً بلفظ:
... يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين .
ولم تثبت صحبة أمية بن خالد، فالحديث مرسل ضعيف، وقال
ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/38): (لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل)
وقال الحافظ في "الإصابة" (1/133): (ليست له صحبة ولا رواية).
وفيه علة أخرى، وهي عنعنة أبي اسحاق.
ثم لو صح فإن معناه مخالف لما يظن البعض فقد قال المناوي في "فيض القدير": كان يستفتح أي يفتتح القتال، من قوله تعالى:( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ذكره الزمخشري.
ويستنصر أي يطلب النصرة بصعاليك المسلمين أي بدعاء فقرائهم الذين
لا مال لهم.
فقد اخرج النسائي (2/15) بلفظ: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم" وأصله في "صحيح البخاري" (6/67) فقد بين الحديث أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين،
لا بذواتهم وجاههم.(/1)
حديث الحجل
قال الهيتمي في كتابه "الفتاوى الحديثية" ـ بعد أن سئل عن رقص الصوفية أثناء الذكر ـ صفحة: (212) : ((نعم له أصل فقد رُوى في الحديث أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه رقص بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: "أشبهت خَلْقِي وخُلُقِي" وذلك من لذة الخطاب ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم)).
وكذلك استدل لرقص الصوفية بهذا الحديث كل من الغزالي في كتابه "الإحياء" (2ـ331) ومحمد بن طاهر المقدسي في كتابه "صفة أهل التصوف" صفحة: (157).
وهذه الاستدلال يرد من حيث الثبوت ، ومن حيث المعنى:
أولاً ـ من حيث الثبوت.
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده رقم: (1ـ108) قال حدثنا أسود بن عامر أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وجعفر وزيد ، فقال لزيد: أنت مولاي فحجل. وقال لجعفر: أنت أشبهت خلقي وخلقي. فحجل وراء زيد. وقال لي: أنت مني وأنا منك فحجلت وراء جعفر.
ومن طريق إسرائيل ، رواه البزار في مسنده (2ـ316) والبيهقي في السنن (10ـ226) والآداب (2ـ356)
وهذا الإسناد ضعيف:
في السند هانئ بن هانئ.
قال عنه علي بن المديني: "مجهول".
وقال حرملة نقلاً عن الشافعي: "هانئ بن هانئ لا يُعرف وأهل العلم بالحديث لا يثبتون حديثه لجهالة حديثه" .
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: "مستور".
وقال البيهقي: هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جداً ، وفي هذا إن صح دلالة على جواز الحجل ، وهو أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح ، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز ، والله اعلم.
وفي السند أيضاً أبو إسحاق السبيعي "مدلّس مختلط" ، ولم يصرح بالسماع في هذا الطريق ، فحكم السند الانقطاع ، كما هو مقرر في علم الحديث.(/1)
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (4ـ35) من طريق أخرى فقال أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها ، قال: فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه قال: هلموا أقض بينكم فيها وفي غيرها. فقال علي: ابنة عمي وأنا أخرجتها ، وأنا أحق بها. وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي. وقال زيد: ابنة أخي. فقال في كل واحد قولا رضيه ، فقضى بها لجعفر ، وقال: الخالة والدة. فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه فقال النبي عليه السلام: ما هذا.؟ قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم.
وهذا إسناد ضعيف.
لأنه مرسل ، محمد الباقر ليست له رواية عن جده الحسين بن علي ، فضلاً عن أبي جده علي ، ومثله جعفر وزيد فقد استشهدا في غزوة مؤتة ، رضي الله عنهم.
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (8ـ160) من كلام شيخه ، قال: قال محمد بن عمر: فقام جعفر فحجل حول رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا جعفر؟ فقال: يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل حوله.
وهذا إسناد شديد الضعف مع ما فيه من انقطاع بيّن
محمد بن عمر هو الواقدي ، قال الحافظ في التقريب: متروك.
ورواه البيهقي في دلائل النبوة (4ـ246): حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا الحسين بن أبي إسماعيل العلوي، ثنا أحمد بن محمد البيروتي، ثنا محمد بن أحمد بن أبي طيبة، حدثني مكي بن إبراهيم الرعيني ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر، قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر جعفر إليه حجل - قال مكي : يعني مشى على رجل واحدة - إعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه.(/2)
ورواه محمد بن جميع في كتابه "معجم الشيوخ" (1ـ171) من طريق مكي بن إبراهيم ، وكذلك الطبراني في الأوسط (6ـ335) ولكنهم قالوا: مكي بن عبد الله الرعيني نا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل إعظاماً منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه.
وهذا إسناد ضعيف أيضاً.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (5ـ209) فيه مكي بن عبد الله الرعيني ، وهو ضعيف.
وأورد الحافظ ابن حجر ، مكي بن عبد الله ، في كتابه لسان الميزان (6ـ87) وضعفه ، وعد هذا الحديث من مناكيره.
وفي الإسناد أيضاً أبو الزبير المكي ، متهم بالتدليس ، ولم يصرح بالسماع.
ثانياً ـ من حيث المعنى وفهم النص.
على فرض ثبوت الحديث ، فهو يدل على جواز الرقص كما قال الفقهاء ومنهم الإمام البيهقي كما في السنن (10ـ226) حيث عنون على هذا الحديث: باب: من رخص في الرقص إذا لم يكن فيه تكسر. وهذا مثاله ما يعرف بالرقص بالسيف والحربة ، وهذا لا إنكار عليه ، ولكن أن ينضم هذا الرقص إلى ذكر الله ، وهو العبادة المحضة ، فهذا من الباطل ، وأشد منه إذا ضمت له المعازف ، وأخذ الراقصون يلحنون بذكر الله .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار ، غفر الله له ولوالديه.(/3)
حديث الضرير
يستدل الصوفية لجواز التوسل والطلب المدد من الأموات ، بحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (9ـ30): حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المصري المقرىء ثنا أصبغ بن الفرج ثنا ابن وهب عن أبي سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني (عمير بن يزيد) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي ابن حنيف فشكى ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلى فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي. وتذكر حاجتك ، ورح حتى أروح معك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان ، فأجلسه معه على الطنفسة فقال: حاجتك.؟ فذكر حاجته وقضاها له ، ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كان الساعة ، وقال: ما كانت لك من حاجة فأذكرها ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيَّ ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ، ولكني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فتصبر.؟ فقال: يا رسول الله ليس لي قائد ، وقد شق علي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ ، ثم صل ركعتين ، ثم أدع بهذه الدعوات)) قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.(/1)
وروى الطبراني: حدثنا إدريس بن جعفر العطار ثنا عثمان بن عمر بن فارس ثنا شعبة عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. اهـ المعجم الكبير (9ـ30)
علماً أن الطبراني عندما روى الحديث من الطريق الأول في "المعجم الصغير" قال: لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة. وهو الذي يحدث عن بن أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي. وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة. تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة. والحديث صحيح.
وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وَهِمَ فيه عون بن عمارة. والصواب حديث شبيب بن سعيد. اهـ المعجم الصغير (1ـ306)
في الإسناد الأول:
طاهر بن عيسى بن قيرس المصري المقرىء ، وهو مجهول لا يعرف بالعدالة، ذكره الذهبي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال، لا يجوز الاحتجاج بخبره.
وأبو سعيد المكي هو شبيب بن سعيد ، قال الذهبي عنه في كتابه "ميزان الاعتدال" (3ـ361): صدوقٌ يُغرِب.
وقال ابن عدي عنه في كتابه "الكامل في الضعفاء" (4ـ31): يُحَدّث عنه ابن وهب بالمناكير. ثم قال ابن عدي: ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه، فيغلط ويهِم. وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب. وكانت رواية ابنه عنه من كتابه لا من حفظه، فإنه سيئ الحفظ.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب" (1ـ263): لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب.
وفي الإسناد الثاني:
إدريس بن جعفر العطار، ضعيف متهمٌ بالكذب. قال عنه الدراقطني (كما في سؤالات الحاكم صفحة: 106): متروك! وذكر له الذهبي في ميزان الاعتدال (1ـ317)، حديثاً وَضَعَه. وتبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1ـ332).
وفي الإسناد الثالث:(/2)
عون بن عمارة،. ذكره ابن حبان في المجروحين (2ـ197) ثم ذكر له هذا الحديث. وقد تقدم تصريح الطبراني أن عون وهم في رواية هذا الحديث.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "التوسل": أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: ((إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخّرتُ ذاك، فهو خير))، (وفي رواية: ((وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك)))، فقال: ادعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فشفّعه فيَّ ]وشفّعني فيه[. قال: ففعل الرجل فبرأ.
يرى المخالفون: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيراً.
وأما نحن فنرى أن هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلف فيه، وهو التوسل بالذات، بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه، لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:
أولاً: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، وذلك قوله: (أدعُ الله أن يعافيني) فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه صلى الله عليه وسلم، لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً:(/3)
(اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني، وتجعلني بصيراً). ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
((إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرت فهو خير لك)). وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ((إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه – أي عينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة)).
ثالثاً: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له، لأنه صلى الله عليه وسلم خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه صلى الله عليه وسلم دعا له، فثبت المراد، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وهي تدخل في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} كما سبق.
وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملاً من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء – كما هو ظاهر – وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.(/4)
وقد غفل عن هذا الشيخ الغماري أو تغافل، فقال في "المصباح" (24): (((وإن شئتَ دعوتُ)). أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به، ولقنتك إياه، وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره).
قلت: هذا التأويل باطل لوجوه كثيرة منها: أن الأعمى إنما طلب منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ، لا أن يعلمه دعاء، فإذا كان قوله صلى الله عليه وسلم له: ((وإن شئت دعوت)) جواباً على طلبه تعين أنه الدعاء له، ولابد، وهذا المعنى هو الذي يتفق مع آخر الحديث، ولذلك رأينا الغماري لم يتعرض لتفسير قوله في آخره: ((اللهم فشفعه في، وشفعني فيه)) لأنه صريح في أن التوسل كان بدعائه صلى الله عليه وسلم كما بيناه فيما سلف.
ثم قال: (ثم لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للضرير فذلك لا يمنع من تعميم الحديث في غيره).
قلت: وهذه مغالطة مكشوفة، لأنه لا أحد ينكر تعميم الحديث في غير الأعمى في حالة دعائه صلى الله عليه وسلم لغيره، ولكن لما كان الدعاء منه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير معلوم بالنسبة للمتوسلين في شتى الحوائج والرغبات، وكانوا هم أنفسهم لا يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، لذلك اختلف الحكم، وكان هذا التسليم من الغماري حجة عليه.(/5)
رابعاً: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أن يقول: ((اللهم فشفعه في)) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم في، أي اقبل دعائه في أن ترد عليَّ بصري، والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمراً، فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره، قال في "لسان العرب": (الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال بشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه).
فثبت بهذا الوجه أيضاً أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بذاته.
خامساً: إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: ((وشفعني فيه)) أي اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم، أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه.ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة. ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحداً منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلاً: اللهم شفع فيَّ نبيك، وشفعني فيه.(/6)
سادساً: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنفون في "دلائل النبوة" كالبيهقي وغيره، فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. ويؤيده كل من دعا به من العميان مخلصاً إليه تعالى، منيباً إليه قد عوفي، بل على الأقل لعوفي واحد منهم، وهذا ما لم يكن ولعله لا يكون أبداً.
كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره وحقه، كما يفهم عامة المتأخرين، لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم، بل ويضمون إليه أحياناً جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة، والإنس والجن أجمعين! ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.
إذا تبين للقارىء الكريم ما أوردناه من الوجوه الدالة على أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات، فحينئذ يتبين له أن قول الأعمى في دعائه: (اللهم إني أسألك، وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم) إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك، أي على حذف المضاف، وهذا أمر معروف في اللغة، كقوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها، والعير التي اقبلنا فيها} أي أهل القرية وأصحاب العير. ونحن والمخالفون متفقون على ذلك، أي على تقدير مضاف محذوف، وهو مثل ما رأينا في دعاء عمر وتوسله بالعباس، فإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك بـ (جاه) نبيك، ويا محمد إني توجهت(/7)
بـ (ذات) ك أو (مكانت) ك إلى ربي كما يزعمون، وإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك
بـ (دعاء) نبيك، ويا محمد إني توجهت بـ (دعاء) ك إلى ربي كما هو قولنا. ولا بد لترجيح احد التقديرين من دليل يدل عليه. فأما تقديرهم (بجاهه) فليس لهم عليه دليل لا من هذه الحديث ولا من غيره، إذ ليس في سياق الكلام ولا سباقه تصريح أو إشارة لذكر الجاه أو
ما يدل عليه إطلاقاً، كما أنه ليس عندهم شيء من القرآن أو من السنة أو من فعل الصحابة يدل على التوسل بالجاه، فيبقى تقديرهم من غير مرجح، فسقط من الاعتبار، والحمد لله.
أما تقديرنا فتقوم عليه أدلة كثيرة، تقدمت في الوجوه السابقة.
وثمة أمر آخر جدير بالذكر، وهو أنه لو حمل حديث الضرير على ظاهره، وهو التوسل بالذات لكان معطلاً لقوله فيما بعد: (اللهم فشفعه في، وشفعني فيه) وهذا لا يجوز كما
لا يخفى، فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها. وليس ذلك إلا على ما حملناه من أن التوسل كان بالدعاء، فثبت المراد، وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات، والحمد لله.
على أنني أقول: لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه وسلم، فيكون حكماً خاصاً به صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ككثير مما صح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته لله، فعليه أن يقف عنده، ولا يزيد عليه كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف، والله الموفق للصواب.
تنبيه:
واعلم انه وقع في بعض الطرق الأخرى لحديث الضرير السابق زيادتان لا بد من بيان شذوذهما وضعفهما، حتى يكون القارىء على بينة من أمرهما، فلا يغتر بقول من احتج بهما على خلاف الحق والصواب.(/8)
الزيادة الأولى:
زيادة حماد بن سلمة قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي.. فساق إسناده مثل رواية شعبة، وكذلك المتن إلا أنه اختصره بعض الشيء، وزاد في آخره بعد قوله: وشفع نبيي في رد بصري: ((وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك)) رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه، فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا حماد بن سلمه به.
وقد أعلَّ هذه الزيادة شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" (ص102) بتفرد حماد بن سلمة بها، ومخالفته لرواية شعبة، وهو أجلّ من روى هذا الحديث وهذا إعلال يتفق مع القواعد الحديثية، ولا يخالفها البتة، وقول الغماري في "المصباح" (ص30) بأن حماداً ثقة من رجال الصحيح، وزيادة الثقة مقبولة، غفلة منه أو تغافل عما تقرر في المصطلح، أن القبول مشروط بما إذا لم يخالف الراوي من هو أوثق منه، قال الحافظ في "نخبة الفكر": (والزيادة مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فإن خولف بأرجح، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ).
قلت: وهذا الشرط مفقود هنا، فإن حماد بن سلمة، وإن كان من رجال مسلم، فهو
بلا شك دون شعبة في الحفظ، ويتبين لك ذلك بمراجعة ترجمة الرجلين في كتب القوم، فالأول أورده الذهبي في "الميزان" وهو إنما يورد فيه من تُكُلَّم فيه، ووصفه بأنه (ثقة له أوهام) بينما
لم يورد فيه شعبة مطلقاً، ويظهر لك الفرق بينهما بالتأمل في ترجمة الحافظ لهما، فقد قال في "التقريب": (حماد بن سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره) ثم قال: (شعبة بن الحجاج ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وكان عابداً).(/9)
قلت: إذا تبين لك هذا عرفت أن مخالفة حماد لشعبة في هذا الحديث وزيادته عليه تلك الزيادة غير مقبولة، لأنها منافية لمن هو أوثق منه فهي زيادة شاذة كما يشير إليه كلام الحافظ السابق في "النخبة" ولعل حماداً روى هذا الحديث حين تغير حفظه، فوقع في الخطأ، وكأن الإمام أحمد أشار إلى شذوذ هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث من طريق مؤمَّل (وهو ابن اسماعيل) عن حماد – عقب رواية شعبة المتقدمة – إلا أنه لم يسق لفظ الحديث، بل أحال به على لفظ حديث شعبة، فقال: (فذكر الحديث) ويحتمل أن الزيادة لم تقع في رواية مؤمل عن حماد، لذلك لم يشر إليها الإمام أحمد كما هي عادة الحفاظ إذا أحالوا في رواية على أخرى بينوا ما في الرواية المحالة من الزيادة على الأولى.
وخلاصة القول: إن الزيادة لا تصح لشذوذها، ولو صحت لم تكن دليلاً على جواز التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، لاحتمال أن يكون معنى قوله: ((فافعل مثل ذلك)) يعني من إتيانه صلى الله عليه وسلم في حال حياته، وطلب الدعاء منه والتوسل به، والتوضؤ والصلاة، والدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو به. والله أعلم.
الزيادة الثانية:(/10)
قصة الرجل مع عثمان بن عفان، وتوسله به صلى الله عليه وسلم حتى قضى له حاجته، وأخرجها الطبراني في "المعجم الصغير" (ص103-104) وفي "الكبير" (3/2/1/1-2) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان: إئت الميضأة، فتوضأ، ثم ائت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل، فقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إليَّ حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله عليه، فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فتصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ائت الميضأة، فتوضأ ثم صلي ركعتين، ثم ادعُ بهذه الدعوات)) قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني: (لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي – واسمه عمير بن(/11)
يزيد – وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح).
قلت: لا شك في صحة الحديث، وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني، وشبيب هذا متكلم فيه، وخاصة في رواية ابن وهب عنه، لكن تابعه عنه إسماعيل وأحمد ابنا شبيب بن سعيد هذا، أما إسماعيل فلا أعرفه، ولم أجد من ذكره، ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه، بخلاف أخيه أحمد فإنه صدوق، وأما أبوه شبيب فملخص كلامهم فيه: أنه ثقة في حفظه ضعف، إلا في رواية ابنه أحمد هذا عنه عن يونس خاصة فهو حجة، فقال الذهبي في "الميزان": (صدوق يغرب، ذكره ابن عدي في "كامله" فقال..له نسخة عن يونس بن يزيد مستقيمة، حدث عنه ابن وهب بمناكير، قال ابن المديني: كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه صحيح قد كتبته عن ابنه أحمد. قال ابن عدي: كان شبيب لعله يغلط ويهم إذ حدث من حفظه، وأرجو أنه لا يتعمد، فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه يونس آخر. يعني يجوَّد).(/12)
فهذا الكلام يفيد أن شبيباً هذا لا بأس بحديثه بشرطين اثنين: الأول: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، والثاني: أن يكون من رواية شبيب عن يونس، والسبب في ذلك أنه كان عنده كتب يونس بن يزيد، كما قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" عن أبيه (2/1/359)، فهو إذا حدث من كتبه هذه أجاد، وإذا حدث من حفظه وهو كما قال ابن عدي، وعلى هذا فقول الحافظ في ترجمته من "التقريب": (لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب) فيه نظر، لأنه أوهم أنه لا بأس بحديثه من رواية أحمد مطلقاً، وليس كذلك، بل هذا مقيد بأن يكون من روايته هو عن يونس لما سبق، ويؤيده أن الحافظ نفسه أشار لهذا القيد، فإنه أورد شبيباً هذا في "من طعن فيه من رجال البخاري" من "مقدمة فتح الباري" (ص133) ثم دفع الطعن عنه – بعد أن ذكر من وثقه وقول ابن عدي فيه – بقوله: (قلت: أخرج البخاري من رواية ابنه عنه عن يونس أحاديث، ولم يخرج من روايته عن غير يونس، ولا من رواية ابن وهب عنه شيئاً).
فقد أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الطعن قائم في شبيب إذا كانت روايته عن غير يونس، ولو من رواية ابنه أحمد عنه، وهذا هو الصواب كما بينته آنفاً، وعليه يجب أن يحمل كلامه في "التقريب" توفيقاً بين كلاميه، ورفعاً للتعارض بينهما.
إذا تبين هذا يظهر لك ضعف هذه القصة، وعدم صلاحية الاحتجاج بها. ثم ظهر لي فيها علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها، فقد أخرج الحديث ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص202) والحاكم (1/526) من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون القصة، وكذلك رواه عون بن عمارة البصري ثنا روح ابن القاسم به، أخرجه الحاكم، وعون هذا وإن كان ضعيفاًً، فروايته أولى من رواية شبيب، لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.
وخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة، لأمور ثلاثة:(/13)
ضعف حفظ المتفرد بها، والاختلاف عليه فيها، ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في
الحديث، وأمر واحد من هذه الأمور كاف لإسقاط هذه القصة، فكيف بها مجتمعة؟
ومن عجائب التعصب واتباع الهوى أن الشيخ الغماري أورد روايات هذه القصة في "المصباح" (ص12و17) من طريق البيهقي في "الدلائل" والطبراني، ثم لم يتكلم عليها مطلقاً لا تصحيحاً ولا تضعيفاً، والسبب واضح، أما التصحيح فغير ممكن صناعة، وأما التضعيف فهو الحق ولكن... ونحو ذلك فعل من لم يوفق في "الإصابة"، فإنهم أوردوا (ص21-22) الحديث بهذه القصة، ثم قالوا: (وهذا الحديث صححه الطبراني في "الصغير" و"الكبير")!
وفي هذا القول على صغره جهالات:
أولاً: أن الطبراني لم يصحح الحديث في "الكبير" بل في "الصغير" فقط، وأنا نقلت الحديث عنه للقارئين مباشرة، لا بالواسطة كما يفعل أولئك، لقصر باعهم في هذا العلم الشريف (ومن ورد البحر استقل السواقيا).
ثانياً: أن الطبراني إنما صحح الحديث فقط دون القصة، بدليل قوله وقد سبق: (قد روى الحديث شعبة...والحديث صحيح) فهذا نص على أنه أراد حديث شعبة، وشعبة لم يرو هذه القصة، فلم يصححها إذن الطبراني، فلا حجة لهم في كلامه.(/14)
ثالتاً: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يُعَلَّم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه، فإنه أسقط منه جملة ((اللهم شفعه في وشفعني فيه)) لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً لذلك الرجل، كما كان داعياً للأعمى، ولما كان هذا منفياً بالنسبة للرجل، لم يذكر هذه الجملة؟ قال شيخ الإسلام (ص104): (ومعلوم أن الواحد بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه – مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعُ له – كان هذا كلاماً باطلاً، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا أن يقول: (فشفعه في)، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة، ولا ما يظن أنه شفاعة، فلو قال بعد موته: (فشفعه في) لكان كلاماً لا معنى له، ولهذا لم يأمر به عثمان، والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، والذي أمر به ليس مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الايجابات أو التحريمات، إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه ولا يوافقه، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول).
ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة، ولم يتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء، ونحو ذلك فراجعه.(/15)
ثم قال: وإذا كان في ذلك كذلك، فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له، ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته صلى الله عليه وسلم يتوسلون فلما مات لم يتوسلوا به، بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر: لا يأكل سميناً حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون. وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة، ولم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته، فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما، ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق، وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله؟ فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره، وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به، لا بذاته).(/16)
هذا، وفي القصة جملة إذا تأمل فيها العاقل العارف بفضائل الصحابة وجدها من الأدلة الأخرى على نكارتها وضعفها، وهي أن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه كان لا ينظر في حاجة ذلك الرجل، ولا يلتفت إليه! فكيف يتفق هذا مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تستحي من عثمان، ومع ما عرف به رضي الله عنه من رفقه بالناس، وبره بهم، ولينه معهم؟ هذا كله يجعلنا نستبعد وقوع ذلك منه، لأنه ظلم يتنافى مع شمائله رضي الله عنه وأرضاه.(/17)
حديث بلال بن الحارث
يستدل الصوفية "هدانا الله وإياهم" على جواز الاستغاثة بغير الله ، وطلب المدد ....، بحديث بلال بن الحارث رضي الله عنه في الاستسقاء ... ، ويقول داعية التصوف "علي الجفري" في إحدى دروسه : ((يشتد القحط فيأتي كما ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني ، في فتح الباري ، في المجلد الثاني ، في كتاب الاستسقاء ، ورواه البيهقي والحاكم وابن خزيمة بسند صحيح ، أن بلال بن الحارث المزني ، وهو من أصحاب المصطفى ، جاء إلى قبر رسول الله ، في سنة مقحطة في عهد عمر ، ووقف على القبر الشريف ، وقال: يا رسول الله لقد هلك .......))
أولاً ـ لكي تعلموا مدى أمانة النقل عند الداعية علي الجفري ، وكيف أنه يستخف بعقول من يخاطب ، أفيدكم بأنه قد كذب على الحاكم ، وعلى ابن خزيمة ، لأن أحداً منهما لم يرو هذا الحديث في أي من كتبهما ، ولم ينقله أحد عنهما.!!!
ثانياً ـ إن الذي في فتح الباري ، مخالف لما نقله الجفري ، ففي فتح الباري (2ـ495) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وروى ابن أبي شيبة ، بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار ، وكان خازنَ عمر ، قال: أصاب الناسَ قحط في زمن عمر ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأُتي الرجل في المنام ، فقيل له: ائت عمر .. الحديث ، وقد روى سيف ، في الفتوح ، أن الذي رأى المنام المذكور ، هو بلال بن الحارث المزني ، أحد الصحابة. اهـ. بحروفه(/1)
قلت: قال ابن أبي شيبة ، في المصنف ، رقم (31993) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار ـ وكان خازنَ عمر على الطعام ـ قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله استسق لأمتك ، فإنهم قد هلكوا ، فأُتي الرجل في المنام ، فقيل له: إيت عمر فأقرئه السلام ، وأخبره أنكم مسقون، وقل له: عليك الكيس ، عليك الكيس ، فأتى عمرَ فأخبره ، فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه .
ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار ، رواه البيهقي في دلائل النبوة (7ـ47) .
وفيما تقدم عدة نقاط:
أولاً ـ عدم تصريح الأعمش بالسماع من أبي صالح ، وهو مدلس ، وعليه يحكم على الإسناد بالانقطاع ، كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث.
ثانياً ـ إن قولَ الحافظ: (بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار) ليس نصاً في تصحيح جميع السند ، بل إلى أبي صالح فقط ، ولولا ذلك لقال بإسناد صحيح ، والعلماء إنما يفعلون هذا لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة ، فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السند كله ، لما فيه من إيهام صحته ، خاصة إذا علمنا أن الحافظ ابن حجر ـ وهو سيد من كتب في تراجم الرجال ـ لم يعرف مالك الدار ، ولم يأت له بترجمة ، في أي من كتبه ، وكما أن البخاري في كتابه التاريخ (7ـ304) وابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل (8ـ213) لم ينقلا توثيقاً في ترجمته مالك ، عن أي أحد من علماء الجرح والتعديل ، مع كثرة اطلاعهما ، وقال الحافظ المنذري ـ وهو من المتأخرين ـ في كتابه الترغيب والترهيب (2ـ29): ومالك الدار لا أعرفه.
ثالثاً ـ إن هذه الرواية وعلى فرض صحة السند فيها إلى مالك الدار ، وعلى فرض أن مالك الدار ، ثقة ثبت ، فإنه يرويها عن رجل أتى القبر ... ، وبإبهام هذا الرجل يحكم على السند أيضاً بالانقطاع ، كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث.(/2)
وأما بالنسبة للتصريح بكون بلال بن الحارث ، هو الذي جاء إلى القبر ، فهذا مما لا يصح بحال ، حيث لم يأت التصريح بكونه بلال بن الحارث ، إلا من طريق سيف بن عمر ، وهو أخباري متهم بوضع الحديث ، فضلاً عن بقية السند ، والذي فيه ما فيه ، ولكن ما قيل في سيف وحده يكفي لرد السند أصلاً ، وإليكم ما قاله علماء الجرح والتعديل ، في سيف.
قال الحافظ الذهبي ، في ميزان الاعتدال (3ـ353) في ترجمة سيف بن عمر: إن يحيى بن معين ، قال فيه: فِلسٌ خيرٌ منه ، وقال أبو داود: ليس بشيء ، وقال أبو حاتم: متروك ، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة ، وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر ، وقال مكحول البيروتي: كان سيف يضع الحديث ، وقد اتهم بالزندقة .
وقال ابن الجوزي في كتابه ، الضعفاء والمتروكين (2ـ35) رقم: 1594: سيف بن عمر الضبي ، قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث ، فِلسٌ خير منه ، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث ، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف ، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات ، وقال إنه يضع الحديث. اهـ
ومن أراد مراجعة سند سيف بن عمر ، فليراجع تاريخ الطبري (2ـ508) والبداية والنهاية (7ـ104).
وقد أورد بعضهم شبهاً على تحقيق ضعف إسناد حديث مالك الدار فقال: قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال (3 ـ316): متى قال ـ أي الأعمش ـ "عن" تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال. انتهى
وإسناد حديث مالك الدار يرويه الأعمش عن أبي صالح ، فأخذ من هذا النص عدم اعتبار العنعنة في هذا الإسناد من الأعمش.
وفي رد هذه الشبهة أقول:
يعتبر تحرير مسألة تدليس الأعمش ، من أهم المسائل التي يجب على طلبة العلم البحث والتحقيق في حالها ، وذلك نظراً لشهرة هذا الإمام وكثرة مروياته.
كيف تعامل العلماء مع تدليس الأعمش.(/3)
أثبت العلماء تدليس الأعمش ، واختلفوا في تقييم تدليسه والتعامل معه.
فمنهم من رد أسانيده التي لم يصرح فيها بالسماع.
ومنهم من غض الطرف عن عنعنته ولم يعتبرها.
ومنهم من قبل عدم تصريحه بالسماع من رواة ، ورفضه في آخرين.
ومنهم من اضطرب فيه فمرة قبلها ومرة ردها.
وصف تدليس الأعمش:
1ـ الأعمش يكثر من التدليس.
ثبت تدليس الأعمش عن أكثر من عشرين شيخاً ، وعن أحدهم أكثر من مائة حديث. كما في "تهذيب الكمال" و "تحفة التحصيل" (1ـ134).
وقال ابن المبارك رحمه الله عن تدليس الأعمش: «إنما أفسد حديث أهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش لكم».
وقال المغيرة: «أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعيمشكم هذا».
وقال سليمان الشاذكوني: «من أراد التديّن بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش ولا عن قتادة، إلا ما قالا: سمعناه».
كما في "معرفة علوم الحديث" (1ـ107)
وعبارة: أفسد حديث أهل الكوفة ، من أسوء العبارات التي يتهم بها مدلس ، حيث من المعلوم أن تسعة أعشار التدليس في زمن الأعمش كان بالكوفة.
2ـ الأعمش يدلس تدليس التسوية أيضاً.
قاله النووي في "الإرشاد" (34) ، والخطيب في "الكفاية" (364)، ونقل في (365) عن عثمان بن سعيد الدارمي أن الأعمش ربما فعل هذا.
3ـ الأعمش يدلس رجالاً ضعفاء ومتروكين.
قال العلائي في "جامع التحصيل" (1ـ101): «قال أبو معاوية: كنت أحدث الأعمش عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد. فيجيء أصحاب الحديث بالعشي، فيقولون: حدثنا الأعمش عن مجاهد بتلك الأحاديث. فأقول: أنا حدثته عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد. والأعمش قد سمع من مجاهد. ثم يراه يدلس عن ثلاثة عنه، وأحدهم متروك، وهو الحسن بن عمارة».(/4)
وقال ابن عبد البر في التمهيد (1ـ30) «وكل من عرف أنه لا يأخذ إلا عن ثقة فتدليسه ومرسله مقبول ، فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح ، وقالوا مراسيل عطاء والحسن لا يحتج بها لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد ، وكذلك مراسيل أبي قلابة وأبي العالية ، وقالوا لا يقبل تدليس الأعمش، لأنه إذا وقف، أحال على ملأ ، يعنون ثقة. إذا سألته عمن هذا؟ قال عن موسى بن طريف ، وعباية بن ربعي ، والحسن بن ذكوان».
وموسى بن طريف: كذاب.
وعباية بن ربعي: متروك متهم في دينه.
والحسن بن ذكوان: ضعيف.
كيف قيم العلماء تدليس الأعمش
اضطرب تقيم الحافظ ابن حجر رحمه الله ، لتدليس الأعمش بعض الشيء ، ففي كتابه "طبقات المدلسين" عد تدليس الأعمش في الطبقة الثانية مع الثوري وابن عيينة.
وفي كتابه "النكت" عد تدليسه في الطبقة الثالثة ، التي تلي طبقة الثوري وابن عيينة.
وقال العلائي في "جامع التحصيل" صفحة (113): «ثانيهما: من احتمل الأئمة تدليسه وخرجوا له في الصحيح وإن لم يصرح بالسماع وذلك إما لإمامته أو لقلة تدليسه في جنب ما روى أو لأنه لا يدلس إلا عن ثقة كالزهري وسليمان الأعمش وإبراهيم النخعي».
قلت: وفي هذا حيف كبير للزهري وأمثاله.
تقسيم الذهبي لتدليس الأعمش
قسم الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه "ميزان الاعتدال" (3ـ316) تدليس الأعمش فقال في ترجمته: «وهو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به ، فمتى قال: أخبرنا فلان فلا كلام ، ومتى قال: عن تطرق إليه احتمال التدليس ، إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم ، وأبي وائل ، وأبي صالح السمان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال».
واعتماد الذهبي رحمه الله ، على تقسيم تدليس الأعمش هذا مبني على استقراءه لحديثه ، والحق أن هناك ما ينقض هذا التقيسم ، وفق قاعدة: المثبت مقدم على النافي.(/5)
فقد قال الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" (1ـ35): «عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه أذى. قال الحاكم: هذا حديث رواته كوفيون وبصريون ممن لا يدلسون وليس ذلك من مذهبهم ورواياتهم سليمة وإن لم يذكروا السماع ، وأما ضد هذا من الحديث فمثاله ما حدثناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء أنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ذكرنا ليلة القدر ....
قال الحاكم رحمه الله: لم يسمع هذا الحديث الأعمش من أبي صالح وقد رواه أكثر أصحابه عنه هكذا منقطعاً فأخبرني عبد الله بن محمد بن موسى ثنا محمد بن أيوب حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا خلاد الجعفي حدثني أبو مسلم عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش عن الأعمش عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: ذكرنا ليلة القدر ....»
وقال ابن معين: «قال سفيان الثوري لم يسمع الأعمش هذا الحديث من أبي صالح الإمام ضامن.
كما في "تاريخ ابن معين" رواية الدوري. (3ـ497)
وقال الإمام أحمد: «كان الأعمش يدلس هذا الحديث لم يسمعه من أبي وائل. قال مهنا ـ تلميذ الإمام أحمد ـ فقلت له: عمن هو؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي وائل فطرح الحسن بن عمرو وجعله عن أبي وائل».اهـ
كما في كتاب "تحفة التحصيل" (1ـ134).
وقال سفيان الثوري: «لم يسمع الأعمش حديث إبراهيم الوضوء من القهقهة منه ، وروى الأعمش هذا الحديث عن أبي صالح». اهـ
كما في كتاب "تحفة التحصيل" (1ـ134).(/6)
وكان الحافظ ابن حجر رحمه الله ، يتخوف من رواية الأعمش عن أبي صالح وأبي وائل بالعنعنة , وإن كانت في الصحيح ، فقد قال في الفتح (12ـ82): «فيه: سمعت أبا هريرة وكذا في رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح سمعت أبا هريرة وسيأتي بعد سبعة أبواب في باب توبة السارق وقال ابن حزم: وقد سلم من تدليس الأعمش. قلت: ولم ينفرد به الأعمش، أخرجه أبو عوانة في صحيحه من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح».
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11ـ559): «قوله عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الشرب من رواية أبي حمزة وهو السكري وفي الأشخاص من رواية أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن شقيق وقد تقدم قريبا من رواية شعبة عن سليمان وهو الأعمش ويستفاد منه أنه مما لم يدلس فيه الأعمش فلا يضر مجيئه عنه بالعنعنة».
وروى ابن عبد البر بإسناده أن الأعمش كان يدلس حديث إبراهيم التيمي: «.... حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري قال: حدثنا سليمان الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة.
قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال سفيان وشعبة: لم يسمع الأعمش هذا الحديث من إبراهيم التيمي.
قال ابن عبد البر: هذه شهادة عدلين إمامين على الأعمش بالتدليس وأنه كان يحدث عن من لقيه بما لم يسمع منه». اهـ التمهيد (1ـ30)
وقال ابن مهدي: «حديث الأعمش من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة ليس من صحيح حديث الأعمش». اهـ
العلل لابن أبي حاتم (1ـ97)
ومعنى أنه ليس من صحيح حديث الأعمش أنه دلسه ، كما مر عن سفيان وشعبة والقطان.
ومن التقسيم المعتبر لتدليس الأعمش
ما جاء عن شعبه رحمه الله ، حيث قال: «كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبي إسحاق وقتادة.(/7)
قال الحافظ: فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو كانت معنعنة». اهـ
طبقات المدلسين (1ـ58).
هذا ما وقفت عليه من النقول المهمة في بيان حال تدليس الأعمش "رحمه الله" ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو أحمد محمد أمجد البيطار ، غفر الله له ولوالديه.(/8)
... ... ...
حديث علم الباطن سر من سر الله عز و جل حديث موضوع
---
عن على بن ابى طالب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (( علم الباطن سر من سر الله عز و جل ، و حكم من أحكام الله تعالى يقذفه الله عز و جل في قلوب من يشاء من اوليائه ))
موضوع اخرجة بن الجوزى في الواهيات 1/74 و قال الذهبى في التلخيص باطل و أورده ابن عراق في تنزيه الشريعة و غيره و حكموا عليه بالوضع .(/1)
حديث فاطمة بنت أسد
مما يستدل به الصوفية في جواز التوسل بالذوات
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحاصل عند رأسها فقال: ((رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك طيبا وتطعميني تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة ثم أمر أن تغسل ثلاثاً فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه فقال: الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسع عليها مدخلها ، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ، فإنك أرحم الراحمين. وكبر عليها أربعاً ، وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم)).
والمشين أن داعية التصوف علي الجفري قد كذب على الإمام الهيثمي ، فروى هذا الحديث وقال: روى نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد بسند رجاله ثقات ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ألحد أمه ......... اضغط هنا
وإليكم أخواني بيان الكذب في النقل عند داعية التصوف علي الجفري ، فقد روى الهيثمي هذا الحديث في كتابه مجمع الزوائد رقم /15399/ الجزء التاسع صفحة /256/ وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه روح بن صلاح ، وثقه ابن حبان والحاكم ، وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
فانظروا كيف قلب الكلام رأساً على عقب ، من تصريح الهيثمي بضعف روح بن صلاح ، إلى عبارة بسند رجاله ثقات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(/1)
بقي أن تعرفوا إخواني أن الطبراني بعدما روى هذا الحديث في المعجم الأوسط ـ وهو كتاب خاص فيما يتفرد به الرواة ـ /189ـ1ـ68/ قال: تفرد به روح بن صلاح.
ورواه أبو نعيم في الحلية /3ـ121/ وقال: لم نكتبه إلا من حديث روح بن صلاح تفرد به.
وأورد الحديث ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية /433ـ1ـ270/ وحكم بضعف الحديث ، وبجهالة روح بن صلاح.
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان /1876ـ2ـ465/ عن روح بن صلاح: ذكره ابن يونس في تاريخ الغرباء فقال: رويت عنه مناكير ، وقال الدارقطني: ضعيف في الحديث ، وقال ابن ماكولا: ضعفوه.
وأورده ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال /667ـ3ـ146/ وقال: ولروح بن صلاح أحاديث ليست بالكثيرة وفي بعض حديثه نكرة.
ولا تصح تقوية هذا الحديث اعتماداً على توثيق ابن حبان والحاكم لروح بن صلاح ، لما عرفا به من التساهل في التوثيق، كذلك فإن الجرح مقدم على التعديل باتفاق العلماء ، خاصة إذا كان الجرح مبيناً كما هنا في الراوي روح بن صلاح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(/2)
حديث يا عباد الله أعينوا
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ، أما بعد:
يستدل الصوفية لجواز الاستغاثة بأهل الأضرحة وطلب المدد من الأموات بحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا عليّ ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم))
هذا الحديث له طرق وألفاظ:
الطريق الأول:
أخرجه الطبراني (3/81) وأبو يعلى في مسنده (1/254 ) وابن السني في عمل اليوم والليلة صفحة (50).
كلهم من طريق معروف بن حسان السمرقندي عن سعيد بن عروبة عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا عليّ ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم))
وفي هذا الطريق علل:
أ - أن معروف بن حسان السمرقندي غير معروف، كما قال الحافظ في لسان الميزان ( 6/61).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/323) عن أبيه " مجهول "
وقال ابن عدي في الكامل ( 6/325):" منكر الحديث قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة "
وقال الهيثمي في المجمع (10/132):" هو ضعيف ".
ب - الانقطاع بين عبد الله بن بريدة وابن مسعود ، قاله الحافظ ابن حجر ، كما في شرح الأذكار لابن علان (5/150)
ج- أن سعيد بن أبي عروبة: اختلط، قال النسائي: من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء. ومعروف بن حسان من الصغار ولم يسمع منه قبل الاختلاط إلا الكبار. وكان بدأ اختلاط سعيد بن أبي عروبة سنة (132) واستحكم سنة (148) كما قال الإمام البزار.
د- إن سعيد بن أبي عروبة مدلس كثير التدليس ، وقد روى هذا الحديث معنعناً من غير تصريح بالسماع من عبد الله بن بريدة ، فحكمه الانقطاع.(/1)
هـ- أن معروفاً قد تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه، دون باقي أصحاب سعيد بن أبي عروبة ؛ إذ كيف يكون هذا الحديث عند سعيد عن قتاده ثم يغيب عن أصحاب سعيد الحفاظ الأثبات الذين أطالوا صحبته واعتنوا بحديثه ، من أمثال يحيى القطان وإسماعيل بن علية وأبي أسامة وخالد بن الحارث وأبي خالد الأحمر وسفيان وشعبة وعبد الوارث وابن المبارك والأنصاري وغندر وابن أبي عدي وغيرهم عشرات حتى يأتي به هذا الشيخ المجهول المنكر الحديث.
الطريق الثاني:
روى ابن أبي شيبة في المصنف (10/424): ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نفرت دابة أحدكم أو بعيره بفلاة من الأرض لا يرى بها أحداً فليقل: أعينوني عباد الله ، فإنه سيعان))
وفي هذا الطريق علل:
أ – عنعنة محمد بن إسحاق ، فهو مدلس مشهور به.
ب – الإرسال ، لأن أبان بن صالح من التابعين ، بل من صغارهم.
الطريق الثالث:
روى البزار عن موسى بن إسحاق حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله ملائكة في الأرض يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدَكم عرجةٌ بفلاةٍ من الأرض فلينادِ يا عباد الله أعينوا )) زوائد مسند البزار (303)
وروى البيهقي في شعب الإيمان (6 – 128) حدثنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا: حدثنا أبو العباس الأصم نا عبد الملك بن عبد الحميد نا روح نا أسامة بن زيد ح(/2)
وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله بن يعقوب نا محمد بن عبد الوهاب نا جعفر بن عون أنا أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن لله عز و جل ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح فليقل : عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله فإنه سيعان لفظ حديث جعفر و في رواية روح إن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فما أصاب أحدا منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل : أعينونا عباد الله رحمكم الله فإنه يعان إن شاء الله.
وفي هذا الطريق علل:
أ – فيه أسامة بن زيد الليثي قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يهم.
وقال أحمد: ليس بشيء ، وقال عبد الله لأبية أحمد أراه حسن الحديث فقال أحمد: إن تدبرت حديثه فسوف تعرف فيه النكرة.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وتركه يحيى بن سعيد القطان وقال: اشهدوا أني قد تركت حديثه. تهذيب التهذيب (1/209)
ب – أن جعفر بن عون وروح بن عبادة ، قد خالفا حاتم بن إسماعيل فرويا الحديث موقوفاً على ابن عباس ، وهما ثقتان حافظان ، وحاتم فيه ضعف ، واحتمال تحمل ابن عباس الحديث من مسلمة أهل الكتاب وارد.
الطريق الرابع:
روى الطبراني في المعجم الكبير (17- 117) حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا أحمد بين يحيى الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن زيد بن علي عن عتبة بن غزوان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ، فإن لله عباداً لا نراهم)) وقد جرب ذلك.
وفي هذا الطريق علل:
أ – فيه عبد الرحمن بن شريك ، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ.
ب – وفيه شريك بن عبد الله ، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً.(/3)
ج – الانقطاع بين زيد بن علي وبن عتبة بن غزوان ، كما قال الحافظ انظر شرح الأذكار لابن علان (5/151)
تنبيه:
ورد عن بعض أهل العلم قولهم أن هذا الحديث قد جُرّب فوجد حقاً ، وهذا لا يقدم ولا يؤخر في ثبوت الحديث شيئاً ، لأن ميزان ثبوت النصوص صحة نقلها بشروطها باتفاق أهل الملة.
وقد روى الهروي "رحمه الله" في كتابه ذم الكلام (4ـ 68ـ1) : أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق ، وكان قد بلغه أن من ضل في مفازة فنادى: عباد الله أعينوني. أُعين. قال: فجعلت أطلب الجزء أنظر إسناده. قال الهروي: فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده.
ولو صح شيء من هذه الأحاديث أو الآثار فليس فيها أي دلالة على الاستغاثة بغير الله لأنه ورد في بعض هذه الأحاديث أن المقصود بذلك الملائكة ، والملائكة أحياء.
أما أهل القبور فقد قال الله تعالى: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إِن تدعوهم لا يسمعون دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}. [فاطر: 13]
والاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه جائزة ، كما في قوله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام : {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}(/4)
يقول الأستاذ عبد الرحمن بن محمد سعيد: " ولو فرضنا أن الرواية بلغت مرتبة الحسن فإنها شاذة بالنسبة لما خالفها من الروايات الأصح سنداً، ابتداء من كتاب ربنا: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، [الإسراء: 67] ولا فرق بين الأرض الفلاة وبين البحر، وتتعارض وقوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 63، 64] فالآية تؤكد أن الله وحده هو المنجي لعباده في البر والبحر.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار غفر الله له ولوالديه.(/5)
حكاية الإمام مالك مع المنصور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.. أما بعد:
فإن حكاية الإمام مالك مع المنصور هي ما روي من طريق يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا ابن حميد، قال: [[ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين! لا ترفع صوتك في هذا المسجد،... فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله، أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم- عليه السلام- إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعك الله، قال الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)) [النساء:64]]]، وقد احتج بهذه الحكاية جماعة( [1]) على جواز التوسل بالذوات.
مناقشة هذه الحكاية رواية ودراية:
فأما رواية فإن في إسناد هذه الحكاية العلل التالية:
العلة الأولى: محمد بن حميد الرازي راوي الحكاية عن مالك متهم بالكذب، قال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزقاني: رديء المذهب، غير ثقة، وقال إسحاق بن منصور الكوسج:
أشهد على محمد بن حميد، وعبيد بن إسحاق العطار، بين يدي الله أنهما كذابان، وقال صالح بن محمد: كل شيء يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه، وقال أبو زرعة وابن وارة: صح عندنا أنه يكذب، وقد وثقه أحمد وابن معين، والراجح عدم توثيقه، وأما الذين وثقوه فعذرهم أنهم لم يعرفوه، قال ابن خزيمة عندما قيل له: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه، قال: إنه لم يعرفه ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً( [2]).(/1)
والسبب في هذا أن الذين كذبوه هم أهل بلده من الخراسانيين، الذين خبروا حاله عن كثب، ولعله عندما اجتمع بأحمد وابن معين ببغداد اختار لهم أحاديثه الصحيحة، ويدل لذلك قول ابن معين عندما سأل أبا حاتم الرازي: أي شيء تنقمون عليه؟ فأخبره السبب، فذكر ابن معين أنه عندما قدم أخذوا منه كتاب يعقوب القمي ففرقوا الأوراق وسمعوه( [3])، فهذا يدل على الرجوع عن توثيقه، وهناك رواية تدل على رجوع أحمد عن توثيقه ذكرها ابن حبان من طريق صالح بن أحمد عن أبيه( [4]).
وبهذا نصل إلى أن جرحه مقدم على توثيقه للأمور التالية:
1- أنه جرح مفسر.
2- أن الذين جرحوه، بعضهم من أهل بلده وهم أخبر بحاله.
3- ثم هناك ما يدل على أن الذين وثقوه رجعوا عن توثيقه عندما أخبروا بحاله الحقيقي.
وبهذا يسقط اتهام الكوثري لابن عبد الهادي بإهمال كلام من أثنى عليه، وأنه يذكر الجرح ويغفل التعديل في الأدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه( [5])، يعني ابن تيمية، هكذا زعم الكوثري، ولكن هذه التهمة ساقطة لأن ابن عبد الهادي من النقاد الكبار، يعرف أن ثناء من أثنى عليه لا قيمة له مع ثبوت الجرح المفسر فيتركه.
ثم إن الكوثري نفسه رجح عدم توثيقه في مكان آخر، فقال في المقالات:محمد بن حميد الرازي مختلف فيه، وقد كذبه كثيرون أشنع تكذيب( [6]).
كما قال في موضع آخر: لا يحتج به عند كثيرين( [7]).
وما هذا إلا من التناقض العجيب الذي يقع فيه من يتبع الهوى.
العلة الثانية: الانقطاع بين ابن حميد هذا وبين مالك بن أنس الإمام، فإنه لم يسمع من مالك ولم يلقه ويدل على هذا أمور:
1- أن مولده كما قال الذهبي في حدود الستين ومئة( [8]) وتوفي مالك عام (179هـ).
2- ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه كما قاله شيخ الإسلام( [9]).(/2)
3- ويؤكد هذا أن أبا جعفر المنصور قد حج عدة مرات:في عام (140هـ) و(144هـ و147هـ و152هـ)، وهذه الأعوام هي التي يمكن أن يجتمع بمالك في المدينة، وأما حجته الأخيرة وهي عام 158هـ فقد توفي في الحج ولم يصل المدينة( [10])، ولا يمكن لابن حميد أن يحضر المناظرة في هذه الأعوام التي أشرنا إليها؛ لأنه لا يمكن أن يحضر المدينة في آخر قدمة قدمها المنصور وهو عام 152هـ لأمرين:
الأول: أنه لم يولد إلا في حدود الستين كما قاله الذهبي، فهذه المناظرة على فرض صحتها قبل ولادته.
الثاني: لو فرضنا ولادته لا يمكن حضوره المناظرة لأنه لم يرحل إلا وهو كبير، وهو في خراسان، والقصة في المدينة.
وقد حاول الكوثري نفي هذا الانقطاع بأن عمر ابن حميد عند وفاة مالك لا يقل عن نحو خمس عشرة سنة، وهذا الذي قاله يشهد عليه لا له؛ لأن المناظرة على فرض وقوعها حصلت على أكبر تقدير عام (152هـ)، وبين هذا التاريخ ووفاة مالك عام (179هـ) سبع وعشرون سنة، وباعترافه هذا فابن حميد ولد بعد المناظرة قطعاً، وليس من أهل المدينة ولم يرحل إلا بعد ما كبر وتوفي عام (248هـ).
العلة الثالثة: إن في الطريق إلى ابن حميد من ليس بمعروف كما قاله شيخ الإسلام( [11]).
وقال ابن عبد الهادي: إسناد مظلم منقطع وهو مشتمل على من يتهم بالكذب، وعلى من يجهل حاله( [12]).
العلة الرابعة: إن مالكاً -رحمه الله- لو ثبت عنه- وهيهات ذلك- لم يسندها فهي مقطوعة فليس في ذلك حجة بل الحجة فيما ثبت بالكتاب والسنّة.(/3)
العلة الخامسة( [13]): إن محمد بن حميد تفرد برواية هذه الحكاية عن مالك، حيث لم يذكرها أحد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه وهو ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند فكيف إذا أرسل حكاية لا تعرف إلا من جهته؟ وأصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه، بل إذا روى عنه الشاميون ضعفوا روايتهم وإنما يعتمدون على رواية المدنيين والمصريين، فكيف بحكاية تناقض مذهبه المعروف عنه من وجوه كثيرة، رواها واحد من الخراسانيين لم يدركه وهو ضعيف عند أهل الحديث؟
وقد قال الخطابي في مثل هذا: فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه- أي في الفقه- إلا ما كان من رواية ابن القاسم والأشهب وضربائهم من تلاد أصحابه، فإذا جاءت رواية عبد الله بن عبد الحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلاً... فإذا كان هذا دأبهم وكانوا لا يقنعون في أمر هذه الفروع وروايتها عن هؤلاء الشيوخ إلا بالوثيقة والثبت، فكيف يجوز لهم في الأمر الأهم والخطب الأعظم؟!( [14]).
ويؤيد هذا الوجه أن من القواعد المقررة عند النقاد، أن الشيخ إذا كان ممن يجمع حديثه ويشترك في الأخذ عنه كثيرون من الحفاظ المتقنين، وذلك كمالك والثوري وشعبة والأعمش، ثم انفرد عن هؤلاء التلاميذِ الحفاظِ أحدٌ من الرواة ولم يكن من الحفاظ المتقنين، فإن روايته ترد كما ذكره مسلم في مقدمة صحيحة( [15]) وغير واحد من النقاد.
مناقشة هذه الحكاية دراية:
1- إن هذه( [16]) الحكاية تخالف ما ثبت عن مالك رحمه الله من نهيه عن الوقوف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.(/4)
وهذا ثابت عن مالك بأسانيد الثقات في كتب أصحابه، كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره مثل العتبي. فقد ذكروا عن مالك أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لأنفسهم فأنكر مالك ذلك( [17]). وقد حاول الكوثري تضعيف( [18]) رواية إسماعيل القاضي بحكاية ابن حميد هذه، وأن ابن وهب روى ما يخالفها، وقد تقدم أن رواية ابن وهب لا تخالف الرواية المشهورة. كما حاول الغماري الجمع بين الروايتين نقلاً عن غيره: بأن المنع من الدعاء عند القبر للعوام الذين يخاف عليهم سوء الأدب. وأن هذه الحكاية فيمن يعلم آداب الدعاء كالمنصور( [19]).
وهذا الجمع غير صحيح؛ لأن هذه الحكاية غير ثابتة عنه حتى يجمع بينهما وبين ما ثبت مما يخالفها، ثم إن منع مالك عام يشمل الجميع، فمن تأمل الألفاظ الواردة عن مالك في النهي عن الوقوف، يعرف أنه يمنع الوقوف عند القبر للدعاء مطلقاً، وأحكام الشريعة الغراء تأتي عامة شاملة لا تخص طائفة دون طائفة.
2- إن مالكاً ( [20])-رحمه الله- كان من أبعد الناس عن البدع، وقد كره قول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكره تتبع( [21]) الآثار التي بالمدينة حتى كره زيارة قباء مع وروده، وكل ذلك للمحافظة على السنة، فإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن أن يأمر بما لم يثبت بالسنة من الدعاء عند القبر.
3- إن( [22]) هذه الرواية تخالف ما ثبت عن السلف، فالآثار الواردة عنهم تدل على أن هذا ليس من عملهم ولا عاداتهم، فلو كان استقبال الحجرة عند الدعاء مشروعاً لكانوا أسبق إلى ذلك لحرصهم على الخير.
4- إن لفظ( [23]) الرواية فيها ركاكة من الناحية اللغوية في قوله: (استشفع به فيشفعك الله) لأن الاستشفاع به معناه في اللغة أن يطلب منه الشفاعة كما يستشفع به يوم القيامة، وإذا كان المراد به الاستشفاع منه أي طلب شفاعته فإنما يقال: (استشفع به فيشفعه الله فيك) ولا يقال: فيشفعك الله فيه.(/5)
وهذا اللفظ الذي في الحكاية يشبه لفظ كثير من العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل، فيقول أحدهم: اللهم إنا نستشفع إليك بفلان أي نتوسل به وهذا ليس لغة السلف ولا لغة العرب.
5- ثم إن عقد المناظرة بين العلماء والخلفاء غير معروف في التاريخ غالباً؛ لأن المناظرة إنما تعقد بين العلماء، وقد تكون في بعض الأحيان القليلة بحضور بعض الخلفاء وإشرافهم.
وقد ذكر العلماء المناظرة بين مالك وأبي حنيفة وبين مالك وأبي يوسف بحضور بعض خلفاء بني العباس.
6- ثم لو صحت( [24]) هذه الحكاية يمكن أن يكون مالك نهى عن رفع الصوت في مسجده صلى الله عليه وسلم، ويكون مالك آمراً بما أمر الله به من توقيره وتعزيره صلى الله عليه وسلم، لكن وقع تحريف في ألفاظ الحكاية.
فعلى فرض صحتها ليس معنى التوسل الذي في الحكاية هو التوسل في الدنيا، بل هو التوسل بشفاعته يوم القيامة، ولكن من الناس من يحرف نقلها مع أن أصلها ضعيف.
والحاصل( [25]) أن هذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون في غاية الضعف والوهن، مكذوبة على مالك أو تكون مغيرة، وإما أن تفسر بما يوافق مذهب الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، فعلى كل تقدير فليس فيها حجه.
الشيخ جيلان بن خضر العروسي
---
( [1]) منهم البكري كما في الرد على البكري (ص:24)، والسبكي في شفاء السقام (ص:84، 164)، والسمهودي في وفاء الوفاء: (4/1376)، ودحلان في الدرر: (10)، والخلاصة: (242)، والسمنودي في سعادة الدارين: (159)، والكوثري في محق التقول ضمن المقالات: (391)، والعزامي في الفرقان: (118)، والغماري في الرد المحكم: (90، 197)، وقد اعترف بضعف إسنادها إلا أنه قال: فقد تلقاها أهل المذهب بالقبول وعملوا بمقتضاها، كما احتج به الغماري في إتحاف الأذكياء: (11-12)، وقد اغتر بهذه الحكاية بعض من ليس على مذهب القبوريين. انظر المغني لابن قدامة: (3/558).(/6)
( [2]) أحوال الرجال: رقم: (382)، والجرح والتعديل: (7/ 232)، والكامل: (6/ 2277)، والمجروحين لابن حبان: (2/ 303- 304)، وتاريخ بغداد: (2/ 259- 264)، والميزان: (3/ 530)، والتهذيب: (9/ 127- 131)، والسير: (11/ 503)..
( [3]) الجرح والتعديل: (7/ 232)..
( [4]) المجروحين: (2/ 304)..
( [5]) المقالات (ص:392).
( [6]) المقالات ص: 456..
( [7]) المصدر نفسه (ص:58).
( [8]) سير أعلام النبلاء: (11/503).
( [9]) قاعدة في التوسل: 67..
( [10]) انظر البداية: (10/ 125)..
( [11]) قاعدة في التوسل (ص: 67).
( [12]) الصارم (ص: 258).
( [13]) انظر هذا الوجه في قاعدة التوسل: (67-68).
( [14]) معالم السنن: (1/ 4)..
( [15]) مقدمة صحيح مسلم ص: 7..
( [16]) انظر هذا الوجه في الرد على البكري: (25)، وقاعدة في التوسل: (68-70، 150).
( [17]) انظر مصادر هذه الرواية عن مالك في (ص:547، 611، 615).
( [18]) المقالات (ص:393، فقد زعم أن إسماعيل القاضي لم يسندها وأنه عراقي وأن رواية المدنيين والمصريين تخالفه، فأما زعمه بأنه لم يسنده فهذا تخمين وظن فإنه لم ينقله عن كتاب المبسوط فإنه لم يذكر أنه رآه وقد نقل ابن تيمية وابن عبد الهادي عن لكتاب مباشرة وذكرا ما يفيد أنه أسنده، وأما زعمه أنه عراقي فهو أيضاً غير صحيح؛ لأن إسماعيل لم ينفرد بهذا بل معه العتبي وغيره كما أن رواية ابن وهب المصري لا تخالفه كما نقل عنه ابن القار المصري كراهته التردد لأهل المدينة، (ص:69).
( [19]) الرد المحكم: (91)، ووفاء الوفاء للسمهودي: (4/1377).
( [20]) انظر هذا الوجه في الرد على البكري (ص:26-27).
( [21]) ذكره ابن وضاح في البدع (ص:45).
( [22]) انظر في قاعدة التوسل (ص:151).
( [23]) انظر هذا الوجه في قاعدة التوسل (ص:75-80).
( [24]) انظر هذا الوجه في قاعدة (ص:76-77 و66).
( [25]) الصارم: (259)..(/7)
حياتي خير لكم
يستدل الصوفية على سماع الأموات وعلمهم بحال الأحياء بعد وفاتهم، من أجل ترويج عقائدهم الفاسدة في جواز الطلب والاستمداد من القبور ومن يدفن فيها من الصالحين والأولياء ، بحديث ((حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم)).
واستدلالهم هذا باطل عقلاً ونقلاً.
أولاً: تخريج الحديث:
أخرجه البزار في مسنده 9 / 24 حديث رقم 1925 ، وقال: وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد .
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (2 / 884) حديث رقم: (953)
وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2 / 194)
وأخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (1 /184)
ثانيا: حكم علماء الحديث عليه:
قال الحافظ العراقي في كتابه "طرح التثريب" (3/297) إسناده جيد ، ولكنه فصل في كتابة "المغني عن حمل الأسفار" (2 / 1051) حديث رقم: (3810) فقال: أخرجه البزار من حديث عبد الله بن مسعود ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون، ورواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف.
ومن المعلوم أن هذا التعارض في قولي الحافظ العراقي رحمه الله سببه أن كلامه في طرح التثريب ـ وهو كتاب فقه ـ كلام مجمل ، وأن كلامه في كتابه المعني ـ وهو كتاب تخريج وحكم على الحديث ـ كلام تفصيل وبيان لسبب الضعف ، فعلم أن في مثل هذه الحالة يقدم قول التفصيل في كتاب خص للحكم على الحديث.(/1)
وقال الهيثمي رحمه الله في المجمع (9/24): رواه البزار و رجاله رجال الصحيح ، وكذلك صححه السيوطي في كتابه الخصائص ( 2/281) ، ولكن من المعلوم لطلبة علم الحديث أنهما متساهلين في التصحيح ، كذلك فإن من ضعف الحديث قد فصل وأبان سبب الضعف ، فوجب في مثل هذه الحالة تقديم قول من ضعف الحديث.
وممن حكم على الحديث بالضعف ، العجلوني فقال: بأنه مرسل ، كما في كتابه كشف الخفاء 1 / 442 حديث رقم 1178 ، وكذلك ضعفه ابن القيسراني في كتابه معرفة التذكرة 3 / 1250حديث رقم 2694 .
لمزيد من الفائدة انظر كتاب الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 3 / 75 ترجمة رقم 622 وكتاب ميزان الاعتدال للإمام الذهبي 2 / 438 ترجمة رقم 2503 وكتاب لسان الميزان للحافظ ابن حجر 2 / 395 ترجمة رقم 1620
وهذا الحديث الذي يدندن حوله الصوفية وعلى ضعفه فإنه يعارض حديثاً صحيحاً في الصحيحين ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ـ وفي رواية: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ـ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد وغيرهم.(/2)
فالشاهد من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لله تعالى كما قال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}
ونستفيد من هذه الآية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم غير مطّلع على أعمالنا أو أنه يراقبنا كما يقول الصوفية .
وأن النبي صلى الله عليه وسلم متوفّى ، كما قال الله تعالى: {إنك ميتٌ وإنهم ميتون}.(/3)
خدرت رجل ابن عمر
يستدل الصوفية على جواز طلب المدد والغوث من الأموات ، بحديث أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: كنت عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجلُه ، فقلتُ له: يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك.؟ قال: اجتمع عصبها من ها هنا. قلت: ادع أحب الناس إليك. قال: يا محمد. فانبسطت.
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم: (167ـ 168ـ 169ـ171). وابن الجعد في مسنده: رقم: (2539) وابن منيع في الطبقات الكبرى: (4ـ154)
وهذا الحديث إسناده ضعيف وفيه علل كثيرة:
منها: أن مدار الحديث على أبي إسحاق السبيعي ، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع ممن فوقه.
ومنها: أن أبا إسحاق قد اختلط، ومما يدل على تخليطه في هذا الحديث أنه رواه تارة عن أبي سعيد وتارة عن عبد الرحمن بن سعد ، وتارة عن الهيثم بن حبيش ، وهذا اضطراب يرد به الحديث.
وأمثل ما روي من أسانيده ، على تدليس أبي إسحاق السبيعي فيه، ما رواه البخاري في "الأدب المفرد" (964) قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر، فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك فقال: محمد.
وهذه الرواية أصح ما روي، وأفادت فوائد:
الأولى: قول ابن عمر: محمد، بدون حرف النداء، والشائع عند العرب- كما سيأتي- استعمال يا النداء في تذكر الحبيب ليكون أكثر استحضاراً في ذهن الخادرة رجله، فتنبسط. وابن عمر عدل عن الاستعمال الشائع إلى غيره لما في الشائع من المحذور.
الثانية: أن تذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أحب الناس إليه هو الحق، لأنه لا يؤمن أحد حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. بل ومن نفسه التي بين جنبيه. وهذا ما نعقد عليه قلوبنا، بهداية ربنا.
الثالثة: أن سفيان من الحفاظ الأثبات، فنقله خبر أبي إسحاق بهذا اللفظ يدل على أنه هو المحفوظ، وسواه غلط مردود.(/1)
يقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه ( هذه مفاهيمنا ): غاية ما ذكرته أن فيه ذكرا للمحبوب، لا طلب حاجة منه أو به أن يزال ما به، ولا أن يكون واسطة لإزالة خدر الرجل، وليس فيه توسلٌ، وإلا لكان لازماً أن من ذكر محبوبه فقد استغاث به وتوسل به في إزالة شدته، وهذا من أبطل الباطل، وأمحل المحال.
فما قوله إذا ذكر الكافرُ حبيبه فزال خدَرُ رجله وانتشرت بعد قيد وخدور؟
أفيكون توسل به؟! ويكون من يزيل الأمراض والأخدار - سبحانه وتعالى - قد قبل هذه الوسيلة؟!
وهذا الدواء التجريبي للخدر كان معروفاً عند الجاهليين قبل الإسلام جُرَّب فنفع وليس فيه إلا ذكر المحبوب، وقيل في تفسير ذلك: إن ذكره لمحبوبه يجعل الحرارة الغريزية تتحرك في بدنه، فيجري الدم في عروقه، فتتحرك أعصاب الرجل، فيذهب الخدر.
وجاءت الأشعار بهذا كثيرا في الجاهلية والإسلام:
فمنها: قول الشاعر:
صبُّ محبُّ إذا ما رِجْلُه خَدَرت*****نادى (كُبَيْشَةَ) حتى يذهب الخَدَر
وقولُ الآخر:
على أنَّ رجلي لا يَزَالُ امْذِ لُها******مقيماً بها حتى أُجيْلَكِ في فكري
وقال كُثَيَّر:
إذا مَذَلَتْ رجلي ذكرتُكِ اشتفي******بدعواك من مَذْلٍ بها فيهون
وقال جميلُ بثينةَ:
وأنتِ لعَيْنِيْ قُرَّةٌ حين نَلْتَقِيْ *******وذِكْرُكِ يَشفِيْني إذا خَدَرتْ رجلي
وقالت امرأة:
إذا خدرت رجلي دعوتُ ابنَ مُصْعبٍ********فإنْ قلتُ: عبدَ اللهِ أجْلَى فتورَها
وقال الموصلي:
واللهِ ما خَدَرَتْ رجلي وما عَثَرَتْ*******إلا ذكرتُكِ حتى يَذْهبَ الخدَرُ
وقال الوليد بن يزيد:
أثيبي هائماً كَلِفاً مُعَنَّى*******إذا خَدَرتْ له رجْلٌ دَعاكِ
وغير ذلك من الأشعار، أفيقال: إن هؤلاء توسلوا بمن يحبونه،من نساءٍ وغلمان، وأجيب سؤلهم، وقبلت وسيلتهم؟ اهـ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(/2)
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية عند غلاة الصوفية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد..
للنبي صلى الله عليه وسلم خصائص مدونة في كتب السنة النبوية الصحيحة وقبلها القرآن الكريم، لكن هناك من يجعل له خصائص لم يختص نفسه بها ولا اختصه الله تبارك وتعالى بها أيضاً، ولكنه الغلو في جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الخصائص التي ادعاها الغلاة في حياته البرزخية ما يلي:
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأن من زار قبره وجبت له شفاعته:
فممن شهَّر القول بذلك منهم: السبكي وابن حجر الهيتمي واستدلوا على ذلك بالآتي:
أولاً: {من زار قبري وجبت له شفاعتي}.
ثانياً: {من زار قبري حلَّت له شفاعتي}.
والحديثان ضعيفان.
وبالنظر إلى متن الحديثين نجد:
حصول الشفاعة بل وجوبها لمن زار قبره صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يثبت؛ لأنَّ حصول الثواب على عبادةٍ ما أمر توقيفي لا يؤخذ إلا من كتاب الله تعالى أو الصحيح من سُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح.
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأن من حج حجة الإسلام وزار قبره وغزا غزوة وصَلّى عليه في بيت المقدس لم يسأله الله تعالى فيما افترض عليه:
أورد السبكي في شفائه من رواية أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي في الثاني من فوائده بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً قال: {من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى عليَّ في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما افترض عليه}([1]) مستدلاً بذلك على فضل زيارة القبر النبوي الشريف وتعظيمه.
وهذا الحديث موضوع باطل لا شك في بطلانه.
أما المفاسد العظيمة المترتبة على الحديث:(/1)
لمَّا سوَّد السبكي بهذا الحديث كتابه لا أدري هل تأمل متن الحديث جيداً وعرف ما يلزم منه من لوازم تنقض عرى الإسلام عروة عروة أم غلب عليه الهوى حتى أصمه وأعمى بصره وبصيرته عن تدبر ما يلزم من ذلك الحديث.
- هل يعتقد السبكي ومن شايعه: أن من حج حجة الإسلام وزار قبره عليه الصلاة والسلام وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس جاز له أن يعبد غير الله تعالى؟!
- هل يعتقد السبكي ومن شايعه: أن من أتى بتلك الأعمال جاز له ترك الصلاة والزكاة وهما مما افترض على العبد وقد جاء في شأن الصلاة: {إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}؟!.
- هل يعتقد السبكي ومن شايعه: أن من أتى بتلك الأعمال حلَّ له شرب الخمر ونكاح الأمهات والأخوات والبنات؟!
أصناف حُجاج القبور:
الصنف الأول: قوم يقصدون القبور من أجل قضاء الحاجات، وطلب الدعاء من الأموات.
يقول شيخ الإسلام: (وهؤلاء الذين يحجون إلى القبور يقصدون ما يقصده المشركون الذين يقصدون بعبادة المخلوق ما يقصده العابدون لله وحده.
الصنف الثاني: قال رحمه الله: (وصنف ثان يحجون إلى قبورهم لِما عندهم من المحبة للميت والشوق إليه أو التعظيم والخضوع له، فيجعلون السفر إلى قبره أو إلى صورته الممثلة تقوم مقام السفر إلى نفسه لو كان حياً.
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بمحو الذنوب وعلم ما في اللوح المحفوظ والقلوب:
يقول عبد الله الصديق الغماري: (فما يوجد في كتب المولد النبوي وقصة المعراج من مبالغات وغلو لا أساس له من الواقع يجب أن تحرق لئلا يحرق أصحابها وقارؤها في نار جهنم نسأل الله السلامة والعافية) ([2]).
لكن انظر ماذا يقول مصطفى البكري: (إن الذين يفعلون ذلك إنما يتخذون الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره واسطة لمقامهم الرفيع عند ربهم) ([3]).
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه إليه الملاذ والمهرب في الشدائد والكرب فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى:(/2)
قال النبهاني: (قال محمد الجمالي الحلبي:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي يا معاذي يا مقصدي يا رجائي
يا نصيري يا عمدتي يا مجيري يا خفيري يا عدتي يا شفائي
أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي عند ربي واعطف وجد بالرضاء
أنت عوني وملجئي وغياثي وجلا كربتي وأنت غنائي([4])
ويتبين بطلان ذلك بالنصوص الآتية:
قال تعالى: ((قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)) [الأنعام:63-64]، وقال تعالى: ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)) [النحل:53-54].
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه يُجيب الدعاء وترفع إليه أكف الضراعة:
قال البرعي:
وهاك جوهر أبيات بك افتخرت جاءت بخط أسير الذنب يرقمه
فانهض بقائلها عبد الرحيم ومن يليه إن همّ صرفُ الدهر يدهمه
اجعله منك بمرعى العين مرحمة إذا ألمَّ به من ليس يرحمه
وإن دعا فأجبه وأحمِ جنابه يا خير من دفنت في القاع أعظمه([5])
وهذا أيضاً من خصائص الله تعالى التي لا يجوز صرف شيء منها لغيره تعالى. فقد أمر سبحانه بإخلاص الدعاء له وحده. قال تعالى: ((هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:65].
وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته آداب الدعاء التي يدعو بها العبد ربه، فمن ذلك رفع اليدين في الدعاء، وبذلك بوب البخاري في صحيحه قائلاً: (باب رفع الأيدي في الدعاء). وقال أبو موسى الأشعري: {دعا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه}.(/3)
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بخروج يده الشريفة من القبر لمصافحة أحمد الرفاعي:
قال أبو الهدى الصيادي الرفاعي: (ولما حج -يعني أحمد الرفاعي- وقف تجاه الحجرة الشريفة وأنشد:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه نوبة الأشباح قد ظهرت فأمدد يمينك كي تحظى بها شفتي
قال: فخرجت إليه يده الشريفة من القبر حتى قبلها والناس ينظرون)([6]).
فالناظر في هذه الحادثة المزعومة لا يشك أنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كذب حتى على أحمد الرفاعي نفسه وذلك من أوجه:
الأول: ثبت بهذه الحادثة المزعومة أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأحمد الرفاعي تفوق محبة الخلفاء الراشدين.
الثاني: كما لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم حال حياته أن يمد يده كي يقبلها المسلِّم عليه.
الثالث: ذكر تاج الدين السبكي الصوفي في ترجمة أحمد الرفاعي: (أن من فضائله رأفته على الهرة والبعوضة والجرادة والكلب)([7])، ولم يذكر شيئاً عن حادثة اليد، ولو كان لها وجود لما توانى السبكي في ذكرها وقد ذكر ما هو دونها.
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة برؤيته بعد موته في الحياة الدنيا يقظة لا مناماً:
وأكثر ما يستدل به هؤلاء: الحكايات، والادعاءات المنقولة عن أرباب الأحوال الصوفية، ومنهم من استدل بحديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ولفظه: {من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي}.
ولكن اضطراب مقالات القوم في كيفية الرؤية:
فمنهم من أخذته العزة بالإثم فنفى الموت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية وزعم أن موته صلى الله عليه وسلم هو تستره عمن لا يفقه عن الله([8]).
- ومنهم من زعم أنه صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته([9]).(/4)
- ومنهم من زعم أن له صلى الله عليه وسلم مقدرة على التشكل والظهور في صور مشايخ الصوفية([10]).
وفريق لان بعض الشيء:
- فمنهم من زعم أن المراد برؤيته كذلك يقظة القلب لا يقظة الحواس الجسمانية([11]).
- ومنهم من قال: إن الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في حالة بين النائم واليقظان([12]).
- ومنهم من قال: إن الذي يُرى هي روحه صلى الله عليه وسلم([13]).
- اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بتلقين مشايخ الصوفية الأوراد وحضور حلق ذكرهم بعد موته يقظة لا مناماً:
فمن تلك الأوراد التي أملاها الرسول صلى الله عليه وسلم لأحمد التجاني كما زعموا، صلاة جوهرة الكمال.
فالناظر في أذكار التجانية تلك وفضلها يُلزمهم بواحد من الأمور التالية:
- إما أن يقولوا بخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم للأمانة وعدم تبليغه للرسالة لإخفائه هذه الأذكار وهذا الفضل العظيم الذي يسع ثواب الخلق أجمعين بما فيهم الأنبياء والمرسلين عن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين الذين ماتوا ولم يدركوا ما أدركه التجانيون من الفضل.
- إما أن يقولوا إن هذه الأذكار من جملة شرائع الإسلام أو أنها من غير شرائع الإسلام.
فإن فروا من هذا طوَّق عنقهم الإلزام الآخر وهو أن يقولوا: إنها من شريعة غير شريعة الإسلام وإنها دين آخر غير دين الإسلام. فإن قالوا بهذا فلنا معهم طرق أخرى منها الدعوة إلى الإسلام.
وإلى القول بأن الطريقة التجانية دين جديد ذهب الشيخ طاهر ميغري البرناوي وهو أحد مشايخ الطريقة التجانية السابقين الذين تدرجوا في مراتبها إلى أن وصل إلى أعلى هذه المراتب وهي رتبة خليفة للشيخ أحمد التجاني.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــ
([1]) شفاء السقام، ص (34).
([2]) ملحق عن قصيدة البردة لعبد الله بن الصديق الغماري، ص (77) بذيل كتاب البوصيري مادح الرسول صلى الله عليه وسلم.(/5)
([3]) لمع برق المقامات العوالي في زيارة سيدي حسن الراعي وولده عبد العال لمصطفى البكري الحلوتي، ص (442) ضمن شواهد الحق للنبهاني، وانظر الدرر السنية لزين دحلان ص (17).
([4]) شواهد الحق ص (355).
([5]) ديوان البرعي ص (74-75) مع شرحه.
([6]) قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر، لمحمد أبي الهدى أفندي الرفاعي الصيادي، ص (76-68)، وانظر البرهان المؤيد لأحمد الرفاعي - ترجمة الرفاعي لمحمد أفندي الصيادي الرفاعي، ص (13).
([7]) طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (6/23).
([8]) تقدم ص (208).
([9]) عمر الفوتي: رماح حزب الرحيم (1/215) بهامش جواهر المعاني.
([10]) عبد الكريم الجيلي: الإنسان الكامل (2/74-75).
([11]) الشعراني: ط. ك. نقلاً عن محمد المغربي الشاذلي.
([12]) الشعراني: ط. الصغرى ص (89).
([13]) محمد علوي المالكي: الذخائر المحمدية ص (259)، والقرب والتهاني في حضرة التداني شرح الصلوات. لفؤاد الفرشوطي ص (25).(/6)
دعوهم يفرحوا مع الله ساعة
ينقل الصوفية أثراً عن الإمام أحمد "رحمه الله" في أنه أقر الصوفية وامتدح أحوالهم ، قالوا: قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2ـ435): وذكر الحافظ بن الأخصر فيمن روى عن أحمد في ترجمة إبراهيم بن عبد الله القلانسي قال: قيل لأحمد بن حنبل: إن الصوفية يجلسون في المساجد بلا علم على سبيل التوكل.!؟ قال: العلم أجلسهم؟ فقال: ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز وخرقة ، فقال: لا أعلم على وجه الأرض أقواما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون.!! قال: دعوهم يفرحون مع الله تعالى ساعة. قيل: فمنهم من يغشى عليه ومنهم من يموت فقال: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.
قلت: لكن الصوفية لا يوردون ما قاله ابن مفلح عقب هذه القصة، قال: ((كذا روى هذه الرواية ، والمعروف خلاف هذا عنه))
وأورد هذه القصة من نفس الطريق أيضاً صاحب "غذاء الألباب" (1ـ120)، وصاحب "كشاف القناع" ( 17ـ387) وصاحب "مطالب أولي النهى" (15ـ363)
قال الإمام الذهبي "رحمه الله" في كتابه "ميزان الاعتدال" (3ـ120) رقم: (5819). في ترجمة علي بن الحسن الطرسوسي: صوفي وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية ، رواها عنه العتيقى.
وأقر الحافظ ابن حجر "رحمه الله" في كتابه "لسان الميزان" (4ـ220) كلامَ الذهبي ، فقال في هذه الترجمة: علي بن الحسن الطرسوسي ، صوفي وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية رواها عنه العتيقي. انتهى
والحكاية المذكورة روينا في الطيوريات عن العتيقي عنه سألت سليمان بن أحمد الطبري سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول وقيل له: إن هؤلاء الصوفية جلوس في المساجد بغير علم. قال: العلم أفقدهم.؟ قيل له: فإن همتهم كسرة وخرقة.؟ فقال: لا أعلم عززا ممن هذا صفتهم. قيل: فإنهم إذا سمعوا السماع يقومون فيرقصون.؟ قال: دعوهم ساعة يفرحون بربهم.(/1)
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.(/2)
ذاك يوم ولدت فيه
يستدل الصوفية على مشروعية الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم بحديث سُئل فيه صلى الله عليه وسلم عن صومه ليوم الاثنين فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت ، أو أنزل علي فيه)) صحيح مسلم رقم: (1162).
وهذه الشبهة ندفعها بإذن الله تعالى من أوجه:
أولاً ـ أين الدلالة في الحديث على تخصيص يوم من السنة يحتفل فيه بالمولد ، وهل كل يوم فضيل أتى الخبرُ ينصُ عليه يُسن الاحتفال فيه ؟
إن كان فهناك أيام فضيلة كثيرة ، فهل يسن فيها احتفال أيضاً ، كيوم القرّ مثلاً ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر)). سنن أبي داود رقم: (1765) وإسناده صحيح. أو أيام العشر من ذي الحجة ، أو ليلة القدر أو ... ... .
ثانياً ـ أنه أمر لم يعمل به أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ولم يعرف عند النظار أبي حنيفة ولا عن ابن المدينة عاصمة الإسلام مالك ولا عن الأثري أحمد ولا عند غيرهم من فقهاء الأمة ، مع أن المسألة حادثة منذ فجر الإسلام ، بل من قبله بأربعين عاماً ، ومن المعلوم لدى أي عاقل ومن باب أولى سيد الخلق المعلم الأول المؤيد بالوحي الإلهي عليه الصلاة والسلام أن يوم الثاني عشر من ربيع الذي يعظمه من يحتفل بالمولد لا يكون دائماً في كل سنة يوم الاثنين ، وعليه يكون الاحتفال هذا بخلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو والله عين المخالفة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على يوم من الأسبوع بعينه هو يوم الاثنين ، والمحتفلون اتخذوا الثاني عشر من ربيع يوماً من السنة ، وهو الذي يدور من الأسبوع دورته في كل عام !!
كذلك لم يعرف الصيام يوم الثاني عشر من ربيع ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن غيره ، وهذا معناه أن السبب الداعي للصيام هو يوم الاثنين ، والذي اجتمعت فيه فضائل منها يوم مولده صلى الله عليه وسلم ومنها:(/1)
أنه يوم ترفع الأعمال فيه كما جاء في حديث فسر فيه صلى الله عليه وسلم سبب صيامه له دون ذكر فضيلة أخرى فقال: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)) سنن الترمذي رقم: (747) ، وأصله عند مسلم رقم: (2565).
ومنها أنه أنزل فيه عليه صلى الله عليه وسلم ، وهنا أشير إلى أن نعمة بعثته بالرسالة قد ميزته ورفعته على العالمين بخلاف مولده الذي شابه به غيره ، وهذا كله بنص القرآن العظيم: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} الكهف ، الآية: (110)
فما كان من الصفات البشرية فهو مثل غيره بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، إلا ما جاء به نص ، ولا نخالف نص القرآن الذي ينص على بشريته إلا بنص شرعي ثابت يخصصه ، وإن لم نعتمد هذا فيجب علينا أن نقر لمن يحتفل بعيد ميلاده أو ميلاد شيخه أو ... ، لأن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ـ على فرض ثبوته ـ لم يرد فيه التخصيص فيمكن القياس عليه .
ثالثاً ـ من يمنع من صيام يوم الاثنين من كل أسبوع ، وهو يوم مسنون فيه الصيام وغيره ،
وله كثير من الفضائل ، ومنها الصيام شكراً لله على مولد نبينا صلى الله عليه وسلم فيه ، وعلى قول من رأى الاحتفال ، فلماذا لا نقيم احتفالاً دون الصيام في كل يوم اثنين على مر الزمان ، وهو الذي جمع كل هذه الفضائل .؟
رابعاً ـ بناءً على عمل المولد بدلاً عن صيام أداه النبي صلى الله عليه وسلم شكراً على نعمة لماذا لا نقيم مولداً في يوم عاشوراء بدلاً من صيامه شكراً على نعمة ؟
خامساً ـ كم من فرق بين الصيام ركن الإسلام العبادة المتعبد بها وبين الاحتفال السنوي بالمولد وهو أسمى عادة وعبادة عند النصارى وغيرهم .
وقائل يقول: ألم يصم صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ؟
لمثل هذا نقول: هذا تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا لماذا لا نصوم أو نحتفل بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام ، ألسنا أحق به من النصارى ، لماذا لا نصوم أو نحتفل يوم دخل(/2)
يوشع عليه الصلاة والسلام أرض بني إسرائيل.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(/3)
رد الشبهة الواهية وبيان الحقيقة الواضحة،في قوله تعالى: {قال الذي عنده علم من الكتاب}
أبو عمر الدوسري (المنهج)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة بالعالمين ، نبي الرحمة محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام .. أما بعد:
فقد قرأت قبل يومين موضوع تطرق تطرق به صاحبه إلى حشد الأقوال وجمع الشبهات لتسويغ ما يقوم به المستغيثن بغير الله من الإشراك بالله ، ودعاوهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .. وما هذا إلا منطق المشركين الأولين .. والدعاء هو العبادة كما صح في الحديث الصحيح عن النبي الفصيح عليه وعلى آله الصلاة والسلام .. والله عز وجل يقول في محكم التنزيل وقاطع الدليل {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} أليست هذه قاطعة لطالبي الحق والدليل!! أم يردون جمع الشبهات وحشد الأقاويل بزعمه أنها حجة ودليل ..؟!!
إن ما يقوم به مسوغوا الاستغاثة بغير الله هو تعلق بغير متعلق .. وهروب من الجواب المتفق .. بُعدٌ عن الآيات المحكمات .. وتأويل لبعض المشتبهات .. وأخذ بعنق الإسرائليات .. وتصحيحٌ للواهيات .. وتعلقٌ بالمنامات .. وتردادٌ للحكايات .. فهل هذا تدين بالحق أم تدليل للباطل؟!!
ثانياً :
القول الفصل في قوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً}
ثالثاً:
خذ الجواب الشافي والسديد .. لمن كان للحق مُريد .. في قوله جل وعز { قال الذي عنده علم من الكتاب .. } الآية ..
فالقول في معنى هذه الآية مُختلف
فمن الشخص؟!!
ومن المخاطب؟!!(/2)
ولذا على من كان مسترشداً طالباً للحق أن يعود للآيات المحكمات ويستدل ، لا أن يعتقد ثم يبحث عن دليل يسند اعتقاده ، كما يفعله أهل الآهواء من الرافضة والصوفية وغيرهم ..
ويا من كان مسترشداً ؛ ليس هذا بأسلوب مسترشد ، فالمسترشد يبحث عن الحق بدليله ، لا يبحث عن ما يتعقده بأنه حق فيبحث على ما يقوي اعتقاده الباطل.
وللأسف ؛ فإن الغريق يتعلق بأي شيء ، لو بقشة لا تسمن ولا تغني من جوع ، كمن يستشهد بهذه الآية على باطله؟!!!
فأنظر ما قطع به بأن آصف بن برخيا ، فأعطني دليلاً قاطعاً على ما تقول ؛ والحجة بالدليل؟!!
أُريد إسناداً -على الأقل- لهذه الإسرائلية؟!
وبما أن من نقلت عنه -أخي المسترشد- قد قطع بهذا القول ، فلما لم يذكر أن هناك اختلاف قوي فس المسألة؟!!
هل تعرف الخلاف في المسألة؟!!
هل تعرف الأقوال؟!! وتستطيع أن تميز؟!! أم أنه تقليد أعمى لغيرك؟!!
يا مسترشد -أرشدنا الله وإياك للحق- في المسألة أقوال كثيرة ؛ أقواها أربعة أقوال وهي:
1- أنه آصف بن برخيا كاتب سليمان عليه السلام
2- سليمان عليه السلام نفسه.
3- أنه جبريل عليه السلام.
4- أنه ملك من الملائكة.
1- قيل بأنه آصف بن برخيا ، وكان وزيراً لسليمان عليه السلام وكان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى.
وهذا القول ( رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ، وأنه كان صديقاً يعلم الاسم الأعظم ، وهذا إسناد لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإن بين يزيد بن رومان وبين سليمان عليه السلام مفاوز تقطع دونها أعناق الإبل!!! وأنظر"تفسير ابن كثير"ج6،ص202)نقلاً عن مُحقق كتاب(سيف الله على من كذب على أولياء الله) .
2- أما القول الثاني:
قال ابن عطية: وقالت فرقة هو سليمان نفسه ، ويكون الخطاب على هذا للعفريت: كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيراً له: {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}(/3)
وهذا القول أقرب لمعنى الآية ، ودلالته ظاهره ، فهو القول الأرجح ، لمسببات:
يقول علامة الشام وريحانة حلب محمد نسيب الرفاعي مُختصر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى ، مُعلقاً على هذه الآية وبعد ذكر الخلاف قال:
[ وأرجح أنه سليمان عليه السلام نفسه لأنه نبي ورسول وملك ، فلا ينبغي أن يكون من حاشيته أعلم بالكتاب منه ، فالذي عنده علم من الكتاب أيكون أحد حاشيته أو كاتبه .. ؟
ويكون لديه من القوة أعظم مما لدى سليمان نفسه؟
وكيف يكون ذلك وقد استجاب الله دعوة سليمان {وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} فكيف يكون لكاتبه قوة أقوى منه أوليست القوة من أهم أسباب الملك ، ولا سيما وأنه نبي مؤيد بالمعجزات ..
فبدهي أن يكون عند سليمان علم من الكتاب وذلك من باب أولى من جميع أفراد مملكته .. وإلا فيكون في مملكته من هو أصلح للنبوة والملك منه؟!! يا سبحان الله ... آصف يكون عنده علم من الكتاب ، وسليمان يجهل هذا العلم ..؟!!!
فأما إذا لم يكن سليمان عليه السلام ، فلابد من أن يكون جبريل عليه السلام أو يكون ملكاً آخر ...
ويستبعد جداً أن يكون أحد من حاشيته ... والله تعالى أعلم] من تيسير العلي القدير 3/364
وسواءً كان هو القول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع فإنه ليس به أي دلالة لما يُريدُ أن يستدل به المستغيثون بغير الله ، وفي ذلك قال علامة زمانة ، العالم المحقق الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن -رحمه الله تعالى- في تحفته الذهبية "تحفة الطالب والجليس" في رده على أحد المشركين المستغيثين بغير الله ..
قال العلامة المحقق الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في تحفته الذهبية (تحفة الطالب والجليس) :
( قال العراقي: ومن الأدلة على جواز دعاء الصالحين وندائهم ، ما ذكر الله عن نبيه سليمان وقوله لآصف وقد طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله.(/4)
فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم ، ما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا.
وقصة آصف من أدلة التوحيد ، وآصف توسل إلى الله بتوحيده وإلهيته ، وكرر ذلك في دعائه ، وقد قيل إنه يعرف الاسم الأعظم ، فهو طالب من الله ، راغب إليه سائل له وسليمان عليه السلام آمر ليس بسائل ولا طالب.
وفرق بين الأمر والمسألة ومن لم يفرق بين الأمرين ، ولم يدر حكم المسألتين ، فليرجع إلى وراء ، وليقتبس نوراً من كلام أئمة العلم والهدى[1]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ((لا تنسنا من يا أخي من صالح دعائك)) . وهذا من جنس الأسباب العادية ، فإن الرجل إذا كان معروفاً بالصلاح وإجابة الدعاء فطلب منه الدعاء ، أو أمر به فدعا الله واستجيب له ، لا يكون هو الفاعل للإستجابة ، وليس المطلوب منه ما يختص بالله من الفعل ، وإنما يطلب منه ما يختص به من الدعاء والتضرع ، فالآية من أدلة التوحيد ، وصرف الوجوه إلى الله ، وإقبال القلوب عليه ، فإن آصف توسل إلى الله بتوحيده وربوبيته ، وقصده وحده ، ولم يقصد سليمان ، ولا غيره مع أن سليمان أفضل منه لنبوته.
وفيها أن الأنبياء لا يسألون ولا يقصدون ، بل ربما صار حصول مقصودهم ، ونيل مطلوبهم على يد من هو دونهم من المؤمنين ، وإن أعظم الوسائل ، وأشرف المقاصد هو: توحيد الله بعبادته ودعائه وحده لا شريك له كما فعل آصف.
وفيها براءة أولياء الله من الحول والقوة كما دلت عليه القصة ، فإنه توضأ وصلى ودعا فقال في دعائه [يا ذا الجلال والإكرام] قاله مجاهد.
وقال الزهري: [ يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله أنت ، ائتني بعرشها ] . فأي شيء تبقى مع هذا ، وأي حجة فيه على أن غير الله يدعى.(/5)
ثم أخذ العراقي في هذيان وإسهاب حاصلة: أن السبب لا يفعل ، وأن الله هو الفاعل ، ومراده بهذا أن دعاء الأموات والغائبين من الأولياء والصالحين يجوز ويسوغ ، إذا اعتقد أن الله هو الفاعل . وقد مرّ ردّ هذا وتقرير جهل قائله ومفارقته لما عليه أهل الإسلام. وقد تقدم أن أصل الإسلام وقاعدته هي: عبادة الله وحده لا شريك له ، وإفراده بالقصد والطلب. وأن توحيد الربوبية واعتقاد الفاعلية له تعالى لا يكفي في السعادة والنجاة ، ولا يكون به الرجل مسلماً حتى يعبد الله وحده ، ويتبرّأ مما سواه من الأنداد والآلهة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: (( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ، شهادة أن لا إله إلا الله))
وهذا ظاهر بحمد الله وإن خفي على خفافيش البصائر ، الذين لا يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، فهاموا من الجهل والضلال في كل فج عميق ، مع انتسابهم إلى العلوم والدفاتر ، وتقدمهم في المجالس والمحاضر.
لا عيب في القوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير )
[1]
قال المُحقق الشيخ عبدالسلام آل عبدالكريم رحمه الله تعالى:
(الأمر هو طلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء.
وأما المسألة فهي طلب الشيء على وجه الضعف والرجاء والتذلل.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله[كما في مجموع الفتاوى لابن قاسم 1/190-191] :
سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:
مفسدة الإفتقار إلى غير الله وهي نوع من نوع الشرك.
ومفسدة إيذاء المسؤول وهي من نوع ظلم الخلق ، وفيه ذلّ لغير الله وهو ظلم للنفس.
فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة.أ.هـ
وقد بين رحمه الله تحريم سؤال المخلوق للمخلوق إلى في مواضع يسيرة أجازها الشارع مع الكراهة [أنظر هذا البحث في الردّ على البكري ص92-93-94-95-96-97-98-99] .(/6)
وأمر سليمان لآصف هو من باب أمر السيد لمملوكه والأب لابنه والملك لرعيته )
يقول مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية والذي يُشرف عليه الدكتور عبدالله الفقيه:
( ونحن نقول للسائل: إن قصة آصف بن برخيا لم يرد فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم )
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/7)
رد شبه المولد النبوي وتسويغهم له
يتعلق من يقيم بدعة المولد بشبهات منها :
1- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن ذلك أن نقول : إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم ، و ليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي ، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم. وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً ، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2 ـ يقولون : إن في إقامة المولد إحياء لذكر النبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن ذلك أن نقول : إحياء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يكون بما شرعه الله من في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سنته واتباع ما جاء به ؛ وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوم والليلة دائماً ، لا في السنة مرة .
3 ـ قولهم : إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة ؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم !
ويجاب عن ذلك بأن يقال : ليس في البدع شيء حسن ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، ويقال أيضاً : لماذا تأخر القيام بهذا الشكر ـ على زعمكم ـ إلى آخر القرن السادس ، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر ؛ فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله - عز وجل - ؟ حاشا وكلاَّ .(/2)
4 ـ قد يقولون : إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته ؛ فهو مظهر من مظاهرها وإظهار محبته صلى الله عليه وسلم مشروع !
والجواب أن نقول : لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ـ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا ، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه و إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع . وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ؛ فإن الدين مبني على أصلين : الإخلاص ، والمتابعة ، قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( البقرة : 112 ) ، فإسلام الوجه هو الإخلاص لله ، والإحسان هو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وإصابة السنة .
( ما سبق من كلام الشيخ صالح بن فوزان الفوزان )
-------------------
قال الدكتور لطف الله خوجه : ( ما من صاحب دعوة إلا ويحرص على تأييد دعوته بما يقدر عليه من جمل وألفاظ ودلائل، حتى يضمن قبولها ورواجها.. ولا نجد في أصحاب الدعوات من يحرص على صدق جمله وصحة دلائله، إلا إن كان يدعو إلى اتباع السنة وتقليد السلف، فهو الوحيد الذي يحرص على الصدق والصحة في كل ما يتلفظ به، يحرص أن يكون كما هو ظاهرا وباطنا..
بخلاف أهل الأهواء والبدع وأهل الفساد والتخريب، فإنهم:
يرفعون شعار الإسلام وهم يهدمونه..
ويرفعون شعار السنة وهم يخالفونها..
ويدعون اتباع السلف وليس كذلك..
وفي سبيل تدعيم مذاهبهم الباطلة الزائغة يوردون الكلام الكثير والأدلة المتنوعة، التي لا تصحح مذهبهم ولا تعطيه الشرعية..(/3)
يوردونها وهم يعلمون أنها ليست صحيحة، يوردونها لعلمهم بوجود طائفة كبيرة من الناس لا تفقه في الدين شيئا، وليس لديها العقل والفهم الصحيح للأمور، بل يغرها كثرة الكلام ومجرد تسويد الصحائف بالأحرف والجمل، فتظن بصاحبها الفهم وامتلاك الحجة الصحيحة..
فهذه الطائفة هي البيئة الخصبة لرواج ترهات وخزعبلات أهل البدع والأهواء، الذين يكرسون جهدهم في الرد والمناظرة والتأليف، بأي كلام كان، مع تتبع الشبه والسقطات من هنا وهناك من أجل التغرير بهؤلاء العامة وخداعهم، ونشر مذهبهم بينهم، فهم يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق..
وقد نجحوا في ذلك، وأضلوا أناسا كثيرين، ولبسوا على آخرين، ومن هنا فمن المستحسن على كل مسلم أن يتفقه في دينه، حتى لا يكون عرضة للضلال والانحراف عن دينه على أيدي أهل الأهواء والبدع..
وفي بدعة المولد مثال على ذلك، حيث نجد من الداعين إليه من يخلط في كلامه، ويتلاعب بالحقائق، ويتغابى عن الواضحات، ويجادل بالباطل.. فيورد لأجل نشر بدعة المولد في المسلمين أدلة غير صحيحة، من ذلك:
أولا: قولهم أن المولد بدعة حسنة.
يقسم بعض العلماء كالعز بن عبد السلام البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، مندوبة، محرمة، مكروهة، مباحة، كمثل الأحكام التكليفية الخمسة، ويعتمدون في هذا على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد: "نعم البدعة هذه"...
وهناك قول آخر: أن كل بدعة ضلالة، وليس في الدين ثمة بدعة حسنة، ودليلهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
فنحن هنا بين أمرين:
إما أن نتبع قول النبي صلى الله عليه وسلم أو نتبع قول الصحابي...
والذي لا ريب فيه ولا يختلف فيه اثنان، أنه إذا عارض قول الصحابي قول النبي صلى الله عليه وسلم فالواجب الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم..(/4)
وهنا إذا افترضنا أن عمر خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي يصف البدعة بأنها ضلالة، وقوله: "كل بدعة" نكرة في سياق العموم، يعم كل شيء، فكل محدثة في الدين فهي بدعة..
هذا وجه..
وجه آخر، عمر رضي الله عنه في الحقيقة لم يبتدع شيئا في الدين، بل صلاة التراويح مشروعة، وقد صلاها النبي صلى الله وسلم وأم فيها الناس ثلاث ليال، ثم ترك ذلك خشية أن تفرض، فلما مات وانقطع الوحي سنها عمر وأحياها، فهو في ذلك لم يأت بجديد، بل فعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فأين البدعة هنا؟..
أما الجواب عن قوله: " نعم البدعة هذه".. فلها تخريجات عدة:
منها: أنه قصد البدعة اللغوية، أي أنها بدعة باعتبار إحيائها وإعادة العمل بها بعد أن توقف.
ومنها: أن هذا منه على سبيل الرد والمناظرة، ومعناه: إذا كان هذا الفعل بدعة، فنعم البدعة هذه، كأنه كان جوابا على معترض، وهذا مثل قوله تعالى: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}.
ذلك من حيث قول عمر رضي الله عنه، أما من حيث الاحتجاج به على صحة المولد فيقال:
لا نسلم أن المولد بدعة حسنة، فكل بدعة ضلالة، بنص الحديث، وهو عام في كل محدث في الدين، والمولد محدث في الدين، ثم إن عمر رضي الله عنه الذي يحتج هؤلاء بقوله: "نعم البدعة هذه"، على وجود البدعة الحسنة، لم يحتفل بالمولد أبدا، فكيف يحتجون بقوله في البدعة الحسنة، ولا يحتجون بتركه للمولد؟..
وكيف يحتجون بفعله للتراويح الذي له أصل في السنة، على فعل المولد الذي ليس له أصل في السنة؟..
ثانيا:
قولهم: لو كان المولد بدعة لكونه لم يكن في عهد النبي لكان كل شيء بدعة..
المجيزون للمولد يحتجون في بعض الأحيان بأدلة ليست بشيء..(/5)
فمثلا يقولون: إذا قلتم المولد بدعة لأنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يعني أن الفرش وإنارة المساجد بدعة، وكذا استخدام كل جديد..
فيقال لهؤلاء: هذا هو السبب في وقوعكم في مثل هذه البدعة، قلة العلم والتفقه في الدين، وعدم التفريق بين المتمايزات بسبب ذلك، فكل من له أدنى فهم في الكتاب والسنة يعرف الفرق بين الشيء المحدث في الدين الذي هو البدعة، وبين الشيء المحدث في الدنيا..
فالمولد من المحدثات في الدين ذاته، فهو عبادة يقصد صاحبها التقرب بها إلى الله تعالى بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم يعتقد أنه ولد فيه..
أما الفرش والإنارة ونحوها فهذه ليست من المحدثات في الدين، بل هي من المحدثات في الدنيا، فهي أمور دنيوية محضة، ويمكن تسخيرها في خدمة الدين، كأي شيء آخر، فإذن لا علاقة لها بالموضوع من وجه.. والبدعة تنقسم إلى لغوية وشرعية:
فاللغوية: هو الشيء الذي لم يسبق، قال تعالى: { بديع السموات والأرض}، أي مخترعهما على غير مثال سابق.
والشرعية: هو كل أمر محدث في الدين يضاهي الشرعية، يقصد فاعله التقرب إلى الله تعالى.
ثالثا:
زعموا أن سبب ترك الصحابة للمولد كون النبي صلى الله عليه وسلم حيا في ضمائرهم.
هذا جواب ليس بسديد..
فإن الصحابة كانوا أسبق إلى الخير في كل شيء، ولم يكونوا يتوقفون عن خير أبدا، فلو كان المولد خيرا لفعلوه ولو مرة واحدة، لكنهم ما فعلوه، لعلمهم أن ذلك من الإحداث في الدين..
ثم لو سلمنا لهم جدلا ما قالوه، أفليس غير الصحابة بحاجة إلى التذكير؟..(/6)
وقد علمنا أن زمن الصحابة استغرق القرن الأول بكامله، وقد حدث في هذا العهد تغير كبير، وتحول خطير في حياة المسلمين، دخل كثير من الناس في دين الله أفواجا، فتعسر توجيه وتربية كل هذه الأفواج، وبعد الكثير عن دين الله، حتى عمت الشهوات وكثرت الحروب لأجل الدنيا والتنازع فيها، كل ذلك ألم يكن داعيا وحاملا للصحابة أن يخترعوا المولد، لا من أجل أنفسهم، بل من أجل الناس الذين معهم وانعدم ذكر النبي صلى الله عليه سلم من ضمائرهم، فما عادوا يذكرون إلا دنياهم؟..
لقد بلغ من سخط الصحابة على الناس ما لم يسعهم السكوت معه، روى البخاري في صحيحه عن أم الدرداء قالت: " دخل علي أبو الدرداء مغضبا فقلت له: ما لك؟، قال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا"..
وقال الحسن البصري: سأل رجل أبا الدرداء فقال: رحمك الله، لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، هل كان ينكر شيئا مما نحن عليه؟، فغضب منه، واشتد غضبه، وقال: وهل كان يعرف شيئا مما أنتم عليه؟.
وروى البخاري عن الزهري قال: "دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟، فقال: ما أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت".
وآثارهم في هذا المعنى متعددة، فالناس في زمن الصحابة كانوا بحاجة إلى التذكير، فلو كان التعليل في عدم فعل الصحابة للمولد أنهم ليسوا محتاجين إلى ذلك، فإن غيرهم ممن كان في عهدهم كانوا بحاجة، والصحابة مدركون لذلك، ومع ذلك لم يفعلوه..
ثم ما زال الناس في رقة من الدين قرنا بعد قرنا، والسلف يعاينون أحوال الناس ومع ذلك لم يخطر ببال أحدهم الاحتفال بالمولد تذكيرا وإحياء لسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى انقضى عهد السلف والقرون الثلاثة الأولى، وما أحدث المولد إلا في منتصف القرن الرابع..(/7)
ثم إن قولهم ذلك يفتح الباب لكل بدعة ويصبغها بالمشروعية، إذ يمكن لكل صاحب بدعة أن يحتج لبدعته - إذا قيل إن الصحابة لم يفعلوه - بأن الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى ذلك لكمال إيمانهم، وأن الناس بحاجة إلى ذلك اليوم..
يمكنهم أن يقولوا ذلك في بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والنصف من شعبان وشهر رجب وغير ذلك.
خلاصة القول: أن ما ذكروه ليس بحجة لا من حيث الشرع، ولا من حيث المنطق والعقل، ولا من حيث الواقع..
ثم التذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره في ضمائر الناس له طرق كثيرة وليس محصورا في الموالد.
رابعا:
قولهم أن الترك لا يقتضي التحريم.
هذه الحجة يدندن حولها كثير من المبتدعة، ويتخذونها غرضا لتثبيت بدعهم، فكلما قيل لهم: إنه النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والصحابة من بعده، قالوا لك:
الترك لا يقتضي التحريم..
وينسبون مثل هذا الكلام إلى الأصوليين، بل ويبالغ بعضهم ويغلو عندما يزعم أنه إجماع..
ويقال في رد هذه الشبهة: نعم، الأصوليون لم يجعلوا الترك من أنواع التحريم، فالتحريم يكون بالنص ونحوه مما يدل على التحريم، لكن ههنا فرق لابد من التنبه له، هو سبب هذا الإشكال:
كلام الأصوليين إنما هو في العادات لا في العبادات..
فالأصل في العادات الإباحة، في الترك في باب العادات لا يدل على التحريم، فمثلا النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الضب هل هذا يدل على تحريمه؟.. لا، لأن الترك لا يدل على التحريم، هذا في باب العادات، والنبي صلى الله عليه وسلم لم لم يأكل لحم الغزال؟.. لكن تركه لا يدل على التحريم، وهكذا كل شيء من المنافع الدنيوية الأصل فيها الإباحة، إلا إذا ورد ما يمنع، وهذا من التوسيع والرحمة.(/8)
وأما العبادات الأصل فيها التحريم إلا إذا ورد الإذن، وعلى ذلك فما تركه الشارع فهو محرم، إذ لو كان مشروعا لفعل، فالترك دل على عدم المشروعية، فكل ما نوقعه من عبادات، من صلاة وصيام وحج وزكاة كلها لم يكن لنا القيام بها لولا إذن الشارع، وهذا هو مقتضى التسليم وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله..
ولو كان لكل إنسان الحق أن يخترع عبادة كيفما شاء، لم يكن من داع لإرسال الرسول لتبليغ رسالة الرب إلى الخلق، بل يترك لكل قوم وكل إنسان أن يخترع ما شاء من العبادات، وهذا باطل.
والدليل على أن الأصل في العبادات المنع قوله عليه السلام: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة). وعلى ذلك فالمولد هل من باب العبادات أو من باب العادات؟..
لننظر فيما يكون في المولد، إنه اجتماع لتلاوة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع إنشاد المدائح النبوية بأصوات ملحنة، ثم تقام الولائم لأجل ذلك، وهم يفعلون ذلك في كل عام مرة على الأقل في تاريخ محدد..
وهذا بلا ريب عبادة محضة، والأدلة على ذلك:
أولا: من حيث إنهم يتخذون ذلك اليوم عيدا، والعيد هو ما يعتاد مجيئه في كل زمن، فالجمعة عيد، لأنه كل أسبوع، والفطر والأضحى عيد، لأنه كل عام، وعلى ذلك فقس المولد، فهو يحتفل به كل عام، وهذا تشريع، واتخاذ ليوم لم يأذن به الشارع أن يكون عيدا، ونحن نعلم أن المسلمين ليس لهم إلا عيدين يحتفلون فيهما، الفطر والأضحى، ولا يجوز لهم أن يتخذوا عيدا ثالثا ورابعا، والحاصل في المولد أنه صار عيدا يحتفل به، أي صار عيدا ثالثا في الإسلام، وهذه هي الضلالة.
ثانيا: أن الموالد ذكر، والذكر عبادة.
ثالثا: أن أهل الموالد يقصدون التقرب إلى الله تعالى بما يفعلون، والتقرب عبادة.
إذن الموالد عبادة وليست عادة، فتدخل في باب: الأصل في العبادات المنع إلا بنص، ولا تدخل في باب: الأصل في العادات الإباحة إلا بنص..(/9)
ومن ثم لا يجوز الاحتجاج بقاعدة: " الترك لا يقتضي التحريم".. إذ هذه القاعدة يعمل بها في العادات لا في العبادات.
إن دعوى أن "الترك لا يقتضي التحريم".. هكذا بإطلاق يصادم النص النبوي: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)..
فهذا النص لا معنى له إذا عمل بتلك الدعوى على إطلاقها دون تفصيل، فإن المحدثات هي التي لم تكن في عهد النبوة من العبادات، تركت فلم تفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر منها، ويطلق وصف البدعة، وهؤلاء يقولون:
الترك لا يقتضي التحريم، وأنه يمكن لنا أن نفعل عبادة لم تكن في عهد النبوة..
فكيف نجمع بين القولين؟…
لا شك أنهما لا يجتمعان، فإما أن نأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو قولهم.. ولا ريب أننا ملزمون بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا بقولهم.
خامسا:
زعموا أن الموالد مثل المحاضرات والدروس والعلمية.
يجاب عن هذا بالاعتراض، فليست الموالد كالمحاضرات والدروس العلمية..
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، ويقرر لهم الدروس والخطب، وخصص يوما للنساء يعلمهن فيه، فإذن الدروس والخطب والمحاضرات مشروعة، شرعها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وأمره: ( بلغوا عني ولو آية)..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس ليخطب فيهم نادى بهم ليجتمعوا، فيجتمعوا، فيلقي عليهم ما أراد تعليمهم، والإعلان عن الدروس والمحاضرات هو من هذا النوع الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل، سواء بسواء..
فأين هذا من المولد؟..(/10)
هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين جواز جمع الناس لتعليمهم أمور دينهم، إذ لا يمكن تعليم الناس إلا بهذه الطريقة، أو قل هو طريق عظيم لتعليم الناس، لكنه ما بين للناس جواز أن يجتمعوا لأجل المولد، الذي في الحقيقة ليس فيه تعليم بشيء، إلا شيئا واحدا هو ذكر أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يصل الأمر إلى الغلو والمنكر..
وهذه الموالد حتى في حال خلوها من الغلو والمنكرات ليس فيها تعليم ولا تفقيه..
والدليل أنك تجد جل الذين يؤمون الموالد لا يفقهون في دين الله شيئا، وذلك أنهم لا يجدون في الموالد شيئا من العلم والفقه إلا المدائح النبوية الغالية والرد على الخصوم في جواز الاحتفال بالمولد...
أما قضايا الفقه والعقيدة وأحوال المسلمين فلا تجد منها شيئا، فكيف يكون طريقا للعلم؟، وكيف يصح تشبيه الموالد بالمحاضرات والدروس العلمية؟..
إن الذي يتابع ويحضر الدروس العلمية والمحاضرات تجده بعد مدة متفقها واعيا، مستدلا على طريق السنة، عارفا بحقيقة أحوال المسلمين، بخلاف الذي يؤم الموالد، لا تجد عنده شيء من ذلك، وهذا مما يؤكد الفرق بين الأمرين.
تلك أبرز شبه القوم، وقد علمنا بطلانها، وتبين لنا كيف أن القوم يحتجون بأي شيء، ولو كان مخالفا للدليل الصريح والعقل الصحيح، وكثير منهم يجادلون بالباطل، ويتبعون أهواءهم، ويكلمون بكلام كثير لا يقصد منه الوصول إلى الحق، بل تغرير عموم القارئين والمستمعين الذين يتابعون ما يدور من كلام.
وأخيرا.. فلا نجد المحتفلين بالمولد مقتدين بسلف الأمة، إنما هم مقتدون بالنصارى، حيث إن النصارى يحتلفون بعيد ميلاد المسيح، وهذا من جملة تحريفهم وابتداعهم في الدين النصراني، وهؤلاء يفعلون كما يفعلون، فقد تركوا التشبه بأهل الإيمان وصاروا متشبهين بأهل الكفر والتحريف.. ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/
أرباب الطريقة
منوعات(/11)
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/12)
رد شبهات (النور) حول كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
بقلم
عبدالغفار محمد
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
وقفت في أحد المنتديات على الشبكة العنكبوتية(1) لمشاركات تسمى صاحبها بـ (النور)، ذكر فيها بعض مقاطع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ظنا منه – وبعض الظن إثم – أنها مؤيدة للصوفية ومنهجها، وعلى ضوءها حكم على ابن تيمية بأنه "صوفي ذائق، ومقدس للصوفية"، وقام بالتبكيت على الإخوة السلفيين في منتدى الساحة، ومتحديا لهم دفع ما أورده عليهم، وبعد استعراض ما أورده هذا المجهول المتسمي بالنور، اتضح أن عنده مشكال عويصة حدت إلى هذه الشبه وهي:
أولا: مشكلة بتره النصوص من كلام الشيخ.
ثانيا: مشكلة عدم تدبره للسابق واللاحق من الكلام المستقطع، والظاهر استعجاله وقديما قال الشاعر:
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
ثالثا: مشكلة عدم الفهم، والتعالم.
رابعا: وأعظم من ذلك كله هو جعله بفهمه القاصر التصوف أصل والكتاب والسنة فرع.
وحيث أن من ناقشة من الإخوة المنتمين للسلف قلة، لكثرة ما أورد عليهم من شبه فظن بذلك أنه قد بَزَّهم واسكتهم، ثم جُمدت مشاركاته في موقع الساحة، فزاده هذا غرورا، حتى قال: "ومتى ما فُكّت القيود عن مُشاركاتي فلن أُبقي تكفيرياً في الساحة بإذن الله".
وهذا القول منه ذكرني بما دار بين الشاعرين الأمويين جرير والفرزق، حيث زعم الأخير أنه سيقتل مربعا، كما ذكرنيه أيضا موقع الفرزدقي الصوفي، الذي أثبت هذه المشاركات في الصفحة الأولى، لإثبات أن السلفيين ما استطاعوا دفع هذه الشبه، قال الشاعر جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع
__________
(1) موقع الساحة وموقع الفرزدقي، والأخير صوفي قُح.(/1)
وقد وفقني الله عزوجل لجمع شُبهه ودراستها ومعرفة مايريد إثباته تعالما، فأثبتنا خلافه ديانة ونصيحة من كلام ابن تيمية نفسه، وقد أطلت النفس في بعض الردود لمقتضى الحال وتفنيد الشبهة على المخالف.
فما كان فيه من صواب فالحمد لله على توفيقه، وماكان من سهو أو خطأ أو نسيان فمن نفسي والشيطان، وهذا جهد المقل
الشبهة الأولى: الأولياء يدبرون العالم ويتصرفون فيه
قال المخالف: (إن كانت الملائكة يقومون بنفع الخلق و تدبير العالم، فإن صالح البشر لهم مثل ذلك وأكثر منه)
ثم قال: (عودة مع ابن تيمية و المقدّسين إليه . ابن تيمية الصوفي ذوقاً و مشرباً. استمتع بتأويل و تفسير ما أشكل من كلامهم. خَاض البَحر الذي وقف عنده المُقدِّسين للصُوفية. تكلّم في إِشاراتهم وعِباراتهم .. مُريد شَيخ شَطحات مَقامات.
"سُبحاني - مافي الجُبّة - انصب خيمتي على باب جهنّم"
كُل ذلك حقّقه وأجاد بكلام لم يسبق له مثيل.
وعُذراً للإخوة الذين يرون خلاف ما أرى فجميع مُشاركاتي فقط لتوضيح الرأي الآخر، ومتى ما فُكّت القيود عن مُشاركاتي فلن أُبقي تكفيرياً في الساحة بإذن الله).
ثم ساق المتعالم المتسمي بالنور كلام شيخ الإسلام ما نصه:
"إن علماء الآدمين مع وجود المنافى والمضاد أحسن وافضل، ثم هم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، وأما النفع المتعدى والنفع للخلق وتدبير العالم فقد قالوا: هم تجرى أرزاق العباد على أيديهم، وينزلون بالعلوم والوحي ويحفظون ويمسكون وغير ذلك من افعال الملائكة؟(/2)
والجواب: إن صالح البشر لهم مثل ذلك واكثر منه ويكفيك من ذلك شفاعة الشافع المشفع فى المذنبين وشفاعته فى البشر كى يحاسبوا وشفاعته فى أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة. ثم بعد ذلك تقع شفاعة الملائكة وأين هم من قوله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وأين هم عن الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وأين هم ممن يدعون الى الهدى ودين الحق ومن سن سنة حسنة.
واين هم من قوله - صلى الله عليه وسلم - (أن من أمتى من يشفع فى أكثر من ربيعة ومضر).
وأين هم من الأقطاب والأوتاد والاغواث والابدال والنجباء فهذا هداك الله وجه التفضيل بالاسباب المعلومة ذكرنا منه أنموذجا".(1)
ثم قال المخالف:
هل يجوز الآن أن نقول أن للأولياء القّدرة على تدبير العالم ؟!
هل من الممكن الآن أن نغيّر فتوى التحريم لفتوى تحليل تتوافق مع ابن تيمية ؟!
هل آن لنا أن نعلم أن ابن تيمية صوفي ذائق ؟!!
رد الشبة
لم يسق المخالف سبب إيراده هذا الكلام، وما وجه إنكاره على السلفيين، ثم هذا الكلام قاله ابن تيمية في سياق كلام طويل لنقاش مسألة مشهورة بين الناس فى التفضيل بين الملائكة والناس ولا شأن للتصوف به، وهو قول صحيح لا شبهة فيه في الأولياء الصالحين الأحياء وليس الأموات، كما تعتقد الصوفية في نفع الأولياء الأموات.
كما لم يتعرض المخالف لصفات هؤلاء الذي رزقهم الله هذه الصفات من نفع الخلق وتدبير العالم؟
وما قاله ابن تيمية رحمه الله له لم يكن من عند نفسه أو لكونه صوفيا ذائقا، بل هو من الدين وصريح صحيح نصوص السنة، وفي ذلك أمور منها:
مكانة الولي العظيمة عند ربه
__________
(1) مجموع الفتاوى (4/379)(/3)
كما في الحديث القدسي: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).(1)
فإذا كان هذا حال الولي مع ربه سبحانه، أفيبخل عليه سبحانه بإستنزال النصر والغيث، وإبرار قسمه واستجابة دعائه في الحال وتحقيق شفاعته، وجعل حرمته أعظم من بيته الحرام، وأن يُتَوسل به إلى الله وهو حي وأن يخرق له العادات.
أمور أثبتها الشرع الحنيف للولي الحي الصادق، وخالف الصوفية فأثبتت ما سبق للولي الميت؟؟.
ومما أثبته الشرع الحنيف للولي الحي من تصريف في الكون ونحوه بقوة الله ومشيئته أمور:
أولا: تنزل النصر والرزق بسببه
(رَأَى سَعْدٌ - رضي الله عنه - أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بِضُعَفَائِكُمْ).(2)
ثاني: إبرار قسمه
__________
(1) أخرجه البخاري في (الرقاق ح 6502) من حديث أبي هريرة.
(2) أخرجه البخاري (الجهاد والسير ح 2896) من حديث سعد بن أبي وقاص(/4)
عن أنس قال: (أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا الْأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ).(1)
وفي رواية من حديث أبي هريرة ولفظه:
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ).(2)
وممن أبر الله قسمه البراء بن مالك رضي الله عنه.
ثالثا: حرمة الولي أعظم من الكعبة
عن ابن عمر قال: (صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فإنه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ قَالَ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ).(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في (الصلح ح 2703).
(2) أخرجه مسلم في (البر والصلة ح 2622).
(3) أخرجه الترمذي في (البر والصلة ح 2032).(/5)
فهذا هو الإسلام وليس تصوفا، والأحاديث في هذا كثيرة تدل على القوة الخارقة التي وهبها الله عزوجل للولي المؤمن، بل وتدل على قدرته الخارقة المخالفة لأمور الطبيعة، ومن هذه القوى ما حصل من كرامات لبعض الخُلّص من المؤمنين من عهد الصحابة فمن بعدهم:
كما حصل مع العلاء بن الحضرمي ومَشْيه على الماء هو من معه، واستجابة دعاء العباس لاستنزال المطر وقبول توسل عمر به، ومثله حصل مع معاوية، وفضل أويس القرني، ومثله كثير في حياة الأولياء الأحياء.
أما عقيدة الصوفية التي ينافح عنها المخالف، فتجاوزت الأحياء إلى الأموات، وجعلت لهم من القدرات والخوارق في تدبير شؤون هذا الكون ما يرفضه الشرع المطهر، وهذا من البدع المحدثة في الأمة الإسلامية التي أورثت الناس التبرك بالأولياء الأموات والإعتقاد في تصريفهم الكون ونحوه مما هو مبسوط في كتبهم.
قال ابن تيمية رحمه الله: "بلغنى عن بعض السلف أنه قال ما ابتدع قوم بدعة إلا فى القرآن ما يردها ولكن لا يعلمون".(1)
وقال أيضا: "حقيقة الملك والطبيعة الملكية أفضل، أم حقيقة البشر والطبيعة البشرية، وهذا كما أنا نعلم أن حقيقة الحى اذ هو حى أفضل من الميت، وحقيقة القوة والعلم من حيث هو كذلك أفضل من حقيقة الضعف والجهل، وحقيقة الذكر افضل من حيث الأنثى".(2)
فانظر بارك الله فيك إلى إعتقاد القوم في أمواتهم، كالحلاج والسهروردي المقتول وابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وغيرهم من أرباب القول بوحدة الوجود والحلول والإتحاد.
أما قول المخالف ما نصه:
(هل يجوز الآن أن نقول أن للأولياء القّدرة على تدبير العالم ؟! هل من الممكن الآن أن نغيّر فتوى التحريم لفتوى تحليل تتوافق مع ابن تيمية ؟! هل آن لنا أن نعلم أن ابن تيمية صوفي ذائق ؟!!).
فأقول: ومن منع ما وهبه الشرع المطهر للولي الحي، كما أنه لم يذكر فتوى التحريم التي زعم وما هي؟
__________
(1) مجموع الفتاوى (4/363).
(2) المصدر السابق (4/353).(/6)
وأما قوله أن ابن تيمية صوفي ذائق؟ فهذا ضرب من الخبال، فابن تيمية عالم رباني سائر على منهج سلف الأمة، زاهد عرف معنى الزهد فعاشه واقعا، فذاق من خلاله طعم العبودية لله، فسلك به طريق الجنة للحوق بركب الأنبياء والصديقين والأولياء، فضحى بكل شيء في سبيل ذلك وجاهد في سبيل الله ودينه باليراع واللسان والسنان، فلم يخشى في الله لومة لائم حتى مات في سبيل ذلك مسجونا رحمه الله؟
الشبهة الثانية: البدعة الحسنة
قال المخالف: (إِبْن تَيْمِيَة الصُوفِي القَادِري يُقِرُّ بِالبِدْعَة الحَسَنةْ)
ثم نقل من كلامه من منهاج السنة: " قيل لهم: فمن أين لكم أن عثمان فعل هذا بغير دليل شرعي وإن عليا قاتل أهل القبلة بدليل شرعي؟ وأيضا فإن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أحدث في خلافته العيد الثاني بالجامع؟ فإن السنة المعروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، أنه لا يصلي في المصر إلا جمعة واحدة، ولا يصلى يوم النحر والفطر إلا عيد واحد، والجمعة كانوا يصلونها في المسجد والعيد يصلونه بالصحراء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة وعرفة قبل الصلاة وفي العيد بعد الصلاة، واختلف عنه في الاستسقاء فلما كان على عهد علي قيل له إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون…".(1)
رد الشبهة
قال مقيده عفا الله عنه: ليس في كلامه ما يؤيد ما ذهب إليه المخالف من دعوى إقرار ابن تيمية بالبدعة الحسنة، وليس هنا بدعة حسنة أو سيئة، بل هو اجتهاد خليفة نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على اتباع سنته، وهو لم يبتدع في الدين وإنما كانت صلاة العيد في الصحراء، وكان هو إماما المسلمين، وكما قال ابن تيمية:
__________
(1) منهاج السنة (6/291).(/7)
"فلما كان على عهد علي قيل له إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون الخروج إلى المصلى، فاستخلف عليهم رجلا صلى بالناس بالمسجد، قيل إنه صلى ركعتين بتكبير وقيل بل صلى أربعا بلا تكبير".(1)
فهذا ليس فيه ابتداع، بل كل ما هنالك أنه أَذِن لعجزة الناس بأداء صلاة العيد في جامعهم القريب منهم رحمة بهم، حتى لا يتكلفوا المشاق للخروج للصحراء وقد أصاب - رضي الله عنه - فله في ذلك أجران.
ولو ألزمنا المسلمين اليوم بصلاة العيد في الصحراء لشق عليهم ذلك، ولا يخفى أنه يخرج لها النساء العواتق وذوات الخدور والحيض منهن كما في البخاري وغيره.
فكان هذا إجتهادا موفقا من الخليفة الرابع المنصوص من النبي - صلى الله عليه وسلم - على إتباعه، فلم يبتدع - رضي الله عنه - في أصل العبادة، وهذا الإجتهاد هو ما قصده ابن تيمية بقوله : (أحدث في خلافته العيد الثاني بالجامع)، وذلك حتى لا يحرم العجزة فضيلة صلاة العيد المشروعة لمشقة المكان.
والصلاة في الجامع أمر أوجبه الشارع وحث عليه، وهو بخلاف الإحداث الموجود عند الطرقية، كالعكوف عند القبور والأضرحة وبناء المساجد عليها، وما يحصل حولها من أمور ومخالفات لأبسط قواعد الشريعة، والأذكار المخترعة من قبل أرباب الطرق التي تلقن للمريدين.
البدعة الحسنة في نظر ابن تيمية
قال ابن تيمية: "وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة، فهى بدعة سيئة وهى ضلالة باتفاق المسلمين، ومن قال فى بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعى أنها مستحبة، فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين أنها من الحسنات التى يتقرب بها الى الله".(2)
وقال أيضا: "ومعلوم أن كلما لم يسنه ولا إستحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم المسلمون فى دينهم فإنه يكون من البدع المنكرات ولا يقول أحد فى مثل هذا إنه بدعة حسنة إذا.
__________
(1) المصدر السابق (6/291).
(2) مجموع الفتاوى (1/162).(/8)
البدعة الحسنة: عند من يقسم البدع إلى حسنة وسيئة لابد أن يستحبها أحد من أهل العلم الذين يقتدى بهم، ويقوم دليل شرعى على إستحبابها، وكذلك من يقول: البدعة الشرعية كلها مذمومة لقوله - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الصحيح (كل بدعة ضلالة)، ويقول قول عمر فى التراويح: (نعمت البدعة هذه)، إنما أسماها بدعة بإعتبار وضع اللغة، فالبدعة فى الشرع عند هؤلاء: ما لم يقم دليل شرعى على إستحبابه ومآل القولين واحد، إذ هم متفقون على أن مالم يستحب أو يجب من الشرع فليس بواجب ولا مستحب، فمن إتخذ عملا من الأعمال عبادة ودينا وليس ذلك فى الشريعة واجبا ولا مستحبا فهو ضال بإتفاق المسلمين".(1)
الشبه الثالثة: مقام الصديقية الخاص بالصوفية
قال المخالف: (مقام الصديقية الخاص بالصوفية، "الصوفية من أكمل صديقي زمانهم").
__________
(1) المصدر السابق (27/152).(/9)
ثم نقل من كلام ابن تيمية ما نصه: "ثم التصوف عندهم له حقائق وأحوال معروفة، قد تكلموا فى حدوده وسيرته وأخلاقه كقول بعضهم: الصوفى من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر، التصوف كتمان المعانى وترك الدعاوى واشباه ذلك، وهم يسيرون بالصوفى معنى الصديق، وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون، كما قال الله تعالى: {أولئك الذين انعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}، ولهذا ليس عندهم بعد الأنبياء أفضل من الصوفى، لكن هو فى الحقيقة نوع من الصديقين، فهو الصديق الذى اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذى اجتهدوا فيه، فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال: صديقو العلماء وصديقو الأمراء، فهو أخص من الصديق المطلق ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين أنهم صديقون، فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضا، كل بحسب الطريق الذى سلكه من طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده، وقد يكونون من أجلّ الصديقين بحسب زمانهم، فهم من أكمل صديقى زمانهم والصديق فى العصر الأول أكمل منهم، والصديقون درجات وانواع ولهذا يوجد لكل منهم صنف من الأحوال والعبادات حققه واحكمه وغلب عليه".(1)
رد الشبهة
كلامه المخالف سفسطة من القول، إذ ابن تيمية رحمه الله كان يتكلم على بدايات التصوف وأهله، وانصفهم على طريقته الوسط في نقد المخالف، من ذكر محسانهم ومثالبهم وموافقاتهم للشرع ومخالفاتهم، فظن المخالف - وبعض الظن إثم - من بعض عبارات الثناء، أن ابن تيمية صوفي متذوق.
والمخالف نقل كلامه مبتورا، إذ بقيته تبين مقصوده وليس كما ظن المخالف، فلا يفرح لأن الله لا يحب الفرحين.
وهناك عبارتان من كلام ابن تيمية ركز عليها المخالف وغرته:
__________
(1) المصدر السابق (11/17).(/10)
العبارة الأولى: قوله: "هو فى الحقيقة نوع من الصديقين فهو الصديق الذى اختص بالزهد والعبادة".
قال مقيده عفا الله عنه: كلام ابن تيمية بعده يبين مقصوده، وهو أن الصديقية عند الصوفية القدامى لا عموم الصديقية فقال: "فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال صديقو العلماء .......الخ".
العبارة الثانية: قوله: " فهم من أكمل صديقى زمانهم والصديق".
قلت: وهو ظاهر في أنه الصوفية القدامى، والقيد بصديقي ذاك الزمان فقط وليس في كل الأزمنة.
تكلم ابن تيمية عن التصوف في القرون الثلاثة الأوَل، وإنه اشتهر التكلم به بعد ذلك، ثم ذكر التنازع في معنى الصوفي، وتكلم على أول ظهور التصوف في البصرة وحال من ظهر فيها منهم، وتنازع العلماء في ما ينتابهم من الأحوال، ثم خلص إلى أن هذه الأمور التي فيها زيادة عبادة خرجت منها، ثم ذكر تنازع العلماء في هذه العبادة الزائدة بين القدح والمدح وذكر الصواب فيه، حتى وصل إلى الكلام الذي نقله المخالف آنفا.
وأنقل تتمة كلام ابن تيمية ليفهم المقصود ويتضح خلاف ما أراده المخالف:
قال رحمه الله: "ولأجل ما وقع فى كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس فى طريقهم، فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا أنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة فى ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام، وطائفة غلت فيهم وادعوا انهم افضل الخلق واكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفى هذه الأمور ذميم.
والصواب أنهم مجتهدون فى طاعة الله، كما اجتهد غيرهم ....إلى أن قال:
وقد انتسب اليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلا، فان أكثر مشائخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره، كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى فى طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب فى تاريخ بغداد.(/11)
فهذا أصل التصوف ثم انه بعد ذلك تشعب وتنوع وصارت الصوفية ثلاثة أصناف:
صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم.
فأما صوفية الحقائق: فهم الذين وصفناهم.
وأما صوفية الأرزاق: فهم الذين وقِّفَت عليهم الوقوف كالخوانك فلا يشترط فى هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فان هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ولكن يشترط فيم ثلاثة شروط:
أحدها: العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم.
والثانى: التأدب بآداب أهل الطريق وهى الآداب الشرعية فى غالب الأوقات وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها.
والثالث: ان لا يكون احدهم متمسكا بفضول الدنيا فاما من كان جماعا للمال أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك.
وأما صوفية الرسم: فهم المقتصرون على النسبة فهمهم فى اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك فهؤلاء فى الصوفية بمنزلة الذى يقتصر على زى أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة امره أنه منهم وليس منهم".
الشبهة الرابعة: تصريف الولي للكون
قال المخالف: (إقرارات بالتصرف و لم نجد من يقول أنهم مُشركين).
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه:
"فصل حدثنى أبى عن محي الدين بن النحاس وأظنى سمعتها منه أنه رأى الشيخ عبدالقادر فى منامه وهو يقول أخبارا عن الحق تعالى من جاءنا تلقيناه من البعيد ومن تصرف بحولنا الناله الحديد ومن إتبع مرادنا أردنا ما يريد ومن ترك من اجلنا أعطيناه فوق المزيد.(/12)
قلت – ابن تيمية -: هذا من جهة الرب تبارك وتعالى، (فالأولتان العبادة والإستعانة) (والآخرتان الطاعة والمعصية)، فالذهاب إلى الله هي عبادته وحده كما قال تعالى: (من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، ومن آتانى يمشي أتيته هرولة)، والتقرب بحوله هو الإستعانة والتوكل عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وفى الأثر: (من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)، وعن سعيد بن جبير: (التوكل جماع الإيمان)، وقال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقال: {إذ تستغيثون ربكم فإستجاب لكم}، وهذا على أصح القولين فى أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء على أصح القولين، أيضا سبب لجلب المنافع ودفع المضار فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون، ولهذا هو الغالب على ذوى الأحوال مُتَشرعهم وغير متشرعهم، وبه يتصرفون ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر و تارة بما يخالفه.
وقوله: ومن إتبع مرادنا يعنى المراد الشرعى كقوله {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقوله {يريد الله أن يخفف عنكم}، وقوله {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}، هذا هو طاعة أمره وقد جاء فى الحديث (وأنت يا عمر لو أطعت الله لأطاعك)..".(1)
كما انتقى من كلام ابن خلدون في مقدمته ما نصه: "واما الكلام في كرامات القوم وأخبراهم بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات فأمر صحيح غير منكر وإن مال بعض العلماء إلى إنكارها فليس ذلك من الحق".(2)
رد الشبهة
تكلم ابن تيمية هنا على منام للشيخ عبدالقادر بما يوافق الشرع، واستدراك المخالف غير مستدرك، ونحن لا ننكر ماقاله ابن تيمية مادام أثبته الشرع المطهر، وقد سبق الإستفاضة في بيان ما أكرم الله به الأولياء من خوارق العادات في رد الشبهة الأولى، وأن ذلك لا تعلق له لا بالتصوف ولا بالشرك والمشركين.
__________
(1) المصدر السابق (10/549).
(2) المقدمة (ص 474).(/13)
قلت: لم يتدبر المخالف ما قاله ابن تيمية في سياق كلامه السابق عن التوكل وهو:
(… فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم وبه يتصرفون ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر و تارة بما يخالفه).
فهل فهم المخالف مقصود ابن تيمية رحمه الله من قوله: " ولهذا هو الغالب على ذوى الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم"، ومن قوله: " تارة بما يوافق الأمر و تارة بما يخالفه".
فهذه الخوارق قد تكون من غير أهل الصلاح والولاية، وأسوق بعض كلام ابن تيمية عله يزيل تعالم المخالف، حيث بوب رحمه الله في كتابه الحسنة والسيئة "الكرامات عند الصوفية" فقال:
" وآخرون من عوام هؤلاء يُجَوِّزون أن يكرم الله بكرامات أكابر الأولياء، من يكون فاجرا بل كافرا، ويقولون هذه موهبة وعطية يعطيها الله من يشاء، ما هي متعلقة لا بصلاة ولا بصيام ويظنون أن تلك من كرامات الأولياء وتكون كراماتهم من الأحوال الشيطانية التي يكون مثلها للسحرة والكهان..".(1)
وقال أيضا: "بين النبى أن القلب يكون فيه شعبة نفاق وشعبة إيمان، فإذا كان فيه شعبة نفاق كان فيه شعبة من ولايته وشعبة من عداوته، ولهذا يكون بعض هؤلاء يجرى على يديه خوارق من جهة إيمانه بالله وتقواه، تكون من كرامات الأولياء وخوارق من جهة نفاقه وعداوته تكون من أحوال الشياطين، ولهذا أمرنا الله تعالى أن نقول كل صلاة: {إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}".(2)
وقال رحمه الله معرضا بالقبوريين المعتقدين في قدرة أصحابها التأثير في الكون:
__________
(1) ص 112).
(2) مجموع الفتاوى (10/453).(/14)
"وآخرون يأتي أحدهم إلى قبر من يعظمه ويحسن به الظن من الصالحين وغيرهم فتارة يرى القبر قد انشق وخرج منه إنسان على صورة ذلك الرجل وتارة يرى ذلك الإنسان قد دخل في القبر وتارة يراه إما راكبا وإما ماشيا داخلا إلى مكان ذلك الميت كالقبة المبنية على القبر وتارة يراه خارجا من ذلك المكان ويظن أن ذلك هو ذلك الرجل الصالح وقد يظن أن قوما استغاثوا به فذهب إليهم ويكون ذلك شيطانا تصور بصورته وهذا جرى لغير واحد ممن أعرفهم وتارة يستغيث ….الخ".(1)
رد شبهة كلام ابن خلدون
كما انتقى المخالف من كلام ابن خلدون قوله: " وأما الكلام في كرامات القوم واخبارهم بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات فأمر صحيح غير منكر وإن مال بعض العلماء إلى انكارها فليس ذلك من الحق".
فننقل رد عالم إمام عليه هو (صديق بن حسن القنوجي ت 1307هـ) فقال في أبجد العلوم ما نصه:
"وما ذكر من كرامات الاولياء فهو حق يدل عليه القرآن والسنة، وما ذكر من التصرفات في العوالم والاخبار عن المغيبات ففيه نظر وتفصيل، ذكر في محله فليعلم والله أعلم".(2)
الشبهة الخامسة: بيئة صوفية
قال المخالف: (الفتوى التي تدُل على البيئة الصوفية التي يعيش فيها ابن تيمية).
ثم ذكر المتعالم جوابه عن سؤال ذِكر عددي، فقال:
"وسئل عمن هلل سبعين ألف مرة، وأهداه للميت يكون براءة للميت من النار، حديث صحيح أم لا وإذا هلل الإنسان وأهداه إلى الميت يصل إليه ثوابه أم لا؟
فأجاب: إذا هلل الإنسان هكذا سبعون ألفا أو أقل أو أكثر وأهديت إليه نفعه الله بذلك وليس هذا حديثا صحيحا ولا ضعيفا والله أعلم".(3)
رد الشبهة
__________
(1) الجواب الصحيح (2/318).
(2) 2/164).
(3) مجموع الفتاوى (24/323).(/15)
ظن المخالف من الجواب – وبعض الظن إثم – أن هذا بيئة صوفية من ابن تيمية، وهذا تعالم منه، فأي بيئة صوفية في جواب سائل عن ذكر عددي. وهل الإكثار من التهليل بالمئيين بيئة صوفية، وهل في رد ابن تيمية ما يفهم منه ما فهمه المتعالم؟ ألم يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يكون لسان أحدنا رطبا من ذكر كما في السنن من حديث عبد الله بن بسر - رضي الله عنه -:
( أن رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله).(1)
وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات).(2)
وفي رواية أحمد: (قالوا يا رسول الله ومن المفردون قال الذين يهترون في ذكر الله).(3)
وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه ضعف محتمل عند أحمد: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون).(4)
ترى هل هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيئة صوفية؟؟ حاشا وكلا؟
أما البيئة الصوفية التي يزعم المتعالم نسبتها لابن تيمية وهو منها بريء فأسوق بعضها عله يستطيع التميز والمقارنة:
قال الدكتور المالكي في كتابه أبواب الفرج (ص 98) : "دعاء الناصر" ثم قال: "من أعظم أبواب الفرج هذا الدعاء العظيم الشامل الذي رويناه عن مشايخنا عن الإمام العارف سيدي محمد بن ناصر الدرعي رحمه الله"، ثم ساق أبياتا كثيرة فيها توسلات واستغاثات بالأقطاب والأوتاد.
__________
(1) أخرجه الترمذي (الدعوات ح 3375)، وابن ماجة (الأدب 3793). وصححه الألباني.
(2) مسلم (الذكر ح 2676).
(3) المسند (2/323).
(4) المسند (3/71).(/16)
فانظر أخي المسلم كيف جعل من الدعاء الشعري المختلط بتوسلات واستغاثات الأموات، دعاء عظيما وأعرض عن عن دعاء القرآن والسنة دليل على على عدم التوفيق.
ثم ذكر (ص 116) خصائص وأسرار البسملة مما لم يرد فيه شيء مشروع كـ:
قراءتها عند النوم 21 مرة للحفظ من موت الفجاءة، وقراءتها 113 مرة يوم الجمعة ،و 313 مرة مع الصلاة على النبي لزيادة الرزق، و787 مرة لقضاء الحوائج العامة، و2500 مرة بعد الصبح للفتح والفهم، ثم ذكر قراءتها عن الغزالي 12000 مرة وصلاة ركعتين بعدها وسؤال المصلي حاجته.
ثم ذكر (ص 118) دعاء البسملة وفيه: "يا من هو كهيعص حمعسق الم المر المص بسر اسم الله الأعظم..
ثم ذكر (ص 134) نقلا عن العلماء ولم يذكرهم ولست أي العلماء يقصد أنه رتبوا قراءة آية الكرسي بعدد حروفها أو بعدد كلماتها أو بعدد المرسلين من الأنبياء، وذكر ترديد قوله تعالى (ولا يؤده حفظهما ...) 70 مرة.
قال مقيده عفا الله عنه: وقد استفاد المالكي هذا من كتاب شمس المعارف للبوني الصوفي.(1)
ثم ذكر المالكي أيضا (ص 138) ترتيب قراءة (حسبنا الله ونعم الوكيل) 450، و950 ، و 19000، و 4000، و 7000 مرة.
والكتاب طافح بهذه البيئة الصوفية المقيتة، التي أبعدت مرتاديها عن معين النبوة الصافي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا غيض من فيض شيخ صوفي معاصر مقتدى به عندهم.
الشبهة السادسة: المولد النبوي والإحتفال
قال المخالف: (ابن تيمية الصوفي ذوقاً و مشرباً و موقفه من المولد النبوي.
إبن تيمية و موقفه من أحبابه الصوفية يتجلّى واضحاً في كل أحكامه فهل حرّم إبن تيمية المولد النبوي الشريف؟! مقال يُبيّن غوامض محبة ابن تيمية للصوفية و تعلقه بجناب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.
إبن تيمية يكرهُ أن يُخصص يوم الولادة فقط بالإحتفال و لا يُحرّم الإحتفال بالمصطفى صلوات ربي وسلامه عليه).
رد الشبهة
أقول وبالله التوفيق مناقشا لنقاطه الآتية نقطة نقطة:
__________
(1) 1/120).(/17)
قال المخالف: أولاً : مناقشة تخصيص يوم المولد والحكم فيه فقط كراهة تنزيه، فالمسألة ليست من مسائل العقيدة كما يقول المتطرفون.
ثم ساق كلام الشيخ من اقتضاء الصراط ما نصه: "فصل: ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه".(1)
قال مقيده عفا الله عنه: أقر المخالف بكلام ابن تيمية أن المولد من المنكرات، ولم يستطع دفعه أو إثبات خلافه، وأما قوله أن المولد ليس من مسائل العقيدة فباطل بل هو عين الباطل، وفي ختام ردي عليه سأذكر العقائد الفاسدة التي يعتقدها أهل المولد ومشايخه والتي يُدعى لها فيه والتي قد تخرج معتقدها من الملة؟ وهي موجودة في مؤلفات المولد أيضا.
قال المخالف: "ثانياً: الإشكال في المولد تحديد موعد زماني فقط، و ليس التعظيم والمحبة، لأجل هذا أدرجها ضمن القسم الثاني في الأعياد الزمانية". ثم ساق كلام ابن تيمية من الإقتضاء ما نصه:
"تقدم أن العيد يكون اسما لنفس المكان ولنفس الزمان ولنفس الاجتماع، وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء: أما الزمان فثلاثة أنواع، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال، أحدها يوم لم تعظمه الشريعة أصلا، ولم يكن له ذكر في وقت السلف ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه، مثل أول خميس من رجب …..".(2)
وكما ساق قوله:
" النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة، كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسما، ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشري ذي الحجة، الذي خطب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدير خم، مرجعه من حجة الوداع فإنه - صلى الله عليه وسلم - خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته كما روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه -".(3)
__________
(1) ص 267).
(2) ص 266).
(3) ص 267).(/18)
قال مقيده عفا الله عنه: زعمه أن المولد من النوع الثاني مما بينه ابن تيمية، ليس فيه ما يؤيد مذهب المخالف، وهو حجة عليه حيث لم يخرجه من دائرة المبتدعة المحدثين في دين رب العالمين المشابهين للنصارى، كما رضيه المخالف فيما يأتي لنفسه ومن لف لفه:
قال المخالف : " ثالثاً : إقامة الإحتفالات لتعظيمه ومحبته مُثاب فاعلها. البدعة المكروهة كراهة التنزيه هي: تحديد يوم مُعين للإحتفال، الله قد يثيبهم على المحبة والإجتهاد لا على تخصيص يوم".
ثم ساق المخالف راضيا الطعن في نفسه، ومن على منهجه من كلام ابن تيمية، كونهم مبتدعة مشابهون للنصارى، قوله:
" وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدا".(1)
قال مقيده عفا الله عنه: ابن تيمية رحمه الله لم يجزم القول بالثواب كما فهم المخالف تعالما، إذ قال: "قد يثيبهم الله" وقد تفيد الإحتمال، وقد لا يثيبهم الله إذ هذا راجع له سبحانه وتعالى فتنبه؟
قال المخالف: رابعاً : لم يترك ابن تيمية المسئلة دون أن يضع حلولاً لمن يريد تعظيم النبي ومحبته. فالحل لديه أن لا تُخصص يوم الثاني عشر بالإحتفال فقط و لكن إحتفل قبله أو بعده أو في غير اليوم إن لم تستطع أن تضم إليه غيره.
__________
(1) المصد السابق (ص 267).(/19)
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: " وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تخصيص أوقات بصلاة أو بصيام، وأباح ذلك إذا لم يكن على وجه التخصيص، فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو يوما بعده)، وهذا لفظ البخاري".(1)
قال مقيده عفا الله عنه: المخالف متعالم جدا لا يحسن الإستدلال، فكلام ابن تيمية السابق عن تخصيص العبادة المشروعة بدون مخصص، كمن يخص يوم الجمعة بصيام إذ الصيام مشروع منصوص عليه بالكتاب والسنة، فهل المولد مشروع مثله؟؟
ثم زعم كاذبا أن الحل لدى ابن تيمية: أن لا تُخصص يوم الثاني عشر بالإحتفال فقط، و لكن إحتفل قبله أو بعده، أو في غير اليوم إن لم تستطع أن تضم إليه غيره.
وهذا ما لاسبيل لإثباته من كلام ابن تيمية، لا منطوقا ولا مفهوما بل العكس خلافه، وإنما هو فهم فاسد فهمه المخالف معتمدا على تعالمه في توجيه نصوص استدل بها ابن تيمية دون الربط بينها، ومما يثبت فساد فهمه وتعالمه، قياسه الإحتفال بيوم المولد على الصوم قبل يوم الجمعة أو بعده، وهذا والله من الصوفيات المضحكات المبكيات.
قال المخالف : " وجاء من بعد ابن تيمية تلميذه النجيب إبن قيم الجوزية، ليحل هذا الإشكال من أوسع أبوابه، فيُجيب على من يحتج بالقول بأن بعض الأعمال لم تثبت عن السلف:
فذكر من كلام ابن القيم ما نصه: "والقائل أن أحدا من السلف لم يفعل ذلك قائل مالا علم له به، فإن هذه شهادة على نفي ما لم يعمله، فما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه".(2)
__________
(1) المصد السابق (ص 260).
(2) الروح (ص 143).(/20)
قال مقيده عفا الله عنه: وهذا تعالم آخر من المخالف، إذ كلام ابن القيم على إهداء ثواب الأعمال الصالحة للميت، وهو عمل فردي لا يطلع عليه كل أحد، وليس عملا جماعيا حتى يقال فيه: وما يدريه أن السلف كانوا يفعلونه، بخلاف الإحتفال بالمولد الذي هو عمل جماعي، يحضره المشايخ والمريدون ولا يخفى على الناس بحال، بل يدعونهم ويرغبونهم لحضوره فأفهم!!
ثم قال المخالف : " خلاصة المقال : المسألة إجتهادية .. لايُنكر على فاعلها إتباع قول عالم من العلماء و ممّن قال بجوازها : ابن حجر و السيوطي و السخاوي و ابن السني وغيرهم".
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "وسئل عمن يقلد بعض العلماء فى مسائل الاجتهاد فهل ينكر عليه أم يجهر، وكذلك من يعمل بأحد القولين، فأجاب:
الحمد لله، مسائل الإجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يجهر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، وإذا كان فى المسألة قولان فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم فى بيان أرجح القولين والله أعلم".(1)
قال مقيده عفا الله عنه : المخالف كالغريق الذي يتمسك بقشة علها تنجيه من الغرق، وهذا الكلام حق في مسائل الإجتهاد التي اجتهد فيها علماء السنة؟ استدل به المخالف تعالما لإحقاق باطل وهو الإحتفال بالمولد الذي هو من اجتهاد الرافضة؟
وإليك الجواب فيمن اجتهد واخترع الإحتفال بالمولد:
مخترع الإحتفال بالمولد النبوي
الإحتفال بالمولد النبوي ليس من الدين الحنيف في شيء، ومخترعه ليس من أهل السنة والجماعة، لكي نبرر فعله - إن جاز لنا التبرير - أن هذا الإحتفال إجتهاد فقهي من هذا العالم، بل أحدثه الرافضة الفاطمييون العبيدون في القرن الرابع الهجري لما حكموا مصر، كما أحدثوا أمورا أخرى منها ماكان لمسلمي مصر ومنها ماكان لأقباطها، والذي ظهر لي أن هذا كان من باب سياسة إلهاء الشعب المصري.
__________
(1) مجموع الفتاوى(20/207).(/21)
يذكر لنا المؤرخ المقريزي (ت 845 هـ) في خططه: الأمور والأعياد والمواسم التي أحدثوها للمسلمين والأقباط وهي: "رأس السنة وموسم أول العام ويوم عاشوراء، وموالد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي والحسن والحسين وفاطمة ومولد الخليفة الحاضر، وليلة رجب وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر وموسم النحر، وعيد الغدير وكسوة الشتاء وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النيروز، ويوم الغطاس ويوم الميلاد وخميس العدس وأيام الركوبات".(1)
ثم يصف المقريزي الفاطميين بقوله: "إعلم أن القوم كانوا شيعة، ثم غلوا حتى عُدّوا من غلاة أهل الرفض".(2)
قلت: وغلوهم في الرفض يظهر من الأعياد التي أحدثوها لأهل البيت والتي منها: يوم عاشوراء وعيد الغدير. ثم وصف المقريزي ما كانوا يفعله الفاطمييون في يوم عاشوراء من النياحة والبكاء وشق الثياب وأرخ ذلك في سنة 363هـ.(3)
أما أعياد النصارى التي أحدثوها فهي: يوم النيروز وعيد الميلاد والغطاس وخميس العدس، وقد فصل المقريزي في خططه الكلام عنها.(4)
أما يوم الغطاس فيقول عنه ابن تيمية رحمه الله: أنه اليوم الذي عَمّد فيه يحيى عيسى عليهما السلام في ماء المعمودية، فهم يتعمَّدون في هذا الوقت ويسمونه عيد الغطاس.(5)
فإذا كان هؤلاء هم من اخترع المولد النبوي والإحتفال به، فهل نتبعهم ونجعلهم قدوة لنا فيما ابتدعوه، ولا يخفى أن الفاطميين لهم تاريخ أسود مع المسلمين السنة إبان حكمهم لمصر. ومع ذلك نجد صوفيا محترقا يزعم أنه من أهل السنة يقول: "وليس المهم من فعله من الحكام أو الشعوب".(6)
__________
(1) الخطط المقريزية (2/436).
(2) المصدر السابق (2/440).
(3) المصدر السابق (2/329).
(4) المصدر السابق (2/26 - 441).
(5) اقتضاء السراط المستقيم (ص 227).
(6) انظر كتاب الإحتفال بالمولد النبوي (ص 45).(/22)
وهذا قول لا يقوله منتسب للعلم وأهل، وقد نهينا أن نكون إِمْعه، ولقد نصح الصحابي الجليل ابن عمر - رضي الله عنه - لله ودينه ونبيه وأمته فقال: (من كان مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كانوا خير هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة).(1)
التصوف والإحتفال بالمولد
فكرة المولد النبوى والإحتفال به راقت كثيرا لمشايخ الصوفية ومريديهم، فتلقفوها من رحم الدولة الفاطمية العفن، وزادوا عليها إحتفالات أخرى لمشايخهم وأقطابهم مثل مولد أحمد البدوي وأبي الحسن الشاذلي وإبراهيم الدسوقي وغيرهم، وآخرها مولد الشيخ الداعية المشهور محمد متولي الشعراوي وكان مولده لمدة خمسة أيام.(2) وللأستاذ ج. و. مكفرسون كتاب (الموالد في مصر) ذكر فيه عشرات الموالد التي يقوم بها المسلمون والأقباط.
إن الصوفية وطرقها منظمة كبيرة لها لوائح ونظم مُقننة، فاللوائح الداخلية للطرق الصوفية لعام (1905م)، تثبت إهتمام الصوفية بالموالد والإحتفال بها، ففي الفصل الخامس من هذه اللوائح، والذي يتعلق بالشئون العامة، تنص المادة السادسة فيها على أنه:
"يمكن لكل شخص بإقامة مولد وتنظيمه، إذا ثبت قيامه بفعل ذلك لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ومن الأمور الأساسية أنه لا ينبغي أن يقوم بجوار المولد أو موقعه الملاصق أي شيء يناقض السلوك القانوني، مثل الألعاب والملاهي وما شابهه".(3)
ويقول شيخ مشايخ الطرق الصوفية الدكتور أبو الوفا التفتازاني:
__________
(1) حلية الأولياء (1/305).
(2) نشرت ذلك جريدة الأهرام المصرية (عدد الجمعة 11 يونيو 1999 – صفحة 9 قسم الإجتماعيات).
(3) انظر موالد مصر المحروسة (ص 49).(/23)
"ينظم القانون – 118 لسنة 1976م، كذلك في الباب الثاني الموالد والمواكب الصوفية، ويبين كيفية التصريح بها من مشيخة الطرق، والضوابط الكفيلة بأن لا يتنافى شيء منها مع القواعد الدينية والصوفية، المستمدة من آداب الشريعة الإسلامية، وينظم كذلك مجالس الذكر والإحتفالات الدينية، وإقامة الندوات بحيث تتفق كلها مع الشريعة".(1)
قال مقيده عفا الله عنه : فهل هذا من الدين في شيء؟؟
العقائد الفاسدة التي يحتوي عليها الإحتفال بالمولد
حديث النور عمدة الإحتفال بالمولد وبه يُبدأ
عقيدة النور المحمدي اخترعها أقطاب التصوف وأصّلوا لها في كتبهم وأشعارهم، معتمدين على حديث موضوع لا أصل له في كتب السنة، نسبوه زورا وبهتانا للإمام عبدالرزاق.
وهذا الحديث الموضوع ضرره عظيم على العقيدة الإسلامية، لما فيه من مخالفة ما أخبرنا الله ونبيه عن أصل المخلوقات، وأيضا يعد هذا الحديث أصل عقائد التصوف كعقيدة تأليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والحقيقة المحمدية، ووحدة وجود النبي - صلى الله عليه وسلم -.
عقيدة الحقيقة المحمدية في مؤلفات المولد النبوي
من الثابت والمسلمات لدينا أن مشايخ المولد النبوي من المتصوفة، كما أنهم يعتقدون معتقداتهم، يثبت ذلك مؤلفاتهم وما بثّوه فيها من عقائدئهم، ومن هذه العقائد (عقيدة الحقيقة المحمدية) المستوحاة من النور المحمدي، وهو مصطلح لم يستقر فيه أقطاب التصوف على تعريف واضح محمدد، بل قال كل واحد فيه بحسب ذوقه وما ورد على قلبه فيه.
غلوهم في النور المحمدي
لا تكاد ترى غلوا في الأمة إلا وللصوفية فيه قصب السبق، وغلوهم في النور المحمدي يكاد يخرج من الملة فمن ذلك:
زعمهم أن الله عزوجل ظهر في النور المحمدي، ذكر هذا الباطل منظر المولد في العصر الحديث النبهاني في جواهره عن مولد المغربي.(2)
__________
(1) انظر رسائل المجلس الأعلى للطرق الصوفية (ص 37).
(2) المصدر السابق (3/339 - 343).(/24)
زعمهم أن النور المحمدي هو المرآة التي ظهر فيها الله عزوجل _ تعالى الله عما يقول الزنادقة علوا كبيرا. وفي ذلك يقول الجيلي واصفا الصورة المحمدية:
أنوار حسن بدت في القلب لامعة مسترات وهي الشمس طالعة
للحق فيها ظهور عند عارفه فليس تخفى التجليات ساطعة
إلى أن قال:
مخلوقة وهي مرآة لخالقها قريبة قد غدت في الحكم طائعة(1)
وقد ذكر ذلك النبهاني عن بعض المتصوفة كـ: عبدالقادر الجزائري(2)، والمغربي في مولده(3)، والميرغني.(4) وهذه العقيدة ذكرها القاشاني (ت730هـ) وغيره عن المتصوفة.(5)
زعمهم أن الجن استفاضت من ذلك النور، ذكره النبهاني عن ابن عابدين في شرحه لمولد الهيتمي.(6)
زعمهم أن الله أبرز الأنبياء من فيض ذلك النور، ذكره النبهاني عن مولد المغربي.(7)
زعمهم أن الأنبياء شربوا من النور المحمدي، ذكره النبهاني عن عبدالعزيز الدباغ أحد الأقطاب الأُمْيّين.(8)
كما زعم القطب عبدالعزيز الدباغ أن النور المحمدي في ذوات الكفار ولولاه لخرجت إليهم جهنم وأكلتهم أكلا، ذكره النبهاني في حجة الله على العالمين.(9)
زعمهم أن ابن الفارض الشاعر خلق من النور المحمدي، ذكره النبهاني في جواهره نقلا عن شرح النابلسي لديوان ابن الفارض – ذرية بعضها من بعض – فقال النابلسي عند قول ابن الفارض في تأيته:
وحزني ما يعقوب بثّ أقله وكل بِلا أيوب بعض بليتي
"فالناظم من جملة من خلق من نوره - صلى الله عليه وسلم -".(10)
ومن مزاعمهم في المولد
__________
(1) الإنسان الكامل (2/46).
(2) جواهر البحار (3/272 نقلا عن كتابه المواقف).
(3) المصدر السابق (3/337 – 339).
(4) المصدر السابق (4/116).
(5) انظر معجم اصطلاحات الصوفية (ص 102)، المعجم الصوفي للحفني (ص 226).
(6) جواهر البحار (3/369).
(7) المصدر السابق (3/341).
(8) انظر كتابه حجة الله على العالمين (ص 54).
(9) المصدر السابق (ص 53).
(10) جواهر البحار (3/310).(/25)
حضوره - صلى الله عليه وسلم - الموالد التي تقام.
زعمهم أن مُحب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبلى جسده.
أن الله لايعذب قلبا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم -
زعم المالكي في أحد الإحتفالات إيمان عبدالمطلب
وقد فصلنا الكلام عليه في بحثنا : " الإحتفال بالمولد النبوي تحت المجهر".
الشبهة السابعة: السكر الصوفي
قال المخالف: (السُكر يقع من الصوفي لكن!! سُكر من نوع خاص يسقط معه التمييز و تبقى حلاوة الإيمان، يصدر مع هذا النوع من السُكر العجيب أقوال مخالفة للشرع و محرمة .. أنصب خيمتي على جهنم. و لكن لا جناح عليهم في ذلك).
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "وفى مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز، مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشيق الصور، وكذلك قد يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما يحصل بحال حُبِّ فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق، ويصدر منه قول أو عمل من جنس أمور السكارى، وهي شطحات بعض المشائخ كقول بعضهم: "أنصب خيمتى على جهنم"، ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع، وقد يكون صاحبها غير مأثوم، وإن لم يكن فيشبه هذا الباب أمر خفراء العدو، ومن يعين كافرا أو ظالما بحال ويزعم أنه مغلوب عليه، ويحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم، فلا جناح عليهم فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة، بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرا محرما".(1)
رد الشبهة
يثبت المشارك النور تعالمه هنا، حيث أخذ من كلام ابن تيمية ما وافق هواه وترك ما سواه، على الرغم أنه كان مدحا في معرض الذم كما سيأتي سياق كلام ابن تيمية السابق لما ذكره المخالف، ولكنها لا تعمى الأبصار إلا أنها عميت عنده، وأذكره هنا لتوضيح ما أشكل على المخالف، قال ابن تيمية رحمه الله:
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/339).(/26)
"فناء القلب عن شهود ما سوى الرب، فذاك فناء عن الإرادة، وهذا فناء عن الشهادة، ذاك فناء عن عبادة الغير والتوكل عليه، وهذا فناء عن العلم بالغير والنظر إليه فهذا الفناء فيه نقص، فإن شهود الحقائق على ما هي عليه وهو شهود الرب مدبرا العباده آمرا بشرائعه، أكمل من شهود وجوده أو صفة من صفاته أو إسم من أسمائه، والفناء بذلك عن شهود ما سوى ذلك، ولهذا كان الصحابة أكمل شهودا من أن ينقصهم شهود للحق مجملا عن شهوده مفصلا، ولكن عرض كثير من هذا لكثير من المتاخرين من هذه الأمة..".(1) وفيه ذكر ابن تيمية ما نقله المخالف آنفا..وبين أنه يقع منهم مخالفة للشرع المطهر، وذكر أنهم عقلاء المجانين وهم المرفوع عنهم القلم لسقوط الجناح والتكاليف عنهم، ولهذا قال ابن تيمية عنهم :
"وكما أنه لاجناح عليهم فلا يجوز الإقتداء بهم، ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون فى التكاليف".(2)
فهذا مدح فيه ذم، ثم عقب ابن تيمية كلامه بقوله:
"ولهذا اتفق العارفون على أن حال البقاء افضل من ذلك، وهو شهود الحقائق باشهاد الحق كما قال الله تعالى فيما روى عنه رسوله (ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا أحببته..).. إلى أن قال: وعامة ما تجد فى كتب أصحاء الصوفية مثل شيخ الإسلام ومن قبله من الفناء هو هذا، مع أنه قد يغلط بعضهم فى بعض أحكامه كما تكلمت عليه في غير هذا الموضع . وفى الجملة فهذا الفناء صحيح وهو فى عيسوية المحمدية، وهو شبيه بالصعق والصياح الذي حدث فى التابعين، ولهذا يقع كثير من هؤلاء فى نوع ضلال، لأن الفناء عن شهود الحقائق مرجعه إلى عدم العلم والشهود، وهو وصف نقص لا وصف كمال، وإنما يمدح من جهة عدم إرادة ما سواه لأن ذكر المخلوق قد يدعو إلى إرادته والفتنة به".(3)
الشبهة الثامنة: مصطلحات صوفية
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/338).
(2) مجموع الفتاوى (10/340).
(3) مجموع الفتاوى (10/341).(/27)
قال المخالف: (قرأنا في أقوال ابن تيمية السابقة: (شطحات - مُكاشفات - مريد - شيخ ....وأنكر البعض أن يكون عند ابن تيمية هذا الذوق الصوفي، فماذا يقولون بأقوال ابن تيمية في العشق الإلهي حُب - غَرام - عِشق - صَبابة – تَيم)
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه : "و العبادة أصل معناها الذل أيضا يقال: طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهى تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له، فإن آخر مراتب الحب هوالتتيم وأوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة لا نصباب القلب إليه، ثم الغرام وهو الحب اللازم للقلب، ثم العشق وآخرها التتيم يقال: تيم الله أى عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه".(1)
ثم قال المخالف: (لم أقرأ في كُتب التصوف مثل هذه المُصطلحات الذوقية ابن تيمية صوفي ذائق).
رد الشبهة
كون هذه الألفاظ وردت في كلام ابن تيمية، فهي لم ترد على هيئة الترغيب والتأيد وأنه صوفي ذائق على حد زعم المخالف، وإنما وردت في سياق التحليل والدراسة تحت منظور الشرع المطهر، فما وافقه قبل وما خالفه نُبذ، وبعضه ورد في الكتاب والسنة كالحب، أما التيم والعشق والصبابة فموجود في كلام العرب قبل ظهور الصوفية عند المسلمين بقرون..
أما الشطح فقد قال ابن تيمية عن أهله: "غاية الصوفية المبتدعين الشطح".(2)
وقال أيضا: "فنصيحتي لاخواني من المؤمنين الموحدين، أن لا يقرع أبكار قلوبهم كلام المتكلمين، ولا تصغي مسامعهم إلى خرافات المتصوفين، بل الشغل بالمعايش أولى من بطالة المتصوفة، والوقوف مع الظواهر أولى من توغل المنتحلة للكلام، وقد خبرت طريقة الفريقين غاية هؤلاء الشك وغاية هؤلاء الشطح".(3)
وأما العشق في كلام ابن تيمية فقد جاء في معرض الذم لا المدح حيث قال:
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/153).
(2) مجموع الفتاوى (16/272).
(3) درء التعارض (8/66).(/28)
" والناس فى العشق على قولين: قيل إنه من باب الإرادات وهذا هو المشهور، وقيل من باب التصورات وأنه فساد فى التخييل، حيث يتصور المعشوق على ماهو به، قال هؤلاء: ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق لأنه منزه عن ذلك، ولا يحمد من يتخيل فيه خيالا فاسدا، وأما الأولون فمنهم من قال: يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة، والله يُحِب ويُحَب، وروى فى أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: (لا يزال عبدى يتقرب إلى يعشقنى وأعشقه)، وهذا قول بعض الصوفية. والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ فى حق الله، لان العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذى ينبغى، والله تعالى محبته لانهاية لها فليست تنتهى إلى حد لا تنبغى مجاوزته، قال هؤلاء: والعشق مذموم مطلقا لا يمدح لا فى محبة الخالق ولاالمخلوق، لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود، وأيضا فإن لفظ العشق إنما يستعمل فى العرف، محبة الإنسان لإمرأة أو صبى، لا يستعمل فى محبة كمحبة الأهل والمال والوطن، والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين، وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم، إما بمحبة امرأة أجنبية أوصبى يقترن به النظر المحرم، واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة".(1)
قال مقيده عفا الله عنه: فهذا رأي ابن تيمية رحمه الله في المصطلحات الصوفية الممجوجة التي تغنى بها المتعالم المخالف.
الشبهة التاسعة: عشق التلميذ للشيخ
قال المخالف: (والآن هل يُوصِلْ عِشْقَ التَلميذ لِشَيخِه إِلى هَذا الحدْ ؟ العشق بين التلميذ والشيخ).
ثم ساق جوابا عن ابن تيمية لسؤل، فقال؟
"سئل عن رجل يحب رجلا عالما، فاذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشي من أجل الإفتراق، وإذا كان الرجل العالم مشغولا بحيث لا يلتفت إليه لم يحصل له هذا الحال، فهل هذا من الرجل المحب أم هو تأثير الرجل العالم؟
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/130).(/29)
فأجاب: الحمد لله سببه من هذا ومن هذا، مثل الماء إذا شربه العطشان حصل له لذة وطيب، وسببها عطشه وبرد الماء، وكذلك النار إذا وقعت فى القطن، سببه منها ومن القطن، والعالم المقبل على الطالب يحصل له لذة وطيب وسرور، بسبب إقبال هذا وتوجهه وهذا حال المحب مع المحبوب والله أعلم".(1)
رد الشبهة
مشكلة المخالف (العضو النور) مشكلة فهم وتعالم، فهو يقيس كل شيء على مشربه الصوفي كأنه أصل والكتاب والسنة فرع.
وهل الحب في الله من التصوف وهل كل من أحب آخر في الله يكون صوفيا ذائقا على زعم المخالف؟ ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحب في الله من أوثق عرى الإيمان(2)، كما ذكر - صلى الله عليه وسلم - أن من أحب في الله يذوق حلاوة الإيمان(3)، فهل نقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صوفي ذائق؟؟ وهل تحاب السلف صحابة وتابعين تصوف، حاشا وكلا!
الشبهة العاشرة: الفناء
قال المخالف: (تعلّق ابن تيمية بالصوفية المقدسين لديه جعله يُترجم ما يُسمى عند كثير من متطرفي اليوم الخزعبلات فنراه يتكلم في الشطحات والفناء والسوى وغيره من المصطلحات الصوفية بكلام لم يُسبق اليه ممن خاض في هذا الفن فناء عن عبادة السوى. كلمات يفسّرها ابن تيمية بكلام راقي غاية في الذوق)
__________
(1) مجموع الفتاوى (11/394).
(2) أخرجه الطيالسي في مسنده (ص 101)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/80) كلاهما من طريق: (ليث عن عمرو بن مرة عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب). حسنه الألباني في صحيح الجامع (2009).
(3) متفق عليه من حديث أنس - رضي الله عنه -.(/30)
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "والمعنى الذى يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام: فناء عن عبادة السوى، وفناء عن شهود السوى، وفناء عن وجود السوى. فالأول: أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وهذا هو حقيقة التوحيد والإخلاص الذى أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، وهو تحقيق لا إله إلا الله فإنه يفنى من قلبه كل تأله لغير الله، ولا يبقى فى قلبه تأله لغير الله، وكل من كان أكمل فى هذا التوحيد كان أفضل عند الله".(1)
رد الشبهة
سبق وذكرنا في المقدمة أن لدى المخالف أربعة مشاكل عويصة: مشكلة الفهم، ومشكلة التعالم، ومشكلة بتر النصوص، وأعظم من ذلك كله جعله بفهمه القاصر التصوف أصل والكتاب والسنة فرع.
فالمخالف اقتصر على ذكر النوع الأول من الفناء وأعرض عن ذكر النوعين الآخرين، لطعنه في بعض أقطاب التصوف المُعَظَمين عند الصوفية وهو منهم.
والنوع الذي اقتصر المخالف عليه ليس له تعلق بالتصوف وأهله، وإنما هم أهل الثاني والثالث، لأن الأول هو فناء النبيين وأتباعهم وفيه قال ابن تيمية:
"هذا حال النبيين وأتباعهم وهو أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبحبه عن حب ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه، وطاعته عن طاعة ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، فهذا تحقيق توحيد الله وحده لا شريك له، وهو الحنيفية ملة إبراهيم ويدخل فى هذا أن يفنى عن إتباع هواه بطاعة الله، فلا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يعطى إلا لله ولا يمنع إلا لله فهذا هو الفناء الدينى الشرعى الذى بعث الله به رسله وأنزل به كتبه".(2)
__________
(1) مجموع الفتاوى (2/369).
(2) مجموع الفتاوى (2/314).(/31)
فهل الصوفية موحدون؟ أم قبوريون متعلقون بالصالحين ومشاهدهم وأضرحتهم يصرخون بهم إلى الله ويستغيثون؟. وهم عند ابن تيمية ليسوا موحدين كما في كلامه الآتي.
قال رحمه الله:
"والثانى: أن يفنى عن شهود ما سوى الله، وهذا الذى يسميه كثير من الصوفية حال الإصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك، وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله، وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه، فإنه إذا شهد أن الله رب كل شىء ومليكه وخالقه، وأنه المعبود لا إله إلا هو الذى أرسل الرسل، وأنزل الكتب وأمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله، فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرا، كان أتم معرفة وشهودا وإيمانا وتحقيقا من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر، وشهود التفرقة فى الجمع والكثرة فى الوحدة وهو الشهود الصحيح المطابق، لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا، كان معذورا للعجز لا محمودا على النقص والجهل. والثالث: الفناء عن وجود السوى وهو قول الملاحدة أهل الوحدة، كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق، وماثم غير ولا سوى فى نفس الأمر، فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام".(1)
وقال ابن تيمية عن أهل النوع الثاني في موطن آخر:
__________
(1) مجموع الفتاوى (2/370).(/32)
"وأما الثانى: وهو الفناء عن شهود السوى، فهذا هو الذى يعرض لكثير من السالكين كما يحكى عن أبى يزيد وأمثاله، وهو مقام الاصطلام، وهو أن يغيب بموجوده عن وجوده وبمعبوده عن عبادته، وبمشهوده عن شهادته وبمذكوره عن ذكره، فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل، وهذا كما يحكى أن رجلا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه فى الماء، فألقى المحب نفسه خلفه فقال: أنا وقعت فلم وقعت أنت؟ فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني، فهذا حال من عجز عن شهود شيء من المخلوقات، إذا شهد قلبه وجود الخالق وهو أمر يعرض لطائفة من السالكين، ومن الناس من يجعل هذا من السلوك ومنهم من يجعله غاية السلوك، حتى يجعلوا الغاية هو الفناء فى توحيد الربوبية، فلا يفرقون بين المأمور والمحظور والمحبوب والمكروه، وهذا غلط عظيم غلطوا فيه بشهود القدر، وأحكام الربوبية عن شهود الشرع والأمر والنهى، وعبادة الله وحده وطاعة رسوله، فمن طلب رفع إنيته بهذا الاعتبار لم يكن محمودا على هذا ولكن قد يكون معذورا".(1)
قال مقيده عفا الله عنه: ولو أردت الإستفاضة في بيان أن الصوفية هم من النوع الثاني عند ابن تيمية لخرجنا عن المقصود في الإبانة، وفيما ذكرنا كفاية واللبيب تكفيه الإشارة.
الشبهة الحادية عشر: علم الغيب
قال المخالف: (سمّها ما شئت فراسة أم كرامة! العلم بما في اللوح المحفوظ لم يتفرّد به الصوفية وحدهم؟ فهذا ابن تيمية يخبر بما في اللوح المحفوظ: كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، نعم النصر قد وُعد به المؤمنون، و لكن نظرة على قوله "هذه الكرة" تُبيّن دقة تفاصيل هذه المعرفة، ولا نعجب من هذا فمثل هذه المعارف تقع لابن تيمية مثل المطر).
__________
(1) مجموع الفتاوى (2/313).(/33)
ثم نقل من كلام ابن القيم في شيخ الإسلام ما نصه: "ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سِفرا ضخما، أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأن جيوش المسلمين تكسر، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام، وأن كلب الجيش وحدته في الأموال، وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة، ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام، أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له: قل إن شاء الله! فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وسمعته يقول ذلك، قال: فلما أكثروا علي، قلت: لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، وأن النصر لجيوش الإسلام! قال: وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر".(1)
رد الشبهة
أورد المخالف علينا مالم يرد، وهذا قصور قبيح من المخالف، فمصطلح الفراسة مصطلح إسلامي شرعي قُحّ، ورد في الكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (الحجر:75)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ).
قال الترمذي: " وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) قال للمتفرسين".(2)
وليس بمصطلح صوفي وأساسها قول الله عزوجل في الحديث القدسي الجليل:
__________
(1) مدارج السالكين (2/489).
(2) أخرجه الترمذي (التفسير ح 3127) من حديث أبي سعيد الخدري. قال التترمذي: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه".(/34)
(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).(1)
والفراسة علم قائم بذاته وفيه صنف علماؤنا، قال العلامة القنوجي: "عدّه صاحب مفتاح السعادة من فروع العلم الطبيعي، وقال: هو علم تعرف منه اخلاق الناس من احوالهم الظاهرة من الالوان والاشكال والاعضاء وبالجملة الإستدلال بالخَلق الظاهر على الخُلق الباطن وموضوعه ومنفعته ظاهران".(2)
قال ابن تيمية: " من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال، والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد والذوق ونحو ذلك، وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها، فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا، وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا وأهداهم استدلالا، وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة وأصدقهم الهاما، وأحدهم بصرا ومكاشفة وأصوبهم سمعا ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا، وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري (الرقاق ح 6502) من حديث أبي هريرة.
(2) أبجد العلوم (2/396).
(3) توحيد الألوهية (4/9).(/35)
قال مقيده عفا الله عنه: ولا شك أن ابن تيمية من كبار أئمة أهل الحديث، وروى الخطيب بسنده فقال: "كان أبو حنيفة حسن الفراسة! فقال لداود الطائي: أنت رجل تتخلى للعبادة! وقال لأبي يوسف: تميل إلى الدنيا! وقال لزفر وغيره كلاما فكان كما قال".(1)
فهل أبو حنيفة يعلم الغيب؟؟ أم أنه يندرج تحت ما ذكره ابن تيمية آنفا.
وأما قول ابن القيم عنه " كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام". فهذا من باب حسن الظن بالله القائل: { إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات: 172)، وليس من باب الإطلاع على ما في اللوح المحفوظ والذي للصوفية فيه باع طويل.
الشبهة الثانية عشر: خروج من القبر
قال المخالف: (رُؤية الموتى يخرجون بأبدانهم من قُبورهم، يقعدون في قبورهم، رُؤية أثر العذاب عليهم، أُمور برزخية تظهر في عالم الشهادة ...نعم ... لم يتفرد الصوفية بذلك).
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "واذا عرف أن النائم يكون نائما وتقعد روحه، وتقوم وتمشى وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالا وأمورا بباطن بدنه مع روحه، ويحصل لبدنه وروحه بها نعيم وعذاب، مع أن جسده مضطجع وعينيه مغمضة وفمه مطبق، ويتكلم ويصيح لقوة الأمر فى باطنه، كان هذا مما يعتبر به أمر الميت فى قبره، فإن روحه تقعد وتَجلس وتُسأل وتُنعم وتُعذب وتصيح، وذلك متصل ببدنه مع كونه مضطجعا فى قبره، وقد يقوى الأمر حتى يظهر ذلك فى بدنه، وقد يُرى خارجا من قبره والعذاب عليه وملائكة العذاب موكلة به، فيتحرك بدنه ويمشى ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين فى قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب ومن يقعد بدنه أيضا إذا قوى الأمر، لكن هذا ليس لازما فى حق كل ميت، كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم، بل هو بحسب قوة الأمر".(2)
__________
(1) تاريخ بغداد (14/248).
(2) مجموع الفتاوى (5/525).(/36)
رد الشبهة
في كلام ابن تيمية أمور:
أولا: قعود الميت في قبره.
قعود الميت في قبره ورد في السنة الصحيحة أحاديث تثبت ذلك منها:
حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (العبد إذا وضع في قبره وتُوُلِّيَ وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له …الحديث).(1)
وحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله …الحديث).(2)
ثانيا: خروج الميت من قبره وسماع صوته ورؤيته.
أما رؤية الميت خارج قبره، فليس هو شأن صوفي كما زعم المخالف، فقد وردت عدة روايات في ذلك لا تخلوا من مقال قبل أن تعرف الصوفية في المسلمين العرب، وهو ما اعتمده ابن تيمية ، وإن كان ابن تيمية نفسه ذهب إلى أن هذا الخارج قد يكون جنيا كما سيأتي، وأقول:
الروايات في هذا الباب أكثر من رواها ابن أبي الدنيا في كتابه (من عاش بعد الموت)، واللالكائي في (اعتقاد أهل السنة:
__________
(1) البخاري (الجنائز ح 1328)، ومسلم (الجنة ح 2870).
(2) البخاري (الجنائز ح 1369).(/37)
"فعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: خرجت مرة لسفر، فمررت بقبر من قبور الجاهلية، فإذا رجل قد خرج من القبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة من نار، ومعي أداوة من ماء، فلما رآني قال: يا عبد الله إسقني! قال: فقلت عرفني ودعاني باسمي، أو كلمة تقولها العرب: (يا عبد الله) إذ خرج على أثره رجل من القبر، فقال: يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر، ثم أخذ السلسلة فاجتذبه وأدخله القبر، قال: ثم أضافني الليل إلى بيت عجوز إلى جانب بيتها قبر، فسمعت من القبر صوتا يقول: بول وما بول شن وما شن! فقلت للعجوز: ما هذا؟ قالت: هذا كان زوجا لي وكان إذا بال لم يتق البول، وكنت أقول له: ويحك إن الجمل إذا بال تفَاجّ(1) فكان يأبى، فهو ينادي منذ يوم مات: بول وما بول. قلت: فما الشن؟ قالت: جاءه رجل عطشان، فقال: أسقني! فقال: دونك الشن فإذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتا، فهو ينادي منذ يوم مات شن وما شن. فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده".(2)
وهي قصة فيها مقال، فقد رواها عن سالم عن أبيه بنحو ما سبق ابن عبدالبر في التمهيد، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة(3).
__________
(1) التفاج: المبالغة في تفريج ما بين الرجلين، وهو من الفج الطريق. انظر النهاية في غريب الحديث (3/412).
(2) من عاش بعد الموت (ص 32) حدثنا عبد الله قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح العتكي قال حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد الرقي عن كلثوم بن جوشن القشيري عن يحيى المدني به..).
(3) أخرجه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (6/1141 رقم 2149، ) أنا محمد بن عبدالله القاسم قال نا إبراهيم بن عبدالرزاق بن الحسن قال نا محمد بن إبراهيم بن الصوري قال نا الفريابي قال نا السري ابن يحيى.(/38)
قال ابن عبدالبر بعد أن أورد القصة في التمهيد بسنده عن ابن أبي الدنيا: "هذا الحديث ليس له إسناد ورواته مجهولون، ولم نورده للاحتجاج به ولكن للاعتبار، وما لم يكن فيه حكم فقد تسامح الناس في روايته عن الضعفاء والله المستعان".(1)
وذكر الذهبي عن ابن عمر - رضي الله عنه - بنحو ما سبق مختصرا براو متروك ووافقه ابن حجر.(2)
ثالثا: ختم ابن تيمية كلامه بقوله:
"لكن هذا ليس لازما فى حق كل ميت! كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم! بل هو بحسب قوة الأمر!".
وفي هذا تنبيه للمعترض ذهل عنه؟ وفيه يقرر ابن تيمية أن من تألّف هذا الأمر، فإنه من فعل الشيطان وأكثر من تعلق به الصوفية، وربما يكون هذا تناقضا أو رجوعا من ابن تيمية، أو يكون مدسوسا عليه لورود ما يخالفه من قوله في مواطن، قال رحمه الله:
"فرؤيا الأنبياء في المنام حق، وأما رؤية الميت في اليقظة فهذا جني تمثل في صورته، وبعض الناس يسمي هذا روحانية الشيخ، وبعضهم يقول: هي رفيقه وكثير من هؤلاء يُرى يقوم من مكانه ويدع في مكانه صورة مثل صورته، وكثير من هؤلاء ومن هؤلاء من يقول: يُرى في مكانين ويُرى واقفا بعرفات، وهو في بلده لم يذهب فيبقى الناس الذين لا يعرفون حائرين، فإن العقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد لا يكون في الوقت الواحد في مكانين، والصادقون قد رأوا ذلك عيانا لا يشكون فيه، ولهذا يقع النزاع كثيرا بين هؤلاء وهؤلاء، كما قد جرى ذلك غير مرة وهذا صادق فيما رأى وشاهد، وهذا صادق فيما دل عليه العقل الصريح، لكن ذلك المرئي كان جنيا تمثل بصورة الإنسان، والحسيات إن لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإلا وقع فيها غلط كبير".(3)
__________
(1) التمهيد (20/10).
(2) ميزان الإعتدال (2/331) ، لسان الميزان (3/204).
(3) الجواب الصحيح (2/326).(/39)
وقال أيضا: "وقد يرى القبر انشق وخرج منه صورة إنسان، فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره، أو أن روحه تجسدت وخرجت من القبر، وإنما ذلك جني تصور في صورته ليضل ذلك الرائي، فإن الروح ليست مما تكون تحت التراب وينشق عنها التراب، فإنها وإن كانت قد تتصل بالبدن فلا يحتاج في ذلك إلى شق التراب، والبدن لم ينشق عنه التراب وإنما ذلك تخييل من الشيطان وقد جرى مثل هذا لكثير من المنتسبين إلى المسلمين وأهل الكتاب والمشركين، ويظن كثير من الناس أن هذا من كرامات عباد الله الصالحين، ويكون من إضلال الشياطين، كما قد بسط الكلام في هذا الباب في غير هذا الكتاب مثل الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وغير ذلك".(1)
الشبهة الثالثة عشر: نقد الألباني للشيخ
قال المخالف: (هل يصل الألباني إلى هذا الحد من الطعن في إبن تيمية و السلفية؟ الألباني .... ساخراً من السلفية: أرد على ابن تيمية قوله بفناء النار و لا أُداريه !! و لا أُقلّدة كما يفعل السلفية .. بل أُقلّد رسول الله).
ثم نقل نقد الشيخ الألباني لابن تيمية رحمهما الله في مسألة فناء النار، ما نصه:
__________
(1) الجواب الصحيح (3/348).(/40)
"وهذا هو السبب الذي يحملني على أن لا أحابي في ذات الله أبا، أو أداري في دين الله أحدا، فترانا هنا نرد على شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بفناء النار، ولا نداريه مع عظمته في نفوسنا وجلالته في قلوبنا، فضلا عن أننا لا نقلده في ديننا خلافا لما عليه عامة المقلدة، الذين يحملهم إجلالهم لإمامهم على تقليده ونبذ قول كل من خالف، حتى ولو كان المخالف هو النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - بديل أن يتخذوه وحده قدوة، ولا يشركوا معه في ذلك أحدا كما هو الواجب، بل إنهم ليصرحون بخلاف ذلك كما قال أحدهم اليوم في كتيب له: ( أفلا يحق لنا أن نعتبر من واقع غيرنا ( يعني السلفيين ) فنثبت عند أقوال الإمام الذي يسر الله تعالى لنا الاقتداء به منذ أول نشأتنا). ونحن نقول بقول رب العالمين في القرآن الكريم: { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير }؟ فأين أنت يا هذا من قوله تبارك وتعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }؟ وغير ذلك من النصوص التي توجب على كل مسلم اتباعه - صلى الله عليه وسلم - دون سواه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ولكن { من لم يجعل الله له نورا فما له من نور } .".(1)
الرد على الشبهة
قال مقيده عفا الله عنه: وماذا في نقد الألباني فليس ابن تيمية معصوم، كما أنه لامانع من وجود من يتعصب لابن تيمية ولا يحيد عن أقواله، وهذا ظاهر في تراث الأمة، ولا يخفى مقلدة المذاهب الإسلامية كالأئمة الأربعة والأشاعرة وأصحاب الطرق الصوفية بالخصوص، وتقيدهم بنصوص مشايخهم.
__________
(1) كشف الأستار (ص 28).(/41)
وليس كل عالم ملزم بإتباع إمام بعينه، إذا تحصلت عنده الملكة العلمية في معرفة الأقوال والإستدلالات والتميز بينها. ورد الألباني على ابن تيمية وصراحته، سلفه فيها: حَبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنه - القائل في أمر متعة الحج وفسخه بعمرة: "ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض أقول لكم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! وتقولون: قال أبو بكر وعمر".
وقول ابن المديني في أبيه أنه ضعيف في الحديث لما سُئل عنه، روى ذلك ابن حبان فقال: "سئل علي بن المديني عن أبيه؟ فقال: اسألوا غيري، فقال: سألناك فأطرق ثم رفع رأسه وقال: هذا هو الدين أبي ضعيف".(1)
فهل يستطيع المخالف نقد أقطاب التصوف وبيان ماهم عليه من ضلال، كقولهم بوحدة الوجود والحلول والإتحاد، وتأنيث الذات الإلهية، وتأنيث الشخصية النبوية وتأليهها، وأن النور المحمدي أصل الكائنات، إلى غير ذلك من العقائد الباطلة والتي ذكرنا كثيرا منها في منتدى الصوفية، جزى الله القائمين عليه خيرا؟ وليس هذا موضع تفصيلها.
أليست الطُّرقِّية تربي مريدها على الطاعة العمياء، وأن يكون المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل، وألا يعترض على شيخه حتى لوكان يعمل المنكر، وكم في ذلك من قصص ممجوج.
الشبهة الرابعة عشر: النصيحة الذهبية
قال المخالف: رسالة الذهبي لإبن تيمية ثابتة لا يُنكرها إلا مُعاند ...
] ثم ساق كلام د. بشار عواد فقال:
__________
(1) المجروحين (2/15).(/42)
"يقول الدكتور المُحقق السلفي بشّار عواد معروف، في كتابه (الذهبي و منهجه في كتابه تاريخ الإسلام ) وهو يتحدّث عن إنفراد السخاوي بذكر بعض آثار الذهبي: "وهو الوحيد الذي أشار إلى رسالة الذهبي إلى ابن تيمية, مما وثّق نسبتها إليه لا سيما وقد شك فيها غير واحد" ثم أوردها في عدد آثاره, ونقل كلام السخاوي وقال: "وذهب بعضهم إلى القول بأنها مزورة, و لا عبرة بذلك" و كرر ذلك في مقدمته على سير أعلام النبلاء قائلاً : "وأرسل إليه نصيحته الذهبيه التي يلومه وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها".
وكذلك ألحق الدكتور المحقق صلاح الدين المنجد النصيحة بكتابه (شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين) , قال مُعلّقاً عليها : "شك بعضهم في نسبة هذه النصيحة للذهبي, ولا شك عندنا أنها له, فقد نقلت مخطوطاتها من خط الذهبي, و لم يُنكرها أحد من العلماء الذين نقلوها كتقي الدين بن قاضي شبهة و غيره، ثم إن هذا أُسلوب الذهبي عندما يُهاجم, ويبدو أنه كتبها في آخر عمره، ولم يثن أحد على الشيخ كثناء الذهبي عليه, لكنه انتقده بعد ذلك في بعض الأمور حباً له, وإشفاقاً عليه".
ثم قال المخالف: بعد أن وضّحنا بما لا يدع مجالاً للشك نسبة الرسالة للذهبي نسرد هذه الرسالة ثم نناقش ما ذُكر فيها بإنصاف[.
نص الرسالة(/43)
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ذلتي، يا رب ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليَّ إيماني، واحزناه على قلة حزني، واأسفاه على السنة وذهاب أهلها، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس. طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتَبًّا لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"، بلى أعرفُ إنك تقول لي لتنصُرَ نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو جهاد، بلى والله عرفوا خيرًا مما إذا عمل به العبد فقد فاز، وجهلوا شيئًا كثيرًا مما لا يعنيهم و: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". يا رجل بالله عليك كفَّ عنَّا فإنك مِحجاجٌ عليم اللسان لا تقرّ ولا تنام، إياكم والأغلوطات في الدين، كره نبيك صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان"، وكثرة الكلام بغير دليل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام فكيف إذا كان في العبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب؟ والله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبشُ دقائق الكفريات الفلسفية لنردَّ عليها بعقولنا، يا رجل قد بلعتَ سموم الفلاسفة ومصنفاتهم مرات، وبكثرة استعمال السموم يُدمن عليها الجسم وتكمن والله في البدن. واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر، وخشية بتذكر، وصمت بتفكر، واهًا لمجلس يُذكرُ فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، لا عند ذكر الصالحين يُذكرون بالازدراء واللعنة، كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين(/44)
فواخَيتَهما، بالله خلُّونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدوا في ذكر بدع كنا نعدها رأسًا من الضلال قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفّر فهو أكفر من فرعون، وتعد النصارى مثلنا، والله في القلوب شكوك إن سَلِمَ لكَ إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد. يا خيبة من اتبعك فإنه مُعَرَّضٌ للزندقة والانحلال، ولا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليًّا شهوانيًّا لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيدٌ مربوط خفيف العقل، أو عامي كذّاب بليد الذهن، أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل. يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟ إلى كم تصدقها وتزدري بالأبرار، إلى كم تعظمها وتصغر العباد، إلى متى تُخاللها وتمقت الزهاد، إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح بها والله أحاديث الصحيحين، يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تُغيرُ عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار. أما ءان لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب، أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل. بلى والله ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تُصغي إلى وعظي بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول لكَ: والبتة سكتت. فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحبُّ الواد، فكيف يكون حالك عند أعدائك، وأعداؤك والله فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر. قد رضيتُ منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سرًّا :"رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي"، فإني كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علاّم الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته،(/45)
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين).
ثم قال المخالف : بعد أن سردنا هذه الرسالة سوف نُحاول أن نخُوض في بحار هذه النُصوص حتى نعرف كيف أصبح تلميذ الأمس هو خصم اليوم.
رد الشبهة
هذه الرسالة طار بها فرحا خصوم ابن تيمية رحمه الله من الخلف والسلف، دون تدبر أو تحقيق، وهي في الحقيقة غير صحيحة النسبة للذهبي لأمور عدة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، عجبت كيف فاتت الدكتور المحقق بشار عواد الذي أصر على موقفه الباهت في صحة نسبتها له(1)، ومضمونها وعباراتها تتنافى تماما وأسلوب الحافظ الذهبي الواضح في كتبه وخصوصا عند تطرقه للكلام على ابن تيمية.
والذهبي انتقد ابن تيمية بوضوح، لكن لم يكن بهذه الصورة الممجوجة التي لا تصدر عن عالم مرموق له مكانته، ولو قلنا بها واعتقدنا ما فيها لحكمنا على الذهبي بالجهالة بابن تيمية لما فيها من عبارات تدل على جهل قائلها بابن تيمية ومنهجه العلمي، والذهبي من ألصق الناس به وأعلم أهل عصره بمنهجه العلمي.
وهناك عدة أمور تجعلك ترد نسبة هذه الرسالة للذهبي فضلا عن أن تشك فيها، وهذه الأمور هي:
أولا: انتقد الذهبي ابن تيمية صراحة انتقاد الناصح البصير، وأقواله فيه تُنبيك عن كذب عبارات هذه الرسالة المنحولة الموسومة بالنصيحة، من ذلك قوله فيه: "ومن خالطه وعرفه فقد ينسبني إلى التقصير فيه ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه، وقد أوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده".(2)
__________
(1) الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام (ص 146).
(2) الدرر الكامنة (1/176).(/46)
ومما يثبت معرفة الذهبي الدقيقة به وبعلمه قوله: "كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة، ويقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا يحافظ عى الوضوء إلا مؤمن)، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم".(1) والرسالة المنحولة زعموا أن الذهبي كتبها في آخر عمره، ومما قاله الذهبي فيه: "وأنا لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية، فإنه كان مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين بشرا من البشر، تعتريه حدة في البحث وغضب وشظف للخصم تزرع له عداوة في النفوس، وإلا لو لاطَف خصومه لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بشنوفه مقرون بندور خطائه، وأنه بحر لا ساحل له وكنز لا نظير له ولكن ينقمون عليه أخلاقا وأفعالا، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك".(2)
ثانيا: تفرد السخاوي بذكرها، على الرغم من تقصيه في التاريخ والتراجم، وابن حجر وهو أعلم منه والذي استفاض في ترجمة ابن تيمية في الدرر، ناقلا أغلبه من وصف الذهبي لم يشر إلى هذه الرسالة البتة، كما ترجم للذهبي ولم يذكرها، كما لم تُفهم من أقوال الذهبي في ابن تيمية أنه ناصحه برسالة، على رغم انتقاده له في مواطن.
ثالثا: بعض العبارات الركيكة التي وردت في الرسالة تقدح في صحة نسبتها للذهبي لما فيها من قدح في مكانته العلمية العالية.
رابعا: خلو الرسالة من اسم ابن تيمية أو حتى الإشارة إلى ما يفهم منها أنها له وأنه المعني بما فيها، كما هو معروف من أسلوب الذهبي في وصف ابن تيمية؟
خامسا: وجود عبارة مركبة من حديثين في الرسالة على أنها حديث نبوي، يطعن في مكانة الذهبي وأنه من حفاظ الحديث ونقاده.
__________
(1) السير (15/88).
(2) الدرر الكامنة (1/151).(/47)
سادسا: عبارات وردت في الرسالة تطعن في علم الذهبي، ومكانته العلمية ومعرفته الوثيقة بابن تيمية ومنهجه العلمي كما سيأتي بيانه، إن أصر مخالفنا على نسبتها له دون دليل مادي واضح ملموس، وعلم الذهبي وأسلوبه في تراجمه ومؤلفاته يرفض هذه الرسالة، وهذه العبارات هي:
قوله: (واأسفاه على السنة وذهاب أهلها).
قال مقيده عفا الله عنه: تحسر الذهبي على ذهاب السنة وأهلها، وكأن ابن تيمية ليس منهم، بسبب ما صدر منه مما لم يرضه الذهبي – افتراضا -.
وأقول: إن لم يكن ابن تيمية من أهل السنة الأقحاح في نظر الذهبي وغيره فمن يكون؟
ألم يقل الذهبي فيه: "وبرع في علوم الآثار والسنن" وذكر عن أبي الفتح اليعمري قوله: "وكاد يستوعب السنن والآثار حفظا.... إلى أن قال:.... أو ذكر الحديث فهو صاحب علمه وذو رايته".(1)
وقال ابن حجر عن ابن تيمية: "وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل".(2)
فهل يعقل اخراج الذهبي لابن تيمية من أهل السنة؟
وقوله: (وتَبًّا لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)
قال مقيده عفا الله عنه: وهنا أمران:
__________
(1) المعجم المختص (ص 25).
(2) الدرر الكامنة (1/168).(/48)
الأول: هذا تعريض من الذهبي – افتراضا - بابن تيمية وردوده على المخالفين، وهي في نظره عيوب يجب أن لا يشغل ابن تيمية نفسه بها، ولو صح هذا من الذهبي لكان من أكبر القوادح في ديانته، وانعدام غيرته على شعائر الله وحرماته، وإنكاره على منكري المنكر وبيان أهله والتحذير منهم، حاشاه رحمه الله أن يقف هذا الموقف المشين، ويستقبح من ابن تيمية ما فعله هو، فكم ذكر أناسا مخالفين في العقيدة وبين فساد طريقتهم في كتبه كالميزان وغيره، من باب بيان الحق والنصيحة لدين الله؟
ومما وصف الذهبي ابن تيمية به قوله: "كان موصوفا بفرط الشجاعة والكرم، فارغا عن شهوات المأكل والملبس والجماع، لا لذة له في غير نشر العلم وتدوينه والعمل بمقتضاه".(1)
فهل مثل هذا العالم الإمام مشتغل بتتبع عورات الناس؟؟
الثاني: وهو أقبح من الأول، ذِكر الذهبي – افتراضا - عبارة : (لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، على أنها حديث نبوي، مما ينبيء عن جهله بالحديث ومتونه، وحاشاه وهو الحافظ للحديث وطرقه وعلله، والمميز لصحيحه من ضعيفه وموضوعه، والناقد البصير برجاله جرحا وتعديلا، إذا هذا لايصدر إلا عن مُخَلّط في الأحاديث، لا يصل علمه عشر معشار علم الذهبي رحمه الله، وهذه العبارة ليست حديثا بل مركبة من حديثين:
الأول: حديث: (لا تذكروا موتاكم إلا بخير).(2)
الثاني: حديث (فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، وهو حديث ناقص من أوله وتتمته: (لا تسبوا الأموات ...).(3)
فياترى هل وصل الحال بالذهبي إلى حد عدم التميز بين النصوص الحديثية وتركيبها؟.
__________
(1) المعجم المختص (ص 25).
(2) أخرجه الطيالسي (ح 1494 ص 209)، وعبدالرزاق في مصنفه(3/385 ح 6042)، و ابن أبي شيبة في مصنفه (3/46 ح 11989) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3) أخرجه البخاري (الجنائز ح 1393) وغيره من حديثها أيضا.(/49)
وقوله: (بلى أعرفُ إنك تقول لي لتنصُرَ نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو جهاد).
يذكر الذهبي - افتراضا - على لسان ابن تيمية تبرريه الوقيعة في العلماء، والتي هي في نظر الذهبي – افتراضا - كما سبق خوض في عورات الناس.
فيا ترى من هم الذين اتهم الذهبي ابن تيمية الوقيعة بهم ... وهل يعقل أن يقول الذهبي في بعضهم ما عابه على ابن تيمية، ألم يقل الذهبي عن أبي هاشم الجبائي: "وأما أبو هاشم الجبائي وأبوه أبو علي فمن رؤوس المعتزلة، ومن الجهلة بآثار النبوة برعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو تغرغر أبو سعيد بحلاوة الإسلام لانتفع بالحديث، فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا".(1)
فهذا وأمثاله كابن سينا وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين من ملاحدة المسلمين ممن بين عوارهم ابن تيمية، وللذهبي فيهم كلام على نمط ما قاله ابن تيمية.
ذكر الذهبي عن نصر بن زكريا بإسبيجاب أنه قال: "سمعت محمد بن يحيى الذهلي سمعت يحيى بن معين يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله! فقلت ليحيى: الرجل ينفق ماله ويتعب نفسه ويجاهد فهذا أفضل منه؟ قال: نعم، بكثير".(2)
فهل يتناقض الحافظ الذهبي إلى هذا الحد، وحاشاه رحمه الله؟ فهذا يدل على أن الرسالة كتبت لشخص وقع في أعراض العلماء الصالحين غير ابن تيمية، من غير الذهبي.
وقوله: (يا رجل بالله عليك كفَّ عنَّا، فإنك مِحجاجٌ عليم اللسان لا تقرّ ولا تنام، إياكم والأغلوطات في الدين).
__________
(1) السير (18/59).
(2) السير (10/518 ).(/50)
ومما يكشف زيف هذه الرسالة إتهام الذهبي – افتراضا - لابن تيمية بالأغلوطات في الدين ثم يصفه بقوله: "فريد العصر علما ومعرفة وذكاء وحفظا وكرما، وزهدا وفرط شجاعة وكثرة تأليف، والله يصلحه ويسدده فلسنا بحمد الله ممن نغلو فيه ولا نجفو عنه، ما رُئي كاملا مثل أئمة التابعين وتابعيهم فما رأيته إلا ببطن كتاب".(1)
وقال أيضا: "وهو بشر له ذنوب وخطأ، ومع هذا فوالله ما مَقَلا عيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه، كان إماما متبحرا في علوم الديانة صحيح الذهن سريع الإدراك سيال الفهم".(2)
فهل من هذا وصفه يتهم بالأغلوطات.
وقوله: (وكثرة الكلام بغير دليل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام).
وهذا من الكذب الصراح، ومن أكبر المطاعن في صحت نسبة الرسالة للحافظ الذهبي، إذ لا تكاد تجد تحليلا علميا لمسألة شرعية، ذكرها ابن تيمية دون استدلا من الكتاب والسنة، وكم امتدحه الذهبي في ذلك مما يدل على معرفته الوثيقة بعلمه، فمما قاله عنه ما نقله الحافظ ابن حجر: "ولا كان متلاعبا بالدين ولا ينفرد بمسائله بالتَشهّي، ولا يطلق لسانه بما اتفق، بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس، ويبرهن ويناظر أسوة من تقدمه من الأئمة، فله أجر على خطائه وأجران على إصابته".(3)
كما ينقل الحافظ ابن حجر عن الذهبي قوله: "كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسالة من مسائل الخلاف، واستدل ورجع وكان يحق له الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه، قال: وما رأيت أسرع انتزاعا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضارا للمتون وعزوها منه، كأن السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة".(4)
كما ذكر الذهبي عن أبي الفتح اليعمري قوله: "وكاد يستوعب السنن والآثار حفظا".(5)
__________
(1) معجم الشيوخ (1/56).
(2) المعجم المختص (ص 25).
(3) الدرر الكامنة (1/177).
(4) الدرر الكامنة (1/175).
(5) المعجم المختص (ص 25 ترجمة 22).(/51)
فهل بعد هذا نعتقد نسبة هذه الرسالة المنحولة للذهبي رحمه الله، وهل يعقل أن يتهم الذهبي ابن تيمية بذلك؟
وقوله: (فكيف إذا كان في العبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب).
لقد انتقد الذهبي نفسه اليونسية فتكلم على أحد شيوخها فقال: "يونس بن يوسف ابن مساعد الشيباني، المخارقي الجزري القنيي الزاهد أحد الأعلام، شيخ اليونسية أولي الزعارة والشطح والخواثة وخفة العقل،كان ذا كشف وحال ولم يكن عنده كبير علم، وله شطح وشعر ملحون ينظمه على لسان الربوبية، وبعضه كأنه كذب والله أعلم بسره، فلا يغتر المسلم بكشف ولا بحال ولا بإخبار عن مغيب، فابن صائد وإخوانه الكهنة لهم خوارق والرهبان، فيهم من قد تمزق جوعا وخلوة ومراقبة على غير أساس ولا توحيد، فصفت كدورات أنفسهم وكاشفوا وفشروا ولا قدوة إلا في أهل الصفوة وأرباب الولاية المنوطة بالعلم والسنن فنسأل الله إيمان المتقين وتأله المخلصين فكثير من المشايخ نتوقف في أمرهم حتى يتبرهن لنا أمرهم وبالله الاستعانة".(1)
فهل يعقل أن يعيب الذهبي على ابن تيمية ما فعله هو؟
وقوله: (فإلى كم تنبشُ دقائق الكفريات الفلسفية لنردَّ عليها بعقولنا).
نبش الذهبي بعض ما عابه على ابن تيمية – افتراضا – نبشه من دقائق الكفريات، فقد وصف أبا حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس، نزيل نواحي فارس بأنه صاحب زندقة وانحلال.(2)
وقال عن تأئية ابن الفارض: "فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الإتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى وأعذنا من الهوى، فيا أئمة الدين إلا تغضبون لله فلا حول ولا قوة إلا بالله".(3)
__________
(1) السير (22/178).
(2) ميزان الاعتدال (4/518).
(3) السير (22/368).(/52)
وقال عن أبي عبدالرحمن السلمي: "وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة، وفي حقائق تفسيره أشياء لا تسوغ أصلا عدها بعض الائمة من زندقة الباطنية، وعدها بعضهم عرفانا وحقيقة، نعوذ بالله من الضلال ومن الكلام بهوى فإن الخير كل الخير في متابعة السنة والتمسك بهدي الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -".(1)
وقال أيضا: " والعلم الذي يحرم تعلمه ونشره علم الأوائل وإلهيات الفلاسفة وبعض رياضتهم بل أكثره".(2)
وغيره كثير في ثنايا كتبه، فهل يحل الذهبي لنفسه ما حرمه على ابن تيمية، أم أن الرسالة منحولة مكذوبة على الحافظ الذهبي؟؟
وقوله: (يا رجل قد بلعتَ سموم الفلاسفة ومصنفاتهم مرات، وبكثرة استعمال السموم يُدمن عليها الجسم وتكمن والله في البدن).
أما الذي ابتلع علوم الفلاسفة فالمشهور بذلك هو أبو حامد الغزالي، كما نقله الذهبي عن أبي بكر بن العربي أنه قال: "شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع".(3)
وذكر أيضا: "قال أبو بكر الطرطوشي: شحن أبو حامد الإحياء بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا أعلم كتابا على بسيط الأرض أكثر كذبا منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة مكتسبة وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق".(4)
قال مقيده عفا الله عنه: فأين هذا من هذا، خلط الغزالي كتبه بالفلسفة، فهل فعل هذا ابن تيمية أم العكس هو الصحيح؟
وقوله: (واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر، وخشية بتذكر، وصمت بتفكر).
عبارة الذهبي – افتراضا - في سياق الإستنكار على مجلس ابن تيمية، وكأنه خال مما ذكره.
أما مجلس ابن تيمية فالذهبي من أعرف الناس به، ينقل ابن حجر وصف الذهبي له بقوله: "ولم أر مثله في ابتهاله واستغاثته وكثرة توجهه".(5)
__________
(1) السير (17/252).
(2) السير (10/604).
(3) السير (19/327).
(4) السير (19ص334).
(5) الدرر الكامنة (1/176).(/53)
كما نقل عنه أيضا: "وكان دائم الابتهال كثير الإستعانة قوي التوكل رابط الجأش له أوراد وأذكار يدمنها قلبية وجمعية".(1)
فهل بعد هذا نصدق أن هذه رسالة الذهبي نصيحةً لمن هذا حاله؟
وقوله: (يا خيبة من اتبعك فإنه مُعَرَّضٌ للزندقة والانحلال ولا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليًّا شهوانيًّا، لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيدٌ مربوط خفيف العقل، أو عامي كذّاب بليد الذهن، أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل).
وهذا من القوادح العِظام في صحة هذه النصيحة المزعومة. فأما أتباع ابن تيمية فالذهبي من كبار كبارهم ، فهل تعرض للزندقة والإنحلال، وأسوق ما قاله السبكي في أتباع ابن تيمية ومنهم الذهبي، فقال: "واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزال،ي وكثيرا من أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا، وحملهم على عظائم الأمور أمرا ليس هينا، وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم، وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم. وكان للمزي ديانة متينة وعبادة وسكون وخير".(2)
__________
(1) الدرر الكامنة (1/186).
(2) طبقات الشافعية الكبرى (10/400).(/54)
ومما يقدح في هذه النصيحة المفضوحة دفاع الذهبي نفسه عن ابن تيمية ورده على السبكي، كما نقله ابن حجر عنه فقال: "وكتب الذهبي إلى السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية، فأجابه ومن جملة الجواب: وأما قول سيدي في الشيخ تقي الدين، فالمملوك يتحقق كبير قدره وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل فيما مضى من أزمان".(1)
وقال أيضا عن أصحابه الحنابلة: "وأما الحنابلة فعندهم علوم نافعة وفيهم دين في الجملة، ولهم قلة حظ في الدنيا، والجهال يتكلمون في عقيدتهم ويرمونهم بالتجسيم وبأنه يلزمهم وهم بريئون من ذلك إلا النادر والله يغفر لهم".(2)
فهل ما زلنا نعتقد صحة هذه النصيحة المزعومة.
وقال: (يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تُغيرُ عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار).
وهذا من الطوام التي لا تصدق لمن خَبَر كلام ابن تيمية في الصحيحين، ومن أقواله فيهما:
قوله: "جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث، تلقوها بالقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علما قطعيا أن النبى قالها".(3) وقوله: "أكثر متون الصحيحين معلومة متقنة، تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق، واجمعوا على صحتها وإجماعهم معصوم من الخطأ".(4) وقوله: "أهل الحديث يعلمون صدق متون الصحيحين، ويعلمون كذب الأحاديث الموضوعة التي يجزمون بأنها كذب بأسباب عرفوا بها ذلك".(5)
__________
(1) الدرر الكامنة (1/186).
(2) زغل العلم (ص 39).
(3) مجموع الفتاوى (1/257).
(4) مجموع الفتاوى (18/49).
(5) منهاج السنة النبوية (7/422).(/55)
وقوله: "كتاب البخارى أجل ما صنف فى هذا الباب والبخارى من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه".(1) وقوله: "فى البخارى نفسه ثلاثة أحاديث نازعه بعض الناس فى صحتها، مثل حديث أبى بكرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عن الحسن: (إن إبنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فقد نازعه طائفة منهم أبوالوليد الباجى، وزعموا أن الحسن لم يسمعه من أبى بكرة، لكن الصواب مع البخارى وأن الحسن سمعه من أبى بكرة، كما قد بين ذلك فى غير هذا الموضع، وقد ثبت ذلك فى غير هذا الموضع، والبخارى أحذق وأخبر الفن من مسلم، ولهذا لا يتفقان على حديث إلا يكون صحيحا لا ريب فيه، قد إتفق أهل العلم على صحته، ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخارى، ويقول بعض أهل الحديث إنها ضعيفة، ثم قد يكون الصواب مع من ضعفها، كمثل صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأربع، وقد يكون الصواب مع مسلم وهذا أكثر".(2)
وقوله: "جمهور ما أنكر على البخارى مما صححه، يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع فى عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى فى حديث الكسوف).(3)
فهل هذه الأقوال تصدر ممن يُغِير على الصحيحين بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار.
ختاما لقد أثبتنا بفضل الله ومَنّه بما لا يدع مجالا لشاك ولا قولا لمرتاب، عدم صحة نسبة هذه الرسالة الركيكة المعاني الضعيفة المباني للحافظ الذهبي، ومن أصر على موقفه فهو أضل من ضَبّ.
كلمة ذهبية أخيرة في حق الإمام ابن تيمية
وإمعانا منا في نسف القول بصحة هذه الرسالة المنحولة للحافظ الذهبي، نسوق له كلمة ذهبية في حق أخيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى لما تكلم في زغل العلم على (علم أصول الدين):
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/256).
(2) مجموع الفتاوى (18/19).
(3) مجموع الفتاوى (1/256).(/56)
"أصول الدين هو اسم عظيم وهو منطبق على حفظ الكتاب والسنة، فهما أصول دين الإسلام ليس إلا، وأما العرف في هذا الإسم فهو مختلف باختلاف النحل.
فأصول دين السلف الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته وبصفاته وبالقدر، وبأن القرآن المنزل كلام الله تعالى غير مخلوق، والترضي عن كل الصحابة إلى غير ذلك من أصول السنة.
وأصول دين الخلف هو ما صنفوا فيه وبنوه على العقل والمنطق.
فما كان السلف يحطون على سالكله ويبدعونه، وبينهم اختلاف شديد في مسائل مزمنة، تركها من حسن اسلام العبد فإنه يورث أمراضا في القلوب، ومن لم يصدقني يجرب فإن الأصولية بينهم السيف يكفر هذا هذا، ويضلل هذا هذا، فالأصولي الواقف مع الظواهر الآثار عند خصومه يجعلونه مجسما وحشويا ومبتدعا، والأصولي الذي طرد التأويل عند الآخرين جهميا ومعتزليا وضالا، والأصولي الذي أثبت بعض الصفات ونفى بعضها وتأول في أماكن يقولون: متناقضا والسلامة والعافية أولى بك.
فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وأراء الأوائل ومجازات العقول واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقربها، وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحط عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورا مضيئا على محياه سيما السلف، ثم صار مظلما مكسوفا عليه قتمة عند خلائق الناس، ودجالا أفاكا كافرا عند أعدائه، ومبتدعا فاضلا محققا بارعا عند طوائف من عقلاء الفضلاء، وحامل راية الإسلام وحامي حوزة الدين ومحيي السنة عند عوام أصحابه هو ما أقول لك".(1)
فبعد هذا البيان فليس لأهل البهتان حجة أو برهان في كذب الرسالة الذهبية في حق شيخ الإسلام ابن تيمية، والله أعلم.
الشبهة الخامسة عشر: تلقين الميت
__________
(1) زغل العلم (ص 43).(/57)
قال المخالف: (ولازلنا نخوض بحر تقديس ابن تيمية للصوفية ومُتابعته لأفعالهم وأقوالهم وتحليله والتماس العُذر لهم. زُرت المقابر ... حاولت أن تُلقّن الميت الشهادتين. بماذا .. قُوبلت ؟ تبديع .. تفسيق .. تشريك .. قبوري. نترككم الآن مع محب الصوفية و مقدّسهم لتعلموا حُكمه في ذلك).
ثم ساق من كلامه ما نصه: " وروي في تلقين الميت بعد الدفن حديث فيه نظر لكن عمل به رجال من أهل الشام الأولين مع روايتهم له فلذلك استحبه أكثر أصحابنا وغيرهم.
فهذا ونحوه مما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ويأمر به أمته عند قبور المسلمين عقب الدفن وعند زيارتهم أو المرور بهم إنما هو تحية للميت كما يُحَيِّى الحَي ويدعي له كما يدعي له إذا صلى عليه قبل الدفن أو بعده وفي ضمن الدعاء للميت دعاء الحي لنفسه ولسائر المسلمين كما أن الصلاة على الجنازة فيها الدعاء للمصلي ولسائر المسلمين وتخصيص الميت بالدعاء له".(1)
رد الشبهة
لا دخل الصوفية في تلقين الميت الشهادتين، فتلقين الميت الشهادتين سنة نبوية إسلامية، وليست صوفية طرقية، وليس في كلام ابن تيمية السابق تقديس لهم ولا متابعة لأفعالهم ولاالتماس العُذر لهم، فليس الصوفية من قال بالتلقين، ولا أمر الناس به وشرّعه ووافقهم عليه ابن تيمية، وإنما الذي شرّعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(2)
ولم يقل ابن تيمية باستحباب التلقين – الآتي ذِكر حديثه - ولا ذَكَر أن الصوفية يفعلونه، وليس لهم ذكر في كلامه لا منطوقا ولا مفهوما، فهذا كله من رأس المخالف وتوهماته، كما حكم ابن تيمية بضعف الحديث الوارد فيه؟
__________
(1) اقتضاء الصراط (ص 326).
(2) الصحيح (الجنائز ح 916).(/58)
ولعل الإنكار الذي حصل للمعترض أثناء تلقينه لميت، هو لأجل النوع الآخر من التلقين وهو قولك للميت بعد الدفن: "يا فلان ابن فلانة فيستوي قاعدا، ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعونه فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة إلا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما".
فهذا حديث فيه مقال، ومع ذلك قال به بعض أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، كما قال ابن تيمية، وذكر كراهة بعض أصحاب مالك وغيرهم له.(1)
وأيضا بدّع فِعله بعض أهل العلم، قال الصنعاني رحمه الله:
"قال في المنار: إن حديث التلقين هذا حديث لا يشك أهل المعرفة بالحديث في وضعه، وأنه أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن حمزة بن حبيب، عن أشياخ له من أهل حمص فالمسئلة حمصية، وأما جعل: اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل شاهدا له فلا شهادة فيه، وكذلك أمر عمرو بن العاص بالوقوف عند قبره، مقدار ما ينحر جزور ليستأنس بهم عند مراجعة رسل ربه، لا شهادة فيه على التلقين وابن القيم جزم في الهدى بمثل كلام المنار، وأما في كتاب الروح فإنه جعل حديث التلقين من أدلة سماع الميت لكلام الأحياء، وجعل اتصال العمل بحديث التلقين من غير نكير كافيا في العمل به، ولم يحكم له بالصحة بل قال في كتاب الروح إنه حديث ضعيف، ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله".(2)
فهذا كلام إمام من أئمة الدين المحققين من أهل اليمن – لا أهل نجد - أهل الحكمة والإيمان بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في بدعية هذا النوع من التلقين؟.
وفاعله ليس فاسقا ولا مشركا، وإن صدق المخالف في دعواه فقد أخطأ من وصفه بتلك الأوصاف التي لا تليق بمسلم.
الشبهة السادسة عشر: طلاسم ذوقية
قال المخالف:
__________
(1) مجموع الفتاوى (24/296).
(2) سبل السلام (2/113).(/59)
قال المخالف: (ابن تيمية الصوفي ذوقاً و مشرباً، طَلاسِمْ لا يَفْهَمْهَا حَتَّى أَقْرَب النَاسِ إِلَيْه تَلْمِيذُه اِبْن قَيِّم الجَوْزِيَّة !! فقط لأنه لم يرتق ما ارتقاه شيخه من مقامات التصوّف !! طلاسم ذوقية عجيبة: "ما لي شيء .. ولا مني شيء .. ولا في شيء"
تواضع صُوفي يظن من يقرأه من الوهابية أنه تخريف!! "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلاما جيدا").
ثم ساق من كلام ابن القيم في شيخه ابن تيمية ما نصه:
"ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرا : ما لي شيء ولا مني شيء ولا في شيء وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت
أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي
وكان إذا أُثنيَ عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلاما جيدا".(1)
ثم قال المخالف بعد ذلك: (ولا ننس قول ابن قيّم الجوزية في حق شيخه : " قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ ". فما هو هذا السر الصوفي الذي لم يعرفه التلميذ ؟! هل هذا السر هو ما يقول عنه الصوفيّة علم الحقيقة ؟!)
رد الشبهة
ترى ما هي الطَلاسِمْ التي لم يَفْهَمْهَا أَقرب النَاسِ إِلَيْه تَلْمِيذُه اِبْن قَيِّم الجَوْزِيَّة !!
وهل عرف المخالف معنى الطلاسم، أم أنه يَهرف بما لا يَعرف، وهذه حقيقته فالرجل متعالم لا يعرف ما ينطق به وهذا منه، حيث جهل معنى الطلاسم.
والطلسم واحد الطلاسم، ومعنى الطلسم عقد لا ينحل، وهو علم باحث عن كيفية تركيب القوى السماوية الفعالة، مع القوى الأرضية المنفعلة في الأزمنة المناسبة للفعل، والتأثير المقصود مع بخورات مقوية جالبة لروحانية الطلسم، ليظهر من تلك الأمور في عالم الكون والفساد افعال غريبة، وهو قريب المأخذ بالنسبة الى السحر لكون مباديه واسبابه معلومة.(2)
__________
(1) مدارج السالكين (1/524).
(2) كشف الظنون (2/1114).(/60)
وعلم الطلسمات متعلق باستخدام الجن وعبادتهم وتعظيمهم.(1) كما أن له تعلق بالسحر، قال القنوجي: "السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات، وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون. ويقولون: السحر اتحاد روح بروح، والطلسم اتحاد روح بجسم، ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية، والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب، ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة".(2)
وقال أيضا: "واما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات، وجعلتهما بابا واحدا محظورا، لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا، الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا، وما لا يهمنا في شيء منهما، فإن كان فيه ضرر ونوع ضرر، كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع، يلحق به الطلسمات لأن اثرهما واحد، وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير، فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله تعالى".(3)
فهل ما قاله ابن تيمية رحمه الله طلاسم كما زعم المتعالم المخالف، أم هو منتهى التواضع والسكون والخشوع والرضى لله عزوجل.
الشبهة السابعة عشر: تبرك الشافعي بأحمد و جنازة ابن تيمية
قال المخالف: (تلاميذ تربّوا في حجر شيخ مقدّس للصوفية ... لابد أن يتشربوا بذوقياته الصوفية.
الإمام الحافظ ابن كثير تلميذ ابن تيمية ... وسيره على طريق شيخه).
ثم ذكر المخالف عن الحافظ ابن كثير قوله:
__________
(1) انظر مجموع الفتاوى (19/13)، والجواب الصحيح (6/14)، وآكام المرجان (ص 150).
(2) أبجد العلوم (2/325).
(3) أبجد العلوم (2/327).(/61)
"روى البيهقي عن الربيع قال : بعثني الشافعي بكتاب من مصر إلى أحمد بن حنبل، فأتيته وقد انفتل من صلاة الفجر، فدفعت إليه الكتاب فقال: أقرأته فقلت: لا، فأخذه فقرأه فدمعت عيناه! فقلت: يا أبا عبدالله وما فيه؟ فقال: يذكر أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال: أكتب إلى عبد الله أحمد بن حنبل، وأقرأ عليه السلام مني، وقل له: إنك ستمتحن وتدعى إلى القول بخلق القرآن، فلا تجبهم ويرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: حلاوة البشارة فخلع قميصة الذي يلي جلده فأعطانيه، فلما رجعت إلى الشافعي أخبرته، فقال: إني لست أفجعك فيه ولكن بله بالماء وأعطينيه حتى اتبرك به.
ملخص الفتنة والمحنة من كلام أئمة السنة أثابهم الله الجنة قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق ."(1)
وقال المخالف: (الثوب الذي يلي الجسد تكون له من بركة الجسد .. فانظر لهؤلاء الأئمة !!).
ثم ذكر المخالف وصف ابن كثير لجنازة ابن تيمية فقال:
"حضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه، وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن، وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا، ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن، واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله أخرج، ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع ."(2)
قال المخالف: (التبرك برُؤية الصالحين مأثور كذلك عن الصُوفية )،
واستمر في ذكر وصف جنازته فقال:
"وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسّل به، ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما، وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما، وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير."(3)
__________
(1) البداية والنهاية (10/331).
(2) البداية والنهاية (14/135).
(3) المصدر السابق (14/136).(/62)
قال المخالف: (بقية الولي الصالح مذكورة كذلك عن الصوفية .. ولعل ماذُكر في الطاقية شبيه بخرقة الصُوفية).
ثم ذكر عن ابن كثير: "ورؤيت له منامات صالحة عجيبة".(1)
قال المخالف: (الإستبشار بالمنامات والمرائي الصالحة كذلك مأثور عن الصوفية).
ونقل عنه أيضا قوله:
"وتردد شيخنا الامام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الايام الثلاثة، وكذلك جماعة من علماء الشافعية، وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبا على حماره، وعليه الجلالة والوقار حمه الله، وعملت له ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة عجيبة".(2)
ثم قال المخالف: (الختمات إختصار لقراءة القُرآن عدة مرات وإهداء ثوابها للميت وهي مأثورة عن الصُوفية).
ثم نقل عن ابن كثير أمرا آخر فقال:
"وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز، وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ يا محمداه".(3)
ثم قال المخالف: (التوسل بالرسول والإستغاثة به كذلك مأثور عن الصوفية )، لله در التلميذ الذي ينهج طريق شيخه، بل يتعدّاه إلى فهوم ذوقية لأفعال الصوفية
فتجد مؤلفاته طافحة بما يعتقده ويأخذه عن شيخه، ولم نجد ولله الحمد من يرمي الإمام الحافظ ابن كثير بالشرك، أو يرميه بأنه داعية إلى الشرك أو أنه يعتقد إعتقادات شركية. انتهى كلام المخالف.
رد الشبهة
ذكر المخالف عدة أمور في التبرك، وليس كل التبرك مقبولا وليس كله مرفوضا، فما وافق الشرع قبل وحُضّ عليه وما وخالفه منع وحُذّر منه، ثم يلزمنا معرفة ما هو التبرك.
__________
(1) المصدر السابق (14/139).
(2) المصدر السابق (14/139).
(3) البداية والنهاية (6/324).(/63)
فالتبرك في رأي شعور معنوي نفسي يختلج في نفس المُتَبَرّك تجاه ما يُتبرك به سواء كان بشرا كنبي أو عالم صالح ولي، أو قرآن أو عند شرب زمزم ونحوه مما وردت نصوص الشريعة في بركته وهو كثير، ويكون شعورا ماديا ملموسا كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (اتخذوا الغنم فإنها بركة)(1)، فالبركة الملموسة هو النماء والزيادة والخير الذي يحصل من كثرة توالدها والإستفادة من نتاجها.
ولإشتقاق الكلمة معان بنحوه، ففي لسان العرب:
"البركة النماء والزيادة، والتبريك الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة، يقال: بَرّكت عليه تبريكا أي قلت له: بارك الله عليك، وبارك الله الشيء وبارك فيه وعليه، وضع فيه البركة، وطعام بَريك كأنه مبارك، وقال الفراء في قوله تعالى {رحمة الله و بركاته عليكم} قال: البركات السعادة، قال أبو منصور: وكذلك قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي فقد نال السعادة المباركة الدائمة".(2)
قال مقيده عفا الله عنه: أما الأمور التي ذكرها المخالف فهي:
الأول: ذكر قصة رؤيا الشافعي لأحمد بن حنبل التي رواها البيهقي، وفيها تبرك الشافعي بغسالة ثوب أحمد الذي أعطاه للربيع.
وهذه القصة رواها ابن عساكر من طريق البيهقي فقال:
"أخبرني أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قراءة عليه قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا القاسم بن صدقة يقول سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي يقول قال لي الربيع إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به…".(3)
ومن طريق ابن عساكر أخرجها السبكي في طبقاته الكبرى.(4)
__________
(1) صححه الألباني في صحيح الجامع (ح 82).
(2) لسان العرب (10/395).
(3) تاريخ دمشق (5/312).
(4) طبقات الشافعية الكبرى (2/35).(/64)
وهي قصة معلولة لا يصح الإحتجاج بها وفيها:
أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي. شيخ البيهقي، قال الحافظ: " شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم وتفسيرهم، تكلموا فيه وليس بعمدة روى عن الأصم وطبقته وعنى بالحديث ورجاله، وسئل الدارقطني قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القطان: كان يضع الأحاديث للصوفية".(1)
محمد بن عبد الله بن شاذان. قال الحافظ: "محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان، أبو بكر الرازي الصوفي صاحب تلك الحكايات المنكرة، روى عنه الشيخ أبو عبد الرحمن أوابد وعجائب وهو متهم طعن فيه الحاكم".(2)
قال مقيده عفا الله عنه: فهذا حال القصة الواهية، وهي كحال رواتها الصوفية ومدارها عليهما، ولم أقف على من فوقهما، فلا يحتج بها ولا كرامة.
الثاني: ذكر المخالف تبركات حصلت في جنازة ابن تيمية.
وأقول: أما التبرك برؤيته وتقبيله، فلا شيء فيه، إذ رؤية العالم الرباني وهو ميت تؤثر في الرائي، أما التقبيل فقد قبل أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ميت.(3)
الثالث: ثم ذكر المخالف شرب جماعة فضل غسله، واقتسام بقية السدر، ودُفِع في متعلقاته نقودا كخيط الزئبق الذي كان في عنقه و الطاقية التي كانت على رأسه."
فأقول: أما هذا فأي بركة فيه، وما ذا سيحصل لمن فعله ودفع مالا لاقتناء ذلك؟ إلا أن يكون الإقتناء على وجه الذكرى، كونها لعالم مشهور وهذا هو الظاهر؟
ثم قياس المخالف الطاقية على الخرقة الصوفية لا معنى له البتة، فالطاقية تلبس عادة أما الخرقة عند الصوفي فتلبس عقيدة ودينا ومنهجا.
__________
(1) لسان الميزان (5/140).
(2) لسان الميزان (5/230).
(3) أخرجه البخاري (الجنائز ح 1242).(/65)
الرابع: ثم ذكر المخالف رؤية المنامات له، وهذا لا شيء فيه وتلك عاجل بشرى المؤمن؟ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا دخل للصوفية فيه، إذ مرائيهم تشريع لهم ولا أدل على ذلك مما ذكره السيوطي في حاويه: "أن رجلا اسمه خليفة بن موسى النهر ملكي، أنه كان كثير الرؤية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقظة ومناما، فكان يقال: إن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة وإما مناما".(1)
الخامس: ذكر المخالف تردد بعض أهل العلم لزيارة قبره وتكرار ذلك، وهذا أيضا لا شيء فيه إذ هو من باب الزيارة الشرعية، وهو يختلف عن زيارة الصوفية وأصحاب الطرق لقبور ومشاهد وأضرحة أقطابهم، إذ يصحب ذلك توسلات واستغاثات وطواف ونذور؟
السادس: ثم ذكر قراءة الختمات وإهداء ثوابها للميت، وهي مسألة فقهية لا تعلق لها بالصوفية ولا بما يطمح له المخالف، وابن تيمية وغيره يرى وصول ثوابها للميت.(2)
السابع: ثم ذكر أن شعار المسلمين يوم مقتل مسيلمة كان (يا محمداه)، على سبيل جواز الإستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهي قصة معلولة مسلسلة بالضعفاء لا يحتج بها المحققون من أهل العلم، وإنما هي من حجج الخرافيين، ومن يحتج بالنطيحة والموقوذة وما أكل السبع أمثال المخالف، أخرجها الطبري بسنده في تاريخه فقال: "كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بني سحيم قد شهدها مع خالد قال….".(3)
وعلتها:
جهالة الرجل السحيمي الراوي عن خالد بن الواليد.
الضحاك بن يربوع قال الذهبي: "قال الأزدي: حديثه ليس بالقائم".(4)
__________
(1) الحاوي للفتاوي (2/259 رسالة تنوير الحلك).
(2) انظر مجموع الفتاوى (24/324)، اقتضاء الصراط (ص 378).
(3) 2/281).
(4) ميزان الاعتدال (2/327).(/66)
سيف بن عمر التميمي الأسدي قال الذهبي: "له تواليف متروك باتفاق، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة. قلت: أدرك التابعين وقد اتهم، قال ابن حبان: يروي الموضوعات".(1)
شعيب هو ابن إبراهيم الكوفى قال ابن حجر: "راوية كتب سيف عنه فيه جهالة انتهى. ذكره ابن عدى وقال: ليس بالمعروف وله أحاديث وأخبار وفيه بعض النكرة وفيها ما فيه تحامل على السلف".(2)
قال مقيده عفا الله عنه: فهذا حال قصة "يامحمداه"، التي قال فيها المخالف: "التوسل بالرسول والإستغاثة به كذلك مأثور عن الصوفية"، ومن المأثور عنهم كذلك عند القبور والأضرحة والمشاهد "الصراخ والصياح والعويل، على هيئة استغاثات وتوسلات وطلب الحوائج من الأموات". وليس هذا مأثورا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه - رضي الله عنهم - ولا التابعين لهم بإحسان، وإنما هو مقتبس من دين الرافضة.
الثامن: قال المخالف: "لله در التلميذ الذي ينهج طريق شيخه، بل يتعدّاه إلى فهوم ذوقية لأفعال الصوفية، فتجد مؤلفاته طافحة بما يعتقده ويأخذه عن شيخه، ولم نجد ولله الحمد من يرمي الإمام الحافظ ابن كثير بالشرك، أو يرميه بأنه داعية إلى الشرك أو أنه يعتقد إعتقادات شركية".
قال مقيده عفا الله عنه: هذا سفسطة من القول، فابن كثير لم ينهج منهج ابن تيمية كما زعم، وانما هو مجرد ناقل وليس بمعتقد، ولا يستطيع المخالف اثبات اعتقاد ابن كثير لماينقل البتة، وناقل الكفر ليس بكافر، كما أن ناقل الشركيات والبدع ليس بمشرك ولا مبتدع؟ وأسوق هنا بعض ما قاله ابن كثير في هذا الموضوع مما ينسف مذهب المخالف المتعالم من جذوره:
قال ابن كثير رحمه الله: "وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسويه القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام".(3)
__________
(1) المغني في الضعفاء (1/292).
(2) لسان الميزان (3/145).
(3) البداية والنهاية (10/274).(/67)
وقال أيضا في ترجمة "الخضر بن نصر": "وترجمه ابن خلكان في الوفيات وقال: قبره يزار وقد زرته غير مرة، ورأيت الناس ينتابون قبره يتبركون به". فتعقبه ابن كثير بقوله: "وهذا الذي قاله ابن خلكان مما ينكره أهل العلم عليه وعلى أمثاله ممن يعظم القبور".(1)
فأين هذه العقيدة السلفية التي أثبتها ابن كثير السلفي لنفسه، تلميذ إمام السلفية في وقته مما يريد المخالف القبوري إثباته له.
الشبهة الثامنة عشر: لولاك ما خلقت الأفلاك
قال المخالف: (اليوم يحدثنا عن مقام الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "لأجل محمد - صلى الله عليه وسلم - خُلقت جميع المخلوقات").
ثم ذكر من كلام ابن تيمية ما نصه: "والله خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام، وكان آخر الخلق يوم الجمعة وفيه خلق آدم وهو آخر ما خلق، خلق يوم الجمعة بعد العصر فى آخر يوم الجمعة، وسيد ولد آدم هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، آدم فمن دونه تحت لوائه قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنى عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينته)، أى كتبت نبوتى واظهرت لمّا خلق آدم قبل نفخ الروح فيه، كما يكتب الله رزق العبد واجله وعمله وشقى أو سعيد، إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه، فاذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها، وهو الجامع لما فيها وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا، ومحمد إنسان هذا العين وقطب هذه الرحى وأقسام هذا الجمع، كان كأنها غاية الغايات فى المخلوقات فما ينكر أن يقال: أنه لاجله خلقت جميعها، وأنه لولاه لما خلقت، فاذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قُبل ذلك".(2)
رد الشبهة
مشكلة المخالف مشكلة عدم فهم النصوص وبترها، فيأخذ ما يريد لأجل هواه، فهو لم ينظر في أول كلام ابن تيمية، كما لم يكمل بقية كلامه، وأيضا لم يفهم آخر كلامه الذي نقله هنا.
__________
(1) المصدر السابق (12/307).
(2) مجموع الفتاوى (11/97).(/68)
أما آخر كلامه السابق المنقول والذي لم يفهمه المخالف هو قوله: " فاذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قُبل ذلك".
قلت: وتفسير الكتاب والسنة هو ما ذكره ابن تيمية في أول كلامه وهو الآتي:
"ومحمد سيد ولد آدم وافضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم، أو أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا، ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا، لكن ليس هذا حديثا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا يعرف عن الصحابة، بل هو كلام لا يدرى قائله ويمكن أن يفسر بوجه صحيح كقوله: {سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض}، وقوله: {وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، وأمثال ذلك من الآيات التى يبين فيها أنه خلق المخلوقات لبنى آدم، ومعلوم أن لله فيها حِكما عظيمة غير ذلك وأعظم من ذلك، ولكن يبين لبنى آدم ما فيها من المنفعة وما أسبغ عليهم، فإذا قيل فعل كذا لكذا لم يقتض أن لا يكون فيه حكمة أخرى.
وكذلك قول القائل: (لو لا كذا ما خلق كذا)، لا يقتضى أن لا يكون فيه حكم أخرى عظيمة، بل يقتضى إذا كان أفضل صالحى بنى آدم محمد، وكانت خلقته غاية مطلوبة وحكمة بالغة مقصودة، أعظم من غيره صار تمام الخلق ونهاية الكمال حصل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ".(1)
فهذا النص بتمامه من أوله حتى نَقْل المخالف لبقيته، فما دخل التصوف والتذوق، إلى آخر المصطلحات الصوفية التي أطلقها المخالف على شيخ الإسلام ابن تيمية فرحا بها والله لا يحب الفرحين.
__________
(1) مجموع الفتاوى (11/96 ).(/69)
أما بقية كلام ابن تيمية الذي لم نقله المخالف هو: "واما إذا حصل فى ذلك غلو من جنس غلو النصارى، باشراك بعض المخلوقات فى شىء من الربوبية، كان ذلك مردودا غير مقبول".(1)
وهو ما حصل من المتصوفة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهم في ذلك قصب السبق مثل قولهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل الكائنات ومن نوره خلقت، وسجود الملائكة لم يكن لآدم وإنما لأجل نوره الذي ظهر في جبين آدم إلى غير ذلك مما بسطنا القول فيه في بحث مستقل عن عقائد الصوفية.
يقول الدكتور زكي مبارك وهو من دارسي التصوف وبالخصوص الأدب الصوفي، ومما قال له في ذلك: "وقول البوصيري:
دع ما أدعته النصارى في نبيهم وأحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فيه انحراف عن هذه النظرية، لأن ما ادعته النصارى لعيسى عين ما ادعته الصوفية لمحمد، فعيسى عند النصارى رب ولكن له أب هو رب الأرباب! وكذلك محمد عند الصوفية رب له أصل هو الذات الأحدية".(2)
ثم يبين الدكتور مبارك رحمه الله كيف أن الصوفية قلدوا النصارى في تأليه عيسى فألهوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إلى هنا عرف القاريء كيف نشأ الإغراق في مدح الرسول، فهو قائم على أساس القول بوحدة الوجود، وقد صح عندي بعد التأمل الذي دام بضع سنين، أن الصوفية أرادوا أن ينتهبوا شخصية المسيح ليضفوا ثوبها على نبي الإسلام، فإذا كان المسيح ابن الله كما يزعم النصارى، فمحمد أرفع من ذلك لأن محمدا يقدر على كل شيء، وهو أصل الوجود ولولاه لما ظهر عن الله شيء".(3)
قال مقيده عفا الله عنه: فهذا هو الفرق بيننا وبين الصوفية في النظر إلى نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - فتنبه!
الشبهة التاسعة عشر: مكاشفات وكرامات
__________
(1) مجموع الفتاوى (11/98).
(2) التصوف الإسلامي (1/274).
(3) المصدر السابق (1/279).(/70)
قال المخالف: (التلميذ يروي عن شيخه! هل يكذب التلميذ على شيخه ؟ لن يصدّقك أحد إن قلت ذلك ..لأن أفضل من يروي عن الشيخ تلاميذه المُخلصين ..
والآن مع عجائب و دقائق يرويها تلميذ عن شيخه قد بلغ في مراتب الصلاح إلى هذا الحد !! و الآن مع ابن قيّم الجوزية مع شيخه ابن تيمية صاحب الكرامات و المُكاشفات).
ثم ساق المخالف من كلام ابن القيم ما نصه:
" وقلت له يوما لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح، فقال: لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال شهرا، وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي، مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني، وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها، وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها، وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم".(1)
رد الشبهة
ذكر ابن القيم هذا الكلام في سياق كلامه عن الفراسة من النوع الثالث وهي الفراسة الخلقية، وذكر شيخه ابن تيمية وغيره لوجود الصفات الخاصة بهذا النوع من الفراسة في شخصية ابن تيمية، ومما قاله في ذلك:
"وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخَلْق على الخُلُق لما بينهما من الإرتباط الذي اقتضته حكمة الله، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبره وبسعة الصدر وبعد ما بين جانبيه على سعة خُلق صاحبه، واحتماله وبسطته وبضيقه على ضيقه، وبخمود العين وكلال نظرها على بلادة صاحبها، وضعف حرارة قلبه وبشدة بياضها مع إشرابه بحمرة، وهو الشكل على شجاعته وإقدامه وفطنته، وبتدويرها مع حمرتها وكثرة تقلبها على خيانته ومكره وخداعه، ومعظم تعلق الفراسة بالعين فإنها مرآة القلب وعنوان ما فيه ثم باللسان فإنه رسوله وترجمانه….".(2)
ثم قال: "وللفراسة سببان:
أحدهما: جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته.
والثاني: ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه.
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 3).
(2) مدارج السالكين (2/489 ).(/71)
فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطىء للعبد فراسة وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر كانت فراسته بين بين، وكان إياس بن معاوية من أعظم الناس فراسة وله الوقائع المشهورة وكذلك الشافعي رحمة الله وقيل إن له فيها تآليف ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما…".(1)
قال مقيده عفا الله عنه: وهذا يدل على عدم فراسة المخالف، والإنتقائية في الكلام التي تدل على التعالم.
الشبهة العشرون: منازعة القدر
قال المخالف: (الإمام الصوفي المقدّس لدى ابن تيمية الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول : (الرجل من يكون منازعا للقدر ,لا من يكون موافقا للقدر)، ثم يأتي تفسير الذوّاق لكلام الصوفية ابن تيمية).
ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه:
__________
(1) المصدر السابق.(/72)
" وهذا مقام عظيم فيه غلط الغالطون، وكثر فيه الاشتباه على السالكين، حتى زلق فيه من أكابر الشيوخ المدعين التحقيق والتوحيد والعرفان، مالا يحصيهم إلا الله الذى يعلم السر والإعلان، وإلى هذا أشار الشيخ عبد القادر رحمه الله فيما ذُكر عنه، فبين أن كثيرا من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، إلا أنا فإنى انفتحت لى فيه روزنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والرجل من يكون منازعا للقدر لا من يكون موافقا للقدر. والذى ذكره الشيخ رحمه الله هو الذى امر الله به ورسوله، لكن كثير من الرجال غلطوا، فإنهم قد يشهدون ما يُقَدّر على احدهم من المعاصى والذنوب، أو ما يُقَدّر على الناس من ذلك، بل من الكفر، ويشهدون أن هذا جار بمشيئة الله، وقضائُه وقدرُه داخل فى حكم ربوبيته ومقتضى مشيئته، فيظنون الإستسلام لذلك وموافقته والرضا به ونحو ذلك دينا وطريقا وعبادة، فيضاهون المشركين الذين قالوا: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}، وقالوا: {أنطعم من لويشاء الله اطعمه}، وقالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}".(1)
رد الشبهة
وكعادة المخالف، يورد من كلام ابن تيمية ما يظنه تصوفا وليس كذلك، وينسى تعالما قراءة ما قبل ومابعد، ليتسنى له معرفة السبب الذي لأجله قال ابن تيمية ما قال وفهمه، فابن تيمية ذكر هذا الكلام عن عبدالقادر الجيلاني في كتابه العبودية في سياق تحليله العلمي للعبادة والعَبْد، وذكر ما يتعلق بذلك من الكتاب والسنة، وأن العبادة هي إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، ومثّل لهذه الأمور بأدلة من الكتاب والسنة، وأن هذه العبادة هي التي المحبوبة والمرضية له سبحانه، ولأجلها خلق الخلق وأرسل الرسل، وأن من اصطفى سبحانه من عباده نعتهم بالعبودية، كقوله فيهم: (عباد الله وعباد الرحمن وعبادي) ونحوه.
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/158).(/73)
ثم بين رحمه الله أن العبادة أصلها الذل، وأن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل والحب، وأن الله سبحانه يجب أن يكون أحب شيء للعبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، وأن لا يستحق المحبة والذل التام إلا هو سبحانه.
ثم حرر رحمه الله القول في العبد، وأن المراد به المُعَبّد الذي عبّده الله فذلّله ودبّره وصرّفه، وأنه بهذا الإعتبار جميع المخلوقين برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم، عباد لله تحت مشيئته وقدرته، فهو خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم، عرفوا ذلك أو أنكروا علموا أو جهلوا.
ثم بين رحمه الله أن معرفة الحق سبحانه، إذا كانت مع الإستكبار والجحود كانت عذابا على صاحبها، وبين أن العبد قد يعترف أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه ومحتاج، فهذا عرف العبودية المتعلقة بالربوبية، وأن مثل هذا العبد قد يتضرع لربه ويتوكل عليه، وهذا النوع من العبيد قد يطيع ويعصي ويشرك معه غيره، فهذا النوع لا يصير مؤمنا واستدل بقوله تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106).
ثم تطرق للكلام على الحقيقة ومن يتكلم فيها ويشهدها، وبدأ بالكلام على (الحقيقة الكونية) التي يشترك فيها المؤمن والكافر البر والفاجر، واعتراف إبليس بها، مستدلا لكل ما سبق من الكتاب والسنة، وبين أن من وقف عند هذه الحقيقة وشهودها، ولم يقم بما أمر الله به من (الحقيقة الدينية)، التي هي عبادته وتأليهه وطاعة أوامره وأوامر رسوله، كان من جنس إبليس أهل النار، وإن ظن أنه من خواص أولياء الله وأهل المعرفة والتحقيق الذين يسقط عنهم الأمر والنهي الشرعيان، كان من أشر أهل الكفر والإلحاد.(/74)
ثم بين رحمه الله النوع الثاني من معنى "العبد" وهو بمعنى العابد لله، فلا يعبد سواه، ويطيع أومره وأوامر نبيه ويوالي أولياه ويعادي أعداءه، ففرق بين العبد المُعبّد والعبد العابد، وبالفرق بينهما يُعرف الفرق بين (الحقيقة الدينية والحقيقة الكونية)، وأن من اكتفى بالأخيرة كان من أتباع إبليس والكافرين برب العالمين.
وبعد هذا التحليل المقتضب لأ كثر من عشر صفحات من كتاب العبودية، بدأ ابن تيمية كلامه الذي ساقه المخالف، وأن هذا الأمر مقامه عظيم وأكثر المشايخ الذين خاضوا غلطوا فيه لاشتباه المسالك، فزلق فيه من زلق من كِبارهم، وأن الشيخ عبدالقادر لم يمسك حين ذكر القدر، وذلك لما أكرمه الله تعالى من حقيقة الولاية وذلك لمعرفته بالحقيقتين.
وهذا من الجيلاني ليس من التصوف في شيء، فقد وضح شيخ الإسلام أن هذا الموقف من الشيخ هو ما أمر الله به ورسوله وأن كثيرا من الرجال غلطوا فيه، حيث يشهدون ما قدره الله من المعاصي والذنوب والكفر على الناس، وأنه جار بمشيئة الله وقضائه وقدره وداخل في حكم ربوبيته ومقتضى مشيئته، فيظنون أن الإستسلام لذلك وموافقته والرضا به دينا فضاهوا المشركين الذين قال فيهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:148)، وقوله:{أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} (يّس:47).
ثم بَيّن رحمه الله خطأ ذلك، إذ لو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا أن نرضى به، ونصبر على موجبه في المصائب التي تصيبنا كالفقر والمرض ونحوه، واستدل بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، كما استدل بحديث محاججة آدم لموسى عليهما السلام في الصحيحين، وأن هذا ليس احتجاجا بالقدر على الذنب، بل إن آدم قد تاب من ذنبه الذي قدره الله فاجتباه ربه وهداه، لكنه لَوم لآدم لآجل المصيبة التي لحقتهم بالخطيئة.(/75)
ثم بين أن ليس للعبد أن يذنب وإن أذنب فعليه بالإستغفار، وكذلك ذنوب العباد لا نرضى بها، بل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيله سبحانه كل بحسبه، ونظائر ذلك مما يفرق الله فيه بين أهل الحق والباطل كثيرة.
وأطال النفس رحمه الله كعادته في الإستدال من الكتاب والسنة في بيان هذه المسألة الشائكة، والرد على أهل الضلال من أهل الأديان وبعض زنادقة الصوفية كابن عربي. وفي هذا كفاية للبيب.
الشبهة الحادية والعشرون: قراءة القرآن للميت
قال المخالف: (إذا مات ابن آدم إنقطع عمله ...حديث صحيح و فهم الصوفية يتحد مع فهم ابن تيمية. فيُجيب:-)
ثم ساق ما نصه:
"وسئل عن قراءة أهل الميت تصل إليه والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير إذا أهداه إلى الميت يصل إليه ثوابها أم لا؟
فأجاب يصل إلى الميت قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى إذا أهدوه إلى الميت وصل إليه والله أعلم".(1)
رد الشبهة
هذه المسألة الفقهية كانت موجودة في تاريخ الفقه الإسلامي قبل ظهور بدعة التصوف في الأمة الإسلامية، والذين تكلموا فيها لم يذكروا أهل التصوف، وكون الصوفية عملوا به فلا مزية لهم ولا يعني موافقة ابن تيمية لهم، فهذا ومثله مما سبق من أغلوطات المخالف.
قال ابن تيمية: "ثواب العبادات البدنية من الصلاة والقراءة وغيرهما يصل إلى الميت كما يصل إليه ثواب العبادات المالية بالاجماع وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما وقول طائفة من أصحاب الشافعي ومالك وهو الصواب لأدلة كثيرة".(2)
فلم يذكر التصوف وأهله دليل على عدم الإعتداد والإعتناء بهم في الفقه الإسلامي.
الشبه الثانية والعشرون: الورد القيومي
__________
(1) مجموع الفتاوى (24/324).
(2) اقتضاء الصراط (ص 378).(/76)
قال المخالف: (هَلْ إِبْتَدَعَ اِبْن تَيْمِيَة في السُنَّة النَبَويِّة مَا لَيْسَ مِنْهَا ؟ هل تُوفي رسول الله قبل أن يُكمل الرسالة ؟ هل ابن تيمية أعلم بأمر الأمة من رسول الله ؟ يقيناً الإجابة في الكل بلا. إذاً لابد من تفسير بعض أوراد وأعمال ابن تيمية في يومه وليلته و ماهو المخرج لها: الورد القيومي لابن تيمية) :
ثم ذكر من كلام ابن القيم ما نصه:
"وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : من واظب على يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر أربعين مرة أحيى الله بها قلبه".(1)
رد الشبهة
صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذكر (يا حي يا قيوم)، هو الإسم الأعظم(2)، ولذا تجد هذه العبارة من الذكر متضمنة الكثير من الأدعية النبوية، ولأجله حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على قوله إذا حزبه أمر أو كربه كما صح عنه(3)، وكان دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - إذا اجنهد فيه(4)، وهو من الأدعية الصباحية والمسائية التي أوصى - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة رضي الله عنها بها(5). كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الدعاء بين الآذان والإقامة لايرد.(6)
__________
(1) مدارج السالكين ( 3/264).
(2) أخرجه أبو داود (الصلاة ح 1495)، والنسائي (السهو ح 1300).
(3) أخرجه الترمذي (الدعوات ح 3524).
(4) أخرجه الترمذي (الدعاء ح 3436) بسند فيه ضعف.
(5) أخرجه النسائي في الكبرى (6/147 ح 10405)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/449).
(6) أخرجه الترمذي (الصلاة ح 212)، وأبو داود (الصلاة ح 521). وصححه الألباني.(/77)
من ذلك تبين لنا أن ابن تيمية لم يبتدع وردا قيوميا خاصا به كما زعم المخالف، ولم يلقنه لمريد كما يفعل أصحاب الطرق الصوفية، وإنما هو متبع للسنة لكنه جانب الصواب في التحديد بالأربعين، وهو فيه مقلد للشيخ (أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر الجماعيلى المقدسي الدمشقي الصالحي الزاهد العابد) المتوفي سنة 607 هـ، حيث ذكر عنه ابن مفلح أنه كان يقول بين سنة الفجر والفرض أربعين مرة: (يا حي يا قيوم لا إله إلا إنت).(1)
فهذا ما أردنا تبينه من أمور ساقها المخالف، ظنا منه – وبعض الظن إثم – أن شيخ الإسلام تأثر بالتصوف وأنه متذوق له بقصد إحراج الإخوة المنتمين لمنهج السلف في بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية، وإنما الأعمال بالنيات والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
هدية
كتب الشاعر عبد الملك بن إدريس المعروف بالخريري لابنه قصيدة كتب من محبسه جاء فيها(2):
واعلم بأن العلم أرفع رتبة وأجل مُكْتَسبٍ وأسنى مَفْخرِ
وبِضُمر الأقلام يبلغ أهلها ما ليس يُبلغ بالجياد الضُّمرِ
والعلم ليس بنافع أربابه ما لم يفد عملا وحسن تَبصّرِ
فإذا دفعت إلى قرين فَابْلِه قبل التقارُضِ والتشارك واخْبُرِ
لا يستفزك منظر حسن بَدا حتى تقابله بحسن المخبر
كم من أخ يلقاك منه ظاهر بَادٍ سلامته وباطنه وَري
واشرح لكل مُلمة صدرا وخُذ بالحزم في كل الأمور وشَمّرِ
واستنصح البر التقي وشاور الفطن الذكي تكن رَبِيح المَتجر
وأخزن لسانك واحترس من نطقه وأحذر بوادر غيه ثم احذر
واصفح عن العوراء إن قيلت وعد بالحِلم منك على السفيه المعور
وكِلِ المُسيءَ إلى إساءته ولا تعقب الباغي ببغي تنصر
فكفاك من شر سماعك خُبْره وكفاك من خَبَرٍ قَبُول المُخْبِر
وإذا سُئلت فَجُد وإن قَلّ الجَدى جُهد المُقِّل إزاء جهد المكثر
__________
(1) المقصد الارشد في ذكر اصحاب الإمام أحمد ج2/ص348
(2) يتيمة الدهر (2/117).(/78)
واشكر لمن أَولاك بِرا إنه حق عليك ولا تكن بالممتري
ليس الحريص بزائد في حرصه بأتم حيلته هَشِيمة إِذخر
أو ما رأيت غبي قوم موسرا ولبيبهم يشقى بحال المعسر
قد أَوْعَب التكّوين كل مكون مُذ أَحكم التقدير كل مقدر
فلو ابتغيت بكل جهد نيل ما سبق القضاء بمنعه لم تقدر
فهرس الموضوعات
مقدمة……………………… 2
الشبهة الأولى: الأولياء يدبرون العالم ويتصرفون فيه………… 4
الشبهة الثانية: البدعة الحسنة………………… 9
الشبه الثالثة: مقام الصديقية الخاص بالصوفية……………12
الشبهة الرابعة: تصريف الولي للكون………………15
الشبهة الخامسة: بيئة صوفية…………………19
الشبهة السادسة: المولد النبوي والإحتفال……………22
الشبهة السابعة: السكر الصوفي………………32
الشبهة الثامنة: مصطلحات صوفية………………34
الشبهة التاسعة: عشق التلميذ للشيخ………………36
الشبهة العاشرة: الفناء…………………37
الشبهة الحادية عشر: علم الغيب………………40
الشبهة الثانية عشر: خروج من القبر………………43
الشبهة الثالثة عشر: نقد الألباني للشيخ……………47
الشبهة الرابعة عشر: النصيحة الذهبية……………49
الشبهة الخامسة عشر: تلقين الميت………………64
الشبهة السادسة عشر: طلاسم ذوقية………………67
الشبهة السابعة عشر: تبرك الشافعي بأحمد و جنازة ابن تيمية………69
الشبهة الثامنة عشر: لولاك ما خلقت الأفلاك……………77
الشبهة التاسعة عشر: مكاشفات وكرامات……………80
الشبهة العشرون: منازعة القدر………………82
الشبهة الحادية والعشرون: قراءة القرآن للميت…………86
الشبه الثانية والعشرون: الورد القيومي……………87
قصيدة شعرية هدية……………………89(/79)
شبهات وردود
لما أحدثت بدعة الاحتفال بالمولد في عهد العبيديين الفاطميين مع جملة بدع أحدثوها، انتشرت هذه البدعة وتفشت بين الناس لوجود الفراغ الروحي والبدني معاً، وترك المسلمون الجهاد وتأصلت هذه البدعة في النفوس، وأصبحت جزءاً من عقيدة كثير من أهل الجهل، ولم يجد بعض أهل العلم بداً من محاربة تبريرها للبحث عن شبهة يمكن أن يستشهد بها على جواز بدعة المولد هذه، وذلك إرضاءً للعامة والخاصة أيضاً من جهة، وتبريراً لرضاء العلماء بها، وسكوتهم عن إنكارها لخوفهم من الحكام والعوام من جهة أخرى.
الشبهة الأولى:
دعوى أن في الاحتفال تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب أن يقال:
إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية، وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم، كما قال عروة بن مسعود لقريش: [[أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداًُ صلى الله عليه وسلم، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيماً له]]، ومع هذا التعظيم فإنهم -رضي الله عنهم- لم يجعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
إننا نقول: هل من تعظيمه الابتداع في دينه، والزيادة في شريعته بالاحتفال بالمولد بعد اتفاقنا على نصحه لأمته ودلالتها على كل حسن؟!
- فأي تعظيم في عمل احتفالات ساعات أو أيام ثم التقصير والإهمال في سائر العام؟!
- وأي تعظيم في الاحتفال بزمن توفي فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم؟!(/1)
- وأي تعظيم في مشابهة دين النصارى المفتونين بالاحتفالات؟!
وأي تعظيم في التعدي على فقه الفاروق عمر حين أرخ بهجرة المصطفى رمز انتصار دينه ولم يؤرخ بمولده ووفاته، تقديماً للحقائق والمعاني على الطقوس والأشكال؟!
- وأي تعظيم في تجديد دين الدولة العبيدية الباطنية الحاقدة التي ابتدعت ذلك الاحتفال.
- وأي تعظيم في عمل لم يشرعه الحبيب صلى الله عليه وسلم ولم يفعله أصحابه وأنصاره وحماة دينه وحملة رسالته رضي الله عنهم؟! أليسوا أصدق الناس تعظيماً وحباً؟!
- أليس فقه الراشدين وفهمهم وسنتهم مما أوصاكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم قائلاً: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ}.
- أليس فعل المولد مخالفة لأمره: {وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} فأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الموالد التي صارت ركباً للمدعين، وحجة للبطالين؟!
ألا ترون المولد -بعد هذا- تقصيراً في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وظلماً له.
الشبهة الثانية:
يستدل دعاة الاحتفال بمولد سيد البشر بحديث سئل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين، فقال: (ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه)
الجواب:
أولاً: أين الدلالة في الحديث على تخصيص يوم من السنة يحتفل فيه بالمولد، وهل كل يوم فضيل أتى الخبرُ ينصُ عليه يُسن الاحتفال فيه؟
إن كان كذلك فهناك أيام فضيلة كثيرة، فهل يسن فيها احتفال أيضاً، كيوم القرّ مثلاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر}. [سنن أبي داود رقم: (1765) وإسناده صحيح]. أو أيام العشر من ذي الحجة، أو ليلة القدر أو.......(/2)
ثانياً: أنه أمر لم يعمل به أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ولم يعرف عند النظار: أبي حنيفة ولا عن ابن المدينة عاصمة الإسلام مالك ولا عن الأثري أحمد ولا عند غيرهم من فقهاء الأمة، مع أن المسألة حادثة منذ فجر الإسلام، بل من قبله بأربعين عاماً، ومن المعلوم لدى أي عاقل ومن باب أولى سيد الخلق المعلم الأول المؤيد بالوحي الإلهي عليه الصلاة والسلام أن يوم الثاني عشر من ربيع الذي يعظمه من يحتفل بالمولد لا يكون دائماً في كل سنة يوم الإثنين، وعليه يكون الاحتفال هذا بخلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو والله عين المخالفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على يوم من الأسبوع بعينه هو يوم الإثنين، والمحتفلون اتخذوا الثاني عشر من ربيع يوماً من السنة، وهو الذي يدور من الأسبوع دورته في كل عام!!
كذلك لم يعرف الصيام يوم الثاني عشر من ربيع، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن غيره، وهذا معناه أن السبب الداعي للصيام هو يوم الإثنين، والذي اجتمعت فيه فضائل منها يوم مولده صلى الله عليه وسلم، ومنها:
أنه يوم ترفع الأعمال فيه كما جاء في حديث فسر فيه صلى الله عليه وسلم سبب صيامه له دون ذكر فضيلة أخرى فقال: {تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم} [سنن الترمذي رقم: (747)، وأصله عند مسلم رقم: (2565)].
ومنها: أنه أنزل فيه عليه صلى الله عليه وسلم، وهنا أشير إلى أن نعمة بعثته بالرسالة قد ميزته ورفعته على العالمين بخلاف مولده الذي شابه به غيره، وهذا كله بنص القرآن العظيم: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ))[الكهف:110].(/3)
فما كان من الصفات البشرية فهو مثل غيره بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، إلا ما جاء به نص، ولا نخالف نص القرآن الذي ينص على بشريته إلا بنص شرعي ثابت يخصصه، وإن لم نعتمد هذا فيجب علينا أن نقر لمن يحتفل بعيد ميلاده أو ميلاد شيخه أو... لأن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم على فرض ثبوته لم يرد فيه التخصيص فيمكن القياس عليه.
ثالثاً: من يمنع من صيام يوم الإثنين من كل أسبوع، وهو يوم مسنون فيه الصيام وغيره، وله كثير من الفضائل، ومنها: الصيام شكراً لله على مولد نبينا صلى الله عليه وسلم فيه، وعلى قول من رأى الاحتفال، فلماذا لا نقيم احتفالاً دون الصيام في كل يوم إثنين على مر الزمان، وهو الذي جمع كل هذه الفضائل.؟
رابعاً: بناءً على عمل المولد بدلاً عن صيام أداه النبي صلى الله عليه وسلم شكراً على نعمة لماذا لا نقيم مولداً في يوم عاشوراء بدلاً من صيامه شكراً على نعمة؟
خامساً: كم من فرق بين الصيام ركن الإسلام العبادة المتعبد بها وبين الاحتفال السنوي بالمولد وهو أسمى عادة وعبادة عند النصارى وغيرهم.
وقائل يقول: ألم يصم صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء؟
لمثل هذا نقول: هذا تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لماذا لا نصوم أو نحتفل بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ألسنا أحق به من النصارى، لماذا لا نصوم أو نحتفل يوم دخل يوشع عليه الصلاة والسلام أرض بني إسرائيل.
الشبهة الثالثة:
أن الاحتفال بالمولد من قبيل البدعة الحسنة لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم.
الجواب:
ليس في البدع شيء حسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} [أخرجه البخاري 3/167 رقم 2697، الفتح 5/355]، وقال صلى الله عليه وسلم: {فإن كل بدعة ضلالة} [أخرجه أحمد 4/126، والترمذي رقم 2676]، فحكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول: ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.(/4)
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين: " فقوله صلى الله عليه وسلم: {كل بدعة ضلالة} من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} [أخرجه البخاري 3/167 رقم 2697، الفتح 5/355]، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة " انتهى [من كتاب جامع العلوم والحكم، ص233]
وليس لهؤلاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه) [صحيح البخاري 2/252 رقم 2010 معلقاً، الفتح 4/294]
وقالوا أيضاً: أنها أُحدثت أشياء لم يستنكرها السلف، مثل: جمع القرآن في كتاب واحد، وكتابة الحديث وتدوينه.
والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع فليست محدثة.
وقول عمر: (نعمت البدعة) يريد: البدعة اللغوية لا الشرعية، فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه، إذا قيل: إنه بدعة، فهو بدعة لغة لا شرعاً، لأن البدعة شرعاً ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه.
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن لكن كان مكتوباً متفرقاً، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظاً له.
والتروايح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تُفرض عليهم، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلق إمام واحد كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بدعة في الدين.(/5)
وكتابة الحديث أيضاً لها أصل في الشرع، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده صلى الله عليه وسلم خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلما توفي صلى الله عليه وسلم انتفى هذا المحذور، لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، فدوّن المسلمون السنة بعد ذلك حفظاً لها من الضياع، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم من الضياع وعبث العابثين.
ويقال أيضاً: لماذا تأخر القيام بهذا الشكر على زعمكم فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراُ لله عز وجل؟ حاشا وكلا.
الشبهة الرابعة:
دعوى الإجماع على جواز مشروعية المولد.
الجواب أن يقال:
أولاً: إن الإجماع الذي يعتد به عند فقهاء المسلمين هو إجامع الصحابة وأئمة العلم والهدى من بعدهم، فأما العوام والجهال فلا عبرة بهم ولا بأقوالهم وأفعالهم.
ثانياً: إن من له أدنى مسكة من عقل لا يقول: الإجماع يؤخذ من أفعال العوام والجهال وسكوتهم على ما يفعلونه من البدع، وأن ذلك يعتبر إجماعاً سكوتياً عند فقهاء المسلمين! كلا. لا يقول ذلك من له أدنى علم ومعرفة.
وقد قال الشاطبي رحمه الله: لا خلاف أنه لا اعتبار بإجماع العوام وإن ادعوا الإمامة.
الشبهة الخامسة:
دعوى أن المولد يشمل ذكر مولده الشريف وشمائله ومعجزاته وسيرته ومعرفة خصاله الكريمة ونحن مأمورون بمعرفة ذلك للاقتداء به والتأسي بأعماله والإيمان بمعجزاته.
الجواب:(/6)
أولاً: إن الاحتفال بالمولد ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل أصحابه ولا التابعين لهم بإحسان، وإنما هو من هدي الفاطميين العبيديين، فمن احتفل بالمولد فقد تأسى بالعبيديين واتبع هديهم شاء ذلك أم أبى.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بالاحتفال بمولده ولم يأمرهم بذكر شمائله ومعجزاته وسيرته وخصاله الكريمة في ليلة المولد بخصوصها، بل هذا من المحدثات التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: {كل محدثة ضلالة}.
ثالثاً: أن معرفة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ومعجزاته وسيرته وخصاله متيسرة لمن أراد الاطلاع عليها، في أي وقت من الأوقات، ولا يتقيد ذلك بوقت معين وعلى هيئة اجتماعية مبتدعة، كما يفعله أدعياء المولد، وهذا الاحتفال من الأمور التي لم يأذن بها الله، ولم يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل في عموم قوله تعالى: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21].
رابعاً: أن الاقتداء بالرسول والتأسي به لا يتم إلا بتحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته وتقديم هديه على هدي غيره، كما قال شيخ الإسلام: (وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان: أحدهما: أن لا نعبد إلا الله، والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..).
الشبهة السادسة:
دعوى أن المولد اجتماع لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو مشروع في الإسلام قياساً على أعمال الحج التي هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة.
الجواب:(/7)
أولاً: إن دعوى الاجتماع في المولد لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم مشروع في الإسلام من التقول على الله وعلى رسوله صلى الله علهي وسلم، فإن الله لم يشرع الاجتماع لإحياء ذكرى المصطفى لا في يوم المولد ولا في غيره من الأيام، ولم يشرع ذلك رسوله لا بقوله ولا بفعله.
ثانياً: أن الله تعالى قد رفع ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم بما شرعه لعباده من الشهادة له بالرسالة في الصلاة والأذان والإقامة والخطب في الجمعة والعيدين والاستسقاء، وما شرعه أيضاً من الصلاة والسلام عليه في الصلاة والخطبة وبعد الأذان والدعاء وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند ذكره صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك قد رفع الله ذكر نبيه في القرآن العظيم وعظم من شأنه في آيات كثيرة.
ثالثاً: أن قياس بدعة المولد على أعمال الحج من أفسد أنواع القياس وأقبحه، لما فيه من التسوية بين الأعمال التي شرعها الله تعالى لعباده وبين البدعة التي شرعها الشيطان.
رابعاً: أن القول بأن أعمال الحج إحياء لذكريات مشهودة مناقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى} [صحيح الترمذي].
الشبهة السابعة:
دعوى أن حدوث المولد بعد النبي وبعد عهد الصحابة ليس فيه مخالفة لكتاب الله ولا لسنة رسول الله ولا لإجماع المسلمين، فلا يقال: إنه مذموم فضلاً أن يقال: إنه منكر وبدعة سيئة.
الجواب:
أولاً: أن عيد المولد محدث في الإسلام، وفيه مخالفة ظاهرة للعيان؛ لكتاب الله وسنة رسول الله، وما كان عليه الصحابة في زمان رسول الله حتى اخترعها العبيديون، أما مخالفته للقرآن فقد قال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر:7](/8)
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته أن يحتفلوا بمولده، وقد حذرهم من محدثات الأمور وبالغ في التحذير، وعيد المولد من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله، فيكون داخلاً فيما أمر الله تعالى بالانتهاء عنه.
وأما مخالفة عيد المولد للسنة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة} والاحتفال بالمولد لم يكن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وإنما هو من محدثات الأمور، فيكون داخلاً فيما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته سبعة أعياد في سبعة أيام، وهي: يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم عرفة، وأيام التشريق، ولم يشرع لهم عيداً في يوم مولده، ولا أمرهم بالاحتفال به، فدل على أنه من الأعياد المحدثة المبتدعة وإلا لدل عليه وبينه للناس.
ثالثاً: أنه من المعلوم أن عيد المولد فيه مخالفة ظاهره لما كان عليه المسلمون في القرون الأولى حتى أحدثه العبيديون، ولم يكن معروفاً عند المسلمين، ولو كان خيراً لسبق إليه الصحابة، فإنهم أحرص على الخير ممن جاء بعدهم، وكانوا أعظم الأمة محبة للنبي وأشدها تمسكاً بسنته واتباعاً لهديه.
رابعاً: أن عيد المولد النبوي قد وجد سببه في عهد رسول الله وعهد أصحابه الكرام، ولم يوجد مانع يمنع من فعله، ومع هذا لم يأمر به رسول الله ولم يفعله، ولم يأمر به أحد من الخلفاء الراشدين، وكما أن أمر رسول الله وفعله حجة، فكذلك تركه للشيء مع وجود سببه وعدم المانع من فعله يكون حجة على أنه غير جائز، وكذلك ترك الصحابة للشيء مع وجود سببه وعدم المانع من فعله يدل على أنه غير جائز.
الشبهة الثامنة:(/9)
دعوى أن المولد مشروع قياساً على صوم عاشوراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه.
الجواب:
إن من يقول بهذا القول قد غفلوا جميعاً أنهم بهذا التقرير يفتحون بابًا للأمة أن تستحدث أعيادًا لا حصر لها، فاحتفال عيد بمناسبة الهجرة النبوية، وآخر للبعثة النبوية، وثالث لذكرى الإسراء والمعراج، ورابع لانتصار المسلمين في بدر الكبرى، وخامس لفتح مكة وهكذا، فتغرق الأمة في أعياد مبتدعة.
إنّ اعتبار أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء دليلاً على مشروعية المولد أمرٌ مخالفٌ لما أجمع عليه السلف من ناحية الفهم، ومن ناحية العمل، فهم لم يفهموا من تشريع النبي صلى الله عليه وسلم صوم يوم عاشوراء أنّه أراد ربط الزمان بالحوادث الدينية، ولم يتجاوزا فيه الصوم المأمور به، وما خالف إجماعهم فهو خطأ، لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى.
ثم إن تخريج بدعة المولد على صيام عاشوراء إنما هو من التكلف المردود؛ لأن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الرأي والاستحسان والابتداع.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء والترغيب فيه وسكوته عن الاحتفال بيوم مولده كافٍ في إبطال مشروعيته بهذا الدليل؛ إذ لو كان في ذلك شيء من الفضل لبيَّن ذلك لأمته، فهو صلى الله عليه وسلم لم يترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولم يترك شرًا إلا حذَّر الأمة منه.
إن وقوف المؤمن في صيام يوم عاشوراء عند صيامه وصيام يومٍ قبله أو بعده مع عدم إحداث أي شيء آخر معه هو مقتضى الاتباع الكامل للنصوص الشرعية.
الشبهة التاسعة:
دعوى أن الاحتفال عمل كثير من الناس في كثير من البلدان.
والجواب أن يقال:(/10)
الحجة بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن البدع عموماً، وهذا منها، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة وإن كثروا: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ))[الأنعام:116]، مع أنه لا يزال بحمد الله في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق.
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم"، والإمام الشاطبي في "الاعتصام"، وابن الحاج في "المدخل"، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألّف في إنكاره كتاباً مستقلاً، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان "، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
الشبهة العاشرة:
تدعي الصوفية أن الاحتفال بالمولد مشروع وأنه من باب الفرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))[يونس:58].
الجواب:
الرحمة الواردة في هذه الآية للسلف في تفسيرها أقوال عدَّة، فمما جاء في تفسيرها قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [[بفضل الله: القرآن، وبرحمته: أن جعلكم من أهله]]، وقول هلال بن يساف: (أما فضله فالإسلام، وأما رحمته: فالقرآن) [1].
ولم يفهم أحد من السلف أن من مظاهر هذا الفرح ومن مقتضيات امتثال الأمر به إقامة احتفال له صلى الله عليه وسلم، ومدّ موائد الطعام والشراب، والتوسعة على الناس بهما.
فالفرح به صلى الله عليه وسلم يكون باتباع هديه، وامتثال أمره، دعوة وعملاً.(/11)
أمّا الاستدلال بالآية على مشروعية الاحتفال بالمولد فهذا بلا شك من قبيل حمل كلام الله على ما لم يحمله عليه السلف الصالح، وهو ما نصّ الشاطبيُّ على عدم مشروعيته؛ وهو أن الوجه الذي لم يثبت عن السلف الصالح العلم بالنص عليه لا يقبل ممن بعدهم دلالة النص عليه.
ولا شك أن هذا المسلك الذي سلكه هؤلاء المستدلون بالآية على مشروعية إقامة الحفلات والولائم فرحًا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مسلكُ أهل البدع والضلالة، قال الشاطبي: "وكثيرًا ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة يُحمِّلونهما مذاهبهم، ويعبرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة، ويظنون أنهم على شيء، ولذلك أمثلة كثيرة، كالاستدلالات الباطنية على سوء مذاهبهم بما هو شهير في النقل عنهم" [2].
الشبهة الحادية عشرة:
إن الاحتفال بالمولد من قبيل السنن المؤكدة التي دلت عليها نصوص القرآن والسنة وليس من المباحات.
الجواب:
يلزم على هذا أن يقال: القول بأن الاحتفال بالمولد سنة مؤكدة عدة لوازم سيئة، منها:(/12)
أولاً: أن يكون الاحتفال بالمولد الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم، وهذا معلوم البطلان بالضرورة، لأن الله تعالى لم يأمر عباده بالاحتفال بالمولد ولم يأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولم يفعله أحد الخلفاء الراشدين، ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، بل لم يكن معروفاً عند المسلمين إلى أن أحدثه العبيديون، حتى صار له ذكر عند الناس، وعلى هذا فمن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، والله تعالى يقول: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))[الأعراف:33] وقال صلى الله عليه وسلم: {من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار}.
ثانياً: من اللوازم السيئة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، قد تركوا العمل بسنة مؤكدة، وهذا مما ينزه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ثالثاً: من اللوازم السيئة أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة مؤكدة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لأصحابه رضي الله عنهم، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين!!
رابعاً: ظاهر من يقول هذا القول أنه لا يعرف مصطلحات أهل العلم فهو يهرف بما لا يعرف، فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وداوم عليها، فهل يقول قائل هذا القول وأمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل المولد وداوم عليه؟!
الشبهة الثانية عشرة:
الاحتفال بالمولد مشروع لأنه مقابل ما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم على أطراف قدميه لينقذنا من نار جهنم.
الجواب أن يقال:(/13)
وقوف المصطفى على أطراف قدميه في الصلاة كان كما قال صلى الله عليه وسلم: {أفلا أكون عبدا شكورا} قام صلى الله عليه وسلم ليعلم أتباعه أن العبد مهما بلغ من العبادة إلا أنه ينبغي له أن يتذلل لربه وخالقه ولا يأمن مكر الله فيه، قام صلى الله عليه وسلم على قدميه الشريفتين وليس على أطراف قدميه شكراً لله عز وجل كما ذكر ذلك لعائشة حينما سألته عن ذلك، وواجب الأمة بعده الاقتداء به والتأسي به.
لا أن نستدل بذلك على أنفسنا، فعمله صلى الله عليه وسلم لنفسه وعمل أتباعه لأنفسهم، كما قال تعالى: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى))[النجم:39] فهل يقول قائل: إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم على قدميه ينفع أتباعه فيزاد من حسناتهم وينجيهم من الحساب والجزاء؟! لا أظن عاقلاً يقول ذلك، وما أشبه هذه المقولة بمقولة النصارى: إن عيسى عليه السلام صلب لينقذ البشرية ويكون فداء لها.
ثم إن مقولة: (إنا النبي صلى الله عليه وسلم: ينقذنا من النار)، فنقول: نعم الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله وبشيراً ونذيراً من عند الله سبحانه وتعالى، من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، أما أن نقول: قام على قدميه لينقذنا من النار.. فهذا غلط عظيم وإلا ترتب على ذلك عدم قيامنا بما أوجب الله علينا من شرائع الدين اعتماداً على قيام الرسول صلى الله عليه وسلم على قدميه، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال (دلني على عمل، إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضه، وتصوم رمضان. قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) هذا كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
الشبهة الثالثة عشرة:(/14)
أن الموالد فيها إحياء للصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[الأحزاب:56].
الجواب:
أولاً: ليس في الآية إطلاق الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بغير الصفة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
ثانياً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى الدعاء له، والدعاء من العبادة التي ينبغي أن تكون خفية لا معلنة، كما قال تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً))[الأعراف:55] والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ذلك، هذا من جانب، ومن جانب آخر: الاجتماع للدعاء بصوت واحد مرتب بدعة لم يرد بها النص.
ثالثاً: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في كل وقت ولا شك في ذلك لكن تخصيصها في المولد بدعة مردودة.
رابعاً: النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بالاحتفال بمولده ولم يأمرهم بذكر مولده وشمائله ومعجزاته وسيرته وخصائله الكريمة في ليلة المولد بخصوصها، بل هذا من البدع التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
خامساً: أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به لا يتم إلا بتحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته وتقديم هديه على هدي غيره، فالإسلام مبني على أصلين عظيمين:
أحدهما:- أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا.(/15)
الثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع. كما قال تعالى: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))[الجاثية:18] * ((إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا))[الجاثية:19] فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب ولا يعبده بالأمور المبتدعة.
الشبهة الرابعة عشرة:
أن يوم المولد فيه زيادة عبادة عن بقية الأيام، فيشرع الاحتفال به.
الجواب أن يقال:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الإثنين، ولم يسأل عن صيام يوم الثاني عشر من ربيع الأول، فالعلة إذًا: تخصيص يوم الإثنين، بالصيام، وليس تخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بالصيام، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو المشرّع، لم يخصص يوم الثاني عشر بالصيام، بل خصص يوم الإثنين بالصيام، وفرق كبير بين السببين، فالصواب أن العلة هي كون يوم الإثنين، يوم مولده، ويوم بعثه فيه، ويوم إنزال القرآن عليه.
ثانياً: لو قال قائل: فأنتم تقرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى ميلاده، واعتبره مؤثرًا في الحكم، حيث قال: {ذلك يوم ولدت فيه} فنقول: نعم هذا صواب، لقد نظر إلى يوم ميلاده وجعله مؤثرًا في الحكم، ولكن بقي النظر في يوم الميلاد ما هو: هل هو الإثنين، أم الثاني عشر من ربيع الأول؟ ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الميزة لكونه يوم الإثنين، لا لكونه الثاني عشر من ربيع الأول، ولو نظر النبي صلى الله عليه وسلم للأخير، لخصّه عينَه بذلك الصيام، ولرأينا النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى في كل سنة شهر ربيع الأول، بل يتحرى يوم الثاني عشر منه، بصرف النظر، هل كان يوم إثنين، أو جمعة، أو غيرها، وهذا لم يرد حسب ما قرأنا، في حديث صحيح، بل ولا وضعيف أيضاً.(/16)
ومما يؤكد هذا أن العلماء أنفسهم، اختلفوا في تحديد يوم مولده صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو يوم الثاني، أو الثامن، أو العاشر، أو الثاني عشر، أو السابع عشر...إلى غير ذلك من الأقوال التي حكاها جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والقسطلاني في المواهب اللدنية.
وهذا الاختلاف الكبير في تاريخ المولد دليل قطعي على أن النبي وأصحابه لم يعيروا هذا اليوم أي اهتمام عندما تمر كل سنة، فضلاً عن أن يخصها النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بمزيد عباده.
ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين سبب صيامه لذلك اليوم، جعل السبب أو العلة مركبة، فقال: {ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ} فذكر ثلاثة أسباب، أو بتعبير أصولي: ذكر علة مركبة من ثلاث أوصاف، ميلاده، ومبعثه، وإنزال القرآن، والصواب صحة التعليل بالعلة المركبة، وأنها لا تؤثر إلا إذا اجتمعت الأوصاف المركبة منها كلها، وعندئذ فلا تجتمع هذه الأوصاف لتكون علة الحكم إلا في يوم الإثنين، فلا تنطبق ألبتة على يوم الثاني عشر من ربيع الأول، فإنزال القرآن حدث في ليلة القدر، من شهر رمضان المبارك بالإجماع كما هو نص القرآن، فهي علة قاصرة على هذا اليوم، فلا تتعدى إلى غيره.
رابعاً: وجوب اتباع فهم السلف الصالح لدين الإسلام، وأدلة وجوب اتباع فهم السلف الصالح كثيرة جدًا، أهمها أن فهم السلف الصالح نفسه إجماع منهم على أن الدين يفهم بهذه الطريقة، فمن فهم الدين بغير هذه الطريقة فقد خالف الإجماع، ومنها أن الأخذ بغير فهمهم، مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ} متفق عليه.
فجعل خير القرون، صحابته، فخيريتهم تتضمن خيرية فهمهم، فلا يجوز العدول عن خير فهم للدين إلى غيره.(/17)
وعليه، فيجب علينا عند النظر والاستدلال لاسيما عند طروء شبهة، أن لا نغفل فهم عن السلف الصالح للأدلة، وكيف عملوا بها، وما أجمل العبارة التي تقول: لو كان خيرًا لسبقونا إليه، وقد روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قوله: [[من كان مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم]].
فلو كان القول بتخصيص يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول بعبادة زائدة لسبقنا إليه السلف الصالح، الصحابة، والتابعون، وأتباعهم، لكن لما لم يفعلوا ذلك، علم أنه لا خير فيه، وهذا لا يحتاج إلى مزيد استدلال.
الشبهة الخامسة عشرة:
أن شعراء الصحابة كانوا ينشدون قصائد المدح في الرسول صلى الله عليه وسلم مثل كعب بن زهير وغيره فكان يرضى عملهم، ويكافئهم على ذلك بالصلات والطيبات.
والجواب أن يقال:
لم يذكر عن أحد من شعراء الصحابة أنه كان يتقرب إلى الله بإنشاد القصائد في ليلة المولد، وإنما كان إنشادهم في الغالب عند وقوع الفتوح والظفر بالأعداء، وعلى هذا فليس إنشاد كعب بن زهير وحسان وغيرهما من شعراء الصحابة بين يدي رسول الله ما يتعلق به أحد في تأييد بدعةالمولد.
الشبهة السادسة عشرة:
دعوى تلقي الأوامر النبوية بالاحتفال بذلك اليوم في المنام.
والجواب أن يقال:
إن الاعتماد على دعوى تلقي أوامر نبوية في المنام بالاحتفال بالمولد النبوي لا يعتبر؛ لأن الرؤيا في المنام لا تثبت بها سنة لم تثبت ولا تبطل بها سنة ثبتت كما بينه أهل العلم.(/18)
قال ابن الحاج في "المدخل" (4/302 - 304): (ليحذر مما يقع لبعض الناس في هذا الزمان وهو أن من يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فيأمره بشيء أو ينهاه عن شيء ينتبه من نومه فيقدم على فعله أو تركه بمجرد المنام دون أن يعرضه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قواعد السلف رضي الله عنهم قال تعالى في كتابه العزيز: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) [النساء: 59[.
ومعنى قوله: ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ)) أي: إلى كتاب الله تعالى، ومعنى قوله: ((وَالرَّسُول)) أي: إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته على ما قاله العلماء رحمة الله عليهم، وإن كانت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لا شك فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي} على اختلاف الروايات، لكن لم يكلف الله تعالى عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: {رفع القلم عن ثلاثة} وعد منهم {النائم حتى يستيقظ} لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف فلا يعمل بشيء يراه في نومه.
هذا وجه؛ ووجه ثان وهو أن العلم والرواية لا يوخذان إلا من متيقظ حاضر العقل والنائم ليس كذلك.(/19)
ووجه ثالث: وهو أن العمل بالمنام مخالف لقول صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه حيث قال: {تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي} فجعل صلى الله عليه وسلم النجاة من الضلالة في التمسك بهذين الثقلين فقط لا ثالث لهما، ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالثاً فعلى هذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وأمره بشيء أو نهاه عن شيء فيتعين عليه عرض ذلك على الكتاب والسنة، إذ إنه صلى الله عليه وسلم إنما كلف أمته باتباعهما وقد قال صلى الله عليه وسلم: {فيبلغ الشاهد الغائب} إلى أن قال ابن الحاج: (فإذا عرضها على شريعته صلى الله عليه وسلم فإن وافقتها علم أن الرؤيا حق وأن الكلام حق، وتبقى الرؤيا تأنيساً له وإن خالفتها علم أن الرؤيا حق وأن الكلام الذي وقع له فيها ألقاه الشيطان له في ذهنه والنفس الأمارة؛ لأنهما يوسوسان له في حال يقظته فكيف في حال نومه … إلخ).
وقال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/ 209): (الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا) اهـ.
الشبهة السابعة عشرة:
دعوى أن أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر.
الجواب:
لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً مبني على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيداً.
وهذا مصداق ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه.قلنا: يارسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟} رواه البخاري ومسلم وأحمد.(/20)
وإذا عُلم أن عيد المولد مبني على التشبه بالنصارى فليُعلم أيضاً أن التشبه بالنصارى وغيرهم من المشركين حرام شديد التحريم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقوم فهو منهم} رواه أحمد وأبو داود [1].
وقد تعقب هذا القول الملا علي القارئ في "المورد الروي في المولد النبوي" ( ص16) بقوله: (قلت: لكن يرد عليه أنا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب).
مثل الاستدلال بفعل النصارى واحتفالهم بعيد الميلاد؟ على اعتبار أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - أفضل الرسل، فمن باب أولى أن يحتفل بعيد ميلاده، والاستدلال بما تفعله دول الكفر في تمجيد وتعظيم زعمائها وكبرائها، فمن باب أولى أن يمجد سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم فنقول له: من أسلم طريقة؟ من يقتدي بهؤلاء الكفار، أمن يقتدي بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وعبدالله ابن عباس وبقية الآل والصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟؟
الشبهة الثامنة عشرة:
أن أول من أحدث الاحتفال هو أحد الحكام العادلين.
الجواب:
البدعة لا تُقبل من أي أحد كان، وحُسن القصد لا يُسوغ العمل السيئ، وكونه عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.
الشبهة التاسعة عشرة:
أن في إحياء ذكر المولد وقراءة سيرة الرسول في هذه المناسبة فيها حث على الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم.
الجواب:
إن قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به مطلوبان من المسلم دائماً طوال السنة وطوال الحياة، أما تخصيص يوم معين لذلك بدون دليل على التخصيص فإنه يكون بدعة {وكل بدعة ضلالة}، والبدعة لا تثمر إلا شراً وبعداً عن النبي صلى الله عليه وسلم.(/21)
فالاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها، ولا يُغتر بمن يروّج هذه البدعة ويدافع عنها، فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلاً، ومن كان هذا شأنه فلا يجوز تقليده و الاقتداء به، وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس، وإنما يقتدي بمن سار على نهج السنة من السلف الصالح وأتباعهم وإن كانوا قليلاً، فالحق لا يُعرف بالرجال، وإنما يُعرف الرجال بالحق.
قال صلى الله عليه وسلم: {فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة} [أخرجه أحمد 4/126، والترمذي رقم 2676]، فبين لنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف، كما بين أن كل ما خالف السنة من الأقوال والأفعال فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذن فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة، وهذا الأصل الذي تضمّنه هذا الحديث وقد دل عليه قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا))[النساء:59].(/22)
والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرجوع إلى سنته بعد وفاته، فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازع، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟ فالواجب على من يفعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله تعالى منه ومن غيره من البدع، فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه.
الشبهة العشرون:
أن الاحتفال بالمولد فيه سرور لأهل الإيمان.
فيقال:
إنه لا يسر ببدعة المولد من المسلمين إلا من هو جاهل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من التحذير من المحدثات والنص على أنها شر وضلال، وأن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فيهو رد، أي مردود على صاحبه، فأما أهل العلم والإيمان فإنما يكون سرورهم بإحياء السنن وإماتة البدع، كما أنه يسوؤهم أحياء البدع وإماتة السنن.
الشبهة الحادية والعشرون:
يستدل من يجيز الاحتفال بالمولد بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة {وفيه ولد آدم}، وأنه تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء، فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين.
والجواب أن نقول:
أولاً: أن فضل يوم الجمعة ثابت، وهو عيد من أعياد المسلمين، وآدم خلق يوم الجمعة ولم يولد فيه، وقد جاء ذلك في حديث أوس بن أوس الثقفي قوله صلى الله عليه وسلم: {من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم}.(/23)
ثانياً: أن الشريعة التي عظمت يوم الجمعة هي نفسها التي أغفلت تعظيم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيها كل ذلك عن تعمد وقصد، ولم يكن عن سهو ونسيان، فقياس ما عظمته الشريعة وشرعت فيه ما شرعت على ما لم تعظمه الشريعة ولم تشرع فيه شيئاً من العبادات أمر بلغ من القبح غايته، ومن الفساد منتهاه، ومن البطلان أعلى درجاته، فأي استدراك على الشريعة بعد هذا الاستدراك، قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)) [المائدة:3].
ثالثاً: إن النهي عن تخصيص يوم الجمعة الذي خلق فيه آدم بصيام أو قيام هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم: {لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم}، فكيف يؤخذ من النهي الاستحباب؟!!
الشبهة الثانية والعشرون:
يستدل الصوفية على أن المولد مشروع وجائز لأنه يدخل تحت قول الله تعالى: ((وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)) [هود:120] قالوا: وهذا يشير إلى أن الحكمة في قص أنباء الرسل وأخبارهم عليهم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم كانت لتثبيت فؤاده الشريف بذلك، ولا شك أننا اليوم محتاجون إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره، والاحتفال السنوي بالمولد يحقق هذه الغاية العظيمة النبيلة.
والجواب أن يقال:(/24)
إن البدع كلها شر وضلال بنص رسول الله، وكلها مردودة بنص رسول الله، ولا فرق في ذلك بين بدعة المولد وغيرها من البدع، وما كان من الر والضلالة والأمور المردودة فإنه لا خير فيه، ولا يرجى من ورائه تحقيق شيء من الغايات النبيلة، بل الفاعلون له متعرضون للوعيد الشديد على ارتكابهم لما حذر منه رسول الله، ووصفه بالصفات الذميمة ونص على رده، كما قال تعالى: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))[النور:63] ومن أراد الاطلاع عن أخبار رسول الله وسيرته وجهاده، فإنه يمكنه ذلك في غير ليلة المولد وحيث لا يكون بدعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
* * * * *
---
([1]) انظر هذه الآثار في تفسير الطبري (11/124-125).
([2]) الموافقات (3/71).(/25)
شبهات وردود عن حكم المولد النبوي
الشيخ عادل بن علي بن أحمد الفريدان
الحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وبعد :
هذا رد - متوسط - على أحد الصوفية اليمنيين يقال له الحبيب بن علي الجفري ، ذكر كلاما في آخر شريط له بعنوان ( مقاصد المؤمنة وقدوتها في الحياة ) عن المولد . وذهب إلى مشروعيته وحشد لذلك الأدلة من القرآن والسنة - زعم ذلك - التي لبّس بها على السامع من عامة الناس . فأسأل الله وحده أن ينفع به من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع سنته إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين .
قاله راقمه
الراجي عفو ربه القدير
عادل بن علي بن أحمد الفريدان
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) سورة آل عمران :102
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا و نساءا واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) سورة النساء :1
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) سورة الأحزاب :70
أما بعد :(/1)
فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1) ، وبعد : فإن الله أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا ، وأمرنا جل ثناؤه بالتمسك بهذا الحديث حتى الممات ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران :102
وقال تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) البقرة: 132
وبين الله تعالى الحكمة من خلق الإنس والجن فقال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات :56
وفي ذلك شرف لهم وسعادة لهم في الدارين والفائدة من هذه العبادة إنما هو راجعة لهم ، فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر ، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك ، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع ، ومن عبد الله وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد .
ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة ولا يمكن أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضى الله سبحانه وتعالى وتوافق دينه لم يكلهم إلى أنفسهم بل أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب لبيان حقيقة تلك العبادة كما قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) النحل :36
وقال : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) الأنبياء :25
فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله ، وعبد الله بما يملي عليه ذوقه وما تهواه نفسه وما زينته له الشياطين الأنس والجن فقد ضل عن سبيل الله ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة الله ، بل هي عبادة هواه ، كما قال تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) القصص : 50(/2)
وهذا الجنس كثير في البشر وفي طليعتهم النصارى ، ومن ضل من فرق هذه الأمة ، كالصوفية فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .. ويتضح هذا ببيان حقيقة العبادة التي أمر الله بها وحقيقة ما عليه الصوفية اليوم من انحرافات عن حقيقة تلك العبادة .
فالعبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول وأسس ثابته تتلخص في الآتي : ضوابط العبادة الصحيحة :
*أولا : أنها توقيفيه _ بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها بل لا بد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى ، كما قال تعالى لنبيه : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ) هود :112
وقال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) الجاثية :18
وقال عن نبيه ( إن اتبع إلا ما يوحى إلي ) الأحقاف :9
*ثانيا : لا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك كما قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف 110
فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها كما قال تعالى : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون )
الأنعام :88 وقال تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) الزمر 65 ، 66(/3)
ثالثا : لا بد أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب :21 وقال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر :7 وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) () وفي رواية من أحدث في أرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) () وقوله صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي )() وقوله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني مناسككم ) (4) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة .
رابعا : أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها وتجاوزها كالصلاة مثلا ، قال تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) النساء :103
وكالحج ، قال تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) البقرة : 197 وكالصيام ، قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) البقرة : 185
خامسا : لا بد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى والذل له والخوف ورجائه ، قال تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) الإسراء :57 وقال تعالى عن أنبيائه ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) الأنبياء : 90 وقال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) آل عمران : 31،32فذكر سبحانه علامات محبة الله وثمراتها _ أما أعلاها فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما ثمراتها فنيل محبة الله سبحانه ومغفرة الذنوب والرحمة منه سبحانه .(/4)
سادسا : أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلا إلى وفاته ، قال تعالى : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الحجر : 99 تلكم الأمور الستة هي ضوابط العبادة الصحيحة ()لتي شرعها الله سبحانه وتعالى وأمر بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبلغها للناس أجمع وأما حقيقة الصوفية وما هم عليه اليوم من انحرافات عن حقيقة العبادة الصحيحة ... فذكر ذلك يطول جدا وليس مكانه هنا وإنما هو في تلك المؤلفات المطولة التي تصدت لها وكشفت زيغها .
وإنما نحن بصدد وقفات مع من يسمى : بالحبيب علي الجفري ( الصوفي ) الذي تكلم عن المولد النبوي في شريط مسموع في آخره بعنوان ( مقاصد المؤمنة وقدوتها في الحياة ) وقد ذكر عدة مسائل تتعلق بالمولد النبوي انتهى في آخره بأن عمل المولد النبوي وما يحصل فيه إنما هو سنة مؤكدة وليس ببدعة واستدل على قوله هذا بأمور نذكرها إن شاء الله تعالى وسأورد كلامه نصا كما قال بألفاظه وسأقف مع كل مسألة منها مبينا بطلان ما ذهب إليه مستعينا بالله وحده لا شريك له وبنصوص القرآن الكريم وصيح السنة النبوية الشريفة وما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الأئمة الأعلام ، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل . وأن لا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنه رؤوف رحيم .
قال الجفري [ المولد سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو سنة مؤكدة ، لا نقول مباح بل سنة مؤكدة ](/5)
ونقول : السنة ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو سنه أحد الخلفاء الراشدين لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ...... الحديث ) المهديين هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي _ رضي الله عنهم ، أما ما سوى ذلك فهو من المحدثات التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شر وضلاله . ومن ذلك المولد . فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله ولم يأمر به أحد من الخلفاء الراشدين ، ولم يفعله أحد من الصحابة _ رضي الله عنهم _ ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ، وعلى هذا فهو بدعة وضلالة يجب ردها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود على صاحبه كائنا من كان روى ابن حبيب عن ابن الماجشون قال : سمعت مالكا _ رحمه الله _ يقول : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ، لأن الله تعالى يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) المائدة :3 فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا )
ويلزم على القول بأن الاحتفال بالمولد سنة مؤكدة ثلاث لوازم سيئة :(/6)
أولا : أن يكون الاحتفال بالمولد الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم . وهذا معلوم البطلان بالضرورة ، لأن الله تعالى لم يأمر عباده بالاحتفال بالمولد ولم يأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، ولم يفعله أحد الخلفاء الراشدين ، ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، بل لم يكن معروفا عند المسلمين إلى أن مضى عليهم نحو ستمائة سنة فحينئذ ابتدعه سلطان إربل وصار له ذكر عند الناس .وعلى هذا فمن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ، والله تعالى يقول : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ن وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) الأعراف : 33 وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
ثانيا : من اللوازم السيئة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم ، قد تركوا العمل بسنة مؤكدة ، وهذا مما ينزه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
ثالثا: من اللوازم السيئة أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة مؤكدة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا لأصحابه رضي الله عنهم ، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين
رابعا : ظاهر جدا من كلام الجفري أنه لا يعرف مصطلحات أهل العلم فهو يهرف بما لا يعرف ، فقوله عن المولد سنة مؤكدة ) فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وداوم عليها ، فهل يقول الجفري وأمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل المولد وداوم عليه ؟!(/7)
قال الجفري : [ ما هو المولد ؟ عبارة عن فرح لله ورسوله . ما حكم الفرح في الله ورسوله ؟ قال تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) الله أمرنا بالفرح وذكر أهل التفسير فضل الله وفضل رسوله صلى الله عليه وسلم ]
ونقول : تفسير الآية بما فسره به الجفري من قبيل تفسير كلام الله تعالى على ما لم يفسره به السلف الصالح والذي ينبغي أن تفسر به الآية هو ما فسره الأئمة الأعلام قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية ( أي بهذا جاءهم من الله من الهدى ودين الحق ، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ) ولا يوجد في كلام السلف تفسير الآية بما فسربه الجفري
ثانيا : لم يأمر الله تعالى عباده أن يخصوا ليلة المولد بالفرح والاحتفال ، وإنما أمرهم أن يفرحوا بما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ، ويدل على ذلك الآية التي قبلها قال تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) آية 57 ثم قال تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) سورة يونس : 57،58
وفضل الله هو الإسلام ورحمته القرآن وقيل العكس وكلاهما من فضل الله ورحمته وبهذا فسرها ابن عباس وأبو سعيد الخدري وزيد بن أسلم والضحاك ومجاهد وقتاده
ثالثا : أن رحمة الناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : 107 ولم تتعرض الآية لولادته صلى الله عليه وسلم . ومن السنة ففي صحيح الإمام مسلم _ رحمه الله _ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة )(/8)
وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن سلمان رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : ( أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من بني أدم أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة )
قال الجفري [ الاحتفال بمناسبة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأل : ماذا تقول عن صوم فلان يوم الاثنين . قال هو يوم ولدت فيه ] اسمع . قبل أن يأتيك كلام المدللين الذين قالوا أن الاحتفال بالصيام ما كان في المولد ]
ونقول : أولا لفظ الحديث كالآتي : عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين ؟ فقال ( فيه ولدت . وفيه أنزل علي )
ثانيا : يقال إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به وهو الصوم ، وعليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم . وإذا سئلنا ، قلنا : إنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نصومه شكرا لله تعالى ، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه ، بل الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب ، وهم لا يريدون ذلك ، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله تعالى
ثالثا : من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول _ إن صح _ وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات أو أكثر ، وبناء على هذه فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الاثنين من كل اسبوع يعتبر استدراكا على الشارع ، وتصحيحا لعمله ، وما أقبح هذا _ إن كان - والعياذ بالله تعالى(/9)
رابعا : هل النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة الإيجاد ولإمداد وهو تكريمه ببعثته للناس كافة بشيرا ونذيرا إضافة إلى الصيام احتفالا ، كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ، ومدائح وأنغام ، وطعام وشراب ؟
والجواب : لا ، وإنما اكتفى بالصيام فقط ، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يقدر عاقل أن يقول لا ؟ وإذا فلم الأفتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه ، والله تعالى يقول : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر :7 ويقول جل ذكره : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع
عليم ) الحجرات : 1 ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ويقول عليه الصلاة والسلام : ( إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمه من ربكم فاقبلوها ) وهذا لفظ الدارقطني في سننه
قال الجفري : [ انتظر ، فكرة المولد مسألة ذات شقين : الشق الأول : فكرة الاحتفال بمولد النبي هل يحتفى بها أولا . هل هي محل استحسان في الشريعة أولا ؟ الشق الثاني : ما يدور داخل المولد .
أولا : الاحتفال بالمولد : الفكرة لها مشروعيتها قال صلى الله عليه وسلم : ( هو يوم ولدت فيه ) ليس فقط نحن نحتفل به ، الكائنات كلها تحتفل بالمولد ]
ونقول : تقدم قريبا للرد على هذا الاستدلال وبينت ما فيه من الخطأ مما يغني عن إعادته مرة أخرى هنا .(/10)
ثم قال الجفري : [ الجهلة مطموسي البصيرة يقولون أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ميزة لكن الميزة في بعثته ، هؤلاء لم يفقهوا عن الله ، فأقول لهم : بالله عليكم ملك كسرى سقط في ليلة الولادة أم البعثة ، النار التي اطفأت وكانت تعبد من دون الله أطفأت يوم الولادة أو البعثة ؟ الأصنام التي اكفأت على وجوهها ليلة البعثة أو الولادة ؟ المظاهر في الكون التي اهتزت كلها بعد أن بزغ صلى الله عليه وسلم لم تحصل إلا لتكون لصالح يوم الولادة ]
ونقول : ما ذكره الجفري قد ذكر بعض أهل العلم منهم ابن كثير _ رحمه الله _ في البداية والنهاية وذكره غيره . وحدوث هذه الأمور لا يدل إطلاقا على مشروعية إقامة المولد فلا صلة بينهما ويقال أيضا : هل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا عالمين بما حدث عند مولده صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فإن كانوا عالمين _ ولا أظن الجفري _ يقول غير عالمين _ فلماذا لم يقيموا المولد المبدع الذي عليه الجفري واتباعه ، اترى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عالما بالفضل المترتب على ذلك أم يقال أن الصحابة لم يعرفوا قدر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقيموا له مولدا تكريما له صلى الله عليه وسلم ؟! إن ما دعاه الجفري من الربط بين المولد وتغير بعض الأحوال الكونية والحوادث الأرضية ثم الاستدلال بذلك بمشروعية إقامة المولد لا يصح الاستدلال به أبدا .
قال الجفري : [ وبعد ذلك ، هل بلغت هذه الأمة من التردي والجدوى من الإساءة في معاملتها للنبي صلى الله عليه وسلم أنها تتساءل هل يستحق أن نفرح بولادته صلى الله عليه وسلم أو لا نفرح ، ما هذا التدين الذي وصلت إليه الأمة ، هذه منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا حتى نرى هل يستحق أو لا يستحق أن نفرح بولادته ؟ ماهذا الكلام ؟ ](/11)
ونقول : إن الجفري _ هداه الله _ يريد منا أن نشرع شرعا لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم عن طريق تحريك مشاعرنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تقرر سابقا أن المشرع هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا بالذوق والعاطفة .
ثم إن كنا قد أسأنا كما زعم الجفري للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة والتابعين وتابع التابعين قد أساءوا أيضا للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم إقامة المولد ، فهل يقول بذلك الجفري ؟!وكذلك نقول إن الأمة لم تتدنى بسبب تركها لإقامة الموالد وإنما تدنت عندما نشأ فيها من لا يعرف دين الإسلام بالأدلة أمثال الجفري وأتباع الصوفية الذين يشرعون للناس أمورا ما أنزل الله بها من سلطان ويتركون هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم وحقيقة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم هو اتهامه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ عن ربه عز وجل شيئا أوحاه إليه بل هذه هي حقيقة نسب الخيانة لجنابه صلى الله عليه وسلم _ وينزه عنها _ إن إحداث شيء في الدين ومنها إقامة الموالد لهو دليل واضح على اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان هو لم يقم هذا المولد ولا صحابته من بعده ... حتى جاء الجفري ومن قبله ومن بعده من يقول أن عدم إقامة الموالد إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم فأيهما أولى بالإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من شرع دينا لم يشرعه الله ورسوله أم من اقتفى أثره واتبع سبيله فلم يحدث شيئا في دين الله .
فإن كان للجفري حجة فليسمعنا إياها ويقول قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام المولد أو أحد من صحابته ... ، وننظر أينا المسيء لجناب المصطفى صلى الله عليه وسلم(/12)
وإن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم لدى المسلمين الموحدين في الدنيا وتوقيره وعدم رفعه فوق منزلته التي أنزله الله فيها واتباع سبيله والتأسي به وإقامة سنته صلى الله عليه وسلم وتعليمها للناس ، فما صح عنه صلى الله عليه وسلم عملنا به ودعونا إليه وما لم يصح نفيناه عنه وتركناه وحذرنا منه .
قال الجفري : [ هذه مقابلة تقابلها من قام على أطراف قدميه لينقذنا من نار جهنم . هذا الذي هو مشغول في قبره بي وبك ؟! يستحق أن نحتفل به أولا ؟ أن نقوم بذكر ولادته أولا ؟! ما هذا الكلام ، ما هذا الهراء الذي نال الأمة ،ما هذا العبث والسفه الذي نال هذه العقول الضيقة . أين معاني الاتصال بمحبته ]
ونقول : كلام الجفري هذا يحتاج منا أن نقف معه وقفات
الأولى : وقوف المصطفى على أطراف قدميه في الصلاة كان كما قال صلى الله عليه وسلم ( أفلا أكون عبدا شكورا ) قام صلى الله عليه وسلم ليعلم اتباعه أ، العبد مهما بلغ من العبادة إلا أنه ينبغي له أن يتذلل لربه وخالقه ولا يأمن مكر الله فيه ، قام صلى الله عليه وسلم على قدميه الشريفتين وليس على أطراف قدميه كما قال الجفري _ شكرا لله عز وجل كما ذكر ذلك لعائشة حينما سألته عن ذلك ن وواجب الأمة بعده الإقتداء به والتأسي به .(/13)
لا أن نستدل بذلك على أنفسنا فعمله صلى الله عليه وسلم لنفسه وعمل أتباعه لأنفسهم كما قال تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) النجم :39 فهل يقول الجفري أن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم على قدميه ينفع اتباعه فيزاد من حسناتهم وينجيهم من الحساب والجزاء ؟! لا أظن عاقلا يقول ذلك وأظن أن الجفري واحدا من هؤلاء العقلاء وما أشبه هذه المقولة بمقولة النصارى إن عيسى عليه السلام صلب لينقذ البشرية ويكون فداء لها . ثم قوله : ( لينقذنا من النار ) سبحان الله العظيم ما أجرأ الجفري على الله تعالى حين نسب دخول الجنة والنجاة من النار للرسول صلى الله عليه وسلم ، نعم الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله وبشيرا ونذيرا من عند الله سبحانه وتعالى من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار . أما أن نقول قام على قدميه لينقذنا من النار .. فهذا غلط عظيم وإلا ترتب على ذلك عدم قيامنا بما أوجب الله علينا من شرائع الدين اعتمادا على قيام الرسول صلى الله عليه وسلم على قدميه . روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة أن إعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( دلني على عمل ، إذا عملته دخلت الجنة . قال تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضه ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ) هذا كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، فهل يفهم الجفري وأتباعه حقيقة هذا الدين .؟!(/14)
الثانية :قوله ( هذا الذي هو مشغول في قبره بي وبك ) قال تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون ) الأنبياء :34 وقال تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) آل عمران : 114 فرسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية الأنبياء _ عدا عيسى بن مريم فقد رفع _ قد جرت عليهم سنة الموت كبقية البشر . وأما حديث ( الأنبياء _ صلوات الله وسلامه عليهم _ أحياء في قبورهم ) لا فهو حديث صحيح يدل على حياتهم البرزخية وأرواحهم عند الرفيق الأعلى ولا يفهم منه آن الحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أحياء حياة حقيقية يأكلون ويشربون ...وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( افضل أيامكم يوم الجمعة : فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت _ يقولون بليت _ فقال : ( إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام )وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) فالحديث الأول فيه دلالة على عرض ( الصلاة والسلام ) على نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا يدل دلالة واضحة على أن جسده صلى الله عليه وسلم طري مطرا ، وروحه في الرفيق الأعلى في أعلى عليين مع أرواح الأنبياء . والحديث الثاني فيه دلالة على اتصال روحه الشريفة بجسده لرد السلام على من سلم عليه من قبره ومن بعد . فالروح لها اتصال بالبدن في القبر وإشراف عليه ، وتعلق به بحيث يرد سلام من سلم عليه وروحه في الرفيق الأعلى . ولا تنافي بين كونها في الرفيق الأعلى وجسده في الأرض فشأن الأرواح غير شأن الأبدان ، فإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي ، وحياته(/15)
غير حياة المستيقظ ، فإن النوم شقيق الموت ، فهكذا الميت إذا أعيدت إليه روحه إلى جسده كانت له حال متوسطة بين الحي والميت كحال النائم المتوسطة بين الحي والميت . فهذا حاله صلى الله عليه وسلم في قبره وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة في نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فأين هذا من قول الجفري ( إنه مشغول بي وبك ) 0
ولا ندري ماذا يقصد الجفري بشغل النبي صلى الله عليه وسلم في قبره فإن كان غير ما ذكر فهو من أبطل الباطل0
الثالثة: وصفه لكل من يمنع إقامة المولد ( بالعقول الضيقة ) 0 يا سبحان الله كيف يزن الجفري الأمور المتعلقة بشرع الله إن الذين يصفهم الجفري بالعقول الضيقة هم من وقفوا عند قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا بذلك ولم يزيدوا على شرع الله شيئا من مستحسن العقول ، أما هو وأتباعه -بطريق الأولى- فهم أصحاب العقول الواسعة التي تشرع لأنفسها ولأتباعها كل ما يمليه عليه عقولهم و أهواؤهم الضالة المضلة0 ويكفي في الرد على مثل هذه المقولة ما قدمته لك في مقدمة هذا الرد ففيه الكفاية والبيان0
الرابعة: قوله: ( أين معاني الاتصال بمحبته ) لا ندري ماذا يقصد الجفري بقوله هذا ، هل يقصد اتصال الروح بالروح فهذا مذهب الاتحادية من الصوفية الباطلة ، إن حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي: طاعته فيما أمر و اجتناب ما نهى عنه و زجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع0 فمن فعل هذا كانت محبته للرسول صلى الله عليه وسلم متصلة كاملة ومن أخل بها أخل بمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فحقيقة المحبة الطاعة و الإتباع كما قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) 0 [ آل عمران : 31]0
فيها ولادته 0ماهذا الكلام أهذه منزلته ]0
ونقول: ما زال الجفري -هداه الله- يقيس الأمور الشرعية بعقلة القاصر وذوقه الفاسد0(/16)
نعم الصحابة قدموا أرواحهم لله رخيصة ولإعلام كلمة التوحيد لا لمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآلا كانوا عابدين للرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاهم من ذلك0
فإن كان الجفري يتأسف ويستكثر عدم إقامة المولد فإن الواجب عليه أن يتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا فيقف حيث وقفوا ، لا أن يبتدع عبادة من عقله ثم يقول :إذا لم نقدر أن نبذل الأرواح علينا أن نقيم الموالد0
قال الجفري: [ هو الذي يفرج عني وعنك في ذلك اليوم ، هو غياثنا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة0بعد ذلك نشك في أن نفرح به أو لا نفرح0000]
هذا الكلام له وقفتان : الأولى:
نقول ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يشفع في أمته يوم القيامة _ والشفاعة أنواع _ ولكن هذه الشفاعة مشروطة بشرطين :
1- إذن الله للشافع0 2- رضى الله عن المشفوع له 0
قال تعالى: ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [سورة البقرة:255]0
فلا أحد يشفع ابتداء إلا بعد أن يأذن الله له في الشفاعة 0
وقال الله تعالى : 0( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) أي لا أحد يشفع له إلا بعد أن يرضى الله قوله وعمله 0 ولا يكون ذلك إلا لأهل الإتباع لا أهل الإبتداع 0فمن غير وبدل وزاد على دين الله وشرع شرعا لم يشرعه الله ورسوله كمن ابتدع الموالد بلا دليل ولا برهان فقد حرم شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي الحديث : ( إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) فيردون عن حوضه صلى الله عليه وسلم . فهل من ابتدع في دين الله _ ياجفري _ وزاد عبادة لم يأذن بها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وادعى علما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته من بعده تصيبه شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!(/17)
الثانية : قوله : [ هو غياثنا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ] إن قصد الجفري فيما يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته فلا اعتراض أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فلا ، لأنه تقرر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مات كما يموت البشر فلا يستغاث به وإن أراد الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا كأن يقول : ( بحق نبيك ) يقسم على الله بأحد من مخلوقاته محذورين :
الأول : أنه اقسم بغير الله .
الثاني : اعتقد أن لأحد على الله حقا .
والوجهين باطلين ولقد أحسن القائل :
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع
وأما قوله في البرزخ فهذا على معتقده الفاسد أن النبي صلى الله عليه وسلم يستجيب دعاء من يسأله وأنه يكشف الضر من دون الله وأنه يستغاث به بعد الممات .... إلخ وهذا باطل جدا لأن الله أرشدنا عند طلب القوت أن نطلبه منه سبحانه فقال تعالى ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) الأنفال :17 وقال تعالى : ( وهما يستغيثان الله ) الأحقاف :17 وما ورد في القرآن قوله تعالى : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) القصص : 15 فهذا فيما يقدر عليه العبد أما مالا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز طلبه إلا منه سبحانه وتعالى . وأما طلب الغوث من الرسول بعد موته فممنوع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك غياثا لأحد بعد الموت . وأما قول الجفري [ ويوم القيامة ] فقد تقدم الرد عليه ضمن الوقفة الأولى مما يغني عن إعادته هنا .(/18)
قال الجفري : [ ثانيا : ما يجري داخل المولد : كل ما يحدث سنن ، فالمولد قراءة القرآن ، وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم هل يحتاج هذا إلى دليل من القرآن ؟ هل ذكر يا أيها الذين آمنوا كل واحد يصلي لحالوا _ لوحده_ على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت منخفض . ولكن ذكر ( صلوا على النبي ) والواو هنا للجماعة والأصل فيه الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة فالصلاة دافع لهذا الأمر ، فيأتي سفيه العقل ويقول لا يجوز تصلون عليه إلا بالقلب فهذه أصول فتحت للتقرب إلى الله فلماذا نغلقها بهذه الأقوال ؟ ](/19)
ونقول هذا القول يستدعي منا إلى وقفات لبيان باطله : الوقفة الأولى : قوله :[ إن كل ما يجري في المولد سنن ] باطل بل ما يحدث فيه من بدع ومحدثات وتقدم رد ذلك في أول كلامه أن المولد سنة مؤكدة . مما يغني عن إعادته هنا . وأما قوله : قراءة للقرآن وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم فنقول : إن قراءة القرآن الكريم مشروعة في كل وقت وهو من أعظم ما ذكر الله به سبحانه وتعالى كلامه جل وعلا وتخصيص ذلك في المولد في زمن معين بدعة في الدين ومن نوى بقراءة القرآن إقامة المولد مستحبا له فلا شك أن الابتداع متوفر فيه فاتخاذ ذلك عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع وقل مثل ذلك في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس مخصوص بالمولد فقط بلهو عام ويتأكد في مواطن ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يذكر منها المولد المزعوم المبتدع في الدين فمن تلك الأوقات يوم الجمعة كما في حديث ( من أفضل أيامكم يوم الجمعة .. إلى أن قال : فأكثروا علي من الصلاة فيه .... الحديث )وفي كل وقت كما في حديث ( من صلى علي واحدة صلى الله له بها عشرا ) وبعد سماع المؤذن كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ) الحديث ، وعند التشهد الأخير من الصلاة ، وفي خطبتي الجمعة والعيدين وفي صلاة الجنازة وعند الدعاء والدخول للمسجد والخروج منه وعند ذكره صلى الله عليه وسلم .
والأحاديث بذلك أكبر شاهد لمن هداه الله وأراد به الخير وليس فيها حديث واحد ولو ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم خص الصلاة عليه في هذا المولد المزعوم المبتدع ، فهل يعقل الجفري _ وأتباعه ومن سبقه _ دين الله فلا يقولوا على الله إلا ما يعلمون . أسأل الله تعالى أن يهدي قلوبهم إلى دينه وإلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . آمين(/20)
وأما احتجاج الجفري بقوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) على مشروعية الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم جماعة وبصوت مرتفع فهذا باطل وبيان ذلك في الآتي :
أولا :- ليس في الآية إشارة إلى ما ادعاه الجفري فيها إطلاق الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالصفة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
ثانيا:- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى الدعاء له والدعاء من العبادة التي ينبغي أن تكون خفية لا معلنة كما قال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) الأعراف :55 والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ذلك ، هذا من جانب ومن جانب آخر الاجتماع للدعاء بصوت واحد مرتب بدعة لم يرد بها النص .
ثالثا :- لم ينقل عن أحد المفسرين الموثوقين أنهم فسروا هذه الآية بما فسره بها الجفري ، فيكون قوله هذا بدعة من القول لا مستدلة من القرآن ولا من السنة ولا من أقوال سلف هذه الأمة . وقول الجفري : ( فهذه أصول فتحت للتقرب إلى الله ... إلخ كلامه ) والسؤال يطرح نفسه هنا ، ما هذه الأصول ؟ هل هي من كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ ثم من فتحها هل هو الله أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن الذي أغلقها حتى تفتح ؟ ؟!(/21)
أعجب كل العجب من رجل كالجفري يهرف بما لا يعرف ! ! يقول الله تبارك وتعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) الشورى :21 فالآية دالة على أن من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله ، أو أوجبه بقوله أو فعله ، من غير أن يشرعه الله : فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله . ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله . شرع له من الدين ما لم يأذن به الله . فهل ما يدعو إليه الجفري من إقامة الموالد أصل من أصول الدين ، فنحن نطالبه بنص من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم . ودون ذلك ودون ذلك خرط القتاد . وعليه فما بني على باطل فهو باطل .
قال الجفري [ أيضا نصلي عليه في الموالد وبعد الصلاة عليه تأتي السيرة النبوية ..... إلخ كلامه ]
ونقول : أولا :- إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في كل وقت ولا شك في ذلك لكن تخصيصها في المولد بدعة مردودة . وقد تقدم الإشارة لمثل ذلك فيما سبق .
ثانيا : النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بالاحتفال بمولده ولم يأمرهم بذكر مولده وشمائله ومعجزاته وسيرته وخصائله الكريمة في ليلة المولد بخصوصها ، بل هذا من البدع التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ستمائة سنة .
ثالثا :- معرفة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ومعجزاته وسيرته وخصاله الكريمة متيسر لمن أراد الاطلاع على هذه الأمور ومعرفتها في أي وقت من الأوقات ، ولا يتقيد ذلك بوقت معين وعلى هيئة اجتماعية مبتدعة ، ومن يفعل ذلك فإنما هو سائر على طريقة سلطان إربل وما أحدثه من الاحتفال بالمولد واتخاذه عيدا يعتادون إقامته في كل عام .
رابعا : - أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به لا يتم إلا بتحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته وتقديم هديه على هدي غيره فالإسلام مبني على أصلين عظيمين : أحدهما :- أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا .(/22)
الثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع . كما قال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) الجاثية :18،19 فليس لحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب ولا يعبده بالأمور المبتدعة .
قال الجفري : [ أيضا يحدث في المولد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم . فعندما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى بن مريم ) أي لا تنظروا بمنظارهم حيث قالوا : المسيح ابن الله ، ثالث ثلاثة ، المسيح هو الله . أما أن نمدحه فهذا لا شيء فيه بل أجاز ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، من الذي أعطى كعب بن زهير البردة ؟ أوليس الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال :
إن الرسول نور يستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول
فألقى الرسول صلى الله عليه وسلم البردة . ](/23)
ونقول مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو أهله لا معارضة فيه فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن قال له : أنت سيدنا . فقال السيد الله فقلنا وأفضلنا فضلا ، وأعظمنا طولا ، فقال : قولوا بقولكم ، أو بعض قولكم ، ولا يستجرينكم الشيطان ) رواه أحمد وأبو داود لكن المعارضة في تفسير الجفري لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء بهذا المعنى من عند نفسه ليتخلص مما يفعله وأتباعه في تلك الموالد ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني ..... الحديث ) الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه ، فلا يغالى في مدحه كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألهية وإنما يوصف - صلى الله عليه وسلم - بالعبودية كما وصفه ربه تبارك وتعالى فنقول عبد الله ورسوله . لكن أرباب الموالد أبوا ذلك وارتكبوا نهيه صلى الله عليه وسلم فظهر فهم الغلو والشرك في شعرهم ونثرهم ومصنفاتهم ، حتى جوزوا الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء من أمورهم وادعوا له صلى الله عليه وسلم علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وما قول البوصيري عنا ببعيد فقد قال في بردته :
يا أكرم الخلق من لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
وهذا شرك ظاهر وقال :
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
وقوله :
فإن من جودك الدنيا وحزتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا شرك ظاهر وقول البرعي :
يارسول الله ياذا الفضل يا بهجة في الحشر جاها ومقاما
عد على عبد الرحيم الملتجي بحمى عزك يا غوث اليتامى
وأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما(/24)
وهذا شرك ظاهر ، إلى غير ذلك مما فيه خروج عن الشرع في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل بعد هذا الشرك شرك وهل يكف الجفري عن الخديعة والتلبيس على المسلمين في إيراد نصوص يستدل بها على باطله في جواز مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بها ، إن حقيقة ما يقصده الجفري في دعوى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم هو من جنس ما تقدم من قول البوصيري والبرعي وأشباههما فهل يقول مسلم أن ذلك توحيدا . حاشا وكلا .وأما مدح كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء التوحيد الخالص فلا غبار عليهم ولكن الغبار والشنار على من أشرك بالله تعالى ودعى إليه عامة المسلمين . والحاصل أن الشيطان أظهر لأصحاب الموالد هذا المدح الشركي في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وأظهر لهم التوحيد الإخلاص في قالب تنقصه ، فعكس أصحاب الموالد ما أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم علما وعملا وارتكبوا ما نهى عنه ورسوله ، فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قال الجفري [ وألف الحافظ في كتاب ( منح المدح ) ذكر فيه 119 من الصحابة مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم عمه العباس بن عبد المطلب فقد ألف مولدا في القصيدة التي ألقاها فيها عشر أبيات منها الشاهد وهو :
( وأنت يوم ولدت أشرقت الأرض وأضاءت بالنور ](/25)
ونقول : مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو أهله لا بأس به ولا معارضة وإنما المعارضة في وصفه بالصفات التي لا تكون إلا لله وحده وقد تقدم مثل ذلك والرد عليه مما يغني عن إعادته هنا . وما أشار إليه الجفري من مدح العباس - رضي الله عنه _ ووصف يوم مولده صلى الله عليه وسلم من إشراق الأرض وإضاءتها بالنور ليس فيه مشروعية إقامة المولد ولا احتجاج به في مشروعيته فكل ما في الأمر أن هذه الأكوان حصل منها ما حصل ، لا دلاله فيه على مشروعية إقامة المولد إلى أن قال الجفري : [ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاد من غزوة من الغزوات ، جاءته جارية فقالت : إني نذرت أن أضرب الدف على رأسك إن سلمك الله . ومتى يكون الوفاء بالنذر واجب ؟ ! هل إذا كان الأمر معصية ، أم كان مكروها ، أم مباحا ، فلا يجب الوفاء بالنذر إلا إذا كان مندوبا وهنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( أوفي بنذرك ) رغم أن الدف مباح لكن لنه اقترن بالفرح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح واجبا الوفاء به ]
ونقول وبالله التوفيق : الدخول في النذر عند جمهور أهل العلم مكروه وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) فإن دخل فيه المسلم كان واجبا عليه الوفاء به ما لم يكن معصية لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن أن يعصيه فلا يعصه ) فإذا خلي النذر من محرم وكان في طاعة الله تعالى وجب الوفاء به ويمدح من فعله لقوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) الإنسان :7 ، وأما ما استشهد به الجفري من قصة المرأة الناذرة على إباحة الضرب بالدف أولا ثم جعله واجبا ثابتا لاقترانه بالفرح بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل :
أولا : - الكلام في صحة ثبوت هذه القصة قد ضعفها بعض أهل العلم وتكلموا في سندها فهي سندا لا تثبت .(/26)
ثانيا : القول بصحة الحديث فقد ورد في الحديث الذي استدل به الجفري _ ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ) رواه أبو داود فالحديث مع ما فيه مختلف فيه كما ترى . فمنهم من أجاز ومنهم من منع والمانعون من استخدام الدف يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على الجواز ويقولون أن استعمال الضرب بالدف مأذون فيه في مواطن منها : في العرسات : وهو من قبيل إعلان النكاح لا التلذذ بسماعه ومنها في الأعياد : وهو خاص بالجواري وأن يكن من غير المغنيات ومن ذلك أيضا عند القدوم من الغيبة التي هي محل النقاش هنا . ويقال أيضا : ورد في رواية الترمذي - رحمه الله - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : ( إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا ) فالرسول صلى الله عليه وسلم علق الضرب بالدف بالنذر ، وأهل المولد يضربون بالدف دائما ، ولم نسمع أن أهل المولد كلهم مطبقون على النذر بالضرب بالدف في الموالد ، وكما يلاحظ من نص الحديث كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للضرب بالدف في قوله ( وإلا فلا ) أي لا تضربي بالدف فأين أهل المولد من هذا .
ويقال أيضا : الضرب بالدف من الأمور المباحة التي ورد بها النص فهي من قبيل المباحات التي أباحها الشارع .
أما أهل المولد فإنهم يتعبدون الله بالضرب بالدف ويتقربون إلى الله بمثل هذا العمل ، فالأصل في العبادات التوقيف وفي المباحات الحل ما لم يرد نص بالنهي عنه ، والضرب بالدف من هذا القبيل .ثم تهجم الجفري على أئمة الدين في هذا العصر فقال : [ اليوم ينكرون علينا هذا الشيء وهناك مناكر في الأمة لا أحد ينكر عليها ، ملأ الناس الكلام عن المولد ولم نسمع كلام عن الربا ](/27)
ونقول أخطأت يا جفري بزعمك هذا ، فالعلماء ولله الحمد متوافدون بين المسلمين ممن عرف بالدين والعلم والاستقامة على شرع الله الموثوق بهم ، فهذه فتاواهم وأشرطتهم وكتبهم تعلن صراحة بحرمة الربا وتبين للأمة أنه محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وأن من فعله فهو محارب لله تعالى ... وأما كون الجفري لم يسمع من ينكره فهذا راجع للجفري وحده لا يجوز له تعميم ذلك على الأمة ، فليس لأحد كائنا من كان أن يجهل علما بين المسلمين ثم يدعي جهل الآخرين له .
قال الجفري [ أيضا يوجد في الموالد الدعاء ، والقيام فرحا بخير الأنام صلى الله عليه وسلم ، وألف النووي فيه إثبات صحة القيام لأهل الفضل ، ويذكر الناس أن هذا العمل الذي نقوم به بدعة . فلم يقوم الصحابة بمثل هذا العمل من الترتيب ، فنقول : لم يكن الصحابة عندهم حفل تخرج لحفظة القرآن الكريم ، فلم يفعلوا مثل هذه الاحتفالات ، لم يكن عند الصحابة جامعات إسلامية ]
ونقول قول الجفري هذا يحتاج لوقفات :
الأولى :- قوله [ يوجد في المولد الدعاء ] تخصيص الدعاء في المولد من البدع فالله تعالى شرع لعباده الدعاء في كل وقت ولم يحدده بوقت معين قال تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) غافر:60 ، وقال : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفيه ) الأعراف :55 وغيرها من الآيات الدالة على عموم دعاء رب العالمين في كل وقت .(/28)
الثانية :- قوله ( القيام فرحا لسيد الأنام صلى الله عليه وسلم ) وهذه من المحدثات في الدين الداخلة في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلاله ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن القيام له وأخبر أن ذلك من فعل الأعاجم قال أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا ، فقمنا إليه فقال : ( لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا وعن أنس - رضي الله عنه - قال : ( ما كان شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك ) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كره القيام له ونهى عنه وأخبر أنه من فعل الأعاجم فكيف بالقيام عند ذكر ولادته وخروجه من الدنيا ، فهذا أولى بالنهي لجمعه بين البدعة والتشبه بالأعاجم(/29)
الثالثة : استدلاله بقول النووي رحمه الله في مسألة القيام وذكر أن النووي صحح القيام لأهل الفضل ... ) ونقول : تفريق النووي بين أهل الفضل والخير وغيرهم في مسألة القيام لا دليل عليه ، وفيما ذكر عن أبي إمامة الباهلي وقول أنس رضي الله عنهما أبلغ رد على من قال بهذا التفريق ، قال اسحاق بن ابراهيم : خرج أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - على قوم في المسجد فقاموا له ، فقال لا تقوموا لأحد فإنه مكروه . وقيل لمالك - رحمه الله - الرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه ، قال : أكره ذلك ولا بأس أن يوسع له في مجلسه .وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( قوموا إلى سيدكم ) أي سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما جاء ليحكم في بني قريضة ، إنما أمرهم بذلك لينزلوه عن الحمار ، لأنه كان مريضا بسبب الجرح الذي أصابه يوم الخندق ويشهد لهذا رواية أبو سعيد : فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ) فقال عمر : سيدنا الله عز وجل قال : فأنزلوه ) تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه )
الرابعة: قوله: [ لم يكن الصحابة عندهم حفل تخرج لحفظة القرآن000 ولم يكن عند الصحابة جامعات إسلاميه0]
ونقول: هذا الكلام من الجفري رد على من يفعل ذلك من أهل السنة والجماعة أتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين0
فإقامة حفل لحفظة القرآن الكريم إنما هو من أجل تشجيع الحفظة على حفظ كتاب الله تعالى . وأي غضاضة في ذلك فهو لم يقرن بمحرم ولا بدعة زمانية ولا بدعة مكانية فهو من جنس المباحات التي أباحها الله 0ثم ما يحصل في حفل لحفظ كتاب الله مخالف تماما لما يحصل في المولد من البدع والمحدثات التي تقدم بيان شيء منها 0(/30)
وأما وجود الجامعات الإسلامية فهذه ليست بدعة فأصلها هو التعليم والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه في المسجد ووجود المدارس والجامعات إنما هي لتنظيم العملية التعليمية لما يترتب على هذا التعليم من التخرج بعد التخصص والقيام بالأعمال المتنوعة كلا في تخصصه ولا يمكن أن يقول عاقل أن إنشاء الجامعات ابتداع في الدين0
ثم استدل الجفري بقصة على ان أهل المولد هم الدعاة إلى الله تعالى 0وملخص هذه القصة [أن هيئة تنصيرية قامت بتقديم الطعام والشراب لبعض المسلمين في قرية إندونيسية فتنصروا ولما جاء المولد أخذوا الدفوف ومدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم .. ثم هددوا بقطع الطعام والشراب عنهم إذا لم ينتهوا عن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم فرفضوا وعادوا للإسلام ... ] ونقول يا سبحان الله أمثل هذا يستدل به على أن أهل المولد هم الدعاة للإسلام ، أين العلم ؟ أين القرآن وتفسيره وحملته ؟ أين الحديث ورواته ؟ أين الدعوة غلى الله بالعلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... كل هذا ليس له اعتبار عند الجفري إنما الاعتبار عنده في ضرب الدفوف ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو يتبرأ من صلى الله عليه وسلم . وهل يقال- يا جفري- كل من أجاد الضرب الدفوف وحفظ بعض القصائد الشركية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم يكون داعية إلى الله ؟ !! لا أظن - حتى الجفري - سيجيب بنعم إلا اللهم من كان ثلاثة وذكر ( عن المجنون حتى يفيق ) فهل يفيق الجفري واتباعه من اتباع هذه البدع والمنكرات والقول على الله بغير علم .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا يجعله متلبسا علينا فنضل .
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
قاله كاتبه :
عادل بن علي الفريدان
في مكة المكرمة
10/5/1422 هـ(/31)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(/1)
شبهة الرياضة ( المجاهدة ) وما فيها من جوع وصمت وخلوة ..الخ
لنبدأ مناقشة هذه الشبهة بقراءة آياتٍ من كتاب الله:
{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }.
{ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي }.
{ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.
{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رسول الله، لا يأتي من عنده بشيء في التشريع مطلقًا، وكل شيء يأمر به وينهى عنه فهو اتباع لما يوحى إليه.
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }.
ويأمره الله سبحانه، والأمر موجه لكل من يتبع الرسول:
{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَ }.
{ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء }.
{ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }.
{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ }.
والآيات كثيرة، والأحاديث كذلك كثيرة، منها:
«وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
«من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ».
ومن القواعد الأصولية المقررة: كل العبادات باطلة إلا ما نزل به نص.(/1)
فهل يتبع الصوفية آيات الله وأحاديث رسوله، فيما يسمونه افتراءً «السير إلى الله»، وما هو إلا السير إلى الجذبة، وإلى الرؤى العصابية والشيطانية التي يستشعرونها في الجذبة. هل يتبعون آيات الله وأحاديث رسوله؟!
1- الخلوة:
ليست من العبادات الإسلامية، ولا خلوة في الإسلام، وهي بدعة محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم.
إنها بدعة محدثة في الإسلام، أما في الأمم الأخرى فهي قديمة قِدم الكهانة.
2- الصمت:
وهو مناقض للعبادة في الإسلام، إذ العبادة هي أقوال وأعمال معينة، علَّمها الرسول للمسلمين ليتبعوها ولا يتبعوا غيرها، (وإلا فما هي الفائدة من رسالته؟).
ولا يوجد أي نص يجعل الصمت من العبادة الإسلامية، فهو بدعة.
وهو موجود في كل الأمم التي بُنيت عقائدها على الكشف والإشراق.
3- الجوع:
فرض الله سبحانه صيام رمضان، وسن رسوله صلى الله عليه وسلم صيام أيام آخر، وحَرَّم الوصال في الصيام، كما أمر أن يكون الصيام في غير رمضان متقطعًا.
وجوع الصوفية هو صيام أيام كثيرة لا يفطرون فيها مع المغرب، ولا سحور فيها، بل جوع مستمر حسب الأسلوب الكهاني الموجود في الهندوسية والبوذية والجينية والطاوية وغيرها، فهو ليس من العبادات الإسلامية، وليس من الإسلام في شيء، وهو بدعة.
4- السهر:
الوارد في الإسلام هو قيام الليل ضمن الحدود التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: «... ولكني أُصلي وأنام، وأصوم وأُفطر.. فمن رغب عن سنتي فليس مني».
فليس السهر من الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من المعمول به في الإسلام، وقد رأينا قول رسول الإسلام فيه وفي الجوع: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، أي: إن الذين يقومون بهذه الطقوس ليسوا من رسول الله، وبالتالي ليسوا من الإسلام.(/2)
5- تعذيب النفس بالضرب (كما كان يفعل الشبلي وغيره)، أو بالوقوف على رجل واحدة طيلة الليل، أو غير ذلك مما هو مستفيض في كتبهم، فهذا واضح البطلان، وهو من تلاعب الشياطين بهم، وليس الله سبحانه بحاجة أن يضربوا أنفسهم ويعذبوها ليرضى عنهم: { هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }، إنما يرضى الله عن المؤمنين إذا عبدوه كما أمرهم (لا كما يبتدعونه أو يقلدون به أصحاب الوثنيات)، ويرضى سبحانه عن المؤمن إذا أدى لكل ذي حق حقه.
· ملاحظة هامة:
من أساليب القوم في المغالطة والمخادعة، قولهم: إنهم يتأسون، في الخلوة وتوابعها، بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان قبل الرسالة يختلي أيامًا كثيرة في غار حراء.
هذه المغالطة، مثل غيرها، فيها جهل غبي، أو تجاهل ماكر؛ لأن الآية الكريمة تقول: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.. }.
ولم يصبح محمد «رسولَ الله» إلا بعد أن نزل عليه الوحي بالرسالة، أما قبلها فقد كان إنسانًا كبقية الناس على الإطلاق، لا يمتاز عنهم إلا بأخلاقه الكريمة، يقول سبحانه: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }، وهذه الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض، بأن الفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبين بقية البشر، هو الوحي.
ويقول سبحانه: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُول }، ويقول: { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ.. }، ويقول صلى الله عليه وسلم : «أنا فيما لم يوحَ إليَّ كأحدكم».
ونعود إلى آية التأسي، إنها تأمرنا أن تكون أسوتنا برسول الله (الذي ينزل عليه الوحي)، وذلك لأن (رسول الله) معصوم بالوحي، أما قبل الرسالة فلم يكن معصومًا، لأنه لم يكن يُوحى إليه صلى الله عليه وسلم .
وفي واقع الأمر، إصرارهم على القول بالتأسي بمحمد قبل الرسالة، منبثق عن:(/3)
1- عقيدتهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وصل إلى النبوة بالمجاهدة والرياضة، وأن النبوة هي فتح مثل فتوحهم، وهم بالتالي، لا يعتقدون أن النبوة فضل من الله سبحانه يجعلها حيث يشاء.
2- منبثق عن عقيدتهم بما سموه «الحقيقة المحمدية» النابعة من «وحدة الوجود»، الباطلة الكافرة.
3- عن إنكارهم للمعنى الشرعي الصحيح لآيات القرآن وأحاديث السنة، وتأويلهم لها لتتفق مع كشفهم، كما صرَّح بذلك حجتهم الغزالي، وكما نراه معمولاً به في كتبهم.
4- عقيدتهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم معصوم عصمة ذاتية، وليس بالوحي! وأنه أخذ علومه عن طريق الكشف، لا عن طريق جبريل عليه السلام، كما صرَّح بذلك حجتهم الغزالي وغيره.
أخيرًا..
المجاهدة، أو الرياضة، بكل عناصرها، ليست من الإسلام، ولا من عقيدة الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من سنن الإسلام، ولا من مستحبات الإسلام، ولا من فضائل الإسلام، ولا من ممارسات الإسلام، ولا من عادات الإسلام، ولا من الأعمال المأجورة في الإسلام، ولا من الأعمال المشكورة في الإسلام.
إنما هي طقوس كهانية، مارستها وتمارسها الأمم الوثنية، تقود إلى الجذبة، لا إلى رضى الله تعالى.
( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 613 – 617 بتصرف يسير ) .
المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/(/4)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(/1)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(/1)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(/1)
شبهة المجاز العقلي
لقد تشبث هؤلاء المتصوفة لتبرير شركهم، وتجويز استغاثتهم بالأموات عند نزول النوازل وإلمام الملمات، لجلب الخيرات ودفع المضرات بشبهة أخرى، وهي: أن تصرف الأولياء في الكون وشفاءهم للأمراض، وكونهم يدمرون الأعداء وينصرون الأولياء، ويغيثون المستغِيثين إنما نقصد بذلك المجاز العقلي!
فالمتصرف في الكون هو الله في الحقيقة، والشافي للأمراض هو الله في الحقيقة، والناصر والمغيث هو الله في الحقيقة، وهو النافع الضار في الحقيقة، وهو الفاعل في الحقيقة، ولكن نسبة ذلك كله إلى الولي نسبة المجاز العقلي، لا على وجه الحقيقة.
يُجاب عن هذه الشبهة بما يلي:
إن وجود المجاز في اللغة ثم وجود المجاز العقلي مسألة مختلَف فيها عند البلاغيين فضلاً عن عدم وجود من قال به من السلف قبل الجهمية والمعتزلة.
لو فتح هذا الباب من التأويل لما وجد الشرك ، ولما حكم بالكفر على أحد أبدًا، وإن سبَّ الله تعالى، وسبّ الأنبياء عليهم السلام، ولو أنكر البعث والحشر والنشر، وأباح الفواحش، وادّعى الألوهية، مثلاً يكون معنى قول القائل: ( الرسول خالق السماوات والأرض ): رب الرسول – بحذف المضاف -، ومعنى قول فرعون فيما حكاه الله عنه بقوله: [ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ]: ( أنا أقول لكم: ربكم الأعلى ) – بتقدير القول -، وكذلك يكون معنى من قصد الأصنام وتضرع إليها: أنه يدعو الله الذي هو مالك الأصنام، ويتضرع إليه تعالى – بحذف المضاف -، فما ذكره أحد من المسلمين بهذه التأويلات الفاسدة أبدًا.
إن هؤلاء المستغِيثين بغير الله وأصحاب اعتقاد التصرف في الكون لغير الله أكثرهم عوام جُهال لا يدرون المجاز العقلي الذي اصطلح عليه المجازيون والبلاغيون، ولا يعرفون هذه المسألة. ومعلوم أن إرادة الشيء فرع عن تصوره.
إنهم يعتقدون في أهل القبور التصرف والإعطاء ولا يفهمون إلاَّ أنهم أهل للإعطاء والإيجاد، ويسمونهم أقطابًا وأغواثًا.(/1)
إنهم إذا نذروا للأموات وتأخروا في إيفاء نذرهم للأموات فيصابوا بسبب ذلك بمصيبة وبلية، يقولون: إن الشيخ الفلاني أصابني بالمصيبة؛ لأني لم أوفِ بنذره، وهكذا يحذرون من شرورهم. وهذا دليل صريح على أن هؤلاء لا يقصدون المجاز في أقوالهم وعقائدهم، بل يريدون الحقيقة ونسبة الفعل إلى هؤلاء الأولياء والصلحاء – كما يزعمون – الأموات على الحقيقة، فلا شائبة في كلامهم للمجاز العقلي ألبتة.
إن المشركين الذين أنزل الله فيهم القرآن إنما كانوا يدعونهم شفعاء لهم عند الله، وكانوا يقولون: إنما ندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى، أي: منزلة ودرجة، ويشفعوا لنا في حاجاتنا، إذن أنهم لا يعتقدون في أصنامهم إلا بمثل اعتقاد المتصوفة في أوليائهم بأنهم لا يعطون شيئًا ولا يدفعون شيئًا، وإنما المعطي والدافع هو الله، ولكن هؤلاء الأصنام والمعبودات من دون الله ما هم إلاَّ للمنزلة والدرجة، ومع ذلك وسمهم الله بسمة المشركين، وحاربهم الرسول الأمين في حياته كلها، فما الفرق بين القول بالمجاز وبين القول بالزُّلفى والقربة والمنزلة؟ وإذا ثبت هذا تبيّن أن هؤلاء المتصوفة أشد شركًا منهم؛ لأنهم اعتقدوا فيهم القدرة والملك، والتصرف في الكون، بل الإحياء والإماتة وغيرها من الكفريات.
النسبة المجازية - على فرض وجود المجاز -: هي نسبة الفعل إلى غير الفاعل الذي صدر منه ذلك الفعل، لا يخلو من أمرين:
أحدهما: لكونه ظرفًا للفعل، كقول القائل: (أنبت الربيع البقل)؛ أي: (أنبت الله البقل في وقت الربيع).
ثانيهما: لكونه سببًا في صدور ذلك الفعل، كقول القائل: (بنى الأمير المدينة)؛ أي: (بنى المعماري المدينة بأمر الأمير ونفقته).(/2)
وإذا عُرف هذا، فإن الذي ينادي ميتًا، أو حيًّا غائبًا، ويستغيث به، ويقول: يا فلان، أغثني، أو اشفني أو أنجني مثلاً لا ينطبق عليه أنه ناداه واستغاث به مجازًا من ناحية كونه ظرفًا للفعل؛ لأن الميت والغائب ليسا بظرف للفعل، فلا يقال: إن الميت أو الغائب ظرف للنداء أو الإغاثة أو الشفاء أو الإنجاء، حتى يُقال: إن هذه النسبة مجازية، والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى، فهذا المجاز لا يتصوره أحد، ولا يصح في مثل هذه الصورة ألبتة.
وأما الصورة الثانية من المجاز التي هي: أن هذا المنادي المستغيث يقصد: أن الشافي والناصر والمنجي والمغيث هو الله تعالى في الحقيقة، ولكن يرى أنَّ الولِي الفلاني الذي يستغيث به ويناديه هو مجرد سبب لذلك.
فيُقال لهم: إن هذا الاحتمال أيضًا غير وارد، ولا يصح المجاز في هذه الصورة أيضًا؛ لأن هذا المنادي المستغِيث بهذا الولِي الميت، أو الحي الغائب، لا بد له من أن يعتقد فيه عقائد ثلاثًا:
الأولى: أن هذا الولِي الميت أو الحي الغائب يسمع صوته ونداءه فوق الأسباب العادية.
الثانية: أنه يعلم بحاله ويطلِع على مصيبته.
الثالثة: أن يعتقد فيه أنه يقضي حاجته بأن يشفع له عند الله.
فلا بد من هذه العقائد الثلاث، وإلاَّ لا يمكن جعله سببًا.
وإذا تحقق أنه لا بد من أن يعتقد هذا المنادي المستغِيث في ذلك المنادَى المستغَاث – الميت أو الحي الغائب - السمع المطلق، والعلم المطلق، والقدرة المطلقة، ومعلوم أن هذه كلها من صفات الله الخاصة به سبحانه، فالميت أو الحي الغائب لا يسمع نداء المستغِيث، ولا يعلم بحاله ولا يطلِع على مصيبته، فقد قال تعالى: [ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ]، وقال تعالى: [ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ] .(/3)
ثم إننا لو أوَّلنا إسنادهم الأمور إلى غير الله واستغاثتهم بغير الله وطلب النفع ودفع الضر عن غير الله باحتمال المجاز العقلي، فماذا نفعل بأعمالهم الشركية ، فهل يمكن تأويلها أيضًا بالمجاز؟ وإذا قلنا: نؤول، فبأي شيء نؤول سجودهم على أعتاب الأضرحة وطوافهم بالقباب، وذبحهم للقرابين وبذلهم النذور؟ فهل هذه الأعمال الشركية والأفعال الكفرية أيضًا: من باب المجاز؟
إن من المعروف أن التأويل والمجاز – حتى عند القائلين بهما - لا يُذْهَب إليهما إلاَّ إذا كان غير منصوص، وأمَّا إذا كان منصوصًا، مثل الأبيات الشعرية التي أوردناها والحكايات التي ذكرناها عن المتصوفة، فلم يقل أحد بأن في المنصوص أي مجاز، وإنما المجاز – على رأي القائلين به – يكون على الظاهر المحتمل له.
الأهم من هذا كله هو أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن الكريم، وحكم بكفرهم كانوا يعتقدون السببية والتوسط، وهذا هو حجة من يرى المجاز العقلي، ويُبيح إسناد الأمور الخاصة بالله في ربوبيته وألوهيته لغير الله، فلو أن اعتقاد السببية والتوسط ينفع في حمل كلام من يدعو غير الله تعالى على المجاز العقلي، ويمنع من الحكم عليه بالشرك، لكان الله تعالى أعذر المشركين الذين يعتقدون التسبب والوساطة، ولحُكِمَ بالكفر على من يعتقد الاستقلال فقط.
ولكنَّ الله عز وجل حكم بالكفر على هؤلاء المشركين القائلين بالتسبب والتوسط، كما سيأتي ذكرهما في الشبهة التالية.
وبهذا بطل دعوى المجاز الذي يتشبثون به قديمًا وحديثًا.
( المرجع : رسالة : الشرك في القديم والحديث ، أبوبكر محمد زكريا ، 3 / 1227-1233) .(/4)
<br /><font face="Verdana">عفوا لا يمكن الوصول الى هذه الصفحة مباشرة. يجب أن تتبع رابط صحيح. <br /><br />الرجاء العودة للخلف. </font>(/1)
شيخ الإسلام ابن تيمية يحاور دجاجلة الصوفية البطائحية
ظهرت في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية جماعة تسمى بالبطائحية، وقد كانوا يزعمون الإسلام، وينتسبون إلى الزهد والتصوف، ويدعون التأله والتعبد، ولكنهم يقومون بأعمال شركية، ويظهرون بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، ويحتالون لنيل أغراضهم بالكذب والتلبيس على الناس، ويظهرون أعمالاً وخوارق يدللون بها على أن طريقهم حق وصدق، كالدخول في النار، وملامسة الحيات، وإظهار الدم واللاذن والزعفران وماء الورد والعسل والسكر وغير ذلك.
وقد وقف شيخ الإسلام ابن تيمية في وجه باطلهم، وأنكر عليهم ما خالفوا فيه أحكام الإسلام، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجرت بينه وبين رجالهم وزعمائهم مراجعات ومحاورات، فأقام عليهم الحجة، وكشف باطلهم، ثم ناقشهم في محفل عام حضر فيه الأمراء والقواد والعلماء وكثير من أهل دمشق وغيرهم، وسنذكر طرفا مما جرى بينه وبينهم مما ذكره شيخ الإسلام نفسه (1) .
* هذه المقدمة وهذا الانتقاء للشيخ الفاضل الأردني أ.د عمر الأشقر حفظه الله .
1-مجموع فتاوى شيخ الإسلام (11/445-475)(/2)
فمن ذلك أن شيخا منهم استدل على باطله بأنه كان عند بعض أمراء التتر بالمشرق، وكان له صنم يعبده، فقال له الأمير التتري هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم، ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه. فأنكر ذلك الشيخ ذلك، فقال له الأمير التتري إن كان يأكل فأنت تموت. فقال الشيخ: نعم. قال: فأقمت عنده إلى نصف النهار، ولم يظهر في الطعام أثر، فاستعظم ذلك التتري، وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل، لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك.
شيخ الإسلام يكشف سرّ هذه المسألة:
فقال شيخ الإسلام: أنا أبين لك سبب ذلك: ذلك التتري كافر مشرك.
ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام، وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله تعالى ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة إلى أمثالك، فالتتري وأمثالهُ سود، وأهل الإسلام المحض بيض ، وأنتم بلق فيكم سوادٌ وبياض.فأعجب هذا المثل من كان حاضراً!!!
نهي الشيخ لهم عن التعبد بما لم يشرعه الله:
قال شيخ الإسلام: جاءني جماعة منهم مع شيخ لهم من شيوخ البر ، مطوقين بأغلال الحديد في أعناقهم ، وهو وأتباعه معروفون بأمور ، وكان يحضر عندي مرات فأخاطبهُ بالتي هي أحسن ؛ فلما ذكر الناس ما يظهرونه من الشعار المبتدع الذي يتميزون به عن المسلمين ، ويتخذونه عبادةً وديناً يوهمون به الناس أن هذا سر من أسرارهم ، وإنه سيماء أهل الموهبة الإلهية السالكين طريقهم –أعني طريق ذلك الشيخ وأتباعه- خاطبتهُ في ذلك في المسجد الجامع.(/3)
وكان مما قالهُ لهُ: هذا بدعة لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله ، ولا فعل ذلك أحد من سلف هذه الأمة ، ولا من المشايخ الذين يقتدى بهم ، ولا يجوز التعبد بذلك ، ولا التقرب به إلى الله تعالى لأنَّ عبادة الله بما لم يشرعهُ ضلاله ، ولباس الحديد على غير وجه التعبد قد كرهه من كرهه من العلماء للحديث المروي في ذلك وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتما من حديد فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟). وقد وصف الله تعالى أهل النار بأن في أعناقهم الأغلال، فالتشبه بأهل النار من المنكرات.
وقال بعض الناس قد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا قال في آخره (أحب القيد وأكره الغل. القيد ثبات في الدين)، فإذا كان مكروها في المنام فكيف في اليقظة؟!...
فقلت له في ذلك المجلس ما تقدم من الكلام أو نحوا منه مع زيادة. وخوفته من عاقبة الإصرار على البدعة. وأن ذلك يوجب عقوبة فاعله، ونحو ذلك من الكلام الذي نسيت أكثره لبعد عهدي به. وذلك أن الأمور التي ليست مستحبة في الشرع لا يجوز التعبد بها باتفاق المسلمين، ولا التقرب بها إلى الله ولا اتخاذها طريقا إلى الله وسببا لأن يكون الرجل من أولياء الله وأحبائه، ولا اعتقاد أن الله يحبها أو يحب أصحابها كذلك، أو أن اتخاذها يزداد به الرجل خيرا عند الله وقربة إليه، ولا أن يجعل شعارا للتائبين المريدين وجه الله، الذين هم أفضل ممن ليس مثلهم.
التقرب إلى الله بفعل المباح والمكروه والحرام لا يجوز:(/4)
فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به، وهو أنَّ المباحات إنَّما تكون مباحة إذا جعلت مباحات، فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك ديناً لم يشرعه الله، وجعل ما ليس من الواجبات والمستحبات منها بمنزلة جعل ما ليس من المحرمات منها، فلا حرام إلا ما حرمه الله؛ ولا دين إلا ما شرعه الله؛ ولهذا عظم ذم الله في القرآن لمن شرع دينا لم يأذن الله به، ولمن حرم ما لم يأذن الله بتحريمه فإذا كان هذا في المباحات فكيف بالمكروهات والمحرمات!؟ ولهذا كانت هذه الأمور لا تلزم بالنذر، فلو نذر الرجل فعل مباح أو مكروه أو محرم لم يجب عليه فعله كما يجب عليه إذا نذر طاعة الله أن يطيعه؛ بل عليه كفارة يمين إذا لم يفعل عند أحمد وغيره، وعند آخرين لا شيء عليه، فلا يصير بالنذر ما ليس بطاعة ولا عبادة طاعة وعبادة.
العهود التي تؤخذ على الناس مخالفة للكتاب والسنة:
ونحو ذلك العهود التي تتخذ على الناس لالتزام طريقة شيخ معين كعهود أهل (الفتوة)، و(رماة البندق)، ونحو ذلك، ليس على الرجل أن يلتزم من ذلك على وجه الدين والطاعة لله إلا ما كان دينا وطاعة لله ورسوله في شرع الله؛ لكن قد يكون عليه كفارة عند الحنث في ذلك؛ ولهذا أمرت غير واحد أن يعدل عما أخذ عليه من العهد بالتزام طريقة مرجوحة أو مشتملة على أنواع من البدع إلى ما هو خير منها من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع الكتاب والسنة؛ إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد أو يقول عن عمل: إنه قربة وطاعة وبر وطريق إلى الله واجب أو مستحب إلا أن يكون مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك يعلم بالأدلة المنصوبة على ذلك، وما علم باتفاق الأمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة لم يجز أن يعتقد أو يقال إنه قربة وطاعة.(/5)
فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله، ولا التعبد به، ولا اتخاذه دينا ولا عمله من الحسنات، فلا يجوز جعله من الدين لا باعتقاد وقول، ولا بإرادة وعمل.
وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء يرون الشيء إذا لم يكن محرماً لا ينهى عنه؛ بل يقال إنه جائز، ولا يفرقون بين اتخاذه دينا وطاعة وبرا، وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة، ومعلوم أن اتخاذه دينا بالاعتقاد أو الاقتصاد أو بهما أو بالقول أو العمل أو بهما من أعظم المحرمات وأكبر السيئات، وهذا من البدع المنكرات التي هي أعظم من المعاصي التي يعلم أنها معاصي وسيئات.
نفاق ومداهنة:
فلما نهيتهم عن ذلك أظهروا الموافقة والطاعة ومضت على ذلك مدة والناس يذكرون عنهم الإصرار على الابتداع في الدين، وإظهار ما يخالف شرعة المسلمين، ويطلبون الإيقاع بهم، وأنا أسلك مسلك الرفق والأناة، وأنتظر الرجوع والفيئة، وأؤخر الخطاب إلى أن يحضر (ذلك الشيخ) لمسجد الجامع.
وكان قد كتب إلي كتابا بعد كتاب فيه احتجاج واعتذار، وعتب وآثار، وهو كلام باطل لا تقوم به حجة، بل إما أحاديث موضوعة، أو إسرائيليات غير مشروعة، وحقيقة الأمر الصد عن سبيل الله وأكل أموال الناس بالباطل.
شيخ الإسلام يطلب شيخهم للمناظرة:(/6)
فقلت لهم: الجواب يكون بالخطاب. فإن جواب مثل هذا الكتاب لا يتم إلا بذلك وحضر عندنا منهم شخص فنزعنا الغل من عنقه، وهؤلاء هم من أهل الأهواء الذين يتعبدون في كثير من الأمور بأهوائهم لا بما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} ؛ ولهذا غالب وجدهم هوى مطلق لا يدرون من يعبدون ، وفيهم شبه قوي من النصارى الذين قال الله تعالى فيهم: { قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبلُ وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل} ؛ ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع أهل الأهواء.
رفضهم للحجاج وإظهارهم الدجل والتهريج:
فحملهم هواهم على أن تجمعوا تجمع الأحزاب، ودخلوا إلى المسجد الجامع مستعدين للحراب، بالأحوال التي يعدونها للغلاب . فلما قضيت صلاة الجمعة أرسلت إلى شيخهم لنخاطبه بأمر الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ونتفق على اتباع سبيله . فخرجوا من المسجد الجامع في جموعهم إلى قصر الإمارة، وكأنهم اتفقوا مع بعض الأكابر على مطلوبهم، ثم رجعوا إلى مسجد الشاغو ـ على ما ذكر لي ـ وهم من الصياح والاضطراب، على أمر من أعجب العجاب، فأرسلت إليهم مرة ثانية لإقامة الحجة والمعذرة، وطلبًا للبيان والتبصرة، ورجاء المنفعة والتذكرة، فعمدوا إلى القصر مرة ثانية، وذكر لي أنهم قدموا من الناحية الغربية مظهرين الضجيج والعجيج والإزباد والإرعاد، واضطراب الرؤوس والأعضاء، والتقلب في نهر بردي، وإظهار التوله الذي يخيلوا به على الردى، وإبراز ما يدعونه من الحال والمحال، الذي يسلمه إليهم من أضلوا من الجهال .
بين البطائحية والأمير:(/7)
فلما رأى الأمير ذلك هاله ذلك المنظر. وسأل عنهم فقيل له: هم مشتكون، فقال: ليدخل شيخهم، وأظهر من الشكوى علي ودعوى الاعتداء مني عليهم كلاما كثيراً لم يبلغني جميعه؛ لكن حدثني من كان حاضرا أن الأمير قال لهم: فهذا الذي يقوله من عنده أومن عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: بل يقول عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال فأي شيء يقال له؟ قالوا نحن لنا أحوال وطريق يسلم إلينا، قال: فنسمع كلامه فمن كان الحق معه نصرناه، قالوا: نريد أن تشدَّ منا، قال: لا، ولكن أشدُّ من الحق سواء كان معكم أو معه، قالوا: ولابدَّ من حضوره؟ قال: نعم، فكرروا ذلك، فأمر بإخراجهم، فأرسل إليَّ بعض خواصّه من أهل الصدق والدين ممن يعرف ضلالهم، وعرفني بصورة الحال، وأنه يريد كشف أمر هؤلاء.
نصح شيخ الإسلام لهم:
فلما علمت ذلك ألقي في قلبي أن ذلك لأمر يريده الله من إظهار الدين، وكشف حال أهل النفاق المبتدعين، لانتشارهم في أقطار الأرضين، وما أحببت البغي عليهم والعدوان، ولا أن أسلك معهم إلا أبلغ ما يمكن من الإحسان، فأرسلت إليهم من عرفهم بصورة الحال، وأني إذا حضرت كان ذلك عليكم من الوبال، وكثير فيكم القيل والقال، وإن من قعد أو قام قدام رماح أهل الإيمان، فهو الذي أوقع نفسه في الهوان.
فاجتمعوا وأشار عليهم شيخهم بإظهار موافقة الشريعة، والخروج عما ينكر عليهم من البدع، وقال لهم شيخهم: أحوالنا تظهر عند التتار لا عند شرع محمد بن عبد الله، ونزعوا الأغلال من الأعناق وأجابوا إلى الوفاق.
الأمير يصر على كشف باطلهم:
ولكن الأمير أصر على عقد المناظرة لكشف باطلهم، وألزمهم بالحضور.
شيخ الإسلام يستنصر ربّه:(/8)
قال رحمه الله: فاستخرت الله تعالى تلك الليلة واستعنته واستنصرته واستهديته، وسلكت سبيل عباد الله في مثل هذه المسالك، حتى ألقي في قلبي أن أدخل النار عند الحاجة إلى ذلك (1) ، وأنها تكون بردا وسلاما على من اتبع ملة الخليل، وأنها تحرق أشباه الصابئة أهل الخروج عن هذه السبيل. وقد كان بقايا الصابئة أعداء إبراهيم إمام الحنفاء بنواحي البطائح منضمين إلى من يضاهيهم من نصارى الدهماء.
وبين الصابئة ومن ضلَّ من العباد المنتسبين إلى هذا الدين نسب، يعرفه من عرف الحق المبين، فالغالية من القرامطة والباطنية كالنصيرية والإسماعيلية. يخرجون إلى مشابهة الصابئة الفلاسفة، ثم إلى الإشراك، ثم إلى جحود الحق تعالى. ومن شركهم الغلو في البشر، والابتداع في العبادات ، والخروج عن الشريعة لهُ نصيب من ذلك بحسب ما هو لائق ، كالملحدين من أهل الاتحاد ، والغالية من أصناف العباد.
1-يعلق أ.د-عمر الأشقر قائلاً: رحمه الله ما كان أسخاهُ بنفسهِ في سبيل إظهار دين الله وإعلاء كلمته.
استثارتهم للناس وجمعهم الأعوان والأنصار:
فلما أصبحنا ذهبت للميعاد ، وما أحببت أن أستصحب أحداً للإسعاد ، لكن ذهب أيضاً بعض من كان حاضراً من الأصحاب ، والله هو المسبب لجميع الأسباب.وبلغني بعد ذلك أنهم طافوا على عدد من أكابر الأمراء ، وقالوا أنواعاً مما جرت به عاداتهم من التلبيس والافتراء ، الذي استحوذوا به على أكثر أهل الأرض من الأكابر والرؤساء ، مثل زعمهم أن لهم أحوالاً لا يقاومهم فيها أحد من الأولياء ، وأن لهم طريقاً لا يعرفها أحد من العلماء.وأن شيخهم هو في المشايخ كالخليفة ، وأنهم يتقدمون على الخلق بهذه الأخبار المنفية ، وأن المنكر عليهم هو آخذ بالشرع الظاهر ، غير واصل إلى الحقائق والسرائر. وأن لهم طريقاً ولهً طريق. وهم الواصلون إلى كنه التحقيق ، وأشباه هذه الدعاوى ذات الزخرف والتزويق.(/9)
سبب انتشارهم في ديار الإسلام:
وكانوا لفرط انتشارهم في البلاد ، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجناد ، لخفاء نور الإسلام ، واستبدال أكثر الناس بالنور والظلام ، وطموس آثار الرسول في أكثر الأمصار ، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار ، لهم في القلوب موقع هائل ، ولهم فيهم من الاعتقاد ما لا يزول بقول قائل.
انصار الباطل:
قال المخبر: فغدا أولئك الأمراء الأكابر ، وخاطبوا فيهم نائب السلطان بتعظيم أمرهم الباهر ، وذكر لي أنواعاً من الخطاب ، والله تعالى أعلم بحقيقة الصواب ، والأمير مستشعر ظهور الحق عند التحقيق ، فأعاد الرسول إليَّ مرة ثانية فبلغه أنَّا في الطريق، وكان كثير من أهل البدع الأضداد، كطوائف من المتفقهة والمتفقرة وأتباع أهل الاتحاد. مجدين في نصرهم بحسب مقدورهم، مجهزين لمن يعينهم في حضورهم. فلما حضرت وجدت النفوس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون طالبين للاطلاع.
كذبهم على الشيخ وفضح الشيخ لهم وكشف لباطلهم:
فلما وصل الشيخ ذكر لهُ نائب السلطان وغيره أنهم قالوا: أن الشيخ طلبهم للامتحان ، وأن يحموا الأطواق ناراً ويلبسونها ، فأكذب ذلك وقال للأمير: نحن لا نستحل أن نأمر أحداً بأن يدخل ناراً ، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النَّار.
وفي ذلك الحديث الصحيح. وهؤلاء يكذبون في ذلك، وهم كذابون مبتدعون قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم.
وذكرت تلبيسهم على طوائف من الأمراء، وأنّهم لبسوا على الأمير المعروف بالأيدمري. وعلى قفجق نائب السلطنة وعلى غيرهما، وقد لبسوا أيضا على الملك العادل كَتْبُغَا في ملكه، وفي حالة ولاية حماه، وعلى أمير السلاح أجل أمير بديار مصر.(/10)
وضاق المجلس عن حكاية جميع تلبيسهم. فذكرت تلبيسهم على الأيدمري، وأنهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيته الباطنة، ثم يخبرونه بها عن طريق المكاشفة، ووعدوه بالملك، وأنهم وعدوه أن يروه رجال الغيب، فصنعوا خشبا طوالا وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب باكر الزجاج، فجعلوا يمشون على جبل المزة، وذاك يرى من بعيد قوماً يطوفون على الجبل، وهم يرتفعون عن الأرض، وأخذوا منه مالا كثيرا، ثم انكشف له أمرهم.
قلت للأمير: وولده هو الذي في حلقة الجيش يعلم ذلك، وهو ممن حدثني بهذه القصة. وأما قفجق فإنهم أدخلوا رجلا في القبر يتكلم وأوهموه أن الموتى تتكلم، وأتوا به في مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الرجل الشعراني الذي بجبل لبنان، ولم يقربوه منه، بل من بعيد لتعود عليه بركته، فقالوا: إنه طلب منه جملة من المال؛ فقال قفجق الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزائني ليس فيها هذا كله، وتقرب قفجق منه وجذب الشعر فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز، فذكرت للأمير هذا؛ ولهذا قيل لي: إنه لما انقضى المجلس وانكشف حالهم للناس كتب أصحاب قفجق إليه كتابا وهو نائب السلطنة بحماه يخبره بصورة ماجرى.
وذكرت للأمير أنهم مبتدعون بأنواع من البدع مثل الأغلال ونحوها وأنا نهيتهم عن البدع الخارجة عن الشريعة، فذكر الأمير حديث البدعة وسألني عنه، فذكرت حديث العرباض بن سارية، وحديث جابر بن عبد الله، وقد ذكرتهما بعد ذلك بالمجلس العام كما سأذكره.
الشيخ مستعد لدخول النار لكشف باطلهم:(/11)
قلت للأمير: أنا ما امتحنت هؤلاء، لكن هم يزعمون أن لهم أحوالا يدخلون بها النار، وأن أهل الشريعة لا يقدرون على ذلك، ويقولون لنا هذه الأحوال التي يعجز عنها أهل الشرع ليس لهم أن يعترضوا علينا، بل يسلم إلينا ما نحن عليه –سواء وافق الشرع أو خالفه- وأنا قد استخرت الله سبحانه أنهم إن دخلوا النار أدخل أنا وهم ومن احترق منا ومنه فعليه لعنة الله، وكان مغلوبا، وذلك بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار.
حيلة دخول النار:
فقال الأمير ولم ذاك؟ قلت: لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع، وباطن قشر النارنج، وحجر الطلق وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم، وأنا لا أطلي جلدي بشيء، فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق.
فاستعظم الأمير هجومي على النار، وقال أتفعل ذلك؟ فقلت له: نعم! قد استخرت الله في ذلك وألقي في قلبي أن أفعله، ونحن لا نرى هذا وأمثاله ابتداء؛ فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين له باطنا وظاهرا لحجة أو حاجة، فالحجة لإقامة دين الله، والحاجة لما لا بد منه من النصر والرزق الذي به يقوم دين الله، هؤلاء إذا أظهروا ما يسمونه إشاراتهم وبراهينهم التي يزعمون أنها تبطل دين الله وشرعه وجب علينا أن ننصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونقوم في نصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا، فلنا حينئذ أن نعارض ما يظهرونه من هذه المخاريق بما يؤيدنا الله به من الآيات.(/12)
وليعلم أن هذا مثل معارضة موسى للسحرة لما أظهروا سحرهم أيد الله موسى بالعصا التي ابتلعت سحرهم. فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء على السماط بذلك، وفرح بذلك، وكأنهم كانوا قد أوهموه أن هؤلاء لهم حال لا يقدر أحد على رده، وسمعته يخاطب الأمير الكبير الذي قدم من مصر الحاج بهادر وأنا جالس بينهما على رأس السماط بالتركي ما فهمته منه إلا أنه قال اليوم ترى حرباً عظيماً ، ولعل ذاك جواباً لمن كان خاطبه فيهم على ما قيل.
الأمير يصر على البيان:
وحضر شيوخهم الأكابر فجعلوا يطلبون من الأمير الإصلاح وإطفاء هذه القضية ويترفقون، فقال الأمير: إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق، وقمنا إلى مقعد الأمير بزاوية القصر أنا وهو وبهادر فسمعته يذكر له أيوب الحمال بمصر والمولهين ونحو ذلك، فدل ذلك على أنه كان عند هذا الأمير صورة معظمة، وأن لهم فيه ظنا حسنا والله أعلم بحقيقة الحال؛ فإنه ذكر لي.
وكان الأمير أحب أن يشهد بهادر هذه الواقعة ليتبين له الحق فإنه من أكابر الأمراء وأقدمهم وأعظمهم حرمة عنده، وقد قدم الآن وهو يحب تأليفه وإكرامه، فأمر ببساط يبسط في الميدان. وقد قدم البطائحية وهم جماعة كثيرون، وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من الإزباد والإرغاء وحركة الرؤوس والأعضاء، والطفو والحبو والتقلب، ونحو ذلك من الأصوات المنكرات، والحركات الخارجة عن العادات، المخالفة لما أمر به لقمان ابنه في قوله { واقصد في مشيك واغضض من صوتك} .(/13)
فلما جلسنا وقد حضر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم، وحضر شيخهم الأول المشتكي، وشيخ آخر يسمي نفسه خليفة سيده أحمد، ويركب بعلمين، وهم يسمونه: عبد الله الكذاب، ولم أكن أعرف ذلك. وكان من مدة قد قدم علي منهم شيخ بصورة لطيفة، وأظهر ما جرت به عادتهم من المسألة فأعطيته طلبته ولم أتفطن لكذبه، حتى فارقني، فبقي في نفسي أن هذا خفي علي تلبيسه إلى أن غاب، وما يكاد يخفى علي تلبيس أحد، بل أدركه في أول الأمر فبقي ذلك في نفسي، ولم أره قط إلى حين ناظرته ذكر لي أنه ذاك الذي كان يجمع بي قديما، فتعجبت من حسن صنع الله أنه هتكه في أعظم مشهد يكون حيث كتم تلبيسه بيني وبينه.
فلما حضروا تكلم منهم شيخ يقال له حاتم بكلام مضمونه طلب الصلح والعفو عن الماضي والتوبة، وأنا مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه الأغلال وغيرها من البدع، ومتبعون للشريعة فقلت: أما التوبة فمقبولة. قال الله تعالى: { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} هذه إلى جنب هذه. وقال تعالى: { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم} .
رد الشيخ عليهم في بدعة لبس أطواق الحديد:
فأخذ شيخهم المشتكي ينتصر للبسهم الأطواق وذكر أن وهب بن منبه روى أنه كان في بني إسرائيل عابد وأنه جعل في عنقه طوقا في حكاية من حكايات بني إسرائيل لا تثبت.(/14)
فقلت لهم: ليس لنا أن نتعبد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا، قد روى الإمام احمد في مسنده عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: ((أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقيه، لو كان موسى حيا، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم)) وفي مراسيل أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع بعض أصحابه شيئاً من كتب أهل الكتاب فقال : ((كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتاباً غير كتابهم أنزل إلى نبي غير نبيهم )) وأنزل الله تعالى: { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } .
فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا أنه أنزل عليهما من عند الله إذا خالف شرعنا ، وإنما علينا أن نتبع ما أنزل علينا من ربنا ، ونتبع الشرعة و المنهاج الذي بعث الله به إلينا رسولنا . كما قال تعالى : {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} . فكيف يجوز لنا أن نتبع عباد بني إسرائيل في حكاية لا تعلم صحتها؟! وما علينا من عباد بني إسرائيل؟! {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} هات ما في القرآن وما في الأحاديث الصحاح كالبخاري و مسلم وذكرت هذا وشبهه بكيفية قوية .
لا يجوز الخروج عن الشريعة بحال:
فقال هذا الشيخ منهم يخاطب الأمير: نحن نريد أن تجمع لنا القضاة الأربعة والفقهاء ونحن قوم شافعية.
فقلت له: هذا غير مستحب ولا مشروع عند أحد من علماء المسلمين؛ بل كلهم ينهى عن التعبد به ويعده بدعة، وهذا الشيخ كمال الدين بن الزملكاني مفتي الشافعية ، ودعوته، وقلت: يا كمال الدين !ما تقول في هذا؟ فقال: هذا بدعة غير مستحبة، بل مكروهة، أو كما قال. وكان مع بعض الجماعة فتوى فيها خطوط طائفة من العلماء بذلك.(/15)
وقلت ليس لأحد الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأشك هل تكلمت هنا في قصة موسى والخضر فإني تكلمت بكلام بعد عهدي به.
الباطن والظاهر محكوم بالكتاب والسنة:
فانتدب ذلك الشيخ (عبد الله) ورفع صوته. وقال: نحن لنا أحوال وأمور باطنة لا يوقف عليها،وذكر كلاماً لم أضبط لفظه: مثل المجالس والمدارس والباطن والظاهر؛ ومضمونه أن لنا الباطن ولغيرنا الظاهر، وأن لنا أمراً لا يقف عليه أهل الظاهر فلا ينكرونه علينا.
فقلت له-ورفعت صوتي وغضبت-: الباطن والظاهر والمجالس والمدارس، والشريعة والحقائق، كل هذا مردود إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليس لأحد الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا من المشايخ والفقراء،ولا من الملوك والأمراء، ولا من العلماء والقضاة وغيرهم؛ بل جميع الخلق عليهم طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وذكرت هذا ونحوه.
ادعاء الخوارق:
فقال –وضع صوته- : نحن لنا الأحوال وكذا و كذا. وادعى الأحوال الخارقة كالنار وغيرها، واختصاصها بها، وأنهم يستحقون تسليم الحال إليهم لأجلها.
فقلت –ورفعت صوتي وغضبت- : أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثل ما تصنعون، ومن احترق فهو مغلوب، وربما قلت فعليه لعنة الله؛ ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، فسألني الأمراء والناس عن ذلك؟ فقلت: لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار يصنعونها من أشياء: من دهن الضفادع. وقشر النارنج، وحجر الطلق. فضج الناس بذلك.(/16)
فأخذ يظهر القدرة على ذلك ويقول: أنا وأنت نلف في بارية بعد أن تطلى جسومنا بالكبريت. (فقلت: فقم؛ وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك، فمد يده يظهر خلع القميص فقلت: لا! حتى تغتسل في الماء الحار والخل، فأظهر الوهم على عادتهم فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبا أو قال حزمة حطب.
فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع؛ ولا يحصل به مقصود بل قنديل يوقد وأدخل إصبعي وإصبعك فبه بعد الغسل؛ ومن احترقت إصبعه فعليه لعنة الله؛ أو قلت: فهو مغلوب. فلما قلت ذلك تغير وذل. وذكر لي أن وجهه اصفر.
الخوارق ليست دليل الصلاح والتقى:
ثم قلت لهم: ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة، ولو طرتم في الهواء؛ ومشيتم على الماء؛ ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع. ولا على إبطال الشرع؛ فإن الدجال الأكبر يقول للسماء: أمطري فتمطر؛ وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه؛ ويقتل رجلا ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب.
وذكرت قول أبي يزيد البسطامي: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي، وذكرت عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال للشافعي: أتدري ما قال صاحبنا يعني الليث بن سعد؟ قال لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به. فقال الشافعي: لقد قصر الليث لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به؛ وتكلمت في هذا ونحوه بكلام بعد عهدي به. ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير في طلب الصلح، وجعلت ألح عليه في إظهار ما ادعوه من النار مرة بعد مرة، وهم لا يجيبون، وقد اجتمع عامة مشايخهم الذين في البلد والفقراء المولهون منهم، وهم عدد كثير، والناس يضجون في الميدان، ويتكلمون بأشياء لا أضبطها.(/17)
وقع الحق وبطل ما كنوا يعملون:
فذكر بعض الحاضرين أن الناس قالوا ما مضمونه: {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} وذكروا أيضا أنَّ هذا الشيخ يسمى عبد الله الكذاب. وأنه الذي قصدك مرة فأعطيته ثلاثين درهما، فقلت: ظهر لي حين أخذ الدراهم وذهب أنه ملبس، ولما فارقني وقع في قلبي أن لحيته مدهونة. وأنَّه دخل إلى الروم واستحوذ عليهم.
فلما ظهر للحاضرين عجزهم وكذبهم وتلبيسهم، وتبين للأمراء الذين كانوا يشدون منهم أنهم مبطلون رجعوا، وتخاطب الحاج بهادر ونائب السلطان وغيرهما بصورة الحال، وعفوا حقيقة المحال؛ وقمنا إلى داخل ودخلنا، وقد طلبوا التوبة عما مضى.
المطلوب من أمثال هؤلاء:
وسألني الأمير عما تطلب منهم فقلت: متابعة الكتاب والسنة مثل أن لا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما ونحو ذلك، أو أنه يجوز إتباع طريقة تخالف بعض حكمهما، ونحو ذلك من وجوه الخروج عن الكتاب والسنة التي توجب الكفر. وقد توجب القتل دون الكفر. وقد توجب قتال الطائفة الممتنعة دون قتل الواحد المقدور عليه.
فقالوا: نحن ملتزمون الكتاب والسنة أتنكر علينا غير الأطواق؟ نحن نخلعها. فقلت: الأطواق وغير الأطواق، ليس المقصود شيئا معينا؛ وإنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقلت: حكم الكتاب والسنة كثير لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزموا هذا التزاما عاما، ومن خرج عنه ضربت عنقه –وكرر ذلك وأشار بيده إلى ناحية الميدان- وكان المقصود أن يكون هذا حكما عاما في حق جميع الناس؛ فإن هذا مشهد عام مشهور قد توفرت الهمم عليه، فيتقرر عند المقاتلة، وأهل الديوان، والعلماء والعباد وهؤلاء وولاة الأمور –أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه.(/18)
قلت: ومن ذلك الصلوات الخمس في مواقيتها كما أمر الله ورسوله؛ فإن من هؤلاء من لا يصلي، ومنهم من يتكلم في صلاته، حتى إنهم بالأمس بعد أن اشتكوا علي في عصر الجمعة جعل أحدهم يقول في صلب الصلاة يا سيدي أحمد شيء لله. وهذا مع أنه مبطل للصلاة فهو شرك بالله ودعاء لغيره في حال مناجاته التي أمرنا أن نقول فيها: (إياك نعبد وإياك نستعين)، وهذا قد فعل بالأمس بحضرة شيخهم، فأمر قائل ذلك لما أنكر عليه المسلمون بالاستغفار على عادتهم في صغير الذنوب. ولم يأمره بإعادة الصلاة، وكذلك يصيحون في الصلاة صياحاً عظيماً وهذا منكر يبطل الصلاة.
الفرق بين الصياح والعطاس في الصلاة:
فقال: هذا يغلبعلى أحدهم كما يغلب العطاس.
فقلت: العطاس من الله، والله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، ولا يملك أحدهم دفعه، وأما هذا الصياح فهو من الشيطان، وهو باختيارهم وتكلفهم، ويقدرون على دفعه، ولقد حدثني بعض الخبرين بهم بعد المجلس أنهم يفعلون في الصلاة مالا تفعله اليهود والنصارى: مثل قول أحدهم: أنا على بطن امرأة الإمام، وقول الآخر كذا وكذا من الإمام، ونحو ذلك من الأقوال الخبيثة، وأنهم إذا أنكر عليهم المنكر ترك الصلاة يصلون بالنوبة، وأنا أعلم أنهم متولون للشياطين في الصلاة أو غيرها.
احتجاجهم بالقدر:
فلما أظهروا التزام الكتاب والسنة وجموعهم بالميدان بأصواتهم وحركاتهم الشيطانية يظهرون أحوالهم قلت له: أهذا موافق للكتاب والسنة؟ فقال: هذا من الله حال يرد عليهم، فقلت: هذا من الشيطان الرجيم لم يأمر الله به، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحبه ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما في السموات والأرض حركة ولا كذا ولا كذا إلا بمشيئته وإرادته، فقلت له: هذا من باب القضاء والقدر، وهكذا كل ما في العالم من كفر وفسوق وعصيان هو بمشيئته وإرادته، وليس ذلك بحجة لأحد في فعله ؛ بل ذلك مما زينه الشيطان وسخطه الرحمن.(/19)
استخدام القوة إن لم تنفع الحجة:
فقال: فبأي شيء تبطل هذه الأحوال. فقلت: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك، وقال: أي والله! بالسياط الشرعية، تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية. وأمسكت سيف الأمير وقلت: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه، وهذا السيف سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله، وأعاد الأمير هذا الكلام.
لا يقر أحد على إظهار المنكر في ديار الإسلام:
وأخذ بعضهم يقول: فاليهود والنصارى يقرون ولا نقر نحن؟. فقلت: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته. فأفحموا بذلك.
و (حقيقة الأمر) أن من أظهر منكرا في دار الإسلام لم يقر على ذلك، فمن دعا إلى بدعة وأظهرها لم يقر، ولا يقر من أظهر الفجور، وكذلك أهل الذمة لا يقرون على إظهار منكرات دينهم، ومن سواهم فإن كان مسلما أخذ بواجبات الإسلام وترك محرماته، وإن لم يكن مسلما ولا ذميا فهو إما مرتد وإما مشرك وإما زنديق ظاهر الزندقة.
ذم المبتدعة:(/20)
وذكرت ذم (المبتدعة) فقلت: روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه أبي جعفر الباقر، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته (إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). وفي السنن عن العرباض بن ساريه، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبه فذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة)) وفي رواية ((وكل ضلالة في النار)).
البدعة شر من الزنا والمعاصي:
فقال لي: البدعة مثل الزنا، وروى حديثا في ذم الزنا، فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزنا معصية، والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية: فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها. وكان قد قال بعضكم: نحن نتوب الناس، فقلت: من ماذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق، والسرقة، ونحو ذلك.
فقلت: حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هو عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.(/21)
قلت مخاطبا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة. وقال: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)) . قلت: فهذا رجل كثير الشرب للخمر، ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه.
وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما –دخل حديث بعضهم في بعض- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم، فجاء رجل ناتئ الجبين كث اللحية، محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من ضئضىء هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) وفي رواية: ((لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل)) ، وفي رواية: ((شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه)) .
قلت: فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لخروجهم عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته.
أظن أني ذكرت قول الشافعي: لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بشيء من هذه الأهواء.(/22)
فلما ظهر قبح البدع في الإسلام، وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنهم مبتدعون بدعا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر أخذ شيخهم عبد الله يقول: يا مولانا لا تتعرض لهذا الجناب العزيز –يعني أتباع أحمد بن الرفاعي- فقلت منكرا بكلام غليظ: ويحك؛ أي شي هو الجناب العزيز، وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله.
فقال: يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم، فقلت: مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم، ويقول أصحابهم: إن لهم سرا مع الله فنصر الله وأعان عليهم. وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل، أكذب الطوائف حتى قيل فيهم: لا تقولوا أكذب من اليهود على الله، ولكن قولوا أكذب من الأحمدية على شيوخهم، وقلت لهم: أنا كافر بكم وبأحوالكم {فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} .
ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يبطلون مني كتبا صحيحه ليهتدوا بها فبذلت له ذلك، وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام على ذلك. والحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
وقلت لهم: يا شبه الرافضة يا بيت الكذب، فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا به الرافضة في بعض صفاتهم، وفيهم من الكذب ما قد يقاربون به الرافضة في ذلك، أو يساوونهم، أو يزيدون عليهم.
نقلها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/23)
صحة قول منسوب لرابعة العدوية
أجاب عليه:عبد الرحمن بن ناصر البراك
السؤال:
قالت رابعة العدوية فيما معناه: (يا رب إذا كنت أسلمت طمعاً في جنتك فاحرمني منها، وإذا كنت أسلمت خوفاً من نارك فأدخلني فيها، وإذا أسلمت طمعاً في رؤية وجهك الكريم فلا تحرمني منه)، أريد دليلاً من الكتاب على صحة قولها هذا.
الجواب:
الحمد لله.
رابعة العدوية عابدة مشهورة، وهي من أعلام الصوفية المتقدمين الذين لديهم اجتهاد في العبادة، مع جهل بحقيقة ما توجبه الشريعة في باب السلوك والسير إلى الله من أحوال القلوب وأعمال الجوارح، وقد أفضى بهم الجهل إلى الغلو والتنطع في العبادة مما انحرفوا به عن الصراط المستقيم، ومن ذلك غلوهم في المحبة، حتى زعموا أنهم لا يعبدون الله خوفاً ولا رجاءً، وإنما يعبدونه بالمحبة، وهذا مخالف لطريق الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام- الذين يدعونه سبحانه وتعالى رغباً ورهباً مع حبهم له سبحانه، وابتغائهم إليه الوسيلة، وتقربهم إليه بمحابه ومسارعتهم في ذلك، كما قال تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"[الأنبياء: من الآية90]، وقال تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً"[الإسراء:57].(/2)
وهذه المقولة المنسوبة لرابعة مقالة منكرة تتضمن الزهد في الجنة والاستخفاف بعذاب النار، وأما رؤية الله فإنها أعلى نعيم الجنة، فمن دخل الجنة فاز بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، قال تعالى: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"[يونس: من الآية26]، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله، ويروى معنى هذه المقولة عن رابعة أو غيرها بلفظ: إني لا أعبده خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، بل أعبده حباً له.
ولهذا قال بعض أهل العلم: من عبدَ الله بالخوف وحده فهو حروري، -أي: من الخوارج-، ومن عبده بالرجاء فهو مُرجئ، ومن عبده بالحب فهو زنديق، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، وأسماء الله وصفاته تقتضي محبته وخوفه ورجاءه، فالله –تعالى- ذو الجمال، والجلال والإكرام، وغافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، وكل اسم من أسمائه الحسنى، وصفة من صفاته، تقتضي عبودية خاصة، فمن كان بأسمائه وصفاته أعلم كان له أعبد، وعلى صراطه أقوم.والله أعلم.
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية
مواقع اسلامية(/3)
طُرد من درس الفرفور الصوفي بسبب هذا الكتاب
هذا أحد كبار العلماء السوريين يروي لنا قصة طرده من درس شيخه -لما كان صوفياً- ... والسؤال لما طرد؟!!!
السبب أنه أُخبر بقراءته لكتاب ....!!!
ندع طالب الشيخ يروي من شيخه قصة طرده ..
( قصة طرده من مجلس الشيخ الفرفور و ظهور سلفية شيخنا
لقد كان شيخنا عبد القادر تلميذا -كما أسلفنا- للشيخ صالح الفرفور، قرأ عليه -كعامة من كان يقرأ في معهد الفتح- من علوم العربية و المعاني و البيان و البديع و الفقه و التفسير الكثير في مدة تقرب من عشر سنوات. و كان مما قرأه من كتب الفقه الحنفي: حاشية ابن عابدين، و حاشية الطحطاوي، و نور الإيضاح، و مراقي الفلاح، و غيرها.
و كان أثناء قراءته على الشيخ صالح في الحاشية لابن عابدين، تمرُّ بهم أحاديث، فيسأل الشيخ عبد القادر عنها صحة و ضعفا و نحو ذلك، فكانت الكلمة المشهورة المتداولة على ألسنة الصوفية تخرج من فم الفرفور كالسهم: «لا تعترض فتنطرد»!(/2)
و في إحدى المرات اشترى شيخنا كتاب "الوابل الصيب" لابن القيم من إحدى المزادات بدمشق، و لما لم يكن له مكتبة يومئذ. و كان الشيخ عبد الرزاق الحلبي متميزاً في ذلك، حيث كانت له مكتبة خاصة في جامع فتحي، أراد الشيخ أن يلحقه بمكتبته. فعلم بذلك رمزي البزم –و كان أكبر طلاب الفرفور سِنّاً– فقال بعد أن سمع بوضع شيخنا للكتاب بمكتبة الحلبي، بعد أن أنهى الفرفور درسه بالأموي: «عبد القادر، الليلة عندك محاكمة»!! هكذا مع إحداث ضجة في حلقة الدرس. و فعلا أشار إليه الفرفور و إلى الحلبي و إلى البزم أن قوموا إلى مكتبة الشيخ عبد الرزاق، و هنا جرت المحاكمة و هذا سياقها:
قال الفرفور للشيخ عبد القادر: لِمَ جئت بالكتاب؟(يريد: الوابل الصيب).
قال شيخنا: «لأني قرأت في مقدمته: في الذكر مئة فائدة، ثم سردها».
فقال الفرفور: هل تعرف ابن القيم تلميذ من؟
قال شيخنا: «تلميذ ابن تيمية».
قال الفرفور: نحن نقرأ لابن تيمية؟! قم و خذ صاحبك معك –يعني الشيخ شعيب–. ثم جرت أحداث، لها موضع آخر.
و الله يحفظ شيخنا العلامة المربي بقية السلف: عبد القادر الأرنؤوط، و يطيل في عمره على طاعته، ويبقيه شوكة في حلق المبتدعة. )
وهذه صورة من صور الإرهاب الفكري الذي يقوم به الصوفية
لا تعترض فتنطرد
وكلمتهم الأخرى
المريد عند شيخه كالميت عند المغسل
فمت يتحرر العقلاء من القوم ليقرأوا كتب أهل السنة ويحكموا بعقولهم
بدل أن ينصاعوا عبيداً لمحاولات الإرهاب الفكري
جزى الله الشيخ عبدالقادر خير الجزاء
http://alarnaut.com
أعدها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
أرباب الطريقة
منوعات
من كلام الأئمة
كتب عن الصوفية
جولات مع الصوفية
شبهات وردود
صوتيات عن الصوفية
فرق الصوفية
شخصيات تحت المجهر
العائدون إلى العقيدة
الملل والنحل
الصفحة الرئيسية(/3)
مواقع اسلامية(/4)
فتح الكوة فوق القبر الشريف
روى الدارمي في سننه ، قال: حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: ((قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا. فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق)). سنن الدارمي (1ـ 56)
ورواه إبراهيم الحربي "في الغريب" قال: حدثنا ابن أبي الربيع حدثنا عارم ، عن سعيد بن زيد عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال : ((قحط الناس فشكوا إلى عائشة ، فقالت: انظروا إلى قبر النبي صلى الله عليه فاجعلوا منه كوا إلى السماء ، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت فسمي عام الفتق)). غريب الحديث (3 ـ476)
وهذه الأثر ضعيف جداً لأسباب:
الأول: أن راويه عمرو بن مالك النكري ضعيف بمرة، قال ابن عدي في "الكامل" : منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث سمعت أبا يعلى يقول: عمرو بن مالك النكري: كان ضعيفا. " ثم قال بعد أن ساق له أحاديث: "ولعمرو غير ما ذكرت أحاديث مناكير. اهـ (6ـ1799 )
وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام.
الثاني: أن سعيد بن زيد الراوي عن عمرو فيه ضعف، قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة يضعفون حديثه . وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي وقال أحمد : ليس به بأس كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه. كما في ميزان الاعتدال.
وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام.
الثالث: أبو الجوزاء أوس بن عبد الله ، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة يرسل كثيراً.
الرابع: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو صح لم تكن فيه حجة لأنه أمر يحتمل أن يكون من قبيل الرأي والاجتهاد لها رضي الله عنها ، وقول الصحابي ليس بحجة بإجماع أهل العلم.(/1)
الخامس: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم ، وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في كتابه "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" تبعا لابن الصلاح حيث أورده في المختلطين من كتابه "المقدمة" وقال: (والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده).
قال الشيخ الألباني "رحمه الله": وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده فهو إذن غير مقبول فلا يحتج به.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله" في (الرد على البكري): وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضه مسقوف وبعضهم مكشوف وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بني حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدار عال وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف.
وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بين ولو صح ذلك لكان حجة ودليلا على أن القوم لم يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ولا يتوسلون في دعائهم بميت ولا يسألون الله به وإنما فتحوا على القبر لتنزل.
وتغافل عن هذه العلة الغماري في (المصباح - 43) كما تغافل عنها من لم يوفق للإصابة ليوهموا الناس صحة هذا الأثر .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.(/2)
كتبه: أبو أحمد محمد أمجد البيطار ، غفر الله له ولوالديه.(/3)
فسيراني في اليقظة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا بحث حديثي أسقط فيه "بعون الله تعالى" استدلال الصوفية واحتجاجهم بحديث البخاري ((فسيراني في اليقظة)) في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر بعد موته بجسده وروحه يقظة لدى أوليائهم ومشايخهم.
والشبهة التي يشبهون بها على الناس سببها سقط لعبارة من متن الحديث في صحيح البخاري، وأصلها أن أحد رواة الحديث شك في لفظة فأوردها على احتمالين، حيث قال في حديث: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة. فسقطت العبارة الثانية في رواية الإمام البخاري فكانت منها هذه الشبهة. والراجح فيها أنها من سهو القلم سواء كانت من الإمام البخاري "رحمه الله" أو من شيخه في السند عبدان، والله أعلم.
أما بالنسبة للشك في الرواية فهو من ابن شهاب الزهري أو من أبي سلمة والراجح الأول، كما سيظهر في مخطط أسانيد الحديث لاحقاً، ولا نقول كما قال أحدهم: إن الرواية الوحيدة على الجزم جاءت من رواية البخاري، وغيرها على الشك. بل نقول: إن رواية البخاري تعرضت لسقط، وبقية الروايات كما في مسلم وأبي داود وأحمد جاءت على التمام، لأنه من المستحيل أن ينقل عبدان شيخ البخاري رواية الجزم ـ فسيراني في اليقظة ـ وأن يروي أربعة عن شيخ عبدان الشك في الرواية، ويأتي الجميع بنفس اللفظ المشكوك فيه ((فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة)) بل معناه يقتضي أن الأربعة يروون الشك عمن فوقهم، وهو شيخ عبدان أو من فوقه، والراوي عبدان قصر في روايته فلم يأت بلفظ الشك،
ومما يزيد الأمر وضوحاً وثقة بما أقول أن لفظة الشك ((فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة)) جاءت من رواية شيخ، شيخ، شيخ عبدان في السند عند الإمام أحمد (5ـ360) وهو ابن أخي محمد بن شهاب الزهري عن عمه، وهذا يقطع بكون رواية عبدان قد وقع فيها السقط والحمد لله رب العالمين.(/1)
أولاًـ من المفيد تقديم روايات الحديث:
حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي )). البخاري. رقم (6592)
حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي )). البخاري. رقم (110)
حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن مختار حدثنا ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )). البخاري. رقم (6594)
حدثنا خالد بن خلي حدثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري قال أبو سلمة قال أبو قتادة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من رآني فقد رأى الحق )). البخاري. رقم (6595)
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني)). البخاري.رقم (6596)
حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد يعني بن زيد حدثنا أيوب وهشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )). مسلم. رقم (2266)
وحدثني وحرملة قالا أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي )).مسلم. رقم (2266)(/2)
حدثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي )). أبو داود. رقم (5023)
حدثنا يعقوب حدثني ابن أخي بن شهاب عن محمد بن شهاب حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي )). مسند الإمام أحمد (5ـ306).
وحدثني محمد بن حاتم حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي )). مسلم. رقم (2268)
حدثنا يعلى ويزيد قالا أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رأى الحق ان الشيطان لا يتشبه بي )). مسند الإمام أحمد.(2ـ261)
حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )). الترمذي. رقم (2276)
حدثنا محمد بن يحيى ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا سعدان بن يحيى بن صالح ثنا صدقة بن أبي عمران عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي )). ابن ماجه. رقم (3904)(/3)
حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو الوليد قال أبو عوانة ثنا عن جابر عن عمار هو الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )). ابن ماجه. رقم (3905)
أنا الشيخ أبو بكر أحمد بن علي الطريششي قال : أنا القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي قال : أنا محمد بن عبد الرحمن البغوي، أنا عبد الله بن محمد البغوي، قال : أنا سويد بن سعيد، قال : أنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من رآني في المنام، فقد رآني في اليقظة، فإن الشيطان لا يتمثل بي)) اعتقاد أهل السنة للالكائي.
حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي)) مسند الإمام أحمد. (3608)
حدثنا محمد بن فضيل ثنا عاصم بن كليب حدثني أبي نه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )). مسند أحمد. (2ـ232)
حدثنا حسين بن محمد ثنا خلف يعني بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه طارق ابن أشيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رآني )). مسند أحمد. (3ـ472)
أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا أنس بن عياض قال حدثنا يونس بن يزيد عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رأى الحق )). صحيح ابن حبان. رقم (6051)(/4)
حدثنا أبو مروان العثماني قال ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي)). ابن ماجه. (3901).
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا بحر بن نصر الخولاني، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرنا أبو سلمة قال: سمعت أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من رآني في المنام، فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي )). البيهقي، دلائل النبوة. (7ـ45).
حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله السليمي البصري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان فمن رأى ما يكره فليقم فليصل وكان يقول يعجبني القيد وأكره الغل القيد ثبات في الدين وكان يقول: من رآني فإني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي)) سنن الترمذي رقم (2206)
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأكفاني القطيعي، شيخ بغداد، ثنا محمد بن عزيز الأيلي، ثنا سلامة بن عقيل قال: قال ابن شهاب: وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة، رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي)) معجم ابن المقرئ. رقم (964).
تنويه: سلامة بن عقيل في هذا السند، يروي هذا الحديث عن عمه بواسطة كتاب له فيه مرويات الزهري، كما هو واضح في ترجمته في كتاب تهذيب التهذيب.(/5)
حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا محمد بن حرب، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو كأنما رآني في اليقظة)) مسند الشاميين للطبراني. رقم (1712)
مما تقدم معنا يتكون لنا أسانيد حديث أبي هريرة:
(1) عبدان، ابن وهب، يونس، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة.
(2) حرملة، ابن وهب، يونس، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة
(2) سليمان، ابن وهب، يونس، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة
(3) أحمد، ابن وهب، يونس، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة
(9) بحر ، ابن وهب، يونس، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة
(4) ابن أخي ابن شهاب، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة
(5) سلامة بن عقيل، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة
(6) محمد بن الوليد، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فسيراني في اليقظة، أو كأنما رآني في اليقظة
(13) عبد الرحمن بن يعقوب، أبو هريرة: فقد رآني في اليقظة.
(14) أبو صالح، أبو هريرة: فقد رآني في اليقظة.
(7) كليب بن شهاب، أبو هريرة: فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي
(2) محمد بن سيرين، أبو هريرة: فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي
(8) أبو صالح، أبو هريرة: فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي
(11) عبد الرحمن بن يعقوب، أبو هريرة: فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي
(10) محمد بن عمرو، أبو سلمة، أبو هريرة: فقد رأى الحق
(12) أنس بن عياض، يونس، ابن شهاب، أبو سلمة، أبو هريرة: فقد رأى الحق(/6)
(15) محمد بن سيرين، أبو هريرة: فإني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي
1ـ البخاري (6592)، 2ـ مسلم (2266)، 3ـ أبو داود (5023)، 4ـ مسند أحمد (5ـ306)، 5 ـ معجم ابن المقرئ ( 3ـ 18)،6ـ مسند الشاميين للطبراني (5 ـ357)، 7ـ مسند أحمد (2ـ232)، 8ـ البخاري (110)، 9ـ البيهقي، دلائل النبوة (7ـ45)، 10ـ مسند أحمد (2ـ261)، 11ـ ابن ماجه (3901)، 12ـ ابن حبان (6051)، 13ـ اعتقاد أهل السنة للالكائي (4ـ471)، 14ـ مسند أحمد (8ـ143)، 15ـ سنن الترمذي (8ـ243).
وبهذا يظهر لنا أن أربعة تابعوا عبدان في الرواية عن شيخه عبد الله بن وهب، وذكروا عبارة الشك، كذلك فإن ابن أخي محمد بن شهاب الزهري، وسلامة بن عقيل، محمد بن الوليد الزبيدي، قد تابعوا يونس في الرواية عن ابن شهاب الزهري، ويونس المتابع هنا هو شيخ شيخهم لهؤلاء الخمسة: عبدان، وحرملة، وسليمان، وأحمد، وبحر، وعليه يظهر جلياً تقديم رواية الأربعة على رواية عبدان.
هذا كله فضلاً عن الأربعة من التابعين الذين تابعوا أبا سلمة في الرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفضلاً عن تسعة من الصحابة رووا هذا الحديث وهم أنس بن مالك، كما في صحيح البخاري (6594)، وعبد الله بن عباس، كما في سنن ابن ماجه (3905)، وجابر بن عبد الله، كما في صحيح مسلم (2266)، وأبو جحيفة، كما في سنن ابن ماجه (3904)، وطارق بن أشيم، كما في المسند (3ـ472)، وعبد الله بن مسعود، كما في سنن الترمذي (2276)، وأبو سعيد الخدري، كما في صحيح البخاري (6596) وعبد الله بن عمرو كما في معجم الطبراني (20ـ93)
كما أن عبارات أحاديث الصحابة التسعة كما قدمت موافقة والحمد لله للمعنى الذي سقط من رواية البخاري، وفيه أراد النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبين أن صورته التي يرى عليها في المنام هي عين صورته بأبي هو وأمي.(/7)
وقد أتى الصحابي أبو جحيفة وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، بنفس اللفظ الذي أشرت إلى صوابه، فقالا: ((من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة)) كما في سنن ابن ماجه (3904)، وكما في معجم الطبراني (20ـ93) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7ـ181): رجاله ثقات. فظهر هنا وبشكل قاطع أنه المعنى المراد، والحمد لله على توفيقه.
وبهذا أكتفي برد لفظة (( فسيراني يقظة )) رواية لأنها لم تثبت كما هو ظاهر بحال، علماً أن هناك من العلماء من تكلف وحاول أن يردها دراية كونها لم تظهر له حقيقتها والله أعلم.
كتبه أبو أحمد محمد أمجد البيطار غفر الله له ولوالديه.(/8)
قِصَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ مَع أبِي جَعْفرٍ المَنْصُورِ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
يستدل الصوفية لجواز الطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبره الشريف ، بما رواه القاضي عياض رحمه الله في كتابه " الشفا " (2/595 – 596) بسنده: حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، وأبو القاسم أحمد بن بَقِي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازُونيه ؛ قالوا: أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دِلهات ؛ قال: حدثنا أبو الحسن علي بن فِهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن بن المُنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوماً فقال: " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " [الحجرات: 2] .
ومدح قوما فقال: " إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " [الحجرات: 3] .
وذم قوما فقال: " إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " [الحجرات: 4].(/1)
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً . فاستكان لها أبو جعفر ، وقال: يا أبا عبد الله ؛ أأستقبل القبلة وأدنو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى إلى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به ، فيشفعك الله ؛ قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا " [النساء: 64]. اهـ وهذه القصة لا تصح لعدة أمور ، منها:
من جهةِ السندِ:
قال في " الفتاوى " (1/228):
فَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً بِإِسْنَادِ غَرِيبٍ مُنْقَطِعٍ رَوَاهَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إجَازَةً ... فذكرها بسندها عن القاضي عياض ، ثم قال: قُلْت: وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ مُنْقَطِعَةٌ ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حميد الرَّازِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مَالِكًا ، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَتُوُفِّيَ مَالِكٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ . وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرازي سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ حِينَ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، كَذَّبَهُ أَبُو زُرْعَةَ ، وَمحمد بن مسلم بْنُ وارة.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأسدي: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَجْرَأَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ وَأَحْذَقَ بِالْكَذِبِ مِنْهُ .
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبِيبَةَ: كَثِيرُ الْمَنَاكِيرِ .(/2)