من أضاليل القاديانية
بقلم الشيخ عبد الغفار حسن
المدرس بكلية الشريعة في الجامعة
ورد خطاب من بعض مسلمي سيام (تايلند) إلى طالب سيامي يدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة يذكرون فيه جهود القاديانيين في نشر أغاليطهم وأكاذيبهم في تلك البلاد.
هؤلاء المبشرون من القاديانيين يخدعون مسلمي سيام متظاهرين بالإخلاص للإسلام وينشرون عقائدهم الكاذبة والأحاديث الواهية المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم يريدون بذلك إثبات نبوة المتنبي القادياني الميرزا غلام أحمد القادياني، ونحن نذكر هنا نماذج من جدلهم وخداعهم مع نقدها والرد عليها، ليكون المسلمون على حذر من هذه الترهات والأباطيل.
من الجدير بالذكر أن المجادل القادياني الذي يسمي نفسه (الأحمدي) يزعم أن الروايات والآثار التي يعتمد عليها في إثبات بقاء النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم قد ذكرت في تفسير الدر المنثور للحافظ السيوطي ت (911 هـ) وتكملة مجمع البحار لمحمد طاهر الهندي الفتني ت (986 هـ) وقد بحثنا عنها في مظانها في هذين المرجعين فلم نجد أغلب الروايات والآثار فيهما، بل وجدنا فيهما ما يخالف هواه ويبطل دعواه.
نماذج الأغاليط:
1_ " أنا خاتم الأنبياء وأنت علي خاتم الأولياء ".
أخرجه الخطيب البغدادي ت (363 هـ) في تاريخه(1) من طريق عمر بن واصل وقال: "هذا من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه"، وقال الذهبي ت (748 هـ): " عمر بن واصل الصوفي شيخ روى عن سهل بن عبد الله اتهمه الخطيب بالوضع" (2) .
__________
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق الكناني ت(963 هـ) ج1 ص366 وتاريخ بغداد ج10 ص358 .
(2) ميزان الاعتدال ج3 ص230.(1/1)
ومن المكايد الغربية أن هذا المجادل القادياني يدعي أن هذه الروايات ذكرها الفتني في تكملة مجمع البحار ولكن بعد البحث عن ذلك علمنا أن هذه الرواية لم تذكر في هذا المرجع بل ذكر في باب آخر ما يخالف زعمه ويكذب ما تفوه به، قال مؤلف مجمع البحار (مجمع بحار الأنوار) لفظ خاتم الأولياء باطل لا أصل له، فإن خاتم الأولياء آخر مؤمن بقي من الناس وليس هو خير الأولياء ولا أفضلهم فإن خيرهم أبو بكر هم عمر رضي الله عنهما (1) .
2_" أبو بكر خير الناس إلا أن يكون نبي".
أخرجه الطبراني ت (360 هـ) وابن عدي ت (365 هـ) قال المناوي ت(1031هـ) في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي: " قوله إلا أن يكون نبي أي يوجد نبي فلا يكون خير الناس يعني هو أفضل الناس إلا نبي والمراد الجنس و (يكون) هنا تامة و (نبي) مرفوع بها، والاستثناء لإخراج عيسى عليه السلام" (2) ثم قال مخرجه ابن عدي (3) : "هذا الحديث أحد ما أنكر على عكرمة", وقال الهيثمي ت(807هـ) بعد عزوه للطبراني: "فيه إسماعيل بن زياد الأيلي ضعيف". اهـ (4) وفي الميزان "تفرد به إسماعيل هذا فإن لم يكن هو وضعه فالآفة ممن دونه"، خلاصة الكلام أن هذه الرواية في غاية الوهن حسب الإسناد بل يبلغ إلى درجة الموضوع كما صرح بذلك الذهبي.
3_ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قولوا خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده" (5) .
__________
(1) مجمع البحار ج3 ص518 فصل في الخاتمة.
(2) فيض القدير ج1 ص90 وميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص231.
(3) الكامل لابن عدي مخطوطة ج3 ص186 ق2.
(4) مجمع الزوائد ج9 ص44.
(5) تفسير الدر المنثور للسيوطي ج5 ص204.(1/2)
الجواب عن ذلك من وجوه ( أ ) الإمام السيوطي ذكر في تفسير الآية {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} عدة أحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تدل دلالة صريحة على انقطاع الرسالة والنبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم منها ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى داراً بناء فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"، وبهذا المعنى أخرج أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأخرجه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه وأخرج أحمد والترمذي وصححه عن أبي بن كعب رضي الله عنه، فهذه الأحاديث كلها متقاربة اللفظ متحدة المعنى بأسانيد صحيحة بل تبلغ إلى درجة التواتر كما لا يخفى على من درس دواوين السنة، ومنها ما أخرجه ابن مردويه عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي" ج5 ص396 الفتح الكبير 2/275 ، ومنها ما أخرجه أحمد عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في أمتي كذابون دجالون سبعة وعشرون منهم وأربعة نسوة وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي" (1) .
__________
(1) تفسير الدر المنثور للسيوطي ج5 ص204.(1/3)
ومن العجائب أن الداعية القادياني يمر بهذه الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا غبار عليها ولكن لا يتمسك بها بل لا يلتفت إليها لأنها تخالف هواه وإذا مرّ بقول عائشة رضي الله عنها عض عليه بالنواجذ كشأن من نزلت فيهم هذه الآية {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} البقرة آية 85.
هذه الروايات التي ذكرها السيوطي في تفسيره هي غيض من فيض وقطرة من بحر وإلا ففي دواوين السنة الصحيحة المعروفة لدى أهل العلم عدد كبير من الأحاديث التي هي أقوى إسناداً وأكثر شهرة مما ذكره السيوطي نذكر بعضاً منها لزيادة العلم وإقامة الحجة على من خالف ذلك.
منها ما أخرجه البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة من حديث طويل وهو حديث الشفاعة وفيه: "فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء" (1) وأما لفظة "لا نبي بعدي" فرواه البخاري مرفوعا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي". الحديث.
__________
(1) ج8 ص396 مع شرحه فتح الباري المطبعة السلفية بمصر كتاب التفسير باب ذرية من حملنا مع نوح، كتاب المناقب 6 ص558 الصحيح لمسلم كتاب الإيمان والسنن لابي داود كتاب الفتن والجامع الترمذي أبواب القيامة والسنن الدارمي في مقدمته ومسند أحمد في مواضع منهاج1 ص226، ج2 ص436، ج4 ص127، ج5 ص278.(1/4)
ورواه البخاري بسنده قال إسماعيل قلت لابن أبي أوفى:" رأيت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مات صغيراً ولو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، عاش ابنه ولكن لا نبي بعده" (1).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثون كذابا" (2) ولفظه كما أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله".
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يبقى بعدي من النبوة شيء إلا المبشرات قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له" (3), ولفظ رواية أبي هريرة عند البخاري "لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة" (4) .
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال ذلك في مرضه الذي مات فيه: "يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له" (5) .
__________
(1) الجامع الصحيح للبخاري كتاب الأنبياء 6 ص495 وكتاب الأدب ج10 ص577 مع فتح الباري المطبعة السلفية بمصر والصحيح لمسلم كتاب الإمارة وكتاب فصائل الصحابة، والسنن لأبي داود كتاب الفتن، والجامع الترمذي أبواب الفتن وأبواب المناقب، والسنن لابن ماجة في المقدمة وأبواب الجنائز وأبواب الفتن والمسند أحمد في عشرة مواطن منها ج5 ص287.
(2) الجامع الصحيح للبخاري كتاب المناقب ج6 ص616 وباب علامات النبوة، كتاب الفتن ج13 ص81 والصحيح لمسلم كتاب الفتن والجامع للترمذي كتاب الفتن والمسند لأحمد في ثلاثة مواطن منها ج2 ص349 والسنن لأبي داود كتاب الملاحم.
(3) مسند أحمد ج6 ص129.
(4) الجامع الصحيح للبخاري مع شرحه فتح الباري 12 ص375.
(5) الصحيح لمسلم ج4 ص196 كتاب الصلاة باب النهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.(1/5)
قد دل حديث عائشة رضي الله عنها دلالة واضحة لا خفاء فيها على انقطاع النبوة بقضها وقضيضها (بجميع أنواعها) ويؤيده ما رواه أبو هريرة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم من الأحاديث المرفوعة الصحيحة التي أخرجها مالك والبخاري ومسلم، فلا بد من تقديم هذه الأحاديث على أثر عائشة رضي الله عنها من وجوه ( أ )- إذا وقع التعارض بين الحديث الصحيح المرفوع والأثر الموقوف فالواجب تقديم المرفوع على الموقوف، لأن المرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والموقوف من كلام الصحابي ولا شك أن قول النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم يقدم على قول الصحابي. (ب)- إن الراوي إذا خالف قوله ما روى من الحديث فالواجب تقديم روايته على قوله ورأيه كما تقرر ذلك في مصطلح الحديث وعلم الأصول (1) . (ج)- أثر عائشة رضي الله عنها هذا ذكره السيوطي في تفسيره بدون سند ولكن قال أخرجه ابن أبي شيبة، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة لم يطبع منه حتى الآن إلا خمسة أجزاء لا يوجد فيها هذا الأثر ولكن علمنا بعد مراجعة المخطوطة التي هي في مكتبة الحرم المكي هذا الأثر بسنده، قال الإمام بن أبي شيبة في المصنف ص102/2 من القسم الأول باب من كره أن يقول لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
حسين بن محمد قال حدثنا جرير بن حازم عن محمد يعني ابن سيرين عن عائشة قالت: " قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده"، إسناد هذا الأثر منقطع لأن محمد بن سيرين لم يسمع من عائشة شيئاً قال الإمام ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "ابن سيرين لم يسمع من عائشة شيئا" (2) .
__________
(1) المستصفى للغزالي ت(505)هـ ج2 ص113 وقواعد التحديث للقاسمي ت(1332)هـ نقلا عن إعلام الموقعين للحافظ ابن االقيم ت(751)هـ.
(2) كتاب المراسيل ص116.(1/6)
وقال العلامة صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ت(761هـ) وقال البخاري: "لم يسمع ابن سيرين من عائشة رضي الله عنها شيئا" (1) ونقل عنه الحافظ ابن حجر (2) .
ومن البين أن الأثر الموقوف على الصحابي لا يقاوم الحديث المرفوع الصحيح، وكيف إذا كان ذلك الأثر منقطعاً، ولا شك أن المنقطع من أقسام الضعيف.
ومن العجب العجاب أن أتباع الميرزا القادياني نقلوا هذا الأثر من الدر المنثور ولو يلتفتوا إلى قول المغيرة الذي ذكره السيوطي بعد أثر عائشة رضي الله عنها كأنه تفسير لقولها قال ابن أبي شيبة ت(235هـ) أبو أسامة عن مجالد قال أخبرنا عامر قال:قال رجل عند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "صلى الله على خاتم الأنبياء لا نبي بعده" قال المغيرة: "حسبك إذا قلت خاتم الأنبياء، فإنا كنا نتحدث أن عيسى خارج فإن خرج كان قبله وبعده" (3) .
__________
(1) جامع التحصيل في أحكام المراسيل ج2 ص635 (مخطوطة).
(2) تهذيب التهذيب ص216/9.
(3) الدر المنثور ج5 ص204.(1/7)
فمعنى هذا الأثر أن من كره أن يقال لا نبي بعده إنما كره لأجل أنه قد ثبت بأحاديث صحيحة صريحة نزول عيسى بن مريم عليهما السلام قبل يوم القيامة كما ورد في الصحيح لمسلم فما يدُل عليه قول المغيرة من نزول عيسى عليه السلام صحيح ثابت لا شك في ذلك وفيه رد على القاديانية الذين لا يؤمنون بنزوله عليه السلام ولأجل ذلك لا يذكرون هذا الأثر في مؤلفاتهم، ومن الجدير بالذكر أن قول المغيرة رضي الله عنه يشتمل على جزأين ( أ )- (حسبك إذا قلت خاتم الأنبياء) ، (ب)- فإنا كنا نتحدث أن عيسى خارج الخ، أما الجزء الأول فلا يعبأ به لأنه قد تفرد به مجالد بن سعيد الهمداني وهو ضعيف لا يحتج به وقد تغيّر في آخر عمره ولا يعرف متى أخذ عنه هذا الأثر كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب (1): مجالد بن سعيد ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره"، وأما الجزء الثاني فمعناه صحيح كما يدل عليه أحاديث مسلم وغيره. (ج)-قد اعترف المتنبي القادياني بانقطاع النبوة بأسرها في تأليفه (عمامة البشرى) قائلاً: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}. وفسره نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله:"لا نبي بعدي" وقال في (كتاب البرية): كان الحديث لا نبي بعدي معروفاً منتشراً بين الناس إلى حد لا يمكن أن يشك في صحته أحد، وذكر في بعض مؤلفاته حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي (تحفة بغداد ص7).
فمن أنعم النظر فيما ذكرناه من الأدلة والشواهد على انقطاع النبوة بجميع أنواعها لا يمكن له أن يستدل بقول عائشة رضي عنها المنقطع الضعيف وإلا مثله كمثل غريق يتشبث بالحشيش، والله الهادي إلى سواء السبيل. . (للبحث صلة).
__________
(1) التقريب لابن حجر ج2 ص229.(1/8)
من أضاليل القاديانية
(2)
لفضيلة الشيخ عبد الغفار حسن
المدرس بكلية الشريعة بالجامعة
(4) قال المبشر القادياني: "إن كلمة خاتم قد تستعمل في معنى الأفضل والأشرف, كما يقال خاتم الشعراء وخاتم المهاجرين، مثلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عباس أنت خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النبيين" .. لم نجد هذه الرواية في الدر المنثور ولا في تكملة مجمع البحار كما جزم بذلك هذا القادياني، ولكن وجدناه في ميزان الاعتدال للذهبي وفي كنز العمال لعلي المتقى الهندي.(2/1)
في إسناد هذا الحديث راويان أحدهما الحارث بن الزبير، قال فيه الأزدي: "ذهب علمه"(1). والثاني إسماعيل بن قيس بن سعد، قال فيه البخاري والدارقطني: "منكر الحديث". وقال النسائي وغيره: "ضعيف". ونقل بن القطان أن البخاري قال: "كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه"(2). وقال ابن عدي(3): حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي حدثنا سعيد بن سلمة الأنصاري حدثنا إسماعيل بن قيس حدثنا أبو حازم عن سهل عن سعد قال: "استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فكتب إليه: يا عم، أقم مكانك فإن الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة". ثم قال بن عدي: "عامة ما يرويه منكر"(4). وفي كنز العمال: "اطمأن يا عم فإنك خاتم المهاجرين في الهجرة كما أنا خاتم النبيين في النبوة"(5). الشاشي وابن عساكر عن سهل بن سعد والروياني وابن عساكر عن ابن شهاب مرسلا، هذه الرواية رواها ابن عساكر بإسنادين، أحدهما عن سهل بن سعد وفيه إسماعيل بن قيس وهو ضعيف جدا والثاني عن ابن شهاب مرسلا والمرسل لا يحتج به عند كثير من أهل العلم ومع ذلك لم نقف على رواة بين ابن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ وبين ابن عساكر المتوفى سنة 571هـ بينهما مفاوز لا يعلمها إلا الله، فإسناده مظلم لا يعبأ به.
__________
(1) ميزان الاعتدال ج ص433
(2) ميزان الاعتدال ج ص 6
(3) الكامل لابن عدي مخطوطة ق2 ج1 ص12
(4) ميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص245
(5) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ج12 ص278 طبعة الهند الثانية(2/2)
وعلى سبيل التنزل يمكن أن يجاب عن ذلك أن العباس بن عبد المطلب هاجر قبيل(1)فتح مكة إلى المدينة فصار خاتم المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة لأنه لا هجرة بعد فتح مكة من مكة كما ورد في الحديث الصحيح "لا هجرة بعد الفتح" أي بعد فتح مكة(2) و إلى هذا المعنى يشير حديث سهل بن سعد: "يا عم أقم مكانك فإن الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة" فالمراد بخاتم المهاجرين آخر المهاجرين فلا يثبت دعوى المبشر القادياني أن المراد بخاتم النبيين أفضل النبيين، فهذا الاستدلال في غاية الوهن والفساد، والله يهدي من يشاء إلى سبيل الرشاد.
(5) "لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا" ابن ماجه.
قال المبشر القادياني: "في هذا الحديث دلالة على إمكان النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, والجواب عن ذلك من وجوه:
أ- في هذا الحديث حسب الإسناد في غاية الوهن والفساد، فيه أبو شيبة بن إبراهيم بن عثمان، قال السندي(3) في تعليقه على سنن لابن ماجه: "وفي الزوائد في إسناده إبراهيم بن عثمان أبو شيبة قاضي واسط. قال فيه البخاري: "سكتوا عنه". وقال ابن المبارك: "ارم به". وقال بن معي : "ليس بثقة". وقال أحمد: "منكر الحديث". وقال النسائي: "متروك الحديث"(4). قال الذهبي: "كذبه شعبة"(5). هذا الراوي متفق على ضعفه فكيف يحتج بروايته.
__________
(1) الإصابة لابن حجر مع الاستيعاب ج2 ص263
(2) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ج6 ص 37.
(3) السنن لابن ماجه ج1 ص460.
(4) ميزان الاعتدال ج1 ص47.
(5) ج 1 ص47.(2/3)
ب- قد رويت آثار عن الصحابة تدل على خلاف ما استدل به هذا القادياني، منها ما روى عبد الله بن أبي أوفى، قيل له: "رأيت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مات وهو صغير ولو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي لعاش ابنه ولكن لا نبي بعده". رواه البخاري (1) في صحيحه وابن ماجه وأحمد في مسنده ولفظه: "ولو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم". منها عن أنس قال: "رحمة الله على إبراهيم لو عاش لكان صديقا نبيا". أخرجه أحمد بسند صحيح على شرط مسلم ورواه ابن ماجه في مسنده وزاد في روايته: "ولكن لم يكن ليبقى، لأن نبيكم آخر الأنبياء". ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وصححه(2) وهذه الروايات وإن كانت موقوفة فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها.
ج- إن كلمة لو لا تدل على الوقوع والثبوت كما ورد في القرآن الحكيم: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
(6) "أنا آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد". (مسلم)
قال المبشر القادياني: "قد بنيت مساجد كثيرة بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مسجده آخر المساجد على الإطلاق, بل معناه إن مسجده صلى الله عليه وسلم آخر المساجد بحيث لا يبنى مسجد بعده إلا وهو يوافق في طريق العبادة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخالفه كذلك من يأتي بعده من نبي؛ لا يخالفه بل يتبع هديه ويحكم بشريعته". انتهى ملخصا ومنقولا عن كلامه باللغة الأردية.
الرد على هذا الاستدلال من وجوه:
أ- لا بد من النظر في سباق هذا الحديث وسياقه وبذلك يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ومسجدي آخر المساجد".
__________
(1) مسند أحمد ج 3 ص282.
(2) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ج10 ص 577 كتاب الأدب.(2/4)
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر - وكانا من أصحاب أبي هريرة - أنهما سمعا أبا هريرة يقول: "صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وأن مسجده آخر المساجد". وفي رواية: قال لنا عبد الرحمن بن إبراهيم أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى عليه وسلم: "فإني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد "(1).
في هذا الحديث مقارنة بين المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الثواب كما ورد في هذا الباب حديث آخر يدل على فضل المساجد الثلاثة أي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى. فهذا السياق يدل على أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "مسجدي آخر المساجد", آخر مساجد الأنبياء ولا شك أن هذه المساجد الثالثة أسست بأيدي الأنبياء وتحت إشرافهم فتكون كلمة "أل" في المساجد عوضا عن المضاف إليه فصار المعنى مسجدي آخر مساجد الأنبياء وهذا التأويل يوافق ما ذكرناه في الحلقة الأولى من النصوص الصريحة الصحيحة التي تدل على انقطاع النبوة لجميع أنواعها, فلا بد من تقديم المنطوق الصريح على المفهوم المشكوك فيه كما صرح به علماء الأصول:
__________
(1) صحيح مسلم مع شرح للنووي ج9 ص164 الطبعة المصرية. كتاب الحج.(2/5)
ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه البزار في مسنده من زيادة في هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: "ومسجدي هذا آخر مسجد الأنبياء". ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وسكت عنه(1) وهذه الزيادة أخرجها ابن النجار في الدرة الثمينة(2) والديلمي في الفردوس كما أشار إلى ذلك المتقى الهندي في كتابه "كنز العمال" في باب فضل الحرمين(3). وأخرج الهيشمي هذا الحديث في كتابه مجمع الزوائد ونسبه إلى البزار، وقال: "فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف"(4). ولكن مع ضعف هذه الزيادة يستأنس بها لأن سياق الحديث الصحيح يوافق هذه الزيادة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
__________
(1) الترغيب لترهيب للمنذري ج2 ص 214.
(2) ج2 ص 357 الملحق بشفاء الغرام.
(3) ج5 ص361 على هامش المسند لأحمد بن حنبل.
(4) مجمع الزوائد ج 4 و ميزان الاعتدال ج4 ص213.(2/6)